You are on page 1of 124

‫جامعة سطيف ‪-2-‬‬

‫كمية الحقوق والعموم السياسية‬


‫مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام‬
‫تخصص حقوق اإلنسان والحريات العامة‬

‫بـعـنـوان‪:‬‬

‫الحق في التنوع الثقافي‬


‫تحت إشراف‪:‬‬ ‫من إعداد الطالبة‪:‬‬
‫الدكتور‪ :‬بمعيد مويسي‬ ‫زراري حبيبة‬

‫أعضـاء لجنـة المنـاقشـة‬


‫‪ -1‬األستاذ الدكتور‪ :‬برقوق محند ‪ .............................................‬رئيسا‬
‫مشرفا ومقر ار‬ ‫‪ -2‬الدكتور‪ :‬مويسي بمعيد ‪...........................................‬‬
‫‪ -3‬األستاذ الدكتور‪ :‬زواوي موسى ‪ ....................................‬عضوا مناقشا‬

‫السنة الجامعية‪2014 – 2013 :‬‬


‫مـقدمـة‪:‬‬

‫لقد شيدت حقوق اإلنسان تطورات ىامة عمى مستويات عدة منيا القانوني‪ ،‬فكانت البداية بصدور‬
‫إعالنات الحقوق محمية كانت‪ ،‬إقميمية أو عالمية‪ .‬ثم تبني العديد من االتفاقيات الخاصة بحقوق اإلنسان‬
‫إلى غاية إنشاء بعض المحاكم واألجيزة الخاصة بحماية بعض الحقوق‪ ،‬غير أن حقوق اإلنسان كمفيوم‬
‫دينامي جعمو يخضع إلى جدل واسع بين تيارات فكرية مختمفة خاصة بعد صدور اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان عن الجمعية العامة لألمم المتحدة عام ‪ 1948‬الذي كان وال يزال يشكل مرجعية دولية نافذة‬
‫لمكثير من االتفاقيات الدولية والعيود الدولية التي أصبحت من المصادر األساسية الممزمة في القانون‬
‫الدولي‪ ،‬ولمدساتير الوطنية ومختمف التشريعات الوطنية‪ ،‬وبالمقابل لقي انتقادات شديدة سواء من طرف‬
‫الدول النامية والتي تمثل مناطق ثقافية مختمفة عن تمك التي تولت صياغة اإلعالن المعبر عن الثقافة‬
‫الغربية المشبعة بالمسيحية وبفكرة القانون الطبيعي‪ ،‬حيث ارتأت فيو استم ار ار لإلمبريالية أو الييمنة‬
‫الغربية‪ ،‬أما بعض الغربيين فيرون فيو تعبي ار عن الخصوصية الثقافية الغربية‪ .‬رغم أننا نستشف من خاللو‬
‫محاولة الجمع بين ما يعرف بحقوق الجيل األول وحقوق الجيل الثاني‪-‬إن صح ىذا التصنيف‪-‬خاصة‬
‫وأن العيدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية‪ ،‬والحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫لعام ‪ 1966‬قد كرسا أو عب ار عن فكرة تجزئة الحقوق وامكانية الفصل بينيا‪.‬‬

‫وبالنسبة لبرنامج عمل فيينا لعام ‪ 1993‬ومن خالل المؤتمرات التحضيرية لو (سان خوسيو‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬بانكوك) فقد شكل دافعا لمتوجو الحقوقي واالنتقال من فكرة االزدواجية في الحقوق‪ ،‬إلى تكامل‬
‫الحقوق وتفاعميا ورفض التجزئة بينيا‪ ،‬واعترف بالخصوصيات اإلقميمية والوطنية والخمفيات الثقافية‬
‫والدينية والتاريخية لحقوق اإلنسان فإن ذلك لن يكون عمى حساب حماية وتعزيز حقوق اإلنسان والحريات‬
‫األساسية (الجزء األول‪ ،‬الفرع الخامس)‪ .‬وشكل بذلك بداية تحول رئسي في مسار حقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫أما عمى المستوى المفاىيمي والعممي فقد عرفت حقوق اإلنسان كذلك تطورات ىامة إذ لم تعد‬
‫الحقوق مرتبطة بالقاعدة القانونية التي لم تعد تعني بدورىا التعبير عن اإلرادة العامة بقدر ما أصبحت‬
‫ىي نتيجة عمميات وآليات التعاقد والتفاوض وبروز لدور الفرد من خالل ظيور أشكال خاصة لمتنظيم‬
‫الذاتي عن طريق المجتمع المدني‪ ،‬المنظمات الغير حكومية‪ ،‬قواعد السموك وكذا عممية الدسترة‬
‫المجتمعية‪ .‬فكل ىذه األشكال أبرزت دور الفرد وأوضحت تراجع دور الدولة الوظيفي‪ ،‬حيث ظيرت فواعل‬

‫‪1‬‬
‫أخري تنافسيا في وضع المعايير القانونية سواء كانت ذات طبيعة وطنية أو فوق وطنية( ظيور مرجعيات‬
‫جديدة) ‪.‬‬

‫وفي سياق ذات التطورات نجد تراجع عممية األقننة‪ ،‬إذ لم يعد الحق مرتبطا بالقانون‪ ،‬فغياب‬
‫القاعدة القانونية ال يبرر غياب الحق‪ ،‬كما توسع نطاق أصحاب الحقوق حيث لم يعودوا محصورين في‬
‫األفراد أو المجموعات بل تعدى ذلك إلى فئات جديدة من أصحاب الحقوق وظيور فئات جديدة لحقوق‬
‫اإلنسان خاصة في ظل ما بات يعرف بالتيديدات العابرة لمحدود السيما البيئية منيا‪ ،‬والتي أصبحت‬
‫تشكل أحد أىم التحديات التي تواجييا اإلنسانية‪.‬‬

‫أما عمى صعيد الثقافة التي تعتبر بدورىا مفيوما ديناميا‪ ،‬فإن التنوع الثقافي كمفيوم يشير إلى‬
‫اتسام الثقافة البشرية بسمة التنوع واالختالف لذلك يسعى كل مجتمع لمحفاظ عمى ىويتو وما يميزه ويعبر‬
‫عن خصوصيتو واستقاللو عن باقي الثقافات األخرى‪ ،‬رغم أنو ال يمكن إنكار االعتماد المتبادل في ىذا‬
‫العالم المتعولم‪ 1‬ما سيل من إنتشار ثقافات عمى حساب ثقافات أخرى و بدا أن بعضيا بدأ يفرض ىيمنتو‬
‫عمى سائر الثقافات األخرى‪ .‬فالمجتمعات الحديثة في أغمبيا مجتمعات متعددة ثقافيا وأن الدول لم تعد تمك‬
‫المتجانسة ثقافيا بفعل عوامل كثيرة نذكر منيا تزايد اليجرات من الجنوب إلى الشمال ما يعني إنتقال‬
‫الثقافات إلى بمدان تمتاز بثقافة أو قيم ثقافية مختمفة عن ىذه الثقافات الوافدة‪ ،‬إضافة إلى اإلستعمال‬
‫الواسع لوسائل التكنولوجيا الحديثة والذي قرب بين البشر وأثر عمى األشكال الرمزية والممارسات الثقافية‬
‫والسموكات وأنماط الحياة بشكل عام‪ ،‬ونقض الطابع اإلقميمي لمثقافة ما طرح رىانات كثيرة تتعمق بمدى‬
‫كون ىذه العوامل ستؤدي إلى ظيور أشكال جديدة من التنوع أم إلى عممية التنميط والتوحيد الثقافيين‪ ،‬أو‬
‫بصيغة أخرى ىل أن تعميم أنماط ثقافية معينة سيقابمو تنشيط أو إحياء ألشكال من المقاومة الثقافية‬
‫باسم الحفاظ عمى اليوية أو الذاتية الثقافية؟ ألن التمسك بالخصوصية الثقافية لن يكون سيل التحقيق في‬
‫ظل ىذه المتغيرات‪.‬‬

‫لذلك فالحق في التنوع الثقافي يؤكد أزمة براديغم حقوق اإلنسان بين العالمية والخصوصية وىو ما‬
‫يستوجب إشراك جميع الثقافات في رسم مسارات حقوق اإلنسان إنطالقا من فكرة المساواة بين الثقافات‬
‫وحقيا في اإلختالف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Aziza Bennani; «valeurs universelles et diversité culturelle», in Unité de l'homme, diversité de de l'humain,‬‬
‫‪Actes de la 7ème rencontre internationale de Carthage (10-14 mars 2003), Académie tunisienne des lettres et des‬‬
‫‪arts, p. 30.‬‬
‫‪2‬‬
‫وفي إطار حقوق اإلنسان دوما فإن التنوع الثقافي ىو حق أساسي شأنو في ذلك شأن باقي‬
‫الحقوق‪ ،‬وأن تغييبو من خالل تغييب الحق في التعدد واالختالف إنما ىو تغييب لحقوق اإلنسان ألن‬
‫الحق في التنوع الثقافي يتطمب تعزيز الحريات األساسية كحرية التعبير‪ ،‬وعدم التعرض ألي تمييز عمى‬
‫أي أساس‪ ،‬وكذلك قدرة األفراد عمى إختيار أشكال التعبير الثقافي وحقيم في المشاركة أو عدم المشاركة‬
‫في الحياة الثقافية ‪ ،‬أي أن وجود بيئة مواتية لمتنوع الثقافي يسيم بشكل كبير في اإلحترام الكامل لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،1‬وأنو ال يجوز اإلستناد إليو كمبرر إلنتياك الحقوق أو الحد من نطاقيا‪ ،‬فمنح الحقوق الثقافية‬
‫يتيح لجميع األشخاص الحق في حرية التعبير عن أنفسيم واإلحترام الكامل لمحقوق الثقافية والمشاركة‬
‫في الحقوق الثقافية‪.‬‬

‫كما شيدت العقود الخمسة األخيرة بروز حركات فكرية وسياسية تقودىا مجموعات مختمفة‪:‬‬
‫شعوب أصمية‪ ،‬أقميات وطنية‪ ،‬دول وأمم اثنوثقافية‪ ،‬المياجرون الجدد‪ ،‬الحركات النسوية‪ ،‬أنصار البيئة‪...‬‬
‫والتي تعبر عن ممارسات‪ ،‬طرق وأنماط حياة مختمفة نسبيا عن الثقافة السائدة في العديد من المجتمعات‪،‬‬
‫فكل فئة تحمل فك ار وتصو ار ىدفو مقاومة تجانس المجتمع وحقيقة اإلدماج المرتكزة عمى صحية مفيوم أو‬
‫تصور واحد ألشكال وأنماط الحياة‪ ،‬ساعية إلى جعل المجتمع يعترف بشرعية اختالفاتيا من خالل القبول‬
‫واالحترام والتأكيد العام والعم ني ليذه اإلختالفات سواء بالمعاممة عمى قدم المساواة مع باقي أفراد المجتمع‬
‫وعدم التمييز ضدىا أو المطالبة باحترام اإلختالف والخصوصية مما يتطمب إحداث تغييرات والقيام‬
‫بترتيبات قانونية‪ ،‬سياسية‪ ،‬اقتصادية وتغييرات في السموكات وطرق التفكير تجسد التأكيد الرمزي ليذه‬
‫االختالفات ولو في حدىا األدنى‪.‬‬

‫وعميو فالتنوع الثقافي في المجتمعات المتعددة الثقافات ىو إنعكاس لواقعيا أكثر مما ىو رفض‬
‫اإلدماج وعممية التنميط أو التوحيد الثقافيين‪ .2‬لذلك فالتنميط الثقافي لم يعد عامال لتحقيق اإلستقرار‬
‫والتماسك اإلجتماعيين‪ ،‬وىو األمر الذي أدى إلى إعادة النظر في العديد من المفاىيم واعادة تشكيميا عمى‬
‫غرار الدولة‪-‬األمة المرتبطة بمفيوم التجانس الثقافي إلى دولة متعددة الثقافات يقع عمييا ميمة التوفيق‬
‫بين احترام التنوع الثقافي وضمان الوحدة السياسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Article 2 de la convention sur la protection et la promotion de la diversité des expressions culturelles de 2005.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Pareekh Bhikhu; «Rethinking Multiculturalism», cultural diversity and the political theory,Mc Millan,Oxford‬‬
‫‪press,2000,p.03.‬‬
‫‪3‬‬
‫إن الحق في التنوع الثقافي قد عاد إلى البروز في ظل تحديات ومتغيرات جديدة بعد أن كانت‬
‫العالمية ىي السمة المميزة لحقوق اإلنسان والتي كثي ار ما إستبعدت التنوع الثقافي وعبرت عن ىيمنة‬
‫وامبريالية غربية رفضتيا الكثير من األطراف‪ .‬لذلك إرتبط الحق في التنوع الثقافي بالمسائل التالية ‪:‬‬

‫‪-1‬ثنائية عالمية‪-‬خصوصية حقوق اإلنسان التي ثبتت عدم صحتيا وضرورة التوصل إلى البراديغمات‬
‫الجديدة التي يمكن عمى أساسيا بناء الحق في التنوع الثقافي لتطوير المفاىيم التي ترسخ قيم التوافق‪،‬‬
‫التعاون‪ ،‬التعايش‪ ،‬اإلحترام المتبادل‪ ،‬العيش المشترك في ظل اإلختالفات من أجل ممارسة ىذا الحق‪.‬‬

‫‪-2‬التمكين الحقوقي‪ :‬بالنسبة لألقميات‪ ،‬الشعوب األصمية‪ ،‬المياجرون وجميع الفئات التي تعاني من‬
‫االستبعاد الثقافي أو اإلستبعاد بكل أشكالو عمى أسس ثقافية‪.‬‬

‫‪ -3‬التنمية ببعدىا الثقافي القائمة عمى مبدأ التنوع والتي تؤدي إلى تفعيل الحق في التنوع الثقافي من‬
‫خالل ارتكازىا عمى الحرية الثقافية ومبدأ التمكين لصالح جميع الفئات واألجيال ألن اإلستبعاد من أىم‬
‫أسباب إضعاف التنمية ونشوب الصراعات والنزاعات وانتشار حاالت الفوبيا‪.‬‬

‫‪-4‬شرعية المطالب المرتبطة باليوية والتي ىي أقوى بكثير من أي وقت مضى‪ ،‬حيث تشيد المجتمعات‬
‫الحالية بروز ظاىرة إنفجار أزمات اليوية الثقافية والتأكيد عمى اإلختالفات‪.‬‬

‫وعميو فإن تناولنا لموضوع الحق في التنوع الثقافي راجع لسبب رئيسي ىو‪ :‬األىمية الواقعية التي‬
‫يطرحيا الموضوع خاصة في ظل التحديات الراىنة‪ ،‬فالتنوع الثقافي قديم قدم البشرية ذاتيا كون خاصية‬
‫التنوع مالزمة لمثقافات‪ ،‬غير أن التنوع الثقافي لم يعد ترفا فكريا بل أصبح يشكل واقعا جديدا‪ ،‬ويطرح‬
‫تحديات كبيرة عمى مستوى كل دولة وعمى المستوى الدولي ككل‪.‬‬

‫كما أن موضوع الحق في التنوع الثقافي يطرح العديد من األسئمة في غاية الصعوبة والتعقيد من‬
‫جميع الجوانب سواء عمى مستوى كل دولة أو عمى المستوى الدولي‪ ،‬غير أن اإلشكالية الرئيسية التي‬

‫نطرحيا ىي‪ :‬كيف يمكن بناء الحق في التنوع الثقافي دون إقصاء عالمية حقوق اإلنسان‬
‫لمخصوصيات الثقافية؟‬

‫لذلك كان تقسيمنا لمموضوع إلى فصمين طرحنا فييما السؤالين التاليين‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫كيف كان تعامل عالمية حقوق اإلنسان مع الحق في التنوع الثقافي؟ ويندرج ضمنو سؤالين رئيسسين‬
‫يتعمقان بموقف المنتصرين لمخصوصية من ذلك؟ وما مدى صحة البراديغمات الجديدة لحقوق اإلنسان؟‬
‫أما الفصل الثاني فقد خصصناه لدراسة ىذه الظروف والتحديات التي أعادت إبراز ىذا الحق ومدى‬
‫تأثيرىا عميو‪.‬‬

‫ونظ ار لمطبيعة العبر تخصصية لمموضوع سوف نعتمد عمى المنيج التحميمي الوصفي الذي‬
‫يمكنننا من ضبط حقيقة التنوع الثقافي ‪ ،‬فتش عب الموضوع وتداخل االعتبارات واإلشكاالت واألسئمة التي‬
‫يطرحيا أدى بنا إلى استخدام العمميات التالية‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬النقد والتقييم من خالل شرح‪ ،‬نقد وتقييم بعض اإلعالنات والنصوص القانونية واإلتفاقية ذات الصمة‬
‫مثل اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وكذا برنامج عمل فيينا لحقوق اإلنسان‪ ،‬اإلعالن بشأن التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬وكذا االتفاقية الخاصة بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعابير الثقافية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عممية التحميل والوصف وذلك بصفة تمكننا من فيم طبيعة مكونات الموضوع من خالل عممية‬
‫تفكيك الكل إلى أجزائو ورده إلى العناصر المكونة لو وتحميل العالقة بين الحق في التنوع الثقافي‬
‫والتنمية اإلنسانية وبينو وبين المواطنة المتعددة الثقافات والحقوق الثقافية كما قمنا بتحميل دور الفواعل‬
‫المنوطة بتحقيق ىذا الحق‪.‬‬

‫كما إستعممنا المنيج التاريخي في العديد من المرات قصد تتبع تطورات الحق في التنوع الثقافي‬
‫ومسار الحقوق الثقافية وكذا السياق التاريخي لتطور الحقوق ومأسستيا‪.‬‬

‫أما عن أىمية الموضوع فيمكن القول أن الحق في التنوع الثقافي يحضى بأىمية بالغة في عالمنا‬
‫المتعولم والمتنوع والتي يمكن حصرىا في نقطتين رئيسيتين‪/1 :‬طغيان ثقافات عالمية متنوعة استطاعت‬
‫أن تؤثر عمى الثقافات المحمية مما يؤثر عمى ىذه األخيرة وأصبحت أكثر اندماجية مما كانت عميو وذلك‬
‫نظ ار لسيولة العمميات التواصمية التي أحدثيا مجتمع المعمومات‪ ،‬فالثقافات ال توجد بمعزل بل تعتمد عمى‬
‫بعضيا البعض وفرص تقاربيا وتبادليا أكثر منيا إلى تنافرىا وتباعدىا‪.‬‬
‫‪ /2‬بروز أطروحات جديدة استطاعت اختراق العالم ثقافيا وىذه الييمنة الثقافية التي تروج المبريالية ثقافية‬
‫جديدة قائمة عمى فكرة التوحيد والتنميط الثقافي والتي أثرت عمى قيم وثقافات مجموعات وضياع ذواتيم‬
‫وىوياتيم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫إن ىذين اإلعتبارين قد ساىما في بروز إشكالية التنوع الثقافي إلى الواجية إنطالقا من أىميتيا‬
‫الكبرى في بناء الدولة الديمقراطية‪ ،‬فالتنوع الثقافي ىو حصيمة حريات الناس والخيارات التي يتخذونيا وأن‬
‫قمع الحريات الثقافية ىو السبب في النزاعات واالستبعاد االجتماعي‪ ،‬السياسي واالقتصادي عمى أساس‬
‫الثقافة وىو ما يسيم في إبقاء ش اررة العنف والتوترات‪.‬‬

‫مساىمة التنوع الثقافي في تنوع العديد من البمدان اقتصاديا وسياسيا عبر سياسات متعددة الثقافات وعبر‬
‫احتراميا لثقافة األقميات وخياراتيم‪.‬‬

‫إذا كانت الديمقراطية والتنمية وتماسك الدولة أمو ار جوىرية‪ ،‬فإن عدم اىتمام الدولة بخمق سياسات‬
‫متعددة الثقافات تكرس ثقافة االختالف تعبر عن جوىر الديمقراطية‪ ،‬وبالتالي عدم اتخاذ ترتيبات‬
‫واجراءات لتأطير ذلك وبدون إعطاء الفرصة لمجميع‪ ،‬فبواسطة ثقافة المشاركة يمكن تحقيق االندماج‬
‫الوطني والوحدة الوطنية وتحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية عمى اختالف ىويتيا وثقافتيا ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لإلطار النظري لمدراسة فنشير إلى ظيور نظريات عديدة في الفمسفة السياسية الغربية‬
‫في الستينات من القرن الماضي‪ ،‬إىتمت بموضوع التنوع الثقافي خاصة في ظل تنامي المطالب المتعمقة‬
‫بحقوق األرض والحكم الذاتي بالنسبة لمشعوب األصمية وكذلك المتعمقة بإرساء قوانين وأنظمة تيدف إلى‬
‫اإلعتراف بمغات األقميات واألخذ بعين االعتبار الحاجات الخاصة بمجموعات المياجرين‪ ،‬وكان من أبرز‬
‫ىذين النظريات‪:‬‬

‫‪-1‬نظرية العالمية )‪ :(l'universalisme‬سواء كانت عبر القانون أو الحقوق فيي تنظر إلى الشخص‬

‫صاحب الحقوق بإعتباره مجردا‪ ،‬وبذلك لم تعطي أىمية لمختمف اإلنتماءات أو اإلختالفات‪ ،‬فيي تعترف‬
‫بالكرامة المتساوية لممواطنين ومن ثم المساواة في الحقوق‪ 1‬وأن منح الحقوق يكون عمى أساس العالمية‬
‫والمساواة والحرية مع ضرورة توفير ضمانات أساسية ليذه الحقوق وبالتالي قولبة األفراد ضمن الثقافة‬
‫المييمنة‪.2‬‬

‫لكن يبقى لمفرد إنتماءات مختمفة( ثقافية‪ ،‬عرقية‪ ،‬دينية‪ )....‬ال يمكن بأي حال من األحوال‬
‫تجاىميا‪ ،‬لذلك ظيرت نظريات أخرى تدعو إلى إحترام اإلختالفات الثقافية ومنيا‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Danièle Lochak, «Le Droit et les Paradoxes de L'universalité», PUF, 2006, Pp. 135-136.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -2‬الطرح المجمعاتي (‪ :)le communautarisme‬وكان من أبرز رواده ‪ charles taylor‬الذي‬

‫أسس نظريتو "سياسات اإلعتراف"‪ ،‬ثم جاء بعدىا الفيمسوف الكندي ‪ Will Kymlicka‬وان كان ينتسب‬
‫إلى التيار الميبرالي فإنو قد رافع من أجل التأسيس لشكل ديمقراطي ليبرالي لمتعددية الثقافية‪ .‬فإلى جانب‬
‫الحقوق التي تمنح لمفرد يجب منح الحقوق لما يسمى بجماعات اإلنتماء ‪ ،‬لذلك رافع من أجل السياسات‬
‫الثقافية التي تأخذ بعين اإلعتبار اإلختالفات الثقافية ( بموجب الدساتير الوطنية‪ ،‬القوانين واألنظمة‬
‫األساسية) وأن تتخذ إجراءات وترتيبات لمحد من اإلسبعاد السوسيوثقافي‪ ،‬وقد تأثر بيذا الطرح برنامج‬
‫األمم المتحدة لمتنمية لعام ‪" 2004‬الحرية الثقافية في عالم متنوع"‪ ،‬حيث دعا إلى شكل جديد لممواطنة‬
‫وىي المواطنة المتعددة الثقافات التي تسمح لمحقوق الثقافية أو الخاصة ببعض الجماعات بأن تمتد إلى‬
‫الفضاء العام‪ ،‬ألن المواطنة التقميدية ركزت عمى استقاللية الفرد واقصاء االختالفات الثقافية وانحصار‬
‫الحقوق الثقافية في الفضاء الخاص‪ .‬وبذلك تبدو ىذه النظرية ىي األنسب لمحق في التنوع الثقافي‪.‬‬

‫أما عن أدبيات الدراسة فإننا نشير إلى أن موضوع الحق في التنوع الثقافي موضوع ومعقد جدا‬
‫ليس من السيل التحكم فيو واحاطتو من جميع الجوانب‪ ،‬وىو جد متشعب حيث ال نجد مرجعا واحدا‬
‫تناولو بكل جزئياتو‪ ،‬حيث وجدنا بعض الجزئيات المتعمقة بالموضوع مشتتة بين المراجع‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اختالف طرق تناولو وموقعو بين الحقوق نظ ار الختالف المرجعيات التي يستند إلييا كل باحث‪ ،‬ومن‬
‫أىم الدراسات واألدبيات التي اعتمدنا عمييا نذكر‪:‬‬

‫"‪ ،"Rethinking multiculturalism‬بعنوان "‪ / Pareekh Bhikhu‬كتاب ‪1‬‬

‫الذي من خاللو حاول التأسيس لنظرية جديدة لمتنوع الثقافي تتجاوز الطرح األحادي القائل بعدم‬
‫تأثر اإلنسان باإلختالفات الثقافية وتعارض الطرح البنييوي الذي ينفي وجود سمات عالمية مشتركة‬
‫فيؤسس نظريتو عمى كل من الوحدة واالختالف‪ ،‬كما دعا فيو إلى حتمية إجراء حوار ثقافي انطالقا من‬
‫نفيو لوجود ثقافة عديمة القيمة كميا أو ثقافة كاممة تحتكر وتختزل الحقيقة اإلنسانية وتممك حق فرض‬
‫معاييرىا وأيديولوجيتيا عمى الثقافات أو المجتمعات األخرى‪ ،‬كما قام بدراسة الردود الميبرالية المعاصرة‬
‫عمى ظاىرة التنوع الثقافي خاصة عند كيمميكا‪ ،‬راولز‪ ،‬وجوزيف راز‪ .‬كما خمص فيو إلى نتيجة مفادىا أنو‬
‫ال يمكن الحكم عمى أية ممارسة ثقافية بمعزل عن السياق المجتمعي الذي نشأت عمى فيو‪.‬‬

‫"‪ "The end of multiculturalism‬بعنوان ‪ /Mc Ghee‬كتاب " ‪2‬‬

‫‪7‬‬
‫وركز فيو عمى بعض ميددات الحق في التنوع الثقافي خاصة قوانين مكافحة اإلرىاب في الو‪.‬م‪.‬أ‬
‫وبريطانيا بل ذىب إلى أبعد من ذلك حيث تطرق إلى مأسسة حاالت الفوبيا من بعض الثقافات التي‬
‫تضمنتيا ىذه القوانين‪.‬‬

‫" ‪ ، "The multiculturalism cityzenship‬بعنوان ‪/"Will Kymlicka‬كتاب ‪3‬‬

‫لمنظرية الميبرالية التي تضع في مركز اىتماماتيا الفرد‬ ‫والذي كان منصبا عمى إيجاد نقد‬
‫كصاحب لمحقوق والمستفيد الوحيد منيا‪ ،‬وتنكرىا أو تحفظيا عمى فكرة حقوق الجماعات حيث دعا إلى‬
‫ضرورة االعتراف بوجود شعوب وأمم داخل الدولة يجب االعتراف ليا بسمسمة من الحقوق‪ ،‬وبذلك اقترح‬
‫نموذجا لممواطنة ىو المواطنة المتعددة الثقافات – والذي لم يسمم بدوره من االنتقادات‪ -‬حيث يسعى ىذا‬
‫النموذج إلى احتواء كل الجماعات الميمشة واعطائيا حقيا في التعبير الثقافي عن نفسيا لذلك قام‬
‫بتقسيم األقميات إلى شعوب أصمية‪ ،‬مياجرون وأقميات وطنية بل ذىب إلى أبعد من ذلك من خالل‬
‫إعطائيا حقيا في الحكم الذاتي‪.‬‬

‫‪- 4‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪ 4004‬المعنون "بالحرية الثقافية في عالمنا المتنوع"‪:‬‬

‫والذي إعتبر أن التنوع الثقافي ركنا ىاما من أركان التنمية البشرية أي دعا إلى ضرورة اعتماد‬
‫مقاربة توسيع التنمية لتشمل الجانب الثقافي عبر توسيع الحريات الثقافية‪ ،‬وقد اعتمدنا عميو بشكل كبير‬
‫من خالل عرضنا ألىم ميدد لمحق في التنوع الثقافي أال وىو االستبعاد الثقافي الذي يطال كافة الفئات‬
‫الميمشة‪ .‬لذلك دعا إلى تمكينيا من المشاركة بفعالية في الحياة السياسية االقتصادية والثقافية وتوظيفيا‬
‫في تطوير التنمية والمشاركة وقد رفض بعض المقوالت منيا‪:‬‬

‫‪ ‬توحيد أو وحدة الدولة يقوم عمى رفض التنوع‪.‬‬


‫‪ ‬تضارب القيم يؤدي إلى النزاعات بين الجماعات العرقية‪.‬‬
‫‪ ‬البمدان المتنوعة أقل قدرة عمى النمو والتنمية بل أعطى مثال عن نجاح النموذج الماليزي المتنوع‬
‫ثقافيا خاصة في الفترة الممتدة بين الستينات والسبعينات‪.‬‬
‫‪ ‬ترجيح تقدم بعض الثقافات عمى غيرىا في مجال التنمية‪.‬‬

‫" ‪ ،"Trois défis pour un droit mondial‬بعنوان‪ "Mireille Delmas Marty‬كتاب ‪5‬‬

‫‪8‬‬
‫إعتمدنا عميو خاصة في األسس الفمسفية لمحق في التنوع الثقافي حيث دعت فيو إلى إبراز كل‬
‫الرؤى لالعتراف بحقوق اإلنسان أي أن عالمية حقوق اإلنسان تستمزم تشارك الثقافات واإلغناء المتبادل‬
‫بينيا‪ ،‬منتقدة بذلك ما يراه البعض بعالمية اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان مقرة بأنو وليد الثقافة الغربية‪،‬‬
‫كما كان ليا الدور البارز في إبراز الفرق بين محاوالت التوحيد بمعنى التنميط ومحاوالت تحقيق التناغم‬
‫التي تتوافق مع التعددية‪ ،‬وتخدم فكرة االختالفات بل تسعى إلى تحقيق التقارب والتبادل الثقافي دون‬
‫إحالل عالقة الييمنة بينيا وبين مختمف األنظمة القانونية عكس فكرة التوحيد الذي يعمل عمى محو‬
‫الطابع المحمي لحقوق اإلنسان وذلك بوضعيا في قالب واحد وموحد‪.‬‬

‫" ‪ le droit et les paradoxes de l'universalité‬لألكاديمية الفرنسية "‪ "Daniele Lochak‬كتاب ‪6‬‬

‫الذي انتقدت فيو العالمية باعتبارىا ال تعبر فعال عن التنوع الثقافي‪ ،‬كما أن ظيور مطالب‬
‫األقميات والمجموعات في الحقوق الثقافية شكل أحد أىم االنتقادات الموجية ليا‪ .‬وقد حصرت تناقضات‬
‫العالمية كمايمي‪:‬‬

‫‪ ‬وحدة اإلنسانية وامكانية وضع معايير صالحة عالميا متجذرة في التاريخ والثقافة الغربية غير أن‬
‫ىذا ال يمكن تقاسمو عالميا‪.‬‬
‫‪ ‬الوصول إلى العالمية يقتضي تجاوز االنتماءات الفردية (فكيف يمكن أن تبنى العالمية عمى‬
‫حساب استبعاد اليويات الفردية والجماعاتية؟)‬
‫‪ ‬تجريد العالمية والحقيقة االمبريقية ليست كذلك (اإلختالفات الموجودة في الواقع مقابل حقوق‬
‫اإلنسان العالمية المجردة)‬

‫‪ -7‬رسالة دكتوراه في جامعة أربيل تحت عنوان " إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي‪ :‬جدلية‬
‫اإلندماج و التنوع" لمدكتور حسام الدين عمي مجيد‪ .‬والذي دار حول اإلشكالية المتعمقة بكيفية التعامل‬
‫مع واقع التنوع الثقافي‪ ،‬الديني والمغوي في مجتمعات العالم المعاصر‪ ،‬كما تطرق فيو إلى النظريات التي‬
‫نشأت حول التعددية الثقافية خاصة نظرية كيمميكا‪.‬‬

‫‪ Petros J.PARARAS‬ل " ‪ "l'impossible universalité des droits de l'homme‬مقال ‪8‬‬

‫‪9‬‬
‫الذي تعرض فيو بالنقد الشديد لمعالمية ومحاولة فرضيا عمى مجتمعات ذات ثقافات مختمفة عن‬
‫تمك التي صاغتيا بصفتيا الحالية بل أكثر من ذلك إعتبر أن العالمية قد تحولت إلى نسبية ‪.‬‬

‫‪ ,diversité culturelle et droits l'homme "la‬بعنوان ‪ Julie Ringelheim‬كتاب ‪9‬‬


‫‪protection des minorités par la convention européenne des droits de‬‬
‫‪l'homme".‬‬

‫وقد ركزت فيو عمى تصاعد التنوع الثقافي في المجتمعات األوروبية و ىو ما طرح العديد من‬
‫النقاشات المعاصرة عمى الصعيد القانوني والتي تمحورت حول مفيوم حماية األقميات اإلثنية‪ ،‬المغوية‬
‫والدينية‪ ،‬كما تناول بالتحميل مساىمة المحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان في حماية األقميات من خالل‬
‫تحميل نقدي لقضاء وأحكام المحكمة‪ ،‬كما تطرقت فيو إلى حدود إحترام الخصوصيات الثقافية وكذلك ما‬
‫تطرحو الفمسفة السياسية حول موضوع التعددية الثقافية واإلختالف في ظل المجتمعات الديمقراطية ‪.‬‬

‫وعمى ضوء اإلشكالية المطروحة ارتأينا ضرورة تقسيم البحث إلى فصمين‪:‬‬

‫جاء الفصل األول بعنوان العالمية وتغييب الحق في التنوع الثقافي تطرقنا في المبحث األول منو‬
‫إلى إستحالة إدراج العالمية لمحق في التنوع الثقافي تعرضنا فييا إلى الطابع الغربي لعالمية حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬الطابع اإلقصائي لعالمية حقوق اإلنسان والخصوصيات الثقافية‪ ،‬الب ارديغمات الجديدة لحقوق‬
‫اإلنسان والتي جاءت كمحاولة لمتخفيف من حدة العالمية‪ ،‬وكان المبحث الثاني بعنوان اإلستبعاد الثقافي‬
‫وتأثيره عمى الحق في التنوع الثقافي‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني فكان بعنوان بروز الحق في التنوع الثقافي في ظل التحوالت والتحديات الجديدة‬
‫وقد قسمناه إلى ثالثة مباحث‪ :‬األول منو تطرقنا فيو إلى دراسة الحق في التنوع الثقافي في ظل التأكيد‬
‫عمى الخصوصيات الثقافية‪ ،‬أما المبحث الثاني فكان الحق في التنوع الثقافي في ظل فواعل الحق في‬
‫التنوع الثقافي‪ ،‬أما المبحث الثالث فقد خصصناه لمحقوق الثقافية والمفيوم الجديد لممواطنة‪ ،‬في حين كان‬
‫المبحث األخير مخصصا لدراسة العالقة بين الحق في التنوع الثقافي والتنمية اإلنسانية المستدامة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل األول‪ :‬العالمية وتغييب الحق في التنوع الثقافي‬

‫إن تطرقنا لموضوع الحق في التنوع الثقافي يقتضي منا أوال أن نناقش مسألة عالمية حقوق‬
‫اإلنسان وعالقتيا بالخصوصية أو ثنائية (العالمية‪-‬الخصوصية) (‪ )universalité-spécificité‬باعتبار‬
‫أن ىناك جدال كبير يتعمق باألبعاد الثقافية والفكرية لحقوق اإلنسان أي المرجعية الثقافية لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫حيث أن اإلشكالية ىنا ليست إشكالية نصوص دولية أو نصوص دستورية قانونية معاصرة بقدر ما تتعمق‬
‫وبدرجة أىم بإشكالية البنية الثقافية السائدة‪ ،‬إذ يمثل خطاب حقوق اإلنسان أحد التعبيرات المعاصرة لثنائية‬
‫الحق والثقافة (‪ )droit-culture‬والتي تشير إلى مضمونين‪:‬‬

‫‪ ‬المضمون األول‪ :‬الحق في ثقافة ما‪ :‬والمقصود بو ىنا ىو حقوق الشعوب في التقاليد والمغة‬
‫اإلثنية والمحمية والعرق‪.‬‬
‫‪ ‬المضمون الثاني‪ :‬الحقوق كثقافة‪ :‬أي الحقوق كتجسيد لمثقافة‪ ،‬باعتبار أن خطاب حقوق اإلنسان‬
‫يتضمن مالمح لثقافة ما أو ذات ما أو مجتمع ما‪ ،‬محاوال التأكيد عمى عالمية حقوق اإلنسان من جية‬
‫وادراك االختالفات الثقافية من جية أخرى من أجل إيجاد أرضية مشتركة لتأسيس الحقوق أو عمى األقل‬
‫بعضيا وتجسد ىذا في الجدل القائم بين العالمية والخصوصية الثقافية والذي يقودنا إلى طرح التساؤل‬
‫التالي‪:‬‬

‫إلى أي مدى يمكن االستفادة من تبني نظام عالمي لمحقوق مع الحفاظ في نفس الوقت عمى‬
‫حماية التنوع الثقافي والثقافات المحمية؟ أو بصيغة أخرى كيف يمكن لنا أن ننطمق أو نصل إلى ما ىو‬
‫عالمي من خالل ما ىو محمي خصوصي دون أن ننزع العالمي من ىذا الخصوصي؟‬

‫ومن ثم كيف يمكن لنا أن نتجاوز فكرة خصوصية الحقوق ‪-‬كون أن ىناك دوما قيما عالمية‬
‫تقتضي منا بناء إنسانيتنا المشتركة من خالل التنوع‪ -‬انطالقا من حقوق اإلنسان التي قد تقودنا إلى‬
‫مشروع إنسانية مشتركة عن طريق خم ق مسار موجو نحو التنمية الروحية لإلنسان في ظل تقاسم ىذه‬
‫االختالف وتكامميا بين المجتمعات الحديثة ما يقتضي منا إعادة النظر في مفيوم عالمية حقوق اإلنسان‬
‫في إطار التنوع‪ ،‬وذلك لن يكون إال بإعادة تأسيسيا ليس عمى العقل وحده كعقالنية وحيدة‪ .‬بل عمى‬

‫‪11‬‬
‫الجانب الروحاني أيضا‪ ،‬ألن العقل ال يمكن لمناس جميعا تقاسمو‪ ،‬وبالتالي االنتقال من البراديغم الوحدوي‬
‫إلى البراديغم التعددي‪.‬‬

‫المحبث األول‪ :‬إستحالة إدراج العالمية لمحق في التنوع الثقافي‬

‫إن المقصود بعالمية حقوق اإلنسان أن كل البشر يتطمعون إلى نظام لمكرامة التي تعد مرجعا‬
‫لمحقوق والحريات التي ىي نتاج كفاح الشعوب وىي بذلك متوافقة مع التنوع الثقافي‪ 1‬الذي تدعو إليو‬
‫المؤسسات والمواثيق الدولية عمى غرار العيد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بموجب‬
‫المادة ‪ 55‬منو والمادتين ‪ 77‬و‪ 79‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬ومن خالل محتوى ىذه المواد‬
‫نجد أن النص عمى ىذه العالمية قد اقترن بضرورة ممارستيا في إطار احترام ثقافات كل شعب‪.2‬‬

‫وعميو فعالمية حقوق اإلنسان تقتضي أن يتم التمسك بيا بواسطة كل البشر من جية وبدون‬
‫تمييز‪ ،3‬ومن جية ثانية فيي عالمية في مواجية كل األفراد والمؤسسات بإعتبارىا الحقوق السامية‬
‫األخالقية التي يجب أن تنظم البنى والممارسات األساسية لمحياة السياسية في جميع الدول‪ ،‬وىي عالمية‬
‫بمعنى آخر ذلك كونيا مقبولة عالميا كمعايير مثمى‪ ،‬عادة ما تعمن الدول قبوليا وااللتزام بالمعايير الدولية‬
‫ليا‪.‬‬

‫كما يمكن إرجاع عالمية حقوق اإلنسان النطباقيا عمى اإلنسان المجرد وبذلك أسست فكرة‬
‫الحقوق عمى مبدأ العقالنية سوا ء عمى المستوى الزماني أو المكاني أو األخالقي‪ ،4‬فحقوق اإلنسان ىي‬
‫استحقاقات تعطى لكل األشخاص وبدون تمييز‪ ،‬وغير قابمة لمتنازل عنيا‪ 5‬وىي ما يجب أن يكون لإلنسان‬
‫لسبب واحد ىو كونو إنسانا‪.6‬‬

‫ويشدد أنصار العالمية عمى ضرورة األخذ بالمفيوم والمبادئ الراىنة كإطار مرجعي‪ ،‬إذ تقوم ىذه‬
‫العالمية عمى قدر من اإلجماع العالمي الرسمي عمى األقل‪ ،‬فأغمب الدول إما وقعت عمى ىذه المعاىدات‬

‫‪1‬‬
‫‪Catherine Kessedjan; « L’influence de la culture sur le droit international et les développements », in‬‬
‫‪culture and international Law, Hague Academy press, 2008, Pp. 36-37.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p. 39.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Martinez gregrio peces buba ; « Théorie générale des droits fondamentaux», LGDJ38, 2004, Pp.271-273.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ann Belinda-S.Preis; «Human Rights Practice: an Anthropological Critique, Human Right Quarterly»,‬‬
‫‪vol 18, 1996, p.288.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Alain de Benoit, Op. Cit., p.19.‬‬
‫‪12‬‬
‫ولم تصادق عمييا بعد‪ ،‬أوأنيا عبرت عن موافقتيا والتزاميا بمحتوياتيا وىذا ىو الطابع العالمي لمعايير‬
‫حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك ينادي أنصار العالمية بضرورة العمل عمى تأصيميا ومشروعيتيا في ثقافات العالم‬
‫المختمفة مع ضرورة النقاش أو الحوار بين الثقافات المختمفة‪.1‬‬

‫ويؤكد ىذا االتجاه أنو بالرغم من االختالف حول مفيوم حقوق اإلنسان وتطبيقيا‪ ،‬فيناك قدر من‬
‫االتفاق أو اإلجماع بين الحكومات عمى أن ىناك عددا من الحقوق يجب حمايتيا تحت قواعد القانون‬
‫الدولي وان كانت ىناك فجوة بين حقوق اإلنسان من الناحية النظرية والناحية العممية أو الجانب‬
‫الممارساتي ‪.2‬‬

‫كما أن عالمية حقوق اإلنسان ىي المبدأ الجوىري الذي يؤسس ألية أخالقيات عالمية‪ ،‬إذ تؤكد‬
‫روح حقوق اإلنسان العالمية بغض النظر عن الطبقة أو الجنس أو العرق أو الجيل‪ ،‬وبالتالي تعتبر‬
‫العالمية من الضرورات األساسية لمحياة الكريمة‪ ،‬وما دامت التعددية ىي السمة المميزة لممجتمعات‬
‫الحديثة فإن الرسالة التي تحمميا ىي أن اليوية الثقافية ىي رد فعل عادل وصحي لضغوط النزعة‬
‫العالمية‪.3‬‬

‫وان كانت أفكار "كانط" خاصة فكرتو عن الحق العالمي (الكوسموبولياني) المستمدة من فكرتو‬
‫عن السالم العالمي‪ ،4‬قد أصمت ليذه العالمية في وحدة األصل البشري أو الطبيعة البشرية والتي تجعل‬
‫من حقوق اإلنسان واحدة في كل مكان وكل محيط وتضفي عميو صفة القداسة‪ ،‬فاإلنسان غاية الكون‬
‫ومن ىذا المنظور تنطمق منو جميع األشياء وتعود إليو‪ .5‬فإن إرجاع أساس عالمية حقوق اإلنسان إلى‬
‫الطبيعة البشرية –والتي تبقى غامضة‪ -‬يعد صحيحا إلى حد ما‪ ،‬ولكن من الضروري النظر إلى عالمية‬

‫‪1‬‬
‫فؾطت ِخجر األٔزرث‪ٌٛٛ‬ع‪١‬ب اٌمبٔ‪١ٔٛ‬خ ثجبر‪٠‬ص (‪ ) LAJP‬فئٔٗ ‪ٚ‬ف‪ ٟ‬اٌضّبٔ‪ٕ١‬بد وبْ اٌزفى‪١‬ر ف‪ ٟ‬ؽم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ ِٓ خالي إدػبء ػبٌّ‪١‬خ اٌمبٔ‪ ْٛ‬اٌغرث‪ّٛٔٚ ٟ‬رط اٌذ‪ٌٚ‬خ‬
‫اٌغرث‪١‬خ‪ ،‬أِب ف‪ ٟ‬اٌزطؼ‪ٕ١‬بد ثذأ اٌزفى‪١‬ر ف‪ ٟ‬ؽم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ ِٓ خالي ر‪ٛ‬ع‪ ٗ١‬اٌجؾش ف‪ ٟ‬إػبدح ِف‪ َٛٙ‬اٌؼبٌّ‪١‬خ ِٓ خالي إدخبي اٌّمبرثبد اٌضمبف‪١‬خ اٌّّىٕخ‪.‬‬
‫‪Cristophe Eberhard; «Les Droits de L’homme au LAJP, Origines et Développements d’une‬‬
‫‪Problématique», Bulletin de liaison du LAJP 23, p.23.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Micheal Freeman; «The Philosophical Foundations on Human Rights», HRQ, vol 18, 1996, p.491.‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬دمحم ِغذ‪ ٞ‬اٌغس‪٠‬ر‪» :ٞ‬البٌيىية والتٌىع البشري « ‪ٚ،‬وٍ‪ٛ‬د ٌ‪١‬ف‪ ٟ‬شزرا‪ٚ‬ش‪ ،‬إٌبشر‪ :‬دار اٌ‪ٛ‬فبء ٌذ‪ٕ٠‬ب اٌطجبػخ ‪ٚ‬إٌشر‪ ، 2002 ،‬اإلضىٕذر‪٠‬خ‪ ،‬ص‬
‫‪.175‬‬
‫‪4‬‬
‫ؽ‪١‬ش أْ فىرح وبٔظ ؽ‪ٛ‬ي اٌؾك اٌى‪ٛ‬ضّج‪١ٌٛ‬زبٔ‪١ٌ ٟ‬طذ أِرا ِجبٌغب ف‪ ،ٗ١‬إر ‪٠‬ر‪ ٜ‬ثأٔٗ ضر‪ٚ‬ر‪ ٞ‬ف‪ ٟ‬اٌمبٔ‪ ْٛ‬اٌغ‪١‬ر ِىز‪ٛ‬ة ٌٍؾك اٌط‪١‬بض‪ٚ ٟ‬اٌذ‪ ِٓ ٌٟٚ‬خالي رؾ‪ ٍٗ٠ٛ‬إٌ‪ٝ‬‬
‫‪Viccente Baretto « Les Fondements Ethiques des Droits de‬‬ ‫إٌ‪ ٝ‬ؽك ػبٌّ‪ٌ ٟ‬إلٔطبٔ‪١‬خ‪ ،‬أٔظر‪:‬‬
‫» ‪L’homme‬‬
‫‪www.bu.edu/wep/papers/huma/huma bar.html‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪13‬‬
‫حقوق اإلنسان في إطار ظرف محدد‪ ،‬فكل ثقافة ليا أن تختار القيم واإلجراءات التي تؤمن حقوق اإلنسان‬
‫بما يتناسب مع خصائصيا الذاتية ألن فرض قيم واجراءات عمييا ىو في حد ذاتو ضد الثقافة وضد‬
‫حقوق اإلنسان في آن واحد‪ .‬بل في كثير من الحاالت كانت العالمية ىي التعبير عن فكرة الييمنة‬
‫واإلمبريالية الغربية‪.1‬‬

‫المطمب األول‪ :‬عالمية حقوق اإلنسان عالمية غربية‪:‬‬

‫وبما أن اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان عد وال يزال مرجعية أساسية لعالمية حقوق اإلنسان فإننا‬
‫سوف نتطرق إلى بعض نصوص اإلعالن والتي تعبر في الحقيقة عن خصوصية ذات وجو غربي في‬
‫فرع أول ثم في فرع ثان نتطرق إلى ما يعرف بالعرقية المركزية كأساس لعالمية حقوق اإلنسان‪ .‬محاولين‬
‫بذلك اإلجابة عن مدى تضمنو لمقيم العالمية وتفاعميا مع الخمفية الثقافية والتاريخية لحقوق اإلنسان وىل‬
‫عبر حقيقة عن طموحات كل شعوب العالم أو باألحرى ثقافات العالم؟‬

‫الفرع األول‪ :‬عالمية حقوق اإلنسان خصوصية ذات وجو غربي‪:‬‬

‫يعتبر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان أول وثيقة لحقوق اإلنسان صيغت في تاريخ اإلنسانية‬
‫وليست مرتبطة بدين معين‪ ،‬بل تناول حقوق كافة أعضاء األسرة اإلنسانية باعتبارىا غير قابمة لمتصرف‪،‬‬
‫لذلك نجده قد جاء بصيغة الشمول باستخدامو كممة إنسان أو فرد أو الناس أو بني البشر‪ ،‬فيو لم يستخدم‬
‫ألفاظا ذات دالالت سياسية أو قانونية مثل كممة مواطن أو رعية فيو ينطبق عمى كل إنسان بغض النظر‬
‫‪2‬‬
‫عن جنسيتو أو تبعيتو لدولة معينة‪.‬‬

‫ويعتبر ىذا اإلعالن الخطوة األولى واألساسية لبناء قواعد متكاممة سعيا لضمان حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫حيث تناوليا بصفة شاممة وبذلك يعد نقطة حاسمة في تاريخ البشرية لمحفاظ عمى كرامة اإلنسان وحريتو‬
‫إذ أكد في مقدمتو عمى االعتراف بالكرامة المتأصمة في جميع أعضاء األسرة البشرية وبحقوقيم المتساوية‬
‫الثابتة كأساس لمحرية والعدل والمساواة ووضحت الصمة بين احترام حقوق اإلنسان وسيادة القانون والحرية‬
‫في النظام الداخمي من جية والى السالم العالمي من جية أخرى‪ ،‬إذ تقوم مواد اإلعالن عمى مرتكزات‬

