You are on page 1of 5

‫المبحث الثاني‪ 

: ‬مصادر القانون العام االقتصادي‬


‫إن مصادر هذا الفرع هي على وجه عام نفس مصادر الفروع القانونية األخرى‬
‫للقانون العام من مصادر رسمية وعلى رأسها الدستور و التشريع وكذلك مصادر‬
‫احتياطية مثل أحكام القضاء‪ .‬وكان لهذا المصدر األخير دورا بارزا في تشييد العديد‬
‫من مفاهيم القانون العام االقتصادي من خالل األحكام الصادرة عن مجلس الدولة‬
‫الفرنسي(‪) conseil d’Etat‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يتميز القانون العام االقتصادي بالمكانة الخاصة للوائح التنظيمية في‬
‫مصادره الداخلية المتمثلة في مختلف االختصاصات و صالحيات السلطات الحكومية‬
‫واإلدارية التي تتجسد في قرارات تنظيمية متعددة‪.‬‬
‫‪ ‬باإلضافة إلى هذه المصادر الداخلية يأخذ القانون العام االقتصادي من بعض‬
‫المعايير الخارجية مصدرا له‪.‬‬
‫‪     ‬المطلب األول‪ :‬المصادر الخارجية‬
‫إن القانون العام االقتصادي يتأثر بمرجعية خارجية تتمثل‪  ‬في مختلف االتفاقيات و‬
‫اإلثفقات الدولية ذات الهدف االقتصادي التي تبرم بين دولة‪  ‬ودول أخرى أو بين‬
‫الدولة وهيئات أو منظمات دولية‪.‬‬
‫‪ ‬في المقام األول يعرف أن الجزائر لم تكن منظمة في اتحاد اقتصادي معين جهويا‬
‫كان أم قاريا مثلما هو الحال بالنسبة للبلدان األوروبية مع االتحاد األوروبي‪ ،‬وبهذا‬
‫فإن القانون العام االقتصادي الجزائري لم يكن له مصدرا دوليا يتمثل فيما يسمى‬
‫بالقانون االتحادي‪.Droit communautaire ‬‬
‫تتجسد المصادر الخارجية للجزائر في االتفاقيات التي تبرمها دولة الجزائر و التي‬
‫تتضمن مواضيع اقتصادية على غرار اتفاق الشراكة‪  ‬المبرم بين الجزائر و االتحاد‬
‫األوروبي سنة‪ 2002]6[ ‬والقاضي بإنشاء منطقة تبادل حر بين الجزائر و الدول‬
‫األوروبية األعضاء في االتحاد األوروبي ويتعلق هذا االتفاق بتفكيك جمركة البضائع‬
‫و الخدمات في حلول‪  2020‬مكرسا بهذا حرية انتقال السلع و الخدمات و األموال‬
‫بين الطرفين‪ .‬كما صادقت الجزائر على العديد من االتفاقيات الدولية المتعددة‬
‫األطراف ذات الموضوع االقتصادي‪  ‬ونذكر منها على اتفاقية واشنطن المؤرخة‬
‫في‪ 13 ‬مارس‪ 1965 ‬المتعلقة بتسوية المنازعات الخاصة باالستثمارات بين الدول‬
‫ورعايا دول أخرى التي أسست أسلوب التحكيم في فض النزاعات القائمة بمناسبة‬
‫إنجاز عملية‪  ‬استثمار خارجي فوق إقليم دولة ما‪ .‬وإضافة إلى ذلك وقعت الجزائر‬
‫كذلك على معاهدات أو اتفاقيات ثنائية األطراف مع دول أجنبية من أجل حماية‬
‫وتشجيع االستثمارات على أساس التعامل بالمثل بغرض تحديد قواعد للتعامل مع‬
‫االستثمارات التي باشرها رعايا إحدى الدولتين فوق تراب الدولة األخرى‪ .‬ويتم فيها‬
‫تحديد اآلليات المناسبة لحل النزاعات كما أنها تعرف على وجه التحديد بمفهوم‬
‫االستثمار الذي سيخضع ألحكام هذه اإلتفاقية ويصبح قابل للحماية القانونية التي‬
‫تنص عليها‪  ‬كما أنها تحدد شروط تحويل األرباح و أموال المستثمر األجنبي و‬
‫تؤمنه‪  ‬من‪  ‬التأميم‪  ‬و تنص كذالك‪  ‬على تجميد القانون المطبق مع تحديد بعض‬
‫االمتيازات التي يستفيد منها المستثمر كاإلعفاءات الضريبية مثال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ ‬تجدر اإلشارة إلى أن الجزائر قد أبرمت مند سنة‪ 1993 ‬تاريخ أول تشريع ليبرالي‬
