Professional Documents
Culture Documents
JFAFU-Volume 14-Issue العدد 1 (الإنسانيات) - Page 2532-2568
JFAFU-Volume 14-Issue العدد 1 (الإنسانيات) - Page 2532-2568
أشرف محمود أمين حسان
ama40@fayoum.edu.eg
ممخص
يدور ىذا البحث حول موقف ديفيد ليونز من العنصرية والعبودية في المجتمع األمريكي
إنسانا
ً موضحا مدي تعارض ذلك مع القانون وحقوق اإلنسان ،تمك الحقوق التي تثبت كونو
ً
بصرف النظر عن المون والجنس والدين ،كالمساواة والعدالة والديمقراطية والممكية والحرية
فضبل
ً والحق في التعميم والعبلج والعمل وحرية االنتقال واإلقامة والجنسية واحترام الصصوصية
أصبلقيا؛ أي يمكن الدفاع عنيا
ً عن الحق في الزواج وبناء األسرة؛ فيي حقوق قانونية ومبررة
مؤكدا عمى دور
ً أصبلقيا وبالتالي ال صحة لآلراء التي تفصل تمك الحقوق عن األصبلق،
ً
القانون في الحفاظ عمى تمك الحقوق مع االلتزام بالقانون العادل الذي يحقق وظائفو من جية
معا ،ويمنح الحق لمشعب في العصيان المدني لمقانون في حالة غياب
الحاكم والمحكوم ً
مناديا بإلغاء العنصرية وعدم التفرقة بين الجنس األمريكي بسبب المون والجنس أو
ً العدالة،
الدين ،كاشفًا عن صمو اإلدارة األمريكية من العدالة في ىذا الجانب وافبلسيا األصبلقي.
الكممات المفتاحية :العنصرية ،العبودية ،القانون ،حقوق اإلنسان ،العدالة ،الهنود الحمر،
االستعمار.
مقدمة
كان الرق في الواليات المتحدة بمثابة مؤسسة ُمقننة وذلك صبلل القرنين الثامن عشر
والتاسع عشر الميبلديين ،وكان يتم استجبلب الرقيق من ببلد أفريقيا الستصداميم في
المستعمرات اإلنجميزية وصاصة في مجال الزراعة ،وكانت فرجينيا أول مستعمرة
إنجميزية استقدمت العبيد ألمريكا الشمالية سنة (6467م) ،وكان نظام العبودية ىذا
يقوم عمى التميز العنصري حسب تفوق الجنس األبيض (وىم اإلنجميز األوربيون
المستعمرون ألراضي الينود الحمر) عمى الجنس األسود (وىم الرقيق األفارقة) وعمى
الينود الحمر (وىم السكان األصميون) ،وقد تم إلغاء الرق عمى إثر الحروب األىمية
بالواليات المتحدة [6643 – 6646م] بموجب تعديبلت دستورية في عيد الرئيس
لنكولن؛ مما أدى لقيام عدد كبير من الواليات الجنوبية لتكوين حكومة فيدرالية من أجل
االنفصال عن حكومة الواليات المتحدة األمريكية ،وانتيت الحرب بينيما بفوز الواليات
المتحدة عمى االتحاد الكونفدرالي؛ مما أدى بالمجالس التشريعية بالواليات الجنوبية التي
ُيييمن عمييا الديمقراطيون لسن قوانين لمفصل العنصري والتصديق عمييا في نياية
القرن التاسع عشر؛ أي عقب تحرير العبيد ومنحيم الجنسية األمريكية إثر الحروب
األىمية [ ]6643 - 6646واعادة اإلعمار [6655 – 6643م] ،وأطمق عمى ىذه
القوانين اسم :قوانين جيم كرو( Jim Crow-نسبة السم جاء في أغنية ضد الجنس
األسود) ،وكانت تمك القوانين تيدف لمفصل العنصري لمجنس األمريكي األسود عن
الجنس األبيض؛ في كافة المرافق العامة كالمدارس والمستشفيات والمواصبلت
والمتنزىات واألماكن الترفييية كالمسارح والمطاعم وأماكن السكن حتى في المراحيض
والمقابر ،عبلوة عمى فرض شروط تعجيزية مقابل مشاركتيم في العمميات االنتصابية
تماما ،ومن يرفض تمك القوانين
ً كفرض ضريبة أو محو أمية لكي يتم استبعادىم
يتعرض لمضرب أو السجن أو اإلعدام صارج القانون ،وعمى الرغم من صدور قوانين
تنص عمى عدم تمك التفرقة العنصرية عام 6734م تحت تأثير مظاىرة السود السممية
المتكررة وصاصة مع مارتن لوثر ،والتي تيدف لمقضاء عمى العبودية والفصل العنصري
لتحقيق المساواة والعدالة بين الجميع بصرف النظر عن الدين والجنس والمغة والمون،
فضبل عن تحيز الشرطة
ً إال أن المجتمع األمريكي ما زال يمارس تمك التفرقة العنصرية
والقضاء لمجنس األبيض ضد الجنس األسود؛ فعمى الرغم من حظر التميز العنصري
اجتماعيا إال أن العنصرية ما زالت
ً أصبلقيا و
ً في منتصف القرن العشرين لعدم قبولو
موجودة ومعايشة بشكل فج عمى أرض الواقع ،وىذا يدل عمى وجود صمل رىيب في
سياسة الواليات المتحدة األمريكية وتناقض بين المقوالت النظرية المنادية بحقوق
اإلنسان وبين الممارسات العممية التي تتعمق بتمك التفرقة العنصرية؛ فأمريكا ما زالت
غارقة في الصراعات العرقية ىذه ،رغم كل ذلك التقدم التي أحرزتو بين دول العالم في
كافة المجاالت ورغم دورىا الكبير في اتصاذ كافة الق اررات التي تصص دول العالم
وصاصة في جانب الحرب والسبلم وحقوق اإلنسان ،ولم يقتصر ظمم الواليات المتحدة
أيضا منذ استعمارىا لتمك األراضي إثر
لمجنس األمريكي األسود (األفارقة) ،بل مارست ً
اكتشاف كريستوفر كولمبس ليا عام (6276م) أبشع صور التعذيب واإلبادة ضد
الينود الحمر (السكان األصميين) المياجرين من أوراسيا إلى تمك األراضي منذ أكثر
من ستة عشر ألف عام ،وقد أجبرت الواليات المتحدة ما تبقى منيم عمى العيش في
محميات طبيعية مستقمة عن المدن والواليات األمريكية ،وسط الفقر واألمراض المنتشرة
بينيم؛ فما زالوا يعيشون بثقافتيم وعقائدىم المستقمة منعزلين عن العالم الصارجي،
عاممين بالزراعة والصيد والتعدين ،وال يتجاوز عددىم األربعة مبليين نسمة ،وبالتالي
فالواليات المتحدة تفتقر لمتوزيع العادل لحقوق اإلنسان األساسية؛ تمك الحقوق التي
إنسانا بصرف النظر عن المون والجنس والدين ،وىذه الحقوق قد تكون
ً تثبت كونو
فردية مثل :المساواة والعدالة والديمقراطية والممكية والحرية والحق في التعميم والعبلج
اإلدارة السياسية لمواليات المتحدة األمريكية وجنسيا األبيض بين آرائيم النظرية حول
تطبيق القانون والحفاظ عمى حقوق اإلنسان وبين ممارستيم الفعمية الوحشية وغير
أصبلقيا تجاه الجنس األمريكي األسود (األفارقة) والينود الحمر (السكان
ً المبررة
األصميين) ،وال سيما أن يكون ديفيد ليونز وىو الفيمسوف األمريكي التابع لمجنس
األبيض ىو الذي يياجم تمك السياسة ويكشف عن زيفيا وظمميا وصموىا من العدالة،
اما لمقانون
مناديا بالقضاء عمى الفصل العنصري بين كافة الشعب األمريكي احتر ً
ً
وحقوق اإلنسان.