‫‪1‬‬
‫‪Martinez Gregrio, Peces Buba, Op. Cit., p. 280.‬‬
‫‪ 2‬ػٍ‪ ٟ‬دمحم صبٌؼ اٌذثبش ‪ٚ‬ػٍ‪ ٟ‬ػٍ‪١‬بْ دمحم أث‪ٛ‬ز‪٠‬ذ‪» ،‬حقىق اإلًساى وحرياته« ‪ ،‬دار اٌضمبفخ‪ ،‬اٌطجؼخ األ‪ ،2005 ،ٌٝٚ‬ص‪.62-61‬‬
‫‪14‬‬
‫أساسية تنبع منيا كافة حقوق اإلنسان ىي‪ :‬الحرية‪ ،‬المساواة‪ ،‬وعدم التمييز سواء عمى أساس المون‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الجنس‪ ،‬المغة أو أي وضع آخر سياسي أو قانوني أو إقميمي‬

‫حيث ال تعتبر مبادئ الحرية والمساواة وعدم التمييز ‪-‬التي حرص واضعو اإلعالن عمى تضمينيا في‬
‫اإلعالن‪ -‬تطو ار جديدا بل كشفا لما استقر عميو قبل ذلك في القيم الدينية وفي الفكر الفمسفي والسياسي‬
‫ومبادئ الثورات اإلنسانية الكبرى (الثورة الفرنسية ودستور ‪ 1789‬والدستور األمريكي لعام ‪.)...1779‬‬

‫والمالحظ أن المادة األولى من اإلعالن التي تنص عمى أن ‪ ":‬الناس يولدون أح ار ار‬
‫ومتساوون في الكرامة والحقوق وقد وىبوا عقال وضميرا‪ ،‬وعمييم أن يعامموا بعضيم بعضا بروح اإلخاء"‬
‫كانت معبرة حقيقة عن عالمية حيث تقر كل األنظمة الدينية والعممانية عمى حد سواء بما احتوتو‪.‬‬

‫إال أن أصل المادة لم يكن تمك الصياغة إذ اقتصر فقط عمى العبارة التالية "يولد جميع الناس‬
‫أح ار ار متساوون في الكرامة والحقوق‪ ،‬وقد وىبوا عقال" إال أن تدخل الدبموماسي الصيني " ‪Chang Peng‬‬
‫‪ " Chun‬حال دون بقاء المادة عمى حاليا إذ أن العقل الذي وىب لمناس إنما ىو ذا مغزى غربي قوي‬
‫سيما وأن عصر األنوار تميز بسيطرة العقل عمى كل جوانب الحياة‪.‬‬

‫وبذلك تمت إضافة مصطمح الضمير باعتباره مفيوما قريبا جدا من التصور الكونفوشيوسي‪ ،2‬إال‬
‫أن ىذا المصطمح اصطدم بالحاجز المغوي‪ ،‬فمصطمح الضمير المستعمل في الصيغة الفرنسية و‬
‫اإلنجميزية لم يترجم جيدا المصطمح الصيني "‪ "liangscin‬الذي يستمزم االحترام الراجع إلى اآلخر ال عمى‬
‫الضمير الفردي (‪ ،)La conscience individuelle‬فالصيغة الصينية تستعمل مصطمحين مختمفين‬
‫(‪ Liangscin‬في المادة ‪ 1‬و‪ Yishi‬في المادة ‪ ،18‬في حين أن الصيغتين الفرنسية واإلنجميزية يستعمالن‬
‫والمادة ‪18‬‬ ‫نفس المصطمح لإلشارة إلى الكائنات اإلنسانية المادة ‪ ...( 1‬وقد وىبوا عقال وضمي ار ‪)...‬‬
‫‪3‬‬
‫(لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير‪.)...‬‬

‫‪ 1‬اٌّبدح ‪ ِٓ 2ٚ 1‬اإلػالْ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mireille Delmas Marty; «Les Forces Immaginantes de Droit , Tome II, le Pluralisme Ordonné», Edition du‬‬
‫‪seuil, Février 2006, Pp.13-14.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p.14.‬‬
‫‪15‬‬
‫وعميو فالمادة األولى من اإلعالن يستشف منيا أنيا محاولة إلدماج فمسفة القانون الطبيعي في‬
‫اإلعالن كأساس لمحقوق الواردة فيو إذ أثارت خالفا جوىريا حيث رفضت عدة دول صياغة ىذه المادة‬
‫‪1‬‬
‫خاصة الدول غير األوروبية وىذا الختالف مرجعية حقوق اإلنسان من دولة إلى أخرى‪.‬‬

‫وكذلك األمر بالنسبة لممواد الثالثة والخامسة والسادسة حيث تتسم بالعمومية ألنيا إنسانية التوجو‬
‫وذات بعد كوني‪ ،‬فقد كانت سابقة لجميع األديان السماوية وغير السماوية‪ ،‬فقد نادى بيا فالسفة ومفكري‬
‫‪2‬‬
‫المدارس الرواقية و الكمبية‪.‬‬

‫والمالحظ أن المواد الثالثين لإلعالن قد جمعت بين الحقوق السياسية والمدنية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وفي الغالب كانت مدنية وسياسية ذات طبيعة فردية تقميدية والتي أصبحت كقاعدة‬
‫وركيزة لكافة االتفاقيات واإلعالنات والمواثيق الصادرة بعده والمتعمقة بحقوق اإلنسان ألن اإلعالن أصبح‬
‫كمصدر استشياد بل أنو تجاوز ذلك ليصبح مرجعية لكل ما يخص حقوق اإلنسان في العالم وأكثر من‬
‫مصدر إذ خمق تصورات جديدة تنظيمية اجتماعية‪ ،‬وقيمية سموكية لمحقوق خاصة أنو صدر في فترة بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية أين سادت تصورات إيديولوجية مختمفة أثرت عميو (التصور الميبرالي واالشتراكي)‬
‫فقد كان محاولة لتكريس العالمية وربط فكرة الحقوق باإلنسانية والكرامة المتأصمة في اإلنسان وحريتو دون‬
‫تمييز عمى أي أساس‪.‬‬

‫لكن في الحقيقة فقد أعطى اإلعالن األولوية لمحقوق المدنية والسياسية واالعتراف فقط بالحق في‬
‫الممكية كحق اقتصادي وحيد‪ 3 .‬بما يعني أنو عبر عن الخصوصية الثقافية الغربية وكانت المواد‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫الرابعة‪ ،‬السابعة‪ ،‬السادسة عشر‪ ،‬الثامنة عشر‪ ،‬التاسعة عشر‪ ،‬والواحدة وعشرون‪ ،4‬محل خالف بين‬
‫الدول ولم تكن عالمية أبدا‪ ،‬كون العديد من النظم ال تتفق ومحتواىا ألنيا متناقضة مع مرجعياتيا الدينية‪،‬‬
‫الثقافية‪ ،‬العقدية والفكرية باعتبار أنو ىناك أربع أنظمة أساسية لحقوق اإلنسان‪ :‬األوربي‪ ،‬األمريكي (بين‬
‫األمريكيتين)‪ ،‬اإلفريقي واآلسيوي‪ ،‬وتختمف تصوراتيا عن حقوق اإلنسان سيما وما تضمنو اإلعالن من‬
‫حقوق واعتبارىا قيما عالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬أؽّذ اٌرش‪١‬ذ‪ ،ٞ‬ؽم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ‪» ،‬دراسة هقارًة في الٌظرية والتطبيك « ‪ِ ،‬ىزجخ اٌشرق اٌذ‪١ٌٚ‬خ‪ ،‬طجؼخ ‪ ،2003‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 2‬د‪.‬أؽّذ اٌجغذاد‪» ،ٞ‬الفكر اإلسالهي واإلعالى العالوي لحقىق اإلًساى « ‪ ،‬دار لرطبش ٌٍٕشر ‪ٚ‬اٌز‪ٛ‬ز‪٠‬غ‪ ،‬اٌطجؼخ األ‪ ،1994 ،ٌٝٚ‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Boaventura de Sousa Santos, Op. Cit., p.87.‬‬
‫‪4‬‬
‫اٌّبدح اٌضبٔ‪١‬خ ‪ٚ‬رزؼٍك ثؾك وً إٌبش ف‪ ٟ‬اٌزّزغ ثىبفخ اٌؾم‪ٛ‬ق د‪ ْٚ‬أ‪ ٞ‬رّ‪١١‬س‪.‬‬
‫اٌّبدح اٌراثؼخ‪ٚ :‬رزؼٍك ثؾضر اٌرق‪ .‬اٌّبدح اٌطبثؼخ اٌّزؼٍمخ ثبٌّطب‪ٚ‬اح‪ ،‬اٌّبدح اٌطبدضخ ػشر ‪ٚ‬رزؼٍك ثؾك اٌس‪ٚ‬اط د‪ ْٚ‬رّ‪١١‬س‪ ،‬اٌّبدح ‪ 18‬ثؾر‪٠‬خ اٌفىر ‪ٚ‬اٌؼم‪١‬ذح ‪ٚ‬ؽك‬
‫رغ‪١‬ر٘ب‪ ،‬اٌّبدح ‪ 19‬اٌّزؼٍمخ ثؾر‪٠‬خ اٌزؼج‪١‬ر‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المركزية العرقية كأساس لعالمية حقوق اإلنسان‬

‫يقصد بالمركزية العرقية ذلك المصطمح اإلثنولوجي أو اإلنثروبولوجي الذي ظير عمى يد عالم‬
‫اإلجتماع األمريكي وليم غراىام سمنر و مضمونو إعتقاد الفرد بأن الجنس أو األمة التي ينتمي إلييا ىي‬
‫األحسن واألكثر إتساقا مع الطبيعة‪ ،‬وبالتالي فإن ىذه الجماعة التي ينتمي إلييا ىي المركز وغيرىا من‬
‫الجماعات والثقافات ىي في مرتبة أدنى‪ ،‬واعتبار طرق تفكير ىذه الجماعات وعمميا وثقافتيا ىي األسمى‬
‫واألصمح‪ ،1‬وال غرابة أن عالمية حقوق اإلنسان التي عبر عنيا الغرب في اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان بتم ك الصياغة قد جاءت موافقة لتطمعات الفرد األوروبي دون غيره‪ ،‬كيف ال ونصف سكان‬
‫المعمورة ال زال يقبع تحت نير استعمار الدول التي صاغت اإلعالن‪.‬‬

‫إن العالمية باعتبارىا صفة مؤسسة لحقوق اإلنسان تبقى مستمدة من تجاوزىا لمخصوصيات الثقافية ‪،‬‬
‫فإعتبار الحقوق مالزمة لمطبيعة البشرية وسابقة ألي انتماء ألي مجتمع‪ ،‬أي حقوق مستقمة عن أي تمايز‬
‫ثقافي‪ ،‬وبالتالي ردىا إلى ما يعرف بقانون الطبيعة ومن ثم صياغتيا من طرف العقل المجرد إن دل عمى‬
‫شيء إنما يدل عمى ربط عالمية حقوق اإلنسان بالمرجعية الغربية ( المركزية العرقية)‪.2‬‬

‫غير أن تزايد الدراسات االنثروبولوجية التي تركز عمى فكرة المحمية والتي تتخذ موقفا متعارضا‬
‫مع القيم العالمية) والعمميات الثقافية العابرة لمحدود الوطنية مثل حقوق اإلنسان كان لو بالغ األثر في نقد‬
‫‪3‬‬
‫أحد أبرز رواد ىذا اإلتجاه والذي انتقد ما أسماه‬ ‫ىذه العرقية المركزية‪ ،‬ويمثل "‪"Hervil Herskovits‬‬
‫نزعة التمركز حول الذات واطالقية القيم الغربية وضرورة أن تحل القيم الثقافية المختمفة محل القيم‬
‫األخالقية العالمية لحقوق اإلنسان‪ ،‬فيو يرى أن الفرد يدرك شخصيتو من خالل ثقافتو ومن ثم احترام‬
‫االختالفات الفردية ما يسيم بالضرورة في احترام االختالفات الثقافية التي تقوض المفيوم العالمي‬
‫‪4‬‬
‫العقالني الفردي الذي تقوم عمى أساسو حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫كما يرى ىذا األخير أنو من غير الممكن تقويم الثقافات المختمفة بمعايير عالمية خاصة في ظل‬
‫ىيمنة إحدى الثقافات‪ .‬ويتفق بذلك مع ‪ Herder‬الذي يرى بأنو "ال يمكن لثقافة أن تحكم عمى أخرى وال‬

‫‪1‬‬
‫‪- l’ethnocentrisme, http://fr.wikipedia.org/wiki/Ethnocentrisme‬‬
‫‪ / 2‬ؽغبط لبضُ ؽّ‪ : ٛ‬اٌؼبٌّ‪١‬خ ‪ ٚ‬اٌؼ‪ٌّٛ‬خ‪ٔ :‬ؾ‪ ٛ‬ػبٌّ‪١‬خ رؼذد‪٠‬خ ‪ ٚ‬ػ‪ٌّٛ‬خ إٔطبٔ‪١‬خ ‪ ،‬دراضخ رؾٍ‪١ٍ١‬خ ِمبرٔخ ٌٍّف‪ِ ، ٓ١ِٛٙ‬روس اٌىزبة األردٔ‪ ،ٟ‬اٌطجؼخ‬
‫األ‪ ،2010 ،ٌٝٚ‬اٌٍّّىخ اٌ‪ٙ‬بشّ‪١‬خ األردٔ‪١‬خ‪ ،‬ص‪220 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ann Belinda, Ibid., p.290.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid., p. 290.‬‬
‫‪17‬‬
‫أن يتم الحكم عمييا من الخارج"‪ 1‬مما يجعميا تفرض نمط حياتيا باعتبارىا األفضل والتأكيد عمى اإلحترام‬
‫المتبادل الذي يؤكد عمى قيم كل ثقافة ويرفض النظر إلى أي ثقافة عمى أنيا ثقافة بدائية أو أقل رقيا من‬
‫األخرى‪ ،‬كما رفض بشدة مفيوم المركزية االثنية التي تقوم عمى صدارة أحد األجناس أو األعراق أو‬
‫‪2‬‬
‫المغات باعتباره األسمى‪.‬‬

‫وقد كان التساؤل المطروح لإلعالن المقترح كيف يمكن أن يطبق عمى كافة البشر دون أن يصبح‬
‫فقط مجرد مقولة مستمدة من المعاني والقيم السائدة في البمدان الغربية األوربية واألمريكية؟ وقد أدرك‬
‫"‪ "Herskovits‬فشل اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في استيعاب طرق الحياة المختمفة‪ ،3‬والذي رأى‬
‫بأن الحق في االختالف ىو الحق اإليجابي والعابر لمثقافات فيما يتعمق بحقوق اإلنسان‪.4‬‬

‫أما عمى مستوى المفكرين فقد حدث إجماع بين المفكرين ذوي التوجو اإلسالمي وىم محقون بذلك‬
‫فاإلعالن لم يكن عالميا بل كان ذا طابع غربي وبالتالي عبر عن ىذه المركزية العرقية‪ ،‬وان حمل في‬
‫بعض من نصوصو قيما عالمية فسيظل ذا طابع غربي ومن أبرز المفكرين الذين ساندوا ىذه الفكرة نجد‬
‫األ ستاذ محمد عمارة‪ ،‬ولم يقتصر تأكيد ذلك عمى المفكرين المسممين أو اإلسالميين بل تعداه حتى إلى‬
‫الغربيين ومن بينيم "‪ ،5"Boaventura de Sousa Santos‬في حين يرى البعض اآلخر أن اإلعالن‬
‫وبتضمنو لقيم عالمية مشتركة بين مختمف الثقافات فيو عالمي‪ ،‬لكن ىنا ينبغي التفريق بين اإلعالن وبين‬
‫حقوق اإلنسان باعتبارىا نتاج التطور الفكري الذي ال يقتصر عمى أمة أو قارة وبالتالي ىي مزيج التفاعل‬
‫الحضاري لممفاىيم اإلنسانية ‪.‬‬

‫عالمية حقوق اإلنسان إقصائية‪.‬‬ ‫المطمب الثاني‪:‬‬

‫ليس ىناك نموذج عالمي يصمح لمتطبيق في كل زمان وكل مكان‪ ،‬ألن خصوصية المجتمعات‬
‫المختمفة تفرض شروطا تجعل من فكرة عالمية حقوق اإلنسان غير قابمة لمتطبيق ىذا من ناحية‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى فإن الطبيعة البشرية وحقوق اإلنسان المتوارثة تقرر عالمية حقوق اإلنسان في مقابل ذلك نجد‬
‫أن الخمفية االقتصادية واالجتماعية والثقافية المتباينة تقرر خصوصية حقوق اإلنسان‪ ،‬أي أن لكل حضارة‬

‫‪1‬‬
‫‪Gérard Philippe ; « L'esprit des Droits: Philosophie des Droits de L'homme», Bruxelles, 2007, Pp. 156-157.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Anne Belinda preis, ibid., p.291.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p. 293.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Boaventura de sousa santos, Op. Cit., p.87.‬‬
‫‪18‬‬
‫أن تراعي عند تطبيق أو إعمال حقوق اإلنسان ما يتناسب وثقافتيا وموروثيا الحضاري‪ .‬في مقابل ىذا‬
‫نجد أن العالمية من خالل القيم التي تعبر عنيا فقد أقصت وتجاوزت الخصوصيات الثقافية التي ليا عدة‬
‫إتجاىات‪ ،‬فيناك الخصوصية العربية اإلسالمية‪ ،‬اآلسيوية (الكونفوشيوسية‪،‬الشنتوية‪ ،‬اليندية‪ ،‬البوذية)‪،‬‬
‫األمريكو الالتينية إضافة إلى خصوصيات فرعية داخل كل منيا نظ ار لعدم وجود تصور واحد لحقوق‬
‫اإلنسان وذلك إلختالف أسس و مرجعيات ىذه الحقوق‪ ،‬حيث يختمف مفيوم الحقوق في اإلسالم عنو في‬
‫البوذية أو الكونفوشيوسية أو عنو في اليند (القيم اآلسيوية)‪ ،‬وقد بدا ىذا واضحا في ندوة فييينا لحقوق‬
‫اإلنسان لعام ‪ .1993‬ويمكن رد أسباب ىذه الخصوصية إلى‪:‬‬

‫‪ -5‬عدم وجود فيم أو تأويل موحد لعالمية لغة حقوق اإلنسان ومبادئيا وااللتزام بيا‪ ،‬وذلك لتعدد المعاني‬
‫والدالالت بتعدد التوجيات والبواعث فمثال إختالف مفاىيم الحرية أو الكرامة اإلنسانية ال يمكنو أن يكون‬
‫أساسا موحدا لعالمية الحقوق‪.‬‬

‫‪ -7‬لكل ثقافة فيميا الخاص وبشكل مغاير لما ىو شائع في ثقافة أخرى (و أن حقوق اإلنسان ال يجب‬
‫‪1‬‬
‫أن تخضع لظروف ومعايير واحدة أو تممييا تطمعات شعب واحد)‪.‬‬
‫‪ -3‬إن فكرة الحقوق الواجبة من حيث أنيا ممزمة لمدولة والمجتمع قد ال تكون في المجتمعات التقميدية‬
‫التي يشتغل فييا الناس أكثر باألنساق و التكافل االجتماعي أكثر من إنشغاليم بحقوق األفراد ونفاذ تمك‬
‫الحقوق في مواجية الدولة والمجتمع‪ ،‬فالحقوق ىي ثقافة تنمو وتتغير عبر الزمن كاستجابة لتأثيرات‬
‫متنوعة ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الصراع الكالسيكي المعروف بين النسبية والعالمية حول اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان وما‬
‫تضمنو من تنصيص لمحقوق والحريات التي ىي من الناحية الثقافية واإليديولوجية والسياسية ليست‬
‫‪2‬‬
‫بعالمية فيي ذات طابع ييودي مسيحي‬
‫‪ -5‬إن الثقافة أصبحت تفيم عمى أنيا عممية متطورة ومتغيرة من خالل األفعال والصراعات حول‬
‫المعاني أكثر منيا مجرد نظام ساكن أو إحصائي من القيم والمعتقدات والقيم المشتركة وىي الفكرة السائدة‬
‫في ‪ ،1947‬ثم أصبحت في ظل التغيرات العالمية تفيم كمنتج تاريخي متصل كونيا ومتنازع داخميا وذو‬

‫‪1‬‬
‫ػٓ ٘‪١‬ئخ ؽم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ (‪ ) 1947‬اٌز‪ ٟ‬وبٔذ خبضؼخ ألؽذ ٌغبْ ِٕظّخ األُِ اٌّزؾذح اٌّىٍفخ ثص‪١‬بغخ اإلػالْ اٌؼبٌّ‪ٌ ٟ‬ؾم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ ‪ٚ‬اٌز‪ ٟ‬ضّذ فالضفخ‪،‬‬
‫ػٍّبء‪ ،‬اعزّبع‪ ،‬رعبي لبٔ‪.ْٛ‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ann Belinda. S. Preis, Op. Cit., p. 288.‬‬
‫‪19‬‬
‫حدود غامضة لميوية والممارسة‪ ،1‬كما أصبحت الحقوق تتكون تاريخيا ويعاد تعريفيا دوليا من خالل‬
‫فواعل دولية ومحمية فالثقافة والحقوق ىما عمميتان ليما سيرورتيما الدائمة‪.‬‬

‫‪ -6‬قصور المواثيق الدولية الحالية حيث أن مشاركة الدول النامية جاءت متأخرة وعمى أساس أن مفيوم‬
‫ومبادئ حقوق اإلنسان سبق تقريرىا بواسطة الدول الكبرى (بين ‪ )1948-1946‬حيث كانت الدول النامية‬
‫حديثة العيد باالستقالل أو مازالت تحت اإلستعمار‪ .‬أضف إلى ذلك ضعف اليياكل وغياب االستقرار‬
‫السياسي و الحريات العامة‪ ،‬وبالتالي ضرورة خمق إجماع شعبي عالمي حول مفيوم ومبادئ حقوق‬
‫اإلنسان بدال من المفاوضات الرسمية بين ممثمي الحكومات ألن ثقافة أي مجتمع ىي نتاج قيم وأعراف‬
‫‪2‬‬
‫ومؤسسات وأنماط السموك المتناقمة جيال بعد جيل في إطار المجتمع‪.‬‬

‫وكان من أبرز رواد ىذا االتجاه جاك دونييمي صاحب االتجاه الراديكالي لمخصوصية أو النسبية‬
‫الثقافية والذي يؤكد عمى التباين والتعددية في الثقافات والخصوصيات الحضارية لكل منطقة‪ ،‬إذ يرى أن‬
‫الثقافة ىي المصدر الوحيد لصحة وشرعية أي حق أخالقي أو أي قاعدة أخالقية(‪ ،)3‬وأن الطبيعة البشرية‬
‫ىي نطاق من االحتماالت المتغيرة في استجابتيا الجزئية لمثقافة وفي نطاق حدود نفسية معينة‪ :‬فيي‬
‫مشروع وفرد واكتشاف اجتماعي مثمما ىي محددة‪.4‬‬

‫كذلك تعد فكرة الخصوصية من األبعاد المؤسسة لمحق في التنوع الثقافي ألن االعتراف بتعدد‬
‫وتنوع الثقافات لصيق بظيور المجتمعات‪ ،‬كما يرى جان جاك روسو أن الثقافة كبعد في نسبية العقد‬
‫االجتماعي (الذي يعد أساسا نظريا لحقوق اإلنسان) يتعارض مع توحيد المغات واألعراف‪ ،‬كما يرجع‬
‫نسبية المغات إلى ظروف ظيورىا أي إلى تكوين العالقات االجتماعية ويعتقد أن التعددية الثقافية أمر‬
‫الزم في دولة القانون‪ ،‬فمصدر الحق ليس القانون الطبيعي وال القانون الكوني المفروض‪ ،‬بل ىو عمومية‬
‫الممارسة الخاصة لشعب ما‪.5‬‬

‫وعميو فقد أجمعت حجج اتجاه الخصوصية الثقافية لحقوق اإلنسان عمى ضرورة االىتمام باألبعاد‬
‫التاريخية والثقافية المتعمقة بحقوق اإلنسان وبطبيعة بنائيا االجتماعي‪ ،‬كما رفضوا ارتباط حقوق اإلنسان‬

‫‪1‬‬
‫‪Xiaorang Li, Op. Cit., p. 10.‬‬
‫‪ 2‬اٌط‪١‬ذ ‪٠‬ص » هستقبل القين‪ :‬هقذهة في الذراسات الوستقبلية « ‪ِ ،‬روس اٌىزبة ٌٍٕشر‪ ،‬طجؼخ ‪ ،2004‬ص ‪.122‬‬
‫‪ 3‬عبن د‪ٔٚ‬بٌ‪» :ٟ‬حقىق اإلًساى العالوية بيي الٌظرية والتطبيك « ‪ ،‬ررعّخ ِجبرن ػٍ‪ ٟ‬ػضّبْ‪ ،‬اٌّىزجخ اٌؼرث‪١‬خ‪ ،1998 ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ 4‬اٌّرعغ ٔفطٗ ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Isabelle Shulte Tenckoff ; « Altérité et Droit: Contributions a L’étude du Rapport Entre Droit et‬‬
‫‪Culture», sous la direction d’Isabelle Schutle Tenekhoff, Editions Bruylant, 2002, p. 04.‬‬
‫‪20‬‬
‫بعقمية عصر التنوير باعتبارىا نتاج مجتمع لو خصوصية معينة وفي لحظة تاريخية معينة وىي المجتمع‬
‫األوروبي بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فاإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لعام ‪ 1948‬ىو عالمي باعتباره‬
‫مطمبا أو ادعاءا ولكنو ليس عالمي الممارسة ألنو ميثاق يعبر عن الفمسفة المثالية لمسياسة األوروبية‪.‬‬

‫كما وجيوا انتقادا شديدا إلى االتجاه العالمي فيما يتعمق بتصوره لمطبيعة اإلنسانية والذات الفردية‬
‫الغربية وعالمية وعقالنية الوجود اإلنساني حتى أن مفيوم الك ارمة اإلنسانية ليس عالمي المعنى والمفيوم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فال توجد سمات أساسية لمطبيعة اإلنسانية وال لمحقوق اإلنسانية خارج السياق الخطابي أو التاريخي وىذا‬
‫ما يتجسد في العديد من البمدان عمى غرار النظام اليندوسي والبوذي الذي يرفض الكرامة لإلنسانية‬
‫‪2‬‬
‫لمطبقات الدنيا‪.‬‬

‫إال أن القول بأنو ال توجد سمات أساسية لمطبيعة اإلنسانية وال لمحقوق اإلنسانية فيو قول مردود عميو ألنو‬
‫يمكن إعتبار الفطرة كذلك‪ .‬غير أن ىذه خصوصية حقوق اإلنسان لم تسمم من االنتقادات ألن اعتقاد‬
‫وجود خصوصية مطمقة سيقود إلى إنكار وجود قيم عالمية و إلى عدم التقاء وعدم نفاذ الثقافات‪.‬‬

‫كما أن االستخدام النسبي لمخصوصية بأشكال متعارضة لتبرير سموك أو رأي يتبناه نظام أو‬
‫سمطة أو جماعة ما‪ ،‬قد جعميا محال لالنتقاد‪ ،‬إذ أصبحت خصوصية حقوق اإلنسان تستعمل كذريعة‬
‫لتغطية انتياكات الحقوق وتقويض المبادئ العامة ليا‪ ،‬بل أصبحت الدول أو األنظمة الشمولية تبرر‬
‫قمعيا لكل التيارات المعارضة بحجة حماية ثقافتيا الخاصة والتي تختمف عن ثقافة بمدان أخرى خاصة‬
‫‪3‬‬
‫الغربية منيا‬

‫وال ينبغي أن تكون الخصوصية الثقافية عقبة في طريق المعايير العالمية وأن ال تستعمل كحجة‬
‫لمتحمل من االلتزامات الدولية‪ ،4‬وبالقدر الذي تجد فيو الخصوصية قابميتيا عمى التناغم والتوافق والتكيف‬
‫مع العالمية لحركة ومبادئ ومعايير حقوق اإلنسان تستطيع التعبير عن خصائص أي شعب أو أية أمة‬
‫‪5‬‬
‫وتفاعميا مع ركب التطور العالمي‪.‬‬

‫‪ 1‬عبن د‪ ،ٍٍٟٔٚ‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص ‪.150‬‬


‫‪ 2‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Catherine Kessendjian, Op. Cit., p. 37.‬‬
‫‪ 4‬د‪.‬ػجذ اٌؾط‪ ٓ١‬شؼجبْ‪ »،‬اإلسالم وحقىق اإلًساى‪ :‬الوشترك اإلًساًي للثقافات والحضارات الوختلفة « ‪ِ ،‬ؤضطخ ؽم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ ‪ٚ‬اٌؾك اإلٔطبٔ‪،ٟ‬‬
‫‪ ،2001‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 5‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪21‬‬
‫كما أن قيام العالمية عمى أسس غير أكيدة كالمساواة المطمقة بين البشر ىو محاولة لفرض نموذج‬
‫محدد لحقوق اإلنسان ناتج عن الفمسفة السياسية لمقرن الثامن عشر والمعبر عنيا في اإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان والمواطن لعام ‪.15789‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬بروز براديغمات جديدة لحقوق اإلنسان لمتخفيف من عالمية حقوق‬
‫اإلنسان‪:‬‬

‫لقد أثبتت مقولة "فكر عالميا ونفذ محميا" الممخصة لثنائية عالمية‪-‬خصوصية حقوق اإلنسان ورغم‬
‫بساطتيا ظاىريا‪ -‬أثبتت عدم فعاليتيا وكذلك مختمف المقاربات المعتمدة تفسر ىي نفسيا الفشل الدائم‬
‫إليجاد الحل النيائي الذي يرضي في الوقت نفسو المدافعين عن العالمية والمنتصرين لمخصوصية وعميو‬
‫جاءت محاوالت عدد من الفالسفة لموصول إلى حل توافقي قد يفيد في الخروج من مأزق ىذه الثنائية‬
‫وذلك ب إعادة التفكير في العالمية في إطار التنوع و المساىمة في إنشاء حوار ثقافي حقيقي من أجل إيجاد‬
‫أساس أخالقي مشترك لإلنسانية والذي يسمح بإخراج القيم التي توجو حقوق اإلنسان بطريقة تجعميا‬
‫تتوصل عمى نظام إنساني عالمي مثالي‪ .2‬وكما تمت اإلشارة إليو سابقا من فشل إيجاد حل نيائي يرضي‬
‫المدافعين عن العالمية وعن الخصوصية‪ ،‬بدا من الضروري ولمخروج من ىذه الثنائية وتجاوز العمميات‬
‫التي طغت عمييا المركزية العرقية‪ ،‬البحث عن أسس مقاربة بين ثقافية لحقوق اإلنسان ( ‪une approche‬‬
‫‪ )interculturelle des droits de l’homme‬في ظل التعددية القطبية التي طرحتيا تحديات العولمة‬
‫من خالل قيام حوار بين الثقافات لبناء مستقبل مشترك سممي عمى مستوى الخطاب والممارسة ولن يكون‬
‫ذلك إال من خالل مقاربة تحاورية وتعددية تؤدي بدورىا إلى تكوين مشروع مجتمع حقوق إنسان مشترك‪-‬‬
‫عمى المستوى العالمي‪ -‬من مشاريع مجتمع محمية‪ .‬وذلك من خالل القطيعتان اإلبستيمولوجيتان التاليتان‪:‬‬

‫‪ -5‬الخروج من براديغم‪ :‬العالمية‪-‬الخصوصية‪.‬‬


‫‪ -7‬ربط اإلنثربولوجيا بالقانون الستخراج رؤى و طرق لرؤية جديدة لمعالم‪.‬‬

‫أي حسب ما عبر عنو "‪ "Etienne le Roy‬بضرورة الخروج من براديغم (عالمية‪-‬خصوصية)‬
‫والخروج من المأزق بين اختيار العالمية الخانقة وقيتو الخصوصية ( ‪L’universalisme oppresseur et‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rafaa Ban Achour, Dali Djazi et Slim Laghmani ; « Les Droits de L'homme par les Textes», Centre de‬‬
‫‪publication universitaire de Tunis, 2004, p. 127.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Etienne le Roy ; « Les Fondements Anthropologiques des Droits de L’homme», bulettin de liaison de LAJP.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ )le ghetto de particularité‬وذلك لصالح التعددية كما يرى عالم االجتماع اإليطالي " ‪Boaventura‬‬
‫‪ " de Sousa Santos‬لتجنب فخ الوقوع في عالمية تعمل كمحمية معولمة أو باألحرى محمية غربية‬
‫معولمة‪ .‬وعمى ضوء ىذا سوف نتطرق إلى البراديغمات الجديدة التي تؤسس لمحق في التنوع الثقافي من‬
‫خالل التأسيس لحقوق اإلنسان من منظور متعدد الثقافات‪.‬‬

‫ويمكن حصرىا في براديغمين اثنين يمتقيان أو يقومان عمى نفس األساس وىو الحوار وبالتالي‬
‫فكل براديغم منيما ىو نموذج تحاوري‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نموذج العالمية المتعددة لحقوق اإلنسان ( ‪la pluriversalité des‬‬
‫‪:)droits‬‬

‫ويتضمن ىذا النموذج االنتقال من تصور عالمي ينظر فيو إلى اإلنسان ككائن مجرد إلى تصور‬
‫متعدد لعالمية حقوق اإلنسان‪ ،‬تعود ىذه المقاربة إلى كل من‪ "Gustavo Esteva" :‬و" ‪Madhu suri‬‬
‫‪ " Prakash‬المذان يريان بضرورة وجود مقاربة متعددة وتحاورية لمخروج من المأزق الحالي أي العالمية‬
‫التي تظير في صورة عولمة المفيوم المحمي الغربي لحقوق اإلنسان‪ ،1‬مما ال يسمح بتحقيق فعمي لحقوق‬
‫اإلنسان ومن ثم عدم ضمان التمتع بيا في وضعيات ومجتمعات ذات تقاليد وثقافات مختمفة وبالتالي‬
‫إحداث شرخ عمى المستوى العالمي‪ ،‬وىذا النموذج يقتضي االنتقال من فكرة الكون إلى تعددية الكون ومن‬
‫عالمية حقوق اإلنسان إلى عالمية متعددة لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪L’univers‬‬ ‫‪Plurivers‬‬

‫‪Pluriversalité‬‬ ‫‪L’universalité‬‬

‫وىو ما يحتم إعادة التفكير في العالمية‪ ،‬إذ من الصعب الوقوف أمام عالمية لحقوق اإلنسان‬
‫ترتكز عمى العقل (موروث عصر التنوير) والمقصود ىنا العقل األداتي أو الغائي الذي ال يمكن لمجميع‬
‫تقاسمو‪ ،‬ما دفع باأللماني يورغن ىابرماس إلى البحث عن بديل ليذا العقل األداتي‪ -‬وباعتباره من رواد‬
‫مدرسة فرانكفورت النقدية‪ -‬فقد أتى بمفيوم العقل التواصمي كبديل لمممارسات العقمية اإلجرائية المتمحورة‬

‫‪1‬‬
‫‪Cristophe Eberhard, Op. Cit.‬‬
‫‪23‬‬
‫حول العقالنية التقنية والعقمية الخالصة التي تمركزت حول ذاتيا في الميتافيزيقا ‪ ،1‬إذ يبنى العقل‬
‫التواصمي عمى فعل خالق يقوم باالتفاق وبعيدا عن الضغط والتعسف غايتو بمورة إجماع يعبر عن‬
‫المساواة داخل فضاء عام ينتزع فيو الفرد جانبا من ذاتيتو‪ ،‬ويدمجيا في المجيود الجماعي الذي يقوم عمى‬
‫التفاىم والتواصل العقمي‪ ،2‬إذ أن العقل الذي يعبر عن نفسو في النشاط التواصمي يقوم بالوساطة مع‬
‫‪3‬‬
‫التقاليد والممارسات االجتماعية‪.‬‬

‫كما يدعو منظرو ىذا االتجاه إلى إعادة النظر في العقل كأساس ترتكز عميو عالمية حقوق‬
‫اإلنسان فالعقل ال يمكن لمجميع تقاسمو فاأل ساس ليس ىو القاعدة القانونية بقدر ما ىو القيم التي تستند‬
‫إلييا أي أنو يدعو إلى إعادة النظر في مفيوم القانون مما يسمح بإعادة التفكير في حقوق اإلنسان أو‬
‫صياغة مفيوم ليا بطريقة تعددية لموصول إلى عالميتيا من خالل إعادة بنائيا عمى القيم اإلنسانية وليس‬
‫عمى العقل والقانون الذي تعتبره دولة الرفاه كوسيمة لتحقيق السياسات العامة من خالل متابعة ديناميكية‬
‫توسع أو تدخل الدولة أي (الدور الوسائمي لمقانون الذي من المفروض أن يكون وسيمة في خدمة الحرية)‬
‫وبالتالي فأزمة القانون الحداثي اقترنت من الناحية النظرية بالدور الوسائمي لمقانون المتزامن مع تصاعد‬
‫دولة الرفاه‪ ،‬وفي إطار التعددية يجب أن يكتسب القانون الخصائص التالية‪ :‬مرن‪ ،‬انعكاسي‪ ،‬متفاوض‪،‬‬
‫متعدد باعتباره ثمرة التحوالت في المجتمع‪ ،‬ما يؤدي في النياية إلى الخروج من الحداثة إلى مستقبل‬
‫لحقوق اإلنسان في إطار ثقافات مختمفة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬النموذج المتعدد الثقافات‪:‬‬

‫والذي وضعو عالم االجتماع اإليطالي "‪ "Boaventura de sousa santos‬وتضمن ىذا البراديغم‬
‫إعادة التفكير في مفيوم حقوق اإلنسان انطالقا من كون أن ىذه األخيرة ىي سياسة ثقافية تعتبر فييا‬
‫حقوق اإلنسان رمو از لمرجوع إلى الثقافي "‪ "Le culturel‬أو حتى الديني في ىذا العصر‪.4‬‬

‫فالحديث عن الثقافة والدين يعني الحديث عن االختالف والخصوصية ما يعني تعدد مفاىيم‬
‫وتصورات كل ثقافة خاصة بحقوق اإلنسان‪ ،‬أي ضرورة الرجوع إلى التأصيل الثقافي لحقوق اإلنسان في‬

‫‪ 1‬د‪.‬ػجذ هللا إثرا٘‪ ». ،ُ١‬الوطابقة واالختالف‪ :‬بحث في ًقذ الوركزيات الثقافية«‪ ،‬اٌطجؼخ األ‪ ،2004 ،ٌٝٚ‬اٌّؤضطخ اٌؼرث‪١‬خ ٌٍذراضبد ‪ٚ‬إٌشر‪ ،‬ص‬
‫‪.672‬‬
‫‪ 2‬اٌّرعغ ٔفطٗ ‪.‬‬
‫‪ 3‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص ‪.673‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Boaventura de Sousa Santos; «Vers une Conception Multiculturelle des Droits de L’homme », Droit et‬‬
‫‪société N°35, 1997, p.81.‬‬
‫‪24‬‬
‫ظل عولمة قائمة عمى التجزئة الثقافية من جانب وعمى سياسات اليوية من جانب آخر‪ ،‬ويتكرس ىذا من‬
‫خالل عمل حقوق اإلنسان كمحمي معولم يحقق مصداقية وصالحية ىذه العالمية من خالل الشرعية‬
‫‪1‬‬
‫المحمية‪.‬‬

‫فاألفراد يعيشون في عوالم محمية أكثر منيا عالمية أو عولمية‪ ،‬والتي تتجمى من خالل التراث‬
‫المشترك لإلنسانية واإلنشغاالت وا لتيديدات التي تمتد إلى الناس في كافة العالم عمى غرار الحفاظ عمى‬
‫الحياة اإلنسانية في األرض ومشاكل البيئة وأساليب حمايتيا وقضية التنوع الحيوي وأعماق البحار والتي‬
‫تعد من صميم التراث المشترك لإلنسانية‪.‬‬

‫وىو االتجاه الذي يجب أن يتخذه مفيوم حقوق اإلنسان لمخروج من تصور العالمية المرتبطة‬
‫بالثقافة الغربية‪ ،2‬والتي أسماىا "‪ "Serge latouche‬بالمحدلة الغربية " ‪Le rouleau compresseur‬‬
‫‪ "occidental‬في إشارة منو إلى العالمية ذات الوجو الغربي وان احتوت عمى خصوصية فإنيا تعبر في‬
‫الحقيقة عن الخصوصية الثقافية األوروبية‪ ،3‬ما جعل البعض يشكك في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‬
‫لعام ‪ 1948‬واعالني ‪ 1966‬واعتبارىما تعبي ار لمعالمية عمى مقاس غربي‪.‬‬

‫وبالتالي فيذا النموذج غايتو الوصول إلى تصور لمحقوق تصو ار متعدد الثقافات‪ ،‬السيما وأن‬
‫الثقافة تطرح دوما فكرة الغيرية (‪ )l’altérité‬وعميو يبقى الرىان أو التحدى ىو وجوب تطوير مقاييس‬
‫منيجية متعددة الثقافات لتمييز السياسات التقدمية من السياسات الرجعية في مجال حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وعميو فاستراد نموذج ال يسمح دوما بتبنيو في أوساط لم تتعرف عميو بعد‪ ،‬فعمميات ومسارات‬
‫توحيد نماذج لحقوق اإلنسان سوف لن يؤدي إلى التماثل بل إلى خمق مطالب اليوية ضد ىذه المجادلة‬
‫الغربية ما يؤدي إلى استحالة ممارسة أو تطبيق فعمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬أي أن ىذا النموذج لن يتحقق إال‬
‫من خالل منطق تكامل االختالفات ال عمى منطق إقصاء المغاير أو المختمف‪ ،‬وىذا من خالل إعادة‬
‫النظر في القانون ليشمل السموكات والقواعد السموكية والعادات ومن ثم إعادة إنتاج واعادة تجديد‬
‫‪4‬‬
‫المجتمعات‪ ،‬والنظر إلى القانون ليس كتقنية بل كممارسة وكنشاط ابداعي ذي معنى ومدلول‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid., p.81.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Boaventura de Sousa Santos, Ibid., p.86.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Christophe Eberhard, Op. Cit.‬‬
‫‪25‬‬
‫وكل ىذا لن يتأتى إال من خالل نموذج عالمي يجعل من حقوق اإلنسان رم از عالميا قاد ار عمى‬
‫تحقيق التفاىم واالتفاق بين الجميع‪ ،‬فالناس وان كانوا مختمفين عقديا‪ ،‬دينيا واثنيا فإنيم ينتمون إلى جنس‬
‫بشري واحد ومصيرىم واحد‪ ،‬وقد وحدتيم العولمة ‪ -‬وان زادت من الفجوة بين الشمال والجنوب‪ -‬غير أنيا‬
‫وحدتيم من حيث المخاطر التي أصبح الجميع ليس بمنأى عنيا‪ ،‬أي أن االختالفات دوما تجمع الناس‬
‫أكثر مما تفرقيم وىذا ىو جوىر التنوع الخالق‪ ،‬فكل ثقافة باعتبارىا حاممة لمنظومة من المعاني والقيم و‬
‫الممارسات والمعتقدات تمثل نافذة خاصة حول الواقع وتصو ار خاصا لو‪ ،‬وأن ىذه المفاىيم غير قابمة‬
‫لالختزال وتمتقي في منطق تقاسم أو تكامل االختالفات ما يسمح بحدوث تالقح ثقافي‪ ،1‬وذلك عن طريق‬
‫أسموب الحوار الذي يمنح كل ثقافة الفرصة في التعبير عن نفسيا ومن ثم جعل االختالف عامال لمتواصل‬
‫واالغناء المتبادل ال مصد ار لمنزاع وتعالي ثقافة عمى أخرى فكل الثقافات متساوية‪ ،2‬وال يجب أن تنظر‬
‫ثقافة إلى أخرى بنظرة استعالئية أو دونية ميما كانت قدرتيا التكنولوجية والمالية والسياسية أو أن تممي‬
‫‪3‬‬
‫عمى الثقافات األخرى ما يجب أو يستحسن فعمو ألن كال منيا يبقى يشكل مفيوما نسبيا‪.‬‬

‫وكميا مجتمعة (الثقافات) تشكل أساس الحضارة اإلنسانية‪ ،‬فاإلنسانية تواجو مصي ار واحدا ميما‬
‫كانت الفروقات واالختالفات وعمى البشر التعاون – وان كان ذلك فيما بين الدول أو عن طريق منظمات‬
‫المجتمع المدني التي تمعب دو ار ىاما في التحسيس والتعبئة والضغط الذي تمارسو عمى صناع القرار ‪-‬‬
‫من أجل إيجاد الحمول المشتركة لمشكالت مشتركة وتحقيق عيش مشترك في أكبر قدر من الرفاه والعدالة‬
‫والحري ة (ولو كان ىذا األمر طوباويا إلى حد ما) وأن أي تصور لحقوق اإلنسان يتم تطويره من داخل‬
‫ثقافة خاصة‪ .‬لكن ىذا المفيوم يبقى ناقصا إذا تم النظر إليو من زاوية أو من قبل ثقافة غير تمك طورت‬
‫ذاك المفيوم أو وضعت تصو ار لو وبذلك ال يجب عمى أي ثقافة أن تدعي أنيا طورت تصو ار عالميا‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬فيذا التطور وان عد صحيحا أو كامال داخل الثقافة التي أنتجتو فيو ناقص في أعين‬
‫‪4‬‬
‫الثقافات األخرى‪.‬‬

‫وبذلك يرى "‪ "Raimondo Panikkar‬أن وضع أي تصور لحقوق اإلنسان يجب أن ينطمق من‬
‫خالل مفاىيم متعددة لمكرامة لإلنسانية التي تضمنيا مختمف الثقافات من خالل منيجين ىما‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪.‬ػجذ اٌؾط‪ ٓ١‬شؼجبْ‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪ 2‬د‪٠‬جبعخ إػالْ اٌؾك ف‪ ٟ‬اٌزٕ‪ٛ‬ع اٌضمبف‪.ٟ‬‬
‫‪ 3‬د‪ ٟٔٚ‬و‪ٛ‬ظ‪» ،‬هفهىم الثقافة في العلىم االجتواعية« ‪ ،‬ررعّخ د‪.‬لبضُ اٌّمذاد‪ِٕ ،‬ش‪ٛ‬راد ارؾبد اٌىزبة اٌؼرة‪ ،‬دِشك‪ ،2002 ،‬ص‪.27‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dany Rondeau; «Pluralisme et Mondialisation; Vers une Conception Transculturelle des Droits‬‬
‫‪Humains», Pluralisme et mondialisation dans le monde arabe (Marie Hélène parizeau et Soheil Kash) les‬‬
‫‪presses de l’université Laval, Bruylant, Delta, p.223.‬‬
‫‪26‬‬
‫النقد العبر ثقافي‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الييرو منطقية الدياتوبية‪.)diatopique( .........‬‬ ‫‪-7‬‬

‫فالنقد العبر ثقافي يسمح بإبراز العناصر العرقية لكل تصور ثقافي لحقوق اإلنسان‪ ،‬فيو يسمح برؤية‬
‫‪1‬‬
‫اآلخر المختمف‪.‬‬

‫أما الييرومنطقية فتسمح بإعادة رسم وتخطيط موازنات داخل الخطابات الثقافية المختمفة من‬
‫خالل وسائل مختمفة لكن تقود إلى نتيجة واحدة في ثقافات مختمفة أي أن اختالف المفاىيم والتصورات‬
‫يقود إلى النتيجة الواح دة فمثال قيم الحرية والمساواة والحقوق ال تحمل ذات المعنى والداللة وال تمثل نفس‬
‫‪2‬‬
‫المرتبة في سمم القيم بين مختمف الثقافات لكنيا تقود إلى نتيجة واحدة وىي حماية الكرامة اإلنسانية‪.‬‬

‫وبذلك يمكن القول أن الطرح الذي قدمو "‪ "Raimondo Panikkar‬من أجل تطوير مفيوم‬
‫عالمي لحقوق اإلنسان متعدد الثقافات وارساء توافق أخالقي لمضمون العولمة ووضع حد لييمنة المفيوم‬
‫الغربي عمى مستوى العالقات الدولية ىو الطرح الواعد‪.‬‬

‫وفي األخير يبقى اإلقصاء واالستبعاد ىما الموقفان الواجب تفادييما كي ال يتم السقوط في‬
‫‪3‬‬
‫العالمية الدوغماتية وال في الخصوصية المبالغ فييا‪.‬‬

‫من خالل ماسبق يمكن القول أن‪:‬‬

‫كال من العالمية والخصوصية قد أثبتا عجزىما في التعبير عن الحق في التنوع الثقافي‪ :‬فالعالمية‬
‫وان كانت في الحقيقة عالمية غربية فمشكمتيا ىي المركزية العرقية التي ال تسمح باإلغناء المتبادل بين‬
‫الثقافات ونفي اآلخر وسعييا إلقامة ثقافة عالمية واحدة يكون مركزىا ىو اإلنسان المجرد والحر واليوية‬
‫فييا ىي اليوية اإلنسانية‪ ،‬في حين يمكن رد مشكمة أو قيتو الخصوصية في إقرارىا بإطالقية االختالف‬
‫وتجاىميا لمطبيعة البشرية المشتركة ونسيان أو إغفال اآلفاق المشتركة واعتبارىا قضية حق أريد بيا باطل‬

