You are on page 1of 30

‫الموسيقى والعلم والتكنولوجيا‬

‫عبدون‪ 19‬مارس‪ 2022334 ،‬مشاهدات‬ ‫‪ ‬المصطفى‬

‫الموسيقى والعلم والتكنولوجيا‬


‫قراءة المقال‪ ‬تحميل المقال‬

‫الملخص‪:‬‬
‫تع ّد ثورة المعلومات ال!تي يش!هدها الع!الم في ال!وقت الح!الي‪ ،‬إح!دى أه ّم مراح!ل التط! ّور في‬
‫تاريخ اإلنس!!انيّة‪ ،‬ومن أه ّم نتائجه!!ا التغ!!يرّات الك!!برى ال!!تي ح!!دثت في الص!!ناعة الموس!!يقيّة‪،‬‬
‫ونماذجها في اإلبداع واإلنتاج والتوزيع‪ ،‬والتّشارك في مضامينها ومحتوياته!!ا‪ .‬فق!!د أص!!بحت‬
‫الموسيقى‪ ‬تتب ّوأ مكان ة ها ّم ة ض من فن ون التعب ير ال رقم ّي على مختل ف الوس ائط الحديث ة‪،‬‬
‫خاص‪ .‬وتجد مختلف الفعالياّت والمهن الموس يقيّة ض الّتها في‬ ‫ّ‬ ‫وعلى شبكة اليوتيوب بشكل‬
‫اإلمكانات الهائلة الّتي تتيحها التكنولوجيا الرقميّة في شتّى المراحل والعمليّات التي يم ّر بها‬
‫العم ل الموس يق ّي‪ ،‬ب دءا من الفك رة‪ ،‬وص وال إلى‪ ‬اإلنت اج‪ ‬واإلش هار والتّس ويق‪  .‬ولم تع د‬
‫الطرائق التقليديّة مجدية لالشتغال في هذا المجال‪ ،‬كما في باقي مجاالت اإلبداع األخرى‪ ،‬بل‬
‫أصبحت التحواّل ت الرقميّة تف رض على الع املين في المج ال الموس يق ّي الحاج ة إلى تأهي ل‬
‫الحقل الموسيق ّي برمته من أجل مواكبتها‪.‬‬
‫الكلم ات المفتاحيّ ة‪ :‬العلم‪ ،‬الموس يقى‪ ،‬الث!!!ورة التكنولوجيّ!!!ة‪ ،‬اإللكتروني!!!ات‪ ،‬ال!!!ذكاء‬
‫االصطناع ّي‪.‬‬

‫‪:Abstract‬‬

‫‪ -1‬المق ّدمة‪:‬‬
‫ال يمكن للم!!رء الي!!وم أن يتح ! ّدث عن الموس!!يقى دون استحض!!ار التقني!!ة واألس!!س النظريّ!!ة‬
‫المصاحبة لها‪ .‬ولدراسة تط ّور الموسيقى المعاصرة‪ ،‬الب ّد من استحضار اتجاهيْن ضرورييْن‪!:‬‬
‫التط! ّور التكنول!وج ّي والتط! ّور النظ!ريّ‪ .‬وتكمن أهمي!!ة اس!!تخدام التقني!ات الجدي!دة في كونه!ا‬
‫ّ‬
‫ووس!عت مفه!!وم اآلل!!ة الموس!!يقيّة‪.‬‬ ‫خلقت أدوات موسيقيّة جديدة على حساب األدوات التقليديّة‬
‫ي القط!!ع م!!ع المقارب!!ات التقليديّ!!ة للموس!!يقى في زمن‬ ‫وبالموازاة مع ذلك أراد االتّج!!اه النظ!!ر ّ‬
‫العولمة الخاص بعصرنا الّذي يتميّز بالتداخل بين التأثيرات الثقافيّة وانتش!!ار أنم!!اط وأس!!اليب‬
‫إبداعيّة متع ّددة وطرق مختلفة للعمل الموسيق ّي على نطاق عالم ّي‪.‬‬
‫فقد منحت التقنيات التسجيليّة مفاهيم ونظريات جديدة في أسلوبيّة الم!!ادة الموس!!يقية وطرحه!!ا‬
‫ودمجها وتركيبه!!ا‪ ،‬ومنحت ك!!ذلك للمتلقّي إمكان!!ات عدي!!دة تتعلّ!!ق بكيفيّ!!ة تع!!اطي الموس!!يقى‪.‬‬
‫وهكذا فتاريخ الموسيقى في القرن العشرين يتميّز بعمق مساهمة اإللكترونيّ!!ات‪ ،‬كم!!ا أف!!رزت‬
‫الثورة الرقميّة أشكااًل جديدة في التعبير الموسيقي بطرق غير معهودة لبلوغ جماهير متن ّوع!!ة‬
‫وبمواصفات متع ّددة‪ ،‬وق َّدمت إمكانات غير معتادة في تفاعل المتلقي مع المضامين اإلبداعيّة‪،‬‬
‫ال بل إن المتلقّي قد بات في ظلّها‪ ،‬يقوم بأدوار جعلته في قلب منظوم!!ة إنت!!اج القيم!!ة‪ ،‬تجميعًا‬
‫وصياغةً‪ ،‬وتخزينًا وتوزيعًا على نطاق يتجاوز بكثير ما عهدناه من قبل‪.‬‬
‫تش ّكلت في عصرنا الحالي متغيّرات كثيرة في ظ ّل الثورة التكنولوجيّة وثورة االتّصاالت‪ ،‬فقد‬
‫أصبحت الموسيقى تحت ّل مكانة مهاّة ضمن فنون التّعبير ال!!رقم ّي بمختل!!ف الوس!!ائط الحديث!!ة‪،‬‬
‫للتوس!ل بالوس!!ائط الرقميّ!!ة وبرمجياته!!ا‬
‫ّ‬ ‫وأصبح التأليف الموسيق ّي يحت!!اج إلى كف!!اءات عالي!!ة‬
‫الفعاّلة والمتط ّورة باستمرار‪ ،‬والتي من شأنها أن تيسّر عمليّات الت!!أليف والتوزي!!ع والتس!!جيل‬
‫والمعالجة الرقميّة‪ ،‬فضال عن إمكانيات هائلة لتوظيف المؤثرات‪.‬‬
‫وتع ّد ثورة المعلومات الّتي يشهدها العالم في ال!!وقت الح!!الي‪ ،‬إح!!دى أه ّم مراح!!ل التط ! ّور في‬
‫تاريخ اإلنس!!انيّة‪ ،‬ومن أه ّم نتائجه!!ا التغ!!يرّات الك!!برى ال!!تي ح!!دثت في الص!!ناعة الموس!!يقيّة‪،‬‬
‫ونماذجها في اإلبداع واإلنتاج والتوزيع‪ ،‬والتش!!ارك في مض!!امينها ومحتوياته!!ا‪ .‬وتعت!!بر ه!!ذه‬
‫المرحلة انقالبا ً على النموذج التقليدي فق!د أص!بحت ت!راعي الض!رورة! التفاعليّ!ة‪ ،‬والمش!ترك‬
‫ي الزم!!ن ّي والمك!!اني‪ ،‬فانتش!!رت ش!!بكة اإلن!!ترنت في كاف!!ة أرج!!اء‬ ‫الجماع ّي في بعده االنتشار ّ‬
‫المعم!!ورة‪ ،‬وربطت أج!!زاء ه!!ذا الع!!الم المترامي!!ة بفض!!ائها الواس!!ع‪ ،‬وتع!!زز ذل!!ك ب!!المواقع‬
‫االجتماعيّة على تنوعها‪ ،‬وانتشر هذا المحتوى المتع ّدد الوس!!ائط بش!!كل هائ!!ل خالل الس!!نوات‬
‫الماضية ويتميز بالتفاعل وما بعد التفاعل‪.‬‬
‫أن التكنولوجيا قد أضافت سمات جديدة للموسيقى‪ ،‬إال أنّها في الوقت نفسه تك!!اد‬ ‫وال مراء في ّ‬
‫تس!!لب المب!!دع مه ّمت!!ه األساس!يّة‪ .‬وهي رب!ط المتلقي ب!!الواقع والتّفاع!ل مع!ه ورص!د تفاص!يل‬
‫أحداثه ومتابعة متغيرّاته واستشراف توقّعاته‪ ،‬فنجدها تتميّز بخصائص عديدة تؤهّلها إلرس!!اء‬
‫عالقة وطيدة مع الموسيقى‪ .‬ولكن ‪-‬ومما ال شك فيه – أنّه!!ا ق!!د أص!!بحت تمثّ!!ل تهدي!!داً حقيقي!ا ً‬
‫للمب!!دع س!!واء من جه!!ة إنتاجه!!ا كم!!ا ًّ وكيف!اً‪ ،‬أو من جه!!ة طبيع!!ة عمل!!ه وأس!!لوبه الشخص!!ي‪،‬‬
‫فالتكنولوجيا قادرة على نس!!خ إب!!داعاتها وإع!!ادة اس!!تخدامها وتوظيفه!!ا‪ ،‬وم!!ازالت تتط! ّور في‬
‫قفزات مذهلة يعجز المتخصصون أنفسهم عن متابعتها في غضون بضعة عقود‪.‬‬
‫أن التكنولوجيا الحديثة قد أثّرت بشكل واضح في حياة اإلنسان‪ ،‬سواء بالس!!لب‬ ‫ومن المسلّم به ّ‬
‫أو باإليج!!اب‪ ،‬وظه!!ر ه!!ذا في مج!!ال الموس!!يقي بش!!كل ع!!ا ّم س!!واء في الغن!!اء أو التس!!جيالت‬
‫الصوتيّة أو التدوين الموس!!يقي‪ ،‬إذ أص!!بح من الممكن إخ!!راج أص!!وات موس!!يقية آليّ!!ة تق!!ترب‬
‫كثيرا من نوعيّة األصوات الحيّة أو خلق أخرى جديدة ذات طبيعة اصطناعيّة‪ .‬والسؤال الذي‬
‫يفرض نفسه هو‪ :‬ما الذي يجعل الموسيقى والتكنولوجيا اليوم متالزمين؟‬

