You are on page 1of 266

‫" الثقافة وتعليم اللغة "‬

‫( ‪ 554‬عدد )‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬

‫الفصل الدراسي الثاين‬


‫‪ 1444‬هـ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪1‬‬


‫ُم َق ِّد َمـة‬
‫ف أَلْ ِسنَتِ ُك ْم َوأَلْ َوانِ ُك ْم إِ َّن ِِف‬
‫اختِ ََل ُ‬
‫ض َو ْ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر ِ‬ ‫آَيته َخلْ ُق َّ َ َ‬
‫احلمد هلل القائل ‪ ﴿ :‬وِمن ِِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ي َديْه من الْكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫صدقًا ل َما بَْ َ َ‬ ‫اب ِِب ْحلَ ِق ُم َ‬‫ك الْكتَ َ‬ ‫َنزلْنَا إِلَْي َ‬‫ني ﴾ والقائل ﴿ َوأ َ‬ ‫ك ََل ََيت للْ َعالم َ‬ ‫ذَل َ‬
‫اءك ِم َن ا ْحلَ ِق لِ ُك ٍل َج َع ْلنَا ِمن ُك ْم ِش ْر َعةً‬‫اءه ْم َع َّما َج َ‬‫َنزَل اّللُ َوالَ تَـتَّبِ ْع أ َْه َو ُ‬
‫ِ‬
‫اح ُكم بـَْيـنَـ ُهم ِبَا أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوُم َهْيمنًا َعلَْيه فَ ْ‬
‫اجاَ ﴾‪ ،‬والصَلة والسَلم على من تركنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َومْنـ َه ً‬
‫وبـَ ْعد‪:‬‬
‫فهذه مقاالت ِف الثقافة وتعليم اللغة‪ ،‬توخيت فيها اإلجياز‪ ،‬ومجعتـها من اخلربة ومن مقاالت‬
‫وكتب شّت ِف امليدان‪ .‬وقد جيد القارئ الكرمي بعض التكرار ؛ لطبيعة املادة‪ ،‬واختَلف املصادر‪ ،‬وتكرر‬
‫املناسبة من زاوية أخرى‪ .‬وجاءت هذه املادة ِف تسعة فصول قصرية ‪:‬‬
‫• تناول الفصل اْلول ‪ :‬كلمة (الثقافة) ومدلوهلا‪ ،‬وموقع الدين منها‪ ،‬والثقافة العربية واإلسَلمية‪،‬‬
‫والفرق بني اإلسَلم وغريه من اْلدَين ِف عَلقته ِبلثقافة‪ ،‬وأتثريه ِف الثقافات اْلخرى‪ ،‬وأتثري‬
‫الثقافات ِف بعضها‪.....‬‬
‫• وتناول الفصل الثاين ‪ :‬اللغة وتعريفها‪،‬وبعض احلقائق حوهلا‪ ،‬وهنوضها وانقراضها‪ ،‬واللغة وسيلة أو‬
‫ختصصا‪.....‬‬
‫• وتناول الفصل الثالث ‪ :‬اللغة العربية خاصة‪ ،‬وصفاءها‪ ،‬ومكانتها‪ ،‬وأمهيتها لدراسة العلوم الشرعية‪،‬‬
‫وأثرها ِف اللغات اْلخرى‪ ،‬وهل هي هوية‪ ،‬وهل هي مقدسة‪ ،‬واْلهداف الرئيسية لتعلمها‪.‬‬
‫• وتناول الفصل الرابع ‪ :‬العَلقة بني اللغة والثقافة‪ ،‬وأثر كليهما ِف اْلخر تقدما وأتخرا‪ .‬وأسباب‬
‫حرص املستعمر على نشر لغته‪ ،‬والتحدَيت اليت تواجه الثقافة العربية واإلسَلمية‪ ،‬وهل ميكن أن‬
‫يتوحد العامل حتت لغة واحدة‪.....‬‬
‫• وتناول الفصل اخلامس ‪ :‬العَلقة بني اللغة العربية واإلسَلم‪ ،‬والتَلزم بني العربية والقرآن‪ ،‬وأثر هذا‬
‫التَلزم‪ ،‬وأثر العلوم اإلسَلمية ِف تنمية اللغة العربية‪...‬‬

‫‪2‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫• وتناول الفصل السادس ‪ :‬الثقافة ِف برامج تعليم اللغة لغري الناطقني هبا‪ ،‬واجتاهات تقدمي اجلانب‬
‫الثقاِف ِف هذه الربامج‪....‬‬
‫• وتناول الفصل السابع ‪ :‬واقع احملتوى الثقاِف ِف برامج تعليم اللغة وكتبها‬
‫• وتناول الفصل الثامن ‪ :‬حتمية االهتمام ِبحملتوى الثقاِف ِف الربامج والكتب‪ ،‬وشبه احملجمني عن‬
‫االهتمام ِبجلانب الثقاِف والرد عليها‪.‬‬
‫• وتناول الفصل التاسع ‪ :‬حتليل احملتوى الثقاِف لكتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬واجلوانب اليت‬
‫ينظر من خَلهلا إىل كيفية تعامله مع اجلانب الثقاِف إجياِب وسلبا‪.‬‬

‫وهذه املقاالت جهد مقل‪ ،‬وأسأل هللا أن ينفع بـهذا العمل معده وقارئه‪ ،‬وصلى هللا على نبينا‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬
‫الرَيض ‪ 1443 / 1 / 1‬ه‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪3‬‬


‫حماور وتساؤالت ‪:‬‬
‫• ما هي الثقافة ؟ وما هي اللغة ؟‬
‫• ما العَلقة بني اللغة والثقافة ؟‬
‫• ثقافة اللغة والثقافة ِف اللغة‬
‫• ما طبيعة العَلقة بني اللسان العرب والقرآن الكرمي ؟‬
‫• هل هناك شواهد من التاريخ على هذه العَلقة ؟‬
‫• ما دور الدروس الثقافية ِف برامج تعليم اللغة ؟‬
‫• هل للثقافة اإلسَلمية خصوصية تنفرد هبا عن غريها ؟‬
‫• هل يراعى املتعلمون ودوافعهم ِف تعليم اللغة ؟‬
‫• هل اللغة حيادية ال دخل هلا ِبلثقافة ؟‬
‫• هل لغة الرتاث معزولة عن لغة العصر ؟‬
‫• ما دور تعليم كل العلوم ِبللغة القومية ِف احلفاظ على اخلصوصية الثقافية ؟‬
‫• ما دور توظيف القرآن الكرمي ونصوص الرتاث ِف تعليم العربية لغري الناطقني هبا ؟‬
‫• ما الطريقة املناسبة لعرض اجلانب الثقاِف ؟ أعرضا مباشرا ؟ أم عرضا غري مباشر؟‬
‫• هل برامج تعليم اللغات اْلخرى هتتم ِبجلانب الثقاِف ؟‬
‫• واقع احملتوى الثقاِف ِف برامج تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا وِف كتبها‪.‬‬
‫• هل يعاين العرب من االهنزامية النفسية ؟‬
‫• حتمية االهتمام ِبحملتوى الثقاِف ِف الربامج والكتب‪.‬‬
‫• شبه احملجمني عن االهتمام ِبجلانب الثقاِف‬
‫• الرد املناسب عليها‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الفصل األول‬

‫الثقافة ومدلولـها‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪5‬‬


‫تعريف الثقافة‬
‫مصطلح الثقافة ‪:‬‬
‫الثقافة ِف اللغة‪ :‬الثقافة ِف أكثر االستعماالت اللغوية‪ ( :‬احلذق والفطنة‪ ،‬وسرعة أخذ العلم وفهمه‪،‬‬
‫وتقومي املعوج من اْلشياء )‪.‬‬
‫وِف االصطَلح‪ ( :‬ثقافة اْلمة هي‪ :‬عقيدهتا اليت تؤمن هبا‪ ،‬ومبادئها اليت حترص عليها‪ ،‬ونظمها اليت‬
‫حترص على التزامها‪ ،‬وتراثها الذي ختشى عليه الضياع واالنداثر‪ ،‬وفكرها الذي تود له الذيوع واالنتشار‬
‫)‪ .‬وميكن أن يقال "مفهوم الثَّقافة هو جمموع القيم واملفاهيم اليت حتكم سلوك اْلفراد أو اجملتمع ِف ح ْقبة‬
‫معيَّنة من التاريخ "‪ .1‬واْلمة اليت تتساهل ِف الدفاع عن ثقافتها تذوب شيئا فشيئا حّت تتَلشى‪.‬‬
‫إذا نظران إىل الرتاث العرب واللغة العربية ال نكاد ِجند أصَلً حيمل داللة هذا املصطلح‪ِ ،‬ف‬
‫املعجم الوسيط مثَل ورد كلمة ثقف‪ :‬حذق وفهم‪ ،‬والثَّقافة‪ :‬العلوم واملعارف والفنون اليت يطلب العلم‬
‫هبا واحلذق فيها‪ .‬وعلى هذا النمط اختلفت تعاريف الثَّقافة عرب العصور بني حرث اْلرض واْلدب‪،‬‬
‫الرتبية واإلبداع‪ ،‬فالثَّقافة هي ذلك الكل املرَّكب الَّذي يشمل املعرفة والعقيدة‬
‫فمثَلً ِف دراسات تتناول َّ‬
‫واْلخَلق والقانون والعادات‪ ،‬وكل القدرات اليت يكتسبها اإلنسان داخل اجملموعة البشريَّة‪ ،‬أو ِف‬
‫‪2‬‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫( وميكن تعريف الثقافة‪ ،‬أبهنا اْلفكار والتقاليد واملهارات والفنون والرسائل‪ ،‬اليت متيز جمموعة‬
‫معينة من الناس ِف فرتة معينة من الزمن‪ .‬ولكن الثقافة أكرب من جمموع أجزائها‪ ،‬إذ تعترب نظاما من‬
‫اْلمناط املتكاملة‪ ،‬اليت يبقى معظمها حتت مسـتوى الشعور‪ ،‬ولكنها حتكم وتوجه السلوك اإلنساين‬
‫‪3‬‬
‫بدقة‪ ،‬كمـا حتكم اخليوط الدمية املتحركة‪) ...‬‬
‫لقد أصبح التعريف الشامل للثقافة‪ ،‬موضع اتفاق بني املعنيني ِبلعلوم اإلنسانية‪ ،‬من تربويني‬
‫ولغويني ونفسيني واجتماعيني‪ .‬وتشكل الثقافة من انحية أخرى خصائص اجملتمعات‪ ،‬ومواقفها املختلفة‬
‫ِف احلياة‪ .‬ومن هنا تنبع أمهية االهتمام هبذا اجلانب‪.‬‬

‫‪ 1‬عوض‪ ،‬يوسف نور‪ ،‬املقومات اإلسَلميَّة للثقافة العربية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ص ‪5‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬فاطمة لطفي كودرزي‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪ 3‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪282‬‬

‫‪6‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫(‪ ...‬والثقافة كما يعرفها علماء االجتماع‪ ،‬وعلم اإلنسان‪ ،‬وعلماء الرتبية‪ ،‬هي مجيع ما أنتجه‬
‫العقل اإلنساين‪ ،‬وعاش به‪ ،‬أو له‪ .‬ويشمل ذلك اللغة والدين‪ ،‬والعادات والتقاليد‪ ،‬واْلزَيء وأنواع املباين‬
‫‪4‬‬
‫واملواصَلت‪) ...‬‬
‫ويركز املفهوم اْلنثروبولوجي (علم اإلنسان) للثَّقافة على هذا املشرتك اإلنساين بني اجملموعة‬
‫البشرية؛ ْلنَّه هو الَّذي جعل اإلنسان كائنًا متميـًزا عن سائر الكائنات احليَّة اْلخرى‪ ،‬فاإلنسان يسعى‬
‫دائما عن ت ْغيري جمتمعه وتطْويره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِبستمرار إىل االجتماع وتكوين جمتمعه‪ ،‬بل ويبحث ً‬
‫اصَلت وحتديدها حتقي ًقا الستمراريَّة اإلنسان‪ ،‬وحبثًا عن‬ ‫الثقافة هبذا املعىن تقوم على بناء التَّو ُ‬
‫بد من حتريك املشرتك اإلنساين‬ ‫اصَلت والبناءات املشرتكة؛ ال َّ‬ ‫وضع أحسن لوجوده‪ ،‬ولتحقيق تلك التَّو ُ‬
‫‪5‬‬
‫ِف الثَّقافة‪.‬‬
‫الثقافة عنصر رئيس من عناصر اجملتمع‪ ،‬وللثقافة اَلن معىن واسع ِف علم اإلنسان حيث تشتمل‬
‫على العادات والتقاليد‪ ،‬والفنون واَلداب‪ ،‬وأشكال املباين واْلزَيء واملفاهيم والعقائد وأساليب التفكري‪..‬‬
‫اخل‪.‬‬
‫"وهذه القيود الثَلثة‪ :‬اإلميان‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالنتماء‪ ،‬هي أعمدة الثقافة وأركانـها‪ ،‬اليت ال يكون هلا‬
‫وجود ظاهر حمقق إال بـها‪ ،‬وإال انتقض بنيان الثقافة‪ ،‬وصارت جمرد معلومات ومعارف وأقوال مطروحة‬
‫‪6‬‬
‫ِف الطريق‪ ،‬متفككة ال جيمع بينها جامع‪ ،‬وال يقوم لـها متاسك وال ترابط وال تشابك"‬
‫وبـهذا املعىن الواسع للثقافة‪ ،‬فإن لكل شعب ثقافته‪ ،‬اليت ختتلف عن ثقافات اجملتـمعات‬
‫اْلخرى‪ .‬هذا االختَلف أيت من اختَلف البيئة اجلغرافية‪ ،‬واملورواثت احلضارية والتارخيية‪ ،‬اليت عاشها‬
‫ويعيشها كل شعب‪ .‬ويتم فهم اللغة – كما سبق ‪ِ -‬ف إطار الثقافة اليت حتملها‪ ،‬إذ إن اللغة هي تعبري‬
‫عن جانب اجتماعي معني ِف حياة اجلماعة‪ ،‬ومن هنا ميكن القول‪ ،‬أبن االختَلف مثَلً بني العربية‬
‫‪7‬‬
‫واإلجنليزية‪ ،‬هو اختَلف ثقاِف ِبلدرجة اْلوىل‪ ،‬قبل أن يكون اختَلفاً متصَلً أبنظمة اللغة وعناصرها‪.‬‬

‫‪ 4‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪282‬‬
‫‪ 5‬د‪ .‬فاطمة لطفي كودرزي‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪6‬‬
‫حممود حممد شاكر‪ ،‬املتنيب‪ ،‬رسالة ِف الطريق إىل ثقافتنا‪ ،‬دار املدين جبدة‪ 1407 ،‬ه‪ ،‬ص ‪68‬‬
‫د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬ ‫‪7‬‬

‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪283‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪7‬‬


‫العرف يف اجملتمع يؤخذ به‪:‬‬
‫العرف ِف اصطَلح اْلصوليني‪ :‬هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم أو لفظ‬
‫تعارفوا على إطَلقه ملعىن خاص ال يتبادر غريه عند مساعه‪ ،‬وهذا يشمل العرف العملي والعرف‬
‫القويل‪ ...‬والعرف العملي‪ ،‬مثل‪ :‬اعتياد الناس بيع املعاطاة من غري وجود صيغة لفظية‪ ،‬وتعارفهم قسمة‬
‫املهر ِف الزواج إىل مقدم ومؤخر‪ ...‬والعرف القويل مثل‪ :‬تعارف الناس إطَلق الولد على الذكر دون‬
‫‪8‬‬
‫اْلنثى‪ ،‬وعدم إطَلق لفظ اللحم على السمك‪ ،‬وإطَلق لفظ الدابة على الفرس"‬
‫والعرف يؤخذ به ِف الناحية الشرعية إن كان صحيحاً ال فاسداً‪ ،‬والعرف الصحيح هو ما‬
‫اعتاده الناس دون أن يصادم الشرع‪ ،‬فَل حيرم حَلالً وال حيل حراماً‪ ...‬والعرف الفاسد هو ما اعتاده‬
‫الناس ولكنه حيل حراماً أو حيرم حَلالً‪ ،‬كتعارفهم على بعض العقود الربوية وحنو ذلك‪ .‬وقد اتفق‬
‫‪9‬‬
‫الفقهاء على أن العرف دليل أو مصدر من مصادر التشريع اإلسَلمي‪.‬‬

‫وظائف الثقافة ‪:‬‬


‫يبدو من خَلل العناصر اْلساسية املكونة للثَّقافة‪ ،‬ومن خَلل أبعادها َّأهنا تقوم ِبلوظائف التَّالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أداة إلدراك العامل‪.‬‬
‫‪ -2‬هي اليت حترك احلوافز اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -3‬توفر معايري للحكم‪.‬‬
‫‪ -4‬توفر قاعدة للتحديد والتمييز‪.‬‬
‫اصل‪.‬‬
‫‪ -5‬طريقة للتو ُ‬
‫‪ -6‬توفر قاعدة للتقييم‪.‬‬
‫‪ -7‬تعرب عن نظام اإلنتاج واالستهَلك‪.‬‬

‫املضمون الداخلي واإلطار اخلارجي ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫انظر أصول الفقه اإلسَلمي‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي (‪)829/2‬‬
‫‪9‬‬
‫انظر أصول الفقه اإلسَلمي‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي (‪)829/2‬‬

‫‪8‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫لكل ثقافة مضمون داخلي وإطار خارجي‪ ،‬فأما املضمون الداخلي فهو ما مييز ثقافة عن‬
‫أخرى‪ ،‬إنه أسلوب احلياة الذي تنفرد به كل ثقافة أمام غريها‪ .‬أما اإلطار اخلارجي فيقصد به املركبات‬
‫والعناصر اليت تكون النظام الثقاِف‪ ،‬وه ذا اإلطار اخلارجي تتشابه فيه خمتلف الثقافات‪ ،‬ففي كل ثقافة‬
‫نظام عائلي‪ ،‬ولكل ثقافة عادات ِف الطعام‪ ،‬وال جتد اختَلفات واضحة بني اْلنثروبولوجي ِف حتديد‬
‫‪10‬‬
‫عناصر اإلطار اخلارجي الذي يتم من خَلله تصنيف اْلمناط الثقافة ِف كل جمتمع‪.‬‬

‫يتم تعلم السلوك اإلنساين كلياً أو يتم تعديله تعديَلً جذرَيً عن طريق التعلم االجتماعي‪ .‬وحّت‬
‫هذه املناحي البيولوجية القوية‪ ،‬أو الغرائز مثل اجلنس واجلوع يتم تعديلها وتطويرها ِبلثقافة‪ ،‬فمثَلً يتم‬
‫تقنني السلوك اجلنسي عملياً ِبستخدام تعبريات تعكس دالالت العيب االجتماعي ِف كل اجملتمعات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بل ورِبا يرفض الناس اجلياع الطعام الذي ينتهك حرمتهم الدينية (ما يعترب عيباً دينياً) مثل‬
‫أكل حلوم الكَلب والقطط الشائع بني شعوب جنوب شرق أسيا‪ ،‬أو حلم اخلنزير الشائع بني شعوب‬
‫أوروِب وأمريكا الَلتينية‪ ،‬أو ينتهك قوانني احلمية الغذائية‪ ،‬أو ينتهك ما يعتربونه بغيضاً لثقافتهم كأكل‬
‫‪11‬‬
‫الضفادع‪.‬‬

‫وكلما كانت ثقة اجملتمع بواضع هذه النظم قوية‪ ،‬كان متسكه هبا وقناعته هبا قوية‪ .‬والثقافة‬
‫اإلسَلمية من وضع إهلي ال بشري‪ ،‬ومن هنا اكتسبت صفة الشمول والكمال‪ ،‬وأصبحت ثقتنا هبا قوية‬
‫ِ‬
‫ال يعرتيها أدىن شك‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهي من صنع خالق البشر ﴿ أَال يـَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َوُه َو اللَّط ُ‬
‫يف‬
‫ا ْخلَبِريُ﴾{امللك‪.}14/‬‬

‫الصدمة احلضارية ‪:‬‬


‫يستخدم علماء االجتماع تعبري الصدمة احلضارية لوصف الشعور ِبلكآبة‪ ،‬اليت تظهر ِف صورة‬
‫احلنني إىل الوطن ِف أوائل أَيم الغربة‪ ،‬وهو شعور يسببه العيش ِف بيئة أجنبية ذات ثقافة مغايرة للثقافة‬
‫اليت ترىب فيها ذلك الفرد‪ ،‬ويتزايد ذلك الشعور عند االصطدام بلغة أجنبية غري معروفة ومفاهيم ثقافية‬

‫‪10‬‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ 1405 ،‬هـ‬
‫ص ‪200‬‬
‫‪11‬‬
‫د‪ .‬سعيد إبراهيم عبد الواحد‪ ،‬مفهوم الثقافة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪9‬‬


‫غريبة وعادات وتقاليد مغايرة لليت يعيش فيها هذا املغرتب أصَلً‪ ،‬ويبدو ذلك الشعور حّت لو كان‬
‫مفهوم املغرتب للثقافة اجلديدة ضعيفاً وخمتلطاً برموز خمتلفة تتعلق ِبلسلوك‪ ،‬وأبطعمة غري مألوفة‪ ،‬وحّت‬
‫ِبحيط مادي غري مألوف‪ ،‬ورِبا ينظر املسافر أو القاطن اجلديد إىل الناس والسلوك الذي مل يعتد عليه‪،‬‬
‫نظرة ليس هلا مذاق‪ ،‬وأحياانً ينظر إليها خبوف وتوجس‪ .‬و يتم جتاوز الصدمة الثقافية إذا ما مت التعرف‬
‫عليها هبذا املعىن‪.‬‬
‫وقد حيدث أيضاً أ ْن مير الناس بصدمة ثقافية معاكسة عندما يعودون إىل جمتمعهم احمللي بعد‬
‫أن ميضوا عدة شهور أو سنني بعيداً عنه خاصة إذا انتقلوا من جمتمع تتوافر فيه سبل حياة الرغد‬
‫‪12‬‬
‫والرفاهية إىل جمتمع إحدى دول العامل الثالث‪.‬‬
‫والطالب املبتعث وما يشعر به مثال حديث على هذه الصدمة؛ فما إن يصل الطالب املبتعث‬
‫إىل مقر دراسته‪ ،‬حّت يبدأ ِبلتعرض ْلوىل مراحل الصدمة الثقافية (مرحلة شهر العسل) اليت تبدأ‬
‫ِبإلعجاب واالنبهار بكل ما هو جديد أو مثري‪ ،‬وبعد ذلك بفرتة ليست طويلة‪ ،‬تبدأ بعض اْلمور‬
‫املنغصة ِف الربوز‪ ،‬كطبيعة احلياة اجلديدة‪ ،‬أو نوع اْلطعمة املتوفرة‪ ،‬أو عادات الناس‪ ،‬وعموماً‪ ،‬فإن‬
‫مستوى الطالب ِف إتقانه للغة بلد االبتعاث‪ ،‬والثقافة اليت ينتمي إليها‪ ،‬مها العامَلن الرئيسان ِف حتديد‬
‫‪13‬‬
‫أبعاد الصدمة الثقافية وتشكيل ردود فعله جتاهها‪.‬‬
‫ومن اْلمثلة القدمية قصة ميسون بنت حبدل الكلبية‪ ،‬وكانت ذات مجال ِبهر وحسن غامر‪،‬‬
‫فتزوجها معاوية ابن أب سفيان رضي هللا عنه‪ ،‬وبىن هلا قصراً مشرفاً على الغوطة زين أبنواع الزخارف‪،‬‬
‫وزود أبواين الفضة والذهب والديباج الرومي واملوشى‪ ،‬مث أسكنها مع وصائف هلا‪ ،‬فلبست يوماً أفخر‬
‫ثياهبا وتزينت وتطيبت ِبا أعد هلا من احللي واجلوهر‪ ،‬مث جلستء ِف روشنها وحوهلا الوصائف‪ ،‬فنظرت‬
‫إىل الغوطة وأشجارها‪ ،‬ومسعت جتاوب الطري ِف أوكارها‪ ،‬ومشت نسيم اْلزهار ورائح الرَيحني والنوار‪،‬‬
‫فتذكرت ِبديتها وحنت إىل أتراهبا وأانسها وتذكرت مسقط رأسها‪ ،‬فبكت وتنهدت‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫لبيت ختفق اْلرواح فيه أحب إيل من قصر منيف‬
‫ولبس عباءة وتقر عيين أحب ايل من لبس الشفوف‬
‫وأكل كسرية من كسر بييت أحب إيل من أكل الرغيف‬

‫‪12‬‬
‫د‪ .‬سعيد إبراهيم عبد الواحد‪ ،‬مفهوم الثقافة‬
‫‪13‬‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن عبد هللا بن طالب‪ ،‬الدراسة ِف الغرب‪ ،‬الفصل الثاين عشر‪ :‬الصدمة الثقافية‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وأصوات الرَيح بكل فج أحب إىل من نقر الدفوف‬
‫وكلب ينبح الطراق دوين أحب إيل من قط أليف‬

‫الثقافة واحلضارة ‪:‬‬


‫عرفنا كلمة ثقافة ومعناها‪ ،‬أما كلمة احلضارة فمعناها ‪ :‬من "حتضر"؛ أي‪ :‬ختلَّق أبخَلق‬
‫احلضر أو عاداهتم‪ ،‬وهي مظاهر الرقي العلمي والفين واالجتماعي ِف احلضر‪.‬‬
‫لقد شاع التعبري بكلمة " ثقافة " عن الدراسات اْلدبية والنظرية والعقلية والفلسفية‪ ،‬فكأهنا‬
‫هبذا قد احنصرت فيما يتعلق ِبْلمور املعنوية والروحية‪.‬‬
‫أما كلمة " حضارة " فقد شاع استعماهلا للداللة على الوسائل واملخرتعات وغريها مما يدل‬
‫على النواحي املادية ِف اجملتمع‪ .‬وقد يكوانن من اْلمور اليت إذا اجتمعت افرتقت وإذا افرتقت اجتمعت‪.‬‬

‫الثقافة والطبيعة ‪:‬‬


‫من الوسائل اليت نستعني هبا على فهم الثقافة مقارنتها ِبلطبيعة‪ ،‬فالطبيعة حتمل معىن الشيء‬
‫الذي يولد وينمو من الناحية العضوية ( وهي كلمة مشتقة من الكلمة الَلتينية ‪ nascere‬أي يولد)؛‬
‫‪14‬‬
‫كما تشري كلمة ثقافة اىل كل ما ينمو بعد الصقل‪.‬‬

‫موقع الدين من الثقافة ‪:‬‬


‫"رأس كل ثقافة هو الدين ِبعناه العام‪ ،‬والذي هو فطرة اإلنسان‪ ...‬وبقدر مشول هذا الدين‬
‫جلميع ما يكبح مجوح النفس اإلنسانية وحيجزها عن أن تزيغ عن الفطرة السوية العادلة‪ ،‬وبقدر تغلغله‬
‫ِف أغوار النفس تغلغَل جيعل صاحبها قادرا على ضبط اْلهواء اجلائرة‪ ،‬ومريدا هلذا الضبط‪ ،‬بقدر هذا‬
‫الشمول وهذا التغلغل ِف بنيان اإلنسان‪ ،‬تكون قوة العواصم اليت تعصم صاحبها عن كل عيب قادح‪...‬‬
‫ليس خاصة أبمة بل هو شأن كل جيل من الناس‪ ،‬وكل أمة من اْلمم‪ ،‬كان هلا " لغة" وكان هلا "‬
‫ثقافة"‪ ،‬وكان هلا بعد متام ذلك " حضارة" مؤسسة على لغتها وثقافتها‪ .‬فهذا اْلصل اْلخَلقي هو‬
‫العامل احلاسم الذي ميكن لثقافة اْلمة ِبعناها الشامل‪ ،‬أن تبقى متماسكة مرتابطة تزداد على اْلَيم‬

‫‪14‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي ) اللغة والثقافة‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪17‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪11‬‬


‫متاسكا وترابطا‪ ،‬بقدر ما يكون ِف هذا " اْلصل اْلخَلقي" من الوضوح والشمول والتغلغل والسيطرة‬
‫‪15‬‬
‫على نفوس أهلها مجيعا "‬
‫الدين ِف التصور اإلسَلمي هو املنهج أو النظام الذي يوجه كل شؤون احلياة‪ .‬فاإلسَلم عقيدة‬
‫وشريعة ؛ أي أنه تصور اعتقادي ينبثق عنه نظام أو منهج حيكم كل نشاط اإلنسان ِف احلياة الدنيا‪.‬‬
‫وعلى هذا فكل (دين) هو منهج حلكم احلياة ِبا أنه تصور اعتقادي‪ ،‬وكل منهج حلكم احلياة هو (دين)‬
‫فدين مجاعة من البشر هو املنهج الذي يصرف حياة هذه اجلماعة‪ .‬مع مشول املفهوم لإلميان واالعتقاد‬
‫‪16‬‬
‫ِف القلب‪ ،‬والسلوك ِف الواقع وفقا لذلك‪.‬‬
‫هكذا نرى ثقافة اْلمة‪ ،‬وهكذا نرى أن الدين هو حمور هذه الثقافة‪ ،‬غري أن الفكر الغرب بعامة‬
‫ينظر إىل الدين على أنه قضية من القضاَي اليت ختص الفلسفة‪ ،‬كما يعد الدين ظاهرة اجتماعية‪ ،‬ويعاجله‬
‫كما يعاجل أي ظاهرة أخرى من ظواهر اجملتمع ومؤسساته‪ ...‬كما حيرص هذا الفكر الغرب نفسه –‬
‫ويتبعه الفكر العلماين ِف البَلد اإلسَلمية – على الفصل بني الدين واجملتمع وحيصر الدين ِبْلمور‬
‫الروحية فحسب‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫والدين يقوم بوظائف هامة ِف حياة اإلنسان أبرزها‪:‬‬
‫• اإلجابة عن اْلسئلة املتعلقة ِبملعاين املطلقة‪ :‬هتتم خمتلف اْلدَين حول العامل بتقدمي إجاِبت‬
‫مقنعة لألسئلة املتعلقة ِبملعاين املطلقة – مثل ما اهلدف من احلياة‪ ،‬ملاذا يعاين البشر‪ ،‬ما الذي‬
‫حيدث بعد املوت وغريها من اْلسئلة الفلسفية‪ .‬توفر هذه اْلجوبة لبين البشر إحساساً أبن‬
‫هناك هدفاً ما وراء وجودهم‪ ،‬حيث ينظر املؤمنون إىل كل ما حيدث ِف حياهتم على أنه جزء‬
‫من خطة إهلية حمكمة‪.‬‬
‫• الراحة النفسية‪ :‬توفر اإلجاِبت اليت يطرحها الدين على اْلسئلة املتعلقة ِبملعاين املطلقة شيئاً‬
‫من الراحة النفسية واالستقرار العاطفي للمؤمنني‪ ،‬وذلك من حيث أهنم يؤمنون أبن هناك هدفاً‬

‫‪ 15‬حممود حممد شاكر‪ ،‬املتنيب‪ ،‬رسالة ِف الطريق إىل ثقافتنا‪ ،‬دار املدين جبدة‪ 1407 ،‬ه‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫‪ 16‬د‪ .‬علي أمحد مدكور‪ ،‬ود‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬ود‪ .‬إميان أمحد هريدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم اللغة العربية‬
‫للناطقني بلغات اخرى‪ ،‬دار الفكر العرب‪ 1431 ،‬هـ‪ ،‬ص‪133‬‬
‫‪.... 17‬‬

‫‪12‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫سامياً وراء وجودهم على هذه اْلرض‪ ،‬وحّت املعاانة اليت قد يعيشوهنا إمنا حتدث هلدف‪ ،‬كما‬
‫أن املوت إمنا هو جمرد انتقال إىل حياة أخرى‪.‬‬
‫• التكافل االجتماعي‪ :‬توحد عقائد وشرائع كل دين املؤمنني هبذا الدين ِف مجاعة واحدة ذات‬
‫قيم ووجهات نظر مشرتكة‪.‬‬
‫• تعاليم احلياة اليومية‪ :‬توفر تعاليم اْلدَين توجيهات تشمل كافة مناحي احلياة اليومية‪ .‬وميكن‬
‫قياس مدى أتثري هذه التعليمات على املؤمنني الذين يتبعوهنا‪.‬‬
‫• السيطرة االجتماعية‪ :‬ال يقتصر دور الدين على هداية البشر ِف أمور حياهتم اليومية‪ ،‬بل يقوم‬
‫الدين كذلك ِبلتحكم بسلوك البشر والسيطرة عليه‪ .‬ورغم أنه غالباً ما يقتصر تطبيق معايري‬
‫كل دين على أتباعه فقط‪ ،‬إال أن بعض هذه املعايري والضوابط متتد لتشمل بقية أفراد اجملتمع‬
‫الذين ال يؤمنون هبذا الدين ولذلك يكون من عناصر الثقافة‪.‬‬

‫بني اإلسالم واألداين األخرى ‪:‬‬


‫إن النظرة الفاحصة لطبيعة الدين اإلسَلمي‪ ،‬مقارانً ببقية اْلدَين اْلخرى‪ ،‬تكشف لنا فروقاً‬
‫عظيمة؛ فالدين اإلسَلمي منهج حياة متكامل‪ ،‬يشمل كل نواحي احلياة؛ وهو هبذا خيتلف عن غريه من‬
‫اْلدَين‪ .‬ومن هنا يتبني خطأ من يطبق العلمانية على اإلسَلم ويدعو إىل فصل الدين عن الدولة‪.‬؛ وهو‬
‫فصل للروح عن اجلسد‪.‬‬
‫والعلمانية؛ وهي فصل الدين عن الدولة واحلياة نشأت ِبلغرب لسببني أساسيني‪ ،‬مها ‪ :‬تسلط‬
‫رجال الكنيسة وحتكمهم ِبلناس بدرجة استفزازية بعد أن حرفوا أصول الدَينة‪ ،‬ولكون الدين النصراين‬
‫عقيدة روحية فقط‪ ،‬وال ينبثق منها نظام للحياة أصَل؛ ْلنه ليس فيها‪ .‬ومن مث جاءت الثورة على‬
‫الكنيسة‪ ،‬والدعوة إىل فصل الدين عن الدولة واحلياة‪ ،‬وهم حمقون ِف ذلك فالكنيسة عطلت مصاحلهم‬
‫تعنتا دون أن يكون فيها تنظيم لذلك‪ .‬وأما اإلسَلم فهو نظام حياة‪ ،‬ينظم احلياة والعَلقات جبميع‬
‫مستوَيهتا‪ ،‬ينظم عَلقة اإلنسان بربه على مستوى العبادات واملعامَلت‪ ،‬وعَلقته بنفسه على مستوى‬
‫اَلخَلق واملطعم واملشرب‪ ،...‬وعَلقته بغريه على مستوى املعامَلت والعَلقات والعقود‪ ،‬ولذا اشتملت‬
‫الزَكاةَ وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫َطيعُوا‬ ‫الص ََلةَ َوآتُوا َّ َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫تعاليم اإلسَلم على العبادات‪ ،‬وجاءت النصوص هبا‪ ،‬ومنها ‪َ ﴿ :‬وأَق ُ‬
‫ين ِمن قَـْبلِ ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم الصيَ ُام َك َما ُكت َ‬
‫ِ‬
‫آمنُواْ ُكت َ‬
‫َّ ِ‬
‫ول لَ َعلَّ ُك ْم تـُ ْر َمحُو َن﴾ ﴿ ََي أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫الر ُس َ‬
‫َّ‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم تَـتَّـ ُقو َن ﴿ ﴾ َوأَتـِ ُّمواْ ا ْحلَ َّج َوالْعُ ْمَرةَ ِّللِ ﴾‪ ،‬كما جات النصوص ِبملعامَلت ﴿ فَأَِمتُّواْ إِلَْي ِه ْم‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪13‬‬


‫ود ﴾ " الناس شركاء ِف ثَلثة‪ :‬املاء والنار والكأل "‬ ‫عه َدهم﴾‪َ ﴿ ،‬ي أَيـُّها الَّ ِذين آمنُواْ أَوفُواْ ِِبلْع ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫عَلقات خارجية‪ ...‬فكيف يفصل عن احلياة وهو هبذه الصفة والشمولية‪.‬‬
‫ومن مثَّ فإن من يريد تعلم اللغة العربية ْلهداف عامة‪ ،‬جيد نفسه ال يبعد كثريا عن ذلك‬
‫الشخص الذي تعلمها ْلهداف دينية؛ ولذا نقول إن تعلم اللغة ْلغراض دينية قد ال ينطبق متاما بكامل‬
‫تعريفه مع هذا املنهج‪ ،‬ذلك إن أمور الدين اإلسَلمي ال تنحصر ِف جمال حمدد من املفردات أو‬
‫الرتكيب؛ وهلذا فمتعلم اللغة العربية إذا كان هدفه معرفة الدين اإلسَلمي سيجد نفسه متعلما هلا‬
‫ْلغراض عامة؛ المتزاج اْلمور الدينية ِبحلياة البشرية ِف شّت نواحيها‪.‬‬
‫وهذا ال يعين أن املادة العلمية املقدمة لدارس هدفه الدين‪ ،‬هي نفسها املادة العلمية املقدمة‬
‫لدارس ليس هدفه الدين‪ ،‬وما نراه من الفرق هو أن تعلم اللغة ْلغراض خاصة ال تتضح متاماً ملتعلم‬
‫العربية ممن هدفه الدين‪.‬‬
‫وقد يكون الفارق بني اهلدفني‪ ،‬مما نراه ِف الساحة‪ ،‬أن املفردات والرتاكيب املراد تعليمها توضح‬
‫بقوالب لتناسب اجلميع‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فإن ما نراه موجوداً ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا إذا‬
‫صدر من جهات إسَلمية‪ ،‬أضافوا إىل تعليم اللغة تعليم الدين‪ ،‬إما بطريق مباشر‪ ،‬وإما بطريق غري‬
‫مباشر‪.‬‬
‫ولنا شاهد من التاريخ‪ ،‬حيث انتشرت اللغة العربية مع انتشار اإلسَلم ِف الفتوحات؛ وأصبحت‬
‫لساانً عاماً وليست لسان العلماء ِف املساجد واملدارس الدينية‪.‬‬
‫والثقافة اإلسَلمية‪ -‬شأن غريها من الثقافات‪ -‬تتكون من عناصر املعتقدات واملفاهيم واملبادئ‬
‫والقيم وأمناط السلوك‪ .‬إالَّ أهنا تتميز عن تلك الثقافات كلها ِبملصدر الذى تستمد منه عناصرها حيث‬
‫إهنا تُستمد من مصدر إهلي أنعم هللا به على اإلنسان ومنحه إَيه عقيدة له ودستورا ذلك هو القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة‪ .‬وهي بذلك (كوهنا مستمدة من املصدر اإلهلي) متتاز على غريها من‬
‫الثقافات بعدة أمور‪ :‬قوة اْلساس‪ ،‬وخلود املبدأ‪ ،‬وثبات العقيدة‪ ،‬واتساع النظرة‪ ،‬ومشول اجلوانب‪،‬‬
‫ووحدة االجتاه‪ ،‬وتكامل اْلبعاد‪ ،‬ومسو الغاية‪ ،‬واتزان احلركة‪ ،‬واعتدال اْلحكام‪.‬‬
‫وللثقافة اإلسَلمية عدة مقومات تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬الرتاث الفكري هلذه الثقافة تراث خصب غين اتسعت آفاقه لثمار الثقافات اْلخرى دون تعصب أو‬
‫مجود‪.‬‬
‫ب‪ .‬الثقافة اإلسَلمية متلك مقومات اْلصالة ِف تصورها جلوانب احلياتني الدنيا واَلخرة‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ت‪ .‬اللغة اْلساسية هلذه الثقافة هي العربية الفصحى اليت أشبعت احلاجات على تنوعها ووفت‬
‫ِبتطلبات الدنيا وأركان العقيدة‪.‬‬
‫ث‪ .‬متتاز الثقافة اإلسَلمية أبن الدين مصدر القيم فيها‪ ،‬وليس اجملتمع أو الطبيعة أو الفرد أو غري ذلك‬
‫من مصادر القيم‪ ،‬كما ترى الفلسفات املختلفة ويعتقد املفكرون الغربيون‪.‬‬
‫ج‪ .‬ومتتاز الثقافة اإلسَلمية ِبلشمول فهي تتناول حياة اإلنسان ِف كل نواحيها ظاهرها وِبطنها‪ ،‬وهي‬
‫‪18‬‬
‫قادرة على العطاء ِف أي من جوانب احلياة‪.‬‬

