You are on page 1of 11

‫شعري في المغرب العربي‬

‫اإلحياء ال ّ‬ ‫المحاضرة الثّالثة‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫م ا تزال الحرك ة الشعرية اإلحيائي ة في العص ر الح ديث تشهد حضورا في الوطن العربي‪،‬‬
‫ولكن ه ذه الم رة في أرض أخ رى غ ير المش رق إنه ا بالد المغ رب الع ربي‪ ،‬حيث ُس ِّجلت فيه ا‬
‫إنتاجية منوعة وثرة ومتماشية مع مجموع الظروف التي مرت بها تلك البالد‪ ،‬هذه الحركة أطلق‬
‫عليه ا س مية اإلحيائي ة الش عرية المغربي ة‪ ،‬وعلي ه‪ ،‬كي ف هي م ا قبلي ات الخط اب اإلحي ائي المغ ربي‬
‫الحديث؟ ما هي أسباب ميالد الحركة اإلحيائية؟ ومن هم أبرز شعرائها؟ ما هي الخصائص التي‬
‫تميز بها الخطاب الشعري اإلحيائي المغربي في العصر الحديث ؟‬

‫ّأوال‪ -‬مفاهيم ّأو ّلية‪:‬‬

‫يقع غرب المشرق العربي أقطار لغتها الرسمية هي اللغة العربية ودينها هو اإلسالم‪ ،‬وبحكم‬
‫موقعها غرب المشرق أطلق عليها المؤرخون والدارسون المعاصرون سمية بالد المغرب العربي‪،‬‬
‫وه و "عن دهم ال يع ني س وى تل ك األقط ار مجتمع ة (ليبي ا‪ ،‬وت ونس‪ ،‬والجزائ ر‪ ،‬والمغ رب‪،‬‬
‫وموريتاني ا)"‪ .1‬نح دد بداي ة العص ر الح ديث في ه ذه األقط ار ب دءا من دخ ول االس تعمار األجن بي‬
‫والبداي ة الفعلي ة ك انت م ع ت اريخ احتالل فرنس ا للجزائ ر وذل ك س نة ‪1830‬م‪ ،‬في حين ك ان ف رض‬
‫الحماي ة على ت ونس س نة ‪1881‬م‪ ،‬لتت أخر ب اقي دول المغ رب الع ربي في احتالله ا حيث تتح دد‬
‫الحماية في المغرب األقصى سنة ‪1912‬م‪ ،‬وموريتانيا عام ‪ ،1903‬في حين احتلت ليبيا من قبل‬
‫االستعمار اإليطالي في سنة ‪1911‬م‪ ،‬ينتهي العصر الحديث بالنسبة لدول المغرب المغربي حسب‬
‫رأينا قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية وذلك في سنة ‪1945‬م‪.‬‬

‫أول الحرك ات الش عرية بروزا ب المغرب العربي هي اإلحيائي ة‪ ،‬يطلق عليه ا يوس ف ناوري‬
‫مص طلح التقليدي ة‪ ،‬في حين ابن ت اويت فيس ميها التقلي د الع تيق‪ .‬وي راد باإلحيائي ة في الخط اب‬
‫الش عري المغ ربي الح ديث "مجم وع الممارس ات الش عرية ال تي تثبت س نة اتب اع التقالي د الش عرية‬
‫العربي ة القديم ة وجعلت من القص يدة ال تي تعارفه ا الع رب ط وال ت اريخهم في إيقاعه ا وبنائه ا في‬
‫رؤيتها والذاتية طريقة قولها من خالل عمود مخصوص أنموذجها تقتفي مظاهره وعالماته الدالة‬
‫وتتمثلها"‪.2‬‬
‫اإلحيائية الحديثة في المغرب العربي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثانيا_ أسباب وجود الحركة‬

‫يعود وجود اإلحيائية ببالد المغرب العربي إلى مجموعة من األسباب الخاصة بهذه البيئة‪،‬‬
‫ون ذكر منه ا طبيع ة األس رة المغربي ة المتس مة بالط ابع اإلحي ائي‪ ،‬وذل ك راج ع إلى أص ولها وله ذا‬
‫السبب أخضعت تلك األسر نظام تعليم أبنائها لطبيعتها اإلحيائية‪ ،‬فكانوا ينهلون معارفهم وخاصة‬
‫الش عر من المرجعي ة التراثي ة‪ ،‬ح تى غ دت إنتاج ات ش عراء تل ك األس ر ذات س مت إحي ائي‪ .‬ومن‬
‫األس باب نض يف انف راط عق د الوص ال فيم ا بين المش رق والمغ رب‪ ،‬فإب ان مرحل ة االس تعمار بقي‬
‫المغ رب الع ربي ط وال ه ذه الف ترة محجوب ا عن ك ل جدي د ومس تجد يخص الحرك ة الش عرية‬
‫المشرقية‪ ،‬فراح الشعراء المغاربة يتمثلون "الثقافة القديمة بعيدا عن كل تيار فكري جديد في حين‬
‫أن غيره من البالد العربية وال سيما الشرقية كمصر والشام والعراق كانت تشهد قيام حركة علمية‬
‫وأدبية نشيطة"‪ .3‬وآخر سبب راجع إلى عامل االستعمار الذي تأكد خطره عند المغاربة وذلك من‬
‫خالل إلغائه اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية‪ ،‬وكذا محاربته الدين اإلسالمي بزرع البدع‬
‫والخراف ات في المجتم ع المغ ربي‪ ،‬فض ال عن سياس ة االس تعمار الرامي ة إلى تنص ير البالد فق د‬
‫"أجم ع ساس ة فرنس ا وقواده ا العس كريون والمبش رون ال دينيون وغ يرهم من رج ال الفك ر والثقاف ة‬
‫على التمهي د بسياس تهم العدواني ة على الهوي ة لتنص ير البالد والعب اد" ‪..4‬إلخ‪ ،‬فانكف أ ش عراء المغ رب‬
‫الع ربي وراء أس وار األنم وذج اإلحي ائي كوج ه من وج وه محارب ة ه ذا ال دخيل وذل ك باس تخدامهم‬
‫الخط اب الش عري ض د المس تعمر كخ ط دف اع عن مكتس بات األوط ان المغربي ة الحديث ة من حيث‬
‫الهوية واللغة والدين‪.‬‬