‫‪ -2‬الموسيقى والتكنولوجياّت الجديدة‪:‬‬


‫قب!!ل وص!!ول التقنيّ!!ات الجدي!!دة‪ ،‬ك!!ان اإلب!!داع الموس!!يقي محص!!ورا في المع ! ّدات الموس!!يقيّة‬
‫التقليديّة‪ ،‬ولكن بفضل الطفرة التي حصلت مع اآللة‪ ،‬من ناحية‪ ،‬والتح!!ول الجم!!الي من ناحي!!ة‬
‫أخرى‪ ،‬عرف اإلبداع الموسيقي اليوم مزيدا من الحري!!ة‪ .‬ل!!ذا ف! ّ‬
‫!إن الكم!!بيوتر والتكنولوجيّ!!ات‬
‫الحديثة رسخا مواقف إبداعيّة جديدة تتح ! ّدى الع!!ادات التأليفيّ!!ة الموس!!يقيّة من خالل النمذج!!ة‪.‬‬
‫وأصبح المؤلف يش!تغل على الص!وت وبالص!وت‪ ،‬ويمكن!ه التفك!ير بش!كل مس!تم ّر في الم!ا ّدة‬
‫وتنظيمه!ا‪ ،‬وهك!ذا‪ ،‬وألو ّل م!رّة في ت!اريخ الموس!يقى يم!زج اإلب!داع الموس!يقي بين عمليّ!ات‬
‫اإلنتاج واألداء والتفكير في الكتابة الموسيقيّة بشكل مختلف‪.‬‬
‫ثم ع ّدلت الرؤي!ة الجدي!دة العالق!ة اآلليّ!ة‪ ،‬فق!د أص!بح المؤلّ!ف في مرك!ز عمليّ!ة اإلب!داع كم!ا‬
‫أيض!!ا العالق!!ات بين الملحّن والم!!ؤدي وك!!ذلك موق!!ف المس!!تمع من االس!!تماع‪ّ .‬‬
‫إن‬ ‫تغ!!يرّت ً‬
‫التغ!!يرات التكنولوجيّ!!ة غ!!يرت ظ!!روف اإلنت!!اج والتلقي‪ ،‬وك!!ذلك ظ!!روف وج!!ود الظ!!اهرة‬
‫الموس!يقيّة نفس!ها‪ ،‬م ّم!ا أ ّدى إلى ش!كل جدي!د من التص!نيع للموس!يقى‪ ،‬وبالت!الي ّ‬
‫ف!إن التقنيّ!ات‬
‫الجديدة غيّرت وضع القطعة الموسيقية والموسيقى نفسها من خالل كسر القواعد الكالسيكيّة‪،‬‬
‫ويش!!ير “دولي!!اج”‪ ،Célestin Deliège‬إلى ّ‬
‫أن جي!!ل الموج!!ات الكهربائيّ!!ة الص!!وتيّة في‬
‫الموسيقى هو بالتحديد ال!!ذي أنهى ت!!اريخ اله!!ارموني في الغ!!رب‪ .‬وتجلى ت!!داخل تخصّص!!ات‬
‫الفن والعل!!!وم والتكنولوجي!!!ا بالخص!!!وص في والدة الموس!!!يقى الملموس!!!ة ع!!!ام ‪la 1945‬‬ ‫ّ‬
‫‪ musiqueconcrete‬في اس!!!توديوهات تلفزي!!!ون الرادي!!!و الفرنسي‪ .ORTF‬وق!!!د تميّ!!!زت‬
‫بوسائل تكنولوجيّة خالص!!ة في تأليفه!!ا وإع!ادة عزفه!ا بك!!ل دق!ة ودون االعتم!اد على العام!!ل‬
‫البشريّ‪ ،‬وبعناصر صوتيّة ملموسة تتيح للمستمع مزاجا ً مختلفا ً عن الموسيقى المجردة‪.‬‬
‫استخدم “ش!!يفر”‪ Schaeffer‬األص!!وات المس!جّلة كم!!واد ص!!وتيّة‪ ،‬ثم ع! ّدلها في األس!!توديو‪،‬‬
‫وحرّره!!ا في!!ه‪ ،‬ولم يكن إنش!!اء األص!!وات بواس!!طة آل!!ة‪ ،‬ولكن يت ّم اس!!تخراجها من الواق!!ع‪،‬‬
‫وتس!!جيلها‪ ،‬ثم العم!!ل عليه!!ا‪ ،‬والتالعب به!!ا‪ .‬وفي ه!!ذا الس!!ياق‪ ،‬ع!!رف”ش!!يفر”‪Schaeffer‬‬
‫الموسيقى الملموسة التي اخترعها‪ ،‬على النحو اآلتي‪“ :‬ب!!دالً من مالحظ!!ة األفك!!ار الموس!!يقيّة‬
‫برموز نظريّة الموسيقى‪ ،‬وإسناد تحقيقها الملم!!وس إلى اآلالت المعروف!!ة‪ ،‬ف! ّ‬
‫!إن األم!!ر يتعل!!ق‬
‫بجمع الصوت الملموس‪ !،‬أينما أتى‪ ،‬واس!!تخالص القيم الموس!!يقيّة ال!!تي يحتويه!!ا ب!!القوة (…)‬
‫على عكس الرس!!م‪ ،‬تم تط!!وير الموس!!يقى ألول م!!رة دون نم!!وذج خ!!ارجي‪ ،‬مش!!يرة فق!!ط إلى‬
‫[‬
‫“القيم” الموسيقية المجردة‪ ،‬وتصبح ملموسة (أو تص!ويرية) عن!دما تس!تخدم كائن!ات ص!وتية‬
‫‪ ]1‬مستم ّدة مباشرة من العالم الخارجي لألصوات الطبيعية والضوضاء المعطاة”[‪.]2‬‬
‫وعلى خالف العادات الكالسيكيّة‪ ،‬تستخدم الموسيقى الملموسة الم!!واد لتص!!ور فك!!رة‪ .‬فهن!!ا ال‬
‫توجد مد ّون!!ة‪ ،‬لكن ش!!ريط مغناطيس!!ي‪ .‬فالموس!!يقى الملموس!!ة هي ع!!رض لخص!!ائص الك!!ائن‬
‫الصوتي‪ ،‬إنّها تريد تسجيل الظاهرة الصوتيّة وجعلها موضوعيّة من أجل تحدي!!د خصائص!!ها‪.‬‬
‫فبعد الحرب العالميّة الثانية‪ ،‬لعب اإلنتاج الموسيقي في االس!!توديوهات المص ! ّممة لالستنس!!اخ‬
‫والبث دورًا كبي ًرا في تطوير الموسيقى الجديدة‪ .‬وهك!!ذا أص!!بح االس!!تخدام التجري!!بي لتقني!!ات‬
‫الصوت الجديدة عنصرا أساسيّا في تكوين البحث الموسيقي‪ .‬وقد أدى تطوير التقنيات الجديدة‬
‫لإلبداع الموسيقي إلى اختفاء اآللة الموس!!يقية ك!!أداة مص!!نوعة لص!!نع الموس!!يقى‪ ،‬كم!!ا اختفت‬
‫العالقة معها‪ .‬ومع التقنيات الجديدة استبدلت اآللة التقليديّ!ة ب!أداة توليديّ!ة هي الكم!بيوتر ال!ذي‬
‫جعل من الممكن صنع الموسيقى دون اللّجوء إلى آلة موسيقيّة‪ ،‬فكان أن اإليماءات كمجموعة‬
‫من السلوكيّات الجسديّة المرتبطة بنشاطنا العضلي لتفسح المجال لمحاكاة اإليماءة اآلليّة‪.‬‬
‫في عام ‪ 1950‬ولدت الموسيقى اإللكترونيّة في األس!!توديو في كولوني!!ا (ألماني!!ا)‪ ،‬واقتص!!رت‬
‫على مصادر الصوت اإللكترونيّ!!ة‪ ،‬م!!ع ‪ .Eimert،Stockhausen،Meyer-Eppler‬تري!!د‬
‫هذه الموسيقى إنتاج الصوت بفض!!ل اإللكترونيّ!!ات من خالل جم!!ع االه!!تزازات ال!!تي تنتجه!!ا‬
‫وتح ّولها الدائرات! اإللكترونيّة لتترجم إلى اهتزازات صوتيّة بواسطة مكبّر الص!!وت‪ ،‬وتع!!الج‬
‫من أجل الحصول على ظاهرة صوتية محكومة‪  .‬ويُصنع الصوت اإللكترون ّي بواسطة جه!از‬
‫إلكتروني تماثلي ‪ .analogique‬وباإلضافة إلى الموسيقى الملموسة والموسيقى اإللكترونيّ!!ة‪،‬‬
‫أن أحدثوا تغيّ!يرات عميق!!ة في‬ ‫استخدم المؤلفون الكمبيوتر في عمليّة التأليف الموسيقي‪ ،‬فكان ْ‬
‫الموسيقى المعاصرة‪.‬‬
‫في عام ‪ 1956‬ظهر التأليف األوتوم!!اتيكي ال!!ذي أص!!بح فيم!!ا بع!!د يع!!رف بالت!!أليف المس!!اعد‬
‫بالكمبيوتر)‪ .La Composition Assistée par Ordinateur (CAO‬في جامعة إلينوي‬
‫(الواليات المتحدة) برمج “هيلير” و”إيزاكسون” حاسوب ‪ Illiac‬باس!!تخدام قواع!!د الت!!أليف‪،‬‬
‫ومثل قواعد الهارموني انطالقا من الحساب األوتوم!اتيكي لمجموع!!ة من البيان!!ات ش!!كلت قيم‬
‫العالمات الموسيقيّة‪ ،‬ثم المدونةَ الموسيقيّةَ التي حصل عليها العازفون بأدوات حقيقية‪ .‬وتعتبر‬
‫سنة ‪ 1957‬بداية التوليف الرقمي‪.‬‬
‫وكان تنفيذ أول برنامج لتوليف الصوت باستخدام الكم!!بيوتر بواس!!طة فري!!ق من قس!!م أبح!!اث‬
‫بيل مختبرات الهاتف في الواليات المتح!!دة‪ ،‬بقي!!ادة “م!!اكس م!!اثيوز” و “ريس!!يت”‪ .‬وُأج!!ري‬
‫التسجيل الرقمي األ ّول‪ .‬وكان البرن!!امج األو ّل متاحًا في ع!!ام ‪ ،MUSIC III !:1959‬وه!!و‬
‫أ ّول برنامج توليف موسيقي يحتوي على وحدات افتراضية‪ ،‬ث ّم ت ّم تطويره ليص!بح ‪MUSIC‬‬
‫‪ ،IV‬و‪ MUSIC V‬وتلته أجيال أخرى من برامج تركيب الصوت ال ت!!زال مس!!تخدمة ح!!تى‬
‫اليوم‪ .‬ومن خصائص هذا البرنامج أنّه ينشئ مجموعة متن ّوع!ة من ال!برامج المختلف!!ة‪ .‬وهك!!ذا‬
‫تح ّول الكمبيوتر إلى آلة إلصدار األص!!وات‪ .‬وفي!!ه يحتس!!ب الص!!وت‪ ،‬رقم!!ا ويمكن للمعالج!!ة‬
‫الرقميّة االستفادة من القدرات الرياضيّة والمنطقيّة للكمبيوتر‪.‬‬
‫وقد اعتبر “ريس!!يت” أن!!ه باس!!تخدام الكم!!بيوتر‪ !،‬لم يحص!!ل هن!!اك تح! ّول‪ ،‬ب!!ل وق!!ع اس!!تغالل‬
‫إمكانات مفتوحة لتسمح للرقم أن يخضع لمقاربة رمزيّة لص!!فة األص!!وات‪ .‬ولكن ال م!!راء في‬
‫أن توظي!!ف التقني!!ات الرقميّ!!ة والكم!!بيوتر ق!!د جلب الدقّ!!ة والتك!!اثر والتن!! ّوع في المعالج!!ة‬
‫ّ‬
‫اإللكترونيّة‪ ،‬ذل!!ك أنّه!!ا تس!!مح بالس!!يطرة على جمي!!ع ج!!وانب األص!!وات المعق!!دة‪ .‬مم!!ا يجع!!ل‬
‫ضا قادرا على تعديل األصوات! المسجلة رقميًا‪ ،‬وبالتالي أداء نفس أنواع التالعب‬ ‫الكمبيوتر أي ً‬
‫مثل الموسيقى الملموسة‪.‬‬
‫ي في الموسيقى خالل الثلث األخير من القرن العش!!رين‬ ‫إن البحث الجذر ّ‬‫ويمكن القول إجماال ّ‬
‫أساسا قد تميّز باستخدام اآللة المستقلّة عن اإلنسان والمبرمج!!ة ب!!دالً من األدوات الميكانيكيّ!ة‪،‬‬
‫إذ يمكننا ذكر سببيْن يدفعان المؤل!!ف إلى اللّج!!وء إلى االبتك!!ار الموس!!يقي‪ :‬األ ّول ه!!و ش!!عوره‬
‫بعدم قدرته على إدراك أفكاره بالمواد الموج!!ودة‪ ،‬والث!اني ه!و إحساس!ه بالرغب!!ة في اخ!!تراع‬
‫أن هذه األفكار الجدي!دة تحت!!اج إلى تط!!وير أش!!كال موس!يقيّة جدي!!دة‪ .‬وهك!!ذا‬‫أدوات جديدة‪ ،‬أو ّ‬
‫فالبحث الموسيقي يدفع المؤلّف إلى إدراك النماذج واألفك!!ار ال!!تي تحت!!اج إلى التوحي!!د‪ ،‬مثلم!!ا‬
‫يدفعه إلى المشاركة في تش!!كيل ه!!ذه المف!!اهيم ذاته!!ا‪ ،‬ولم يع!!د الملحّن ب!!دوره ق!!ادرًا على أخ!!ذ‬
‫مواده كأمر مسلم به بل بات مضط ّرا إلى المشاركة بنفسه في تطويرها‪.‬‬
‫أن التفكير في المواد الصوتيّة قد بات يسمح بعزل الصوت‪ ،‬وتحديده كشيء في ح!! ّد‬ ‫وآية ذلك ّ‬
‫ذاته واعتباره مادة‪ ،‬وأصبح العمل المع ّمق عليه ممكنًا‪ .‬ا ّما التقنيات الجديدة فساعدت على ح ّل‬
‫الحدود بين الصوت والتأليف‪ ،‬إذ يمكن للمؤلّف أن يؤلّ!!ف باألص!!وات‪ ،‬وأن يؤلّ!!ف األص!!وات‬
‫نفسها‪ ،‬فيذوب الح! ّد الفاص!!ل بين الم!!ادة والش!!كل‪ .‬ومن هن!!ا يمت! ّد النش!!اط الت!!أليفي إلى الم!!ادة‬
‫الصوتيّة‪ ،‬فيص!بح المؤلّ!ف دائم التفك!ير بعم!ق وحري!ة في مت!ه (الص!وت‪-‬الج!وهر) والتنظيم‬
‫الموسيقي (التأليف‪-‬الشكل)‪ ،‬وبالتالي تمنح التقنيات الجديدة للموسيقى حرية أك!!بر في الت!!أليف‬
‫وتسرع تطوير اإلبداع الموسيقي‪.‬‬
‫وعلى هذا النّحو أص!!بح المؤلّ!!ف منتجًا للنم!!اذج‪ ،‬ويمكن!!ه التح ّكم في جمي!!ع مراح!!ل اإلب!!داع‪،‬‬
‫فيك!!ون في ال!!وقت نفس!!ه ملحّنًا ومؤ ّديًا‪ .‬ولم تل!!غ تكنولوجي!ا المعلوم!ات‪ ،‬في الحقيق!!ة‪ ،‬قواع!د‬
‫التأليف‪ ،‬ولكن وسعت المساحة اإلبداعي!!ة‪ ،‬وح! ّددت بدق!!ة أك!!بر م!!ا يري!!د المؤل!!ف وض!!عه في‬
‫قطعته الموسيقية‪ .‬على ال!!رغم من االبتك!!ارات التكنولوجي!!ة والتغ!!يرات في األدوات والط!!رق‬
‫الجديدة للتأليف‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يبقى السؤال الكبير حول التأليف‪ ،‬وهو‪ :‬كيف يمكن اس!!تخدام م!ادة‬
‫ما وتحويلها إلى شيء يخاطب اإلحساس؟ وكي!!ف يمكنن!!ا أن نص!!در أص!!واتا له!!ا الق!!درة على‬
‫تحريك المشاعر؟‬
‫تميل التقنيات الجديدة إلى تفضيل اختفاء الحدود بين المؤلف والمؤدي من جهة‪ ،‬وبين المؤلف‬
‫والجمهور من جهة أخرى‪ ،‬لقد انفتحت الحدود بين اإلنتاج والتلقي‪ .‬وتح ّولت طبيعة العالق!!ات‬
‫بين الجهات الفاعلة‪ ،‬إذ غالبًا ما يقوم شخص واحد ب!!دور الملحن والم!!ؤدي‪ .‬فهن!!اك تح! ّول في‬
‫العالقات مع الجمهور‪ ،‬ويجب على المستمع أن يوجّه استماعه باهتمام‪ ،‬وهك!!ذا ج!!رى تح!!ول‬
‫آخر في طبيعة االستماع‪ :‬من االستماع السلبي إلى االستماع النشط‪.‬‬
‫إن دراسة التقني!!ات الجدي!!دة لإلب!!داع الموس!!يقي تس!!لّط الض!!وء بش!!كل أساس! ّي على الطف!!رات‬
‫ّ‬
‫األساسيّة للتطور الموسيقي على ثالثة مستويات‪:‬‬
‫ي لألداة ال!تي أص!بحت أداة تكنولوجيّ!ة ووس!يلة يس!تخدمها‬ ‫–‪ ‬المستوى المادي‪ :‬تح! ّول ج!ذر ّ‬
‫الموسيقي لتحقيق غاياته‪ ،‬وهي النتيجة الصوتيّة‪ ،‬مما يؤ ّدي إلى اختفاء العالقة اآلليّة‪.‬‬
‫–‪ ‬المستوى النظري‪ :‬تغيير في قواعد التأليف والعمل على الصوت نفس!!ه‪ ،‬إذ نظ!!ر إلي!!ه على‬
‫أنّه ما ّدة في ح ّد ذاته‪ .‬وبناء على ذلك صار الملحّن يتمتّع بسيطرة كاملة على الص!!وت‪ ،‬يؤل!!ف‬
‫ب!!ه‪ ،‬ويف ّك!!ر باس!!تمرار في!!ه كمعطى م!!ادي والموس!!يقي (التنظيم)‪ .‬ويتحكم في جمي!!ع مراح!!ل‬
‫سيرورة اإلبداع‪.‬‬
‫–‪ ‬المستوى التفاعلي‪ :‬حدثت طفرة في التّفاعالت بين األداة وبين الجه!ات الفاعل!ة في عمليّ!ة‬
‫اإلبداع‪ .‬ولم يعد التفاعل بين الموسيقار وآالته قويًا وحميميًا وجسديًا‪ ،‬بل أصبح باردًا وبعي!!دًا‪.‬‬
‫وتغيّر االتّصال مع الجمهور‪ ،‬وكذلك التفاعالت بين الملحن والمؤدي‪ .‬وهك!!ذا يمكن الق!!ول ّ‬
‫إن‬
‫طبيعة التف!!اعالت بين الجه!!ات الفاعل!!ة في س!!يرورة اإلب!!داع الموس!!يقي ق!!د تغ!!يرت‪ ،‬ولم يع!!د‬
‫المل ّحن والمؤدي يحافظان على تفاعالت مهمة كما هو الحال في اإلنت!اج الموس!يقي التقلي!دي‪.‬‬
‫مثلما اختفى االندماج التقليدي بين الملحن والجمهور‪ .‬وأصبحت هذه الوظ!!ائف الجدي!!دة تجلب‬
‫أشكاالً وأساليب في اإلبداع الموسيقى‪.‬‬
‫كان اإلبداع الموسيقي محدودًا بإمكانيّات اآللة‪ ،‬بفضل طفرة اآللة نفسها‪ ،‬من ناحي!!ة‪ ،‬وبفض!!ل‬
‫التح ّول النظري من ناحية أخرى‪ ،‬ويعرف اإلبداع الموسيقي اليوم المزيد من الحرية‪ ،‬بفض!!ل‬
‫التقنيات الجديدة التي باتت تسمح لإلبداع بتحرير نفسه من القيود الماديّ!!ة‪ .‬ل!!ذلك تتح! ّدى تقني!!ة‬
‫المعلوم!!ات األش!!كال التقليديّ!!ة لإلنت!!اج الف!!ني والتواص!!ل الجم!!الي‪ .‬مم!!ا يس!!اعد على التم!!اس‬
‫وظائف عقليّة أخ!!رى لتحف!!يز مواق!!ف جدي!!دة تجلب أش!!كاالً جدي!!دة من الفن‪ .‬وال م!!راء في ّ‬
‫أن‬
‫العالقة مع العمل الموسيقي في سياق الرقميّة قد أص!!بحت غ!!ير ماديّ!!ة‪ ،‬إالّ أنّ!!ه يجب التح!!ذير‬
‫من وجود رؤية حتميّة تجاه الموسيقى باستخدام التقني!!ات الجدي!!دة‪ ،‬ويمكن أن نالح!!ظ‪ ،‬بيس!!ر‪،‬‬
‫أن التقنيات تغير عالقاتنا مع العالم‪ ،‬من خالل قوة تأثيره!!ا‪ ،‬إذ‬ ‫مع “ماكليهان” ‪ّ MacLuhan‬‬
‫تق!!وم تكنولوجي!!ا المعلوم!!ات‪ ،‬دون ش!!ك‪ ،‬بتحوي!!ل الس!!يرورة اإلبداعي!!ة‪ ،‬ولكن ه!!ذه التقني!!ات‬
‫الجديدة ليست وحدها من يحدث تأثيرا مباشرا على تطور اإلبداع الموسيقي‪ ،‬ف!!التط ّور يت ّم من‬
‫خالل التقنيات واألفكار الموسيقية‪.‬‬

