Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
م ا تزال الحرك ة الشعرية اإلحيائي ة في العص ر الح ديث تشهد حضورا في الوطن العربي،
ولكن ه ذه الم رة في أرض أخ رى غ ير المش رق إنه ا بالد المغ رب الع ربي ،حيث ُس ِّجلت فيه ا
إنتاجية منوعة وثرة ومتماشية مع مجموع الظروف التي مرت بها تلك البالد ،هذه الحركة أطلق
عليه ا س مية اإلحيائي ة الش عرية المغربي ة ،وعلي ه ،كي ف هي م ا قبلي ات الخط اب اإلحي ائي المغ ربي
الحديث؟ ما هي أسباب ميالد الحركة اإلحيائية؟ ومن هم أبرز شعرائها؟ ما هي الخصائص التي
تميز بها الخطاب الشعري اإلحيائي المغربي في العصر الحديث ؟
يقع غرب المشرق العربي أقطار لغتها الرسمية هي اللغة العربية ودينها هو اإلسالم ،وبحكم
موقعها غرب المشرق أطلق عليها المؤرخون والدارسون المعاصرون سمية بالد المغرب العربي،
وه و "عن دهم ال يع ني س وى تل ك األقط ار مجتمع ة (ليبي ا ،وت ونس ،والجزائ ر ،والمغ رب،
وموريتاني ا)" .1نح دد بداي ة العص ر الح ديث في ه ذه األقط ار ب دءا من دخ ول االس تعمار األجن بي
والبداي ة الفعلي ة ك انت م ع ت اريخ احتالل فرنس ا للجزائ ر وذل ك س نة 1830م ،في حين ك ان ف رض
الحماي ة على ت ونس س نة 1881م ،لتت أخر ب اقي دول المغ رب الع ربي في احتالله ا حيث تتح دد
الحماية في المغرب األقصى سنة 1912م ،وموريتانيا عام ،1903في حين احتلت ليبيا من قبل
االستعمار اإليطالي في سنة 1911م ،ينتهي العصر الحديث بالنسبة لدول المغرب المغربي حسب
رأينا قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية وذلك في سنة 1945م.
أول الحرك ات الش عرية بروزا ب المغرب العربي هي اإلحيائي ة ،يطلق عليه ا يوس ف ناوري
مص طلح التقليدي ة ،في حين ابن ت اويت فيس ميها التقلي د الع تيق .وي راد باإلحيائي ة في الخط اب
الش عري المغ ربي الح ديث "مجم وع الممارس ات الش عرية ال تي تثبت س نة اتب اع التقالي د الش عرية
العربي ة القديم ة وجعلت من القص يدة ال تي تعارفه ا الع رب ط وال ت اريخهم في إيقاعه ا وبنائه ا في
رؤيتها والذاتية طريقة قولها من خالل عمود مخصوص أنموذجها تقتفي مظاهره وعالماته الدالة
وتتمثلها".2
اإلحيائية الحديثة في المغرب العربي:
ّ ثانيا_ أسباب وجود الحركة
يعود وجود اإلحيائية ببالد المغرب العربي إلى مجموعة من األسباب الخاصة بهذه البيئة،
ون ذكر منه ا طبيع ة األس رة المغربي ة المتس مة بالط ابع اإلحي ائي ،وذل ك راج ع إلى أص ولها وله ذا
السبب أخضعت تلك األسر نظام تعليم أبنائها لطبيعتها اإلحيائية ،فكانوا ينهلون معارفهم وخاصة
الش عر من المرجعي ة التراثي ة ،ح تى غ دت إنتاج ات ش عراء تل ك األس ر ذات س مت إحي ائي .ومن
األس باب نض يف انف راط عق د الوص ال فيم ا بين المش رق والمغ رب ،فإب ان مرحل ة االس تعمار بقي
المغ رب الع ربي ط وال ه ذه الف ترة محجوب ا عن ك ل جدي د ومس تجد يخص الحرك ة الش عرية
المشرقية ،فراح الشعراء المغاربة يتمثلون "الثقافة القديمة بعيدا عن كل تيار فكري جديد في حين
أن غيره من البالد العربية وال سيما الشرقية كمصر والشام والعراق كانت تشهد قيام حركة علمية
وأدبية نشيطة" .3وآخر سبب راجع إلى عامل االستعمار الذي تأكد خطره عند المغاربة وذلك من
خالل إلغائه اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية ،وكذا محاربته الدين اإلسالمي بزرع البدع
والخراف ات في المجتم ع المغ ربي ،فض ال عن سياس ة االس تعمار الرامي ة إلى تنص ير البالد فق د
"أجم ع ساس ة فرنس ا وقواده ا العس كريون والمبش رون ال دينيون وغ يرهم من رج ال الفك ر والثقاف ة
على التمهي د بسياس تهم العدواني ة على الهوي ة لتنص ير البالد والعب اد" ..4إلخ ،فانكف أ ش عراء المغ رب
الع ربي وراء أس وار األنم وذج اإلحي ائي كوج ه من وج وه محارب ة ه ذا ال دخيل وذل ك باس تخدامهم
الخط اب الش عري ض د المس تعمر كخ ط دف اع عن مكتس بات األوط ان المغربي ة الحديث ة من حيث
الهوية واللغة والدين.