‫عرية قبل العصر الحديث ‪:‬‬


‫ش ّ‬ ‫ثالثا_ الحركة ال ّ‬

‫عرفت الحرك ة الشعرية المغربية لمرحل ة م ا قبل العصر الح ديث نشاطا‪ ،‬ورواج ا‪ ،‬وغزارة‬
‫إنتاج‪ ،‬ورقي أنموذج على كاف ة المستويات*‪ ،‬وذل ك على مدار القرن الثامن عشر‪ ،‬فنظم الشعراء‬
‫المغارب ة في غ رض الهج اء‪ ،‬والرث اء‪ ،‬والحكم ة‪ ،‬فض ال عن الموش حات‪ ،‬واألزج ال‪ ،‬والش عر‬
‫الص وفي‪ ،‬والمول ديات‪ ،‬فك ان ش عر ه ذه المرحل ة قريب ا من خاص يات الش عر المش رقي في عه د‬
‫العباسيين واألمويين والجاهليين نظارة‪ ،‬ورقة‪ ،‬وسالسة‪ ،‬وعذوبة‪ ،‬وسالمة معنى‪ .‬ومن األغراض‬
‫التي نتمث ل بها في أوراقنا الوصف الذي انتشر في الخطاب ات الشعرية المغربي ة وخاصة وصف‬
‫الطبيع ة في عمومه ا‪ ،‬وال ذي س اعد الش عراء على ذل ك ه و جم ال الطبيع ة المغربي ة فوص فوا ك ل‬
‫جمي ل وقعت علي ه أعينهم وأث ر فيهم‪ ،‬ومن تل ك الموص وفات جم ال مدين ة مزغن ة وأمطاره ا‪،‬‬
‫وخضرتها التي وصفها ابن راشد‪ ،‬وكذلك وصف الرياض التي نظم فيها كل من الشيخ محمد بن‬
‫محمد وتلميذه أحمد بن عمار الجزائري‪ ،‬الذي نستشهد له بهذه القصيدة في وصف روض‪ ،‬حيث‬
‫يقول ‪:‬‬

‫اق في َميالنِ ِه‬


‫َّيب فََر َ‬
‫وثََنى الص ُ‬ ‫ق فـي َس َرَيانِ ِه‬ ‫ََأن ِسيم َر ْو ٍ‬
‫ض َر َّ‬

‫َأح َزانِ ِه‬


‫ون من ْ‬
‫الم ْح ُز ُ‬
‫ص َ‬
‫َّ‬
‫فَتَ َخل َ‬
‫السْلو في َخ ِ‬
‫اط ِري‬ ‫ت َِأر َ‬
‫يجتُهُ َّ َ‬ ‫َبعثَ ْ‬

‫الربِيعُ بها ُحلَى َأْل َوانِ ِه‬


‫َخـلَ َع َّ‬ ‫اق ُر َواُؤ َها‬ ‫ضـةٌ َغَّن ُ‬
‫اء َر َ‬ ‫ْأم َر ْو َ‬

‫الرقَ ِط من َج َرَيانِ ِه‬


‫اب ُّ‬ ‫ِ‬
‫فََب َدا ْانسَي َ‬ ‫الج َد ِاو ِل َماُؤ َها‬
‫ك َ‬ ‫وج َرى بـهَاتِي َ‬
‫َ‬

‫ض في َم ْي َدانِ ِه‬
‫للر ْك ِ‬
‫لما ْانَب َرى َّ‬
‫َّ‬ ‫يمهَا‬ ‫الغص ِ ِ‬
‫ون َنس ُ‬ ‫اف ُ ُ‬
‫ط َ‬‫َأعـ َ‬
‫وأما َل ْ‬
‫َ‬
‫‪5‬‬
‫ض َم ُار من َر ْي َعانِ ِه‬ ‫فَتَعطَّر ِ‬
‫الم ْ‬ ‫امـهَا عـن َز ْه ِر َها‬ ‫وتَفَتَّقَ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ـت أ ْك َم ُ‬
‫ونض يف من األغ راض الم دح ال ذي ذاع وانتش ر بك ثرة بس بب طبيع ة الحكم الملكي‪ ،‬فك ان‬
‫الش عراء ي دخلون ب ه على مل وكهم‪ ،‬كم ا تع زز غ رض الم دح عن د المغارب ة بالتحرش ات اإلس بانية‬
‫أطراف من أراضي المغرب األقصى‪ ،‬فكانت كل موقعة حربية ُينتصر فيها إال‬ ‫ٍ‬ ‫المنتهية باحتالل‬
‫ومدح فيها الشعراء ملوكهم على تلك الصنيعة‪ ،‬ومن ذلك مدحية مفتي فاس عبد الواحد بن محمد‬
‫البوعناني‪ ،‬وقد نظمها في المولى اسماعيل إثر استرجاعه لثغر العرائش الذي كان بيد النصارى‪،‬‬
‫حيث يقول الشاعر‪:‬‬

‫ور‬ ‫ظم ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫األم ُ‬
‫ت ب َع ْزم ُكم ُ‬ ‫قَد ْانتَ َ َ‬ ‫ـور‬
‫أال َْأبش ْر فَهَ َذا الفَتْ ُح ُن ُ‬
‫ق قَد َحرس الثُّ ُغور‬
‫الح ِّ‬
‫ين َ‬‫بِ َع ِ‬ ‫لما‬ ‫ضةَ اإلس ِ‬
‫الم َّ‬ ‫َح َم ْيتُم َب ْـي َ‬
‫ْ‬