‫ويمكن القول‪ ،‬في س ياق للح ديث عن التكنولوجي ا وعالقته ا بالمك ان االفتراض ي‬ ‫‪‬‬
‫الذي تخلقه المؤثرات‪ ،‬إنّ التكنولوجيا ألغت البُعد المكاني وذلك بإيجاد رابط ق ويّ‬
‫بين أجهزة التشغيل الخاصة وبين المكان‪  .‬هذه األجهزة التي تخلق تجربة خاص ة‬
‫تجع ل المتلقي ه و المس تمع الوحي د للموس يقى المس جّ لة ال تي تع د محاول ة لنق ل‬
‫الموسيقى الحية‪ .‬وبذلك يصير جه از التش غيل والس مّاعات ه و الع رض والقاع ة‬
‫دخل ص وت المك ان المحي ط بص وتيّاته‬ ‫االفتراض ية في ال وقت نفس ه‪ ،‬دون أن يت ّ‬
‫وتفاصيله وشوائبه الذي ُتسمع في ه الموس يقى‪ ،‬فالس مّاعات تع زل ص وت المك ان‬
‫المحي ط ليبقى فق ط ص وت الموس يقى المس جلة ال ذي ُتس مع من خالل‬
‫السماعات‪ .‬بذلك يمكننا القول إنّ جهازا مثل “اآلي بود” قد نجح ً‬
‫كلية في إلغاء بعد‬
‫المك ان الحقيقي‪ .‬وتلعب الغرف ة المعزول ة ال دور نفس ه‪ ،‬ولك ّنه ا في النهاي ة مقي دة‬
‫بمساحة ما وبأشخاص آخرين‪ .‬لكن جهاز “اآلي البود” يكسر تل ك المس احة تما ًم ا‬
‫ّ‬
‫المتمثل ة في‬ ‫ليتحوّ ل إلى مكان وقاعة متنقلة‪ ،‬فيستغني المستمع عن القاعة الحقيقيّة‬
‫األوبرا أو المسرح أو بيته ويلغي عنصر المكان‪.‬‬
‫وخالصة القول أنّ الس يرورة اإلبداع ّي ة للموس يقي ترتب ط بعوام ل ع دة ب دءًا من‬ ‫‪‬‬
‫تجربة الف ّنان الشخصيّة‪ ،‬وتفاعله مع األحداث االجتماع ّي ة واالقتص اديّة المحيط ة‪،‬‬
‫وصواًل إلى عوامل مثل التكنولوجيا والمكان‪ ،‬وقد يكون ذلك الت أثر بش كل واع أو‬
‫غير واع‪ .‬في الماضي كانت المرحلة اإلبداعيّة تبدأ بفكرة أو مجموعة من األفكار‬
‫لدى الموسيقي ال ذي يق وم بانتق اء بعض ها م ع أخ ذه بعين االعتب ار المك ان ال ذي‬
‫س ُتعرض في ه تل ك المقطوع ة‪ .‬إذ ح تى زمنن ا ه ذا‪ ،‬م ازال المك ان‪ ،‬الحقيقي أو‬
‫االفتراضي‪ّ ،‬‬
‫مؤثرا في السيرورة اإلبداعيّة وتلقينا لها[‪.]3‬‬
‫‪ -3‬تعريف الموسيقى اإللكترونية‪:‬‬
‫[‬
‫تض ّم الموسيقى اإللكترونيّة مجموعة متن ّوعة من االتّجاهات التاريخيّة والممارس!!ات الجمالية‬
‫‪ ،]4‬تم تجريبها بش!كل منتظم ودقي!ق من قب!ل الطليعيّين في الموس!يقيّة الغربي!ة من الثالثينيّ!ات‬
‫إلى الخمسينيّات‪ ،‬وق!!د تط!!ورت من نهاي!!ة األربعينيّ!!ات إلى بداي!!ة الخمس!!ينيات داخ!!ل مراك!!ز‬
‫البحث واالس!!توديوهات المؤسس!!ية والممول!!ة من قب!!ل اإلذاع!!ات العا ّم!!ة أو الجامع!!ات‪ .‬ثم‬
‫أص!!بحت تخ!!ترق ت!!دريجيّا ً ع!!الم الموس!!يقى الش!!عبية مث!!ل الب!!وب وال!!روك والج!!از وال!!ريغي‬
‫والفان!!ك‪ ،‬ثم الديس!!كو والهيب ه!!وب‪ ،‬بفض!!ل اخ!!تراع اآلالت اإللكتروني!!ة‪ ،‬وإض!!فاء الط!!ابع‬
‫الديمقراطي عليه‪ .‬ومنذ نهاي!!ة الثمانيني!!ات‪ ،‬ش!!هدت الموس!!يقى اإللكترونيّ!!ة توس!عًا جدي!دًا م!!ع‬
‫ظه!!ور “اله!!اوس والتكن!!و””‪ ،”la house et la techno‬وتم!!تزج ه!!ذه الموس!!يقى م!!ع‬
‫اإليقاعات الشعبيّة‪ ،‬أ ّما روادها فَهُ ْم موسيقيّون “أمريكيين سود”‪.‬‬
‫أ ّدى نجاح ه!!ذيْن الن!!وعيْن الش!!ائعيْن من موس!!يقى ال!!رقص في التس!!عينيات إلى تط!!ور س!!ريع‬
‫للمشهد الموسيقي األوروبي واألنجلو ساكسوني‪ ،‬وذل!!ك ألن “اله!!اوس والتكن!!و””‪la house‬‬
‫‪ ”et la techno‬يتألّف من العديد من األنواع الفرعيّة الموسيقيّة تهم جمه!!ورا واس!!عا‪ ،‬ب!!د ًءا‬
‫من عا ّمة الناس إلى األكثر تجريبيّة‪ .‬وخالل عام ‪ ،2000‬انتشرت هذه االتّجاهات اإللكترونية‬
‫المختلفة في القارات جديدة‪ :‬أمريكا الجنوبيّ!!ة وآس!!يا وأفريقي!!ا وذل!!ك بفض!!ل دمقرط!!ة برن!!امج‬
‫ضا من خالل التنزيل والقرصنة‪ .‬ويعبّ!!ر ه!!ذا عن‬ ‫‪( MAO‬الموسيقى بمساعدة الكمبيوتر) وأي ً‬
‫الطبيع!!ة المعقّ!!دة والمتع ! ّددة للموس!!يقى اإللكترونيّ!!ة‪ ،‬إنّه!!ا في ال!!وقت نفس!!ه موس!!يقى متعلّم!!ة‬
‫وموسيقى طليعيّة وتجريبيّة‪ ،‬ولكنها أيضًا موسيقى شعبيّة وراقصة وعفويّة‪ ،‬تس!!تم ّد جوهره!!ا‬
‫من ديناميكيّة موسيقى “السود” وابتكاراتها في الواليات المتّحدة وجامايك!!ا‪ ،‬وك!!ذلك من روح‬
‫البحث الشكالني للموسيقى الغربيّة‪.‬‬
‫وسنحاول اإلجابة عن مجموعة من اإلشكاليّات ذات صلة بما تق ّدم بيانه‪ ،‬منها‪ :‬ما مدى ت!!ورّط‬
‫الموسيقييّن في التغير ال!!ذي ط!!رأ على دور اآلالت اإللكترونيّ!!ة؟ وكي!!ف ي!!ؤثّر إدخ!!ال اآلالت‬
‫اإللكترونيّة وإعادة تكوين مج!!ال الممارس!!ات الموس!!يقيّة والس!!معيّة؟ ث ّم كي!!ف يخفي مص!!طلح‬
‫الموسيقى اإللكترونيّة تن ّوع هذه المراحل الفنيّة وكنهها؟ مع علمنا ّ‬
‫أن الموسيقية تش!!مل أنواع!!ا‬
‫مختلفة من األشكال‪ ،‬وتالمس جمهورًا متنوعًا‪ ،‬وتمتد ألكثر من نصف قرن من الت!!اريخ‪ .‬فم!!ا‬
‫الذي نسميه بالضبط “موسيقى إلكترونية”؟‬
‫إذا كان هذا المصطلح يفرض نفسه اليوم على أنّه واض ٌح وكلّ َي الوجود‪ ،‬فه!!و بعي!!د ك!!ل البع!!د‬
‫عن كونه مصطلحا دائما‪ ،‬إذ هناك اختالفات حول المفهوم بالرغم من القواس!!م المش!!تركة بين‬
‫األساليب المعنيّة وأنواع الموسيقى التي تجمع تحت هذا االسم‪ ،‬إال أنّها تختلف من وجهة نظر‬
‫ّ‬
‫خاص !ة به!!ا وال تق!!وم على نفس‬ ‫اجتماعيّ!!ة أو جماليّ!!ة أو وظيفيّ!!ة وذل!!ك ألن ل!!ديها اس!!تقاللية‬
‫المشاريع والرّهانات‪.‬‬
‫فاإللكترونيّات هي فرع من فروع الفيزياء التطبيقيّة‪ ،‬تتعامل مع تشكيل اإلش!ارات الكهربائيّ!ة‬
‫لنقل المعلومات‪ ،‬لذلك تح!!دد الموس!!يقى اإللكتروني!!ة أ ّوالً على أنّه!!ا مجموع!!ة من الممارس!!ات‬
‫الموس!!يقيّة القائم!!ة على اس!!تخدام اآلالت‪ ،‬أو اآلالت ال!!تي تولّ!!د ت!!ر ّددات ص!!وتيّة من تش!!كيل‬
‫اإلش!!ارات الكهربائيّ!!ة‪ .‬ه!!ذا ه!!و التعري!!ف ال!!ذي أعطان!!ا إي!!اه “هرب!!رت إيم!!رت””‪Herbert‬‬
‫‪ ،”Eimert‬في أص!!!ل ه!!!ذه الموس!!!يقى‪ :‬على عكس الموس!!!يقى الملموس!!!ة‪ ،‬ال!!!تي تس!!!تخدم‬
‫التسجيالت باستخدام الميكروفونات‪ ،‬وبها يت ّم إنتاج الصوت بواسطة مولد الص!!وت وتس!!جيله‬
‫على شريط مغناطيسي‪ .‬عندها فقط يبدأ تطويرها بالتالعب باألشرطة المعقدة والمتباينة[‪.]5‬‬
‫وم!!ع ذل!!ك‪ ،‬يبقى ه!!ذا التعري!!ف التق!!ني ع!!اجزا عن البحت وعن إعط!!اء رؤي!!ة دقيق!!ة له!!ذه‬
‫الممارسة الموسيقيّة‪ .‬ويع ّرف “غيوم كوسميكي””‪ ،”Guillaume Kosmicki‬مؤلّف كتاب‬
‫“الموسيقى اإللكترونيّة” الموسيقى اإللكترونية بأنّه!!ا “مجموع!!ة من الموس!!يقيّات تعتم!!د على‬
‫األصوات أو توليفها ومعالجتها‪ ،‬ثم تس!!جيلها‪ ،‬بع!!د ذل!!ك‪ ،‬كإش!!ارات تماثليّ!!ة ‪ analogique‬أو‬
‫رقميّة تهدف إلى تضخيمها ثم إعادة إرسالها عبر مكبّرات الصوت”‪ .‬هذا التعريف له قدر من‬
‫الص!!واب! والوض!!وح وال!!تركيب‪ ،‬وم!!ع ذل!!ك‪ ،‬فإنّ!!ه يحت!!وي على عيب في تحدي!!د العدي!!د من‬
‫الممارسات الموسيقية الحاليّة‪ ،‬التي‪ ،‬في الوقت الذي تستفيد في!!ه الموس!!يقى بش!!كل متزاي!!د من‬
‫التكنولوجيا اإللكترونيّة وتستعير ببعض النم!!اذج التركيبي!!ة المتميّ!!زة للموس!!يقى اإللكتروني!!ة‪،‬‬
‫فإنّها ال تدعي صراحة جمالياتها”[‪.]6‬‬
‫لذلك يجب معالجة السؤال بشكل مختلف‪ ،‬يقدم “طوم هولميس‪ ،“ Thom Holmes‬مؤل!!ف‬
‫كتاب‪“ :‬الموسيقى اإللكترونية والتجريبية” تعريفًا قريبًا إلى ح!!د ما[‪ ،]7‬ولكن أك!!ثر ديناميكيّ!!ة‪،‬‬
‫بن!!ا ًء على ممارس!!تيّن ت!!اريخيتيْن متوازي!!تيْن‪ .‬يتعلّ!!ق األم!!ر بالموس!!يقى اإللكترونيّ!!ة البحت‬
‫والموسيقى الكهربائيّة الصوتيّة‪ .‬ينشُأ النوع األو ّل من الموج!!ات الص!!وتيّة المتولّ!!دة كهربائيًا‪،‬‬
‫من خالل استخدام أجهزة الكمبيوتر أو المزج بينها‪ ،‬وتتك ّون هذه الموس!!يقى دون اس!!تخدام أ ّ‬
‫ي‬
‫ي صوت موجود في بيئتنا‪ ،‬بينما يستخدم النوع الثاني التكنولوجيا اإللكترونيّ!!ة‬ ‫آلة صوتيّة أو أ ّ‬
‫لنسخ األصوات وتع!!ديلها ومعالجته!!ا انطالق!!ا من بيئتن!!ا الخارج!!ة من خالل اس!!تخدام تقني!!ات‬
‫االستنساخ مثل الميكروفون! أو مس!!جل األش!!رطة أو جه!!از أخ!!ذ العين!!ات الرقمي!!ة‪ .‬ويمكن أن‬
‫تكون األصوات المستخدمة من أي نوع‪ :‬اآلالت الصوتيّة واألصوات الطبيعيّ!!ة أو األص!!وات‬
‫الحضريّة‪ .‬هذان المحوران يمكنهم!!ا أن ين!!دمجا في ممارس!!ة الموس!!يقى نفس!!ها‪ ،‬ويجعالن من‬
‫الممكن وصف تجارب رواد الخمسينيات‪ ،‬وكذلك إنتاج ثقافة الرقص والموسيقى الشعبية‪.‬‬
‫توس !ع التكنولوجي!!ا اإللكتروني!!ة للمؤل!!ف الموس!!يقي في اكتش!!اف أبع!!اد ص!!وتيّة‬ ‫تكمن أهمي!!ة ّ‬
‫ونفسيّة جديدة تت ّم عبر تقديم طرق فنيّة جدي!!دة لتط!!وير الم!!واد الص!!وتيّة‪ .‬وه!!ذا م!!ا ع!!ب ّر عن!!ه‬
‫“إن العالقة البنية‪/‬المادة هي التي تحّد المعاملة بالمث!!ل‬ ‫“بييربوليز‪ ” Boulez Pierre‬بقوله‪ّ :‬‬
‫بين إيماءات الملحن و …تكنولوجيا اإلنجاز…” ‪ .‬في الواق!ع‪ ،‬ليس!ت األداة هي ال!تي تم!ارس‬
‫[‪]8‬‬

‫ت!!!أثيرًا إب!!!داعيًا على المفه!!!وم الموس!!!يقي للملحّن‪ ،‬ولكن‪ ،‬كم!!!ا يق!!!ول “ليجي!!!تي”‪LIGETI‬‬
‫‪ ”,Gyôrgy‬الفكر الذي يحيط به!ذه التقني!ة‪ ،‬فك!ر مب!ني على مس!تويات مختلف!ة من التجري!د‪،‬‬
‫تفكير بالعالمات”[‪ .]9‬وهو ما يسمح للملحّن بتطوير طريقة عم!ل تق!وم على تحلي!ل األص!وات‬
‫وجعل القوى الداخليّة لألص!!وات واح!!دة من نق!!اط االنطالق لعمل!!ه التأسيس!!ي وال!!تي يمكن أن‬
‫[‬
‫“تخصب الفكر والخيال الفني‪ ،‬وبالتالي يكون لها ت!أثير مثم!ر على تط!وير موس!يقى جدي!دة”‬
‫‪.]10‬‬
‫من الواضح جدًا ّ‬
‫أن الكم!!بيوتر أص!!بح الي!!وم نقط!!ة محوري!!ة في أ ّ‬
‫ي أس!!توديو إلك!!تروني حيث‬
‫يأتي كل موسيقي لرسم أصواته مع معرفة المواد الصوتية التي يحتاجه!!ا‪ ،‬ولئن ك!!انت أدوات‬
‫البرمجيّات الجديدة توفر مزايا ال تضاهى من جهة المرونة والحفظ‪ ،‬فإنّها تتطلب أيضًا يقظ!!ة‬
‫شخصية كبيرة‪ .‬وأخ!!يرًا‪ ،‬ال تختل!!ف الموس!!يقى اإللكترونيّ!!ة في ه!!ذه النقط!!ة عن تل!!ك ال!!تي ت ّم‬
‫تأليفه!!ا لألوركس!!ترا‪ ،‬وعلى المؤل!!ف دائمًا أن يخت!!ار الخي!!ارات ويتخ!!ذ الق!!رارات ويتوالّه!!ا‬
‫بحريته‪.‬‬

‫ال يمكن للموسيقيّ أن يكون مس ايرا ل روح العص ر‪ ،‬م ا لم يكن قريب ا من ص ورة‬ ‫‪‬‬
‫التح وّ الت الرقم ّي ة الجاري ة في ع الم الي وم‪ .‬وه ذا راج ع إلى ارتب اط الموس يقى‬
‫تصوّ را وإبداعا‪ ،‬وإنتاجا وتلقيا بوسائط رقم ّي ة غاي ة في التعقي د والد ّق ة والفعال ّي ة‪،‬‬
‫خاصّة ما يتعلّ ق منه ا بالحواس يب وش بكة ال ويب‪ .‬ول ذلك ال يمكن تص ور أبس ط‬
‫مواكبة لهذا الواقع الجدي د دون مواكب ة معرف ّي ة تنهض على امتالك ح ّد أدنى من‬
‫المعرف ة المعلومات ّي ة‪ .‬ل ذلك يحت اج الت أليف الموس يقي إلى كف اءة عالي ة للتوس ل‬
‫بالوسائط الرقميّة وبرمجياتها الفعالة والمتطورة باستمرار‪.‬‬
‫وقد أصبح بإمكان ك ّل موسيقي محترف أو هاو اليوم أن ينش ئ اس تديوها مص ّغرا‬ ‫‪‬‬
‫في مكتبه‪ ،‬بفضل توافر الحواسيب ومختلف األجهزة الص وتيّة والمرئ ّي ة… وه و‬
‫ما من شأنه أن ييسّر له عمليات التأليف والتوزي ع والتس جيل والمعالج ة الرقمي ة‪،‬‬
‫فض ال عن إمكان ّي ات هائل ة لتوظي ف الم ؤثرات‪ .‬ويس تفيد الموس يقي من ك ّل ه ذا‬
‫بفضل العديد من البرمجيّات لكتاب ة األلح ان وت أليف االنس جامات وق راءة النوت ة‬
‫وترجمة الجمل الموسيقيّة الواردة إلى الحاسوب من آل ة موس يقيّة رقمي ة‪ ،‬كالبي ان‬
‫الرقمي الذي يعرف أجياال جديدة‪ ،‬من بينه ا تل ك ال تي ت دعم الس يكاه واإليقاع ات‬
‫الشرقية… عالوة على ما تتيحه شبكة ال ويب من مس احات غ ير مح دودة لتقاس م‬
‫الملفاّت وتنسيق العمل بين الموسيقيين عن بعد‪ ،‬والقيام بالدعاية واإلعالن للمنتوج‬
‫الموسيقي وتسويقه[‪.]11‬‬