ولمعالجة ىذه اإلشكالية قمنا بتقسيم البحث إلى مقدمة ومبحثين وصاتمة ،تناولنا في
المقدمة - :أىمية الموضوع ومباحثو والمنيج المستصدم
المبحث األول :حقوق اإلنسان في ضوء القانون
المبحث الثاني :موقف ليونز النقدي من العبودية والعنصرية في المجتمع األمريكي
أما الخاتمة فجاءت متضمنة أىم النتائج والتوصيات.
فضبل عن المنيج التاريصي
ً وقد استصدمنا في دراستنا ىذه المنيج التحميمي النقدي
المقارن.
واهلل ولي التوفيق
مثبل لحرية
البد أن يتقدميا واجبات من اإلنسان قبل أن يحصل عمييا؛ فكيف ً
التعبير – وىي عمى رأس الحريات -أن ترتبط بأي شكل من أشكال الواجبات!
فممفرد حق حرية التعبير عن رأيو عبلنية في األمور السياسية وحريتو في الكبلم
والتجمعات والتصويت وحرية الفكر والوجدان والتممك والتحرر من االعتقاالت
()4
فالحرية وما شابييا من التعميم والصحة والعمل والسكن.... والمصدرات التعسفية
إلخ حقوق ال تنطوي عمى واجبات(.)5
وال ينكر ديفيد ليونز أن ىناك بعض الحقوق مرتبطة بأداء الواجبات وىي قميمة
بالنسبة لمحقوق المجردة من؛ وذلك مثل الحصول عمى البضائع والسمع المادية بكل
أشكاليا؛ فتمك يتم توزيعيا بالطبع من صبلل التزامات يقوم بيا األفراد تجاه
المؤسسات العامة أو الصاصة؛ ألن ىذه الواجبات يتولد عنيا حقوق لمفرد والجماعة،
وىذا ما يسمى بعدالة التوزيع بالنسبة لممنافع واألعباء()6؛ لذا ينتيي ليونز إلى أنو
عمى كافة المؤسسات حماية واحترام حقوق اإلنسان( ،)7وأن تضع كل الدول في
حسبانيا حقوق الجميع دون تمييز من أجل إضفاء الشرعية عمى أفعاليا باعتبار أن
تحقيق قيم العدالة من أىم وظائفيا(.)60
لذلك يؤكد ليونز عمى دور القانون في الحفاظ عمى تمك الحقوق؛ فبل أحد
يستطيع أن ينكر أىمية القانون في استقرار المجتمع وحمايتو ،فيو الذي ينظم
()66
من صبلل تنظيم العقود والضرائب السموك اإلنساني ويوجيو ويتحكم فيو
والتراصيص والتحكيم والمفاوضة الجماعية والزواج والعائبلت وبرامج الرعاية
فضبل عن تنظيمو لسموك السمطة
ً االجتماعية وتسوية المنازعات ،وعقاب الجناة،
التنفيذية والقضائية والتشريعية لمعرفة ما ليم من واجبات وما عمييم من حقوق؛
فالقانون يتحدث عن الحقوق والمسئوليات ،الواجبات وااللتزامات ،اإلنصاف
والعدالة ،توفير األمن وتعزيز الحرية()62؛ فالحياة بدون قانون سوف تكون بغيضة
ووحشية وقصيرة وىمجية ،كما يقول ديفيد ليونز(.)65
وبتمك الوظائف المنوط بيا القانون تتحقق العدالة ورفاىية اإلنسان والحفاظ عمى
عالميا ،وبذلك يُصبح لمقانون بُعد أصبلقي وصاصة في عقابو
ً حقوقو المعترف بيا
لممدانين ،حيث إنو يدور حول كثير من الحقوق والمسئوليات األصبلقية()62؛ ومن
ُ
ىنا كان رفض ديفيد لوينز لموقف الوضعية القانونية في فصميا بين القانون
واألصبلق واصتزاليا لمقانون في كونو مجرد انعكاس لموقائع االجتماعية؛ فالقيم
األصبلقية برأي لوينز تؤثر عمى التقييم األصبلقي وبصاصة أن القانون غير معصوم
من الصطأ األصبلقي( ،)63ومع ذلك فمتطمبات القانون واألصبلق ليست متكافئة؛
وتطمبا من تمك التي ُينص عمييا القانون؛ فقد
ً فالمعايير األصبلقية أكثر شموًال
تتطمب األصبلق الكرم والرحمة والصدقة والعفو ..إلى آصر تمك القيم التي قد تقع
المدانين(.)64
أحيانا صارج نطاق المتطمبات القانونية في حالة عقاب ُ
ً
وال يعني ذلك رفض ليونز لدور المجتمع كمصدر لمتشريعات؛ فالقانون الوضعي
–كما يقولُ -متجذر في تاريخ البشرية؛ فكافة المؤسسات ونظميا تتشكل من صبلل
األفعال والق اررات البشرية وتصضع لسيطرة ىؤالء البشر؛ فوفقًا لممفيوم االجتماعي
لمقانون يتم تحديد وجوده ومضمونو من صبلل الحقائق االجتماعية ،ولكن البد أن
مثبل لم يمكن بأي حال من األحوال قبول القوانين التي
يكون ىناك قيود أصبلقية؛ ف ً
تفرض العبودية والعنصرية لتعارضيا مع الحقوق األصبلقية لئلنسان ،وحتى لو قبميا
العبيد أو غمفيا رجال السمطة بمفاىيم أصبلقية(.)65
محكوما؛ فيناك التزام أصبلقي عمى
ً حاكما كان أو
ً وعمى الجميع االلتزام بالقانون
قائما عمى الصوف العقبلني
اما ً الجميع –الحاكم والمحكوم -بطاعة القانون وليس التز ً
من العقوبات القانونية ،بل االلتزام بو لفضائمو في المجتمع؛ فااللتزام ىنا التزام
أصبلقيا
ً داصمي في المقام األول()66؛ فالمسئولون السياسيون مثل الشعب ممزمون
بطاعة القانون واإلصبلص لو؛ ألن االلتزام بالقانون من جانب الرعية ينطمق من
التزام رجال السمطة بعقدىا االجتماعي مع الرعية؛ ذلك العقد المتمثل في التزاميا
ٍ
وعندئذ يجب عمى الدولة في مثل ىذه بمبادئ الدستور والقانون وتحقيق العدالة(،)67
ظا عمى
عادال – وتنفيذه بالقوة من أجل تعزيزه حفا ً
ً الحالة حماية القانون طالما كان
المصمحة العامة ورفاىية المواطنين والتنظيم االجتماعي()20؛ فااللتزام يطمب من
الفرد أو يحظر عميو القيام بشيء ما مع التيديد بالعقوبات في حالة عدم االمتثال؛
فااللتزامات التي يفرضيا القانون البد أن ُيعاقب عمييا في حالة عدم تنفيذىا؛ فعمى
حتما عمى أذى ولكن صيرىا يفوق ضررىا،الرغم من أن العقوبات القانونية تنطوي ً