‫ـير‬ ‫ين ِ‬
‫اهلل أ ْقم ِ‬ ‫ِل ِـد ِ‬
‫ـار تُـن ُ‬
‫ٌَ‬ ‫ـاه ْدتُم وقَـاتَْلتُم فَ َْأنتُم‬
‫وج َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاحبِهَا كفُ ُ‬
‫ور‬ ‫لَ َـدى َه ْي َجاء َ‬ ‫ص َو ِار َم ُكم ُن ُج ً‬
‫وما‬ ‫طلَ ْعتُم َ‬
‫وَأ ْ‬

‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الع َراِئ ِ‬


‫لقَ ْد ِر ُكم على الش ْع َرى الظُهُ ُ‬
‫ور‬ ‫ش قَ ْد تََب َّدى‬ ‫و ِفي ثَ ْغ ِر َ‬

‫ور‬
‫ـان لهم ُنفُ ُ‬
‫وب َ‬‫ـوهـا َ‬
‫ام َ‬‫ور ُ‬
‫َ‬ ‫ك ُي َس ِاو ُم َ‬
‫وها‬ ‫الملُو ُ‬
‫ان ُ‬‫لَقَ ْد َك َ‬
‫‪6‬‬ ‫النا الم ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ك بِ َـح ِّ‬
‫ِإلَيـ َ‬ ‫َفلما ِجـْئ تَهَا ْانقَ َ‬
‫ق َم ْو َ َ‬ ‫ادت وقَالَت‬

‫كم ا َغنِي التج ريب الش عري المغ ربي بغ رض االستص راخ‪ ،‬وم رد ذل ك ه و التحرش ات‬
‫االس بانية‪ ،‬ومن ذل ك ن ورد قص يدة الش اعر أب و عب د اهلل محم د بن عب د الم ؤمن ال ذي أنش د مطول ة‬
‫يستصرخ فيها باب حسن‪ ،‬ومما جاء فيها‪:‬‬

‫ص َد َّن ِس َو َ‬
‫وان ِـز ْل بِها ال تَ ْق ِ‬
‫اها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب نِ َد َ‬
‫اها‬ ‫ان فَـلَ ِّ‬
‫ـك َو ْه َـر ُ‬
‫ـادتْ َ‬
‫َن َ‬

‫اها‬ ‫ص ِر َخ َّن َد ِف َينـهَا َّ‬


‫األو َ‬ ‫واستَ ْ‬
‫ْ‬ ‫والرَبا‬ ‫يك األب ِ‬
‫ـاط ِح ُّ‬ ‫ِ‬
‫واحـلُ ْل بِهَات َ َ‬
‫ْ‬

‫َي ْغ ُزو بِـها و ْلَي ْن ِزلُـوا بِِفَن َ‬


‫اها‬ ‫طاِئفَةَ العس ِ‬
‫اك ِر َن ْح َو َها‬ ‫واستَ ْـد ِع َ‬
‫ََ‬ ‫ْ‬

‫اها‬ ‫حتَّى استَباحوا َأرضها ِ‬ ‫ت بِها َْأي ِدي ِ‬


‫وح َم َ‬ ‫َ ُ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫الع َدا‬ ‫الما َعَبثَ ْ‬
‫ط َ‬ ‫قَـد َ‬

‫اها‬ ‫ِِ‬
‫اغتَ َدى َي ْر َع َ‬
‫وبةً لمن ْ‬
‫ـج َ‬
‫ُأع ُ‬
‫ْ‬ ‫بما َغ َدا‬
‫ين َ‬
‫الم ْسلم َ‬
‫ص َّرفُوا في ُ‬
‫وتَ َ‬

‫اها‬ ‫َد َر َسـت َم َع ِال ُمهُ َفلَ ْس َ‬


‫ت تََر َ‬ ‫قد‬ ‫يدا ِّ‬
‫والدين ْ‬ ‫يب ُمَؤ ً‬ ‫ِ‬
‫َأض َحى الصَّل ُ‬
‫ْ‬
‫‪7‬‬
‫اها‬
‫وغـي َُّروا َم ْعَن َ‬ ‫َب َد َل اَأل َذ ِ‬
‫ان َ‬ ‫وس في َْأوقَاتِ ِهم‬ ‫َج َـعلُوا بهَا َّ‬
‫الناقُ َ‬

‫كم ا ظه ر ش عر رث اء الم دن بس بب س قوطها في ي د االس بانيين‪ ،‬ومن ذل ك ن دب الش اعر الفقي ه‬


‫مفضل أفيالل مدينة تطوان بعد سقوطها في يد اإلسبان‪ ،‬يقول الشاعر ‪:‬‬

‫َّالم ْه‬ ‫ِ‬


‫ت َج ْم َع الس َ‬
‫َك َس ْر َ‬ ‫الم ْه‬
‫َيا َد ْه ُر ُق ْل لي َع َ‬
‫الم ْه‬ ‫ـلدو ِ‬
‫َّ‬
‫ف من َم َ‬
‫ولم تَ َخ ْ‬ ‫اهي‬ ‫ـص ْبتَـهُ ل َ‬
‫َن َ‬

‫ـالم ْه‬
‫ان َع َ‬
‫للر ْف ِـع َك َ‬
‫َّ‬ ‫ت قَ ْـد َر َمقَ ٍام‬
‫ضَ‬‫َخـفَ ْ‬
‫مـلَّ ْكتَـه ألع ِ‬
‫ـت تُ َس ِاوي قُ َ‬
‫الم ْه‬ ‫يس ْ‬
‫لَ َ‬ ‫ـادي‬ ‫َ ُ َ‬