‫الثقافة العربية والثقافة اإلسالمية ‪:‬‬


‫‪19‬‬
‫وقد عرب الدكتور متام حسان عمر عن الفرق بني الثقافة العربية والثقافة اإلسَلمية ِبا يلي‪:‬‬
‫الثقافة اإلسَلمية‬ ‫الثقافة العربية‬
‫• معيارية ( تصف ما ينبغي أن يكون )‬ ‫• وصفية ( تصور ما هو كائن )‬
‫• ترفض عناصرها اجلاهلية‬ ‫• تقبل عناصرها اجلاهلية‬
‫• ترفض الشعوبية لتعارضها مع اْلخوة اإلسَلمية‬ ‫• ترفض الشعوبية حلطها من قدر العرب‬
‫• عاملية‬ ‫• حملية‬
‫• جذورها من القرآن والسنة‬ ‫• جذورها من العرف‬
‫• يقبلها اإلنسان لَلعتزاز الديين‬ ‫• يقبلها اإلنسان لَلعتزاز القومي‬

‫بعد رسالة حممد صلى هللا عليه وسلم أصبحت الثقافة العربية إسَلمية ِف جوانبها اإلجيابية‪،‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬بعثت ْلمتم صاحل اْلخَلق "‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬خياركم ِف‬
‫اجلاهلية خياركم ِف اإلسَلم إذا فقهوا "‪ ،‬فالكرم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وحقوق اجلار‪ ...،‬عربية متمها اإلسَلم‬
‫وهذهبا ووجهها‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬من كان يؤمن ِبهلل واليوم اَلخر فليكرم ضيفه "‪ ،‬وقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬من كان يؤمن ِبهلل واليوم اَلخر فَل يؤذ جاره "‪.‬‬

‫‪ 18‬د‪ .‬نصر الدين إدريس جوهر‪ ،‬اْلسس الثقافية لبناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫‪ 19‬نقَل عن د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ‪ ،‬ص ‪200‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪15‬‬


‫وِبملقابل عدل بعض السلوك الثقاِف‪ ،‬مثل إهانة النساء عند العرب ِف اجلاهلية‪ ،‬وغري ذلك‪،‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬خياركم خريكم ْلهله "‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ثَلثة من اجلاهلية ‪:‬‬
‫الفخر ِبْلحساب‪ ،‬والطعن ِف اْلنساب‪ ،‬والنياحة "‪.‬‬
‫ما احملرك للمسلمني من العرب المتثال مكارم اْلخَلق ؟ وما احملرك للنصارى من العرب‬
‫المتثال مكارم اْلخَلق ؟ وأي احملركني أقوى سلطة وأثرا ِف اإلقدام على االمتثال ؟‬

‫هل الثقافة اثبتة ؟‬


‫ميكن القول ِف النهاية َّ‬
‫أبن الثقافة هي نتاج جمموعة من العوامل املعنويَّة واملاديَّة‪ ،‬وهي ِبلتَّايل‬
‫ْلهنا مرتبطة ِبإلنسان الَّذي ال يعرف الثَّبات بدوره‪ ،‬فموضوع الثَّقافة هو‬ ‫عملية ال تعرف الثبات؛ َّ‬
‫اإلنسان حينما ينتقل من املرحلة الطبيعيَّة إىل املرحلة الثَّقافيَّة‪ ،‬وهذا أخص ما مييزه عن الكائنات احليَّة‪،‬‬
‫لعل الَّذي يدعوان إىل اللجوء إىل الثَّقافة هو حاجاتُنا إىل البحث عن املشرتك اإلنساين‪ ،‬وعن العنصر‬ ‫و َّ‬
‫اجلامع بني اإلنسان‪.‬‬

‫أتثري البيئة واملكان على السلوك اإلنساين ‪:‬‬


‫مل يزل اإلنسان ذلكم الكائن الضعيف يتأثر بعدد من العوامل احمليطة به‪ ،‬وتتشابك عدد من‬
‫وهويته‪ ،‬بل وحّت رِبا دينه الذي يدين هللا به‬
‫الظواهر والظروف ِف تكوين شخصيته وتشكيل مزاجه ُ‬
‫كما دلت على ذلك نصوص السنة النبوية املطهرة؛ " كل مولود يولد على الفطرة حّت يعرب عنه لسانه‬
‫فأبواه يهودانه وينصرانه أو ميجسانه »‪ ،‬الطرباين‪ ،‬والبيهقي‪ .‬وإذا ما نظران إىل هذا التأثري من زاوية‬
‫اجتماعية حبتة فسنجد أن بعض النظرَيت االجتماعية أكدت على وجود هذا التأثري‪ ،‬حيث انتبه‬
‫علماء االجتماع منذ فرتة مبكرة إىل أن سكان البادية واملناطق اجلبلية يتأثرون بقسوة الطبيعة وخشونة‬
‫الطعام الذي أيكلون واملركب الذي يركبون مما يكسبهم قسوة ِف الطباع وخشونة وجلدا وشدة ال‬
‫يتصف به سكان احلضر الذين مييلون – غالبا ‪ -‬إىل النعومة والدعة والرقة واللني تبعا لتأثري املكان‬
‫واملسكن واملأكل واملركب وهذا ما يسمى ِبلتأثري البيئي‪ ،‬وهو أمر ملحوظ ومشاهد؛ فبالتأكيد نرى‬
‫سهولة طبع أهل السهول وصعوبة وحرارة طبع أهل اجلبال فاإلنسان يتأثر ِبا حوله وهو بطبعه يكتسب‬
‫‪20‬‬
‫– من حيث يدري أو ال يدري – من اْلجواء احمليطة به‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫د‪ .‬حمفوظ ولد خريي " أتثري البيئة واملكان على السلوك اإلنساين" إسَلم ويب‬

‫‪16‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫عاش علي بن اجلهم ِف شبابه ِف بيئة صحراوية قاسية‪ ،‬والبيئة تؤثر ِف اإلنسان‪ ،‬وحينما‬
‫ضاقت به احلال ذهب إىل املتوكل على هللا لينشده الشعر‪ ،‬فعندما دخل على املتوكل قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫اخلطوب‬ ‫ك للود و ِ‬
‫كالتيس ِف قر ِاع‬ ‫أنت كالكلب ِف ِح ِ‬
‫فاظ َ‬
‫ِ‬
‫الذنوب‬ ‫أنت كالدل ِو ال عدمناك دوال من كبار الدال كثري‬
‫ويتبني من هذه اْلبيات قسوة اْللفاظ اليت تناسب البيئة اليت يعيش‪ ،‬ولكن هذا الشاعر بعد‬
‫أن سكن الرصافة وهي مدينة عند جسر بغداد‪ِ .‬ف منطقة خضراء رق شعره بسبب أتثري البيئة الرقيقة‪،‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫عيون املها بني الرصافة واجلسر جلنب اهلوى من حيث أدري وال أدري‬

‫أثر احليوان على ثقافة اإلنسان ‪:‬‬


‫قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬الفخر واخليَلء ِف أهل اإلبل‪ ،‬والوقار ِف أهل الغنم" ‪ ،21‬وقال صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ":‬السكينة ِف أهل الشاء" ‪ ،22‬وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬ما من نيب إال وقد رعى‬
‫الغنم‪ .‬قالوا‪ :‬وأنت َي رسول هللا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬كنت أرعاها ِبلقراريط‬
‫ْلهل مكة" رواه البخاري ‪ .‬وعن جابر‪ ،‬قال ‪ :‬كنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ِبر‬
‫الظهران جنتين الكباث‪ ،‬فقال ‪ :‬عليكم ِبْلسود منه فإنه أطيب‪ .‬قلنا ‪ :‬وكنت ترعى الغنم َي رسول هللا؟‬
‫قال ‪ :‬نعم وهل من نيب إال قد رعاها ‪ " .‬متفق عليه‪.‬‬
‫واحلكمة من ذلك – وهللا أعلم – أن يتمرن اإلنسان على رعاية اخللق وتوجيههم ملا فيه إصَلحهم‪،‬‬
‫وصاحب الغنم صاحب سكينة وهدوء‪ ،‬خبَلف صاحب اإلبل؛ وأصحاب اإلبل غالبا فيهم شدة‬
‫وغلظة‪.‬‬
‫قال القاري ِف مرقاة املفاتيح‪ :‬قال القاضي‪ :‬ختصيص اخليَلء أبصحاب اإلبل‪ ،‬والوقار أبهل الغنم يدل‬
‫على أن خمالطة احليوان تؤثر ِف النفس‪ ،‬وتعدي إليها هيئات وأخَلقًا تناسب طباعها وتَلئم أحواهلا‪.‬‬
‫وخلقه‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬
‫ف ضرِب من ضروب احليواانت اكتسب من طبعه ُ‬ ‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪ " ..‬كل من أل َ‬
‫‪23‬‬
‫تغذى بلحمه كان الشبه به أقوى "‬

‫‪21‬‬
‫صحيح‪ ،‬صحيح اجلامع الصغري وزَيدته ‪4282‬‬
‫‪22‬‬
‫صحيح‪ ،‬صحيح اجلامع الصغري وزَيدته ‪3689‬‬
‫‪23‬‬
‫ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني ‪403/1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪17‬‬


‫قال ابن خلدون‪ :‬أكل العرب اإلبل فأخذوا منها الغرية والغلظة‪ ،‬وأكل اْلتراك اخليول فأخذوا منها‬
‫الشراسة والقوة‪ ،‬وأكل اإلفرنج اخلنزير فأخذوا منها الدَيثة‪ ،‬وأكل االحباش القرود فأخذوا منها حب‬
‫الطرب والرقص‪ ،‬وأكل الفرس الروث فأخذوا منها النجاسة أجلكم هللا‪.‬‬

‫أتثري الثقافات يف بعضها ‪:‬‬


‫تؤثر الثقافات ِف بعضها‪ ،‬والسيما حال التجاور‪ ،‬وأيخذ هذا التأثري أحد اْلسلوبني ‪:‬‬
‫• أسلوب طبعي تفرضه مواطن االحتكاك بني الثقافات‪ ،‬دون أن يصاحب ذلك عنف من طرف‬
‫على طرف أو اهنزامية من طرف جتاه الطرف الثاين‪ ،‬وحيدث هذا عادة ِف الثقافات املتقاربة قود‬
‫وضعفا‪.‬‬
‫• أسلوب حيدث من اختَلف الثقافتني ِف القوة‪ ،‬وأيخذ هذا اْلسلوب إحدى الصورتني التاليتني‪:‬‬
‫‪ o‬صورة فيها عنف وتسلط من الثقافة اْلقوى على الثقافة اْلضعف‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما حدث‬
‫ِف غرب أفريقيا حني االستعمار الفرنسي؛ حيث فرضت اللغة الفرنسية على تلك الشعوب‬
‫وصاحبها ما حتمله من ثقافة‪.‬‬
‫‪ o‬وصورة من شعور أصحاب الثقافة اْلضعف ِبلدونية‪ ،‬والشعور ِبالهنزامية النفسية أمام الثقافة‬
‫اْلقوى وتقليدها طواعية‪ ،‬وهذه الصورة هي اْلخطر‪.‬‬
‫ومن سنن هللا ِف الكون أن احلضارات وما حتمله من ثقافة تبدأ ضعيفة مث تكون قوية‪ ،‬مث تعود‬
‫إىل الضعف‪ ،‬بل إىل االنقراض أحياان‪ ،‬وينقل الشيخ سفر احلوايل عن املؤرخ الغرب أرنولد توينيب أن من‬
‫أسباب اهنيار احلضارات وانقراضها خروج املرأة وتركها لوظيفتها اْلساسية‪ ،‬وكثرة الزان‪.‬‬
‫وهناك خاصية مميزة متتلكها الثقافة وهي قابلية االنتشار‪ .‬وقد لوحظ أن (الثقافة معدية)‪ِ ،‬بعىن‬
‫أن العقائد والعادات واْلدوات وحّت احلكاَيت الشعبية وأدوات الزينة‪ ،‬كلها قابلة لَلنتقال من ثقافة إىل‬
‫أخرى ومن شعب إىل آخر ومن منطقة إىل أخرى‪ ،‬وخاصة عندما يرى الشعب املتلقي مصلحة له ِف‬
‫تقليد جوانب ثقافية من شعب آخر قد يراها موفية أبغراضها أكثر من جوانبه اخلاصة‪ ،‬وقد حدث هذا‬

‫‪18‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫االن تشار مرات عديدة ِف التاريخ حّت ِف ظروف طبيعية صعبة مع وجود حوائل طبيعية (كاْلهنار أو‬
‫‪24‬‬
‫اجلبال) بني الشعوب‪.‬‬
‫نرى االنتشار الثقاِف حيدث بني متساويني ِف القوة السياسية أو العسكرية أو بني متوازيني ِف‬
‫مستوى التقدم الثقاِف‪ ،‬فإن له امساً آخر عندما جيري بني طرفني تفصل بينهما هوة واسعة ِف هذا‬
‫اجملال‪ :‬الغزو الثقاِف‪ .‬وهنا يَلحظ‪ ،‬كما ِف حاالت االستعمار احلديث‪ ،‬أن ثقافة الطرف اْلقوى تفرض‬
‫على الشعوب اْلقل تطوراً‪ ،‬كما حصل ِف بلدان أفريقيا وأمريكا الَلتينية وسوامها‪ ،‬ولكن يَلحظ هنا أنه‬
‫حّت ِف مثل هذه احلاالت‪ ،‬تتسرب من الشعوب املقهورة عناصر ثقافية تتخلل ثقافة الشعوب القاهرة‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫وهذا يشمل أنواع الزراعات وحّت املفردات واملوسيقى واْللعاب وغريها‪.‬‬
‫وكانت من أكرب املشاكل اليت واجهت علماء اْلعراق ِف أواخر القرن التاسع عشر وبداَيت‬
‫العشرين مسألة تفسري التشابه ِف جوانب ثقافية بني شعوب تفصل بينها مسافات بعيدة؛ وكانت حالة‬
‫اْلهرام وعبادة الشمس ِف مصر الفرعونية من جهة أخرى إحدى هذه احلاالت‪ .‬وكان سؤال الذي‬
‫يطرح نفسه هو ‪ :‬هل هذه املمارسات نشأت مستقلة ِف كل من هذه املناطق أم أهنا نشأت ِف مصر‬
‫‪26‬‬
‫وانتقلت من هناك إىل القارة اْلمريكية ؟‬

‫إن الباعث اْلول على التقليد هو احتقار املقلد لنفسه‪ ،‬وتعظيمه لشأن من يقلده‪ ،‬سواء أكان‬
‫فردا ومجاعة كبرية أو صغرية وهي اْلمة‪ ،‬فمن وطَّن نفسه أو أمته على التقليد فقد حكم عليها‬
‫املقلد ً‬
‫ِبلذل‪ ،‬وأن تكون اتبعة ال متبوعة‪ ،‬مستعبدة ال مستقلة‪ ،‬قاصرة ال رشيدة‪.‬‬
‫إن تقليد أغلب املسلمني واملسلمات لغريهم إمنا هو أمارة االهنزام الداخلي الذي ينعكس ِف‬
‫هذه التبعية العمياء اليت أودت أبصالتهم‪ ،‬وأفقدهتم " العزة اإلسَلمية"‪ ،‬وجعلتهم يهونون على رهبم‪،‬‬
‫ويهونون على أنفسهم‪ " .‬ويل للمغلوب من الغالب"‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن التقليد للغري دليل على الشعور ِبحتقار الذات‪ ،‬وأن هذا املقلِد يرى أبن من‬
‫قلَّده أفضل منه وأرفع منه قدراً‪ ،‬ولذلك حاول أن يتشبه به‪ .‬وقد عقد ابن خلدون ِف مقدمته الشهرية‬
‫خاصا‪ ،‬الفصل الثالث والعشرون‪ِ ،‬ف أن املغلوب مولع أبدا ِبالقتداء ِبلغالب ِف شعاره وزيه‬
‫فصَلً ًّ‬

‫‪24‬‬
‫كليفورد غريتز‪ ،‬أتويل اللغات‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت ‪ ،2009‬ص ‪16‬‬
‫‪25‬‬
‫كليفورد غريتز‪ ،‬أتويل اللغات‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت ‪ ،2009‬ص ‪17‬‬
‫‪26‬‬
‫كليفورد غريتز‪ ،‬أتويل اللغات‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت ‪ ،2009‬ص ‪17‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪19‬‬


‫وحنلته وسائر أحواله وعوائده‪ .‬والسبب ِف ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال ِف من غلبها وانقادت‬
‫إليه إما لنظره ِبلكمال ِبا وقر عندها من تعظيمه أو ملا تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إمنا‬
‫هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل هلا اعتقادا فانتحلت مجيع مذاهب الغالب وتشبهت به‬
‫وذلك هو االقتداء أو ملا تراه وهللا أعلم من أن غلب الغالب هلا ليس بعصبية وال قوة أبس وإمنا هو ِبا‬
‫انتحلته من العوائد واملذاهب تغالط أيضا بذلك عن الغلب وهذا راجع لألول ولذلك ترى املغلوب‬
‫يتشبه أبدا ِبلغالب ِف ملبسه ومركبه وسَلحه ِف اختاذها وأشكاهلا بل وِف سائر أحواله وانظر ذلك ِف‬
‫اْلبناء مع آِبئهم كيف جتدهم متشبهني هبم دائما وما ذلك إال العتقادهم الكمال فيهم وانظر إىل كل‬
‫قطر من اْلقطار كيف يغلب على أهله زي احلامية وجند السلطان ِف اْلكثر ْلهنم الغالبون هلم حّت أنه‬
‫إذا كانت أمة جتاور أخرى وهلا الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه واالقتداء حظ كبري كما هو‬
‫ِف اْلندلس هلذا العهد مع أمم اجلَللقة فإنك جتدهم يتشبهون هبم ِف مَلبسهم وشاراهتم والكثري من‬
‫عوائدهم وأحواهلم حّت ِف رسم التماثيل ِف اجلدران واملصانع والبيوت حّت لقد يستشعر من ذلك‬
‫الناظر بعني احلكمة أنه من عَلمات االستيَلء واْلمر َّّلل‪ .‬وأتمل ِف هذا سر قوهلم العامة على دين‬
‫امللك فإنه من ِببه إذ امللك غالب ملن حتت يده والرعية مقتدون به العتقاد الكمال فيه اعتقاد اْلبناء‬
‫‪27‬‬
‫آبِبئهم واملتعلمني ِبعلميهم وهللا العليم احلكيم وبه سبحانه وتعاىل التوفيق‪.‬‬
‫للعوملة اتصال وثيق ِبهليمنة العاملية لعدد قليل من الثقافات واللغات وبصفة خاصة اإلجنليزية‪،‬‬
‫والفرنسية إىل حد ما‪ .‬ويؤدي هذا النوع من اهليمنة والسيطرة إىل جتاهل التنوع الثقاِف‪ ،‬واللغوي‪ ،‬وعدم‬
‫احرتام اخلصائص الثقافية املميزة ملعظم سكان العامل‪ .‬واهلدف من هذه العملية تغيري أمناط احلياة‬
‫والتقاليد‪ ،‬والتحكم فيها لتصبح نسخة طبق اْلصل من النمط الغرب‪ ،‬وصياغة العوملة لتمثل الثقافة‬
‫العاملية اليت ينبغي أن تقلد ِف مجيع أحناء العامل‪ .‬لقد أصبحت املعتقدات الدينية والثقافية مهددة ِف عامل‬
‫العوملة حيث أصبح السوق إهلا جديداً‪ ،‬واعترب اإلنتاج واالستهَلك مفتاحني إلنقاذ اإلنسان من املخاطر‬
‫‪28‬‬
‫اليت حتدق به ِف وجوده‪.‬‬

‫ومن التساؤالت الواردة عن عمليات العوملة إمكان أتويلها سياسياً لتعين االستعمار الثقاِف‪،‬‬
‫أي اإلمربَيلية الثقافية‪ ،‬أو أتويلها ِف ضوء هيمنة املمارسات التعبريية‪ ،‬وأساليب استعمال اخلطاب ِف‬

‫‪27‬‬
‫عبد الرمحن بن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬الفصل الثالث والعشرون‪ ،‬ص‪147‬‬
‫‪28‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبد السَلم‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية العاملية‪ /‬ماليزَي‪" ،‬العوملة والثقافة اللغوية وتبعاهتا للغة العربية"‬

‫‪20‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫النظام العاملي اجلديد؛ وذلك إذا مت تقومي القوة القيادية عاملياً ِف إطار العَلقة بني اْلمم القوية والضعيفة‬
‫‪29‬‬
‫ِف املمارسات الثقافية‪.‬‬

‫ومن البديهي أن تسعى كل دولة لتكون لغتها هي لغة العامل‪ ،‬ولكن أهلية كل لغة تستند إىل ما‬
‫متتلكه من اجلمال الصوت‪ ،‬والبساطة النحوية‪ ،‬واإلجناز اْلدب‪ ،‬واْلمهية التجارية‪ ،‬والسياسية‪ .‬ويعتقد‬
‫اللغويون أن لغة العامل ينبغي أن ختتار على أساس سهولة تعلمها لعدد أكرب من الناس‪ ،‬واتصافها‬
‫خباصيتني مؤهلتني‪ ،‬مها‪ :‬توازي الرموز املكتوبة مع الرموز الصوتية‪ ،‬وتبين كل أقطار العامل هلا ِف االتصال‬
‫ِف الوقت نفسه‪ ،‬فضَلً عن اخلصائص السابقة‪ .‬ولكن كرايستال يرى أن اخلصائص اجلمالية والتعبريية‬
‫واللفظية والرتكيبية والنحوية واْلدبية والصلة الدينية والثقافية كلها دوافع لتعلم اللغة ال حتقق االنتشار‬
‫العاملي‪ ،‬وال تضمن بقاء اللغة‪ .‬ويرى أن عاملية اللغة تتحقق بشيئني‪ :‬أحدمها جعلها لغة رمسية ْلقطار‬
‫بعينها‪ ،‬فتستعمل وسيلة اتصال ِف جماالت احلكومة‪ ،‬واحملاكم‪ ،‬واإلعَلم‪ ،‬والنظام الرتبوي‪ ،‬واثنيهما‬
‫‪30‬‬
‫جعلها لغة مهمة ِف جمال تعليم اللغات اْلجنبية ِف اْلقطار اليت ال يكون هلا فيها وضع رمسي‪.‬‬
‫ال يتعلق حتويل اللغة إىل عاملية بعدد متحدثيها‪ ،‬وإمنا يتعلق بنوعية هؤالء املتحدثني وقوهتم‬
‫الثقافية‪ ،‬فهناك صلة وثيقة بني هيمنة اللغة والقوة الثقافية وما يساندها من قوة سياسية وعسكرية‬
‫‪31‬‬
‫واقتصادية‪.‬‬

‫العوملة هي ظاهرة أفرزهتا ثورة االتصاالت وتقانة املعلومات ِف ظل النظام العاملي اجلديد‪ ،‬الذي‬
‫أاتح للوالَيت املتحدة ودول الغرب السيطرة الكاملة واهليمنة على العامل‪ِ ،‬ف كافة اجملاالت السياسية‬
‫واالقتصادية والتقنية والعسكرية‪ .‬وقد اهتم املفكرون هبذه الظاهرة وما قد يرتتب عليها من تداعيات‬
‫شّت مناحي احلياة‪ ،‬وبصفة خاصة‪ ،‬على هويتهم الثقافية‪ ،‬وثقافتهم القومية‪،‬‬ ‫ونتائج تؤثر على الناس ِف َّ‬
‫‪32‬‬
‫وذاتيتهم الوطنية‪ ،‬ومعتقداهتم الدينية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبد السَلم‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية العاملية‪ /‬ماليزَي‪" ،‬العوملة والثقافة اللغوية وتبعاهتا للغة العربية"‬
‫‪30‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبد السَلم‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية العاملية‪ /‬ماليزَي‪" ،‬العوملة والثقافة اللغوية وتبعاهتا للغة العربية"‬
‫‪31‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبد السَلم‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية العاملية‪ /‬ماليزَي‪" ،‬العوملة والثقافة اللغوية وتبعاهتا للغة العربية"‬
‫‪32‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪21‬‬


‫وجيــدر بنــا التمييــز بــني العوملــة والعامليــة‪ ،‬ومهــا اصــطَلحان كث ـرياً مــا يثــور اخللــط بينهمــا‪ ،‬رغــم أن‬
‫لكل منهما مفهوماً يغاير متاماً مفهوم اَلخر‪.‬‬
‫فالعوملة )‪ (GLOBALIZATION‬هي السيطرة واهليمنة على العامل‪ ،‬وهي نفي لآلخر‪ ،‬وقمع‬
‫وإقصاء للخصوصية‪ ،‬وإذابة لكل خصائص اجملتمعات‪ ،‬إىل درجة ال يكون فيها ْلي جمتمع ثقافة ذاتية‪،‬‬
‫أو هوية شخصية أو قومية‪ .‬لقد بدأت العوملة ِبجلانب االقتصادي‪ ،‬وعنت االندماج الكامل ملختلف‬
‫دول العامل عرب منوذج يستعمل السوق والتجارة واملال والتقنية والغزو اإلعَلمي لفرض زعامة أصحابه‬
‫‪33‬‬
‫وهيمنتهم‪.‬‬
‫أما العاملية )‪ ، (UNIVERSALITY‬فهي تفتح على ما هو عاملي وكوين‪ ،‬أو االنفتاح على العامل‬
‫شرقاً وغرِبً‪ ،‬واالحتكاك ِبلثقافات اْلخرى أخذاً وعطاءً‪ ،‬وهي االحتفاظ ِبخلَلف اإليديولوجي‪ ،‬وهي‬
‫عملية تفاعل تباديل بني اجلزء والكل‪ ،‬حتكمها قيم إنسانية‪ ،‬وتتم وفق سنن تفاعل احلضارات‪ ،‬فهي‬
‫‪34‬‬
‫تعارف وتعاون وعمران‪.‬‬
‫ِ‬
‫فاملتأمل للحضارة اإلسَلمية مثَلً‪ ،‬يرى أن دعوة سيدان حممد ‪.‬صـلى هللا عليـه وسـلم قـد جـاءت‬
‫شـاملة مــن انحيــة املكــان‪ ،‬أي أهنــا لكــل النــاس ِف أيـة بقعــة مــن بقــاع اْلرض‪ ،‬وشــاملة مــن انحيــة الزمــان‪،‬‬
‫أي أهنا ْلجيال البشرية منذ مطلـع اإلسـَلم إىل يـوم الـدين‪ .‬والـذي يطـالع بعمـق سـرية الرسـول ‪.‬صـلى هللا‬
‫عليه وسـلم واتريـخ أصـحابه مـن بعـده‪ ،‬يـدرك بوضـوح االلتـزام الكامـل بتحقيـق "عامليـة" اإلسـَلم‪ 35.‬لقـد‬
‫عــرف العــامل االجتــاه إىل العامليــة ِف مراحــل مبكــرة‪ .‬فكانــت "العامليــة" مــن أبــرز مســات احلضــارة اإلســَلمية‬
‫إِبن ازدهاره ــا‪ ،‬مث ح ــدث ِف مطل ــع الق ــرن الس ــابع عش ــر امل ــيَلدي أن وق ــع حت ــول ِف مش ــال غ ــرب أورِب ِف‬
‫نظــام التجــارة العامليــة بــرز فيــه عنصــر "الفــرض"‪ ،‬وتلــك هــي جــذور "العوملــة" الــيت وظفــت تقنيــة االنقــَلب‬
‫‪36‬‬
‫امليكانيكي مث االنقَلب الصناعي (الدجاين‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)126‬‬
‫وتطرح العاملية أفكاراً إنسانية تنتقل ِبلتبادل بني الثقافات عندما حيدث االحتكاك والتداخل أو‬
‫االمتزاج‪ِ ،‬ف حني تسعى العوملة إىل سلب اخلصم إرادته وهويته‪ ،‬فهي هيمنة وإرادة الخرتاق "اَلخر"‬
‫وسلبه خصوصيته‪ ،‬وِبلتايل نفيه من "العامل"‪ .‬إن العاملية هي إغناء للهوية الثقافية‪ ،‬أما العوملة فهي‬

‫‪33‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪34‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪35‬‬
‫العزمي‪1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 165‬والباش‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.125-124‬‬
‫‪36‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬

‫‪22‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اخرتاق هلا ومتييع (اجلابري‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .)301‬وِف ظل العوملة ال تكون لسيادة الدول نفس اْلمهية‬
‫‪37‬‬
‫اليت تتمتع هبا ِف ظل "العاملية"‪.‬‬
‫ومــا نــود أن إلــص إليــه مــن هــذه الوقفــة أمــام مصــطلحي "العوملــة" و"العامليــة" هــو إب ـراز عنصــر‬
‫"الفرض" هبدف اهليمنة ِف "العوملة"‪ ،‬وغياب القيم اإلنسانية وتوظيف الثـورة التكنولوجيـة واملعلوماتيـة الـيت‬
‫ش ــهدها النص ــف الث ــاين م ــن الق ــرن العش ـرين‪ِ ،‬ف ح ــني جن ــد ق ــوى "العاملي ــة" ت ــدعو إىل الرتكي ــز عل ــى الق ــيم‬
‫صـ ْون اخلصوصــيات‪ ،‬وتو ِظـف ثــورة العلــم التقــين‬ ‫اإلنسـانية الــيت تنــادي ِبملسـاواة والعــدل واحـرتام احلـرَيت و َ‬
‫‪38‬‬
‫فيما تدعو إليه‪.‬‬
‫والعوملة الثقافية هي أصل العوملات االقتصادية واالجتماعية والسياسية واْلخَلقية‪ْ ،‬لن الثقافة‬
‫هي اليت هتيئ اْلذهان والنفوس لقبول تلك اْلنواع اْلخرى‪ ،‬وجتعل الناس مستعدين لَلنضمام إىل‬
‫اْلنظمة واملؤسسات واالتفاقيات الدولية‪ .‬وتعترب الثقافة عنصراً أساسيا ِف حياة كل فرد وكل جمتمع وكل‬
‫‪39‬‬
‫أمة‪.‬‬

‫أتثري الثقافة اإلسالمية يف ثقافات الشعوب اإلسالمية ‪:‬‬


‫وحدة القيم واملثل والتقاليد والعادات أمر ال سبيل إىل انكاره ِف أمة توحدت عقيدهتا ولساهنا‬
‫وفكرها وثقافتها وآماهلا وآالمها‪ ،‬فقد قامت بينها وحدة ِف القيم واملثل والتقاليد والعادات‪ .‬ومن هنا‬
‫يدرك املطلعون على حياة شعوب اْلمة املسلمة كيف ذابت عادات اجلاهلية ِف دَير العرب‪ ،‬وتَلشت‬
‫عادات الوثنية ِف شبه القارة اهلندية واملَليو واندونيسيا والفلبني وأفريقيا وغريها ِبجرد أن آمنت شعب‬
‫تلك الباد ِبإلسَلم الذي ينشر بينهم مفاهيم صلة الرحم وحق اجلار واحلشمة والوقار ونبذ املنكرات‬
‫وأكل الطيبات ويعلمهم أعراف اْلسرة وآداب املعامَلت وما إىل ذلك ؛ حّت إنك ال تشعر بغربة أو‬
‫تنافر حني يضمك مجع من املسلمني الواعني ولو كانوا من أقطار شّت ْلن اإلسَلم وحد قيمهم‬
‫‪40‬‬
‫وتقاليدهم وفق أحكام القرآن ومفاهيم السنة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪38‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪39‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪40‬‬
‫د‪ .‬يوسف العظم‪ ،‬املنهزمون‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق – بريوت‪ 1402 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪268‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪23‬‬


‫االعرتاف ابلثقافات األخرى‪:‬‬
‫اْلفراد حيتاجون اىل االعرتاف هبم كأفراد أوال‪ ،‬وهبويتهم االجتماعية ِف اجلماعة اليت ينتمون‬
‫اليها اثنيا‪ .‬ولكن قد يتنافر املطلبان ويستعصيان على التماثل‪ .‬فهم يرون أهنم يستحقون كل االحرتام‬
‫ويستحقون أن تضمن هلم الدولة احلقوق االنسانية اليت تضمنها جلميع أفرادها ِبوجب القوانني اليت‬
‫حتكم اجملتمع الدميوقراطي‪ .‬ولكنهم يطالبون اجملتمع ِف الوقت نفسه أن يضمن هلم حقوقا خاصة‪،‬‬
‫ومينحهم اعرتافا خاصا ْلهنم أعضاء ِف مجاعة ثقافية مغايرة‪ .‬وبعبارة أخرى ’ أريد منك أن تعرتف أبين‬
‫مثلك متاما ِف مجيع احلقوق‪ ،‬وِف الوقت نفسه أريد منك أن تقبل ِبختَلِف عنك‪ ،‬ولنختصر القضية ِف‬
‫‪41‬‬
‫سؤال‪ :‬هل نعرتف ِبلتماثل أم ِبالختَلف؟ )‬

‫وأيخذ رد فعل السلطات احلكومية على القوميات اإلثنو – لغوية واحدا من املسارين التاليني‬
‫‪42‬‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 1‬قمع الفروق اإلثنو – لغوية‪:‬‬
‫قمع الفروق أيخذ صيغاً خمتلفة‪ ،‬مثل اختاذ سياسات لتفضيل اللغة املهيمنة ( كما ِف اسرتاليا‬
‫واجنلرتا )‪ ،‬والتقنيني ( وضع قوانني لصاحل اللغة الرمسية‪ ،‬كما ِف الوالَيت املتحدة )‪ ،‬ووضع قيود على‬
‫اهلجرة (فرنسا)‪ ،‬والقمع العسكري ( تركيا )‪ ،‬وهي إجراءات غايتها منع بعض اجملموعات اإلثنو – لغوية‬
‫من املشاركة التامة ِف التخطيط والسياسة‪.‬‬
‫‪ - 2‬توسيع الدميقراطية التعددية ‪:‬‬
‫توسيع التعددية الدميقراطية يشمل إعادة إحياء اللغة عرب التمدرس‪ ،‬واالعرتاف الرمسي (املاوري‬
‫ِف نيوزالندا‪ ،‬واملازيغية ِف املغرب )‪ ،‬والتحكم النسيب ِف املؤسسات احمللية (كما عند بعض السكان‬
‫اْلصليني ِف أمريكا )‪ ،‬والتعليم الثنائي ( ِف كندا واملناطق القروية ِف الفلبني )‪ ،‬وإجياد صيغ انجعة‬
‫إلشراك اجلماعة ِف التخطيط والعمل السياسي‪ .‬فالتحدي الكبري هنا هو إجياد صيغ للحكامة تضمن‬
‫للمجموعات اإلثنو‪ -‬لغوية اليت تؤثر فيها السياسات اللغوية أن تلعب دورا هاما ِف صياغة وتنفيذ هذه‬
‫السياسات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪136‬‬
‫‪ 42‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪33 - 32‬‬

‫‪24‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫سنة هللا يف األمم ‪:‬‬
‫الس َم ِاء‬
‫ات ِم ْن َّ‬ ‫َن أَهل الْ ُقرى آمنُوا واتَّـ َقوا لََفتَحنَا علَي ِهم بـرَك ٍ‬
‫مصري القرى املؤمنة‪ :‬قال تعاىل‪َ :‬ولَ ْو أ َّ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ ْ ََ‬
‫ض ولَكِن َك َّذبوا فَأَخ ْذ َانهم ِِبَا َكانُوا يك ِ‬
‫ْسبُو َن(‪ )96‬اْلعراف‪ .‬ومصري القرى الفاسقة الظاملة‪ :‬قال‬ ‫َ‬ ‫َو ْاْل َْر ِ َ ْ ُ َ ُ ْ‬
‫يم َش ِدي ٌد(‪ )102‬هود‪ .‬وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َخ َذهُ أَل ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫َخ َذ الْ ُقَرى َوه َي ظَال َمةٌ إِ َّن أ ْ‬ ‫ك إِذَا أ َ‬ ‫َخ ُذ َربِ َ‬
‫كأْ‬
‫ِ‬
‫تعاىل‪َ :‬وَك َذل َ‬
‫ص ْمنَا ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َوتِْل َ‬
‫اه ْم لَ َّما ظَلَ ُموا َو َج َع ْلنَا ل َم ْهلك ِه ْم َم ْوع ًدا (‪ )59‬الكهف‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬وَك ْم قَ َ‬ ‫ك الْ ُقَرى أ َْهلَكْنَ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ت َهلَا‬ ‫ين (‪ )11‬اْلنبياء‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬وَكأَيِ ْن م ْن قَـ ْريَة أ َْملَْي ُ‬ ‫آخ ِر َ‬
‫َنشأْ َان بـَ ْع َد َها قَـ ْوًما َ‬
‫ت ظَال َمةً َوأ َ‬ ‫قَـ ْريَة َكانَ ْ‬
‫ت ُر ُسلُنَا إِبْـَر ِاه َيم ِِبلْبُ ْشَرى قَالُوا‬ ‫صريُ (‪ )48‬احلج‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬ولَ َّما َجاءَ ْ‬ ‫يل الْم ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ ْذ ُهتَا َوإ ََّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوه َي ظَال َمةٌ ُمثَّ أ َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ني (‪ )31‬العنكبوت‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬وَكأَيِ ْن م ْن قَـ ْريَة َعتَ ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫إِ َّان ُم ْهل ُكو أ َْه ِل َهذه الْ َق ْريَة إِ َّن أ َْهلَ َها َكانُوا ظَالم َ‬
‫اها َع َذ ًاِب نُكًْرا (‪ )8‬الطَلق‪.‬‬ ‫يدا َو َع َّذبْـنَ َ‬ ‫اها ِح َس ًاِب َش ِد ً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن أ َْم ِر َرهبَا َوُر ُسله فَ َح َ‬
‫اسْبـنَ َ‬
‫ك قَـ ْريَةً أ ََم ْرَان ُم ْرتَفِ َيها فَـ َف َس ُقوا فِ َيها فَ َح َّق َعلَْيـ َها‬ ‫ِ‬
‫والفسوق سبب لدمار اْلمم؛ قال تعاىل‪َ :‬وإِذَا أ ََرْد َان أَ ْن ُهنْل َ‬
‫ك َج َع ْلنَا ِِف ُك ِل قَـ ْريٍَة أَ َكابَِر ُْجم ِرِم َيها لِيَ ْم ُك ُروا‬ ‫ِ‬
‫الْ َق ْو ُل فَ َد َّم ْرَان َها تَ ْد ِم ًريا (‪ )16‬االسراء‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬وَك َذل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫اّللُ َمثَ ًَل قَـ ْريَةً َكانَ ْ‬ ‫ب َّ‬ ‫ضَر َ‬‫ف َيها َوَما ميَْ ُك ُرو َن إَِّال ِأبَن ُفس ِه ْم َوَما يَ ْشعُُرو َن (‪)123‬اْلنعام‪ .‬وقال تعاىل‪َ :‬و َ‬
‫ف ِِبَا‬ ‫وع وا ْخلو ِ‬ ‫اّللِ فَأَذَاقَـها َّ ِ‬ ‫ت ِأبَنْـعُ ِم َّ‬ ‫ِآمنَةً مطْمئِنَّةً أيْتِيها ِرْزقُـها ر َغ ًدا ِمن ُك ِل م َك ٍ‬
‫اس ا ْجلُ ِ َ َْ‬ ‫اّللُ لبَ َ‬ ‫َ‬ ‫ان فَ َك َفَر ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ‬
‫ك الْ ُقَرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ليُـ ْهل َ‬ ‫صنَـعُو َن(‪ )112‬النحل‪ .‬واإلصَلح سبب لنجاة اْلمم؛ قال تعاىل‪َ :‬وَما َكا َن َربُّ َ‬ ‫َكانُوا يَ ْ‬
‫‪43‬‬
‫صلِ ُحو َن (‪ )117‬هود‪.‬‬ ‫بِظُْل ٍم َوأ َْهلُ َها ُم ْ‬
‫قال ابن تيمية رمحه هللا ‪ " :‬فإن الناس مل يتنازعوا ِف أن عاقبة الظلم وخيمة‪ ،‬وعاقبة العدل كرمية؛ ولذا‬
‫يروى ‪ :‬هللا ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة‪ ،‬وال ينصر الدولة الظاملة وإن كانت مؤمنة‪ 44 .‬وهذا‬
‫اجلانب‪ ،‬ال يصح إغفاله ِف هذه القضية‪ ،‬وهو أن هللا تعاىل قد ينصر أمة كافرة على أمة مسلمة؛ عقوبة‬
‫اّللُ َو ْع َدهُ إِ ْذ‬
‫ص َدقَ ُك ُم َّ‬
‫هلا على معاصيها‪ ،‬وشاهد هذا ما حصل ِف غزوة أحد‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َ‬
‫صْيـتُ ْم ِم ْن بـَ ْع ِد َما أ ََرا ُك ْم َما ُِحتبُّو َن ِمْن ُك ْم َم ْن يُِر ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وهنُْم ِبِِ ْذنه َح َّّت إِذَا فَشلْتُ ْم َوتَـنَ َاز ْعتُ ْم ِِف ْاْل َْم ِر َو َع َ‬
‫َحتُ ُّس َ‬
‫صَرفَ ُك ْم َعْنـ ُه ْم لِيَـْبـتَلِيَ ُك ْم﴾ (‪ )152‬آل عمران‪.‬‬ ‫الدنْـيا وِمْن ُكم من ي ِر ُ ِ‬
‫يد ْاَلخَرةَ ُمثَّ َ‬ ‫ُّ َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫وقال الدكتور‪ /‬ربيع بن حممد بن علي ِف كتابه (الغارة على العامل اإلسَلمي)‪ :‬اْلمة الواعية كذلك هي‬
‫اليت تدرك أهنا بتجرئها على املعاصي وابتعادها عن منهج إسَلمها وشريعة خالقها‪ ،‬جتلب عليها سخط‬

