You are on page 1of 64

‫‪8‬‬

‫‪‬‬

‫األستاذ عبد املحسن الباوي‬


‫الكتاب‪ :‬سلسلة املناهل األخالقية للشباب‪/‬صفات املؤمن يف‬
‫مدرسة أهل البيت(عليهم السالم)‪..‬‬
‫الكاتب‪:‬األستاذ عبد املحسن الباوي‪.‬‬
‫النارش‪:‬قسم الشؤون الفكرية والثقافية يف العتبة العباسية املقدسة‪/‬‬
‫شعبة االعالم‪/‬وحدة الدراسات والنرشات‪.‬‬
‫االخراج الطباعي والتصميم‪ :‬عالء سعيد االسدي‪.‬‬
‫التدقيق اللغوي‪ :‬مصطفى كامل حممود‪.‬‬
‫رقم االيداع يف دار الكتب والوثائق‪ 589 :‬لعام ‪2014‬م‪.‬‬
‫املطبعة‪ :‬دار الكفيل للطباعة والنرش‪.‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‬
‫عدد النسخ‪2000:‬‬
‫مجادى اآلخرة ‪-1434‬آيار ‪2013‬‬
‫‪‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل خري خلقه أمجعني‬
‫حممد وآل بيته الطيبني الطاهرين‪.‬‬
‫إن املستقرئ آلي الذكر احلكيم وأحاديث احلبيب املصطفى وآل‬
‫بيته األطهار (صلوات اهلل عليهم) ليلمس حقيقة جلية مفادها أن‬
‫هذا الدين احلنيف أوىل اإلنسان أمهية قصوى باعتبار إنسانيته وكرمه‬
‫وفضله عىل اخلالئق كام جاء يف قوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬
‫ﮟﱪ(((وهذا األمر له أبعاد مجة‪.‬‬
‫ثم خص بالتكريم واإلجالل مقام اإلنسان املسلم املوحد الناطق‬
‫بالشهادتني‪ ،‬وبعد ذلك تضيق الدائرة لتصل إىل مقام اإليامن القلبي‬
‫اجلوانحي‪ ،‬فاملؤمن احلق هو املختص باالهتامم والرعاية من لدن‬
‫الشارع املقدس‪ ،‬وهذا ما يؤكده الكتاب املجيد حيث وردت لفظة‬
‫(الذين آمنوا) ‪ 263‬مرة‪ ،‬ووردت بصيغة (املؤمنني) ‪ 83‬مرة‪ ،‬وبصيغة‬

‫((( سورة اإلرساء ‪/‬اآلية‪.70 :‬‬

‫‪3‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪4‬‬

‫(املؤمنون) ‪28‬مرة‪ ،‬وبصيغة املصدر (اإليامن) ‪ 14‬مرة‪.‬‬


‫وأما األحاديث الرشيفة الواردة عن النبي األعظم‪ ‬واألئمة‬
‫املعصومني‪ ‬التي تناولت اإليامن كأصل وما تفرع عنه من صفات‬
‫جيب توافرها يف املرء حتى يعد مؤمنا فهي تفوق حد احلرص‪ ،‬وهذا يدل‬
‫عىل سمو وجاللة مرتبة اإليامن‪ ،‬كام أن لصفة اإليامن قداسة وجالل‬
‫وهباء تُزين املتحيل هبا يف الدنيا واآلخرة‪ .‬لذا رأينا الوقوف عند صفات‬
‫املؤمن التي جاءت األحاديث الرشيفة بذكرها حتى ال ختتلط األوراق‬
‫ويأيت أي شخص ويصف نفسه أو غريه بصفة املؤمن‪.‬‬
‫وسنحاول تسليط الضوء عىل صفات املؤمنني يف قادم صفحات هذا‬
‫البحث‪ ،‬متجولني يف ربوع تراث النبي‪ ‬وأهل بيته‪،(((‬لنقتطف‬
‫من رياضها ال َغنَّـاء زهور ًا ورياحني يف صفات املؤمنني؛ لتشكل معيار ًا‬
‫وقسطاس ًا مستقي ًام ملن ينعت نفسه هبذا النعت الرشيف‪ ،‬ولنعرف كلنا‬
‫ثم نعرض أنفسنا عليها ونق ّيم مدى قربنا وبعدنا من‬
‫حدود اإليامن ومن َّ‬
‫وعن هذه الصفة املقدسة‪ .‬واهلل املوفق واملستعان‪.‬‬

‫((( أئمة أهل البيت‪ ‬هم عدل القرآن بنص حديث الثقلني الرشيف‬
‫واملتواتر عن النبي‪ ‬عند الفريقني «إين تارك فيكم الثقلني كتاب اهلل وعرتيت‪،‬‬
‫وإهنام لن يفرتقا حتى يردا عيل احلوض» وبداللة هذا احلديث املبارك وغريه‬
‫يتبينّ أن مدرسة أهل البيت‪ ‬هي مدرسة اإلسالم بمفاهيمه السامية‬
‫وقيمه العالية وتعاليمه احلقة‪.‬‬
‫بين مفهومي اإليمان واإلسالم في‬

‫مدرسة أهل البيت‪‬‬

‫إن املتتبع ألحاديث أهل البيت‪ ‬ليجد تفريق ًا واضح ًا بني‬


‫مفهوم (اإليامن) ومفهوم (اإلسالم) وكأنام هناك دائرة واسعة عامة‬
‫تسمى اإلسالم يف قبال دائرة ضيقة خاصة تسمى اإليامن‪.‬‬
‫وهذا القران الكريم يبينّ أن اإليامن موطنه القلب كام جاء بقوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱫﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛﱪ(((‪ .‬وكذلك جاءت الروايات لتميز بني اإلسالم‬
‫واإليامن وتضع الفوارق بينهام‪ ،‬فعن أمري املؤمنني‪ ‬قال‪« :‬قال يل‬
‫رسول اهلل‪ :‬يا عيل اكتب‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أكتب‪ :‬فقال‪ :‬اكتب بسم اهلل‬
‫الرمحن الرحيم‪ ،‬اإليامن ما وقر يف القلوب وصدقته األعامل‪ ،‬واإلسالم‬
‫ما جرى عىل اللسان وحلت به املناكحة» (((‪ .‬وقال اإلمام الباقر‪:‬‬
‫«اإلي�مان إق��رار وعمل‪ ،‬واإلس�لام إق��رار بال عمل» (((‪ .‬وقال اإلمام‬
‫((( سورة احلجرات‪ /‬اآلية‪.14 :‬‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪/ 50‬ص‪.208‬‬
‫((( حتف العقول ‪/‬ص ‪.297‬‬

‫‪5‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪6‬‬

‫الصادق‪« :‬دين اهلل اسمه اإلس�لام‪ ،‬وهو دين اهلل قبل أن تكونوا‬
‫حيث كنتم‪ ،‬وبعد أن تكونوا‪ ،‬فمن أقر بدين اهلل فهو مسلم‪ ،‬ومن عمل‬
‫بام أمر اهلل عز وجل به فهو مؤمن»(((‪ .‬ونكتفي هبذا القدر من األحاديث‬
‫الرشيفة(((‪ ،‬لنستخلص منها األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن اإلسالم تلفظ بالشهادتني وإقرار ظاهري باإلسالم وبذلك‬
‫يحُ قن دم املرء ويكون له ما للمسلمني وعليه ما عليهم حيل الزواج منه‬
‫وتزوجيه وتُؤكل ذبيحته وتحُ فظ حرمته‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلي�مان مفهوم أخص من اإلس�لام‪ ،‬فهو يتعلق باجلوانح‬
‫وما انطوت عليه الرسائر وصدقته األعامل الظاهرية مما جيب فعله أو‬
‫االنتهاء عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬اإليامن أسمى رتبة‪ ،‬وأعىل منزلة من اإلسالم‪ ،‬ألن اإلسالم‬
‫إقرار باللسان فقط‪ ،‬أما اإليامن فهو جيمع بني اإلقرار والعمل‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن العمل أهم من لقلقة اللسان‪.‬‬
‫ومن هذا نصل لنتيجة واضحة وجلية هي أن االتصاف بصفات‬
‫املؤمن احلقة هي الغاية األرف��ع التي ينبغي أن تُنشد‪ .‬لذا فإن من‬

‫((( الكايف ‪/‬ج‪/ 2‬ص ‪.38‬‬


‫((( ومن أراد التوسعة يف هذا الباب فليطلب ذلك من مظانه يف بطون كتب‬
‫احلديث واألخبار والعقائد والتفسري فهي ملئى بام يشفي الغليل‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫بني مفهومي الإميان والإ�سالم يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬
‫املستحسن التعرف عىل هذه الصفات والعمل بجد واجتهاد عىل‬
‫رضورة التحيل هبا قدر املستطاع وإن اختلفت شد ًة وضعف ًا حسب‬
‫املتصف هبا‪.‬‬
‫لذا سنحاول قدر اإلمكان الوقوف عند صفات املؤمن التي إن‬
‫حتىل هبا املسلم عُدّ مؤمن ًا حق ًا ال إدعا ًء‪ ،‬وإن جانبها كان كالرامي بال‬
‫وتر كام يف احلديث الرشيف عن أمري املؤمنني‪« :‬الداعي بال عمل‬
‫كالرامي بال وتر»(((‪.‬‬

‫((( هنج البالغة – باب املختار من حكم أمري املؤمنني‪ ‬احلكمة رقم (‪.)337‬‬
‫صفات المؤمن‬

‫إن معرفة صفات املؤمن هي وسيلة للتعرف عليه‪ ،‬وقد وضعت لنا‬
‫اآليات القرآنية الكريمة واألحاديث الرشيفة الواردة عن النبي األعظم‬
‫والعرتة الطاهرة (صلوات اهلل عليهم أمجعني) ضوابط ومعايري حتدد‬
‫هوية املؤمن وتبني مالحمه بام ال يدع جماال للحرية والشك‪ ،‬لذا سنضع‬
‫من هذه ما يساعدنا يف التعرف عىل املؤمن احلقيقي من غريه‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل جولتنا الطيبة يف ربوع كلامت نبينا األعظم وآل بيته (صلوات اهلل‬
‫عليهم) ألهنا السبيل األوحد للوصول إىل مرضاة اهلل تعاىل ونيل سعادة‬
‫الدارين قال تعاىل‪ :‬ﱫ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﱪ(((‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الوالء لأهل البيت‪‬‬


‫إن املؤمن احلق هو من شايع وتابع أئمة أهل البيت‪ ‬من أمري‬
‫املؤمنني إىل موالنا احلجة بن احلسن (صلوات اهلل عليهم أمجعني)‪ ،‬فقد‬
‫جاء يف احلديث الرشيف عن رسول اهلل‪« :‬يا عيل‪َ ،‬مث ُلك يف أمتي‬

‫((( سورة األنعام ‪/‬اآلية‪.153 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪9‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫َم َث ُل املسيح عيسى بن مريم افرتق قومه ثالث فرق‪ :‬فرقة مؤمنون‬
‫وهم احلواريون‪ ،‬وفرقة عادوه وهم اليهود‪ ،‬وفرقة غلوا فيه فخرجوا‬
‫عن اإلي�م�ان‪ .‬وإن أمتي ستفرتق فيك ث�لاث ف��رق‪ :‬ففرقة شيعتك‬
‫وهم املؤمنون‪ ،‬وفرقة عدوك وهم الشاكون‪ ،‬وفرقة تغلو فيك وهم‬
‫اجلاحدون‪ ،‬وأنت يف اجلنة يا عيل وشيعتك وحمب شيعتك‪ ،‬وعدوك‬
‫والغايل يف النار»(((‪ ،‬ومن هذا احلديث وغريه نجد أن علامء مدرسة أهل‬
‫البيت‪ ‬يضعون ضابطا للمؤمن يف كتبهم الفقهية بأنه من كان إثني‬
‫عرشي ًا(((‪.‬‬
‫وهذا يعني أن كل من فقد هذه الصفة (كونه إثني عرشي ًا) ال يصح‬
‫وصفه باملؤمن‪ ،‬ولذا ال نستغرب من التشابه الكبري يف الروايات الرشيفة‬
‫التي تذكر صفات املؤمنني وصفات الشيعة االثني عرشية؛ ألن صفات‬
‫املؤمنني هي عينها صفات الشيعة (((‪ .‬وهذه جمموعة من الروايات التي‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج ‪ / 25‬ص ‪.269‬‬
‫((( يقول السيد اخلوئي‪ ‬يف رشوط املجتهد (‪ -4‬اإليامن بمعنى أن يكون اثني‬
‫عرشيا) راجع املسائل املنتخبة ص‪.10‬‬
‫((( قد يتهمنا البعض باملبالغ والتعصب حني يطالع هذا القول‪ ،‬ونقول حاشا‬
‫وكال فام هذا مرادنا وال هذا ما نبغي من تسطري هذه السطور واهلل تعاىل‬
‫املطلع عىل حقيقة األمور‪ ،‬ولكننا نحيل من يتهمنا بذلك إىل دراسة صفات‬
‫الشيعة الواردة يف هذه العينة اليسرية من أحاديث العرتة الرشيفة وحيكم عقله‬
‫ويستمع لصوت اإلنصاف من داخل وجدانه فإنه بال شك سوف يصل إىل‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪10‬‬

‫تذكر بعض صفات الشيعة كام جاءت عن أئمة أهل البيت‪:‬‬


‫‪ -1‬قال اإلمام العسكري‪« :‬شيعة عيل‪ ‬هم الذين ال يبالون‬
‫يف سبيل اهلل أوقع املوت عليهم أو وقعوا عىل املوت‪ ،‬وشيعة عيل‪‬‬
‫هم الذين يؤثرون إخواهنم عىل أنفسهم ولو كان هبم خصاصة‪ ،‬وهم‬
‫الذين ال يراهم اهلل حيث هناهم‪ ،‬وال يفقدهم من حيث أمرهم‪ ،‬وشيعة‬
‫عيل‪ ‬هم الذين يقتدون بعيل يف إكرام إخواهنم املؤمنني»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن اإلمام الصادق‪« :‬شيعتنا أهل الورع واالجتهاد‪،‬‬
‫وأهل الوفاء واألمانة‪ ،‬وأهل الزهد والعبادة‪ ،‬أصحاب إحدى ومخسني‬
‫ركعة يف اليوم والليلة‪ ،‬القائمون بالليل‪ ،‬الصائمون بالنهار‪ ،‬يزكون‬
‫أمواهلم‪ ،‬وحيجون البيت‪ ،‬وجيتنبون كل حمرم» (((‪.‬‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬شيعتنا من قدم ما استحسن‪ ،‬وأمسك ما استقبح‪،‬‬
‫وأظهر اجلميل‪ ،‬وسارع باألمر اجلليل‪ ،‬رغبة إىل رمحة اجلليل‪ ،‬فذاك منا‬
‫وإلينا ومعنا حيثام كنا»(((‪.‬‬

‫نتيجة مهمة مفادها أن صفات الشيعة التي أرادها أئمتهمعليهم السالملهم‬


‫هي عينها صفات املؤمنني التي أرشدت إليها اآليات الكريامت واألحاديث‬
‫الرشيفة املتفق عىل صحتها بني فرق املسلمني‪.‬‬
‫((( ميزان احلكمة ج‪ 2‬ص ‪.1538‬‬
‫((( البحار ج‪ 68‬ص ‪.167‬‬
‫((( م‪.‬ن ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫‪ -4‬وعنه‪« :‬إنام شيعة عيل من عف بطنه وفرجه‪ ،‬واشتد جهاده‪،‬‬