حيث إن العقوبات تمنع من إيذاء البعض لمبعض اآلصر وبالتالي تحقق االستقرار
المجتمعي؛ فيي بمثابة رسالة تقول :إن انتياك القانون غير مربح لممنتيك(.)26
اجبا عمـى الحـاكم والمحكـوم
واذا كان االلتزام بالقانون العادل الذي يحقق وظائفو و ً
معا؛ فعمى الجانـب اآلصـر إذا جنحـت السـمطة نحـو الظمـم بشـكل أو بـخصر أو جـردت ً
امــا حينئـ ٍـذ عمــى الشــعب عصــيان تمــك الق ـوانين ورفــض
القــانون مــن وظيفتــو؛ فكــان لز ً
أوامــر رجــال الســمطة ،ونــود اإلشــارة ىنــا إلــى أن ىــذا ال ـرفض قــد يتمثــل فــي أشــكال
متنوعـة :األول :العصيييان الرييوري :ويتمثـل فــي اســتصدام العنـف لرفــع الظمــم والحفــاظ
عمى الحريات والقوى المدنية ،كما ىي الحال فـي المظـاىرات العامـة ومـا ينـتج عنيـا
من تصريب وقتل وتعطيل المرور وسد الطرقات( .)22الراني :العصيان المدني :وىـو
صــرق القــانون وع ــدم االمتثــال ل ــو ولكــن بش ــكل ســممي ،دون المج ــوء ألي درجــة م ــن
فضــا لقوانينيــا
درجــات العنــف؛ فيــو مقاومــة ســمبية :كاالمتنــاع عــن دفــع الض ـرائب ر ً
عندما تكـون مجحفـة كـي تسـتجيب السـمطة وتقـوم بتغييرىـا لصـالح الجماعـة وتحقيـق
التوازن داصل المجتمـع( .)25والرالث :االسيتنكاف الضيميري :ويتمثـل فـي عـدم امتثـال
الف ــرد المس ــتنكف ض ــميرًيا ل ــبعض القـ ـوانين الت ــي ق ــد تتع ــارض م ــع المب ــادئ والق ــيم
اما لقدسية
فضا لمقتال واسالة الدماء ،واحتر ً
واألصبلق؛ كرفض التجنيد داصل الجيش ر ً
الحياة ،أو رفض الطبيـب لعمميـات القتـل الـرحيم أو عمميـات اإلجيـاض غيـر المبـررة
موقفـا مـن اليقظـة الضـميرية
أصبلقيـا لكـل شـصص أن يتبنـى ً
ً أصبلقيا()22؛ فمن الجائز
ً
التي تتمثل في االستنكاف الضميري(.)23
والس ـؤال ىنــا :م ـإذا تبنــى ديفيــد ليــونز مــن تمــك األشــكال المصتمفــة لمعصــيان؟ أقــر
لوينز النوعين األصيرين فقط من العصيان :االستنكاف الضميري والعصيان المدني؛
فقــد رفــض ليــونز العصــيان الثــوري صوفًــا مــن عواقبــو التــي قــد تــدمر المجتمــع عنــد
حــدوث المواجيــة بــين الث ـوار والدولــة ،ويقــر فقــط باالســتنكاف الضــميري والعصــيان
المـدني المــذين ىمــا رفــض لبللتـزام السياســي وعــدم االمتثــال لتمــك القـوانين الظالمــة أو
الحياد عـن تنفيـذ القـوانين التـي ال تكـون عادلـة؛ حيـث يـرى ىـؤالء العصـاة أن النظـام
فــي حاجــة إلــى إصــبلح ،والقــانون فــي حاجــة إلــى تعــديل؛ ف ـبعض الق ـوانين قــد تكــون
فاس ــدة م ــن الناحي ــة األصبلقي ــة()24؛ في ــأتي االس ــتنكاف الض ــميري والعص ــيان الم ــدني
لمضغط عمى المسئولين لتحقيق األمن والعدالة واإلصبلح بكافة أنواعـو والتحـرر مـن
الصــوف وزيــادة الحريــات؛ فحرمــان األف ـراد مــن حريــاتيم بالتيديــد والســجون وحرمــانيم
حتمــا إلــى عصــيان
مــن م ـوارد الحيــاة األساســية التــي قــد تســبب فــي رفــاىيتيم يــؤدي ً
القــانون بــل يمغــي مبــررات شــرعية الدولــة( .)25والمبلحــظ عمــى ىــذا التقســيم بالنســبة
ألنواع العصيان أن العصيان المدني والثوري صاصان بالمجموع داصل الدولة ،حيـث
يعــم الظمــم جميــع المـواطنين ،أمــا االســتنكاف الضــميري فيــو حالــة فرديــة ،قــد تصــص
ُ
ـردا أو أكثــر مــن بــين أف ـراد المجتمــع؛ وذلــك حســب الوظيفــة والزمــان والمكــان ،أو
فـ ً
حسب ما يتمقاه مـن أوامـر مـن جيـة السـمطة؛ فاالحتجـاج ميمـا كـان شـكمو فيـو نـداء
موجو لمسمطة بتغيير سموكيا أو تنقيح قوانينيا أو إلغائيا إذا لزم األمر ،وعمى الدولة
أن تســتجيب؛ ألن العص ــيان بك ــل صــوره ي ــؤدي إل ــى تعطيــل األم ــور داص ــل الدول ــة،
ـر
دائمــا مــا يرحبــون باســتيقاف الســمطات ليــم؛ ألن ىــذا يعــد منبـ ًا
وأصــحاب العصــيان ً
لتحدي القـانون سـواء كـان ىـذا المنبـر مـن صـبلل األقنيـة $القانونيـة أو محكمـة الـرأي
العام(.)26
وىــذا العصــيان الــذي ىــو صـ ٍ
ـال مــن العنــف يعنــي احتـرام الشــعب لمســمطة القانونيــة
واالعتـراف بيـا مــن حيـث المبـدأ؛ فينــاك التـزام أصبلقــي بطاعـة القـوانين ومــن ثـم البــد
مــن وجــود مبــررات أصبلقيــة لعصــيانيا مــن جانــب المــدنيين()27؛ فعمــى المــرء طاعــة
مقدسـا القوانين وااللتزام بيا ما دام ال يوجد مبرر ٍ
كاف لعصـيانيا()50؛ فالقـانون لـيس
ً
لدرجة عدم عصيانو؛ فقـد تكـون قـوانين ىشـة كالجثـث اليامـدة ،وقـد تكـون فـي صدمـة
القمع السياسي لتبرير ممارسات الييمنة العرقية والجنسية؛ فكمـا أن القـانون موضـوع
لصدمــة العدالــة فكــذلك قــد يــتم االنحـراف بــو لصدمــة الظمــم()56؛ لــذا فالعصـاة المــدنيون
أصبلقيا بطاعة القـوانين الظالمـة وال طاعـة أصـحاب السـمطة وأنصـارىم
ً ليسوا ممزمين
المقــاومين لمعدالــة النتفــاعيم مــن تمــك األوضــاع الظالمــة؛ ممــا يــدفعيم لمــدفاع عنيــا
