Professional Documents
Culture Documents
تقديـم
توا�صل العديد من الأنظمة التعليمية العمل على �إعادة التفكري يف �أدوار وموا�صفات الفاعلني
يف الإدارات والتنظيمات املدر�سية ،وكذا وظائفها ويف امل�س�ؤولني عن قيادتها .لي�س فقط لتمكينهم
من امل�ؤهالت الالزمة ل�ضمان اندماجهم يف املجتمعات الدولية اجلديدة ،بل �أي�ضا ،لإنتاج منطق
فعل جديد قائم على ابتكار �أمناط تدبري ناجع و�سلطة فعالة داخل امل�ؤ�س�سة التعليمية ،مبا يف ذلك
امل�شاركة يف تنمية كل من امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى املتواجدة يف اجلماعة املحلية وباقي املرافق
العمومية ،انطالقا من �إبداع م�شاريع جتعل من الإدارة الرتبوية وجمال�س امل�ؤ�س�سة «�صانعة قرارات
النظام»).(1
عرف م�سار تدبري ال�ش�أن الرتبوي يف النظام التعليمي باملغرب ،خالل ع�رشية الإ�صالح
( ،)2000-2009عدة م�ستجدات همت يف جانب �أ�سا�سي منها ،تو�سيع نطاق امل�شاركة يف اتخاذ
القرار بتفوي�ض بع�ض االخت�صا�صات �إىل الأكادمييات اجلهوية للرتبية والتكوين والنيابات الإقليمية
وامل�ؤ�س�سات التعليمية ،بعدما كانت حكرا على الإدارة املركزية .وذلك ا�ستجابة لتوجهات امليثاق التي
�أكدت على �رضورة مالءمة الرتبية والتكوين مع حاجات كل جهة وخ�صو�صياتها.
متا�شيا مع ذلك ،ثم �إحداث الأكادمييات اجلهوية مبقت�ضى قانون 07.00ومنحها �صفة
م�ؤ�س�سات عمومية تتمتع بال�شخ�صية املعنوية واال�ستقالل املايل مع جعلها خا�ضعة لو�صاية الدولة.
كما مت العمل على تو�سيع �صالحيات امل�ؤ�س�سات التعليمية بناء على املر�سوم رقم 2.02.376
(17يوليو )2002الذي ين�ص على �إعادة النظر يف مهام الإدارة الرتبوية و�إحداث بنيات جديدة
لتدبري �ش�ؤون امل�ؤ�س�سة .م�ستجدات تتطلب العمل على مراجعة �آليات اتخاذ القرار وما ي�ستلزمه ذلك
من �إعداد قيادات فاعلة يف م�ستويات متعددة ،وتوفري مناخ عمل ي�شجع على بناء منطق جديد
ل�سلطة الفعل املدر�سي ،بتعزيز ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة التعليمية يف تدبري م�شاريعها واالرتقاء ب�أداء
مكوناتها و�إجناح �أ�شكال انفتاحها ،حمليا ودوليا.
1- OCDE, (2008), Améliorer la direction des établissements scolaires, V.2 : études de cas
sur la direction des systèmes, Paris, P.3.
26
.1الإدارة الرتبوية :ت�صريف ل�سلطة املركزي �أم تفعيل ال�ستقاللية
التدبري ؟
يف الوقت الراهن ،ومع تطور متطلبات املجتمع وتعقد �إكراهاته ،عملت بع�ض التقارير الدولية
على �إفراد جانب هام من ان�شغاالتها املتعلقة بالأنظمة التعليمية للإدارة الرتبوية ،باعتبارها حجر
الزاوية يف بناء م�رشوع امل�ؤ�س�سة والإ�رشاف على ت�رصيف القرارات املتخذة على نحو جيد� .إذ الزالت
تعاين العديد من امل�ؤ�س�سات التعليمية من كون غالبية مديريها لديهم تكوين بيداغوجي تعليمي
ال يوفر لهم الكفايات الالزمة لتدبري الوظائف الإدارية ذات ال�صلة بقيادة التعليم والتعلم ،وتدبري
املوارد وحتديد الأهداف ،وقيا�س حالة تقدم امل�ؤ�س�سة ،وتوجيهها ،وحتقيق �سبل التعاون بني الفاعلني
و�رشكاء امل�ؤ�س�سة).(2
غالبا ما يحيل املدلول املادي للإدارة الرتبوية على مدير امل�ؤ�س�سة التعليمية بالأ�سا�س باعتباره
امل�س�ؤول عن �إدارتها ،يف حني �أن املق�صود بالإدارة ،هنا ،الفاعلون الذين تتوزع بينهم �سلطة التدبري
والت�سيري ،من داخل امل�ؤ�س�سة وخارجها.
