You are on page 1of 16

‫اإلرث المعماري باإلنسانتش ي بين تحديات الحفاظ عليه ودوره األساس ي في‬

‫بعث التنمية املحلية‬

‫تقديم ‪ :‬نهاد مرزوق‬


‫‪ .1‬مقدمة‬
‫إن تاريﺦ أي أمة يُنظر إليه عبر ما خلفته مﻦ تراث ﺛقاﰲ سواء أكان ماديا أم ال ماديا‪ ،‬وال ﻏرو‬
‫ﰲ ﺫلﻚ إﺫ يُعدّ هذا التراث ﻛاﺷفا لكيانها و حضارتها‪ .‬وهو بذلﻚ يشكل عنوان هويتها وفخرها‪ .‬ومﻦ هنا‬
‫تبرزالحاجة الماسة لدراسته في أفق الحفاظ عليه‪.‬‬

‫ونظرا لضخامة هذا التراث بالمغرب ‪-‬إن على مستوى أماﻛﻦ انتشاره و زمﻦ إنتاجه‪ -‬فإنه يحظى‬
‫باهتمام خاص‪ .‬ومﻦ ﺫلﻚ انخراط المغرب ‪-‬منذ مدة طويلة‪ -‬بشكل فعال في الحفاظ عليه وتثمينه‪ ،‬وال‬
‫أدل على ﺫلﻚ مﻦ انضمامه إلى عديد مﻦ المؤسسات الدولية التي تعنى به‪ .‬باإلضافة لذلﻚ فقد قام‬
‫المشرع المغربي بإحداث منظومة قانونية قادرة على مواﻛبة تحديات تأﺛيرات الزمﻦ وحفظه مﻦ جرائم‬
‫إتالفه واإلضراربه‪.‬‬

‫تعد مدينة تطوان إحدى المدن المغربية التي تتوفر على إرث ﺛقافي و معماري ﻛبير بحيث تمتزج‬
‫فيه الهندسة اإلسالمية‪-‬الموريسكية بالهندسة اإلسبانية‪ .‬ويتخلل هذا اإلرث بعض البنيات و‬
‫المؤسسات الثقافية وتنظم في ﺛنايتها أرقى األحداث والتظاهرات الثقافية والفنية‪ .‬وقد جاء إعالن‬
‫ً‬
‫موقعا للتراث العالمي ومدينة مبدعة (الوحيدة بالمغرب حتى اآلن) في مجال الصناعة‬ ‫مدينة تطوان‬
‫التقليدية مﻦ طرف اليونسكو كاعتراف بأهمية ﺫلﻚ اإلرث الثقافي وإضفاء عليه صبغة الميراث‬
‫اإلنساني‪.‬‬

‫مﻦ جملة ﺫلﻚ اإلرث الثقافي نذﻛر اإلنسانش ي وهو إرث معماري خلفته الحماية اإلسبانية‬
‫بالمغرب‪ ،‬ويتخلل هذا اإلرث بعض البنيات و المؤسسات الثقافية‪ ،‬وتنظم في أروقتتها أرقى األحداث‬
‫والتظاهرات الثقافية والفنية‪ .‬على الرﻏم مﻦ ﺫلﻚ‪،‬‬

‫هذا اإلرث الذي يمكﻦ اعتباره عامال جذابا لمدينة تطوان‪ ،‬وقادرا على اإلسهام بقوة في تحسين‬
‫صورتها وسمعتها على الصعيديﻦ الوطني والدولي‪ .‬واستغالله ﻛعالمة فارقة حقيقية ألﻏراض تجارية‬
‫كاف في السياسات الثقافية املحلية‪.‬‬
‫وترويجية‪ ،‬لم يلق لحد ااآلن االهتمام الكافي الذي يدمجه بشكل ٍ‬
‫إن المتابع لإلرث التاريخي و الثقافي لمدينة تطوان سيفاجأ يقلة الدراسات المعمقة حول‬
‫اإلنسانش ي و ﻏياب ﺷبه تام للبيانات المتعلقة به‪ ،‬لذلﻚ يأتي اقتراح دراسة اإلنسانش ي ﻛموضوع‬
‫ألطروحة دﻛتوراة لتسليط المزيد مﻦ الضوء إلبراز جملة مﻦ األمور والجوانب التي تهمه‪ .‬ونعتقد أن‬
‫هذا العمل ضروري سواء لتصميم السياسات الثقافية أو التخاﺫ القرارات مﻦ جانب المسؤولين‬
‫‪1‬‬
‫والمنتخبين بشأن االستثمارات التي يتعين القيام بها في القطاع الثقافي املحلي‪.‬‬

‫‪ .2‬دو افع اختيارالموضوع‬


‫تتنوع نقاط االلتقاء بين التاريﺦ والثقافة واالقتصاد وتتزايد باستمرار في ظل استعمال اإلرث‬
‫المعماري والتاريخي ﻛوسائل فاعلة في سياسات صانعي القرارحتى تتمكﻦ مﻦ مواجهة تحديات التنمية‬
‫املحلية وتحسين جاﺫبية المناطق المستهدفة‪.‬‬

‫ألول وهلة يتبادرللذهﻦ سؤاال‪ :‬لماﺫا الترﻛيزعلى اإلرث المعماري ﻛوسيلة ‪-‬مﻦ وجهة نظرالتنمية‬
‫املحلية المستدامة‪ -‬موضوعا ألطروحة الدﻛتوراة المقترحة؟ ببساطة ألنه يشكل إحدى االهتمامات‬
‫الكبيرة التي يستهدفها علم التاريﺦ مﻦ خالل دراسة السكان الذيﻦ يعيشون في مساحة جغر افية‬
‫و إنتاجاتهم الثقافية والعمرانية‪،‬‬