‫وعمل خلالقه‪ ،‬ورجا ثوابه‪ ،‬وخاف عقابه‪ ،‬فإذا رأيت أولئك فأولئك‬
‫شيعة جعفر»(((‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن اإلمام الباقر‪« :‬ال تذهب بكم املذاهب‪ ،‬فو اهلل ما‬
‫شيعتنا اّإل من أطاع اهلل عز وجل» (((‪.‬‬
‫‪ -6‬وعن أمري املؤمنني‪« :‬شيعتنا املتباذلون يف واليتنا‪ ،‬املتحابون‬
‫يف مودتنا املتزاورون يف إحياء أمرنا‪ ،‬الذين إن غضبوا مل يظلموا‪ ،‬وإن‬
‫رضوا مل يرسفوا‪ ،‬بركة عىل من جاوروا‪ ،‬سلم ملن خالطوا»(((‪.‬‬
‫‪ -7‬اإلم���ام احلسن‪ - ‬يف ج��واب رج��ل ق��ال ل��ه‪( :‬إين من‬
‫شيعتكم)‪« :-‬يا عبد اهلل إن كنت لنا يف أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد‬
‫صدقت‪ ،‬وإن كنت بخالف ذلك فال تزد يف ذنوبك بدعواك مرتبة‬
‫رشيفة لست من أهلها‪ ،‬ال تقل‪ :‬أنا من شيعتكم‪ ،‬ولكن قل‪ :‬أنا من‬
‫مواليكم وحمبيكم ومعادي أعدائكم‪ ،‬وأنت يف خري وإىل خري»(((‪.‬‬
‫‪ -8‬اإلمام عيل‪« :‬شيعتنا هم العارفون باهلل‪ ،‬العاملون بأمر‬
‫اهلل‪ ،‬أهل الفضائل‪ ،‬الناطقون بالصواب‪ ،‬مأكوهلم القوت‪ ،‬وملبسهم‬
‫((( البحار ج‪ 68‬ص ‪.167‬‬
‫((( الكايف ج‪ 2‬ص‪.73‬‬
‫((( الكايف ج‪ 2‬ص ‪.236‬‬
‫((( تنبيه اخلواطر ج‪ 2‬ص ‪.106‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪12‬‬

‫االقتصاد‪ ،‬ومشيهم التواضع‪ ...‬حتسبهم مرىض وقد خولطوا وما هم‬


‫بذلك‪ ،‬بل خامرهم من عظمة رهبم وشدة سلطانه ما طاشت له قلوهبم‪،‬‬
‫وذهلت منه عقوهلم‪ ،‬فإذا اشتاقوا من ذلك بادروا إىل اهلل تعاىل باألعامل‬
‫الزكية‪ ،‬ال يرضون له بالقليل‪ ،‬وال يستكثرون له اجلزيل»‪.‬‬
‫(((‬

‫ثاني ًا‪:‬امل�ؤمن احلقيقي هو من يعمل ال�صاحلات‬


‫عرفنا مما تقدم أن ما يميز املؤمن عن املسلم هو اق�تران القول‬
‫بالعمل‪ ،‬وهذه حقيقة قرانية رصحت هبا غري آية من آي الذكر احلكيم‪،‬‬
‫فقد ورد ذكر قول اهلل تعاىل‪ :‬ﱫ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱪ‬
‫قرابة (‪ 52‬مرة) نستشهد بعينة منها للربكة‪:‬‬
‫‪ -1‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜﱪ البقرة ‪.25/‬‬
‫‪ -2‬ﱫﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕﱪ البقرة ‪.82/‬‬
‫‪ -3‬ﱫﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲﱪ املائدة ‪.9/‬‬
‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫‪-4‬‬
‫ﭘﱪ الرعد ‪.29 /‬‬
‫((( البحار ج ‪ 78‬ص ‪. 29‬‬
‫‪13‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫‪ -5‬ﱫﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞﱪ الكهف ‪.30 /‬‬
‫‪ -6‬ﱫﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﱪ‬
‫البينة ‪.7/‬‬
‫وهو ما أكدت عليه روايات املعصومني‪ ‬ونذكر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قول رسول اهلل‪« :‬اإليامن والعمل أخوان رشيكان يف قرن‪،‬‬
‫ال يقبل اهلل أحدمها اّإل بصاحب»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وعنه‪« :‬ال يقبل إيامن بال عمل‪ ،‬وال عمل بال إيامن»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬اإليامن قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬وعن أمري املؤمنني‪« :‬لو كان اإليامن كالم ًا مل ينزل فيه صوم‬
‫وال صالة وال حالل وال حرام»(((‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن اإلمام الصادق‪« :‬ملعون ملعون من قال‪ :‬اإليامن قول‬
‫بال عمل»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬وعنه‪« :‬اإلي�مان عمل كله‪ ،‬والقول بعض ذلك العمل‬

‫((( ميزان احلكمة ج‪ 1‬ص ‪.293‬‬


‫((( م‪.‬ن‬
‫((( م‪.‬ن‬
‫(((ميزان احلكمة ج‪ 1‬ص ‪.293‬‬
‫((( البحار ج‪ 69‬ص ‪19‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪14‬‬

‫بفرض من اهلل بينه يف كتابه»(((‪.‬‬


‫‪ -7‬وعنه‪« :‬لو أن العباد وصفوا احلق وعملوا به ومل تعقد‬
‫قلوهبم عىل أنه احلق ما انتفعوا»(((‪.‬‬

‫فائدة‪:‬‬
‫استوقفتني كلمة اإلمام الصادق‪« :‬ملعون ملعون من قال‪:‬‬
‫اإليامن قول بال عمل» فهل هناك من يعتقد بكون اإليامن جمرد لقلقة‬
‫لسان دون ترمجة واقعية مصداقية عىل األرض باألفعال الصاحلة‬
‫واألعامل النافعة والسلوك املستقيم؟‬
‫نعم هناك طائفة عرفت يف تاريخ املسلمني بـ (ا ُمل ْر ِج َئة) وردت‬
‫الروايات الرشيفة بلعنهم بأشد العبارات تعتقد هذا املعتقد الزائف‬
‫وتتبناه‪ ،‬قال رسول اهلل‪ ‬بحقهم‪ُ « :‬لعنت املرجئة عىل لسان سبعني‬
‫نبيا‪ ،‬الذين يقولون‪ :‬اإليامن قول بال عمل»(((‪.‬‬
‫واعلم أن هلذه العقيدة خطر كبري عىل اإلسالم ألهنا تعتقد أنه‬
‫ال يرض مع اإليامن معصية‪ ،‬وال ينفع مع الكفر طاعة‪ .‬فلذلك سموا‬
‫مرجئة العتقادهم أن اهلل تعاىل أرجا تعذيبهم عىل املعايص‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫أخره‬

‫((( الكايف ج‪ 2‬ص‪38‬‬


‫((( ميزان احلكمة ج‪ 1‬ص ‪.293‬‬
‫((( ميزان احلكمة ج‪ 1‬ص ‪.294‬‬
‫‪15‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫عنهم‪ ،‬قال الشيخ جعفر سبحاين يف التحذير من خطرهم‪« :‬املرجئة‬


‫الذين اكتفوا بالتصديق القلبي أو اللساين واستغنوا عن العمل‪[ ..‬و]‬
‫وأخروا العمل‪ ،‬فهذه الطائفة من أكثر الطوائف خطر ًا‬
‫االيامن ّ‬‫قدّ موا ِ‬
‫عىل ِ‬
‫االسالم وأهله‪ ،‬الَنهّ م بإذاعة هذا التفكري بني الشباب‪ ،‬يدعوهنم‬
‫والتجرد عن االَخالق واملثل العليا ويعتقدون ّ‬
‫أن الوعيد‬ ‫إىل ِ‬
‫االباحية‬
‫ّ‬
‫خ��اص بالكفار دون املؤمنني‪ ،‬فاجلحيم ونارها وهليبها هلم دون‬
‫وأي‬ ‫املسلمني‪ ،‬ومعنى أنّه يكفي يف النجاة ِ‬
‫املجرد عن العمل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫االيامن‬
‫(((‬
‫خطر أعظم من ذلك؟»‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬امل�ؤمن �صادق ال يكذب‪.‬‬


‫الصدق سجية األبرار‪ ،‬وسمة األطهار‪ ،‬شعار النبيني‪ ،‬وخصلة‬
‫الصديقني‪ ،‬عنوان األولياء‪ ،‬وميزة األتقياء‪ ،‬وما عساين أقول يف مدح‬
‫املتحلني هبذه الصفة احلميدة وقد ورد ذكرهم بكل خري يف كتاب اهلل‬
‫املجيد فقال تعاىل‪:‬‬
‫‪ -1‬ﱫﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖﱪ املائدة‬
‫‪.119/‬‬
‫‪ -2‬ﱫﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﱪ‬
‫((( اإليامن والكفر يف الكتاب والسنة – جعفر سبحاين ‪ /‬ص ‪.21‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪16‬‬

‫التوبة ‪.119/‬‬
‫‪ -3‬ﱫﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﱪ‬
‫األحزاب‪.35/‬‬
‫وقد وردت روايات كثرية ترصح بكون الصدق من أبرز سامت‬
‫املؤمنني‪ ،‬بل هو دعامة اإليامن كام جاء بالروايات ونورد هنا مجلة يسرية‬
‫من هذه الروايات والتي وردت يف كتاب غرر احلكم‪:‬‬
‫‪ -1‬قال أمري املؤمنني‪« :‬الصدق أقوى دعائم اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -2‬وعنه‪« :‬الصدق عامد اإلسالم‪ ،‬ودعامة اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬الصدق رأس اإليامن‪ ،‬وزين اإلنسان»‪.‬‬
‫‪ -4‬وعنه‪« :‬الصدق مجال اإلنسان‪ ،‬ودعامة اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -5‬وعنه‪« :‬الصدق أمانة اللسان‪ ،‬وحلية اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -6‬وعنه‪« :‬الصدق لباس الدين» (((‪.‬‬
‫أما الكذب فهو ّ‬
‫كل ما يقوله اإلنسان خالف ًا للواقع واحلقيقة وهو‬

‫((( غرر احلكم ‪.458 ،1451 ،2120 ،1993 ،1754 ،1579 /‬‬
‫‪17‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫من الكبائر‪ ،‬وهو خصلة ذميمة واالتصاف هبا منقصة مشينة‪ ،‬حيكم العقل‬
‫املجرد بقبحها ودناءة منتحلها فضال عن الرشع احلنيف‪،‬فليس بمؤمن‬
‫من كان كذابا كام أكدت ذلك اآليات الكريمة والتي منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ -1‬ﱫﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﱪ آل عمران‪61 /‬‬
‫‪ -2‬ﱫ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﱪ غافر‪28 /‬‬
‫‪ -3‬ﱫﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱪ الزمر‪3/‬‬
‫‪ -4‬ﱫﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻﱪ النحل‪105/‬‬
‫وم��ن يستقرئ أحاديث املعصومني‪ ‬ال���واردة يف ذم هذه‬
‫اخلصلة ليستدل بام ال يقبل الشك عىل قبح الكذب ونفي اإليامن عن‬
‫املتصف به‪ .‬فتأمل ‪ -‬أهيا القارئ الكريم – يف األحاديث اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬قال رسول اهلل‪« :‬إياكم والكذب‪ ،‬فإن الكذب جمانب‬
‫لإليامن»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن أمري املؤمنني‪« :‬جانبوا الكذب‪ ،‬فإنه جمانب لإليامن‪،‬‬
‫الصادق عىل شفا منجاة وكرامة‪ ،‬والكاذب عىل رشف مهواة ومهانة»(((‪.‬‬

‫((( كنز العامل‪.8206 /‬‬


‫((( هنج البالغة اخلطبة ‪.86‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪ -3‬وعن اإلمام الباقر‪« :‬إن الكذب هو خراب اإليامن»(((‪.‬‬


‫«خ ّطت اخلبائث يف بيت وجعل‬
‫‪ -4‬وعن اإلمام العسكري‪ُ :‬‬
‫مفتاحه الكذب»(((‪.‬‬
‫وقد يستغرب املرء للوهلة األوىل لشدة حتذير هذه النصوص‬
‫الرشيفة من هذه اخلصلة الذميمة‪ ،‬ولكن هذا االستغراب يزول بقليل‬
‫من التدبر فيصل إىل نتيجة مهمة مفادها أن كل الرشور واآلفات التي‬
‫تصيب الفرد واملجتمع وهتلك احلرث والنسل مبتداها من الكذب‪ ،‬ويف‬
‫هذا يقول اإلمام الباقر‪« :‬إن اهلل عز وجل جعل للرش أقفاال‪ ،‬وجعل‬
‫مفاتيح تلك األقفال الرشاب(((‪ ،‬والكذب رش من الرشاب»(((‪.‬‬
‫والعجب كل العجب أننا نعيش اليوم حالة من خداع األنفس‬
‫والضحك عىل الذقون بإطالق تصنيفات للكذب فهناك كذب أبيض‬
‫و كذب أسود‪ ،‬وهناك كذب اهلزل الذي يقصد به املرح والرتويح عن‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج ‪/ 72‬ص ‪.247‬‬
‫((( ميزان احلكمة ‪/‬ج‪/ 3‬ص ‪.1435‬‬
‫((( قال العالمة املجليس يف بيان هذا احلديث‪« :‬واملراد بالرشاب مجيع االرشبة‬
‫املسكرة‪ ،‬وكان املراد باألقفال االمور املانعة من ارتكاب الرشور من العقل‬
‫وما يتبعه ويستلزمه من احلياء من اهلل ومن اخللق والتفكر يف قبحها وعقوباهتا‬
‫ومفاسدها الدنيوية واألخروية‪ ،‬والرشاب يزيل العقل‪ ،‬وبزواهلا ترتفع مجيع‬
‫تلك املوانع‪ ،‬فتفتح مجيع االقفال»‪[ .‬بحار األنوار ‪ /‬ج‪/69‬ص ‪]237‬‬
‫((( الكايف ‪/‬ج‪/2‬ص ‪/473‬ح‪.3‬‬
‫‪19‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫النفس املتعبة‪ ،‬وهناك كذبة نيسان التي أضحت تقليد ًا أعمى ال أصل‬
‫له عند املترشعة وال عند العقالء‪ .‬واحلديث يف هذا الباب يطول وخيرج‬
‫البحث عن غرضه‪ ،‬لكننا نكتفي بإيراد هذين احلديثني الرشيفني هبذا‬
‫اخلصوص‪:‬‬
‫األول عن رسول‪« :‬إن الكذب ال يصلح منه جد وال هزل‪،‬‬
‫وال أن يعد الرجل ابنه ثم ال ينجز له‪ ،‬إن الصدق هيدي إىل الرب‪ ،‬وإن‬
‫الرب هيدي إىل اجلنة‪ ،‬وإن الكذب هيدي إىل الفجور‪ ،‬وإن الفجور هيدي‬
‫إىل النار»(((‪.‬‬
‫والثاين عن اإلمام أمري املؤمنني‪« ‬ال جيد عبد طعم اإليامن حتى‬
‫يرتك الكذب هزله وجده»(((‪.‬‬

‫فوائد‪:‬‬
‫الفائدة األوىل‪ :‬موارد جواز الكذب‪.‬‬

‫قد وردت أحاديث ذكرت موارد جيوز فيها الكذب إذا ترتب عليه‬
‫مصلحة تكون فائدهتا أعم من رضر الكذب‪ ،‬ولكنها مؤطرة بضوابط‬
‫وحدود وحاالت خاصة جد ًا‪:‬‬

‫((( ميزان احلكمة ‪/‬ج‪/ 3‬ص‪.1436‬‬


‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج ‪/ 72‬ص ‪.249‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪ -1‬قال رسول اهلل‪« :‬إن اهلل عز وجل أحب الكذب يف الصالح‪،‬‬


‫وأبغض الصدق يف الفساد» (((‪.‬‬

‫‪ -2‬وعن اإلمام الصادق‪« :‬الكذب مذموم اّإل يف أمرين‪ :‬دفع‬


‫رش الظلمة‪ ،‬وإصالح ذات البني»‪.‬‬
‫(((‬

‫(((‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬ا ُملصلح ليس بكاذب»‪.‬‬
‫«كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما اًّإل [كذبا] يف‬
‫‪ -4‬وعنه‪ّ :‬‬
‫ثالثة‪ :‬رجل كائد يف حربه فهو موضوع عنه‪ ،‬أو رجل أصلح بني اثنني‬
‫يلقى هذا بغري ما يلقى به هذا يريد بذلك اإلصالح ما بينهام‪ ،‬أو رجل‬
‫وعد أهله شيئ ًا وهو ال يريد أن يتم هلم»‪.‬‬
‫(((‬

