Professional Documents
Culture Documents
المؤهلات السياحية بتارودانت ورهانات التنمية المحلية
المؤهلات السياحية بتارودانت ورهانات التنمية المحلية
تقديم عام:
عرف التراب +املغربي +خالل العقود املاضية تحوالت كثيرة ،منها ما أسهم في سيرورة التنمية املحلية ،ومنها ما ترتب
عنه ظهور اختالالت مجالية لم يستطع التدبير املحلي والسياسات العمومية الكالسيكية مواكبة التحوالت العميقة
التي عرفتها املجاالت الحضرية والقروية على حد سواء .لذلك أصبحت الحاجة ملحة العتماد مقاربات جديدة ذات
بعد تشاركي تنموي ،تهدف إلى إعداد مشاريع ترابية قادرة على مواجهة التحديات املطروحة ،مع استغالل كل
املؤهالت +واإلمكانات املتاحة ،واألهم جعل الساكنة املحلية في صلب عمليات +التخطيط وصنع القرار.
تحظى مدينة تارودانت بأهمية بالغة على املستوى الوطني ،بسبب تراثها الطبيعي والثقافي والتاريخي ،لكنها كثيرا ما
تتعرض لتحديات صعبة تستنزف طاقتها وتعمق من عزلتها وهشاشتها حيث أضحى التركيز على البعدين التاريخي
والتراثي ملدينة تارودانت يشكل أساس أي عملية تنموية للمجال ،وذلك في غياب بدائل ممكنة لتحقيق نفس الغاية.
ومن هذا املنظور البد من اعتماد مقاربة جديدة تشكل مدخال مهم لتحقيق التنمية الترابية .إن محاولة إيجاد
تصور جديد لتدبير الشأن املحلي وفق مقاربة تنموية البد ان يكون مبني على مفهوم تثمين واالستدامة املؤهالت+
السياحية بمدينة تارودانت باعتبارها عنصرا من العناصر +املهمة املتدخلة في تشكيل املجال املدروس وقيمة مضافة
لوضع مشروع ترابي +مندمج يحقق غاية التنمية املحلية بشكل أقرب +إلى الواقع .وعليه فإن مثل هذا الطرح
ً
ضروري جدا نظرا إلى ارتباط املكون الطبيعي بالتفاعل البشري .وبه ال تتحقق عملية التنمية إال وفق سلسلة من
ً ً
إجراءات +الحماية والحفاظ التي من شأنها أن تولد توازنا جديدا بين املكونين الطبيعي والبشري .وهكذا تنمو
ّ
القطاعات +األخرى كلها والسيما االقتصادية بتنمية متوازنة شاملة.
إن اله++ +دف الرئيس ي +من ه++ +ذه الدراس++ +ة ه++ +و تس++ +ليط الض++ +وء على القيم++ +ة املض++ +افة ال++ +تي تق++ +دمها املؤهالت الس++ +ياحية
املتع++ددة بمدين++ة ت++ارودانت في بن++اء مش++روع تنم++وي من++دمج يش++رك جمي++ع الف++اعليين ويحق++ق مب++دأ االس++تدامة ،بحيث
نتمكن من التع++رف على دينامي++ات الحالي++ة ومختل++ف الت++دخالت في منطق++ة الق++ادرة على تلبي++ة متطلب++ات +الحف++اظ على
املوارد الترابية والتنمية املحلية.
تتميز تارودانت بتراث وثروة ثقافية كبيرة ،ومع ذلك لم يتم التعرف عليها كوجهة سياحية ،بسبب عدة مش++اكل تهم
على وجه الخصوص:
الغياب +استراتيجية السياحية تتيح الفرصة أمام تارودانت لتسويق مواردها، -
االفتقار إلى البنية التحتية، -
سوء إدارة بعض النخب السياسية. -
يع++ +د الرب++ +ط بين ال++ +ديناميات االجتماعي++ +ة واالقتص++ +ادية الحالي++ +ة واملؤهالت +الس++ +ياحية ،أم++ +ر أساس ي في إدراج مدين++ +ة
ت ++ارودانت في املس ++ارات الس ++ياحية ه ++و ج ++زء من االس ++تراتيجية الس ++ياحية الش ++املة للمغ ++رب ،األم ++ر ال ++ذي س ++يؤدي إلى
خل++ق أنش++طة م++درة لل++دخل ،وأيض++ا حماي++ة وص++ون ال++تراث +الط++بيعي والثق++افي من الت++دهور وال++زوال .ل++ذلك ،ف++إن تثمين
الس ++ياحية وتعزيزه+ +ا +بمنتج ++ات محلي ++ة ،س ++يجعل ه ++ذه املنطق ++ة وجه ++ة جذاب ++ة للس ++ياح ،وأن األم ++ر م ++تروك للس ++لطات
املحلي ++ة لتنفي ++ذ مش ++روع التنمي ++ة املحلية .وبالت ++الي ،ف ++إن فك ++رة ه ++ذا املش ++روع هي تش ++كيل مس ++ارات س ++ياحية طبيعي ++ة
ترابية.