‫اختياري البحث ﰲ ﻫذا اﳌوضوع يرجع ألسباب عدَّة ﺃﳘﱡﻬﺎ‪:‬‬

‫‪ ‬الحافز األول‪ :‬يشكل موضوع اإلرث الثقافي المادي بالشكل الذي نطرحه هو مﻦ اﳌواضيع‬
‫اﳌستجدة الﱵ ال تزال بكرا‪،‬ﱂ يشبعﻬا الباحثون دراسة وﲤحيصا و انحسر انشغالهم به ﻏالبا‬
‫وصفا وﻫي عبارة عﻦ نتﻒ ﻫنا وﻫناﻙ‪ .‬وتبعاﹰ لذلﻚ ﱂ يطرح ﻫذا الموضوع ﰲ ﲝث علمي ﳏايد‬
‫ملتزم بطرائق البحث ومناهجه‪.‬‬
‫‪ ‬الحافز الثاني‪ :‬ﲤتلﻚ تطوان إرﺛا ﺛقافيا مادي ا ﻛبيرا‪ ،‬وخصوصا المعماري منه‪ ،‬عزّ نظﲑه في‬
‫المغرب مهدد باإلتالف‪ ،‬لذلﻚ يأتي مقترح ﻫذا الموضوع لتسليط الضوء عليه ودراسته بشكل‬
‫مستفيض‪.‬‬
‫‪ ‬الحافز الثالث‪ :‬إمكانية استخدام هذا اإلرث الثقافي المادي في سياسات التنمية املحلية‬
‫ومﻦ الحقائق المؤﻛدة أن اإلرث الثقافي المادي تلعب دورا متناميا في سياسات التنمية املحلية‬
‫واالقتصادية وفي استراتيجيات التنمية الحضرية‪ .‬نالحظ وجود ‪،‬في تطوان‪ ،‬إرﺛا معماريا إسبانيا ﺫو‬
‫قيمة تاريخية وفنية ﻛبيرة تتخلله بنى تحتية ﺛقافية متميزة ‪ -‬والتي هي مصدر فخر – يمكﻦ استغاللها‬
‫ﻛمراﻛز تطوير قادرة على تنمية على المدينة التي تشهد تغيرات اقتصادية عميقة‪ .‬إن االهتمام الذي‬
‫يثيره هذا الموضوع‪ ،‬يتجاوز بشكل عام اإلطار التا يخي والثقافي لإلنسانش ي بل يتطرق ً‬
‫أيضا إلى صورة‬ ‫ر‬
‫المدينة وتنميتها االقتصادية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الدافع الرايع‪ :‬االﻛتفاء باستخدام األساليب الوصفية الكالسيكية في الدراسات دون االهتمام‬
‫باألساليب العلمية الحديثة لتقييم الدور اإليجابي لإلرث المعماري والثقافة عموما في التنمية املحلية‪.‬‬
‫فعلى مستوى تطوان‪ ،‬يجري تقييم هذا الدور‪ ،‬في ﻏياب تام للبيانات والمؤﺷرات التي تبين فعاليته في‬
‫االستراتيجيات اإلنمائية المقترحة‪ .‬وتجدر اإلﺷارة هنا إلى أنه في ﻛثير مﻦ األحيان يعترف صانعو القرار‬
‫في خطاباتهم باآلﺛار اإليجابية الستخدامه على التنمية املحلية دون تعليل ﺫلﻚ‪ ،‬وقد يكون ﺫلﻚ راجع‬
‫لعدم االهتمام بثقافة التقييم أو في الخوف مﻦ ﻛشﻒ عﻦ عدم وجود اآلﺛارالمتوقعة‪.‬‬

‫لذلﻚ في بحث األطروحة المقترحة‪ ،‬سنحاول تقديم إجابات موضوعية على مسألة األﺛر‬
‫االقتصادي الستخدام الثقافة في سياسات التنمية املحلية‪ .‬وسيتطلب ﺫلﻚ تطوير طرق علمية قادرة‬
‫على إﺛبات هذا التأﺛير‪.‬‬

‫‪ .3‬أهداف األطروحة‬
‫سأسعى مﻦ خالل مشروع األطروحة هذه إﱃ ﲢقيق األﻫداف اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬التعريﻒ باإلرث الثقافي المادي الذي تزخر به اإلنسانش ي‪.‬‬


‫‪ ‬إجراء جرد ﺷامل لإلرث المعماري والبنيات التحتية الثقافية باإلنسانش ي‪.‬‬
‫‪ ‬وضع تصور مندمج للوصول إلى الكيفية المثلى لتحقيق تنمية مستدامة مﻦ خالل المزاوجة بين‬
‫اإلرث الثقافي المادي باإلنسانش ي والسياحة الثقافية‪.‬‬
‫‪ ‬وضع تشخيص علمي مستفيض لإلرث المعماري والبنيات التحتية الثقافية المتواجدة‬
‫باإلنسانش ي‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد المشاكل الحقيقية التي تهدد اإلرث المعماري باإلنسانش ي‬
‫‪ ‬تحديد المشاكل التي تعوق استغالل اإلرث المعماري والبنيات التحتية الثقافية باإلنسانش ي في‬
‫التنمية االقتصادية املحلية‪.‬‬
‫‪ ‬وضع طريقة علمية لتقييم أﺛر اإلرث المعماري والبنيات التحتية الثقافية على التنمية‬
‫االقتصادية املحلية‪.‬‬

‫‪ .4‬إﺷكالية البحث‬
‫تشكل إﺷكالية البحث اإلطارالعملي لتطويرأطروحتنا‪ ،‬لهذا مﻦ الضروري وجب تحديدها بشكل‬
‫دقيق وجيد‪ .‬إن استعراض اإلرث المعماري باإلنسانش ي يثبت وجود تنوع مذهل‪ ،‬إال أن توظيفه على‬
‫‪3‬‬
‫الشكل األمثل ال يزال بعيدا مما يجعله مهددا بالضياع‪ .‬يمكﻦ تلخيص هذه الوضعية على النحو التالي‪:‬‬
‫ّ‬
‫التص ور لدى دو ائرالقرار بتطوان عﻦ الدور‪ ،‬المتعدد‬ ‫‪ ‬عدم وجود استراتيجة مضبوطة وضعﻒ‬
‫األبعاد‪ ،‬الذي يمكﻦ لإلنسانش ي أن يؤديه في تنشيط حرﻛة السياحة الثقافية بتطوان وإرساء‬
‫قواعد تنمية مستدامة‪.‬‬
‫‪ ‬عدم الترويج لإلرث المعماري باإلنسانش ي و قلة استعماله في المناسبات الثقافية والعلمية‬
‫واالقتصادية ‪.‬‬
‫‪ ‬جهل سكان مدينة تطوان بأهمية اإلرث المعماري باإلنسانش ي وارتباطه بالهوية الثقافية‬
‫املحلية‪.‬‬
‫‪ ‬نقص واضح بخصوص البيانات و الدراسات التي تخص اإلرث المعماري باإلنسانش ي وﻛذلﻚ األﺛر‬
‫االقتصادي الستعماله‪.‬‬
‫تتحدد إﺷكالية البحث في محاولة للحفاظ على التراث الثقاقي المادي‪ ،‬المتمثل في اإلنسانش ي‪،‬‬
‫وﺫلﻚ عﻦ طريق إدماجه في سياسات السياحة الثقافية وتفعيل دوره في إرساء قواعد تنمية محلية‬
‫مستدامة بتطوان‪.‬‬

‫‪ .5‬أسئلة البحث‬
‫للتعمق أﻛثرفي بحثنا ودعما لإلﺷكالية السالفة الذﻛر یمكﻦ طرح يعض التساؤالت التالية‪:‬‬