‫ام ْه‬ ‫ِِ‬ ‫فالدي ُـن َي ْب ِكي بِ َد ْم ٍع‬


‫ِّ‬
‫الغ َم َ‬
‫ب َ‬ ‫ص ْو َ‬
‫َي ْحكيه َ‬
‫‪8‬‬
‫ام ْه‬ ‫ِ‬ ‫َعلَى م َس ِ‬
‫الم َد َ‬
‫تُ َـباعُ فـيهَا ُ‬ ‫ت‬
‫َأض َح ْ‬
‫اج َد ْ‬ ‫َ‬
‫المغربية في العصر الحديث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اإلحيائية‪-‬‬
‫ّ‬ ‫عرية‬
‫ش ّ‬ ‫رابعا_ الحركة ال ّ‬

‫المد اإلحيائي بالمغرب العربي‪:‬‬


‫‪ّ -1‬‬

‫شهد المغرب العربي في العصر الحديث انتشار المد اإلحي ائي في جل أقطاره‪،‬‬
‫فعلى ص عيد المغ رب األقص ى يش هد عب د اهلل كن ون ب أن "الحي اة الفكري ة واألدبي ة بقيت‬
‫على حاله ا من تمث ل الماض ي واحت ذاء ح ذوه س واء في الم ادة أو الق الب‪ ،‬في المع نى‬
‫أواألسلوب‪ ،‬المؤلفون يضعون تآليفهم على غرار الذين من قبلهم‪ ،‬واألدباء يصوغون‬
‫أدبهم نفس الصياغة التي توارثوها عمن تقدمهم"‪ ،9‬إن الطابع اإلحيائي يشهد مدا واسع‬
‫االنتش ار ح تى خ ارج مج ال الحرك ة الش عرية مش تمال على الحي اة الفكري ة‪ ،‬والت أليف‪،‬‬
‫واألدب‪ ،‬وه ذا نرجع ه –ب دورنا‪ -‬إلى أس باب وج ود اإلحيائي ة في ح د ذاته ا ب المغرب‬
‫الع ربي إب ان العص ر الح ديث‪ .‬أم ا في ت ونس فنق رأ إق رارا لمحم د الفاض ل بن عاش ور‬
‫وإ ن كن ا ن راه مقتض با يرص د في ه وض ع الش عراء اإلحي ائيين األوائ ل في ت ونس‪ ،‬وق د‬
‫خص الش اعر قب ادو ومحم د الب اجي المس عودي وغ يرهم من أقط اب اإلحيائي ة بتونس‪،‬‬
‫فهؤالء الشعراء قد "تعاطو الشعر فأجادوا وجودوا‪ ،‬وإ ن لم يبلغوا شأن الفحول‪ ،‬كانوا‬
‫جميع ا من العلم اء الزيتون يين وك ان ش عرهم م تين األس لوب‪ ،‬س ليم ال ذوق البي اني وإ ن‬
‫ك انت روح قص ائدهم ومقطع اتهم إلى الس ذاجة أق رب"‪ .10‬في حين إذا انتقلن ا إلى‬
‫موريطانيا فإننا نجد تأسيس اإلحيائية بها قد تم بعد ثورة الشعراء على سطوة السلطة‬
‫الديني ة بموريطاني ا بع د أن ك انت تف رض هيمنته ا على ك ل ش يء باس م مجم وع فقه اء‬
‫ش نقيط وم ا جاوره ا‪ ،‬وب ذلك تح رر الش عراء الموريط انيون من األنم وذج ال ديني‬
‫وشرعوا في التأسيس للخطاب الشعري اإلحيائي حيث المرجعية مستوحاة من الشعر‬
‫الق ديم وخاص ة الج اهلي ك أنموذج حي وي بالنس بة لش عراء العص ر الح ديث بموريطاني ا‬
‫ك ابن الطلب ة ‪1856‬م ومحم د بن حنبل‪ ،11‬ومن أهم األغ راض ال تي ب دأت ت دب فيه ا‬
‫الحياة نذكر الغزل‪ ،‬والهجاء‪ .‬أما في ليبيا‪ 12‬والجزائر لم يشذ الوضع فيهما عن باقي‬
‫أقط ار المغ رب الع ربي فق د س اد فيهم ا الخط اب الش عري اإلحي ائي ال ذي ح اول النس ج‬
‫على طريق ة الق دماء واحت ذاء نم اذجهم الش عرية التراثي ة‪ ،‬وبه ذا ب ات معن ا الح ديث عن‬
‫اإلحيائية الشعرية المغربية أمرا ممكنا ستؤيده الشواهد الشعرية‪.‬‬