‫‪43‬‬
‫مجعه د‪ .‬السيد العرب بن كمال‬
‫‪44‬‬
‫الفتاوى‪63 / 28 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪25‬‬


‫هللا الذي قد يتسبب ِف أن يبعث عليها من يسومها‪ -‬بسبب معاصيها‪ -‬سوء العذاب‪ ،‬وِف اْلثر أن‬
‫بعض أنبياء بين إسرائيل نظر إىل ما يصنع هبم خبتنصر من إذالل وقهر وإِبدة وقتل وتشريد فقال‪ِ( :‬با‬
‫سلطت علينا من ال يعرفك وال يرمحنا)‪ .‬وذكر ابن أب الدنيا عن الفضيل بن عياض أنه‬
‫َ‬ ‫ت أيدينا‬
‫كسبَ ْ‬
‫قال‪ :‬أوحى هللا إىل بعض أنبيائه‪( :‬إذا عصاين من يعرفين سلطت عليه من ال يعرفين)ـ‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الفصل الثاين‬

‫اللغة ومفهومها‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪27‬‬


‫اللغة ومفهومها‬
‫تعريف اللغة‪:‬‬
‫جاء ِف تعريفها ‪:‬‬
‫اللسن‪ ،‬وهي فـُ ْعلَة من لَغَوت؛ أي‪ :‬تكلَّمت‪ ،‬أصلها‪ :‬لُغْ َوة‪ ،‬وقيل‪ :‬أصلها‪ :‬لُغَ ٌي أو لُغٌَو‪،‬‬
‫الصواب وعن الطَّريق‪ ،‬إذا‬ ‫ومجعُها‪ :‬لُغًى ولغات ولُغُون‪ ،‬وقيل‪ :‬أُخذت اللغةُ من قوهلم‪ :‬لغا فَل ٌن عن َّ‬
‫ْلن هؤالء تكلَّموا بكَلم مالوا فيه عن لغة هؤالء اَلخرين‪ ،‬وقيل‪ :‬إ َّهنا ما جرى على لسان‬ ‫مال عنْه؛ َّ‬
‫كل قوم‪.‬‬
‫وقد قيل‪َّ :‬إهنا الكَلم املصطلح عليه بني كل قبيلة‪ ،‬اختلف العُلماء ِف ْتعريف اللُّغة ومفهومها‪،‬‬
‫ُ‬
‫السبب إىل ارتِباط اللغة بكث ٍري من العلوم‪.‬‬
‫شامل على مفهوم اللغة‪ ،‬ويرجع َّ‬ ‫وليس هناك اتفاق ِ‬
‫َّأول َمن عرف اللغة أبو الفتح عثمان بن جين ِف كتابه "اخلصائص"‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫إن اللغة هي‬
‫قوم عن أغراضهم‪.‬‬‫جمموعة من اْلصوات يعرب هبا كل ٍ‬
‫ُّ‬
‫وتتميَّز كل لغة عن غريها من اللُّغات بصفات جوهريَّة تُباعد ما بينها وبني غريها‪ ،‬فإن كانت‬
‫فصل‪ ،‬وهذا التَّعريف قاصر ْلنَّه اعتمد على اللغة اللفظيَّة فقط‬ ‫َّفاهم مل تؤد إىل ْ‬
‫الفروق يسريةً ال متنع الت ُ‬
‫اصل بني النَّاس‪.‬‬
‫اجلسد وأمهيَّتها ِف التَّو ُ‬
‫و ْأمهل اللغة غري اللفظية‪ ،‬كلغة اإلشارة ولغة َ‬
‫عرفها بعض اللُّغويني َّ‬
‫أبهنا‪َ :‬جمموعة من الرموز اللفظيَّة وغري‬ ‫ولِتَلِف هذا القصور ِف التَّعريف َّ‬
‫قوم عن أغراضهم‪.‬‬ ‫اللفظيَّة يعرب هبا كل ٍ‬
‫ُّ‬
‫عليها بني أبناء الوطَن الواحد‪ ،‬أو‬‫أبهنا‪ :‬جمموعة من الرموز واملصطلحات متَّفق ْ‬ ‫بعضهم َّ‬
‫وعرفها ُ‬ ‫َّ‬
‫لتبادل املعرفة فيما بينهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بني أبناء اجملتمع الواحد؛ لتكون وسيلةً ُ‬
‫ومتَّ االتفاق على التَّعريف االصطَلحي الشامل للُّغة‪ :‬اللُّغة عبارة عن نظام صوت َميتلِك سياقًا‬
‫اجتِماعيًّا وثقافيًّا له دالالتُه ورموزه‪ ،‬وهو قابل للنُّمو والتطور‪ ،‬وخيضع ِف ذلك للظروف التَّارخييَّة‬
‫‪45‬‬
‫واحلضاريَّة اليت مير هبا اجملتمع‪.‬‬
‫وِبلرغم من االختَلفات الكثرية ِف حتديد مفهوم اللغة إال أن الكل جيمع على أهنا لسان‬
‫الثقافة وعنوان احلضارة وترمجاهنا‪ .‬فاللغة هي القناة اليت من خَلهلا تنتقل العلوم من اْلمة وإليها وفيها‬
‫وعنها‪ ،‬وهي وعاء الفكر وميدان اإلبداع‪ ،‬واللغة كما يراها علماء اللغوَيت والنفسيات‪ ":‬خاصية فكرية‬

‫‪45‬‬
‫د‪ .‬فاطمة لطفی كودرزی‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬

‫‪28‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫حد كبري جداً جتعل اإلنسان قادرا‬‫لفظية حتتوي على قواعد صوتية وصرفية وحنوية وداللية معقدة إىل ٍ‬
‫على ربط وبناء عدد ال هنائي من الرتاكيب اللغوية املتنوعة‪ ،‬كما تدل على أنه ليس لدى أي من‬
‫املخلوقات اْلخرى غري البشرية لغة حقيقة تتوفر فيها مجيع الصفات اليت تتوفر ِف لغة اإلنسان مما يشري‬
‫إىل وجود خلفية لغوية فطرية يُزود هبا اخلالق الطفل عند والدته لتساعده على تعلم اللغة واستخدامها"‪،‬‬
‫وهي كما يراها علماء البيئة واَلاثر وسيلة يبتكرها اإلنسان لكي يتكيف مع بيئته من خَلل تطوير‬
‫أساليب االتصال والتخاطب فهي أبنة البيئة ونبتتها‪ .‬وهلذا فإن كلمات اللغة ومفرداهتا ما هي إال‬
‫تراكيب بيئية جمردة‪ ،‬ذات أبع اد مفاهيمية متعددة يتوازى عمق املفهوم هبا مع عمق املفردة أو الكلمة ِف‬
‫البيئة وتتسق هذه الرتاكيب اللغوية فيما بينها لتؤلف بناءً وإطاراً ثقافياً يؤثر ِف النظرة العامة للبيئة والفرد‬
‫واجملتمع‪.‬‬
‫فكرة اجلماعة اللغوية اليت تتألف من أفراد يشرتكون ِف استخدام شفرة لغوية واحدة‪ ،‬بوسعنا أن‬
‫نطرح فكرة جمتمعات اخلطاب؛ لإلشارة إىل اْلساليب املشرتكة اليت متيز استخدام أعضاء مجاعة‬
‫اجتماعية واحدة للغة ِبلشكل الذي حباجتهم االجتماعية‪ .‬وليس ما مييز استخدامهم للغة من غريهم‬
‫هو املَلمح النحوية واملعجمية والصوتية للغتهم فحسب ( كما الشأن ِف خطاب املراهقني ولغة املهنيني‬
‫ولغة السياسيني)‪ ،‬ولكن ما مييز استخدامهم للغة عن غريهم هو اختيارهم للمعلومات اليت يتناولوهنا ِف‬
‫حديثهم‪ ،‬والطريقة اليت يقدمون هبا املعلومات‪ ،‬واْلسلوب الذي من خَلله يتفاعلون وِبختصار كل ما‬
‫ميكن أن نسميه لكنة اخلطاب‪ .‬ولنضرب مثَل لذلك مثَل الفرق بني االمريكيني والفرنسيني ِف‬
‫استخدامهم لعباره "شكرا لك"‪ ،‬حيث يستخدمها اْلمريكيون للرد على حتية او جماملة او اطراء وكأهنم‬
‫يعربون عن امتناهنم لشخص منحهم شيئا؛ فيقول أحدهم لآلخر ‪ :‬يعجبين قميصك!" فريد ذلك اَلخر‬
‫بقوله‪" :‬اوه‪ ،‬شكرا لك!" أما الف رنسي الذي ينزع إىل أن يرى ِف مثل هذه اجملاملة تعدَي على حريته‬
‫الشخصية فإنه يعمل على التقليل من شأن اجملاملة ويسعى للحط من قيمتها فيكون رده‪" :‬اوه‪ ،‬حقا؟‬
‫إنه قدمي جدا!" وينشأ رد الفعل عند اجلماعتني من اختَلف درجة أمهية اجملاملة ِبلنسبة للناس ِف كلتا‬
‫‪46‬‬
‫الثقافتني ودرجة االرتباك اليت تسببها مثل هذه التعليقات الشخصية عند كل منهما‪.‬‬
‫إن نظران إىل خارطة لغوية للعامل‪ ،‬وحبثنا ِف الدول وِف حدودها عن الشعوب وعن لغاهتم‪ ،‬فإننا‬
‫سوف جند أنفسنا أمام شبكة معقدة متداخلة متعددة الطبقات‪ِ :‬ف طبقتها اْلوىل أشكال لغوية مغرقة‬
‫ِف طابعها احمللي‪ ،‬أي لغات كل واحد منها لغة حملية حمصورة ِف قطيعها‪ ،‬تعلو هذه الطبقة اْلوىل‬

‫‪46‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪21-20‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪29‬‬


‫طبقات أخرى‪ :‬لغات إقليمية على مستوى إقليم من أقاليم الوطن‪ ،‬مث لغات وطنية على مستوى الوطن‬
‫أبسره‪ ،‬وفوق هذه وتلك لغات‪ ،‬كل واحدة منها لغة انقلة منتشرة عابرة لألوطان‪ ،‬حبيث تشكل هذه‬
‫‪47‬‬
‫الطبقات مجيعاً نسيجاً معقداً متحركاً‪.‬‬

‫لفظ لسان ‪ /‬ولفظ لغة ‪:‬‬


‫استخدم القرآن الكرمي لفظة " لسان " للداللة على اللغة‪ ،‬فلم ترد لفظة لغة ِف القرآن الكرمي‬
‫ِبعناها املتداول‪ .‬ومتقدمو اللغويني العرب استخدموها ِبستخدام القرآن الكرمي‪ ،‬ويطلقون لفظ لغة على‬
‫ما نسميه " هلجة " ( فرع )؛ ولذلك يقولون ‪ :‬فيه لغة ‪ /‬لغة متيم ‪ /‬لغات العرب‪...‬‬
‫احململة ِبملعاين اْلُوىل "الرمي وما‬ ‫ِ‬
‫الدالالت َّ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫وجاءت تصاريف" لغو"‪ ،‬أو "لغي" فيه لتؤد َ‬ ‫ْ‬
‫تطور عنه‪ِ ،‬من مثل القبيح قوالً وفعَلً‪ ،‬والعيب‪ ،‬وال ُفحش‪ ،‬واليمني غري املقصودة‪،48‬‬ ‫يتَّصل به‪ ،‬وما َّ‬
‫يف ِف املعاين القرآنيَّة‪ ،‬وغريها ممَّا ميكن عدُّه ِف دائرة الكَلم‬
‫أن العرب استخدموا تلك التصار َ‬ ‫على َّ‬
‫‪49‬‬ ‫البشري حينًا بظَلل املعاين اْلُوىل املستكرهة‪ ،‬وحينًا ِبَع ِزل عن تلك ِ‬
‫الظَلل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وهكذا استخدم العرب كلمة "لغة"‪ ،‬وكلمة "لغات" للداللة على اللَّهجات اليت كانت منتشرةً‬
‫قبائل تعيش ِف َحيِز جغراِف (احلجاز‪ ،‬اليمن)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِف اجلزيرة العربيَّة‪ ،‬وترتبط كلٌّ منها بقبيلة‪ ،‬أو جمموعة َ‬
‫وقد تُنسب اللغة إىل القبيلة‪ ،‬ال إىل املكان (متيم)‪ ،‬فكانوا يقولون‪ :‬لُغة أهل احلِجاز‪ ،‬ولُغة أهل اليمن‪،‬‬
‫أو لغة بين متيم‪ ،‬كما يقولون‪ :‬لُغة قُـَريْش‪ ،‬ولُغة ُه َذيل‪ ،‬وجاء اللُّغويُّون والذين عُنوا جبمع اللُّغة وتقعيدها‪،‬‬
‫التعبري عن اللغة‪ ،‬من حيث هي لغةُ القبائل العربيَّة‬ ‫َ‬ ‫االستخدام عينَه‪ ،‬فإذا ما أرادوا‬
‫َ‬ ‫فاستخدموا "لغة"‬
‫‪50‬‬
‫أيضا "لغة"‪ ،‬و"العربية"‪.‬‬‫مجيعا‪ ،‬استخدموا ً‬‫ً‬
‫‪51‬‬
‫حقائق متعلقة ابللغة ‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسات اللغوية‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة )‪ ،‬ص ‪61‬‬
‫‪48‬‬
‫أيضا‪ :‬الفريوز آِبدي‪" :‬بصائر ذوي التمييز"‪ ،‬حتقيق عبدالعليم الطحاوي‪،‬‬
‫السابق (‪ ،)1013/2‬وانظر ً‬
‫القاهرة‪ ،‬اجمللس اْلعلى للشؤون اإلسَلمية‪1412 ،‬هـ ‪1982 -‬م‪( ،‬جـ‪.)434 /4‬‬
‫‪49‬‬
‫فيصل احلفيان‪ ،‬اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪50‬‬
‫فيصل احلفيان‪ ،‬اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫د‪ .‬خمتار الطاهر حسني تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة ( رسالة دكتوراه‪ 1424 ،‬هـ‪،‬‬ ‫‪51‬‬

‫ص ‪123-121‬‬

‫‪30‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫رغم أن علماء اللغة احملدثني‪ ،‬مل يتمكنوا حّت اَلن مـن اإلجابـة عـن كـل اْلسـئلة اخلاصـة ِبللغـة‪،‬‬
‫إال أهنــم اســتطاعوا أن يقــدموا لنــا كثـرياً مــن احلقــائق املتصــلة ِبلظــاهرة اللغويــة‪ ،‬ومــن أهــم تلــك احلقــائق مــا‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬اللغة أصوات‪.‬‬
‫‪ .2‬اللغة جمموعة من الرموز االعتباطية‪.‬‬
‫‪ .3‬تدل الرموز اللغوية على معان متعارف عليها بني أصحاب اللغة‪.‬‬
‫‪ .4‬اللغة ظاهرة منتظمة‪.‬‬
‫‪ .5‬اللغة ذات طبيعة توليدية‪.‬‬
‫‪ .6‬اللغة مواضعة واصطَلح‪.‬‬
‫‪ .7‬كلمات أي لغة متناهية‪.‬‬
‫‪ .8‬ختتلف اللغات من جمتمع إىل آخر‪.‬‬
‫‪ .9‬اللغة وسيلة تعبري‪.‬‬
‫‪ .10‬اللغة نشاط قصدي‪.‬‬
‫‪ .11‬اللغة ملكة لسانية‪.‬‬
‫‪ .12‬اْلصوات اللغوية حمدودة‪.‬‬
‫‪ .13‬اجلمل ِف اللغة غري حمدودة‪.‬‬
‫‪ .14‬للغة نظام من القواعد‪.‬‬
‫‪ .15‬اللغة ظاهرة معقدة‪.‬‬
‫‪ .16‬اللغة متغرية ومتطورة‪.‬‬
‫‪ .17‬اللغة تكتسب‪ ،‬أو تتعلم‪.‬‬
‫‪ .18‬تستخدم اللغة ِف إطار ثقافة أصحاهبا‪.‬‬
‫‪ .19‬اللغة مكتملة نسبيا‪ ،‬لتلبية حاجات أصحاهبا‪ ،‬وهي تنمو كلما دعت احلاجة إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ .20‬للغة ثَلثة مستوَيت ‪ :‬املستوى الصوت‪ ،‬واملستوى النحوي‪ ،‬واملستوى الداليل‪.‬‬
‫‪ .21‬اللغة ظاهرة اجتماعية وفردية‪ ،‬وهبذا املفهوم تدخل اللغة ِف جمال العلوم االجتماعية واإلنسانية‪.‬‬
‫‪ .22‬اللغــة هــي الوســيلة الــيت متكِـن أفـراد اجلماعــة اللغويــة الواحــدة‪ ،‬مــن االتصــال ببعضــهم بعضــا‪ ،‬عــن‬
‫طريق املشافهة أو الكتابة‪ ،‬ما داموا يتقنون نظام تلك اللغة‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪31‬‬


‫‪ .23‬اللغة هي املرآة اليت تعكس ثقافة اجلماعة اليت تستخدمها‪.‬‬
‫‪ .24‬يســتعمل كــل فــرد اللغــة للتعبــري عــن نفســه بصــورة‪ ،‬ختتلــف عــن غــريه‪ ،‬والفــرد يعــرب عــن نفســه مــن‬
‫خ ــَلل الش ــفرة ال ــيت يس ــتخدمها مجي ــع أف ـراد اجلماع ــة اللغوي ــة‪ ،‬وإذا مل يك ــن ذل ــك ك ــذلك‪ ،‬فس ــيكون‬
‫التفاهم متعذراً بني أفراد اجلماعة الواحدة‪.‬‬
‫‪ .25‬اللغــة ليســت جــزءاً مــن الثقافــة‪ ،‬بــل هــي مركــز الثقافــة‪ ،‬كمــا أهنــا هــي العنصــر اْلســاس‪ ،‬الــذي يــتم‬
‫عن طريقه التعبري عن أهم أشكال الثقافة ِف اجلماعة اللغوية‪.‬‬
‫‪ .26‬اللغ ــة نش ــاط خ ــاص ِبإلنس ــان‪ ،‬وه ــي مكتس ــبة عن ــده‪ .‬وعن ــدما يول ــد الف ــرد يك ــون م ــزوداً ِبق ــدرة‬
‫عضوية وعصبية‪ ،‬تساعده على اكتساب اللغة‪.‬‬
‫‪ .27‬اللغــة املنطوقــة ظــاهرة عامليــة‪ ،‬ومجيــع النــاس اْلســوَيء ِف العــامل قــادرون علــى حتــدث اللغــة‪ ،‬ولــيس‬
‫هناك مجاعة بشرية بَل لغة ِف العامل‪ ،‬قدمياً أو حديثاً‪.‬‬
‫‪ .28‬يس ـ ــتطيع ك ـ ــل أف ـ ـراد اجلماع ـ ــة اللغوي ـ ــة‪ ،‬حت ـ ــدث اللغ ـ ــة بطريق ـ ــة متكِ ـ ـنهم م ـ ــن أداء مجي ـ ــع اْلنش ـ ــطة‬
‫والوظائف اْلساسية ِف احلياة واجملتمع‪.‬‬
‫‪ .29‬إذا كانت اللغة املنطوقة ظاهرة موجودة ِف مجيع اجملتمعات البشـرية ‪ -‬قدميـة وحديثـة ‪ -‬فـإن اللغـة‬
‫املكتوب ــة ظ ــاهرة حديث ــة نس ــبياً‪ ،‬وه ــي تتواج ــد ِف جمتمع ــات دون جمتمع ــات‪ ،‬كم ــا أن م ــن اْلف ـراد م ــن‬
‫يعرف اللغة املكتوبة‪ ،‬ومنهم من ال يعرفها‪.‬‬
‫‪ .30‬لــيس هنــاك مــا يســمى ِبللغــات املتخلفــة بــل كــل لغــة مــن اللغــات البشـرية قــادرة علــى القيــام بكــل‬
‫اْلنش ــطة‪ ،‬ال ــيت ميارس ــها أص ــحاهبا ِف احلي ــاة واجملتم ــع‪ .‬ونَلح ــظ أحي ــاانً عل ــى بع ــض اجملتمع ــات‪ ،‬أهن ــا‬
‫متلك معجما حمدوداً من اْللفـاظ‪ ،‬والسـبب ِف ذلـك أن الوظـائف االجتماعيـة الـيت متارسـها ال حتتـاج‬
‫إىل أكثر من ذلك املعجم احملدود‪ .‬كما نَلحظ علـى جمتمعـات أخـرى‪ ،‬أهنـا متلـك معجمـاً واسـعاً مـن‬
‫اْللف ــاظ ح ــّت تع ــرب ع ــن حاجاهت ــا الكث ــرية املتط ــورة‪… ( .‬ولنب ــادر فنق ــول‪ ،‬إن ه ــذه اجملتمع ــات ق ــد‬
‫تكون بدائية ِف كل شيء إال ِف اللغة … وكثريا ما تعطينا هذه اجملتمعـات مـادة لغويـة كاملـة النمـو‪،‬‬
‫تـوازي ِف الدقــة والتعقيــد أحــدث لغــات احلضــارة‪ ،‬وتعطينــا ِف أحيــان أخــرى كيــاان لغــوَي مـران متطــورا‪،‬‬
‫وصــل إىل درجــة مــن البســاطة واليســر حيســد عليهــا‪ .‬وعنــد إمعــان النظــر‪ ،‬يتبــني أن الفــرق اللغــوي بــني‬
‫اْلمم الفطرية املعاصرة‪ ،‬واْلمم املتمدنة‪ ،‬ليس ِف منط التعبري ِبلكـَلم بقـدر مـا هـو ِف اْلفكـار‪ .‬لـيس‬
‫ِف النحــو والص ــرف‪ ،‬وعل ــم اْلص ـوات‪ ،‬وإمن ــا ه ــو ِف املعج ــم‪ِ ،‬ف مــا اللغ ــة‪ِ ،‬ف الث ــروة اللفظي ــة‪.) ...‬‬
‫(‪)31‬‬

‫‪32‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ .32‬اللغة أكثر الظواهر االجتماعية تعقيداً عند اإلنسان‪ ،‬وهلذا فهي ِف حاجة إىل دراسة دائمة‪.‬‬
‫وينبغي أن تكون دراسة اللغة أمراً شامَلً‪ ،‬غري منحصر ِف جانب واحد من جوانبها املتعددة‪.‬‬
‫‪ .33‬اْلمناط اللغوية حمدودة ِف كل لغة‪ ،‬ويتم توليد مجل غري حمدودة من تلك اْلمناط احملدودة‪.‬‬
‫‪ .34‬ميلك الناطق ِبللغة مقدرة‪ ،‬متكنه من معرفة مجيع اجلمل املوجودة ِف لغته‪.‬‬
‫‪ .35‬لكل لغة قواعد حتكمها‪ ،‬ويستخدم الناطق ِبللغة تلك القواعد بطريقة غري واعية‪.‬‬
‫‪ .36‬املعايري اليت توصف هبا لغة ما‪ ،‬جيب أن تنبثق من تلك اللغة‪ ،‬ال من غريها‪.‬‬
‫‪ .37‬اْلساس ِف اللغة الكَلم‪ ،‬والكتابة نظام اثنوي‪ ،‬وهي خمتلفة ِف بعض مظاهرهـا عـن الكـَلم‪،‬‬
‫فهي مثَلً ال حتتوي على اْلصوات والنرب والتنغيم والوقفة‪.‬‬

‫َّفاهم بني اْلفراد‪َّ ،‬‬


‫وإمنا تتجاوز‬ ‫اللغة ‪ -‬كما ِ‬
‫يقرر أكثر علمائها ‪ -‬ال تقتصر وظيفتُها على الت ُ‬
‫ذلك إىل اْلداة الَّيت يتعلَّم ويفكِر هبا اإلنسان‪ ،‬فهي تقود عقلَه وتوجهه‪ ،‬وهبا يستدل على السلوك القومي‬
‫منظمة العَلقات‬‫مع اَلخرين‪ ،‬وهي ‪ -‬فضَل عن ذلك ‪ -‬حتفظ الرتاث الثَّقاِف للمجتمعات؛ فهي إذًا ِ‬
‫اجملتمع وأهم أدوات احلفاظ على كيانِه‪ ،‬ويتبع ذلك َّأهنا‬
‫االجتماعية‪ ،‬ووسيلة التعامل والتعاون بني أفراد ْ‬
‫مقومات احلضارة‬ ‫ِ‬
‫املتحضرة‪ ،‬و َّأهنا من أهم ِ‬ ‫وتداوهلا ِف اجملتمعات‬ ‫ِ‬
‫اْلول ِف انتشار الثَّقافة ُ‬ ‫العامل َّ‬
‫اإلنسانيَّة‪.‬‬

‫املسؤول عن اللغة هو الشق األيسر من املخ ‪:‬‬


‫ينقسم املخ البشري إىل نصفني أو شقني الشق اْلمين والشق اْليسر ؛ النصف اْليسر يتحكم‬
‫ِف حركات اجلانب اْلمين من اجلسم‪ ،‬والنصف اْلمين يتحكم ِف حركات اجلانب اْليسر‪ .‬والبحوث‬
‫التشرحيية كشفت الفرق اجلوهري بني الشقني‪ ،‬وأحد هذه الفروق أن " الشق اْليسر " حيتوي مناطق‬
‫اللغة‪ .‬إذا مهس شخص ِف أذنك اليسرى بكلمـة أو كلمات‪ ،‬فإن اإلشارة الصوتية سوف تتجه مباشرة‬
‫إىل النصف اْلمين للمخ‪ ،‬قبل أن تعرب املمر إىل النصف اْليسر‪ ،‬حيث يتم التعامل مع مثل هذه‬
‫اإلشارات اللغوية‪ .‬وإصابة النصف اْليسر للمخ يؤدي إىل احلبسة‪ ،‬بينما ال تنتج احلبسة عن إصابة‬
‫النصف اْلمين‪.‬‬

‫اللغة القياسية ‪:‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪33‬‬


‫عادة ما يتم التعبري عن هذه اهلوية القومية بلغة تسمى اللغة القياسية وهي لغة متكلفة مت‬
‫تلفيقها وتعديلها من هلجات متعددة‪ .‬فعندما خيتار جمتمع ما صيغة لغوية يقيس هبا االختَلف بني‬
‫املواطنني والدخَلء فإنه يسعى لدفع اخلروج عنها من خَلل القواعد النحوية اليت تضعها‪ ،‬املعاجم‬
‫اللغوية وتدرسيها ِف املدارس للنشء ِف اطار النظام التعليمي القومي الذي ينتجه ذلك اجملتمع‪.‬‬
‫( ما يستحق املَلحظة أن اللغة القياسية أتخذ دائما الشكل املكتوب ويعني على احلفاظ‬
‫عليها ثقافة مكتوبة متعمدة كان من مهامها اْلخرى العمل خلدمة مجلة من املصاحل السياسية‬
‫‪52‬‬
‫واالقتصادية واْليديولوجية )‬
‫( وحني تشعر بعض اجملتمعات أن هناك خطرا يتهدد هويتها الثقافية والسياسية فإهنا تنهض‬
‫للدفاع عن لغتها‪ ،‬وتنشط للحفاظ عليها‪ ،‬ولَلهتمام ِبحيائها (حدث ذلك ِف كيبك الكندية وبلجيكا‬
‫‪53‬‬
‫وويلز ومناطق أخرى كثرية ِف العامل‪) .‬‬

‫االزدواجية اللغوية ‪:‬‬


‫االزدواجية حالة لسانية مستقرة نسبياً‪ ،‬يتواجد فيها مستويني للكَلم‪ ،‬قد يكون املستوَين من‬
‫نفس اللغة (كالعامية والفصحى)‪ ،‬أو من لغتني خمتلفتني (كالعربية والفرنسية)‪ ،‬وهذان املستوَين‬
‫يستخدمان بطريقة متكاملة‪ ،‬وأحدمها له موقع اجتماعي ثقاِف مرموق نسبياً على اَلخر عند اجملموعة‬
‫اللغوية الناطقة هبذه اللغة‪ .‬وِف كل جمتمع لغوي هناك أكثر من مستوى من مستوَيت اللغة‪.‬‬
‫يستخدم داخل الوطن العرب عدة مستوَيت من اللغة‪ ،‬منها الفصيح ومنها العامي ومنها ما‬
‫هو خليط منهما‪ ،‬والعامية ليست واحدة‪ ،‬بل عاميات‪ ،‬وحّت داخل الوطن العرب الواحد خيتلف‬
‫مستوى العامية فقد يكون لشرقه عامية ختتلف عن غربه وعن مشاله وعن جنوبه وعن وسطه‪ ،‬وإن كانت‬
‫تلتقي ِف أشياء كثرية‪ ،‬كما أهنا ِف بعض البَلد العربية ال تبتعد عن الفصحى كثريا‪ ،‬وهذه العاميات تربز‬
‫ِف احلديث اليومي والسيما ِف الشارع‪ ،‬ويندر ورودها ِف اللغة املكتوبة‪ ،‬كما يندر مساعها على املنابر‬
‫وامللتقيات الرمسية‪ ،‬إذن قد يتحدث العرب أبسلوب خيتلف عن اْلسلوب الذي يكتبون به‪ ،‬كما حديث‬
‫بعضهم مع بعض ِبلعامية‪ ،‬وحديثهم مع اْلجنيب ِبللغة اهلجني‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪125‬‬
‫‪53‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪126‬‬

‫‪34‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وخيتلف قرب العامية من الفصحى حسب البَلد واملناطق‪ ،‬فيقل ِف بعضها ويزداد ِف بعضها‪.‬‬
‫وِف كثري من املناطق الفارق بني الفصحى والعامية قليل‪.‬‬
‫بني الفصحى والعامية ‪:‬‬
‫• الفرق بني الفصحى والعامية ِف بعض البَلد العربية مبالغ ِف تضخيمه‪.‬‬
‫• كثري من اْللفاظ العامية ِف بعض البَلد العربية إذا ُحركت اقرتبت من أصلها الفصيح‪.‬‬
‫• احتفظ العرب ِف هلجاهتم بكثري من البناء الصرِف للعربية‪.‬‬
‫• أغلب ما أخلوا فيه هو حركات اإلعراب‪.‬‬
‫• واللهجات العامية على اختَلفها مل حتل دون فهم عامة اجلماهري العربية لفصحى العربية‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬الفرق بني الفصحى والعامية مبالغ ِف تضخيمه‪ ،‬فكثري من اْللفاظ العامية إذا ُحركت‬
‫عادت إىل أصلها الفصيح من زاوية‪ ،‬ومن زاوية اخرى فالدراسات تثبت قرهبما من بعض؛ ففي دراسة‬
‫أجريت على املفردات عند اْلطفال املصريني الداخلني إىل املدرسة ثبت أن ‪ % 80‬من الكلمات اليت‬
‫يستخدموهنا مشرتكة بني العامية والفصحى‪ ،‬وِف دراسة أخرى حول لغة اْلطفال املصريني الشفهية ِف‬
‫َ‬
‫الصفوف اْلوىل من املدرسة االبتدائية تبني أن نسبة الكلمات اليت ال متت إىل الفصحى بصلة بلغت‬
‫‪ % 3 ،5‬فقط ِف الصف اْلول‪ ،‬و‪ % 2 ،5‬فقط ِف الصف الثاين‪ ،‬و‪ % 2‬فقط ِف الصف الثالث‪،‬‬
‫وِف دراسة اثلثة تبني أن ‪ % 72 ،8‬من الكلمات اْلكثر شيوعاً ِف كتب القراءة املستخدمة ِف رَيض‬
‫اْلطفال وِف السنتني اْلوليني من االبتدائية ِف مصر موجودة ِف العامية‪54 .‬هذا هو حجم الفروق بني‬
‫الفصحى والعامية ِف مصر‪ ،‬واللهجة املصرية من أبرز اللهجات العربية‪ ،‬ولذا فالفارق بني الفصحى‬
‫والعامية ِف مثل جزيرة العرب سيكون – ِبلطبع – أقل‪.‬‬

‫وهذه أمثلة لكلمات يظنها بعض الناس عامية وهي فصيحة ‪:‬‬
‫يع ‪:‬‬
‫ْ‬
‫يستخدمها بعضنا بعاميته‪ ،‬وهي ِف اللغة صحيحة مثل ( كخ ) تعين ‪ :‬كلمة زجر لنهي الطفل عن‬
‫تناول شيء قـذر ! (احمليط ِف اللغة البن عباد)‬

‫‪ 54‬حممود كامل الناقة‪ :‬أساسيات ِف تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬ص‪ ،49 .‬نقَلً عن النحو الغائب لعمر‬
‫يوسف عكاشة ص ‪89‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪35‬‬


‫خلَّ أو يلخ ‪:‬‬
‫وضرب‪ ،‬وهو استخدام صحيح من استخداماهتا الفصيحة ِف‬
‫َ‬ ‫لطم‬
‫تُستخدم ِف بعض العاميات ِبعىن َ‬
‫اللغة (احمليط ِف اللغة البن عباد)‬

‫هياط أو مهايط أو يهايط ‪:‬‬


‫تُستخدم ِف العامية ِبعىن كَلم وصياح وجلَبة بَل منفعة‪ ،‬وهو استخدام فصيح هلا ِف اللغة (لسان‬
‫العرب البن منظور)‬

‫طـَس ‪:‬‬
‫ذهب‪ ،‬واالستخدام فصيح‪ ،‬تقول العرب قدمياً ‪ :‬ال أدري أين طَس !‬
‫تُستخدم ببعض العاميات ِبعىن َ‬
‫ذهب (القاموس للفريوزآِبدي)‬
‫ِبعىن أين َ‬

‫َد ْر َعم ‪:‬‬


‫ِبعىن تَـ َعج َل ِف شيء خاصة ِف املشي‪ ،‬وهو صحيح كما جاء ِف اللغة‪ ،‬واالسم منه ‪ :‬الد ْرعمة‪ ،‬ومثلها‬
‫الدعرمة (احملكم البن سيده)‬

‫َرفَْلء‪ْ ،‬أرفل ‪:‬‬


‫المرأة أو رجل ال ُْحيسنان التصرف والتدبري‪ ،‬واالستخدام صحيح جاءت هبما معاجم اللغة للمعىن‬
‫نفسه (لسان العرب البن منظور)‬

‫صقول ‪:‬‬
‫العُ ْ‬
‫ِبعىن النحيف‪ ،‬وِف اللغة ‪ :‬اجلراد‪ ،‬واالستخدام صحيح جمازاً بتشبيه اإلنسان املقصود ِبجلراد لنحافته‬
‫(احمليط ِف اللغة البن عباد)‬

‫الطَّش و َّ‬
‫الرش ‪:‬‬

‫‪36‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الرشاش املطر‬
‫للرتحيب واملدح‪ ،‬وِف اللغة الطش املطر والرش أوله‪ ،‬وهو صحيح على التشبيه ِبملطر‪ ،‬و َ‬
‫اخلفيف (اللسان البن منظور)‬

‫اهليس اْلربد ‪:‬‬


‫عند بعضنا للذم‪ ،‬واهليس ِبللغة الثـ َّْور‪ ،‬واْلربد ‪:‬امل ْق ِحط؛ فهو وصف ِبلتشبيه ِف عدم النفع والعجز!‬
‫ُ‬
‫(معجم التاج للزبيدي)‬

‫بربر وبربرة ‪:‬‬


‫تُستخدم ِبلعامية الدارجة ِبعىن كثرة الكَلم بَل منفعة‪ ،‬وهو املعىن نفسه املذكور ِف املعاجم العربية‬
‫(لسان العرب البن منظور)‬

‫هوشة وهواشة ومهاوش ‪:‬‬


‫تستخدم ِف عامياتنا الجتماع فئة على سوء وفتنة وخصومة‪ ،‬وهو املعىن نفسه املوجود ِبللغة الفصيحة‬
‫(معجم التاج للزبيدي)‬

‫الل َكاعة ‪:‬‬


‫تعين ِف اللغة احلُ ْمق واللؤم واخلداع‪ ،‬ومن أوصافها لرجل أو امرأة ‪ :‬لَكيع‪ ،‬لَكوع‪ ،‬لُ َكع‪ ،‬لَكيعة‪ ،‬لَكاع‬
‫(لسان العرب البن منظور)‬

‫اْلُبَّ َـهة ‪:‬‬


‫تُستخدم ِف بعض العاميات ِبعىن الروعة والس ُمو والعظمة‪ ،‬وهو صحيح جاء ِف معاجم اللغة للمعىن‬
‫نفسه (مقاييس اللغة البن فارس)‬

‫يـَْنق ـٍُز ‪:‬‬


‫يُستخدم عند بعضنا كما جاء ِبعاجم اللغة كالقفز والوثب السريع‪ ،‬ومنه قيل ‪ :‬نقز الظيب‪ ،‬ويصح ضم‬
‫القاف وكسرها (احملكم البن سيده)‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪37‬‬


‫صل ‪:‬‬‫أع َ‬
‫صَلء‪ْ ،‬‬
‫َع ْ‬
‫ويل‬
‫صل‪ :‬اعوجاج َ‬
‫الع َ‬
‫لوصف حنافة امرأة أو رجل‪ ،‬ومها صحيحان جاءت هبما املعاجم للمعىن نفسه‪ ،‬و َ‬
‫(لسان العرب البن منظور)‬

‫َدس‪ ،‬اِنْ َدس ‪:‬‬


‫ِبعىن خبَّأ شيئا ِف اخلفاء‪ ،‬واختبأ هو عن اْلنظار‪ ،‬واالستخدامان صحيحان كا جاءت هبما معاجم‬
‫اللغة (العباب الزاخر للصاغاين)‬

‫ال َـع َشم ‪:‬‬


‫الع َشم فيك‪ ،‬وهو استخدام صحيح كما جاءت به معاجم‬
‫ؤمل‪ ،‬ومنه قوهلم ‪َ :‬‬
‫تُستخدم ِبعىن الشيء امل َّ‬
‫ُ‬
‫اللغة (لـسان العرب البن منظور)‬

‫ن ْشبة ‪:‬‬
‫كنت‬
‫استخدمها العرب لذم أي رجل ينشب ويتعلق بشيء ال يكاد ينفك عنه !ومنه قول اْلعراب ‪ُ :‬‬
‫فصرت عقبة! (القاموس للفريوزآِبدي)‬
‫ُ‬ ‫ن ْشبة‬

‫متـَغَّط ‪:‬‬
‫عند بعض أهل املغرب واخلليج ِبعىن مدَّد أعضاءه كيديه ْلقصى حد‪ ،‬واالستخدام صحيح جاء ِف‬
‫اللغة إلنسان أو حيوان (العباب للصاغاين)‬