‫‪ ‬ما هي نقاط القوة والضعﻒ التي تميز اإلرث المعماري والبنى التحتية الثقافية باإلنسانش ي ؟‬
‫‪ ‬ما هي نوعية المناسبات الثقافية المقامة بها ؟‬
‫‪ ‬ما هي صورة اإلرث المعماري والبنى التحتية الثقافية باإلنسانش ي لدى المواطﻦ والمستثمر على‬
‫السواء؟‬
‫‪ ‬ما هي ربحية استعمال اإلرث المعماري والبنى التحتية الثقافية باإلنسانش ي وﻛيفية تحسين‬
‫إنتاجيتها ؟‬
‫‪ ‬هل يمكﻦ تحقيق تنمية سياحية ﺛقافية مستدامة في ظل الوضعية الراهنة لإلنسانش ي ؟‬
‫ماهي اآلليات والطرق المثلى لتحقيق تنمية سياحية ﺛقافية مستدامة؟‬ ‫‪‬‬

‫‪ .6‬فرضيات الدراسة‬

‫‪4‬‬
‫يحظى اإلنسانش ي على نصيب محدود مﻦ حرﻛة الطلب السياحي الثقافي الداخلي والدولي وﺫلﻚ‬ ‫‪‬‬

‫بفعل النقص الحاصل في الترويج له كإرث معماري متميز‪.‬‬


‫تتضاءل األهمية النسبية لإلنسانش ي ﻛمقوم تراثي ومقصد سياحي رئيس ي داخل البرامج‬ ‫‪‬‬

‫السياحية الداخلية و الدولية المنفذة بمدينة تطوان‪.‬‬


‫يوجد دور فعلي للسياحة الثقافية في دعم وتعزيز التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .7‬منهج البحث الذي سيتم تناوله في األطروحة وخ ـطــوات ــه‬


‫ستقتض ي دراسة هذا اﳌوضوع ‪ ،‬في ضوء إﺷكالية البحث‪ ،‬استخدام المناهج التالية‪:‬‬

‫‪ ‬المنهج التاريخي الذي بالضرورة سي تصدر خطوات إنجاز هذا العمل‪ ،‬وﺫلﻚ وفق تدرج في‬
‫مستويات البحث باعتماد مقاربة ترﻛيبية تروم تفعيل الحوار بين املجهود المونوﻏرافي وطرح‬
‫األفكار للنقاش آخذيﻦ بعين االعتبار التدقيق المعرفي الالزم أكاديميا‪ .‬سيستعمل عند التطرّق‬
‫للتطور التارﳜي لإلرث المعماري لإلنسانش ي‪ ،‬وتطور القوانين المؤطرة لحمايته وقواعد‬
‫اﳌسؤولية اﳉنائية‪ ،‬وآليات تنفيذها وتطبيق قواعد ها لحمايته في جميع الحاالت‪.‬‬
‫‪ ‬ال منهج الوصفي باإلستعانة بمختلﻒ الكتب والدراسات السابقة إلى جانب مختلﻒ املجالت‬
‫والمقاالت المنشورة وال مراجع اإللكت رونية التي تناولت الموضوع‪ ،‬والذي بإمكانه تكويﻦ صورة‬
‫دقيقة ومفصلة حول اإلرث المعماري لإلنسانش ي‪.‬‬
‫‪ ‬المنهج التحليلي الذي سيمكننا مﻦعرض األدلﱠة وﲢليلﻬا ومناقشتﻬا وصوال إﱃ الرأي الراجﺢ‪،‬‬
‫و خصوصا أﺛناء التحقق مﻦ الفرضيات ولتبيان مدى ﻛفايتﻬا أو قصورﻫا‪ ،‬ومدى تحققها على‬
‫أرض الواقع‪.‬‬
‫‪ ‬المنهج االستكشافي ﻛون أن البحث سيقوم باستكشاف إرث معماري‪ ،‬مﻦ وجهة نظر اقتصادية‪،‬‬
‫وتقدي م تفسيرات ﺫات صلة بالموضوع ومعالجة المتغيرات ﺫات األهمية واختبار ها مﻦ أجل‬
‫قياس العالقة بين متغيريﻦ اإلرث المعماري والتنمية االقتصادية املحلية‪ .‬سيسمﺢ لنا هذا‬
‫المنهج جمع البيانات والمعلومات التي تخص اإلنسانش ي بالتالي استنتاج المعلومات ﺫات‬
‫الصلة بالموضوع دون إﻏفال نطاق األهداف ألطروحتنا‪.‬‬
‫لإلحاطة بجميع العناصرالمكونة للموضوع‪ ،‬سيكون مﻦ البد معالجته اتباعا للخطوات التالية‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ‬جمع وتوظيف المادة المصدرية والمرجعية والوﺛائقية‪ ،‬الذي يبقى‪ ،‬مﻦ ناحية‪ ،‬عملية صعبة نظرا‬
‫لتواجد وتشتت تلﻚ المواد بين مختلﻒ دور الخزانات‪ ،‬ومﻦ ناحية أخرى صعوبة حصرها‬
‫ومكابدة تصنيفها‪ ،‬واستخراج المعطيات وفق ترﻛيب موضوعاتي‪.‬‬
‫‪ ‬االستفادة مﻦ الدراسات المعاصرة المرتبطة بشكل مﻦ األﺷكال بالموضوع بما قد تفيد في‬
‫الحصول على معطيات ومعلومات تخص وجهات نظر جديرة بالتقدير‪.‬‬
‫‪ ‬االستقراء كأداة لتجاوز النقص املحتمل و إﺛراء النظرة وفق وصﻒ و تحليل ﻛرهان لفتﺢ الباب‬
‫أمام أسئلة عديدة تخص تاريﺦ اإلرث المعماري لإلنسانش ي‪.‬‬
‫‪ ‬تنويع إلى حد ما أﺷكال التعبير التاريخي‪ ،‬ﻛتوظيﻒ الجداول‪ ،‬والخرائط نموﺫجا‪ ،‬تساعدنا على‬
‫فهم أفضل لبعض الجوانب المرتبطة بالموضوع‪.‬‬

‫‪ .8‬التصميم الموجزالمقترح لألطروحة‬


‫لإلجابة عﻦ اإلﺷكالية المطروحة‪ ،‬و للوصول إلى األهداف المرجوة فإننا نقترح تقسيم بحثنا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مقدمة وخاتمة‪ ،‬إلى أربعة أجزاء رئيسية بدورها سيقسم كل جزء منها حسب الحاجة‬
‫لفصول ومباحث‪.‬‬

‫سيخصص الـجزء األول مﻦ األطروحة لعرض بالتفصيل لجميع المعطيات التي نهم تاريﺦ‬
‫اإلنسانتش ي وﺫلﻚ بغية فهم أعمق لبنياته العامة‪ ،‬مع الترﻛيز على إبراز الفترات التاريخية التي مر منها‬
‫ومدى تأﺛره باالحدات والتحوالت السياسية وااليديولوجية السياسية التي كانت سائدة باسبانيا آنذاﻙ‪.‬‬
‫ﻛضرورة منهجية‪ ،‬البد منها‪ ،‬فإن هذا الـجزء سيقسم لعدة فصول يخصص كل واحد منها لعرض‬
‫موضوع خاص بذلﻚ التاريﺦ الستجالءه بدقة أﻛثروفهم أعمق له‪.‬‬