‫‪ _2‬مستويات اإلحياء في الخطاب الشعري المغربي الحديث‪:‬‬

‫حظي الخط اب اإلحي ائي ب التنوع والغ زارة على ص عيد إنتاجي ة األغ راض‬
‫الش عرية‪ ،‬فق د نظم الش عراء المغارب ة تقريب ا في ج ل األغ راض‪ ،‬ك الغزل‪ ،‬والفخ ر‪،‬‬
‫والم دح‪ ،‬والحكم ة‪ ،‬والوص ف‪ ،‬والرث اء‪ ،‬والهج اء‪ ،..‬ودلي ل ذل ك م ا وج دناه من ش عر‬
‫مبثوث في بطون الدواوين أو الدراسات المهتمة بجمع المادة الشعرية المغربية‪ .‬وفي‬
‫زاوية ما من الطرح نشير إلى أن الخطاب المغربي الحديث قد تمثل خاصيات الشعر‬
‫الق ديم ك أنموذج يحتذي ه الش عراء على ص عيد األغ راض الش عرية ومعانيه ا‪ ،‬وأول‬
‫األغراض الشعرية التي نختارها للحديث عنها المدح‪ ،‬فقد نظم فيه الشعراء المغاربة‬
‫بك ثرة‪ ،‬ففي المغ رب األقص ى يرج ع س بب االهتم ام بالم دح إلى طبيع ة الحكم الملكي‬
‫والمدح يترابط أكثر مع السالطين لمدحهم‪ ،‬ولقد استمر هذا الحال من الترابط حتى في‬
‫عه د الحماي ة‪ ،‬ويعض د ك ثرة النظم ك ثرة الم داحين في المغ رب األقص ى وال دليل على‬
‫ذلك ما يحكيه السقاط في دراسته عن أهم شعراء المدح في فترة الحماية ق ائال‪" :‬ولعلي‬
‫أكتفي في إطار المجموعات الشعرية في هذه المرحلة باإلشارة إلى ديوان اليمن الوافر‬
‫الوفي في مدح الجناب اليوسفي لعبد الرحمان بن زيدان العلوي الذي ضم فيه المؤلف‬
‫إلى ج انب ش عره في م دح الس لطان م والي يوس ف بن الس لطان م والي الحس ن األول‬
‫أش عار غ يره من المب دعين في الموض وع ذات ه أمث ال محم د البك اري ومحم د بوجن دار‬
‫وغيرهما"‪ . 13‬أما في تونس فمن شعراء المدح محمود قبادو‪ ،‬والشيخ محمد الحشايش ي‬
‫الش ريف متفق د خ زائن الكتب بالج امع األعظم (‪1912 -1855‬م)‪ ،‬والش اعر الس يد‬
‫العربي الكبادي(‪1961 -1881‬م)‪ ،‬وهو أحد أعيان المتطوعين بالجامع األعظم‪ ،‬ومن‬
‫النم اذج المدحي ة المستش هد به ا مقطوع ة ش عرية للكب ادي توج ه به ا إلى ص احب مجل ة‬
‫السعادة‪ ،‬علق عليها محمد الفاضل ابن عاشور فقال‪" :‬مقطوعة أخرى بخمسة أبيات‬
‫للعربي الكبادي ‪...‬ال تخرج معانيها عما هو سائد معروف في باب التقريظ والتمجيد"‬
‫‪14‬‬
‫‪ ،‬ومما جاء في المقطوعة قول الشاعر‪:‬‬

‫َأم َسى‬
‫َأض َحى َم ُشوقًا َك َما ْ‬
‫فَ ُك ّل لَها ْ‬ ‫ت َش ْم َسا‬ ‫ادتُ ُكم ِف َينا لقد َ‬
‫طلَ َع ْ‬ ‫َس َع َ‬
‫ك َّ‬
‫الن ْف َسا‬ ‫ـستَ ْمِل ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ ِـرقَّة ما تُْبديه تَ ْ‬ ‫ك التي‬
‫اعتُ َ‬ ‫وهلل ما َخـطَّ ْ‬
‫ت َي َر َ‬
‫ضاللَ ٍة‬ ‫َّ ِ‬
‫الض ِ‬
‫الل بها توسَّى‬ ‫ات َّ‬ ‫ولكن ِج َر َ‬
‫اح ُ‬ ‫َم َجلةُ عْلٍم لم تَجل في َ‬

‫المبِ َ‬
‫ين فـال تَْن َسى‬ ‫ق ُ‬ ‫الح َّ‬
‫ئك َ‬‫َس ُـن ْق ِر َ‬ ‫تَـقُو ُل ِلقَ ِاريهَا َمقَالَـة ُم ْر ِش ِد‬
‫‪15‬‬
‫َأستَ ِطيعُ لهَا َمسَّا‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬
‫وَأيـدي الع َدا ال ْ‬ ‫ادةٌ‬ ‫ت ِل َ‬
‫َألن ِام َس َع َ‬ ‫ام ْ‬
‫ود َ‬
‫فَ ُـد ْمتُ ْم َ‬

‫وإ ذا انتقلن ا إلى غ رض الفخ ر فإنن ا نج د القب اج ي ذكر ع ددا معت برا من الش عراء ال ذين‬
‫نبغ وا في ه ذا الغ رض ب المغرب األقص ى‪ ،‬وق د اخترن ا منهم على س بيل االستش هاد‬
‫الش اعر البلغي ثي‪ ،‬وك ان عالم ا جهب ذا من جهاب ذة علم اء الفق ه اإلس المي‪ ،‬وأديب ا‪ ،‬ل ه‬
‫قصيدة في غرض الفخر عنوانها أغالي بنفسي‪ ،‬حيث يقول فيها الشاعر ‪:‬‬

‫بِباب ولو باب ِ‬ ‫َأن تُ َس َام بِ َو ْقفَ ٍة‬


‫ـالي بِ َـن ْف ِسي ْ‬
‫الم َح َّج ِب‬ ‫اَألم ِ‬ ‫ُأغ ِ‬
‫ير ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫طلَبِي‬
‫وم بِ َم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأرى ُك َّـل م ْج ُدو ِد بِح ٍّ‬
‫ظ ِمن ِ‬
‫َفـق ًيرا َحـق ًيرا ال َيقُ ُ‬ ‫الغَنى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س من ُج ُدو ٍد و ِم ْن ِ‬
‫َأب‬ ‫ِو َراثَة َنـ ْف ٍ‬ ‫الم َع ِالي َداِئ ًما‬ ‫َأب ْ ِ ِ‬
‫ـت ه َّـمتي إال َ‬ ‫َ‬
‫ظا ِلم ْن ِ‬
‫صبِي‬ ‫ك َّ ِ‬
‫الن ْه ِج ح ْف ً َ‬ ‫تََن َّكَب ْ‬
‫ت َذا َ‬ ‫اص ِب ِذلَّةٌ‬
‫فَِإ ْن ع َّـن في َنه ِج المَن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫طلَبِي‬ ‫ق قَ ِ‬ ‫وُأد ِر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم ْ‬ ‫ك م ْنهَا ِو ْف َ ْ‬
‫ص دي َ‬ ‫ْ‬ ‫الم َعالي َن ْح َو َبابِي َس ِر َ‬
‫يعة‬ ‫فَـتَْأتي َ‬
‫يس بِي‬‫ف ْ ِ ِ ِ ِ‬ ‫الش ِر ِ‬
‫إذا لم تَ ُك ْن َن ْف ُس َّ‬
‫اَألج َس اد ع ْن دي بِن َ‬
‫‪16‬‬
‫يف َش ِريفَةٌ فَ َم ا َش َر ُ‬ ‫ْ‬
‫ما نزال نقرأ من األغراض الرثاء وشاهدنا قصيدة للشاعر محمد غريط الذي لم يف وت‬
‫على المشهد الشعري مناسبة وفاة والدة السلطان موالي يوسف‪ ،‬فراح يرثيها بقصيدة‬
‫جاء فيها‪:‬‬