‫اِقْ َـد ْع ‪:‬‬


‫تُستخدم للطلب أبكل متر وحنوه‪ ،‬وهو صحيح ْلن القدع ِف اللغة ‪ :‬أكل شيء أو شربه على دفعات‬
‫كالتمر واملاء (هتذيب اللغة لألزهري)‬

‫الربع ‪:‬‬
‫َّ‬

‫‪38‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أكثر هللاُ‬
‫تُستخدم ِبعىن أهل البيت أو اْلصدقاء‪ ،‬وهو استخدام صحيح ِف اللغة‪ ،‬وتقول العرب قدمياً ‪َ :‬‬
‫ر َبعك (معجم التاج للزبيدي)‬

‫أَ ْش َوى ‪:‬‬


‫ِف الكَلم الدارج ِبعىن أسهل وأيسر‪ ،‬واالستخدام صحيح على صيغة أفعل من الشوى الذي يعين ‪:‬‬
‫اهلني اليسري (مقاييس اللغة البن فارس)‬

‫الدكـة ‪:‬‬
‫تُستخدم ِف بعض كَلمنا الدارج للداللة على مكان مسطح مرتفع عن اْلرض للجلوس عليه‪ ،‬وهذا‬
‫االستخدام صحيح (مجهرة اللغة البن دريد)‬

‫طمر ‪:‬‬
‫َ‬
‫دفن‪ ،‬وكَل االستخدامني صحيحان ِبللغة‪ ،‬وفاعله طامر ومفعوله‬
‫ووثب أو َ‬
‫قفز َ‬‫تُستخدم ِبلعامية ِبعىن َ‬
‫مطمور (مقاييس اللغة البن فارس(‬

‫بَو ‪:‬‬
‫تُستخدم ببعض العاميات خاصة عند كبار السن لوصف شخص بقلة فهمه ومحقه‪ ،‬وهو استخدام‬
‫صحيح للكلمة ِف اللغة(القاموس احمليط للفريوزآِبدي)‬

‫شال أو يشيل ‪:‬‬


‫محل شيئاً ورفعه‪ ،‬واالستخدام فصيح‪ ،‬ومنه الشيال ‪ :‬احلمال‪ ،‬والشال ‪ :‬رداء فوق‬
‫ِبلعامية ِبعىن َ‬
‫اْلكتاف (معجم التاج للزبيدي)‬

‫كويس ‪:‬‬
‫فطن‪ ،‬والكِْيس ما‬
‫ِبعىن حسن وجيد‪ ،‬واالستخدام صحيح بتصغري ( َكيس) اليت تعين احلسن وأتت ِبعىن ِ‬
‫ُحيمل به (العباب الزاخر للصاغاين)‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪39‬‬


‫بَزر ‪:‬‬
‫تُستخدم ِبلعامية ِبعىن ولد‪ ،‬وهو كذلك ِبللغة الفصيحة‪ ،‬وقد قالت العرب قدمياً ‪ :‬ما أكثر بزره ! أي‬
‫ولده (معجم هتذيب اللغة لألزهري)‬

‫ومع هذا التقارب‪ ،‬ينصح بتعليم العربية الفصحى ال العامية العتبارات‪ ،‬جنملها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬العامية ال تساعد على االتصال ِبحلرف العرب املطبوع‪ ،‬ومن مث يعجز متعلموها عن قراءة‬
‫القرآن الكرمي وكتب احلديث النبوي الشريف وغريها من كتب الرتاث اإلسَلمي‪ ...‬ومن شأن‬
‫هذا أن خيلق بني هؤالء الدارسني وبني العرب واملسلمني ِف خمتلف بقاع العامل فجوة ثقافية‬
‫يصعب ختطيها‪.‬‬
‫‪ -2‬العامية تفرق بني الشعوب العربية وتقطع من روابط الفكر ما كان من شأنه توحيد االجتاه‬
‫وتدعيم الصَلت بني أبناء الوطن العرب‪ .‬وتعليم الناطقني بغري العربية ِبلعامية ال يساعدهم‬
‫على التحرك ِف البَلد العربية ِبستثناء البلد الذي تعلموا عاميته وِف حدود جغرافية معينة‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبت ِف دراسات أجريت ِف أمريكا وأورِب أن الدارسني الذين يبدؤون بتعليم الفصحى‬
‫يكونون أقدر على تعلم العامية ( اخلليجية ِف هذه الدراسة ) أسرع من الذين يبدؤون تعلم‬
‫العامية ( اخلليجية ) مث يتحولون إىل دراسة الفصحى وهذه نتيجة تؤيدها مَلحظتنا العادية‬
‫على طَلب معاهد تعليم العربية للناطقني بلغات أخرى ِف السعودية‪ .‬تعلم الفصحى إذن‬
‫أوالً‪ ،‬ولترتك العامية يكتسبها الدارس ِبجرد اتصاله ِبلعرب فرتة من الزمن‪.‬‬
‫‪ -4‬العامية أضيق لفظاً وفكراً من الفصحى‪ .‬وإذا بدا أمامنا قصور عن التعبري عن بعض املفاهيم‬
‫ِبلفصحى‪ ،‬فليس ِف العامية غالباً ما جيرب هذا القصور‪.‬‬
‫‪ -5‬وما يتوهم من أنه عامية مشرتكة حيتاج املتعلم معها إىل معرفة صور متعددة للتعبري الواحد‬
‫(مشرتك لفظي)‬
‫‪ -6‬من يتعلم الفصحى يعرف قدرا ال أبس به من العامية‪ ،‬ولكن من يتعلم عامية منها ال يعرف‬
‫الفصحى‪.‬‬
‫‪ -7‬من يتعلم العامية ينعزل عن اجلانب املكتوب وعن تراث اللغة املدون ِبلتأكيد ِبلفصحى‪،‬‬
‫فالعامية شفهية بطبيعتها‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ -8‬تعليم العامية يكرس احلواجز بني الناطقني ِبلعربية‪.‬‬
‫‪ -9‬من يتعلمها يتعلم شيئا ضيقا يعزله عن فهم بقية العرب‪.‬‬
‫‪ -10‬ليس هناك مصادر مكتوبة موثوقة وموحدة تدعم العامية‪.‬‬
‫‪ -11‬عاميات ال عامية واحدة داخل املنطقة العربية الواحدة‪.‬‬
‫‪ -12‬التصاق الفصحى ِبلثقافة أقوى من التصاق العامية‬
‫ومن هنا بدت أسباب احلرص على تعليم اللغة العربية الفصحى للناطقني بلغات أخرى‬
‫واضحة‪ 55 .‬وِف ظل هذه االزدواجية اللغوية‪ ،‬فالطريق الصحيح لتعليم العربية هو تعليم الفصحى‬
‫فحسب؛ ومن جييد الفصحى فسوف يفهم العامية‪ ،‬ومن يتعلم العامية فإنه ال يستفيد منها ِف تعلم‬
‫الفصحى ِبلقدر املناسب‪ ،‬ونضيف هنا أن تعلم الفصحى أسهل من تعلم العامية بكثري‪ ،‬وليس‬
‫صحيحا ما يشاع من أن العامية أسهل من الفصحى‪ ،‬إىل جانب ذلك هناك عاميات وليست عامية‪،‬‬
‫بينما الفصحى واحدة‪.‬‬

‫كيف نصلح اخللل ونقلل الفارق بني الفصحى والعامية لصاحل الفصحى ؟‬
‫ميكن اْلخذ بتجارب الدكتور عبد هللا الدانن لتعليم الصغار الفصحى ِبحملاكاة‪ ،‬وقد نشر ذلك‬
‫ِف حبث بعنوان " أفضل الطرق لتعليم صغارك العربية الفصحى " ‪ ،56‬ونلخص الفكرة ِبا يلي ‪:‬‬
‫استغَلل القدرة الفطرية اهلائلة الكتساب اللغات عند اْلطفال قبل سن السادسة وإكساهبم اللغة العربية‬
‫الفصحى قبل أن تبدأ ِبلضمور بعد سن السادسة‪.‬‬
‫‪ -1‬اْلساس النظري للحل ‪:‬‬
‫كشف علماء اللغة النفسيون ‪:‬‬
‫• أن الطفل ِف دماغه قدرةٌ هائلةٌ على اكتساب اللغات‪ ،‬وأن هذه القدرة متكنه من كشف القواعد‬
‫آن و ٍ‬
‫احد‪.‬‬ ‫اللغوية كشفاً إبداعياً ذاتياً‪ ،‬وتطبيق هذه القواعد ومن مثَّ إتقان لغتني أو ثَلث لغات ِف ٍ‬

‫‪ 55‬انظر ‪ :‬د‪ .‬علي أمحد مدكور ورشدي أمحد طعيمة وإميان أمحد هويدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم اللغة العربية‬
‫للناطقني بلغات أخرى‪ ،‬دار الفكر العرب‪ ،‬القاهرة‪ 1431 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪246 – 245‬‬
‫‪ 56‬انظر ‪ :‬د‪ .‬عبد هللا الدانن‪ " ،‬أفضل الطرق لتعليم صغارك العربية الفصحى"‪.‬‬
‫املصدر ‪www.saaid.net :‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪41‬‬


‫والعجيب أن الطفل ِف هذه املرحلة يعمم القواعد بعد كشفها حّت على الكلمات اليت ال تنطبق‬
‫عليها مث هو يصحح تصحيحاً ذاتياًّ هذا التعميم اخلاطئ‪.‬‬
‫• وأن هذه القدرة الكتساب اللغات تبدأ ِبلضمور بعد سن السادسة‪ ،‬وتتغري برجمة الدماغ تغيرياً‬
‫بيولوجياً من تعلم اللغات إىل تعلم املعرفة‬
‫• م رحلة ما قبل السادسة خمصصة الكتساب اللغات‪ ،‬وإن مرحلة ما بعد السادسة خمصصة‬
‫الكتساب املعرفة‪.‬‬
‫• وبناءً على ذلك فإن املفروض حبسب طبيعة خلق اإلنسان أن يتفرغ الطفل لتعلم املعرفة بعد سن‬
‫السادسة من العمر‪ ،‬بعد أن تفرغ لتعلم ٍ‬
‫لغة ( أو أكثر ) وأتقنها قبل سن السادسة‪.‬‬
‫• أما تعلم اللغة بعد سن السادسة فيتطلب جهداً من املتعلم ْلنه حيتاج إىل معلم يكشف له قواعد‬
‫اللغة اجلديدة‪ .‬كما حيتاج إىل وقت طويل يبذله ِف التدرب على تطبيق هذه القواعد مع تعرضه‬
‫ٍ‬
‫تلقائية قبل سن السادسة‪.‬‬ ‫للخطأ والتصحيح من قبل املعلم‪ .‬بينما هو يقوم هبذه العملية بصورةٍ‬
‫• وميكن املقارنة بني طريقتني لتحصيل اللغة ‪:‬‬
‫‪ o‬اْلوىل ‪ :‬قبل السادسة من العمر وهي اليت يكشف الطفل فيها القواعد اللغوية‬
‫معرفة و ٍ‬
‫اعية هبا‪.‬‬ ‫ويطبقها دون ٍ‬
‫‪ o‬والثانية ‪ :‬تبدأ بعد السادسة من العمر وهي واليت ال بد فيها من كشف القاعدة‬
‫للمتعلم وتدريبه على ممارستها تدريباً مقصوداً ضمن خطة منهجية‪.‬‬

‫وإذا قاران بني الطريقتني نَلحظ ما يلي ‪:‬‬


‫اللغة بعد سن السادسة‬ ‫اللغة قبل سن السادسة‬
‫الطريقة املعرفية الواعية‬ ‫الطريقة الفطرية‬
‫ال تسمى اللغة اْلم‬ ‫تسمى اللغة املكتسبة هبا لغة اْلم‬
‫حتتاج إىل جهد كبري‬ ‫يتم اكتساب اللغة دون تعب‬
‫ال متتزج فيها اللغة ِبلعواطف‬ ‫متتزج فيها اللغة ِبلعواطف‬
‫ال يكون كذلك‬ ‫يكون فهم العبارات فيها أدق وقريباً جداً بل‬
‫ومتطابقاً مع ما أراده املتكلم أو الكاتب‬
‫يظل هناك نقص‪ِ ،‬بللغة الثانية‪ ،‬ولو كان ضئيَل‬ ‫يكون إتقاهنا كامَلً بكل تفاصيلها ( النحوية‬

‫‪42‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫والصرفية )‬
‫حيتاج ِبللغة الثانية إىل شرح وتعليل يفقدانه الكثري‬ ‫اإلحساس جبمال اللغة وبَلغتها وحَلوهتا ودون‬
‫من قيمته‪.‬‬ ‫احلاجة إىل شرح‬
‫حيتاج إىل زمن أطول ميكن االستفادة منه‬ ‫الزمن املخصص إلتقان اللغة ِبلطريقة اْلوىل ال‬
‫لتخصيص زمن أطول للمواد اْلخرى‬ ‫ميكن أن يفعل فيه الطفل شيئاً آخر‬
‫تتدخل اللغة اْلوىل بشكل سليب ِف عملية تعلم‬ ‫ال تتدخل اللغة اْلوىل بشكل سليب ِف عملية‬
‫اللغة الثانية‬ ‫تعلم اللغة الثانية‬
‫ال يتمكن الطالب بعد السادسة من تعلم أكثر‬ ‫آن‬ ‫متكن الطفل من اكتساب أكثر من ٍ‬
‫لغة ِف ٍ‬
‫آن و ٍ‬
‫احد‪.‬‬ ‫من ٍ‬
‫لغة ِف ٍ‬ ‫احد دون ٍ‬
‫إرهاق‬ ‫و ٍ‬

‫التطبيق العملي للحل ‪:‬‬


‫اقرتح الدكتور الدانن حَل تطبيقيا للمشكلة هو ‪ :‬استغَلل القدرة الفطرية لدى اْلطفال‬
‫إلكساهبم اللغة العربية الفصحى قبل سن السادسة‪.‬‬
‫وقد اختذ هذا التطبيق ثَلثة أشكال ‪:‬‬
‫(‪ )1‬جتربة ابسل ولونه‪:‬‬
‫بدأت أخاطبه ِبللغة العربية الفصحى‬
‫بدأت جتربة ِبسل بعد والدته ِف ‪1977/10/29‬م أبربعة أشهر‪ُ .‬‬‫ُ‬
‫وطلبت من والدته أن ختاطبه ِبلعامية‪ .‬بدأ ِبسل يستجيب للفصحى فهماً‬
‫ُ‬ ‫مع حتريك أواخر الكلمات‪،‬‬
‫عندما كان عمره عشرة أشهر‪ ،‬وعندما بدأ ِبلنطق صار يوجه ْلمه الكَلم ِبلعامية ويوجه إيل الكَلم‬
‫ِبلفصحى‪ .‬وعندما بلغ ِبسل الثالثة من العمر أصبح قادراً على التواصل ِبلفصحى املعربة دون خطأ‪.‬‬
‫كرر التجربة على ابنته ( لونه ) اليت تصغر ِبسَلً أبربعة أعوام‪ ،‬وجنحت كذلك جناحاً اتماً‪ ،‬وقد‬
‫سجلت كَلمها على أشرطة تسجيل منذ أن كان عمرها سنةً ونصفاً‪ .‬وحّت اَلن حنن الثَلثة ِف البيت‬
‫نتكلم ِبلفصحى فيما بيننا ونكلم أفراد اْلسرة اَلخرين ِبلعامية تلقائياً‪.‬‬
‫دخل ِبسل ولونه إىل املدرسة وكان إلتقاهنما الفصحى قبل السادسة أثر عجيب على مدى حبهما‬
‫للكتاب وإتقاهنما للعلم‪ ،‬لقد اكتشفا أن الكتاب يتكلم لغتهما فصارا صديقني للكتاب‪ ،‬وهبذا أصبحا‬
‫قارئني ممتازين‪ ،‬أتقنا التعلم الذات واتقنا الرجوع إىل الكتاب‪ ،‬وتفوقا ِف املواد العلمية كلها‪ ،‬وتكون‬
‫إحساس ر ٍاق جبمالية اللغة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫لديهما‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪43‬‬


‫(‪ )2‬دار احلضانة العربية الكويت ‪:‬‬
‫أتسست دار احلضانة العربية ِف الكويت ِف ‪1988 /9 /17‬م‪ ،‬وكانت الغاية من أتسيسها إكساب‬
‫اْلطفال الفصحى ِبلفطرة‪ ،‬وقد قام بتدريب املعلمات حبيث أصبحن قادر ٍ‬
‫ات على استخدام اللغة‬
‫العربية الفصحى طوال اليوم املدرسي‪ ،‬وقد جنحت الفكرة جناحاً مذهَلً‪ ،‬وأصبح اْلطفال بعد ستة‬
‫شهور يتكلمون الفصحى‪.‬‬

‫(‪ )3‬روضة األزهار العربية ‪ -‬دمشق ‪ -‬سوراي ‪:‬‬


‫أتسست روضة اْلزهار العربية ِف ‪1992/ 10/17‬م‪ .‬وهدفت إىل تعليم الفصحى لألطفال‬
‫ِبلفطرة قبل سن السادسة وذلك ِبعتمادها لغة التواصل طوال اليوم املدرسي‪ .‬وجنحت الفكرة أيضاً‬
‫جناحاً عظيماً فاق توقعاتنا متاماً كما جنحت ِف الكويت‪.‬‬
‫روضات أخرى ِف دمشق قد بدأت بتطبيق الفكرة وهي ‪:‬‬‫ٍ‬ ‫بع‬
‫كما أن أر َ‬
‫‪ -‬روضة الفارس الذهيب التابعة لَلحتاد العام النسائي السوري‪ِ ،‬بب مصلي ‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬روضة اندي الطفولة‪ ،‬املزة – دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬روضة البشائر‪ ،‬امليدان – دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬روضة دمشق‪ ،‬الشيخ حمي الدين – دمشق‪.‬‬

‫التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية ‪:‬‬


‫حييل التخطيط اللغوي على اجملهودات اليت تؤثر بشكل إرادي على وضع اللغة أو بنيتها أو‬
‫اكتساهبا (‪ )1974،Fishman‬وهو فرع حلقل اعم هو التخطيط االجتماعي الذي يتضمن عددا‬
‫واسعا من االنشغاالت السياسية العمومية مثل السكن والتشغيل واهلجرة والتضريب‪ ،‬اخل‪ .‬وهو يقتضي‬
‫حصرا لألهداف‪ ،‬وللخطة أو الربانمج الذي حيقق هذه اْلهداف‪ .‬وهو "نشاط تقوم به غالبا‬
‫احلكومات من أجل دعم التغري الل غوي العام ِف مجاعات من املتكلمني‪ ،‬بغاية إبقاء التواصل والنظام‬
‫املدين‪ .‬وعادة ما يكون التخطيط مقرتان ِبإلعَلن عن سياسة لغوية للدولة‪ ،‬أو هليئة جمتمعية"‪ .‬وأما‬
‫السياسة اللغوية‪ ،‬فهي جسم من "اْلفكار والقوانني والضوابط والقواعد واملمارسات‪ ،‬تروم اجناز التغري‬

‫‪44‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اللغوي ِف اجملتمع‪ ،‬واجملموعة‪ ،‬أو النظام‪ .‬فإذا وجدت سياسة من هذا النوع‪ ،‬ميكن القيام آنذاك بتقييم‬
‫‪57‬‬
‫جدي للتخطيط"‪.‬‬
‫والسياسة اللغوية حتيل على التخطيط اللغوي الصريح أو الضمين الذي يتخذه الساسة أو‬
‫احلكومات‪ ،‬مثل وزارة الرتبية واملشغلني ومديري املدارس‪ ،‬اخل‪ .‬فالسياسة اللغوية ميكن النظر إليها على‬
‫أهنا توجهات أو قواعد لبنية اللغة واستعماهلا واكتساهبا‪ .‬توضع وتنفذ ِف الدول‪ -‬اْلمم أو املؤسسات‬
‫مثل املدارس وأماكن العمل‪ .‬هذه الضوابط حتدد بصفة صرحية ِف الواثئق الرمسية (مثل الدساتري)‪ ،‬أو‬
‫‪58‬‬
‫تفهم ضمنا‪ ،‬دون حتديد مكتوب بل متارس وتنفذ‪.‬‬
‫بني ‪ ) 2006( Schiffman‬أن الفرنسية حتولت إىل لغة وطنية ِف فرنسا ال لكوهنا أصبحت رمسية‬
‫قانونية‪ ،‬بل بسبب اْلساطري القوية حول اللغة والسياسة على السواء‪ .‬فاجلماهري الفرنسية‪ ،‬وكذلك‬
‫العلماء الذين كتبوا عن السياسة اللغوية ِف فرنسا‪ ،‬يعتقدون أن املقتضيات القانونية املتعلقة ِبلفرنسية‬
‫متوفرة‪ ،‬مع أن اْلمر مل يكن كذلك إىل أن أقرت قوانني ‪ِ Toubon‬ف سنة ‪ .1990‬مث إن النزعة‬
‫اجلاكوبينية للتحكم ِف كثري من مناحي احلياة هي جزء من الثقافة اللغوية الفرنسية‪ .‬ومنذ الثورة‪،‬‬
‫ترسخت فكرة أن اللغات‪ -‬اللهجات غري املعيارية انقصة ودونية‪ ،‬وأسوأ من هذا أهنا حتمل مسات غري‬
‫‪59‬‬
‫مرغوب فيها‪ ،‬بل أفكارا وإيديولوجية مهددة للثورة‪ ،‬جيب اقتَلعها‪.‬‬

‫ويعد إحياء العربية وهي لغة ميتة وبعثها من جديد لتكون لغة أم وشارع وعلم دليَل على أن‬
‫التخطيط اللغوي الصحيح والسياسة اللغوي الصحيحة والتنفيذ الصحيح يؤدي نتائج صحيحة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن إعادة إحياء العربية مت بنجاح‪ ،‬بل قد تكون اللغة الوحيدة اليت جنح املخططون ِف‬
‫إعادة إحيائها‪ .‬وقد ساهم ِف ذلك مزيج غري مسبوق من اإليديولوجية الوطنية –اللغوية‪ ،‬واإلرادة‬
‫اجلماعية املنضبطة‪ ،‬وتَلِف التفكك االجتماعي القائم‪ .‬إنه استثمار للغة واهلوية والدين‪ .‬وقد تغلبت‬

‫‪ 57‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪12‬‬
‫‪ 58‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪13 - 12‬‬
‫‪ 59‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪17‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪45‬‬


‫على السياسة اللغوية اإلسرائيلية سياسة خدمة "اْلان" وجتاهل "اَلخر"‪ ،‬مما يعكس النزاع املعقد بني‬
‫العرب واليهود‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد أصبحت العربية اْلداة الرمزية اْلساسية لإلديولوجيا للقومية الصهيونية اليت‬
‫وظفت ِف خلق الدولة العربية واحملافظة على بقائها‪ ،‬واليت اعتمدت على ازدواجية بني املعلن قانونيا‬
‫واملمارس ِف الواقع‪ .‬وقد جلأ العرب إىل "تبين" للعربية للدفاع عن مواقعهم ِف اجملتمع العربي‪ .‬ورغم تبين‬
‫إسرائيل لسياسة "اللغة العاملية" (اإلجنليزية)‪ ،‬واعرتافها ِبلعربية لغة رمسية لساكنتها‪ ،‬فإن استمرار العربية‬
‫ِف البقاء يعود إىل الرتكيز على ثَلث ممارسات‪( :‬أ) لغة التعليم‪( ،‬ب) لغة التجارة‪( ،‬ج) لغة اْلعمال‬
‫الرمسية عند احلكومة‪ .‬صحيح أن السياسة اللغوية ِف إسرائيل متثل منوذجا يكاد يكون فريدا‪ ،‬جيمع بني‬
‫اإلرادة والقوة واملوارد‪ ،‬أدى إىل "والدة جديدة" (ِبعجزة‪ ،‬كما يقولون) للغة العربية‪ ،‬اليت أصبحت "حية"‬
‫حديثة‪ ،‬و"رمسية"‪" ،‬لغة‪ -‬أم" و "لغة مهيمنة" ِف العمل والتعليم‪ ،‬استخلفت العربية اليت ظلت لغة‬
‫‪60‬‬
‫اْلرض ملدة تزيد على ‪ 13‬قران‪ ،‬بعد "عودة" اليهود‪.‬‬

‫دور املنظومة القانونية يف الدول العربية يف محاية اللغة العربية ‪:‬‬


‫فيما خيص دور املنظومة القانونية ِف محاية اللغة العربية سجل " مشروع لننهض بلغتنا‪..‬‬
‫الستشراف مستقبل اللغة العربية " ‪61‬فتور املنظومتني التشريعية واإلدارية وقعودها عن محاية اللغة العربية‬
‫والذود ع ن محاها‪ ،‬وقال أنه ِبستثناء بعض النصوص القانونية هنا أو هناك‪ ،‬ال يوجد تشريع "ذكي"‬
‫و"متكامل" و"رادع" يفرض استخدام اللغة العربية ِف دَيرها ومحايتها من غزو اللغات اْلجنبية‪.‬‬
‫وأضحت اللغة العربية ِف احتياج شديد إىل منظومة قانونية تتسم هبذه الصفات الثَلث‪ ،‬أي الذكاء‬
‫والكامل ِبعىن الشمولية‪ ،‬والردع ِبعىن قوة اإللزام‪ ،‬وذلك على غرار ما تفعله دول أخرى شديدة الغرية‬
‫على لغاهتا الوطنية‪ ،‬مثل فرنسا وأملانيا والصني‪ .‬ويرى املشروع أن واقع اللغة العربية ِف الدساتري والقوانني‬
‫ِف البلدان العربية يتميز بسمات مشرتكة‪ ،‬وأكد أنه على الرغم من وجوده بصيغ خمتلفة‪ ،‬فهناك درجات‬
‫االلتزام أو اإللزام ِبلنص التشريعي الذي أقره بسيادة اللغة العربية ووجوب استخدامها ِف املعامَلت‬
‫الرمسية للدولة‪ ،‬وِف واثئقها‪ ،‬وهناك درجات ِف التحلل من أحكام ذلك االلتزام أو اإللزام عرب مراسيم‬
‫تربيرية‪ ،‬تستند ِف كثري من أسباهبا إىل دوافع غري واضحة من الوجهة التشريعية‪ ،‬أحياان أخرى‪ .‬كما أن‬

‫‪ 60‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪48 - 47‬‬
‫‪ 61‬لننهض بلغتنا‪ ..‬مشروع الستشراف مستقبل اللغة العربية‪َ ،‬يسر املختوم ( ‪) 2013/19/2‬‬

‫‪46‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اللغة العربية من حيث راهنيتها الدستورية لغة مقررة ِف النص التشريعي‪ ،‬لكنها تلقى عنتا ِف إلزامية‬
‫النشر والتطبيق‪ ،‬أو أهنا ال تلقى من املشرع إال ازدواجية املوقف‪ ،‬فاملناهج التعليمية تعاين ثنائية اللغة‪،‬‬
‫إىل حد تقدمي اْلجنبية واعتمادها لغة أثرية ِف تدريس العلوم والرَيضيات‪ ،‬ويقرتن ذلك ِبا تعلنه‬
‫"وظائف القطاعني العام واخلاص من شروط جتعل اْلجنبية وإتقاهنا مدخَل إىل القبول والرضا‪ ،‬ما جعل‬
‫سوق العمل مربرا مشروعا لسرَين مفاعيل االنقضاض على اللغة العربية الرمسية‪.‬‬
‫واجلدير ِبالهتمام هو ما عكسه رأي املستطلع رأيهم ِف مسألة االعرتاف ِبللغة العربية رمسيا ِف‬
‫معظم البلدان العربية‪ ،‬وأن هلا اْلولوية على ِبقي اللغات‪ ،‬فقد أفاد بذلك ‪ِ 95.3‬بملائة‪ ،‬معتقدين أن‬
‫العربية هي اللغة اْلوىل وهلا السيادة ِف النص الدستوري‪ ،‬ولعل الكثريين منهم ال يعرفون أن النص على‬
‫هذا احلق القانوين مل مينع العديد من الدول العربية من إعطاء الدستورية للغات أخرى‪ ،‬جنبا إىل جنب‬
‫مع اللغة العربية‪ ،‬والسيما التشريع الظاهر منه واملضمر لإلجنليزية أو الفرنسية ِف التعليم واإلدارة والتشريع‬
‫‪62‬‬
‫وحّت ِف اإلعَلم واإلعَلن والتواصل‪.‬‬

‫وليسـ ــت املشـ ــكلة بكاملهـ ــا مشـ ــكلة عـ ــدم التخطـ ــيط اللغـ ــوي وعـ ــدم وضـ ــع سياسـ ــة لغويـ ــة‪ ،‬بـ ــل‬
‫املشكلة تبدو ِف عدم تنفيذ ما وضع منها من بنود؛ اململكة العربية السعودية أمنوذجا ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫السياسة اللغوية يف اململكة وغياب التخطيط اللغوي لتنفيذها ‪:‬‬
‫مل تصدر ِف السعودية سياسة لغوية حمددة وشاملة وملزمة حّت اَلن‪ .‬ولقد جاء ما ميكن‬
‫اعتباره سياسة لغوية على شكل بنود قليلة ضمن أنظمة أخرى أو قرارات جمللس الوزراء وجملس القوى‬
‫العاملة صدرت ِف أوقات خمتلفة ومتباعدة‪ .‬لقد نصت املادة اْلوىل من النظام اْلساسي للحكم‬
‫الصادر عام ‪ 1412‬هـ على أن ''اململكة العربية السعودية دولة عربية إسَلمية ذات سيادة اتمة دينها‬
‫اإلسَلم ودستورها كتاب هللا تعاىل وسنة رسوله ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ولغتها هي اللغة العربية‪...‬‬
‫وعاصمتها م دينة الرَيض''‪ .‬وورد ِف املادة احلادية عشرة من نظام جملس التعليم العايل واجلامعات‬
‫الصادر عام ‪ 1414‬هـ ما نصه ''اللغة العربية هي لغة التعليم ِف اجلامعات وجيوز عند االقتضاء التدريس‬

‫‪62‬‬
‫لننهض بلغتنا‪ ..‬مشروع الستشراف مستقبل اللغة العربية‪َ ،‬يسر املختوم ( ‪) 2013/19/2‬‬
‫‪63‬‬
‫د‪ .‬عيد عبد هللا الشمري‪" ،‬السياسة اللغوية ِف اململكة وغياب التخطيط اللغوي لتنفيذها"‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪47‬‬


‫بلغة أخرى بقرار من جملس اجلامعة املختص''‪ ،‬كما وردت ضمن سياسة التعليم ِف اململكة العربية‬
‫السعودية الصادرة بقرار جملس الوزراء املوقر رقم ‪ِ 779‬ف ‪1389/9/17-16‬هـ مخسة بنود تتعلق‬
‫بسياسة اللغة هي املادة الـ ‪ 24‬وتنص على أن ''اْلصل هو أن اللغة العربية هي لغة التعليم ِف كافة‬
‫مواده ومجيع مراحله إال ما اقتضت الضرورة تعليمه بلغة أخرى''‪ ،‬واملادة الـ ‪ 46‬وتنص على ''تنمية‬
‫القدرة اللغوية بشّت الوسائل اليت تغذي اللغة العربية‪ ،‬وتساعد على تذوقها وإدراك نواحي اجلمال فيها‬
‫أسلوِب وفكرة''‪ ،‬واملادة الـ ‪ 50‬وتنص على ''تزويد الطَلب بلغة أخرى من اللغات احلية على اْلقل‪،‬‬
‫جبانب لغتهم اْلصلية‪ ،‬للتزود من العلوم واملعارف والفنون واالبتكارات النافعة‪ ،‬والعمل على نقل علومنا‬
‫ومعارفنا إىل اجملتمعات اْلخرى وإسهاما ِف نشر اإلسَلم وخدمة اإلنسانية''‪ ،‬واملادة ‪ 114‬وتنص على‬
‫''ترمجة العلوم وفنون املعرفة النافعة إىل لغة القرآن وتنمية ثروة اللغة العربية من ''املصطلحات'' ِبا يسد‬
‫حاجة التعريب وجيعل املعرفة ِف متناول أكرب عدد ممكن من املواطنني''‪ ،‬واملادة ‪ 140‬نصت على‬
‫''تنشأ دائرة للرتمجة تتابع اْلحباث العلمية ِف املواد كافة‪ ،‬وتقوم برتمجتها لتحقيق تعريب التعليم العايل''‪.‬‬
‫كما وردت ِف سياسة اإلعَلم الصادرة عام ‪1982‬هـ مواد تدعو إىل صيانة اللغة العربية والعناية‬
‫بسَلمتها ِف مجيع وسائل اإلعَلم املقروءة واملرئية واملسموعة‪ .‬وفيما يتصل بلغة املال واْلعمال وسوق‬
‫العمل صدر قرار جملس الوزراء املوقر رقم ‪ 266‬واتريخ ‪1398/2/21‬هـ وينص على احلفاظ على اللغة‬
‫العربية ِف سوق العمل‪ ،‬كما صدر قرار جملس الوزراء املوقر رقم ‪ 133‬واتريخ ‪1420/8/7‬هـ املتوج‬
‫ِبملرسوم امللكي الكرمي رقم م‪ 15/‬واتريخ ‪1420/8/12‬هـ واملتعلق ِبْلمساء التجارية ِف اململكة‪ .‬كما‬
‫صدر قرار جملس القوى العاملة رقم ‪/2‬م ‪1404 /16‬هـ وتضمن ‪ 11‬بندا تلزم ِبستخدام اللغة العربية‬
‫ِف املستشفيات والبنوك والفنادق واملطارات والعقود واإلعَلانت وأمساء البضائع وأوصافها‪ ،‬وتلزم‬
‫ِبستخدام املصطلحات اليت تصدر من جمامع اللغة العربية‪ ،‬وألزم القرار وزارات الداخلية والتجارة‬
‫والشؤون البلدية والقروية واجلمارك متابعة تنفيذ بنود ذلك القرار‪ .‬إن اململكة تعد احملافظة على اللغة‬
‫العربية أحد أهم م قومات احملافظة على هويتها الدينية والثقافية ولكن غياب نظام حمدد وشامل وملزم‪،‬‬
‫وغياب جهة متخصصة للتخطيط اللغوي ومتابعة تنفيذ سياسة اململكة اللغوية‪ ،‬أدى إىل تعثر تنفيذ‬
‫تلك السياسة وفتح الباب واسعا ملؤسسات التعليم العايل واجلهات اإلعَلمية وسوق العمل واملال‬
‫واْل عمال للتملص من تنفيذ ما خيص السياسة اللغوية ِف بنود اْلنظمة اليت صدرت‪ .‬إن املعمول به ِف‬
‫التعليم العايل العلمي وإدارة اْلعمال وقطاع اْلعمال يناقض ما صدر من بنود ِف السياسة اللغوية‬
‫مناقضة اتمة وحيل اللغة اإلجنليزية حمل اللغة العربية اليت أقصيت عن تلك اجملاالت احليوية ِبملخالفة‬

‫‪48‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الصرحية للسياسة اللغوية للمملكة والنظام اْلساسي للحكم‪ .‬ومن املفارقات العجيبة ِف لغة التدريس‬
‫ِف تعليمنا العايل أن االستثناء جبواز التدريس بلغة غري العربية عند الضرورة أصبح القاعدة وانقلب‬
‫التدريس ِف معظم التخصصات ِبللغة اإلجنليزية حاليا‪ ،‬بل أصبح من يدعو إىل تعريب التدريس‬
‫اجلامعي مستغرِب ومستنكرا ِف عقر دار اللغة العربية‪ .‬وأبرز تطبيقات التخطيط اللغوي هي‪ :‬التنقية‬
‫اللغوية‪ ،‬ترقية اللغة‪ ،‬إحياء اللغة امليتة‪ ،‬إحَلل اللغة القومية حمل اللغات اْلجنبية ِف التعليم‪ ،‬الدفاع عن‬
‫منزلة لغة ما‪ ،‬نشر اللغة الوطنية أو القومية ِف دول العامل‪ ،‬تعليم اللغات اْلجنبية ِف بيئة اللغة الوطنية أو‬
‫القومية‪ ،‬تنظيم الرتمجة من اللغة الوطنية أو القومية إىل اللغات اْلخرى وِبلعكس‪ ،‬حتديد العَلقة بني‬
‫اللغة الوطنية أو القومية وبني اللغة أو اللغات احمللية املستعملة داخل الوطن الواحد‪ ،‬وتوحيد‬
‫املصطلحات العلمية والتقنية واحلضارية واإللزام ِبستعماهلا ِف بيئة اللغة الوطنية أو القومية‪.‬‬

‫أكد أمني معلوف أن احلكومات ِف الشرق اْلوسط إذا ما " أرخت يقظتها ومسحت لقوى‬
‫السوق وقوى العدد أبن تتصرف كما تريد " فإن " اللغة الوطنية ستصبح مستعملة قريباً ِف اْلغراض‬
‫املنزلية فقط‪ ،‬وسيتقلص نطاقها‪ ،‬وتتحول إىل هلجة حملية فقط "‪ .‬فليس من املمكن فصل اللغة عن‬
‫اهلوية‪ ،‬وال هو مرغوب فيه‪ْ ،‬لن اللغة " تضل النابض اْلساسي ِف اهلوية الثقافية "‪ .‬وقد بدأ بعض‬
‫املسئولني احلكوميني جيهرون ِبنشغاالهتم جتاه اللغة وأبنه " ليس مقبوالً أن نسقط اللغة العربية من‬
‫حياتنا‪ ،‬وليس من املعقول أن نسمح للوكاالت العقارية واْلبناء بتحرير عقود ومناشري ِبالجنليزية‬
‫وحدها‪ ،‬مع جتاهل اتم للعربية "‪ .‬فعلى املستوى العملي‪" ،‬جيب استعمال العربية ْلهنا لغة اْلرض‬
‫واجملتمع"‪ .‬وهناك حاجة إىل "تطوير نظام تعليمي موحد يؤكد القيم الوطنية الدينية والثقافية‪ ...‬اليت‬
‫تنمي جيَل شاِب معتزا هبويته الوطنية"‪ .‬وذلك عرب "حتسني دروس اللغة العربية‪ ،‬وكيفية تعليمها‪ ،‬وإعادة‬
‫النظر ِف سياسات اجلامعات الفدرالية فيما خيص تدريس املواد ِبإلجنليزية"‪ .‬الذي قد ميثل خرقا‬
‫للقانون‪ْ" ،‬لن ال قانون العام للتعليم (ِف البَلد العربية) ينص على أن لغة التعليم ِف املدارس هي‬
‫‪64‬‬
‫العربية"‪.‬‬

‫‪ 64‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪41 40‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪49‬‬


‫وتذهب الكتيب إىل أن "االعتماد املتزايد على اإلجنليزية هو مثل لنوعية التغيريات املقرتضة ِف‬
‫‪65‬‬
‫اْلنظمة التعليمية اليت ختدم املصاحل اْلجنبية أكثر من ما ختدم مصاحل اخلليج"‪.‬‬

‫وهبذا أصبحت اللغة العربية اليوم قضية "أمن قومي"‪ِ ،‬ف وقت تثبت فيه جتارب التاريخ أنه مل‬
‫‪66‬‬
‫حتدث هنضة علمية ِف أي دولة ِف العامل بغري لغتها الوطنية‪.‬‬

‫كيف تنقرض اللغات ومتوت ؟ ‪ /‬دور ثقافة اللغة يف حياة اللغة وموهتا‪:‬‬
‫وضع مؤمتر لألمم املتحدة عُقد ِف ِبريس عام ‪ 2003‬م ستة معايري النداثر اللغات وموهتا‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫اْلول ‪ :‬توارث اللغة بني اْلجيال؛ فكلما قل التوارث وطغت لغة جديدة على اللغة اْلصلية للفرد‬
‫أخذت اللغة ِف االنقراض واملوت‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬قلة عدد املتكلمني ِهبا‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ضعف نسبة املتكلمني ِهبا إىل عدد السكان‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬املوضوعات اليت تتناوهلا اللغة‪ ،‬فيجب أن ال حتصر ِف جماالت حمددة‪.‬‬
‫اخلامس ‪ :‬استيعاب اجملاالت احلياتية اجلديدة‪ ،‬ووسائل اإلعَلم املستجدة‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬انعدام أدوات تعلم اللغة مثل عدم وجود هجائية‪ ،‬وأحرف مكتوبة‪ ،‬وكتب ملختلف اْلعمار‪.‬‬
‫ولكل معيار من هذه املعايري درجات وتفاصيل توضيحية ميكن ضبط وضع اللغة عليها‪ ،‬وهذه‬
‫املعايري تنطبق كذلك على اللهجات داخل اللغة‪ .‬وفيما يلي بعض التفصيل ِف هذه املعايري‪:‬‬