‫أما الـجزء الثاني فإنه سيخصص لوصﻒ و تحليل اإلرث المعماري الذي يشكل اإلنسانتش ي مع‬
‫إبراز الخصوصيات الهندسية التي تميزه‪ ،‬والتوجهين المعماريين األساسيين المعتمديﻦ فيه (التوجه‬
‫العربي االندلس ي االسالمي والتوجه الباروكي) اللذيﻦ ﺷكال مصدر إلهام لكل العناصر المعمارية فيه‪،‬‬
‫وهذا دون إﻏفال العالقة الذي تربطه بالهندسة الموريسكية المنتشرة بالمدينة العتيقة لتطوان‪ .‬ﻛما‬
‫سيشكل هذا الجزء فرصة لرصد وتسليط الضوء على ﺫلﻚ التنوع والتمازج المثير الذي يميز تلﻚ‬
‫الهندسة‪ .‬وعلى ﻏرار الـجزء األول‪ ،‬فإن هذا الجزء سيقسم لعدة فصول يختص كل واحد منها عرض‬
‫بشكل مفصل كل صنﻒ هندس ي على حدة ومميزاته التي تتمثل في الوحدات المكونة له والعناصر‬

‫‪6‬‬
‫المعمارية الكالسيكية التي تشكله‪.‬‬

‫وسنفرد الـجزء الثالث لعرض مختلﻒ المفاهيم النظرية التي تشكل اإلطار األساس ي لموضوع‬
‫بحثنا وﺫلﻚ في إطار تقسيم منهجي يحاول اإلحاطة نسبيا بأهم معانيها وتحديد طبيعة العالقات بينها‪ .‬و‬
‫مﻦ أهم المفاهيم التي سنتطرق إليها بالتفصيل مفهوم التراث الثقافي‪ .‬وعلى ﻏرار الـجزئين السابقين‪،‬‬
‫فإن هذا الجزء سيقسم لعدة فصول حسب الحاجة نتناول فيها معنى هذا المفهوم في مختلﻒ العلوم‬
‫وخصوصا مﻦ منظور التاريﺦ‪ ،‬ولدى المنظمات الدولية ومراحل تطوره و أقسامه‪ ،‬وعالقته بالسياحة‬
‫الثقافية والتنمية املحلية إلى ﻏيرﺫلﻚ مﻦ األمورالتي تهمه‪.‬‬

‫أما الـجزء الرابع فسنخصصه لمقترح يبرزﻛيفية توظيﻒ التراث الثقافي المتمثل في اإلنسانتش ي‬
‫ﻛمساهمة جزئية لتحقيق تنمية محلية مستامة‪ .‬وهذا يمر عﻦ طريق تطوير مخطط سياحي يوفر‬
‫القاعدة لوضع األسس التي تسمﺢ بتحديد الخطوات المناسبة ابتداءا مﻦ مرحلة اإلعداد ومرورا‬
‫بمرحلة التنفيذ ﺛم مرحلة التقييم‪ .‬وسنفرد في هذا المقترح حيزا للفاعلين األساسيين ‪ -‬سواء أكانوا مﻦ‬
‫القطاع الخاص أو العام‪ -‬الذيﻦ مﻦ المفترض أن يلعبوا أدوارا مختلفة كل حسب موقعه‪ ،‬وﻛذلﻚ‬
‫اآلليات والوسائل لتنفيذ المقترح دون نسيان وضع خطة مضبوطة لتسويق المنتوج الثقافي المطور‪.‬‬

‫‪ .9‬اإلنسانش ي إرث معماري وحضاري مهم لمدينة تطوان‬


‫ال يختلﻒ اﺛنان على أن الحماية اإلسبانية بتطوان قد خلفت تراﺛا مهما يتمثل في اإلنسانش ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫فضاءا يقع في الجنوب الغربي للمدينة العتيقةـ ويالذي يمثل امتدادا معماريا لها يتكامل‬ ‫الذي َيشغل‬
‫مع هندستها الموريسكية‪ .‬و على عكس الخطط الفرنسية التي كانت تستغني عﻦ معاملة المدن‬
‫التاريخيةبالمغرب‪ ،‬فإن خطة توسيع تطوان كانت عبارة عﻦ إعادة تشكيل طموحة تم الترﻛيز فيه على‬
‫التحسينات البيئية وتجديد المشهد الحضري‪.‬‬
‫ويتفق المعماريون على أن اإلنسانش ي ْ‬
‫(التو ِسعة أو االمتداد باإلسبانية) نموﺫجا فريدا مﻦ نوعه‬ ‫ِ‬
‫إﺫ يشكل أحد أﻏنى و أفضل التراث اإلسباني على اإلطالق بالمغرب‪ .‬وهو يشتمل على بنايات وفضاءات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاتنة تتكامل مع الجزء القديم للمدينة ولذلﻚ صنفته وزارة الثقافة المغربية تراﺛا وطنيا سنة ‪.5102‬‬

‫مﻦ الناحية الشكلية يأخذ االنساتش ي ﺷكل ﺷبكة سكنية تحتوي على وحدات متراصة عموديا‬
‫ابتداء مﻦ جبل درسة ﺷماال نحو سهل مرتيل جنوبا‪ ،‬و أفقيا ابتداء مﻦ المدينة العتيقة ﺷرقا وصوال‬
‫إلى الجهة الغربية للمدينة‪ ،‬وتتخللها طرق و ممرات يتراوح اتساعها بين ‪ 8‬متر و ‪ 05‬متر‪ .‬أﻏلب المباني ال‬
‫‪7‬‬
‫يتجاوز ارتفاعها ‪ 3‬طوابق باإلضافة إلى األرض ي‪ .‬وتشكل الساحات العمومية كانت صلة الربط بين‬
‫مختلﻒ ﺷوارع اإلنسانتش ي وﻛذلﻚ بالمدينة العتيقة عﻦ طريق ساحة اسبانيا ‪.‬‬

‫تأﺛر المعمار بفضاء االنساتش ي باالحدات السياسية التي كانت تعم اسبانيا أﺛناء الحماية‪ ،‬مﻦ‬
‫حيث الزمﻦ يمكﻦ تقسيم المعمار في اإلنسانتش ي إلى ﺛالث مراحل زمنية‪:‬‬

‫المرحلة األولى ‪ :‬هي المرحلة الملكية التقليدية ما بين ‪ 0101‬و‪ 0130‬تميزت بمنازل بطابقين‪ .‬أﻏلبها‬
‫يتواجد بالمنطقة الممتدة بين ساحة المشور و ساحة موالي المهدي حاليا (ﺷارع محمد الخامس)‪.‬‬
‫معالم تلﻚ الفترة المبنى الحالي لمرﻛز الثقافة اإلسباني (معهد سيربنتيس ) حيث يعد أول بناية‬
‫ومﻦ ِ‬
‫ﺷيدت خارج أسوارتطوان العتيقة‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪ :‬و هي المرحلة الجمهورية التي إمتدت مابين ‪ 0130‬و ‪ 0131‬م و ﺷابه فيها المعمار‬ ‫‪‬‬