‫‪1‬‬
‫‪Raimundo Panikkar; «La Notion des Droits de L’homme est elle un Concept Universel? », dans diogène‬‬
‫‪N°120, 1982, disponible aussi sur le site ; www.DHDI.org.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p.98.‬‬
‫‪3‬‬
‫»‪Christophe Eberhard; «Human Rights and Intercultural Dialogue, an Anthropological Perspective‬‬
‫‪(lecture for the summer« source cultural identities and human rights », organized by the international institute‬‬
‫‪for the sociology of law in onati, July 9th to 13th, 2001).‬‬
‫‪27‬‬
‫لتغطية الدول النتياكاتيا المستمرة‪ ،‬واقرارىا وتكريسيا لمحقوق التي رصدىا المفكر "‪ "Selim Abou‬في‬
‫الثالثية التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الحق في االنغالق‪.‬‬
‫‪ -‬الحق في االضطياد والحرمان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الحق في الموت‪.‬‬

‫وميما قيل من أسس وتبريرات لكل من اإلتجاىين فكالىما لم تقدما األسس المنيجية لمتطبيق‬
‫الفعمي وحمل الدول واألفراد والجماعات عمى احترام حقوق اإلنسان‪ ،‬فالغرب يتمسك بالعالمية التي‬
‫جسدىما إعالن ‪ 1948‬واعالني ‪ 1966‬والذي انتقده األسيويون واألفارقة وبعض من دول الشرق األوسط‬
‫المنتصرين الخصوصية إلى غاية انعقاد ندوة فيينا العالمية حول حقوق اإلنسان والتي حاولت التخفيف من‬
‫حدة السجال‪ ،‬واعترفت وأقرت بالخصوصية الثقافية في ظل العالمية‪.‬‬

‫ولمخروج من ىذه الثنائية الصعبة حاول بعض المنظرين والفالسفة إيجاد براديغمات تؤسس لحقوق‬
‫اإلنسان قائمة أساسا عمى مبدأ التعددية (الصفة المميزة لمجتمعات ما بعد الحداثة أو لممجتمعات بعد‬
‫الصناعية أو مجتمع المخاطر‪ ،‬والتي أجمعت كميا عمى ضرورة الحوار القائم عمى احترام اآلخر والتقدير‬
‫المتبادل بين الثقافات ألن ىذه األخيرة تعد وسائل فعالة وخطيرة في نفس الوقت إذ تعد األكثر قدرة عمى‬
‫‪2‬‬
‫تثبيت القيم والتصورات والرؤى وترسيخ المرجعيات الفكرية التي تصدر عنيا المواقف‪.‬‬

‫وأن التعدد إنما يعني قبول االختالف وبالتالي يبعد كل محاولة لعزل واقصاء الثقافات أو اعتبار‬
‫امتالكيا لمحقيقة أو الحقيقة المطمقة واقصاء ثقافة اآلخر ما لم تؤمن بيذه الحقيقية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االستبعاد الثقافي وتأثيره عمى الحق في التنوع الثقافي‬

‫إن االستبعاد الثقافي ال يقل أىمية عن االستبعاد االقتصادي والسياسي بل وقد يكون مدخال من‬
‫مداخل العنف وعدم االستقرار في أقصى صوره وىو بذلك يمس طوائف عديدة من الناس (شعوب أصمية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Sélim Abou; «Culture et Droits de L’homme», Mesnil-sur-l’Estrée, Hachette, dans Cristoph‬‬
‫‪Eberfard, Human rights and intercultural dialogue, an authropological perspective, Op. Cit., Pp.34-35.‬‬
‫‪ 2‬ػجذ هللا إثرا٘‪ ،ُ١‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص ‪.326‬‬
‫‪28‬‬
‫أقميات‪ ،‬مياجرون) وفي العديد من بمدان العالم انطالقا من فكرة عدم التجانس داخل المجتمعات الحديثة‪،‬‬
‫والسؤال الذي نطرحو ىنا ىو‪ :‬ما ىي أوجو االستبعاد وكيف يؤثر عمى الحق في التنوع الثقافي؟‬

‫أوجو االستبعاد الثقافي‪:‬‬

‫لم تعد مطالب الناس منحصرة في التمثيل السياسي واإلعالمي في مؤسسات الدولة بشكل عام أو‬
‫في مبادئ العدالة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬حيث يشيد واقع الحال تصاعدا كبي ار في مطالبة الناس‬
‫بضرورة االعتراف بيوياتيم الثقافية واحتراميا حتى يكونوا بمنأى عن االستبعاد الثقافي‪ ،‬وبما أن الثقافة‬
‫تضم جميع أنماط الحياة وبالتالي طرق العيش‪ ،‬فيناك وجيان لالستبعاد الثقافي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االستبعاد من طرق العيش‪:‬‬

‫ويكون ىذا األخير بسبب ممارسة الدولة أو األعراف االجتماعية تشويو السمعة واالضطياد لثقافة‬
‫مجموعة ما بما في ذلك لغتيا‪ ،‬دينيا‪ ،‬عاداتيا المتوارثة وأساليب حياتيا وذلك من خالل فرض النخب‬
‫‪1‬‬
‫الحاكمة لمغتيا ودينيا وأساليب عيشيا لتعزيز سمطتيا وسيطرتيا عمى الدولة‪.‬‬

‫وقد يكون المبرر لذلك ىو الحفاظ عمى وحدة الدولة أو تحقيق االستقرار وصعوبة االستجابة‬
‫لمطالب االعتراف خاصة أن االعتراف واالحترام ال يقتضي أن يكون مجرد فعل سمبي بل يستمزم المأسسة‬
‫واتخاذ اإلجراءات الكفيمة بتحقيقو‪.‬‬

‫ما‬ ‫وينتج عن االستبعاد من طرق العيش التيميش وشعور أفراد الجماعة باالضطياد واإلحباط‬
‫يشكل انتياكا لحقوقيم وكرامتيم ويعوق وصوليم إلى الفرص االقتصادية والتعميمية والترفييية‪ .‬وأن إدماج‬
‫طرق عيش ىذه المجموعات يجعل من أفرادىا يحسون بأىميتيم خاصة لما يرون مكونات ثقافاتيم في‬
‫رموز الدولة ومؤسساتيا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستبعاد من المشاركة‬

‫ويأخذ شكال مؤسساتيا‪ ،‬أما مضمونو فيو االستبعاد االجتماعي والسياسي واالقتصادي والذي‬
‫يطال الناس عمى أسس عرقية أو لغوية أو دينية ويتعداه إلى التمييز أو المضرة عمى أساس اليوية‬

‫‪ 1‬ثرٔبِظ األُِ اٌّزؾذح ٌٍزّٕ‪١‬خ‪» ،‬الحرية الثقافية في عالوٌا الوتٌىع«‪ ،‬رمر‪٠‬ر اٌزّٕ‪١‬خ اٌجشر‪٠‬خ ‪ ،2004‬ص‪.27‬‬
‫‪29‬‬
‫الثقافية‪ 1 .‬وتمارس أوجو االستبعاد ىذه من خالل السياسات التمييزية التي تتبعيا الدول (مثل الحرمان من‬
‫ا لجنسية) أو من حق التصويت‪ ،‬أو بسبب األعراف االجتماعية وذلك عندما تكون وسائل اإلعالم في يد‬
‫أوساط ال تسمح لبعض المجموعات الثقافية من التعبير عن وجيات نظرىا وعن طرائق وأنماط حياتيا‬
‫إضافة إلى سياسات التمييز التي يتم إتباعيا في مقابالت التوظيف وعميو يمكن حصر طرق االستبعاد‬
‫من المشاركة في العوامل التالية‪:‬‬

‫‪ -‬لغوية‬
‫‪ -‬دينية‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخية‪.‬‬
‫‪ -‬مناىج دراسية‪.‬‬
‫‪ -‬سموكية داخل المجتمع‪.‬‬

‫وىذه السياسات التمييزية يجب أن تتم معالجتيا من خالل مقاربات تعكس التعددية الثقافية والدينية‬
‫وحتى المغوية ‪-‬ولو في إطار التعميم غير النظامي ألن اإلستجابة لتحدي التعددية المغوية ليس باألمر‬
‫اليين‪ -‬كما تضمن ىذه المقاربات المشاركة السياسية واالجتماعية ليذه المجموعات الميمشة وتخفض‬
‫وفي سياق التمييز الذي يتم اتباعو في مقابالت التوظيف نشير إلى‬ ‫‪2‬‬
‫التمييز والالمساواة داخل الدولة‪.‬‬
‫فكرة السيرة الذاتية المجيولة (‪ )Les CV anonymes‬التي تم تطبيقيا في فرنسا أواخر ‪ 2009‬من أجل‬
‫تفادي ىذا التمييز‪ .‬ىذا عن أوجو االستبعاد‪ ،‬أما اآلن فسوف نتطرق إلى كيفية تأثير االستبعاد عمى الحق‬
‫في التنوع الثقافي‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬اإلستبعاد الثقافي لألقميات‪.‬‬

‫لم تعد قضايا األقميات وحقوقيا قضية قطرية تتعامل معيا الدولة وفقا لما تراه مناسبا بل أصبحت‬
‫قضايا دولية بارزة لما تعانيو من االضطياد وحرمانيا من حقوقيا ومن المحافظة عمى وجودىا اإلثني‬
‫المميز والمستقل داخل نسيج الدولة‪ .‬ىذا وقد أثبت مبدأ عالمية حقوق اإلنسان والمساواة عدم كفايتيما‬
‫لوضع حد لمشاكل األقميات ألن المساواة بين أشخاص منتمين إلى أقميات وسائر األشخاص اآلخرين‬

‫‪1‬‬
‫رمر‪٠‬ر اٌزّٕ‪١‬خ اٌجشر‪٠‬خ ‪ ، 2004‬اٌّرعغ اٌطبثك ‪،‬ص‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Deck Mc Ghee, Op. Cit., p.109.‬‬
‫‪30‬‬
‫داخل الدولة قد ينطوي عمى إذاب ة اليوية اإلثنية أو الثقافية الخاصة باألقميات وأن حماية األقميات تقتضي‬
‫(‪)1‬‬
‫معاممة تمييزية أو تفضيمية تراعي خصوصيتيا وىويتيا‪.‬‬

‫ولذلك تبدو الحاجة ممحة إلى حماية دولية خاصة بيذه الفئة وىو ما تسعى إليو منظمة األمم المتحدة‬
‫والوكاالت المتخصصة‪،‬وعميو سوف نتطرق إلى مفيوم األقمية وتصنيفيا وكيفية تأثير االستبعاد الثقافي‬
‫عمييا‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬مدخل مفاىيمي لألقميات‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬مفيوم األقمية‪:‬‬

‫رغم البحوث الواسعة التي حظي بيا ىذا المفيوم إال أنو ال يزال يشوبو الغموض‪ ،‬لكن ىذا ال‬
‫يحول دون أن تكون ىناك حماية قانونية وال سبب لحرمانيا من الضمانات المقررة بموجب القانون الدولي‪.‬‬
‫وقد وردت تعريفات لمحكمة العدل الدولية في رأييا االستشاري سنة ‪ 1930‬بشأن ىجرة الجماعات البمغارية‬
‫اليونانية‪ ،2‬وتعاريف أخرى صيغت في إطار صكوك إقميمية مثل التوصية رقم ‪ )1993( 1201‬الصادرة‬
‫عن الجمعية البرلمانية لمجمس أوروبا المتعمقة بمشروع بروتوكول إضافي لممعاىدة األوروبية لحقوق‬
‫‪3‬‬
‫اإلنسان الخاص بحقوق األشخاص المنتمين ألقميات قومية‪.‬‬

‫وفي التعريف الذي وضعو (‪ )Capatorti‬في تقريره المقدم عام ‪ 1977‬بشأن حماية حقوق‬
‫األشخاص المنتمين إلى أقميات دينية لغوية أو إثنية بوصفيا (مجموعة أقل عدديا من بقية سكان الدولة‪،‬‬
‫يكون أعضاؤىا في وضع غير مسيطر ومتمتعين بجنسية الدولة الموجودين عمى إقميميا ويتصفون‬
‫بصفات تختمف عن تمك التي يتصف بيا سائر مواطني الدولة‪ ،‬كما يظيرون بشكل ضمني شعو ار‬
‫بالتضامن ىدفو المحافظة عمى ثقافتيم وتقاليدىم أو عمى دياناتيم أو عمى لغتيم) ‪ ،4‬ويعد ىذا التعريف‬
‫مقبوال ومستساغا جدا‪ ،‬من خاللو يمكن استخالص الضوابط المميزة لألقمية وىي كالتالي‪:‬‬

‫‪-1‬المعيار العددي‪ :‬فيم أقل عددا من باقي السكان ويتمتعون بجنسية الدولة ويقيمون فييا بشكل دائم‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪.‬دمحم ‪ٛ٠‬ضف ػٍ‪ٛ‬اْ ‪ٚ‬د‪.‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬ض‪ ،ٟ‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪.451‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Michael Haas, economic, social and cultural rights..., Op. Cit., p.307.‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬دمحم ‪ٛ٠‬ضف ػٍ‪ٛ‬اْ ‪ٚ‬د‪.‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬ض‪ ،ٟ‬اٌّرعغ ٔفطٗ ‪ ،‬ص ‪.457‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mylène Bidaul ; «La Protection Internationale des Droits Culturels», bruylant, Bruxelles, 2009, p. 228.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪-2‬معيار الوضع الغير مييمن‪ :‬سياسيا‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬ثقافيا (من خالل سياسات التذويب‪ ،‬عبر توحيد‬

‫أنظمة التعميم واشاعة لغة واحدة (تدمير ىويتيا الثقافية المميزة)‪.‬‬

‫‪-3‬المعيار الشخصي‪ :‬وىو وجود عالقات تضامن تربط أفراد ىذه المجموعات لتعزيز خصائص‬

‫األقمية والحفاظ عمى مقوماتيا أي أن أعضاءىا يممكون إحساسا مشتركا بانتمائيم إلى ثقافة مختمفة عن‬
‫‪1‬‬
‫ثقافة المجموعة المسيطرة (شعور حاد بالغيرية غير قابل لالختزال ووعي بالذات)‪.‬‬

‫وىذا الشعور ىو العنصر المركزي في تعريف األقمية الذي يميز األقمية عن الطائفة أو المجموعة‬
‫‪2‬‬
‫الثقافية أي الرغبة في الحفاظ عمى خاصية انتماء األفراد إلى األقمية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تصنيف األقميات‪:‬‬

‫و يتم عمى األسس التالية ‪:‬الثقافة‪ ،‬المغة‪ ،‬الدين‪ ،‬العرق و األصل القومي أو اإلثني‪.‬‬

‫‪-1‬األقميات اإلثنية‪ :‬وكانت سابقا تعرف باألقميات العرقية لكن ألغيت ىذه الصفة عمى أساس وحدة‬

‫الكائن البشري ألن العرق يشير إلى مجموع الصفات البيولوجية فقط بينما اإلثنية فيو أوسع‪.‬‬

‫‪-2‬األقميات القومية‪ :‬وتمثل مجموعة األشخاص الذين يممكون باإلضافة إلى خصائص األقميات‬

‫اإلثنية الرغبة في التمتع بحقوق سياسية واإلرادة في المشاركة بعممية صنع القرار السياسي داخل الدولة‬
‫وقد تنصرف رغبتيم ىذه إزاء إقميم معين داخل الدولة أو إزاء مجموع الدولة كميا‪ .3‬ومن األقميات الوطنية‬
‫نذكر الكيبك في كندا‪ ،‬اإلسكتمنديون والغال في بريطانيا‪ ،‬الباسك في إسبانيا‪ ،‬البورتوريكيين في الو‪.‬م‪.‬أ‪.‬‬

‫‪-3‬األقميات الدينية‪ :‬ليس ليا تعريف رغم أن الحماية الدولية لألقميات شرعت أساسا من أجل حماية‬

‫األقميات الدينية لكن ال إشكال يثار ىنا فيي تتميز عن غيرىا بدينيا الذي يختمف عن دين األغمبية (مثل‬

‫‪1‬‬
‫‪S ; Pierre, GAPS ; «La Multination, L’avenir des Minorités en Europe Centrale et Orientale», Edition‬‬
‫‪Odile Jacob, Paris, 1995, Spéc, P15 dans Yaël Galy « Catégorie et droits de l’homme, Op. Cit., p.13.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪A.Fenet ; « Citoyenneté et Minorités », in, de la citoyenneté, sous la direction de G.Koubi, lietec, Paris 1995,‬‬
‫‪in Yaël Attal Galy, Op. Cit .‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬دمحم ‪ٛ٠‬ضف ػٍ‪ٛ‬اْ‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪.464‬‬
‫‪32‬‬
‫السيخ في بريطانيا)‪.‬و تخ تصر مطالبيا في الحق في المساواة وعدم التمييز وبحقيا في ممارسة شعائر‬
‫‪.1‬‬
‫ديانتيا بحرية وبإنشاء مؤسساتيا الدينية والتعميمية‬

‫‪-4‬األقميات المغوية‪ :‬وىي جماعات تستخدم لغة مختمفة عن المغة أو المغات الرسمية أو الوطنية داخل‬

‫الدولة‪ ،‬وتعد المغة بالنسبة إلييم وسيمة أصمية لمحفاظ عمى ثقافتيم وحماية ىويتيم‪.‬‬

‫لألقميات‪:‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬صور االستبعاد الثقافي‬

‫تعاني األقميات من استبعاد ثقافي خطير وغالبا ما تنفجر قضاياىا وتطفو إلى السطح عندما يتم‬
‫اضطيادىا ولعل ما زاد في ضعف ىذه األخيرة عمى المستوى الدولي عامالن أساسيان ىما‪:‬‬

‫‪ -5‬سياسة إزدواجية المعايير في التعامل مع قضايا األقميات‪.‬‬


‫‪ -7‬أن حماية األقميات تجري في إطار احترام مبدأ السيادة والوحدة اإلقميمية لمدولة وبالتالي تخضع‬
‫مشاكل األقميات وادارتيا وفقا ليذا المبدأ‪ ،‬حتى اإلعالن الخاص بحقوق األشخاص المنتمين ألقميات‬
‫قومية‪ ،‬اثينية‪ ،‬دينية‪ ،‬لغوية (‪ )5992/12/18‬وسيما المادة ‪ 4‬منو(‪ ،)2‬واالتفاقية اإلطار لحماية األقميات‬
‫الوطنية التي تبناىا مجمس أوربا في ‪ 1994/11/10‬يربط كل منيما مطالب األقميات بضرورات وحدة‬
‫‪3‬‬
‫وتجانس الدولة‪.‬‬

‫ويوجد في العالم اآلن أكثر من ‪ 150‬بمدا يحتوي عمى مجموعات أقمية‪ ،‬تشكل عمى األقل ‪ 10%‬من‬
‫‪4‬‬
‫السكان‪ 100 ،‬منيا تحتوي عمى ‪ 25%‬من السكان‪.‬‬

‫أوال ‪:‬عمى الصعيد الديني‬

‫يتم استبعاد األقميات الدينية من خالل عدم االعتراف بالعطل الدينية واإلحتف باألعياد الدينية‬
‫إضافة إلى عدم حصوليا عمى التمويل الحكومي لبعض الطقوس الدينية حظر بعض الممارسات‬
‫والسموكات ما يشكل حاج از دون تمتع أفراد ىذه الجماعات بحقوقيا ويقضي عمى تعددية األديان ومن ثم‬

‫‪ 1‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص‪.466‬‬


‫‪2‬‬
‫ؽ‪١‬ش عؼٍذ اٌّبدح ‪ : 4‬ؽك اٌذ‪ٌٚ‬خ ف‪ ٟ‬ارخبر اإلعراءاد اٌىف‪ٍ١‬خ اٌز‪ ٟ‬رّىٕ‪ ِٓ ُٙ‬ؽم‪ٛ‬ل‪ ُٙ‬اٌّؼزرف ث‪ٙ‬ب د‪١ٌٚ‬ب د‪ ْٚ‬رؼبرض رٌه ِغ ل‪ٛ‬أ‪ٕٙ١‬ب اٌ‪ٛ‬طٕ‪١‬خ ‪ِٚ‬خبٌفخ اٌّؼب‪١٠‬ر‬
‫اٌذ‪١ٌٚ‬خ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Yael Attal Galy, Op. Cit., p.18.‬‬
‫‪ 4‬اٌؾر‪٠‬خ اٌضمبف‪١‬خ ف‪ ٟ‬ػبٌّٕب اٌّزٕ‪ٛ‬ع‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪33‬‬
‫حرية العقيدة ألن الدين ليس اعتقاد باطني بل ىو ممارسات وشعائر أيضا‪ .‬إضافة إلى الرقابة الصارمة‬
‫عمى النشاطات الدينية لممجموعات التي يجري التمييز ضدىا‪ .‬كما يمارس االستبعاد لما تمارس الدول‬
‫تحكميا الشديد بالدين عندما تسمح بنشاط مذاىب وطوائف دينية دون أخرى‪.‬‬

‫وقد كشفت مجموعة بيانات األقميات المعرضة لمخطر أن ‪ 359‬مميون نسمة من أصل ‪518‬‬
‫‪1‬‬
‫مميون نسمة ينتمون إلى مجموعات تتعرض لنمط من االستبعاد الثقافي ألنيم يمارسون معتقداتيم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عمى صعيد المغة‬

‫ويبدو األمر أكثر وضوحا‪ ،‬باعتبار المغة مكون رئيسي من مكونات اليوية الثقافية‪ ،‬فأعضاء‬
‫مجموعة ما لما ال يتقنون المغة أو ال يجيدون المغة الرسمية التي ليست ىي لغتيم يجدون أنفسيم مقصيين‬
‫من الفرص االقتصادية والمشاركة السياسية ‪ ،‬وأن اإلعتراف بمغة األقميات أو عمى األقل تعميميا ولو في‬
‫الشكل غير النظامي سوف يحافظ عمى استم اررية ثقافة األقميات ألن المغة ىي جزء من اليوية الثقافية‪.‬‬

‫وبذلك تبقى األقميات في كامل أنحاء العالم تعاني من التمييز واالستبعاد واالضطياد والتيميش‬
‫والدافع دوما ىو الخوف من تيديد استقرار الدولة ووحدتيا السياسية وتماسكيا االجتماعي‪ ،‬لكن في‬
‫الحقيقة يبقى إشراك األقميات في الحياة العامة أم ار ضروريا لمحفاظ عمى استقرار الدولة من جية وتحقيق‬
‫مطالبيم من جية أخرى‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬االستبعاد الثقافي لمشعوب األصمية‪:‬‬

‫وسوف نتطرق إلى مفيوم الشعوب األصمية ثم إلى موقف التشريع الدولي منيا‪ ،‬وأخي ار إلى صور‬
‫تأثير االستبعاد خاصة عن طريق اإلبادة الثقافية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المقصود بالشعوب األصمية‪:‬‬

‫يستخدم مصطمح الشعوب األصمية في المغة اإلنجميزية تحت تسمية "‪ "indigenous people‬أما‬
‫التسمية الفرنسية فيي "‪ "Les peuples autochtones‬قد ورد تعريف الشعوب األصمية في المادة ‪/1‬ب‬

‫‪ 1‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪34‬‬
‫من االتفاقية الشعوب األصمية والقبمية رقم ‪ 169‬التي اعتمدىا المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية )‪(OIT‬‬
‫في دورتو السادسة والسبعين في ‪ 77‬جوان ‪ ،5967‬حيث ورد في الفقرة "ب" (الشعوب في البمدان‬
‫المستقمة‪ ،‬التي تعتبر شعوبا أ صمية بسبب انحدارىا من السكان الذين كانوا يقطنون البمد أو إقميما جغرافيا‬
‫ينتمي إليو البمد وقت الغزو أو استعمار أو وقت رسم الحدود الحالية لمدولة‪ ،‬والتي أيا كان مركزىا‬
‫القانوني‪ ،‬ال تزال تحتفظ ببعض أو بكامل نظميا االجتماعية واالقتصادية والثقافية السياسية)‪ .‬وىناك من‬
‫يعتبر الشعوب األصمية أقميات في حين يعتبرىا البعض اآلخر مجموعات متميزة بحكم الحقوق والمطالب‬
‫المرتبطة باألرض وطرق عيشيا ومعارفيا التقميدية ووضعيتيا التاريخية‪ ،1‬غير أنيا تمتقي واألقميات في‬
‫عامل اإلستبعاد والتيميش‪.‬‬

‫وقد تعرضت الشعوب األصمية لإلبادة الثقافية بل وحتى اإلبادة الجماعية سواء في الو‪.‬م‪.‬أ حيث‬
‫تعرض الينود الحمر لإلبادة عمى يد المستعمرين أو المكتشفين البريطانيين البيض‪ ،‬وكذلك في كندا‪ ،‬أما‬
‫في استراليا فقد تعرض األبورجين (الشعوب األصمية) (‪ )Les aborigènes‬إلى أسوأ صور اإلبادة من‬
‫طرف المستعمر البري طاني الذي اعتبر وصولو إلى قارة خالية من الحضارة اإلنسانية وأن تأسيس الدولة‬
‫االسترالية كان بدءا من فبراير عام ‪ 1788‬أي العام الذي دخل فيو‪ 2‬وىو شيء تكذبو الحقائق والدراسات‬
‫التاريخية واإلنثروبولوجية حيث يرجع تاريخ الحضارة البشرية في القارة األسترالية إلى آالف السنين أي ىي‬
‫‪3‬‬
‫مسار تطور مجتمع سكان البالد األصميين‪.‬‬

‫ويبمغ تعداد السكان األصميين في العالم حوالي ‪ 350‬مميون نسمة يتكممون نحو أربعة آالف لغة‬
‫في أكثر من ‪ 70‬بمدا(‪ ،)4‬وفي أمريكا الالتينية يقدر بحوالي ‪ 50‬مميون نسمة أي نسبة ‪ 11%‬من مجموع‬
‫السكان‪ ،‬وىم ال يشكمون أقمية دائما حيث يشكمون أكثر من ½ عدد السكان في بولييفيا وغواتيماال و‬
‫تحديدا ‪ 62,2%‬في بوليفيا‪ 85% ،‬من السكان في منطقة ‪ Murravut‬بكندا‪.5‬‬

‫ويتميز السكان األصميون بجممة من الخصائص منيا‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪M .Smith Rhona; «Intrernatuional Human Rights», 3rd edition, Oxford University press, 2007,Pp.118-119.‬‬
‫‪ 2‬د‪.‬ػٍ‪ ٟ‬ؽّذاْ‪» ،‬إشكالية الهىية واالًتواء« ‪ ،‬ضٍطٍخ اإلضزراٌ‪ ْٛ١‬اٌؼرة‪ ،‬اٌغسء األ‪ٚ‬ي‪ ،‬اٌّروس اٌؼرث‪ ٟ‬االضزراٌ‪ٌٍ ٟ‬ذراضبد اٌط‪١‬بض‪١‬خ‪ ،‬ص‪.16 ،‬‬
‫‪ 3‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪.‬‬
‫‪ 4‬اٌؾر‪٠‬خ اٌضمبف‪١‬خ ف‪ ٟ‬ػبٌّٕب اٌّزٕ‪ٛ‬ع‪ ،‬اٌّرعؼبي ضبثك‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Karine Rinaldi; «Le Droit des Peuples Autochtones et Tribales a la Propriété dans le Système Inter-‬‬
‫‪Américain de Protection des Droits de L'homme», in le particularisme interaméricain des droits de l'homme,‬‬
‫‪sous la direction de Ludovic Hennebel et Héléné Tigronja, Edition A.PEDONE, 13, Paris 2009, p.217‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -5‬أنيم يشكمون مجموعات ذات ثقافة متميزة وأنماط حياتية ومعيشية متميزة في عالقاتيم باألرض‬
‫والبيئة (نظم خاصة باألرض والبيئة)‪.‬‬
‫‪ -7‬تعرضيم لكل أشكال اإلبادة واالستبعاد من طرف المستعمرين وتيديد مجتمعات التكنولوجيا ليا في‬
‫العديد من جوانب أنماط حياتيا‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم توفر الحماية أو افتقارىم لوسائل حماية معارفيم التقميدية من جية وتراثيم الالمادي من جية‬
‫أخرى‪.‬‬

‫حتى وان صدرت توصية من طرف منظمة "‪ "UNESCO‬وىي التوصية ‪ 1989‬المتعمقة‬
‫بالحفاظ عمى الثقافة التقميدية والشعبية وان شكمت وسيمة قانونية خاصة من أجل المعالجة القانونية لمتراث‬
‫‪1‬‬
‫الالمادي والمعارف التقميدية فانيا لم تحظى بأي أثر لممتابعة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬موقف التشريع الدولي من حقوق الشعوب األصمية‬

‫لعل ما يميز مختمف المواثيق الدولية والجيوية لحقوق اإلنسان بدءا بالشرعة الدولية لعام ‪1948‬‬
‫(‪ )DUDH‬والعيدين الدولين لعام ‪ 1966‬ىو أن الدول ىي من كانت محور الخطاب الحقوقي الدولي‪،‬‬
‫وان كانت كميا قد أجمعت عمى فكرة عدم التمييز في احترام حقوق اإلنسان عمى أي أساس‪ ،‬فيي بذلك‬
‫ترمي إلى تنظيم العالقات الدولية من خالل فكرة الواجبات وااللتزامات التي تفرضيا وبذلك يمكن تصنيف‬
‫مواثيق حقوق اإلنسان إلى أربع‪:‬‬

‫‪ -5‬مواثيق واعالنات ذات طابع جيوي أو دولي‪.‬‬


‫‪ -7‬مواثيق واعالنات نوعية تيدف إلى ضمان بعض الحقوق بصفة خاصة مثل جرائم الحرب وضد‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -3‬مواثيق واعالنات تتعمق بحماية فئات معينة أو مجموعات بشرية بصفة خاصة مثل الالجئين وضحايا‬
‫الميز والمياجرين‪ ،‬واألقميات والشعوب األصمية والعمال والنساء‪...‬‬
‫‪ -4‬المواثيق المتعمقة بأشكال الميز(مناىضة التمييز العرقي‪ ،‬الجنسي‪ ،‬التمييز في التعميم والمين‬
‫والعمل)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Caroles Martinez, la question des connaissances autochtones en droit international…, Op .Cit., p.23.‬‬
‫‪36‬‬
‫ورغم ىذا التنوع في المواثيق الخاصة بحقوق اإلنسان إال أن الشعوب األصمية كمفيوم يشير إلى‬
‫فئة نوعية ال نجدىا واردة بشكل متميز في عناوين كل المواثيق الدولية حيث وردت في‪:‬‬

‫‪ -5‬معاىدة ‪( OIT‬منظمة العمل الدولية) رقم ‪ 169‬لخاصة بالشعوب األصمية والقبائل في البمدان‬
‫المستقمة وأصبحت تسمى باتفاقية الشعوب األصمية والقبمية لعام ‪.11989‬‬
‫‪ -7‬الميثاق األوربي لمغات الجيات اإلقميمية أو لغات األقميات لعام ‪.5997‬‬
‫‪ -3‬اتفاقية حماية السكان األصميين والقبميين لعام ‪ 1957‬والتي تمت مراجعتيا بواسطة اتفاقية ‪ OIT‬رقم‬
‫‪.169‬‬

‫غير أنو وبدءا من منتصف التسعينات حدث تحول كبير عمى الصعيد العالمي إذ تم تبني العديد‬
‫من اإلعالنات ذات طابع غير إلزامي‪ ،‬خاصة فيما يتعمق بحماية معارف ىذه الشعوب حيث تم تبني‬
‫إعالن مبادئ وتعميمات حول حماية الشعوب األصمية وىو مشروع لجنة حقوق اإلنسان لعام ‪ ،1994‬رقم‬
‫‪ 1994/45‬والذي تم بموجبو التأكيد عمى أن الشعوب األصمية متساوية في الحقوق والكرامة مع الشعوب‬
‫األخرى‪ ،‬مع االعتراف بحق االختالف واحتراميا كما ىي‪ ،‬وكذلك ما تضمنتو المادة األولى من المشروع‬
‫من حقيم في الحقوق والحريات المعترف بيا في اإلعالن العالمي والعيدين الدوليين لعام ‪1966‬‬
‫)‪ ،PIDCP, PIDECOSOC‬وكذلك المادة ‪ 4‬التي تقضي بحقيم في تقوية وتطوير خصائص أنظمتيم‬
‫الثقافية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والقانونية‪.‬‬

‫إضافة إلى المادة ‪ 7‬التي تقضي بحق الشعوب األصمية سواء أفرادا أو مجموعات في الحماية‬
‫ضد اإلبادة الثقافية عن طريق اإلجراءات اليادفة لمنعيا واصالحيا"‪.2‬‬

‫والمادة ‪ 10‬التي تقضي بعدم إجبارىم عمى مغادرة أراضييم وأقاليميم إال برضاىم وحصوليم عمى‬
‫التعويض العادل إن تم ذلك مع إمكانية العودة‪3 .‬ومواد أخرى نظمت جوانب عديدة تخص الشعوب‬
‫األصمية ولكن ىذا المشروع في حد ذاتو يفتقد إلى األثر الممزم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Karine rinaldi, Op. Cit., p. 242.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean Dhommeaux, les communautés autochtones dans la jurisprudence de …, Op. Cit., p.185.‬‬
‫‪ 3‬اٌ‪ٛ‬ص‪١‬مخ رلُ ‪ 1994/45‬اٌّزضّٕخ ٌّشر‪ٚ‬ع إػالْ األُِ اٌّزؾذح ؽ‪ٛ‬ي اٌشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫كما طالب المجمس اإلقتصادي واإلجتماعي عام ‪ 1971‬من المجنة الفرعية لمحماية ضد التمييز‬
‫وحماية األقميات القيام بدراسة حول وضعية السكان األصميين تم عمى إثرىا تبني إعالن يخص الشعوب‬
‫األصمية في‪ 2007/09/13‬تحفظت عميو كل من الو ‪.‬م‪ .‬أ وكندا ودول أعضاء اإلتحاد اإلفريقي‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬صور االستبعاد الثقافي لمشعوب األصمية‪:‬‬

‫و يمكن إجماليا فيما يمي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اإلبادة الثقافية ) ‪:Le génocide culturel ( l’ethnocide‬‬

‫إذا كانت الشعوب األصمية تسيم إسياما متمي از في تحقيق التنوع الثقافي واالنسجام االجتماعي‬
‫والبيئي لمبشرية فإن ىذه األخيرة ومنذ القديم تعرضت ألشكال التمييز واإلبادة وتم تيميشيا تاريخيا من قبل‬
‫المجتمعات المييمنة وواجيت خطر االنصيار واإلبادة الثقافية‪ ،‬وقد ظير مصطمح اإلبادة الثقافية عمى يد‬
‫‪2 Raphael Limkin‬وتعني (اإلنكار عمى أعضاء مجموعة اثية بشكل جماعي أو فردي حق استعمال‬
‫وتطوير ونقل لغتيم وثقافتيم الخاصة وىذا من أقصى أشكال العنف الشامل لحقوق اإلنسان خاصة حق‬
‫‪3‬‬
‫الجماعة اإلثنية في احترام ىويتيا الثقافية )‪.‬‬

‫ويعتبر البعض أن اإلبادة الثقافية تكون أشد وأخطر من اإلبادة البشرية (‪)Le génocide‬‬
‫باعتبارىا تدمير لمجموع الخصائص الثقافية واالجتماعية ومجموع القيم والميراث الثقافي لشعب أو أمة‪.‬‬
‫وبذلك فيي تمتد إلى أبعد من اليجوم عمى العناصر المادية والحيوية لمجموعة نحو إزالة ومحو تواجدىا‬
‫األوسع‪ .4‬وقد استخدمت ىذه العبارة من قبل ‪ ONU‬في مشروع إعالنيا لكنو لم يتم تبنيو وعوض‬
‫‪5‬‬
‫بمصطمح االستيعاب القسري (‪.)L’assimilation forcée‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Dhommeaux, Ibid ., p.185.‬‬
‫‪ 2‬د‪ِ.‬ؾّ‪ٛ‬د ‪ٛ٠‬ضف ػٍ‪ٛ‬اْ ‪ٚ‬د‪.‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬ض‪ ،ٝ‬اٌمبٔ‪ ْٛ‬اٌذ‪ٌ ٌٟٚ‬ؾم‪ٛ‬ق اإلٔطبْ‪( ،‬اٌؾم‪ٛ‬ق اٌّؾّ‪١‬خ)‪،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪ .494‬وّب دػب إٌ‪ ٝ‬إلزراػ‬
‫رغر‪ ُ٠‬رذِ‪١‬ر اٌّّزٍىبد اٌضمبف‪١‬خ ‪ٚ‬اػزجبر٘ب عر‪ّ٠‬خ ؽرة الْ اٌزراس اٌضمبف‪ِ ٟ‬ى‪٘ ْٛ‬بَ ٌٍ‪٠ٛٙ‬خ اٌضمبف‪١‬خ ‪ٚ‬رذِ‪١‬رٖ ض‪١‬ؤصر ػٍ‪ ٝ‬اٌىراِخ ‪ٚ‬اٌؾم‪ٛ‬ق‪ ،‬أظر‪:‬‬
‫‪Tullio Scovazzi; «Le Patrimoine Culturel de L'humanité», Martinus Njhoff publishers, boston, 2007, p.161.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪UNESCO et la lutte contre l’ethnocide; «Déclaration de Saint José», Décembre 1981,‬‬
‫‪UNESCO.org/images/0004/000499/04995fo.pdf .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Michael Haas; «Economic, Social and Cultural Rights: International Introduction»,1st published.2008,‬‬
‫‪Routelmdge, p.124.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪38‬‬
‫وقد اقترح ‪ Rapheal Limkin‬وضع المكون الثقافي كعنصر أساسي في اإلبادة الجماعية غير‬
‫أن واضعي معاىدة منع اإلبادة الجماعية ‪ 1948‬قد أسقطوا االعتبار ليذا المفيوم حيث القى معارضة‬
‫شديدة من قبل الو‪.‬م‪.‬أ‪ ،‬بحجة أن ىذه المسألة ال يكون تناوليا أم ار مستساغا في إطار حماية اإلنسان‬
‫وحقوق األقميات‪ .1‬وبذلك لم يتم توسيع مفيوم اإلبادة الثقافية وبقي أمر تجريمو مستبعدا‪ ،‬رغم أن مشروع‬
‫‪2‬‬
‫حول الشعوب األصمية يرقي اإلبادة الثقافة إلى أن تجرم مثميا مثل اإلبادة البشرية‪.‬‬

‫أما إعالن ‪ Saint José‬حول اإلبادة الثقافية فقد اعتبر اإلبادة الثقافية جريمة لمقانون الدولي‬
‫واعتبارىا مثل اإلبادة البشرية التي أدانتيا اتفاقية األمم المتحدة لعام ‪ .1948‬وقد تعرض السكان األصميون‬
‫(األبورجين) في أستراليا لإلبادة الثقافية والبشرية‪ ،‬حيث قام المستعمرون األوائل عام ‪ 1789‬بنشر جرثومة‬
‫الجدري ما أدى إلى مقتل نصفيم في منطقة سيدني وىو نفس األسموب الذي اتبعو الجيش البريطاني في‬
‫‪3‬‬
‫محاوالتو إلبادة الينود الحمر والقضاء عمى مقاومتيم في أمريكا الشمالية‪.‬‬

‫وقد صنفت منظمة الـ ‪ UNESCO‬الشعوب األصمية ضمن " الفئات اليشة " وقد طورت برامج‬
‫‪4‬‬
‫لصالحيم في مجال التعميم‪ ،‬التعاون وحماية تراثيم الثقافي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صور أخرى لالستبعاد‪:‬‬

‫ىمشت الش عوب األصمية من قبل المجتمعات المييمنة وىي ال تزال لحد اآلن‪ ،‬حتى اعتبرىا‬
‫البعض عقبة في وجو التنمية‪ ،‬لكن الواجب ىو دحض ىذه الحجة ألن ممارسات التنمية التي ال تأخذ في‬
‫حسبانيا السمات الخاصة ليذه الشعوب وال تحترم ىويتيا الثقافية ىي التي تقوض إلى حد كبير سبال ذات‬
‫مغزى لمتنمية التشاركية‪ .‬لكن ما يؤكده الواقع ىو أن ىذه األخيرة ىي ضحية سياسات التنمية التي ال‬
‫تراعي قيميا وخصوصيتيا وأنظمتيا البيئية وتراثيا المعرفي بشقيو المعارف التقميدية والتراث‪ 5‬التي تتعرض‬
‫تتعرض إلى السمب والقرصنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Maxime Tardu, « Normes Internationales des Droits de L’homme et Diversité Culturelle», État, droits‬‬
‫‪fondamentaux et diversité culturelle, l’harmattan, p.36.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 3‬د‪.‬ػٍ‪ ٟ‬ؽّذاْ‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Caroles Martinez, La question des connaissances autochtones en …, Op.Cit., p.24.‬‬
‫‪5‬‬
‫اٌزراس اٌّؼرف‪٠ٚ ٟ‬ضُ اٌّؼبرف اٌزمٍ‪١‬ذ‪٠‬خ ٌٍشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ‪.‬‬
‫اٌّؼبرف اٌزمٍ‪١‬ذ‪٠‬خ‪٠:‬مصذ ث‪ٙ‬ب وً ِب ٌٗ ػاللخ ثأّٔبط اٌؾ‪١‬بح اٌزمٍ‪١‬ذ‪٠‬خ ٌٍشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ ‪ٚ‬اٌز‪ ٟ‬رضُ اٌر‪ٚ‬اثظ اٌر‪ٚ‬ؽ‪١‬خ‪ ،‬اٌؼاللبد ِغ اٌ‪ٛ‬ضظ اٌطج‪١‬ؼ‪ٚ ٟ‬اضزؼّبي اٌّ‪ٛ‬ارد‬
‫‪ٚ‬اٌؼاللبد ِغ األشخبص ‪ٚ‬اٌز‪ ٟ‬رٕؼىص ف‪ ٟ‬اٌٍغخ‪ ،‬اٌزٕظ‪ ُ١‬االعزّبػ‪ ،ٟ‬اٌم‪ٚ ُ١‬اٌّؤضطبد ‪ٚ‬اٌم‪ٛ‬أ‪.ٓ١‬‬
‫‪39‬‬
‫واذا كانت الشعوب األصمية تعتمد اعتمادا شديدا عمى أرضيا حيث ال تعتبرىا ممكية وال وسيمة‬
‫إنتاج بل ككيان مستقل وأساس وجودىم المادي والروحي‪ ،1‬فإن الدول التي تنتمي إلييا لم تسن قوانين ولم‬
‫تعتمد سياسات وممارسات بخصوص المطالب المتعمقة باألرض وفي حاالت أخرى لم توفر آليات إنفاذ‬
‫‪2‬‬
‫مالئمة بشأن حقوق الشعوب األصمية المتعمقة باألرض‪.‬‬

‫وفي مجال المعارف التقميدية فإن نظام حقوق الممكية الفكرية العالمي والمتجسد في المنظمة العالمية‬
‫‪4‬‬
‫لمممكية الفكرية‪ )OMPI(3‬ال يعترف بيذه المعارف وبالتالي ال يكفل حمايتيا‪.‬‬

‫من جية أخرى فيي تتعرض لالختالس ومنح براءات االختراع بطريقة مزيفة كما أنيا ال تزال‬
‫تبدي مخاوفيا من تدفقات رأس المال والتجارة الدولية التي تؤدي إلى تفكيك األساس االقتصادي الذي‬
‫‪5‬‬
‫يعتمد عميو بقاء ثقافات الشعوب األصمية‪.‬‬

‫وفي األخير يمكن القول أن منظمة الـ ‪ UNESCO‬قد أصابت لما وصفتيم بالفئات اليشة‪ ،‬إال أنيم‬
‫ال يزالون يناضمون (وقد تواجدوا بكثافة خالل قمة كوبنياغن في نوفمبر ‪ 2009‬حول التغيرات المناخية)‬
‫من أجل الحفاظ عمى ثقافتيم وضمان بقائيا واستمرار وجودىا‪ ،‬ويعد إنشاء المنتدى الدائم لمشاكل السكان‬
‫األصميين في العالم عام ‪ 2000‬واعتبار األمم المتحدة لمعقد الدولي لمسكان األصميين (‪)2004-1995‬‬
‫خطوات إيجابية لتجسيد المزيد من االعتراف بمطالب ىؤالء واالستجابة ليا‪.‬‬

‫لممياجرين‪.‬‬ ‫المطمب الثالث‪ :‬اإلستبعاد الثقافي‬

‫تمعب اليجرة دو ار ىاما في تقوية التعددية الثقافية غير أن واقع المياجرين اليوم يوحي بالكثير من‬
‫الفروقات عمى المستوى العممي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬دور اليجرة في تقوية التعددية الثقافية‪:‬‬

‫‪ -‬رراس اٌشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ‪ ٛ٘:‬وً أشىبي اإلثذاع األدث‪ٚ ٟ‬اٌفٕ‪ٚ ٟ‬وً أشىبي اٌز‪ٛ‬ص‪١‬ك إٌّزّ‪١‬خ ٌٍشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ أ‪ ٚ‬اٌز‪٠ ٟ‬ط‪١‬ر‪ٙٔٚ‬ب‪ ،‬وً أشىبي اٌّؼبرف اٌؼٍّ‪١‬خ‪،‬‬
‫اٌسراػ‪١‬خ‪ ،‬اٌزمٕ‪١‬خ‪ ،‬اٌطج‪١‬خ اٌّررجطخ ثبٌز ٕ‪ٛ‬ع اٌج‪ٌٛٛ١‬ع‪ٚ ٟ‬اإل‪٠‬ى‪ٌٛٛ‬ع‪ ٟ‬ثّب ف‪ٙ١‬ب االخزراػبد اٌّؤضطخ ػٍ‪ ٝ‬األٔ‪ٛ‬اع إٌجبر‪١‬خ)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Alinéa 6, de la déclaration de Saint José sur l'ethnocide, Op. Cit.‬‬
‫‪ٚ 2‬ص‪١‬مخ اٌؼًّ اٌّزؼٍمخ ثبٌشؼ‪ٛ‬ة األصٍ‪١‬خ ‪ٚ‬ػاللز‪ٙ‬ب ثبألرض‪ٚ ،‬ص‪١‬مخ األُِ اٌّزؾذح ‪ E/CN.4/2000/2‬اٌّؼّذح ثذ‪ ْٚ‬رص‪٠ٛ‬ذ ف‪ ٟ‬اٌغٍطخ ‪،33‬‬
‫اٌّؤرخخ ف‪ 26 ٟ‬آة‪/‬أغططص ‪.1999‬‬
‫‪3‬‬
‫‪OMPI : Organisation mondiale de la propriété intellectuelle.‬‬
‫‪ 4‬اٌؾر‪٠‬خ اٌضمبف‪١‬خ ف‪ ٟ‬ػبٌّٕب اٌّزٕ‪ٛ‬ع‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ 5‬اٌّرعغ ٔفطٗ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪40‬‬
‫إذا كان األصل أن اليجرة كانت وال تزال ألسباب اقتصادية من خالل بحث المياجرين عن‬
‫ظروف معيشية تعميمية‪ ،‬صحية‪ ،‬أحسن من تمك المتاحة في بمدانيم األصمية فإنو في الحقيقة ىناك‬
‫أسباب أخرى قد تكون سياسية وذلك كطالبين لمجوء السياسي أو كالجئين وىؤالء ىم األكثر عددا ‪.1‬‬
‫وميما كانت أسباب اليجرة ال سيما الطوعية منيا فإن المياجر لما يغادره بمده إلى بمد آخر فيو يأخذ معو‬
‫ثقافتو إلى البالد المستضيفة والتي قد تختمف ثقافتيا وقيميا عن ثقافتو ىو وىنا يكمن التحدي والصعوبة‬
‫التي تطرح الثنائية التالية‪:‬‬

‫‪Newcomer values‬‬ ‫قيم المستضاف) ‪home values.‬‬ ‫(قيم المضيف‬

‫‪2‬‬
‫وعمى العموم فاليجرة تتأسس عمى مشروع التقاء‪ ،‬اختالط‪ ،‬تيجين ومشروع حياة أفضل‪.‬‬

‫كما أن اليجرة لم تعد كما كانت عميو في السابق حيث أصبحت تندرج ضمن سياق جديد وىو‬
‫العولمة‪ ،‬فيناك حوالي ‪ 175‬مميون شخص يياجرون في العالم أي حوالي ‪ 3%‬من سكان العالم‪ ،3‬وىي‬
‫في تزايد مستمر وغالبا ما تكون باتجاه دول االتحاد األوربي‪ ،‬الو‪.‬م‪.‬أ‪ ،‬كندا وبعض دول الخميج‪ .‬ويمكن‬
‫إجمال الدور الذي تمعبو اليجرة في تقوية التعددية الثقافية في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -5‬القبول بالغيرية (دحض خرافة التجانس)‪.‬‬


‫‪ -7‬إبراز أىمية القيم العالمية (مثل عدم التمييز‪ ،‬حوار الثقافات‪ ،‬حوار األديان‪ ،‬استقبال األجانب والعيش‬
‫المشترك)‪.‬‬
‫‪ -3‬تقوية مبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬ال سيما المتعمقة بمكافحة عدم التمييز القائمة عمى أساس المغة‪ ،‬الدين‪،‬‬
‫العرق أو الجنس‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صور االستبعاد الثقافي لممياجرين‪.‬‬

‫مع تزايد وتيرة اليجرة ازداد عدد المقيمين معا من الذين ينتمون إلى ثقافات مختمفة‪ ،‬ففي لندن‬
‫يتكمم األطفال في مدارس الدولة نحو ‪ 300‬لغة مختمفة‪ ،4‬وال يختمف الوضع عنو في فرنسا والو‪.‬م‪.‬أ ودول‬