‫املعيار اْلول ‪ :‬توارث اللغة عرب اْلجيال‪:‬‬


‫أكثر العوامل شيوعا ِف تقييم اللغة هل هي ستنقرض أم أهنا حيوية هو انتقال اللغة من جيل‬
‫إىل جيل‪ .‬وميكن تصنيف خطورة استمرارية اللغة إىل درجات أعَلها االستقرار وأدانها االنداثر‪ .‬والبد‬
‫أن نعلم أن كون اللغة موصوفة أبهنا " آمنة" ال يضمن حيويتها وال حيميها من االنداثر‪ ،‬فقد يتوقف‬

‫‪ 65‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪41‬‬
‫‪66‬‬
‫لننهض بلغتنا‪ ..‬مشروع الستشراف مستقبل اللغة العربية‪َ ،‬يسر املختوم ( ‪) 2013/19/2‬‬

‫‪50‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫نقل اللغة من جيل إىل جيل ِف أي وقت‪ .‬وهناك ست درجات من اخلطر تتعلق بتوارث اللغة بني‬
‫اْلجيال‪:‬‬
‫‪ o‬اللغة اَلمنة ‪ :‬وهي اللغة اليت يتحدث هبا مجيع اْلجيال‪ .‬فَل يوجد أي دليل على خطر االنداثر‪ ،‬أو‬
‫أي هتديدات لغوية‪ ،‬فتوارث اللغة مستمر بَل انقطاع‪.‬‬
‫‪ o‬اللغة غري اَلمنة ‪ :‬معظم ‪-‬وليس كل‪ -‬طفل أو أسرة معينة ِف اجملتمع يتكلمون هبا بصفتها لغتهم‬
‫اْلوىل‪ ،‬ولكن جيوز أن يقتصر ذلك على جماالت اجتماعية حمددة (مثل املنزل فيتحدث اْلطفال فيه‬
‫اللغة اْلم مع الوالدين واْلجداد‪.‬‬
‫‪ o‬اخلطر املتأكد ‪ :‬اللغة مل تعد تُتعلم بصفتها لغة أماً لألطفال ِف املنزل‪ .‬فأصغر املتحدثني ِهبا من جيل‬
‫اَلِبء‪ .‬رِبا يستمر ِف هذه املرحلة اَلِبء ِف استخدامها مع أبنائهم‪ ،‬ولكن اْلطفال ال تستجيبون‬
‫عادة هلذه اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬اخلطر الشديد ‪ :‬الشديد ‪ :‬يتحدث اللغة اْلجداد فقط وكبار السن‪ ،‬بينما جيل الوالدين يكتفي‬
‫بفهم اللغة لكن ال يستخدمها مع أطفاهلم‪.‬‬
‫‪ o‬الوضع احلرج ‪ :‬أصغر املتكلمني ِبللغة هم جيل آِبء اْلجداد‪ ،‬واللغة ال تستخدم ِف التعامَلت‬
‫اليومية‪ .‬فكبار السن ال يتذكرون غالبا إال جزءا من اللغة‪ ،‬ولكنها ال تستخدم‪ ،‬فقد ال يوجد أي‬
‫شخص يتحدثوهنا معه‪.‬‬
‫‪ o‬االنقراض ‪ :‬ال يوجد شخص ميكن أن يتحدث هذه اللغة أو يتذكرها‪.‬‬

‫املعيار الثاين ‪ :‬العدد اإلمجايل للمتحدثني ‪:‬‬


‫من املستحيل معرفة العدد الدقيق ملن يتحدث اللغة‪ ،‬ولكن اجملتمعات الصغرية العدد دائما ِف خطر‪.‬‬
‫فاجملتمعات القليلة السكان أكثر تعرضا للفناء من اجملتمعات الكربى (بسبب اْلمراض‪ ،‬واحلروب‪،‬‬
‫والكوارث الطبيعية)‪ .‬فاجملموعة اللغوية الصغرية ميكن أيضا أن تندمج مع أي جمموعة جماورة هلا‪،‬‬
‫فتفقدها لغتها وثقافتها‪.‬‬

‫املعيار الثالث ‪ :‬ضعف نسبة املتكلمني ِهبا إىل عدد السكان ‪:‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪51‬‬


‫يـُ َع ُّد عدد املتكلمني ِبللغة ِبلنسبة جملموع السكان مؤشرا كبري اْلمهية ِف حيوية اللغة‪ ،‬فهذه "اجلماعة"‬
‫قد تكون عرقية أو دينية أو إقليمية‪ ،‬أو جمموعة وطنية داخل اجملتمع‪ ،‬تربطها لغة خاصة‪ .‬وفيما يلي‬
‫مقياس ميكن استخدامه لتقييم درجة اخلطر ‪:‬‬
‫‪ o‬آمنة ‪ :‬فالكل يتكلم اللغة ‪.‬‬
‫‪ o‬غري آمنة ‪ :‬الكل تقريبا يتكلم اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬خطر مؤكد ‪ :‬الغالبية تتكلم اللغة ‪.‬‬
‫‪ o‬خطر شديد ‪ :‬أقلية تتكلم اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬وضع حرج ‪ :‬عدد قليل جدا يتكلم اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬منقرضة ‪ :‬ال يتكلم اللغة أحد‪.‬‬

‫املعيار الرابع‪ :‬االجتاهات ِف جماالت اللغة احلالية ‪:‬‬


‫املوضوعات اليت تتناوهلا اللغة تؤثر بشكل مباشر على بقاء اللغة وحيويتها‪ ،‬وله أتثري كذلك على انتقال‬
‫اللغة إىل اجليل املقبل‪ .‬وفيما يلي درجات حيوية اللغة ِبعتبار هذا املعيار‪:‬‬
‫‪ o‬االستخدام الشامل ‪ :‬إن لغة اجملموعة العرقية اللغوية جيب أن تكون لغة التفاعل واهلوية والفكر‪،‬‬
‫واإلبداع‪ ،‬والرتفيه‪ ،‬وتستخدم بشكل نشط ِف مجيع اجملاالت جلميع اْلغراض‪.‬‬
‫‪ o‬اللغات املتكافئة ‪ :‬لغة أو أكثر من اللغات السائدة‪ ،‬من غري لغة اجملموعة العرقية اللغوية‪ ،‬تكون‬
‫اللغة ( أو اللغات) اْلوىل ِف معظم اجملاالت الرمسية‪ :‬للحكومة‪ ،‬وللمكاتب العامة‪ ،‬وللمؤسسات‬
‫التعليمية ‪ .‬وهذه اللغة قد تكون متكاملة مع عدد من امليادين العامة‪ ،‬وخاصة ِف املؤسسات الدينية‬
‫التقليدية واملتاجر احمللية‪ ،‬وتلك اْلماكن اليت يتجمع فيها أفراد اجملتمع‪ .‬تعايش اللغات السائدة وغري‬
‫السائدة ينتج متكلمني يستخدمون كل لغة لوظيفة خمتلفة‪ ،‬فاللغة غري السائدة تستخدم ْلغراض‬
‫غري رمسية وِف السياقات املنزلية‪ .‬واللغة السائدة هي اليت استخدمت ِف السياقات الرمسية والعامة‪ .‬قد‬
‫يعترب املتحدثون اللغة السائدة لغة املناسبات االجتماعية واالقتصادية‪ .‬غري أن كبار السن من أفراد‬
‫اجملتمع فقط قد يستمر ِف استخدام لغته اخلاصة‪ .‬علما أبن التعددية اللغوية املنتشرة ِف العامل ال‬
‫تؤدي ِبلضرورة إىل فقدان اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬تراجع اجملاالت ‪ :‬اللغة غري السائدة تفقد أرضيتها‪ ،‬ويبدأ اَلِبء ِف املنزل ِف استخدام اللغة السائدة‬
‫ِف حياهتم اليومية مع أطفاهلم‪ ،‬ويصبح اْلطفال شبه انطقني بلغتهم ( يستقبلون لغتني ) ومييل اَلِبء‬

‫‪52‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وكبار السن من أفراد اجملتمع احمللي إىل الستخدام لغتني ِف الغالب من لغات السكان اْلصليني‪،‬‬
‫فيفهموهنما ويتحدثون هبما معا‪ .‬فيوجد ِف اْلسر أطفال يتحدثون لغتني وذلك عندما يكون‬
‫استخدام لغة السكان اْلصليني نشيط‪.‬‬
‫‪ o‬جماالت حمدودة أو رمسية ‪ :‬اللغة غري السائدة تستخدم فقط ِف اجملاالت الرمسية العالية‪ ،‬مثل الطقوس‬
‫اخلاصة وإدارهتا‪ .‬كما ميكن أن تظل تستخدم ِف املركز االجتماعية‪ ،‬وِف املهرجاانت واملناسبات‬
‫االحتفالية اليت جيد فيها كبار السن ِف اجملتمع فرصة لَللتقاء‪ .‬وقد تشمل حمدودية اجملاالت أيضا‬
‫االستخدام املنزيل حيث يقيم اْلجداد وغريهم‪ .‬فكثري من الناس ميكنهم فهم اللغة ولكن ال ميكنهم‬
‫التحدث ِهبا‪.‬‬
‫‪ o‬جمال حمدود للغاية ‪ :‬تستخدم اللغة غري السائدة ِف جماالت حمدودة جدا ِف املناسبات اخلاصة‪،‬‬
‫وعادة من قبل عدد قليل جدا من اْلفراد ِف اجملتمع‪ ،‬مثل قادة مناسبات الطقوس االحتفالية‪ .‬وقد‬
‫يتذكر بعض الكلمات بعض اْلفراد اَلخرين على اْلقل‪.‬‬
‫‪ o‬االنقراض ‪ :‬لغة ال يتكلم هبا أحد ِف أي مكان ِف أي وقت‪.‬‬

‫املعيار اخلامس ‪ :‬استيعاب اجملاالت اجلديدة ووسائل اإلعَلم اجلديدة ‪:‬‬


‫تنشأ جماالت جديدة الستخدام اللغة مع تغري الظروف املعيشية للمجتمع‪ .‬فتنجح لغات بعض‬
‫اجملتمعات ِف توسيع استخدام لغتهم ِف اجملال اجلديد‪ ،‬ويفشل كثريون‪ .‬فاملدارس‪ ،‬وتوفري بيئة عمل‬
‫جديدة‪ ،‬وسائط اإلعَلم اجلديدة‪ِ ،‬با فيها البث اإلعَلمي واإلنرتنت‪ ،‬تؤدي عادة إىل توسيع نطاق‬
‫وسلطة اللغة السائدة على حساب اللغات املعرضة لَلنداثر‪.‬‬
‫إذا كانت اجملتمعات احمللية ال تستطيع مواجهة حتدَيت احلداثة بلغتها‪ ،‬فستصبح اللغة ضعيفة التواصل‬
‫بشكل متزايد‪.‬‬
‫خيتلف نوع واستخدام اللغة هلذه اجملاالت اجلديدة ِبختَلف السياق احمللي‪ .‬مثال واحد على احتمال‬
‫استخدام هذا املعيار‪ :‬فاللغة اليت ِف خطر تستمتع ِبنحها نصف ساعة ِف اْلسبوع لتبث عرب وسائل‬
‫اإلعَلم‪ِ ،‬با ِف ذلك اإلذاعة والتلفزيون‪ .‬فعلى الرغم من توفر وسائل اإلعَلم لتعطي هذه اللغة اهتماما‬
‫كبريا‪ ،‬أبقصى حدود زمنية فهناك نتائج حمدودة ِف التعرض للغة‪ ،‬مما من شانه أن جيعلها ِف املرتبة الثانية‬
‫أو الثالثة‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪53‬‬


‫ِف جمال التعليم‪ ،‬ميكن أن تقوم املعايري ذات البعدين‪ :‬إىل أي مستوى تستخدم اللغة املهددة‪ ،‬ومدى‬
‫انتشارها ِف املناهج الدراسية ‪.‬فاللغة اليت ِف خطر وتستخدم ِف مجيع مناهج التعليم وِف مجيع‬
‫املستوَيت‪ِ ،‬ف وضع أفضل بكثري من اللغة اليت تدرس ساعة واحدة فقط ِف اْلسبوع‪.‬‬
‫فيجب اعتبار استجابة اللغة للتعامل مع مجيع اجملاالت اجلديدة سواء ِف العمل‪ ،‬أو التعليم‪ ،‬أو وسائل‬
‫اإلعَلم‪ ،‬عند تقييم اخلطر على اللغة‪.‬‬
‫‪ o‬لغة ديناميكية ‪ :‬اللغة املستخدمة ِف مجيع جماالت جديدة‪.‬‬
‫‪ o‬لغة قوية نشطة ‪ :‬اللغة املستخدمة ِف معظم جماالت جديدة‪.‬‬
‫‪ o‬لغة تقبل ‪ :‬اللغة املستخدمة ِف العديد من اجملاالت اجلديدة‪.‬‬
‫‪ o‬صامدة ‪ :‬اللغة املستخدمة ِف بعض اجملاالت اجلديدة‪.‬‬
‫‪ o‬متدنية ‪ :‬اللغة املستخدمة ِف القليل من اجملاالت اجلديدة‪.‬‬
‫‪ o‬خاملة ‪ :‬اللغة اليت ال تستخدم ِف أي جماالت جديدة‪.‬‬

‫املعيار السادس ‪ :‬أدوات تعليم اللغة وقراءهتا وكتابتها ‪:‬‬


‫التعليم ِف اللغة أمر أساسي حليويتها‪ .‬هناك لغة قوية لبعض اجملتمعات حتافظ على أعراف شفوية‪،‬‬
‫وبعض اجملتمعات ال ترغب ِف أن تكون لغتها مكتوبة‪ِ .‬ف جمتمعات أخرى يعترب حمو اْلمية مصدر‬
‫اعتزاز‪ .‬بشكل عام هناك صلة مباشرة بني معرفة القراءة والكتابة وبني التنمية االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫وهناك حاجة إىل الكتب واملواد التعليمية جلميع املواضيع ملختلف اْلعمار والقدرات اللغوية‪.‬‬
‫‪ o‬هناك هجائية اثبتة وقواعد عرفية للقراءة والكتابة‪ ،‬وهناك قواميس‪ ،‬ونصوص‪ ،‬وأدب‪ ،‬ووسائل إعَلم‬
‫يومية‪ .‬تستخدم الكتابة ِف اللغة ِف اإلدارة والتعليم‪.‬‬
‫‪ o‬وجود مواد مكتوبة‪ ،‬ويتعلم اْلطفال ِف املدارس القراءة والكتابة‪ .‬ولكن ال تستخدم كتابة اللغة ِف‬
‫اإلدارة ‪.‬‬
‫‪ o‬وجود مواد مكتوبة واْلطفال قد يتعرضون لشكل مكتوب للغة ِف املدرسة‪ .‬وليس للقراءة والكتاب‬
‫وجود ِف وسائل اإلعَلم املطبوعة‪.‬‬
‫‪ o‬وجود مواد مكتوبة‪ ،‬ولكنها قد تكون مفيدة لبعض أفراد اجملتمع فقط‪ ،‬وِبلنسبة لآلخرين‪ ،‬قد يكون‬
‫له أمهية رمزية‪ .‬والقراءة والكتابة ليست جزءاً من املنهج الدراسي‪.‬‬
‫‪ o‬هجائية اللغة معروفة للمجتمع‪ ،‬ويوجد بعض املواد املكتوبة‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ o‬ال توجد هجائية متاحة للغة للمجتمع احمللي‪.‬‬

‫أسفر أحد تقارير اليونسكو اْلخرية عن أن عدداً من لغات العامل مهددة ِبالنقراض‪ ،‬ومن‬
‫بينها اللغة العربية"‪ ،‬كما ورد ِف مداخلة اللغوي املصري الدكتور رشدي طعيمة‪ ،‬املعروف بتدينه ودماثة‬
‫خلقه‪ .‬ولكي يُعزز الدكتور طعيمة أقواله ويضفي عليها املصداقية‪ ،‬أشهر ِف وجه املؤمترين كتاِبً ألفه‬
‫اللساين الربيطاين ديفيد كريستال بعنوان " موت اللغة "‪ ،‬صدر عن مطبعة جامعة كمربج‪ .‬ويعدد هذا‬
‫الكتاب تسعة شروط ملوت اللغة‪ .‬ومجيع هذه الشروط تنطبق على اللغة العربية ِف وضعها الراهن‪ ،‬وِف‬
‫مقومات اْلُمة‪ .‬وهذا‬ ‫مقدمتها شرط انتشار لغة الغالب ِف بَلد املغلوب وحلوهلا حمل لغته اليت هي من ِ‬
‫مبدأ معروف ِف علم االجتماع أرساه املرحوم ابن خلدون ِف ِ‬
‫"املقدمة" بقوله‪ :‬إن املغلوب مولع أبداً‬
‫ِبالقتداء ِبلغالب ِف شعاره وزيه ِوحنلته وسائر أحواله وعوائده‪ ...‬إن اْلمة إذا غُلِبت وصارت ِف ملك‬
‫غريها‪ ،‬أسرع إليها الفناء‪".‬‬

‫ومعيار أساس ِف حفظ اهلوية وحتديد الذات‪ ،‬فهي شرَين اْلمة‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫إن لغة اْلمة ميزا ٌن دقيق‬
‫عظيم من مصادر القوة‪ ،‬وإذا أضاعت أمة لساهنا أضاعت اترخيها وحضارهتا‪،‬‬
‫ومصدر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأقنوم احلضارة‪،‬‬
‫كما تضيع حاضرها ومستقبلها‪ .‬اللغة من أهم مَلمح الشخصية اإلنسانية إن مل تكن أمهها‪ ،‬وهي اليت‬
‫مظهر من مظاهر قوة االبتكار‬
‫تربط املرء أبهله وأمته ودينه وثقافته‪ ،‬فهي التاريخ‪ ،‬وهي اجلغرافيا‪ .‬اللغة ٌ‬
‫ِف اْلمة‪ ،‬فإذا ضعفت قوة االبتكار توقفت اللغة‪ ،‬وإذا توقفت اللغة تقهقرت اْلمة‪ ،‬وإذا تقهقرت اْلمة‬
‫‪67‬‬
‫فذلكم هو املوت واالضمحَلل واالنداثر‪.‬‬

‫حاضعا لقوانني‬
‫ً‬ ‫اصا‬‫اْلمة الناطقة هبا كَلًّ مرت ًّ‬
‫يقول الفيلسوف اْلملاين فيخته‪ :‬اللغة جتعل َّ‬
‫حمدَّدة‪ ،‬وهي الرابطة بني عامل اْلجسام وعامل اْلذهان‪.‬‬
‫"إن اللغة القوميَّة وطن روحي أيوي من ُح ِرم وطنه علي اْلرض‪.‬‬ ‫ويقول "فوسلر"‪َّ :‬‬
‫"إن اللغة مظهر من مظاهر التَّاريخ‪ ،‬والتَّاريخ صفة اْلمة‪،‬‬‫ويقول مصطفى صادق الرافعي‪َّ :‬‬
‫فاللغة هي الصفة الثَّابتة اليت ال تزول إالَّ بزوال اجلنسيَّة وانسَلخ َّ‬
‫اْلمة من اترخيها"‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الشيخ صاحل بن محيد ‪ ،‬اللغة‪ ..‬عنوان سيادة اْلمة ( خطبة )‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪55‬‬


‫الفصل الثالث‬

‫اللغة العربية وميزاهتا‬

‫‪56‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اللغة العربية‬
‫العربية وعاء علوم الدين‪ ،‬وذخائر الرتاث‪ ،‬ال تكون معرفة القرآن والسنة إال هبا‪ ،‬وال يتم فهم‬
‫علومهما ومقاصدمها بدوهنا‪ ،‬تعلمها وإتقاهنا من الدَينة‪ ،‬فهي أداة علم الشريعة ومفتاح الفقه ِف الدين‪.‬‬
‫إنه عشق اللغة العربية اليت تستحق أن تُعشق وأن ُمتجد‪ ،‬ليس لدوافع إقليمية فحسب بل‬
‫َلصال اترخيية وعظمة بنائية وبَلغية‪ .‬هذه اللغة اليت حتدى هبا هللا سبحانه وتعاىل فصحاء العرب‬
‫وأساطني اللغة على أن أيتوا بسورة أو أبية ذات بناء بَلغي ومعىن بليغ كما جاء ِف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وكما قال املصطفى صلى هللا عليه وسلم (إن من البيان لسحراً ) هذا السحر ِف اللغة العربية وهذا‬
‫اجلمال ال يدركه حق اإلدراك إال ابن الثقافة العربية‪ ،‬أو عامل منصف تبحر ِف حبر اللغات‪ ،‬وارتوى من‬
‫معني الثقافات‪.‬‬
‫واللغة العربية تنفرد ِبلتصاقها ِبلقرآن الكرمي‪ ،‬مما أكسبها بعداً دينياً‪ِ ،‬بإلضافة إىل البعد‬
‫احلضاري والبيئي‪ .‬ولذا فإن الشحنات الثقافية والروحية اليت حتملها هذه اللغة ال تكاد جتد هلا نداً ِف‬
‫اللغات اْلخرى‪ ،‬فاملسلم ِف كل مكان يتعبد هللا بتَلوة القرآن‪ ،‬فتفعل الكلمات القرآنية العربية ِف نفسه‬
‫اْلفاعيل‪ ،‬كما أن الشعر العرب ذا النمط الفريد والبحور املتعددة يقلب كيان الفرد‪ ،‬وينقله من واد إىل‬
‫واد‪.‬‬
‫واللغة العربية لغة اإلدارة والعلم‪ ،‬فهي اليت حوت علم اهلند والسند‪ ،‬وفارس والروم‪ ،‬واليوانن‬
‫وغريهم‪ ،‬حّت تباكي القساوسة على الثقافة املسيحية يوم أن رأوا أن مثقفيهم مولعون ِبللغة العربية الغنية‬
‫ذات االشتقاقات واملرتادفات واْلجراس املوسيقية املتنوعة‪ ،‬والقدرة على التصوير‪ ،‬والتناسق بني جرس‬
‫الكلمة وإيقاعها احلسي واملعنوي‪ ،‬إىل غري ذلك من خصائص اللغة‪ ،‬بل أمل يكن روجر بيكون نفسه هو‬
‫من كتب أنه ال يُتصور مشتغل ِبلبحث العلمي ال يعرف اللغة العربية!!‬

‫حرص العرب على صفاء اللغة ونقائها ‪:‬‬


‫‪ o‬نشأة النحو وعلوم العربية مبكرة‪.‬‬
‫‪ o‬عناية القراء بتجويد القرآن ولغاته‪.‬‬
‫‪ o‬حتديد زمن االحتجاج اللغوي ‪:‬‬
‫حرص علماء العربية على تدوين اللغة بوقت صفائها ونقائها قبل أن تتوغل العجمة وتسري‬
‫إليها‪ ،‬ومن مظاهر هذا احلرص واالحتياط حتديد زمن االحتجاج؛ ليتأكدوا من سَلمة ما ينقلون‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪57‬‬


‫ويدونون‪ ،‬حيث أنه من مرور الزمن يتسرب اللحن‪ ،‬واملشهور عند أهل العلم أن االحتجاج ينتهي إىل‬
‫منتصف القرن الثاين اهلجري عند أهل احلضر‪ ،‬وقد ميتد إىل منتصف القرن الرابع عند أهل املدر‪.‬‬
‫اإلمام أبو نصر اجلوهري صاحب الصحاح املتوىف حنو ‪ 400‬هجرية‪ ،‬كان أيخذ العربية من‬
‫أعراب زمانه‪ .‬وكذلك اإلمام أبو منصور اْلزهري صاحب التهذيب املتوىف سنة ‪ 370‬هـ‪ ،‬كان أيخذ‬
‫العربية من أعراب زمانه أيضا‪.‬‬

‫‪ o‬اْلخذ من عرب البادية دون عرب احلاضرة والسيما احلاضرة اجملاورة لبَلد اْلعاجم‪:‬‬
‫حيرص العرب ِف احلواضر العربية على تنشئة صغارهم ِف عرب البادية ؛ حيث صفاء اجلو‬
‫واللغة‪ .‬ويرسل بعضهم مواليدهم إىل املرضعات ِف البادية‪ " ،‬وكانت العادة عند احلضر أن يلتمسوا‬
‫املراضع ْلوالدهم؛ ابعادا عن أمراض احلواضر ؛ لتقوى أجسامهم‪ ،‬وتشتد أعصاهبم‪ ،‬ويتقنوا اللسان‬
‫العرب ِف مهدهم‪ ،‬فالتمس عبد املطلب لرسول هللا الرضعاء‪ ،‬واسرتضع له امرأة من بين سعد بن بكر‪،‬‬
‫وهي حليمة" ‪.68‬‬
‫ومل تكن القبائل العربية ِف مستوى واحد من الفصاحة‪ ،‬وال من السَلمة من اللحن؛ بسبب‬
‫اختَلطها بغريها من اْلعاجم‪ ،‬وقرب بعضها من احلضر‪ .‬ولذلك كان العلماء يتحرزون عند مجع اللغة‪،‬‬
‫ويفضلون بعض القبائل على بعض‪ ،‬وأكثر القبائل العربية اليت نقل عنها‪ ،‬وأخذت العربية الصحيحة‬
‫منها هم‪ :‬قيس‪ ،‬ومتيم‪ ،‬وأسد‪ ،‬وهذيل‪ ،‬وبعض قبائل كنانة‪ ،‬وبعض الطائيني‪.‬‬

‫‪ o‬رحلة العلماء إىل اْلعراب ِف مواطنهم ْلخذ اللغة‪ ،‬واعتمادهم على الرواية الشفهية أكثر من اْلخذ‬
‫من املكتوب‪:‬‬
‫اعتمد العلماء اْلقدمون على مشافهة العرب والرحلة إليهم‪ ،‬حيث يقيمون ِف بواديهم النائية‪،‬‬
‫كثريا من مشاق السفر والرحلة‪ ،‬وخشونة العيش؛ ملشافهة البدو‬ ‫أو احلواضر اليت نزحوا إليها‪ .‬وحتملوا ً‬
‫اخللص الذين مل تفسد سَلئقهم وال ألسنتهم‪ ،‬فأبو عمرو راوية كوِف أخذ اللغة مشافهة عن اْلعراب‬
‫ورحل إىل البادية‪ ،‬وكانت له مشاركة ِف رواية احلديث‪ ،‬ومن علماء القرن الثاين اهلجري‪ ،‬الذين اعتمدوا‬
‫ِف بناء آرائهم على مشافهة العرب اخللص ِف البوادي‪ ،‬أبو اْلسود الدؤيل املتوىف سنة تسع وستني‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الرحيق املختوم‪ ،‬للمباركفوري‪ ،‬ص ‪47‬‬

‫‪58‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ومنهج اْلقدمني ِف مجع اللغة علمي دقيق‪ ،‬يعول على املَلحظة واالستقراء‪ ،‬واإلفراط ِف‬
‫أحياان‪ ،‬حّت لنستطيع أن نكون مطمئنني إىل أكثر ما استنتجوه من خصائص لغتنا اليت جتنبوا‬
‫احليطة ً‬
‫أخذها َع َّمن تشوب عربيتهم أية شائبة؛ فقد اقتصر أخذهم اللغة على عرب البادية‪ ،‬وعلى فصحائهم‬
‫كثريا ما كان سيبويه يشري إىل تشدده ِف تصويب االستعمال اللغوي برده إىل العرب‬ ‫بشكل ٍ‬
‫خاص‪ .‬و ً‬
‫ضى عربيتهم‪ ،69‬أو العرب املوثوق هبم‪ ،‬أو بعربيتهم‪ ،‬ولكن سيبويه نفسه كان يرى أن هؤالء‬ ‫الذين تـُ ْر َ‬
‫العرب املوثوق بعربيتهم هم عرب احلجاز‪ ،‬فيجنح غالبًا إىل ترجيح لغة احلجاز إذا اختلفت اللهجات‪.‬‬
‫خرجت عن‬
‫وهذا اإلمام حممد بن إدريس الشافعي ت ‪ 205‬ه‪ ،‬كما قال عن نفسه " مث إين ْ‬
‫وآخ ُذ طبعها‪ ،‬وكانت أفصح العرب‪ ،‬قال ‪ :‬فبقيت فيهم‬‫هذيَل ِف البادية‪ ،‬أتعلَّم كَلمها‪ُ ،‬‬
‫ت ً‬ ‫مكة‪ ،‬فل ِزْم ُ‬
‫‪70‬‬
‫أرح ُل برحيلهم‪ ،‬وأنزل بنزوهلم‪...‬‬
‫شرة سنةً‪َ ،‬‬
‫سبع َع َ‬

‫‪ o‬تعظيم خطر اللحن‪:‬‬


‫بعد أن امتدت رقعة العامل اإلسَلمي انتشرت جرثومة اللحن حّت أعدت اخلاصة حّت صاروا‬
‫يعدون من ال يلحن‪ ،‬قال اْلصمعي‪" :‬أربعة مل يلحنوا ِف جد وال هزل‪ :‬الشعيب وعبد امللك بن مروان‬
‫واحلجاج بن يوسف وابن القرية واحلجاج أفصحهم"‪ .71‬وانتقلت جرثومة اللحن من احلاضرة إىل البادية‬
‫قال اجلاحظ‪" :‬قالوا وأول حلن مسُع ِبلبادية هذه عصات"‪ 72‬وهناك أمثلة أخرى هلذا النوع كما يروى أن‬
‫عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه مر على قوم يرمون ِبلسهام فلم يعجبه رميهم‪ .‬وملا أبدى هذا قالوا‪ :‬إننا‬
‫قوم متعلمني‪ .‬ومل ينج بعض احلكام واخللفاء من الوقوع ِف اللحن‪ .‬فكان احلجاج وهو ِف الذروة من‬
‫فم ْن وراءه من العرب انزلة املدن الذين‬
‫اخلطابة والبيان والفصاحة والبَلغة يلحن ِف حرف من القرآن‪َ ،‬‬
‫ال يرقون إىل منزلته البيانية كان حلنهم أكثر‪.‬‬
‫واجتهد العلماء ِف بيان اللحن وسعوا إىل تصويبه‪ ،‬وألفت ِف ذلك الكتب ِف حلن العامة وحلن‬
‫اخلاصة‪ .‬ومن هذه الكتب " ما تلحن فيه العامة " للكسائي‪ ،‬و " حلن العوام " للزبيدي‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫كتاب سيبويه ‪477 / 1‬‬
‫‪70‬‬
‫املؤدبون وجتربتهم ِف تعليم العربية‪ ،‬د‪ .‬سليمان العايد‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪71‬‬
‫نشأة النحو الشيخ حممد الطنطاوي ص‪.10‬‬
‫‪72‬‬
‫املرجع السابق ص‪.11‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪59‬‬


‫‪ o‬تدوين املعاجم ‪:‬‬
‫مر‬
‫نشأ املعجم العرب‪ ،‬ودونت ألفاظ العربية؛ ِف النصف الثاين من القرن اْلول اهلجري‪ .‬مث َّ‬
‫املعجم ِبراحل متدرجة؛ حّت نضج واكتمل؛ وهي مخس مراحل تُ ْسلِ ُم ُّ‬
‫كل مرحلة منها إىل ما يليها‪،‬‬
‫مع وجود شيء من التداخل بينها‪:‬‬
‫املرحلة اْلوىل‪ :‬مرحلة التفسري الشفوي‪:‬‬
‫ؤر ُخ هذه املرحلة ببدء نزول القرآن الكرمي‪ ،‬الذي يعد اْلساس ْلكثر علوم العربية‪ ،‬ومنها‬ ‫تُ َّ‬
‫علم املعاجم العربية‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة اجلمع العام‪:‬‬
‫وهو مجع اللغة بشكل غري منظم‪ ،‬أو مجعها ِف سياقاهتا املختلفة‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة أتليف الرسائل اخلاصة‪:‬‬
‫وِف هذه املرحلة بدأ جتريد اللغة من سياقاهتا املختلفة‪ ،‬وتدوينها َوفْ َق نُظٍُم معينة؛ ِف إطار‬
‫رسائل صغرية ِف النبات‪ ،‬واحلشرات‪ ،‬واللَّنب‪ ،‬والطري‪ ،‬والنحل والعسل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املعاين واملوضوعات؛ فظهرت‬
‫وغري ذلك‪.‬‬
‫وممن ألَّف ِف هذا الفن‪ :‬أبو زيد اْلنصاري (ت ‪215‬هـ) واْلصمعي (ت ‪215‬هـ) وابن‬
‫اْلعراب (ت ‪231‬هـ) والنَّضر بن ُمشَيل (ت ‪241‬هـ)‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة معاجم املعاين واملوضوعات العامة‪:‬‬
‫ف بعض‬ ‫ِ‬
‫وقامت هذه املرحلة على ما أُلف ِف املرحلة السابقة من رسائل لغوية‪ ،‬فقد َع َك َ‬
‫العلماء على مجع تلك الرسائل؛ وتصنيفها ِف معاجم ُمطولة؛ حبسب املعاين واملوضوعات؛‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‪ :‬مرحلة معاجم اْللفاظ‪:‬‬
‫‪73‬‬
‫وهي مرحلة املعاجم اجملنسة املطولة‪ ،‬وتُ ُّ‬
‫عد امتداداً طبعياً ملا قبلها‪.‬‬

‫‪ o‬احتفاظ العرب بلغتهم بعد استيطاهنم ببَلد اْلعاجم ‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫تداخل اْلصول اللغوية وأثره ِف بناء املعجم ج‪ 1‬ص‪54‬‬

‫‪60‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الفتوحات الكربى‪ :‬وهي أعظم حركات االنتشار العربية‪ ،‬وقد أوصلت العرب إىل منطقة متتد‬
‫من مشارف الصني شرقاً وبَلد اهلند والسودان جنوِبً إىل احمليط اْلطلسي غرِبً‪ ،‬مث مشارف أوروِب‬
‫مشاالً‪.‬‬
‫فلو أن أي أمة غري أمة العرب انتشرت هذا االنتشار مل أشك حلظة أنه كان يُقضى على سائر‬
‫خصائصها ومنها ‪ -‬اللغة ‪ ،-‬أو على اْلقل تضعف وتنضب مقوماهتا وخصائصها‪ ،‬لكن الذي حدث‬
‫ِبلنسبة للعرب والعربية أن صمدت مقوماهتم وازدادت العربية قوة وازدهاراً ومتاسكاً فبدل أن حتتويها كل‬
‫تلك اْلمم واحلضارات واللغات وتطغى عليها‪ ،‬احتوت هي كل تلك اْلمم واحلضارات‪ ،‬وطغت على‬
‫‪74‬‬
‫سائر تلك اللغات‪.‬‬

‫‪ o‬سرعة انتشار العربية ِف غري جزيرة العرب مع الفتوحات ‪:‬‬


‫إن الواقـع التـارخيي للغـة العربيــة وللـدين اإلسـَلمي –خــَلل أربعـة عشـر قـران‪ -‬يثبـت حقيقـة الــتَلزم‬
‫واالرتباط بني انتشـار كـل منهمـا وازدهـاره وانتشـار اَلخـر‪ .‬ولـيس مـن شـك ِف أن اإلسـَلم كـان لـه الـدور‬
‫اْلول والرائـد ِف انتشـار اللغــة العربيـة ِف اْلقطـار اَلســيوية واإلفريقيـة غـري العربيــة‪ .‬ونعتقـد أن اإلسـَلم هــو‬
‫أبرز العوامل اليت دفعـت أببنـاء الشـعوب غـري العربيـة لـتعلم اللغـة العربيـة‪ .‬وقـد كـان للقـرآن الكـرمي‪ ،‬وللـدين‬
‫اإلســَلمي بعام ـة‪ ،‬الــدور اْله ــم ِف حفــظ العربي ــة م ــن الضــياع أو التش ــويه‪ ،‬علــى ال ــرغم مــن ض ــياع الدول ــة‬
‫الواحــدة ِف بعــض اْلزمن ــة‪ .‬إىل جانــب أن ـه ِف ك ـ ٍـل مــن الــدين اإلس ــَلمي واللغــة العربيــة م ــن القــوة الذاتي ــة‬
‫واالستعداد اْلصيل ما يكفل له الغلبة واالنتصار‪.‬‬
‫واملسلمون تعاونوا مجيعا – من اجلنس العرب أو من العجم الذين لسانـهم عرب – على‬
‫التقعيد للغة العربية؛ حلفظ القرآن‪.‬‬
‫ولنا شاهد من التاريخ‪ ،‬حيث انتشرت اللغة العربية مع انتشار اإلسَلم ِف الفتوحات؛‬
‫وأصبحت لساانً عاماً‪ ،‬وليست لسان العلماء ِف املساجد واملدارس الدينية‪.‬‬

‫‪ o‬إحجام السابقني اْلولني عن ترمجة معاين القرآن ‪:‬‬


‫وقد أدى إحجام السابقني اْلولني عن ترمجة معاين القرآن إىل انتشار اللغة العربية حّت عمت‬
‫مجيع اْلقطار اإلسَلمية‪ ،‬فتحقق للمسلمني من وراء انتشارها مزاَي كثرية‪ :‬اجتماعية‪ ،‬وعمرانية‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫دراسات ِف أصول اللغات العربية ج‪ 1‬ص‪135‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪61‬‬


‫وسياسية‪ ،‬فاحتدت ممالك اإلسَلم لغة كما احتدت دينا‪ ،‬ونشأ عن ذلك احتادها ِف اجملتمع‪ ،‬وزوال‬
‫تنافرها‪ .‬ومن رأيهم أن املمالك الداخلة ِف اإلسَلم‪ ،‬لو أهنا اشتغلت برتمجة معاين القرآن إىل لغاهتا‪،‬‬
‫ورأت أن ذلك جائز أو واجب‪ ،‬ما كانت مصر والعراق والشام وتونس واجلزائر واملغرب اْلقصى جماال‬
‫للعروبة ِف اترخينا‪ ،‬ولبقيت على عجمتها متفرقة اللسان والتفكري والثقافة واْلدب‪ ،‬وَلل ذلك ِف هناية‬
‫اْلمر إىل االفرتاق ِف الدين أيضا‪.‬‬
‫فعدول السابقني عن الرتمجة ‪ -‬برغم يسرها عليهم ‪ -‬وحتمل هؤالء اْلعاجم عبء تعلم اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وإحَلهلا حمل لغاهتم اْلصيلة دليل قائم على عدم جواز ترمجة معاين القرآن‪ .‬وأما عن تبليغ‬
‫رسالة القرآن إىل الناس كافة وفيهم غري العرب فهم يرون ِف ذلك االكتفاء بتبليغ جممل ما جاء من‬
‫أصول الدين والعقائد والعبادات واملعامَلت كاإلميان‪ ،‬واإلقرار ِبلشهادتني‪ ،‬وأحكام الصَلة والصوم‬
‫والزكاة واحلج واْلحوال الشخصية‪ ...‬إخل‪ .‬ويرون أنه ال يتعني إبَلغ القرآن كله لكل اْلمم‪ ،‬بل يقولون‪:‬‬
‫إن من واجب تلك اْلمم أن تتعلم اللسان العرب؛ حّت ميكن تبليغ رسالة القرآن إليها بنصها العرب‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إن بعض علماء الكَلم ينصون على أن معرفة هللا ِبلربهان واجبة‪ ،‬وال ميكن‬
‫التوصل إىل ذلك إال بتعلم اللغة العربية؛ إذ القرآن واللسان عربيان‪ ،‬وهبما تعرف اْلدلة‪ ،‬وما ال يتوصل‬
‫للواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫ومن أنصار هذا الرأي ‪ -‬أي القول بعدم جواز ترمجة معاين القرآن ‪ -‬ابن جزي ِف " القوانني‬
‫الفقهية "‪ ،‬فقد ذكر أن من مل حيسن تَلوة القرآن وقراءته ‪ -‬إن كان مل يتعلمها ‪ -‬وجب عليه تعلمها‪،‬‬
‫أو الصَلة وراء من حيسنها‪ ،‬فإن مل جيد فقيل يذكر هللا‪ ،‬وقيل يسكت‪ ،‬وال جيوز ترمجتها‪.‬‬
‫ويرى اْلستاذ مصطفى صادق الرافعي أن من أسباب حترمي ترمجة معاين القرآن ونقله إىل لغات العامل‬
‫‪75‬‬
‫قصور الرتمجة‪ ،‬فهي ال ميكن أن تؤديه البتة‪ ،‬وال تستطيع مطلقا‪.‬‬