‫إن جتويز الكذب يف هذه امل��وارد ناظر إىل ما يرتتب عىل ذلك‬
‫من مصلحة عامة ختص األمة مجعاء كام يف مورد احلرب بني املسلمني‬
‫والكافرين‪ ،‬أو مصلحة ختص أفرادا معينني كام يف مورد اإلصالح بني‬
‫فريقني أو فردين بينهام قطيعة أو سوء تفاهم أو صد وإعراض وهنا‬
‫ُيفضل عىل الساعي بينهام أن ال ينقل ما َيتَحدثه أحدمها عىل اآلخر من‬

‫((( بحار األنوار ‪/‬ج ‪/ 77‬ص ‪/ 47‬ح ‪.3‬‬


‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج ‪/ 72‬ص ‪/ 263‬ح ‪.48‬‬
‫((( الكايف ‪/‬ج‪/ 2‬ص ‪/341‬ح ‪.16‬‬
‫((( الكايف ‪/‬ج‪ / 2‬ص‪ /342‬ح ‪.18‬‬
‫‪21‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫كالم انفعايل ُيشنج األجواء و ُيعمق القطيعة ويزيد من حدة التوتر‪،‬‬


‫فينبغي للعاقل اللبيب أن يلطف األجواء بالكالم الطيب اجلميل حتى‬
‫يصلح بينهام‪.‬‬
‫أما مورد جواز الكذب يف وعد الرجل أهله بيشء وهو يقصد‬
‫إخالف الوعد أو تأجيله لغري الوقت املرصح به‪ ،‬فهذا بال شك ناظر‬
‫إىل احلفاظ عىل بنية األرسة املسلمة املؤمنة من التفكك نتيجة املشاكل‬
‫وتعكري أجواء املودة واملحبة والصفاء ألن األرسة هي لبنة املجتمع‬
‫األساسية التي إن أصاهبا الرضر – ال سامح اهلل – عم املجتمع كله‬
‫وحدث ما ال حيمد عقباه‪.‬‬
‫وقد يعرتض البعض بأن يف ذلك استخفاف بعقل املرأة‪ ،‬وتقليل‬
‫من شأهنا‪ ،‬ولكن املعرتض هنا مل ُيق ّلب املسألة يف ذهنه جيد ًا فاحلق أن‬
‫املرأة صنو الرجل يف التكاليف الرشعية –إلاّ ما خيص طبيعتها األنثوية‬
‫– وال يصح االستخفاف هبا يف أي حال من األحوال‪ ،‬لكن اهلل تعاىل‬
‫أودع املرأة عاطفة جياشة تغلب حاكمية العقل عند الرجل‪ ،‬وليس‬
‫هذا عىل نحو التعميم وال عىل نحو التفضيل‪ ،‬إلاّ أن جتويز النصوص‬
‫للكذب يف هذه احلالة خيص املرأة التي يرتفع عندها سلطان العاطفة‬
‫ويطغى عىل سلطان العقل‪.‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪22‬‬

‫الفائدة الثانية‪ :‬التورية خري سبيل للخالص من إثم الكذب‪.‬‬


‫التورية‪ :‬بأن يقصد من الكالم معنى من معانيه مما له واقع‪ ،‬ولكنه‬
‫خالف الظاهر‪.‬‬
‫(((‬

‫وهي أيض ًا أن يتكلم الشخص بكالم حيتمل معنيني‪ ،‬ويقصد منه‬


‫معنى آخر‪ ،‬مث ً‬
‫ال إذا جاء‬ ‫ً‬ ‫شيئ ًا آخر غري الظاهر‪ ،‬ولك ّن املخاطب يفهم‬
‫شخص وسأل عن صاحب البيت عند الباب‪ ،‬وقال‪ :‬هل ّ‬
‫أن فالن‬
‫موجود يف البيت؟ فيقول املجيب‪ :‬إنّه غري موجود هنا‪ ،‬ومقصوده من‬
‫كلمة «هنا» خلف الباب‪ ،‬ولكن السامع يتصور ّ‬
‫أن الشخص املذكور‬
‫غري موجود يف البيت‪ ،‬وهذا النوع من التورية غري مرشوط بحال‬
‫(((‬
‫الرضورة وإن كانت مراعاة الرضورة أفضل‪.‬‬
‫وقد نقل القران الكريم حكاية عىل ألسنة األنبياء‪ ‬استعامهلم‬
‫التورية يف حاالت الرضورة لدرء املفاسد وجلب املصالح واجتناب‬
‫الوقوع يف إثم الكذب‪.‬‬
‫قال تعاىل حكاية عن إبراهيم‪ :‬ﱫﮍ ﮎﮏ ﮐ‪ ‬ﮒ‬
‫ﮓﮔﱪ [الصافات‪.]89 ،88 /‬‬
‫ويف قصة هدم األصنام استخدم إبراهيم‪ ‬التورية بشكل رائع‬

‫((( منهاج الصاحلني‪ -‬السيد السيستاين(‪ /)‬ج‪2‬ص‪.15‬‬


‫((( الفتاوي اجلديدة ‪ -‬الشیخ نارص مکارم الشریازي‪/‬ج‪ 3‬ص‪148‬مس‪.492‬‬
‫‪23‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫كام حيدثنا القران الكريم بذلك يف سورة األنبياء ﱫﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬


‫ﭸ ﭹ‪ ‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﱪ [األنبياء‪.]63 ،62 :‬‬
‫ويف قصة النبي يوسف‪ ‬حيدثنا القران الكريم عن استخدامه‬
‫للتورية يف قضية (صواع امللك) قال تعاىل‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﱪ‬
‫[يوسف‪.]70 /‬‬
‫وقد ُس ِئل اإلم��ام الصادق‪ ‬عن قول اهلل عز وجل يف قصة‬
‫إبراهيم‪ ‬ﱫﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﱪ قال‪ :‬ما فعله كبريهم وما كذب إبراهيم‪ ‬قيل‪ :‬وكيف‬
‫ذلك؟ فقال‪ :‬إنام قال إبراهيم ﱫ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﱪ فإن‬
‫نطقوا فكبريهم فعل‪ ،‬وإن مل ينطقوا فلم يفعل كبريهم شيئ ًا‪ ،‬فام نطقوا‬
‫فس ِئل عن قوله تعاىل يف سورة يوسف ﱫ ﭜ‬ ‫وما كذب إبراهيم‪ُ ‬‬
‫ﭝ ﭞ ﭟﱪ قال‪ :‬إهنم رسقوا يوسف من أبيه‪ ،‬أال ترى أنه‬
‫قال هلم حني قالوا ﱫﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﱪ‬
‫ومل يقل رسقتم صواع امللك‪ ،‬إنام رسقوا يوسف من أبيه‪.(((»...‬‬

‫((( االحتجاج ‪/‬ج‪/ 2‬ص ‪.256‬‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪24‬‬
‫رابع ًا‪ :‬امل�ؤمن كثري الذكر هلل تعاىل‪.‬‬
‫قال تعاىل يف سورة األحزاب ﱫ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄﱪ األحزاب اآلية ‪.24-14:‬‬
‫(((‬
‫عن اإلمام أمري املؤمنني‪« :‬املؤمن دائم الذكر‪ ،‬كثري الفكر»‬
‫وعن اإلمام الباقر‪« :‬كأن املؤمنني هم الفقهاء أهل فكرة وعربة‪،‬‬
‫مل يصمهم عن ذكر اهلل ما سمعوا بآذاهنم‪ ،‬ومل يعمهم عن ذكر اهلل ما رأوا‬
‫(((‬
‫من الزينة»‪.‬‬
‫وورد عن اإلمام الصادق‪ّ :‬ملا ُس ِئل‪ :‬من أكرم اخللق عىل اهلل؟‪:‬‬
‫«أكثرهم ذكرا هلل وأعملهم بطاعته»‪.‬‬
‫(((‬

‫وللسيد عبد األعىل السبزواري‪–-‬كالم مجيل يف املقام نورده‬


‫مقتضب ًا ألمهيته‪« :‬من اجل مقامات العارفني مقام الذكر‪ ،‬بل هو من‬
‫أعظم مظاهر حب احلبيب ملحبوبه فإن‪( :‬من أحب شيئ ًا أكثر من ذكره)‬
‫ومن عالمات احلبيب االستهتار بذكر حبيبه‪ ،‬وقد قالوا‪ :‬إن املحب‬
‫إذا صمت هلك‪ ،‬والعارف إذا نطق هلك‪ ،‬الن األول جمبول عىل ذكر‬
‫احلبيب‪ ،‬والثاين مأمور بسرت األرسار‪ ..‬والذكر عندهم عىل اقسام ثالثة‪:‬‬

‫((( غرر احلكم ‪.7617‬‬


‫((( بحار األنوار‪ /‬ج ‪/ 73‬ص ‪63‬‬
‫((( بحار األنوار ‪/‬ج ‪/ 93‬ص ‪.164‬‬
‫‪25‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫االول‪ :‬ذكر اللسان املستمد من القلب‪.‬‬


‫الثاين‪ :‬ذكر القلب مع عدم حركة اللسان‪ ،‬ويسمى مناجاة الروح‬
‫واالستجامع للمذكور بالكلية وهذا هو ذكر اخلواص‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ذكر الرس‪ ،‬ومعناه غيبة الذاكر يف املذكور – يف اجلملة –‬
‫فكان املذكور يكون هو الذاكر‪ ،‬وهذا اخص اخلواص‪ .‬ومثلوا لكل ذلك‬
‫(((‬
‫بأمثلة مذكورة يف حماهلا‪ .‬كام بنوا لكل واحد منها ثمرات ونتائج‪».‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬امل�ؤمن يفو�ض �أمره هلل تعاىل وير�ضى بق�ضائه‬
‫إن مسألة تفويض أمور العبد لربه والتسليم الكامل له تعاىل‬
‫والرضا التام بقدره وقضاءه من صفات عباد اهلل املخلصني من النبيني‬
‫واألولياء والصديقني‪.‬كام أن قيمتها تكمن يف كوهنا صفة نفسانية خفية‬
‫ال تظهر للعيان إلاّ ببعض اآلثار التي ُيستدل هبا عليها من قبيل الصرب‬
‫عىل البالء والشكر عىل النعامء وعدم اجلزع عند نزول القضاء وغريها‪.‬‬
‫وهي درجة شاخمة ال يناهلا بحقيقتها إلاّ ذو حظ عظيم وهم خاصة‬
‫عباد اهلل تعاىل الذين ذاقت أنفسهم حالوة حقيقة اإليامن‪ ،‬وقد ورد عن‬
‫اإلمام الباقر‪« :‬بينا رسول اهلل‪ ‬يف بعض أسفاره إذ لقيه ركب‬
‫فقالوا‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل‪ .‬فقال‪ :‬ما أنتم؟ قالوا‪ :‬نحن‬
‫مؤمنون‪ .‬قال ‪ ‬فام حقيقة إيامنكم؟‪ .‬قالوا‪ :‬الرضا بقضاء اهلل والتسليم‬

‫((( مواهب الرمحن يف تفسري القران ج‪ 2‬ص ‪.159‬‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪26‬‬

‫ألمر اهلل والتفويض إىل اهلل تعاىل‪ .‬فقال‪ ‬علامء حكامء كادوا أن يكونوا‬
‫من احلكمة أنبياء‪ ،‬فإن كنتم صادقني فال تبنوا ما ال تسكنون‪ ،‬وال جتمعوا‬
‫ما ال تأكلون‪ ،‬واتقوا اهلل الذي إليه تُرجعون»(((‪.‬‬
‫وعن رسول اهلل ‪« :‬إن لكل يشء حقيقة‪ ،‬و ما بلغ عبد حقيقة‬
‫اإلي�مان حتى يعلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه وما أخطاه مل يكن‬
‫ليصيبه»(((‪ .‬ولعل تعبري النبي األعظم‪ ‬بلفظة (حتى يعلم) فيها ما‬
‫فيها من الدالالت التي تؤكد أن من أصدق مصاديق صفات املؤمن‬
‫الوصول إىل درجة اليقني بأن ما أصابه من خري أو رش ما كان ليخطئه‬
‫وما أخطأه مل يكن ليصيبه‪ ،‬فهو تعاىل احلي القيوم املدبر وهو عز اسمه‬
‫بيده مقاليد الساموات واألرض‪.‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬امل�ؤمن �سخي ال يبخل‬


‫ورد يف كثري من األحاديث الرشيفة بيان أن البخل واإلي�مان ال‬
‫جيتمعان‪ ،‬فمن ادعى اإليامن وهو بخيل شحيح فهو كاذب يف مدعاه‪.‬‬
‫‪ -1‬قال رسول اهلل‪« :‬ال جيتمع الشح((( واإليامن يف قلب عبد‬
‫أبدا»(((‪.‬‬

‫((( معاين األخبار ‪ /‬ص‪. 187‬‬


‫((( ميزان احلكمة ‪ /‬ج‪ / 1‬ص ‪.291‬‬
‫ص)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(الش ُّح‪ :‬ال ُب ْخل َمع ح ْر ٍ‬
‫((( ويقول صاحب الصحاح ُ‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪/ 70‬ص‪.302‬‬
‫‪27‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫‪ -2‬وعنه‪« :‬خصلتان ال جتتمعان يف مؤمن‪ :‬البخل‪ ،‬وسوء الظن‬


‫بالرزق»(((‪.‬‬
‫«خلقان ال جيتمعان يف مؤمن‪ :‬الشح‪ ،‬وسوء اخللق»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬و عنه‪ُ :‬‬
‫ٌ‬
‫عزيز ال ينبغي له �أن يذل نف�سه‪.‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬امل�ؤمن‬
‫إن عزة املؤمن مستمدة من عزة اهلل تعاىل كام رصحت بذلك اآليات‬
‫الكريمة يف غري موضع كقوله تعاىلﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﱪالنساء‪139‬‬
‫وهنا تأكيد عىل أن العزة كلها هلل تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫وبعد ذل��ك يفرع فيجعلها لرسوله وللمؤمنني ﱫ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﱪاملنافقون‪.8/‬‬
‫ويف هذا املضامر نجد حديث ًا ملوالنا اإلمام الصادق‪ ‬يقف فيه‬
‫موقفا متشدد ًا جتاه إذالل املؤمن نفسه‪،‬مما يدل داللة واضحة عىل أن هذا‬
‫األمر من األمهية بمكان بحيث ال ينبغي التهاون فيه مطلق ًا فيقول‪:‬‬
‫«إن اهلل تبارك وتعاىل فوض إىل املؤمن كل يشء اّإل إذالل نفسه»‪.‬‬
‫(((‬

‫وملا سئل‪ ‬عن كيفية إذالل املؤمن نفسه‪ ،‬فقال‪« :‬يتعرض ملا‬
‫(((‬
‫ال يطيق فيذهلا»‪.‬‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪ / 77‬ص ‪.172‬‬
‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪ / 74‬ص ‪.173‬‬
‫((( الكايف ‪/‬ج‪/ 5‬ص‪63‬‬
‫((( مشكاة األنوار ‪/‬ص ‪245‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪28‬‬

‫ويف حديث آخر عنه‪ ‬قال‪« :‬ال ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه‪ ،‬قال‬
‫املفضل بن عمر‪ :‬قلت‪ :‬بام يذل نفسه ؟ قال‪ :‬يدخل فيام يعتذر منه»‬
‫(((‬