‫والب ْد ُر‬ ‫الشمس ِ‬


‫َّدر وتَْن َك ِس ُ َّ‬ ‫ط ِب ي ْن ِ‬ ‫َعلَى ِم ْث ِل َه َذا َ‬
‫المن َيرةُ َ‬
‫ف ُْ ُ‬ ‫صدعُ الص ْ ُ‬
‫الخ ْ َ َ‬
‫إ َذا ْلم تَ ُج ْد بِ َّ‬
‫الد ْم ِع َع ْه ٌد وال ُع ْذ ُر‬ ‫ومالَهَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْك ُر َمات َ‬
‫ون َ‬‫وتَ ْـبكي ُع ُـي ُ‬
‫َفقَ ْد ح َّل ِفي َ ِ‬ ‫ت ِط ْر ُ‬
‫ك الع ُّز َ‬
‫والم ْج ُد والفَ ْخ ُر‬ ‫َ‬ ‫ت َم َس َّرةً‬ ‫ـص ْف َ‬
‫ََأيـا قَْب ًرا لو َْأن َ‬
‫واَألن ُج ُم ُّ‬
‫الز ْه ُر‬ ‫ْ‬ ‫اُألفق‬
‫ُ‬ ‫ت ِإلَْي َ‬
‫ك‬ ‫وتَاقَ ْ‬ ‫يم ٍة‬ ‫ودا بِ َ‬
‫ـخ ْي ِر َك ِر َ‬ ‫ت َم ْـح ُم ً‬
‫وَأص َـب ْح َ‬
‫ْ‬
‫الغ ُّر‬
‫واَألو ُجهُ ُ‬
‫ْ‬ ‫ك‬
‫اَألمال ُ‬
‫ت له ْ‬‫اج ْ‬
‫فَ َع َ‬ ‫ضـا َح َـباهُ اهلل مـنهُ ِع َـن َايةً‬
‫ور ْو ً‬
‫َ‬
‫اء ِم ْن ِطيبِ ِك َّ‬
‫الن ْش ُر‬ ‫وفَاح على اَألرج ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّب َر ْح َم ٍة‬
‫صي َ‬‫اَأليام َ‬
‫ِ‬
‫اك م َـدى َّ ِ‬
‫َسـقَ َ‬

‫َعـلى َح ِاد ٍث ِفي ِمثِْله َي ْعظُ ُم ْ‬ ‫َّب ِـر ِ ِ ِ‬


‫وَأي َـد بِالص ْ‬
‫‪17‬‬
‫اَألج ُر‬ ‫ـيرَنا‬
‫الجـميل َأم َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬

‫وفي االعت ذاريات‪ ،‬نتمث ل الخط اب الش عري ال ذي نظم ه الش اعر محم د الش اذلي م ع‬
‫اإلش ارة أن ه ذا النم وذج الش عري ق د ورد ذك ره في دي وان األم ير‪ ،‬يق ول الش اعر‬
‫الشاذلي معتذرا من األمير عما كان من عتاب للشاعر في حق األمير‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫الم َح ِاف ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َي ُـع ُّم ح َـمى قَ ْوٍم ك َرام َ‬ ‫ك َّ‬
‫والن َدى ُع ْرفُهُ‬
‫وق ِ‬
‫الم ْس َ‬ ‫الم َيـفُ ُ‬
‫َس ٌ‬
‫ـامل وم ِ‬
‫آم ِل‬ ‫حـبـوه بِـع ْف ٍو َش ِ‬ ‫الع ْب ُد َب ْـيَنهُم َجَنى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََْ ُ َ‬ ‫ك َـر ٌام إذا َمـا َ‬
‫الش َماِئ ِل‬
‫فَـَأ ْك ِرم بِ ِهم قَوما ِكرام َّ‬ ‫بِـقَ ْد ِر ع ِظ ِيم َّ‬
‫الذ ْن ِب َي ْعظُ ُم َع ْف ُو ُهم‬
‫ْ ْ ًْ َ‬ ‫َ‬
‫ت بِ َك ِ‬
‫ام ِل‬ ‫ف لَ ْس ُ‬
‫ص َ‬ ‫ِِ‬ ‫ضِل ُكم‬ ‫صي ع ِ‬
‫املُونِي بِفَ ْ‬ ‫علَى َق ْد ِر َن ْق ِ‬
‫الو ْ‬
‫ين َ‬‫ََأيا َكامل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الفع ِل لَْيس بِفَ ِ‬
‫اع ِل‬ ‫عـقَْيب وقُ ِ ِ‬ ‫ون ِاد ٌم‬
‫ت َعـلى ما كان ِمِّني َ‬
‫َن ِـد ْم ُ‬
‫َ‬ ‫وع ْ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫فَ ُذو الع ْق ِل ُذو ِعْلٍم ولَْيس بِج ِ‬
‫اه ِل‬ ‫الم ْر ِء َي ْذ َه ُ‬
‫‪18‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ضا‬
‫ب للقَ َ‬ ‫َعلَى َّ‬
‫َأن َع ْق َل َ‬
‫وبتتبعنا لمع اني األغراض الش عرية نج د الش عراء المغارب ة كلما تطرق وا لغ رض‬
‫من األغ راض الش عرية إال واس تلهموا معانيه ا من مرجعي ة تراثي ة‪ ،‬فك ان لمع اني ك ل‬
‫غ رض نس قه المس تقل بحيث تج ري تل ك األنس اق على طرائ ق مخصوص ة لم يخالفه ا‬
‫الش عراء اإلحي ائيون المغارب ة‪ ،‬وبه ذا ك ان الخط اب ال تراثي أنموذج ا تمس ك بأهداب ه‬
‫الش عراء المغارب ة فراح وا ي أتون بالمع اني على مس توى غ رض الغ زل –على س بيل‬
‫ب‪/‬‬ ‫الم ِح ِّ‬
‫االستشهاد‪ -‬مثلما جاء به األولون‪ ،‬ومنها غنج المحبوب ‪ /‬تيهه ودالله أمام ُ‬
‫ب ‪ /‬انهمار الدموع‬ ‫الم ِح ِّ‬ ‫الم ِح ِّ‬
‫ب ‪ /‬حرقة كبد ُ‬ ‫الوجد في قلب ُ‬
‫ب ‪ /‬ذكر ْ‬ ‫الم ِح ِّ‬
‫انفطار قلب ُ‬
‫ب‪ ..‬إنه ا بعض من ك ل كمنطلق ات تأسيس ية لتش كيل نس ق البني ة الغزلي ة‬ ‫الم ِح ِّ‬
‫من عين ُ‬
‫والدليل على احتواء الشعر الغزلي لتلك المعاني قصيدة للشاعر الحسن بن ناصر بن‬
‫الحاج الداودي التلمساني الحسني‪ ،‬والمولود بفاس في شهر ذي الحجة سنة ‪1317‬هـ ‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫َكـثِ َير لَـو ِمي والص ْ‬