‫‪1‬‬
‫‪Jhon Rex; «Ethnicité et Citoyenneté,la Sociologie des Sociétés Multiculturelles L’harmattan», 2006, p.71.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Tahar Ben Djalloun; « Diversité culturelle ; la valise invisible»:‬‬
‫‪www.reined.org/mbicongress/ dialegs/sessions/papers/Jalloun.pdf.‬‬
‫‪ 3‬اٌؾر‪٠‬خ اٌضمبف‪١‬خ ف‪ ٟ‬ػبٌّٕب اٌّزٕ‪ٛ‬ع‪ ،‬اٌّرعغ اٌطبثك‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 4‬اٌّرعغ ٔفطٗ ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪41‬‬
‫أوروبا الغربية وكندا التي تستقبل سنويا حوالي ‪ 300‬ألف مياجر‪ ،‬وحتى في دول الخميج‪ ،‬فمو أخذنا إمارة‬
‫أبو ظبي وحدىا نالحظ خمال في التركيبة السكانية إذ يفوق عدد السكان األجانب عدد المواطنين‬
‫األصميين‪.‬‬

‫لذلك تختمف سياسات اليجرة التي تتعامل مع المياجرين ويمكن تصنيفيا إلى أربع‪:‬‬

‫‪ -5‬االستبعاد‪.‬‬
‫‪ -7‬سياسات أخرى بديمة تتعمق باستخداميم كقوة عاممة دون منحيم حقوق المواطنة‪.‬‬
‫‪ -3‬المقاربة االستعابية التي تقبل باستقرارىم دون النظر إلى ثقافتيم أو تنظيميم االجتماعي المميز‪.1‬‬
‫‪ -4‬مقاربة التعددية الثقافية‪.‬‬

‫والواقع أن السياسة األولى أي االستبعاد ال تتبناه أي دولة بل تسعى الدول إلى وضع إستراتيجيات‬
‫وسياسات لمكافحتو‪ .‬لك ن الواقع العممي يكشف عن العديد من جوانب االستبعاد‪ ،‬فالفقر االقتصادي بشقيو‪:‬‬
‫نقص الموارد وعدم سيولة أو صعوبة الحصول عمى الفرص االقتصادية ىو الطابع المميز لمعديد من‬
‫المياجرين وأسرىم‪ ،‬وىذا األخير ال يمكن فصمو وال فيمو بعيدا عن االعتبارات الثقافية‪ ،‬فيناك متالزمة أو‬
‫ثنائية (حرمان ثقافي‪ ،‬فقر اقتصادي ) جعمت االستبعاد من المشاركة يطال فرص التعمم والتوظيف واتخاذ‬
‫القرار السياسي‪ ،‬ناىيك عن تأثيره عمى كيفية العيش‪ ،‬حيث بدت مظاىر التعصب الديني وكره األجانب‬
‫وانتشار الالتسامح مع بعض األنماط السموكية في الحياة الخاصة واألحكام النمطية عن المياجرين‪ ،‬بل‬
‫تم تبني قوانين في العديد من الدول في أوروبا وفي دول أكثر ديمقراطية مثل سويس ار التي صوت برلمانيا‬
‫عمى قانون يقضي بمنع بناء المنارات ومحاولة كل من فرنسا‪ ،‬ىولندا وألمانيا إتباع نفس النيج‪ .‬وىو شيء‬
‫يعصف بحرية األديان‪ ،‬إضافة إلى قانون منع استخدام الرموز الدينية أو باألحرى منع الحجاب في‬
‫المؤسسات التعميمية العمومية في فرنسا‪ ،‬وبذلك لم تعد حرية العقيدة مضمونة ليس فقط لممياجرين بل‬
‫حتى لممواطنين الفرنسيين الذين ىم جزء من المجتمع والوطن الفرنسي أكثر من كونيم من أصول‬
‫مياجرة‪ ،‬وىو بذلك إقصاء ليذه الفئة (مسممي فرنسا) المقدر عددىا بحوالي ستة ماليين نسمة وبالتالي‬
‫استبعاد من طرق العيش‪ ،‬وكرد فعل وقعت ممارسات وأحداث مثل حرق المساجد والمصميات والمقابر في‬
‫‪2‬‬
‫مختمف دول أوروبا التي يوجد فييا حوالي ‪ 15‬مميون مسمم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jhon Rex, Op. Cit., p.74.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Deck MC Ghee, The end of multiculturalism, Op. Cit., p.145.‬‬
‫‪42‬‬
‫إضافة إلى ما تمعبو قوانين مكافحة اإلرىاب في استبعاد ىؤالء المياجرين الذين يكونون عرضة‬
‫لمشبيات ومصد ار يبعث عمى القمق والحذر إزاء كل ما ىو أجنبي عمى غرار قانون مكافحة اإلرىاب في‬
‫بريطانيا التي يشكل المسممون فييا ‪ 1,6‬مميون نسمة أي ما يعادل ‪ 3%‬من السكان‪،1‬واعادة تكييف قوانين‬
‫المواطنة وفقا لالعتبارات األمنية‪ 2‬مما يساىم في استبعاد المياجرين ونفس الشيء تمعبو قوانين اليجرة‬
‫االنتقائية التي تضر بدول المياجرين بالدرجة األولى‪ ،‬واألخطر من كل ىذا ىو سياسات إدماج أو دمج‬
‫وصير األجانب من المياجرين الذين سيتحولون كميا إلى الثقافة الغالبة لمبمد المضيف وفي نفس الوقت‬
‫‪3‬‬
‫يجدون أنفسيم غير قادرين عمى تجديد ثقافتيم‪.‬‬

‫واالستبعاد بوجييو سوف يؤدي إلى الحد من وصول المياجرين إلى الفرص االقتصادية‪،‬‬
‫السياسية‪ ،‬التعميمية‪ ،‬فالتحدث بالمغة الرسمية والمغة المسيطرة يؤدي إلى عدم االستفادة بشكل متساوي مع‬
‫اآلخرين مما يعيق المساىمة في الممارسات الديمقراطية المرتبطة بإعداد الرأي العام وتكوين اإلرادة العامة‬
‫وىو ما يتطمب حتما بناء ثقافة مجتمعية (‪ )une culture sociétale‬ال تتنافى ومفيوم حياد الدولة ويقع‬
‫عمى الدولة المضيفة إيالء بعض المجموعات من المياجرين نوعا من االىتمام ومساعدتيم عندما تكون‬
‫‪4‬‬
‫ليم حقوق خاصة من أجل تطوير وتنمية جوانب في ثقافتيا المجتمعية‪.‬‬

‫وأن اإلدماج الذي تسعى إليو ىذه الدول يجب أن يأخذ شكال متعدد الثقافات بدال من شكل‬
‫االستيعاب واالنصيار‪ ،5‬وأن يكون قاد ار عمى مكافحة الالتسامح والعنصرية وكره األجانب‪ ،‬وأن ال يتعمق‬
‫بالثقافة وأنماط الحياة بل يجب أن ينصب عمى القيم المشتركة بين قيم المضيف وقيم المستضاف لتحقيق‬
‫العيش المشترك في ظل االختالفات‪.‬‬

‫وبذلك تبقى التعددية الثقافية باعتبارىا مقاربة لمتنوع الثقافي ىي أحسن استجابة ومقاومة‬
‫لمقتضيات االستيعاب والتماثل في أي مجتمع بالنسبة ألي فئة لممحافظة عمى فرص استمرار جماعات‬
‫‪6‬‬
‫االنتماء عمى قيد الحياة بيدف الحفاظ عمى التنوع في النياية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p.13.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Pareekh Bhikhu, Rethinking multiculturalism, Op. Cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Pablo Gilbert ;« La Justice Globale, le Nul et les Revendications des Immigrants», philosophiques,‬‬
‫‪printemps, 2007, p. 45.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Pareekh Bhikhu, Op. Cit., p.05.‬‬
‫‪ 6‬وبرر‪ ٓ٠‬أ‪ٚ‬ربرد‪» ،‬التعذدية الثقافية وتحىالت الوىاطٌة‪ ،‬أهركة القاًىى «‪ ،‬إشراف فرأط‪ ٛ‬ررث‪١١‬خ‪ ،‬رؼر‪٠‬ت د‪.‬دمحم ‪ٚ‬طفخ‪ ،‬اٌّؤضطخ اٌغبِؼ‪١‬خ‬
‫ٌٍذراضبد ‪ ٚ‬إٌشر ‪ٚ‬اٌز‪ٛ‬ز‪٠‬غ "ِغذ" اٌطجؼخ األ‪ ،2008 ٌٝٚ‬ص ‪.407‬‬
‫‪43‬‬
‫خالصة الفصل األول‪:‬‬

‫لقد كان تأصيمنا لمحق في التنوع الثقافي من خالل عرض األسس الفمسفية لمحق في التنوع‬
‫الثقافي والتي إنطمقنا فييا من ضرورة تجاوز ثنائية عالمية‪-‬خصوصية حقوق اإلنسان المعبرة عن ثنائية‬
‫العولمي‪-‬المحمي أو األنا واآلخر ووصمنا فييا إلى عدم صحية ىذا النقاش‪ ،‬فالعالمية تؤسس لمرجعية‬
‫حقوق اإلنسان في مستويات ثالث ىي‪:‬‬

‫* المستوى الزماني المستند إلى مسار تعميم الحقوق‪.‬‬

‫* المستوى المكاني المستند إلى دولنة الحقوق‪.‬‬

‫* المستوى العقالني والمتعمق أساسا بأسس ومفيوم حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫غير أنيا لقيت مشاكل نظرية وعممية جمة كنظرتيا لإلنسان كمطمق كما أنيا لم تكن تعبر عن عالمية‬
‫حقيقية بقدر ما كانت تعبر عن إمبريالية ثقافية غربية‪ ،‬وغيبت الحق في التنوع الثقافي ‪.‬‬

‫أما الخصوصية فمم تسمم بدورىا من اإلنتقادات إذ استخدمت غالبا كمبرر النتياك الحقوق‪ ،‬مافتح‬
‫المجال أمام بروز براديغمات جديدة تؤسس لمحقوق من خالل إعتماد مبدأ التنوع الثقافي بإدخال جميع‬
‫الثقافات في تشكيل مسارات حقوق اإلنسان لخمق مستقبل عالمية واحدة في إطار التنوع الذي ينظر إلى‬
‫اإلنسان كمتعدد األبعاد‪ ،‬تحاوري و تبادلي في عالقتو مع اآلخرين‪.‬‬

‫ومن خالل خصائص الثقافة‪ :‬الديناميكية‪ ،‬القابمية لمتطور‪ ،‬سرعة اإلنتقال والتبادل‪ ،‬التأثير والتأثر‬
‫و كذلك في إبراز الحق في التنوع الثقافي فإنو يتحتم قبول التعايش‪ ،‬تأطيره ومأسستو‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أما بالنسبة لألسس القانونية لمحق في التنوع الثقافي فإن ىذا الحق ال يزال يحتاج إلى عممية‬
‫تقنين والى آليات وضمانات لممارستو رغم صدور اإلعالن بشأن التنوع الثقافي الذي لم يرقى بالتنوع‬
‫الثقافي إلى حق بل يبقى ذو قيمة أخالقية معنوية فقط‪.‬‬

‫أما اإلتفاقية من أجل حماية وتعزيز كل أشكال التعابير الثقافية لعام ‪ 7005‬والتي كان يعول‬
‫عمييا الكثير فإنيا مازالت لم تحقق المرجو منيا وان عدت إطا ار مرجعيا ىاما لحماية التنوع الثقافي‬
‫والدفاع عن مبادئو‪.‬‬

‫وأن الحق في التنوع الثقافي في ظل ثنائية العالمية – خصوصية سوف يبقى مغيبا ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬بروز الحق في التنوع الثقافي في ظل التحوالت والتحديات الجديدة‬

‫إذا كاف اليدؼ مف دراستنا ىو التأصيؿ لمحؽ في التنوع الثقافي والتأسيس لو‪ ،‬فإف ىذا األخير‬
‫يواجو تحديا كبي ار مف أجؿ اإلعتراؼ بو وخمؽ شروط ممارستو واإلنتفاع بو وحمايتو في حالة اإلنتياؾ‬
‫سواء كاف اإلنتياؾ مف قبؿ الدولة أو األفراد أو المجموعات أو حتى بعض الفواعؿ األخرى مثؿ‬
‫المنظمات الغير حكومية التي يعتبرىا البعض سمطة تشريعية جديدة‪ 1‬مف خبلؿ تدخميا في إعداد المعايير‬
‫القانونية خاصة الدولية منيا لذلؾ قد يحوؿ ىذا اإلنتياؾ دوف تحقيؽ اإلنتفاع الكامؿ بيذا الحؽ أو الحد‬
‫مف اإلنتفاع بو‪ ،‬لذلؾ نجد أف اإلنتياكات أكثر مف دعائـ الحؽ والتي تأخذ مستويات ثبلث ىي‪ :‬الفرد‪،‬‬
‫المجتمع‪ ،‬الدولة‪.‬‬

‫لذلؾ التساؤؿ الرئيسي الذي نطرحو في ىذا الفصؿ ما ىي ىذه التحديات والظروؼ الجديدة التي‬
‫أبرزت الحؽ في التنوع الثقافي؟ وما ىي الفواعؿ التي تسيـ في تحقيؽ ذلؾ ؟ وكيؼ يمكف دعـ ىذا‬
‫الحؽ ؟‬

‫المبحث الول‪ :‬الحق في التنوع الثقافي في ظل التأكيد عمى الخصوصيات الثقافية‬

‫نتيجة تغييب الحؽ في التنوع الثقافي بفعؿ العالمية التي أقصت الخصوصيات الثقافية و لـ تأخذىا في‬
‫اإلعتبار في رسـ ووضع مبلمح حقوؽ اإلنساف و في صياغة المواثيؽ العالمية التي لـ تتصمف المعنى‬
‫بقدر ما حممت اإلسـ‪ ،‬إال أف بروز أو معاودة بروز الحؽ في التنوع الثقافي في ظؿ تنامي الموجات‬
‫المطالبة بالخصوصية الثقافية كاف لو بالغ األثر في إعادة النظر في مفيوـ عالمية حقوؽ اإلنساف لتعبر‬
‫عف الحؽ في التنوع الثقافي أو تشممو‪ ،‬وفي إعادة طرح العديد مف القضايا واإلشكاالت لمنقاش فييا‬
‫مجددا‪ ،‬و السؤاؿ الذي يطرح في ىذا السياؽ ىو‪ :‬ماىي أبرز ىذه اإلشكاالت و كيؼ أدت إلى إبراز‬
‫الحؽ في التنوع الثقافي؟‬

‫المطمب الول‪ :‬الحق في الخصوصية الثقافية و إشكالية عدم قابمية الحقوق لمتجزئة‬

‫تقتضي الخصوصية الثقافية تصورات ورؤى مختمفة لحقوؽ اإلنساف ومنيا التصور الخاص‬
‫بالحقوؽ السياسية والمدنية (الحقوؽ الكبلسيكية) وليدة التصور أو الطرح الغربي‪ ،‬والحقوؽ اإلقتصادية‬

‫‪1‬‬
‫‪Mireille Delmas Marty, trois défis pour un droit mondial, Op .Cit., p.185.‬‬
‫‪46‬‬
‫واإلجتماعية والثقافية وليدة الطرح الذي قدمتو الكتمة الشرقية ورغـ السجاؿ الذي كاف سائد لعقود زمنية‬
‫والتطور الحاصؿ عمى مستوى حقوؽ اإلنساف مف جميع النواحي فإف حقوؽ اإلنساف تطرح مسألة في‬
‫غاية األىمية والتعقيد وىي اإلعتماد المتبادؿ بيف الحقوؽ وعالمية الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والثقافية والذي سوؼ نتطرؽ إليو في فرع أوؿ‪ ،‬ثـ في فرع ثاف نتطرؽ إلى إشكالية عدـ قابمية الحقوؽ‬
‫لمتجزئة‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬اإلعتماد المتبادل لحقوق اإلنسان وعالمية الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والثقافية‬

‫أوال ‪ :‬اإلعتماد المتبادل لحقوق اإلنسان‬

‫إف اإلعتماد المتبادؿ لحقوؽ اإلنساف يعد أحد أىـ المبادئ الناظمة لحقوؽ اإلنساف مثمو مثؿ مبدأ‬
‫عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة وقد عبر عنو اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف بموجب المادة الثبلثيف منو‬
‫والتي تقضي بعدـ جواز تفسير الحقوؽ المتضمنة فيو بصورة تؤدي إلى ىدـ ىذه الحقوؽ والحريات‪ ،‬مما‬
‫يعني عدـ إستبعاد أي منيا‪ ،‬وقد عبر إعبلف فيينا لحقوؽ اإلنساف لعاـ ‪ 1993‬في الفقرة الخامسة منو عف‬
‫ترابط الحقوؽ وعدـ قابميتيا لمتجزئة وكذلؾ العيديف الخاصيف بالحقوؽ السياسية والمدنية والحقوؽ‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية ‪.‬‬

‫ومؤدى ىذا المبدأ ىو إستحالة تحقيؽ الحقوؽ السياسية والمدنية دوف التمتع بالحقوؽ اإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬وىناؾ صورتاف لئلعتماد المتبادؿ وىما اإلعتماد المتبادؿ العبلئقي الذي ال يفترض‬
‫أف حقا مف الحقوؽ المحمية يدخؿ في تكويف حؽ مف الحقوؽ األخرى المعترؼ بيا أو أكثر‪ ،‬وىو يقوـ‬
‫عمى إختبلؼ طبيعة حقوؽ اإلنساف عف بعضيا البعض وأف لكؿ واحد منيما كينونة مستقمة عف الحقوؽ‬
‫األخرى‪ 1‬حيث تساوي بعضيا البعض في القيمة واألىمية وتكمؿ بعضيا البعض دوف أف تتماىى في‬
‫غيرىا‪ ،‬أما الصورة األخرى لئلعتماد المتبادؿ فيو اإلعتماد المتبادؿ الذي يفترض أف حؽ مف الحقوؽ‬
‫يدخؿ في تكويف حؽ مف الحقوؽ األخرى المعترؼ بيا أو أكثر ‪ 2‬واألمثمة كثيرة عف اإلعتماد المتبادؿ بيف‬
‫الحقوؽ فمثبل شخص ال يمتمؾ سكنا فإف أغمب حقوقو السياسية والمدنية ال يمكنو ممارستيا ( الحؽ في‬

‫‪ 1‬د‪.‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬س‪ ٚ ٝ‬د‪.‬دمحم ‪ٛ٠‬سف عٍ‪ٛ‬اْ‪ » ،‬القاوون الدولي لحقوق اإلوسان‪ :‬الحقوق المحميت«‪ ،‬اٌجضء اٌثأ‪ ،ٟ‬داس اٌثمافح ٌٍٕشش ‪ٚ‬اٌر‪ٛ‬ص‪٠‬ع‪،‬‬
‫‪ ، 2OO7‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 2‬اٌّشجع ٔفسٗ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫الحياة الخاصة‪ ،‬الحؽ في تكويف أسرة‪ ،‬وكذلؾ حؽ التصويت)‪ ،‬كما أف إلغاء الحريات المدنية والسياسية‬
‫‪1‬‬
‫الرئيسية يؤدي إلى نتائج سمبية عمى الدينامية اإلقتصادية والتماسؾ اإلجتماعي‬

‫مف جية أخرى فإنو مف النتائج المترتبة عف مبدأ اإلعتماد المتبادؿ بيف الحقوؽ وجود العديد مف‬
‫الحقوؽ المختمطة وفي بعض األحياف قد يصعب إيجاد تصنيفات أو تقسيمات ليا ونذكر منيا مثبل‬
‫الحرية النقابية المرتبكة بالحؽ في العمؿ فيي لموىمة األولى حقوؽ إجتماعية ولكنيا في نفس الوقت‬
‫تشكؿ حريات سياسية‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة لمحؽ في التجمع واإلجتماع‪ ،‬والحؽ في الممكية الذي ىو‬
‫حؽ إقتصادي ومدني فردي وجماعي في ذات الوقت وليذا تـ إغفاؿ النص عميو في العيديف في حيف قد‬
‫تـ النص عميو في اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عالمية الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫إذا كانت عالمية حقوؽ اإلنساف تعني تمؾ الحقوؽ التي تمنح لئلنساف بصفتو إنسانا ويرجع‬
‫أساسيا إلى الطبيعة البشرية فيؿ ينطبؽ ىذا عمى الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية ؟‬

‫بداية نشير إلى أف المستفيديف مف ىذه الفئة مف الحقوؽ ليسوا أشخاصا مجرديف كما ىو الحاؿ‬
‫بالنسبة لمحقوؽ السياسية والمدنية فيـ أشخاص موجودوف في وضعيات معينة (عماؿ‪ ،‬بطاليف‪ ،‬نساء‪،‬‬
‫أطفاؿ‪ ،‬مسنيف‪ )....‬فيي ال تمس اإلنساف في جوىره بؿ تتعمؽ بطوائؼ معينة مف األشخاص‪ ،2‬تيدؼ‬
‫إلى حماية البعد المادي لؤلشخاص واإلستجابة إلحتياجات أساسية متضمنة في الطبيعة البشرية‪ ،‬واذا كاف‬
‫التطمع إلشباع ىذه الحاجات أمر عالمي فإف الحقوؽ الناتجة عنيا ىي حقوؽ عالمية‪ 3‬ليذا يرى ‪Isaiah‬‬
‫‪ Berlin‬أف منح الحقوؽ السياسية أو منح ضمانات ضد تدخؿ الدولة ألشخاص في حالة جيؿ أو سوء‬
‫تغذية أو في حالة مرض ىو في الحقيقة سخرية منيـ واستيزاء بيـ ‪. 4‬‬

‫لكف ومف الناحية العممية تطرح عالمية الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية إشكاال يتعمؽ‬
‫بعممية التجسيد ماداـ أف ذلؾ يخضع لمموارد المالية لمدوؿ ما يعني أف يكوف ىناؾ إختبلؼ في ذلؾ مف‬

‫‪1‬‬
‫‪Mireille Delmas Marty; «Trois Défis pour un Droit Mondial», Edition du seuil, Paris, 2008, p.46.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Danièle Lochack, Op. Cit., p. 175.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid., Pp. 175-176.‬‬
‫‪48‬‬
‫دولة إلى أخرى‪ ،‬وأف غياب آليات لمتقاضي وميكانيزمات فعالة في حاؿ إنتياؾ ىذه الحقوؽ يقوض ىذه‬
‫‪1‬‬
‫العالمية‪ .‬ما أدى بالبعض إلى إعتبار أف ىذه الحقوؽ مازالت تمقى عج از في المصداقية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إشكالية عدم قابمية الحقوق لمتجزئة‪.‬‬

‫في خضـ النقاشات التي دارت حوؿ العالمية والدعوات إلييا خاصة مف طرؼ الغرب ( دوال‪،‬‬
‫مؤسسات‪ ،‬ومفكريف) ونظ ار لبلنتقادات التي القتيا فيناؾ موجات مف الخصوصيات الثقافية التي تمثؿ‬
‫الكتمة الشرقية ألف المشرؽ يعبر عف ثقافات مختمفة عف تمؾ التي تبنت اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف‬
‫ودعت إلى وضعو‪ ،‬فيو يممؾ رؤى تختؿ عف الرؤى الغربية لحقوؽ اإلنساف ‪.‬‬

‫غير أف ىذه الخصوصيات الثقافية قد تـ إنتقادىا‪ ،‬وبالنظر إلى التقسيـ الذي كاف سائدا ( الحقوؽ‬
‫السياسية والمدنية‪ ،‬وفئة الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية) ما أدى إلى إبراز الحؽ في التنوع‬
‫الثقافي( عالمية إقصائية مقابؿ خصوصية ثقافية متنامية)‪ ،‬ولكف العالمية تبقى كفكرة مجردة وأف الواقع‬
‫العالمي يثبت بأف تطبيقا وتفسيرىا يختمؼ مف ثقافة إلى أخرى‪. 2‬‬

‫واذا ما أقررنا بأف حقوؽ اإلنساف عالمية فإف الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية تكوف‬
‫كذلؾ خاصة إذا سممنا بفكرة عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة‪ ،‬لذلؾ يعد مبدأ عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة مبدءا‬
‫عقبلنيا أخبلقيا ومنيجيا يرتكز عمى وحدة الكرامة اإلنسانية التي تعبر عنيا وتضمنيا الحقوؽ اإلنسانية‪،3‬‬
‫إذ ال يمكف تجزئة الكرامة اإلنسانية‪.‬‬

‫ومف الناحية العممية دائما يعد إحتراـ الحقوؽ المدنية مرتبطا بالحؽ في السكف‪ ،‬وأف مكافحة‬
‫السيدا يتوقؼ عمى الحؽ في الوصوؿ إلى المعمومة الكافية‪ ،‬كما يتطمب الحؽ في التعميـ إحتراـ مبدأ عدـ‬
‫التمييز وكذلؾ الشأف بالنسبة لمحؽ في الحصوؿ عمى األدوية‪ ،‬وأف مكافحة المجاعة إنما تتطمب إحتراـ‬
‫الحريات العامة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Danièle Lochak, Op-cit, p.179.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Fernando Sergio, Tonorio Amorim ;«la Diversité Culturelle et L'unité du Marché : les Défis de la‬‬
‫‪Convention de l'UNESCO sur la Diversité des Expressions Culturelles», in Tullio scovazzi,.le patrimone‬‬
‫‪culturel de l'humanité, Academica de Lahaye .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mireille Delmas Marty ; Op-cit, Pp. 48-49.‬‬
‫‪49‬‬
‫أما تاريخيا فإف مبدأ عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة قد تـ فرضو منذ تبني اإلعبلف العالمي لحقوؽ‬
‫اإلنساف والذي تزامف مع الحرب العالمية الثانية في وقت كاف مف المفروض أف تتفؽ الدوؿ عمى نص‬
‫مقبوؿ عالميا‪ ،1‬حيث كاف ىناؾ توافؽ ايديولوجي بيف الحمفاء المنتصريف‪ ،‬وبالرجوع إلى اإلعبلف العالمي‬
‫نجد أف ىذا األخير ال يظير إال مف خبلؿ المادة األخيرة والتي تقضي بأنو ليس في ىذا اإلعبلف نص‬
‫يجوز تأويمو عمى أنو يخوؿ لدولة أو جماعة أو فرد أي حؽ في القياـ بنشاط أو تأدية عمؿ ييدؼ إلى‬
‫ىدـ الحقوؽ والحريات الواردة فيو‪ .‬بما يؤكد ىذا المبدأ فالحقوؽ‪-‬حريات أو الحقوؽ‪-‬دائنية كما يسمييا‬
‫‪ Raymond Aron‬ال يمكف إستبعادىا بما يحتـ ضرورة قبوؿ ىذا المبدأ‪.‬‬

‫كذلؾ يبدو مبدأ عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة جميا في العيديف الدولييف الخاصيف بالحقوؽ السياسية‬
‫والمدنية واإلقتصادية والثقافية مف خبلؿ الديباجة المشتركة ليما( ‪...‬الوصوؿ إلى عالـ يكوف األشخاص‬
‫فيو أح ار ار في التعبير واإلعتقاد‪ ،‬متحرريف مف الخوؼ والبؤس‪ )...‬فحرية التعبير واإلعتقاد والتحرر مف‬
‫الخوؼ والبؤس إنما تعني عدـ وجود تراتبية بيف الحقوؽ‪.‬‬

‫غير أف فكرة عدـ قابمية الحقوؽ لمتجزئة بدأت تعرؼ تراجعا خاصة في ظؿ اإلنتقاؿ مف نظاـ‬
‫اإلعبلنات إلى النظاـ اإلتفاقي‪ ،‬غير أنو عاد بعد مؤتمر طيراف ( النقطة‪ )13‬وفيينا ( النقطة ‪ ،)5‬بؿ‬
‫أصبحت أىـ عناصر الخطاب الرسمي حوؿ التنمية وىذا ما جاء بو تقرير التنمية البشرية لعاـ ‪.2000‬‬
‫وكذا ما نص عميو إعبلف الحؽ في التنمية الصادر عاـ ‪ 1986‬بموجب الفقرة العاشرة مف الديباجة‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬الجدل القائم حول صحة التقسيمات الخاصة بحقوق اإلنسان‬

‫إذا كانت حقوؽ اإلنساف تعني تمؾ الحقوؽ التي تؤوؿ لمفرد باعتباره إنسانا كما أجمعت عمى ذلؾ‬
‫العيود واإلعبلنات والمواثيؽ الدولية وأرجعت مصدر ىذه الحقوؽ إلى الطبيعة األخبلقية لمبشر– واف كاف‬
‫ىناؾ إختبلؼ حوؿ ىذه النقطة‪ -‬فيي نابعة مف الكرامة اإلنسانية المتأصمة فييا وىي ضرورية لبقاء‬
‫اإلنساف واستم ارره‪ ،‬وأف أي انتياؾ ليذه الحقوؽ يشكؿ حرمانا لمشخص مف إنسانيتو‪ ،‬فيذه االنتياكات ال‬
‫تحرـ اإلنساف مف تمبية احتياجاتو فحسب بؿ تحرمو مف الحياة الكريمة‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gérard Fellous ; «Les Droits de L'homme: une Universalité Menacée», la documentation française, 2010,‬‬
‫‪p.121.‬‬
‫‪ 2‬جان د‪ ٍٍٟٔٚ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ص ‪.29 ،21‬‬
‫‪50‬‬
‫فإف تقسيميا مف طرؼ الفقو حديثا كاف أـ تقميديا قد خضع إلى عدة تقسيمات شكمت إنعكاسا‬
‫لمسياؽ اإليديولوجي‪ ،‬اإلجتماعي والسياسي الذي نشأت فيو ىذه الحقوؽ‪ .1‬وىو ماتبينو التقسيمات التالية‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬الحقوق السياسية والمدنية والحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫كما يمكف تسمية ىذه األخيرة بحقوؽ الجيؿ األوؿ‪ ،‬وحقوؽ الجيؿ الثاني ولو أف ىذه التسمية‬
‫معيبة ففكرة األجياؿ توحي بوجود تراتبية زمنية في الوجود بيف أجياؿ الحقوؽ‪ ،‬وبمسار تطوري ليذه‬
‫الحقوؽ أي أف الجيؿ الجديد يشمؿ حقوقا أكثر تطو ار‪ ،‬في حيف يشكؾ البعض في ما يعرؼ بحقوؽ الجيؿ‬
‫الثالث وينكروف عنيا ىذه الصفة‪ .‬وعموما فإف بعض الفقياء يسمي الحقوؽ السياسية والمدنية بالحقوق‬
‫السمبية عمى أساس أنيا ال تتطمب تدخبل مف طرؼ الدولة أي أف إلتزاـ الدولة إتجاىيا يكوف سمبيا وذلؾ‬
‫بضماف عدـ المساس بيا وترؾ األشخاص يتمتعوف بيا‪ .‬ولكف بالرجوع إلى السياؽ التاريخي نجد أف‬
‫اإلعتراؼ بيذا النوع مف الحقوؽ قد ظير بالتزامف مع مفيوـ الدولة الحارسة التي لـ تكف تتولى وظائؼ‬
‫تدخمية بقدر ما كاف دورىا منحص ار في مجاؿ حقوؽ اإلنساف بعدـ التدخؿ‪ ،‬حيث تيدؼ ىذه األخيرة إلى‬
‫حماية األفراد مف تعسؼ الدولة‪ .2‬في حيف أف الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية تيدؼ إلى تحقيؽ‬
‫ضمانات أو تأمينات تتطمب تدخؿ الدولة مف خبلؿ إلتزامات إيجابية لتنفيذىا وكفالة التمتع بيا لذلؾ‬
‫يسمييا البعض بالحقوق اإليجابية‪.‬‬

‫في حيف يطمؽ ‪ 3Raymond Aron‬عمى الحقوؽ السياسية والمدنية تسمية الحقوق – حريات‪:‬‬
‫أي ال تتطمب تدخؿ الدولة لضمانيا‪ ،‬أما الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية فيطمؽ عمييا تسمية‬
‫الحقوق – ديون‪ :‬عمى أساس أف ضمانيا يشكؿ دينا عمى ذمة الدوؿ لكفالتيا‪ .‬وفي بعض األحياف يطمؽ‬
‫عمييا بالحقوق الفورية‪ ،‬أما الفئة الثانية فتسمى بالحقوق برامج‪ .‬وقد يسمييا البعض بالحقوؽ المفروضة‬
‫أو التي يحتج بيا عمى الدولة‪ ،‬أما الفئة الثانية فتسمى بالحقوؽ المتطمبة أي التي تتطمب تدخؿ الدولة‬
‫إلنفاذىا‪ .‬وقد تـ تعداد ىذه الحقوؽ في اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف‪ ،‬فبالنسبة لمطائفة األولى فقد‬
‫وردت بموجب المادة األولى إلى غايىة المادة الواحدة و العشريف‪ ،‬ثـ التنصيص عمى الحقوؽ اإلقتصادية‬

‫‪1‬‬
‫‪Christian Tomuschat; « Human Rights Between Idealism and Realism», Oxford: oxford university press,‬‬
‫‪2003, p. 24.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mylène bidault, Op. Cit., p. 47.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p. 48.‬‬
‫‪51‬‬
‫واإلجتماعية والثقافية بدءا مف المادة الثانية والعشروف‪ ،‬وأما المواد الثبلثة األخيرة مف اإلعبلف فقد كانت‬
‫مشتركة بيف فئتي ىذا التصنيؼ‪.‬‬

‫ومع التطور الحاصؿ عمى الصعيد القانوني لحقوؽ اإلنساف مف األسموب اإلعبلني إلى األسموب‬
‫اإلتفاقي فقد تـ التنصيص عمى الحقوؽ السياسية والمدنية في نص منفرد بموجب العيد الدولي لمحقوؽ‬
‫السياسية والمدنية ‪ ،‬أما الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية فقد تـ إدراجيا ضمف العيد الدولي لمحقوؽ‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬أ ما الحقوؽ الثقافية فيي مازالت لـ تبمغ مرحمة النضج والتبمور مثؿ فئتي الحقوؽ‬
‫السياسية والمدنية واإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬فقط تـ النص عمييا بموجب إعبلف فريبورغ لمحقوؽ الثقافية)‪،‬‬
‫إضافة إلى إبراـ اتفاقيات تخص حقوقا معينة بذاتيا‪ .‬وميما اختمفت التسميات التي تطمؽ عمى طائفتي‬
‫ىذا التصنيؼ لمحقوؽ فإف األساس الذي قامت عميو واحد وىو األساس السياسي المتعمؽ بدور الدولة‪.‬‬

‫لكف ىذا التصنيؼ في الحقيقة قد لقي إنتقادات عديدة‪ ،‬فالحقوؽ السياسية والمدنية قد تتطمب‬
‫تدخبل مف طرؼ الدولة ولو عف طريؽ س ف القوانيف والتشريعات‪ ،‬ناىيؾ عف إنشاء المؤسسات والييئات‬
‫الوطنية القادرة عمى إنفاذ ىذه الحقوؽ فمثبل الحؽ في محاكمة عادلة يقتضي إنشاء ىيئات قضائية‬
‫وتزويدىا بالموارد البشرية والمادية الضرورية وضماف حسف سير العمؿ فييا‪ ،‬فالحؽ في المحاكمة العادلة‬
‫باعتباره مف الحقوؽ السياسية والمدنية يصعب إعتباره مف الحقوؽ المنشئة إللتزامات سمبية عمى عاتؽ‬
‫الدولة‪ ،1‬كما أف حماية الحقوؽ السياسية والمدنية تقتضي أف تتدخؿ الدولة عف طريؽ إتخاذ اجراءات‬
‫تشريعية‪ ،‬قانونية‪ ،‬قضائية فتكوف بذلؾ ممزمة إلتزاما إيجابيا‪ ،‬فحماية الحؽ في الحياة ال تعني إمتناع‬
‫الدولة عف إنتياؾ ىذا الحؽ أو منع إنتياكو مف أطراؼ أخرى عف طريؽ سف تشريعات تمنع أو تجرـ‬
‫اإلعتداء عمى الحؽ في الحياة بؿ يجب أف تتخذ الدولة كافة اإلجراءات البلزمة لضماف ىذا الحؽ‪ .‬أما‬
‫بالنسبة لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية فقد ال تتطمب أحيانا أف تؤدي الدولة إلتزاما إيجابيا مثؿ الحرية‬
‫النقابية وحؽ اإلضراب حيث ال تتدخؿ الدولة إلنفاذىما‪.‬‬

‫ولعؿ مف أىـ أ وجو التفرقة بيف ىاتيف الفئتيف مف الحقوؽ ىو كوف الحقوؽ اإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية ال تتمتع بحماية إجرائية مثؿ الحقوؽ السياسية والمدنية‪ .2‬حيث ال يمكف المجوء إلى القضاء‬
‫عند عدـ إنفاذىا‪ ،‬عكس الحقوؽ السياسية والمدنية التي يمكف المجوء إلى القضاء في حالة عدـ إحتراميا‬
‫أو إنتياكيا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Christian Tomaschat, Op .Cit., p.46.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p .47.‬‬
‫‪52‬‬
‫ولكف إشكاال آخ ار يعترض ىذا التصنيؼ ويتعمؽ بوجود بعض مف الحقوؽ يصعب تصنيفيا في‬
‫أي فئة مف الحقوؽ مثؿ الحريات النقابية المرتبطة بالحؽ في العمؿ والتي ىي في األصؿ حرية أو حؽ‬
‫إقتصادي واجتماعي ولكف تتطمب ممارستيا حقوؽ أخرى مثؿ اإلجتماع والتجمع والرأي والتعبير‪ .‬إضافة‬
‫إلى الحؽ في الممكية فقد يمكف إعتباره حقا مدنيا وحقا إقتصاديا في الوقت ذاتو‪ .‬أما مف ناحية الحماية‬
‫فالطائفة األولى مف الحقوؽ تحضى بنظاـ حماية أكثر فعالية ولو أف البروتوكوؿ اإلضافي الخاص‬
‫بالحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية يعد بمثابة توجو نحو تجسيد حماية ىذه الفئة مف الحقوؽ‪.‬‬

‫وفي األخير يمكننا القوؿ أف ‪ Philippe Texier‬الخبير في لجنة الحقوؽ اإلقتصادية‬


‫واإلجتماعية قد أصاب حيف قاؿ أنو مف األفضؿ تجنب مصطمح األجياؿ خاصة وأف حقوؽ اإلنساف‬
‫عالمية وغير قابمة لمتجزئة‪ ،‬فبل تراتبية بيف الحقوؽ‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحقوق الفردية والحقوق الجماعية‪.‬‬

‫الحقوؽ الفردية ىي تمؾ الحقوؽ التي تثبت لمفرد والتي يمكنو ممارستيا بمفرده‪ ،‬أما الحقوؽ‬
‫الجماعية فيي تمؾ التي تثبت لؤلفراد ولكف التمتع بيا وممارستيا ال يتـ إال مف خبلؿ المجموعة‪ ،‬وبالرجوع‬
‫إلى نصوص واعبلنات حقوؽ اإلنساف نجد أنيا تتمحور حوؿ الحقوؽ الفردية كاإلعبلف العالمي لحقوؽ‬
‫اإلنساف‪.‬إذ أقر بأف الحقوؽ الواردة فيو ىي حقوؽ لؤلفراد أو األشخاص‪ ،‬أما الحقوؽ الجماعية فيي تمؾ‬
‫التي تمارس بصورة جماعية مثؿ الحؽ في العمؿ والضماف اإلجتماعي والحؽ في التعميـ والحؽ في‬
‫اإلضراب والحريات النقابية أو ىي الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية‪.2‬‬

‫إف ىذا التصنيؼ القائـ عمى أساس المستفيد مف الحؽ ىو تصنيؼ غير سميـ‪ ،‬فالحقوؽ‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعي ة يستفيد منيا الفرد في النياية كما في الحقوؽ الفردية واإلختبلؼ بينيما يكمف في‬
‫شروط التمتع بالحقوؽ وممارستيا‪ ،‬كما أف بعض الحقوؽ ىي حقوؽ فردية وجماعية في ذات الوقت‪ :‬مثؿ‬
‫حرية الديانة وحرية العقيدة فيي حقوؽ فردية غير أ ف ممارستيا تتـ في إطار المجموعة أو الجماعة‪.‬‬
‫ونفس الشيء بالنسبة لحرية التعبير وحرية اإلجتماع والتجمع التي ىي في األساس حريات فردية‪.‬‬
‫وبالرجوع دوما إلى السياؽ التاريخي واإليديولوجي الذي قمنا عنو سابقا‪ ،‬فإف فكرة الحقوؽ الجماعية ترجع‬
‫إلى الفكر التحرري الذي ساد خبلؿ تمؾ الفترة‪ ،‬يرى البعض أنو مف وجية نظر أخبلقية وسياسية وبالنظر‬

‫‪1‬‬
‫‪Gérard Fellous, Op. Cit., p.126.‬‬
‫‪2‬‬
‫دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬س‪ ،ٝ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪53‬‬
‫إلى المصالح الجماعية المشروعة التي تستيدفيا ىذه الحقوؽ فإف ىذه الحقوؽ تعد مقبولة‪ .‬كما أف إمكانية‬
‫التمتع بيذه الحقوؽ تتوقؼ عمى الشروط اإلجتماعية واإلقتصادية والثقافية والسياسية المرتبطة باندماجيـ‬
‫في ىذه المجموعات يبرر وجود ىذه الحقوؽ‪ .1‬وأف أفراد ىذه المجموعات باعتقادىـ أف مصالحيـ‬
‫الشخصية تتحدد في وجود المجموعة التي ينتموف إلييا‪.‬‬

‫لكف مف الناحية القانونية فإف حقوؽ المجموعات تطرح نوعا مف البليقيف فأصحاب ىذا النوع مف‬
‫الحقوؽ غير معرفيف بدقة كافية‪ .2‬وكذلؾ سمطة ىؤالء األشخاص (أصحاب ىذا النوع مف الحقوؽ)‪ ،‬فميس‬
‫مف الدائـ أف يكوف ليؤالء ىيئات تتصرؼ باسـ ىذه المجموعات ولحسابيا فمثبل حقوؽ الشعوب التي جاء‬
‫بيا الميثاؽ اإلفريقي لحقوؽ اإلنساف والشعوب قد لقيت انتقادات عديدة‪ ،‬كما أف الحقوؽ الجماعية عمى‬
‫غرار الحؽ في التنمية‪ ،‬والحؽ في السمـ‪ ،‬والحؽ في البيئة‪ ،‬والتراث المشترؾ لئلنسانية ال تشكؿ حقوقا‬
‫ذات طبيعة قانونية فالمجموعات التي تستفيد ويجب أف تستفيد مف ىذه الحقوؽ ال يمكف فرضيا عمى جية‬
‫معينة إضافة إلى عدـ دقة مضمونيا‪.3‬‬

‫ويميز البعض بيف حقوؽ التضامف وحقوؽ جماعات ذات طابع فردي‪ :‬فاألولى تثبث لمجماعة‬
‫بصفتيا ىذه‪ ،‬أما الثانية فتثبت لؤلفراد مف جماعات معينة بصفتيـ الفردية فقد يشتركوف في سمات إثنية‪،‬‬
‫أو دينية أو لغوية متميزة‪ ،‬أو توجد في وضعيات خاصة مثؿ الجماعات الضعيفة والفئات اليشة‪ ،‬وأف‬
‫حقوؽ التضامف تثير العديد مف اإلشكاالت والخبلفات مف الناحية القانونية عكس حقوؽ الجماعات ذات‬
‫الطابع الفردي التي ىي في النياية حقوقا فردية‪ ،‬حتى أف البعض يعتبرىا مف قبيؿ التمييز اإليجابي‬
‫المرخص بو بموجب القانوف الدولي لحقوؽ اإلنساف‪.4‬‬

‫لكف ىناؾ تشكيؾ فيما يعرؼ بحقوؽ التضامف أو الجيؿ الثالث إذ ينكر البعض عنيا صفة‬
‫الحقوؽ باعتبارىا تيدؼ إلى حماية مصمحة جماعية أو باإلستناد إلى صاحب الحؽ الذي ىو المجموعة‬
‫فعمى أي أساس تمنح ىذه المجوعات حقوقا‪ ،5‬أما البعض اآلخر فينكر عمييا ىذه الصفة كونيا تظير في‬
‫نصوص غير ممزمة إال أف القميؿ منيا يظير في الوسائؿ العامة مثؿ المادة ‪ 72‬مف العيد الدولي لمحقوؽ‬

‫‪1‬‬
‫‪Philppe Gérard, Op .Cit., p.184.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p.185.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Philppe Gérard, Ibid., p. 186.‬‬
‫‪ 4‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬س‪ ،ٝ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Jack Donnely; «Human rights, Individual and collective rights », in HERMAN Burgers, Human rights in a‬‬
‫‪pluralist world (individuals and collectives, introduction item, the rights to cultural identity, UNESCO and RSC,‬‬
‫‪p.43.‬‬
‫‪54‬‬
‫السياسية والمدنية‪ ،1‬كما أف ىذا التصنيؼ ال يطرح إشكاال مف حيث طبيعة الحؽ بقدر ما يطرحو مف‬
‫حيث التنفيذ‪. 2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تقسيم الحقوق إلى حقوق أساسية و حقوق إنسان عادية‬

‫لقد ورد مصطمح الحقوؽ األساسية في ميثاؽ األمـ المتحدة‪ ،‬وفي اإلعبلف العالمي لحقوؽ‬
‫اإلنساف وفي العيد الدولي لمحقوؽ السياسية والمدنية‪ ،‬واإلتفاقية الدولية لمقضاء عمى جميع أشكاؿ التمييز‬
‫ضد المرأة وكذلؾ في العديد مف اإلتفاقيات العالمية‪ .‬واذا قمنا بوجود حقوؽ أساسية فيذا يعني وجود حقوؽ‬
‫ال يكوف نفاذىا رىنا بقبوليا مف األشخاص المخاطبيف بالقاعدة القانونية‪ ،3‬وفي نفس الوقت يعني وجود‬
‫حقوؽ غير أساسية فما ىو الفرؽ بيف ىاتيف الطائفتيف مف الحقوؽ؟‬

‫إف الحقوؽ األساسية ىي تمؾ الحقوؽ التي ال يمكف تعطيميا وال تقييدىا أو مخالفتيا مف طرؼ‬
‫الدوؿ في أي حالة مف الحاالت ( السمـ والحرب) وتحت أي ظرؼ مف الظروؼ‪ ،‬وتتمثؿ في الحؽ في‬
‫الحياة‪ ،‬الحؽ في عدـ التمييز‪ ،‬تحريـ التعذيب‪ ،‬جريمة اإلبادة الجماعية والجرائـ ضد اإلنسانية‪ ،‬لذلؾ‬
‫تسمى بالحقوؽ غير القابمة لممساس )‪ (les droits intangibles‬وىذا مف النوع مف الحقوؽ يشكؿ في‬
‫الوقت ذاتو ما بات يعرؼ بالنواة الصمبة لحقوؽ اإلنساف‪ 4‬والتي تضيؽ وتتسع بحسب إتفاقيات حقوؽ‬
‫اإلنساف‪ ،‬حيث تشمؿ سبعة حقوؽ في العيد الدولي لمحقوؽ السياسية والمدنية‪ ،5‬وىي خمسة في اإلتفاقية‬
‫األوروبية لحقوؽ اإلنساف‪ ،6‬أما الميثاؽ اإلفريقي لحقوؽ اإلنساف والشعوب فمـ يتضمف أي نص يجيز‬
‫تعطيؿ أو تقييد ممارسة ا لحقوؽ المحمية بموجبو‪ ،‬وتشترؾ كؿ اإلتفاقيات في أربعة حقوؽ ىي‪ :‬الحؽ في‬
‫الحياة‪ ،‬تحريـ التعذيب وغيره مف ضروب المعاممة أو العقوبة البلإنسانية أو الميينة أو القاسية‪ ،‬تحريـ‬
‫الرؽ والعبودية وعدـ رجعية القوانيف الجزائية وىي حقوؽ فردية سياسية مدنية يجب عمى الدوؿ إحتراميا‬
‫في سائر الظروؼ‪ ،‬حتى أف القانوف الدولي اإلنساني وفؽ ما تقضي بو المادة الثالثة المشتركة بيف‬
‫إتفاقيات جنيؼ األربع لعاـ ‪ 9494‬قد نص عمى ىذه الحقوؽ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪DHOMMEAUX Jean ; « La Typologie des Droits de L’homme dans le Système Universel », in classer les‬‬
‫‪droits de l’homme, sous la direction de Bribosia Emmanuelle et HENNEBEL Ludovic, Bruylant, 2004, p.267.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Karel Vasak ty ; «Les Différentes Pologies des Droits de L'homme» , in classer les droits de l'homme, p.17.‬‬
‫‪ 3‬دمحم خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬س‪ ،ٝ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص‪.26 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dhommeaux Jean , Op. Cit., p. 14.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ ٟ٘ٚ‬اٌّادج ‪ 6‬اٌّرعٍمح تاٌحك ف‪ ٟ‬اٌح‪١‬اج‪ ،‬اٌّادج ‪ 7‬اٌّرعٍمح ترحش‪ ُ٠‬اٌرعز‪٠‬ة ‪ٚ‬غ‪١‬شٖ ِٓ ضش‪ٚ‬ب اٌّعاٍِح اإلٔسأ‪١‬ح‪ ،‬اٌّادج ‪ 1/8‬اٌّرعٍمح ترحش‪ ُ٠‬اٌشق ‪ٚ‬اٌعث‪ٛ‬د‪٠‬ح‪،‬‬
‫اٌّادج ‪ 15‬اٌّرعٍمح تعذَ سجع‪١‬ح اٌم‪ٛ‬أ‪ ٓ١‬اٌجضائ‪١‬ح‪ ،‬اٌّادج ‪ 16‬اٌّرعٍمح تاٌحك ف‪ ٟ‬اإلعرشاف تاٌشخص‪١‬ح اٌمأ‪١ٔٛ‬ح‪ ،‬حش‪٠‬ح اٌفىش ‪ٚ‬اٌّعرمذ ‪ٚ‬اٌذ‪ ٓ٠‬اٌّادج ‪ ،18‬اٌّادج‪11‬‬
‫اٌّرعٍمح تعذَ ج‪ٛ‬اص حثس اٌّذ‪ ٓ٠‬تذ‪ ٓ٠‬ذعالذ‪ ٞ‬أ‪ِ ٚ‬ذٔ‪.ٟ‬‬
‫‪ 6‬اٌّادج ‪ 2‬اٌّرعٍمح تاٌحك ف‪ ٟ‬اٌح‪١‬اج‪ ،‬اٌّادج ‪ 3‬اٌّرعٍمح ترحش‪ ُ٠‬اٌرعز‪٠‬ة‪ ،‬اٌّادج‪ 1/4‬اٌّرعٍمح تاٌحك ف‪ ٟ‬عذَ اإلسرشلاق ‪ٚ‬اٌعث‪ٛ‬د‪٠‬ح‪ ،‬اٌحك ف‪ ٟ‬عذَ سجع‪١‬ح اٌم‪ٛ‬أ‪ٓ١‬‬
‫اٌجضائ‪١‬ح تّ‪ٛ‬جة اٌّادج ‪ٚ ،7‬اٌّادج ‪ ِٓ 4‬اٌثش‪ٚ‬ذ‪ٛ‬و‪ٛ‬ي اٌساتع اإلضاف‪ٌ ٟ‬إلذفال‪١‬ح اٌّرعٍمح تاٌحك ف‪ ٟ‬اإلعرشاف تاٌشخص‪١‬ح اٌمأ‪١ٔٛ‬ح‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫والحقيقة أف ىذا التصنيؼ القائـ عمى أساس أىمية الحؽ يخؿ بمبدأ اإلعتماد المتبادؿ بيف الحقوؽ‬
‫وتكامميا‪ ،‬فكيؼ يمكننا التمتع بالحؽ في الحياة واعتباره حقا أساسيا مع حرماف الشخص مف باقي الحقوؽ‬
‫العادية مثؿ الحؽ في الصحة‪ .‬كما يتضح أف الغاية مف ىذا التقسيـ إجرائية تتمثؿ في تحديد الحد األدنى‬
‫مف اإللتزامات الواقعة عمى الدولة في مجاؿ حقوؽ اإلنساف في الظروؼ اإلستثنائية والطارئة‪ ،‬كما أف‬
‫أىمية أي حؽ يبقى أم ار نسبيا يتوقؼ عمى وضعيات معينة وفي دوؿ معينة‪.1‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬تقسيم الحقوق إلى أجيال‪.‬‬