‫وهذا من أجىل مصاديق الذلة‪ ،‬فمن تبوأ مقعدا ليس له بأهل‪ ،‬أو‬
‫دعى بال دليل معتد به عند العقالء‪ ،‬أو سلك مسلك ًا أكرب من‬
‫إدعى ُم ً‬
‫طاقته وإمكانيته وقابليته أوقع نفسه يف مأزق هو يف غنى عنه و تعرض‬
‫للذلة عن طريق االستهزاء واالستخفاف والسخرية من اآلخرين‬
‫فرحم اهلل إمرأ عرف قدر نفسه ﱫ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﱪلبقرة‪.286‬‬
‫وحني يطالعنا احلديث النبوي الرشيف عن النبي األعظم‪:‬‬
‫«من أقر بالذل طائع ًا فليس منا أهل البيت» نستذكر مقولة سيد الشهداء‬
‫اإلمام احلسني‪ ‬يف كربالء إذ قال حني عبأ ابن سعد جيشه اجلرار‬
‫وأحاط به وبعسكره من كل جانب صدح‪ ‬بقولته التي غدت شعار ًا‬
‫لألحرار يف كل زمان ومكان‪« :‬أال إن الدعي ابن الدعي قد ركز بني‬
‫اثنتني بني السلة والذلة‪ ،‬وهيهات منا الذلة‪ ،‬أبى اهلل ذلك ورسوله‪،‬‬

‫((( ميزان احلكمة‪ /‬ج‪/ 2‬ص ‪215‬‬


‫‪29‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫وجدود طابت‪ ،‬وحجور طهرت‪ ،‬وأنوف محية‪ ،‬ونفوس أبية»‪.‬‬

‫فائدة‪� :‬أمور توجب الذل‪:‬‬


‫‪-1‬الطمع‪:‬قال اإلمام الباقر‪« :‬ال ذل كذل الطمع»‪.‬‬
‫‪-2‬كشف الرض‪:‬عن اإلمام أمري املؤمنني‪« :‬ريض بالذل من‬
‫كشف عن رضه»‪.‬‬
‫‪-3‬حب احلياة الدنيا‪ :‬عن اإلمام الصادق‪« :‬من أحب احلياة‬
‫ذل»‪.‬‬
‫‪-4‬ترك احلقوق‪ :‬عن اإلمام الصادق‪« :‬ترك احلقوق مذلة»‪.‬‬
‫‪-5‬االعتزاز بغري اهلل تعاىل و االبتعاد عن الدين‪ :‬قال اإلمام أمري‬
‫املؤمنني‪« :‬من اعتز بغري اهلل أهلكه العز»‪ .‬وعنه‪« :‬كل عز ال‬
‫يؤيده دين مذلة»‪.‬‬
‫‪-6‬الظلم‪ :‬عن اإلمام أمري املؤمنني‪ ‬حني شكى إليه أحدهم‬
‫ظلم جاره له وجوره عليه فقال‪ :‬اصرب عليه‪ .‬فقال الرجل‪ :‬ينسبني‬
‫الناس إىل الذل‪ ،‬فقال‪« :‬إنام الذليل من ظلم»‪.‬‬
‫‪-7‬إهانة الناس‪ :‬عن رسول اهلل‪ ‬قال‪« :‬أذل الناس من أهان‬
‫الناس»‪.‬‬
‫‪-8‬احلرص عىل الدنيا‪:‬عن اإلمام عيل‪ ‬حني ُسئل‪ :‬أي ذل أذل؟‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪30‬‬

‫فقال‪« :‬احلرص عىل الدنيا»‪.‬‬


‫(((‬

‫ثامن ًا‪:‬ال�صرب ر�أ�س الإميان‪.‬‬


‫الصرب من أجىل حماسن األخالق‪ ،‬وأبرز حمامد السجايا‪ ،‬حثت عىل‬
‫التحيل هبا آيات الكتاب املجيد‪ ،‬وتضافرت أحاديث العرتة الطاهرة يف‬
‫مدح املتحيل هبا بل إننا وجدنا يف بعضها اختزال اإليامن بصفة الصرب‬
‫–كام سيمر بنا–‪.‬‬
‫ويكفي أن اهلل تعاىل وعد بوقوفه مع الصابرين ﱫﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﱪالبقرة‪153‬‬
‫وقال تعاىل ﱫﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﱪالبقرة‪.177‬‬
‫ويكفي الصابرين فخرا بأن اهلل تعاىل حيبهم كام رصح القران الكريم‬
‫بذلك ﱫﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣﱪآل عمران‪.146‬‬
‫((( راجع املزيد يف هذا الباب‪ :‬ميزان احلكمة ‪/‬ج‪/ 2‬ص(‪)984 – 983‬‬
‫‪31‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫أما األحاديث الرشيفة يف هذا الباب فتفوق حد احلرص‪ ،‬ولكننا‬


‫سوف نستعرض عينة كريمة منها‪:‬‬
‫‪-1‬عن رسول اهلل‪ -‬ملا سئل عن اإليامن‪« : -‬الصرب»‬
‫(((‬

‫‪-2‬وعن اإلمام أمري املؤمنني‪« :‬الصرب أحسن خلل اإليامن‪،‬‬


‫وأرشف خاليق اإلنسان»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-3‬اإلمام الصادق‪« :‬املؤمن يطبع عىل الصرب عىل النوائب»‪.‬‬


‫(((‬

‫‪-4‬وعنه‪« :‬الصرب رأس اإليامن»‪.‬‬


‫(((‬

‫‪-5‬وعنه‪« :‬الصرب من اإليامن بمنزلة الرأس من اجلسد‪ ،‬فإذا‬


‫ذهب الرأس ذهب اجلسد‪ ،‬كذلك إذا ذهب الصرب ذهب اإليامن»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-6‬وعن اإلمام أمري املؤمنني‪« :‬أهيا الناس عليكم بالصرب‪ ،‬فإنه‬


‫ال دين ملن ال صرب له»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-7‬عن اإلمام الباقر‪« :‬لو يعلم املؤمن ما له يف املصائب من‬

‫((( مسكن الفؤاد‪.48 /‬‬


‫((( غرر احلكم‪.1893 /‬‬
‫((( مشكاة األنوار ‪/‬ص‪.23‬‬
‫(((‪ -‬الكايف‪ /‬ج‪/ 2‬ص‪. 90‬‬
‫((( الكايف‪ /‬ج‪/ 2‬ص‪.90‬‬
‫((( الكايف‪ /‬ج‪/ 2‬ص‪.90‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪32‬‬

‫األجر لتمني أن يقرض باملقاريض»‪.‬‬


‫(((‬

‫‪-8‬اإلمام عيل‪« :‬اإليامن عىل أربع دعائم شعب‪ :‬عىل الصرب‪،‬‬


‫واليقني‪ ،‬والعدل‪ ،‬واجلهاد‪ .‬والصرب منها عىل أربع شعب‪ :‬عىل الشوق‪،‬‬
‫والشفق‪ ،‬والزهد‪ ،‬والرتقب‪ :‬فمن اشتاق إىل اجلنة سال عن الشهوات‪،‬‬
‫ومن أشفق من النار اجتنب املحرمات‪ ،‬ومن زهد يف الدنيا استهان‬
‫باملصيبات‪ ،‬ومن ارتقب املوت سارع إىل اخلريات»(((‪.‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬امل�ؤمن م�ستقيم الل�سان‬


‫اللسان من أخطر جوارح اإلنسان حني ينحرف ويعوج‪ ،‬وباب‬
‫جير الويالت عىل صاحبه إذا مل يهُ ّذب و ُي ّ‬
‫قوم‪ ،‬وهو سالح ذو حدين‬
‫فبه تُنال سعادة الدارين حني يحُ سن استعامله‪ ،‬أما إذا حصل العكس –‬
‫والعياذ باهلل – فال ينال صاحبه إلاّ العار والشنار يف الدنيا ويف اآلخرة‬
‫عذاب أليم‪.‬‬
‫واللسان جارحة من اخلطورة بمكان يعم رشها الفرد واملجتمع‪،‬‬
‫ومن استقرأ أحداث املشاكل االجتامعية‪ ،‬واألزم��ات املعكِّرة لصفو‬
‫املجتمع‪ ،‬علم أن منشأها يف األغلب بوادر اللسان‪ ،‬وتبادل املهاترات‬
‫الباعثة عىل توتر العالئق االجتامعية‪ ،‬وإثارة الضغائن واألحقاد بني‬

‫((( بحار األنوار ‪/‬ج ‪/ 81‬ص ‪.210‬‬


‫((( هنج البالغة ‪/‬احلكمة ‪.31‬‬
‫‪33‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫أفراد املجتمع‪ .‬من أجل ذلك كان صون اللسان عن تلك القوارص‬
‫واملباذل‪ ،‬وتعويده عىل الكلم الطيب واحلديث ّ‬
‫املهذب النبيل‪ ،‬رضورة‬
‫حازمة يفرضها أدب الكالم وتقتضيها مصلحة الفرد واملجتمع‪.‬‬
‫فطيب احلديث‪ ،‬وحسن املقال‪ ،‬من سامت النبيل والكامل‪ ،‬ودواعي‬
‫(((‬
‫التقدير واالعزاز‪ ،‬وعوامل الظفر والنجاح‪.‬‬
‫لذا نجد تأكيد الرشيعة املقدسة عىل صيانة اللسان واستقامته بأشد‬
‫العبارات فها هو القران الكريم يقدم القول احلسن عىل إقامة الصالة‬
‫التي هي عمود الدين فقال تعاىل ﱫ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ‪...‬ﱪالبقرة‪83/‬‬
‫ويف وصية قرآنية أخ��رى نلحظ الوصية بالقول السديد تأيت‬
‫بعد الوصية بالتقوى مبارشة فيقول اهلل تعاىل‪ :‬ﱫﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂﱪالنساء‪ ،9 /‬وكذلك يف قوله عز وجل ﱫ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱪاألحزاب‪70/‬‬
‫ألجل ذلك كله وردت عن أهل البيت‪ ‬روايات رشيفة يف‬
‫احلث عىل صيانة اللسان وتنقيته من قبائح األلفاظ وتعويده عىل الطيب‬

‫((( ينظر‪ :‬أخالق أهل البيت‪/ ‬ص ‪.242‬‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪34‬‬

‫من القول ألن يف استقامته استقامة اإليامن‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬


‫‪ -1‬قال رسول اهلل‪« :‬ال يستقيم إيامن عبد حتى يستقيم قلبه‪،‬‬
‫وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -2‬وقال أمري املؤمنني‪« :‬ولقد قال رسول اهلل‪ :‬ال يستقيم‬


‫إيامن عبد حتى يستقيم قلبه‪ ،‬وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه فمن‬
‫استطاع منكم أن يلقى اهلل تعاىل وهو نقي الراحة من دماء املسلمني و‬
‫أمواهلم سليم اللسان من أعراضهم فليفعل»‬
‫(((‬

‫‪ -3‬وقال رسول اهلل‪« :‬إذا أصبح ابن آدم أصبحت األعضاء‬


‫كلها تستكفي اللسان‪ ،‬أي تقول‪:‬اتق اهلل فينا فإنك إن استقمت استقمنا‪،‬‬
‫(((‬
‫وإن اعوججت اعوججنا»‪.‬‬
‫ويف روايات رشيفة أخرى نجد أن أئمتنا‪ ‬قد وصفوا املؤمن‬
‫بأن لسانه خلف قلبه بمعنى أن كالمه خيرج منضبط ًا بضوابط الرشع‬
‫والعقل والعرف القويم وال يشذ عن ذلك أبدا وإال مل يعد مؤمن ًا يقول‬
‫موالنا أمري املؤمنني‪« :‬إن لسان املؤمن من وراء قلبه‪ ،‬وإن قلب‬
‫املنافق من وراء لسانه‪ ،‬ألن املؤمن إذا أراد أن يتكلم بكالم تدبره يف‬

‫((( ميزان احلكمة ‪/‬ج‪/ 4‬ص ‪.2777‬‬


‫((( هنج البالغة اخلطبة ‪.176‬‬
‫((( املحجة البيضاء‪ /‬ج‪/ 5‬ص‪.193‬‬
‫‪35‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫نفسه‪ ،‬فإن كان خريا أبداه وإن كان رشا واراه‪ ،‬وإن املنافق يتكلم بام أتى‬
‫(((‬
‫عىل لسانه ال يدري ماذا له وماذا عليه»‪.‬‬
‫وللسان حق عىل املرء يعرفنا عليه موالنا اإلمام زين العابدين‪‬‬
‫يف رسالته العظيمة رسالة احلقوق‪« :‬حق اللسان إكرامه عن اخلنا‪،‬‬
‫وتعويده اخلري‪ ،‬وترك الفضول التي ال فائدة هلا‪ ،‬والرب بالناس‪ ،‬وحسن‬
‫القول فيهم»‪.‬‬
‫(((‬

‫ويعد الفحش والسب والقذف من أخطر آفات اللسان‪ ،‬فالفحش‬


‫هو التعبري عماّ يقبح الترصيح به‪ ،‬وأما السب فهو الشتم‪ ،‬نحو «يا كلب‪،‬‬
‫يا خنزير‪ ،‬يا محار‪ ،‬يا خائن» وأمثاله من مصاديق االهانة والتحقري‪ .‬وأما‬
‫القذف‪ :‬نحو يا ابن الزانية‪ .‬وهذه اخلصال الثالث من أبشع مساوئ‬
‫ّ‬
‫وحذرت‬ ‫اللسان‪ ،‬وغوائله اخلطرية‪ ،‬التي استنكرها الرشع والعقل‪،‬‬
‫منها اآلثار والنصوص‪.‬‬
‫(((‬

‫واملالحظ يف جمتمعنا اليوم ولألسف الشديد االستخفاف بعظم‬


‫خطر هذه املفردات فرتاها تتسيد حوارات رشحية واسعة من جمتمعنا‬
‫دون استهجان أو استنكار بل األدهى أننا نرى البعض يربرها بأهنا عىل‬

‫(((‪ -‬هنج البالغة ‪ /‬اخلطبة ‪.176‬‬


‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪/ 71‬ص‪ ،286‬واخلنا‪ :‬الفاحش من القول‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬أخالق أهل البيت‪/‬ص ‪236‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪36‬‬

‫سبيل (املزاح !!) فليعلم أولئك بأن من ت َُسول له نفسه استساغة هذه‬
‫املفردات القذرة قد جانب سبيل املؤمنني وابتعد عن طريق الصاحلني‬
‫وعىص رب العاملني وخالف هنج أهل البيت ‪.‬‬