‫‪ -4‬اإللكترونيّة في الموسيقى‪:‬‬
‫كثيرًا ما نتح ّدث عن الموسيقى اإللكترونيّة دون أن نعرف حقيقة إن كانت هذه التّسمية تحيلن!!ا‬
‫على نمط موسيقي جديد‪ ،‬أو تعني ببساطة االستخدام المتزايد لآلالت اإللكترونيّة التي تح ّولت‬
‫إلى آالت موسيقيّة‪ ،‬فأصبحت تعرف بالموسيقى المعاصرة‪ .‬حسب المنظور الث!!اني‪ ،‬ال وج!!ود‬
‫للموسيقى اإللكترونيّة‪ ،‬فتسمية “موسيقى إلكترونيّة” تعمل كحجّة تجاريّة حديث!!ة ال كممارس!!ة‬
‫موس!!يقيّة متف!!رّدة‪ .‬ل!!ذلك ّ‬
‫ف!!إن تحليلن!!ا لن يهت ّم بالموس!!يقى اإللكترونيّ!!ة ب!!ل باإللكترونيّ!!ة في‬
‫الموس!!يقى كنم!!ط موس!!يقي الب!!د من أن ت!!وفّر في!!ه مجموع!!ة من الط!!رق ال!!تي يوظّ!!ف فيه!!ا‬
‫[‬
‫اإللك!ترون ّي في الموسيقى‪ !:‬تمش واض!ح وتموضعات فنيّة تنب!ني في عالقته!ا باآللة اإللكترونيّة‬
‫‪.]12‬‬
‫يُقصد عادة بالتاريخ اإللكترونيّة في الموس!يقى[‪“ ،]13‬الموس!يقى اإللكترونيّ!ة”‪ ،‬وتع!ني أص!ول‬
‫تقنية تخصّ البحث واالكتشاف اإللكترون ّي‪ ،‬فيقع إهمال األصل الفني وتجاهله‪ .‬وه!!ذا م!!ا ينتج‬
‫مجموعة من القراءات المش ّوهة والمقتضبة لتاريخ الممارس!!ة الفنيّ!!ة الموس!!يقيّة والس!!معيّة في‬
‫القرن العشرين‪ .‬هذه القراءة المش! ّوهة ق!!د ال تك!!ون نتيج!!ة خط!!إ في الق!!راءة‪ ،‬ب!!ل هي الحاج!!ة‬
‫[‬
‫(غير الواعية في أغلب األحيان) إلى تبرير الهيمنة اإلعالميّ!ة لخط!اب ف!ن ّي ح!ول الموس!يقى‬
‫‪.]14‬‬
‫من نافل!ة الق!ول الت!ذكير ب!أن الخط!اب الت!اريخ ّي‪ ،‬بوص!فه عمليّ!ة بن!اء للماض!ي انطالقًا من‬
‫الحاضر‪ ،‬إنما هو ضرب من إع!ادة لألم!وات إلى ذاكرتن!ا في ص!!ورة تختل!ف‪ ،‬حس!!ب ك!اتب‬
‫التاريخ‪ ،‬سواء كان األمر يتعلّق بإرساء وجهة نظر مهيمنة‪ ،‬أو اإليهام بوجود ممارس!!ة تعت!!بر‬
‫أقليّ!!ة‪ .‬من الم!!دهش أن ن!!رى ع!!دد المق!!االت أو الكتب المخصّص!!ة الي!!وم لت!!اريخ الموس!!يقى‬
‫ي إلى االس!!تخدام‬
‫اإللكترونيّة‪ ،‬والتي تعيد رسم هذه المغامرة منذ االكتش!!اف العلم ّي لإللك!!ترون ّ!‬
‫المخص!ص إلنت!اج الموس!يقى من ط!رف ملح!نين كب!ار‪ ،‬ك!ارلهينز ستوكهوسن‪ ،‬بي!ار‬ ‫ّ‬ ‫الح!ال ّي‬
‫شافر‪ ،‬جون كايج‪ ‬وصواًل إلى القطيعة في السبعينيات عندما فتحت تجارة اآلالت اإللكترونيّ!!ة‬
‫الطريق أمام ممارسات موسيقيّة‪  ‬جديدة أكثر شعبيّة (تكنو‪ ،‬هيب هوب‪ ،‬هاوس‪ ،‬دي‪-‬جي[‪.]15‬‬
‫أن الممارسة الفنيّة هي باألساس سياسيّة‪ ،‬إذ أنّها تنخرط في حق!!ل عالق!!ات‬ ‫ومن البداهة القول ّ‬
‫الق!!!وى االقتص!!!اديّة‪ ،‬اإليديولوجيّ!!!ة والرمزيّ!!!ة‪ ،‬مثلم!!!ا أنّه!!!ا تنخ!!!رط في مقاوم!!!ة التالعب‬
‫اإلي!!ديولوجي‪ ‬من خالل عمليّ!!ات انحي!!از رمزيّ!!ة‪ ،‬وهي‪ ،‬من حيث هي حرك!!ة فرديّ!!ة‪ ،‬تعطي‬
‫معنى للع!!الم ال!!ذي نعيش في!!ه‪ .‬وتظ!لّ‪ ،‬م!!ع ذل!!ك‪ ،‬متوقف!!ة على م!!ا تحقق!!ه من ممارس!!ة معيّن!!ة‬
‫لإللكترونية في الموس!!يقى‪ .‬ألن!!ه ال وج!!ود لموس!!يقى إلكترونيّ!!ة بص!!فة عا ّم!!ة كنم!!ط موس!!يق ّي‬
‫مرتبط بتقنية معيّنة‪ ،‬بل هي عبارة عن مجموعة من المراحل الفنيّة الستعادة التقنية من جديد‪.‬‬
‫ومص!!در الموس!!يقى ال!!تي تس!!مى “إلكترونيّ!!ة” ليس والدة اإللكتروني!!ة كتقني!!ة ب!!ل في تع ! ّدد‬
‫الوسائل التي تستعيد اآلالت اإللكترونيّة من خالل حركة انحياز رمزيّة‪.‬‬
‫ي فيما يتعلّق بتعريف معنى الممارسة الفنيّة وجوهرها‪ :‬مسألة العالقة‬ ‫هنا يُطرح سؤا ٌل محور ّ‬
‫بين الفن والتقنية‪ .‬ما الذي يميّز ّ‬
‫الفن عن التقنية؟ يعت!!بر الفن في الم!!وروث الغ!!رب ّي‪ ،‬المرتب!!ط‬
‫ب!الفكر اليون!اني‪ ،‬ض!ربا من التقني!ة‪ ،‬من ه!ذا المنظ!ور‪ ،‬ال يختل!ف ّ‬
‫الفن عن التقني!ة ولكن في‬
‫ي في ج!!زء‬ ‫عالقته معها‪ .‬هذه العالقة التي سنحاول ضبطها انطالقًا من مثال ت!!اريخ ّي مح!!ور ّ‬
‫كبير من التاريخ الموسيقي المعاصر‪ !:‬المستقبليون اإليطاليون‪.‬‬
‫إن الغاية من هذا المثال وعالقته بمسألة اإللكترونيّة في الموسيقى سيظهران أثناء التحلي!!ل‪ .‬فـ‬ ‫ّ‬
‫“لويجيروس!!ولو“‪ ،)1947-1885( ،‬وه!!و أه ّم الملح!!نين في الحرك!!ة الفنيّ!!ة المس!!تقبليّة‪ ،‬لم‬
‫يستعمل آالت إلكترونيّة في إنتاجه الموسيقي الجديد‪ .‬وهذا المثال ال يع ّد أقل أهميّ!!ة من مس!!ألة‬
‫استعمال اآلالت اإللكترونيّة التي ال تأخذ معنى حقيقيّا إال في نسق ت!!اريخي للث!!ورة الص!!ناعيّة‬
‫أي بظهور تقنية ستغيّر عالقتنا بالعالم (الكهرباء‪ ،‬اآلالت …)‪ .‬هذا التغيير لم يحصل إالّ على‬
‫ي (في الرفاهيّة التي يمكن أن تجلبها هذه االكتشافات)‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬هذا التغيير‬ ‫مستوى ماد ّ‬
‫يب ّدل نظرتنا للعالم‪ ،‬ويعيد تقطي!!ع وتش!!كيل المخطّط!!ات التمثيليّ!!ة ال!!تي تنظّم عالقاتن!!ا بالع!!الم‪:‬‬
‫السرعة‪ ،‬النجاعة‪ ،‬ال!!ترفيع في اإلنتاجيّ!!ة وبالت!!الي ال!!ترفيع في االس!!تهالك‪ ،‬ارتف!!اع إمكاني!!ات‬
‫الت!!دمير‪ ،‬تط!! ّور وس!!ائل االتص!!ال‪ ،‬تغيّ!!ر محيطن!!ا الس!!معي والم!!رئي … وتكمن أهميّ!!ة‬
‫الفن في الق!رن العش!رين‪ ،‬في ق!درتهم على إظه!ار المحت!وى الرم!زي‬ ‫المستقبليين‪ ،‬في تاريخ ّ‬
‫له!!!ذا التغيّ!!!ر وإب!!!رازه‪ !.‬في الس!!!ياق ال!!!ذي ت ّم االس!!!تعداد في!!!ه للح!!!رب العالميّ!!!ة األولى‪،‬‬
‫قام‪“ ‬لويجيروسولو”‪ ‬بكتابة بيان!ه ّ‬
‫“فن الض!جيج” (‪ .)1913‬وابتك!ر أوركس!ترا ب!آالت تص!در‬
‫ضجي ًجا‪ .‬فما الذي سعى روسولو إلبرازه؟‬
‫فإن “روسولو” قد خلق مجموع!!ة من‬ ‫ل ّما كانت اآلالت تُصنع عادة‪ ،‬لغاية براغماتيّة (نفعيّة)‪ّ ،‬‬
‫اآلالت التي تُصدر ضجيجًا بهدف إنت!!اج الموس!!يقى‪ ،‬وق!!ام بتغي!!ير وظيف!!ة اآلل!!ة لتنتج تمثّالت‬
‫رمزيّة‪ .‬وعمليّة االنحياز الرمزيّة هذه‪ ،‬هي المعنى الحقيق ّي للفعل الف!!ن ّي‪ ،‬وه!!و م!!ا يميّ!!زه عن‬
‫التقنية كوسيط مع عالم مح ّدد و ُم َم ْكنَن (ال َم ْكنَنَة)‪ .‬من الممكن أن يكون ه!!ذا العم!!ل االنحي!!ازي‬
‫الف!!ني مطابقًا لعم!!ل المخ!!ترع أو الب!!احث ال!!ذي يمهّ!!د من خالل اختراع!!ه لتقني!!ة م!!ا لظه!!ور‬
‫حساسيّة جديدة‪ .‬وكيفيّة عمل التقنية يأتي بعد عمليّة االختراع‪ ،‬فهي نتاج سلطة تقديريّة توجّ!!ه‬
‫ك ّ‬
‫أن عمليّ!!ة االنحي!!از‬ ‫االختراع باالرتكاز على ع ّدة عوامل مثل النجاعة والمردوديّ!!ة‪ .‬وال ش ! ّ‬
‫الفن والتقني!!ة‪ ،‬ولكن في طبيع!!ة‬ ‫الرم!!زي س!!تتبع آليًا االخ!!تراع‪ ،‬فالتض!!ارب ال يوج!!د إ ًذا بين ّ‬
‫العالقة مع التقنية وكيفيّة اشتغالها‪.‬‬
‫ي هذه ثنائيّة‪ :‬فهي تنحاز بالوسائل التقنية ال!!تي تح! ّدد ماهي!!ة عالقتن!!ا‬ ‫ّ‬
‫إن عمليّة االنحياز الرمز ّ‬
‫ي لما يك ّون محيطنا من خالل جهاز ذي مع!!نى يقط!!ع‬ ‫بالعالم‪ ،‬وتعمل على إعادة اكتساب رمز ّ‬
‫مع ك! ّل م!!ا س!!بقه‪ .‬هك!!ذا ك!!انت أولى اآلالت الموس!!يقيّة مج!رّد أدوات مطبخ بس!!يطة ت ّم تغي!!ير‬
‫طريقة استعمالها‪ .‬وعمليّة التغيير هذه حصلت في ج ّل اإلنتاجات الفنيّة‪ ،‬ولكن وقع حجبه!!ا من‬
‫أن الث!!ورة‬ ‫صصة في إنتاج الموسيقى والفن‪ .‬والمالحظ ّ‬ ‫طرف مؤسّسة اآلالت والتقنيات المتخ ّ‬
‫التقنية المفتوحة في العصر الصناعي تشجّع على تكرار هذه العمليّة بطريقة علنيّة وواضحة‪.‬‬
‫إن االنحياز بآالت إلكترونيّة إلنتاج الموسيقى ليس إالّ إمكانيّة ضمن اإلمكانيّات المفتوح!!ة من‬ ‫ّ‬
‫خالل إعادة التملّ!!ك الرّم!!زي آلث!!ار الث!!ورة التقني!!ة واحتماالته!!ا‪ .‬وه!!ذا المص!!طلح الفض!!فاض‬
‫“موسيقى إلكترونيّة” ال يأخذ بعين االعتبار أنواع المس!!ارات التقني!!ة ال!!تي تعي!!د تش!!كيل حق!!ل‬
‫[‬
‫الممارسة الموسيقيّة والمعاصرة‪ .‬وتُعرّف الموسيقى التّجريبيّ!ة كمس!ار ف!ن ّي ع!بر ثالث نق!اط‬
‫‪.]16‬‬
‫–أن انفجار مجال األصوات المح ّددة بموروث الموسيقى النّخبويّ!!ة من خالل إقح!!ام مجموع!!ة‬ ‫ّ‬
‫من األصوات التي تش ّكل محيطنا‪ .‬الموسيقى لم تعد تمتلك مكانًا خاصًا بها‪ ،‬ولكنّها تتط ! ّور في‬
‫قلب الممارسات اليوميّة‪ .‬وعمليّة التّش!!كيل (إنت!!اج مقطوع!!ة ص!!وتيّة) لم يع!د مص!!احبًا لعمليّ!ة‬
‫التشيؤ (إدخال سلسلة من األصوات في نظام مغلق يح ّدد الموسيقيّة) ولم يعد ُمؤ ّسسًا على لغ!!ة‬
‫أحاديّ!!!ة مص!!!طنعة (نظ!!!ام الدرج!!!ة الموس!!!يقيّة مثاًل ) في مقاب!!!ل لغ!!!ة جماعيّ!!!ة لالكتش!!!اف‬
‫اليومي‪ ‬للموسيقى الذي يم ّر عبر األداء الصوتي‪ ،‬وتتمثّل عمليّة التشكيل في ك ّل عمل يقوم ب!!ه‬
‫الفنان لخلق نظامه الخاصّ الذي ينظّم بواسطته األصوات مع مراعاة عامل الزمن‪.‬‬
‫–أن الموسيقى التجريبيّة ال تقصي الممارسة عن طريق التش!!يؤ ال!!ذي يق! ّدم النتيج!!ة الجماليّ!!ة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وهي تضع في نفس المستوى الممارسة والنتيجة‪ .‬وهكذا تزيح الحدود التي وضعها الموروث‬
‫ّ‬
‫والفن الص!!وتي ه!!و‬ ‫ي بين “الموسيقى” واإلنتاج الصوتي في عالقت!!ه ب! ّ‬
‫!الفن التش!!كيلي‪.‬‬ ‫النخبو ّ‬
‫تعبير فن ّي ناتج عن ه!!ذا التش!!ويش‪ .‬ألنّه!!ا ال تت!!و ّخى المس!!ار ال!!ذي يه!!دف إلى التش!!يؤ (ع!!زل‬
‫الصوت في مكان‪ /‬فضاء نخبويّ)‪.‬‬
‫لق!!د قلبت الموس!!يقى التّجريبيّ!!ة وض!!عيّة الفن!!ان‪ /‬الملحّن بوص!!فه شخص!!ا مع!!زوال أم!!ام عمل!!ه‬
‫(متموضع في فضاء نخبوي)‪ .‬وتتح ّدد ممارس!!ة الفن!!ان الص!!وتي في إط!!ار التقالي!!د الموس!!يقيّة‬
‫“النخبويّة” (ألنّها تتبّع مسارا يهدف إلى التّشكيل) واالكتشاف الص!!وتي المتواص !ل! (ألنّه!!ا ال‬
‫المفض!ل ليس‬‫ّ‬ ‫ف!إن مك!!ان ت!!د ّخلها‬
‫تتح! ّدد في فض!اء يس!!تبق مج!ال الممارس!!ة)‪ ،‬به!!ذا المع!نى‪ّ ،‬‬
‫المسرح‪ ،‬ولكن الفضاء االجتماعي‪.‬‬
‫–أن تد ّخلها في الفضاء االجتماع ّي يتح! ّدد‪ ،‬في مس!!توى مختل!!ف عن الممارس!!ة اليوميّ!!ة‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬
‫تنحت وتجع!!ل الي!!ومي ظ!!اهرًا من خالل أعم!!ال انحيازيّ!!ة رمزيّ!!ة‪ ،‬على ّ‬
‫أن الممارس!!ة الفنيّ!!ة‬
‫ي أو جم!!اع ّي‪.‬‬ ‫التجريبيّة لفنان ما ليست بالضرورة أحاديّ!!ة‪ ،‬فهي يمكن أن تتك! ّون بش!!كل ف!!رد ّ‬
‫ي من خالل إنتاجه وتحقيقه للفضاء باعتباره الغط!!اء ال!!ذي ت!!دور‬ ‫ويتف ّوق الجماع ّي على الفرد ّ‬
‫في!ه عمليّ!ة االنحي!از الرّم!زيّ‪ ،‬وه!و فض!اء اجتم!اع ّي رم!زي تختل!ط في!ه وتنقلب وض!عيات‬
‫الممثلين والمش!!اهدين وأدوارهم‪ .‬أ ّم!!ا الممارس!!ة الفرديّ!!ة فال يمكن أن تنتج فض!!اء‪ ،‬إذ يظ!! ّل‬
‫تد ّخلها في إطار التكتيك في مساحة ُم َحاطة بعوائ!!ق رمزيّ!!ة يمكن أن يبرزه!!ا‪ ،‬وال يق!!در على‬
‫تحويلها‪.‬‬
‫تعتبر الممارسة الفنيّة التي نط ّورها في جمعيّة ّ‬
‫الفن الص!!وتي‪ !،‬اس!!تئنافا له!!ذه الحرك!!ة ال!!تي ت ّم‬
‫أن الموس!!يقى‬ ‫الفن التش!!كيلي‪ .‬ذل!!ك ّ‬
‫تجاهله!!ا الي!!وم من ت!!اريخ الموس!!يقى‪ ،‬وك!!ذلك في ت!!اريخ ّ‬
‫التجريبيّة ال تسعى أن تكون كالموسيقى “النخبويّ!!ة” ب!!ل تس!!تعمل وس!!ائل “غ!!ير نخبويّ!!ة” أو‬
‫“شعبيّة” وهو ما يعني فرض نمط موسيق ّي جديد (مخالف للموسيقى الكالسيكيّة)‪ .‬فالموس!!يقى‬
‫التّجريبيّ!!ة تح!!اول‪ ،‬على العكس‪ ،‬إحب!!اط الهياك!!ل واألش!!كال المنظّم!!ة لإلنت!!اج والتّق!!ديم الف!!ن ّي‬
‫للصوت في مجتمعنا‪ ،‬بدءا بمفهوم “النّمط الموسيقي”[‪.]17‬‬
‫فإن مصطلح موسيقى إلكترونيّة يب!!دو رجعيًا‬ ‫وفقا لـ “صوفي غوسالن” و”جوليان أوتافي”‪ّ ،‬‬
‫ألنّه يحاول اختزال مسار فنّي في نمط موس!!يق ّي‪ ،‬ه!!و مج!رّد نم!!ط بين مجموع!!ة من األنم!!اط‬
‫األخرى‪ ،‬وإن كان جدي!!دا‪ ،‬ش!!يء جدي!!د لالس!!تهالك‪ ،‬مص!!در جدي!!د لل!!ربح الم!!اديّ‪ ،‬وإن ك!!ان‬
‫المصطلح! ق!د ع!اد بق! ّوة الي!!وم‪ ،‬ف!!ذلك عائ!د ألس!!باب أيديولوجيّ!ة متعلّق!!ة بالس!لطة‪ .‬ولكن ه!!ذه‬
‫السلطة لم تعد تلك التي تهدف إلى ترميم موروث في خطر‪ ،‬بل سلطة الشركات العالميّة ال!!تي‬
‫تسعى إليهامنا بأنّنا‪ ،‬وحتى نكون مواكبين للموضة الموس!!يقيّة‪ ،‬أي نك!!ون متج! ّددين‪ ،‬الب! ّد من‬
‫شراء آالت إلكترونيّة مصنوعة على المقاس‪ .‬هكذا‪ ،‬يقع توظيف الموسيقى الشعبيّة والتالعب‬
‫بها إعالميًا وتحويلها إلى موسيقى تجاريّة تتح ّول إلى موضة‪.‬‬
‫أن‪ ‬وس!!ائل اإلعالم تض!!ع‬ ‫إن الذين اعتقدوا أنّهم اس!!تقطبوا‪ ،‬هم في الحقيق!!ة مس!!تقطبون‪  .‬ذل!!ك ّ‬
‫ّ‬
‫صورة ما تنسيهم جوهر ممارستهم‪ ،‬أي الهدف من اس!!تخدام آالت إلكترونيّ!!ة‪ .‬ه!!ذه الص!!ورة‪!،‬‬
‫التي تنتجها الشركات العالميّة‪ ،‬تجد مساندة من أشباه المثقّفين الذين يبرّرون الهيمن!!ة التجاريّ!!ة‬
‫لكن عص!!ر ه!!ذه الحرك!!ات ق!!د‬‫من خالل خلق تيّارات وحركات طليعيّة بطريق!!ة اص!!طناعيّة‪ّ .‬‬
‫ولّى‪ ،‬ولع ّل خير دليل على ذلك هو انتظ!!ار المؤسس!!ات لحرك!!ة طليعيّ!!ة تض!!في ش!!رعيّة على‬
‫وجودها[‪.]18‬‬
‫‪ -5‬الموسيقى والذكاء االصطناعي‪:‬‬
‫أن اآلل!!ة تف ّك!!ر بالفع!!ل‪ ،‬فه!!و يه!!دف إلى فهم طبيع!!ة ال!!ذكاء‬
‫ينطل!!ق ال!!ذكاء االص!!طناعي من ّ‬
‫اإلنسان ّي عن طريق عمل برامج للحاسوب اآلل ّي القادر على محاكاة السلوك اإلنسان ّي المتّس!!م‬
‫بالذكاء‪ .‬وهذا يعني ق!!درة برن!!امج معيّن في حاس!!وب على ح! ّل مس!!ألة م!!ا أو اتّخ!!اذ ق!!رار في‬
‫!أن البرن!!امج نفس!!ه ق!!ادر على أن يج!!د‬‫موقف ما‪ ،‬بناء على وصف لهذا الموق!!ف‪ ،‬واالعتق!!اد ب! ّ‬
‫أن تتّب!ع لح! ّل المس!ألة أو للتوص!ل إلى الق!رار المناس!ب ب!الرجوع إلى‬ ‫الطريقة[‪ ]19‬ال!تي يجب ّ‬
‫العديد من العمليّات االستدالليّة المتن ّوعة التي تغذي بها البرنامج‪.‬‬
‫ويعتبر هذا نقطة تحول ها ّمة يتجاوز ما هو معروف باسم “تقني!!ة المعلوم!!ات” ال!!تي تت ّم فيه!!ا‬
‫العمليّة االستدالليّة عن طريق اإلنسان‪ ،‬وتنحصر أه ّم أسباب اس!!تخدام الحاس!!وب في س!!رعته‬
‫الفائق!!ة‪ ،‬رغم أنّن!!ا ال نس!!تطيع أن نع!!رف ال!!ذكاء اإلنس!!ان ّي بش!!كل ع!!ا ّم‪ ،‬في أنّ!!ه يمكن أن نلقي‬
‫الضوء على عدد من المع!!ايير ال!!تي يمكن الحكم علي!!ه من خالله!!ا‪  .‬منه!!ا الق!!درة على التعميم‬
‫والتجريد‪ ،‬والتعرف على أوجه الشبه بين المواقف اﻟﻤﺨتلفة والتكيّ!!ف م!!ع المواق!!ف المس!!تج ّدة‬
‫واكتشاف أخطاء الذكاء االصطناعي وتصحيحها لتحسين األداء في المستقبل‪.‬‬
‫وكث!!يرا م!!ا ق!!ورن ال!!ذكاء االص!!طناع ّي خط!!أ بالس!!برانية ‪ Cybernétique‬ال!!تي تختصّ‬
‫بالخصائص الرياضيّة ألنظمة التغذية الراجعة‪ ،‬وتنظ!!ر إلى اإلنس!!ان كم!!ا ل!!و أن!!ه جه!از آل ّي‪،‬‬
‫بينم!!ا يهت ّم علم ال!!ذكاء االص!!طناع ّي بالعمليّ!!ات المعرفيّ!!ة ال!!تي يس!!تخدمها اإلنس!!ان في تأدي!!ة‬
‫األعمال التي نع ّدها ذكيّة‪ .‬وتختلف هذه األعمال اختالفا بيّنا في طبيعتها‪ .‬ويبدأ الباحث في علم‬
‫الذكاء االصطناعي عمل!!ه أوال باختي!!ار إح!!دى األنش!!طة المتُّفَ!!ق على أنّه!!ا “ذكيّ!!ة”‪ ،‬ثم يض!!ع‬
‫بعض الفروض ع ّما يستخدمه اإلنسان لدى قيامه بهذا النش!!اط من معلوم!!ات واس!!تدالالت‪ ،‬ثم‬
‫يدخل هذه في برن!!امج للحاس!وب اآلل ّي‪ ،‬ثم يق!!وم بمالحظ!!ة س!لوك ه!ذا البرن!!امج‪ .‬وق!د ت!!ؤ ّدي‬
‫مالحظة البرنامج إلى اكتشاف أوجه القصور فيه مما يُفضي إلى إدخال تعديالت وتط!!وير في‬
‫أسسه النظريّة‪ ،‬وبالتالي في البرنامج نفسه‪ ،‬ويؤدي ه!!ذا ب!!دوره إلى س!!لوك مختل!!ف للبرن!!امج‬
‫وما يستتبعه من مالحظة وتطوير‪.‬‬
‫أن هناك خوارزما ‪ algorithme‬للتوصّل إلى ح! ّل لقض!يّة‬ ‫يهدف عالم الرياضيّات إلى إثبات ّ‬
‫م!!ا في ع!دد من الخط!وات ال يزي!د مثال عن س!!بع خط!!وات‪ ،‬بينم!!ا يس!!تخدم المش!!تغل بال!!ذكاء‬
‫االصطناع ّي ك ّل مهاراته لوضع’ برن!!امج لح! ّل مب!!ن ّي على ط!!رق اس!!تدالل س!!ليمة‪ ،‬أم!!ا ع!!دد‬
‫الخطوات التي يتطلبها الحل فليس لها الدرجة األولى من األهميّة‪ ،‬فاالتّج!!اه الس!!ائد في ال!!ذكاء‬
‫أن مبادئ التنظيم الجيّ!!دة أه ّم من س!!رعة الحس!!اب‪ ،‬وي!!برز دور الرياض!!يات‬ ‫االصطناعي هو ّ‬
‫أن أكثر فروع المنطق وض!!وحا في أذه!!ان الب!!احث‬ ‫على المستوى المنطقي‪ .‬وعلى الرغم من ّ‬
‫هو المنطق االستنباطي ‪ ،La logiquedéductive‬فمن المؤكد أنّ!!ه أق! ّل أهميّ!!ة من المنط!!ق‬
‫االس!!تقرائي أو االس!!تداللي ‪ la logique inductive inferentielle‬في معظم أنش!!طتنا‬
‫المتعلقة بالذكاء[‪.]20‬‬
‫‪ ‬ع ّرف “مكارثي” و “هايس”‪ ،‬الذكاء االصطناعي تعريفا مقتضبا‪ ،‬ولكنه يحمل حاليًا مذاهب‬
‫مص ّممي الروبوتات البحثيّة في كاليفورنيا‪ ،‬فقال‪“ :‬سنقول إن الكي!!ان ال!!ذك ّي ه!!و ال!!ذي يمتل!!ك‬
‫نموذجا مالئما للعالم الرياضي (بما في ذل!ك الع!الم الفك!!ري وال!ذي يجب أن يض!!اف إلي!ه فهم‬
‫للغايات الخاصة به والقدرة على أداء العمليات العقلي!!ة األخ!!رى)‪ ،‬إذا ك!!ان ه!!ذا الكي!!ان ق!!ادرا‬
‫على اإلجاب!!ة‪ ،‬وفقًا له!!ذا النم!!وذج‪ ،‬على مجموع!!ة واس!!عة من األس!!ئلة و ق!!ادرا أيض!!ا على‬
‫الحصول على معلومات إضافيّة من العالم الخ!!ارج ّي‪ ،‬ك! ّل م!رّة إذا ك!!ان ذل!!ك ض!!روريّا وفي‬
‫ي مه ّم!ة تتطلبه!ا أه!دافها وال!تي تس!مح به!ا قدرات!ه الفيزيقي!ة”[‪.]21‬‬ ‫السياق المحيط ب!ه‪ ،‬وأداء أ ّ‬
‫ولسائل أن يسأل‪ :‬هل يمكن لمفاهيم الذكاء االصطناع ّي أن تنطبق على البحث الموسيقي؟ وما‬
‫كيفيّة اس!تخدام األس!اليب االجتهاديّ!ة والتع!رّف على األش!كال في مج!ال الظ!واهر الص!وتية؟‬
‫أن ه!!ذه التطبيق!!ات مجدي!!ة‪ ،‬م!!ا هي األه!!داف‬ ‫أخ!!يرًا‪ ،‬على مس!!توى أك!!ثر عموميّ!!ة‪ ،‬إذا ثبت ّ‬
‫(اإلنسانيّة والجماليّة) التي س!!تخدمها؟ وم!!ا ه!!و الوج!!ه اإليج!!ابي في النهاي!!ة لخل!!ط الموس!!يقى‬
‫وأجهزة الكمبيوتر؟‬
‫أن المعلوميّات قد ت ّم إدخالها بالفعل على نطاق واسع في العدي!!د من األس!!اليب‬ ‫على الرّغم من ّ‬
‫ألن ذلك يتطلّب جه!!ودًا كب!!يرة‬
‫أن استعماالتها تبقى غالبا موضع تساؤل ‪ّ ،‬‬
‫]‬‫‪22‬‬ ‫[‬
‫“الموسيقية”‪ ،‬إال ّ‬
‫أن العمل الموس!يقي ه!و عب!ارة عن تك!وين من‬ ‫ومتزامنة للعديد من التخصّصات‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن ك! ّل ك!!ائن ص!!وتي (الج!!رس‪،‬‬ ‫عناصر صوتيّة تتش ّكل في بني!!ة‪ ،‬وت!!أتي أهميّت!!ه وقيمت!!ه من ّ‬
‫ص!وت إلك!تروني)‪ ،‬وكيفم!ا ت ّم دمج ه!ذه العناص!ر المختلف!ة‪ ،‬يش!كل هيكال ش!امال‪ .‬ويب!دو ّ‬
‫أن‬
‫“المشكلة” العظيمة للموسيقى المعاصرة هي عدم وجود لغة مناسبة لتمثيل األش!!ياء الص!!وتيّة‬
‫األوليّة وكذلك لوصف البنيات الموسيقيّة (التأليف) التي يتم دمجها‪ ،‬من ه!!ذا المنظ!!ور يمكنن!!ا‬
‫أن نتص ّور المساهمة الممكنة ألساليب الذكاء االصطناعي[‪.]23‬‬
‫إن الجهاز المناس!!ب‪ ،‬ال!!ذي يجع!!ل من الممكن تقلي!!ل أبع!!اد المش!!كلة يتمثّ!!ل في إنك!!ار الحاج!!ة‬‫ّ‬
‫!زتين‪ ،‬واح!!دة تص!!ف األش!!ياء‪ ،‬واألخ!!رى تبنيه!!ا وتص ! ّور مج!!االت‬ ‫المس!!بقة إلى لغ!!تيْن متميّ! ْ‬
‫الصوت والموسيقى على أنّهما ك ّل واح!د‪ ،‬م!ع ع!دم وج!ود انتق!االت كب!يرة عن!دما نعتق!د أنّن!ا‬
‫نتحرّك من واحد إلى آخر‪  .‬بمع!!نى آخ!!ر‪ ،‬يت!!ألّف الجه!!از من تجاه!!ل أي مس!!توى وس!!يط بين‬
‫المادة الصوتيّة الخام والتشكيل المنظّم للعمل الموسيقي‪ .‬ال تتحدى ه!!ذه الفرض !يّة وج!!ود ه!!ذه‬
‫المستويات المتوسّطة‪ ،‬ال بالنسبة إلى مؤل!!ف وال إلى مس!!تمع‪ ،‬ألن الت!!اريخ الكام!!ل للموس!!يقى‬
‫يظهر ذلك أيضًا‪ .‬ومن الواض!!ح أن األص!!وات! المنظم!!ة بال!!درجات؛ (ال!!تي تؤك!!د ببس!!اطة أن‬
‫التحليل “الميكانيكي”‪ ،‬أو على األق ّل غير المجسم لظاهرة الموسيقيّة) ال تنطوي على مراع!!اة‬
‫جميع المستويات التقليدية لمعنى الرسالة الموسيقية[‪.]24‬‬
‫ّ‬
‫المتوس!طة بين الم!واد الص!وتيّة الخ!ام ومعناه!ا‬ ‫ي يحت!اج إلى ه!ذه المراح!ل‬ ‫ّ‬
‫إن الذكاء البش!ر ّ‬
‫الموس!!يقي‪ ،‬ه!!ذا من ناحي!!ة‪ ،‬ومن ناحي!!ة أخ!!رى‪ ،‬س!!يكون ال!!ذكاء االص!!طناعي أك!!ثر مالءم!!ة‬
‫للمسار المباشر‪ .‬ولن ينك!!ر أح!!د أن مالحظ!ة وج!!ود مس!ار غ!ير مباش!!ر بين العم!!ل الص!!وت ّي‬
‫والموسيق ّي هي حجّة منطقيّة لصالح وجود طريق مباش!!ر‪ ،‬فتس ! ّمى “الموس!!يقى” “أي سلس!!لة‬
‫متصلة من التص ّورات! الصوتيّة التي نحن على استعداد لربط السّمات الموس!!يقية به!!ا‪ ،‬تتمث!!ل‬
‫أولى سماتها في الحقيقة البسيطة المتمثّلة في تسمية “الموس!!يقى” بم!!ا نس!!تمع إلي!!ه‪ .‬وبص!!رف‬
‫النظر عن هذه الس!!مة األساس!يّة الموس!يقيّة‪ ،‬يمكنن!ا العث!!ور على جمي!!ع الس!مات األخ!!رى في‬
‫مجموع األفكار التي كانت ل!!دينا دائمًا في الموس!!يقى‪ ،‬من الص!!فات ال!!تي ال تع! ّد وال تحص!!ى‬
‫المس!!تخدمة لوص!!ف ال!!درجات الزمنيّ!!ة إلى أك!!ثر المف!!اهيم تعقي !دًا المس!!تخدمة لتحدي!!د مع!!نى‬
‫األعم!!ال الموس!!يقية‪ ،‬وتق!!دم جمي!!ع أن!!واع الموس!!يقى ه!!ذه الثنائي!!ة بين األص!!وات (القطب‬
‫الملم!!وس)! والمف!!اهيم (القطب المج!!رد)‪ .‬أم!!ا بالنس!!بة إلى الروب!!وت الموس!!يقي‪ ،‬فليس هن!!اك‬
‫ي شكل من األشكال‪ ،‬مع األسباب التي تجعل البش!!ر يربط!!ون‬ ‫بالطبع أي مشكلة في تقديمه‪ ،‬بأ ّ‬
‫ّ‬
‫هذه الصفات الموسيقيّة أو تلك بمثل هذه الظواهر الصوتيّة أو تلك‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويُنصح “بتزويده بالبيانات التي يستوعبها تمامًا‪ :‬نع!!ني من ناحي!!ة أولى‪ ،‬وص!!ف كام!!ل‬
‫لسلسلة الصوت التي نرغب في تعيين سمة موس!!يقيّة له!!ا‪ ،‬ومن ناحي!!ة أخ!!رى‪ ،‬وص!!ف دقي!!ق‬
‫للصّفات المعيّنة‪ .‬وإذا أخذنا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬سلسلة من عشرات العالمات الموس!!يقيّة ال!!تي‬
‫ي أن نش!!ير إلى‬ ‫نعرّفه!!ا على اعتباره!!ا “لحن!!ا عس!!كريا بع!!زف على البي!!انو”‪ ،‬فمن الض!!رور ّ‬
‫الروبوت‪ !:‬لماذا تدرك فئة معينة من المستمعين ه!!ذه الظ!!اهرة الص!!وتيّة على ه!!ذا النح!!و؟ من‬
‫الممكن تما ًما إعطاء الروبوت الموس!!يقي وص!فًا ك!!امالً له!!ذا التواص!!ل الص!!وتي‪ ،‬م!!ع تس!!مية‬
‫تتك ّون من كلمات رئيسية‪“ :‬اللّحن العسكري‪ ،‬اثنتا عشرة نوت!!ة‪ ،‬بي!!انو‪ .‬والمقص!!ود بـالوصف‬
‫الشامل لهذه السلسلة الصوتيّة ه!!و ببس!اطة مجموع!!ة من عين!!ات الض!!غط المجه!!ري الالزم!!ة‬
‫لتحقيق هذه الظاهرة الصوتية”[‪.]25‬‬
‫‪-‬أن التقدير الموسيق ّي هو فقط نتيج!!ة تجرب!!ة موس!!يقيّة بحت‪،‬‬ ‫وهذا يعني ‪-‬على المستوى العام ّ‬
‫وأن األفكار التي يمتلكها المرء للموسيقى تعتم!!د على المعرف!!ة بالموس!!يقى فحس!!ب‪ ،‬وه!!و م!!ا‬ ‫ّ‬
‫أن مجال التقدير الموسيقي مغلق في ح ّد ذاته‪ .‬تتمثّل المهمة األساسيّة للروبوت‬ ‫يعني افتراض ّ‬
‫الموسيقي في تحديد الموسيقى الشائعة التي تُطبق عليها “ملصقات” مماثلة بشكل عا ّم‪ .‬وغني‬
‫فإن “الحدس” ألولئك ال!!ذين س!!يكتبون ب!!رامج الكم!!بيوتر‬ ‫عن القول أنّه في البداية على األقلّ‪ّ ،‬‬
‫الروبوت في نهاية المطاف مجرد مجموعة كبيرة من البرامج سوف تعكس إلى ح ّد ما مع!!نى‬
‫أن الكمبيوتر! قادر‪ ،‬من عينات مجهريّة تمثّل بشكل مث!!الي أي‬ ‫التسميات‪ .‬فهل يمكننا أن نتخيّل ّ‬
‫ظاهرة صوتيّة‪ ،‬التعرّف على األشكال ال!تي س!تكون في أس!اس المف!اهيم الموس!يقية؟ لإلجاب!ة‬
‫على ه!!ذا الس!!ؤال األساس!!ي‪ ،‬يق!!ترح “س!!كيفاغتون””‪ ”Skyvington William‬فرض!!يّة‬
‫بعبارات عا ّمة للغاية‪ ،‬إذ يمكن صياغتها على النحو التالي‪ :‬أي ظاهرة صوتيّة يمكن تفس!!يرها‬
‫على أنها رسالة موسيقيّة من قبل مستمع بالفعل في ح ّد ذات!!ه‪ ،‬ويت!!وفّر على جمي!!ع المعلوم!!ات‬
‫أن الروبوت الموسيقي الذي يعم!!ل على‬ ‫الالّزمة لتمييز معنى الرسالة الموسيقيّة‪ .‬من الواضح! ّ‬
‫هذه القواعد لن ينجح أبدًا في تعلّم كيف يتج ّمع المستمعون تحت تس!!مية “موس!!يقى بيته!!وفن”‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬س!!يتعين على الروب!!وت الموس!!يقي أن يتعلّم ب!!المعنى ال!!دقيق للكلم!!ة المف!!اهيم‬
‫الحقيقية التي تنبثق فقط من المعلومات الموجودة في الظواهر الصوتيّة‪.‬‬
‫إن العيّنات الرقميّة الناتجة عن التحويل التّماثلي ال!!رقم ّي لظ!!اهرة الص!!وت! س!!تتح ّول بال ش! ّ‬
‫ك‬ ‫ّ‬
‫بواسطة الكمبيوتر وفقًا للعمليّات الرياضيّة التي تحاكي تشغيل “معالج!!ة المعلوم!!ات” ب!!األذن‬
‫البشرية‪ .‬أي سيت ّم البحث عن نماذج من الرسومات الناتجة عن التح ّوالت الرياضيّة‪ .‬وبعب!!ارة‬
‫أخرى‪ ،‬نعتبر عمل األذن كعمليّة رياضيّة وعمل الدماغ كعمليّ!!ة تص!!ويريّة (أو بص!!رية)‪ .‬من‬
‫طرف إلى آخر في تطوير برامج الروبوت‪ ،‬سوف نستغل نهجًا اجتهادي!!ا ب!!المعنى التجري!!بي‪:‬‬
‫س!!يت ّم التحق!!ق من ك!!ل اق!!تراح‪ /‬نم!!وذج يقدم!!ه الروب!!وت عن طري!!ق الرج!!وع المنتظم إلى‬
‫أن الروب!!وت! “يفهم” في الواق!!ع مع!!نى مفه!!وم‬‫اختبارات المواد الصوتيّة الجديدة؛ نستنتج فقط ّ‬
‫موسيقي معيّن حتى ينجح في تصنيف أمثلة جديدة للموسيقى على أساس هذا الشكل‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫لن يفهم الروبوت حقًا “الجمي!!ل” في الموس!!يقى ح!!تى يتّف!!ق م!!ع مس!!تمع بش!!ري للعث!!ور على‬
‫موسيقى جديدة‪ ،‬هل هي جميلة أم ال‪ .‬ربما يجب أن ننتظر حتى نكون هناك لتطوير موض!!وع‬
‫الغايات التي يمكن أن تخدم هذا الروبوت‪ .‬ستعتمد فائ!!دتها‪ ،‬على أ ّ‬
‫ي ح!!ال‪ ،‬على ج!!ودة بيئته!!ا‬
‫الموسيقية‪ .‬هذا هو التحدي أمام مستخدميها الفنانين[‪.]26‬‬
‫إذا ك!!انت التكنولوجي!!ا الرقميّ!!ة تحت!!وي على موس!!يقى غ!!ير ماديّ!!ة‪ ،‬فه!!ل س!!يزيل ال!!ذكاء‬
‫ق أن‬ ‫االصطناع ّي الفنان نفسه؟ وهل الذكاء االص!!طناعي ق!!ادر على خل!!ق الفن؟ س!!ؤال يس!!تح ّ‬
‫ألن هذا السيناريو يميل إلى أن يصبح حتميّا‪ ،‬ما علينا سوى إلق!!اء نظ!!رة على الت!!أثير‬ ‫يطرح‪ّ ،‬‬
‫الذي أحدثه إنشاء برنامج “الموسيقى بمساعدة الكم!!بيوتر”(!‪  ! )MAO‬على موس!!يقى ال!!راب‪،‬‬
‫الذي يمنح الفرد فرصة للتأليف دون أن يكون موس!يقيًا “محترفًا”‪ .‬الطريق!ة ال!تي انتش!ر به!ا‬
‫!ذي مباش!!رة التط!!ورات الموس!!يقيّة‬ ‫أن التقدم التكنول!!وجي ال!!رقمي يغ! ّ‬
‫الراب تؤكد بوضوح تا ّم ّ‬
‫إن العالق!!ة بين الرقمي!!ة والهيب ه!!وب عالق!!ة‬ ‫والص!!ناعيّة واالقتص!!اديّة المرتبط!!ة ب!!الراب‪ّ .‬‬
‫توأميّ!!ة‪ ،‬وكالهم!!ا بمثاب!!ة ث!ورات في الت!اريخ‪ ،‬األولى ص!ناعيّة وتكنولوجيّ!ة‪ ،‬والثاني!ة ثقافيّ!ة‬
‫وموسيقيّة‪.‬‬
‫أن الذكاء االصطناعي قادر على خلق ّ‬
‫فن موسيق ّى؟‪ ‬‬ ‫فهل ّ‬
‫ليس مما يدخل في الذكاء االصطناع ّي أن تُترك مساحة كب!!يرة للفن!!انين ال!!ذين يخت!!ارون ع ! ّدة‬
‫أغان إلدخالها في قاعدة البيانات‪ ،‬ثم يقوم المبدع والحاسوب بتحرير جمي!!ع األعم!!ال النهائيّ!!ة‬
‫قبل الضغط عليها على القرص‪ .‬وإن كان جوهر الذكاء االصطناعي والتكنولوجيا بش!!كل أع ّم‬
‫هو مساعدة وتحس!!ين وتبس!!يط الحي!!اة اليوميّ!!ة لإلنس!!ان‪ .‬إذ الموس!!يقى ليس!!ت س!!وى حس!!ابات‬
‫رياضيّة‪ .‬وك ّل األشياء يمكن تحسينها من خالل اآللة‪.‬‬
‫‪ ‬حولت نظرية االستبدال الروبوتيّة الكبيرة األوهام العا ّمة إلى حقيق!!ة واقعي!!ة‪ .‬وفعال ففي ع!!ام‬
‫‪ ،2016‬طور باحثون في جامعة تورونتو نظام ذكاء اصطناعي قادر على إنش!!اء أغني!!ة عي!!د‬
‫الميالد وغنائها وع!!رض “غوغ!!ل” ‪ Google‬على س!!بيل المث!!ال‪ ،‬في الع!!ام نفس!!ه أ ّول عم!!ل‬
‫لبرنامج “‪ ،”Magenta‬بهدف ت!!دريب آل!!ة على ت!!أليف الموس!!يقى بمفرده!!ا‪ .‬وأنش!!أت س!!وني‬
‫‪ Sony‬نظام الذكاء االصطناعي “‪ ”Flow Machine‬الذي يهدف إلى إع!!ادة إنت!!اج العمليّ!!ة‬
‫اإلبداعيّة للفنّان‪ :‬التركيب‪ ،‬الترتيب‪ ،‬المزج‪ .‬ويعد مفهوم التعلم اآللي أمرًا ض!!روريًا‪ ،‬واألم!!ر‬
‫يرجع إلى البرنامج القتراح جميع العناصر التي تدخل في مفهوم األغني!!ة‪ :‬األدوات واألنم!!اط‬
‫والمقاييس واإليقاعات‪ ،‬من خالل قاعدة بيانات كبيرة‪.‬‬
‫وإذا كان هدف الفنان هو استخدام األدوات الجدي!!دة ال!!تي ط ّورته!!ا التكنولوجي!!ا إليج!!اد ط!!رق‬
‫فإن الذكاء االصطناع ّي قادر على التعلّم والتفكير والتصميم وحده‪ ،‬ويمكن!!ه‬ ‫جديدة لخلق الفن‪ّ ،‬‬
‫إن السؤال المفترض‪ :‬هل يستطيع‬ ‫أن يجعل وضع الفنّان غير مستق ّر‪ .‬في النهاية‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫الفن؟ قد اتّخذ صيغة أخ!!رى مفاده!!ا‪ :‬ه!!ل يمكن اعتب!!ار اإلب!!داع‬ ‫الذكاء االصطناعي أن يصنع ّ‬
‫المولود من الذكاء االصطناعي عمالً فنيّ!اً؟ الس!!ؤال فلس!!في بال ش!!ك‪ ،‬ويجب أن تق! ّدم اإلجاب!!ة‬
‫عليه في المستقبل‪ ،‬وذلك من أجل تجنب تعقيد العالقات المتوتّرة! بالفع!!ل بين العلم والفن‪ ،‬لكن‬
‫ليس هذا هو الخط!ر ال!ذي يمكن أن تتوقّع!ه‪ ،‬ب!ل الخط!ر يكمن في اآلتي‪ :‬كي!ف يمكن ض!مان‬
‫حقوق الملكيّة لفنانين ينتمون إلى الشركة المعنية‪ ،‬إذا قام ال!!ذكاء االص!!طناعي الف!!ني بإض!!فاء‬
‫الطابع الديمقراطي على عالم الموسيقى؟‬