‫عرفت حقوؽ اإلنساف تطورات ممحوظة ترجمت في اإلعتراؼ المستمر ببعض الحقوؽ في الوثائؽ‬
‫الدولية والتي عكست مجموعة مف القيـ والمصالح الواجب إحتراميا لضماف الكرامة اإلنسانية‪ .2‬حيث‬
‫قسمت الحقوؽ تاريخيا إلى إلى ثبلثة أجياؿ ىي‪ :‬حقوؽ الجيؿ األوؿ والتي تجد أصميا في إعبلنات القرف‬
‫السادس عشر‪ ،‬حقوؽ الجيؿ الثاني والتي إعترؼ بيا اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف بموجب المواد مف‬
‫الثانية والعشريف إلى السابعة والعشريف‪ ،‬أما حقوؽ الجيؿ الثالث فيي التي ظيرت في العديد مف‬
‫اإلعبلنات مثؿ الحؽ في التنمية‪ ،‬وفي بيئة نظيفة‪ ،‬والحؽ في السمـ‪ ،‬والتراث المشترؾ لئلنسانية والتي‬
‫تتأسس عمى الحرية‪ ،‬المساواة والتضامف عمى الترتيب‪ ،‬غير أف ىذه األسس غير أكيدة فالمساواة تمتد إلى‬
‫جميع الحقوؽ‪ ،‬كما يمكف أف يكوف التضامف أساسا لحقوؽ الجيؿ الثاني والثالث معا وأف فكرة تدخؿ الدولة‬
‫ليست مقبولة حاليا‪.‬‬

‫لذا تبقى فكرة األجياؿ في الحقوؽ تعكس تطو ار تاريخيا ال غير‪ ،‬فالحقوؽ ىي إستجابة لتحديات‬
‫ذات طبيعة سياسية‪ ،‬إقتصادية‪ ،‬إجتماعية وثقافية‪ .‬كما يمكف اإلشارة إلى تصنيؼ آخر لحقوؽ اإلنساف‬
‫والمتمثؿ في حقوؽ األجياؿ الحالية والمستقبمية والمستوحى مف فكرة التنمية المستدامة المنعقدة في‬
‫جوىانسبورغ عاـ ‪ 1992‬والتي أقرت بفكرة أف األرض ليست إرثا لمجيؿ الحالي فقط بؿ ىي إعارة لجيؿ‬
‫المستقبؿ‪ ،‬فاألجياؿ المستقبمية ليس ليا وجود حالي لكف ىؿ يمكف اإلعتراؼ ليا بحقوؽ؟ غير أف منظمة‬
‫اليونسكو إستبعدت استصدار إعبلف خاص بحقوؽ األجياؿ المستقبمية بحجة أف المستفيديف مف ىذه‬
‫الحقوؽ غير موجوديف مف الناحية العممية‪ ،3‬لكف عمميا فإف لؤلجياؿ المستقبمية حقوقا وىي حقوؽ جديدة‬

‫‪1‬‬
‫‪Karel Vasak, Op. Cit., p. 14.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Philippe Gérard, Op. Cit., p. 36.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Karel Vasak, Op. Cit., p.20.‬‬
‫‪56‬‬
‫غير معترؼ بيا لؤلجياؿ الح الية قد تعد ضرورية لؤلجياؿ المستقبمية‪ ،‬فحؽ الجيؿ الحالي في السمـ‬
‫يؤسس لحقوؽ األجياؿ المستقبمية في أف يكونوا بمنأى عف نتائج الحروب السابقة‪. 1‬‬

‫في األخير يمكننا القوؿ أف كبل مف التصنيفات التي خضعت ليا حقوؽ اإلنساف كانت معيبة‬
‫ومنتقدة فكثي ار ما كانت األسس المعتمدة في ذلؾ مشركة بيف فئات الحقوؽ وأحيانا يشوبيا الغموض وعدـ‬
‫الدقة‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬ندوة فيينا لحقوق اإلنسان وبداية التحول في مسار حقوق اإلنسان‬

‫سوؼ تكوف نقطة اإلنطبلؽ مف برنامج عمؿ فيينا باعتباره ذا قيمة محورية أكبر منيا أساسية‪ ،‬إذ‬
‫أقر العديد مف المبادئ التي تحكـ حقوؽ اإلنساف وتتعمؽ بيا‪ ،‬إال أف ىذا األمر ال يعد كافيا ما جعؿ‬
‫المطالبة بضرورة اعتماد أدوات معيارية أو قانونية تخص التنوع الثقافي أمر ال يحتمؿ التأخير والتأجيؿ‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬مضمون برنامج عمل فيينا‪.‬‬

‫بداية نشير إلى أف ىذه الندوة قد تـ عقدىا في ظروؼ دولية مختمفة تماما عف ما كانت عميو‬
‫سابقا وحضرتو فواعؿ دولية جديدة عمى غرار المنظمات غير الحكومية (‪ )ONG‬الناشطة في مجاؿ‬
‫حقوؽ اإلنساف بصفة خاصة‪ ،‬بؿ أكثر مف ذلؾ كانت ىي مف دعت إليو وساىمت في اإلعداد والتحضير‬
‫لو عبر المؤتمرات الجيوية الثبلثة‪ :‬بانكوؾ‪ ،‬تونس‪ ،‬ساف خوسيو‪ ،‬حيث ظيرت كفاعؿ جديد عمى الساحة‬
‫الدولية إلى جانب الدولة التي لـ تعد وحدىا المعنية بمسائؿ حقوؽ اإلنساف وبدأ دورىا ينحسر ويتراجع‬
‫مقابؿ ظيور أشكاؿ جديدة لمتنظيـ بفعؿ تأثيرات العولمة‪ ،‬خاصة عولمة حقوؽ اإلنساف وتأثيرىا عمى مبدأ‬
‫السيادة الذي تراجع بدوره وأضحت معو حقوؽ اإلنساف أولوية بؿ وميدت لتحوالت وحقوؽ أخرى عمى‬
‫غرار الحؽ في التدخؿ اإلنساني وواجب الحماية الدولية حيث ورد في ديباجة إعبلف فيينا المتمخض عف‬
‫المؤتمر "تعزيز وحماية حقوؽ اإلنساف مسألة ذات أولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي‪ .)...‬وقد تضمف‬
‫اإلعبلف العديد مف المبادئ والمسائؿ التي تتعمؽ بحقوؽ اإلنساف وأبرزىا‪:‬‬

‫‪-1‬مبدأ العالمية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid., p.22.‬‬
‫‪57‬‬
‫في مجاؿ حقوؽ اإلنساف أكد اإلعبلف عمى العالمية بموجب الفقرة (‪ )01‬منو‪ ،‬مكتفيا باإلشارة‬
‫لمبدأ الخصوصية بشكؿ جد مقتضب حيث نص "حقوؽ اإلنساف ذات صفة مطمقة وأف عمى الدوؿ واجب‬
‫االلتزاـ بترقيتيا وحمايتيا تماشيا مع ميثاؽ األمـ المتحدة والصكوؾ الدولية األخرى الخاصة بحقوؽ‬
‫اإلنساف"‪ ،‬وعميو فإف ربط حقوؽ اإلنساف بالصكوؾ الدولية وميثاؽ األمـ المتحدة إنما ىو في الحقيقة إعادة‬
‫التأكيد عمى مبدأ العالمية الممتد مف اإلعبلف العالمي لعاـ ‪.1948‬‬

‫وفي ذات الوقت حاوؿ اإلعبلف ربط العالمية بالخصوصية الثقافية حيث ورد فيو(‪...‬ضرورة األخذ‬
‫بعيف االعتبار الخاصيات الوطنية واإلقميمية ومختمؼ الخمفيات الدينية والتاريخية)‪ .‬إال أف المسائؿ‬
‫والقضايا األخرى التي تعرض ليا اإلعبلف عمى غرار حقوؽ المرأة وتمكينيا ومسائؿ اإلصبلح الديمقراطي‬
‫تكشؼ في الحقيقة عف محاولة تأكيد لتأسيس مرجعية حقوقية مطمقة‪ ،‬أي أحادية المرجعية الحقوقية‬
‫والنسؽ الحقوقي العالمي‪ ،‬وبذلؾ فقد فضؿ اإلعبلف مبدأ التوافؽ والعالمية عمى الخصوصية والمفاضمة‬
‫‪1‬‬
‫الحقوقية‪.‬‬

‫‪-2‬عدم قابمية حقوق اإلنسان لمتجزئة واالعتماد المتبادل بينيا‪:‬‬

‫وىو ما تـ التأكيد عميو في الفقرة ‪ 5‬حيث دعا اإلعبلف إلى اعتبار الحقوؽ مترابطة ومتشابكة‬
‫وبالتالي ال مجاؿ لمفصؿ بيف الحقوؽ المدنية والسياسية مف ناحية والحقوؽ االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية مف جية أخرى‪ ،‬واضعا بذلؾ حدا لما ذىب إليو ىيغؿ مف جعؿ الحقوؽ السياسية تابعة لمحقوؽ‬
‫االقتصادية وبالضرورة االعتماد المتبادؿ بينيا والقضاء عمى أدلجتيا وذلؾ نظ ار لممتغيرات السائدة آنذاؾ‬
‫أي زواؿ القطبية الثنائية و تقيقر اإليدلوجيا الشيوعية واالشتراكية‪.‬‬

‫‪-3‬ربط حقوق اإلنسان بالتنمية والديمقراطية‪:‬‬


‫‪Droit de l’homme, Développement, Démocratie) Les 3D( :‬‬

‫لقد أكد اإلعبلف عمى ىذه الثبلثية‪ :‬فالتنمية اإلنسانية لـ تعد تفيـ بالمفيوـ االقتصادي الضيؽ الموافؽ‬
‫لمعنى النمو االقتصادي واف كاف ليذا األخير دور ميـ في تحقيقيا‪ ،‬إذ تعدتو إلى توسيع الخيارات‬
‫والفرص وذلؾ مف خبلؿ المشاركة في اقتساـ اإلنتاج وتوجيو الفرد لمستقبمو االقتصادي والسياسي والبيئي‬

‫‪ 1‬د‪.‬ساٌُ تشل‪ٛ‬ق‪ » :‬ػولمت حقوق اإلوسان وإػادة البىاء االبستمولوجي للسيادة«‪ ،‬اٌعاٌُ االسرشاذ‪١‬ج‪ِ ، ٟ‬شوض اٌشعة ٌٍذساساخ اإلسرشاذ‪١‬ج‪١‬ح‪،‬‬
‫اٌجضائش‪ ،‬أفش‪ ،2009 ً٠‬اٌعذد‪ ،10‬ص‪.8‬‬
‫‪58‬‬
‫عف طريؽ التحرير الذي يتضمف ترقية المبادرة الخاصة والبلمركزية التي تقضي بوضع سمطة القرار في‬
‫يد السمطات المحمية والمنتخبيف وتسمح بمشاركة أكثر مباشرة وفعالية في تسيير القضايا العامة والوصوؿ‬
‫إلى فعالية كبيرة في اإلنفاؽ العمومي واقتطاع جبائي ناجح‪ 1.‬كما دعا اإلعبلف إلى ضرورة احتراـ حقوؽ‬
‫اإلنساف في إطار التنمية اإلنسانية النتياكيا بحجة التنمية‪.‬‬

‫ب‪-‬تحقيق الديمقراطية من خالل المشاركة السياسية القائمة عمى مبدأي العدالة في التوزيع والتمكين‬
‫الجنساني (‪ )gendering empowerment‬حيث دعا إلى تيسير وصول المرأة إلى مناصب اتخاذ‬
‫الق اررات وزيادة مشاركتيا في ىذه العمميات (وىذا جزء ىام من التمكين) الضروري لتحقيق التنمية‪.‬‬

‫أما المبدأ الثاني الذي تقوـ عميو المشاركة السياسية فيتمثؿ في مبدأ الشمولية مف خبلؿ المشاركة‬
‫السياسية الدائمة‪ ،‬التمثيمية والدورية كما جدد اإلعبلف مطالبتو باإلصبلح الديمقراطي في الدوؿ التي تعرؼ‬
‫عج از ديمقراطيا أو تفتقد إلى الديمقراطية تماما‪.‬‬

‫إف تضمف اإلعبلف ليذه الثبلثية (ديمقراطية‪ ،‬تنمية‪ ،‬حقوؽ اإلنساف) في الحقيقة ىو تمييد لبعث‬
‫فكرة األمف اإلنساني مف خبلؿ تفعيؿ ىذه األخيرة ألف التمكيف في حقوؽ اإلنساف متى رافقتو ديمقراطية‬
‫مشاركاتية وتنمية إنسانية فيو يخمؽ الشروط الضرورية لؤلمف بما يخمؽ شروط الكينونة والرفاه لمجيؿ‬
‫الحالي والمقبؿ وبالتالي إلغاء الخوؼ والقير ليذا الجيؿ والمقبؿ أي تحقيؽ األمف اإلنساني المستداـ‪.‬‬

‫وفي األخير إذا كاف المتوقع أف يضع اإلعبلف المتمخض عف المؤتمر حدا لمسجاؿ القائـ بيف‬
‫العالمية والخصوصية فإنو أقر في النياية بالعالمية‪ ،‬بؿ ورسـ مبلمحا جديدة لعولمة حقوؽ اإلنساف‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬دور المنظمات غير الحكومية اآلسيوية في تغيير موقف الدول‪.‬‬

‫شيريف قبؿ إنعقاد ندوة فيينا‪ ،‬حضرت الدوؿ اآلسيوية ليا مف خبلؿ مؤتمر بانكوؾ والدوؿ‬
‫اإلفريقية مف خبلؿ مؤتمر تونس‪ ،‬أما الدوؿ اإلسبلمية فقد أعدت إعبلف القاىرة حوؿ حقوؽ اإلنساف في‬
‫اإلسبلـ‪ ،‬فيما حضرت لو دوؿ الكاريبي بمؤتمر ساف خوسيو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Simeon Fongang ; «Le Développement Humain, Problématique d’une Politique Economique»,‬‬
‫‪www.Unesco.org/moste/dop20.htm.‬‬
‫‪59‬‬
‫وقد ثارت النقاشات عندما عبرت الحكومة السنغافورية عمى لساف وزيرىا األوؿ ‪(Lee Kwan‬‬
‫)‪ Yew‬عمى أف اإلعتراؼ العالمي بحقوؽ اإلنساف يمكف أف يشكؿ خط ار إذا ما كانت العولمة تغطي أو‬
‫ترفض حقيقة التنوع‪ ،1‬لذلؾ دافعت الدوؿ اآلسيوية عف البعد الكوسمولوجي لمعالـ مطورة بذلؾ الخصوصية‬
‫الكونفوشيوسية اآلسيوية‪ ،‬إذ انتقدت كؿ مف ماليزيا‪ ،‬الصيف‪ ،‬سنغافورة المفيوـ الغربي لحقوؽ اإلنساف‬
‫ووسائؿ الييمنة الغربية‪ ،‬فالمنظور اآلسيوي لحقوؽ اإلنساف يخضع الحريات األساسية الفردية لمتنمية‬
‫‪2‬‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬واصفيف بذلؾ خطاب حقوؽ اإلنساف باالمبريالية الثقافية‬

‫فقد نص إعبلف بانكوؾ عمى أنو إذا كانت حقوؽ اإلنساف عالمية بالطبيعة فيجب أف يتـ تجسيدىا‬
‫في سياؽ المسار الديناميكي والتطوري لتحديد المعايير الدولية مع ضرورة األخذ بعيف اإلعتبار‬
‫الخصوصيات الوطنية والجيوية كسياقات تاريخية‪ ،‬ثقافية ودينية مختمفة‪ .3‬حيث أصرت الصيف عمى‬
‫المبادئ الواجب إتباعيا مف طرؼ األمـ المتحدة في مجاؿ حقوؽ اإلنساف وىي‪ :‬عدـ التدخؿ في الشؤوف‬
‫الداخمية لمدوؿ‪ ،‬عدـ اإلنتقائية‪ ،‬أولوية الحقوؽ الجماعية والحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬أولوية‬
‫المجموعة في حؽ التنمية‪ ،‬وكذلؾ إعطاء األولوية لمسيادة الوطنية والخصوصيات الثقافية‪ ،4‬فالدوؿ‬
‫اآلسيوية دافعت عف القيـ اآلسيوية المشتركة والمتمثمة في‪ :‬األمة قبؿ المجموعة‪ ،‬المجتمع قبؿ الفرد‪،‬‬
‫اإلجماع وليس الصراع‪ ،‬التوافؽ العرقي والديني‪ ،‬سيادة اإلستقرار السياسي عمى الحقوؽ الفردية فيما‬
‫رفضت الياباف إتباع ىذا التوافؽ الجيوي‪.5‬‬

‫إال أنو وبعد انعقاد مؤتمر فيينا وصدور اإلعبلف النيائي لو‪ ،‬لـ يمقى ىذا األخير أية معارضة‬
‫مف أي دولة حتى الصيف التي ىي مف أشد المدافعيف عمى الخصوصية الثقافية‪ ،6‬وىاجمت العالمية‪،‬‬
‫ورغـ القيمة المحورية لئلعبلف مف خبلؿ القواعد القانونية التي أرساىا فإف ممثمي الدوؿ اآلسيوية والدوؿ‬
‫العربية وبعض الدوؿ اإلفريقية قد أبدوا خيبة أمميـ مف النتائج التي خرج منيا المؤتمر‪ ،‬خاصة وأف الدوؿ‬
‫قد حضرت ليذا المؤتمر بمؤتمرات جيوية واف كانت تصوراتيا متباينة إال أنيا أجمعت عمى أف تحترـ‬
‫سيادتيا وأف ال يفرض عمييا نمط حقوقي معيف‪ ،‬حيث اعتبرت القيـ اآلسيوية ذات األولوية حسب إعبلف‬

‫‪1‬‬
‫‪Gérard Fellous; «Les Droits de L'homme une Universalité Menacée», la documentation française, Paris,‬‬
‫‪2010, p. 27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 3‬إعالْ تأى‪ٛ‬ن ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gérard Fellous, Op. Cit., p .28.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Maxime Tardu; «Normes Internationales,Droits de L’homme et Diversité Culturelle», Etat de droit, droits‬‬
‫‪fondamentaux et diversité culturelle, l’Harmattan, p.31.‬‬
‫‪60‬‬
‫بانكوؾ‪ ،‬أما إعبلف تونس فقد ركز عمى حؽ تقرير المصير وتصفية اإلستعمار وأولوية الحقوؽ المرتبطة‬
‫بالتنمية والحقوؽ الوجدانية‪ 1.‬ألف التصور اإلفريقي ظؿ مرتك از عمى مفيومو لمثقافة اإلفريقية التقميدية التي‬
‫ال تتوافؽ مع فكرة الحقوؽ الفردية فحقوؽ الشعوب ىي الضامف لحقوؽ اإلنساف واف نص الميثاؽ اإلفريقي‬
‫لحقوؽ اإلنساف والشعوب المعتمد في ‪ 27‬جواف ‪ 1981‬والذي دخؿ حيز النفاذ في أكتوبر ‪ 1986‬واف‬
‫نص عمى الحقوؽ والحريات فإنو إعتبرىا غايات أساسية لتحقيؽ التطمعات الشرعية لمشعوب اإلفريقية‪.2‬‬

‫أما إعبلف ساف خوسيو فقد أكد عمى أولوية التنوع الثقافي وضرورة احتراـ مكوناتو‪ ،‬فاألولويات‬
‫والمنطمقات والمرجعيات كانت متباينة وأف نتائج المؤتمر لـ تكف بذلؾ مستجيبة ومتوافقة مع مصالح‬
‫وتطمعات وتصورات ممثمي ىذه الدوؿ‪ .‬وبالرجوع إلى ندوة فيينا نجد أف المنظمات غير الحكومية اآلسيوية‬
‫كانت أقؿ دوغماتية في مساىمتيا في إعداد اإلعبلف ألف ىذه األخيرة كانت تطمح إلى ترقية حقوؽ‬
‫اإلنساف وايجاد أنظمة رقابة وآليات حماية حقوؽ اإلنساف خاصة في ظؿ افتقار ىذه األخيرة عمى المستوى‬
‫الجيوي‪ ،‬لذلؾ شكؿ اإلسياـ اآلسيوي موضوع حؿ وسط فبعدما كانت الدوؿ تنادي بالخصوصية الثقافية‬
‫وبضغط مف المنظمات غير الحكومية عمى موقؼ الدوؿ تمت صياغة الفقرة الخامسة مف ندوة فيينا (‬
‫حقوق اإلنسان عالمية‪ ،‬غير قابمة لمتجزئة‪ ،‬مترابطة‪ ،‬معتمدة فيما بينيا) إضافة إلى البند المتعمؽ‬
‫بالخصوصيات الثقافية الذي يقضي بػ (الخذ بعين اإلعتبار الخصوصيات الثقافية الوطنية والجيوية‬
‫والتنوع الثقافي والتاريخي والديني‪ ،‬وأنو من واجب الدول ميما كان نظاميا السياسي‪ ،‬اإلقتصادي ترقية‬
‫وحماية حقوق وحريات اإلنسان كافة)‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪.‬ساٌُ تشل‪ٛ‬ق‪ ،‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪ 2‬د‪٠‬ثاجح اٌّ‪١‬ثاق اإلفش‪٠‬م‪ٌ ٟ‬حم‪ٛ‬ق اإلٔساْ ‪ٚ‬اٌشع‪ٛ‬ب ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬فواعل الحق في التنوع الثقافي‪:‬‬

‫إف الحؽ في التنوع الثقافي شأنو شأف باقي الحقوؽ يستمزـ دعائما وشروطا لقيامو وتقويتو‬
‫وتعزيزه‪ ،‬وىي بدورىا تحتاج إلى فواعؿ لذلؾ‪ ،‬وميما قيؿ بأف الثقافة ىي مصدر لمنزاعات فيي في الحقيقة‬
‫مصد ار إلحبلؿ اإلغناء المتبادؿ والسمـ والتنمية وبالتالي البد مف مجموعة شروط ال يمكف في غياب‬
‫إحداىا أف يقوـ ىذا الحؽ والتي يمكف حصرىا فيما يمي‪ :‬المواطنة المتعددة الثقافات‪ ،‬التنمية اإلنسانية‬
‫المستدامة‪ ،‬الحقوؽ الثقافية‪ ،‬فكيؼ تساىـ ىذه العناصر أو الشروط في تدعيـ الحؽ وقيامو؟ غير أننا‬
‫سنتطرؽ إلى مستويات دعـ ىذا الحؽ قبؿ ذلؾ‪.‬‬

‫حتى يتحقؽ الحؽ في التنوع الثقافي البد أوال مف اإلعتراؼ بو وتجسيده ومف ثـ اإلنتفاع بو مثمو‬
‫مثؿ باقي الحقوؽ‪ ،‬لذلؾ ىناؾ ثبلث مستويات لدعمو ىي‪ :‬الدولة‪ ،‬المجتمع‪ ،‬الفرد‪.‬‬

‫المطمب الول‪ :‬الفرد‪.‬‬

‫إف الفرد ال يجب أف يتمتع بالحقوؽ الثقافية وبالحؽ في التنوع الثقافي‪ ،‬بؿ عميو أف يشارؾ في‬
‫دعـ ىذا الحؽ‪ ،‬ففي إطار عبلقاتو مع باقي األفراد المختمفيف عنو نجده يتفاعؿ تأثي ار وتأث ار مع ثقافة‬
‫اآلخريف فكما يقوؿ الماىاتما غاندي (‪ ...‬إنني أرغب في أن تيب عمى بيتى جميع ثقافات العالم من غير‬
‫أن تقتمعنى من جذورى إحدى ىذه الثقافات…) وأضاؼ ((…ليس فى إمكان أية‬
‫قيود ‪ .‬ولكننى أرفض ْ‬
‫حاولت حذف الثقافات الخرى‪ .1)...‬وعميو أف يحترـ اآلخريف في اختبلفاتيـ وبذلؾ‬
‫ْ‬ ‫أن تعيش إذا‬
‫ثقافة ْ‬
‫يكوف دور الفرد في دعـ الحؽ في التنوع الثقافي مف خبلؿ عبلقتو بالفرد وبالمجتمع وبالدولة‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬عالقة الفرد بالفرد‪.‬‬

‫‪ 1‬طٍعد سض‪ٛ‬اْ‪ » ،‬التىوع الثقافي في الوطه األم « ‪ِ ،‬جٍح اٌح‪ٛ‬اس اٌّرّذْ‪ ،‬اٌعذد‪ ،382‬تراس‪٠‬خ‪. 21/08/2012 ،‬‬
‫‪62‬‬
‫وذلؾ بأف يتميز سموؾ الفرد بالتسامح إزاء قيـ اآلخريف‪ ،‬فعدـ التسامح بيف األفراد يكوف عف‬
‫طريؽ رفضو ليـ ولثقافتيـ‪ ،‬وكره األجانب والتحريض والخطابات العنصرية‪ .‬أما التسامح فيتحقؽ باحتراـ‬
‫اآلخريف كما ىـ (بمكوناتيـ الثقافية والمغوية‪ ،‬الدينية‪ )...‬ما يعني اإلحتراـ المتساوي لمتنوع الثقافي وبالتالي‬
‫إحتراـ التعبير عف القناعات وأف ال تستعمؿ بعض الحقوؽ عمى غرار حرية التعبير لضرب الحؽ في‬
‫التنوع الثقافي‪.‬‬

‫وفي ىذا الصدد نشير إلى إشكالية ميمة وىي قضية دخوؿ الحؽ في التنوع الثقافي في نزاع‪،‬‬
‫وىناؾ تتصارع الحقوؽ والحريات خاصة حرية الرأي والتعبير والتي قد تنتيؾ الخصوصيات الثقافية‬
‫والحريات والمعتقدات الدينية لذلؾ نجد أف المادة (‪ )05‬مف العيد الدولي لمحقوؽ السياسية والمدنية والمادة‬
‫(‪ )92‬مف االتفاقية األوروبية لحقوؽ اإلنساف تمنع تمتع واستفادة مف كؿ مف يدعو إلى األحقاد والكراىية‬
‫العنصرية والدينية مف حرية التعبير‪.‬‬

‫كما آف األفراد المنتميف إلى أقميات ‪-‬ميما كاف شكميا ‪-‬يشعروف باحتراـ وتقدير ذواتيـ عندما يتـ‬
‫االعتراؼ ليـ ببعض الحقوؽ الخاصة التي مف شأنيا إثراء الحؽ في التنوع الثقافي كالمغة التي يتكممونيا‬
‫وادراجيا ضمف المناىج التعميمية والمؤسسات الحكومية وبالتالي يجدوف الفرصة متاحة لتعزيز وتقوية‬
‫ثقافاتيـ ‪ ،‬ألف إضعاؼ ثقافة فرد ما أو جماعة ما ىو إال إعتداء عمى حقوؽ أفرادىا وكرامتيـ ىذا مف‬
‫جية‪ ،‬ومف جية أخرى يسيـ ذلؾ في جعؿ اآلخريف يحترموف بدورىـ ىذه الثقافة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة الفرد بالمجتمع‪.‬‬

‫ىنا تبدو الحاجة ممحة إلى وجود مجتمع قوي قوامو قبوؿ اإلختبلؼ والتنوع مف أجؿ أف ال يتـ‬
‫استبعاد أو إقصاء الفرد أو مجموعة ما ومف ثـ ثقافة ما‪ ،‬وفي ىذا إشراؾ لجميع المكونات الثقافية في بناء‬
‫المجتمع الديمقراطي الذي يحوى كؿ الثقافات‪ .‬لذلؾ نجد أف العديد مف المنظمات الغير الحكومية كاف ليا‬
‫دو ار بارز في التعريؼ بالحؽ في التنوع الثقافي ومحاربة العنصرية وقد كاف ليا دور كبير في إعداد العديد‬
‫مف المعاير الدولية الخاصة بحقوؽ اإلنساف فيي تقوـ بوظيفة تشريعية بالمعنى الواسع لذلؾ نجد تأثير‬

‫‪63‬‬
‫ىذه األخيرة مف خبلؿ ممارسة ما أسمتو ‪ Mireille Delmas Marty‬الدبموماسية الغير حكومية‪ ،1‬التي‬
‫ال تكوف موازية لدبموماسية الدوؿ بؿ ىي دبموماسية مشاركاتية ىدفيا بناء عالـ مف التضامف‪.2‬‬

‫كما أف الفرد كمما إستفاد مف الحقوؽ الثقافية ومف الحؽ في التنوع الثقافي بصورة عامة وانتفع بو‬
‫فسيدخؿ في عبلقات سممية مع باقي األفراد والمجتمع مما يسيـ في تحقيؽ السمـ واألمف المجتمعييف‪ ،‬كما‬
‫مف شأف ذلؾ تقوية ثقة األفراد في نفوسيـ وفي مجتمعيـ ونظرتيـ نظرة إيجابية إلى ثقافتيـ ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬عالقة الفرد بالدولة‪.‬‬

‫كمما أشبعت الحاجات الثقافية وتمتع الفرد بحقو في التنوع الثقافي ومتى توفرت البيئة المساعدة‬
‫عمى ممارستو فإف شرعية الدولة التي ال تمارس أي إقصاء أو تيميش إزاء فرد أو جماعة ما ( أي ثقافة‬
‫ما) تزداد ‪ ،‬بؿ وتزداد معيا ثقة الفرد في دولتو وفي مؤسساتيا وتحقيؽ العبلقة السممية مع الدولة وبالتالي‬
‫يكوف األفراد بمنأى عف كؿ مظاىر التعصب والتطرؼ واالنغبلؽ عمى الذات‪ ،‬ويكوف مف شأف ذلؾ تقوية‬
‫اإلنفتاح عمى الثقافات األخرى‪ ،‬ألف اإلستبعاد السياسي أو اإلقتصادي إذا ما اقترف بالبعد السوسيوثقافي‬
‫يعتبر مف أىـ مغذيات العنؼ والتعصب واإلرىاب والتطرؼ وضرب إستقرار الدوؿ وأمنيا‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬المجتمع والمنظمات غير الحكومية الدولية‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬المجتمع‪.‬‬

‫يعد المجتمع اإلطار األشمؿ الذي يحتوي البشر وينظـ العبلقة فيما بينيـ في إطار إقتصادي‬
‫واجتماعي محدد‪ ،‬وىو يتطور مف خبلؿ عبلقة فئاتو ببعضيا البعض‪ ،‬لذلؾ يمعب دو ار ىاما في دعـ‬
‫الحؽ في التنوع الثقافي ألنو ىو اإلطار الذي تمارس فيو مختمؼ الثقافات‪ ،‬وعمى ىذا األخير أف يوفر‬
‫المناخ المناسب إلحتراـ اإلختبلفات والتباينات‪ ،‬فيو يخمؽ الظروؼ المساعدة لتمتع األفراد بيذا الحؽ‪ ،‬فبل‬
‫ينظر بنظرة مريبة إلى أفراد األقميات أو المياجريف مثبل‪ ،‬وال النظر إلييـ بازدراء باعتبارىـ خارجيف أو‬
‫غرباء عف الثقافة السائدة في المجتمع‪ ،‬بؿ يقع عميو إدماج ىؤالء األفراد والجماعات في الحياة العامة‪،‬‬
‫دونما السعي لتذويب ثقافتيـ وأف ينظر إلى ثقافتيـ كجزء مف ثقافة ىذا المجتمع بصفة عامة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mireille Delmas Marty, Op. Cit., Pp.185-188.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p.188.‬‬
‫‪64‬‬
‫كما يمعب المجتمع المدني دوره في دعـ الحؽ في التنوع الثقافي مف خبلؿ مقومو الجوىري‬
‫المتمثؿ في قبوؿ التنوع واإلختبلؼ بيف الذات واآلخريف‪ .1‬كذلؾ عمى المجتمع أف يشجع قيـ التسامح إزاء‬
‫كؿ ما ىو مختمؼ وأف يقبؿ بو كما ىو وأف يحتويو ويحاوؿ دمجو دوف محاولة تذويبو فيكوف منفتحا عمى‬
‫جميع اليويات يؤمف بالتعددية وبفكرة أف اليوية مشروع مفتوح باعتباره بناءا إجتماعيا ديناميكيا وليس‬
‫نظاما مكتمبل‪.2‬‬

‫كذلؾ عمى المجتمع أف يؤمف بأف التنوع الثقافي ىو عامؿ قوة داخؿ الثقافة إذا ما تمت رعايتو‬
‫وحافظت كؿ مجموعة عمى مقومات ثقافتيا مع المساواة في الحقوؽ السياسية والمدنية وعدـ التعرض إلى‬
‫التمييز بسبب اإلنتماءات الثقافية‪ ،‬الدينية‪ ،‬أو العرقية‪ .‬كما يمعب دوره في دحض الخطابات المحرضة‬
‫وكره األجانب والعنصرية‪ ،‬فكمما إستيجنيا وتمقاىا تمؽ سمبي فسيتناقص أثرىا وحدتيا‪ ،‬كذلؾ مف خبلؿ‬
‫دحض األحكاـ النمطية المسبقة عف اآلخر‪ ،‬إضافة إلى دوره الوقائي واإلستباقي في تفادي الصراعات‬
‫والتوترات في اليوية التي تعتبر مف أسباب الحروب واإلرىاب ‪. 3‬‬

‫ىذا عف الفواعؿ أو المستويات الوطنية‪ ،‬أما الفواعؿ الدولية فميا نصيب في دعـ الحؽ في التنوع‬
‫الثقافي حكومية منيا مثؿ الوكاالت الدولية المتخصصة كاليونسكو وما تمعبو مف دور كبير في ذلؾ مف‬
‫خبلؿ المؤتمرات والندوات والبحوث واالستراتيجيات التي تضعيا وتحضيرىا لبرامج العمؿ ومواثيؽ‬
‫واعبلنات ومبادرات تصب كم يا في خانة ترقية الحؽ في التنوع الثقافي وتعزيزه ومنظمات غير حكومية‬
‫تعنى بذات الشأف مثؿ الشبكة الدولية لمسياسات الثقافية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أىم المنظمات غير الحكومية الدولية التي تعني بالتنوع الثقافي‪.‬‬

‫مف أىـ المنظمات الغير حكومية ذات الطابع الدولي والتي تعنى بالتنوع الثقافي نجد الشبكة‬
‫الدولية لمسياسة الثقافية )‪ (le réseau international sur la politique culturelle‬وكذلؾ الشبكة‬
‫الدولية لمتنوع الثقافي )‪ ،(le réseau international sur la diversité culturelle‬وسوؼ نكتفي‬
‫بالتطرؽ إلى الدور الذي الذي لعبتو وتمعبو ىذه الشبكة مف أجؿ التنوع الثقافي‪.‬‬

‫‪ 1‬اٌح‪ٛ‬اس اٌّرّذْ‪ ،‬عثذ اٌغفاس شىش‪ » :‬وشأة و تطور المجتمغ المدوي‪ ،‬مكوواتً و إطاري التىظيمي «‪ ،‬اٌعذد ‪. 985‬‬
‫…‪www.ahewar/org/debat/show.art.asp?aid=320790‬‬
‫‪ 2‬دأ‪ ٟ‬و‪ٛ‬ش‪ ،‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ص ‪.170-167‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Article 3 de la déclaration de fribourg sur les droits culturels‬‬
‫‪65‬‬
‫إف الشبكة الدولية لمتنوع الثقافي وبحكـ تركيبتيا تعبر حقيقة عف التنوع الثقافي‪ ،‬فيي تضـ‬
‫مجموعة مف الفنانيف ومجموعات ثقافية تعمؿ مف أجؿ مواجية التجانس الثقافي الذي تفرضو العولمة‪ ،‬كما‬
‫تضـ أفرادا وناشطيف ثقافييف وىيئات ثقافية مف كافة القطاعات والقارات‪ ،‬ناىيؾ عمى أف اإلنضماـ إلييا‬
‫يكوف بطريقة ديمقراطية‪.1‬‬

‫أما تأسيسيا فكاف إمتدادا لندوة اليونسكو لمسياسات الثقافية المنعقدة في أفريؿ عاـ ‪ ،1998‬الذي‬
‫دعا إلى إنشاء شبكات دولية لمواجية العولمة ثـ بعده وفي جواف مف نفس السنة قامت وزيرة الثقافة‬
‫الكندية ‪ Sheila Coops‬آنذاؾ باستدعاء وزراء الثقافة مف أجؿ نفس الغرض‪ ،‬إال أف التأسيس الفعمي‬
‫ليذه الشبكة كاف في مدينة ‪ santorin‬باليوناف بحضور سبعيف ممثبل ثقافيا عف واحد وعشريف دولة‪ 2‬ثـ‬
‫تبله مؤتمر ‪ lucerne‬بسويس ار وفي إطار المؤتمر الثاني لمشبكة الدولية لمتنوع الثقافي والذي حضره‬
‫خمسة وثمانيف ممثبل عف ثبلثة وثبلثيف دولة مف أجؿ صياغة ميثاؽ ثقافي عالمي وبذلؾ دعا إلى إعداد‬
‫‪3‬‬
‫وسيمة دولية مف أجؿ التنوع الثقافي والتي تسعى إليجاد أساس قانوني دائـ مف أجؿ حماية التنوع الثقافي‬

‫المطمب الثالث‪ :‬الدولة‪.‬‬

‫إف دور الدولة يشيد تراجعا عمى المستوييف الداخمي والدولي سواء في وضع المعايير القانونية أو‬
‫مف الناحية الوظيفية وذلؾ لظيور فواعؿ أخرى محمية وأخرى فوؽ وطنية تنافسيا في وضع وصياغة‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬والمقصود بالدولة كمستوى لدعـ الحؽ في التنوع الثقافي ليس تمؾ الدولة المتجانسة ثقافيا‬
‫بؿ الدولة المتعددة ثقافيا أو عمى األقؿ التي تعترؼ بالتنوع الثقافي ووجود جماعات متنوعة فوؽ إقميميا‪،‬‬
‫بؿ تسعى إلى تأطيره ومأسستو‪ ،‬فالتنوع أصبح ميزة المجتمعات الحديثة والدوؿ عمى حد سواء‪ ،‬وبالتالي‬
‫يقع عمى ىذه الدوؿ توفير البيئة المبلئمة لتمكيف األفراد ومختمؼ المجموعات مف ثقافتيا ودعـ مشاركتيا‬
‫في الحياة الثقافية مف جية وفي الحياة العامة‪ ،‬فالدولة‪ -‬األمة في أزمة بفعؿ تراجع التجانس الثقافي‪،‬‬
‫وازدىار التنوع الثقافي‪ ،‬ومف جية أخرى تحقيؽ التعايش الثقافي بيف ىذه المجموعات مف أجؿ تحقيؽ‬
‫السمـ وضماف إستقرار الدوؿ‪ .‬وعمى ضوء ىذا يمكف القوؿ أف دور الدولة في دعـ الحؽ في التنوع‬
‫الثقافي يكوف عبر ثبلثة وسائؿ أو إجراءا ت تتمثؿ في اإلعتراؼ‪ ،‬االحتراـ والحماية وكذلؾ عممية التفعيؿ‬
‫الذي ال يقع عمييا حصريا بؿ تشاركيا في ذلؾ فواعؿ أخرى‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪«Anonyme» , Article Téléchargé le : 15/08/2013 à 17:25, www.indc.net .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪66‬‬
‫أوال‪ :‬اإلعتراف‪.‬‬

‫يشكؿ اإلعتراؼ أوؿ خطوة نحو تجسيد الحؽ في التنوع الثقافي قانونيا‪ ،‬وسواء كاف دستوريا أـ‬
‫بموجب قوانيف أخرى‪ ،‬وبالرجوع إلى داللة اإلعتراؼ نجده يعني اإلعتراؼ بالحؽ في القانوف الداخمي‪،1‬‬
‫فيو يوجب عمى الدولة إستعماؿ كافة الوسائؿ المتاحة مف أجؿ ضماف الحقوؽ المتضمنة في المواثيؽ‬
‫الدولية مع األخذ بعيف االعتبار القواعد الدولية المتعمقة بحقوؽ اإلنساف‪. 2‬‬

‫وقد تبنت العديد مف الدوؿ واعترفت بالحؽ في التنوع الثقافي ولو بصورة ضمنية أو جزئية مثؿ‬
‫كندا التي إعترفت لمشعوب األصمية بحقيا في األرض وفي حماية تراثيـ وثقاتيـ وكذلؾ الحؽ في‬
‫المشاركة الثقافية في دستور ‪. 3 1982‬‬

‫ويعد اإلعتراؼ ضروريا بالنسبة لؤلفراد والجماعات لما يشيعو مف إطمئناف في نفوسيـ‪ ،‬وىو ال‬
‫يجب أف يقتصر عمى عممية التنصيص فقط بؿ يحتاج إلى تجسيد وتحقيؽ االنتفاع منو حتى ال يبقى‬
‫مجرد إعتراؼ جامد ينقصو سياسات واستراتيجيات كفيمة بضمانو وتوفير شروط ممارستو‪ .‬واف كاف ىناؾ‬
‫رأياف فيما يخص اإلعتراؼ‪:‬‬

‫الرأي الول‪ :‬يرى ‪ Henry Shue‬أف تجسيد الدولة لمحقوؽ يجعؿ مف دورىا مجرد مساعد‪ ،‬ال يحقؽ‬
‫التمتع الكامؿ بالحقوؽ بؿ تكتفي فقط بتصحيح النقائص المبلحظة في مجاؿ احتراـ وحماية الحقوؽ‪.4‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬يرى ‪ Asbjorn Eide‬أف اإللتزاـ بتجسيد الحقوؽ يوجب عمى الدولة أف تتخذ اإلجراءات‬
‫والتدابير البلزمة حتى تضمف لكؿ فرد يخضع لقوانينيا إمكانية إشباع الحاجات المعترؼ بيا في الوسائؿ‬
‫‪5‬‬
‫الخاصة بحقوؽ اإلنساف‬

‫ثانيا‪ :‬اإلحترام والحماية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mylene Bidault, Op. Cit., p. 172.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mondialisation et interet culturel, Tome 2, La protection internationale des droits de l'homme, p. 176.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mylene Bidault, Ibid., p.131.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mylene Bidault, Ibid., Pp.131-132.‬‬

‫‪67‬‬
‫يعد كؿ مف اإلحتراـ والحماية مكمبلف لئلعتراؼ‪ ،‬فالحماية تقتضي إحتراما وحماية فعمية لمحقوؽ‪،‬‬
‫وىو ما نصت عميو المادة ‪ 04‬مف إعبلف فريبورج لمحقوؽ الثقافية لعاـ ‪ ،2007‬حيث يقع عمى الدولة‬
‫واجب ضماف تنوع وتوفر المعمومة وتعدديتيا إنطبلقا مف فكرة تعدد الفواعؿ‪ . 1‬لما لممعمومة مف دور في‬
‫نشر ثقافة الحقوؽ بصفة عامة‪.‬‬

‫كما يجب أف تمنع إحتكار المعمومة وتعمؿ عمى فتح كافة القنوات ووسائؿ اإلعبلـ الحتواء ومنح‬
‫الفرصة لكؿ الثقافات لمتعبير عف نفسيا مف خبلؿ األفراد الذيف ينتموف إلييا‪ ،‬كما يكوف مف المستحسف أف‬
‫تعكس كافة مؤسسات الدولة (إقتصادية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬إعبلمية‪ ،‬سياسية‪ ...‬مركزية كانت أـ محمية) أف تعكس‬
‫التنوع الثقافي والتركيبة الثقافية لكؿ أفراد المجتمع مف خبلؿ تعدد المستخدميف‪.‬‬

‫كما يقع عمى الدولة أف تمنع الخطابات المحرضة عمى الكراىية والعنصرية غير أنو ونظ ار لتعدد‬
‫الفواعؿ نجد بعضا منيا يساعد الدولة في ىذه الوظيفة ولو بشكؿ ثانوي مثؿ الشبكة الدولية لمسياسات‬
‫الثقافية )‪ (Réseau international sur les pilitiques culturelles‬مف خبلؿ دورىا التوعوي إضافة‬
‫إلى الكثير مف المنظمات الغير حكومية العاممة في ىذا المجاؿ‪.‬‬

‫كذلؾ إف إعتراؼ الدولة واحتراـ وحماية الحؽ في التنوع الثقافي مف خبلؿ تمكيف جميع األفراد‬
‫والمجموعات الثقافية (أقميات‪ ،‬شعوب ألصمية‪ ،‬مياجروف) مف ثقافتيا سوؼ يحفظ إستقرارىا وأمنيا عف‬
‫طريؽ القضاء عمى أسباب التيميش واإلقصاء والتعصب والتطرؼ‪ ،‬ومف ثـ أسباب زعزعة النظاـ العاـ‬
‫واإلخبلؿ بو والقضاء عمى مداخؿ ومسببات األزمات خاصة فيما يتعمؽ بحقوؽ األقميات‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الحقوق الثقافية والمفيوم الجديد لممواطنة‪.‬‬

‫تعد الحقوؽ الثقافية بعدا جديدا في خطاب حقوؽ اإلنساف‪ ،‬وال مكاف لمجداؿ في كونيا جزءا قائما‬
‫ومستقبل بذاتو في منظومة حقوؽ اإلنساف‪ ،‬حيث كانت وال تزاؿ تطرح جممة مف الصعوبات الفكرية‬
‫والعممية والممارساتية عمى المجتمعات الحديثة‪ ،‬فقد تـ تجاىؿ الحقوؽ الثقافية لحقب زمنية طويمة‪ ،‬بؿ‬
‫وتـ إلحاقيا بالحقوؽ االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فحظيت باىتمامات أقؿ‪ ،‬ولذلؾ سوؼ نتطرؽ إلى‬
‫مضموف الحقوؽ الثقافية‪ ،‬واشكالية تصنيفيا وحدود التمتع بيا‪.‬‬

‫‪ 1‬إعالْ ِثادئ جٕ‪١‬ف‪ » ،‬وحو بىاء مجتمغ المؼلوماث«‪ ،‬اٌ‪ٛ‬ث‪١‬مح‪. WSIS03/GENEVA/DOC/UF:‬‬

‫‪68‬‬
‫المطمب الول‪ :‬الحقوق الثقافية‪.‬‬

‫نشير في البداية إلى نشوء خبلفات عند صياغة اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف لعاـ ‪،9493‬‬
‫حوؿ ما إذا كاف ينبغي لمحقوؽ الثقافية أف تعترؼ صراحة بحقوؽ األقميات أو أف تؤكد فقط عمى حؽ‬
‫الفرد في المشاركة في الحياة الثقافية لممجتمع ووقفت كندا والواليات المتحدة األمريكية ومعظـ دوؿ‬
‫أمريكا البلتينية ضد حقوؽ األقميات‪ ،1‬فيما وقفت معيا بمداف الكتمة الشرقية واليند‪ ،‬إال أف العيد الدولي‬
‫لمحقوؽ المدنية والسياسية لعاـ ‪ 9411‬اعترؼ بأف األشخاص المنتميف إلى أقميات عرقية أو لغوية أو‬
‫دينية لف يحرموا باالشتراؾ مع أعضاء آخريف في مجموعتيـ مف حقيـ في أف يتمتعوا بثقافتيـ وأف‬
‫يجاىروا بدينيـ ويمارسوا شعائره وأف يستخدموا لغتيـ الخاصة‪.2‬‬