‫عا�شر ًا‪ :‬امل�ؤمن َجدٌ ال يلهو‬


‫يقول صاحب جممع البحرين يف مادة (ل ه و)‪:‬‬
‫قال الشيخ الطرحيي يف جممع البحرين‪« :‬قوله تعاىلﱫﭥ‬
‫ﭦﱪأي ساهية مشغولة بالباطل عن احلق وتذكره قوله تعاىل‬
‫ﱫﭴﭵﱪ أي باطله وما ُيلهي عن ذكر اهلل قيل‪:‬واإلضافة‬
‫بمعنى «من» ألن اللهو يكون من احلديث وغريه‪ .‬قوله تعاىل ﱫﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﱪقيل الولد وقيل املرأة قوله تعاىل ﱫﮋ ﮌﱪ‬
‫أي أشغلكم التفاخر والتباهي يف كثرة املال عن اآلخرة‪.‬‬
‫قوله تعاىل ﱫﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﱪ أي ال تشغلهم‬
‫قوله تعاىل ﱫﭷ ﭸ ﭹﱪ أي نتشاغل وتتغافل‪ ،‬حمذوف منه إحدى‬
‫(((‬
‫التائني من قوهلم «تلهيت عن اليشء» و «هليت عنه وتركته»‬
‫ويقول ابن منظور يف لسان العرب‪« :‬ال َّل ْهو ما لهَ َ ْوت به و َل ِع ْب َت به‬
‫رب ونحومها ويف احلديث ليس يشء من ال َّل ْه ِو‬ ‫وش َغ َلك من هوى و َط ٍ‬
‫كل واحدة منها إِذا َتأملتها‬
‫َإالَّ يف ثالث َأي ليس منه مباح إِالَّ هذه ألَ َّن َّ‬
‫((( جممع البحرين ‪ /‬ج‪ / 4‬ص ‪140‬‬
‫‪37‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫وجدهتا ُم ِعينة عىل َحق َأو َذ ِريعة إِليه وال َّل ْه ُو ال َّل ِعب يقال هل َ ْو ُت باليشء‬
‫بت به وتَشا َغ ْلت و َغ َف ْل َت به عن غريه ولهَ ِ ُ‬
‫يت‬ ‫َأهلُو به لهَ ْو ًا و َت َل َّه ْي ُت به إِذا َل ِع َ‬
‫ْت ذكره‬ ‫عن اليشء بالكرس َألهْ َى بالفتح لهُ ِ ّي ًا ولهِ ْيان ًا إِذا َس َل ْو َت عنه وت ََرك َ‬
‫وإِذا غفلت عنه واشتغلت وقوله تعاىل ﱫ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﱪقيل‬
‫كل ما ُت ُل ِّه َي به لهَ ا َي ْل ُهو لهَ ْو ًا وا ْلتَهى و َأهلاه‪..‬‬‫اللهو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ال َّل ْه ُو ال ِّط ْبل وقيل‬
‫َالهى بذلك واألُلهْ ُ َّو ُة واألُلهْ ِ َّي ُة وال َّت ْل ِهية ما‬
‫آالت ال َّل ْهو وقد ت َ‬ ‫ُ‬ ‫وا َمل ِ‬
‫الهي‬
‫َالهى به ويقال بينهم ُألهْ ِ َّي ٌة كام يقال ُأ ْح ِج َّي ٌة وتقديرها ُأ ْف ُعول ٌة وال َّت ْل ِه َي ُة‬ ‫ت َ‬
‫حديث ُي َت َل َّهى به»(((‪.‬‬
‫اللهو واملالهي ميزة عرصنا احل��ارض‪ ،‬وسمة جمتمعاتنا العربية‬
‫خاصة والرشقية عامة‪ ،‬فنرى رشحية واسعة من شبابنا وكهولنا ال هم‬
‫هلم يف قضاء أوقات الفراغ ‪ -‬وما أكثرها يف جمتمعاتنا االستهالكية غري‬
‫املنتجة – إلاّ يف قتلها باللهو واللعب و سفاسف األمور التي ال تغني‬
‫وال تسمن من جوع‪ .‬وكأن اهلل تعاىل مل ينهنا عن اتباع اللهو يف آيات‬
‫كثرية من كتابه املجيد كقوله تعاىلﱫ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪاألنعام‪.70/‬‬
‫وكقوله عز وجل ﱫﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪاجلمعة‪11/‬‬

‫((( لسان العرب ج‪ 15‬مادة (هلو)‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪38‬‬

‫أما الروايات الرشيفة فقد تضافرت يف ذم استفراغ الوسع يف اللهو‬


‫و الالهني‪ ،‬وأن املؤمن ال يلهو وأن ال يقرتب من جمالس اللهو‪:‬‬
‫‪ -1‬ق��ال أم�ير املؤمنني‪« :‬اللهو ي ِ‬
‫سخط ال��رمح��ن‪ ،‬و ُي��ريض‬ ‫ُ‬
‫الشيطان‪ ،‬و ُينيس القرآن»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وعنه‪« :‬جمالسة أه��ل اللهو ُي��ن�سي ال��ق��رآن‪ ،‬ويحُ �ضر‬
‫(((‬
‫الشيطان»‪.‬‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬املؤمن يعاف اللهو‪ ،‬ويألف اجلد»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -4‬وعنه‪ ‬يف صفة املؤمن‪« :‬مشغول وقته»(((‪ ،‬بمعنى ال وقت‬


‫له للهو واللعب وهدر وقته بام ال طائل يرجتى منه‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن اإلمام احلسن‪« :‬املؤمن ال يلهو حتى يغفل‪ ،‬فإذا تفكر‬
‫حزن»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -6‬وعن اإلمام الصادق‪ :‬فيمن طلب الصيد الهيا ‪« :-‬وإن‬


‫املؤمن لفي شغل عن ذلك‪ ،‬شغله طلب اآلخرة عن املالهي ‪ -‬إىل أن‬
‫قال‪ -:‬وإن املؤمن عن مجيع ذلك لفي شغل‪ ،‬ماله وللمالهي؟! فإن‬

‫((( البحار ج ‪ 78‬ص ‪.9‬‬


‫((( م‪.‬ن ‪.‬‬
‫((( غرر احلكم ‪.1502‬‬
‫((( هنج البالغة احلكمة ‪. 333‬‬
‫((( تنبيه اخلواطر ج‪ 1‬ص ‪. 52‬‬
‫‪39‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫املالهي تورث قساوة القلب وتورث النفاق»‪.‬‬


‫(((‬

‫‪ -7‬وعنه‪ - ‬ملا سأله صفوان اجلامل عن صاحب هذا األمر‪:-‬‬


‫«صاحب هذا األمر ال يلهو وال يلعب‪ ،‬وأقبل أبو احلسن وهو صغري‬
‫ومعه هبمة عناق مكية ويقول هلا‪ :‬اسجدي لربك‪ ،‬فأخذه أبو عبد‬
‫اهلل‪ ‬وضمه إليه وقال‪:‬بأيب أنت وأمي من ال يلهو وال يلعب»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -8‬وعن اإلمام أمري املؤمنني‪« :‬عجب ًا إلبن النابغة! يزعم ألهل‬


‫الشام أن َّيف دعابة‪ ،‬وأين امرؤ تلعابة‪ُ ،‬أعافس ُ‬
‫وأمارس! لقد قال باطالً‪،‬‬
‫ونطق آث ًام‪ ..‬أما واهلل إنه ليمنعني من اللعب ذكر املوت‪ ،‬وإنه ليمنعه من‬
‫(((‬
‫قول احلق نسيان اآلخرة»‪.‬‬

‫فائدة‪:‬‬
‫ويف مقابل هذه الروايات الرشيفة نجد روايات أخرى تتحدث‬
‫عن أن��واع من اللهو تليق باملؤمنني ممارستها وال تعد من املالهي‬
‫املذمومة وهي ناظرة لثمرات إجيابية عىل صعيد الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومفيدة‬
‫عىل صعيد الفرد واملجتمع وال شك فهي ممدوحة مرغوب فيها رشع ًا‬
‫وعقالً‪ ،‬ومن تلكم الروايات‪:‬‬

‫((( مستدرك الوسائل ج‪ 13‬ص ‪.216‬‬


‫((( البحار ج ‪ 48‬ص ‪.19‬‬
‫((( هنج البالغة اخلطبة ‪.84‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪-1‬عن رسول اهلل‪« :‬كل هلو املؤمن باطل اّإل يف ثالث‪ :‬يف تأديبه‬
‫الفرس‪ ،‬ورميه عن قوسه‪ ،‬ومالعبته امرأته‪ ،‬فإهنن حق»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-2‬و عنه‪« :‬خري هلو املؤمن السباحة‪ ،‬وخري هلو املرأة املغزل»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-3‬و عنه‪« :‬كل يشء ليس من ذكر اهلل هلو ولعب‪ ،‬اّإل أن يكون‬
‫أربعة‪ :‬مالعبة الرجل امرأته‪ ،‬وتأديب الرجل فرسه‪ ،‬وميش الرجل بني‬
‫الغرضني‪ ،‬وتعليم الرجل السباحة»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-4‬وع��ن اإلم��ام الباقر‪« :‬هلو املؤمن يف ثالثة أشياء‪ :‬التمتع‬


‫(((‬
‫بالنساء‪ ،‬ومفاكهة اإلخوان‪ ،‬والصالة بالليل»‪.‬‬

‫احلادي ع�شر‪ :‬امل�ؤمن غريزته الن�صح‬


‫النصح خلق كريم‪ ،‬وسجية نبيلة‪ ،‬امتاز هبا كرام اخللق عىل لئامهم‪،‬‬
‫فهي تدل عىل سمو نفس الناصح‪ ،‬وطهارة ذاته‪ ،‬ونقاء رسيرته‪ .‬بل‬
‫إن الرسول الكريم‪ ‬اختزل الدين كله بالنصيحة فقال‪( :‬الدين‬
‫النصيحة) وهي بعد ذلك مما دأب أنبياء اهلل تعاىل عليه مع أقوامهم‪،‬فهذا‬
‫القران الكريم حيدثنا عن نبي اهلل صالح‪ ‬كيف خاطب قومه بقوله‪:‬‬

‫((( الكايف ‪/‬ج‪/ 5‬ص ‪.50‬‬


‫((( ميزان احلكمة ‪/‬ج ‪/ 4‬ص ‪.2804‬‬
‫((( ميزان احلكمة ‪ /‬ج ‪/ 4‬ص ‪2804‬‬
‫(((‪ -‬بحار األنوار ‪ /‬ج‪/ 76‬ص ‪59‬‬
‫‪41‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن‬

‫ﱫﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﱪاألعراف‪79/‬‬
‫وحيدثنا أيضا عن نصيحة مؤمن آل فرعون ملوسى الكليم‪ ‬إذ‬
‫قال‪ :‬ﱫ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﱪالقصص‪20/‬‬
‫والنصح من صفات املؤمن احل ّقة بل هي غريزة من غرائزه املتأصلة‬
‫التي ال حييد عنها كام جاءت به الروايات‪:‬‬
‫‪-1‬قال أمري املؤمنني‪« :‬املؤمن غريزته النصح»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪-2‬وعنه‪« :‬النصيحة من أخالق الكرام»‪.‬‬


‫(((‬

‫‪ -3‬وعن اإلمام الصادق‪« :‬جيب للمؤمن عىل املؤمن النصيحة‬


‫له يف املشهد واملغيب»‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -4‬وعنه‪« :‬عليكم بالنصح هلل يف خلقه‪ ،‬فلن تلقاه بعمل أفضل‬


‫(((‬
‫منه»‪.‬‬
‫بل إن أعظم الناس منزلة يوم القيامة هم الناصحون كام رصح‬
‫بذلك نبينا األعظم‪ ‬بقوله‪« :‬إن أعظم الناس منزلة يوم القيامة‬
‫((( مستدرك الوسائل ‪/‬ج ‪/ 12‬ص ‪.430‬‬
‫((( غرر احلكم‪ /‬احلكمة ‪.1298‬‬
‫((( الكايف ج‪ 2‬ص ‪.208‬‬
‫((( الكايف ج ‪ 2‬ص ‪.208‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪42‬‬

‫أمشاهم يف أرضه بالنصيحة خللقه»(((‪.‬‬


‫ولنختم هذه الفقرة بام ذكره موالنا اإلمام زين العابدين‪ ‬من‬
‫حق الناصح واملستنصح‪«:‬اإلمام زين العابدين‪ :‬حق املستنصح أن‬
‫تؤدي إليه النصيحة‪ ،‬وليكن مذهبك الرمحة له والرفق به‪ ،‬وحق الناصح‬
‫أن تلني له جناحك وتصغي إليه بسمعك‪ ،‬فإن أتى الصواب محدت اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬وإن مل يوافق رمحته‪ ،‬ومل تتهمه وعلمت أنه أخطأ‪ ،‬ومل تؤاخذه‬
‫بذلك اّإل أن يكون مستحق ًا للتهمة فال تعبأ بيشء من أمره عىل حال»‪.‬‬
‫(((‬

‫((( م‪.‬ن ‪.‬‬


‫((( اخلصال ص ‪.570‬‬
‫عالمات المؤمن الحقيقي‬

‫وكام يوجد للمؤمنني صفات يتح َّلون هبا كذلك توجد عالمات‬
‫ُيعرفون هبا ومت ّيزهم عن غريهم‪ ،‬وهذه العالمات كثرية نشري هنا إىل‬
‫بعضها‪:‬‬

‫* الرفق عالمة امل�ؤمن‪:‬‬


‫ورفِ َق ل َط َ‬
‫ف»(((‪ ،‬والرفق خلق‬ ‫«الر ْفق ضد العنْف‪َ ..‬‬
‫قال ابن منظور ِّ‬
‫كريم‪ ،‬وسجية إنسانية نبيلة‪ ،‬وملا كان اإلسالم دين الرمحة والتسامح‬
‫واللطف ّ‬
‫حث عىل رضورة أن يتخلق املؤمن هبذا اخللق العظيم‪،‬‬
‫وهنا ثالثة أحاديث عجيبة يف التأكيد عىل أمهية هذه اخلصلة احلميدة‬
‫وعالقتها باإليامن – وهو حمل البحث ‪.-‬‬
‫‪ -1‬فعن أمري املؤمنني‪« :‬لكل دين خلق وخلق اإليامن الرفق»‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن اإلمام الباقر‪« :‬من قسم له الرفق قسم له اإليامن»‪.‬‬
‫‪ -3‬وعنه‪« :‬إن لكل يشء قف ً‬
‫ال وقفل اإليامن الرفق»‪.‬‬
‫(((‬

‫((( لسان العرب ‪ /‬مادة (رفق)‬


‫((( ميزان احلكمة ‪ /‬ج‪/ 2‬ص‪1532‬‬

‫‪43‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪44‬‬

‫وهنا نجد أن أمري املؤمنني‪ ‬اختزل خلق اإليامن بـ (الرفق) ويف‬


‫حديث اإلمام الباقر‪ ‬بيان واضح بأن من ُو ّفق للرفق ُو ّفق لإليامن‬
‫فاملدخل لإليامن الكامل هو الرفق أو قل بأن مفتاح بلوغ اإليامن‬
‫احلقيقي هو (الرفق) كام بينه اإلمام الصادق‪ ‬يف احلديث الثالث‬
‫«قفل اإليامن الرفق»‪.‬‬
‫واحلق أنني مل استطع أن أمر عىل هذه اخلصلة اإليامنية الرفيعة‬
‫مرور الكرام‪ ،‬حيث أن هذه األسطر تُكتب يف أجواء يعاين فيها املؤمنون‬
‫يف شتّى أصقاع املعمورة من هجمة رشسة تقودها قوى الكفر العاملية‬
‫عىل أيدي الفرق التكفريية التي ألبست نفسها جلباب اإلسالم زور ًا‬
‫وهبتان ًا‪ ،‬فقتلت وعاثت يف األرض فساد ًا وتدمري ًا‪ ،‬حتى غدت مفردة‬
‫(اإلس�لام) ولألسف الشديد أهنا تُ��رادف عند الكثري من الشعوب‬
‫املتحرضة (اإلرهاب‪ ،‬القسوة‪ ،‬الغلظة‪ ،‬الشدّ ة‪ ،‬العنف‪ ،‬القتل‪ ،‬الترشيد‪،‬‬
‫اجلهل‪ ،‬التخلف)‪.‬‬
‫أين هؤالء املتأسلمون اجلدد من الرفق واللني والتسامح واللطف‬
‫و طيبة القلب واحرتام اآلخرين وحرمة الدماء واألعراض واألموال‬
‫والكثري من مفاهيم النبل اإلنسانية التي دعا إليها الدين املحمدي‬
‫األصيل؟!‬
‫واليوم ال نلمس من هؤالء إلاّ شيوع لغة التكفري واإلستهانة‬
‫‪45‬‬ ‫عالمات امل�ؤمن احلقيقية‬

‫بكرامة اإلنسان هذا املخلوق العظيم الذي جعله اهلل تعاىل خليفة له‬
‫يف أرضه وفضله عىل كثري من خلقه ﱫ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬
‫ﮟﱪاإلرساء‪ 70/‬نجد يف واقعنا املزري اليوم أناس يكربون اهلل‬
‫تعاىل وهم حيملون سيوف ًا يقطعون فيها رؤوس األبرياء الذين يشهدون‬
‫أن ال إله إلاّ اهلل وأن حممد ًا رسول اهلل وحيجون البيت‪ .‬بل تعدى األمر‬
‫إىل أن يقف أحدهم مكرب ًا وهو يقتلع قلب مسلم ميت ويأكله أمام‬
‫الكامريات‪ .‬يف مشهد مقزز تنفر منه الطباع السليمة والفطرة القويمة‪.‬‬
‫نعم تُكتب هذه األسطر يف وقت تتعاىل فيه األصوات التكفريية‬
‫الظالمية منادية بوجوب اجلهاد ضد املسلمني من أتباع أهل البيت‪.‬‬