‫انتشرت آفة قرصنة األعمال الموسيقية مع انتشار التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬خاصّة مع‬ ‫‪‬‬
‫ظهور الفيديو واألقراص المرنة‪ .‬وبقدر ما أتاحت اإلنترنيت للموسيقيين التواص ل‬
‫والتقاسم والترويج ألعمالهم‪ ،‬سهلت تف ّشي هذه الظاهرة الخطيرة‪ ،‬وهو ما يع رض‬
‫وتمثل ظ اهرة القرص نة الرقم ّي ة تح ديا خط يرا يه ّدد المب دعين‬ ‫ّ‬ ‫حقوقهم للضياع‪،‬‬
‫وقطاع اإلنت اج الموس يقي برمت ه‪ .‬فق د أص بح من الس هل نش ر ك ل م ا يق دم على‬
‫الخش بة بص فحات ال ويب وبس رعة مذهل ة بالص ور المتحرك ة الح ّي ة‪ ،‬نظ را إلى‬
‫االنتشار الواسع ألجهزة التصوير والتس جيل الرقمي ة الذكي ة من هوات ف محمول ة‬
‫متطوّ رة وكاميرات صغيرة الحجم وفائقة الدق ة‪ ،‬وب رامج مذهل ة لمعالج ة تحس ين‬
‫الجودة‪ ،‬فضال عن انتشار الحاسبات اللّوحيّة والمحمول ة المتع ّددة الوظ ائف‪ .‬كم ا‬
‫توفر التكنولوجيا الرقمية إمكانات لنسخ األعمال مقابل أثمان بخسة‪.‬‬
‫ستستمرّ التحوّ الت الرقميّة‪ ،‬بال شك‪ ،‬في ف رض رهان ات جدي دة على الموس يقيّين‬ ‫‪‬‬
‫في عالم الي وم‪ ،‬نظ را إلى الس رعة المذهل ة في تق ّدم الث ورة العلمي ة في مج االت‬
‫المعلوماتي ة‪ .‬وس تواجه دائم ا ه ذه الرهان ات تح ديات ال تق ّل خط ورة عن آف ة‬
‫القرص نة‪ ،‬ب ل إنّ التح دي األك بر للموس يقى الرقم ّي ة يكمن في تحقي ق الج ودة‬
‫الموسيقيّة‪ .‬وسيبقى سؤال الجودة هذا مطروحا ليض ع في الم يزان الك ّم الهائ ل من‬
‫المنتوج ات الموس يقية المتش ابهة والمك رّ رة والس طحيّة ال تي تس تجيب للحاج ات‬
‫المس تعجلة والملح اح للفض ائيّات والمواق ع الرقمي ة… ف الكثير من األعم ال تنتج‬
‫يوميّا‪ .‬والكثير منها أيضا يأفل نجمه في كل لحظة‪ .‬وال تصمد في وجه زوابع هذه‬
‫التحوّ الت إال األعمال القوية والعميقة[‪.]27‬‬
‫تتلخص حياتهم اليوميّة في المطالب ة بحق وقهم‪ .‬ويمكنن ا‬ ‫سيكون هناك حتما ً فنانون ّ‬ ‫‪‬‬
‫أن نتوق ع بالفع ل أنّ السياس ات المتعلق ة بحق وق الموس يقى والقرص نة وحق وق‬
‫التأليف والنشر ستزداد صرامة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬من الواضح أ ّنه إذا كان التعلّم‬
‫منص ات البث س تكون له ا الي د‬‫ّ‬ ‫اآللي سينتشر بشكل كبير في عالم الموسيقى‪ ،‬فإنّ‬
‫العليا‪ ،‬ذل ك أنّ نق اط الق وة الرئيس ية لـ ‪ Spotify‬و‪ Deezer‬و‪-Apple Music‬‬
‫على سبيل المثال ال الحصر ‪-‬هي قائمة التشغيل الخاصة بهم‪ .‬لذا‪ ،‬إذا كان بإمك ان‬
‫الذكاء االصطناعي أن يؤلف وينشئ تلقائيًا موسيقى الراب‪ ،‬والكهربائية‪ ،‬والبوب‪،‬‬
‫وأجواء التلقي‪ ،‬وما إلى ذلك فأيّ مكان سيبقى للفنان؟‬