‫‪ o‬الشعر ديوان العرب ‪:‬‬


‫(الشعر ديوان العرب) مقولة أطلقها ابن عباس رضي هللا عنه‪ ،‬وهي من أكثر املقوالت‬
‫السائدة ِف دراساتنا اْلدبية والنقدية‪ " ،‬إذا أشكل عليكم الشيء من كتاب هللا‪ ،‬فالتمسوه ِف الشعر‪،‬‬
‫ال‪ :‬إِذَا َسأَلْتُم ِوين َع ْن َغ ِر ِ‬
‫يب‬ ‫ُ‬ ‫اس رضي هللا عنهم قَ َ‬ ‫فإن الشعر ديوان العرب‪ ،76 .‬وعن عِ ْك ِرَمةُ أ َّ‬
‫َن ابْ َن َعبَّ ٍ‬

‫‪75‬‬
‫جملة البحوث اإلسَلمية‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ص ‪206‬‬
‫‪76‬‬
‫تفسري املاوردي ج‪ 1‬ص‪38‬‬

‫‪62‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الش ْعر ِديوا ُن الْ َعر ِ‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ب ‪ ،77‬وهذه العبارة تستخدم للداللة على أمهية الشعر‬ ‫الْ ُق ْرآن فَالْتَم ُسوهُ ِف الش ْعر‪ ،‬فَإ َّن َ َ َ‬
‫عند العرب‪ ،‬ففيه اترخيهم‪ ،‬وآاثرهم‪ ،‬وبه يفتخرون‪ ،‬وميتدحون‪ ،‬ويرغبون‪ ،‬ويرهبون‪ ،‬ومل ال وهم قوم‬
‫الفصاحة والبيان وقد قال النيب ‪.‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬إن من البيان لسحرا‪ ،‬وإن من الشعر حلكمة»‬
‫‪78‬‬

‫قال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪" :‬كان الشعر علم ْقوٍم ليس هلم علم أصح منه"‪ .‬وقال ابن‬
‫سَلم ِف طبقات فحول الشعراء‪" :‬كان الشعر ِف اجلاهلية ديوان علمهم‪ ،‬ومنتهى حكمهم‪ ،‬به‬
‫أيخذون‪ ،‬وإليه يصريون"‪ ،‬وقال ابن قتيبة‪ِ ،‬ف عيون اْلخبار‪" :‬الشعر معدن علم العرب‪ ،‬وسفر‬
‫حكمتها‪ ،‬وديوان أخبارها‪ ،‬ومستودع أَيمها‪ ".‬وقال العسكري‪ِ ،‬ف كتاب الصناعتني‪" :‬الشعر ديوان‬
‫العرب‪ ،‬وخزانة حكمتها‪ ،‬ومستنبط آداهبا‪ ،‬ومستودع علومها‪ ".‬وقال ابن فارس ِف الصاحيب‪" :‬الشعر‬
‫ديوان العرب‪ ،‬به حفظت اْلنساب‪ ،‬وعرفت املآثر‪ ،‬وتعلمت اللغة"‪.‬‬
‫وكان للشعر العرب دور ِبرز ِف احلياة اْلدبية والفكرية والسياسية‪ ،‬وهو يتطور حسب تطور‬
‫الشعوب العربية واإلسَلمية‪ ،‬وحسب عَلقاهتا ِبلشعوب اْلخرى‪.‬‬
‫وهذا يعين أن الشعر اجلاهلي ـ على الرغم من كونه شعراً شفاهياً ـ كان هو املصدر املعرِف‬
‫الوحيد ْلخبار العرب‪ ،‬واترخيهم‪ ،‬وعاداهتم وتقاليدهم‪ ،‬وعلومهم ومعارفهم‪ ،‬وحروهبم وأَيمهم‪ ،‬ومآثرهم‬
‫ومفاخرهم‪ ،‬وقيمهم ومثلهم العليا‪ ..‬وهو ما أكده ابن خلدون ) أيضاً ِف مقدمته حني حتدث عن‬
‫الشعر البدوي الشفاهي (الشعيب) الذائع ِف البوادي العربية حّت عصره‪ ،‬بل كان ذلك أيضاً مربره اْلول‬
‫ـ ِف اترخيه ـ للعناية ِبثل هذا الشعر البدوي الشفاهي وسرد كثري من نصوصه‪ ،‬ومن مث كانت دعوته إىل‬
‫االعرتاف به وتدوينه برغم جمافاته للنحو‪ ،‬نظراً لقيمته املعرفية‪ :‬التارخيية واحلربية واْلخَلقية والثقافية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فضَلً عن كونه املصدر املعرِف الوحيد للمجتمعات القبلية ذات الثقافة الشفاهية‪ ،‬مشرياً‬
‫ِف الوقت نفسه إىل أنه (ديوان البادية)‪.‬‬

‫‪ o‬اهتمام اخللفاء ِبلشعر واْلدب‪ ،‬وجلب املؤدبني ْلبنائهم ‪:‬‬


‫اهتم اخللفاء واْلمراء ِبْلدِبء والشعراء‪ ،‬وأصبحوا يستمعون إليهم‪ ،‬ومينحوهنم اجلوائز ويقربوهنم‬
‫حسب أدهبم وشعرهم‪ .‬كما اهتموا جبلب املؤدبني ْلبنائهم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫تفسري القرطيب ج‪ 1‬ص‪24‬‬
‫‪78‬‬
‫تفسري الثعاليب ‪108/1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪63‬‬


‫العلية‪ ،‬وعملهم ال يَِق ُّل ً‬
‫شأان ِف تعليم‬ ‫وكان ِ‬
‫للمؤدبني أثر واضح ِف جعل اللغة الفصحى لغةَ ِ‬
‫املؤدبني مل حيفظه التاريخ كما حفظ عمل‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬ونشرها‪ ،‬وحفظها عن التدوين‪ ،‬غري أن عمل ِ‬
‫املؤدبني ذات أث ٍر ِف ِ‬
‫بناء امللكة اللُّغوية‪،‬‬ ‫املؤلفني‪ .‬وقد قصرت عنه عناية أصحاب الرتاجم‪ ،‬وكانت طريقة ِ‬
‫وهي أجدى من تلقني القواعد النظرية‪ ،‬فقد اقتصرت على الضروري من هذه القواعد‪ ،‬مع العناية‬
‫ِبلنص اْلدب‪ ،‬واملران على اإلنشاء‪ ،‬وتنمية املهارات‪ ،‬وحماولة حماكاة النصوص العالية‪ ،‬مع النظرة‬
‫ِ‬
‫الشاملة‬ ‫ِ‬
‫ِبلذوق‪ ،‬مع الرتبية اللغوية السلوكية‬ ‫الشمولية اليت ال تقتصر على عل ٍم أو ٍ‬
‫فن من العربية‪ ،‬والعناية‬
‫ابتداءً من السماع‪ ،‬وانتهاءً ِبإلبداع‪79.‬وميكن أن تُوصف طريقتهم ِف درس العربية ِبا يلي ‪:‬‬
‫روري من قواعد اللغة‪ ،‬من غري توسع فيما ال تدعو إليه حاجة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬االقتصار على الض ِ‬
‫ودرسا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِبملروي عن العرب روايةً‪ ،‬وحفظًا‪ً ،‬‬ ‫‪ - 2‬العناية‬
‫وحديث‪ ،‬وإنشاد شعر‪ ،‬وإلقاء‪ ،‬وحماولة‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خطابة‪ ،‬وكتابة‪،‬‬ ‫‪ - 3‬العناية بفنون الكَلم‪ ،‬وطرائق القول من‬
‫النسج على منوال املستجاد من النصوص املروية‪ ،‬وحماكاهتا‪.‬‬
‫‪ - 4‬النظر إىل علوم العربية نظرةً شاملةً‪ ،‬ال تقتصر على عل ٍم دون عل ٍم‪ ،‬وال على ٍ‬
‫فن دون فن‪ ،‬وهذا ال‬
‫مينع بروز فَ ٍن على غريه لدى ِ‬
‫املؤدب‪.‬‬ ‫َ‬
‫َلت املعاين‪ ،‬وموجبات االستحسان‪.‬‬ ‫‪ - 5‬العناية ِبا وراء القواعد الظاهرة من مكم ِ‬
‫‪80‬‬
‫‪ - 6‬الرتبية اللغوية السلوكية الشاملة بدءًا من االستماع‪ ،‬وانتهاءً ِبإليداع‪.‬‬

‫‪ o‬اعتماد العربية لغة للتعليم ِف البَلد اإلسَلمية ‪:‬‬


‫أص ــبحت العربي ــة لغ ــة التعل ــيم ِف مش ــرق الع ــامل اإلس ــَلمي وِف مغرب ــه‪ ،‬وق ــد اع ــرتف غ ــري املس ــلمني‬
‫ـرفا‪ ،‬أن الشــعوب غــري العربيــة مل جتــرب علــى تعلــم العربيــة ْلهنــا لغــة فــاحتني‪،‬‬
‫بـذلك‪ ،‬وممــا يزيــد اللغــة العربيــة شـ ً‬
‫كما هو الشأن مع اللغات اْلخرى‪ ،‬بل ْلهنا لغة القـرآن الكـرمي الـذي أنـزل لكـل املسـلمني دون اسـتثناء‪.‬‬
‫وعنــدما ضــعفت اخلَلفــة العباســية وتســلط الســَلطني مــن العجــم ظلــت العربيــة هــي الســائدة ِف الــدواوين‬
‫واملراس ــَل ت وال ــدروس الديني ــة والعلمي ــة ح ــّت إهن ــا ظل ــت لغ ــة التخاط ــب السياس ــي ب ــني ه ــؤالء الس ــَلطني‬
‫وغريهم من ملوك اْلقطار غري اإلسَلمية احمليطني ِبلوطن العرب كالبيزنطيني‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫املؤدبون وجتربتهم ِف تعليم العربية‪ ،‬د‪ .‬سليمان العايد‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪80‬‬
‫املؤدبون وجتربتهم ِف تعليم العربية‪ ،‬د‪ .‬سليمان العايد‪ ،‬ص ‪77 - 76‬‬

‫‪64‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وك ــان مـ ــن البداه ــة أن حتتـ ــك اللغ ــة العربيـ ــة ‪ -‬بع ــد الفـ ــتح اإلس ــَلمي ‪ -‬بلغـ ــات ال ــدول املفتوحـ ــة‪،‬‬
‫ولكنك جتد أن اللغات احمللية قد تقهقرت ومل تصمد أمام اهلداية الـيت حتملهـا اللغـة العربيـة‪ ،‬وأمـام نـور هللا‬
‫ال ــذي ال س ــبيل إىل استش ـرافه إال بلغ ــة الق ــرآن‪ .‬ح ــدث ه ــذا م ــع اْلرامي ــة ِف ب ــَلد الش ــام والع ـراق‪ ،‬وم ــع‬
‫الرومانية ِف مصر‪ ،‬ومع الرببرية ِف مشايل إفريقيا‪ ،‬ومع الفارسية ِف بَلد فارس ‪.81‬‬
‫كتب "ألفارو" مطـران "قرطبـة" عـام أربعـة ومخسـني و امنئـة للمـيَلد إىل أحـد أصـدقائه يقـول‪" :‬مـن‬
‫الذي يعكف اليوم بني أتباعنا من املؤمنني على دراسة الكتب املقدسـة؟ أو يرجـع إىل كتـاب أي عـامل مـن‬
‫علمائهــا‪ ،‬ممــن كتب ـوا ِف اللغــة الَلتينيــة؟ مــن مــنهم يــدرس اإلجنيــل أو اْلنبيــاء أو الرســل؟ إننــا ال نــرى غــري‬
‫شــبان مســيحيني هــاموا حبـاً ِبللغــة العربيــة‪ ،‬يبحثــون عــن كتبهــا ويقتنوهنــا‪ ،‬ويدرســوهنا ِف شــغف‪ ،‬ويعلقــون‬
‫عليه ــا‪ ،‬ويتح ــدثون هب ــا بطَلق ــة‪ ،‬ويكتب ــون هب ــا ِف مج ــال وبَلغ ــة‪ ،‬ويقول ــون فيه ــا الش ــعر ِف رق ــة وأانق ــة‪َ ،‬ي‬
‫للحــزن! مس ــيحيون جيهل ــون كت ــاهبم وق ــانوهنم والتيني ــتهم‪ ،‬وينس ــون لغ ــتهم نفس ــها‪ ،‬وال يك ــاد الواح ــد م ــنهم‬
‫يس ــتطيع أن يكت ــب رس ــالة معقول ــة ْلخي ــه مس ــلماً علي ــه‪ ،‬وتس ــتطيع أن جت ــد مجع ـاً ال حيص ــى يظه ــر تفوق ــه‬
‫وقدرته ومتكنه من اللغة العربية‪.‬‬
‫وقد ترجم غري املسلمني كتـبهم إىل العربيـة؛ ْلنــها لغـة العلـم‪ ،‬قـال الرنسـت رينـان ِف كتابـه اللغـات‬
‫الســامية " إن مــن أغــرب مــا وقــع ِف اتريــخ البشــر‪ ،‬وصــعب حــل ســره انتشــار اللغــة العربيــة حيــث بــدت‬
‫فجــأة ِف غايــة الســَلمة والغ ــىن والكمــال‪ ،‬فلــيس هل ــا طفولــة وال شــيخوخة‪ .‬ومل مي ــض علــى فــتح اْلن ــدلس‬
‫أكثـ ــر مـ ــن مخسـ ــني سـ ــنة حـ ــّت اضـ ــطر رجـ ــال الكنيسـ ــة أن يرتمجـ ـوا صلواتـ ــهم إىل اللغـ ــة العربيـ ــة ليفهمهـ ـا‬
‫النصارى" ‪.82‬‬

‫‪ o‬العربية ميدان التعليم والعلوم‪ ،‬وإليها تُرجم ما ليس منها ‪:‬‬


‫حركة ترمجة الكتب اليواننية‪ ،‬حيث إنه ملا عربت الكتب اليواننية ِف حدود املئة الثانية‬
‫وقبل ذلك ِف عهد اخلليفة املنصور الذي أوعز إىل ابن املقفع برتمجة بعض كتب املنطق ككتاب‬

‫‪81‬‬
‫فضل اللغة العربية تعلما وحتداث والتزاما‪ ،‬د‪ .‬أمحد عبده عوض‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪ 82‬جملة البحوث اإلسَلمية العدد اْلول‪ ،‬ص ص ‪101 -91‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪65‬‬


‫(املقوالت)‪ .83‬أما الرشيد فقد أمر ِبعادة ترمجة الكتب اليت سبقت ترمجتها ِف العهود اليت قبله أكثر من‬
‫‪84‬‬
‫تشجيعه على ترمجة كتب جديدة‪ .‬مث جاء عصر املأمون وهو العصر الذهيب للرتمجة كما يقال‪.‬‬

‫اختار هللا اللغة العربية وعاء ألعظم الكتب القرآن ‪:‬‬


‫يكفي أن هللا عز وجل قد اختارها وعاءً للقرآن‪ ،‬للتعبري عن أدق معاين الذكر احلكيم‪ ،‬وحينما‬
‫نزل القرآن بلغة العرب كانت اللغة العربية ِف قريش قد وصلت إىل درجة النضج واالكتمال‪ ،‬وكانت ِف‬
‫نظرا ْلن هلجة قريش هي اختيار موفق من هلجات ومفردات وأساليب‬ ‫ذلك الوقت ِف أهبى أثواهبا‪ً ،‬‬
‫العرب الذين كانوا يفدون إىل مكة ِف كل عام للحج وحضور أسواقها‪ ،‬كانت قريش تنتقي من هذه‬
‫اللهجات معجمها اللغوي‪ ،‬وِف الوقت الذي نزل فيه القرآن الكرمي كانت هلجة قريش وكانت اللغة‬
‫العربية ِف قريش قد وصلت إىل أهبى درجات االكتمال‪.‬‬
‫وهلذا نستطيع أن نقول‪ :‬إن اللغة العربية ِبقية ما بقي هذا الدين‪ِ ..‬بقية ما بقي رجل يقول‪ :‬ال‬
‫إله إال هللا‪.‬‬

‫ليس بعجيب أن يثين رب العزة عز وجل على القرآن الكرمي لكونه عربيًا ِف أكثر من موضع‪،‬‬
‫حيث يقول مثَلً ِف سورة يوسف‪ :‬إِ َّان أَنْـَزلْنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن‪[ ‬يوسف‪ ،]2:‬وكأن يقول ِف‬
‫آَيتُهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَِق ْوٍم يـَ ْعلَ ُمو َن‪[ ‬فصلت‪ ،]3:‬وكأن يقول ِف سورة‬ ‫ت َ‬
‫أيضا‪ :‬كِتَاب فُ ِ‬
‫صلَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫سورة فصلت ً‬
‫اب َوَملْ َْجي َع ْل لَهُ عِ َو َجا‪[ ‬الكهف‪ ،]1:‬أساليبه ولغته ال‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الكهف‪ :‬ا ْحلَ ْم ُد َّّلل الَّذي أَنْـَزَل َعلَى َعْبده الْكتَ َ‬
‫اعوجاج فيها‪ ،‬بل متثل قمة االستقامة وقمة الفصاحة والبَلغة والبيان‪ ،‬وقوله تعاىل‪  :‬قُـ ْرآانً َعَربِياً َغ ْ َري‬
‫أيضا ِبلنسبة للغة العربية‬ ‫ِ ِ‬
‫ذي ع َو ٍج‪[ ‬الزمر‪ ]28:‬أي ال اعوجاج فيه‪ .‬والنيب صلى هللا عليه وسلم ميثل ً‬
‫قمة القمم ِف اْلدب بوجه عام وِف البيان والفصاحة بوجه خاص‪ ،‬وكان عليه الصَلة والسَلم الذواقة‬
‫لسحرا وإن من الشعر حلكمة" فَل يقول ذلك إال الذي‬ ‫ً‬ ‫اْلول للغة العرب حينما يقول‪" :‬إن من البيان‬
‫يستعذب ويستمتع ِبللغة وحيسن رؤيتها‪ ،‬بل ويتمتع هبا كذلك‪.‬‬
‫دخل كعب بن زهري على الرسول صلى هللا عليه وسلم وهو يريد أن يعلن إسَلمه ِف املسجد‬
‫النبوي املبارك‪ ،‬وقد أعد للحصول على العفو قصيدة‪ ،‬فإعداده هلذه القصيدة ‪ -‬وإن كانت مؤسسة‬

‫‪83‬‬
‫اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسَلمي‪ ،‬حممد البهي (‪.)169‬‬
‫‪84‬‬
‫اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسَلمي‪ ،‬حممد البهي (‪.)169‬‬

‫‪66‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫على مدح الرسول عليه الصَلة والسَلم ‪ -‬يدل داللة قطعية على أنه يريد أن يقدم للنيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم أحسن ما يريد االستماع إليه‪ ،‬وِبلفعل حصل على العفو الذي كان يريد‪ ،‬بعد أن قدم قصيدته‬
‫ِف مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم وِف مدح اإلسَلم وبيان عظمته ومنزلته‪ ،‬وِف النهاية مل جيد الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم أحسن مكافأة إال أن خيلع عليه بردته الشريفة صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وصارت بعد‬
‫عظيما لكعب بن زهري‪ ،‬وانلت قصيدته أعلى منزلة ِف الشعر العرب‪ ،‬كل هذا يؤكد عظمة‬ ‫ذلك شرفًا ً‬
‫هذه اللغة واهتمام اإلسَلم هبا والثناء عليها‪.‬‬
‫وإن اللغة العربية لغة أهل اجلنة‪ ،‬ولغة الدعوة‪ ،‬ال يوفق ِف الدعوة إىل هللا من لدن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم إىل يومنا هذا وإىل أن يرث هللا اْلرض ومن عليها إال الذين متكنوا منها وملكوا‬
‫انصيتها وأحسنوا التخاطب هبا‪ ،‬وسيدان موسى عليه السَلم حينما أُمر من قبل رب العزة عز وجل أن‬
‫لساان‪َ  :‬وأ َِخي َه ُارو ُن ُه َو‬
‫يتوجه إىل فرعون وملئه طلب منه أن يزوده هبارون؛ ْلنه كان أفصح منه ً‬
‫اف أَ ْن ي َك ِذب ِ‬ ‫أَفْصح ِم ِين لِساانً فَأَرِسلْه معِي ِردءاً ي ِ‬
‫ون‪[ ‬القصص‪.]34:‬‬ ‫َخ ُ ُ ُ‬ ‫صدقُِين إِِين أ َ‬
‫َ ْ َُ َ ْ َُ‬ ‫َُ‬
‫جهدا ِف‬
‫جهدا ويقبل عليها ويعلمها للناس يبذل ً‬ ‫اللغة العربية لغة عبادة‪ ،‬وكل من يبذل فيها ً‬
‫وفهما هلا وأساليبها وأحكامها ازداد‬ ‫العبادة‪ ،‬يقرب الناس من رهبم‪ ،‬كلما ازداد اإلنسان قرًِب من اللغة ً‬
‫فهما للسنة املباركة‪ ،‬وإىل‬ ‫فهما للقرآن الكرمي وازداد ً‬ ‫قرًِب ِف ذات الوقت من كتاب رب العاملني وازداد ً‬
‫جوار ذلك فإهنا وسيلته للوصول إىل تراث اْلمة اخلالد العظيم املمثل فيما خلفته اْلمة من صنوف العلم‬
‫‪85‬‬
‫واملعرفة‪.‬‬

‫الثبات صفة تنفرد هبا اللغة العربية ‪:‬‬


‫ِ‬
‫تكفل هللا نفسه – سبحانه وتعاىل ‪ -‬حبفظ القرآن‪ ،‬قال تعاىل ‪ :‬إِ َّان َْحن ُن نـََّزلْنَا الذ ْكَر َوإِ َّان لَهُ‬
‫َحلَافِظُو َن ‪ ،‬وما تكفل هللا تعاىل حبفظه فَل خوف عليه من الضياع أو التغيري أبدا‪ ،‬وقد مشل هذا‬
‫احلفظ للقرآن حفظ لغته العربية‪ ،‬فأصبح املسلمون‪ ،‬والعرب خاصة‪ ،‬يقرؤون نصوصه وغريها من‬
‫النصوص العربية رطبة طرية ويفهمونـها على رغم بعد الزمان ‪ -‬أربعة عشر قران‪ ،-‬ومل يكن هذا‬
‫االستمرار ‪ -‬دون تغيري يذكر ‪ -‬لغري العربية‪ ،‬ومل َنر شيئا من هلجات العربية انفصل ليصبح لغة مستقلة‬
‫بعيدة عن مثيَلتـها أو عن اللغة اْلم‪ ،‬فمناطق العربية إن اختلفت هلجاتـها احمللية ِف التعامل احمللي إال‬

‫‪85‬‬
‫اللغة العربية والثقافة اإلسَلمية‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪67‬‬


‫أن اجلميع يلتقون عند اللغة اْلم قراءة وكتابة ونطقا‪ .‬وهذه الظاهرة اللغوية ليست لغري العربية‪ ،‬قارن ‪-‬‬
‫على سبيل املثال ‪ -‬العربية ِبلَلتينية وما أصبحت عليه اْلخرية من إجنليزية وفرنسية وأملانية وإيطالية‪...‬‬
‫ورغم أن التطور سنة جارية ِف كل اللغات‪ ،‬وأكثر مظاهر هذا التطور يكون ِف الدالالت‪ ،‬إال‬
‫ِ‬
‫مستوَيهتا اللغوية ( الصوتية – الصرفية – النحوية – الداللية )‪ ،‬وما تطور‬ ‫أن العربية ظلت حمتفظة بكل‬
‫منها كان ِف إطار املعاين اْلصلية وعلى صلة هبا‪ .‬ومع مرور أكثر من أربعة عشر قرانً على ما وصلنا من‬
‫العربية‪ ،‬ال يكاد اإلنسان جيد صعوبة ِف فهم هذه النصوص القدمية ِف جمملها‪.‬‬
‫يقول املستشرق كاشيا ‪" :‬فوق ذلك كله فإن الفصحى هي مفتاح تلك الكنوز الضخمة من‬
‫املاضي‪ ...‬ثباهتا مل توازه أية لغة‪ .‬وِف هذا اليوم يستطيع أي عرب ِف املرحلة الثانوية من تعليمه‪ ،‬إن كان‬
‫مهتماً وقادراً على بذل قليل من اجلهد‪ ،‬أن يكون ِف متناوله السجل الكامل لأللف وثَل ائة عام‬
‫‪86‬‬
‫املاضية"‪.‬‬

‫هل للعربية قداسة ؟‬


‫"العربية" مقدَّسة ِف نظر أبنائها‪ ،‬وقداستها مستمدة من ارتباطها بكَلم هللا – تعـاىل ‪( -‬القـرآن‬
‫ـروف وألفــاظ قدميــة ال َّأول هلــا‪ ،‬كمــا يــرى علمــاء املســلمني‬ ‫الكــرمي) حبروفــه وألفاظــه‪ ،‬والقــرآن الكــرمي هــو حـ ٌ‬
‫أن هللا ‪ -‬س ــبحانه ‪ِ -‬ف الق ــرآن‬ ‫عامــة‪ ،‬وأه ــل الســنة م ــنهم خاصــة‪ ،‬إنـَّه م ــن صــفات هللا – تع ــاىل – كمــا َّ‬
‫ـنص ِف غــري آيــة علــى عروبتــه‪ ،‬أو عربيِتــه‪ِ ،‬ف ســياقات فيهــا مــديح هلــذه اللُّغــة بنعتهــا ِبإلِبنــة نعتًـا‬
‫نفســه يـ ُّ‬
‫مبا ِش ـًرا حينًـا‪ ،‬أو غــري مباشــر حينًـا آ َخ ـر‪87.‬هــذه القداســة جتعــل منهــا جــزءًا مــن الـ ِـدين‪ ،‬والـ ِـدين هــو أهـ ُّـم‬
‫‪88‬‬
‫حضورا عند اإلنسان‪ًّ ،‬أَي كان‪.‬‬
‫ً‬ ‫عوامل اهلُويَّة وأقواها‬

‫‪ 86‬ازدواجية اللغة‪ :‬طبيعتها ومشكَلهتا ِف سياق التعليم‬


‫‪87‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪88‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬

‫‪68‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ضـا لغـة القـرآن الكـرمي؛ ﴿إِ َّان‬ ‫تعهد هللا أبن تبقـى مـا بقيـت احليـاة؛ ْل َّهنـا أي ً‬‫أيضا حمفوظة‪َّ ،‬‬ ‫والعربية ً‬
‫َْحنـ ـ ُن نـََّزلْنَـ ـا الـ ـ ِـذ ْكَر َوإِ َّان لَـ ـهُ َحلـَ ـافِظُو َن﴾ [احلجـ ــر‪ ،89 ]9 :‬ولـ ــذلك فإنـَّ ـه ال ُخيشـ ــى عليهـ ــا مـ ــن الـ ــزوال‪ ،‬وال‬
‫َيح ال ـَّـزمن والبِلــى‪ ،‬وه ــذا م ـا يُف ِس ـر لنــا بقاءه ــا واســتمرارها ح ــّت اليــوم‪ ،‬دون أن تتح ـ َّـول إىل‬ ‫تَعص ـف هبــا ِر ُ‬
‫ِ‬
‫ـت هبــا‬‫لُغــات كمــا حــدث مــع الَلتينيَّـة مــثَلً‪ ،‬فــَل يـزال العــرب اليــوم يقــرؤون القــرآن‪ ،‬وتلــك اللُّغــة الــيت ُدونـ ْ‬
‫الكتــب قبـ َـل مخســة عشــر قـرًان‪ ،‬ويَفهمــون مــا يقــرؤون‪ ،‬وال ميكــن أن يُـدخل علــى ذلــك أبن ـةَ ألفاظًـا أو‬
‫ظ وتراكي ــب حم ــدودة‪ ،‬تس ــكن حركتُه ــا داخ ـ َـل جس ــد اللُّغ ــة‪،‬‬ ‫تراكي ــب مل تع ــد مفهوم ــة للعا َّم ـة‪ ،‬فتل ــك ألف ــا ٌ‬
‫ات عــن احليــاة علــى اْللْســنة‪ ،‬لكــن اجلســد مل يتغـ َّـري‪ ،‬وج ُه ـه ومَلحمــه هــي هــي‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫تنــزوي‪ ،‬تتخلَّـف خط ـو ٍ‬
‫‪90‬‬
‫ظ القرآن جزءٌ من عقيدة املسلم‪.‬‬ ‫حفظ اللُّغة من حفظ القرآن‪ ،‬وحف َ‬

‫إىل القداســة واحلِفــظ‪ ،‬ومهــا مــن العوامــل ِ‬


‫الدينيَّـة البحتــة‪ ،‬ـَّةَ عامـ ُـل قـ َّـوة آخــر يتصــل بتارخييــة هــذه‬ ‫ُ‬
‫أن التــاريخ يعمــل فيهــا عملــه‪ ،‬فاللُّغــة وعــاء التــاريخ‪ ،‬وكلَّمــا كــان هــذا اْلخــري‬‫اللُّغــة‪ ،‬وأعــين هبــذه التارخييــة‪َّ :‬‬
‫بد أن يُثري ِبا فيـه‪ ،‬والتـاريخ ِبادتـه ومواقفـه وحـراك‬ ‫ممتدًّا وخصبًا انعكس على اللُّغة َّقوةً وثراء‪ ،‬فال ِوعاء ال َّ‬
‫أصــحابه ومشــاعرهم‪ ،‬وذكـرَيهتم وانتصــاراهتم‪ ،‬وإخفاقــاهتم ودروســهم وعِـربهم ‪ -‬ال بـ َّـد أن يُغــين هــذه اللُّغــة‬
‫‪91‬‬
‫املعرب‪ ،‬ولسانَه الناطق‪.‬‬‫اليت كانت تَرمجانَه ِ‬

‫ـاان واح ًـدا وال تـزال‪ ،‬خَلفًـا لتـواريخ كثـرية‪،‬‬


‫ـروان طويلـة‪ ،‬كانـت هـي خَللـه لس ً‬ ‫واتريخ العربية ُّ‬
‫ميتد ق ً‬
‫احل اترخييَّة سابقة‪ ،‬وال لُغـات َّأمهـات ُولـدت مـن‬
‫وألْسنة عديدة‪ ،‬انقطعت أو بُرتت‪ ،‬فما عاد هلا صلةٌ ِبر َ‬
‫‪92‬‬
‫َرِمحها‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫أمحد شفيق اخلطيب‪" :‬املواصفات املصطلحية وتطبيقاهتا ِف اللغة العربية"‪( ،‬حبـث ضـمن كتـاب املوسـم‬
‫الثق ــاِف اخل ــامس عش ــر جملتم ــع اللغ ــة العربي ــة اْلردين – ‪ ،)1997‬عم ــان‪ ،‬اجملم ــع‪1418 ،‬هـ ـ ‪1997 -‬م‪،‬‬
‫(ص‪.)193 :‬‬
‫‪90‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪91‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪92‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪69‬‬


‫اتساع حراكها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْلن اتساع املكان ‪ -‬مكان اللُّغة ‪ -‬يعين‬
‫بد أن نتوقَّف عنده؛ َّ‬
‫عنصر ال َّ‬
‫هذا ٌ‬
‫كل مكان وصلت‬ ‫َّت على مساحات شاسعة من العا َمل‪ ،‬بفضل اإلسَلم‪ ،‬وِف ِ‬ ‫وزَيدة ثرائها‪ ،‬والعربية امتد ْ‬
‫إليه كانت تتفاعل مع طبيعته‪َّ ،‬‬
‫وسكانه‪ ،‬أتخذ منه ومنهم وتعطيهم‪ ،‬ولعلَّه ال توجد لغة من لُغات العا َمل‬
‫‪93‬‬
‫اتساع العربية جغرافيًّا‪.‬‬
‫قد اتسعت َ‬

‫ال ميكن ْلحد أن يزعم أنه يستطيع ِف أي لغة أخرى‪ ،‬أن يفعل ما عجز العرب عن فعله‪ ،‬أي‬
‫جتاوز القرآن ِف فصاحته‪ .‬وهكذا يستتبع إعجاز الكتاب املقدس تفوق اللغة العربية نفسها‪ْ ،‬لنه إن‬
‫كان العرب الفصيح ال يستطيع أن يباري النص القرآين (وهو الذي نزل ِبلعربية ِبلطبع)‪ ،‬فستكون‬
‫‪94‬‬
‫اللغات اْلخرى واملتكلمون هبا خلف ذلك بكثري‪.‬‬

‫أفضل اللغات ؟‬
‫ُ‬ ‫هل اللغة العربية‬
‫تساؤالت ‪:‬‬
‫‪ o‬أليست الرسالة اخلامتة أمشل الرساالت وأكملها؟‬
‫‪ o‬أليست عامة جلميع البشر ؟‬
‫‪ o‬أليست مستمرة اىل قيام الساعة ؟‬
‫‪ o‬أليست مصدقة ملا قبلك من الرساالت ومهيمنة عليها ؟‬
‫‪ o‬أليست افضل الرساالت؟‬
‫‪ o‬أليس الرسول حممد صلى هللا عليه وسلم أفضل الرسل عليهم السَلم؟‬
‫‪ o‬أليس القرآن هو أكمل الكتب السماوية وأفضلها؟‬
‫‪ o‬أليس لسان القرآن هو اللسان العرب؟‬
‫‪ o‬أليس ارتباط اللسان العرب ِبلقرآن الشريعة ارتباط تَلزم ال جمرد وسيلة؟‬
‫‪ o‬أتستطيع أي لغة أداء ما تؤديه العربية للعلوم الشرعية عامة والقرآن خاصة؟‬

‫‪93‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪94‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسات اللغوية‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة )‪ ،‬ص ‪69‬‬

‫‪70‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ o‬إذا كانت الرسالة أفضل رسالة‪ ،‬والقرآن أفضل الكتب‪ ،‬وحممد صلى هللا عليه وسلم أفضل‬
‫الرسل‪،‬‬
‫‪ o‬ولسان هذا الفضل كلة هو اللسان العرب‬
‫‪ o‬أال يستلزم أن تكون اللغة العربية أفضل اللغات؟‬
‫‪ o‬النص على عربية القرآن ِبثين عشر موضعاً من القرآن يستلزم الفضل‪.‬‬
‫ني﴾ (النحل)‬ ‫﴿ َوَه َذا لِ َسا ٌن َعَرِ ٌّ‬
‫ب ُمبِ ٌ‬
‫ك لِتَ ُكو َن ِمن الْمْن ِذ ِر ِِ ٍ‬
‫ان َعرٍِب ُمبِ ٍ‬
‫ني﴾ (الشعراء )‬ ‫ني َعلَى قَـلْبِ َ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ نـََزَل بِِه ُّ‬
‫ين بل َس َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫وح ْاْلَم ُ‬ ‫الر ُ‬
‫﴿إِ َّان أَنْـَزلْنَاهُ قـُ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن﴾ (يوسف‪)2:‬‬
‫ك أَنْـَزلْنَاهُ ُحكْماً َعَربِياً ﴾ (الرعد‪ :‬من اَلية‪)37‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوَك َذل َ‬
‫﴿ قـُ ْرآانً َعَربِياً غَ ْ َري ِذي عِ َو ٍج لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَّـ ُقو َن﴾ (الزمر‪)28:‬‬
‫آَيتُهُ قـُ ْرآانً َعَربِياً لَِق ْوٍم يـَ ْعلَ ُمو َن﴾ (فصلت‪)3:‬‬
‫ت َ‬ ‫صلَ ْ‬ ‫﴿ كِتَاب فُ ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ك قـُ ْرآانً َعَربِياً ﴾ (الشورى‪ :‬من اَلية‪)7‬‬ ‫ك أ َْو َحْيـنَا إِلَْي َ‬
‫﴿ َوَك َذل َ‬
‫﴿ إِ َّان َج َعلْنَاهُ قـُ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن﴾ (الزخرف‪)3:‬‬
‫ك أَنْـَزلْنَاهُ ُحكْماً َعَربِياً ﴾ (الرعد‪ :‬من اَلية‪)37‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوَك َذل َ‬
‫ص ِد ٌق لِ َساانً َعَربِياً ﴾ (اْلحقاف‪ :‬من اَلية‪)12‬‬ ‫اب ُم َ‬
‫ِ‬
‫﴿ َوَه َذا كتَ ٌ‬
‫ني َوتـُنْ ِذ َر بِِه قَـ ْوماً لُداً﴾ (مرمي‪)97:‬‬ ‫﴿ فَإَِّمنَا ي َّسرَانه بِلِسانِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك لتُـبَشَر بِه الْ ُمتَّق َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَ َذ َّك ُرو َن﴾ (الدخان‪)58:‬‬ ‫﴿ فَإَِّمنَا يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬

‫ومن احلقائق اليت ال تنكر أن ‪:‬‬


‫َح ٍد ِمن‬
‫‪ o‬الرسالة اخلامتة أمشل الرساالت‪ ،‬ومما متتاز به اخللود إىل قيام الساعة ﴿ َّما َكا َن ُحمَ َّم ٌد أ ََِب أ َ‬
‫اك إَِّال َكافَّةً لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ني ﴾‪ ،‬والعموم للناس كافة ﴿ َوَما أ َْر َسلْنَ َ‬ ‫ول َِّ‬
‫اّلل َو َخ َامتَ النَّبِيِ َ‬ ‫ِر َجالِ ُك ْم َولَكِن َّر ُس َ‬
‫ِ ِ‬ ‫بَ ِش ًريا َونَ ِذ ًيرا ﴾‪َ ﴿ ،‬وَما أ َْر َسلْنَ َ‬
‫اك إِالَّ َر ْمحَةً للْ َعالَم َ‬
‫ني ﴾‬
‫‪ o‬الرسول هو أفضل الرسل‬
‫▪ ْلنه خامت اْلنبياء‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪71‬‬