‫حول االستثمار ماال يقل عن‪ 43 ‬اتفاقا ثنائيا لحماية وتشجيع االستثمارات مع دول‬
‫مختلفة نذكر منها ‪ ‬االتفاقية المبرمة بين حكومة الجزائر والحكومة الفرنسية‪  ‬بشأن‬
‫التشجيع والحماية المتبادلة فيما يخص االستثمارات بتاريخ‪. 1993 /02 /13 ‬‬
‫كما يمكن إدراج االتفاقيات التي تبرم بين دولتين من أجل تفادي االزدواج‪   ‬الضريبي|‬
‫على غرار تلك االتفاقية التي أبرمت بين الجزائر وفرنسا بتاريخ‪ 17 ‬أكتوبر‪]7[ ‬‬
‫‪ 1999‬و االتفاقية المبرمة بين الجزائر ومملكة بلجيكا في‪ 15 ‬ديسمبر‪،  1991‬‬
‫وتهدف هذه االتفاقيات إلى تنظيم بعض الحاالت الخاصة أين يتحصل ‪ ‬مقيم أجنبي في‬
‫الجزائر على مدا خيل أو كان يمتلك ثروة تخضع للضريبة في بلده األصلي‪ ،‬فإنه‬
‫وطبقا ألحكام هذه االتفاقيات يتفادى دفع الضرائب| في بلد إقامته أي الجزائر بخصم‬
‫ما يتوجب عليه دفعه في الجزائر كلما قام بدفعه في بلده األصلي‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ : ‬المصادر الداخلية‬
‫تتمثل المصادر الداخلية للقانون العام االقتصادي في المصادر األصلية المكتوبة‬
‫كالتشريع واللوائح التنظيمية ومصادر احتياطية كآراء الفقه أو االجتهاد القضائي‬
‫مثال‪ .‬يضم التشريع كل من الدستور والتشريع العادي أو الشكلي الصادر عن الهيئة‬
‫التشريعية وكذلك اللوائح التنظيمية المتمثلة في المراسيم بنوعيها اإلثنين‪ :‬الرئاسية‬
‫والتنفيذية التي تكمل ما تضمنته التشريعات أو أن تضبط مجاالت تختص بها لوحدها‬
‫وهذا بمقتضى تحوالت أدخلها ألول مرة الدستور الفرنسي لسنة‪ 1958 ‬والتي تبنتها‬
‫مختلف الدساتير الجزائرية ويتعلق األمر بالمجاالت المخصصة للسلطة التنفيذية التي‬
‫تعد بمثابة المصدر األول للقانون العام االقتصادي‪.‬وفيما يأتي توضيح هذه المصادر‪:‬‬
‫الفرع األول‪  : ‬المصدر الدستوري[‪]8‬‬
‫‪ ‬يعد الدستور التشريع األساسي والتأسيسي للدولة فهو قمة التشريعات فيها المحدد‬
‫لهيئات ومؤسسات الدولة واختصاصاتها وعالقتها بعضها البعض ‪ ،‬وبيان الحقوق‬
‫والحريات الفردية و العامة‪ . ‬إن المصدر الدستوري للقانون العام االقتصادي يتجسد‬
‫في دستور‪ 04/10/1958 ‬وديباجته فيما يخص فرنسا‪  ‬و‪ ‬في‬
‫دستور‪ 23 ‬فبراير‪ 1989 ‬المعدل في‪ 28/11/1996‬فيما يتعلق بالجزائر‪ .‬عكس‬
‫الدساتير القديمة فالحديثة منها تتضمن دائما وبدرجة متفاوتة أحكام تتعلق بمبادئ أو‬
‫مؤسسات اقتصادية‪ .‬فالدستور هو الذي يلمح إلى تصور الدولة في العمل االقتصادي‬
‫بتبنيه الخيار الليبرالي| أو اإلشتراكي‪ .‬لكن لم تكثر األحكام االقتصادية بحكم أن‬
‫الدساتير هي قبل كل شيء مواثيق سياسية تنظم العمل السياسي في الدولة أكثر من‬
‫أن تكون مفصلة في القضايا االقتصادية‪ .‬من باب الذكر إن الدستور الجزائري يشير‬
‫إلى بعض المبادئ الخاصة باالقتصاد بدءا بالمادة‪ 19 ‬التي تمنح للدولة اختصاص‬
‫تنظيم التجارة الخارجية‪ .‬و من باب الحريات العامة تنص المادة‪ 37 ‬على أن حرية‬
‫الصناعة والتجارة مضمونة وتمارس في إطار القانون كما أن المادة‪ 52 ‬تضمن‬
‫الملكية الخاصة لألفراد‪ .‬المادة ‪  64  ‬من جهتها‪ ‬تنص على مبدأ تساوي األفراد في‬