‫أيض!ا تقلي!!ل‬ ‫ّ‬


‫المنص!ات دون كل!!ل‪ ،‬فيمكنهم ً‬ ‫وإذا كانوا قد تمكنوا من ملء أغنيات مختلف!!ة على‬
‫رسوم الفنانين‪ ،‬حيث سيتم استبدالهم بآلة واحدة أو اثنتين مملوكتين للشركة‪ .‬لم يعد الهدف من‬
‫‪ Spotify‬ه!!و إنش!!اء أفض!!ل قائم!!ة تش!!غيل‪ ،‬ولكن بن!!اء أفض!!ل آل!!ة‪ ،‬وكتاب!!ة أفض!!ل خ!!وارزم‬
‫‪ algorithme‬لتميز نفسها في تلك المنافسة الشديدة‪ ،‬ولم تعد الشركات تبحث في واقع األمر‪،‬‬
‫عن أفضل فنّان‪ ،‬ولكن عن أفضل عالم قادر على خلق أفضل فنان اصطناعي‪.‬‬
‫‪ -6‬الخاتمة‪:‬‬
‫أصبحت الموسيقى تتبوّ أ مكانة هامّة ضمن فنون التعبير الرقميّ بمختلف الوس ائط‬ ‫‪‬‬
‫الحديثة‪ ،‬وبشبكة الويب خاصة‪ .‬وتجد مختلف الفعاليّات والمهن الموسيقيّة ض التها‬
‫في اإلمكان ات الهائل ة ال تي تتيحه ا التكنولوجي ا الرقم ّي ة في مختل ف المراح ل‬
‫والعمليّات التي يمر منها العمل الموسيقي‪ ،‬ب دءا من الفك رة‪ ،‬وص وال إلى اإلنت اج‬
‫واإلشهار والتسويق‪  .‬ولم تعد الطرائق التقليديّة مجدي ة لالش تغال في ه ذا المج ال‬
‫اآلن‪ ،‬كما في باقي مجاالت اإلبداع األخرى‪ ،‬وأصبحت التحوالت الرقميّة تف رض‬
‫على العاملين في المجال الموسيقيّ الحاجة إلى تأهيل الحق ل الموس يقي برمت ه من‬
‫أجل مواكبتها‪.‬‬
‫وت برز المعرف ة المعلومات ّي ة في ص دارة ه ذه الحاج ة‪ ،‬ويتطلّب نج اح العم ل‬ ‫‪‬‬
‫الموسيقي الحرص على االبتكار والتجدي د‪ ،‬في إط ار من التواص ل والتفاع ل م ع‬
‫دوائر المبدعين الموسيقييّن‪ ،‬في العالميْن الواقعي واالفتراضي‪ .‬وق د ا ّتخ ذ اال ّتج اه‬
‫نح و العالم ّي ة منحى ي رمي إلى إب راز الخصوص يّة النغم ّي ة واإليقاع ّي ة‪ ،‬في ظ ل‬
‫المثاقف ة الموس يقيّة باعتباره ا تب ادال متف اعال للت أثير‪ ،‬أو تحت رحم ة التث اقف‬
‫الموسيقي‪ ،‬عندما يتعلّق األمر بممارسة التأثير الكاسح لثقافة موسيقيّة على أخرى‪.‬‬
‫ويستدعي ذلك كلّه ضرورة تطوير كفايات االختيار‪ ،‬لتمتين المناعة الثقافيّة الكفيلة‬
‫بالحفاظ على هويّتنا الموسيقيّة‪ .‬لكن أخطر تح ّد غ دا يواج ه المب دعين الموس يقيّين‬
‫ه و آف ة القرص نة في غم رة الث ورة الرقم ّي ة‪ .‬وه و م ا أف رز الحاج ة إلى العم ل‬
‫[‬
‫التشاركي في هذا المجال‪ ،‬وتنسيق مختلف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة‬
‫‪.]28‬‬

‫الفن بأعين المف ّكر الجمالي وجدنا أنفسنا إزاء مشكالت عدة مثل‪ :‬ما ه!!و الفن؟‬
‫وإذا نظرنا إلى ّ‬
‫يحاكي الطبيعة؟ وإذا كان األم!!ر ك!!ذلك‪ ،‬م!!ا هي أوج!!ه الطبيع!!ة‬
‫َ‬ ‫وما هو هدفه؟ وهل ينبغي أن‬
‫!في على الطبيع!!ة ص!!فة مثاليّ!!ة؟ أم أن من‬
‫التي يجب أن يحاكيَها؟ وهل يجب على الفن أن يض! َ‬
‫إن الفن تعبير عن استجاباتنا للطبيعة‪.‬‬ ‫الواجب أن نتخلى عن نظرية المحاكاة برمتها‪ ،‬ونقول ّ‬
‫ويظ! ّل الس!ؤال مطروح!ا ح!ول العالق!ة بين الفلس!فة والعلم والفن‪ ،‬على اعتب!ار أن الموس!يقي‬
‫بوصفها فنّا قد ش ّكلت ‪-‬كما أبرزنا – أحد أه ّم اهتمامات الفلسفة والعلم‪ ،‬إال أنها ظلت ومازالت‬
‫أيضا موضوع اهتمام الجماليات واألنطولوجيا والميتافيزيقا‪.‬‬
‫أن “إليزابيث غروس” “‪ ”Grosz Elizabeth‬قد ختمت مقاله!!ا‬ ‫ونشير في هذا السياق‪ ،‬إلى ّ‬
‫إن”الفلسفة ليست هي التأ ّمل أو التفك!!ير في ه!!ذا البن!!اء الخال!د‬‫حول برغسون ودولوز بالقول‪ّ :‬‬
‫يك!!ف عن التغي!!ير‪ ،‬ب!!ل هي إطالق‪ ،‬وفضفض!!ة وتحري!!ر لتل!!ك القي!!ود المفاهيميّ!!ة‬ ‫ّ‬ ‫الّ!!ذي ال‬
‫والتداوليّة التي تعمل على تثبيت األشكال العلمية للمعرفة وتصليبها‪ ،‬وتلك التي سخرت‪ ،‬على‬
‫الرغم من كبحها في إطار‪ ،‬أي في الحدود المطلوب!!ة للعم!!ل الف!!ني‪ ،‬إذ الفلس!!فة هي تعبئ!!ة ق! ّوة‬
‫االختالف حين يهيمن الجمود والس!!كون على الفك!!ر؛ وهي تحري!!ر للص!!يرورة من ك! ّل اتّج!!اه‬
‫مح ! ّدد‪ ،‬واالس!!تحواذ على الص!!يرورات! المؤقت!!ة من فوض!!ى الوج!!ود‪ .‬هي الص!!يرورة الفنيّ!!ة‬
‫للمعرف!!ة العلميّ!!ة والص!!يرورة! العلميّ!!ة لإلب!!داع الف!!ن ّي‪ ،‬وخل!!ق ش!!يء جدي!!د‪ ،‬ليس من خالل‬
‫اإلحساس أو العاطفة‪ ،‬ولكن من خالل المفاهيم التي تنهل من المصدر نفسه‪ ،‬االختالف الذاتي‬
‫الديمومي )والذي يدركه دولوز ككالنية)‪ ،‬مما يجعل العلوم والفن!!ون ممكن!!ة‪ ،‬ولكن يح! ّدد ك!!ل‬
‫منهما اآلخ!!ر في مكان!!ه المالئم‪ .‬والفلس!!فة‪ ،‬ك!!ذلك‪ ،‬هي تراج!!ع عن ع!!دم تص!!يير ه!!ذا المك!!ان‬
‫المناسب‪ ،‬وتحرير المكان والفضاء نفسه‪ ،‬والعودة إلى تدفّقات الصيرورة! التي تش!!كل الواق!!ع‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تتم استعادة الفلسفة‪ ،‬ليس كحاكم مف!!اهيمي لمواق!!ع‪ ،‬ولكن!!ه جي!!د ال!!تراجع عن‪ /‬وإع!!ادة‬
‫الفعل‪ ،‬الصيرورة الالّصيرورة‪ !،‬التي تق!!ارب الواق!!ع م!!ع تعقي!!د متزاي!!د‪ ،‬جيّ!!د تص!!ميم مف!!اهيم‬
‫تناسب الواقع بكفاي!!ة أك!!بر‪ .‬الفلس!!فة‪ ،‬هي متع!!ة المف!!اهيم كم!!ا يق!!ول دول!!وز‪ ،‬وتك!!ثيف الت!!أثير‬
‫والعاطفة والحسّ ‪ ،‬وتضخيم وتحويل ما يعرفه العلم‪ ،‬وما يصنعه الفن”[‪.]29‬‬

‫قطاع صناعة الموسيقا في العالم العربي‬


‫ن!ح!و! إ!ع!ا!د!ة! ا!ل!ت!ف!ك!ي!ر! ف!ي! ا!ل!ع!ال!ق!ة! ب!ي!ن! ا!ال!ق!ت!ص!ا!د!ي! و!ا!ل!ف!ن!ي!‬
‫‪X‬محمد اإلدريسي ‪ -‬باحث مغربي‪ | ‬يوليو ‪ | 2021 ,1‬موسيقا‪- ‬‬