وفي الخت ++ام نق ++ول إن نهج التنمي ++ة الترابي ++ة يعتم ++د على آلي ++ات مح ++ددة لتخطي ++ط وإدارة املج ++االت التراثي ++ة والثقافي ++ة
وبالت++الي ف++إن مس++ارات س++ياحية داخ++ل ت++ارودانت ه++و أداة لص++ون املوارد التراثي +ة +والتنمي++ة االجتماعي++ة واالقتص++ادية.
والواقع +أن مجال تارودانت يزخر باملشاهد الطبيعية والثقافي+ة ذات القيم+ة العالي+ة والجاذبي++ة س+ياحية القوي+ة .وم+ع
ذل++ +ك ،تع++ +اني ه++ +ذه املنطق++ +ة من ع++ +دم الت++ +وازن والتفاوت++ +ات مجالي++ +ة ويمكن أن ي++ +ؤدي تنفي++ +ذ مش++ +روع متكام++ +ل ح++ +ول
مسارات سياحية إلى الجمع بين جهود ومبادرات الفاعليين املحليين إلدارة الوضع بشكل أفضل.
اإلشكالية:
تعتبر مدينة تارودانت مجاال غنيا بالتنوع الثقافي وتراث حي لكنه معرض ملشكل مرتبط بتدهور والتهميش +.وبالتالي،
فإن إنشاء منطقة سياحية سيجعل من املمكن تطوير املوارد الترابية التي من شأن تثمينها أن يساهم فعليا +في
تقوية القاعدة االقتصادية للسكان ،ويوسع آفاق التنمية من خالل ما يمكن أن تتمحور حوله من أنشطة (مسارات
سياحية ،رياضة جبلية ،قنص ،صيد) ،...انطالقا من تعبئتها +وتثمينها بشكل يضمن استمراريتها كعنصر هام في
التنمية.
تقدم هذه الدراسة قواعد إقامة مشروع سياحي في مدينة تارودانت ،الذي يأتي دوره كأداة من أدوات إدارة املوارد
وخدمة املجتمعات +املحلية واملؤسسات العامة .الهدف املشترك لهذا املشروع هو في نفس الوقت الحفاظ على
التنوع الثقافي والتنمية االقتصادية واالجتماعية واملساهمة في التخطيط الترابي +في جهة سوس-ماسة .كما نجد أن
هذا املشروع يهدف إلى تحقيق التنمية الترابية +التي تروم ضرورة وضع اإلنسان في قلب املشروع التنموي الشمولي،
يعزز السلوك األخالقي إزاء التراث .وهذا يعني أن التنمية ال تهم تطوير التقنيات وآليات التنمية ،بقدر ما تعني
توظيف املوارد توظيفا سليما وديمقراطيا ،يخدم املصالح األساسية ملجموع السكان .ويسعى لتقليص املسافة
بينهم وبين اتخاذ القرار ،وتدبير املجال بصفة عامة ،بما يتضمنه من مؤسسات وموارد .فاملوارد واملؤسسات التي
ال يشعر اإلنسان اتجاهها باملسؤولية النابعة في جزء كبير منها بإحساسه باالمتالك الجماعي لها ،تصبح عرضة
للتدهور والزوال .تتضمن هذا دراسة تشخيصية فيما يتعلق بتثمين املؤهالت السياحية وحسن إدارتها وتنمية
مواردها على نطاق مدينة تارودانت .إن مساهمتنا تستهدف تشخيص الفرص السياحية الواعدة من أجل تحديد
إمكانيات +تنميتها .السؤال املركزي لعملنا +هو كما يلي:
إال أي حد سيساهم تثمين املوارد السياحية ملجال تارودانت في بناء مشروع مندمج ومستدام؟
الهدف من هذه املسألة هو لفت االنتباه إلى قيمة السياحة في إقامة توازن بين الجانب التراثي وأنشطة السكان+
الذين يعيشون تارودانت.