عرفت الحرك ة الشعرية المغربية لمرحل ة م ا قبل العصر الح ديث نشاطا ،ورواج ا ،وغزارة
إنتاج ،ورقي أنموذج على كاف ة المستويات* ،وذل ك على مدار القرن الثامن عشر ،فنظم الشعراء
المغارب ة في غ رض الهج اء ،والرث اء ،والحكم ة ،فض ال عن الموش حات ،واألزج ال ،والش عر
الص وفي ،والمول ديات ،فك ان ش عر ه ذه المرحل ة قريب ا من خاص يات الش عر المش رقي في عه د
العباسيين واألمويين والجاهليين نظارة ،ورقة ،وسالسة ،وعذوبة ،وسالمة معنى .ومن األغراض
التي نتمث ل بها في أوراقنا الوصف الذي انتشر في الخطاب ات الشعرية المغربي ة وخاصة وصف
الطبيع ة في عمومه ا ،وال ذي س اعد الش عراء على ذل ك ه و جم ال الطبيع ة المغربي ة فوص فوا ك ل
جمي ل وقعت علي ه أعينهم وأث ر فيهم ،ومن تل ك الموص وفات جم ال مدين ة مزغن ة وأمطاره ا،
وخضرتها التي وصفها ابن راشد ،وكذلك وصف الرياض التي نظم فيها كل من الشيخ محمد بن
محمد وتلميذه أحمد بن عمار الجزائري ،الذي نستشهد له بهذه القصيدة في وصف روض ،حيث
يقول :
ض في َم ْي َدانِ ِه
للر ْك ِ
لما ْانَب َرى َّ
َّ يمهَا الغص ِ ِ
ون َنس ُ اف ُ ُ
ط ََأعـ َ
وأما َل ْ
َ
5
ض َم ُار من َر ْي َعانِ ِه فَتَعطَّر ِ
الم ْ امـهَا عـن َز ْه ِر َها وتَفَتَّقَ ْ
َ َ ـت أ ْك َم ُ
ونض يف من األغ راض الم دح ال ذي ذاع وانتش ر بك ثرة بس بب طبيع ة الحكم الملكي ،فك ان
الش عراء ي دخلون ب ه على مل وكهم ،كم ا تع زز غ رض الم دح عن د المغارب ة بالتحرش ات اإلس بانية
أطراف من أراضي المغرب األقصى ،فكانت كل موقعة حربية ُينتصر فيها إال ٍ المنتهية باحتالل
ومدح فيها الشعراء ملوكهم على تلك الصنيعة ،ومن ذلك مدحية مفتي فاس عبد الواحد بن محمد
البوعناني ،وقد نظمها في المولى اسماعيل إثر استرجاعه لثغر العرائش الذي كان بيد النصارى،
حيث يقول الشاعر:
ـير ين ِ
اهلل أ ْقم ِ ِل ِـد ِ
ـار تُـن ُ
ٌَ ـاه ْدتُم وقَـاتَْلتُم فَ َْأنتُم
وج ََ
ِ ِ
صاحبِهَا كفُ ُ
ور لَ َـدى َه ْي َجاء َ ص َو ِار َم ُكم ُن ُج ً
وما طلَ ْعتُم َ
وَأ ْ
ور
ـان لهم ُنفُ ُ
وب َـوهـا َ
ام َور ُ
َ ك ُي َس ِاو ُم َ
وها الملُو ُ
ان ُلَقَ ْد َك َ
6 النا الم ِ
ص ُير ك بِ َـح ِّ
ِإلَيـ َ َفلما ِجـْئ تَهَا ْانقَ َ
ق َم ْو َ َ ادت وقَالَت
كم ا َغنِي التج ريب الش عري المغ ربي بغ رض االستص راخ ،وم رد ذل ك ه و التحرش ات
االس بانية ،ومن ذل ك ن ورد قص يدة الش اعر أب و عب د اهلل محم د بن عب د الم ؤمن ال ذي أنش د مطول ة
يستصرخ فيها باب حسن ،ومما جاء فيها:
ص َد َّن ِس َو َ
وان ِـز ْل بِها ال تَ ْق ِ