‫انخرطت‪  ‬المجتمعات العربية منذ تسعينيات القرن الماضي في خضم «تحول» كبير في شروط تَ َمثُّل‪،‬‬
‫ممارسة‪ ،‬إنتاج واستهالك اإلبداعات الموسيقية‪ ،‬اقترن باستدماج الشباب للمقومات الثقافية والفنية لـ«الحركات‬
‫الموسيقية الجديدة» ضمن سيرورة اإلبداع المحلي‪ .‬ترافق هذا التحول مع تطور سيرورة َم ْهنَنَ ِة قطاع اإلنتاج‬
‫الموسيقي في اتجاه تأسيس «اقتصاد للموسيقا»‪ ،‬قادر على تجاوز تراجع قطاع التسجيالت الموسيقية المادية‪،‬‬
‫والرهان على الشباب واألشكال الموسيقية الجديدة لقيادة المرحلة وتشكيل الذوق الموسيقي العام‪ .‬مع ذلك‪ ،‬لم‬
‫ينجح كثير من المحاوالت الرامية إلى تطوير القطاع في اتجاه قطري وإقليمي (المغرب‪ ،‬تونس‪ ،‬مصر…)‬
‫بفعل ضعف اإلقبال الجماهيري على األنماط الموسيقية الشبابية الجديدة من جهة‪ ،‬وهيمنة شبح القرصنة من‬
‫جهة ثانية‪ ،‬وغياب المدخل الموسيق ّي ضمن السجاالت الفكرية حول المشروعات التنموية والثقافية المحلية من‬
‫ناحية ثالثة‪.‬‬
‫س ة الفعلي ة لقط اع‬ ‫في الواقع‪ ،‬كان علينا انتظار بدايات األلفي ة الجدي دة من أج ل الح ديث عن إمكاني ة ال َمْأ َ‬
‫س َ‬
‫الموسيقا العربية‪ ،‬وبخاصة الشبابية منها‪ ،‬التي تربط اإلبداع الفني المحلي بالكوني وتعيد االعتب ار لوض يعة‬
‫صنّاع الموسيقا في التم ُّثالت واألذهان‪ .‬يمكن أن نحدد ثالثة أسباب رئيسة كان له ا دور حاس م في‬
‫الفنانين و ُ‬
‫قيادة الموسيقا الشبابية (وبخاصة موسيقا البوب والهيب هوب) للتحوالت الفنية العربية وتطوير القطاع في‬
‫أفق كوني‪.‬‬
‫أواًل – تأثير تحوالت قطاع صناعة الموسيقا العالمية‪ ،‬والنمو الكبير لرقم مع!!امالت اقتص!!اد الموس!!يقا (الش!!بابية‬
‫أساسًا) في الدول الغربية‪ ،‬في التوجهات واإلستراتيجيات العامة لصناع الموسيقا في العالم العربي‪.‬‬
‫ثانيًا – تركيز الشباب على هموم المواطن العربي ويومياته من أجل استمالة قاع!!دة جماهيري!!ة أوس!!ع‪ ،‬وإعط!!اء‬
‫شرعية اجتماعية لإلبداع الموسيقي المحلي‪.‬‬
‫ثالثًا– بدايات عصر اإلنفوسفير الرقمي‪ ،‬وظهور مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬والم!!دونات والمنص!!ات الش!بابية‬
‫وإسهامها الكبير في الترويج لإلبداعات الموسيقية الشبابية على نط!!اق قط!!ري وإقليمي أوس!!ع‪ .‬بطبيع!!ة الح!!ال‪،‬‬
‫نلمس جهودًا حقيقية لِ َم ْهنَنَة القط!!اع والبحث عن الش!!رعية االجتماعي!!ة والثقافي!!ة لإلب!!داع الموس!!يقي‪ ،‬واس!!تمالة‬
‫صنّاع القرار نحو َمْأ َس َسة الش!روط الموض!وعية إلنت!اج «اقتص!اد الموس!يقا» بالمنطق!ة العربي!ة‪ ،‬إال أن األم!ر‬ ‫ُ‬
‫ارتبط من جديد بجهود فردي!!ة وجماع!!ات مح!!دودة اإلمكاني!!ات المادي!!ة واللوجس!!تية‪ ،‬س!!رعان م!!ا انس!!حبت من‬
‫الساحة بعد سنوات قليلة من ظهورها‪.‬‬
‫لقد تركزت جهود صناع المحتوى الموسيقي العربي في هذه المرحلة على إقناع الجمهور بمنتوجهم اإلبداعي‬
‫صنّاع للذوق الفني العام‪ ،‬في تعارُض أو اختالف مع جيل‬
‫الجديد وتَ ْبيَِئتِ ِه في مجال تدا ُول ّي ال يعترف بالشباب ك ُ‬
‫الرواد ومؤسسي كالسيكيات الموسيقا العربية‪ .‬كما ال ننسى أن القرصنة ظلَّت إلى وقت قصير العد ّو األول‬
‫صناع الموسيقا في ظل ضعف حماية الملكية الفنية والموسيقية‪ .‬لهذا‪ ،‬ستمر سنوات يعيش‬ ‫واألخير للفنانين و ُ‬
‫فيها القطاع سباتًا نسبيًّا (وبخاصة خالل أواخر العشرية األولى من القرن الحالي) فيما يتعلق برقم المعامالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬مهننة «حرف الموسيقا» وتطوير تقاليد وأنماط موسيقية تتماشى مع الخصوصيات العربية…‬
‫وسيقتصر تنشيط الساحة الفنية على «كبار» الفنانين والمخضرمين ممن استثمروا في صناعة أسمائهم‬
‫الرمزية بالمنطقة‪.‬‬
‫أ!ن!م!ا!ط! م!و!س!ي!ق!ي!ة! ج!د!ي!د!ة!‬
‫تزامن تطور الموسيقا الشبابية في العالم العربي مع ظه!ور أنم!!اط موس!!يقية جدي!دة بمنطق!ة الك!اريبي وأميرك!ا‬
‫الالتيني!!ة‪ ،‬س!!يكون ل!!ه دور كب!!ير في قلب م!!وازين المركزي!!ات الموس!!يقية العالمي!!ة‪ ،‬وتكس!!ير هيمن!!ة أنم!!وذج‬
‫المركزية الغربية في مجال الصناعات الموسيقية خالل السنوات الثالث األخيرة‪ .‬تعود جذور حرك!!ة الموس!!يقا‬
‫الحضرية إلى منتصف العشرية األولى من القرن الح!!الي… ص!!حيح أن اإلب!!داعات الش!!بابية العربي!!ة أض!!حت‬
‫اليوم أكثر انفتا ًحا على هذه التجارب الرائ!دة‪ ،‬إال أنه!ا ظلت متش!بثة بره!ان الكوني!ة ع!بر التم!اهي م!ع اللغ!ات‬
‫والثقافات األجنبية أكثر من ربط الثقافة والهوية العربية باالقتصاد العالمي للموسيقا‪.‬‬

‫يمكن القول‪ :‬إن اللحظة الحاسمة ضمن مسار تطور صناعة الموسيقا العربية قد اق!!ترنت ب!!االنخراط في خض!!م‬
‫االقتصاد الرقمي للموسيقا‪ .‬شكلت منصات يوتيوب والستريمنغ الموسيقي (دايزر‪ ،‬وسبوتيفاي…) فرصة أم!!ام‬
‫الشباب لتحقيق النج!!اح خ!!ارج ال!!دوائر الفني!!ة التقليدي!!ة (دور اإلنت!!اج والص!!ناعات الموس!!يقية) واالس!!تثمار في‬
‫النجاح الفردي مدخاًل نحو صناعة النجومية اإلقليمية والدولية‪ .‬أمام هيمنة القرصنة‪ ،‬وغياب الحماي!!ة القانوني!!ة‬
‫لإلنتاجات الفنية وضعف عائدات اإلنتاج الموسيقي التقليدي‪ ،‬سي ُْل َجأ إلى المنصات الرقمية من أجل تحقيق عائد‬
‫م!!ادي ال ب!!أس ب!ه‪ ،‬وص!!ناعة نجومي!!ة محلي!!ة تق!!اس بع!دد المش!!اهدات‪ ،‬واإلعج!!اب والتعليق!!ات؛ إلى درج!!ة أن‬
‫شركات اإلنتاج الموسيقي المحلية أضحت تنفتح على نجوم الموس!!يقا الش!!بابية بمنص!!ات يوتي!!وب وس!!بوتيفاي‪!،‬‬
‫وتشترط القاعدة الجماهيرية ونسب المشاهدات لتوقيع عقود عمل أكثر مهنية واحترافية‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬وحينما نربط َم ْهنَنَة قطاع اإلنتاج الموسيقي العربي بتط!!ور إمكاني!!ات االقتص!!اد ال!!رقمي للموس!!يقا‪،‬‬
‫تطرح مجموعة من األسئلة المقترنة بالعالقة بين اإلبداع الفني وقوانين السوق ووضع التهميش ال!!ذي ال ي!!زال‬
‫يعيشه الفنان‪ ،‬كما الكاتب العربي‪ ،‬في ظل مسلسل تسليع وتسويق المنتج اإلبداعي‪ .‬فرض االنتقال من الحرفي!!ة‬
‫إلى ال َم ْهنَنة واالنخراط في سيرورات صناعة النجومية الفنية وما يرافق ذل!!ك من تنمي!!ط لإلب!!داعات الموس!!يقية‬
‫وربطها بالتوجهات العامة للسوق الفنية الكونية‪ .‬لهذا‪ ،‬يمكن ع ّد هذا االنتقال َم ْهنَنة للقطاع ولش!!روط الممارس!!ة‬
‫الفنية على حساب الفعاليات اإلبداعية والفنية للمنت!وج الموس!يقي من جه!ة‪ ،‬وتح!واًل انعكس إيجابًا على وض!ع‬
‫المنتجين على حساب الفنانين والمبدعين من جهة أخرى‪.‬‬

‫ْدين اثنين‪:‬‬
‫تأخذ مهننة صناعة الموسيقا اليوم في المنطقة العربية بُع ِ‬

‫أواًل – الصناعة الفردية للموس!!يقا‪ .‬ينفتح ه!!ذا األنم!!وذج على منص!!ات الس!!تريمنغ الموس!!يقي ومواق!!ع التواص!!ل‬
‫االجتماعي؛ لتحقيق نجاح جزئي وضمان عائد مادي ال يتجاوز مئ!!ات إلى آالف ال!!دوالرات… يلج!!أ كث!!ير من‬
‫الش!!باب إلى ه!!ذه اإلس!!تراتيجية من أج!!ل «التغلب» على ش!!بح القرص!!نة و«اله!!روب» من «قبض!!ة» بعض‬
‫المنتجين وصناع الموسيقا الذين يحتكرون العائدات المادية لأللبومات والعروض الموسيقية‪ ،‬ويهمشون صغار‬
‫الفنانين‪ ،‬تحت ذريعة الدعاية والترويج وصناعة االسم التجاري‪ .‬م!!ع ذل!!ك‪ ،‬ي!!راهن الجمي!!ع على ه!!ذه الطريق!!ة‬
‫كجزء من « َم ْهنَنة ُمقَنَّعة» لإلبداع الموسيقي تروم تحسين شروط ممارسة الحرفة‪ ،‬وته!!دف إلى البن!!اء الف!!ردي‬
‫لالسم الفني من أجل استمالة كبريات شركات اإلنتاج بالمنطقة‪.‬‬
‫ثانيًا – اإلنتاج المؤسساتي للموسيقا‪ .‬تقدم شركات التسجيل واإلنتاج الموسيقي المحلي!!ة نس!!ب أرب!!اح تُ! ِ‬
‫!راوح بين‬
‫‪ %8‬و‪ %11‬من حجم مبيع!!ات األلبوم!!ات واألغ!!اني المنف!!ردة‪ ،‬المادي!!ة منه!!ا والرقمي!!ة‪ ،‬للفن!!انين والمغ!!نين‪ .‬ال‬
‫يحصل سوى كبار الفنانين على عقود خاصة بنسب أرباح تص!!ل إلى ‪ %20‬أو ‪ ،%30‬وق!!د ال يحص!!ل ص!!غار‬
‫َغاض!ى عن األم!!ر في إط!!ار‬
‫الفنانين والمبتدئين على أي تعويض أو ضمان لحقوق الملكي!!ة الفني!!ة الفردي!!ة‪ ،‬ويُت َ‬
‫رهان صناعة االسم والنجومية المؤسساتية‪ .‬أما الشباب‪ ،‬فليجأ إلى ص!!غار المنتجين وص!!ناع الموس!!يقا الش!!باب‬
‫[الخواص والمتعاقدين]؛ من أجل تقليل التكاليف‪ ،‬وضمان التحكم الكامل في العائ!!دات واألرب!!اح‪ ،‬وفي األغلب‬
‫ينخرطون في عقود عمل قصيرة وذات عائدات مادية ضعيفة‪.‬‬
‫ا!ق!ت!ص!ا!د! و!ث!ق!ا!ف!ة! م!و!س!ي!ق!ي!ة! ب!ط!ي!ئ!ة! ا!ل!ن!م!و!‬
‫وفيما يتعلق بمنطق التعاون الفني‪ ،‬س!!واء المحلي واإلقليمي‪ ،‬فم!!ا زال ض!!عيفًا وال يس!!تثمر في!!ه بالش!!كل الك!!افي‬
‫لبناء القاعدة الجماهيرية والتعريف بالمنتوج الموسيقي على المستوى اإلقليمي والدولي‪ ،‬وتحقيق العائد المادي؛‬
‫نظ ًر ا للشروط المادية التي يثيرها االستثمار في هذه األنماط الفنية في ظل اقتصاد وثقافة موسيقية بطيئ!ة النم!و‬
‫بالمنطقة العربية‪ .‬ينطبق األمر نفسه على مجال اإلشهار‪ ،‬والمنتجات االستهالكية وبي!!ع حق!!وق الملكي!!ة الفني!!ة‪،‬‬
‫التي تنحصر ضمن فئة خاصة من الفنانين الكبار والمخضرمين‪ .‬مع ذلك‪ ،‬تعد العروض والج!!والت الموس!!يقية‬
‫والمهرجانات الفنية نقطة الضوء الوحيدة ضمن سيرورة تطور اقتص!!اد الموس!يقا في المنطق!ة ال!تي تص!بّ في‬
‫مصلحة الفنان وتنمي شرط ال َم ْهنَنة…‬

‫يحصل الفنان على نسبة تُ ِ‬


‫راوح بين ‪ %70‬و‪ %80‬من عائ!دات الج!!والت الفني!!ة (وفقًا لمع!ايير خاص!ة بموق!!ع‬
‫الفنان‪ ،‬وطبيعة قاعدته الجماهيرية‪ ،‬ونسب االستماع‪ ،‬واإلعجاب‪ ،‬والمتابعين على منصات الستريمنغ‪ ،‬ومواقع‬
‫ب حياته الفنية رغم نُدرتها وضعف عائداتها‪ ،‬مقارنة بالفن!!انين األج!!انب‬
‫ص َ‬
‫التواصل االجتماعي) التي تشكل َع َ‬
‫الذين يقدمون جوالت فنية في المنطقة العربية (قد تتجاوز عائداتهم ماليين الدوالرات)‪.‬‬

‫إذا ما استثنينا عائدات الجوالت الفنية‪ ،‬يمكن المجازفة بتأكي ِد تَشابُ ِه الش رط األنطول وجي لممارس ة الحرف ة‪،‬‬
‫فيما يتعلق بالتهميش والخضوع لقوانين السوق‪ ،‬بين الفن ان والك اتب الع ربي‪ .‬يك افح ه ذا األخ ير للح د من‬
‫س ْل َعنة وتسويق اإلنتاجات األدبية واإلبداعية‪ ،‬كما يصارع األول شركات اإلنتاج من أجل الحف اظ على الط ابع‬
‫َ‬
‫ُش َر إجم الي‬
‫ي ال يتج اوز ع ْ‬
‫اإلنس اني لإلب داع الف ني المف رغ من الرهان ات االقتص ادية؛ من أج ل عائ د م اد ّ‬
‫المبيعات في أحسن األحوال‪.‬‬
‫ُور النش!!ر وض!!عف إقب!!ال الجمه!!ور على اإلنت!!اج واإلب!!داع الف!!ردي‪ ،‬ال يس!!تطيع آالف‬
‫بين ض!!غط المنتجين ود ِ‬
‫الفنانين والكتاب العرب «العيش» بالكتابة أو جعلها مهنةً قا ّرة‪ ،‬وهو األمر الذي يجعل من مقوالت ال َم ْهنَنة آليةً‬
‫لتحقيق التفاوتات المختلفة بين شروط الممارسة الفنية بدول الشمال والجنوب من ناحية‪ ،‬وبين صناع الموس!!يقا‬
‫وال ِكتاب والفنانين وال ُك تاب من ناحية أخرى‪ .‬يفسر هذا الوضع انتقال بعض الفنانين من مجال الكتاب!!ة واإلب!!داع‬
‫نحو عالم النشر واإلنتاج الموسيقي!‬

‫أخي ًر ا‪ ،‬يظل الهدف الرئيس لهذا التقرير إثارة االنتباه إلى طبيعة الشروط الذاتية والموضوعية‬
‫المتحكمة في إنتاج قطاع اإلنتاج الموسيقي في العالم العربي‪ ،‬وإسهام االقتران الحاصل بين صناعة‬
‫الموسيقا وقوانين السوق‪ ،‬خالل العصر الرقمي‪ ،‬في تهميش الفنانين وكبح إمكانيات االنتقال! نحو‬
‫ال َم ْهنَنة الشاملة؛ مثلما أ ّدى تسليع الكتاب من جانب دُور النشر إلى تهميش الشرط األنطولوجي للكتّاب‬
‫وابتعاد القراء نحو إغراءات عالم اإلنفوسفير‪ .‬لهذا‪ ،‬ما من حل لربط تطور قطاع اإلنتاج الموسيقي‪،‬‬
‫الشبابي أساسًا‪ ،‬بتحقيق التنمية الشاملة ‪-‬كما هو عليه الحال في دول الكاريبي وأميركا الشمالية‪ -‬سوى‬
‫إعادة التفكير في العالقة بين االقتصادي والفني من جهة‪ ،‬واالستثمار في الخصوصيات! المحلية أفقًا‬
‫للكونية من جهة ثانية‪ ،‬واالهتمام باإلبداع الشبابي في تعدديته من ناحية ثالثة‪ ،‬وربط الموسيقا‬
‫بالمجتمع من جهة رابعة‪ .‬فكما يمكن للموسيقا أن تُه ِّذب األذواق‪ ،‬يمكنها كذلك أن تنجح في تحقيق‬
‫التنمية الشاملة التي عجز عنها السياسي واالقتصادي في العصر الرقمي‪.‬‬

‫‪X‬من نحن‬
‫‪X‬محتويات هذا الشهر‬
‫‪X‬لالتصال‬
‫‪ ‬أيار ‪2022 ,07‬‬

‫مقاالت‬

‫الموسيقى الرقمية تحديات ورهانات‬


‫‪ By‬مجلة الموسيقى العربية‪  ‬كانون‪/1‬ديسمبر ‪4657   2017 ,02‬‬

‫‪    font size‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ Print‬‬ ‫‪‬‬

‫‪Email‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد القهار الحجاري (باحث في علم الموسيقى! – المغرب)‬