‫اب ِِب ْحلَِق‬ ‫▪ ورسالته وشريعته مهيمنة على ِبقي الشرائع واْلدَين السابقة ﴿وأَنزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫اب َوُم َهْي ِمنًا َعلَْي ِه﴾‬
‫ني ي َديِْه ِمن الْكِتَ ِ‬ ‫م ِ ِ‬
‫َ‬ ‫صدقًا ل َما بَْ َ َ‬
‫َُ‬
‫اك إِّاال َكافاةً‬
‫▪ وأنه أرسل للناس كافة بينما الرسل السابقني أرسلوا إىل أقوامهم ﴿ َوَما أ َْر َسلْنَ َ‬
‫ريا َونَ ِّذ ًيرا ﴾‬ ‫لِّلن ِّ ِّ‬
‫ااس بَش ً‬
‫▪ وأن يوم القيام يعطيه هللا املقام احملمود والشفاعة العظمى دون بقية اْلنبياء‪...‬‬
‫ني يَ َديِْه ِم َن‬ ‫‪ o‬القرآن هو أفضل الكتب وأكثرها مشول‪ ﴿ ،‬وأَنزلْنا إِلَيك الْكِتاب ِِب ْحل ِق م ِ ِ‬
‫صدقًا ل َما بَْ َ‬ ‫َ ََ ْ َ َ َ َ ُ َ‬
‫اب َوُم َهْي ِمنًا َعلَْي ِه ﴾‬
‫الْكِتَ ِ‬
‫‪ o‬العربية هي اليت اختارها هللا تعاىل حلمل هذه الرسالة‪﴿ ،‬إِ َّان أَنْـ َزلْنَاهُ قـُ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن﴾‬
‫فهل ميكن أن تكون لغة أخرى أفضل من العربية‪ ،‬أو مساوية هلا؟ والعربية لسان الرسالة اخلامتة‬
‫والعامة‪ ،‬ولسان أفضل اْلنبياء‪ ،‬ولسان القرآن كتاب اإلسَلم إىل الناس كافة‪ ،‬وإىل قيام الساعة‪ .‬ولغات‬
‫العامل اْلخرى ليست لغات دين أو حضارة قوية مرتبطة بقيم وأخَلق وثوابت قوية‪ ،‬أما العربية فإهنا لغة‬
‫حضارة مرتبطة بقيم وثوابت وقبل ذلك لغة كتاب مساوي صحيح‪.‬‬
‫• وقال أمحد بن فارس –رمحه هللا‪ -‬املتوىف سنة ‪(395‬هـ)‪" :‬فلما خص هللا –جل ثناؤه‪ -‬اللسان‬
‫‪95‬‬
‫العرب ِبلبيان‪ ،‬عُلِم أن سائر اللغات قاصرة عنه‪ ،‬وواقعة دونه)‪.‬‬
‫قائل ‪ :‬فقد يقع البيا ُن بغري‬
‫أفضل اللغات وأوسعُها‪ ...‬فإن قال ٌ‬ ‫ُ‬ ‫• وقال ِف فقه اللغة ‪ " :‬لغةُ العرب‬
‫كنت تريد أن املتكلم‬
‫أفهم بكَلمه على شرط لُغته فقد َّبني‪ .‬قيل له‪ :‬إن َ‬ ‫كل من َ‬ ‫اللسان العرب ْلن َّ‬
‫أخس مراتب البيان ْلن‬ ‫السامع ُمراده ؛ فهذا ُّ‬
‫ُ‬ ‫بغري اللغة العربية قد يـُ ْع ِرب عن نفسه حّت َ‬
‫يفهم‬
‫فضَل عن أن يُسمى بَيِنًا‬
‫متكلما ً‬
‫ً‬ ‫يدل ِبشارات وحركات له على أكثر مراده مث ال يُسمى‬ ‫اْلبْكم قد ُّ‬
‫سائر اللغات تُبِني إِبنَةَ اللغة العربية فهذا غلط "‬
‫أن َ‬ ‫أو بليغًا وإن أردت َّ‬
‫• قال أبو منصور الثعاليب النيسابوري ‪ :‬من أحب هللا تعاىل أحب رسوله ً‬
‫‪96‬‬
‫حممدا ‪.‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن أحب الرسول العرب‪ ،‬أحب العرب‪ ،‬ومن أحب العرب‪ ،‬أحب العربية اليت هبا نزل‬
‫أفضل الكتب‪ ،‬على أفضل العجم والعرب‪ ،‬ومن أحب العربية عُين هبا واثبر عليها وصرف مهته إليها‬
‫حممدا ‪ .‬صلى هللا‬
‫ومن هداه هللا اإلسَلم وشرح صدره اإلميان وآاته حسن سريرة فيه ؛ اعتقد أن ً‬
‫عليه وسلم خري الرسل واإلسَلم خري ملة‪ ،‬والعرب خري اْلمم‪ ،‬والعربية خري اللغات واْللسنة واإلقبال‬

‫‪95‬‬
‫الصاحيب‪ ،‬فقه اللغة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.4‬‬
‫‪96‬‬
‫ِف مقدمة كتابه فقه اللغة وسر العربية‬

‫‪72‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫على تفهمها من الدَينة‪ ،‬إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه ِف الدين‪ ،‬وسبب إصَلح املعايش واملعاد‬
‫مث إلحراز الفضائل واالحتواء على املروءة وسائر أنواع املناقب‪ ،‬كالينبوع للماء والزند للنار‪....‬‬
‫ِ‬ ‫ض الْم ْد ِح والتـ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وب َال يَت ُّم إَِّال إِذَا ثـَبَ َ‬
‫ت أ َّ‬
‫َن‬ ‫اّللُ الْ ُق ْرآ َن بِ َك ْونه َع َربِيًّا ِِف َم ْع ِر ِ َ َ ْ‬
‫َّعظي ِم َوَه َذا الْ َمطْلُ ُ‬ ‫ف َّ‬‫ص َ‬‫• إَِّمنَا َو َ‬
‫ُّ ِ ‪97‬‬ ‫لُغَةَ الْ َعر ِ‬
‫ض ُل اللغَات‪.‬‬ ‫ب أَفْ َ‬ ‫َ‬
‫أفضل اللغات‬
‫َ‬ ‫قومه الذين بعث فيهم ولغتُهم‬
‫أشرف اْلقوام وأوالهم بدعوته عليه الصَلة والسَلم ُ‬
‫َ‬ ‫•‬
‫‪98‬‬
‫الكتاب املتني بلسان عرب مبني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نزل‬
‫أفضل اللغات‬
‫َ‬ ‫قومه الذين بعث فيهم ولغتُهم‬
‫أشرف اْلقوام وأوالهم بدعوته عليه الصَلة والسَلم ُ‬
‫َ‬ ‫•‬
‫‪99‬‬
‫الكتاب املتني بلسان عرب مبني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نزل‬
‫• إن وصف القرآن بكونه َعَربِيًّا ِف معرض املدح والتعظيم دليل على أن لغة العرب أفضل اللغات‪.‬‬
‫‪100‬‬

‫‪101‬‬
‫• وهي أفضل اللغات‪.‬‬
‫ك لِت ُكو َن‬
‫ني َعلَى قَـلْبِ َ‬ ‫ِ‬
‫وح اْلَم ُ‬ ‫• أفضل اللغات وأوسعها قال تعاىل‪ :‬وإنه لتنزيل رب العاملني نـََزَل بِِه ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ِ ٍ ‪102‬‬ ‫ِمن املْن ِذرين بِلِس ٍ‬
‫ان َع َر ٍب ُمبني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫• لغة العرب ُ‬
‫‪103‬‬
‫لسان َعَرب مبني}‬ ‫أفضل اللغات وأوسعُها‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ب َ‬
‫‪104‬‬
‫• أفضل اللغات وأشرفها‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫تفسري الرازي سورة فصلت ‪539 / 27‬‬
‫‪98‬‬
‫تفسري أب السعود ‪33 / 5‬‬
‫‪99‬‬
‫تفسري التحرير والتنوير ‪36 / 25‬‬
‫‪100‬‬
‫التفسري املنري ‪190 / 24‬‬
‫‪101‬‬
‫تفسري اْللوسي ‪365 / 6‬‬
‫‪102‬‬
‫املزهر ِف علوم اللغة وأنواعها ‪254 / 1‬‬
‫‪103‬‬
‫البلغة اىل أصول اللغة ‪109 / 1‬‬
‫‪104‬‬
‫البلغة اىل أصول اللغة ‪110 / 1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪73‬‬


‫• أن اللغة العربية أفضل اللغات وأوسعها وأمجعها وأكملها بَل ريب ال يساويها لُغى العجم عند‬
‫‪105‬‬
‫علماء اْلدب‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫• لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها‪.‬‬
‫• وقد جعل الرازي العربية أفضل اللغات اْلربع‪ ،‬وأفصحها‪ ،‬وأكملها‪ ،‬وأمتها‪ ،‬وأعذهبا‪ ،‬وأبينها‪ ،‬وجعل‬
‫‪107‬‬
‫حرص الناس على تعلم العربية عَلمة فضلها‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫• كما عقد ِبِبً لبيان أن ((لغة العرب أفضل اللُّغات وأوسعها))‬
‫‪109‬‬
‫• أفضل اللغات وأشرفها؛ ْلهنا لغة القرآن الكرمي ولغة سيد املرسلني عليه الصَلة والسَلم‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫• أفضل اللغات وأمتها وأحسنها هي اللغة العربية‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫• اتفق صاحب البُلغة مع ابن فارس ِف كون لغة العرب أفضل اللغات فهو أمر مسلم به لديه‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫اختياره عز وجل هلذه اللغة يدل بَل ريب على أهنا أفضل اللغات وأفصحها‪.‬‬ ‫•‬
‫ِ ‪113‬‬ ‫أَفْضل اللُّ ِ‬
‫َج َّل َمنْ ِط ِق اْلَلْ ُس ِن امل ْختَلفات‪.‬‬
‫َ‬ ‫غات‪ ،‬وأ‬ ‫ََ‬ ‫•‬
‫ُ‬
‫أفضل اللُّغَات َوأَ ْشَر َ‬ ‫•‬
‫‪114‬‬
‫فها لنزول الْ ُق ْرآن‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫إهنا أفضل اللغات‪ ،‬وإهنا أفصح اللغات‪.‬‬ ‫•‬
‫‪116‬‬
‫• ويرى ابن فارس أن اللغة العربية أفضل اللغات وأوسعُها‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫البلغة اىل أصول اللغة ‪235 / 1‬‬
‫‪106‬‬
‫دراسات لغوية ِف أمهات كتب اللغة ‪59 / 1‬‬
‫‪107‬‬
‫عناية املسلمني ِبللغة العربية ‪7 / 1‬‬
‫‪108‬‬
‫عناية املسلمني ِبللغة العربية ‪9 / 1‬‬
‫‪109‬‬
‫لقاء الباب املفتوح ‪13 / 61‬‬
‫‪110‬‬
‫موقع اإلسَلم سؤال وجواب ‪969 / 1‬‬
‫‪111‬‬
‫البلغة اىل أصول اللغة ‪45 / 1‬‬
‫‪112‬‬
‫دراسات ِف أصول اللغة العربية ‪116 / 1‬‬
‫‪113‬‬
‫مشس العلوم ودواء كَلم العرب من الكلوم ‪33/ 1‬‬
‫‪114‬‬
‫دستور العلماء ‪273 / 3‬‬
‫‪115‬‬
‫آاثر اإلمام حممد البشري ‪246 / 2‬‬

‫‪74‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪117‬‬
‫• اللغة العربية أفضل اللغات وأكملها ِبحلياة واالنتشار‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫• هي أفضل اللغات؛ فهي اللغة اليت نزل هبا القرآن الذي هو أفضل الكتب‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫• أفضل اللغات‪ ،‬وأكملها ذوقا ووجداان‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫• أفضل اللغات وأكملها ذوقا وبرهاان‪.‬‬
‫• وقال شيخ االسَلم ابن تيمية (وما زال السلف يكرهون تغيري شعائر العرب حّت ىف املعامَلت‪ ،‬وهو‬
‫حلاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأمحد‪ ،‬بل قال مالك من تكلم‬ ‫ٍ‬ ‫التكلم بغري العربية‪ ،‬إال‬
‫ِف مسجدان بغري العربية أُخرج منه‪ ،‬مع أن اْللسن جيوز النطق هبا ْلصحاهبا‪ ،‬ولكن سوغُوها‬
‫للحاجة وكرهوها لغري احلاجة‪ ،‬وحلفظ شعائر اإلسَلم فإن هللا أنزل كتابه ِبللسان العرب‪ ،‬وبعث به‬
‫نبيه العرب‪ ،‬وجعل اْلمة العربية خري اْلمم‪ ،‬فصار حفظ شعارهم من متام حفظ االسَلم‪ ،‬فكيف‬
‫مفرده ومنظومة يـُغَريُه ويـُبَ ِدلُهُ وخيرجه عن قانونه ويكلف االنتقال عنه؟)‬
‫ِبن تقدم على الكَلم العرب ِ‬
‫• وقال ابن جىن‪ :‬إن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها‪ ،‬وحاد عن الطريقة املثلى إليها‬
‫فإمنا استهواه‪ ،‬واستخف ِحلمه‪ ،‬ضع ُفه ِف هذه اللغة الكر ِ‬
‫مية الشريفة اليت خوطبت الكافة هبا‪.‬‬
‫• وقال ابن كثري‪( :‬لغة العرب هي أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها أتدية للمعاين اليت تقوم‬
‫‪121‬‬
‫ِبلنفوس فلهذا أنزل أشرف الكتب أبشرف الرسل )‬
‫• روي عن اإلمام الشافعي رمحه هللا تعاىل أنه قال‪ ( :‬لسان العرب أوسع اْللسنة مذهبا‪ ،‬وأكثرها‬
‫‪122‬‬
‫ألفاظا‪ ،‬والعلم هبا عند العرب كالعلم ِبلسنن عند أهل الفقه)‪.‬‬
‫• وقال اْلستاذ العقاد رمحه هللا تعاىل ِف مقدمة كتاب "الصحاح" ( ولقد قيل كثريا إن اللغة العربية‬
‫بقيت ْلهنا لغة القرآن‪ .‬وهو قول صحيح‪ ،‬ولكن القرآن الكرمي أبقى اللغة العربية ْلن اإلسَلم دين‬
‫إنسانية قاطبة وليس ِبلدين املقصور على شعب أو قبيلة‪ ،‬وقد ماتت العربية وهي لغة دينية أو لغة‬

‫‪ 116‬جملة جامعة ام القرى ‪84 / 5‬‬


‫‪ 117‬أرشيف ملتقى أهل احلديث ‪187 / 138‬‬
‫‪118‬‬
‫أرشيف ملتقى أهل احلديث ‪48 / 87‬‬
‫‪119‬‬
‫كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ‪1 / 1‬‬
‫‪ 120‬أجبد العلوم ‪241 / 1‬‬
‫‪121‬‬
‫تفسري القرآن العظيم ‪467 /2‬‬
‫‪122‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪75‬‬


‫كتاب يدين به قومه‪ ،‬ومل متت العربية إال ْلهنا فقدت املرونة اليت جتعلها لغة إنسانية‪ ،‬وخترجها من‬
‫حظرية العصبية الضيقة حبيث وضعها أبناؤها منذ قرون)‪ ،‬مث يضيف قائَل‪ ( :‬إن هذه الفضيلة‬
‫اإلنسانية اليت ال تفرق بني العرب واْلعجمي وال بني القرشي واحلبشي هلي اليت أهنضت خلدمة اللغة‬
‫أانسا من اْلعاجم غاروا عليها من حيف اْلعجمية ـ أي غاروا عليها من لغة أمهاهتم وآِبئهم‪ْ ،‬لهنا‬
‫‪123‬‬
‫لغتهم على املساواة بينهم وبني مجيع املؤمنني ِبلقرآن الكرمي كتاب اإلسَلم‪.‬‬
‫• وقال الدكتور حسني نصار ِف (املعجم) مل تنهر اللغة العربية ِبهنيار الدولة اْلموية وذلك بفضل‬
‫القرآن الكرمي الذي أحاط اللغة العربية هبالة من القداسة واجلَلل غمرت كل مسلم مهما كان حسنه‬
‫ومهما كانت لغته‪ ،‬فاستمرت حية تتوارثها ألسنة جيل بعد جيل‪ ،‬وأن السبب املباشر الذي أظهر‬
‫الدراسات اللغوية هو ارتباطها ِبلدراسات الدينية‪ ،‬واحتادها ِف النشأة‪ ....‬فقد أنزل القرآن كتاب‬
‫العربية اْلعظم على الرسول العرب الكرمي ليدعو قومه إىل سبيل الرشاد فكان بلغتهم وعلى أساليب‬
‫‪124‬‬
‫كَلمهم‪.‬‬
‫• وقال جورجي زيدان ِف كتابه‪( :‬آداب اللغة العربية) وهذا ماال نراه ِف اْلانجيل ـ مثَلـ فإهنا كتب‬
‫تعليمية ملصلحة اَلخرة فقط‪ ،‬وال جند فيها شرعا‪ ،‬وال حكما وال أحواال شخصية‪ ..‬أو حنو ذلك)‪،‬‬
‫مث يضيف‪( :‬وِبجلملة فإن للقرآن أتثريا ِف آداب اللغة العربية‪ ،‬ليس لكتاب ديين مثله ِف اللغات‬
‫اْلخرى)‪ ،‬فاعرتافه بتأثري القرآن على املسلمني خلقا وأدِب ولغة وثقافة‪ ،‬وخلو الكتب اْلخرى من‬
‫‪125‬‬
‫هذا التأثري اعرتاف له قيمته الكبرية وداللته اخلاصة‪.‬‬
‫• وقال روفائيل بيت وهو الرجل الذي جييد تسع لغات هي (العربية واإلجنليزية والفرنسية واْلملانية‬
‫واهلندية واَلرامية والعربية والفارسية والروسية) ‪( :‬إنين أشهد من خربت الذاتية أنه ليس ة من بني‬
‫اللغات اليت أعرفها لغة تكاد تقرتب من العربية سواء ِف طاقتها البيانية أم ِف قدرهتا على أن خترتق‬
‫مستوَيت الفهم واإلدراك‪ ،‬وأن تنفذ وبشكل مباشر إىل املشاعر واْلحاسيس اتركة أعمق اْلثر‬
‫‪126‬‬
‫فيها)‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫‪124‬‬

‫‪125‬‬

‫‪126‬‬
‫ِف كتابه ‪ The Arabes Men‬الصادر ِف سنة ‪1976‬م ِف نيويورك ص ‪48‬‬

‫‪76‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫• وقال اإلسباين "فيَل سبازا" ‪ :‬اللغة العربية من أغىن لغات العامل بل هي أرقى من لغات أوروِب ْلهنا‬
‫تتضمن كل أدوات التعبري ِف أصوهلا‪ِ ،‬ف حني الفرنسية واإلجنليزية واإليطالية وسواها قد حتدرت من‬
‫لغات ميتة‪ ،‬وإين ْلعجب لفئة كثرية من أبناء الشرق العرب يتظاهر أفرادها بتفهم الثقافات الغربية‬
‫وخيدعون أنفسهم ليقال عنهم أهنم متمدنون!!‬
‫• وقال املستشرق (ريرت) استاذ اللغات الشرقية جبامعة استنابول‪ ،‬وهو من املخضرمني أي من حاضروا‬
‫ِف اجلامعة قبل حركة كمال أاتتورك وبعدها‪ .‬يقول‪( :‬إن الطلبة قبل االنقَلب كانوا يكتبون ما أملي‬
‫عليهم من حماضرات بسرعة فائقة؛ ْلن اخلط العرب اختزايل بطبعه‪ ،‬أما اليوم فهم يفتؤون يطلبون‬
‫إعادة العبارات مراراً‪ ،‬وهم معذورون فيما يطلبون؛ ْلن الكتابة الَلتينية ال اختزال فيها‪ ..‬مث أضاف‬
‫قائَلً‪ :‬إن الكتابة العربية أسهل كتاِبت العامل‪ ،‬وأوضحها‪ ،‬فمن العبث إجهاد النفس ِف ابتكار‬
‫طريقة جديدة لتسهيل السهل‪ ،‬وتوضيح الواضح)‪.‬‬
‫• وقال املستشرق برانرد لويس ِف كتابه ‪ :‬العرب ِف التاريخ‪( :‬إن موجات الفتح الكربى اليت تلت‬
‫موت حممد ـ عليه السَلم ـ وإقامة اخلَلفة على رأس اْلمة اإلسَلمية الناشئة قد سطرت حبروف‬
‫كربى كلمة "عرب" على خريطة القارات الثَلث‪ :‬آسيا‪ ،‬وأفريقيا‪ ،‬وأوروِب‪ ،‬وجعلت منها عنواان‬
‫‪127‬‬
‫لفصل حاسم رغم قصره ِف اتريخ الفكر واْلعمال البشرية‪.‬‬

‫تعد اللغة العربية أغىن لغات العامل ِبملفردات واملرتادفات‪ ،‬وال يدل على مرونة اللغة العربية‪،‬‬
‫أيضا كثرة‬
‫واتساعها ومشوليتها كثرة مفرادهتا ـ اليت تعد ِبئات اْللوف ـ فحسب‪ ،‬ولكن يدل على ذلك ً‬
‫الروافد‪ ،‬والطرائق اليت تغذي اللغة العربية‪ ،‬وتسمح هلا ِبلتوليد واإلضافات‪ .‬كالقياس‪ ،‬واالشتقاق‪،‬‬
‫والنحت‪ ،‬والتعريب‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫احلكم أبفضلية لغة ما على غريها قد يكون مرتبطا ‪:‬‬


‫• ِبيزة ِف اللغة ذاهتا‪.‬‬
‫• ِبا حتمله من رسالة وتراث‬
‫• ِبكانة مستخدمي تلك اللغة قوة وهيمنة‪.‬‬
‫• بكثرة املتحدثني هبا‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫جملة البحوث اإلسَلمية‪ ،‬حقيقة التَلزم بني اإلسَلم واللغة العربية‪ ،‬اجلزء اْلول‪ ،‬ص‪ 93:‬ـ ‪ 94‬ـ ‪ 95‬ـ ‪96‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪77‬‬


‫• أبكثر من سبب من اْلسباب السابقة أو غريها‪.‬‬

‫مل يكن يدر ِف خلد أحد من املسلمني أن أيت أانس ينفون عن اللغة العربية فضلها‪ ،‬وينتقصون من‬
‫قدرها وشرفها‪ ،‬حّت أنه نبت انبتة من بين جلدتنا يتكلمون أبلسنتنا‪ ،‬ويطعنون ِف لغتنا‪ ،‬ويتنقصوهنا‪ .‬ومل‬
‫تظهر هذه الفئة إال بعد ضعف املسلمني‪ ،‬والتأثر ِبلثقافات الغربية‪ ،‬اليت ساوت بني الصحيح والسقيم‪،‬‬
‫واْلعمى والبصري‪ .‬نفوا التفاضل بني اللغات عموما‪ ،‬وجعلوا اجلانب االتصايل للغة هو املعيار الوحيد‬
‫هلا؛ فجعلوا لغة اإلشارة ِبنزلة لغة الفصاحة‪ ،‬بل جعلوا اللغة الغريزية احليوان مثل لغة بين اإلنسان‪ .‬ولكن‬
‫اللغة أتىب إال أن تكون أداة للتفكري‪ ،‬ووعاء للعلم والثقافة‪.‬‬

‫اإلندبندنت‪ :‬انسوا الفرنسية والصينية‪ ..‬العربية هي اللغة اليت جيب تعلمها‬


‫اإلندبندنت نشرت موضوعا حتت عنوان "انسوا الفرنسية والصينية العربية هي اللغة الّت جيب تعلمها‬
‫حسب املعهد الربيطاين"‪.‬‬
‫تقول اجلريدة إن هناك أكثر من ‪ 300‬مليون شخص يتحدثون العربية وهو ما جعل املعهد الربيطاين‬
‫يطالب بتعليمها ِف املدراس الربيطانية‪.‬‬
‫وت ضيف اجلريدة أن بعض املدارس ِف بريطانيا تقوم بتعليم اللغة العربية للتَلميذ ِبلفعل مثل مدرسة‬
‫هورتون ِبرك االبتدائية ِف برادفورد واليت تفعل ذلك منذ ‪ 3‬سنوات‪.‬‬
‫وتصف اجلريدة كيف يقوم املدرس صاحل ِبتل أحد القَلئل ِف بريطانيا الذين يعملون مدرسني للعربية‬
‫حيث أعد امل درس بطاقات حتمل صورا حليواانت مع كتابة امسائها على ظهر البطاقة مث يعلم االطفال‬
‫كيفية نطقها‪.‬‬
‫وتضيف اجلريدة أنه ِف وقت الحق من العام الدراسي يتعلم اْلطفال كيفية صياغة مجلة كاملة ِبللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫وتقول الصحيفة إن اْلطفال يعانون من تعلم اللغة العربية بسبب أهنا تكتب من اليمني إىل اليسار‬
‫عكس اللغات اْلوروبية ورغم ذلك ميكنك أن تَلحظ حجم احلماس بني التَلميذ لتعلم اللغة العربية‪.‬‬
‫وتؤكد اجلريدة أن إدراج اللغة العربية على الئحة اللغات اْلكثر أمهية ِف املدراس الربيطانية جاء بعدما‬
‫أعلن املعهد الربيطاين أن العربية اثين أهم لغة أجنبية للحصول على عمل ِف املستقبل بعد اللغة‬
‫اإلسبانية‪.‬‬

‫‪78‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وختتم اجلريدة أبن إعَلن املعهد الربيطاين جاء بعد دراسة أجراها واضعا ِف االعتبار بعض املعايري‬
‫االقتصادية املرتبطة ِبلتصدير واالسترياد والوظائف احلكومية ذات اْلولوية عَلوة على اْلولوَيت‬
‫اْلمنية‪.‬‬

‫ظهرت حقائق علمية جديدة مؤخراً هتم واقع ومستقبل اللغة العربية‪ ،‬ليس فقط ِبعتبارها اللغة اخلالدة‬
‫خللود القرآن‪ ،‬ولكن أيضا ِبعتبارها لغة متلك كل مقومات اهليمنة على اللغات اْلخرى‪ .‬ليس اْلمر‬
‫مبالغة أو احنيازا عاطفيا للغة العربية فقط‪ ،‬ولكنه نتائج أحباث علمية مل يكشف عنها العرب وال‬
‫املسلمون‪ ،‬وإمنا الذي اكتشفها وعرب عنها ونشرها هو فريق علمي غرب ِبحدى جامعات لندن‪ ،‬ليس‬
‫فيه من املسلمني العرب إال عامل واحد‪ ،‬هو الدكتور سعيد الشربيين من مجهورية مصر العربية وهو من‬
‫توىل اإلعَلن عما وصل إليه فريقه‪ .‬العلم الذي أحتدث عنه هنا هو ما يعرف بعلم اللغة الكوين‪ ،‬وهو‬
‫العلم الذي يدرس لغات العامل مجيعها ِف وقت واحد ِبقارنة النظام النحوي والعَلقة اجلينية بينها ليع ِرف‬
‫أسباب موهتا وأسباب بقائها واستمرارها وكذا قوهتا وضعفها‪ ،‬أي هو العلم الذي يدرس لغات العامل‬
‫دفعة واحدة ليعرف مراحل نشأهتا وشباهبا وشيخوختها‪ ،‬وليعرف ِبلتايل أي لغة يكتب هلا اخللود‬
‫خلصائصها ومميزاهتا‪ .‬هذا العلم بدأ سنة ‪ 2003‬على يد زمرة من العلماء الغربيني ِف جامعة لندن‪ ،‬قسم‬
‫"علم اللغة الكوين" حيث يسمى فيها قسم اللغة العربية بقسم "اللغة اْلم"‪ ،‬وليس "قسم اللغة العربية‪".‬‬
‫أهم اخلَلصات اليت توصل إليها هذا الفريق كشف عنها الدكتور الشربيين ِف سلسلة حلقات تلفزيونية‬
‫بقناة الرمحة قبل أَيم ومن مجلة ما أشار إليه‪ ،‬وهو كثري جدا‪ ،‬أذكر به تعميما للفائدة وبشارة حمليب لغة‬
‫الضاد‪ ،‬أن غالبية اللغات اَلن حتمل ِف ذاهتا عوامل فنائها وموهتا إال اللغة العربية‪ ،‬فهي لغة خالدة‬
‫خللود القرآن إىل قيام الساعة‪ .‬وقد علل الدكتور سعيد هذا احلكم ِبإلشارة إىل أنه ثبت علميا أن مجلة‬
‫"احلمد هلل" اليت قاهلا آدم عليه السَلم عند خلقه كانت ِبلعربية‪ .‬وذلك ْلن كلمة "احلمد" ال ميكن أن‬
‫ترتجم إىل أي لغة أخرى ِبا حيفظ هلا معناها كما هو‪ .‬فهي إن ترمجت ستكون إما شكرا وهو مقابل‬
‫شيء ما‪ ،‬أو مدحا‪ ،‬وهو ما جتوز فيه املبالغة‪ ،‬أما احلمد فهو الشكر دون مقابل واملدح دون مبالغة‪،‬‬
‫وإن كان جيوز مثَل أن حنمد ِف فَلن أو عَل ن سلوكا معينا‪ ،‬كأن نقول "أمحد فيك خلق الوفاء" وإن مل‬
‫يشر الدكتور الشربيين إىل هذه املَلحظة‪ .‬وعليه فهذه الكلمة ال ميكن ترمجتها‪ِ ،‬با حيفظ هلا معناها‪،‬‬
‫بكلمة أخرى أبدا ِف أي لغة على اْلرض‪ ،‬حية كانت أو ميتة‪ .‬وِف سياق بيان أفضلية اللغة العربية‬
‫على غريها أشار الش ربيين إىل أن فريقه أثبت علميا من خَلل دراسة نسبة وفاة اللغات على اْلرض أنه‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪79‬‬


‫عند هناية القرن احلايل لن تبقى سوى ثَلث لغات فقط منها وعلى رأسها اللغة العربية ِبإلضافة إىل‬
‫اإلجنليزية والصينية‪ .‬وأن اللغة اإلجنليزية اليت هتيمن على العامل اَلن‪ ،‬واليت مل خيف إعجابه هبا‪ ،‬قد دخلت‬
‫عمليا ِف مرحلة شيخوخة واعوجاج‪ ،‬غري أن وفاهتا لن تكون كوفاة معظم اللغات‪ ،‬فهي ستموت على‬
‫اْللسن ِبعىن لن تكون لغة احلديث إطَلقا‪ ،‬لكن سيُبقى عليها لغةً الكرتونية للعلم فقط‪ .‬غري أنه ِف‬
‫املقابل أكد أن عدد اللغات اليت متوت ِف السنة الواحدة هو ‪ 50‬لغة‪ِ ،‬بعدل لغة واحدة كل أسبوع‪،‬‬
‫مشريا إىل أن آخر لغة ماتت هذه السنة هي اللغة النوبية ِبصر‪ ،‬وأن عدد اللغات احلية حاليا هو ‪601‬‬
‫لغة‪ ،‬بينما عدد اللغات اليت ماتت هو ‪ 402‬لغة‪ ،‬وأن عدد اللغات اليت ماتت ِبهلند وحدها ِف السنة‬
‫املاضية فاق أربعني لغة‪ ،‬كما أنه حبلول ‪ 2030‬يتوقع هذا الباحث أن تبقى فقط ‪ 15‬لغة فقط من‬
‫أصل الـ ‪ 601‬احلالية‪ ،‬لتبقى فقط ثَلث لغات عند هناية هذا القرن‪ ،‬أي حبلول ‪ ،2100‬طبعا لن‬
‫تكون منها الفرنسية ْلنه يتوقع أال تستمر هذه اللغة على قيد احلياة أكثر من ‪ 70‬سنة لتموت هنائيا‪.‬‬
‫وهو ما عرب عنه بظاهرة "كولريا اللغات‪ ".‬أما اللغة الصينية فلعراقة اترخيها وتعدد أصواهتا وحروفها‬
‫عوقة ملا اعرتاها من عيوب تتعلق بوضعية الضمائر وابتعادها‬ ‫(حوايل ‪ 60‬صوات) إال أهنا أصبحت لغة ُم َّ‬
‫عما مساه بـ ـ"فطرية التعبري الزمين"‪ :‬املاضي واحلاضر واملستقبل‪ .‬وهي ِف هذا تشرتك مع اإلجنليزية اَلن‬
‫ال يت أصيبت هي اْلخرى ِبعوجاج حيث مل يعد من اخلطأ أن يقول الطالب اإلجنليزي ِف املرحلة الثانوية‬
‫مثَل أان أذهب أمس أو أان أذهب غدا عوضا عن ذهبت أو سأذهب غدا‪ ،‬بل إن اجلهات املسؤولة عن‬
‫التعليم ِف بريطانيا تناقش بشكل رمسي أن تضيف اللواحق واحملددات أمس"‪ "Yesterday‬واليوم‬
‫"‪"Today‬وغدا "‪ "Tomorrow‬لألفعال لتحديد الزمن املقصود‪ .‬وهذا االعوجاج‪ ،‬يقول‬
‫الشربيين‪ ،‬مقدمة للموت احملقق‪ ،‬ولذلك يقول إن العربية لن متوت العتدال أصواهتا‪ ،‬فهي لغة ليس هبا‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اب َوَملْ َْجي َعل لَّهُ‬
‫َنزَل َعلَى َعْبده الْكتَ َ‬‫اعوجاج لقوله تعاىل ِف مطلع سورة الكهف‪" :‬ا ْحلَ ْم ُد َّّلل الَّذي أ َ‬
‫آن ِمن ُك ِل َمثَ ٍل‬ ‫َّاس ِِف ه َذا الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضَربْـنَا للن ِ َ ْ‬ ‫"ولََق ْد َ‬
‫ع َو َجا" وقريب من هذا كذلك قوله تعاىل ِف سورة الزمر‪َ :‬‬
‫رآان َعَربِيًّا َغ ْ َري ِذي عِ َو ٍج لَّ َعلَّ ُه ْم يـَتَّـ ُقو َن"‪ .‬ويستشهد على ذلك أبن الكتب املكتوبة‬
‫لَّ َعلَّ ُه ْم يـَتَ َذ َّك ُرو َن‪ ،‬قُ ً‬
‫ِبللغة الَلتينية مثَل قبل ‪ 500‬سنة فقط ال ميكن للعامة اَلن قراءهتا مهما حاولوا‪ ،‬وال يستطيع ذلك إال‬
‫الدارسون املتخصصون جدا ِف هذه اللغة القدمية‪ ،‬فكانت النتيجة أن أصبحت هذه الكتب شيئا من‬
‫التاريخ‪ .‬غري أن اْلمر خمتلف متاما ِف ما يتعلق ِبللغة العربية‪ ،‬ذلك أن العرب ِبمكاهنم قراءة الكتب‬
‫املكتوبة قبل ‪ 1400‬سنة‪ ،‬وأن ما دخل عليها من تغريات مل يدخل على معاين الكلمات ومدلوالهتا أو‬
‫نقط للكلمات وشكل هلا مما‬‫طريقة نطقها الصحيحة‪ ،‬وإمنا الذي أُحلق هبا وأضيف إليها إمنا هو جمرد ٍ‬

‫‪80‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫يزيد اللغة قوة ووضوح ا‪ .‬ويؤكد رأيه هذا فيضرب مثَل داعما حيا ِبلقرآن الكرمي‪ ،‬وهو الكتاب الذي ما‬
‫يزال يتلى تواترا ومشافهة منذ عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم يومنا هذا ِبحلروف نفسها واْلصوات‬
‫نفسها اليت هبا نزل واليت تَلها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نفسه‪ .‬ليخلص إىل أن اللغة العربية‬
‫حمفوظة حبفظ هللا للقرآن الكرمي‪ .‬أما اللغة العِربية فهي لغة ميتة منذ آالف السنني‪ ،‬وقد أعاد اليهود‬
‫استعماهلا فعَل‪ ،‬لكنهم مل يستطيعوا إحياءها إل ابعد أن غريوا فيها الكثي والكثري جدا فصارت مسخا‬
‫للغة كان ذات يوم "عربية‪".‬‬
‫ويؤكد ا لدكتور الباحث من مجلة املعطيات العلمية اجلديدة اليت أدىل هبا أن العربية ليس هبا عوج على‬
‫اإلطَلق وأهنا شابَّة كما بدأت‪ ،‬وأهنا أي كلمة "العربية" تعين من مجلة ما تعنيه "الشباب" أو "الشابة"‬
‫وإن مل يشر ملصدر هذا املعىن املشار إليه‪ ،‬كما أكد أن كلمة "العربية "إن هي إال صفة هلذه "اللغة‬
‫العربية" وليس امسا هلا‪ ،‬فعندما أقول أنت عرب فكأنين أمتىن أن تظل دائما شاِب‪ ،‬ولعل هذا التفسري جيد‬
‫َنشأْ َان ُه َّن إِ َ‬
‫نشاء‪،‬‬ ‫ما يؤكده ِف قوله تعاىل وهو يتحدث عن جزاء أصحاب اليمني ِف اَلخرة‪" :‬إِ َّان أ َ‬
‫ني" حيث يذهب املفسرون إىل أن كلمة "عرِب" ومفردها‬ ‫اب الْيَ ِم ِ‬
‫َصح ِ‬ ‫ِ‬
‫اه َّن أَبْ َك ًارا‪ ،‬عُ ُرًِب أَتْـَر ًاِب‪ْ ،‬ل ْ َ‬
‫فَ َج َعلْنَ ُ‬
‫"عروب" تعين "العواشق املتحببات إىل أزواجهن‪ ،‬اللوات حيسن التبعل"‪ ،‬وال يفرتض حدوث هذا تصورَي‬ ‫َ‬
‫إال ممن كانت شابة حيوية‪ .‬وإذا كان خري احلق ما شهد به اْلعداء واخلصوم فإن هذا الدكتور الباحث‬
‫يؤكد أن ِف بريطانيا اَلن‪ ،‬كما ِف أمريكا يتم تدوين معظم اْلحباث والدراسات والواثئق اهلامة‪ ،‬وحّت‬
‫املعاهد الدولية‪ِ ،‬بللغة العربية لتكون متاحة لألجيال القادمة‪ ،‬وهذا اعرتاف ضمين منهم خبلود هذه‬
‫اللغة وتفوقها على اللغة اإلجنليزية‪ ،‬فباْلحرى الفرنسية مثَل‪ .‬وما يدعم هذا ويؤكده أن جامعات مرموقة‬
‫كثرية بدأت تعتين ِبللغة العربية عناية خاصة‪ ،‬فبدأت تكتب هبا وترتجم إليها‪ ،‬وآخر جامعة شرعت ِف‬
‫ذلك هي جامعة طوكيو‪ .‬ولكي يضفي الشربيين على حقائقه العلمية هاته صفة املصداقية واليقني يشري‪،‬‬
‫ضمن سلسلة حماضراته سالفة الذكر اليت خص هبا قناة الرمحة‪ ،‬وهذا فعَل مما يثري االستغراب والدهشة‪،‬‬
‫إىل أن الكوجنرس اْلمريكي وافق على قرار كتابة صيغ التحذير على معلبات املخلفات النووية اليت تلقى‬
‫ِف أماكن غري مأهولة ِبلسكان ِف أمريكا‪ ،‬واليت يتوقع املسؤولون اْلمريكيون أن يصل إليها اإلعمار‬
‫السكاين بعد ‪ 100‬سنة‪( ،‬وافق على كتابة التحذير) ِبللغة العربية وليس ِبإلجنليزية أو غريها‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫يقول الشربيين‪ْ ،‬لهنم يعلمون أهنا هي اللغة اليت ستبقى‪ .‬هذه املعطيات العلمية اجلديدة اليت كشف‬
‫عنها الدكتور الشربيين تقتضي من الباحثني واملهتمني ِبللغة العربية أن يبدوا برأيهم ِف املوضوع‪ ،‬بعيدا‬
‫عن كل تعصب أو تشنج‪ ،‬إننا نريده نقاشا علميا موثقا قائما على احلجة والدليل‪ .‬وإين‪ ،‬كمهتم متابع‪،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪81‬‬