‫* الوجه املنب�سط‪ ،‬والل�سان اللطيف‪ ،‬واليد املعطية‪.‬‬


‫ولنقف عند هذه الصفات متأملني فيها‪ ،‬فأول ما نلحظ كوهنا‬
‫مجعت بني ثالث خصال ظاهرية (الوجه املنبسط‪ ،‬واللسان اللطيف‪،‬‬
‫واليد املعطية) تصحبها واحدة باطنية وهي (القلب الرحيم)‪.‬‬
‫قال النبي‪« :‬إن للمؤمن أربع عالمات‪ :‬وجه ًا منبسط ًا‪ ،‬ولسان ًا‬
‫(((‬
‫لطيف ًا‪ ،‬وقلب ًا رحي َام‪ ،‬ويد ًا معطية»‪.‬‬
‫واملعلوم أن ظاهر الفرد هو انعكاس لدواخله‪ ،‬فهناك تالزم وثيق‬
‫((( أعالم الدين يف صفات املؤمنني ص‪.122‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪46‬‬

‫بني الباطن والظاهر‪ ،‬فإذا كان الظاهر صاحل ًا كان ذلك داالً عىل صالح‬
‫الباطن والعكس صحيح‪.‬‬
‫نعم خيرج من هذه القاعدة املنافق فهو من أظهر الصالح وأبطن‬
‫الفساد‪.‬‬
‫وقد اختلف علامء اللغة يف أصل النفاق‪ ،‬فقيل‪ :‬إن ذلك نسبة إىل‬
‫النفق‪ ،‬وهو‪ ‬الرسب يف األرض؛ ألن املنافق يسرت كفره و ُيغ ِّي ُبه‪ ،‬فتش ّبه‬
‫بالذي يدخل النفق يسترت فيه‪ .‬قال تعاىل ﱫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱪالبقرة ‪.8 /‬‬
‫وبالعودة إىل احلديث الرشيف حمل البحث‪،‬نستنتج – واهلل العامل‬
‫– إن احلبيب املصطفى‪ ‬أراد أن يبني حقيقة مهمة مفادها أن صالح‬
‫القلب وامتالءه بالرمحة عند املؤمن ُيثمر أخالق ًا وصفات حسنة ممدوحة‬
‫حمببة عند اخلالق واملخلوق ومن أجىل مصاديقها (الوجه املنبسط‪،‬‬
‫واللسان اللطيف‪ ،‬واليد املعطية)‪.‬‬
‫�أ‪-‬الوجه املنب�سط‪:‬‬
‫الدين اإلسالمي دين املودة والرمحة واملحبة والتسامح وال ّلني قال‬
‫تعاىل ﱫﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪآل عمران‪ 159/‬واألدلة عىل ذلك تفوق حد‬
‫‪47‬‬ ‫عالمات امل�ؤمن احلقيقية‬

‫احلرص من آيات الكتاب املجيد والروايات الرشيفة‪ ،‬ومن مصاديق‬


‫ذلك ّ‬
‫حث الشارع املقدس عىل طالقة الوجه وبشاشة املحيا‪ ،‬و تضافرت‬
‫ّ‬
‫احلث عىل هذا األمر ونكتفي بذكر ع ّينة‬ ‫أحاديث أهل البيت‪ ‬يف‬
‫ط ّيبة منها والتي أوردها العالمة املجليس يف بحار األنوار‪:‬‬
‫‪ -1‬عن احلسن بن احلسني قال‪ :‬سمعت أبا عبد اهلل‪ ‬يقول‪:‬‬
‫قال رسول اهلل‪ :‬يا بني عبد املطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم‬
‫فالقوهم بطالقة الوجه وحسن البرش‪.‬‬
‫«وسعه اليشء َي ِسعه ِس َعة‬
‫قال العالمة املجليس يف بيان احلديث‪ِ :‬‬

‫ووسع بالضم وساعة فهو وسيع‪ ،‬والوسع والسعة اجلدة‬


‫فهو واسع‪ُ ،‬‬
‫والطاقة‪ ،‬ومنه احلديث‪ :‬إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم‬
‫فوسعوا أخالقكم لصحبتهم‬
‫بأخالقكم أي ال تتسع أموالكم لعطائهم‪ّ ،‬‬
‫وقال‪ :‬فيه‪ :‬أن تلقاه بوجه طلق‪ ،‬يقال‪ :‬طلق الرجل بالضم يطلق طالقه‬
‫فهو طلق وطليق أي منبسط الوجه‪ ،‬متهلله‪ ،‬ويف القاموس هو طلق‬
‫الوجه مثلثة وككتف وأمري ضاحكة مرشقة‪ ،‬والبشرِ بالكرس طالقة‬
‫الوجه وبشاشته‪ ،‬وقيل حسن البرش تنبيه عىل أن زيادة البرش وكثرة‬
‫الضحك مذمومة‪ ،‬بل املمدوح الوسط من ذلك‪ .‬وأقول‪-‬والكالم‬
‫للمجليس‪ :-‬حيتمل أن يكون للمبالغة يف ذلك أو يكون إشارة إىل أن‬
‫البرش إنام يكون حسنا إذا كان عن صفاء الطوية واملحبة القلبية‪ ،‬ال ما‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪48‬‬

‫يكن عىل وجه اخلداع واحليلة‪»..‬‬


‫(((‬

‫‪ -2‬عن أيب عبد اهلل‪ ‬قال‪« :‬ثالث من أتى اهلل بواحدة منهن‬
‫أوجب اهلل له اجلنة‪ :‬اإلنفاق من إقتار‪ ،‬والبرش بجميع العامل‪ ،‬واإلنصاف‬
‫من نفسه»‪.‬‬
‫قال العالمة املجليس يف بيان احلديث‪« :‬والبرش بجميع العامل»‬
‫هذا إما عىل عمومه‪ ،‬بأن يكون البرش للمؤمنني اليامهنم وحبه هلم‪،‬‬
‫وللمنافقني والفساق تقية منهم ومداراة هلم كام قيل‪ :‬دارهم مادمت يف‬
‫دارهم‪ ،‬وارضهم ما كنت يف أرضهم‪ ،‬أو خمصوص باملؤمنني كام يعرش‬
‫به اخلرب االيت وعىل التقدير البد من ختصيصه بغري الفساق الذين يعلم‬
‫من حاهلم أهنم يرتكون املعصية إذا لقيتهم بوجه مكفهر‪ ،‬وال يرتكوهنا‬
‫بغري ذلك‪ ،‬وال يترضر منهم يف ذلك فان ذلك أحد مراتب النهي عن‬
‫املنكر الواجب عىل املؤمنني‪.‬‬
‫‪ -3‬عن أيب بصري‪ ،‬عن أيب جعفر‪ ‬قال‪ :‬أتى رسول اهلل‪ ‬رجل‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل أوصني فكان فيام أوصاه أن قال‪:‬إلق أخاك بوجه‬
‫منبسط‪.‬‬
‫قال العالمة املجليس يف بيان احلديث‪« :‬التخصيص باألخ لشدة‬

‫((( البحار ج ‪ 71‬ص ‪.172- 170‬‬


‫‪49‬‬ ‫عالمات امل�ؤمن احلقيقية‬
‫(((‬
‫االهتامم‪ ،‬أو املراد به انبساط الوجه‪ ،‬مع حب القلب»‪.‬‬
‫وتراثنا العريب واإلسالمي هو اآلخ��ر ميلء كذلك بالشواهد‬
‫احلكمية واألمثال واألشعار التي متدح هذه اخلصلة الطيبة سئل‬
‫اشة‪ ،‬وأما يف ِ‬
‫العشرْ ة‬ ‫أعرايب عن الكرم‪ ،‬فقال‪ :‬أما الكرم يف ال ِّلقاء فال َب َش َ‬
‫فالسامحة‪ ،‬وأ َّما يف األفعال فالنَّصاحة‪ ،‬وأما‬ ‫فاهل َ َش َ‬
‫اشة‪ ،‬وأ َّما يف األخالق َّ‬
‫يف الغنى فاملشاركة‪ ،‬وأما يف الفقر فاملواساة‪ -.‬قيل ال َب َش َ‬
‫اشة يف الوجه‬
‫ضمن‬ ‫ِ‬
‫خري من الق َرى‪ ،‬قالوا فكيف بمن يأيت هبا وهو ضاحك‪ ،‬وقد َّ‬
‫الشيخ شمس الدِّ ين البديوي هذا الكالم بأبيات‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ال منك قاصد ًا‬‫إذا امل��رء واىف منز ً‬

‫ِق َ‬
‫���راك وأر َم��ـ�� ْت ُ��ه لديك املسالك‬
‫ف��ك��ن ب��اس�ما يف وج��ه��ه مته ِّل ً‬
‫ال‬
‫وق��ل مرحب ًا أه ً‬
‫�لا وي��وم مبارك‬
‫وق��دِّ م له ما تستطيع من ِ‬
‫الق َرى‬
‫عجو ً‬
‫ال وال تبخل بام هو هالك‬
‫ف��ق��د ق��ي��ل ب��ي��ت س��ال��ف متقدِّ م‬
‫ت���داول���ه زي���د وع��م��رو وم��ال��ك‬

‫(((‪ -‬البحار ج‪ 71‬ص ‪ 170‬وما بعدها‪.‬‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪50‬‬
‫اشة وجه املرء خري من ِ‬
‫الق َرى‬ ‫َب َش َ‬
‫فكيف بمن يأيت به وهو ضاحك‬
‫ب‪-‬الل�سان اللطيف‪:‬‬
‫وه��ذه عالمة أخ��رى م��ن ع�لام��ات امل��ؤم��ن ك�ما ب ّينها احلبيب‬
‫املصطفى‪ ‬واللطف يف معاجم اللغة يعني (الرفق) ومن هنا فرسوا‬
‫اسمه تعاىل (اللطيف) بأنه الرفيق بعباده سبحانه وتعاىل‪ .‬والذي يناسب‬
‫عبارة النبي األعظم‪ ‬مورد البحث – واهلل ورسوله أعلم – هو الطيب‬
‫من الكالم أو قل الكالم املهذب البعيد عن آفات اللسان التي مر ذكرها‬
‫من فحش وسباب وقذف وخنا وبذاءة‪.‬‬
‫والتلطف باب مجيل أشبعه علامء األخالق واللغة بحث ًا وتنقيب ًا‪ ،‬وقد‬
‫ُذكري يف النقطة التاسعة من صفات املؤمن وهي استقامة اللسان بام يغني‬
‫عن ذكر اجلانب األخالقي يف اللسان اللطيف‪ ،‬أما يف جانب اللغة فعلم‬
‫ستعمل التلميح‬
‫البالغة كفيل بيان ذلك وعىل وجه اخلصوص حني ُي َ‬
‫بدل الترصيح يف موارد معينة وذلك حتقيقا لغايات أخالقية وأدبية مثل‬
‫أدب‬
‫التأدب واالحتشام ومن أمثلته ما يتعلق بعالقة الرجل باملرأة وهذا ٌ‬
‫رائع‪،‬حيث نجد أن القرآن الكريم مل يرصح بتلك اخلصوصية يف‬
‫قرآين ٌ‬
‫ٌ‬
‫كل املوارد التي تناوهلا كقوله تعاىل ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ‬
‫‪51‬‬ ‫عالمات امل�ؤمن احلقيقية‬

‫ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﱪالبقرة‪ 187‬الحظ‬


‫مفرديت (الرفث) و(بارشوهن)‪.‬‬
‫وكقوله تعاىل ﱫﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﱪالبقرة‪ 222‬الحظ مفرديت‬
‫(تقربوهن) و(فأتوهن)‪.‬‬
‫يقول الدكتور عمر َفروخ‪« :‬وكان قد لفت نظري ورود جمُ ٍ‬
‫لة يف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫تبلغ مائة كلمةٍ‬
‫للثعالبي هي‪« :‬لعل أسام َء النكاح ُ‬ ‫كتاب ((فقه اللغة))‬
‫ِّ‬
‫ْني» وكنت يف أثناء قراءآيت‬ ‫ِ‬ ‫عن ِ‬
‫وبعضها َمك ٌ‬
‫ُ‬ ‫أصيل‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫بعضها‬‫األئمة ُ‬ ‫ثقات‬
‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫املتكررة للقاموس املحيط للفريوز آب��ادي‪ ،‬أستغرب كثرة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب من‬‫اجلنسية‪ ،‬حتى ُخ ِّيل إ ّىل أنَّه ال ختلو ماد ٌة من مواد املعجم العر ّ‬
‫ِ‬
‫اجلانب من حياة البرش‬ ‫حال لذلك‬ ‫فعل أو ٍ‬
‫دال عىل اس ٍم أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لفظ جنيس ٍ‬
‫ّ‬
‫وعددت أنا األلفاظ املتعلق َة هبذا‬
‫ُ‬ ‫وحياة احليوان‪ ،‬ثم يستطرد قائالً‪:‬‬
‫ألف ومائتني‪ ...‬وحاولت تعلي ً‬
‫ال‬ ‫القاموس فوجدتهُ ا تزيدُ عىل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املدرك يف‬
‫هلذه الكثرة‪ ..‬فبان يل أن جانب ًا كبري ًا منها من باب الكناية‪ ...‬حيث كان‬
‫اللفظ َّ‬
‫ودل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بلفظ‪ ...‬فإذا اشتهر هذا‬ ‫اجلنيس‬ ‫يب َيكْنى به عن املدرك‬
‫ّ‬ ‫العر ُّ‬
‫االستمرار يف استعاملِه‬
‫ِ‬ ‫عىل ما كان ُيكْنى عنه رصاح ًة استحيا العر ُّ‬
‫يب من‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪52‬‬
‫ٍ‬
‫غامضة»‪.‬‬
‫(((‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫فانتقل إىل ٍ‬
‫كناية‬ ‫َ‬
‫ومن تلك الغايات التي يلتجأ إىل التل ّطف يف الكالم من أجلها‬
‫(التفاؤل والتشاؤم) فهناك مسميات تنفر منها الطباع مرتكزة يف أذهان‬
‫عامة الناس تدعو إىل التشاؤم واخلوف واهللع‪ ،‬وهنا ينبغي للمؤمن أن‬
‫ِ‬
‫مسميات‬ ‫يتلطف يف لفظها مراعاة للذوق العام ولعل هذا يفرس لنا تعد َد‬
‫ِ‬
‫الداهية التي قال عنها محزة‬ ‫ِ‬
‫العربية كلفظ‬ ‫ِ‬
‫املرتادفة يف‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫(((‬
‫أسامء الدواهي من إحدى الدواهي»‪.‬‬‫ِ‬ ‫تكاثر‬ ‫األصفهاين‪َّ :‬‬
‫«إن‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫جـ‪ -‬اليد املعطية‪:‬‬
‫وه��ذه العالمة الثالثة من عالمات الظاهر وإن كان تسلسلها‬
‫يف احلديث رابع ًا لكوننا قسمنا هذه العالمات إىل عالمات الباطن‬
‫وعالمات الظاهر حيث أن سمة رمحة القلب التي ذكرها احلديث‬
‫الرشيف باطنية وإن كانت أثارها ظاهرية‪.‬‬
‫اليد املعطية تعني الكرم وهي صفة من صفات الكرام كام أن البخل‬
‫والشح من صفات اللئام‪ ،‬وقد مر بنا البحث عن البخل والشح وفصلنا‬
‫القول فيهام عىل ضوء الكتاب واألحاديث الرشيفة‪.‬‬
‫((( عبقرية اللغة ص ‪57‬‬
‫((( التنبيه عىل حدوث التصحيف‪ ،‬محزة بن احلسن األصفهاين (ت‪)#370‬‬
‫حتقيق الشيخ حممد حسن آل ياسني الطبعة األوىل‪ ،‬مطبعة املعارف‪ ،‬بغداد‬
‫‪1387‬هـ‪1967/‬م ص ‪132‬‬
‫َم ُ‬
‫ثل المؤمن‬