اها َ ْ ب نِ َد َ
اها ان فَـلَ ِّ
ـك َو ْه َـر ُ
ـادتْ َ
َن َ
اها ِِ
اغتَ َدى َي ْر َع َ
وبةً لمن ْ
ـج َ
ُأع ُ
ْ بما َغ َدا
ين َ
الم ْسلم َ
ص َّرفُوا في ُ
وتَ َ
ـالم ْه
ان َع َ
للر ْف ِـع َك َ
َّ ت قَ ْـد َر َمقَ ٍام
ضََخـفَ ْ
مـلَّ ْكتَـه ألع ِ
ـت تُ َس ِاوي قُ َ
الم ْه يس ْ
لَ َ ـادي َ ُ َ
شهد المغرب العربي في العصر الحديث انتشار المد اإلحي ائي في جل أقطاره،
فعلى ص عيد المغ رب األقص ى يش هد عب د اهلل كن ون ب أن "الحي اة الفكري ة واألدبي ة بقيت
على حاله ا من تمث ل الماض ي واحت ذاء ح ذوه س واء في الم ادة أو الق الب ،في المع نى
أواألسلوب ،المؤلفون يضعون تآليفهم على غرار الذين من قبلهم ،واألدباء يصوغون
أدبهم نفس الصياغة التي توارثوها عمن تقدمهم" ،9إن الطابع اإلحيائي يشهد مدا واسع
االنتش ار ح تى خ ارج مج ال الحرك ة الش عرية مش تمال على الحي اة الفكري ة ،والت أليف،
واألدب ،وه ذا نرجع ه –ب دورنا -إلى أس باب وج ود اإلحيائي ة في ح د ذاته ا ب المغرب
الع ربي إب ان العص ر الح ديث .أم ا في ت ونس فنق رأ إق رارا لمحم د الفاض ل بن عاش ور
وإ ن كن ا ن راه مقتض با يرص د في ه وض ع الش عراء اإلحي ائيين األوائ ل في ت ونس ،وق د
خص الش اعر قب ادو ومحم د الب اجي المس عودي وغ يرهم من أقط اب اإلحيائي ة بتونس،
فهؤالء الشعراء قد "تعاطو الشعر فأجادوا وجودوا ،وإ ن لم يبلغوا شأن الفحول ،كانوا
جميع ا من العلم اء الزيتون يين وك ان ش عرهم م تين األس لوب ،س ليم ال ذوق البي اني وإ ن
ك انت روح قص ائدهم ومقطع اتهم إلى الس ذاجة أق رب" .10في حين إذا انتقلن ا إلى
موريطانيا فإننا نجد تأسيس اإلحيائية بها قد تم بعد ثورة الشعراء على سطوة السلطة
الديني ة بموريطاني ا بع د أن ك انت تف رض هيمنته ا على ك ل ش يء باس م مجم وع فقه اء
ش نقيط وم ا جاوره ا ،وب ذلك تح رر الش عراء الموريط انيون من األنم وذج ال ديني
وشرعوا في التأسيس للخطاب الشعري اإلحيائي حيث المرجعية مستوحاة من الشعر
الق ديم وخاص ة الج اهلي ك أنموذج حي وي بالنس بة لش عراء العص ر الح ديث بموريطاني ا
ك ابن الطلب ة 1856م ومحم د بن حنبل ،11ومن أهم األغ راض ال تي ب دأت ت دب فيه ا
الحياة نذكر الغزل ،والهجاء .أما في ليبيا 12والجزائر لم يشذ الوضع فيهما عن باقي
أقط ار المغ رب الع ربي فق د س اد فيهم ا الخط اب الش عري اإلحي ائي ال ذي ح اول النس ج
على طريق ة الق دماء واحت ذاء نم اذجهم الش عرية التراثي ة ،وبه ذا ب ات معن ا الح ديث عن
اإلحيائية الشعرية المغربية أمرا ممكنا ستؤيده الشواهد الشعرية.