‫تتبوأ الموسيقى مكانة هامة ضمن فنون التعبير الرقمي بمختلف الوسائط الحديثة‪ ،‬وبشبكة الويب خاصة‪ .‬وتجد‬
‫مختلف الفعاليات والمهن الموسيقية ضالتها في اإلمكانات الهائلة التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية‪ ،‬في مختلف‬
‫المراحل والعمليات التي يمر منها العمل الموسيقي‪ !،‬بدءا من الفكرة‪ ،‬وصوال إلى النشر واإلشهار والتسويق‪.‬‬
‫ولم تعد الطرائق التقليدية مجدية لالشتغال في هذا المجال اآلن‪ ،‬كما في باقي مجاالت اإلبداع‬
‫األخرى‪.‬وأصبحت التحوالت الرقمية ت ْ‬
‫َط َر ُح أمام العاملين في النغم الحاجة إلى تأهيل الحقل الموسيقي برمته‬
‫‪.‬من أجل مواكبتها‬
‫تبرز المعرفة المعلوماتية في صدارة هذه الحاجة‪.‬ويتطلب نجاح العمل الموسيقي الحرص على االبتكار‬
‫والتجديد‪ ،‬في إطار من التواصل والتفاعل مع دوائر المبدعين الموسيقيين‪ ،‬في العالمين الواقعي‬
‫واالفتراضي‪.‬وقد اتخذ االتجاه نحو العالمية منحى يرمي إلى إبراز الخصوصية النغمية واإليقاعية‪ ،‬في ظل‬
‫المثاقفة الموسيقية باعتبارها تبادال متفاعال للتأثير‪ ،‬أو تحت رحمة التثاقف الموسيقي‪ ،‬عندما يتعلق األمر‬
‫بممارسة التأثير الكاسح لثقافة موسيقية على أخرى‪ .‬يدعونا هذا إلى الحديث عن تطوير كفايات االختيار لدى‬
‫ناشئتنا لتمتين مناعتهم الثقافية الكفيلة بالحفاظ على هويتنا الموسيقية‪ .‬لكن أخطر تحد غدا يواجه المبدعين‬
‫الموسيقيين آفة القرصنة في غمرة الثورة الرقمية‪ .‬وهو ما أفرز الحاجة إلى العمل التشاركي في هذا المجال‪،‬‬
‫‪.‬وتنسيق مختلف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة‬

‫‪:‬المعرفة المعلوماتية‪1.    ‬‬
‫ال يمكن للموسيقي أن يكون مسايرا لروح العصر‪ ،‬ما لم يكن قريبا من صورة التحوالت الرقمية الجارية في‬
‫عالم اليوم‪.‬وهذا راجع إلى ارتباط الموسيقى‪ ،‬تصورا وإبداعا وإنتاجا وتلقيا بوسائط رقمية غاية في التعقيد‬
‫والدقة والفعالية‪ ،‬خاصة ما يتعلق منها بالحواسيب وشبكة الويب‪.‬ولذلك ال يمكن تصور أبسط مواكبة لهذا‬
‫‪.‬الواقع الجديد من دون مواكبة معرفية تنهض على امتالك حد أدنى من المعرفة المعلوماتية‬
‫يحتاج التأليف الموسيقي إلى كفايات عالية للتوسل بالوسائط الرقمية وبرمجياتها الفعالة والمتطورة‬
‫باستمرار‪.‬وقد أصبح بإمكان كل موسيقي محترف أو هاو اليوم أن ينشئ استديوها مصغرا في مكتبه‪ ،‬بفضل‬
‫توافر الحواسيب ومختلف األجهزة الصوتية والمرئية‪ ...‬من شأنه أن ييسر له عمليات التأليف والتوزيع‬
‫والتسجيل والمعالجة الرقمية‪ ،‬فضال عن إمكانيات هائلة لتوظيف المؤثرات‪.‬ويستفيد الموسيقي من كل هذا‬
‫بفضل العديد من البرمجيات لكتابة األلحان وتأليف االنسجامات وقراءة النوتة وترجمة الجمل الموسيقية‬
‫الواردة إلى الحاسوب من آلة موسيقية رقمية‪ ،‬كالبيان الرقمي الذي يعرف أجياال جديدة‪ ،‬من بينها تلك التي‬
‫تدعم السيكاه واإليقاعات! الشرقية‪ ...‬عالوة على ما تتيحه شبكة الويب من مساحات غير محدودة لتقاسم‬
‫‪.‬الملفات وتنسيق العمل بين الموسيقيين عن بعد‪ ،‬والقيام بالدعاية واإلعالن للمنتوج الموسيقي! وتسويقه‬

‫‪ ‬‬

‫االبتكار والتجديد‪2.    ‬‬
‫تغير إيقاع الحياة في العصر الرقمي‪ ،‬ولم يعد أمام الموسيقي الطموح خيار غير العزف على وتيرة هذا‬
‫اإليقاع‪.‬فقد اشتدت هيمنة الوسائط الرقمية على الحياة اليومية‪ ،‬وازدادت انتشارا‪ ،‬وتزايدت الحاجة إلى‬
‫المعلومة والمادة الفنية‪ .‬تتنامى هذه الحاجة كي تستجيب للطلبات المتجددة للجماهير المتلقية المتفاعلة‬
‫والعريضة عبر العالم‪.‬وتتسع في غمرة المنافسة الشرسة بين الفضائيات وبين المواقع اإللكترونية التي ال‬
‫حصر لها والمتكاثرة بكثافة وسرعة‪.‬وتهدف هذه المنافسة إلى تقديم كم هائل من األعمال الموسيقية الجديدة في‬
‫أزمنة قياسية‪ ،‬إلحراز أحسن وصول إلى أوسع جمهور‪ ،‬ومن ثم تحقيق أكبر انتشار من خالل أعلى نسب‬
‫للمشاهدة في القنوات‪ ،‬وبلوغ ذروة األرقام في عدادات مواقع الويب والوصول! –بالتالي – إلى أعلى مستويات‬
‫للربح المادي‪ .‬ويفرض هذا الواقع على المبدعين الموسيقيين‪.‬كما على غيرهم من المبدعين أيضاً‪  .‬السعي‬
‫الدؤوب إلى خلق الجديد على المستويين الكمي والنوعي‪ ،‬كما يضعهم أمام تحد صعب‪ ،‬يتمثل في تحقيق التميز‬
‫عن اآلخرين كشرط لالستمرار‪ .‬ويبرز هذا التحدي أمام الموسيقي ليخلق لديه الحاجة إلى مقاومة عوامل‬
‫النسيان واألفول التي تفرضها قوانين التطور الرقمي السريع‪ .‬من بينها التقليد والتكرار واالجترار والتشابه مع‬
‫اآلخرين‪ ...‬وتزدحم الفضائيات العربية بالفرق الموسيقية واألصوات الجديدة المتشابهة‪ ،‬لكن القليل منها هو‬
‫الذي يبقى‪.‬ويكمن سر االستمرار في فرادة موسيقية يتمتع بها العمل الموسيقي وأداء الموسيقي العازف‬
‫والمغني‪ ،‬عالوة على تضافر عوامل النجاح المستمر األخرى المرتبطة باإلنتاج والتسويق والدعاية وإدارة‬
‫‪...‬األعمال الفنية‬

‫‪ ‬‬

‫التواصل والتفاعل والتشارك‪3.    ‬‬


‫يتسم العصر الرقمي بأنه عصر تواصل وتفاعل وتشارك بامتياز‪ ،‬وذلك لتقلص المسافة بين البشر بفضل‬
‫تطور علوم االتصال والثورة الرقمية‪ .‬ولذلك أصبح لزاما على الموسيقي أن ينخرط ضمن شبكة للعالقات‬
‫االجتماعية والفنية المتاحة بفضل الويب‪.‬إن هذا االنخراط نفسه ليس كافيا‪ ،‬بل البد للمشتغل في مجال‬
‫الموسيقى من البحث المستمر في تطوير شبكته العالئقية ولعب دور الريادة والتأثير‪ ،‬بهدف الوصول إلى‬
‫تحويل مشروعه إلى قطب اشعاع واجتذاب ألوسع جمهور‪ ،‬وهو ما يمكنه من نسج عالقات نوعية وفاعلة‬
‫تسمح له باالنتشار وتفتح له آفاقا ممتدة للنجاح‪ ،‬وتوفر خدمات النطاقات في الويب والمنتديات ومواقع‬
‫التواصل االجتماعي والمدونات المجانية واألسواق االفتراضية المفتوحة ‪ ...‬العديد من اإلمكانيات للموسيقيين‬
‫‪.‬للتعريف بأنفسهم وبمشاريعهم والترويج لمنتجاتهم الفنية واالستفادة من اإلشهار والتسويق‬

‫‪ ‬‬

‫الخصوصية سبيل العالمية‪4.    ‬‬


‫يخطئ كثيرون عندما يعتقدون أن الوصول إلى العالمية يمر عبر القطع مع الموسيقى المحلية‪ ،‬واعتناق‬
‫الموجات القادمة من الثقافات األخرى‪ ،‬أو تقليد النماذج الموسيقية الناجحة عالميا‪ .‬وهم ال يدركون أن‬
‫الخصوصية الموسيقية هي سبيل العالمية الحقة والراسخة‪ .‬ذلك أن اكتساب اإلنتاج الموسيقي لجماهير من‬
‫مختلف البيئات والثقافات! الموسيقية يرجع – من بين أهم ما يرجع إليه – إلى تمتعه بفرادة إبداعية باهرة‪ ،‬ال‬
‫تتأتى من خارج أصالته وارتباطه بالخصوصية النغمية واإليقاعية المحلية‪ .‬فقد انطلقت األعمال الموسيقية‬
‫الخالدة بأوروبا وأمريكا والعالم العربي من الموروث الزاخر ووظفته بطريقة خالقة‪.‬فتألقت السمفونيات‬
‫واألعمال الغنائية الضخمة ومنها أعمال عمالقة الموسيقى العربية‪ ،‬مثلما تألق الراي والفالمينكو! من جهة‬
‫‪...‬وسطع الجاز والبلوز والموسيقى الكناوية ذات األصل اإلفريقي‬

‫‪ ‬‬

‫تطوير كفاية االختيار‪5.    ‬‬


‫الموسيقى هي الفن الوحيد الذي ال نذهب إليه‪ ،‬بل هو الذي يغزونا رغما عن إرادتنا واختياراتنا‪.‬فهي ال‬
‫تستشيرنا‪،‬وال تنتظر قرارنا باإلقبال عليها أو اإلحجام عنها‪.‬ولكنها تبادر إلى غزو أسماعنا‪.‬تكتسحنا ونحن نمر‬
‫في األسواق الحضرية أو القروية‪.‬تدخل عقر دارنا من خالل مئات الفضائيات‪ !،‬وكل منها يرسل مئات الملفات‬
‫الموسيقية كل يوم‪ .‬صحيح أنه يمكننا في أي وقت أن نغير القنوات والمحطات اإلذاعية والمواقع اإللكترونية‪،‬‬
‫لكن أمر االختيار نفسه ليس بهذه البساطة‪ ،‬لسببين على األقل‪ :‬األول يكمن في سلطة المعلومة التي تتمتع‬
‫بالكثير من السحر والغواية‪ ،‬وتطبع هذا الكم الهائل المتدفق من المنتجات الموسيقية من مختلف القوالب‬
‫واألنواع واألعراق‪ .‬والثاني يكمن في أن االختيار نفسه كفاية غير متأتية لكل الناس‪ ،‬ألنه مشروط بتطويرها‬
‫منذ الطفولة‪ ،‬من خالل صيرورة التربية الموسيقية‪ .‬وهي ضعيفة في مجتمعاتنا العربية ومؤسساتنا التعليمية‬
‫وإعالمنا الرسمي‪.‬ونفسر ضعفها بكون الموسيقى كفن تعبيري لم يتجذر بعد في وعينا وثقافتنا‪ ،‬وهو بعيد عن‬
‫تبوأ مكانته التي يستحقها‪.‬ومن ثم فإن تطوير كفاية االختيار‪ ،‬أي قدرات تذوق العمل الموسيقي وتحليله ونقد‬
‫وتقييم جماله وتحديد قيمه‪ ،‬ال تكون إمكاناتها متوافرة لدى نشئنا في الغالب األعم‪.‬وينتج عن ذلك عدم قدرة‬
‫الشباب على االختيار الصائب لكل ما يسمعونه ويستهلكونه من موسيقى! متدفقة بغزارة في اإلنترنيت وعبر‬
‫الوسائط الرقمية األخرى‪.‬يدعونا هذا األمر إلى استشعار خطورة االستهالك "األبله" للموسيقى‪.‬ويكمن الخطر‬
‫في تشرب االستيالب باعتباره انقيادا أعمى مع ثقافة اآلخر بكل حموالتها المغايرة سواء كانت إيجابية أو‬
‫سلبية‪.‬وهو ما يمكن أن يؤدي إلى طمس هوية الفرد الثقافية‪ ،‬ويضعف شخصيته التي تميل إلى التماهي مع‬
‫‪.‬مختلف االختيارات الموسيقية المتعارضة والمتناقضة‬

‫‪ ‬‬

‫آفة القرصنة‪6.    ‬‬
‫انتشرت آفة قرصنة المصنف الموسيقي مع انتشار التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬خاصة مع الفيديو واألقراص المرنة‪.‬‬
‫وبقدر ما أتاحت اإلنترنيت للموسيقيين التواصل والتقاسم والترويج ألعمالهم‪ ،‬سهلت تفشي هذه الظاهرة‬
‫الخطيرة‪ ،‬مما يعرض حقوقهم للضياع‪ .‬وتمثل ظاهرة القرصنة الرقمية تحديا خطيرا يهدد المبدعين وقطاع‬
‫اإلنتاج الموسيقي برمته‪ .‬فقد أصبح من السهل نشر كل ما يقدم على الخشبة بصفحات الويب وبسرعة مذهلة‬
‫بالصور المتحركة الحية‪ ،‬نظرا لالنتشار الواسع ألجهزة التصوير والتسجيل الرقمية الذكية من هواتف‬
‫محمولة متطورة وكاميرات صغيرة الحجم وفائقة الدقة‪ ،‬وبرامج مذهلة لمعالجة تحسين الجودة‪ ،‬فضال عن‬
‫انتشار الحاسبات اللوحية والمحمولة المتعددة الوظائف‪.‬كما توفر التكنولوجيا الرقمية إمكانات لنسخ األعمال‬
‫‪.‬مقابل أثمان بخسة‬
‫ستستمر التحوالت الرقمية في فرض رهانات جديدة على الموسيقيين في عالم اليوم‪ ،‬نظرا للسرعة المذهلة في‬
‫تقدم الثورة العلمية في مجاالت المعلوماتية‪ .‬وستواكب دائما هذه الرهانات تحديات ال تقل خطورة عن آفة‬
‫القرصنة‪.‬إن التحدي األكبر للموسيقى الرقمية يكمن في تحقيق الجودة الموسيقية‪.‬وسيبقى سؤال الجودة هذا‬
‫مطروحا ليضع في الميزان كل الكم الهائل من المنتوجات الموسيقية المتشابهة والمكررة والسطحية التي‬
‫تستجيب للحاجات المستعجلة والملحاحة للفضائيات والمواقع الرقمية‪ ...‬فالكثير من األعمال تنتج يوميا والكثير‬
‫‪.‬منها أيضا يأفل نجمه في كل لحظة‪ .‬وال يصمد في وجه زوابع هذه التحوالت إال األعمال القوية والعميقة‬

‫‪ ‬‬
‫المصدر ‪ :‬جريدة الفنون‬
‫‪Share‬‬

‫‪Rate this item‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪)votes 0‬‬
‫‪ Last modified on‬الثالثاء‪ 13 ,‬تشرين ‪/1‬أكتوير ‪13:42 2020‬‬

‫« التقاسيم أهم قوالب الموسيقى العربية وأصعبهاالمقام العراقي »‬

‫مجلة الموسيقى العربية‬


‫مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق باألمانة العامة لجامعة الدول العربية‪ ،‬يعنى بشؤون الموسيقى‬
‫على مستوى العالم العربي‪ ،‬ويختص تحديداً‪ ،‬وكما جاء في النظام األساسي! للمجمع‪ ،‬بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية‪ ،‬وجمع التراث‬
‫‪.‬الموسيقي العربي والحفاظ عليه‪ ،‬والعناية باإلنتاج الموسيقي اآللي والغنائي العربي والنهوض به‬

‫‪https://www.arabmusicacademy.org‬‬

‫‪back to top‬‬
‫أحدث المقاالت‬

‫إعادة التوزيع الموسيقي‪ ...‬تفكير في التراث‬


‫أيار ‪2022 ,01‬‬
‫التجربة النسوية في غناء "المقام العراقي" خالل القرن العشرين‪ :‬مائدة نزهت انموذجا ً‬
‫أيار ‪2022 ,01‬‬
‫الفارابي ينبعث من جديد في الفلسفة الغربية المعاصرة‬
‫أيار ‪2022 ,01‬‬
‫خالد الشيخ‬
‫أيار ‪2022 ,01‬‬
‫موسيقى غرناطية وموشحات في ليالي وجدة الرمضانية‬
‫أيار ‪2022 ,01‬‬
‫تغطية جديدة ألنشطة وفعاليات أقيمت في المملكة المغربية بمناسبة يوم الموسيقى العربية‬
‫نيسان ‪2022 ,30‬‬
‫كيالي في مؤتمر عن أعمال وديع صبرا‪ :‬ساعد في إغناء الموسيقى الشرقية إلى حد كبير‬
‫نيسان ‪2022 ,30‬‬
‫من حوار مع المغني الفرنسي جيلبير بيكو‪ -‬بتصرف (*)‬
‫نيسان ‪2022 ,30‬‬
‫‪ ‬‬

‫اشترك في قائمتنا البريدية‬

‫‪Haut du formulaire‬‬
‫‪Bas du formulaire‬‬

‫هل تساعد الموسيقى على التركيز في دراسة طلبة الجامعات وتالمذة المدارس؟‬
‫نعم‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫ال‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫نوعا ما‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫أألحدث‬

‫إعادة التوزيع الموسيقي‪ ...‬تفكير في الترا…‬


‫أيار ‪Rate: 5.00 2022 ,01‬‬

‫التجربة النسوية في غناء "المقام الع…‬


‫أيار ‪Rate: 5.00 2022 ,01‬‬

‫الفارابي ينبعث من جديد في الفلسفة الغربي…‬


‫أيار ‪Rate: 5.00 2022 ,01‬‬
‫االكثر تقييم‬

‫السور ّية مها الجابري‪ :‬حياتها وأ…‬


‫المطربة ّ‬
‫حزيران ‪Rate: 5.00 2013 ,30‬‬

‫"مخطوطات الموسيقى في العالم العربي‪…:‬‬


‫كانون‪Rate: 5.00 2021 ,03 2‬‬

‫مؤتمر الفنون الدولي الثالث في الجامعة ال…‬


‫آذار ‪Rate: 5.00 2021 ,31‬‬
‫االكثر قراءه‬

‫اآلالت اإليقاعية العمانية‬


‫أيار ‪Rate: 0.00 2013 ,07‬‬

‫الموسيقى وأهميتها في حياة الفرد والمجتمع‬


‫أيار ‪Rate: 1.00 2015 ,02‬‬

‫قصة أغنية "جددت حبك ليه"‬


‫حزيران ‪Rate: 5.00 2012 ,30‬‬
‫‪X‬من نحن‬
‫‪X‬محتويات هذا الشهر‬
‫‪X‬لالتصال‬
‫‪ ‬أيار ‪2022 ,07‬‬

‫‪Copyright © 2012 - 2022 ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved,‬‬


‫‪Designed and Powered by ENANA.COM‬‬
.1

.2

.3

.4

.5

.6

.7

.8

.9

.10

.11

.12

You might also like