ت�شمل الإدارة �أفرادا لديهم مهام و�صالحيات متعددة ،وال�سيما مدير امل�ؤ�س�سة وم�ساعديه،
الفرق الإدارية ،جمال�س امل�ؤ�س�سة �أو الإدارة ،املوظفني املكلفني مبهام الت�أطري داخل امل�ؤ�س�سة)(3؛
ينتظر منهم القيام بتدبري متقا�سم ل�ش�ؤون امل�ؤ�س�سة التعليمية على نحو يتنا�سب مع �إقرار الالمتركز،
وما يتطلبه من قدرات تدبريية عالية وا�ستقاللية يف اتخاذ القرار ،وتر�سيخ امل�س�ؤولية ،والتقومي
املنتظم .يف حني ُينظر للإدارة الرتبوية ،بالأ�سا�س ،كجهاز �إداري تنح�رص مهمته يف تنفيذ قرارات
الوزارة الو�صية وتكييفها مع �إمكانات اجلهة ومواردها �إن اقت�ضى احلال ،بدل اعتبارها:
• م�صدرا �أ�سا�سيا ملعرفة مدى جناعة احلكامة املعتمدة جهويا ومركزيا ،والتدابري امل�ؤطرة لها،
• امل�س�ؤول املحلي ،داخل امل�ؤ�س�سة ،القرتاح �أجنع ُ�سبل الرفع من مردوديتها وت�أطري �أ�شكال التعبئة
الإدارية واملواكبة الرتبوية الداعمة ملهام جمال�س امل�ؤ�س�سة،
• حمور املقاربة ال�صاعدة يف �إعداد املخططات اال�سرتاتيجية للرتبية والتكوين ،وتنظيم العالقة
الإدارية بني كل من املركزي واجلهوي واملحلي ،وكذا حتديد حاجاتها من التكوين واملوارد
والربامج� ،إلخ.
يف حني �أن منط التدبري ال�سائد يف الإدارة الرتبوية ،والتي تعك�س يف جانب هام منها منطق
ا�شتغال النظام التعليمي يف املغرب ،يك�شف عن ا�ستمرار هاج�س الدولة �ضمان احل�ضور املو�سع
للفاعلني يف هياكل الإدارة الرتبوية وجمال�س امل�ؤ�س�سة ،بغر�ض تقلي�ص ظهور �رصاعات جانبية وكذا
كما �سبقت الإ�شارة ،عرف منط التدبري منذ �سنة 2003حتوال من التدبري املمركز �إىل التدبري
اجلهوي ،بعد �إحداث الأكادمييات اجلهوية للرتبية والتكوين وكذا تو�سيع �صالحيات امل�ؤ�س�سات
التعليمية .مع ذلك ،الزالت ا�ستقاللية �إعداد م�شاريع امل�ؤ�س�سات التعليمية وميزانياتها تتحكم يف
�أمناط تدبريها �أ�ساليب تقليدية� ،إىل جانب �صعوبات �أخرى نذكر منها :ــ �ضعف ت�أهيل الأطر
الإدارية والرتبوية؛ ــ نق�ص يف �آليات القيادة والتدبري؛ ــ تدبري متمركز وتردد يف نقل الكفايات
ال�رضورية �إىل الإدارة الرتبوية؛ ــ وجود هام�ش �ضيق للمبادرة اجلهوية واملحلية؛ ــ م�ساطر �إدارية
معقدة وغري ناجعة ،وكذا غياب املرونة والتن�سيق الالزمني بني خمتلف بنيات التدبري؛ ــ برامج
عمل مت�شابهة لدى العديد من امل�ؤ�س�سات التعليمية .تعك�س هذه ال�صعوبات االختالف الوا�ضح يف
طبيعة التدبري الذي تت�صف به غالبية امل�ؤ�س�سات التعليمية� ،إذ ميكن التمييز فيها بني منطني من
التدبري :تقليدي وحديث.