يتطلب الجواب على هذه اإلشكالية املركزية ملوضوع بحثنا ،تفكيكها إلى مجموعة من التساؤالت الفرعية التالية:
ما هي إكراهات تدبير املؤهالت +السياحية في تارودانت؟ وماهي مختلف التدخالت؟
ما هو السبيل لتثمين املوروث الثقافي في تارودانت؟ ووفق آية مقاربة؟
الفرضيات:
لإلجابة على اإلشكالية ،من الضروري صياغة فرضيات تجعل من املمكن تحقيق التنمية الترابية في تارودانت من
خالل التوفيق بين التنمية املحلية وحماية التراث .وبهذا املعنى ،فإن فرضيات البحث لدينا هي:
نفترض أن تثمين املوارد السياحية سيساهم في خلق توازن بين التنمية املحلية خاصة من خالل حماية
التراث +الطبيعي والثقافي.
نفترض أن خصوصيات املجال املدروس تستدعي اعتماد مقاربة صون تنموية تصون التراث وتساهم في
التنمية املحلية
تتوفر مدينة تارودانت على عدة مؤهالت ثقافية قادرة أن تجعل منها قطبا جاذبا الستثمارات مهمة تشمل
مختلف القطاعات االقتصادية ،وهذا من شأنه أن يساعد على تجاوز إكراهات التنمية املحلية
منهجية البحث:
املنهجية هي مجموعة من األساليب التي تعمل كمسار لتطوير البحث وتوجيه النهج العلمي ،وذلك من أجل الخروج
ببحث جغرافي في املستوى املطلوب وفي أي عمل أكاديمي تشكل املنهجية املستخدمة أهم خطوة ألنها أساس الجميع
نظر ا لطبيعة موضوع البحث وأهدافه ،استخدمنا أدوات ذات نهج نوعي وكمي ،مثلنتائج البحث .وبالتاليً ،
االستبيانات +واملقابالت +من أجل فهم مكونات املجال .في هذا الفصل ،سوف نقدم لكم املنهجية الذي اتبعناها
ولتحقيق هذا العمل احترمنا املراحل التالية:
الجزء النظري:
يمثل خطوة مهمة تهدف إلحاطة بموضوع البحث بشكل صحيح .في البداية ركزنا على التوثيق ،كأس+اس أول للم+واد
بحثي++ +ة ،وال++ +تي تتض++ +من مراجع++ +ة لألعم++ +ال ورس++ +ائل ال++ +دكتوراه واملق++ +االت واإلحص++ +اءات ومواق++ +ع ال++ +ويب والتق++ +ارير
امليداني++ة لفهم األس++اليب املختلف++ة ال++تي ع++الجت ه++ذا املوض++وع .باختص++ار ،في ه++ذا الج++زء النظ++ري +األول انتهى بتجمي++ع
عناصر ستكون مفيدة لتحليل واإلجابة عن الفرضيات.
العمل امليداني:
بما أننا نتعامل مع قضية مجالية ،من املهم القيام بالعم+ل +املي++داني وتحق++ق من الفرض+يات ال++تي س+محت لن++ا في خط++وة
أولى من إنشاء مالحظة عامة عن منطقة دراسة.
املالحظة:
تعت ++بر املالحظ ++ة أداة رئيس ++ية مس ++تخدمة في البحث العلمي ،وأح ++د أهم مص ++ادر الحص ++ول على البيان ++ات +واملعلوم ++ات
الالزم++ +ة ملوض++ +وع الدراس++ +ة .تتم مراقب++ +ة ودراس++ +ة املج++ +ال من خالل القي++ +ام بزي++ +ارات عدي++ +دة لج++ +رد املوارد التراثي++ +ة
واملناظر الطبيعية.