‫المرحلة األولى لحد ﻛبير‪.‬‬


‫‪ ‬المرحة األخيرة الفرنكاوية“ ‪ :‬نسبة لفرانكو” التي كانت ما بين ‪ 0131‬و ‪0121‬م‪ .‬تميزت بطابع‬
‫معماري حديث و عسكري مشكل مﻦ أربع طوابق ﻛما هو الحال بالنسبة لمبنى القنصلية‬
‫اإلسبانية الحالي الذي إستعمل فيه مجموعة مﻦ العناصر الكالسيكية التي كانت تميز المعمار‬
‫األوروبي في تلﻚ الفترة‪.‬‬

‫‪ .11‬التوجه المعماري باإلنسانتش ي‬


‫ما ميز المعمار في اإلنسانتش ي هو إهتمام المهندسين بالتربية الجمالية‪ .‬وعموما مﻦ ناحية‬
‫التوجه‪ ،‬فقد تميزالمعمار باالنساتش ي باعتماد توجهين اساسيين و هما ‪:‬‬

‫‪ 1.11‬التوجيه العربي االندلس ي االسالمي‬


‫وهو نتاج لتالقﺢ وامتزاج الحضارة العربية‪-‬اإلسالمية بالحضارة الغربية أﺛناء تواجد المسلمين‬
‫باالندلس‪ .‬خلﻒ اﺛرا واضحا على المستوى المعماري‪ .‬حيت تتميزالعمارة االسالمية العربية على ﻏيرها‬
‫بعناصرهندسية استمرت حتى بعد خروج المسلمين مﻦ االندلس ‪ ,‬ونخص بالذﻛرأسلوب " المدجﻦ "‬
‫او " المدجﻦ الجديد " و هما أسلوبان امتزجت فيهما عناصر الهندسة العربية االسالمية بعناصر‬
‫الهندسة المسيحية و االسبانية الكالسيكية‪ .‬و الفرق بينها ‪-‬أي المدجﻦ و المدجﻦ الجديد‪ -‬يتجلى في‬
‫الفترة التاريخية التي ينتمي إليها كل منهما‪ .‬فاألول ينتمي ألواسط القرن ‪ ،01‬بينما الثاني ينتمي لبداية‬
‫العشرينات مﻦ القرن الماض ي و ال توجد اي تغيرات هندسية بين األسلوبين سوى في اإلسم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ 2.11‬التوجيه الباروكي‬
‫تعتبر ايطاليا مهد الهندسة الباروﻛية في أواخر القرن ‪ , 01‬و التي كانت وليدة فترة تاريخية عرفت‬
‫ﺛقافة جديدة خصوصا في الفنون و باعتبار أن الهندسة هي أم الفنون كان البد ان تتأﺛر بهذا االسلوب‬
‫الجديد خصوصا و أن الفﻦ اصبﺢ في هذه الفترة مرتعا خصبا و حمال ﻏنيا باالنتاجات ﺫات الدقة و‬
‫خصوصا فنون الزخرفة و النحت منخالل التصوير الو اقعي و استعمال بعض الخدع البصرية ‪ .‬وقد‬
‫تأﺛرت اوروبا الغربية ﻛكل بهذا االسلوب الجديد‪.‬‬

‫هذا التوجه ينبع مﻦ تأﺛر إسبانيا بالهندسة الباروﻛية التي تتميز بفنون الزخرفة و النحت و‬
‫استعمال بعض الخدع البصرية‪ .‬وقد أﺛرهذا التوجه بشكل ﻛبيرفي فﻦ العمارة ويبدو جليا باالنساتش ي‬
‫بتطوان‪ .‬يتميز هذا االسلوب الهندس ي بخصائص عدة نوجزها في ما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬الطابق السفلي وﻏالبا ما يتكون مﻦ رواق مغطى يغطي الواجهة كليا او جزئيا و هو يتألﻒ ايضا‬
‫مﻦ ﺛالث عناصر ‪:‬‬
‫‪ ‬اسفل الجدار‪.‬‬
‫‪ ‬الجسم او الهيكل ‪.‬‬
‫‪ ‬التتويج ‪.‬‬
‫و يتميز مدخل هذا الطابق بروعة جماله وﺫلﻚ باستخدام أعمدة ﻏالبا ما تعلوها زخرفة في حين‬
‫هيكل الواجهة يتضمﻦ ﻏالبا نو افد الشرفات التي تتميزب زخرفة فنية‪.‬‬

‫‪ ‬الطابق العلوي الذي قد يأخذ أﺷكاال مختلفة و يحتوي على أ نواع مختلفة مﻦ األفاريز‪ .‬ﻛما يتكون‬
‫المبنى االستعماري الباروكي االسباني في تطوان على مجموعة متنوعة مﻦ أﺷكال الزخرفة على‬
‫هيكل الواجهة و ﺫلﻚ عﻦ طريق استخدام المواد ‪:‬‬
‫‪ ‬الحجر ﺃو الجبص ‪.‬‬
‫‪ ‬الطوب ﺃألحمر الصلب ‪.‬‬
‫‪ ‬زخﺎريف لبﺎنية طبيعية ‪.‬‬
‫‪ .11‬ملحة موجزة عﻦ اإلطارالنظري لموضوع البحث‬
‫تهدف هذه النقطة في هذه الورقة إلى تقديم ملحة عامة عﻦ ركائزالمفاهيم التأسيسية للموضوع‬
‫المقترح‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ 1.11‬مفهوم التراث الثقافي‬
‫تزايد اإلهتمام بالتراث الثقافي عبر العالم أدى بالمهتمين بهذا الشـأن إلى وضع تعريفات صريحة‬
‫له‪ .‬مﻦ خالل تصفحنا لتلﻚ التعريفات تبين أنها تختلﻒ حسب الحقل العلمي الذي يتناوله‬
‫(التاريﺦ‪،‬الجغر افيا‪ ،‬الثقافة ‪ )....،‬ﻏيرأنها تتوحد في ﺫﻛرأﻏلب العناصراملحددة له‪ .‬نورد فيما يلي بعضا‬
‫مﻦ تلﻚ التعريفات‪.‬‬