أحيانـا السـتصدام أسـاليب غيـر مشـروعة ضـد ىـؤالء
ً ضد ىؤالء العصاة ،بل ويدفعيم
وغالبا ما يشوه ىؤالء حركة العصيان ىذه في نظر الجماىير واصفين إياىا
ً العصاة،
بالحركات التصريبيـة واإلرىابيـة وقمـب نظـام الحكـم ،واصـفين أصـحابيا بعمـبلء الـدول
الصارجيــة لمقضــاء عم ــى اســتقرار الدولــة وانتي ــاك ســيادتيا؛ لــذا فقم ــع الحكومــة لي ــذا
العصــيان المشــروع أو تجاىمــو قــد يــؤدي لظيــور العنــف (العصــيان الثــوري) كمرحمــة
تالية لمعصيان المدني(.)52
لذا يحث ليونز المجندين عمى عدم طاعة رجال السمطة في أوامرىم بقتل العصاة
المدنيين ،حيث ال يجب أصبلق ًيا االنصراط في أعمال اإلبادة الجماعية ضد ىؤالء
المدنيين األبرياء()55؛ فمع أن الجندي المتطوع ُممزم بطاعة أوامر رؤسائو إال أنو
غير ُممزم بطاعة ما يتنافى مع اإلنسانية واألصبلق والضمير ،وىكذا الحال بالنسبة
قضائيا بتنفيذ أوامر المسئولين بإصدار أحكام السجن
ً مزما
لمقاضي فيو ليس ُم ً
والقتل واإلعدام ضد ىؤالء؛ فبل يجب تنفيذ أوامر صاصة باإلبادة الجماعية لتنافييا
مع االلتزامات األصبلقية – وىذا ما يسمى باالستنكاف الضميري كشكل من أشكال
العصيان -وىذا بمثابة مأزق أصبلقي لمجندي والقاضي؛ ألنو قد يضطر لدفع حياتو
ثمنا لعدم طاعة رؤسائو ،ولكن ىذا أفضل من الناحية األصبلقية من طاعة وتنفيذ
ً
األوامر الظالمة()52؛ فعمى أصحاب العصيان المدني أن يضعوا في حسبانيم
وتوقعاتيم أنو البد من وجود ردود أفعال قاسية ضدىم من أصحاب السمطة
غالبا ما يشن الحاكم المستبد حرًبا دون رحمة وال ىوادة ضد
ومعاونييم المنتفعين؛ ف ً
حائبل ضد إدارتو لشئون الدولة حتى لو كان بشكل سممي(.)53
من يقف ً
ومنعا لحدوث ذلك وما قد يترتب عميو من ظيور لحركات العنف يرى ليونز أنو
ً
البد أن يكون ىناك التزام سياسي عادل من رجال السمطة تجاه الشعب أوًال ،ىذا
االلتزام الذي يفترض فيو التوزيع العادل لممنافع واألعباء عمى أفراد الشعب دون
تحيز لفئة دون أصرى ،كي يكون ىناك التزام سياسي بطاعة القوانين من األفراد؛
فالتزام السمطة وعدليا ُمقدم عمى التزام الجماىير؛ فاألول شرط لتحقيق الثاني()54؛
فالعدالة فضيمة اجتماعية كما يقول جون رولز( )55حيث تتطمب من المسئولين
فالقانون العادل شيء والتطبيق العادل شيء آصر؛ فبلبد من العدالة اإلجرائية عمى
المستوى العممي بجانب العدالة القانونية عمى المستوى النظري(.)22
وبالتالي ال مبرر لآلراء التي تذىب إلى أن أولئك العصاة يتصرفون بشكل غير
قانوني داصل نظام يحترمونو؛ فالعصيان المدني صرصة احتجاجية بدافع من
ظا
الضمير اإلنساني لتنبيو المسئولين من االنزالق تجاه الظمم ومصالفة العدالة حفا ً
غالبا ما
عمى الدولة واستقرارىا ،وعمى الدولة االلتفات لتمك المطالب وبصاصة أنو ً
يقوم بالعصيان المصمحون أصحاب الوعي باعتباره مقاومو سممية لمضغوط
السياسية السائدة في مجتمعاتيم()23؛ وعميو ال يوجد أي مسئولية أصبلقية أو صطأ
أصبلقي لدى ىؤالء العصاة المقاومين لمظمم وانحراف السمطة(.)24
فعمل األفارقة في المزارع أدى إلى إثراء األمريكيين األوربيين المستعمرين بشكل
غير عادل عمى حساب األفارقة وبعض من الينود الحمر (السكان األصميين)()27؛
وعميو فقدت أعداد كبيرة من األفارقة الحرية والوطن واألسرة والعديد من حقوقيم
اإلنسانية في ظل ظروف مروعة لمتجارة الدولية لمعبيد ،حيث تم التعامل معيم ومع
لممستعبد ،يستصدميا حسب
أوالدىم وأحفادىم عمى مدار الزمن كممتمكات شصصية ُ
رغبتو ومصالحو؛ فكانت قيمة العبيد االقتصادية ىي الدافع لوحشية العبودية في
المجتمع األمريكي(.)30
ولتقنين تمك األوضاع قام المجمس التشريعي االستعماري صاصة في فرجينيا عام
6433م بتنظيم ممارسة االستعباد وتشجيع استيراد العبيد العتماد المستعمرة بشكل
متزايد عمى العمل بالسصرة ،واستمرت ىذه العمميات التشريعية حتى أواصر القرن
التاسع عشر أي حتى حرب تحرير العبيد عام ( ،)36()6643وقد وضعت ىذه
التشريعات حياة ىؤالء العبيد بالكامل في يد مالكيم ىم ونسميم وجعميم صاضعين
مدى الحياة لعبودية ىذا المستعمر األوروبي ،الستصداميم لجميع المقاصد
واألغراض( ،)32حتي الطفل وفق تشريعات فرجينيا (6442م) يتبع حالة أبويو في
مستعبدا ،بل في عام 6447م أصدر المجمس التشريعي كذلك أن
ً العبودية أي يولد
مذنبا بارتكاب جناية القتل أثناء تأديبو الحد عبيده(.)35
مالك العبيد ال يكون ً
وبالجممة فقد عانى الرقيق األفارقة ظروفًا وحشية مروعة( ،)32وبادئ ذي بدء
رفض ديفيد ليونز من حيث المبدأ الغزو األوروبي إلى األمريكتين باعتبار ذلك
فضبل
ً اغتصابا ألراضييم واستعمارىا
ً ظمما لمسكان األصميين ىناك (الينود الحمر) و
ً
عن التعذيب واإلبادة التي ما زالت تُمارس بشكل أو بخصر صارج إطار القانون ،وىذه
حقائق محايدة موضوعية ال ينكرىا التاريخ وال يجب الطعن فييا أو التشكيك بيا –
كما يقول -فبعد اكتشاف كولمبيس لؤلمريكتين عام (6276م) ،قام األوربيون بغزو
فضبل
ً األ ارضي األمريكية واستعمارىا وجردوا السكان األصميين من ممتمكاتيم بالقوة