املسح امليداني:
يعتم ++د نهجن ++ا املي ++داني +على املق ++ابالت م ++ع الف ++اعليين مث ++ل الس ++لطات املحلي ++ة ،والف ++اعليين في قط ++اع الس ++ياحة والعم+ +ل+
الجمعوي ،والتعاونيات ،وما إلى ذلك بهدف جمع املعلومات +ووضع تصور ترابي +لتحديد ال++ديناميات الحالي++ة وتحدي++د
ط ++رق االس++تفادة منه ++ا .يه++دف ه++ذا العم ++ل املي ++داني إلى دراس ++ة الوض++ع الح++الي والعم +ل +على تثمين املؤهالت الس++ياحية
والبحث في سبل تنميتها والحفاظ عليها.
-أخذ العينات
تتك+ون منطق+ة دراس+تنا من جماع+ات ترابي+ة إلقليم ت+ارودانت أجبرتن+ا على تب+ني عين+ات مس+ببة .حيث تم تحدي+د موق+ع
الف++اعليين ويتم اختي++ارهم ً +
وفق ا لت++وزيعهم املج++الي .س++مح لن++ا ه++ذا نهج باملضي قً +
+دما بامتي++از بطريق++ة تمكن من تغطي++ة
املجتم ++ع املدروس للحص ++ول على إجاب ++ات تمث ++ل إلى ح ++د م ++ا العين ++ة املخت ++ارة :التعاوني ++ات ،ومراك ++ز اإلي ++واء الس ++ياحي،
وفقا ملواقعها+.والجهات الفاعلة الترابية داخل أراضي الجماعات بأكملها ً
أدوات العمل:
تمح++ + +ور املنهج املنهجي ح++ + +ول اس++ + +تخدام أدوات معين++ + +ة ملعالج++ + +ة الفرض++ + +يات واالس++ + +تجابة له++ + +ا وتحقي++ + +ق ه++ + +دفنا .لق++ + +د
اس ++تخدمت أدوات مختلف ++ة لجم ++ع ومعالج ++ة وتحلي ++ل البيان ++ات +.تس ++مح ه ++ذه األدوات بترجم ++ة األفك ++ار واآلراء بطريق ++ة
مهنية وعلمية.
عم++ل رس++م الخرائ++ط ه++و وس++يلة للبيان++ات املكانية .وجمي++ع أدوات تكنولوجي++ا املعلوم++ات +واألدوات التكنولوجي++ة
األخرى ضرورية ملعالجة البيانات وتحليلها .في حالتنا ،استخدمنا البرنامج التالي:
سنستخدم هذا البرنامج +لتحليل ومعالجة البيانات +التي تم جمعها في شكل رسوم بيانية.
املفاهيم الرئيسية:
يشكل املشروع الترابي +استراتيجية لتعبئة مختلف املوارد الترابية +وأرضية اللتقاء الفاعلين واملنتخبين وكافة
املتدخلين من مختلف القطاعات يجمعهم االنضباط واملسؤولية وااللتزام بمحاور املشروع والبرامج الهادفة
والواضحة +.كما يروم تحقيق تنمية بديلة عن االنتهازية واملصلحة الشخصية الضيقة؛ ويلغي الصراعات الكبرى.1
إن املشروع الترابي +ترجمة فعلية وعملية ملفهوم التنمية الترابية التي تستمد أهدافها ومرتكزاها األساسية من
التنمية املستدام فهو بذلك عبارة عن استراتيجية تطورية قابلة للتقييم تقوم على أساس تصحيح الواقع الحالي
لضمان إطار حياة أمثل وجيد للساكنة .يبنى املشروع الترابي نتيجة تعبئة املوارد الترابية املتواجدة باملجال التي
ينتج عنها تقوية عالقة التعاضد داخل املجموعات البشرية املستوطنة للمجال كما أنه من شأن تثمين هذه املوارد
أن تؤدي إلى تقوية العالقات بين داخل املجموعة املوكلة بالتنمية
تأخذ التنمية الترابية مفهوم تحقيق وتجسيد أهداف وركائز التنمية املستدامة ذات البعد الكوني على مستوى
مجال ترابي قد يكون وطنيا أو جهويا أو محليا وكاستراتيجية للتنمية» وتهدف التنمية الترابية من خالل أليات+
التشارك إلى توفير املحيط املالئم +للمبادرة املحلية قصد تقوية القدرات الفردية والجماعية في اإلبداع واإلنتاج
وتحقيق التأهيل الذاتي.