‫يعرف التراث المادي على أنه أحد أﺷكال التراث الثقافي الذي ُيستخدم للتعبير عﻦ جميع اآلﺛار‬
‫ُ‬
‫بشكل عام‪ ،‬مثل‪ :‬المباني التراﺛية‪ ،‬المو اقع األﺛرية‪ ،‬واآلﺛارالتاريخية‪ ،‬والتحﻒ‪ ،‬والقطع األﺛرية‬
‫ٍ‬ ‫المادية‬
‫ً‬
‫المادية التي تصنع وترمم وتنتقل عبراألجيال كاإلبداعات الفنية‪ ،‬وﻏيرها مﻦ المواد الملموسة‪ ،‬إضافة‬
‫‪1‬‬
‫ألمة محددة‪ ،‬أو للبشرية جمعاء‪.‬‬ ‫إلى ُج ّل اآلﺛارالمهمة ملجتمع ما‪ ،‬أو ّ‬
‫ِ‬
‫منظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" تعرف المنظمة التراث الثقافي على‬
‫أنه "اآلﺛارواألعمال المعمارية أعمال النحث والتصوير على المباني والعناصرأوالتكوينات ﺫات الصفة‬
‫األﺛرية والنقوش والكهوف ومجموعات المعالم التي لها جميعا قيمة عالمية إستثنائية مﻦ وجهة نظر‬
‫التاريﺦ أو الفﻦ أو العلم"‪.2‬‬

‫مﻦ خالل ما سبق ﺫ ﻛره يتبين أن التراث الثقافي يخص كل ما أنتجه اإلنسان مع الترﻛيز على كل‬
‫ما هو مادي صرف كاألعمال المعمارية والمباني‪ ...،‬التي تمثل تجسيدا لألحداث التي مرت عبر تاريﺦ‬
‫مجتمع ما وتشكل تعبيرا اجتماعيا عنه‪.‬‬

‫الحقا وضعت نفس المنظمة تعريفا أخرللتراث الثقافي ‪" :‬ميراث المقتنيات المادية وﻏيرالمادية‬
‫التي تخص مجموعة ما أومجتمع لديه موروﺛات مﻦ األجيال السابقة‪...‬وظلت باقية حتى الوقت الحاضر‬
‫ووهبت لألجيال المقبلة"‪.3‬‬

‫هذا التعريﻒ يقر بأن التراث الثقافي هو ميراﺛا للمجتمع يربط بين الماض ي والحاضرويستشرف‬
‫المستقبل‪ ،‬مع التأﻛيد على إدماج العنصريﻦ المادي و الالمادي مع بعضهما البعض‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫بالنسبة التفاقية "الفارو" المتعلقة بالتراث الثقافي مﻦ أجل املجتمع الموقعة بتاريﺦ‬

‫‪1‬موضوع‪.‬كوم ‪: https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84‬‬
‫‪%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A‬‬
‫‪-2‬اليونسكو (‪ )3002‬اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي البنداألول‪ ،‬باريس‪.‬‬
‫‪3-https://al-ain.com/article/sites-heritage-unesco-arabs‬‬ ‫(‪)19/11/2119‬‬

‫‪10‬‬
‫أﻛتوبر‪ 5112‬تعتبر أن التراث الثقافي‪" :‬مجموعة مﻦ الموارد الموروﺛة مﻦ الماض ي خارج نظام ملكية‬
‫الممتلكات‪ ،‬يرى الناس أنفسهم على أنها انعكاس وتعبير عﻦ قيمهم ومعتقداتهم ومعارفهم وتقاليدهم‪،‬‬
‫وهذا يشمل جميع جوانب البيئة الناتجة عﻦ التفاعل مع مرورالوقت بين الناس واألماﻛﻦ"‪.4‬‬

‫هذا التعريﻒ رﻛز أساسا على الجانب الالمادي للتراث الثقافي والذي يشكل تجسيدا لهوية‬
‫املجتمع‪ .‬ويتماش ى مع هذا الطرح نظرة منظمة العواصم والمدن اإلسالمية‪ ،‬الذي تعرفه على أنه‪":‬ﺫاﻛرة‬
‫األمة بما فيها مﻦ أحداث تمت على مر التاريﺦ‪ ،‬وتأﺛرت بالظروف االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬المكانية‪،‬‬
‫العمرانية للمقومات الحضارية لإلنسان بكل ما فيها مﻦ تغيرات"‪.5‬‬

‫نشيرإلى أنه رﻏم ﻛثرة التعاريﻒ ‪-‬ﻛما سبق وأن أﺷرنا إلى ﺫلﻚ‪ -‬إال أن أﻏلبها تالمس المفهوم الذي‬
‫وضعته منظمة اليونسكو‪ ،‬والتي رﻛزت فيه على العناصر المكونة له و أيضا على ضرورة توفر ﺷرط‬
‫التوارث الثقافي بين األجيال‪.‬‬

‫‪ 2.11‬مفهوم الثقافة‬
‫مفهوم الثقافة مﻦ األلفاظ المعنوية التي يصعب تحديدها لذلﻚ تتعدد تعريفاته وال يوجد‬
‫تعريﻒ تو افقي لمفهوم الثقافة قادرعلى تلبية اآلراء المتباينة للعلوم املختلفة‪ .‬ولتبسيط هذا العرض‪،‬‬
‫يمكﻦ القول إن مفهوم الثقافة موجود في جميع العلوم اإلنسانية واالجتماعية وقد يكاد يكون مﻦ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مفهوما مستقال‪ .‬ونتيجة لذلﻚ‪ ،‬يبدو لنا أنه مﻦ الضروري‬ ‫المستحيل تحديد متى يصبﺢ مفهوم الثقافة‬
‫ً‬
‫تجاوز مساره األصلي واإلصرار على تعريﻒ ﻛالسيكي معترف به بشكل عام‪ .‬ووفقا لما جاء في ( ‪Denys‬‬
‫‪ ،)Cuche 2004, p. 8 and 9‬فإن هذه الكلمة تعود أصلها إلى الجذرالالتيني ‪ ،cultura‬الذي يعني الرعاية‬
‫ً‬
‫المقدمة للحقول أو الماﺷية‪ .‬خالل القرن الثامﻦ عشر فقط اتخذ هذا المفهوم معنى حديثا ﻛما هو‬
‫معروف اليوم بحيث ارتقت الثقافة إلى العمل المعرفي المميز للعقل البشري‪ .‬وتواصل تطورهذا‬
‫المفهوم بحيث ﺷهد القرن التاسع عشرظهورﺷكله المعياري و أصبﺢ موضوعا للعلم‪.‬‬

‫إحدى تعريفات الثقافة المعروفة بحيادها‪ ،‬ألنها ال تنحاز إلى أية مجموعة‪ ،‬هو تعريﻒ ﻛروبر‬
‫وكلوﻛهولﻦ ( ‪ Kroeber‬و‪ .)0125( ) Kluckhol‬ولذلﻚ فهو مقبول بنفس القدر لدى مؤيدي الرؤية‬
‫التفسيرية والوظيفية‪ .‬وينص على أن "الثقافة تتكون مﻦ أنماط‪ ،‬صريحة وضمنية‪ ،‬للسلوﻙ المكتسب‬