عن المذابح الجماعية لمنساء والشيوخ واألطفال مما دفع بيم لمفرار واليرب لمجنوب
المدمر ،وقُير الناجون منيم وتم
سمي فيما بعد باسم درب الدموع ُ
عبر طريق ُ
استعبادىم بشكل أو بخصر حتى اليوم ،وصاروا محرومين من حقوقيم بجانب
األوربيين المستعمرين أو األوربيون األمريكيون كما سموا فيما بعد ،وىذا التوسع
االستعماري العدواني الغاشم أدى النتفاضات ىندية في أمريكا دون أي انتصار
ُيذكر ،حيث لم يتمكنوا من صنع جيش وقيادتو؛ فكان البقاء لؤلقوى ومازال؛ لذا
فاألمر بحاجة -كما يقول ليونز -إلى جراحة اجتماعية جادة لتصحيح أوضاع
طارحا سؤ ًاال في غاية األىمية في ىذا المسار
ً ىؤالء داصل المجتمع األمريكي،
التصحيحي أال وىو :ىل من الممكن ومن األفضل لمعدالة التصحيحية إعادة
األراضي المغتصبة لمقبائل اليندية التي كانت تحتفظ بيا قبل ىذا الغزو األوروبي؟
وال يتحرج وىو األمريكي األوروبي في كشف قناعتو التي تنص عمى إعادة
األراضي المغتصبة ىذه إلى وضعيا األصمي أي إلى أصحابيا الشرعيين والتي
اغتصبت منيم بطرق غير شرعية ،وىذه اإلعادة بمثابة تصحيح لمظمم وتحقيق
لمعدالة في ضوء حقوق اإلنسان؛ فالحقوق األصمية لؤلسبلف تكون من حق نسميم
عبر األجيال المصتمفة عن طريق الميراث؛ فيذه حقوق أصبلقية صاصة بالممكيات ال
يجب إنكارىا ،صاصة أن ىؤالء األحفاد ما زالوا مقيورين بالميراث في حين أن
()33
فضبل عن إعادة تشكيل أوضاعيم االجتماعية
ً حقوقيم الموروثة ُحرموا منيا
وترتيبيا عمى نحو إنساني يحقق العدالة ليم من أجل تشكيل مجتمع كامل ليم يتسم
بدال من تعرضيم لمتمييز العرقي بشكل ممنيج حتى اآلن ،وىذا كمو
باالستقرار ً
الرغم من إلغاء نظام العبودية ومنح الجميع الجنسية األمريكية إال أن ذلك تم
استبدالو بتشريعات جيم كرو( ،)37وقد كان القانونيون عمى دراية بوحشية تمك
التشريعات الظالمة ومنافاتيا لمعدالة وحقوق اإلنسان كما يقول ليونز (الحكم
األلخاقي والىظريت القاووويت ص)28؛ تمك التشريعات الظالمة التي ُوضعت من
جانب المجالس التشريعية األمريكية لتقنين الفصل العنصري لمجنس السود حيث
استبعدت ىؤالء من التصويت االنتصابي والمناصب العامة والوظائف اليامة اإلدارية
والسياسية ،وازالة كل المكاسب السياسية واالقتصادية التي حققيا السود صبلل فترة
اإلعمار بعد تحرير العبيد عمى أثر الحروب األىمية (،)40()6653 – 6655
حقا بقاء العمل بيذه القوانين حتى عام 6743م؛ أي بعد تحرير
والبلفت لبلنتباه ً
ىؤالء السود بقرن من الزمان!
فما زال ُيمارس الظمم والبلمساواة واإلىانات والقمع االجتماعي عمى األمريكيين
فضبل عن المذابح (أواصر القرن
ً السود مع اإلفبلت من العقاب ،وتم إعدام اآلالف
)67التي دمرت تمك المجتمعات السوداء التي بدأت في االزدىار بعد إلغاء
العبودية واعادة اإلعمار عقب الحروب األىمية التي حررت ىؤالء العبيد عام
6643م؛ فكميا ممارسات تعبر عبلنية وبشكل سافر عن إىانة عميقة –كما يقول
ليونز -أليديولوجية تفوق العرق األبيض عمى ما سواه ،ومن ثم واجو األمريكيون
ممنيجا في األماكن العامة والمواصبلت والتعميم والصحة
ً تمييز
ًا السود األفارقة
والتوظيف؛ فبل يوجد رعاية طبية ليم مثل األمريكان األوربيين مما أدى الرتفاع
مستويات الوفيات وصاصة لمرضع ،وانصفاض متوسط العمر المتوقع؛ مما دفع
بالرئيس بيل كمينتون عام 6775م إلى االعتذار نيابة عن الحكومة األمريكية عما
فعمتو إزاء الجنس األسود من حيث حرمانيم من العبلج الفعال والمتاح لعبلج
مرض الزىري الذي انتشر ما بين [ ]6752 - 6752م ،وما يقال عن الصحة يقال
تماما()46؛ فالمرافق العامة وامكان اإلقامة
كذلك عن المساكن والمدارس المتدنية ً
تماما بين األمريكيين األفارقة واألمريكيين األوربيين ،وقد تم
وغيرىما غير متكافئة ً
منع ىؤالء السود من الوصول لموظائف والمين الماىرة ،حتى أعماليم اليدوية
أجور تماثل جيدىم المبذول مما أدى لزيادة معدل
ًا بالزراعة لم يتقاضوا عمييا
البطالة بينيم؛ فحدثت فجوة عميقة في امتبلك الثروة بين السود والبيض؛ مما أدى
الفتقار الجنس األسود وعدم امتبلكيم لممال وموارده ،وتركيم بدون أموال عندما
()42
مع تعرضيم في ذات الوقت لقسوة يواجيون األمراض أو الكوارث الطبيعية
ضبل عن اإلكراه
الشرطة وتحيزىا لمجنس األبيض والسجن غير المبرر؛ ف ً
واالغتصاب والتعذيب والتشويو والقتل؛ فقد تم قتل السود األمريكان بشكل صارج عن
القانون مع اإلفبلت من العقاب ،حتى صار القتل وسيمة لقمعيم لعدم مطالبتيم بأي
حقوق والسيما إن كانت حقوقًا سياسية كالمشاركة في االنتصابات وغيرىا؛ فقد حرم
ىؤالء من الحماية في ضوء القانون ،وكانوا يفتقرون إلى حقوقيم القانونية في
الحياة()45؛ فكل ىذا –كما يقول ليونز -بمثابة انتياك صارخ لحقوق اإلنسان
ولمواجب األصبلقي الذي يُحتم عمينا احترام اآلصرين في التعامل من صبلل
االعتبارات اإلنسانية بصرف النظر عن اصتبلفيم أو اتفاقيم معنا أو أي تميز
عنصري؛ ألن ىذا االنتياك أدى إلى أضرار اقتصادية وجسدية ونفسية تركت آثار
عميقة عمى األمريكيين األفارقة حتى اليوم( ،)42وقد فشل المسئولون في مقاضاة