التنمية الترابية تقوم على تلبية الحاجيات األساسية للسكان» وال تهدف فقط إلى تحقيق نمو في اإلنتاج والقوة
فقط بل إلى االستجابة لحاجيات السكان وتحسين مستواهم املعيشي في حيز ترابي +معين؛ عبر تنويع وتطوير
األنشطة االقتصادية واالجتماعية كما تنبني على تثمين املوارد الترابية لحيز جغرافي معين ويعني ذلك تعبئة كل
مقومات هذا املجال املادية أو املعنوية؛ أي كل ما يمكن أن ينتج عنه من ديناميات؛ فكل املجاالت تتوفر على موارد
يكفي فقط العمل على إبرازها وتنظيمها.2
الحوار الوطني حول إعداد التراب ،الخالصة التركيبية
1
2
نحو مقاربة مجالية لتأهيل املجاالت الريفية وآفاق التنمية القروية حالة أيت زكري
املوارد الترابية:
مفهوم حديث ،أصبح متداوال بكثرة لدى العديد من الباحثين ،واملختصين في مختلف التخصصات العلمية +من
اقتصاد وجغرافيا وتهيئة وإعداد التراب .فهو يتجاوز املفهوم التقليدي للموارد املتداول منذ فترة طويلة ،باعتبارها
تلك املكونات ملادية التي تزخر بها منطقة معينة أو جهة أو دولة ،من موارد أولية طاقية وغذائية ،وليمتد للعناصر+
غير املادية من عمق تاريخي ،وثقافة محلية ،وتراث خاص وخصوصي ،ومعارف وخبرات ،وقدرات على التجديد
واالبتكار .ويعتبر "لحسن جنان ( ")2008أن :املوارد الترابية +هي تعبئة لكل مقومات مجال معين ،مادية ومعنوية،
بحيث عندما نضع مقومات املجال في إطار نسق ،وفي إطار التعبئة لهذه املوارد ،تتولد القيمة املضافة.3
الفاعل:
ّ
يعر ف الفاعل على أنه" :كيان اجتماعي ،فرد ،مجموعة ،شركة ،جمعية ،سلطة محلية أو دولة" ،هذا الفاعل له
"القدرة على العمل ،االستقاللية ولديه كفاءة استراتيجية مقصودة قادرة على التأثير على الجهات +الفاعلة األخرى
من حيث القرار والسلوك املجالي ".4
التراث
إن مفهوم التراث +مهم للثقافة والتنمية بقدر ما يشكل "رأس املال الثقافي" للمجتمعات +املعاصرة .يساهم التراث في
إعادة التقييم املستمر للثقافات والهويات ويشكل وسيلة كبيرة لنقل الخبرات +واملهارات +واملعرفة +بين األجيال .كما
يوفر مصدر إلهام لإلبداع واالبتكار ،مما ينتج عنه منتجات ثقافية معاصرة ومستقبلية .للتراث الثقافي القدرة على
تعزيز +الوصول إلى التنوع الثقافي والتمتع به .من خالل تنمية الشعور باالنتماء الفردي والجماعي ،يمكنه ً
أيضا
إثراء رأس املال االجتماعي واملساعدة في دعم التماسك االجتماعي واإلقليمي .باإلضافة إلى ذلك ،اكتسب التراث
الثقافي أهمية اقتصادية كبيرة لقطاع السياحة في العديد +من البلدان ،مما خلق تحديات جديدة للحفاظ عليه 5حيث
3لحسن جنان – -2008محاضرات في إطار تكوين ماستر :التراث واملجال والتنمية ،ظهر املهراز-فاس.
4
Belhedi, A. (2004). « Les acteurs et l'espace »: Quelques éléments de problématique, Intervention dans la Séance
Scientifique 03 du Laboratoire "Dynamiques & Planification Spatiales", DPS.
5
INDICATEURS UNESCO DE LA CULTURE POUR LE DÉVELOPPEMENT page 132
تتطلب اإلدارة الناجحة لإلمكانيات +اإلنمائية للتراث +الثقافي اتباع نهج يؤكد االستدامة .في هذا الصدد ،تتطلب
االستدامة نفسها تحقيق التوازن الصحيح +بين الفائدة الحالية للتراث +الثقافي (من الناحية االقتصادية
واالجتماعية) والحفاظ عليه باعتباره "ثروة هشة" لألجيال القادمة.