‫َّب ُر َي ْنفَد‬ ‫الس ْقِم ُذو َجـ ْف ٍن ُم َسهَِّد‬ ‫َح ِـل َ‬
‫يف ُّ‬

‫طْل َعتِهَا ُس َـراةُ القَ ْوِم ُسجد‬


‫لـِ َ‬ ‫ات ظُر ٍ‬
‫ف‬ ‫ٍ‬
‫ـير َه َوى فَـتَاة َذ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫َأس َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الح ْس ِن فَ ْرقَد‬
‫تَ َجلت فـي َس َماء ُ‬ ‫ص َـبا َقْلبِي إليهَـا ُمـ ْذ َر َ‬
‫آهـا‬ ‫َ‬

‫وب ِم َن الهَ َـوى َذا َ‬


‫ك َْأب َعد‬ ‫قُـلُ ُ‬ ‫ين تَ ْدُنو الـ‬ ‫ِ‬
‫َأخا ُل َقْلبِي ح َ‬
‫ت َ‬ ‫و ُك ْن ُ‬
‫اظ ِر ِ‬
‫النو ِ‬ ‫ـاننِي ْ‬
‫فيه ُي ْغ َمد‬ ‫ـيف َّ َ‬
‫َرَأى َس َ‬ ‫ـاع لما‬
‫ص َ‬ ‫وان َ‬ ‫َولَكـن َخ َ‬
‫‪19‬‬ ‫إ َذا م َّـر َّ ِ‬
‫ـَأود‬
‫يم بـه تَ َّ‬
‫النـس ُ‬ ‫َ‬ ‫ان‬ ‫وقَ ًّـدا َكالقَنـَا أو ُغ ْ‬
‫ـص َن َب ٍ‬

‫تتس م البني ة اللغوي ة للخط اب الش عري اإلحي ائي المغ ربي باختي ار ألف اظ جزل ة‪،‬‬
‫ومتين ة‪ ،‬ذات فص احة في عمومه ا‪ ،‬وغ ير قلق ة ونابي ة في م واطن تراكيبه ا‪ .‬ومم ا‬
‫نالحظه أيضا على األلفاظ التي حيك بها النسيج الشعري هو تناسبها مع الغرض ال ذي‬
‫الغ َزلي تس تعمل األلف اظ العذب ة‪ ،‬السلس ة‪ ،‬ونستش هد في ه ذا‬
‫نظمت وفق ه‪ ،‬ففي النس يج َ‬
‫السياق بقصيدة الحسن الداودي* حيث نورد منها‪ :‬الهوى‪ ،‬صبا قلبي‪ ،‬ظرف‪ ،‬الحسن‪،‬‬
‫النس يم‪..‬إلخ‪ .‬وأنس جة ش عرية أخ رى تناس بها ألف اظ ذات قعقع ة‪ ،‬وجلب ة‪ ،‬فخم ة‪ ،‬قوي ة‪،‬‬
‫مناسبة لغرض الفخر‪ ،‬و نتمثل هنا بألفاظ قصيدة البلغيثي** التي نورد منها ‪ :‬المحجب‬
‫‪ /‬مجدود ‪ /‬الفخر ‪ /‬المجد ‪ /‬البيض ‪ /‬أسيافنا ‪ /‬الحسام ‪ /‬نزلة ‪ /‬ضيغم ‪ /‬الحرب‪..‬إلخ‪.‬‬
‫و أهم م ا نش ير إلي ه على ص عيد البني ة اللغوي ة ه و امتي اح الش عراء الوح دات اللغوي ة‬
‫البانية للنسيج الشعري من المعجم اللغوي التراثي‪ ،‬إذ أخذ الشعراء المغاربة منه كل‬
‫م ا احت اجوا إلي ه من ألف اظ للنس يج النص ي ومنه ا نستش هد بـ‪ :‬ال يراع‪ ،‬األن ام‪ ،‬مج دود‪،‬‬
‫الشمائل‪ ،‬فرقد‪ ،‬يغمد‪ ،‬القنا***‪.. ،‬إلخ‪.‬‬