‫أداء الضريبة ويجب على كل واحد أن يشارك في تمويل التكاليف العمومية حسب‬

‫‪2‬‬
‫قدرته الضريبية وال يجوز أن تحدث أي ضريبة إال بمقتضى القانون واليمكن أن‬
‫تكون بأثر رجعي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪  : ‬المصدر التشريعي‬
‫‪ ‬يقصد بالتشريع ذلك العمل القانوني الصادر عن الهيئة التشريعية والمنبثق عن سيادة‬
‫الشعب الذي يعين ممثلين له في هذا الجهاز حتى يقوم بسن القوانين لتنظيم السلوكيات‬
‫في المجتمع ويقصد عادة بالتشريع القوانين العادية الضابطة لعالقات األفراد فيما‬
‫بينهم أو بينهم وبين الدولة في المجاالت المختلفة للحياة االجتماعية‪.‬‬
‫عرف دور التشريع كمصدر للقانون تطورا ملحوظا مع الدستور الفرنسي الصادر‬
‫فى‪  4             ‬أكتوبر‪ 1958‬الذي جاء بما يسمى الجمهورية الخامسة في فرنسا‬
‫ويتمثل هذا التطور في مبدأ التمييز بين اختصاص التشريع واختصاصات التنظيم مع‬
‫تحديد المجاالت التي يختص بها التشريع في حين أن المجالت األخرى التي لم تحدد‬
‫فتكون من اختصاصات التنظيم‪ .‬بعبارة أخرى تختص السلطة التنفيذية في المجاالت‬
‫والمسائل التي لم يسندها الدستور للتشريع‪.‬‬
‫إن الدستور الجزائري لسنة‪ 1989 ‬المعدل و المتمم قد تبنى نفس التقسيم في‬
‫المواد‪ 122 ‬إلى‪ .125 ‬يختص التشريع بحسب المادة‪ 122 ‬في الميادين التي تستوجب‬
‫سن قوانين عضوية وكذلك و على وجه الخصوص في المجاالت التي وردت في‬
‫التعداد ألحصري و هو يتضمن ‪ 30 ‬مجاال أدرجت فيها المجاالت االقتصادية و هي‬
‫تتعلق بنظام االلتزامات المدنية و التجارية‪ ،‬نظام الملكية ‪،‬المصادقة على المخطط‬
‫الوطني‪،‬التصويت| على ميزانية الدولة ‪ ،‬إحداث الضرائب‪ ،‬الجبايات‪ ،‬الرسوم و‬
‫الحقوق المختلفة‪ ،‬النظام الجمركي‪ ،‬نظام إصدار النقود ‪،‬النظام العام للمناجم و‬
‫المحروقات و النظام العقاري‪.‬‬
‫‪ ‬إن تحديد هذه المجاالت التي يختص بها التشريع و الذي جاء عاما يوحي أن‬
‫البرلمان ال يحدد القواعد التفصيلية و التطبيقية لها بل يترك هذا االختصاص للتنظيم‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪  : ‬المصدر التنظيمي‪( ‬التشريع الفرعي)‬
‫‪ ‬تتجلى أهمية المصدر التنظيمي للقانون العام االقتصادي في انه يشكل المصدر‬
‫الرئيسي للقانون العام االقتصادي‪  ‬و يتجسد تحديدا هذا المصدر‪  ‬في التعداد‬
‫الحصري للمجاالت المخصصة للتشريع الذي جاءت به المادة‪ 122 ‬من الدستور‬
‫بمعنى أن كل ما لم يحدد في هذا التعداد فيكون من اختصاص التنظيم‪  .‬أراد المشرع‬
‫الدستوري أن يختص التنظيم في المسائل االقتصادية بما له من مقدرة في التأقلم مع‬
‫األوضاع الميدانية حتى يستجيب وبسرعة لمقتضيات الحياة االقتصادية‪.‬‬
‫يرسم التشريع المبادئ الكبيرة في حين يفصل ويدقق التنظيم األحكام القانونية‬
‫مستعمال أساليب قانونية‪   ‬تسمح له بتنظيم المسائل االقتصادية والتردد كذلك عن هذه‬
‫األعمال إذا ما اقتضت الضرورة ذلك‪ .‬ال يقتصر هذا المصدر التنظيمي على التنظيم‬
‫الحكومي فحسب بل ينحدر كذلك من لوائح تنظيمية تصدرها هيئات أخرى‪.‬‬

‫‪                )1‬التنظيم الحكومي‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬وهو مختلف الصالحيات و االختصاصات التي يمنحها القانون للهيئات التنظيمية‬