‫ورغـ صعوبة إيجاد تعريؼ إجرائي لمفيوـ الحقوؽ الثقافية كونيا مرتبطة بمفيوـ الثقافة الديناميكي‬
‫والذي يشكؿ الكؿ السياسي االقتصادي واالجتماعي‪ 3‬إال أنو مفيوـ لو صفات ومميزات خاصة‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬الحقوق الثقافية كفئة جديدة لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫رغـ أف الحقوؽ الثقافية ذات طابع واسع وحدود غامضة‪ ،‬إال أف الفقياء حاولوا تقسيميا إلى حقوؽ‬
‫ثقافية بالمعنى الضيؽ‪ ،‬وحقوؽ ثقافية بالمعنى الواسع‪ .‬إال أنيا تتميز بطابعيا المفاىيمي غير‬
‫المتطور ‪ (le sous- développement conceptuel des droits culturels)4‬كما عبرت عف ذلؾ‬
‫‪ ،Patrice Meyer Bicsh‬وكثي ار ما تـ إلحاقيا بفئة الحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية وأكثر مف ذلؾ‬
‫إدماجيا فييا باستثناء الحؽ في التعميـ والحؽ في المشاركة الثقافية‪ ،‬حيث تـ النص عمييا في اإلعبلف‬
‫العالمي لحقوؽ اإلنساف بموجب المواد ‪ 27 ،26 ،22‬وكذا في العيديف الدولييف لمحقوؽ السياسية‬
‫والمدنية واإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬ولـ يتـ إدراجيا بصفة مستقمة في وثيقة منفردة إال سنة ‪ ،1992‬حيث‬
‫تـ اقتراح البروتوكوؿ اإلضافي لمعيد الدولي لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والذي تـ فيو ألوؿ مرة‬
‫إقرار إجراء الشكاوى الفردية حيث تـ تحويؿ اإلقتراح إلى لجنة حقوؽ اإلنساف لتقرر ىذا اإلجراء وتطبيقو‬

‫‪ 1‬ذمش‪٠‬ش اٌرّٕ‪١‬ح اإلٔسأ‪١‬ح ٌعاَ ‪ ،2004‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Pareekh Bhiku, Op. Cit., p. 152.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Patrice Meyer Bisch; « Les Droits Culturels: Une Catégorie Sous Développée des Droits de L'homme»,‬‬
‫‪Editions universitaires, Fribourg, Suisse, 1993, p. 12.‬‬
‫‪69‬‬
‫عمى أحكاـ المواد مف ‪ 06‬إلى ‪ 15‬مف العيد الدولي لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،1‬ثـ في عاـ‬
‫‪ 2008‬تبنت الجمعية العامة لؤلمـ المتحدة بروتوكوال أخضعت فيو جميع مواد العيد الدولي لمحقوؽ‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية إلى نظاـ الشكاوى الفردية باستثناء المادة األولى المتعمقة بالحؽ في تقرير‬
‫المصير والتي يشكؿ الحؽ في المشاركة في الحياة الثقافية جزءا منو‪.2‬‬

‫ناىيؾ عف صدور إعبلف فريبورغ لمحقوؽ الثقافية الصادر عاـ ‪ 2007‬عف المعيد المتعدد‬
‫االختصاصات لؤلخبلقيات وحقوؽ اإلنساف‪ ،‬التابع لجامعة فريبورغ‪ .‬الذي أتى لسد ىذه الثغرة القانونية‪.‬‬
‫إذ ال يعقؿ أف ال تفرد الحقوؽ الثقافية بنص مستقؿ‪.‬‬

‫واآلف نتطرؽ إلى تعريؼ ىذه الحقوؽ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الحقوق الثقافية بالمعنى الضيق‪:‬‬

‫وتتعمؽ بالحقوؽ الواردة في النصوص الدولية المتعمقة بالثقافة مثؿ الحؽ في المشاركة في الحياة‬
‫الثقافية (المادة ‪ 95‬مف العيد الدولي لمحقوؽ االقتصادية واالجتماعية والثقافية) (‪.)ICESCR 1966‬‬

‫‪ -‬المادة ‪ 91‬مف اتفاقية (‪ :CEDAW‬االتفاقية الدولية لمحاربة كؿ أشكاؿ التمييز ضد المرأة)‪.‬‬

‫‪ -‬المادة ‪ 19‬مف اتفاقية (‪ :)CRC 1981‬اتفاقية حقوؽ الطفؿ‪.‬‬

‫‪ -‬المادة ‪ 91‬مف اتفاقية (‪ :)ICRMW 1990‬اإلتفاقية الدولية لحماية حقوؽ العماؿ المياجريف‬
‫وأفراد عائبلتيـ‪.‬‬

‫وىي تكرس أىمية المغات والتربية والثقافات‪ ،‬وتفرض ليس فقط اإلقرار بحقوؽ ثقافية لؤلنا فقط‬
‫بؿ اإلقرار بمثؿ ىذه الحقوؽ لآلخريف أي التزاـ األنا بواجبات ثقافية‪ 3‬وكذلؾ تشمؿ الحؽ في المشاركة‬
‫المتساوية في النشاطات الثقافية وىػو ما تضمنتو المادة ‪ 05‬مف االتفاقية الدولية لمقضاء عمى كؿ أشكاؿ‬
‫التمييز العنصري (‪ )ICERD‬لعاـ ‪.9415‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mylène Bidault, Op. Cit., p. 194.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 3‬د‪١ٕ١ِٚ‬ه ‪ٌٚ‬ر‪ ،ْٛ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪70‬‬
‫إضافة إلى حؽ أعضاء األقميات في التمتع بثقافاتيـ الذي نصت عميو المادة ‪ 72‬مف العيد الدولي‬
‫لمحقوؽ المدنية (‪ ،)ICCPR‬وكذا الحؽ في تعمـ األطفاؿ وواجب احتراـ ىويتيـ الثقافية (ـ‪ 74‬اتفاقية‬
‫حقوؽ الطفؿ )‪ ،‬أو حؽ العماؿ األجانب في احتراـ ىويتيـ الثقافية وحقيـ في إقامة روابط ثقافية مع بمدىـ‬
‫األصمي (ـ‪ 31‬مف (‪.)ICRMW‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحقوق الثقافية بالمعنى الواسع‪.‬‬

‫والمقصود بيا ىي الحقوؽ التي تخمؽ وتنقؿ الثقافة مثؿ حرية التعبير‪ ،‬الحرية الفنية ( التمتع‬
‫بالمنتوجات الثقافية والمؤسسات الموجية لحماية التراث)‪ ،‬حقوؽ المشاركة في التنمية الثقافية‪ ،‬حرية الفكر‪،‬‬
‫حرية العقيدة والضمير‪ ،‬حرية االجتماع‪ ،‬الحؽ في التعميـ والحؽ في المشاركة في الحياة الثقافية‪ .1‬إضافة‬
‫إلى الحؽ في الثقافة‪ ،‬وحؽ األقميات الثقافية في التمتع بثقافاتيا‪ ،‬وقد تناوؿ ىذه الحقوؽ إعبلف المبادئ‬
‫بشأف التعاوف الثقافي الدولي لعاـ ‪.9411‬‬

‫ورغـ ما كاف الجميع ينتظره مف تبني اتفاقية دولية حوؿ التعابير الثقافية لعاـ ‪ ،7005‬إال أف ىذه‬
‫األخيرة لـ تنشئ جيا از لترقية وحماية الحقوؽ الثقافية إال أنيا أعادت الحقوؽ الثقافية إلى الواجية‬
‫ووضعتيا في مراكز اىتمامات الباحثيف والدوؿ‪.2‬‬

‫إف ىذا التصنيؼ لمحقوؽ الثقافية يعد مقبوال إلى حد ما‪ ،‬ولكنو يبقى ناقصا‪ ،‬فالحقوق الثقافية‬
‫ترتبط أيضا بمسار التنمية الثقافية ومن ثم تتضمن حق تقرير المصير‪ ،‬الحق في حرية الفكر‪ ،‬العقيدة‪،‬‬
‫التجمع‪ ،‬الحق في التعميم أيضا عندما تتعمق بالحق في ثقافة فمن خاللو تتضمن الحق في الوصول‬
‫إلى ىذه الثقافة والحفاظ عمييا وتنميتيا‪.‬‬

‫كما أف الحقوؽ الثقافية ىي حؽ اإلنساف في إختيار ىويتو‪ ،‬وفي اإلنتماء عمنا إلى مجموعات‬
‫عرقية ودينية وثقافية ولغوية دوف التعرض لئلقصاء السياسي أو اإلجتماعي أو اإلقتصادي‪ ،‬وتتضمف‬

‫‪1‬‬
‫‪Yvonne Donders ; «UNESCO and cultural rights», la déclaration universelle des droits de l'homme, 1948-‬‬
‫‪2008: Réalité d'un idéal commun? Les droits économiques, sociaux et culturels en question, actes du colloque‬‬
‫‪international organisé par la commission nationale consultative des droits de l'homme et le commissaire aux‬‬
‫‪droits de l'homme du conseil de l'Europe, le 16 et le 17 octobre 2008 à Strasbourg, la documentation française,‬‬
‫‪Paris 2009, p.145-146.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p.146.‬‬
‫‪71‬‬
‫وجود الحرية الثقافية واعتراؼ الدولة باليويات المعددة والمتكاممة داخؿ حدودىا‪ .1‬إضافة إلى أف بعض‬
‫الحقوؽ الثقافية تعود أيضا إلى البعد الثقافي لحقوؽ اإلنساف أي أف ىذه الحقوؽ ليست ليا عبلقة مباشرة‬
‫مع الثقافة‪ ،‬لكف أغمبيا ىي مقتضيات ثقافية ىامة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬حدود التمتع بالحقوق الثقافية‪.‬‬

‫كثي ار ما تثور الشكوؾ حوؿ الحقوؽ الثقافية كونيا تستثير حججا عف النسبة الثقافية التي قد‬
‫تستخدـ حجج الثقافة لمدفاع عف انتياكات حقوؽ اإلنساف أي أنو يحصؿ وفي كثير مف الحاالت انتياؾ‬
‫لحقوؽ اإلنساف ولمبادئيا باسـ الحقوؽ الثقافية أو حتى أعراؼ وتقاليد‪ ،‬بؿ أحيانا ممارسات ثقافية ال ترقى‬
‫أف تكوف حقوقا ثقافية بمعنى الكممة‪.‬‬

‫وعمى العموـ فإف الحقوؽ الثقافية شأنيا شأف باقي الحقوؽ ليا حدود في التمتع بيا وىو ما أقرتو‬
‫المادة ‪ 7/74‬مف اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف (‪ ...‬في إطار ممارسة كؿ فرد لحقوقو وحرياتو يجب‬
‫أف يخضع إلى القيود التي يقررىا القانوف فقط مف أجؿ ضماف اإلعتراؼ بحقوؽ وحريات اآلخريف‬
‫واحتراميا وما تقتضيو ضرورات الحفاظ عمى النظاـ العاـ واألخبلؽ والمصمحة العامة‪.)...‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬بعض اإلشكاالت التي تثيرىا الحقوق الثقافية‪.‬‬

‫تطرح الحقوؽ الثقافية مجموعة مف اإلشكاالت اليامة سوؼ نركز عمى اثنيف رئيسييف منيا‬
‫يتعمقاف بطبيعة وتصنيؼ ىذه الحقوؽ أوال ومف حيث الحماية ثانيا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬من حيث الطبيعة والتصنيف‪.‬‬

‫نظ ار لصعوبة تصنيفيا‪ ،‬بؿ وحتى ارتباطيا بالحرية السياسية والمدنية أحيانا والحاقيا بالحقوؽ‬
‫االقتصادية واالجتماعية واذا نظرنا إلييا مف زاوية كونيا حقوقا قائمة بذاتيا فإنو يعاد طرح إشكاؿ ىؿ ىي‬
‫حقوؽ فردية أـ حقوؽ جماعية؟ فإننا أحيانا نجدىا حقوقا فردية وحقوقا جماعية في بعض الحاالت السيما‬

‫‪1‬‬
‫‪Julie Ringelheim; «Diversité Culturelle et Droits de L'homme, la Protection des Minorités par la‬‬
‫‪Convention Européenne des Droits de L'homme», Bruylant, 2006, p.389.‬‬
‫‪‬فٍجٕح اٌحم‪ٛ‬ق االلرصاد‪٠‬ح ‪ٚ‬االجرّاع‪١‬ح ف‪ ٟ‬ذعٍ‪١‬ماذ‪ٙ‬ا سلُ ‪ 12‬ح‪ٛ‬ي اٌحك ف‪ ٟ‬اٌغزاء اٌىاف‪ ٟ‬اٌّادج ‪ 11‬ف‪ِ 12 ٟ‬ا‪ .1999 ٞ‬اٌرعٍ‪١‬ك اٌعاَ سلُ ‪ 15‬اٌّرضّٓ اٌحك ف‪ٟ‬‬
‫اٌّاء اٌّادج ‪ 11‬ف‪20 ٟ‬جأف‪ 2003 ٟ‬إضافح إٌ‪ ٝ‬ذعٍ‪١‬ماخ أخش‪ٌ ٜ‬زاخ اٌٍجٕح ذضّٕد حم‪ٛ‬لا ٌإلٔساْ راخ تعذ ثماف‪ٚ ٟ‬أْ ذى‪ِٕ ْٛ‬اسثح ٌرعث‪١‬شاخ اٌ‪٠ٛٙ‬ح اٌثماف‪١‬ح‪ٌّ ،‬ض‪٠‬ذ‬
‫ِٓ اٌرفاص‪ ً١‬أظش اٌّشجع اٌساتك ص‪.148‬‬
‫‪72‬‬
‫عندما يتعمؽ األمر بحقوؽ األقميات أو بعض المجموعات بؿ وأحيانا أخرى تكوف حقوقا إنسانية عندما‬
‫تتعمؽ بحماية التراث الثقافي بكافة صوره‪.‬‬

‫وميما قيؿ في صعوبة التصنيؼ فإنو يجب تجاوز موقؼ الفردانية مقابؿ المجموعاتية‪ ،‬وبذلؾ ال‬
‫يجب النظر إلى ىذه الحقوؽ عمى أنيا حقوؽ استبعاد واقصاء‪ ،‬بؿ كحقوؽ تشكؿ مصد ار لبناء قيـ‬
‫مشتركة خدمة لمصالح المشترؾ‪ ،1‬مع ضماف بقاء مساحة لبلختبلؼ وأف فقداف الحقوؽ الثقافية أو عدـ‬
‫التمتع بيا سوؼ يجعؿ األفراد فقراء إذا ما فقدوا ىذه االنتماءات‪.2‬‬

‫أما مف حيث الطبيعة فالحقوؽ الثقافية ليا خصوصية فموضوعيا ىو الوصوؿ إلى الموارد الثقافية‬
‫وتقاسميا‪ ،‬وبذلؾ فيي تشكؿ صالحا مشتركا ألف محؿ الحؽ يكوف مشتركا‪ ،3‬ناىيؾ عمى أنيا تفرض‬
‫إعادة التفكير في عممية بناء القدرات ألف تحقيؽ حقوؽ اإلنساف ال يقتصر عمى إشباع الحاجات األساسية‬
‫بؿ يتعداه إلى تمكيف وتعزيز القدرات المرتبطة بو‪ ،4‬بما يعني الرفع مف القدرات الداخمية لصاحب الحؽ‬
‫وتحقيؽ اإلعتراؼ والقبوؿ مف طرؼ اآلخريف‪.‬‬

‫مف جية أخرى يطرح سؤاؿ آخر حوؿ طبيعة ىذه الحقوؽ ىؿ ىي حقوؽ إنساف أـ حقوؽ‬
‫جماعات ( أقميات‪ ،‬شعوب أصمية)‪ ،‬ولكف الواقع يبيف أف ىذه الحقوؽ ىي حقوؽ كؿ شخص فردا كاف أو‬
‫مع جماعة في تحديد ىويتو الثقافية والتعبير الحر عنيا والوصوؿ إلى الموارد‪ .5‬وعميو تكوف ىذه الحقوؽ‬
‫مجزأة بيف حقوؽ اإلنساف وحقوؽ األشخاص المنتميف إلى أقميات ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من حيث الحماية‪.‬‬

‫لـ تحظى الحقوؽ الثقافية بنظاـ أو ميكانيزمات حماية مثؿ الحقوؽ السياسية والمدنية بؿ وحتى‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬إال بعد أف أدركت اإلنسانية أىمية ىذا النوع مف الحقوؽ وأنيا السبيؿ لتحقيؽ‬
‫السمـ واإلستقرار في العديد مف الدوؿ‪ ،‬بؿ كاف إنكارىا في كثير مف األحياف مف مدخبلت األزمات في‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Bernard Marie, Op. Cit., p.182.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Heleine Silveman, cultural heritage and human rights, Ibid., p.199.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Patrice Meyer Bisch; « Analyses des Droits Culurels, Droits Fondamentaux», n° 7, janvier 2008 – décembre‬‬
‫‪2009.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Patrice Meyer Bisch, Ibid.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪73‬‬
‫العديد مف مناطؽ العالـ خاصة في ظؿ المجتمعات المتنوعة ثقافيا إذ لـ يعد التجانس الثقافي ممكنا‪ ،‬وأف‬
‫اإلختبلفات الثقافية ال يجب حصرىا في الفضاء الخاص ‪.‬‬

‫وعمى الصعيد الدولي فقد تـ إتخاذ إجراءات تعبر عف تنامي الوعي بالحقوؽ الثقافية والتي نذكر‬
‫منيا اإلعبلف العالمي لحقوؽ اإلنساف ولو أنو إقتصر عمى النص عمى بعض الحقوؽ الثقافية في المادتيف‬
‫السادسة والعشروف والسابعة والعشروف‪ ،‬أما العيد الدولي لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية فقد‬
‫نص عمييا في المواد األولى‪ ،‬الثالثة عشر‪ ،‬الرابعة عشر والخامسة عشر‪ .‬وكما تمت اإلشارة إليو سابقا‬
‫فإف اقتراح البروتوكوؿ اإلضافي لمعيد الدولي لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والذي أقر إجراء‬
‫الشكاوى الفردية كميكانيزـ لمحماية إال أف لجنة حقوؽ اإلنساف قررت إخضاع ىذا اإلجراء عمى المواد مف‬
‫‪1‬‬
‫السادسة إلى الخامسة العشر مف نفس العيد‪.‬‬

‫غير أنو في سنة ‪ 2008‬تبنت الجمعية العامة لؤلمـ المتحدة ىذا البروتوكوؿ وأخضعت جميع‬
‫مواد العيد الدولي لمحقوؽ اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية إلى نظاـ الشكاوى الفردية باستثناء المادة‬
‫األولى المتعمقة بالحؽ في تقرير المصير والتي تتعمؽ أيضا بالحؽ في المشاركة في الحياة الثقافية‪.2‬‬

‫إجراء آخر يندرج ضمف آليات حماية الحقوؽ الثقافية وىو المقرر الخاص حول التنوع الثقافي‬
‫والحقوق الثقافية والذي تـ إقتراحو بمبادرة مف كوبا‪ ،‬حيث تبنت لجنة حقوؽ اإلنساف في ‪،2003،2002‬‬
‫‪ 2005 ،2004‬لوائح تطمب فييا مف المفوضية السامية لحقوؽ اإلنساف استشارة الدوؿ والمنظمات غير‬
‫الحكومية حوؿ إمكانية تعييف مقرر خاص حوؿ التنوع الثقافي والحقوؽ الثقافية يكوف ممونا مف قبؿ‬
‫الدوؿ اإلفريقية واآلسيوية‪ ،‬وفعبل تـ تبني ىذه الموائح باستثناء البلئحة ‪ 2004/20‬فقد خضعت لمتصويت‬
‫امتنعت فييا أربعة عشر دولة‪ ،‬وفي ‪ 2005‬امتنعت ثبلثة عشر دولة بحجة اإلعداد إلتفاقية اليونسكو‬
‫المتعمقة بتنوع أشكاؿ التعابير الثقافية‪ ،3‬في حيف رفض اإلتحاد األوروبي إنشاء أي ميكانيزـ جديد فيما‬
‫صوتت الواليات المتحدة ضد البلئحة بحجة عدـ كفاية موارد المفوضية العميا لحقوؽ اإلنساف‪ .4‬أما إعبلف‬
‫مبادئ التعاوف الثقافي لعاـ ‪ 1966‬فقد كاف منقوصا وكاف يحث عمى التعاوف بيف الدوؿ ال عمى إيجاد‬
‫آليات لحماية الحقوؽ الثقافية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mylène Bidault, Op. Cit., p. 192.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid., p.195.‬‬
‫‪74‬‬
‫أما عمى المستوى اإلقميمي فقد تـ تبني اإلتفاقية الثقافية األوروبية واإلتفاقية األمريكية لترقية‬
‫‪ ،1954‬والميثاؽ اإلفريقي لعاـ ‪ .1976‬غير أف كبل منيا ييدؼ إلى ترقية‬ ‫العبلقات الثقافية لعاـ‬
‫العبلقات الثقافية والتعاوف الثقافي بيف البمداف حيث شكمت مبادئ عمؿ سياسي أكثر منيا حقوؽ إنساف‬
‫وبذلؾ لـ تعترؼ بالحقوؽ الثقافية أصبل فكيؼ بإيجاد آليات حماية‪.‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬المواطنة المتعددة الثقافات‪.‬‬

‫والسؤاؿ الذي يطرح نفسو ىنا ىو ما مدى مبلئمة ىذا الشكؿ مف المواطنة ليذا الحؽ؟ أو أي نوع‬
‫مف المواطنة ىو أنسب لمتنوع؟ حيث أف ىذه المسألة تطرح أسئمة وقضايا جوىرية في غاية األىمية‬
‫والتعقيد ال سيما إذا انطمقنا مف قياـ فكرة المواطنة عمى أساس القيـ المشتركة والتي قد تصطدـ وتتناقض‬
‫مع فكرة المواطنة المتعددة الثقافات التي تحمؿ في طياتيا وتتضمف كؿ عناصر االختبلؼ والتمايز‬
‫والتعدد؟‬

‫إف المواطنة باعتبارىا مفيوـ ضبابيا وموضوع بدأ يتعولـ منذ أوائؿ التسعينات ورغـ ما أثاره وما‬
‫يزاؿ يثيره مف نقاشات عمى المستوى الفكري‪ ،‬لـ تصؿ بعد إلى نتائج دقيقة ومحددة‪ ،‬وعميو سوؼ نتطرؽ‬
‫إلى المفيوـ التقميدي لممواطنة المرتبطة بالدولة‪ ،‬األمة ‪ L’Etat-nation‬ثـ المفيوـ الجديد الذي أعاد‬
‫النظر في المفيوـ التقميدي‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬إعادة النظر في المفيوم التقميدي لممواطنة‪.‬‬

‫المواطنة بالمفيوـ التقميدي تعني ذلؾ المفيوـ االجتماعي السياسي‪ ،‬اإلنساني المتعدد األبعاد الذي‬
‫يتأثر بمستوى النضج الفكري‪ ،‬السياسي والتطور الحضاري والقيـ المتوارثة والمتغيرات العالمية والمحمية أو‬
‫كما يرى جوف ديوي أف المواطنة ال تعني أكثر أو أقؿ مف القدرة عمى المشاركة في التجربة الحياتية أخذا‬
‫‪1‬‬
‫وىي تشمؿ كؿ ما يجعؿ الفرد أكثر فائدة لآلخريف‪ ،‬وكؿ ما يتيح لممرء المشاركة بمزيد مف‬ ‫وعطاء‪.‬‬
‫الثراء في خبرات اآلخريف ذات القيمة‪ 2 .‬كما أف المواطنة بالمفيوـ التقميدي يمكف تحديدىا بشكميف أحدىما‬
‫إيجابي واآلخر سمبي‪.‬‬

‫‪ 1‬إتشا٘‪ ُ١‬عثذ هللا ٔاصش‪» ،‬المواطىت«‪ِ ،‬ىرثح اٌشائذ اٌعٍّ‪١‬ح‪ ،‬عّاْ‪ ،‬اٌطثعح األ‪ ،2002 ،ٌٝٚ‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 2‬اٌّشجع ٔفسٗ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫أوال‪ :‬الشكل السمبي‪:‬‬

‫ويعتبر المواطنة نظاما قانونيا‪-‬سياسيا يتضمف مجموعة مف الحمايات والمنافع المكتسبة مف‬
‫‪1‬‬
‫خبلؿ االنتماء إلى دولة ما‪ ،‬تؤدي ىذه الحمايات بالمقابؿ إلى مجموعة مف الواجبات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشكل اإليجابي‪:‬‬

‫ويعتبر المواطنة حقوقا مميزة عف حقوؽ اإلنساف‪ ،‬تشمؿ ىذه الحقوؽ وبشكؿ جوىري الحقوؽ‬
‫المدنية والحقوؽ السياسية والحقوؽ االقتصادية واالجتماعية أي ىي الحقوؽ التي تسمح بمشاركة فعالة‬

‫في الشؤوف العامة وفي الق اررات المشتركة‪ 2 .‬كذلؾ فيو تعريؼ لممواطنة باعتبارىا قاعدة ومحتوى‪.‬‬

‫المواطنة كقاعدة‪ :‬ىي الفضاء المضموف والمحمي قانونا مف خبلؿ منح الحقوؽ الفردية (مدنية‪،‬‬

‫سياسية‪ ،‬اجتماعية) يؤسس واسطة بيف مختمؼ المفاىيـ التي تعبر عنيا الفواعؿ االجتماعية بيدؼ‬
‫‪3‬‬
‫الوصوؿ ومف خبلؿ عممية التداوؿ في تشكيؿ اإلرادة السياسية وفقا لمطرح الميبرالي‪.‬‬

‫المواطنة كمحتوى‪ :‬ووفقا لمطرح الجماعي (‪ )Communautarien‬فيتمحور البعد الجوىري لممواطنة‬

‫في الواجبات التي ترضي المواطف لحماية انتمائو لممجموعة‪ ،‬وأصالتو والحقوؽ المشتقة مف ىذا االنتماء‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫مف خبلؿ التعاريؼ السابقة نستنتج أسس المواطنة وىي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -9‬المشاركة في الحكـ دوف تمييز عمى أي أساس‪.‬‬


‫‪ -7‬االنتماء وىو العنصر المحدد لميوية‪.‬‬
‫‪ -1‬المساواة في الحقوؽ والواجبات‪.‬‬
‫‪ -9‬األنظمة والقوانيف‪.‬‬

‫ميما اختمفت التعاريؼ التي وضعت لمفيوـ المواطنة إال أنيا أجمعت وركزت عمى البعد‬
‫‪1‬‬
‫وأف ىذا المفيوـ التقميدي واف تجاوز التعريؼ القانوني الحاد‬ ‫المشاركاتي الذي يعد حديثا إلى حد ما‪.‬‬

‫‪ 1‬واذش‪ ٓ٠‬أ‪ٚ‬ذاسد‪ ،‬اٌ ّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.402‬‬


‫‪ 2‬واذش‪ ٓ٠‬أ‪ٚ‬ذاسد‪ ،‬اٌّشجع ٔفسٗ‪ ،‬ص ص ‪.403-402‬‬
‫‪3‬‬
‫; ‪Mateo Gianni; « MulticUlturalisme et Démocratie», Suiss political science review, p.12, sur le site‬‬
‫‪ed spr.ch/Archives/vol1/issue4/articles/t01.pdf‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mateo Gianni, Op. Cit., p.13.‬‬
‫‪76‬‬
‫لمجنسية الذي تقوـ عميو المواطنة التقميدية المرتبطة بالدولة ألمة – المتجانسة ثقافيا ‪ -‬قد تجاوزتو الحقيقة‬
‫‪2‬‬
‫إف المواطنة بيذا الطرح والتصور أي باعتبارىا المرجع اليوياتي لممجموعة‬ ‫االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫السياسية تعبر فقط عف اليوية السياسية وتقصي بذلؾ الخصوصيات الثقافية واالجتماعية وأصالة‬
‫‪3‬‬
‫المجموعات‪.‬‬

‫وبذلؾ يمكف القوؿ أف ىذا الشكؿ لممواطنة ال يتناسب بتاتا مع واقع المجتمعات الراىنة أو التنوع‬
‫الثقافي بؿ ويقصيو ويعد صالحا فقط لنموذج الدولة المتجانسة ثقافيا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفيوم المواطنة المتعددة الثقافات‪.‬‬

‫لقد ظيرت ىذه األطروحة أو تـ التنظير ليا مف قبؿ الفيمسوؼ وأستاذ العموـ السياسية الكندي‬
‫"‪ "Will Kymlicka‬وكانت موضوعا لمؤلفو "‪ "Multicultural citizenship‬عاـ ‪ 1995‬والذي تـ‬
‫ترجمتو إلى ‪ 14‬لغة والتي جعمت منو وجيا ب ار از في النقاشات المتركزة حوؿ التعددية الثقافية ومحاوالتو‬
‫الساعية في الربط بيف الميبرالية كمذىب فمسفي وبعض الضرورات المرتبطة بالثقافة وبذلؾ كاف مشروعو‬
‫منصبا حوؿ إدماج حقوؽ األقميات الثقافية والدينية ضمف النسؽ الحقوقي والييكمة العالمية وفي مختمؼ‬
‫األنظمة الجيوية‪.‬‬

‫واعتبار الحقوؽ الثقافية –التي أصبحت تشكؿ جوىر ولب مسألة اليوية بؿ وأزمة اليوية‬
‫بالتحديد‪ -‬جزءا مف منظومة الحقوؽ واعتبارىا العامؿ الذي يعطي معنى أكثر وأعمؽ لمفيوـ االنتماء‬
‫واليوية وىما نقطة الخبلؼ الرئيسي بيف المفيوـ الكبلسيكي وىذا المفيوـ‪ ،‬فاعتبار المواطنة بحاجة إلى‬
‫ترقية القيـ المشتركة واإلحساس أمر يبقى محؿ إعادة النظر إذ ما فتئ أف أثبت فشمو في العديد مف‬
‫‪4‬‬
‫الدوؿ‪ .‬فاليوية ال يمكف أف تقوـ عمى أساس واحد بؿ ىناؾ ىويات متعددة ومعقدة‪.‬‬

‫كما أف ىذا اإلحساس باالنتماء المشترؾ والتاريخ المشترؾ والتقاليد والقيـ وفقا لؤلطروحة المجمعاتية‬
‫(‪ )Communautarienne‬ال يكوف إال في حالة التجانس الثقافي لمدولة أو المجموعات‪ .‬وحاليا النقاشات‬

‫‪1‬‬
‫‪David Hurron ; « Le Dilemme de la Relation Elu-Citoyen ; Accroitre la Légitimité de la Politique Mise en‬‬
‫‪Œuvre ou Renforcer la Participation des Habitants ? », National conférence of state legislatures ; Atelier sur‬‬
‫‪la relation Elu-Citoyen et l’information publiques du 27 au 31 Mai 2006, Alger, Algérie, p.12.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Matteo Gianni, Op. Cit., p.12.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p.15.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mc Ghee deck, Op. Cit., p.15.‬‬
‫‪77‬‬
‫بشأف العديد مف القضايا في فرنسا مثبل‪ ،‬والتي تحتوي تنوعا ثقافيا ودينيا ىائبل أظيرت أزمة ىوية حادة‬
‫بسبب أف فرنسا ال تعترؼ إال بيوية ثقافية وا حدة لتحديد اليوية القومية (قضية النقاب والرموز الدينية )‪.‬‬
‫وبذلؾ فقد سعت أطروحة "‪ " Kymlicka‬إلى وضع حقوؽ المجموعات التي تشكؿ أقميات إثنية أو وطنية‬
‫وحاجتيا إلى االعتراؼ العاـ وايجاد الوسائؿ لحماية ىويتيا الثقافية‪.‬‬

‫وبالتالي ىذا المفيوـ الجديد أو التصور لممواطنة يتبلءـ مع المجتمع المتعدد والمتنوع ثقافيا‬
‫‪1‬‬
‫أي أف فكرة التعددية الثقافية باعتبارىا‬ ‫إلرساء مرجع ىوياتي مشترؾ في إطار مجتمع مجزء ثقافيا‪.‬‬
‫ظاىرة اجتماعية سياسية تعبر عف وجود مجموعات ومؤسسات تعبر عف انتماءات ثقافية خاصة تتفاعؿ‬
‫أفقيا مع فواعؿ المجتمع اآلخريف وتتفاعؿ عموديا مع المؤسسات السياسية‪ – 2‬ىي مرتكز إعادة النظر‬
‫وتجاوز المفيوـ الكبلسيكي الذي يعطي كؿ االعتبار لكؿ ما ىو مدني دونما االعتبارات الثقافية‪ -‬وبالتالي‬
‫يتواءـ فقط مع نموذج الدولة األـ المحققة لتماسكيا االجتماعي ووحدتيا وتجانسيا الثقافي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مستويات المواطنة المتعددة الثقافات‪:‬‬

‫وشأنيا في ذلؾ شأف المواطنة الكبلسيكية‪ ،‬لممواطنة المتعددة الثقافات ثبلث مستويات ىي‪:‬‬

‫‪ -9‬المستوى االنثربولوجي وىو األنا‪.‬‬


‫‪ -7‬مستوى معياري ىو المواطف‪.‬‬
‫‪ -1‬ومستوى مؤسساتي ويتمثؿ في المؤسسات الديمقراطية‪.‬‬

‫فالمستوى األوؿ والثاني في المفيوـ التقميدي لممواطنة يرتبطاف بعنصر الجنسية‪ ،‬في حيف‬
‫يرتبطاف بعنصر االنتماء الثقافي في المفيوـ الحديث‪ .‬أما المستوى الثالث وىو المؤسسات الديمقراطية‬
‫فتتطمب مؤسسات قادرة عمى االستجابة لمطالب اليوية والرفع مف مستوى تمكيف كؿ األقميات ومختمؼ‬
‫المجموعات الثقافية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حجج ومبررات التعددية الثقافية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Matteo Gianni, Op. Cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -1‬الحجة السوسيولوجية‪ :‬تتأسس عمى رصد ما يمحؽ بالمجتمعات المعاصرة مف تغيرات‪ ،‬خاصة‬

‫تعددية المجتمعات بفعؿ تدفقات اليجرة والعولمة واتساع المبادالت الدولية وىو ما يفرض اعتماد سياسات‬
‫جديدة ىي سياسات االعتراؼ"‪" politiques de reconnaissance‬لكف ىذه األخيرة تعرؼ تراجعا‬
‫لتناقضيا مع فكرة العدالة التي تقتضي معاممة األشخاص بشكؿ حيادي دوف األخذ بعيف االعتبار‬
‫األصوؿ اإلثنية أو الثقافية أو النوع أو حتى التوجيات الجنسية‪ ،‬لكف في ذات الوقت فإف االعتراؼ يعد‬
‫‪1‬‬
‫بعدا إلى جانب األبعاد األخرى لمعدالة وأف أي تصور ديمقراطي وادماجي لمعدالة يجب أف يحتويو‪.‬‬

‫‪-2‬الحجة الثقافوية‪ :‬وتشير إلى واقع التعددية الثقافية التي تميز مجتمعات ما بعد الحداثة‪ ،‬وأف مطالبة‬

‫المجموعات الثقافية باالعتراؼ يتجاوز االحتراـ والتسامح ألف االعتراؼ يتطمب ضرورة احتراـ وحماية‬
‫الحقوؽ الخاصة باألقميات سواء كانت فردية أو جماعية ويتطمب حماية تقاليدىـ بشكؿ مميز وحقوقيـ‬
‫‪2‬‬
‫الثقافية الخاصة بممارسة شعائرىـ الدينية ولغاتيـ‪.‬‬

‫‪-3‬الحجة اإلبتسيمية‪ :‬أي تعددية القيـ والتي يصعب معيا إيجاد قيـ مشتركة‪ ،‬واف وجدت فإنيا قد‬

‫تنقص مف قيمة االختبلفات وىو األمر الذي أنيؾ الدوؿ في صياغة وبناء نماذج مواطنة تستجيب لذلؾ‪.‬‬

‫‪-4‬الحجة الميتافيزيقية‪ :‬والتي تقضي عمى حجة األنوار القائمة بوحدة المعتقدات اإلنسانية وتعتمد ىذه‬

‫الحجة عمى دور التماىيات الثقافية في البناء المعنوي لمشخص‪ ،‬فالشخص ال يحافظ عمى ىويتو إال في‬
‫‪3‬‬
‫إطار المجتمع أو ضمف ثقافة بمد ما‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االنتقادات الموجية إلى المواطنة المتعددة الثقافات‪:‬‬

‫رغـ ما أحدثتو ىذه األطروحة مف رواج لدى األوساط الفكرية‪ ،‬األكاديمية‪ ،‬السياسية إال أنيا لـ تسمـ‬
‫ولقيت العديد مف االنتقادات منيا‪:‬‬

‫‪ -9‬تأسيس ىذه النظرية عمى ركف الثقافة المجتمعية وىذه األخيرة غير ثابتة وتتطور باستمرار فيي‬
‫ديناميكية وذات محتوى غير ثابت وحدود غير معروفة حيث ترى ‪ Seyla Ben Habib‬أف المواطنة ىي‬

‫‪1‬‬
‫; ‪Catherine Autard ; « l’idée de citoyenneté multiculturelle et la politique de reconnaissance», sur le site‬‬
‫‪www.cairn.info/revue-rue-descartes-2002.3page19.htm#retournoteno9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cathrine Autrad,Op. Cit.‬‬
‫‪ 3‬واذش‪ ٓ٠‬أ‪ٚ‬ذاسد‪ ،‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪. 399‬‬
‫‪79‬‬
‫التي تجعؿ األفراد يممكوف حقوقا وواجبات باعتبارىـ مواطنيف في الدولة ال كأعضاء في ثقافة ما‪ ،‬أي أف‬
‫ىذه النظرية قد أىممت روابط االنتماء السياسي لمدولة ومبالغتيا في الروابط الثقافية‪ ،‬واستبدالو لمفيوـ‬
‫‪1‬‬
‫المواطنة بمفيوـ أو تصور فمسفي خاؿ مف الحقيقة القانونية والمعيارية‪.‬‬
‫‪ -7‬يرى البعض خطورة ىذه النظرية السيما إذا تجاوزت مطالب االعتراؼ واليوية إلى المطالبة‬
‫باالستقبلؿ الذاتي مما يشكؿ ت يديدا لموحدة الوطنية ألف بناء ىذه الوحدة يقوـ عمى وجود ثقافة مشتركة‬
‫وأف اليدؼ مف المواطنة ىو تحقيؽ الوحدة الوطنية لمجتمع يتميز باالختبلؼ‪.‬‬
‫‪ -1‬التخوؼ مف أف تؤدي المواطنة المتعددة الثقافات إلى خمؽ حالة القيتوىات (‪)ghethoisation‬‬
‫وحالة مف االستبعاد (‪ )l’exclusion‬السيما إذا تعمؽ األمر بمجموعات االنتماء الضعيفة وامتداد‬
‫االستبعاد السوسيوثقافي ليمس ىويتيـ السوسيوثقافية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الحقوق المتفرعة عن المواطنة المتعددة الثقافات‪:‬‬

‫وىي كالتالي‪:‬‬

‫‪-1‬الحقوق الثقافية الخاصة بالمياجرين والمجموعات الدينية‪ :‬فالحصوؿ عمى حقوؽ المواطنة‬

‫لؤلجانب المقيميف مف شأنو وضع حد لآلثار السمبية لمسياسات المسيطرة وتجاوز العجز المسجؿ في‬
‫مستويات المواطنة‪.‬‬

‫‪-2‬الحقوق الخاصة بالتمثيل لمفئات الخاصة الضعيفة والميمشة‪ :‬وذلؾ مف خبلؿ نظاـ‬

‫الحصص االنتخابية لصالح النساء وأعضاء مف األقميات والشعوب األصمية والمياجريف في المجالس‬
‫المنتخبة‪.‬‬

‫‪-3‬حقوق الحكم الذاتي‪ :‬التي تطالب بيا المجموعات الوطنية المتواجدة في إقميـ أو أقاليـ الدولة التي‬

‫تحتوييا‪.‬‬

‫في األخير يمكف القوؿ أف المجتمعات الحديثة ىي مجتمعات متنوعة ثقافيا ما يستمزـ إرساء‬
‫وتكريس مفيوـ لممواطنة مؤسسة عمى المبادئ المشتركة الواجب احتراميا مف طرؼ جميع المجموعات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Olivier Ruchet ; «Le Pluralisme et les Incertitudes de la Culture»: la Justification des Politiques de‬‬
‫‪Reconnaissance dans les œuvre de Will Kymlicka, dans le pluralisme, Archives de philosophie du droit, Tome‬‬
‫‪49, ouvrage publié avec concours du CNRS, Editions DALLOZ , 2006,Pp.220-221.‬‬
‫‪80‬‬
‫و لكف في الوقت ذاتو يجب أف يحترـ ىذا النموذج االختبلفات الثقافية حتى ال تكوف ىذه المبادئ‬
‫المشتركة سبيبل لخمؽ االستعاب واإلدماج ومف ثـ إنكار ىذه االختبلفات‪.‬‬

‫ورغـ االنتقادات الموجية إلى ىذا النموذج فإنو يعد األنسب واألكثر تبلءما مع واقع التعددية‬
‫الثقافية وعدـ تجانس الدوؿ والمجموعات أما االنتقاد الموجو لو بخصوص كونو مازاؿ مفيوما ضبابيا‬
‫فشأن و في ذلؾ شأف مفيوـ المواطنة الكبلسيكي الذي لـ تكتمؿ مبلمحو بعد وأف النقاشات التي أثيرت‬
‫حولو لـ تستقر عمى نتائج ثابتة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الحق في التنوع الثقافي والتنمية اإلنسانية المستدامة‪:‬‬

‫تعد التنمية اإلنسانية المستدامة مف خبلؿ تكامؿ أبعادىا ومرتكزاتيا ضمانا أو وسيمة لتحقيؽ‬
‫الحؽ في التنوع الثقافي‪ ،‬فيي الضامف ليذا الحؽ ألنيا تيدؼ في النياية إلى تحقيؽ رفاه اإلنساف‬
‫ووصولو إلى تحقيؽ نمط الحياة التي يراه مناسبا أو بناء تصور نمط لمحياة الجيدة‪.‬‬

‫المطمب الول‪ :‬أبعاد وركائز التنمية المستدامة المتعمقة بالتنوع الثقافي‪.‬‬

‫كثي ار ما ارتبط وارتكز مفيوـ التنمية عمى البعد االقتصادي بيدؼ تحقيؽ الرفاه المادي لؤلفراد‪،‬‬
‫وكاف اليدؼ منيا ىو وضع إستراتيجيات وسياسات لمقضاء عمى الفقر – والمقصود بو ىنا ىو الفقر‬
‫االقتصادي‪ -‬والذي يعني" الحالة التي يكوف فييا الشخص محروما مف المواد والوسائؿ والخيارات‪ ،‬األمف‬
‫والقدرات الضرورية لمتمتع بمستوى كاؼ مف الحياة وباقي الحقوؽ المدنية والثقافية واإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية بطريقة مستدامة ومزمنة"‪ 1‬ميممة بذلؾ العديد مف األبعاد كالبيئة‪ ،‬الثقافة وبناء القدرات‬
‫اإلنسانية ناىيؾ عف الحقوؽ والحريات‪ ،‬األ مر الذي أدى إلى فشؿ جؿ السياسات التنموية المتبعة في‬
‫العديد مف البمداف بؿ وكانت آثاره مدمرة لمبيئة ومنتيكة لمحقوؽ‪ ،‬ولـ تحقؽ اليدؼ المرجو منيا مف جية‪،‬‬
‫ومف جية أخرى تـ وضع الكثير مف نماذج التنمية التي تبيف في الحقيقة أنيا ال تناسب واقع المجتمعات‬
‫ذات القيـ المختمفة والمتعددة‪ .‬والتساؤؿ الذي نطرحو ىنا ىو كيؼ تؤدي التنمية اإلنسانية إلى تحقيؽ‬
‫الحؽ في التنوع الثقافي؟ وسوؼ نحاوؿ اإلجابة عميو في فرعيف‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪«La Pauvreté un Défi pour les Droits de L'homme», sous la direction de Emmanul Decaux et Alice‬‬
‫‪Yotopoulos, l'université de Panthéon Assas, Paris 2, Edion A.Pedone, Paris 2009, p.186‬‬
‫‪81‬‬
‫الفرع الول‪ :‬البعد الثقافي كبعد من أبعاد التنمية اإلنسانية‪:‬‬

‫ويعتبر ىذا األخير بعدا موازيا لمبعديف اإلقتصادي والبيئي‪ ،‬حيث تعد الثقافة ركيزة مف ركائز‬
‫التنمية وىو ما يستوجب أف تحترـ نماذج التنمية خصوصية وىوية المجتمعات وأف تحترـ ثقافة األفراد وأف‬
‫يتعدى التمكيف الحقوقي ليشمؿ كؿ الفئات اليشة ويمتد إلى األقميات والمياجريف والشعوب األصمية‪ ،‬ألف‬
‫التنمية تتـ بالناس ومف أجم يـ وىو ما يقتضي ضرورة إشراكيـ في صنع القرار ومختمؼ المسارات التي‬
‫تيـ حياتيـ‪ ،‬وتبرز ىنا بشكؿ خاص أىمية منظمات المجتمع المدني وامكانية المحاسبة والتعديؿ عند‬
‫الضرورة‪ ،‬كما أف تحسيف ظروؼ المجتمع يجب أف يحافظ عمى القيـ االجتماعية وانتاج قيـ جديدة وأف‬
‫يوسع مف حرية الفرد ليتمكف مف التعبير عف مكنوناتو واتاحة فرص االتصاؿ والتطمع إلى فضاءات‬
‫جديدة‪.‬‬

‫واف كانت التنمية تقوـ عمى أساسي العدالة واإلستدامة والتي يجمع بينيما عامؿ الجيمنة‪ .‬فإنو‬
‫يمكنننا القياـ بعممية إسقاط في مجاؿ التنوع الثقافي عمى النحو التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬العدالة‪:‬‬

‫سواء عدالة توزيعية (في توزيع الموارد) أو عدالة في الفرص والمشاركة وعدالة بيف األجياؿ مف‬
‫حيث الموارد البيئية والمعارؼ والتمتع بالتراث الثقافي المادي وغير المادي فمف حؽ األجياؿ الحالية أف‬
‫تستمع بثقافة األجياؿ السابقة أيضا‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االستدامة‪:‬‬

‫تعد االستدامة واجبا أخبلقيا بالنسبة لمجيؿ الحالي مف أجؿ المستقبؿ‪ ،‬وعميو يجب نيج الطريؽ‬
‫المناسب لموفاء بيذا االلتزاـ سواء عمى مستوى االستيبلؾ‪ ،‬االستغبلؿ‪ ،‬الحفاظ عمى الموارد الطبيعية‬
‫(المتجددة والغير متجددة) والبشرية والتراث الثقافي (المادي والمعنوي) وىذه االستدامة بذاتيا تخدـ فكرة‬
‫‪1‬‬
‫العدالة بيف األجياؿ‬

‫‪1‬‬
‫‪Javier Iguiniz; « Development and Freedom in Sen and Gutierrez; Religions And Secular Coumon‬‬
‫‪Grounds Author» ; source ; Working paper N°210, Pontification universidad catholica del Peru 2002.‬‬
‫‪www.iadle.org/etica/documentos/abes.igu.devel-i-pdf.‬‬
‫‪82‬‬
‫ومف خبلؿ العدالة واالستدامة يمكف تييئة الظروؼ لتمكيف الجيؿ الحالي واستمرار ذلؾ لضماف‬
‫‪1‬‬
‫استمرار االنتفاع دوف تبديد لمموارد ولفرص األجياؿ المقبمة‪.‬‬

‫وبإعتبار الثقافات تشكؿ تراثا مشتركا لئلنسانية‪ ،‬فإنو يقع عمى الجيؿ الحالي اإللتزاـ بحفظ ىذا‬
‫التراث‪ ،2‬وحفظ كؿ مكونات التنوع الثقافي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحرية الثقافية ركيزة لمتنمية‬

‫إذا كاف األمر المعتقد أف اليدؼ مف التنمية ىو تحقيؽ الرفاه االقتصادي وما يشممو مف غذاء‬
‫وماء وصحة وتعميـ ووصوؿ إلى الموارد‪ ،‬فإف اليدؼ أكبر مف ذلؾ إذ ينصب عمى بناء القدرات اإلنسانية‬
‫وتعزيز لمحريات ومف ىذا المنظور تعتبر التنمية ىي القدرة عمى المشاركة بحرية في العممية السياسية‬
‫‪3‬‬
‫وآليات المقدرة عمى تحقيؽ الرفاه االقتصادي والوصوؿ إلى مصادر المعمومات‪.‬‬

‫ومف جانب الحرية الثقافية‪ ،‬يمكف اعتبار التنمية فرصة اختيار أسموب حياة كامؿ وذو قيمة‬
‫والرقي بالوجود اإلنساني في كافة أشكالو‪ .‬واختيار أسموب الحياة ونمطو إنما يعبر في الحقيقة عف الثقافة‬
‫أو المكوف الثقافي الذي البد أف تأخذه التنمية كركيزة ليا وذلؾ حتى يتسنى توسيع نطاؽ خيارات الناس‬
‫وممارسة دياناتيـ والتحدث بمغتيـ‪ ،‬واحتفاالتيـ الدينية والعرقية دوف تضييؽ أو إكراه أو إقصاء‪.4‬‬

‫وبذلؾ تيدف التنمية إلى تعزيز الحرية الثقافية لن حرية الفرد في اختيار نمط وأسموب حياتو‬
‫ىو إقرار بالتنوع الثقافي ذاتو‪ ،‬في حيف أف محاولة تنميط الناس وطمس معتقداتيـ وىوياتيـ وتبايناتيـ‬
‫الثقاف ية مآلو قمع الحريات بالضرورة ‪،‬كما تمعب الحرية الثقافية دورىا المركزي في تمكيف الناس مف العيش‬
‫كما يرغبوف وىذا العيش البد لو مف مؤسسات وسياسات تحققو‪.‬‬

‫وقد أكد إعبلف مكسيكو بشأف السياسات الثقافية لعاـ ‪ 1982‬عمى الدور المركزي الذي تمعبو‬
‫الثقافة في تحقيؽ التنمية واعتبر أف التنمية بدوف ثقافة ىي كالجسد بدوف روح‪ ،‬وأف مفيوـ التنمية يجب أف‬