مجرمي جرائم القتل واالعتداء واالغتصاب ىذه عندما يكون الضحايا من الجنس
معا()43؛ فسيادة القانون كانت
السود ،وبذلك انتيكت حقوق اإلنسان وسيادة القانون ً
زائفة في ىذا الجانب حيث ظل ىذا الجنس األسود يُعاني من العنف والتفرقة
المستويات داصل الييئة االجتماعية ،عمى أن يكون التعامل وفق اعتبارات إنسانية
مع رفع كل مظاىر العنصرية؛ فكل ما يحدث يكشف عن تناقض صارخ في اإلدارة
األمريكية بين صطابيم عن حقوق اإلنسان وبين ممارستيم ضد الجنس األسود
األفريقي؛ فيذا عمى أصبلقي كما يقول ديفيد ليونز()52؛ فمع أن الدستور األمريكي
وتأمينا
ً وتحقيقا لمسبلم الداصمي والصارجي
ً كماال واقامة لمعدل
ييدف إلى اتحاد أكثر ً
لمحريات لؤلجيال الحالية والقادمة مع تعزيز الصالح العام ،إال أنو يغض الطرف
تماما عن فكرة العبودية والعنصرية في المجتمع األمريكي دون اتصاذ صطوات ً
حازمة تجاه الجنس األبيض في تعاممو مع الجنس األسود؛ لذا يتساءل لوينز :أين
مبادئ الحرية والعدالة االجتماعية لمجميع التي تتشدق بيا الواليات المتحدة من
صبلل دستورىا! فبلبد أن يؤسس الدستور عمى تحقيق الرفاىية العامة وتوفير
الحقوق لمجميع من الجنسين؛ ألن تمك الحقوق ممك لئلنسان وال يجب التصرف فييا
من جية الدولة حسب التقييم العنصري بين األبيض واألسود؛ ألن ىذا بمثابة
تحقيق لمصالح وسعادة جنس عمى حساب آصر ،أو حساب األكثرية (الجنس
األبيض) عمى حساب األقمية (الجنس األسود)؛ فيذا مبدأ المذىب النفعي الذي
ينكر الحقوق المعنوية وال ييمو إال المنفعة المادية المحسوسة ،والذي يسعى لتحقيق
أكبر قدر ممكن من السعادة ألكبر عدد ممكن من الناس غير واضع في اعتباره
سعادة القمة ،ومن ثم فحسب حساب النفعية ىذا سوف يتولد صراع بين الصالح
العام (صالح الجنس األبيض) وبين صالح األقمية وحقوقيا (الجنس السود)()53؛ ففي
مذىب المنفعة العامة تكون التشريعات لصدمة وسعادة األكثرية؛ فالمذىب النفعي
بناء عمى ما تحققو من رفاىية ألكبر عدد من المواطنين من
ُيقيم مؤسسات الدولة ً
صبلل إشباع الرغبات واالىتمامات ،ولكن قد تتعارض مصالح األقمية مع مصالح
األكثرية وبالتالي عمى الحكومة أن تراعي مصمحة الجميع؛ فمن الصطأ أن يقتصر
دورىا عمى تحقيق مصالح األكثرية وتيميش األقمية ،التي قد تصتمف مع األكثرية
في المون أو الجنس()54؛ فبل يجوز التضحية بحقوق األقمية من أجل رفاىية األكثرية
كما تزعم النفعية ،إن مذىب المنفعة بيذا الشكل يكرس ولو بشكل غير مقصود
لبلستمرار في العبودية والعنصرية لتحقيق المصالح ألصحاب العبيد لزيادة اإلنتاج
باعتبارىم ىم األكثرية()55؛ وبالتالي قد يكون ىناك تناقض بين مذىب المنفعة وبين
حقوق اإلنسان صاصة حقوق المساواة والحريات ،حيث يتم تقييد سموك األقمية من
أجل سعادة األغمبية؛ فإذا كان الجنس األبيض ىو األغمبية في الواليات المتحدة
أبدا أن تكون ليم السيادة والسيطرة في التشريع لصالحيم ،ضاربين
فيذا ال يبرر ً
بمصالح األقمية عرض الحائط؛ لذلك رفض ليونز مبدأ المنفعة العامة ىذا في مجال
التشريعات السياسية ،لتكريسو لسيادة األكثرية وىم ىنا الجنس األبيض عمى حساب
األقمية وىم ىنا الجنس األسود والينود الحمر؛ حيث قد تتعارض مصالح األقمية مع
مصالح األكثرية ،حتي لو كانت األقمية عمى صواب( ،)56والحق أنو ال مانع وفق
ىذا المذىب النفعي من تسصير األقمية ،وال مانع من الكذب والحنث بالوعود وعقاب
األبرياء وانكار حقوق األقميات إذا اقتضي األمر لتحقيق رفاىية المجموع؛ مما يؤدي
الصتبلل ميزان العدل( ،)57وىذا ما انتبو إليو جون رولز حيث رفض تقييد الحريات
والمساواة وتيميش األقمية واىدار كافة حقوقيم تحت مبدأ المنفعة العامة()60؛ حيث
قد ُيحرم بعض األفراد من الرفاىية أو من منح أنصبة عادلة في التوزيع كاآلصرين
(األكثرية) إذا كان ىذا يترتب عميو رفاىية األكثرية؛ فالعدل عند رولز ىو الفضيمة
األولى في الييكل السياسي لمدولة حيث تتوزع جميع الطيبات من المال والجاه
والحريات والفرص واحترام الذات وفق قوانين العدالة المعمول بيا في إطار توزيع
()63
بسبب معاممة الجنس األسود أصبلقيا في ىذا الجانب
ً فالمجتمع األمريكي مفمس
بشكل يتناقض مع المبادئ اإلنسانية من ناحية الحقوق()64؛ حيث ليس ليم حقوق
أشصاصا ذوي قيمة إنسانية مع أن الدستور ينص عمى
ً الرجل األبيض وكأنيم ليسوا
شيئا ولكن لم يستطع تأمينو؛ لذا يري لوينز
احترام جميع المواطنين؛ فالدستور أقر ً
امتياز وحصانات واضحة مع آليات
ًا أن عمى الدستور األمريكي أن يعطي ليم
تأمينو()65؛ لذا يؤكد ليونز عمى أنو :ىناك مجموعة من المعتقدات العنصرية والقيم
اليرمية (السياسية واالجتماعية) يجب مناىضتيا ليس فقط عمى المستوى المحمي
بل العالمي لتحقيق المساواة بين جميع أفراد الجنس البشري دون تمييز فيذا بمثابة
منح قيم لممجتمع العالمي الكبير(.)66
خاتمة
من صبلل دراستنا لموقف ديفيد ليونز من العنصرية وحقوق اإلنسان في أمريكا
توصمنا لمنتائج التالية:
-6وجود تناقض صارخ وسافر في سياسة الواليات المتحدة بين تشدقيا
بالحريات وحقوق اإلنسان من جانب وتدعيميا لمعنصرية والعبودية من جانب آصر.