حظي الخط اب اإلحي ائي ب التنوع والغ زارة على ص عيد إنتاجي ة األغ راض
الش عرية ،فق د نظم الش عراء المغارب ة تقريب ا في ج ل األغ راض ،ك الغزل ،والفخ ر،
والم دح ،والحكم ة ،والوص ف ،والرث اء ،والهج اء ،..ودلي ل ذل ك م ا وج دناه من ش عر
مبثوث في بطون الدواوين أو الدراسات المهتمة بجمع المادة الشعرية المغربية .وفي
زاوية ما من الطرح نشير إلى أن الخطاب المغربي الحديث قد تمثل خاصيات الشعر
الق ديم ك أنموذج يحتذي ه الش عراء على ص عيد األغ راض الش عرية ومعانيه ا ،وأول
األغراض الشعرية التي نختارها للحديث عنها المدح ،فقد نظم فيه الشعراء المغاربة
بك ثرة ،ففي المغ رب األقص ى يرج ع س بب االهتم ام بالم دح إلى طبيع ة الحكم الملكي
والمدح يترابط أكثر مع السالطين لمدحهم ،ولقد استمر هذا الحال من الترابط حتى في
عه د الحماي ة ،ويعض د ك ثرة النظم ك ثرة الم داحين في المغ رب األقص ى وال دليل على
ذلك ما يحكيه السقاط في دراسته عن أهم شعراء المدح في فترة الحماية ق ائال" :ولعلي
أكتفي في إطار المجموعات الشعرية في هذه المرحلة باإلشارة إلى ديوان اليمن الوافر
الوفي في مدح الجناب اليوسفي لعبد الرحمان بن زيدان العلوي الذي ضم فيه المؤلف
إلى ج انب ش عره في م دح الس لطان م والي يوس ف بن الس لطان م والي الحس ن األول
أش عار غ يره من المب دعين في الموض وع ذات ه أمث ال محم د البك اري ومحم د بوجن دار
وغيرهما" . 13أما في تونس فمن شعراء المدح محمود قبادو ،والشيخ محمد الحشايش ي
الش ريف متفق د خ زائن الكتب بالج امع األعظم (1912 -1855م) ،والش اعر الس يد
العربي الكبادي(1961 -1881م) ،وهو أحد أعيان المتطوعين بالجامع األعظم ،ومن
النم اذج المدحي ة المستش هد به ا مقطوع ة ش عرية للكب ادي توج ه به ا إلى ص احب مجل ة
السعادة ،علق عليها محمد الفاضل ابن عاشور فقال" :مقطوعة أخرى بخمسة أبيات
للعربي الكبادي ...ال تخرج معانيها عما هو سائد معروف في باب التقريظ والتمجيد"
14
،ومما جاء في المقطوعة قول الشاعر:
َأم َسى
َأض َحى َم ُشوقًا َك َما ْ
فَ ُك ّل لَها ْ ت َش ْم َسا ادتُ ُكم ِف َينا لقد َ
طلَ َع ْ َس َع َ
ك َّ
الن ْف َسا ـستَ ْمِل ُ ِ ِ ِ
بِ ِـرقَّة ما تُْبديه تَ ْ ك التي
اعتُ َ وهلل ما َخـطَّ ْ
ت َي َر َ
ضاللَ ٍة َّ ِ
الض ِ
الل بها توسَّى ات َّ ولكن ِج َر َ
اح ُ َم َجلةُ عْلٍم لم تَجل في َ
المبِ َ
ين فـال تَْن َسى ق ُ الح َّ
ئك ََس ُـن ْق ِر َ تَـقُو ُل ِلقَ ِاريهَا َمقَالَـة ُم ْر ِش ِد