‫‪1‬‬
‫‪David Copp; « International Justice and the Basic Needs Principle»,‬‬
‫‪mora.reute.nhh.no/projects/Equalityexchange/ressurser/articles/copp1.pdf‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Symeon Karagiannis ; Patrimoine commun de l’humanité et les droits des générations futures‬‬
‫‪« environnement et renouveau des droits de l’homme, la documentation française, 2006, p.67.‬‬
‫‪3‬‬
‫» ?‪Jhon Cry; «Development as freedom, avirtouns circle‬‬
‫‪www.afrobarometer.org/papers/AfropaperN°29.pdf‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Danièle Lochak, 0p. Cit., p. 132.‬‬
‫‪83‬‬
‫يمتد لتحقيؽ الرفاه الثقافي حتى يتحقؽ االرتقاء باألذواؽ مف جية‪ ،‬ومف جية أخرى أكد عمى ضرورة القيـ‬
‫والمعتقدات (لب وجوىر الثقافة) لتسترشد بيا إستراتيجيات التنمية وأف العامؿ الرئيسي لنجاحيا ىو تواءميا‬
‫وموافقتيا لو‪ .‬فالحرية الثقافية تمنح فرصة االختيار المتوفرة أو الممكف توفرىا لمناس لقيادة نوع مف الحياة‬
‫التي يعطونيا قيمة‪1 .‬وىو ما أعاد التأكيد عميو التقرير النيائي لممؤتمر الدولي الحكومي بشأف السياسات‬
‫‪2‬‬
‫الثقافية المنعقد بستوكيولـ عاـ ‪.1998‬‬

‫فالفقر ال يمكف حصره في الفقر االقتصادي بؿ يمكف أف يمتد إلى ما نسميو بالفقر الثقافي أو‬
‫الفقر المرتبط بأسباب واعتبارات سوسيوثقافية بالدرجة األولى‪ ،‬و ذلؾ عندما ال تستطيع بعض الفئات‬
‫(شعوب أصمية‪ ،‬أقميات‪ ،‬مياجروف‪ ،‬نساء‪ )...‬مف المشاركة في حياة المجتمع الذي يوجدوف فيو حيث‬
‫يحؿ االستبعاد واالستعاب القصري والتيميش محؿ الخصوصية وسبيؿ االنتماء بؿ وقد يؤدي إلى تفجير‬
‫العديد مف األزمات وانتشار الجرائـ و خمخمة النظاـ االجتماعي‪.‬‬

‫كما يمكف تعريؼ الفقر الثقافي بأنو إنكار لمحقوؽ الثقافية‪ ،‬والذي قد يؤدي إلى إنكار الحقوؽ‬
‫األخرى‪ .3‬كما يمكف أف يعني النقص في الوصوؿ إلى الموارد الثقافية مف طرؼ شخص ما أو مجموعة‬
‫ما‪ ،‬كما يمكنو أف يؤدي إلى استدامة أنواع الفقر مع احتماؿ كبير إلنتقالو إلى أجياؿ عديدة‪.4‬‬

‫وىذا الرفاه الثقافي المرجو ال يمكف تحقيقو إال بنماذج وبرامج تنموية تضمف استم اررية وديمومة‬
‫ىياكؿ وآليات مؤسساتية وقانونية تحترـ الخصوصية الثقافية والحريات الثقافية لؤلفراد وتمكنيـ مف‬
‫المشاركة في الحياة الثقافية الخاصة بيـ وفقا لما جاء في المادة ‪ 27‬مف اإلعبلف العالمي لحقوؽ‬
‫اإلنساف‪.‬‬

‫وعميو فنقطة االلتقاء الرئيسية بيف الثقافة والتنمية ىي الحرية الثقافية‪ ،‬التي يجب أف تعمؿ التنمية‬
‫عمى توسيعيا‪ ،‬وأف أحسف مقاربة لمتنمية ىي المقاربة الشاممة التي تأخذ المكوف الثقافي والجانب القيمي‬
‫محؿ اعتبار وتؤمف بالتنوع الثقافي وحؽ اإلنساف بالتمتع بثقافتو الخاصة وبالتمتع بثقافة اآلخريف في‬
‫الوقت ذاتو كمما أراد ذلؾ‪ .‬وتوفر لو المناخ المبلئـ لتحقيؽ العيش المشترؾ وتقضي عمى أسباب‬
‫االضطرابات والتوترات واإلقصاء الثقافي الذي يغذي كؿ أشكاؿ العنؼ والتطرؼ وتمتد آثاره السمبية عمى‬
‫‪1‬‬
‫‪«Development as freedom, Freedom as Hapiness» ; Human development and happiness in Bhutan x Joseph‬‬
‫‪Jokson. www.bhutaustudies.org.bit/adrain/pubfiles.Enh and dea23.pdf‬‬
‫‪ 2‬اٌرمش‪٠‬ش إٌ‪ٙ‬ائ‪ٌٍّ ٟ‬ؤذّش اٌحى‪ٌٍ ِٟٛ‬س‪١‬اساخ اٌثماف‪١‬ح‪ ،‬سر‪ٛ‬و‪ٚ ،1998 ٌُٛٙ‬ث‪١‬مح سلُ ‪ ،CLT-98/cop 210/5‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Patrice Meyer Bicsh ,Op. Cit., p.192.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪84‬‬
‫المدييف المتوسط والبعيد‪ .‬وىذه المقاربة التنموية لف تكوف مف صنع واعداد الدوؿ وحدىا بؿ يجب إشراؾ‬
‫جميع الفاعميف فييا‪ ،‬خاصة المجتمع المدني الذي يكوف أدرى بما يتناسب وقيـ المجتمعات وزيادة مشاركة‬
‫المواطنيف ألف التنمية تتـ بالناس ومف أجميـ‪ ،‬حتى ال يبقوا مجرد متمقييف سمبييف لثمار البرامج التنموية‬
‫فيـ ممزموف بالمشاركة في تشكيؿ ىذه المسارات ‪.1‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬بعض جوانب التنوع الثقافي المتعمقة بالبيئة‪.‬‬

‫كما تمت اإلشارة إليو سابقا مف إغفاؿ لتكامؿ أبعاد التنمية‪ ،‬بحيث لـ تكف تتجاوز النمو‬
‫اإلقتصادي ثـ التنمية اإلقتصادية ‪ ،‬كما أثبتت مختمؼ المقاربات فشميا‪ ،‬فالتنمية اإلقتصادية كثي ار ما‬
‫استنزفت ثروات األجياؿ الحالية والمستقبمية عمى حد سواء‪ ،‬لذلؾ ظير مفيوـ اإلستدامة المناسب لتمبية‬
‫إحتياجات كؿ مف الجيميف‪ ،‬غير أننا سوؼ نتطرؽ في ىذا المطمب إلى العبلقة المتبادلة بيف الحفاظ عمى‬
‫التنوع الثقافي والحفاظ عمى التنوع البيولوجي في فرع أوؿ وفي فرع ثاف سنتطرؽ إلى التنوع البيوثقافي‬
‫والذي ىو نتيجة حتمية لمعبلقة المتبادلة بيف كؿ مف التنوع البيولوجي والثقافي‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬العالقة المتبادلة بين الحفاظ عمى التنوع الثقافي والحفاظ عمى التنوع‬
‫البيولوجي‪.‬‬

‫ىناؾ عبلقة تبادؿ وثيقة بيف نوعي التنوع لذلؾ ساوت العديد مف اإلعبلنات والمواثيؽ‬
‫والنصوص اإلتفاقية الدولية بيف التنوع الثقافي والبيولوجي واعتبارىما تراثا مشتركا لئلنسانية يجب اإلعتراؼ‬
‫بو‪ ،‬التأكيد عميو والحفاظ عمييا لصالح األجياؿ الحالية والمستقبمية‪. 2‬‬

‫فاإلنساف ومنذ نشأتو سعى إلى إشباع حاجياتو مف خبلؿ استعماؿ واستغبلؿ الموارد الطبيعية‬
‫المتاحة أمامو ومختمؼ األنواع النباتية والجينية واألنظمة البيئية ( مكونات التنوع البيولوجي) مطو ار بذلؾ‬
‫معارؼ وطرائؽ بحسب المناطؽ المستغمة معب ار بذلؾ عف خصوصيات ثقافية معينة‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jhon Gry, Op. Cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Article1 de la déclaration sur la diversité culturelle‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Carine Pastolli ; « Des Défintions, Un Concept», le 11/03/2009.‬‬
‫‪http://www.agirpourlabiodiversite.fr/spip.php?rubrique6‬‬
‫‪85‬‬
‫لذلؾ فاالرتباط الوثيؽ بيف التنوع الثقافي والبيولوجي يبيف أف كبل منيما ىو انعكاس ىوية ما‪،‬‬
‫منطقة أو بمد ما‪ ،1‬وعميو فيذه العبلقة المتبادلة بيف نوعي التنوع يمكف فيميا مف خبلؿ العوامؿ التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ثقافة الشعوب الصمية‪:‬‬

‫فطرؽ العيش وطرؽ اإلنتاج ترتبط بالجانب الروحي وتعبر عف مفاىيـ كمية لمطبيعة (مثؿ‬
‫األنظمة الغذائية‪ ،‬طرؽ إستغبلؿ األراضي وبعض الفنوف والتقاليد المرتبطة بيا تسيـ في إغناء الثقافات‬
‫‪2‬‬
‫المرتبطة باألرض التي تطورت فييا)‬

‫إضافة إلى البعد الثقافي لمتنوع الحيوي الزراعي الذي يظير مف خبلؿ ممارسات بعض الفبلحيف لبعض‬
‫الطقوس والشعائر‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬لغات الشعوب الصمية‪:‬‬

‫بما أف التنوع المغوي ىو حجر الزاوية لمتنوع الثقافي فإف في الحفاظ عميو حفاظ عمى التنوع‬
‫الثقافي‪ ،‬وأف زواؿ بعض المغات يعني زواؿ الثقافات التي تمثميا وتعني زواؿ بعض األنظمة البيئية ومف‬
‫ثـ فقداف التنوع الحيوي‪ ،‬لذلؾ أقرت اتفاقية التنوع البيولوجي بالدور الذي تمعبو الممارسات والمعارؼ‬
‫المحمية في الحفاظ عمى التنوع البيولوجي‪. 4‬‬

‫وبإعتبار المغة ترمز إلى العبلقة بيف معارؼ ثقافة ما وبيئتيا المحمية‪ ،‬وأف المعارؼ يتـ التعبير‬
‫عنيا ونقميا بواسطة المغات ما يبرز دور المغة في الحفاظ عمى التنوع البيولوجي‪ ،‬غير أف الواقع الحالي‬
‫يشيد تواجد العديد مف األنواع النباتية والحيوانية واألنظمة اإليكولوجية في خطر ألنو ال يعرفيا في الوقت‬
‫الحالي إال قميؿ مف الشعوب وىذا راجع إلى تراجع بعض المغات‪ .5‬ونظ ار ألىمية األنواع النباتية في‬
‫الصناعات الدوائية فقد تـ إحصاء حوالي ‪ 21000‬نوعا مف طرؼ منظمة الصحة العالمية (‪ )l'OMS‬و‬

‫‪1‬‬
‫‪Carine Pastolli ; « La Valeur Intrinsèque», le 10/03/2009.‬‬
‫‪http://www.agirpourlabiodiversite.fr/spip.php?article34‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Carine Pastolli ; « Valeurs Et Usages», le 11/09/2009‬‬
‫‪http://www.agirpourlabiodiversite.fr/spip.php?rubrique9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jean Foyer ; «Les Multiples Politiques de la Diversité Bioculturelle entre Modernité Alternative et‬‬
‫‪Rhétorique Instrumentale».‬‬
‫‪www.hal archives-ouvertes;fr/docs/00/68-/diversité A-bioculturelle foyer.pdf, p.14.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Article8/ alinéa J de la convention de la biodiversité‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Jean Foyer, Op. Cit., p. 16.‬‬
‫‪86‬‬
‫لوال المغات المحمية لما تـ ذلؾ‪ ،1‬لذلؾ تشير التقديرات إلى أف ىناؾ حوالي ‪ 6000‬ثقافة منيا ‪ 4000‬إلى‬
‫‪ 5000‬ىي ثقافات الشعوب األصمية يجب الحفاظ عمييا حتى ال تضيع فرص وامكانيات لتحقيؽ رفاه‬
‫اإلنساف واستفادتو مف نتائج ىذه المعارؼ التي تنقميا ىذه المغات‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المعارف التقميدية‪:‬‬

‫ىناؾ ارتباط بيف المغة والمعارؼ التقميدية ألف المغة تعبر عف المعارؼ وتنقميا واألشخاص الذيف‬
‫ال يستطيعوف تكمـ لغتيـ األـ ال يستطيعوف الوصوؿ إلى ىذه المعارؼ‪ ،‬وبالتالي يجيموف معمومات حوؿ‬
‫جوىرىـ وصحتيـ واإلستغبلؿ المستداـ لمموارد الطبيعية‪ . 2‬ففقداف المغات والثقافات ينقص مف حجـ‬
‫المعارؼ حوؿ البيئة بصورة عامة‪ ،‬وأف تراجع التنوع في أبعاده الثقافية وااليكولوجية يشكؿ تيديدا‬
‫لبلستقرار العالمي ويسيـ في ىشاشة العالـ وسكانو‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التنوع البيوثقافي واستدامة التنمية‪.‬‬

‫إف مصطمح التنوع الثقافي قد ظير بالتزامف مع ظيور الحركات البيئية واليوياتية في سبعينيات‬
‫القرف الماضي وأعطت مكانا لمسار اإلعتراؼ المؤسسي ليذه التطمعات السوسيوسياسية‪ 4‬ما أدى إلى‬
‫تطور وتبمور فكرة التنوع البيوثقافي الذي يعني تمؾ الوسيمة لبناء أشكاؿ بديمة مف السياسات التحسيسية‬
‫تربط اإلنساف ببيئتو الطبيعية‪.5‬‬

‫وىو نتيجة حتمية لعبلقة الترابط الوثيؽ بيف التنوع الحيوي والتنوع الثقافي‪ ،‬وألف بقاء اإلنساف‬
‫مرتبط باستدامة شكمي التنوع فقد دعا إعبلف األلفية أألممي إلى إحتراـ الطبيعة معتب ار إياىا أحد القيـ‬
‫األساسية لئلنسانية‪ ،‬كما دعا إلى ترشيد استخداـ الموارد الطبيعية والى ضرورة إيجاد طرؽ استيبلؾ بديمة‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Foyer, Ibid.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Rapport «Diversité Culturelle et Biodiversité: pour un Développement Durable», table ronde de haut‬‬
‫‪niveau organisée conjointement par l'UNESCO et le PNUE, le03/09/2002 à Johanseburg g(à l'occasion du‬‬
‫‪sommeil mondial pour le développement durable, publié en 2003 par l'UNESCO‬‬
‫‪UNESCO/UNESDOC.unesco.org/images/0013/0002322/132226F.pdf.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p. 04.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Jean Foyer, Ibid., p.08.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪87‬‬
‫ومختمفة عف تمؾ الموجودة حاليا مف أجؿ األجياؿ الحالية والمستقبمية ‪ .1‬وأضاؼ أف حماية وترقية التنوع‬
‫الثقافي والحفاظ عميو ىو شرط أساسي لمتنمية المستدامة لصالح األجياؿ الحالية والمستقبمية‪.2‬‬

‫وىو ما نممس مف خبللو دعوة إلى ضرورة وضع أخبلقيات لمحفاظ عمى البيئة ألف احتراـ التنوع‬
‫البيولوجي يستمزـ في الحقيقة إحتراما لمتنوع اإلنساني بما فيو الثقافي لذلؾ يجب البحث عف بدائؿ تنموية‬
‫أو نماذج لمتنمية المستدامة تنسجـ مع إحتياجات وتطمعات كؿ ثقافة‪ ،3‬فالتنمية في تكامؿ أبعادىا‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬اإلجتماعية‪ ،‬الثقافية والبيئية تتطمب رؤيا أو إطا ار أخبلقيا ليصبح التنوع الثقافي ضامنا‬
‫لئلستدامة ألنو يربط التنمية بيذه الرؤى األخبلقية‪ .‬ومف الناحية العممية فمستقبؿ األرض يتوقؼ عمى‬
‫استدامة كؿ مف التنوع البيولوجي والثقافي‪ ،‬إذ ال يمكف الحفاظ عمى التنوع البيولوجي بكؿ مكوناتو (أنواع‬
‫جينية‪ ،‬أنواع نباتية‪ ،‬أنظمة إيكولوجية) دونما فيـ الثقافات اإلنسانية التي شكمتو‪.‬‬

‫فاستدامة التنمية ال تتوقؼ فقط عمى الحفا ظ عمى الموارد الطبيعية لصالح األجياؿ الحالية‬
‫والمستقبمية فقط‪ ،‬بؿ حتى استدامة الموارد الثقافية (عادات‪ ،‬تقاليد‪ ،‬فنوف)‪.‬أي أف كبل مف التنوع البيولوجي‬
‫والثقافي يشكبلف ضمانا لرفاه الجيؿ الحالي والمستقبمي والوصوؿ إلى التنمية المستدامة يبقى متوقفا‬
‫عمييما‪ .4‬كما أف التنوع الثقافي ىو في حد ذاتو ضماف إلستدامة التنمية في بعدىا المادي وغير المادي‬
‫فيو مفتاح إستدامة التنمية‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى العبلقة التبادلية الوثيقة بينيما يمكننا القوؿ أف بعض الممارسات الثقافية في وجودىا‬
‫وتعابيرىا تابعة أو خاضعة لبعض العناصر الخاصة بالتنوع البيولوجي وأف بعض التنوع البيولوجي يتـ‬
‫‪5‬‬
‫تطويره‪ ،‬تنميتو‪ ،‬الحفاظ عميو وادارتو مف طرؼ مجموعات ثقافية خاصة عف طريؽ المغات والمعارؼ‬
‫لذلؾ نجد أف المجنة المعنية بحقوؽ اإلنساف عمدت إلى حماية البيئة مف خبلؿ الحقوؽ الثقافية المعترؼ‬
‫بيا في المادة ‪ 27‬مف العيد الدولي لمحقوؽ السياسية والمدنية باعتبار الثقافة في بداية األمر ومنتياه‬
‫إنعكاس ا بشكؿ أو بآخر لممحيط البيئي والطبيعي الذي يحيا فيو البشر‪ ،‬وىي التي تعطييـ ماىيتيـ‬
‫وكينونتيـ الثقافية‪.6‬‬

‫‪ -1‬إعالْ األٌف‪١‬ح ٌٍرّٕ‪١‬ح‪.‬‬


‫‪ 2‬اٌّادج ‪ ِٓ 6/2‬اإلعالْ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rapport Diversité Culturelle et Biodiversité: pour un Développement Durable, Op. Cit., p. 06.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid., p. 12.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ibid., p.08.‬‬
‫‪6‬دمحم ‪ٛ٠‬سف عٍ‪ٛ‬اْ‪ ،‬د خٍ‪ ً١‬اٌّ‪ٛ‬س‪،ٝ‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪88‬‬
‫إذا ولتحقيؽ مقاربة شاممة ومتعددة األبعاد لمتنمية المستدامة يجب أف يتـ استغبلؿ التنوع‬
‫البيولوجي المرتبط بأنظمة القيـ المتأصمة في مجتمعات الشعوب األصمية استغبلال سميما لذلؾ غالبا ما‬
‫نجد أف مجتمعات الشعوب األصمية في طرؽ حياتيا تعتمد أو تخضع لمتنوع البيولوجي فيكوف لمعتقداتيـ‬
‫الثقافية والدينية أثر عمى منع استخداـ الموارد والحفاظ عمى استدامة النظـ االيكولوجية لصالحيـ ولصالح‬
‫األجياؿ المستقبمية‪. 1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التنوع الثقافي كتراث مشترك لإلنسانية‪.‬‬

‫رغـ المضموف اليادؼ لبلستثناء الثقافي بإضفائو الخصوصية عمى المنتجات الثقافية باعتبارىا‬
‫ليست مجرد سمع عادية لمتداوؿ بؿ ىي أنماط وجودية وأشكاؿ تعبير عف اليويات المختمفة فإف ىذه‬
‫العبارة أي االستثناء الثقافي ظمت ذات طبيعة دفاعية‪ ،‬حيث ظمت مفيوما ضعيفا يفتقد إلى أي ضماف‬
‫عمى المدى المتوسط والبعيد‪.2‬‬

‫لذلؾ يعد مصطمح التنوع الثقافي ىو التعبير البديؿ واألكثر ايجابية مف عبارة االستثناء الثقافي‪.‬‬
‫وقد أقرت العديد مف اإلعبلنات والمواثيؽ واإلتفاقيات الدولية بأف التنوع الثقافي تراث مشترؾ لئلنسانية‪،‬‬
‫وذلؾ راجع إلى المبادئ التالية‪:‬‬

‫ضرورة التنوع الثقافي كما ىو الشأف بالنسبة لمتنوع البيولوجي‪ ،‬التنوع البيولوجي (الذي حوالي‬
‫‪ 9/9‬منو ىو في طريقو إلى الفقداف) البد لو مف سياسات لحمايتو وضماف حماية األنظمة واألنساؽ‬
‫البيئية والطبيعية وبالنتيجة حماية األنواع‪.3‬‬

‫أف الدفاع عف التنوع الثقافي ىو واجب أخبلقي ال يمكف فصمو عف كرامة اإلنساف ويستمزـ إلزاما‬
‫باحتراـ حقوؽ اإلنساف وحرياتو األساسية‪ .‬اعتبار الحقوؽ الثقافية كجزء متكامؿ مف منظومة حقوؽ‬
‫اإلنساف ‪ ،‬ال يمكف التنازؿ عنيا بأي حاؿ مف األحواؿ باعتبارىا تشكؿ ركيزة ىامة في تركيبة ىوية األفراد‬
‫ولو أف اليوية تطرح إشكاال كبي ار وجدال بيف مف يرى أنيا اكتشاؼ لمذات أو أنيا عممية بناء واختيار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rapport Diversité Culturelle et Biodiversité: pour un Développement Durable, Ibid., p. 13.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dave ATKINSON;«De L'exception a la Diversité Culturelle: Un Enjeu au Cœur d'une Bataille‬‬
‫‪Planétaire», p. 939. www.diplomacie:gouv.fr/fr/IMG/pdf/FD001423.pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Document (CLT/CIC/BCI/DC.DOC5F): Réunion du comité d'experts sur le renforcement du rôle de‬‬
‫‪l'UNESCO la vue de promouvoir la diversité culturelle à l'heure de la mondialisation-21,25 septembre 2000,‬‬
‫‪www.UNESCO.doc.org/g.IMAGES/0012/001228/122895.fr.pdf‬‬
‫‪89‬‬
‫أف السمع والخدمات الثقافية ال يجب أف تعامؿ كسمع أو مواد استيبلكية مثؿ السمع األخرى‬
‫باعتبارىا حاممة لميويات والقيـ وىو ما تـ التأكيد عميو في مختمؼ المواثيؽ واإلعبلنات العالمية والجيوية‪،‬‬
‫وكاف ىو اليدؼ مف تبني وسائؿ أو أجيزة دولية حوؿ التنوع الثقافي مف أجؿ االعتراؼ بخاصية ىذه‬
‫األخيرة وضماف ديمومة وشرعية السياسات اليادفة إلى حفظ التراث وتنمية التعابير الثقافية وبالتالي‬
‫ضماف األمف القانوني لمسياسات الحالية والمستقبمية‪.1‬‬

‫عمى الدوؿ وضع سياسات ثقافية مناسبة لحفظ التنوع الثقافي وتنسيؽ الجيود فيما بينيا لتحقيؽ‬
‫ذلؾ واشراؾ كؿ الفاعميف المحمييف والدولييف في ذلؾ خاصة في إطار الشبكة الدولية لمسياسات الثقافية‬
‫(‪ .)RIPC‬ولذلؾ يعد التزاـ الدوؿ بالحفاظ عمى التراث الثقافي والطبيعي وحمايتو مف األمور السيادية‬
‫وىو ما أقرتو إتفاقية اليونسكو المتعمقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي لعاـ ‪.21972‬‬

‫ورغـ الجيود المبذولة وتبني اتفاقية حوؿ حماية كؿ أشكاؿ التعبير الثقافي فإف غالبية األشغاؿ‬
‫والنتائج التي توصمت إلييا كانت تركز عمى جوانب تنظيـ التجارة الدولية أكثر منيا إلى النظر إلى الثقافة‬
‫بمضمونيا االنثروبولوجي كمجموعة مف القيـ والمعتقدات وأنماط وطرؽ الحياة وبذلؾ فالحؽ في التنوع‬
‫الثقافي ىو حؽ مف حقوؽ اإلنساف يكرس الحؽ في ثقافة ما وفي االختبلؼ‪ ،‬البد لو مف إرادة سياسية‬
‫قوية تؤسس لمبادالت ثقافية مؤسسة عمى شروط مقبولة لمتبادؿ لذلؾ ال يكفي مجرد االعتراؼ بو في‬
‫وثيقة دولية بؿ يجب تبني سياسات تحفظو وتدعـ ترقيتو ويجب أف توفر لو إدارة جيدة تحترـ الخصوصية‬
‫والذاتية الثقافية مف جية وتدعـ التفاعؿ والتواصؿ بيف الثقافات والتعايش بينيا حتى ال تكوف الثقافة بابا أو‬
‫منفذا لمنزاعات‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬مبادئ العدالة وسياسات اليوية واالعتراف‪:‬‬

‫وىي تندرج في السياؽ التنموي المحقؽ لمحؽ في التنوع الثقافي‪ ،‬إذ ال يمكف تطبيؽ برامج تنموية‬
‫دوف أف تترافؽ مع تطبيؽ لمبادئ العدالة ودوف اإلعتراؼ باليويات المختمفة‪ ،‬ألف إقصاء ىذه األخيرة‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Michall Baer; « L'exception Culturelle une Règle en Quête de Contenus. en Temps REEL, CAHIER‬‬
‫‪11 Octobre 2003», www.EnTemps.reel.free.fr/CAHIER11.pdf.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Terre François; « L’humanité, un Patrimoine sans Patrimoine », in droit et politique à la croisée des‬‬
‫‪cultures, l’Harmattan, 1999, p.343.‬‬
‫‪90‬‬
‫واستبعادىا سوؼ يؤدي إلى تشويو ىذه التنمية وعدـ تحقيؽ اليدؼ المرجو منيا والمتمثؿ في رفاه اإلنساف‬
‫وتحقيؽ حرياتو‪ ،‬وتوسيع خياراتو وبناء قدراتو‪.‬‬

‫الفرع الول‪ :‬مبادئ العدالة‪.‬‬

‫إذا كاف وضع تعريؼ العدالة مف أكثر األمور تعقيدا الختبلؼ الرؤى والزوايا التي يتـ النظر إلييا‬
‫مف خبلليا‪ ،‬وسواء كانت العدالة بأوجييا المتعددة (توزيعية‪ ،‬بيئية‪ ،‬سياسية)‪ ،‬واف القت الكثير مف‬
‫االنتقادات واعتبرىا البعض مف أكبر معيقات التنوع الثقافي‪ ،‬بؿ ودعا آخروف إلى ضرورة استبداليا‬
‫بسياسات االعتراؼ‪ ،‬إال أننا نجد أىمية العدالة في تدعيـ الحؽ في التنوع الثقافي مف خبلؿ العناصر‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -9‬مكافحة التمييز والقضاء عمى البلمساواة االقتصادية التي تؤدي إلى االستبعاد واإلقصاء الثقافييف‪.‬‬
‫‪ -7‬فشؿ سياسات التعددية ما لـ يصحبيا سياسات مكافحة البلمساواة االجتماعية واالقتصادية وأف‬
‫العدالة يجب أف تعكس التنوع‪.‬‬
‫‪ -1‬تحقيؽ العيش المشترؾ في ظؿ االختبلفات والتباينات النفعية مف خبلؿ التوزيع واعادة التوزيع العادؿ‬
‫لمموارد وتحقيؽ السمـ االجتماعي والتعايش بيف مختمؼ الطوائؼ والفئات‪ ،‬فكثي ار ما أدى غياب العدالة‬
‫االجتماعية أو تغييبيا إلى إثارة وتذكية الصراعات والنزاعات العرقية والدينية واإلقميمية واستمرار تأثير‬
‫آثارىا التراكمية عمى أجياؿ مف الناس‪.‬‬
‫‪ -9‬وعمى صعيد العبلقات الدولية‪ ،‬فالعدالة تؤدي إلى استقرار أكثر لممجتمع الدولي في عالـ أصبح أكثر‬
‫‪1‬‬
‫ارتباطا سياسيا‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬بيئيا وثقافيا‪.‬‬

‫واف كاف البعض يعيب فكرة العدالة الدولية (مستوى الدولة في العالـ) كونيا تفتقر إلى اإلطار‬
‫المؤسساتي بخبلؼ العدالة المحمية (مستوى الفرد في الدولة) حيث ال توجد عدالة في المشاركة في صنع‬
‫القرار وأف إنفاذ ىذا األخير لف يجد السمطات والمؤسسات المؤىمة لذلؾ‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Paul G.Harris: « International justice distributive» ; Getting at a definition in the context of environmental‬‬
‫‪change‬‬ ‫‪,‬‬
‫‪www.essex.ac.uk/scpr/eventsjointessions/paperarchives/mamrherene/wb/harsis.pdf‬‬
‫‪91‬‬
‫فغياب العدالة يغذي الصراعات الطائفية ويؤججيا ويؤدي إلى االقتتاؿ الذي يأخذ طابعا دينيا أو‬
‫اثنيا‪ ،‬وىو ما وقع في نوفمبر‪ 7004‬إذ لقي اآلالؼ مصرعيـ في مدينة جوس النيجيرية‪ ،‬تحت رايات دينية‬
‫في حيف كاف المصدر الحقيقي الخفي ىو اقتصادي بحت‪ ،‬وكذلؾ الشأف عاـ ‪ 2002‬إذ قضى نحو‬
‫‪ 1000‬شخص وأخذ شكؿ العنؼ المسمـ المسيحي والذي طغى عمى أشكاؿ العنؼ األخرى‪ ،‬ناىيؾ عف‬
‫أمثمة أخرى تشيدىا العديد مف المناطؽ في العالـ‪.‬‬

‫واف كاف الظمـ في العالـ ىو نتيجة االختبلؿ في توزيع الموارد الطبيعية والثقافية‪ ،2‬فتبقى إعادة‬
‫توزيع الموارد فيما بيف البمداف أحد أىـ الحموؿ لمتقميؿ مف حدة ىذه االختبلفات وتوفير مناخ لتمبية‬
‫االحتياجات األساسية لمناس في كؿ أنحاء العالـ‪.‬‬

‫لكف في الحقيقة يرفض البعض فكرة العدالة عمى أساس أنيا ال تستجيب لضرورات التنوع الثقافي‬
‫والتعددية‪ ،‬بؿ أكثر مف ذلؾ يجب إرساء بعض الممارسات عمى غرار العمؿ التأكيدي والتمييز اإليجابي‬
‫ألف العدالة تقتضي إلى جانب األبعاد األخرى ضرورات االعتراؼ واليوية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستجابة لمطالب االعتراف واليوية‪.‬‬

‫باعتبارىا إعادة تشكيؿ اثني وثقافي لمطالب العدالة غير المشبعة‪ ،3‬أصبحت سياسات االعتراؼ‬
‫مف األمور الواجب عمى الدوؿ أف تدمجيا ضمف سياؽ إستراتيجياتيا لمتنمية مف خبلؿ سياسات ثقافية‬
‫تضمف ذلؾ وتؤدي في النياية إلى إرساء الحؽ في التنوع الثقافي وتدعمو‪ ،‬ومطالب اليوية واإلعتراؼ‬
‫يجب أف تتـ ترجمتيا في ترتيبات اجتماعية وتحوالت مؤسساتية يمكف إجماليا فيما يمي‪:‬‬

‫‪ -9‬سياسات تضمف المشاركة السياسية لممجموعات الثقافية المختمفة‪.‬‬


‫‪ -7‬سياسات خاصة بالديف والممارسات الدينية‪.‬‬
‫‪ -1‬سياسات خاصة بقانوف األعراؼ والتعددية القانونية‪.‬‬
‫‪ -9‬سياسات خاصة باستخداـ لغات متعددة‪.‬‬
‫‪ -5‬سياسات تعوض عف االستبعاد االجتماعي واالقتصادي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Joseph Health; « Rawls on Global Distributive Justice» ; a defense Joseph Health, department of philosophy,‬‬
‫‪University of Toronto, www.cahss.utoronto.ca/-jhealth/rawls.pdf‬‬
‫‪ 2‬اٌّ‪ٛ‬اسد اٌثماف‪١‬ح ٘‪ ٟ‬اٌثمافح اٌس‪١‬اس‪١‬ح ٌٍّجرّع ِٓ ِسر‪ ٜٛ‬اٌّعشفح اٌرمٕ‪١‬ح ‪ٚ‬االجر‪ٙ‬اد ‪ٚ‬اٌمذسج عٍ‪ ٝ‬االترىاس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫»‪Fred Constant et Coll Dominos Flammarion; « l’Etat Pluriculturel‬‬
‫‪sceco.paris.iufm.fr.page pdf/multi.pdf‬‬
‫‪92‬‬
‫ومف جية أخرى يجب أف يتـ إدراج القيـ المشتركة حوؿ احتراـ الثقافات في سياسات التنمية وتقاسميا‬
‫‪1‬‬
‫والمطالبة بإرساء مبادئ التضامف بيف الدوؿ والشعوب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬السياسات التي تضمن المشاركة السياسة لممجموعات الثقافية المختمفة‪:‬‬

‫فاالستبعاد بشكميو مف المشاركة ومف طرؽ الحياة يتضمف إنكا ار لمحقوؽ السياسية ليذه‬
‫المجموعات ويشكؿ شكبل مف أشكاؿ االضطياد ويرجع في النياية لفقداف الديمقراطية‪ ،‬وعمى ذلؾ أسس‬
‫"‪ "Charles Taylor‬فرضيتو المتعمقة بشرعية المؤسسات الديمقراطية حيث يرى أف ىذه األخيرة تترجـ مف‬
‫‪2‬‬
‫خبلؿ قدرتيا عمى االعتراؼ العمني والعاـ بمختمؼ المجموعات الثقافية‪.‬‬

‫لذلؾ تبدو الحاجة إلى الديمقراطية المتعددة الثقافات أكثر مف ضرورية‪ ،‬ألنو حتى واف وجدت‬
‫ديمقراطية مدنية قائمة عمى المساواة فإنيا غير كافية‪ ،‬إذ قد يكوف أعضاء ىذه المجموعات أقؿ تمثيبل كما‬
‫يعدوف الخاسروف في عمميات التصويت بشكؿ دائـ ‪.3‬‬

‫فكندا مثبل باعتبارىا مف أكبر البمداف المستقبمة لممياجريف يعيش فييا حوالي ‪ 1.5‬مميوف مسمـ‬
‫يمثميـ سوى نائب واحد في البرلماف‪ ،‬في حيف يمثؿ الجالية الييودية والمقدرة بػ ‪ 200‬ألؼ نسمة ‪ 10‬نواب‬
‫في البرلماف‪ ،‬لذا يعد نظاـ الحصص النسبية ومنح ىذه المجموعات نسبة في البرلمانات والمؤسسات‬
‫النيابية والمجالس المنتخبة مف أىـ الطرؽ التي تساعدىـ في المشاركة في السمطة‪ ،‬إذ يجب أف تنعكس‬
‫التركيبة الثقافية لممجتمع في مؤسساتو مف خبلؿ حجز مقاعد لؤلقميات في الييئات الحكومية والتشريعية‬
‫وىذه ىي الطريقة التوافقية‪.‬‬

‫أما الترتيب الديمقراطي الثاني فيتمثؿ في أسموب الفيديراليات (أي إقامة وحدات إقميمية ثانوية‬
‫ضمف الدولة تمارس في إطارىا األقميات استقبلليا ذاتيا دوف أف يكوف ذلؾ ماسا بوحدة الدولة)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬سياسات خاصة بالدين و بالممارسات الدينية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mondialisation et intérêt culturel, Op. Cit., Pp.178-191.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jony Pélabay ; « Peut on Accepter Toutes les Différences ? », Charles Taylor : la reconnaissance des‬‬
‫; ‪différences comme politiques, european studies centre of Antony’s college university of Oxford‬‬
‫‪www.screrer.fe/magphilo/philo15/charles_taylor=imp.htm‬‬
‫‪ 3‬ذمش‪٠‬ش اٌرّٕ‪١‬ح اإلٔسأ‪١‬ح ٌعاَ ‪ ،.2004‬اٌّشجع اٌساتك‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫وذلؾ لمواجية اإلستبعاد الذي تعانيو األقميات الدينية خاصة‪ ،‬وشدة التضييؽ عمى ممارسة‬
‫الشعائر الدينية ليا وحرياتيا في اعتناؽ ما شاءت مف معتقدات‪ ،‬فالدولة باعتبارىا مسيرة لمتنوع الثقافي‬
‫يتوجب عمييا ليس فقط االعتراؼ بممارسة ىذه الحقوؽ‪ ،‬بؿ أكثر مف ذلؾ يستمزـ ىذا االعتراؼ مأسسة‬
‫وتوفير بيئة تمكينية لذلؾ‪ ،‬وبما أف الديف يمعب دوره في تشكيؿ اليوية الثقافية لمناس وكثي ار ما يصعب فؾ‬
‫االرتباط بيف الديف والثقافة‪ ،1‬واالعتراؼ باليوية الثقافية يقتضي االعتراؼ بالحريات الدينية لمناس والعمؿ‬
‫عمى إيجاد وتوفير سياسات وآليات تضمف ذلؾ عمى غرار إقامة المؤسسات الدينية وأماكف العبادة‬
‫والسماح بممارسة وحماية الحريات الدينية ومختمؼ الشعائر وأف ال يتـ التمييز في المؤسسات العامة بيف‬
‫األفراد عمى أساس دياناتيـ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬سياسات خاصة بقانون العراف والتعددية القانونية‪:‬‬

‫ويظير ذلؾ جميا عندما يتعمؽ األمر ببعض األقميات والشعوب األصمية خاصة في مجاؿ‬
‫األحواؿ الشخصية‪ ،‬والتي كثي ار ما تتعارض مع األنظمة القانونية القائمة‪ ،‬إذ يجب أف تكوف قوانيف الدولة‬
‫منسجمة وواقع ىذه التعددية‪.‬‬

‫واف انتقد البعض سياسات التعددية القانونية باعتبارىا تشجع بعض الممارسات التي قد تتناقض‬
‫وتضيؽ مف الحريات‪ ،‬لكنيا في الحقيقة تبقى ضرورية لمسائؿ الميراث والزواج وأحكاـ الطبلؽ وبعض‬
‫المعامبلت الخاصة‪ ،‬فقط يجب أف تحترـ ىذه التعددية المعايير العالمية لحقوؽ اإلنساف عمى األقؿ الحد‬
‫األدنى المشترؾ‪.‬‬

‫ولذلؾ يجب أف تعكس القوانيف الثقافة المجتمعية وقيميا واف كانت ىناؾ ثقافات فرعية وجب أف‬
‫تعكسيا قوانيف تحكـ أفرادىا‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬سياسات خاصة باستخدام لغات متعددة‪:‬‬

‫انطبلقا مف فكرة أف التنوع المغوي ىو حجر الزاوية في التنوع الثقافي وفي الحفاظ عميو وصيانتو‬
‫حفاظ عمى التنوع الثقافي‪ ،‬فالمغة تشكؿ التعبير الحي عف الثقافة وعميو تقتضي ىذه السياسات ترقية‬
‫استخداـ المغات وتعميميا خاصة في المجتمعات التي توجد فييا أقميات لغوية ومجموعات ذات لغات‬

‫‪1‬‬
‫‪Pareekh Bhikhu, Op. Cit.‬‬
‫‪94‬‬
‫مختمفة عف المغة األـ‪ ،‬وقد اعتمدت بريطانيا أسموب التعميـ المتعدد الثقافات في الفترة الممتدة بيف‬
‫الثمانينات والتسعينات ‪ 1‬إستجابة لتطمعات العديد مف المجوعات الثقافية والدينية الكثيرة المتواجدة فييا‪.‬‬

‫ويعد إتباع ىذه السياسات وسيمة لبلعتراؼ بالحقوؽ المغوية لؤلقميات ومختمؼ المجموعات الثقافية‬
‫سواء في التعميـ أو في إمكانية إنشاء وسائؿ اتصاؿ سمعية وبصرية ناطقة بيذه المغات واستخداـ لغاتيـ‬
‫في إجراءات التقاضي وأماـ المحاكـ‪ ،‬خاصة إذا لـ يكونوا قادريف عمى استيعاب وفيـ المحاكمة بالمغة‬
‫التي تجرى بيا ‪.2‬‬

‫وفي ىذا الصدد نشير إلى اإلستراتيجية التي وضعتيا منظمة اليونسكو لمبمداف المتعددة المغات‬
‫‪-1‬‬ ‫والتي تمنح االعتراؼ العمني الستخداـ ثبلث لغات ىي‪ -9 :‬المغة الدولية‪ -7 ،‬المغة التواصمية ‪.‬‬
‫المغة األـ‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬سياسات تعوض عن االستبعاد االجتماعي واالقتصادي‪:‬‬

‫وتشمؿ‪:‬‬

‫‪ -‬تصحيح عدـ المساواة في االستثمارات االجتماعية لتحقيؽ تساوي الفرص حتى يتحقؽ االندماج‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬االعتراؼ بالمطالب المشروعة المتعمقة باألرض وتشجيع مبادرات الشعوب األصمية وفقا ما تقضي بو‬
‫الصكوؾ الدولية‪ .‬وىو ما تـ بموجب المادة ‪ 35‬مف دستور ‪ 1982‬مف دستور كندا ‪3‬ودستور األرجنتيف‬
‫المعدؿ في ‪ ،1994‬وقواتيماال‪ ،‬المكسيؾ و كوستاريكا‪.4‬‬
‫‪ -‬القياـ بعمؿ إيجابي لصالح الفئات اليشة والمستبعدة واف اقتضى األمر أف تكفؿ الحكومات إجراء‬
‫دراسات يشارؾ الممثموف والمختصوف مف ىذه الفئات والعارفوف بشؤونيـ في تقييـ آثار الخطط التنموية‬
‫المطبقة لتدارؾ النقائص ووضع اقتراحات لمعالجتيا وتشجيع المبادرات الخاصة بيذه الفئات واتاحة‬
‫اإلمكانات البلزمة لتطويرىا وتوفير الموارد والوسائؿ الضرورية لتحقيؽ ذلؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Deck Mc Ghee, Op. Cit., p. 149.‬‬
‫‪ 2‬د‪.‬دمحم ‪ٛ٠‬سف عٍ‪ٛ‬اْ‪ ،‬اٌّشجع اٌساتك‪ ،‬ص ‪.490‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Danièle Lochak, Op. Cit., p. 123.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Marco Odello; «The Indigenous Rights I, The Constituional State» , in Emerging Areas of human rights in‬‬
‫‪the 21st century, the role of the universal declaration of human rights, edited by Marco odello and Sofia‬‬
‫‪Carandoli, Routledge, p.107.‬‬
‫‪95‬‬
‫وقد ساىمت كثير مف المبادرات مثؿ سياسة العمؿ التأكيدي "‪ "Affirmative action‬والتي‬
‫خفضت مف عدـ المساواة وقد سمحت في الو‪.‬ـ‪.‬أ بوصوؿ العديد مف السود إلى اعتبلء مراكز أكاديمية‬
‫وسياسية ىامة (وظائؼ حكومية ومؤسسات التعميـ العالي) ومنحيـ قروضا وتدريبات ومساعدات والتقميؿ‬
‫مف فوارؽ المداخيؿ‪.1‬‬

‫لكف يخشى البعض أف تتحوؿ سياسات العمؿ اإليجابي إلى وسيمة في يد السمطات لتحقؽ مآرب‬
‫سياسية خفية خاصة إذا ما استمرت التفاوتات في الدخؿ الفردي‪ ،‬ولكف رغـ ذلؾ فإنيا قد خففت مف شدة‬
‫االستبعاد‪.‬‬

‫وفي األخير يمكف القوؿ أف سياسات االعتراؼ لف تحقؽ األىداؼ المرجوة منيا ما لـ يتـ إتباع‬
‫إجراءات مناسبة وتوفير مؤسسات كفيمة باالستجابة الدائمة والمستمرة لضماف بقاء المجموعات وممارستيا‬
‫لحقوقيا وحرياتيا الثقافية وحمايتيا والعمؿ عمى ترقيتيا ليس فقط مف أجؿ األجياؿ الحالية بؿ أجياؿ‬
‫المستقبؿ أيضا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid., p.108.‬‬
‫‪96‬‬
‫خالصة الفصل الثاني‪:‬‬

‫لقد أصبح مف شبو المستحيؿ إيجاد مجتمعات متجانسة ثقافيا نظ ار لعوامؿ كثيرة منيا اليجرات‬
‫قسرية كانت أـ طوعية‪ ،‬سرعة التنقبلت‪ ،‬وارتباط العالـ بيئيا إقتصاديا‪ ،‬سياسيا‪ ...‬ما فرض عمى جميع‬
‫الدوؿ تحديات كبرى سواء عمى مستوى كؿ دولة عمى حدا أو فيما بينيا إذ كيؼ يمكف لمدوؿ إدارة وتسيير‬
‫التنوع الثقافي واحتواء مختمؼ اإلختبلفات وكيؼ ليا أف تستقبؿ الثقافات الوافدة إضافة إلى تحدي تحقيؽ‬
‫اإلنسجاـ والتماسؾ االجتماعييف مع ضماف إحتراـ التنوع الثقافي وىو ما أدى إلى إعادة النظر في العديد‬
‫مف المفاىيـ والسياسات‪ ،‬حيث سجمت العديد مف البمداف عج از في المواطنة إذ برزت مطالب التعددية‬
‫الثقافية الت ي ىي إصبلحات لممطالب الحقوقية والمساواة غير المشبعة والواجب ترجمتيا في ترتيبات‬
‫وتدابير قانونية‪ ،‬سياسية‪ ،‬إقتصادية‪ ،‬إجتماعية‪ ،‬ثقافية ومؤسساتية بصفة عامة تيدؼ إلى تحقيؽ التنمية‬
‫التي تحترـ الخصوصية الثقافية وتحقؽ التمكيف لجميع الفئات واألفراد بمختمؼ إنتماءاتيـ مف أجؿ تحقيؽ‬
‫التعايش الثقافي‪ -‬الذي يجب أف يكوف مبنيا عمى أسس متينة‪ -‬وخمؽ شروط ممارسة الحؽ في التنوع‬
‫الثقافي عمى المستوى العالمي‪.‬‬

‫وأف ىذا ليس مف السيؿ تحقيقو ما لـ تتضافر فواعؿ متعددة في تحقيقو سواء أفرادا‪ ،‬مجتمعات أو‬
‫دوال‪ .‬وأف عمى كؿ منيا تييئة البيئة المواتية إلتاحة ىذا الحؽ وتحقيؽ اإلنتفاع بو عمميا‪.‬‬

‫واف كانت التيديدات والظروؼ والتحديات الجديدة ىي الدافع إليقاظ وابراز التنوع الثقافي فإنيا في‬
‫الحقيقة ومف خبلؿ عممية التنميط أو التوحيد الثقافي تسعى إلى إختزاؿ اإلختبلفات الثقافية وصيرىا في‬
‫بوتقة واحدة عبر المغة‪ ،‬الديف‪ ،‬التعميـ‪ ،‬القيـ‪ ،‬المعتقدات‪ ،‬طرؽ التفكير وأنماط الحياة بصورة عامة وأف‬
‫عدـ تفعيؿ الحؽ في التنوع الثقافي يؤدي إلى إنتشار الفقر الثقافي واضعاؼ التنوع والبعد الجمالي لو‪،‬‬
‫فاإلنساف في تطمع دائـ لتأكيد ىويتو التي ال تستقيـ مف دوف ىوية اآلخر‪ ،‬فالتنوع ال يعني الصراع وال‬
‫ييدد كياف ووحدة وتماسؾ المجتمعات‪ ،‬بؿ ترجع مسببات ذلؾ إلى غياب العدالة وعدـ مراعاة مختمؼ‬
‫اإلنتماءات وقمع الخصوصيات والحريات بشكؿ عاـ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫خـاتـمـة‪:‬‬

‫من خالل عرضنا لمحق في التنوع الثقافي ومحاولة اإلحاطة بأىم عناصره والجوانب المتعمقة بو‬
‫بيدف إدراجو ضمن منظومة حقوق اإلنسان وايجاد أرضية لشروط ممارسة ىذا الحق‪ ،‬فإن التنوع الثقافي‬
‫وكما جاء في العديد من اإلعالنات والمواثيق الدولية ىو التراث المشترك لإلنسانية الواجب الحفاظ عميو‪،‬‬
‫وأن اندثار أي ثقافة أو لغة ىو زوال لنمط من أنماط الحياة وفي حفظو حفظ لحقوق اإلنسان وحقو في‬
‫اإلختالف وحق الشعوب في ىويتيا الثقافية خاصة في ظل العولمة التي أعادت النظر في العديد من‬
‫المفاىيم والمسارات والتصورات وساىمت في ضياع ذات اإلنسان وىويتو وثقافتو بحكم‪:‬‬

‫‪ -‬إلغاء اإلختالفات الثقافية والحضارية من خالل عممية التنميط والتوحيد والتجانس الثقافي‪.‬‬

‫‪ -‬تماثل البشرية وانتفاء االختالف منيا وفق ما ىو مخطط لو في استراتيجيات الييمنة‪.‬‬

‫‪ -‬تسطيح الثقافة وتمييع الوعي وذلك بخمق مجتمعات استيالكية تروج فييا القيم الدخيمة (الغربية)‬
‫عمى المجتمعات وتتماثل فييا األذواق وتراجع التنوع الخالق‪.‬‬