‫وردت روايات رشيفة م ّث ْ‬


‫لت املؤمن بأمثال وأشباه غاية يف الروعة‬
‫يستحق كل مثل منها الوقوف عنده ملي ًا والتمعن فيه الستخراج‬
‫الروائع احلكمية والبالغية واألخالقية‪ ،‬ملا هلا من آثار إجيابية عىل الفرد‬
‫واملجتمع‪.‬‬
‫وقبل التجول يف رياض آل حممد (صلوات اهلل عليهم) الغناء‬
‫ينبغي الوقوف عىل املعنى اللغوي ملفردة ( َمثل) يف املعاجم حتى تتجىل‬
‫صور التشبيه والتمثيل الواردة يف األحاديث الرشيفة‪.‬‬
‫قال يف لسان العرب‪:‬‬
‫«(مثل) ِمثل كلم ُة ت َْس ِو َي ٍة يقال هذا ِم ْثله و َم َثله كام يقال ِش ْبهه‬
‫وش َب ُهه بمعنى قال ابن بري‪:‬الفرق بني ا ُملام َثلة وا ُملساواة َأن ا ُملساواة‬ ‫َ‬
‫اجلنْس واملتَّفقني ألَن الت ِ‬
‫َّساوي هو التكا ُف ُؤ يف‬ ‫ِ‬
‫املختلفني يف ِ‬ ‫تكون بني‬
‫املِ ْقدار ال يزيد وال ين ُقص و َأما ا ُملام َثلة فال تكون إِلاّ يف املتفقني تقول‬
‫كطعمه فإِذا قيل هو‬‫ِ‬ ‫وطعمه‬ ‫كفقهه ولونُه كلونِه‬‫ِ‬ ‫وفقهه‬ ‫ِ‬
‫كنحوه‬ ‫نحوه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلطالق فمعناه َأنه يسدُّ مسدَّ ه وإِذا قيل هو ِم ْث ُله يف كذا فهو‬
‫ِم ْثله عىل ِ‬

‫‪53‬‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪54‬‬

‫جهة والعرب تقول هو ُم َث ْي ُل هذا وهم ُأ َم ْيثالهُ م‬ ‫جهة دون ٍ‬‫ساو له يف ٍ‬ ‫ُم ٍ‬

‫الش ْبه يقال ِم ْثل و َم َثل‬


‫يريدون َأن املش َّبه به حقري كام َأ َّن هذا حقري واملِ ْثل ِّ‬
‫(((‬
‫وش َبه بمعنى واحد»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وش ْبه َ‬
‫وقال يف الصحاح‪:‬‬
‫«م ْث َل‪ :‬كلمة تسوية‪ .‬يقال‪ :‬هذا ِمث ُل ُه و َم َثل ُه كام يقال ِش ْب ُه ُه َ‬
‫وش َب ُه ُه‬ ‫ِ‬

‫بمعنًى‪ .‬والعرب تقول‪ :‬هو ُم َث ْي ُل هذا‪ ،‬وامل َث ُل‪ :‬ما ُيرضب به من األمثال‪.‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫اليشء أيض ًا‪ :‬ص َفتُه»‪.‬‬ ‫و َم َث ُل‬
‫ومن هذا املنطلق فاملامثلة تعني املشاهبة عىل نحو املطابقة الكلية‪ ،‬و‬
‫هناك من فرق بينها وبني املساواة عىل ما تقدم من نقل ابن منظور لكالم‬
‫ابن بري‪ ،‬أما اجلوهري فقد عد َمثل اليشء‪ :‬صفته‪ ،‬وهذا هو املراد‬
‫من بحثنا هذا‪ .‬فحني نتعرف عىل َمثل املرء وشبهه بانت واتضحت‬
‫صفته‪،‬وهذا ما بينته األحاديث الرشيفة‪.‬‬
‫‪-1‬اإلمام الباقر‪ ‬يف قوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬

‫(((‪ -‬لسان العرب ج‪ 15‬ص مادة (مثل)‬


‫((( الصحاح يف اللغة مادة(مثل) ص‬
‫‪55‬‬ ‫َم ُ‬
‫ثل امل�ؤمن‬

‫ﯻﱪ فهذا مثل رضبه اهلل للمؤمن‪ ،‬قال‪ :‬فاملؤمن يتقلب يف مخسة من‬
‫النور‪ ،‬مدخله نور‪ ،‬وخمرجه نور‪ ،‬وعلمه نور‪ ،‬وكالمه نور‪ ،‬ومصريه يوم‬
‫القيامة إىل اجلنة نور»‬
‫‪-2‬رسول اهلل‪« :‬مثل املؤمن كمثل العطار‪ ،‬إن جالسته نفعك‪،‬‬
‫وإن ماشيته نفعك‪ ،‬وإن شاركته نفعك»‪.‬‬
‫فاملؤمن كله نفع ال رضر معه‪ ،‬فهو نافع يف جملسه ومشيته‬
‫ومشاركته‪ .‬م َثله كمثل العطار‪ ،‬قال الليث‪ِ :‬‬
‫«الع ْطر‪ :‬اسم جامع هلذه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األشياء التي تعالج للطيب‪ .‬وبياعه‪ :‬ال َع ّطار‪ْ ،‬‬
‫وحرفته‪ :‬العطارة»‬
‫(((‬

‫«م َثل املؤمن ِم َثل النخلة‪ ،‬ما أخذت منها من يشء‬ ‫‪-3‬عنه‪َ :‬‬
‫نفعك»‪.‬‬
‫وهذا مثل آخر يف منفعة املؤمن ف ُي ّشبهه النبي األعظم‪ ‬بالنخلة‪،‬‬
‫وأي يشء يف النخلة غري نافع ؟!! فهكذا ينبغي أن يكون املؤمن‪.‬‬
‫«م َثل الرجل املسلم ِم ْثل شجرة خرضاء ال يسقط‬‫‪-4‬عنه‪َ :‬‬
‫ورقها و ال يتحات‪ ،‬وهي النخلة»‪.‬‬
‫«م َثل املؤمن ِم ْثل السنبلة‪ ،‬متيل أحيانا وتقوم أحيانا»‪.‬‬
‫‪-5‬عنه‪َ :‬‬
‫صلب ال تثنيه العاديات وال‬
‫ٌ‬ ‫لعل املراد من هذا التشبيه أن املؤمن‬
‫تكرسه الصعاب‪ ،‬فربام ينحني عند اشتداد الظروف ولكنه رسعان ما‬

‫((( هتذيب اللغة ج ص مادة (عطر)‬


‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪56‬‬

‫ينتصب قائ ًام‪.‬‬


‫وم َثل‬ ‫ِ‬
‫«م َثل املؤمن م ْثل السنبلة تستقيم مرة وحتمر مرة‪َ ،‬‬
‫‪-6‬عنه‪َ :‬‬
‫الكافر ِم ْثل األرزة ال تزال مستقيمة حتى ختر وال تشعر»‬
‫وهنا مقابلة بني تشبيه املؤمن بالسنبلة ذات اخلري والنفع والعميم‪،‬‬
‫املرنة التي ال تكرسها عواصف الدهر‪ ،‬ومدهلامت اخلطوب‪ ،‬فهي وإن‬
‫اشتدت عليها املصائب و أحنتها لكنها رسعان ما تعود شاخمة منتصبة‬
‫قوية أبية‪ ،‬وبني تشبيه الكافر بشجرة األرز قليلة النفع‪ ،‬التي وإن حسبها‬
‫الناس شاخمة قوية صامدة ألن ظاهرها يوحي بذلك إلاّ أهنا خاوية من‬
‫الداخل متآكلة متداعية رسعان ما ختر ساقطة وهي ال تشعر‪ ،‬فسبحان‬
‫اهلل يا هلام من مثلني رائعني‪.‬‬
‫‪-7‬عنه‪« :‬م َثل املؤمن ِ‬
‫كم ْث ِل خامة الزرع من حيث أتتها الريح‬ ‫َ‬
‫وم َثل الفاجر‬
‫كفأهتا فإذا سكنت اعتدلت‪ ،‬وكذلك املؤمن يكفأ بالبالء‪َ ،‬‬
‫كاألرزة صامء معتدلة حتى يقصمها اهلل إذا شاء»‪.‬‬
‫كم ْثل النحلة‪ ،‬إن أكلت أكلت طيب ًا‪ ،‬وإن‬ ‫‪-8‬عنه‪« :‬م َثل املؤمن ِ‬
‫َ‬
‫وضعت وضعت طيب ًا‪ ،‬وإن وقعت عىل عود نخر مل تكرسه»‪.‬‬
‫«م َثل املؤمن ِم ْثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها‬ ‫‪-9‬عنه‪َ :‬‬
‫امحرت‪ ،‬وإن ُوزّنت مل تنقص»‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫املؤمن كالبيت اخلرب يف الظاهر‪ ،‬فإذا دخلته‬ ‫«م َثل‬
‫‪-10‬عنه‪َ :‬‬
‫‪57‬‬ ‫َم ُ‬
‫ثل امل�ؤمن‬

‫كم َثل القرب املرشف املجصص يعجب من‬


‫وم َثل الفاجر َ‬
‫وجدته مؤنق ًا َ‬
‫رآه وجوفه ممتلئ نتنا»‪.‬‬
‫املؤمن وم َثل اإليامن ِ‬
‫كم ْث ِل الفرس يف آخيته‬ ‫ِ َ‬ ‫«م َثل‬
‫‪-11‬عنه‪َ :‬‬
‫جيول ثم يرجع إىل آخيته‪ ،‬وإن املؤمن يسهو ثم يرجع»‪.‬‬
‫املؤمن وأخيه ِ‬
‫كم ْث ِل الكفني تنقي‬ ‫ِ‬ ‫«م َثل‬
‫‪-12‬رس��ول اهلل‪َ :‬‬
‫أحدمها األخرى»‪.‬‬
‫ِ‬
‫املؤمن يف توادهم وترامحهم وتعاطفهم َم َثل‬ ‫«م َثل‬
‫‪-13‬عنه‪َ :‬‬
‫اجلسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر اجلسد بالسهر واحلمى»‪.‬‬
‫كم َث ِل من‬ ‫ِ‬
‫املؤمن ال يرعى حقوق إخوانه املؤمنني َ‬ ‫«م َثل‬
‫عنه‪َ :‬‬
‫حواسه ك ّلها صحيحة‪ ،‬فهو ال يتأمل بعقله‪ ،‬وال يبرص بعينه‪ ،‬وال يسمع‬
‫بإذنه‪ ،‬وال يعبرّ بلسانه عن حاجته‪ ،‬وال يدفع املكاره عن نفسه باإلدالء‬
‫بحججه‪ ،‬وال يبطش ليشء بيديه‪ ،‬وال ينهض إىل يشء برجليه‪ ،‬فذلك‬
‫قطعة حلم قد فاتته املنافع‪ ،‬وصار غرض ًا لكل املكاره‪ ،‬فكذلك املؤمن إذا‬
‫جهل حقوق إخوانه فأته ثواب حقوقهم‪ ،‬فكان كالعطشان بحرضة املاء‬
‫البارد فلم يرشب حتى طفى‪ ...‬فإذا هو سليب كل نعمة‪ ،‬مبتىل بكل‬
‫(((‬
‫آفة»‪.‬‬

‫((( ميزان احلكمة ‪/‬ج‪/ 4‬ص ‪ 2824‬وص‪ 2825‬و ص ‪.2837‬‬


‫الخاتمة‬

‫ولنختم أهيا اإلخوة الكرام هذه اجلولة الرائعة‪ ،‬بخطبة نورانية‬


‫ملوالنا أمري املؤمنني مجع فيها من صفات املؤمن احلقة ما حيتاج الوقوف‬
‫عند كل مفردة منها بحثا مفردا‪،‬ولكن من باب ما ال يدرك كله ال يرتك‬
‫كله ومن باب التربك بذكر موىل املوحدين سيدنا أمري املؤمنني‪‬‬
‫ارتأيت أن أختم هذا البحث بإيرادها كام ذكرها الشيخ الكليني بسنده‬
‫يف الكايف(((‪:‬‬
‫َاسك ًا مجُ ْت َِهد ًا إِلىَ َأ ِم ِري‬ ‫َ��ان َعابِد ًا ن ِ‬ ‫« َق��ا َم َر ُج ٌ��ل ُي َق ُال َله همَ َّ ��ا ٌم وك َ‬
‫ف َلنَا ِص َف َة ا ُمل ْؤ ِم ِن ك ََأ َّننَا‬ ‫ني ِص ْ‬ ‫ب َف َق َال َيا َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬‫وه َو يخَ ْ ُط ُ‬‫ني‪ُ ‬‬ ‫ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح ْزنُه‬ ‫َننْ ُظ ُر إِ َل ْيه َف َق َال َيا همَ َّ ا ُم ا ُمل ْؤم ُن ُه َو ال َك ِّي ُس ال َفط ُن بِشرْ ُ ه فيِ َو ْج ِهه ُ‬
‫اض‬ ‫ان َح ٌّ‬ ‫َاج ٌر َع ْن ك ُِّل َف ٍ‬ ‫وأ َذ ُّل شيَ ٍء َن ْفس ًا ز ِ‬ ‫فيِ َق ْلبِه َأ ْو َس ُع شيَ ٍء َصدْ ر ًا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اب ولاَ‬ ‫اب ولاَ َع َّي ٌ‬ ‫اب ولاَ َس َّب ٌ‬ ‫َعلىَ ك ُِّل َح َس ٍن لاَ َح ُقو ٌد ولاَ َح ُسو ٌد ولاَ َو َّث ٌ‬
‫يل الغَم ب ِعيدُ َاهلم كَثِري الصم ِ‬
‫ت‬ ‫ِّ ُ َّ ْ‬ ‫ِّ َ‬ ‫الس ْم َع َة َط ِو ُ‬ ‫الر ْف َع َة و َي ْشن َُأ ُّ‬ ‫ُم ْغت ٌ‬
‫َاب َيك َْره ِّ‬
‫و ُقور َذكُور صبور َشكُور مغْموم بِ ِفك ِْره م ور بِ َف ْق ِره سه ُل َ ِ ِ‬
‫اخللي َقة َلينِّ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ سرْ ُ ٌ‬ ‫ٌ َ ُ ٌ‬ ‫ٌ َ ُ ٌ‬ ‫َ ٌ‬