15
َأستَ ِطيعُ لهَا َمسَّا ِ ِْ
وَأيـدي الع َدا ال ْ ادةٌ ت ِل َ
َألن ِام َس َع َ ام ْ
ود َ
فَ ُـد ْمتُ ْم َ
وإ ذا انتقلن ا إلى غ رض الفخ ر فإنن ا نج د القب اج ي ذكر ع ددا معت برا من الش عراء ال ذين
نبغ وا في ه ذا الغ رض ب المغرب األقص ى ،وق د اخترن ا منهم على س بيل االستش هاد
الش اعر البلغي ثي ،وك ان عالم ا جهب ذا من جهاب ذة علم اء الفق ه اإلس المي ،وأديب ا ،ل ه
قصيدة في غرض الفخر عنوانها أغالي بنفسي ،حيث يقول فيها الشاعر :
طلَبِي
وم بِ َم ْ ِ ِ َأرى ُك َّـل م ْج ُدو ِد بِح ٍّ
ظ ِمن ِ
َفـق ًيرا َحـق ًيرا ال َيقُ ُ الغَنى َ َ َ
س من ُج ُدو ٍد و ِم ْن ِ
َأب ِو َراثَة َنـ ْف ٍ الم َع ِالي َداِئ ًما َأب ْ ِ ِ
ـت ه َّـمتي إال َ َ
ظا ِلم ْن ِ
صبِي ك َّ ِ
الن ْه ِج ح ْف ً َ تََن َّكَب ْ
ت َذا َ اص ِب ِذلَّةٌ
فَِإ ْن ع َّـن في َنه ِج المَن ِ
َ ْ َ
طلَبِي ق قَ ِ وُأد ِر ُ ِ ِ ِ
وم ْ ك م ْنهَا ِو ْف َ ْ
ص دي َ ْ الم َعالي َن ْح َو َبابِي َس ِر َ
يعة فَـتَْأتي َ
يس بِيف ْ ِ ِ ِ ِ الش ِر ِ
إذا لم تَ ُك ْن َن ْف ُس َّ
اَألج َس اد ع ْن دي بِن َ
16
يف َش ِريفَةٌ فَ َم ا َش َر ُ ْ
ما نزال نقرأ من األغراض الرثاء وشاهدنا قصيدة للشاعر محمد غريط الذي لم يف وت
على المشهد الشعري مناسبة وفاة والدة السلطان موالي يوسف ،فراح يرثيها بقصيدة
جاء فيها:
وفي االعت ذاريات ،نتمث ل الخط اب الش عري ال ذي نظم ه الش اعر محم د الش اذلي م ع
اإلش ارة أن ه ذا النم وذج الش عري ق د ورد ذك ره في دي وان األم ير ،يق ول الش اعر
الشاذلي معتذرا من األمير عما كان من عتاب للشاعر في حق األمير ،فقال :
تتس م البني ة اللغوي ة للخط اب الش عري اإلحي ائي المغ ربي باختي ار ألف اظ جزل ة،
ومتين ة ،ذات فص احة في عمومه ا ،وغ ير قلق ة ونابي ة في م واطن تراكيبه ا .ومم ا
نالحظه أيضا على األلفاظ التي حيك بها النسيج الشعري هو تناسبها مع الغرض ال ذي
الغ َزلي تس تعمل األلف اظ العذب ة ،السلس ة ،ونستش هد في ه ذا
نظمت وفق ه ،ففي النس يج َ
السياق بقصيدة الحسن الداودي* حيث نورد منها :الهوى ،صبا قلبي ،ظرف ،الحسن،
النس يم..إلخ .وأنس جة ش عرية أخ رى تناس بها ألف اظ ذات قعقع ة ،وجلب ة ،فخم ة ،قوي ة،
مناسبة لغرض الفخر ،و نتمثل هنا بألفاظ قصيدة البلغيثي** التي نورد منها :المحجب
/مجدود /الفخر /المجد /البيض /أسيافنا /الحسام /نزلة /ضيغم /الحرب..إلخ.