وفقا ألحدث تقسيم إداري للمغرب ،تقع منطقة دراستنا في الجنوب املغربي +في إقليم +تارودانت وتنتشر منطقة الدراسة على
تراب مدينة تارودانت فبفضل موقعها االستراتيجي +تعتبر مدينة تارودانت من أقدم وأعرق مدن املغرب ،إذ كانت مدينة
عامرة منذ أقدم العصور ،ولعبت +أدوارا +تاريخية هامة في تاريخ سوس واملغرب .وبهذا يعد هذا املجال من أغنى املناطق التي
لها إمكانيات كبيرة لكن أيضا مجموعة من القيود التي تحد من فرص التطوير والتنمية.
في الواقع +يتميز موقع مدينة تارودانت كونه يمثل ثغرة طبوغرافية بين وحدتين طوبوغرافيتين هما األطلس الكبير
واألطلس الصغير حيث أن هذا االستثناء الطبوغرافي ال ينبغي النظر إليه إال من خالل وضعه في إطاره املحلي
والجهوي والوطني.
-محليا :تنتمي مدينة تارودانت إلى الحوض السفحي لسوس حيث يتضمن مجموعة من التالل املتناثرة +حيث
تتصل هذه الوحدة باألطلسين الصغير والكبير عبر مجموعة من مخاريط االنصباب تتفاوت ضخامتها +بين
الشمال الذي يعرف مخاريط واسعة وجيدة التشخيص والجنوب الذي تظهر به مخاريط ضيقة ومستوية.
-إقليميا :تتوفر مدينة تارودانت على معطى ثقافي فريد بوجود مواقع ذات أهمية تراثية تمتد على طول أسوار
املدينة ،حيث نجد أن كل هذه العناصر +ذات القيمة املضافة غير متاحة في كل األوساط املغربية
-وطنيا :إن أهمية تارودانت ليست محصورة في بعض املنافع التقليدية ومنتوجات الرستاق التي تدرها املنطقة
على املستوى املحلي بل يتعدها إلى فائدة املناطق املجاورة بمواردها الترابية +وبدورها الثقافي والسياحي على
الصعيد الجهوي والوطني.
إن االشتغال على مدينة تارودانت إنما هو رصد لواحدة من أكثر املناطق تميزا من ناحية املؤهالت +السياحية فهذا
املجال الترابي تعد استثناء تراثي حقيقي ساهم في جعل املنطقة تصبح متفردة ضمن مجال هش لكنه يحمل هوية
ثقافية أصيلة االمر الذي يستوجب حفظ تنوعها وغنى مشاهدها التراثية وضمان صونها من حيث هي ثروة وتراث
طبيعيين وفي ذات الوقت وجب تتمينها وتنميتها بصورة عقالنية تراعي مقومات التأهيل املتوازن.
في هذا اإلطار نقول إن التأهيل املنشود يفترض أن ينصب على املعطى +التراثي +والبشري معا من خالل نهج خيار
تنموي للموارد السياحية يعتمد مقاربة صون-تنموية حيث نكون أمام مقاربة تنموية شاملة جامعة بين الحماية
والتنمية في أن واحد .استنادا إلى نمط االستغالل الحالي تبدو املوارد السياحية كمجال لصراع خفي بين كل ما هو
تقليدي وعصري من ناحية اإلدراك واالستغالل والتنظيم ،وبالتالي فهذا األسلوب املتضارب يجب أن ينتهي لصالح
رؤية شمولية مندمجة ال يكون فيها التراث +كمعطى اقتصادي محض بل كمنظومة ومصدر هوية للمجال.
هذه اإلشكالية يجب أن تحتل موقع الصدارة في أي مشروع ترابي حيث أصبح من الضروري مراعات املجتمع
املحلي لنمط عالقاته التي تربطه باملؤهالت +السياحية وبالتالي سنضمن حماية وصون املشهد الثقافي وذات الوقت
تلبية األهداف االقتصادية واالجتماعية لساكنة املحلية وذلك من خالل تنمية شاملة ومندمجة.