-القيام باملهام التقنية والإجراءات الروتينية -القيام بوظائف ومهام و�أدوار متنوعة ،ترتكز
على التقنيات احلديثة يف التدبري كاعتماد وتطبيق التعليمات الواردة من �إدارة عليا،
الأ�سلوب القيادي واملقاربة الت�شاركية مع �سيادة النزعة البريوقراطية.
لتحقيق نتائج �إيجابية والعمل على تعميقها
وتطويرها با�ستمرار.
-القيام مبهام حمددة �إداريا دون �أخذ -ا�ستلزام �أخذ املبادرة والتطوير والإبداع.
املبادرة.
- 4عوام (امل�صطفى) ،)2011( ،دور جمال�س التدبري يف تغيري املحـددات التنظيميـة للم�ؤ�س�سـات التعليميـة بـالثانوي الت�أهيلي
العمومي ــ مقاربة �سو�سيولوجية� ،أطروحة دكتوراه ،كلية علوم الرتبية ،جامعة حممد اخلام�س ــ ال�سوي�سي ،الرباط� ،ص.316 .
28
-الرتكيز على الإجراءات وامل�ساطر ال�شكلية -القيام بعمليات منظمة ومتكاملة ت�شمل:
التخطيط ،والتنتظيم ،والتنفيذ ،واملراقبة، وتنفيذ التعليميات .
والتقومي ،والتتبع.
-اعتماد املقاربة الت�شاركية والعمل بامل�شاريع. -اعتماد العمل الفردي.
-عدم ا�ستلزام التمكن من جماالت معرفية -ا�ستلزام الإملام مبجاالت معرفية متنوعة
منها علم الإدارة وفروع علم النف�س خمتلفة.
والقانون الإداري.
-قلة االهتمام بالنجاعة والفعالية ،واعتماد -اعتماد ثقافة «املقاولة» والتدبري الفعال
للموارد الب�رشية عن طريق التوا�صل اجليد تقومي امل�ؤ�س�سات على االلتزام بالتعليمات.
واحلفز والتقومي القائم على النتائج والفعالية
يف ا�ستعمال املوراد املادية واملالية.
-تركيز �سلطة القرار بني يدي �شخ�ص واحد -تخويل ق�سط كبري من �سلطة القرار
للم�ؤ�س�سة نف�سها ،وغالبا ما تكون هذه غالبا ما يكون يف �إدارة عليا �ضمن الهرم
ال�سلطة مق�سمة بني مكونات وجمال�س الإداري (�سيادة النظام املركزي).
�ضمن مقاربة ت�شاركية غري متمركزة.
امل�صدر :وزارة الرتبية الوطنية ،)2008( ،م�شروع امل�ؤ�س�سة والتعبئة االجتماعية لتح�سني جودة التعلم،..
مديرية العمل الرتبوي� ،ص�ص.15-16.
تكمن �أهمية �أدوار الإدارة الرتبوية ،كما يبني اجلدول �أعاله ،يف حت�سني جودة التعليم
املدر�سي وحتقيق الإن�صاف بني املتعلمني ،وفق تدبري قيادي قائم على �إ�رشاك حقيقي للفاعلني وكذا
ح�سن ا�ستعمال م�س�ؤولية اتخاذ القرار امل�شرتك .كما يتعني على مدير امل�ؤ�س�سة التعليمية �أن يكون
متمكنا من ر�صيد غني من املعارف واملهارات الالزمة يف جمال الربامج ،والبيداغوجيا ،والتعلم
اخلا�ص بالأطفال وال�شباب ،وتدبري التغري ،ودينامية املجموعات ،وتقنيات التوا�صل� ،إلخ.