‫‪-4‬اتفاقية اإلطار الفارو (‪ )5002‬المتعلقة بالتراث الثقافي من أجل المجتمع المنغقدة بتاريخ ‪ 52‬أكتوبر‪.5002‬‬
‫‪5‬‬
‫(‪-https://www.iccrom.org/sites/default/files/publications/2020-12/arab_forum_proceedings.pdf )13/12/2119‬‬

‫‪11‬‬
‫والمتوارث بالرموز ‪ ،‬ويثبت إنجازا مميزا للجماعات البشرية‪ ،‬وهي تتجسد في القطع األﺛرية ؛ والجوهر‬
‫األساس ي لألفكار التقليدية (أي األفكار المستمدة والمنتقاة تاريخيا) وخاصة قيمها المرتبطة بها ؛‬
‫(‪ .)Kroeber & Kluckhon, 1952, p. 181‬وباإلضافة إلى هذا التعريﻒ‪ ،‬يمكﻦ ﺫﻛرتعاريﻒ أخرى توضح‬
‫ً‬
‫هذا المفهوم‪ .‬وهكذا‪ ،‬وفقا لـ ‪ Crozier‬و ‪ ،Friedberg Culture‬لم تعد الثقافة مﻦ عالم القيم واألعراف‬
‫التي ال يمكﻦ المساس بها والذي توجه‪ ،‬وينظم السلوﻛيات المرصودة‪ .‬تتكون مﻦ مجموعة مﻦ عناصر‬
‫الحياة النفسية والعقلية‪ ،‬بمكوناتها العاطفية والمعرفية والفكرية و العالئقية‪ .‬وهي األداة‪ ،‬و القدرة‬
‫التي يكتسبها األفراد ويستخدمونها لبناء عالقاتهم وتبادلهم مع اآلخريﻦ والعيش معهم‪ .‬وتشكل القيم‬
‫والمعاييروالمو اقﻒ جزء مﻦ ﺫلﻚ‪ ،‬ولكنها هنا فقط عبارة عﻦ عناصرتنظم قدرات األفراد والجماعات‬
‫لكنها ال تحدد االستراتيجيات الفردية والجماعية "(‪ .)Crozier & Friedberg, 1977, p. 210‬يشير هذا‬
‫التعريﻒ إلى أن الثقافة هي أداة في أيدي األفراد لتشكيل الجماعات وتنظيم التعاون‪.‬‬
‫ً‬
‫وفقا لـ ‪ Geertz‬إن الثقافة ليست قوة‪ ،‬أو ﺷيئا يمكﻦ أن ترتبط به األحداث االجتماعية أو‬
‫السلوﻛيات أو المؤسسات أو العمليات بطريقة سببية بل إنه سياق‪ ،‬يمكﻦ به وصﻒ هذه العناصر‬
‫بوضوح‪. (Geertz, 1998, p. 85.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معقدا للباحثين‪ ،‬فيجب مالحظة أن مؤلفين‬ ‫إﺫا كانت الثقافة بالنسبة للمؤلﻒ السابق أفقا‬
‫آخريﻦ قد تجاهلوا ﺫلﻚ مﻦ خالل تطوير أدوات لفهم هذا المفهوم‪ .‬يستخدم هوفستيد استعارة مﻦ‬
‫عصرنا لوصﻒ الثقافة‪« :‬أتعامل مع الثقافة على أنها البرمجة الجماعية للعقل التي تميز أعضاء‬
‫مجموعة أو فئة مﻦ الناس عﻦ فئة أخرى» (‪ ،)0181( 5110 ،G. H. Hofstede‬ص ‪ .)1‬يوضح هذا‬
‫التعريﻒ بوضوح أن الثقافة هي بناء بشري مشترﻙ مع املجتمع ويتم مالحظته مﻦ خالل مظاهرمختلفة‪.‬‬
‫بالنسبة له‪ ،‬مﻦ الممكﻦ فهم الثقافة مﻦ خالل خمسة أبعاد ﺛقافية تستخدم اآلن بشكل ﺷائع في‬
‫البحث لدراسة الفرق بين الثقافات‪.‬‬

‫يعلﻦ إيريبارن (‪ )0181‬في ﻛتابه «‪ " »La logique de l' honneur‬أنه في بلد ما‪ ،‬تم ترتيب مجموعة‬
‫ً‬
‫وأحيانا ﻏريبة‪ ،‬لكنها تدر ً‬
‫يجيا‪ ،‬تلد ﻛومة مﻦ الطوب تشكل‬ ‫مﻦ البيانات التي تبدو في البداية متباينة‪،‬‬
‫مبنى يتميز بمنطق يوجه هيكله وﺷكله‪ .‬بعد استيعابنا لهذه العقد مﻦ المؤسسات و األعراف ‪ ،‬تمكنا‬
‫مﻦ إعطاء معنى ملموس أﻛثر فأﻛثر لمفهوم "الثقافة الوطنية" التي ً‬
‫ﻏالبا ما تستخدم الستحضار تفرد‬
‫بلد ما‪ .".‬في هذا التعريﻒ‪ ،‬يستحضرالثقافة باعتبارها بنية وطنية قادرة على ترتيب كل وخلق هوية كل‬

‫‪12‬‬
‫الثقافة لبلد ما‪.‬‬

‫‪ 3.11‬مفهوم التنمية املحلية‬


‫على ﻏرار المفهوم السابق‪ ،‬فإن مفهوم التنمية املحلية يصعب تحديده لذلﻚ تم اقتراح العديد‬
‫مﻦ التعاريﻒ المتعلقة به آخذة بعين االعتبار وجهات نظرمختلفة ومﻦ عدة زوايا نظرية أوأيديولوجية‬
‫للمؤلﻒ الذي يتناوله وأهدافه البحثية‪ .‬لتفسير عبارة التنمية املحلية بشكل دقيق يمكﻦ المرور عبر‬
‫مدلول مكونيها‪ ،‬بحيث يقصد بـاملحلي المكـان الـذي نعـيش فيـه يسمﺢ لنا بتحقيـق مسـتوى يشـعرنا‬
‫باالنتمـاء إليـه‪ ،‬أمـا كلمـة تنمية فتعني الكثير فهي تعاون وتظافر جهود ﻛـل الفـاعلين المنتمين إليه في‬
‫تحقيق وتوفيراالحتياجات التي تضمﻦ العيش الحسﻦ لكل فرد مﻦ املجموعة املحلية‪.13‬‬

‫ومﻦ التعاريﻒ المتعارف عليها نورد ما يلي‪:‬‬

‫حسب "‪ "Ducasse Pierre‬أن التنميـة املحليـة هي حلقـة تكامـل بـين العديـد مـﻦ األطـراف ﺫات‬
‫الصـلة بالمكـان‪ ،‬بحيـث ال يجـب اسـتثناء أي طـرف في هـذه الحلقـة‪ ،‬و هـي ليست فقـط بـرامج ملحاربـة‬
‫الفقـر والبطالـة بل هي إسـتراتيجية لتنميـة الجماعـات املحليـة‪،‬وتهتم بكـل الفئـات‪ .‬هـذه اإلسـتراتيجية‬
‫يجـب أن تضـم العناصراآلتية ‪:‬‬