‫لذلك نجد أن ىذا الحق يبقى ميددا وفي جميع مناطق العالم‪ ،‬ولقد بات مؤكدا بعد إىمال المسائل‬
‫الثقافية أن الثقافة والتنوع الثقافي أصبحا يشكالن المسائل السياسية ذات األولوية بعد إقصاء لمثقافة مدة‬
‫خمسة عقود وىي اآلن تفرض ذاتيا من خالل ضرورة التفكير بالتعايش الثقافي وكيفية تنظيمو‪.‬‬

‫وعمى ضوء ما تقدم في البحث نستخمص النتائج التالية‪:‬‬

‫إن جدلية العالمية والخصوصية مسألة حيوية ستحتل صدارة التفاعالت الثقافية العالمية‪ ،‬والعالمية الحقيقية‬
‫ال يمكن أن تثمر إال في ظل احترام الحق في االختالف والحق في التنوع الثقافي‪ ،‬كما أن الخصوصيات‬
‫الثقافية ال يمكن أن تشكل إثراء لثقافاتيا إال في ظل اإليمان بوجود مبادئ إنسانية مشتركة تتجاوز كل‬
‫الحدود الجغرافية‪ ،‬الثقافية والدينية‪ .‬وعوض إلغاء التنوع الثقافي باسم العالمية أو رفض العالمية باسم‬
‫الخصوصية‪ ،‬ينبغي الدفاع عن أولوية ما ىو مشترك بين اإلنسانية‪ .‬فالثقافات والديانات ال تحمل في ذاتيا‬
‫أي تعصب أو نزوع لرفض كرامة اإلنسان وحقوقو‪ ،‬وفقط توظيفيا واستغالليا من طرف األفراد والجماعات‬
‫قد يجعميا معيقة النتشار الوعي بحقيقة وحدة اإلنسانية وبكونية القيم اإلنسانية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫من جية أخرى فإن إتاحة الحق في التنوع الثقافي لصالح األفراد والمجموعات يؤدي إلى تعزيز القيم‬
‫الديمقراطية وحرية التعبير والحريات بشكل عام‪ ،‬وفي نفس الوقت يستمزم نموذجا ديمقراطيا فعاال‬
‫لضمانو‪.‬‬

‫‪-‬من حق األفراد اإلنتماء إلى ثقافة ما‪ ،‬كما ليم الحق في نقد ىذه الثقافة وبالتالي تدعيم الحرية‬
‫الثقافية التي ىي ركيزة لمتنمية من أجل اإلرتقاء بحياة اإلنسان وخياراتو‪ ،‬ومن ناحية أخرى تكريس‬
‫القدرة عمى اإلنفتاح ونقد الذات واإلبتعاد عن نظرة المؤامرة التي ينظر بيا البعض لمثقافات األخرى‪،‬‬
‫ألن ىذا من شأنو إحداث تغييرات عمى مستوى الفكر والممارسة لمتغيير من المواقف واألحكام النمطية‬
‫المسبقة عن اآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬ال يجب إساءة فيم الحق في التنوع الثقافي واعتباره عامال من عوامل تفتيت المجتمعات واضعاف‬
‫التنمية ألن فشل بعض نماذج التنمية إنما ىو نتيجة عدم مراعاتيا لمخصوصية الثقافية لتمك المناطق‬
‫وقيم تمك المجتمعات ونتيجة عدم إحترام مبادئ التنوع الثقافي‪.‬‬

‫‪-‬يجب قراءة حق الناس في التنوع الثقافي في ضوء أوضاعيم اإلقتصادية وبالتالي ضرورة التعاطي‬
‫بشكل نسبي ليس فقط مع مفيوم أو مضمون الحق بل ممارستو كذلك ‪.‬‬

‫‪-‬البد من وضع حد لسمم التفوق الوىمي في العالقة بين الثقافات والتأكيد الكامل لكل منيا في الوجود‬
‫والتقدم‪.‬‬

‫‪-‬ممارسة الحق في التنوع الثقافي ال يتم– عمى المستوى العالمي‪ -‬إال من خالل إشاعة الحوار‬
‫وتطويره لترسيخ قيم التوافق‪ ،‬التعايش‪ ،‬اإلحترام المتبادل لتحقيق العيش المشترك‪.‬‬

‫‪ -‬التركيز عمى الدور الوقائي لحوار وتعايش الثقافات‪ ،‬فالصراع من شأنو تيديد السمم وزرع حاالت‬
‫الخوف والفوبيا وعولمتيا بل ومأسستيا وعدم اإلستقرار داخميا ودوليا‪ ،‬وحتى ندحض اإلدعاء القائل‬
‫بأن الثقافة ىي الرافد الجديد لألزمات في العالم ومدخال من مداخل العنف خاصة عندما يقترن‬
‫البعد الثقافي بالبعد اليوياتي حيث يسود اإلنغالق والفوبيا من اإلنفتاح عمى كل ما ىو مختمف‪.‬‬

‫‪-‬ال وجود لصراع لمثقافات بل ىناك ثقافات تحاول تجاىل ثقافات أخرى من خالل محاولة فرض‬
‫قيميا‪ ،‬أي ىناك ثقافات عالمية تشكل كميا مجتمعة الحضارة اإلنسانية بجميع روافدىا يقودىا التبادل‬

‫‪100‬‬
‫واإلغناء المتبادل والذي يكون ممكنا إذا ما قبمت كل ثقافة بالثقافات األخرى عمى قدم المساواة (وفقا‬
‫لمقولة متساوون‪ ،‬مختمفون لكن متحاورون)‪.‬‬

‫‪-‬ال يجب أن تبقى مفاىيم مثل‪ :‬التفاعل‪ ،‬التداخل‪ ،‬الحوار‪ ،‬التبادل والتعايش الثقافي غير مفعمة ألنيا‬
‫إذا بقيت كذلك فسوف تتحول إلى عممية مثاقفة تسعى إلى انحسار جميع الثقافات في ثقافة المركز‬
‫وبالتالي تيديد التعددية والتنوع‪.‬‬

‫أما اإلقتراحات التي يمكننا إيرادها فيي كالتالي‪:‬‬

‫‪-‬تقنين الحق في التنوع الثقافي واإلعتراف بو تماما كما إعترف بو المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو‬
‫في دورتو الرابعة عشر في ‪ 1611/11/40‬في المادة األولى من إعالن مبادئ التعاون الثقافي‬
‫الدولي‪.‬‬

‫‪-‬ضرورة خمق بيئة تمكينية لصالح الفئات التي تعبر عن التنوع الثقافي وتعاني من التيميش‬
‫واإلستبعاد (شعوب أصمية‪ ،‬مياجرون‪ ،‬أقميات‪ )... ،‬واإلستجابة لمطالبيم دون محاولة إدماجيم قس ار‬
‫ألن من شأن ذلك تعميق المسائل المرتبطة باليوية الثقافية (انفجار أزمات اليوية وتصادم اليويات‬
‫المختمفة)‪ ،‬والتي من شأنيا تيديد األمن المجتمعي‪.‬‬

‫‪-‬ضرورة تطوير وسائل منيجية الستخدام الوسائل النظرية لمتفكير النقدي في المشروع البنائي‬
‫لتطوير األسس الشرعية لمتالقح والتداخل الثقافيين‪.‬‬

‫‪ -‬إتاحة الفرصة أمام مختمف الثقافات لمتعبير عن نفسيا عبر القنوات الضخمة لوسائل اإلعالم ألن‬
‫التنوع الثقافي يمكن تفسيره بأنو حق األشخاص في التمتع بثقافتيم الخاصة وحقيم في التمتع‬
‫بالثقافات األخرى محمية كانت أو عالمية‪.‬‬

‫‪-‬العمل عمى زيادة التوعية من أجل الحقوق‪ ،‬الحريات‪ ،‬إرساء العدالة‪ ،‬الشروط األخالقية والمؤسساتية‬
‫الضرورية الالزمة من أجل تفعيل الديمقراطية التشاركية لضمان إدارة وتسيير جيدين لمتنوع الثقافي‬
‫وجعمو تنوعا ديناميكيا تفاعميا يتحقق فيو العيش المشترك ال تنوع ثقافي تشوبو الصراعات والنزاعات‬
‫يعبر عن اليشاشة‪ ،‬وىو ما يقود إلى اإلقتراح التالي‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -‬إشراك جميع الفواعل من مختمف اإلنتماءات من أجل تكثيف وتنسيق الجيود والبحث عن حمول‬
‫لربط شرعية مطالب التنوع والوحدة‪ ،‬أي الوصول إلى وحدة سياسية مقابل التنوع الثقافي من خالل‬
‫تطوير إحساس مشترك باإلنتماء مع إحترام شرعية اإلختالفات الثقافية وتعزيز اليويات الثقافية‬
‫المتعددة دون إضعاف اليوية الوطنية المشتركة‪.‬‬

‫‪-‬إدخال الثقافة ومختمف أنماط الحياة اإلجتماعية في جوىر ولب المؤسسات اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫والسياسية من خالل إشراك جميع أفراد المجتمع عمى إختالفاتيم في عممية صنع القرار واحالل‬
‫العدالة في توزيع الموارد اإلقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫‪ -‬فتح المجال لتعميق البحوث والدراسات المتعمقة بالموضوع من خالل إنشاء مخابر بين ثقافية‬
‫مختصة‪ ،‬ألن البعد الحضاري والثقافي ألي عممية‪ ،‬مسار‪ ،‬أو انطالقة يظل دوما حاض ار‪ ،‬فالخمفية‬
‫الثقافية والحضارية ألي إنسان مالزمة لو وال يمكنو اإلستغناء عنيا‪.‬‬

‫‪-‬تطوير إجراءات وآليات جديدة تؤكد عمى التمتع بالحقوق الثقافية‪ ،‬وأن تبني البروتوكول الدولي‬
‫اإلضافي الخاص بالحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية يعد مكسبا ىاما وانجا از عمى الصعيد‬
‫العالمي من أجل تكريس ىذه الحقوق‪.‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬يمكن القول أن التنوع الثقافي ليس فقط تحديا تواجيو المجتمعات الحديثة وال برنامجا‬
‫أو نظرية سياسية بل ىو مقاربة ومصدر لمفرص الخالقة‪ ،‬وأن مختمف الثقافات تمثل أنظمة ورؤى‬
‫وتصورات عن أنماط الحياة‪ ،‬وبالتالي ال مجال لممقارنة بينيا‪ ،‬وال الحكم عمى صحية ثقافة ما أو ممارسة‬
‫ثقافية من عدميا بموجب ثقافة أخرى‪ ،‬فاحترام التنوع الثقافي يقتضي المساواة بين الثقافات وحقيا في‬
‫اإلختالف‪ ،‬فالثقافة ضرورية لإلنسان يتغذى من خالليا بالقيم التي تييكل وترسم مسارات حياتو وتحكم‬
‫عالقاتو باآلخرين‪ ،‬وأن المعنى الجيد لمحياة ال يتم عقمنتو بل ىو عالقة تفاعل‪ ،‬ابتكار‪ ،‬تماسك لمناس‬
‫إتجاه الاليقينيات‪.‬‬

‫وان كان الحق في التنوع الثقافي ال يعتبر عمى المستوى الدولي من الحقوق األساسية لإلنسان‪،‬‬
‫إال أننا نعتبره حقا مطمقا يوازي الحق في الحياة وباقي الحقوق وال مجال لمتراتبية بينيا‪ ،‬فيو تعبير واقعي‬
‫عن مقتضى الوضع الراى ن وكذلك تنامي الوعي عمى المستوى الوطني والدولي بأىمية التنوع الثقافي‬
‫خاصة وأن اإلعتداءات عميو تقود بشكل مباشر إلى تجريح منظومة حقوق اإلنسان األخرى وبصفة‬

‫‪102‬‬
‫خاصة الحق في الحرية الدينية‪ ،‬الحق في حرية التعبير‪ ،‬التجمع‪ ،‬التعميم والمغة‪ ،‬ممارسة الثقافة وتطويرىا‬
‫‪.)...‬‬

‫والتساؤل الذي يجب طرحو يتعمق بما بعد الحق في التنوع الثقافي أي بعبارة أخرى فيل سيؤسس ىذا الحق‬
‫لحقوق أخرى؟ وعن البديل عن ثنائية العالمية‪ -‬خصوصية بإعتبار البعد الثقافي لحقوق اإلنسان ىو‬
‫مصدرىا ؟ فالمرجعيات وان إختمفت فإن اإلنسانية واحدة والتيديدات التي تواجييا في ىذا القرن ىي‬
‫كذلك‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫بالمغة العربية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬

‫‪-1‬الجزيري محمد مجدي‪ ،‬البنيوية والتنوع وكمود ليفي شتراوس‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر‪،‬‬
‫االسكندرية‪. 2002،‬‬

‫‪ -2‬الدباس عمي محمد صالح وأبوزيد عمي عميان محمد‪» ،‬حقوق اإلنسان وحرياته« ‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2002 ،‬‬

‫‪-3‬الرشيدي أحمد‪ ،‬حقوق االنسان‪:‬مقارنة في النظرية و التطبيق‪ ،‬مكتبة الشرق الدولية‪ ،‬طبعة ‪2003‬‬
‫‪-4‬برادة محمد‪ ،‬سياقات ثقافية(مواقف و مداخالت‪،‬مرافئ)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪2003 ،‬‬
‫عمان‪ :‬دار مكتبة الرائد العممية‪..2003 ،‬‬
‫‪-5‬إبراهيم ناصر‪" :‬المواطنة"‪َّ ،‬‬
‫‪-6‬بندق وائل أنور‪ ،‬األقميات و حقوق االنسان‪:‬منع التمييز العنصري و حقوق األقميات و األجانب‬
‫و الال جئين و السكان األصميين و الرق و العبودية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية ‪2009،‬‬
‫‪-7‬دونممي جاك‪ ،‬حقوق االنسان العالمية بين النظرية و التطبيق‪ ،‬ترجمة مبارك عمي عثمان‪ ،‬المكتبة‬
‫العربية‪1998 ،‬‬

‫‪-8‬شعبان عبد الحسين‪ ،‬االسالم وحقوق االنسان ‪:‬المشترك االنساني‪ ،‬الثقافات و الحضارات المختمفة‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،2001‬مؤسسة حقوق االنسان و الحق االنساني ‪،‬لبنان‪.‬‬

‫‪-9‬عبد هللا ابراهيم‪ ،‬المطابقة واالختالف‪:‬بحث في نقد المركزيات الثقافية ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة‬
‫العربية لمدراسات و النشر‪،‬ب يروت‪. 2004،‬‬

‫‪-10‬عبد الغني عماد‪ ،‬سوسيولوجيا الثقافة‪،‬المفاهيم و االشكاليات ‪...‬من الحداثة الى العولمة‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬فبراير‪2006.،‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -11‬عمارة محمد‪ ،‬اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،‬سمسمة كتب ثقافية يصدرها المجمس الوطني األعمى لمثقافة‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،)1923( 89‬بدون سنة نشر‪،‬‬

‫‪-12‬فارب بيتر‪ ،‬بنو االنسان ‪ ،‬ترجمة زهير الكرمي‪ ،‬سمسمة عالم المعرفة‪ ، 67،‬الكويت‪،‬ا لمجمس الوطني‬
‫لمثقافة والفنون‪.1983 ،‬‬

‫‪-13‬فاريني جان بيير‪،‬عولمة الثقافة‪ ،‬ترجمة عبد الجميل األزدي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار المصرية المبنانية‪،‬‬
‫‪.2003‬‬

‫‪-14‬كوش داني‪ ،‬مفهوم الثقافة في العموم االجتماعية ‪ ،‬ترجمة د‪/‬قاسم المقداد‪،‬م نشورات اتحاد الكتاب‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪. 2002 ،‬‬

‫‪ -15‬محمد يوسف عموان‪ ،‬محمد خميل الموسى‪ :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ :‬الحقوق المحمية‪ ،‬الجزء‬
‫الثاني‪ ،‬دار الثقافة لمنشر و التوزيع‪2007 ،‬‬

‫‪-16‬لعاللي الصادق‪ ،‬العالقات الثقافية الدولية(دراسة سياسية وقانونية)‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪. 2006 ،‬‬

‫‪ -17‬ولد خميفة محمد العربي ‪ ،‬المسألة الثقافية و قضايا المسان والهوية‪ ،‬دار الطباعة و النشر‬
‫الجزائر‪.2002 ،‬‬

‫‪-18‬ولتون دومينيك‪،‬العولمة –البعد اآلخر‪ ،‬نقمه إلى العربية الدكتور جورج شرف‪ ،‬الدار المبنانية لمنشر‬
‫الجامعي‪ ،‬بيروت‪2005،‬‬
‫‪-19‬يس السيد‪ ،‬مستقبل القيم ‪ ،‬مقدمة في الدراسات المستقبمية‪ ،‬مركز الكتاب لمنشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫طبعة‪.2004،‬‬

‫ثانيا‪ :‬المعاجم والقواميس‪:‬‬

‫‪-1‬مناع هيثم‪ ،‬االمعان في حقوق االنسان(موسوعة عالمية مختصرة)‪ ،‬األهالي لمطباعة والنشر و‬
‫التوزيع‪ ،‬بدون مكان نشر‪ ،‬طبعة ‪.2000‬‬

‫‪105‬‬
‫ثالثا‪-‬المقاالت والدراسات‪:‬‬

‫‪-1‬الدراسات‪:‬‬

‫‪-1‬حافظ فاطمة‪،‬النزعة االنسانوية في فكر رضوان السيد‪ ،‬رواق عربي‪ ،‬مركز القاهرة لدراسات حقوق‬
‫االنسان‪ ،‬العدد‪ ،5449‬طبعة ‪.2008‬‬
‫‪-2‬حمدان عمي‪ ،‬سمسمة االستراليون العرب‪ :‬اشكالية الهوية و االنتماء‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المركز العربي‬
‫االسترالي لمدراسات السياسية)‪. (AACPS‬‬
‫‪ -3‬زقزوق محمد حمدي وقضايا الحوار" ترجمة د‪ /‬مصطفى ماهر‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1425‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬
‫‪-4‬زيودين ساردار و جيان فان لو» السياسات الثقافية‪ :‬ترجمة وفاء عبد القادر‪ ،‬مراجعة و إشراف و‬
‫تقديم إمام عبد الفتاح إمام‪.‬المجمس األعمى لمثقافة ‪.2003‬‬

‫‪-2‬المقاالت‪:‬‬

‫‪ -1‬سالم برقوق‪» :‬عولمة حقوق اإلنسان واعادة البناء االبستمولوجي لمسيادة«‪ ،‬العالم االستراتيجي ‪،‬‬

‫مركز الشعب لمدراسات اإلستراتيجية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬أفريل ‪ ،2002‬العدد‪10‬‬

‫‪ -2‬كاترين أوتارد ‪"،‬التعددية الثقافية وتحوالت المواطنة "في أمركة القانون‪ ،‬إشراف فرانسوا ترييه‪ ،‬تعريب‬
‫الدكتور محمد وطفة‪ ،‬المؤسسة الجامعية لمدراسات و النشر والتوزيع مجد‪ ،‬الطبعة األولى‪.2008 ،‬‬
‫‪-3‬بطرس بطرس غالي‪" ،‬هدف الفرانكوفونية الدفاع عن التعددية الثقافية" ‪ ،‬لقاء العدد إعداد سوسن‬
‫حسين‪ ،‬مجمة السياسة الدولية‪ ،‬العدد‪.13311998‬‬
‫‪-4‬بن لرنب منصور‪ ،‬االنسانية بين واقع عولمة صدام الهمجيات و آفاق التطمع إلى عالمية الحوار‬
‫الحضاري الحي‪ ،‬الوسيط في الدراسات الجامعية‪ ،‬الجزء الخامس‪،‬ستة ‪.2003‬‬

‫‪106‬‬
‫‪-5‬توربون جوران‪"،‬العولمات‪ :‬األبعاد والموجات التاريخية والمؤثرات االقميمية وتوجيه الحكم المعياري‪،‬‬
‫ترجمة بدر الرفاعي‪ ،‬مجمة الثقافة العالمية‪ ،‬العدد ‪، 106‬المجمس الوطني لمثقافة و الفنون و اآلداب‪،‬‬
‫السنة العشرون‪،‬يونيو‪.2001 ،‬‬
‫‪-6‬ويمي فان بيير‪ ،‬صخب وهمس حول التعددية الثقافية‪ :‬اعتبارات نظرية ومنهجية‪ ،‬ترجمة معصومة‬
‫حسين‪ ،‬مراجعة محمد األسعد‪ ،‬المجمس الوطني لمثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،112‬السنة ‪،21‬‬
‫مايو ‪2002‬‬

‫رابعا ‪ :‬الوثائق والنصوص الدولية‬

‫‪-1‬االعالن العالمي لحقوق االنسان الصادر عن قرار الجمعية العامة ‪ 217‬ألف) د‪ 3-‬المؤرخ في‬
‫‪1984/12/10‬‬
‫‪-2‬العهد الدولي لمحقوق المدنية و السياسية ‪.1966‬‬
‫‪-3‬العهد الدولي لمحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ‪.1966‬‬
‫‪ -4‬البروتوكول االضافي الممحق بالعهد الدولي لمحقوق االقتصادية و االجتماعية و الثقافية ‪.2008‬‬
‫‪-5‬إعالن فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق االنسان‪:‬فيينا ‪ 25-14‬جوان ‪ 1993‬و المؤتمرات‬
‫التحضيرية له‪ :‬سان خوسيه‪ ،‬تونس‪ ،‬بانكوك‪.‬‬
‫‪-6‬إعالن اليونسكو بشأن التنوع الثقافي الصادر عن المؤتمر العام لميونسكو في دورته الثالثة والثالثون‪،‬‬
‫نوفمبر ‪.2001‬‬
‫‪-7‬االعالن الخاص بحقوق األشخاص المنتمين ألقميات قومية أو اثنية‪ ،‬دينية‪ ،‬لغوية‪ ،‬الصادر بموجب‬
‫قرار الجمعية العامة رقم ‪ 195/47‬المؤرخ في ‪.1992/12/18‬‬
‫‪-8‬إعالن مبادئ بناء مجتمع المعمومات‪ ،‬المعمومات تحد عالمي في األلفية الجديدة ( القمة العالمية‬
‫لمجتمع المعمومات جنيف ‪ ،2003‬تونس‪ ،)2005‬وثيقة رقم‪WSIS-03/GENEVA/DOC/4-A :‬‬
‫بتاريخ ‪.2003/12/12‬‬

‫خامسا‪ :‬التقارير‬

‫‪-1‬التقرير النهائي لممؤتمر الدولي الحكومي لمسياسات الثقافية من أجل التنمية‪ ،‬استوكهولم‪ ،‬أفريل ‪،1998‬‬
‫وثيقة رقم‪CLT-98/conf/210/cld 19:‬‬
‫‪107‬‬
.2004 ‫ تقرير التنمية البشرية لعام‬،‫الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع‬-2
‫ الصندوق العربي لالنماء‬،2003 ‫ تقرير التنمية اإلنسانية العربية‬،‫نحو إقامة مجتمع المعرفة‬-3
.‫االقتصادي و االجتماعي‬
‫السكرتارية العامة لدول أمريكا‬، ‫ رسالة ثقافية ألمريكا الالتينية‬،‫ قمة أمريكا الالتينية الخامسة عشر‬-4
.2006 ‫ نوفمبر‬5-4:‫ االوروغواي‬،‫ مونتيفيديو‬،‫الالتينية لرؤساء الدول و الحكومات‬

‫ االنترنيت‬:‫سادسا‬

"‫"عالمية حقوق االنسان والتنوع الثقافي‬،‫هيكتور جروس إشبيل‬-1


www.aihr.org/tn/arabic/revue Arabe/pdf/revue70k.pdf.

:‫بالمغة االجنبية‬

‫ الكتب‬:‫أوال‬
1-ARDANT Philippe, droit et politique à la croisée des cultures (mélanges)
LGDJ, 1999.
2-ATTAL GALY Yaël, droits de l’homme et catégories d’individus, LGDJ,
2003.
3-ARSAC Pierre, CHABOT Jean Luc et PALLARD Henri, Etat de droit,
droits fondamentaux et diversité culturelle, l’harmattan.

4-AUBY Jean Bernard, la globalisation, le droit et l’Etat (politiques clefs)


Editions Montchrestien, EJA, 2003.
5-BERGEL Jean Louis, Théorie générale du droit, Dalloz, 2003

6- Briborisia Emmanuelle et Hennebel Ludovic, classer les droits de l’homme,


Bruylant, 2004.

108
7-CALOZ Marie Claire et TSCHOPPET Pierre Dasen, Mondialisation,
migration et droits de l’homme : un nouveau paradigme pour la recherche et
la citoyenneté, Vol 1, Bruylant, 2007.

8-DALI Djazi, BEN ACHOUR Rafaâ, LAGHMANI Slim, les droits de


l’homme par les textes, Centre de publication universitaire, Tunis, 2004.
9-DE BENOIT Alain, AU DELA DES DROITS DE L’HOMME : défendre
les libertés, Editions Krisis, 2004

10-Daniele Lochak, le droit et les paradoxes de l'universalité, PUF, 2006

11-DELMAS MARTY Mireille, le pluralisme ordonné, éditions du seuil,


février 2006.

12-……………, les forces immaginantes du droit: la refondation des pouvoirs,


Editions le seuil, janvier 2007.

13-……………,trois défis pour un droit mondial, Editions du seuil, 1998.

14- Emmanuel Decaux et Alice Yotopoulos, La pauvreté un défi pour les


droits de l'homme, l'université de Panthéon Assas, Paris 2, Edition A.Pedone,
Paris, 2009

15-GERMANN Christophe, diversité culturelle et libre- échange à la


lumière du cinéma, Réflexions critiques sur le droit naissant de la
diversité culturelle sous les angles du droit de l’UNESCO et de l’OMC, de
la concurrence et de la propriété culturelle, Bruylant, L.G.D.j, Bruylant ,
Bale2008.
16- GELINIER Octave, SIMON François-Xavier, BILLARD Jean-Pierre,
MULLER Jean-Louis, Développement durable, pour une entreprise
compétitive et responsable, éditeur ESF, 2002.
17-Gérard Fellous, les droits de l'homme: une universalité menacée, la
documentation française, 2010.

109
18-HAARSCHER Guy, philosophie des droits de l’homme(quatrième
édition Revue), Editions de l’université de Bruxelles, 1993 .

19-KARAGIANNIS Symeon, patrimoine commun de l’humanité et les


droits des générations futures, environnement et renouveau des droits de
l’homme la documentation française, 2006.

20-LE ROY Etienne, Le jeu des lois : une anthropologie « dynamique » du


droit, Droit et société, LGDJ 28, 1999.

21 -Marco odello and Sofia Carandoli, Emerging Areas of human rights in


the 21st century, the role of the universal declaration of human rights,
Routledge

22-MARTINEZ Gregorio Peces Buba ,Théorie générale des droits


fondamentaux, LGDJ 38, 2004.

23-MEZGHANI Nébila et CORNU Marie, Intérêt culturel et


mondialisation: les protections nationales, Collection du droit du patrimoine
culturel et naturel, Tome1, l’Harmattan, 2004.

24-......................., Intérêt culturel et mondialisation, les aspects


internationaux, Collection du droit du patrimoine culturel et naturel, Tome2,
l’Harmattan, 2004.

25-..................., La diversité culturelle en questions, Bruylant, 2006

26-MOUTAMALLE Lise, L’intégration du développement durable au


management quotidien d’une entreprise, l’Harmattan, 2004.

27-Mylène bidault, la protection internationale des droits culturelles, UCL,


Vol 10, Bruylant, 2009, Bruxelles.

28-PARIZEAU Marie Hélène et KASH Soheil, pluralisme et mondialisation


dans le monde arabe, Laval, bruylant, Delta.

110
29-PATRICE Meyer Bisch, les droits culturels une catégorie sous
développée des droits de l'homme, Editions universitaires de fribourg, Suisse,
1993 .

30-REINGLHEIN Julie, diversité culturelle et droits de l’homme : la


protection des minorités par la convention européenne des droits de
l’homme, Bruylant. 2006.

31-REX Jhon, ethnicité et citoyenneté : la sociologie des sociétés


multiculturelles, l’harmattan 2006

32-RUCHET Olivier, le pluralisme et les incertitudes de la culture : la


justification des politiques de reconnaissances dans les œuvres de WILL
Kymlicka «le pluralisme » archive de philosophie du droit. Tome 49, Ouvrage
publié avec le concours du CNRS, Editions Dalloz, 2006.

33-SHULTE TENKHOFF Isabelle, Altérité et droit : contributions à l’étude


du rapport entre droit et culture, édition Bruylant.2002.

34-SCHNAPPER Dominique, Qu’est-ce-que la citoyenneté, Edition


Gallimard, 2000.
35-Scovazzi Tullio, le patrimoine culturel de l'humanité, Martinus Nijhoff
publishers, Boston, academica internationale de la haye, 2007

36-TARDU Maxime, normes internationales, droits de l’homme et


diversité culturelle : Etat de droit, droits fondamentaux et diversité
culturelle, L’harmattan

37-ZAOUAL Hassan et PANHYSET Henry, diversité culturelle et


mondialisation: Au delà de l’économie et du culturalisme, l’Harmattan,
2000.

38-BHIKHU Pareekh, Rethinking multiculturalism:cultural diversity and


the political theory,Mc Millan Press,LTD, 2000

111
39- Brooke,A,Ackerly, Universal Human Rights in a world of differences,
Cambridge University press, first published 2008.

40-E,WECH ,Jr Claude and A,LEARY Virginia,Asian perspectives on human


rights, West viewpress,1990.

41-HAAS Michael, International human rights: Comprehensive introduction,


first published, Routedge, Oxon.

HERMAN Burgers, Human rights in a pluralist world (individuals and


collectives, introduction item, the rights to cultural identity, UNESCO
and RSC.

42-LI, Xiaorang, Ethics, human rights and culture: Beyond relativism and
universalism Palgrave, Mc Millan, 2006.

43-MC Ghee Deck, The end of multiculturalism, terrorism, integration


and human rights, Open University press, 2008.

44-MEERTS Paul: Culture and international law, Hague Academic press,


2008.

45-PAGGE Thomas, world poverty and human rights: cosmopolitan


resposabilities and reforms, second Edition.

46-SMITH K, M Rhona, international human rights, third edition Oxford


University press, 2007.

‫ الممتقيات‬:‫ثانيا‬

 Colloques :

1-Unité de l’homme, diversité de l’humain, Actes de la septième rencontre


internationale de Carthage (10-14 mars 2003), Beit el Hikma, Carthage.

112
2-la déclaration universelle des droits de l’homme, 1948-2008: Réalité d’un idéal
commun? Les droits économiques, sociaux et culturels en question, Actes du
colloque international organisé par la commission nationale consultative des droits
de l’homme et le commissaire aux droits de l’homme du conseil de l’Europe, les
16 et le 17 octobre 2008 à Strasbourg, la documentations française, Paris 2009.
3- l’Etat pluriculturel et les droits aux différences : Colloque organisé à Nouméa
du 03 au 05 Juillet 2002, sous la direction de DECKKER Paul et FABERON
Jean Yves, Bruylant, 2003.
4-TZITZIS Stamatios, les droits fondamentaux : de l’être-en-soi à l’être en
relation, les défis des droits fondamentaux, Actualité scientifique du réseau droits
fondamentaux de l’agence universitaire de la francophonie tenues à Québec du
29/09/1999 au 02/10/1999.
5-Philosophie et goût de civilisation : pluralité, dialogue des cultures et des
religions, Actes du colloque international Fès 15-16-17 Mars, Coordination : Aziz
EL Haddadi, Editions post-modernité, 2007.
6-HURRON David, « le dilemme de la relation Elu-Citoyen ; accroitre la
légitimité de la politique mise en œuvre ou renforcer la participation des
habitants ? »National conférence of state législatures ; Atelier sur la relation Elu-
Citoyen et l’information publiques du 27 au 31 Mai 2006, Alger, Algérie

‫ المقاالت والدراسات‬:‫ثالثا‬

1-EBERHARD Cristophe, « de l’universalité à la pluriversalité des droits de


l’homme bulletin de liaison de LAJP.
2-HOFFRMAN Florian et REINGLHEIM Julie, « par-delà l’universalisme
et le relativisme : la cour européenne des droits de l’homme et les
dilemmes de la diversité culturelle, revue interdisciplinaire d’études
juridiques, N° 25, 2004.
3-LE ROY Etienne, les fondements anthropologiques des droits de l’homme
,Bulletin de liaison de LAJP.
113
4-ROULAND Nobert « A propos des droits de l’homme : un regard
anthropologique, Droits fondamentaux, N°3, Janvier-Décembre 2003.
5- DE SOUSA SANTOS Bouaventura, « vers une conception
multiculturelle des droits de l’homme», Droit et société, N° 35,1997.
6-MAISONI Pauline, WEINER Florence « Reflexions autour de la
conception post-moderne du droit», droit et société 27, 1994.
7-PANNIKAR Raimundo, « la notion des droits de l’homme est-elle-un
concept universel» Diogène N° 120, 1982.
www.dhdi.org
8-LUIGINO Bruni, PERU Olivier, FEC « esprit et vie», Avril 2004, 2ème
quinzaine.
09-ANN Belinda –S-Preis « human rights practice: an anthropological
critique » Human Rights Quarterly, Vol 16, 1996.
10-FREEMAN Michael, «the philosophical foundations on human rights»»
Human Rights Quarterly, Vol 18, 1996.
11-NKOSINATHI Soto Hangane, what impact globalization has on
cultyral diversity, Alternatives: Turkish journal of international relations, Vol
1, N° 4, winter 2002.

‫ المصادر والوثائق‬:‫رابعا‬

1/UNESCO et la lutte contre l’ethnocide : déclaration de Saint José, Décembre


1981.
UNESDOC.UNESCO.org/Images /0004/000499/04995.fr.pdf.
2/International convention on promotion and protection of diversity of cultural
expressions:
UNESDOC.UNESCO.org/Images /0014/001429/142919e.pdf.
3-Document : CLT/CIC/BCI/DC.DOC 5F, « réunion du comité d’experts sur le
renforcement du rôle de l’UNESCO en vue de la promouvoir la diversité
culturelle à l’heure de la mondialisation 21-22 Septembre 2000, Salle 6 :
114
Document de travail UNESCO, Septembre 2000.
www.UNESCO.doc.org/g.IMAGES/0012/001228/122895.fr.pdf
4-UNESCO et la question de la diversité culturelle : bilan et stratégie, 1946-
2004, Division des politiques culturelles et du dialogue interculturel.
Portal.unesco.org/culture/en/ev.phpURL_ID=1299&URL_DO=DO_TOPIC&_
SECTION=201.html.
5- Rapport " diversité culturelle et biodiversité: pour un développement durable,
table ronde de haut niveau organisée conjointement par l'UNESCO et le
PNUE, le 03/09/2002 à Johanseburg (à l'occasion du sommeil mondial pour le
développement durable, publié en 2003 par l'UNESCO
‫ الرسائل واألطروحات‬:‫خامسا‬
1- MARTIN Eric, «la diversité culturelle et ses tribulations orientables: Mémoire
présenté à la faculté des études supérieurs de l'université Laval pour l'obtention du
grade de Maìtre exéats (MA), Institut Québécois des hautes études internationales,
l'université Laval, Février 2004.

‫ اإلنترنيت‬:‫خامسا‬
1-AUTARD Catherine, « l’idée de citoyenneté multiculturelle et la politique de
reconnaissance sur le site ; www.cairn.info/revue-rue-descartes-
2002.3page19.htm#retournoteno9
2-ATKINSON Dave, « de l’exception a la diversité culturelle : un enjeu au cœur
d’une bataille planétaire
www.diplomacie .gouv.fr/fr/IMG/pdf/F0001423.pdf.
3-BAER Jean Michael, « l’exception culturelle : une règle en quête de contenus,
en TEMPS REEL, CAHIER 116octobre 2003
En temps.reel.free.fr/cahier11.pdf.
4- Ben DJALLOUN Tahar, « Diversité culturelle : la valise invisible:
www.reined.org/mbicongress/ dialegs/sessions/papers/Jalloun.pdf

115
2-CONSTANT Fred « vers un savoir vivre au pluriel ? La démocratie à l’épreuve
de la diversité culturelle et identitaire » 2000.
Classiques.uqac.ca/contemporains/constants-
fred/vers_savoir_vivre/vers_savoir_vivre.pdf .
3-CONSTANT Fred, COLL Dominos Flammarion, « l’état multicuturel »
sceco.paris.infm.fr.page.pdf/multi.pdf.
4-GIANNI Matteo, « multiculturalisme et démocratie : quelques implications
pour la théorie de la citoyenneté (Swiss political science review1(4) :
Old.spr/Archives/Vol1/Issue4/Articles/t01/.pdf.
5- GILBERT Pablo, « la justice globale, le multiculturalisme et les revendications
des immigrants » philosophie 34/1, printemps2007 :
www.er.uqam.ca/Nobel/r2134/msa/Gilbert %20 immigrants.pdf.
6-KASTORYANO Riva, « des multiculturalismes en Europe au
multiculturalisme européen, POLTIQUE ETRANGERE1/2000
www.hfri.org/files/politique_etrangère/ PE818006-kastoryan.pdf.
7-MATTELARD Armand, «la diversité culturelle : entre histoire et
géopolitique »
www.er.uqam/ca/Nobel/gricis/actes/blogues/mattelar.A.pdf.
8-MERCIER Guy, « Mondialisation et diversité culturelle : le témoignage du
Québec et du Canada, Cahier de géographie du Québec, Volume 48, N°135,
Décembre 2004.
www.erudit.org/revue.cgq/2004/v48/n135/0011800.pdf.
9-Jony Pélabay ; « Peut on accepter toutes les différences ?, Charles Taylor ; la
reconnaissance des différences comme politiques european studies centre of
Antony’s college university of Oxford ;
www.screrer.fe/magphilo/philo15/charles_taylor=imp.htm
10-WITHOL De Weden, « le rôle des migrations dans le renforcement du
multicuralisme, 3ème Forum sur le développement humain ; diversité culturelle et
démocratie, Atelier les défis multiculturels pour la paix :
www.hdr.undp.org/Docs/events /global_forum/2005/papers/catherine
116
_Withol_de_Weden.pdf.
11-Anonyme, la convention UNESCO pour la diversité culturelle : vers un droit
international culturel contraignant : www.
er.uqam.ca/nobel/Ieim/IMG/pdf/Gorgeno_gilbert_div_cul_intro.pdf.
12-Anonyme, « le libre échange et la diversité culturelle sont-ils
compatibles :www.fusac.cgt.com/international /unesco/articles/intervention
20% Vietnam.pdf.
13-Viccente Baretto « les fondements éthiques des droits de l’homme »
www.bu.edu/wep/papers/huma/huma bar.html
14-Simeon Fongang ; Le développement humain, problématique d’une politique
économique; www.Unesco.org/moste/dop20.htm.
15-COPP David, « international justice and the basic needs principles:
Moa.rente.nhh.no/projects/equality exchange/ressurser/artcicles/copp.pdf
16-GUY John, «development as freedom, Avirtuous circle?
www.afrobarobarometer.org/papers/afrobarometer N° 29.pdf.
17-G.HARRIS.Paul: international distributive justice: Getting at a
definition in the context of environmental change:
www.essex.ac.uk/scpr/events
jointesessions/papersarchives/mamrherene/w6/harris.pdf.
18-HEALTH Joseph, Rawls on globat distributive justice: a defence,joseph
health,department of philosophy,University of Toronto:www.chass.u
Toronto.ca/-j health/rawls.pdf.
19-IGUINEZ Javier, development and freedom in Sen and Gutierrez :
religious and secular common grounds ;source: working paper
N°210,Ppontification Universidad catholica del peru 2002:
www.iadle.org/etica/documentos/absigu devel -i.pdf.
20-freedom as hapan development and happiness in Bhutan x joseph
jakson
www.bhutanstudies.org.bit/adrain/pubfiles,gnhaud deo23.pdf

117
118
‫خطة البحث‬

‫الفصل األول‪ :‬العادلية و تغييب احلق يف التنوع الثقايف‪..........................‬ص‬

‫ادلبحث األول‪ :‬استحالة إدراج العادلية للحق يف التنوع الثقايف‪............‬ص‬

‫ادلطلب األول‪ :‬عادلية حقوق اإلنسان عادلية غربية‪..................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬عادلية حقوق اإلنسان خصوصية ذات وجه غريب‪.......................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ادلركزية العرقية كأساس لعادلية حقوق اإلنسان‪......................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬عادلية حقوق اإلنسان إقصائية‪..............................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬تعامل العادلية باحلياد مع االختالفات الثقافية‪......................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬عدم إعرتاف العادلية باخلصوصيات غري الغربية ‪......................‬ص‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬الرباديغمات اجلديدة حلقوق اإلنسان للتخفيف من العادلية‪.........‬ص‬

‫الفرع األول‪:‬منوذج العادلية ادلتعددة حلقوق اإلنسان‪.........................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬النموذج ادلتعدد الثقافات‪.....................................‬ص‬

‫ادلبحث الثاين‪ :‬اإلستبعاد الثقايف و تأثريه على احلق يف التنوع الثقايف ‪..........‬ص‬

‫ادلطلب األول ‪ :‬اإلستبعاد الثقايف لألقليات‪.........................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬مدخل مفاهيمي لألقلية‪.............................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬صور اإلستبعاد الثقايف لألقليات‪.......................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬اإلستبعاد الثقايف للسكان األصليني‪....................‬ص‬

‫‪111‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬ادلقصود بالشعوب األصلية‪..............................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬موقف التشريع الدويل من حقوق الشعوب األصلية‪.........‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬صور إستبعاد الشعوب األصلية‪..........................‬ص‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬اإلستبعاد الثقايف للمهاجرين‪..........................‬ص‬

‫الفرع الول‪ :‬دور اذلجرة يف تقوية التعددية الثقافية‪.....................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬صور إستبعاد ادلهاجرين ثقافيا‪...........................‬ص‬

‫الفصل الثاين‪ :‬بروز احلق يف التنوع الثقايف يف ظل التحوالت و التحديات اجلديدة‪...........‬ص‬

‫ادلبحث األول‪ :‬احلق يف التنوع الثقايف يف ظل التأكيد على اخلصوصيات الثقافية‪............‬ص‬

‫ادلطلب األول‪ :‬احلق يف اخلصوصية الثقافية و إشكالية عدم قابلية احلقوق للتجزئة ‪...................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬عادلية احلقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪.....................................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬اإلعتماد ادلتبادل بني احلقوق‪....................................................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬اجلدل القائم حول مدى صحة التقسيمات اخلاصة حبقوق اإلنسان‪...............‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬احلقوق السياسية وادلدنية واحلقوق اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية‪..................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬احلقوق الفردية و احلقوق اجلماعية‪................................................‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬حقوق اإلنسان األساسية وحقوق اإلنسان العادية‪.................................‬ص‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬حقوق األجيال‪..............................................................‬ص‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬ندوة فيينا حلقوق اإلنسان و بداية التحول يف مسار حقوق اإلنسان‪..............‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬ادلؤمترات التحضريية لندوة فيينا ‪................................................‬ص‬

‫‪111‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬دور ادلنظمات اآلسيوية يف تغيري موقف الدول‪.................................‬ص‬

‫ادلبحث الثاين‪ :‬فواعل احلق يف التنوع الثقايف‪....................‬ص‬

‫ادلطلب األول‪ :‬الفرد‪..............................................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬عالقة الفرد بالفرد‪....................................................‬ص‬

‫الفرد الثاين‪ :‬عالقة الفرد باجملتمع ‪....................................................‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬عالقة الفرد بالدولة‪.....................................................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬اجملتمع و ادلنظمات غرب احلكومية الدولية‪..................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬اجملتمعات الداخلية‪.....................................................‬ص‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬أهم ادلنظمات الغري حكومية اليت تعين بالتنوع الثقايف‪.........................‬ص‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬الدولة ‪.............................................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬اإلعرتاف‪...............................................................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬احلماية والتفعيل‪..........................................................‬ص‬

‫ادلبحث الثالث‪ :‬احلقوق الثقافية و ادلفهوم اجلديد للمواطنة‪......................‬ص‬

‫ادلطلب األول‪ :‬احلقوق الثقافية‪...............................................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬احلقوق الثقافية كفئة جديدة حلقوق اإلنسان‪......................................‬ص‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬احلقوق الثقافية كحقوق مسنقلة عن احلقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‪................‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬بعض اإلشكاالت اليت تثريها احلقوق الثقافية‪....................................‬ص‬

‫أوال‪ :‬من حيث الطبيعة ‪...................................................................‬ص‬

‫‪121‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث احلماية‪...................................................................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬ادلواطنة ادلتعددة الثقافات‪...................................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬إعادة النظر يف ادلفهوم التقليدي للمواطنة‪......................................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬احلقوق ادلتفرعة عن ادلواطنة ادلتعددة الثقافات‪................................‬ص‬

‫ادلبحث الرابع‪ :‬التنوع الثقايف و التنمية اإلنسانية ادلستدامة‪........................‬ص‬

‫ادلطلب األول‪ :‬أبعاد و ركائز التنمية اإلنسانية ادلستدامة ادلتعلقة بالتنوع الثقايف‪...................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬التنوع الثقايف كبعد من أبعاد التنمية اإلنسانية ادلستدامة‪.............................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬احلرية الثقافية كركيزة للتنمية‪.................................................‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التنوع الثقايف كرتاث مشرتك لإلنسانية‪...........................................‬ص‬

‫ادلطلب الثاين‪ :‬بعض جوانب التنوع الثقايف ادلتعلقة بالبيئة ‪......................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬العالقة ادلتبادلة بني التنوع الثقايف و احلفاظ على األمناط البيئية‪......................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التنوع البيوثقايف و استدامة التنمية ‪...............................................‬ص‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التنوع الثقايف كرتاث مشرتك لإلنسانية‪...........................................‬ص‬

‫ادلطلب الثالث‪ :‬مبادئ العدالة وسياسات اذلوية و اإلعرتاف‪....................................‬ص‬

‫الفرع األول‪ :‬مبادئ العدالة‪...............................................................‬ص‬

‫الفرع الثاين‪ :‬اإلستجابة دلطالب اذلوية و اإلعرتاف‪.........................................‬ص‬

‫اخلامتة‪............................................................................‬ص‬

‫الفهرس‪.........................................................................‬ص‬

‫‪121‬‬
Résumé

Les droits de l'homme ne se conçoivent pas ,non plus, sans la reconnaissance de la


pluralité des cultures , des langues, des religions , des expressions intellectuelles et artistiques ,
la reconnaissance de la diversité culturelle est le garant contre toute hégémonie ou fanatisme,
qui dans un monde globalisé, menacent les droits de l'homme et l'affirmation de l'égale
dignité des cultures, dans leur riche diversité, cette reconnaissance s'appuie sur le présupposé
que toute culture qu'elle soit, est dépositaire d'une part, si modeste soit elle, d'un bien
commun de l'humanité et mérite, de ce fait reconnaissance , respect et préservation et bien
sur une protection de la diversité culturelle aux différents groupes et pays. de définir leurs
besoins essentiels en relation avec leur propre vision du monde, tout en leur permettant
l'ouverture aux autres cultures.

Pour cela cette étude vient d'éclaircir les fondements philosophiques et juridiques de ce
droit- qui constitue l'un des droits qui mérite d'être bien conçu, défendu, préservé et
protégé- dont la remise en cause de l’universalité des droits de l’homme qui exclut le droit à
la diversité culturelle ainsi que la spécificité culturelle qui a constitué un alibi pour porter
atteinte aux droits de l’homme garantis par le droit international et pour en limiter la portée,
nous avons également évoqué la réémergence de ce droit dans de nouvelles circonstances
et variables telles que l'augmentation des revendications identitaires et des droits culturels,
ainsi que l'exclusion culturelle de certains groupes et l'échec qu'a connu plusieurs régions du
monde dans le domaine du développement et qui est dû à la marginalisation et l'exclusion
de la dimension culturelle dans l'élaboration des programmes du développement .
‫الملخص‪:‬‬

‫إن حقوق االنسان ال يمكن تصورىا إال من خالل االعتراف بتنوع الثقافات‪ ،‬المغات الديانات و مختمف التعابير‬
‫الفكرية و الفنية‪ ،‬إن االعتراف بالحق في التنوع الثقافي يشكل ضمانا ىاما ضد أية محاولة لمييمنة و التعصب الذي‬
‫ييدد حقوق اإل نسان في ىذا العالم المتعولم كما يشكل تأكيدا عمى الكرامة المتساوية لمختمف الثقافات‪ ،‬ويرتكز ىذا‬
‫االعتراف عمى اإل فتراض القاضي بأنو ميما كانت الثقافة في مستوى تواضعيا فإنيا تشكل جزءا من التراث اإلنساني‬
‫المشترك و تستحق بذلك اإلعتراف‪ ،‬اإلحترام‪ ،‬وحماية الحق في التنوع الثقافي لصالح مختمف المجموعات والدول التي‬
‫تحدد احتياجاتيا األساسية و رؤيتيا لمعالم مع السماح بانفتاح الثقافات عمى بعضيا‪.‬‬

‫و عميو تأتي ىذه الدراسة لتوضيح األسس الفمسفية و القانونية لمحق في التنوع الثقافي والذي يشكل حقا يستحق‬
‫االحاةة بو وفيمو والدفاع عنو‪ ،‬الحفاظ عميو وحمايتو‪ ،‬خاصة تراجع عالمية حقوق اإلنسان لتغييبيا و إقصائيا لمحق‬
‫في التنوع الثقافي واستعمال الخصوصيات الثقافية إلنتياك الحقوق المضمونة في القانون الدولي أو الحد منيا‪ ،‬كما‬
‫تعرضنا إلى معاودة بروز ىذا الحق في ظل ظروف ومتغيرات جديدة من قبيل تصاعد المةالب اليوياتية والحقوق‬
‫الثقافية‪ ،‬إضافة إلى اإلستبعاد الثقافي لبعض المجموعات و فشل العديد من نماذج التنمية بسبب تيميش واستبعاد البعد‬
‫الثقافي لمتنمية‪.‬‬

You might also like