و أهم م ا نش ير إلي ه على ص عيد البني ة اللغوي ة ه و امتي اح الش عراء الوح دات اللغوي ة
البانية للنسيج الشعري من المعجم اللغوي التراثي ،إذ أخذ الشعراء المغاربة منه كل
م ا احت اجوا إلي ه من ألف اظ للنس يج النص ي ومنه ا نستش هد بـ :ال يراع ،األن ام ،مج دود،
الشمائل ،فرقد ،يغمد ،القنا***.. ،إلخ.
أم ا على مس توى البني ة الموس يقية يمكنن ا الح ديث عن امتي اح القص يدة المغربي ة
الحديثة ألصول بنيتها الموسيقية من األنموذج العربي القديم ،فإذا رجعنا إلى القوالب
تحدثنا عن نظم المغاربة للمطوالت ،والقصائد ،والمقطوعات ،وحتى البيت والبيتين،
وعمدتنا في االستشهاد بهذا هو ديوان األمير عبد القادر الذي جمع القوالب الشعرية
جميعها ونذكر من كل ذلك مطولة األمير عبد القادر في الفخر إذ امتدت القصيدة من
الص فحة التاس عة بع د التس عين إلى غاي ة الص فحة التاس عة بع د المائة **** .كم ا تتخ ذ
األشعار المغربية من الطروح الخليلية معلما لها لرسم شكلها الهندسي وذلك بأخذها
بنظ ام ال بيت ،وفي زاوي ة أخ رى من الط رح نج د القص ائد المغربي ة تنس ج وف ق تع اليم
البني ة الموس يقية التراثي ة س واء تعل ق الط رح بالموس يقى الخارجي ة أو الداخلي ة ،أم ا
تفصيل الموسيقى الخارجية فيكشف عن التزام الشعراء باألبحر الخليلية الست عشرة
س واء ك انت األبح ر تام ة ،أومج زوءة ،أومش طورة ،أومنهوك ة ،كم ا لم يخرج و عن
حي اض األوزان الخليلي ة ،ودليلن ا في ذل ك قص يدة األديب الته امي بن المه دي الم زوار
المتوفى سنة 1310هـ ،جاء فيها :
ام ِخ ِ
الم ْق َد ِار ـاهَنْأ بِ ِعٍّز َش ِ
فَ ْ ت ِم ْـن َْأو َ
ط ِار َأمـْل َ َح َّـيا َ
ك َما َّ
لق د ش هد المغ رب الع ربي انتش ار الم د اإلحي ائي على ص عيد الخط اب الش عري
الحديث ،ومما تجدر اإلشارة إليه أن النتاج الشعري قد انبثق من عباءة التراثي فتمثله
قالبا إبداعيا تبنى خاصياته البنائية ،والداللية ،والثيمية ،واللغوية ،والموسيقية ،انفتحت
األوس اط القرائي ة على ه ذا النت اج الش عري كم ا اس تمر ه و في اس تحواذه على ذائق ة
التلقي في البيئة المغربية إلى غاية نهاية العقد الثاني من القرن العشرين ،إال أن عتب
النق اد والدارس ين على اإلحيائي ة المغربي ة أن الش عراء لم يظه روا شخص ية إبداعي ة
مغربية مستقلة في ظل ترسم خطى األنموذج الشعري العربي القديم ،مما حال بينهم
وبين اإلتي ان بك ل جدي د ،وعلي ه ،ه ل يمكن الح ديث عن التجدي د الش عري الح ديث في
بالد المغرب العربي؟