‫أم ا على مس توى البني ة الموس يقية يمكنن ا الح ديث عن امتي اح القص يدة المغربي ة‬
‫الحديثة ألصول بنيتها الموسيقية من األنموذج العربي القديم‪ ،‬فإذا رجعنا إلى القوالب‬
‫تحدثنا عن نظم المغاربة للمطوالت‪ ،‬والقصائد‪ ،‬والمقطوعات‪ ،‬وحتى البيت والبيتين‪،‬‬
‫وعمدتنا في االستشهاد بهذا هو ديوان األمير عبد القادر الذي جمع القوالب الشعرية‬
‫جميعها ونذكر من كل ذلك مطولة األمير عبد القادر في الفخر إذ امتدت القصيدة من‬
‫الص فحة التاس عة بع د التس عين إلى غاي ة الص فحة التاس عة بع د المائة ****‪ .‬كم ا تتخ ذ‬
‫األشعار المغربية من الطروح الخليلية معلما لها لرسم شكلها الهندسي وذلك بأخذها‬
‫بنظ ام ال بيت‪ ،‬وفي زاوي ة أخ رى من الط رح نج د القص ائد المغربي ة تنس ج وف ق تع اليم‬
‫البني ة الموس يقية التراثي ة س واء تعل ق الط رح بالموس يقى الخارجي ة أو الداخلي ة‪ ،‬أم ا‬
‫تفصيل الموسيقى الخارجية فيكشف عن التزام الشعراء باألبحر الخليلية الست عشرة‬
‫س واء ك انت األبح ر تام ة‪ ،‬أومج زوءة‪ ،‬أومش طورة‪ ،‬أومنهوك ة‪ ،‬كم ا لم يخرج و عن‬
‫حي اض األوزان الخليلي ة‪ ،‬ودليلن ا في ذل ك قص يدة األديب الته امي بن المه دي الم زوار‬
‫المتوفى سنة ‪ 1310‬هـ ‪ ،‬جاء فيها ‪:‬‬

‫ام ِخ ِ‬
‫الم ْق َد ِار‬ ‫ـاهَنْأ بِ ِعٍّز َش ِ‬
‫فَ ْ‬ ‫ت ِم ْـن َْأو َ‬
‫ط ِار‬ ‫َأمـْل َ‬ ‫َح َّـيا َ‬
‫ك َما َّ‬

‫ِ‬ ‫بِـسع َ ِ‬ ‫وب ِـش ُير ُس ْـع َدى قَ ْد َأتَ َ‬


‫اك ُمَب ِّش ًرا‬
‫اإليراد واِإل ْ‬
‫ص َد ِار‬ ‫ادة َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫القْل ِب وال ـ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ـاح واَأل ْف َك ِار‬
‫اح واَأل ْشَب ِ‬
‫َْأر َو ِ‬ ‫اح َ‬‫َفلَذ ْك ُر َها فيه ْارتَِي ُ‬
‫‪20‬‬
‫والجو ِد واإليثَ ِار‬ ‫ُب َـر َدا َّ‬
‫الن َدى ُ‬ ‫الم ْرتَِدي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الملك الهُ َمام ُ‬
‫ِفي َح ْ ِ‬
‫ض َرة َ‬
‫لقد نظم الشاعر نصه على بحر الكامل‪ .‬أما تفصيلية الموسيقى الداخلية فيمكننا الحديث‬
‫عن مجموع القيم الصوتية التي تغذى البنية الموسيقية وأساسها هو مولدات الموسيقى‬
‫الداخلية التي تنتجها بعض األصوات –في قصيدة المزوار أنموذجا‪ -‬والمنتشرة على‬
‫جس د القص يدة المدحي ة كاألص وات االنفجاري ة ومنه ا ن ورد الق اف‪ ،‬والب اء‪ ،‬والجيم‪،‬‬
‫والدال‪ ،‬فضال عن األصوات الصفيرية كالسين‪ ،‬و الزاي وهي جد قليلة في النص‪ ،‬مع‬
‫الت ذكير أن اختي ار ه ذا النم ط من الموس يقى الداخلي ة والمتعاض دة م ع الموس يقى‬
‫الخارجي ة تحص ل مناس بته م ع غ رض القص يدة الق ائم على تعظيم المم دوح‪ ،‬وفي ه ذه‬
‫الصنيعة إحياء للشاعر المغربي الحديث لبعض من تقديمات األنموذج التراثي‪.‬‬

‫لق د ش هد المغ رب الع ربي انتش ار الم د اإلحي ائي على ص عيد الخط اب الش عري‬
‫الحديث‪ ،‬ومما تجدر اإلشارة إليه أن النتاج الشعري قد انبثق من عباءة التراثي فتمثله‬
‫قالبا إبداعيا تبنى خاصياته البنائية‪ ،‬والداللية‪ ،‬والثيمية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والموسيقية‪ ،‬انفتحت‬
‫األوس اط القرائي ة على ه ذا النت اج الش عري كم ا اس تمر ه و في اس تحواذه على ذائق ة‬
‫التلقي في البيئة المغربية إلى غاية نهاية العقد الثاني من القرن العشرين‪ ،‬إال أن عتب‬
‫النق اد والدارس ين على اإلحيائي ة المغربي ة أن الش عراء لم يظه روا شخص ية إبداعي ة‬
‫مغربية مستقلة في ظل ترسم خطى األنموذج الشعري العربي القديم‪ ،‬مما حال بينهم‬
‫وبين اإلتي ان بك ل جدي د‪ ،‬وعلي ه‪ ،‬ه ل يمكن الح ديث عن التجدي د الش عري الح ديث في‬
‫بالد المغرب العربي؟‬

You might also like