)(5
�إىل جانب ذلك ،فقد �صار املدير مدعوا للقيام مبهام التخطيط ،وو�ضع امليزانية ،وتدبري املوارد
الب�رشية ،والتعريف ب�إمكانات امل�ؤ�س�سة التي يديرها ،والبحث عن متويالت �إ�ضافية بغية ا�ستثمارها
يف موا�صلة الرفع من مردودية الأطر الإدارية والرتبوية وحت�سني جودة تعلمات التالميذ) ،(6بدل
اال�ستمرار يف االن�شغال بتنفيذ الربامج والتوجيهات ذات الطابع املركزي التي قد ال ت�ضمن بال�رضورة
تغيري واقع املمار�سات ومنطق الفعل املدر�سي يف �شموليته؛ لكون القيادة التي تعتمد الإ�رشاك املرغم
يف م�ستوى الإدارة الرتبوية تظل املعرب الأمثل عن التغيري الوهمي لو�ضع كل م�ؤ�س�سة تعليمية ،بل
ولأي نظام تعليمي قائم.
5-
6- OCDE, (2009), Améliorer la direction des établissements scolaires, la boîte à outils,
P.37.
�إىل جانب ذلك ،يتطلب تعزيز ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة تقوية قدرات كافة الأطر الإدارية والرتبوية
يف جماالت التخطيط والتنظيم والتدبري والتتبع والتقومي مع متكينها من املوارد التدبريية والريادية
الالزمة ،دون �إغفال القيام مبراجعة عميقة و�شاملة لأمناط التدبري والت�سيري ال�سائدة يف امل�صالح
الداخلية واخلارجية التابعة للوزارة الو�صية والقطاعات ال�رشيكة لها.
تتنوع �أ�شكال الالمركزية يف العديد من البلدان بح�سب نظام احلكم ال�سيا�سي اخلا�ص بكل
بلد على حدة ،وتعني بالأ�سا�س ،يف �شكلها العام ،نقل م�س�ؤوليات التخطيط ،التدبري والت�سيري،
التمويل ،تخ�صي�ص املوارد ،من الإدارة املركزية �إىل التنظيمات اجلهوية واملحلية ،عمومية �أو خا�صة،
�إما باالحتفاظ ب�سلطة و�صاية الدولة �أو يف �إطار ا�ستقاللية جزئية �أو كلية.
يتحدد الغر�ض من الالمركزية ،بالأ�سا�س ،يف التخفيف من �صالحيات الدولة يف تدبري النظام
التعليمي بنقل جزء هام منها �إىل الفاعلني املحليني ،جراء تزايد �أعداد امل�ؤ�س�سات التعليمية والبنيات
7- OCDE, (2008), Améliorer la direction des établissements scolaires, V.2, Op.Cit,
P.36.
- 8اليون�سكو� ،)2009( ،أهمية احلوكمة يف حتقيق امل�ساواة يف التعليم (ملخ�ص) ،التقرير العاملي لر�صد التعليم للجميع� ،ص.24 .
30
الإدارية امل�ؤطرة لها ،وكذا احلاجة �إىل �ضمان جودة الرتبية يف الأنظمة التعليمية الأكرث ن�ضجا)،(9
�رشط متكنها من �أجود املوارد و�أف�ضل التكوينات و�أهم �سبل الدعم و�أجنع طرائق التتبع والتقومي.
رغم املبادرات الرامية �إىل تفعيل الالمركزية والالمتركز يف هياكل الإدارات العمومية واجلماعات
املحلية وكذا يف �أ�ساليب ا�شتغال كل منهما ،مل يتمكن النظام التعليمي يف املغرب من �إر�ساء حكامة
ميكنها يف الأمد املنظور من ا�ستقاللية يف انتقاء املوارد
جيدة ت�ضمن للم�ؤ�س�سات التعليمية ت�أهيال َ
و�إعداد الكفايات القادرة على اال�ستجابة للتخطيط اال�سرتاتيجي والتدبري بالنتائج والتقومي املبني
على امل�شاريع.