‫((( أصول الكايف – ج‪ 2‬كتاب اإليامن والكفر ص ‪456-454‬‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬ ‫اخلامتة‬
‫ِّك إِ ْن َض ِ‬
‫ك ولاَ ُمت ََهت ٌ‬ ‫يل األَ َذى لاَ ُمت ََأ ِّف ٌ‬ ‫اء َقلِ ُ‬
‫الع ِريك َِة ر ِصني الو َف ِ‬
‫ك لمَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َعتُه َت َف ُّه ٌم‬
‫وم َر َ‬ ‫ب لمَ ْ َينْز َْق ض ْحكُه َت َب ُّس ٌم ْ‬
‫واست ْف َه ُامه َت َع ُّل ٌم ُ‬ ‫ي َر ْق وإِ ْن غَض َ‬ ‫خَ ْ‬
‫الرحمْ َ ِة لاَ َي ْبخَ ُل ولاَ َي ْع َج ُل ولاَ َي ْض َج ُر ولاَ‬ ‫ِ‬ ‫كَثِري ِع ْلمه عظِ ِ‬
‫يم ح ْل ُمه كَث ُري َّ‬ ‫ٌ ُ َ ٌ‬
‫الص ْل ِد‬‫ب م َن َّ‬
‫يف فيِ حك ِْمه ولاَ يجَ ور فيِ ِع ْل ِمه َن ْفسه َأص َل ِ‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َي ْب َط ُر ولاَ يحَ ِ ُ‬
‫ف ولاَ‬ ‫ف ولاَ َصلِ ٌ‬ ‫الش ْه ِد لاَ َج ِش ٌع ولاَ َهلِ ٌع ولاَ َعن ِ ٌ‬ ‫ومكَا َد َحتُه َأ ْحلىَ ِم َن َّ‬ ‫ُ‬
‫ب َرفِ ٌيق‬ ‫ِ‬ ‫يل ا ُملنَا َزع ِة ك َِريم ا ُملر ِ‬
‫اج َعة َعدْ ٌل إِ ْن غَض َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف ولاَ ُم َت َع ِّم ٌق جمَ ِ ُ‬‫ُم َت َك ِّل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الو ِّد َوث ُيق ال َع ْهد َوفيِ ُّ‬
‫َّك ولاَ َيت ََجبرَّ ُ َخال ُص ُ‬ ‫ب لاَ َيت ََه َّو ُر ولاَ َيت ََهت ُ‬ ‫إِ ْن َط َل َ‬
‫وج َّل‬ ‫اض َع ِن اهللَ َع َّز َ‬ ‫ول َر ٍ‬ ‫يل ال ُف ُض ِ‬ ‫ُول َقلِ ُ‬ ‫يم خمَ ٌ‬‫ول َحل ٌ‬
‫الع ْق ِد َش ِف ٌيق وص ٌ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ين‬‫َاص لِلدِّ ِ‬ ‫ِ رِ‬ ‫ي ُ ِ‬
‫وض فيماَ لاَ َي ْعنيه ن ٌ‬ ‫ف َلهِ َواه لاَ َي ْغ ُل ُظ َعلىَ َم ْن ُدونَه ولاَ خَ ُ‬ ‫مخُ َالِ ٌ‬
‫َاء َس ْم َعه ولاَ َينْكِي ال َّط َم ُع‬ ‫ي ِر ُق ال َّثن ُ‬‫ني لاَ خَ ْ‬ ‫ِِ‬
‫ف ل ْل ُم ْسلم َ‬
‫محُ َا ٍم ع ِن ا ُمل ْؤ ِمنِني كَه ٌ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫لمِ‬ ‫ف ال َّل ِعب حكْمه ولاَ ي ْطلِع َ ِ ِ‬ ‫َق ْل َبه ولاَ يَصرْ ِ ُ‬
‫اجلاه َل ع ْل َمه َق َّو ٌال َعماَّ ٌل َعا ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ول فيِ َغ ِ عن ٍ‬
‫ْف َب ُذ ٌ فيِ‬ ‫اش َو ُص ٌ‬ ‫اش ولاَ بِ َط َّي ٍ‬ ‫از ٌم لاَ بِ َف َّح ٍ‬‫َح ِ‬
‫ف‬ ‫ول َغيرْ سرَ َ‬ ‫يرْ ُ‬
‫اخل ْل ِق َسا ٍع‬ ‫يف َبشرَ ًا َرفِ ٌيق بِ َ‬ ‫َّال ولاَ بِ َغدَّ ٍار ولاَ َي ْقت َِفي َأ َثر ًا ولاَ يحَ ِ ُ‬ ‫لاَ بِخَ ت ٍ‬

‫ف‬ ‫ك ِسترْ ًا ولاَ َيك ِْش ُ‬ ‫وف لاَ يهَ ْ تِ ُ‬ ‫ث لِ ْلم ْله ِ‬
‫لضعيف غ َْو ٌ َ ُ‬
‫ض عو ٌن لِ َّ ِ ِ‬
‫فيِ األَ ْر ِ َ ْ‬
‫الشك َْوى إِ ْن َر َأى َخيرْ ًا َذك ََره وإِ ْن َعا َي َن شرَّ ًا َسترَ َ ه‬ ‫يل َّ‬ ‫سرِّ ًا كَثِ ُري ال َب ْل َوى َقلِ ُ‬
‫يل ال َع ْث َر َة و َيغ ِْف ُر ال َّز َّل َة لاَ َي َّطلِ ُع َعلىَ ن ُْصحٍ‬
‫ب و ُي ِق ُ‬ ‫ب ويحَ ْ َف ُظ ال َغ ْي َ‬ ‫َي ْسترُ ُ ال َع ْي َ‬
‫ِ ضيِ‬ ‫ف َفيصلِحه َأ ِمني ر ِص ِ ِ‬ ‫َفي َذره ولاَ يدَ ع ِجنْح حي ٍ‬
‫ني تَق ٌّي نَق ٌّي زَك ٌّي َر ٌّ‬ ‫ٌ َ ٌ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ب َن ْف َسه‬ ‫الذك َْر ويحُ ْ ِس ُن بِالن ِ‬
‫َّاس ال َّظ َّن و َيت َِّه ُم َعلىَ ال َع ْي ِ‬ ‫َي ْق َب ُل ال ُع ْذ َر ويجُ ْ ِم ُل ِّ‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪60‬‬
‫ي َر ُق بِه َف َر ٌح ولاَ‬ ‫يحُ ِب فيِ اهللَ بِ ِف ْقه ِ‬
‫وع ْل ٍم و َي ْق َط ُع فيِ اهللَ بِ َح ْز ٍم و َع ْز ٍم لاَ خَ ْ‬ ‫ُّ‬
‫اف‬ ‫ي ُ‬ ‫اه ِل لاَ ُيت ََو َّق ُع َله َبائِ َق ٌة ولاَ خُ َ‬ ‫يش بِه مرح م َذكِّر لِ ْلعالمِ ِ مع ِّلم لِ ْلج ِ‬
‫ََ ٌ ُ ٌ َ ُ َ ٌ َ‬ ‫َيطِ ُ‬
‫س َأ ْص َل ُح ِعنْدَ ه ِم ْن‬ ‫َله غَائِ َل ٌة ك ُُّل َس ْع ٍي َأ ْخ َل ُص ِعنْدَ ه ِم ْن َس ْعيِه وك ُُّل َن ْف ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫يب َوحيدٌ َج ِريدٌ َح ِز ٌ‬ ‫َن ْفسه َعالمِ ٌ بِ َع ْيبِه َشاغ ٌل بِغ َِّمه ‪ -‬لاَ َيث ُق بِ َغيرْ ِ َر ِّبه غ َِر ٌ‬
‫اهدُ فيِ اهللَ لِ َي َّتبِ َع ِر َضاه ولاَ َينْت َِق ُم لِنَ ْف ِسه بِنَ ْف ِسه ولاَ ُي َواليِ‬ ‫يحُ ِب فيِ اهللَ ويجُ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الصدْ ِق ُم َؤ ِاز ٌر ألَ ْه ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيِ َسخَ ط َر ِّبه مجُ َال ٌس ألَ ْه ِل ال َف ْق ِر ُم َصاد ٌق ألَ ْه ِل ِّ‬
‫أل ْر َم َل ِة َح ِف ٌّي بِ َأ ْه ِل ا َمل ْس َكن َِة َم ْر ُج ٌّو‬
‫يب َأ ٌب لِ ْل َيتِي ِم َب ْع ٌل لِ َ‬‫احل ِّق َع ْو ٌن لِ ْل َق ِر ِ‬‫َ‬
‫اس‬‫اس ولاَ بِ َج َّس ٍ‬ ‫اش لاَ بِ َع َّب ٍ‬ ‫اش َب َّش ٌ‬ ‫ول لِك ُِّل ِشدَّ ٍة َه َّش ٌ‬ ‫لِك ُِّل ك َِر َهي ٍة َم ْأ ُم ٌ‬
‫احل َذ ِر لاَ يجَ ْ َه ُل وإِ ْن ُج ِه َل َع َل ْيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َ‬ ‫يب َك َّظا ٌم َب َّسا ٌم َدق ُيق النَّ َظ ِر َعظ ُ‬ ‫َصل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْغنَى َح َياؤُ ه‬ ‫است َْح َيا و َقن َع َف ْ‬ ‫يحَ ْ ُل ُم لاَ َي ْبخَ ُل وإِ ْن ُبخ َل َع َل ْيه َصبرَ َ َع َق َل َف ْ‬
‫اب‬ ‫وو ُّده َي ْع ُلو َح َسدَ ه و َع ْف ُوه َي ْع ُلو ِح ْقدَ ه لاَ َينْطِ ُق بِ َغيرْ ِ َص َو ٍ‬ ‫َي ْع ُلو َش ْه َوتَه ُ‬
‫اض َعنْه‬ ‫اض ٌع لِ َر ِّبه بِ َطا َعتِه َر ٍ‬ ‫اضع َخ ِ‬ ‫لاِ ِ ِ‬
‫ولاَ َي ْل َب ُس إِلاَّ ا ْقت َصاد َم ْش ُيه الت ََّو ُ ُ‬
‫فيِ ك ُِّل َحاالتِه نِ َّيتُه َخالِ َص ٌة َأ ْعماَ ُله َل ْي َس فِ َيها ِغ ٌّش ولاَ َخ ِدي َع ٌة َن َظ ُره ِعبرْ َ ٌة‬
‫ِ فيِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُسكُوتُه فك َْر ٌة و َكلاَ ُمه حك َْم ٌة ُمنَاصح ًا ُم َت َباذالً ُمت ََواخي ًا نَاص ٌح السرِّ ِّ‬
‫ف َعلىَ َما َفاتَه ولاَ‬ ‫وال َعلاَ نِ َي ِة لاَ يهَ ْ ُج ُر َأ َخاه ولاَ َي ْغتَا ُبه ولاَ َي ْمك ُُر بِه ولاَ َي ْأ َس ُ‬
‫الشدَّ ِة‬ ‫اء ولاَ َي ْف َش ُل فيِ ِّ‬ ‫الر َج ُ‬‫يحَ ْ ز َُن َعلىَ َما َأ َصا َبه ولاَ َي ْر ُجو َما لاَ يجَ ُ و ُز َله َّ‬
‫الصبرْ ِ ت ََراه َب ِعيد ًا ك ََس ُله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َخاء َي ْمز ُُج احل ْل َم بِالع ْل ِم وال َع ْق َل بِ َّ‬ ‫ولاَ َي ْب َط ُر فيِ َّ‬
‫اشع ًا َق ْل ُبه َذاكِر ًا َر َّبه‬
‫ال زَلـ ُله متَو ِّقع ًا ألَجلِه َخ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َدائِ ًام ن ََشا ُطه َق ِريب ًا َأ َم ُله َقلِي ً‬
‫‪61‬‬ ‫اخلامتة‬

‫ال َأ ْم ُره َح ِزين ًا لِ َذ ْنبِه َم ِّي َت ًة َش ْه َوتُه َك ُظوم ًا َغ ْي َظه‬ ‫َقانِ َع ًة َن ْف ُسه َمن ِْف ّي ًا َج ْه ُله َس ْه ً‬
‫َصافِي ًا ُخ ُل ُقه ِآمن ًا ِمنْه َج ُاره َض ِعيف ًا كِبرْ ُ ه َقانِع ًا بِا َّل ِذي ُقدِّ َر َله َمتِين ًا َصبرْ ُ ه‬
‫ت لِ َي ْس َل َم و َي ْس َأ ُل لِ َي ْف َه َم‬ ‫َّاس لِ َي ْع َل َم و َي ْص ُم ُ‬
‫يال ُط الن َ‬
‫محُ ْ َك ًام َأمره كَثِري ًا ِذكْره خُ َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ت لِ ْلخَ برَ ِ لِ َي ْف ُج َر بِه ولاَ َي َت َك َّل ُم لِ َيت ََجبرَّ َ بِه َعلىَ َم ْن‬ ‫َّج ُر لِ َي ْغن ََم لاَ ُين ِْص ُ‬
‫و َيت ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫َاء والنَّاس ِمنْه فيِ ر ٍ‬ ‫ِسواه َن ْفسه ِمنْه فيِ عن ٍ‬
‫اح‬‫ب َن ْف َسه آلخ َرته َف َأ َر َ‬ ‫احة َأ ْت َع َ‬‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُون اهللَ ا َّل ِذي َينْ َتصرِ ُ َله ُب ْعدُ ه‬ ‫َّاس ِم ْن َن ْف ِسه إِ ْن ُب ِغ َي َع َل ْيه َصبرَ َ َحتَّى َيك َ‬ ‫الن َ‬
‫ورحمْ َ ٌة َل ْي َس َت َبا ُعدُ ه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ممِ‬ ‫ِ‬ ‫ممِ‬
‫ني َ‬ ‫َاه ٌة و ُدن ُُّوه َّ ْن َدنَا منْه ل ٌ‬ ‫َّ ْن َت َبا َعدَ منْه ُبغ ٌْض و َنز َ‬
‫َان َق ْب َله‬ ‫َت َكبرُّ ًا ولاَ َع َظ َم ًة ولاَ ُدن ُُّوه َخ ِدي َع ًة ولاَ ِخلاَ َب ًة َب ْل َي ْقت َِدي بِ َم ْن ك َ‬
‫ِ‬ ‫لمِ‬ ‫ِم ْن َأ ْه ِل َ‬
‫اح همَ َّ ا ٌم َص ْي َح ًة‬ ‫اخليرْ ِ َف ُه َو إِ َما ٌم َ ْن َب ْعدَ ه م ْن َأ ْه ِل البرِ ِّ َق َال َف َص َ‬
‫ْت َأ َخا ُف َها َع َل ْيه‬ ‫ني ع َأ َما واهللَ َل َقدْ ُكن ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث َّم َو َق َع َمغْش ّي ًا َع َل ْيه َف َق َال َأم ُري ا ُمل ْؤمن َ‬
‫و َق َال َهك ََذا ت َْصن َُع ا َمل ْو ِع َظ ُة ال َبالِ َغ ُة بِ َأ ْهلِ َها َف َق َال َله َق ِائ ٌل َفماَ َبا ُل َك َيا َأ ِم َري‬
‫اوزُه َفمه ً ِ‬ ‫وس َبب ًا لاَ يجُ َ ِ‬ ‫ني َف َق َال إِ َّن لِك ٍُّل َأ َج ً‬ ‫ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ال لاَ تُعدْ َفإِ َّنماَ‬ ‫َْ‬ ‫ال لاَ َي ْعدُ وه َ‬
‫ان»‪.‬‬ ‫ك َش ْي َط ٌ‬ ‫ث َعلىَ لِ َسانِ َ‬ ‫َن َف َ‬
‫الفهرس‬

‫بني مفهومي الإميان والإ�سالم يف مدر�سة �أهل البيت‪5 ‬‬

‫‪8‬‬ ‫�صفات امل�ؤمن ‬


‫‪8‬‬ ‫أوالً‪ :‬الوالء ألهل البيت‪ ‬‬
‫‪12‬‬ ‫ثاني ًا‪:‬املؤمن احلقيقي هو من يعمل الصاحلات ‬
‫‪14‬‬ ‫فائدة‪ :‬‬
‫‪15‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املؤمن صادق ال يكذب‪ .‬‬
‫‪19‬‬ ‫فوائد‪ :‬‬
‫‪24‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬املؤمن كثري الذكر هلل تعاىل‪ .‬‬
‫خامس ًا‪ :‬املؤمن يفوض أمره هلل تعاىل ويرىض بقضائه ‪25‬‬
‫‪26‬‬ ‫سادس ًا‪ :‬املؤمن سخي ال يبخل ‬
‫‪27‬‬ ‫سابع ًا‪ :‬املؤمن ٌ‬
‫عزيز ال ينبغي له أن يذل نفسه‪ .‬‬
‫‪29‬‬ ‫فائدة‪ :‬أمور توجب الذل‪ :‬‬
‫‪30‬‬ ‫ثامن ًا‪:‬الصرب رأس اإليامن‪ .‬‬
‫‪32‬‬ ‫تاسع ًا‪ :‬املؤمن مستقيم اللسان ‬
‫�صفات امل�ؤمن يف مدر�سة �أهل البيت‪‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪36‬‬ ‫عارش ًا‪ :‬املؤمن َجدٌ ال يلهو ‬


‫‪39‬‬ ‫فائدة‪ :‬‬
‫‪40‬‬ ‫احلادي عرش‪ :‬املؤمن غريزته النصح ‬

‫‪43‬‬ ‫عالمات امل�ؤمن احلقيقي ‬


‫‪43‬‬ ‫* الرفق عالمة املؤمن‪ :‬‬
‫* ال�������وج�������ه امل�����ن�����ب�����س�����ط‪ ،‬وال�����ل�����س�����ان‬
‫‪45‬‬ ‫اللطيف‪ ،‬واليد املعطية‪ .‬‬

‫َم ُ‬
‫ثل امل�ؤمن ‪53‬‬

‫‪58‬‬ ‫اخلامتة ‬

You might also like