-2من الصطأ فصل القانون عن األصبلق؛ ألن القوانين البد أن تكون مبررة
ثانيا ،ما دام مقصدىا رفاىية
أصبلقيا أوًال وتحت التقييم األصبلقي بصفة مستمرة ً
ً
اإلنسان.
-5أن مذىب المنفعة العامة ال يصمح في التشريعات السياسية إلىدار حقوق
األقمية من أجل سعادة األغمبية ورفاىيتيا.
-2البد من منح تعويضات مادية ومعنوية لمينود الحمر وممارسة حياتيم
بدال من عزليم بالمحميات الطبيعية ،لكي
الطبيعية داصل المدن والواليات األمريكية ً
الهوامش
أستاذ، ) فيمسوف أصبلقي وسياسي وقانوني أمريكي - 6753( ) ديفيد بيرى ليونز6(
في الفمسفة من جامعة ىارفارد بإشراف جون.حصل عمى درجة الدكتوراه. الفمسفة في جامعة بوسطن
الجوانب األصبلقية لمنظرية القانونية مقاالت عن، في مصمحة المحكومين: ومن أىم مؤلفاتو. راولز
حقوق، حقوق االنسان والصالح العام، ترابط الحقوق والواجبات،القانون والعدالة والمسؤلية السياسية
،الشجاعة والمقاومة لسياسية، الحكم األصبلقي والواقع التاريصي والعصيان المدني، ضد اإلنسانية
تعويضات العبودية وجيم كرو
(2( Lyons , David. " Utility and Rights," Nomos, Vol. 24, Ethics, Economics,
and the Law (1982), American Society for Political and Legal Philosophy, pp.
113 : 115.
(3( Lyons , David. " Rights against Humanity", pp. 208 : 215.
(4( Lyons, David. "Rights, Claimants, and Beneficiaries" American
Philosophical Quarterly, Vol. 6, No. 3 (Jul., 1969), University of Illino p.
175.
(5( Lyons , David. Rights, Welfare, and Mill's Moral Theory (New York:
Oxford University Press, 1994) .PP. 153, 161. & Lyons , David. " Utility and
Rights", p. 110.
(6( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , Cambridge University Press,
1984, pp. 125, 130.
(7( Lyons , David. "The Correlativity of Rights and Duties," Nôus,Vol. 4,
No.1, (1970), .pp. 45, 47, 54.
(8( Lyons , David. Rights, Welfare, and Mill's Moral Theory, PP. 23, 25. & -
Lyons, David. "Rights, Claimants, and Beneficiaries" pp. 175, 180, 184.
(9( Lyons , David. " Utility as a Possible Ground of Rights," Nôus ,Vol.14,
No.1, (1980), p. 18.
(10( Lyons , David. " Rights against Humanity" The Philosophical Review,
Vol. 85, No. 2 (Apr., 1976), Duke University Press, p. 213.
(11( Lyons , David. In the Interest of the Governed: A Study in Bentham's
Philosophy of Utility and Law ,Oxford University Press, 1973 .p. 57.
(12( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , Cambridge University Press,
1984 .pp. 1, 8, 42.
(13( Lyons , David. " Normal Law, Nearly Just Societies, and Other Myths of
Legal Theory," in Archiv für Rechtsund Sozialphilosophie ,Vol.55 (1993), p.
14.
(14( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , p. 61.
(15(Lyons , David. " Moral Judgment and Legal Theory”, p. 64.
(16( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , p. 70.
(17( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , pp. 64 , 107, 108.
(18 (Lyons , David. " Normal Law, Nearly Just Societies, and Other Myths of
Legal Theory", p. 13 , 14 , 19.
(19( Lyons , David. " Need, Necessity, and Political Obligation" Virginia Law
Review, Vol. 67, No. 1, (Feb., 1981), p. 63.
(20( Lyons , David. "The Utilitarian Justification of the State,” in The Norton
Introduction to Philosophy, ed. Rosen,et al. (New York: W.W. Norton, 2015),
p. 963 , 964.
(21( Lyons , David. In the Interest of the Governed, pp. 48 , 57, 62.
(22) Raz, Joseph. the Authority of Law Raz,: Essays on Law and Morality,
Oxford University Press, 1979.: p. 264.
(23) Raz, Joseph. the Authority of Law: p. 262.
(24) Raz, Joseph. the Morality of Freedom. oxford University, 1986.
p. 111. &: Raz, Joseph.the Authority of Law: pp. 2, 3..
(25) Raz, Joseph. " Authority and Consent", Virginia Law Review. vol. 67,
No. 1 (Feb., 1981,.p. 130.
(26( Lyons, David. "Legal Formalism and Instrumentalism -- A Pathological
Study" Cornell Law Review, Volume 66, Issue 5 June ,1981, Article 2. p.
955.
(27( Lyons , David. "The Utilitarian Justification of the State”, pp. 963 , 964.
العـدد،2062 نـوفمبر، عـالم المعرفـة، ترجمة أسامة الغزولـي، مشروع الديمقراطية:) ديفيد غريبر26(
. وما بعدىا223 ص، الكويت،266
(29( Lyons, David. " Moral Judgment, Historical Reality, and Civil
Disobedience," Philosophy & Public Affairs ,Vol.27,(1998) ,pp 31-49,Wiley
pp. 32 , 33 .
(30( Lyons , David. " Need, Necessity, and Political Obligation" , p. 67. & -
Lyons , David. "Derivability, Defensibility, and the Justification of Judicial
Decisions," The Monist, Vol. 68, No. 3, The Concept of Law (JULY, 1985),
pp. 335, 341.
(31( Lyons , David. Moral Aspects of Legal Theory: Essays on Law, Justice,
and Political Responsibility (NewYork: Cambridge University Press, 1993)
.pp. x , ix.
(32( Lyons, David. " Moral Judgment, Historical Reality, and Civil
Disobedience," .pp. 46 , 47.