ما من �شك �أن الو�ضع احلايل للإدارة الرتبوية ي�ستلزم �إعطاء احلكامة مزيدا من الأهمية،
وال�سيما يف اعتماد نظام معلوماتي مندمج وفعال ،ونقل املزيد من امل�س�ؤوليات وال�صالحيات من
الإدارة املركزية �إىل الأكادمييات والنيابات وامل�ؤ�س�سات التعليمية ،والتكوين الفعلي لأطرها ب�شكل
منتظم وهادف ،مع اعتماد التعاقد ك�آلية م�ؤطرة ملخططات العمل بني هذه امل�ستويات الثالثة يف
تدبري ال�ش�أن املدر�سي .وكذا حفز امل�ؤ�س�سة التعليمية مبنحها هام�شا �إ�ضافيا للت�رصف واملبادرة ،مع
تخ�صي�ص اعتمادات مالية قارة لها و�إعطائها �صالحيات متكنها من �رصفها بطريقة مبا�رشة وفق
نظام للتتبع واملحا�سبة ،دون �إغفال تفعيل ال�شبكات املحلية للرتبية والتكوين وجعلها قائمة على
نهج املقاربة الت�صاعدية يف التخطيط) ،(10علما �أن هذه ال�شبكات مل يتم تفعيلها �إىل الآن ،بالرغم
من ت�أكيد امليثاق على �رضورة �إحداثها).(11
مهما يكن من �أمر ،ال يكفي تخويل الإدارة الرتبوية �صالحيات �أو�سع بغر�ض حتميلها
م�س�ؤولية اتخاذ القرار و�إلزامها بتدبري �إكراهاتها بح�سب حاجاتها و�إمكاناتها� ،أو بعبارة �أدق،
االن�شغال ب�إجناح عملية نقل ال�رصاع بني املركزي واملحلي �إىل اجلهوي واملحلي ،بل الأمر بحاجة
�إىل مراجعة عقالنية وجمددة ملهام الإدارة الرتبوية و�أدوارها ،وفق ت�أطري قائم على �إعداد فاعلني
فعليني وقيادات فعلية :م�ؤهلة ،ومنفتحة ،ومبدعة ،وطموحة ،ومواطنة .وذلك من داخل منطق
جديد للفعل االجتماعي يف �شموليته ،قائم على االقتناع ب�رضورة تقا�سم امل�س�ؤولية يف اتخاذ القرار
وتوفري التكوينات ذات اجلودة العالية يف التدبري والت�سيري و�إعداد امل�شاريع ،وتوفري املوارد امل�شجعة
على النهو�ض بال�ش�أن املدر�سي.
�إ�ضافة ملا �سبق ،ولكي ترتقي امل�ؤ�س�سة التعليمية �إىل م�ستوى جودة �أدائها ال�شامل ،تظل
بحاجة �إىل نظام تعليمي ي�ستجيب لالحتياجات احلقيقية وقابل للم�ساءلة ومبني على نهج ت�شاركي
ما من �شك �أن الإدارة الرتبوية تظل بحاجة م�ستمرة لتح�سني �أداء مواردها الب�رشية ،من داخل
نف�س املنظور الذي مت الت�أكيد عليه منذ البداية ،وذلك يف �إطار منطق فعل جديد يحر�ص على
تر�سيخ ما يلي� :إرادة التعلم التعاوين؛ الإ�رشاك القبلي للفاعل؛ التقا�سم الفعلي للم�س�ؤولية؛ تقدمي
احل�ساب العقالين؛ القدرة على املبادرة التلقائية؛ موا�صلة حتقيق الأداء الناجع؛ �إلخ).(14
تعميقا لنف�س املقاربة ،ميكن ا�ستثمار بع�ض العنا�رص املنهجية التي �أكد عليها تقرير �صادر
عن منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية ،بغر�ض املزيد من حت�سني �أداء الإدارة الرتبوية ،كما يو�ضح
ذلك امل�ؤطر التايل:
32
ويف �أفق حتقيق �إدارة تربوية مبوا�صفات جديدة ،يتعني القيام مبا يلي:
• الت�أهيل الفعلي للفاعلني الإداريني والرتبويني وتقوية ال�صالحيات وال�سلط املخولة لهم؛
• مراجعة م�رشوعية قيادة امل�ؤ�س�سة وموا�صفاتها؛
• تفادي هيمنة الطابع اال�ستعجايل على منهجية الإ�صالحات املزمع القيام بها ،مبا يف ذلك املنظور
الأحادي يف اتخاذ القرارات والتعاقدات املرغمة وال�شكلية التي تكون الإدارة الرتبوية ملزمة� ،أمام
الإدارة املركزية ،باملوافقة عليها من دون معرفة مدى قدرتها على االنخراط فيها ،وكذا العمل
مببد�أ التجريب قبل التعميم.