‫األهــداف‪ :‬تحــدد األهــداف مــﻦ طــرف المعنيــين بشــكل واضــﺢ ودقيــق‪ ،‬بحيــث يعتمــد هــذا الــدافع‬
‫علــى المــوارد واإلمكانيات المتوفرة‪ ،‬ألنه ال يمكﻦ تحديد أهداف دون الوصول إلى تحقيقها‪.‬‬

‫النتــائج‪ :‬التنميـة املحليـة ال يمكـﻦ اعتبارهـا حلقـة بـين األطـراف الفاعلـة فيهـا دون نتـائج محققـة‪،‬‬
‫فالتنميـة املحليـة الفعلية تكون لها آﺛارونتائج على الو اقع املحلي‪.‬‬

‫تقيـيم النتـائج‪ :‬إن تقيـيم النتـائج املحققـة علـى المسـتوى املحلـي ليسـت بـاألمر السـهل‪ ،‬إنمـا‬
‫المتابعـة الفعليـة المسـطرة يمكﻦ أن تبين مدى العالقة بين ما تحقق والوسائل المستخدمة لذلﻚ‪.‬‬

‫يعتقد كل مﻦ )‪ Vachon (1993‬و ‪ )0111( Julien‬أن التنمية املحلية تتو افق مع استراتيجية‬
‫التدخل التي تفضل اإلجراءات أو المبادرات المنبثقة مﻦ القاعدة‪ ،‬أي لهذا السبب نتحدث عﻦ التنمية‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫استخدم برونو جان (في برولكس‪ )0111 ،‬مصطلح «التنمية المناسبة» لتعريﻒ التنمية املحلية‪.‬‬
‫ولتحقيق تلﻚ التنمية االفتراضية‪ ،‬يصبﺢ مﻦ الضروري أن توحد جميع الجهات الفاعلة في الميدان‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫والمهتمة بها‪ ،‬جهودها وأن تبني مكوناتها املختلفة (الثقافية والبيئية واالقتصادية واالجتماعية)‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يمكﻦ القول إن التنمية املحلية تعتبر عملية يجب فيها الجمع بين الممارسة‬
‫واستراتيجية إنمائية تضع سياسات وبرامج للمشاريع الجماعية المصممة لتحسين رفاه املجتمع املحلي‬
‫باستمرار‪.‬‬
‫ً‬
‫رؤى أخرى أﻛثر تعبيرا اقترحها مؤلفون آخرون مثل (‪ ;Husson, 2001‬ويعتقد برنامج األمم‬
‫المتحدة اإلنمائي‪ )0111 ،‬أن التنمية املحلية تقابل عملية جماعية لالبتكار اإلقليمي مدرجة في‬
‫االستدامة‪ .‬وتهدف هذه العملية إلى تنفيذ بعض المشاريع بهدف تحسين الحياة اليومية والرفاه‬
‫الجماعي لإلنسان‪ ،‬مﻦ خالل الجمع بين جميع الجهات الفاعلة (الثقافية واالقتصادية واالجتماعية وما‬
‫إلى ﺫلﻚ) العاملة داخل اإلقليم المستهدف‪.‬‬

‫‪ .12‬خاتمة‬
‫هذا العمل البحثي الذي نتطلع أن يكون معمقا ومتفردا‪ ،‬سيقودنا منطقيا إلى إعادة النظر في‬
‫اإلرث المعماري لإلنسانتش ي وﻛذلﻚ البنى التحتية واألحداث الثقافية في تطوان‪ ،‬بحيث ال ينبيي‬
‫اعتبارها مجرد أﺷياء‪ ،‬بل وسائل إيصال تنقل الهويات والخصوصيات الثقافية املحلية لألجيال‬
‫القادمة‪ .‬الحفاظ وتثمين اإلرث المعماري لإلنسانتش ي والبنى التحتية الثقافية المنضوية تحته قادر‬
‫على إعادة إعادة تشكيل محيط المدينة ﻛكل وتعبئة السكان املحليين‪ ،‬مع املحافظة على الهوية‬
‫الثقافية املحلية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫بيبليوغرافيﺎ‬
 Ducasse P., le développement local, c’est quoi ? C’est comment ? C’est Pourquoi ; Papier
de Recherche, P 1. Disponible sur le site
;www.cdcdescherbrooke.com/publications/developlocal_3riv.p

 Crozier M. & Friedberg E., (1977), L'acteur et le système, Editions du Seuil, Paris.

 Denys Cuche (2004), La notion de culture dans les sciences sociales 123 pages, La
Découverte.

 Echairi, Chakib (2019): Rol nacionalista de los tetuaníes de origen andalusí-morisco


durante el Protectorado, https://blogs.ugr.es/jovenesinvestigadores/wp-
content/uploads/sites/46/2019/08/CHAIRI-Chakib.pdf.

 Geertz, Clifford. (1998) [1973]. « La description dense : Vers une théorie


interprétative de la culture ».

 Husson, Bernard, « Le développement local », Agridoc, no l, juillet 200 l , p. 6-8.

 IRIBARNE P. D’, (1989a), La logique de l'honneur. Gestion des entreprises et


traditions nationales, Paris, Seuil.

 Jean, Bruno,« La région sous le regard sociologique: la construction sociale du fait


régional », dans Proulx, Marc-Urbain, Le phénomène régional au Québec, Québec,
PUQ, 1996.

 Julien, P.-A., Le développement régional : comment multiplier les Beauce au


Québec? Sainte-Foy, PUL-IQRC, 1997.

 Kroeber, A.L. and Kluckhohn, C. (1952), Culture: A Critical Review of Concepts and
Definitions. Peabody Museum, Cambridge, MA, 181.

 Mustafá Akalay. «La ciudad de Tetuán a través de su arquitectura» ( ‫مدينة تطوان من‬
‫) خالل بناياته‬. En: J.A. Gonzáez Alcantud (ed.).La ciudad magrebí en tiempos
coloniales. Invención, conquista y transformación. :‫المدن المغربية في الفترة االستعمارية‬
‫ الغزو والتحول‬،‫االختراع‬Barcelona, Anthropos, 2008, pp.283-306. Antonio Bravo Nieto.
Arquitectura y urbanismo en el norte de Marruecos. ( ‫) البناء والعمارة في المغرب الشمالي‬
Sevilla, Junta de Andalucía, 2000.
 Vacbon, Bernard et aL, Le développement local : théorie et pratique, Québec, Gaëtan
Morin, 1993.

Webographie
https://youtube.com/watch?v=ZjaeeY11sRY&feature=share

https://youtu.be/nRs5KuDwMmI

15

You might also like