‫للدولة و هي نوعان و تتمثل في االختصاص العام لرئيس الجمهورية للتشريع عن‬
‫طريق المراسيم الرئاسية في كل المسائل التي لم تدرج ضمن اختصاصات التشريع‬
‫في مفهوم المادة‪ 122 ‬من الدستور‪ .‬من جهة أخرى يتمثل التنظيم الحكومي كذلك‪  ‬في‬
‫اللوائح التنظيمية التي تتخذ بهدف تنفيذ القوانين‪  ‬التي تصدر عن الوزير األول وذلك‬
‫طبقا ألحكام المادة‪ 125 ‬من الدستور‪ .‬يتخذ القانون العام االقتصادي منبعا له من‬
‫السلطة التنظيمية المستقلة[‪ ]9‬المخصصة لرئيس الجمهورية و السلطة التنظيمية‬
‫التنفيذية المخصصة للوزير األول بسبب خصوصيات الحياة االقتصادية التي‬
‫تستوجب نوعا من السرعة و الليونة في اتخاذ القرارات ‪  ،‬وهذا يتوفر في الهيئة‬
‫التنفيذية‪. ‬‬
‫فيما يتعلق باللوائح التنظيمية التي تصدر عن الوزير األول لتنفيذ القوانين فإنها‬
‫تعرف استعماال واسعا في عمل الدولة واللجوء المكثف لهذه اللوائح يأتي لفسح‬
‫المجال للحكومة أن تكيف النصوص التشريعية بحسب ما تمليه الضرورة|‬
‫الميدانية‪ . ‬لكن هذا ال يعني أن السلطة التنظيمية تتعدى صالحيتها بتغيير األحكام‬
‫العامة للتشريعات فهذه األخيرة غالبا ما تكتفي برسم الخطوط العريضة للقوانين‬
‫وتترك التفصيل للوائح التنظيمية‪ ‬إلثراء أحكام هذه القوانين و مطابقتها مع الواقع‪ ‬مثل‬
‫ما هو الحال على‪ ‬سبيل المثال ‪ ‬مع قانون التوجيه ألفالحي المؤرخ‬
‫في‪ 3 ‬أوت‪  .2008 ‬أما فيما يتعلق بالتشريع التفويضي|[‪ ]10‬الذي يختص به رئيس‬
‫الجمهورية بين دورات انعقاد البرلمان و يتم عن طريق إصدار أوامر تكون لها قوة‬
‫التشريع‪ ،‬يرجع هذا األخير إلى نظرية في القانون اإلداري تتركز على الظروف‬
‫االستثنائية و تتخذ مثل هذه األوامر في فترات عطلة البرلمان وتوقفه عن العمل على‬
‫أن تعرض الحقا على المجلس في أول دورة مقبلة‪. ‬‬
‫‪ ‬إن مغزى هذا التشريع التفويضي| يكمن في أن الدستور يفوض لرئيس الجمهورية‬
‫سلطة إصدار القوانين في شكل أوامر حتى ال يتعطل عمل الدولة و األمثلة كثيرة في‬
‫استعمال هذا األسلوب في القانون الجزائري في المسائل اإلقتصادية و غيرها‪  ‬و‬
‫غالبا ما تتخذ القرارات| التحكمية الكبرى في شكل أوامر كالقوانين المالية التكميلية‪. ‬‬
‫‪ )2  ‬التنظيم الوزاري‬
‫من حيث المبدأ لم يكن للوزير سلطة تنظيمية يتمتع بها على وجه االستقاللية فله‬
‫بحكم مكانته داخل هياكل الدولة سلطة تنظيم و تسيير المرافق الموضوعة تحت‬
‫مسؤولياته و ال يمكنه اتخاذ لوائح تنظيمية تفرض أحكاما على كافة المواطنين|‪ .‬لكن‬
‫في الممارسة اإلدارية يمكن للوزير أن يتمتع بسلطة تنظيمية بمقتضى نص قانوني‬
‫صريح و بهذا الشرط فقط‪         . ‬و تكون هذه النصوص إما قوانين و إما لوائح‬
‫تنظيمية تتكفل بضبط صلب الموضوع و تترك تفصيلها و تكميلها لقرارات وزارية‬
‫تتكفل بتنظيم ما يحدد لها من اختصاص بحكم النص القانوني األصلي‪ .‬وفي بعض‬
‫األحيان األخرى إن القوانين تذهب إلى ابعد من هذا بمنحها للوزير إمكانية التشريع‪ ‬و‬
‫ليس فقط تفصيل وتكميل نصوص قانونية أعلى و في هذه الحالة نكون أمام ما يسمى‬

‫‪4‬‬
‫في الفقه اإلداري بالسلطة التنظيمية المفوضة[‪ ]11‬أو المتخصصة التي يمارسها‬
‫الوزير‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like