خامتـــة
ما من �شك �أن املوا�صفات اجلديدة ملديري امل�ؤ�س�سات التعليمية ت�ستوجب �ضمان جودة
التكوين املنتظم لهذه الهيئة ،و�إعداد خمططات وا�ضحة مل�ستقبل مهن الإدارة الرتبوية ،وو�ضع
تدابري ناجعة لإجناح انخراط جيل جديد من الأطر يف حتمل م�س�ؤولية �إدارة وتدبري امل�ؤ�س�سات
التعليمية؛ مع �رضورة �ضمان توازن يف توزيع ال�سلطة بني املركزي واملحلي ،ب�إبداع مقاربات حقيقية
لتقا�سم االخت�صا�صات ،من قبيل حتديد مهام الإدارة املركزية يف �صياغة الربامج الدرا�سية ومراقبة
جودة التعليم والتعلمات وفق �إ�شهادات وطنية ،مقابل اقت�صار عمل امل�صالح اجلهوية وامل�ؤ�س�سات
التعليمية على تدبري املوارد و�إعداد املناهج) ،(15دون �إغفال احلر�ص على امل�ساواة بني اجلهات
واملناطق يف تخ�صي�ص الإمكانات املالية واملادية الالزمة لالرتقاء مب�س�ؤولياتها يف الرتبية والتكوين.
يكمن رهان الإدارة الرتبوية ،اليوم ،يف جتاوز القيام ب�أدوار الزالت تكت�سي لدى العديد من
امل�ؤ�س�سات التعليمية طابعا انفعاليا ،بوظائف غالبا ما تكون �ضبطية ،و�صالحيات قلما تكون غري
ميكانيكية ،بحكم ثقل و�صاية �سلطة كل من الأكادميية والإدارة املركزية ،و�ضعف امل�ساواة الرتابية
بني املناطق ،وغياب التكوينات الر�صينة القادرة على متكني �أطر امل�ؤ�س�سة من �سلطة اتخاذ القرار
الفعلي وذلك بتقوية الإ�ستقاللية يف �إطار امل�س�ؤولية ،و�إر�ساء نظام معلوماتي متكامل ومندمج،
مع مراجعة حقيقية لو�ضع هيئة ومهن الإدارة الرتبوية وجتديد فعلي لأمناط التدبري والقيادة يف
كافة م�ستويات اتخاذ القرار ،بدل موا�صلة «جتميل» امل�آالت ال�صعبة لأو�ضاع النظام التعليمي يف
املغرب ومن داخله الإدارة الرتبوية باعتبارها اللبنة الأ�سا�س لت�رصيف ال�سيا�سات العمومية يف جمال
الرتبية والتكوين.
يبدو �أن تزايد �أ�شكال تعرث تدبري امل�ؤ�س�سات التعليمية وت�سيريها ،والتدين العام الذي انعك�س
على مردوديتها ،وتوايل �أمناط الإ�صالحات املرغمة وما حلقها من تدابري ا�ستعجالية ،قد يعني
حر�ص النظام التعليمي يف املغرب على اال�ستمرار يف �إعطاء الأولوية لتغيري الآليات وجتديد التقنيات
وتنويع املقاربات على ح�ساب تغري منطق نظام الفعل االجتماعي برمته.
• OCDE, (2008), Améliorer la direction des établissements scolaires, V.2 : études
de cas sur la direction des systèmes, Paris.
• OCDE, (2008), Améliorer la direction des établissements scolaires, V.1 :
Politiques et Pratiques, Paris.
• OCDE, (2009), Améliorer la direction des établissements scolaires, la boîte à
outils, Paris.
34