(33( Lyons , David. " Justification and Judicial Responsibility" California
Law Review, .p. 193.
(34( Lyons, David. " Derivability, Defensibility, and the Justification of
Judicial Decisions", pp. 344 , 345. Moral Aspects of Legal
Theory,pp.120,132
(35( Lyons , David. " Normal Law, Nearly Just Societies, and Other Myths of
Legal Theory", p. 18.
(36( Lyons, David. " Moral Judgment, Historical Reality, and Civil
Disobedience," .p. 35.
(37( Lyons , David. " Nature of the Contract Argument," Cornell Law
Review,Vol. 59,issua.6 (1974)Articie.2, p. 1064.
(38( Lyons , David. " Formal Justice, Moral Commitment, and Judicial
Precedent," Journal of Philosophy,Vol . 81 , No.10, (1984), pp. 580, 583.
(39( Lyons , David. " Moral Judgment and Legal Theory”, p. 65.
(40( Lyons, David. "The Internal Morality of Law" Proceedings of the
Aristotelian Society, New Series, Vol. 71 (1970 - 1971), pp. 105, 106.
(41( Lyons , David. " The Connection Between Law and Morality: Comments
on Dworkin," Journal of Legal Education,Vol 36 . No.4 (1986), p. 486.
(42( Lyons, David. "The Internal Morality of Law", pp. 105, 106. & Moral
Aspects of Legal Theory,pp.5-7
ونقمــو إلــى العربيــة أحمــد لطفــي، ترجمــو مــن اإلغريقيــة إلــى الفرنســية بــارتممي ســانتممير، السياســة:( أرســطو25(
.677،200 ص.م2006 ، الييئة المصرية العامة لمكتاب، القاىرة،السيد
(44(Lyons, David. "Legal Formalism and Instrumentalism -- A Pathological
Study", p. 961. & Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , p. 194. &
Moral Aspects of Legal Theory,p.43
(45( Lyons, David. "Courage and Political Resistance”, Boston University
Law Review,Vol.90, (2010), pp. 1756, 1757.
(46( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , p. 108 .
(47( Lyons, David. “Slavery and the Rule of Law in Early Virginia”, in
Confronting Injustice, Oxford University Press, 2013, pp.1, 6 .
(65( Lyons, David. “Slavery and the Rule of Law in Early Virginia”, p. 19.
(66( Lyons, David. " Moral Judgment, Historical Reality, and Civil
Disobedience", pp. 38, 39.
(67( Lyons, David. "Reparations for Slavery and Jim Crow, p. 5.
(68( Lyons, David. "Reparations for Slavery and Jim Crow, pp. 1, 2.
(69( Lyons , David. " Reconstructing Legal Theory" Philosophy & Public
Affairs, Vol. 16, No. 4 (Autumn, 1987), p. 309.
(70( Lyons, David. "Reparations for Slavery and Jim Crow, pp. 6, 7.
(71( Lyons , David. " Corrective Justice, Equal Opportunity, and the Legacy
of Slavery and Jim Crow”, pp. 1378 : 1380.
(72(Lyons , David. " Moral Judgment and Legal Theory,” Ius et Lex (2005), p.
82.
(73( Lyons , David. " Moral Limits to Dworkin’s Theory of Law and Legal
Interpretation,” Boston University Law Review,Vol. 90 (2010), pp. 599, 601.
(74( Lyons , David. " Corrective Justice, Equal Opportunity, and the Legacy
of Slavery and Jim Crow”, p. 1403.
(75( Lyons , David . Forms and Limits of Utilitarianism ,Oxford University
Press, 1965. P. 52. & Lyons , David. " Human Rights and the General
Welfare," Philosophy & Public Affairs ,Vol.6.No.2(1977), pp. 113 : 115.
(76( Lyons , David. In the Interest of the Governed, pp. 24, 34, 67, 92.
(77( Lyons , David. Ethics and the Rule of Law , pp. 121, 130.
(78( Lyons, David. " Was Bentham a Utilitarian?. Royal Institute of
Philosophy Lectures " Volume 5 , March 1971, .pp. 200, 210, 212.
. د: ترجمة ودراسة، أعبلم الفمسفة السياسية المعاصرة: كينيث مينوج،( أنطوني دي كرسنبي57)
.665 ،662 ص6774 ، الييئة العامة لمكتاب، القاىرة،نصار عبداهلل
(80( Lyons , David Barry . "Rawls Versus Utilitarianism" The Journal of
Philosophy, Vol. 69, No. 18, (Oct. 5, 1972), p. 536.
.666 – 662 ص،( أعبلم الفمسفة السياسية المعاصرة66(
(82( Lyons , David . Forms and Limits of Utilitarianism , .pp. 119, 136. &
Lyons , David. “The Social Dimension of Rights,” Journal of Social
Philosophy, V. 44 (2013), p. 45.
(83( Lyons , David. “The Social Dimension of Rights”, pp. 46, 47, 49,.
(84( Lyons , David. "Rights and Recognition" Social Theory and Practice,
Vol. 32, No. 1 (January 2006), Florida State University Department of
Philosophy .p. 2 .
(85( Lyons , David. " Normal Law, Nearly Just Societies, and Other Myths of
Legal Theory", pp. 23, 26.
(86( Lyons , David. " Justification and Judicial Responsibility" California
Law Review, Vol. 72, No. 2 (Mar., 1984), pp. 195, 196.
(87( Lyons, David. "Basic Rights and Constitutional Interpretation," Social
Theory and Practice ,Vol.16, No.3, (1990), Florida State University
Department of Philosophy pp. 338, 352.& Moral Aspects of Legal
Theory,p.186
(88( Lyons , David. “The Social Dimension of Rights”, pp. 8, 13, 14.
المصادر والمراجع
) المصادر األجنبية (مؤلفات ديفيد ليونز- :أوًال
Books:
1. Lyons, David Barry. Forms and Limits of Utilitarianism,
Oxford University, 1965.
Articles:
6. Lyons, David Barry. "Rawls Versus Utilitarianism" The
Journal of Philosophy, Vol. 69, No. 18, (Oct. 5, 1972), pp. 535-
545
7. ______. "Rights and Recognition" Social Theory and
Practice, Vol. 32, No. 1 (January 2006), pp. 1-15, Florida State
University Department of Philosophy.
8. ______. "The Correlativity of Rights and Duties, "
Nôus, Vol. 4, No. 1, (1970), pp. 45-55
9. _
_____. " Was Bentham a Utilitarian?. Royal Institute of
Philosophy Lectures " Volume 5, March 1971, pp 196 -؟
10. ______. "Justification and Judicial Responsibility"
California Law Review, Vol. 72, No. 2 (Mar., 1984), pp. 178-
11. ______. "Need, Necessity, and Political Obligation"
Virginia Law Review, Vol. 67, No. 1, (Feb., 1981), pp. 63-77
12. ______. "The Internal Morality of Law" Proceedings of
the Aristotelian Society, New Series, Vol. 71 (1970 - 1971), pp.
105-