‫أتساءل ماذا سيكون موقف الكائدين للغة الضاد إذا ما ثبت صدق هذه النتائج العلمية سالفة الذكر‪،‬‬
‫ماذا سيكون موقف هؤالء وقد كشف النقاش الدائر حول دفاتر حتمَلت القطب العمومي‪ ،‬وخاصة ما‬
‫تعلق منها ِبهلوية واللغة العربية‪ ،‬عن وجود لوب قوي ال يريد للعربية أن تنتشر وال أن أتخذ مكانتها‬
‫‪128‬‬
‫الطبيعية ِف وقت صار الصراع مؤهَل ْلن يصبح صراعا حول اللغة واهلوية ِبمتياز‪.‬‬
‫معلمو العربية " كمن يقاوم الطائرة" ِبلرمح الوطن وصف اْلكادميي املختص ِف اللغة العربية‬
‫الدكتور سليمان العايد رؤية بعض املنتسبني لـ"اللغة العربية "أبهنا "خمتزلة ِف كتاب ومعلم ومقررات‬
‫دراسية‪ ،‬أحياانً تُلحق الضيم أببنائهم وأحياانً ينجحون فيها ويرسبون فيها اترة أخرى‪ ،‬واملعلمون ال‬
‫يفهمون من اللغة العربية إال أهنا وظيفة حيوية يقومون هبا‪ ،‬توفر هلم أسباب احلياة املهنية"‪ .‬وانتقد التعليم‬
‫أبسلحة تقليدية كالرمح والقوس ‪".‬‬ ‫ٍ‬ ‫واملعلمني وطريقة تقدميهم للدرس اللغوي‪ ،‬ومثلهم ِبن "يقاوم الطائرة‬
‫وقال ِف حماضرة ألقاها مساء أول من أمس بنادي أهبا اْلدب ِبلتعاون مع قسم اللغة العربية جبامعة‬
‫امللك خالد‪ ،‬وقدمها رئيس النادي الدكتور أمحد آل مريع‪ :‬إن ضعف أو غياب اإلرادة السياسية قد‬
‫يضعف من شأن اللغة‪ ،‬وخباصة إذا كانت اللغة ال تشغل أولوَيت الساسة‪ ،‬كما هو احلال ِف غريها من‬
‫القضاَي‪ ،‬خبَلف اْلمم اليت جتعل اللغة من أولوَيهتا‪ .‬مث عرج على التحدَيت اليت تواجه اللغة من‬
‫الداخل العرب الكبري‪ ،‬وحصرها ِف أربعة حتدَيٍت‪ ،‬قال إن اْلول منها هو غياب الرؤية االسرتاتيجية‬
‫للنهضة ِبلعربية واالنشغال ِبجلزئيات‪ ،‬والثاين ضعف أو غياب اإلرادة السياسية‪ ،‬والثالث غياب اإلرادة‬
‫لدى اْلمة خَلف الساسة حني ال يعتزون بلغتهم‪ ،‬والرابع تيار العوملة والذي مل تشكل فيه اللغة العربية‬
‫إال جزءاً ضئيَلً ‪ .‬وبعد انتهاء احملاضر أاتح مدير احلوار اجملال أمام مداخَلت اجلمهور‪ ،‬حيث بدأت‬
‫ِبداخلة للدكتور حممود قاسم الشعيب‪ ،‬قال فيها‪ :‬إن من مظاهر إمهال اللغة العربية قيام بعض اجلامعات‬
‫العربية ِبعتماد اإلجنليزية لغتها الوحيدة وعدم قبول اللغة العربية فيها‪ .‬وِف املداخلة الثانية من قاعة‬
‫النساء للدكتورة حنان أبو لبدة‪ ،‬قالت إن مشكلة إعداد معلم اللغة العربية تكمن ِف كون اجلامعات‬
‫توجه أصحاب املعدالت املتدنية إىل قسم اللغة العربية ‪.‬وجاء ِف مداخلة صاحل اْلمحد أن اللغة "تشكو‬
‫من حال أبنائها‪ ،‬وقد مللنا التباكي على هذه اْلوضاع ِف املؤمترات واحملاضرات اْلدبية"‪ .‬وطالب إبراهيم‬
‫طالع اْلملعي ِف مداخلته بوجود مركز حبثي يعىن بكتابة اللغة العربية وتقعيدها من جديد‪ ،‬وأن يكون‬
‫الدكتور العايد مؤسساً لذلك املشروع اهلام قبل ذوِبن اللغة العربية ِف العوملة‪ .‬بدوره أكد الدكتور فوزي‬
‫صويلح أن املشكلة اليت نعيشها هي غياب الثقافة اْلسرية اليت تنمي ِف الطفل حب اللغة العربية من‬

‫‪128‬‬
‫د عبد الرمحن اخلالدي * رئيس فرع الرِبط للجمعية املغربية حلماية اللغة العربية‪ ،‬االثنني ‪ 07‬ماي ‪- 2012‬‬

‫‪82‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫خَلل استخدام مفرداهتا وتسمية اْلشياء ِبسمياهتا العربية‪ ،‬ورأى أن محاية اللغة العربية لن أتت إال بقراٍر‬
‫سياسي‪ .‬وتساءل أمحد القحطاين طالب جامعة امللك خالد عن تقليص مواد اللغة العربية إىل كتاٍب‬
‫واحد ِف التعليم العام وساعاٍت قليلٍة ِف التخصصات العلمية ِف اجلامعات‪ .‬وِف مداخلة الدكتور قاسم‬
‫بن أمحد رأي أن هنالك بعداً آخر‪ ،‬وهو أن أبناء العربية ميرون ِبرحلة مشاهبة للمرحلة اليت مرت هبا‬
‫أوروِب قبيل هنضتها‪ ،‬ووجه سؤاالً للمحاضر عن الزمن املتوقع الستيعاب أبناء العربية العلوم واملعارف‬
‫اْلجنبية ومن مث االنطَلق واإلبداع ِبللغة العربية‪ .‬وِف مداخلة للدكتور عبد احلميد احلسامي وجه سؤاالً‬
‫للمحاضر عن موقفه من دراسة اللهجات العامية‪ ،‬على اعتبار أهنا لغات ينبغي لنا أن نستثمر طاقاهتا‪.‬‬
‫وجاء ِف مداخلة الدكتور حنفي بدوي سؤال عن الطريقة اليت أخرجت اللغة العربية من جزيرة العرب‪،‬‬
‫حّت أصبحت لغة علمية من حدود جبال فرنسا وحّت سور الصني ‪.‬ورد احملاضر على املداخَلت‪،‬‬
‫حيث قال إنه يتحدث من الداخل عن تعليم اللغة العربية‪ْ ،‬لن احلديث عن تعليم اللغة لغري العرب‬
‫يرتبط ِبلسياسات اللغوية اليت ختطط لَلنتشار اللغوي‪ْ ،‬لن التحدَيت اخلارجية متسعة جداً‪ ،‬وأكرب من‬
‫اإلتيان عليها‪ .‬أما مسألة الرتمجة فَل بُد من أن ترتبط ِبشروع حضاري‪ ،‬يتابع كل جديد يصدره العامل‬
‫ويرتمجه فورَيً‪ ،‬وليس اْلمر تدريساً ِبلعربية‪ْ ،‬لن ِف ذلك عزال ْلصحاب التخصصات العلمية عن‬
‫العامل‪ .‬وِبلنسبة إلعداد املعلمني‪ ،‬أكد أنه يتحدث عن اإلعداد النوعي للمعلمني‪ .‬وأكد أن العامية ِبقية‬
‫إىل قيام الساعة‪ ،‬وليس علينا التفكري ِبلقضاء عليها‪ ،‬وإمنا نعمل على تقارب هذه العاميات‪ ،‬لتكون‬
‫قريبة من اللغة املوحدة‪ ،‬وبني أن ما حنتاجه من زمن للنهوض ِبللغة مرتبط ِبلسياسات والتخطيط‬
‫والتنفيذ‪ ،‬بعيداً عن تشبيه واقعنا أبوروِب الختَلف املعطيات‪ .‬وأشار إىل أن دروسنا اليت تتعلق ِبلعربية‬
‫إمنا ترتكز وفق مستوى واحد من مستوَيت العربية وهو النص الثري‪ ،‬وجيب أن نفتح آفاقاً جديدة ِف‬
‫درس العربية‪.‬‬

‫هل " اللغة العربية هي أصل لغات العامل كلها" ؟‬


‫ما هي اللغة اليت كان يتحدثها سيدان آدم عليه السَلم ؟‬
‫الذي يظهر والعلم عند هللا تعاىل أن آدم عليه السَلم يعلم مجيع اللغات ونعين جبميع اللغات‪:‬‬
‫أصول اللغات ال اللهجات والدليل على علمه هبا قوله تعاىل‪ ( :‬وعلم آدم اْلمساء كلها مث عرضهم على‬
‫املَلئكة فقال أنبئوين أبمساء هؤالء إن كنتم صادقني) [البقرة‪ ]31 :‬فالظاهر أنه علمه أمساء مجيع‬
‫املسميات جبميع اللغات ْلن اْلمساء لفظ عام مؤكد بكل وأتكيده هبا يعين أن هذا العام مل يرد به‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪83‬‬


‫اخلصوص إذ لو أريد به لكان جمازاً والتوكيد يرفع اجملاز‪ ،‬ومن الدليل على ذلك أيضاً أن رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال‪" :‬جيتمع املؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا لربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو‬
‫الناس خلقك هللا بيده وأسجد لك مَلئكته وعلمك أمساء كل شيء "اخل احلديث وقد رواه البخاري‬
‫من حديث أنس رضي هللا عنه وهذا هو اجلاري على قول أكثر اْلصوليني من أن اللغات توقيفية‬
‫علمها هللا َلدم وحياً‪ ،‬كما أنه هو الذي يظهر به جلياً متيز آدم عن املَلئكة ِبلعلم وال ينكر هذا ِف‬
‫قدرة هللا جل وعَل‪ ،‬وذهبت طائفة أخرى من اْلصوليني إىل أن اللغات اصطَلحية وعلى هذا فالذي‬
‫علمه من اْلمساء قد ال يكون اْلمساء جبميع اللغات فقد يكون بلغة واحدة وقد تكون هذه اللغة ِبثابة‬
‫‪129‬‬
‫اْلم جلميع لغات بنيه‪ .‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫قال د‪ .‬مصطفى حممود ‪ :130‬كانت يل وقفة طويلة منذ زمن أمام أصل اللغات وأان أأتمل‬
‫اللفظة العربية "كهف" فأجدها‪:‬‬
‫ِف اإلجنليزية (‪)cave‬‬
‫وِف الفرنسية (‪)cave‬‬
‫وِف اإليطالية (‪)cava‬‬
‫وِف الَلتينية (‪)cavus‬‬
‫فأسأل وأان أراها كلها واحدا‪ ..‬أي لغة أخذهتا عن اْلخرى وأيها اْلصل؟ وكان اجلواب حيتاج للغوص‬
‫ِف علم اللغوَيت والبحث ِف البحار القدمية اليت خرجت منها كل الكلمات اليت نتداوهلا‪ ،‬وكان هذا‬
‫اْلمر حيتاج إىل سنوات ورِبا إىل عمر آخر‪.‬‬
‫ودار الزمان دورته مث وقع ِف يدي كتاب عنوانه "اللغة العربية أصل اللغات"‪ ..‬والكتاب ِبإلجنليزية‬
‫واملؤلفة هي حتية عبد العزيز إمساعيل أستاذة متخصصة ِف علم اللغوَيت‪ ،‬تدرس هذه املادة ِف اجلامعة‪،‬‬
‫إذن هي ضاليت‪ .‬وعرفت أهنا قضت عشر سنوات تنقب وتبحث ِف الواثئق واملخطوطات واملراجع‬
‫والقواميس؛ لتصل إىل هذا احلكم القاطع‪ ..‬فازداد فضويل وشوقي والتهمت الكتاب ِف ليلتني‪ .‬والكتاب‬
‫ِف نظري ثروة أكادميية وفتح جديد ِف علم اللغوَيت يستحق أن يلقى عليه الضوء‪ ،‬وأن يقيم وأن أيخذ‬
‫مكانه بني املراجع العلمية املهمة‪ .‬وهناك جداول ملحقة ِبملقال ويَلحظ اْللفاظ املشرتكة بني اللغة‬

‫‪129‬‬
‫إسَلم ويب‪ ،‬مركز الفتوى‬
‫‪130‬‬
‫د‪ .‬مصطفى حممود‪ ،‬عامل اْلسرار‬

‫‪84‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫العربية واإلجنليزية‪ ،‬وبني العربية والَلتينية‪ ،‬وبني العربية واْلجنلوساكسونية‪ ،‬وبني العربية والفرنسية‪ ،‬وبني‬
‫العربية واْلوروبية القدمية‪ ،‬وبني العربية واليواننية‪ ،‬وبني العربية واإليطالية‪ ،‬وبني العربية والسنسكريتية‪،‬‬
‫ليشهد هذا الشارع العرب املشرتك الذي تتقاطع فيه كل شوارع اللغات املختلفة‪ ،‬وهذا الكم اهلائل‬
‫املشرتك من الكلمات رغم القارات واحمليطات اليت تفصل شعوهبا بعضها عن بعض وأعود إىل السؤال‪:‬‬
‫ملاذا خرجت املؤلفة ِبلنتيجة القاطعة أن اللغة العربية كانت اْلصل واملنبع‪ ،‬وأن مجيع اللغات كانت‬
‫قنوات وروافد منها؛ تقول املؤلفة ِف كتاهبا‪:‬‬
‫أن السبب اْلول هو سعة اللغة العربية وغناها وضيق اللغات اْلخرى وفقرها النسيب؛ فاللغة الَلتينية هبا‬
‫سبعمائة جذر لغوي فقط‪ ،‬والساكسونية هبا ألفا جذر! بينما العربية هبا ستة عشر ألف جذر لغوي‪،‬‬
‫يضاف إىل هذه السعة سعة أخرى ِف التفعيل واالشتقاق والرتكيب‪ ..‬ففي االجنليزية مثَل لفظ‬
‫‪ِ Tall‬بعىن طويل والتشابه بني الكلمتني ِف النطق واضح‪ ،‬ولكنا جند أن اللفظة العربية خترج منها‬
‫مشتقات وتراكيب بَل عدد (طال يطول وطائل وطائلة وطويل وطويلة وذو الطول ومستطيل‪ ..‬إخل‪،‬‬
‫بينما اللفظ اإلجنليزي ‪ Tall‬ال خيرج منه شيء‪.‬‬
‫ونفس املَلحظة ِف لفظة أخرى مثل ‪ِ Good‬بإلجنليزية وجيد ِبلعربية‪ ،‬وكَلمها متشابه ِف النطق‪،‬‬
‫ولكنا جند كلمة جيد خيرج منها اجلود واجلودة واإلجادة وجييد وجيود وجواد وجياد‪ ...‬إخل‪ ،‬وال جند لفظ‬
‫‪ Good‬خيرج منه شيء!‬
‫مث جند ِف العربية اللفظة الواحدة تعطي أكثر من معىن ِبجرد تلوين الوزن‪ ..‬فمثَل قاتل وقتيل وفيض‬
‫وفيضان ورحيم ورمحن ورضى ورضوان وعنف وعنفوان‪ ..‬اختَلفات ِف املعىن أحياان تصل إىل العكس‬
‫كما ِف قاتل وقتيل‪ ،‬وهذا التلوين ِف اإليقاع الوزين غري معروف ِف اللغات اْلخرى‪ ..‬وإذا احتاج اْلمر‬
‫ال جيد اإلجنليزى بدا من استخدام كلمتني مثل ‪ Very Good & Good‬للتعبري عن اجليد‬
‫واْلجود‪.‬‬
‫وميزة أخرى ينفرد هبا احلرف العرب‪ ..‬هي أن احلرف العرب بذاته له رمزية وداللة ومعىن‪ ..‬فحرف احلاء‬
‫مثَل نراه يرمز للحدة والسخونة‪ ..‬مثل محى وحرارة وحر وحب وحريق وحقد ومحيم وحنظل وحريف‬
‫وحرام وحرير وحنان وحكة وحاد وحق‪..‬‬
‫بينما جند حرفا آخر مثل اخلاء ي رمز إىل كل ما هو كريه وسيئ ومنفر‪ ،‬ويدخل ِف كلمات مثل‪ :‬خوف‬
‫وخزي وخجل وخيانة وخَلعة وخنوثة وخذالن وخنزير وخنفس وخرقة وخلط وخبط وخرف وخسة‬
‫وخسيس وخم وخلع وخواء‪..‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪85‬‬


‫ونرى الطفل إذا ملس النار قال‪ ..‬أخ‪ ،‬ونرى الكبري إذا اكتشف أنه نسي أمرا مهما يقول‪" :‬أخ"؛‬
‫فالنسيان أم ر سيئ‪ ،‬وهذه الرمزية اخلاصة ِبحلرف واليت جتعله ِبفرده ذا معىن هي خاصية ينفرد هبا‬
‫احلرف العرب‪ ..‬ولذا جند سور القرآن أحياان تبدأ حبرف واحد مثل‪ :‬ص‪ ،‬ق‪ ،‬ن‪ ،‬أو‪ ،‬أمل‪ ..‬وكأمنا ذلك‬
‫احلرف بذاته يعين شيئا‪.‬‬
‫نستطيع أن نؤلف ِبلعربية مجَل قصرية جدا مثل "لن أذهب" ومثل هذه اجلملة القصرية حيتاج اإلجنليزي‬
‫إىل مجلة طويلة ليرتمجها فيقول ‪ I shall not go‬ليعين بذلك نفس الشيء؛ ْلنه ال جيد عنده ما‬
‫يقابل هذه الرمزية ِف احلروف اليت تسهل عليه الوصول إىل مراده أبقل كلمات‪.‬‬
‫وإذا ذهبنا نتتبع اتريخ اللغة العربية وحنوها وصرفها وقواعدها وكلماهتا وتراكيبها فسوف نكتشف أن‬
‫حنوها وصرفها وقواعدها وأساليب الرتاكيب واالشتقاق فيها اثبتة مل تتغري على مدى ما نعلم منذ آالف‬
‫السنني‪ ،‬وكل ما حدث أن هنرها كان يتسع من حيث احملصول والكلمات واملفردات كلما اتسعت‬
‫املناسبات‪ ،‬ولكنها ظلت حافظة لكياهنا وهيكلها وقوانينها ومل جت ِر عليها عوامل الفناء واالحنَلل أو‬
‫التشويه والتحريف‪ ،‬وهو ما مل حيدث ِف اللغات اْلخرى اليت دخلها التحريف واإلضافة واحلذف‬
‫واإلدماج واالختصار‪ ،‬وتغريت أجروميتها مرة بعد مرة‪.‬‬
‫وِف اللغة اْلملانية القدمية جند لغة فصحى خاصة ِبلشمال غري اللغة الفصحى اخلاصة ِبجلنوب‪ ،‬وجند‬
‫أجرومية خمتلفة ِف اللغتني‪ ،‬وجند التطور يؤدي إىل التداخل واإلدماج واالختصار والتحريف والتغيري ِف‬
‫القواعد‪ ،‬ونفس الشيء ِف الَلتينية وأنواعها ِف اليواننية وِف اْلجنلوساكسونية‪ ،‬وهلذا اختار هللا اللغة‬
‫رآان َعَربِيًّا َغ ْ َري ِذي عِ َو ٍج ﴾‬
‫العربية وعاء للقرآن؛ ْلنه وعاء حمفوظ غري ذي عوج‪ ،‬وامتدح قرآنه أبنه ﴿ قُ ً‬
‫وحدث وال حرج عن غىن اللغة العربية ِبرتادفاهتا حيث جتد لألسد العديد من اْلمساء؛ فهو الليث‬
‫والغضنفر والسبع والرئبال واهلزبر والضرغام والضيغم والورد والقسورة‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫وجند كل اسم يعكس صفة خمتلفة ِف اْلسد‪ ،‬وجند لكل اسم ظَلال ورنينا وإيقاعا‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن أيخذ الفقري من الغين وليس العكس‪ ،‬ومن الطبيعي أن أتخذ الَلتينية والساكسونية‬
‫واْلوروبية واليواننية من العربية‪ ،‬وأن تكون العربية هي اْلصل اْلول جلميع اللغات‪ ،‬وأن تكون هي اليت‬
‫َمسَاء ُكلَّ َها﴾‬ ‫أوحيت بقواعدها وتفعيَلهتا وكلماهتا إىل آدم كما قال القرآن‪َ ﴿ :‬و َعلَّ َم َ‬
‫آد َم اْل ْ‬
‫ولكن املؤلفة ال تكتفي ِبلسند الديين‪ ،‬وإمنا تقوم بتشريح الكلمات الَلتينية واْلوروبية واليواننية‬
‫واهلريوغليفية‪ ،‬وتكشف عن تراكيبها وتردها إىل أصوهلا العربية شارحة ما جد على تلك الكلمات من‬

‫‪86‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫حذف وإدماج واختصار تفعل هذا ِف صرب ودأب وأانة ومثابرة عجيبة‪ ،‬ودراسة أكادميية وفتح جديد ِف‬
‫علم‪.‬‬

‫هل اللغة العربية صعبة ؟‬


‫‪ o‬اللغة العربية تنتمي إىل اللغات املعربة‪.‬‬
‫‪ o‬هل السهولة مزية دائما ؟‬
‫‪ o‬أيهما أفضل ؛ اللغة اليت تعرب عن املعاين بدقة أم غريها ؟‬
‫‪ o‬أيهما أفضل ؛ اللغة اليت تعطي مساحة واسعة ِف التعبري أم غريها ؟‬
‫‪ o‬عند مقارنة اللغات من حيث السهولة والصعوبة‪ ،‬ينبغي مراعاة تساويها ِف الدقة ِف أداء املعاين‪.‬‬
‫‪ o‬ضرب الدكتور فضل صاحل السامرائي مثَل ‪ :‬اَللة احلاسبة اليت تقدم عمليات احلساب البسيطة من مجع‬
‫وطرح وضرب وقسمة‪ ،‬وهي سهلة االستخدام‪ ،‬بينما اَللة اليت حتتوي على العمليات احلسابية الكثرية‬
‫قد تبدو أكثر صعوبة من اْلوىل؛ وهذا يعود إىل ما فيها من ميزات متقدمة ال تفي هبا اَللة العادية‪.‬‬
‫‪ o‬ومع كل هذه امليزات ِف العربية جند أهنا ليست صعبة بل سهلة‪ ،‬فقد يسر هللا القرآن بـاللسان العرب‪،‬‬
‫ني َوتـُْن ِذ َر بِِه قَـ ْوماً لُداً﴾ (مرمي‪ ﴿ )97:‬فَإَِّمنَا‬ ‫كما قـال تعـاىل‪ ﴿ :‬فَإَِّمنَا ي َّسرَانه بِلِسانِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك لتُـبَشَر بِه الْ ُمتَّق َ‬
‫َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَ َذ َّك ُرون﴾ (الدخان‪ ،)58:‬وقال تعاىل ِف سورة القمر أبربع آَيت‪َ ﴿ :‬ولََق ْد يَ َّس ْرَان‬ ‫يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬
‫الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫لذ ْك ِر فَـ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِ ٍر ﴾‬ ‫ْ‬
‫وبسبب هذا التيسـري للقـرآن ولغتـه مل يـرِو لنـا التـاريخ أن املسـلمني مـن غـري العـرب‪ ،‬الـذين دخلـوا‬
‫ِف ديــن هللا أفواجــا ِف عصــور الفتوحــات اإلســَلمية وبعــدها‪ ،‬وجــدوا أن اللســان العــرب وتعلمــه كــان عقبــة‬
‫ِف طـريقهم‪ ،‬بــل إنــهم ســرعان مــا عرفـوا العربيــة‪ ،‬بــل وأصــبح الكثــري مــنهم مــن علمائهــا ومــن علمــاء الــدين‬
‫عام ــة‪ ،‬وم ــن أب ــرز اْلمثل ــة عل ــى ذل ــك إم ــام املس ــلمني ِف احل ــديث البخ ــاري رمح ــه هللا تع ــاىل‪ ،‬وإم ــام العربي ــة‬
‫سيبويه‪ ،‬وغريمها كثري‪ .‬واملسلمون من غري العرب حيفظ بعضهم القرآن دون أن يعرف معناه؛ لعـدم معرفتـه‬
‫للعربية؛ ومن هنا يتبني لنا أن اللسان العرب‪ ،‬هذا الوعاء للمعجـزة اخلالـدة‪ ،‬مـن أيسـر اْللسـن‪ ،‬ويكتسـب‬
‫سريعا‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهو منتشر ِف اَلفاق رغم تقصري العرب الواضح ِف نشره وتقدميه للناس‪.‬‬
‫خَلصة ‪:‬‬
‫• دعوى الصعوبة‪ ،‬ما حقيقتها ؟‬
‫• ما معيار الصعوبة؟‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪87‬‬


‫• أمن وجهة نظر االجنليزي الذي يتعلمها ؟‬
‫• أمن الوقت الذي يستغرقه تعلمها ؟‬
‫• ما حقيقته ؟ وما واقعه ؟‬
‫• ملاذا يطول وقت تعلمها ِف بعض املراكز ؟‬
‫• ادعى بعضهم أن اللغات السهلة حتتاج إىل ‪ 600‬ساعة‪ ،‬ومها االجنليزية والفرنسية‪ ،‬واللغات املتوسطة‬
‫حتتاج إىل ‪ 1110‬ساعات‪ ،‬واللغات الصعبة حتتاج إىل ‪ 2200‬ساعة‪ ،‬ومنها اللغة العربية‪.‬‬
‫• ومن التجربة ثبت أن اللغة العربية ال حتتاج إىل أكثر من ‪ 600‬ساعة؛ إذن هي من اللغات السهلة‪،‬‬
‫وتعلمها ِف بعض املراكز اليت يعلم فيها غري خمتص وكتاهبا غري خمتص وطريقها غري صحيحة قد‬
‫يطول الوقت ال لذات اللغة العربية وإمنا لوسيلة تعليمها‪.‬‬
‫• أمن ثرائها املفردات ؟‬
‫• عمن تصدر دعوى الصعوبة ؟‬
‫عن حمب هلا‪ .‬ملاذا ؟‬ ‫•‬
‫عن عدو هلا‬ ‫•‬
‫بعض املعايري اليت بنيت عليها الدعوى ال ختدم أصحاهبا‪.‬‬ ‫•‬
‫هل حاضر تعليمها خيتلف عن ماضيه؟‬ ‫•‬
‫• هل تغريت املعايري ؟‬
‫• كيف يكون القرآن ميسرا‪ ،‬ولغته صعبة ؟‬
‫• اخللط بني اللغة أداة واللغة موضوعا‪.‬‬
‫اللغة العربية تنتمي إىل اللغات املعربة‪.‬‬ ‫•‬
‫هل السهولة مزية دائما ؟‬ ‫•‬
‫أيهما أفضل ؛ اللغة اليت تعرب عن املعاين بدقة أم غريها ؟‬ ‫•‬
‫أيهما أفضل ؛ اللغة اليت تعطي مساحة واسعة ِف التعبري أم غريها ؟‬ ‫•‬
‫• عند مقارنة اللغات من حيث السهولة والصعوبة‪ ،‬ينبغي مراعاة تساويها ِف الدقة ِف أداء املعاين‪.‬‬
‫• ضرب الدكتور فضل صاحل السامرائي مثَل ‪ :‬اَللة احلاسبة اليت تقدم عمليات احلساب البسيطة من‬
‫مجع وطرح وضرب وقسمة‪ ،‬وهي سهلة االستخدام‪ ،‬بينما اَللة اليت حتتوي على العمليات احلسابية‬

‫‪88‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الكثرية قد تبدو أكثر صعوبة من اْلوىل؛ وهذا يعود إىل ما فيها من ميزات متقدمة ال تفي هبا اَللة‬
‫العادية‪.‬‬
‫• من مارس الرتمجة يدرك عدم تساوي اللغات ِف تعبريها عن مجيع اْلغراض التواصلية‪ ،‬فبعض أغراض‬
‫التواصل التعبدية مثَل كالصَلة وقراءة القرآن ال تكون شرعا إال ِبلعربية‪ ،‬وقد أدرك من ترجم القرآن‬
‫سبب هذا التشريع عندما أقروا أن ترمجاهتم ليست إال ترمجة ملعاين القرآن اليت فهموها وال ميكن حبال‬
‫اعتبارها قرآان إجنليزَي‪.‬‬
‫ومع كل هذه امليزات ِف العربية جند أهنا ليست صعبة بل سهلة‪،‬‬ ‫•‬
‫فقد يسر هللا القرآن بـاللسان العرب‬ ‫•‬
‫ني َوتـُْن ِذ َر بِِه قَـ ْوماً لُداً﴾‬ ‫﴿ فَِإَّمنَا ي َّسرَانه بِلِسانِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك لتُـبَشَر بِه الْ ُمتَّق َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ‬ ‫•‬
‫ِ‬
‫﴿ فَِإَّمنَا يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَ َذ َّك ُرون﴾‬ ‫•‬
‫ِف سورة القمر أبربع آَيت‪﴿ :‬ولََق ْد ي َّسرَان الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫لذ ْك ِر فَـ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِ ٍر‬ ‫•‬
‫َ َ ْ ْ‬

‫مكانة اللغة العربية يف اإلسالم ‪:‬‬


‫نوعا من أنواع التعصب هلا أم أن هلا مكانة عظيمة أعلى‬
‫وهل احلديث عن اللغة العربية يُعد ً‬
‫من غريها من اللغات اْلخرى؟!‬
‫عموما على اْلرض كلها حتظى بعناية أصحاهبا‪ ،‬وحتتل ِف حياهتم املكانة الكربى‬ ‫اللغات ً‬
‫والعظمى‪ ،‬واللغات هي وسيلة التخاطب والتفاهم‪ ،‬ال يستغين عنها أحد‪ ،‬واللغة العربية هي عندان‬
‫كذلك‪ ،‬لكنها تزيد على ذلك أهنا عبادة‪ ،‬فممارسة اللغة عبادة‪ ،‬والتعامل هبذه اللغة إحياءً ْلصوهلا‬
‫وحرصا على سَلمتها مع استشعار هذه النية نوع من أعظم العبادات‪ ،‬وأتت أمهية اللغة العربية ‪-‬‬
‫وأعظم ما جيعلها مهمة ِف حياتنا ‪ -‬أهنا لغة القرآن الكرمي‪ ،‬وهي لغة اإلسَلم‪ ،‬وترتبط اللغة العربية ِف‬
‫مجيعا أبداء الشعائر‪ ،‬فهي لغة تستمد عظمتها من مكانة القرآن واإلسَلم‪ ،‬والقاعدة‬ ‫حياة املسلمني ً‬
‫الشرعية تقول‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬وملا كانت قراءة القرآن واجبة والتعرف على‬
‫أمورا واجبة‪ ،‬وكان‬
‫أحاديث الرسول صلى هللا عليه وسلم واجبة‪ ،‬والتعرف على قواعد العبادات والعقائد ً‬
‫ال ميكن التوصل إليها إال ِبللغة العربية ‪ -‬كانت اللغة العربية هلا درجة الوجوب نفسها اليت جتب لكتاب‬
‫هللا تعاىل وأحاديث الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬من هنا كانت اللغة العربية متثل هلذه اْلمة هويتها‪،‬‬
‫ومتثل هلا استمراريتها ِف احلياة‪ ،‬ومتثل كذلك عمقها اإلمياين وعمقها الروحي‪ ،‬وارتباطها التارخيي‪ ،‬فأنت‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪89‬‬


‫ال تستطيع أن متيز أو أن تفصل بني اْلمة العربية وبني اللغة العربية إال إذا أمكنك أن تفصل بني الروح‬
‫واجلسد‪ ،‬فهي لغة متتزج بكيان اْلمة‪ ،‬وتستمد اْلمة منها سيادهتا ومتيزها وهويتها وعمقها احلضاري‪.‬‬
‫صغ إال ِبللغة العربية‪ .‬ولذلك فاللغة العربية‬
‫اللغة هي أصل الدين أو كما يقال‪ :‬إن الدين مل يُ َ‬
‫مهمة ال للتخاطب فقط‪ ،‬فذلك أمر تشرتك فيه مجيع اللغات‪ ،‬لكن اللغة العربية شعرية متارس بروح‬
‫الشعرية‪ ،‬وتُطلب بروح الفريضة‪.‬‬

‫دور العربية يف فهم اإلسالم‪:‬‬


‫ظهر مع جميء اإلسَلم مصطلحات كثرية‪ ،‬ودالالت جديدة لأللفاظ است ْلزمْتها قواعد التَّشريع‬
‫وأصول أتدية الفرائض‪ ،‬وسائر اْلحكام واْلمور الدينيَّة الَّيت جاء هبا اإلسَلم‪ ،‬كما ِف ألفاظ‪ :‬القرآن‬
‫الزكاة‪ ،‬والتَّكبري‪ ،‬واْلذان‪ ،‬ومئات غريها من املصطلحات التشريعيَّة‬ ‫الصَلة‪ ،‬و َّ‬
‫الكرمي‪ ،‬واإلسَلم‪ ،‬و َّ‬
‫ِ‬
‫ودالالهتا‪ ،‬والعربيَّة مَلزمة للفرائض‬ ‫ِ‬
‫مفرداهتا‬ ‫كثريا ِف تلك احلقبة‪ ،‬و ْأمنت‬
‫والدينيَّة‪ ،‬اليت أغنت اللغة ً‬
‫احلج‪،‬‬
‫وترتيله‪ ،‬واْلذان‪ ،‬ومناسك ِ‬‫الصَلة وتَلوة القرآن ْ‬
‫اإلسَلميَّة‪ ،‬فقد أوجب اإلسَلم أن تكو َن إقامة َّ‬
‫والدعاء‪ ،‬وسائر الشَّعائر الدينيَّة‪ ،‬كل ذلك ِبللغة العربية‪ ،‬وفرض على املسلمني ِف خمتلف اْلقطار‬
‫وفهمه واإلكثار من تَلوتِه‪ ،‬ويتحتَّم على اإلمام والواعظ إتْقان‬
‫واْلمصار تعلُّم آ ِي القرآن وح ْفظه ْ‬
‫العربيَّة؛ لكي يفهم أحكام ال ُقرآن والسنَّة‪ ،‬وحيسن شرحها وتفسريها‪.‬‬
‫نصه العرب‪ ،‬وال ُّ‬
‫تعد ترمجته إىل‬ ‫أن أحكام القرآن وتعاليمه ال يصح أن تؤخذ إالَّ من ِ‬ ‫ومعروف َّ‬
‫تفعت منزلة العربيَّة عند املسلمني‪،‬‬
‫أحكامه منها؛ لكل هذا ار ْ‬
‫ُ‬ ‫تفسريا ملعانيه‪ ،‬فَل تستنبط‬
‫ً‬ ‫أي لغة إالَّ‬
‫وتفقَّه املختصون ِف دراسة علوم العربيَّة ووضع قو ِ‬
‫اعدها ِف النَّحو والصرف والبيان واملعاين وموازين‬
‫ضخما من نفائس الكتب‪ ،‬ومنهم العرب‬ ‫ً‬ ‫الشعر‪ ،‬ورسم احلروف واخلط وغريها‪ ،‬وألَّفوا فيها ً‬
‫عددا‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫ونشطت لذلك بوجه خاص ِف زمن ِبكر مدرستا البصرة والكوفة‪ ،‬فظهر ِف اْلوىل مثَل َّأول‬
‫اثين‬
‫معجم لغوي‪ ،‬و َّأول كتاب ِف ْأوزان الشعر‪ ،‬وأشهرها كتاب "العني" ِف حنو العربية منذ أكثر من َ‬
‫عشر قرًان‪ ،‬وهو معجم للعامل ِ‬
‫الفذ اخلليل بن أمحد الفراهيدي البصري‪ ،‬وكتاب "العروض"‪ ،‬ولسيبويه‬
‫تلميذ اخلليل وساد علمه وممحصه وجاليه‪ ،‬كتاب "الكتاب"‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫والفتح اإلسَلمي قد َّ‬
‫امتد بسرعة إىل سورية والعراق ومصر‪ ،‬وبَلد فارس وليبيا وتونس‪ ،‬واجلزائر‬
‫واملغرب والسودان‪ ،‬واْل ندلس وجنوب فرنسا وجنوب إيطاليا‪ ،‬وصقلية‪ ،‬وإىل بَلد الرتك واْلفغان والسند‬
‫واهلند وقفقاسيا‪ ،‬وغريها من اْلقطار اْلُخرى الَّيت فتحها العرب و ِ‬
‫اعتنقت الدين اإلسَلمي‪.‬‬
‫لشرح أحكام التَّنزيل‬ ‫ِ‬
‫انتشرت مع اإلسَلم اللغة العربيَّة‪ ،‬لغة القرآن‪ ،‬فهي املَلئمة ْ‬ ‫ْ‬ ‫وسرعان ما‬
‫حمل اللَّهجات السرَينيَّة واَلراميَّة احملليَّة‬
‫والسنَّة ون ْشر الثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة‪ ،‬فحلَّت ِبرونتها وتعبرييَّتها َّ‬
‫ِف سورية والعراق‪ ،‬وأزالت اللُّغتَني اليواننيَّة والفارسيَّة فيهما‪.‬‬
‫الدواوين ِف سورية والعراق‪،‬‬ ‫بتعريب َّ‬
‫اْلول اهلجري ْ‬ ‫وكان اخلليفة عبد امللك قد أمر ِف انينيَّات القرن َّ‬
‫حمل اللغة القبطيَّة ِف مصر‪،‬‬ ‫الرمسيَّتان اليواننيَّة والفارسيَّة‪ ،‬وحلَّت العربيَّة ً‬
‫أيضا َّ‬ ‫بعد أن كانت لغتامها َّ‬
‫وحمل الفارسية ِف بَلد فارس‪ ،‬وإن كانت هذه قد عادت إىل االستِ ْعمال‬ ‫والرببريَّة ِف أقطار مشال إفريقيا‪َّ ،‬‬
‫ِف القرن الرابع اهلجري‪ ،‬ودخلت العربيَّة بقيَّة اْلقطار اليت دانت اإلسَلم‪ ،‬وِبدر كثريون ممَّن اعتنقوا‬
‫الدين اإلسَلمي إىل تعلم العربيَّة لفهم أحكام الدين‪ ،‬وحلُ ْسن االنتظام ِف سلك َّ‬
‫الدولة العربيَّة اإلسَلميَّة‬
‫انضووا حتت رايتها‪ ،‬وصار النَّاس ِف اْلقطار اإلسَلميَّة غري العربيَّة‪ ،‬ومازالوا يدينون ِبالحرتام لكل‬ ‫َّ‬
‫اليت َ‬
‫فهم أحكام القرآن ون ْشر تعاليم اإلسَلم‪ ،‬وهكذا ِبت للغة العربيَّة‬ ‫ِ‬
‫َمن يتقن العربيَّة؛ إذ هو املتمكن من ْ‬
‫ظاهرا ِف كل اللغات الَّيت اتَّصلت هبا‪ ،‬ومنها الفارسية‬‫أثرا ً‬
‫كت ً‬
‫منزلة كبرية ِف مناطق كثرية من العامل‪ ،‬فرت ْ‬
‫والرتكيَّة واْلورديَّة والبنغاليَّة والسواحليَّة‪ ،‬ولغات ما وراء النَّهر وأفغانستان والسند واهلند‪ ،‬ومالطة وإسبانيا‬
‫وجنوب فرنسا وجنوب إيطاليا وصقلية‪.‬‬
‫حّت ِف لغات اْلقوام البعيدين الَّذين كانت للمسلمني معهم ِجتارة‪ ،‬فانتقلت إليهم‬
‫وأثَّرت َّ‬
‫العربيَّة مع اإلسَلم‪ ،‬كما ِف ماليزَي وإندونيسيا والفلبني‪ ،‬ومازال ِف بعض اللغات مئات بل آالف من‬
‫اْللفاظ العربيَّة‪ ،‬ففي اللغة الفارسية مثَل تَرتاوح نسبة الكلمات العربية بني ‪ِ 4‬بملائة و ‪ِ 5‬بملائة‪ ،‬ومثل‬
‫كبريا جدًّا من اْللفاظ العربية‪.‬‬
‫عددا ً‬‫ذلك يقال ِف اللغة الرتكيَّة اليت تضم ً‬
‫حمل سواه ِف كثري من تلك اْلقطار‪ ،‬فسهل فيها تعلُّم العربية‪ ،‬ففي‬ ‫حل رسم احلرف العرب َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫وحل احلرف العرب السهل‬ ‫بَلد فارس مثَلً كانت احلروف الفهلوية املعقَّدة تستعمل قبل جميء اإلسَلم‪َّ ،‬‬
‫حملَّها‪ ،‬ومثل ذلك حصل ِف رسم حروف اللغات الرتكية اليت استبدلت هبا تركيا احلروف الَلتينيَّة ِف‬
‫العصر احلديث‪( ،‬والكردية واْلوردية والباشتونية) اْلفغانية والبلوشية والرببرية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫بعيدا ِف غضون قرن وبعض قرن‪ ،‬وسرعان ما توطَّدت‬ ‫لقد كان الفتح اإلسَلمي قد َّ‬
‫امتد ً‬
‫َّ‬
‫فاحتكت ِبحلضارات والثَّقافات اْلخرى‪ ،‬وهتيَّأ هلا املناخ حلركة علميَّة واسعة‬ ‫احلضارة العربيَّة اإلسَلميَّة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪91‬‬


‫ِبلرتمجة‪ ،‬فكان خلفاء بين العبَّاس يشرتطون على أِبطرة الروم بْيـ َعهم املخطوطات‬ ‫بدأت ِبالهتِمام َّ‬
‫إن املنصور كان يدفع ما يساوي وزن املخطوطات‬ ‫اليواننيَّة ِف خمتلف العلوم لرتمجتها إىل العربية‪ ،‬حّت َّ‬
‫ب‬‫أسس املأمون بيت احلكمة وأجزل العطاء للرتامجة‪ ،‬فرتمجوا علوم اليوانن واهلند ِف الط ِ‬ ‫ذهبًا‪ ،‬و َّ‬
‫والتَّشريح واهلندسة والطبيعة وامليكانيك والرَيضيات والكيمياء‪ ،‬والفلك واجلغرافية واْلخَلق والفلسفة‬
‫وغريها‪.‬‬
‫كثريا من اْلخطاء‬
‫آاثرا نفيسة ِف خمتلف الفروع العلميَّة‪ ،‬فأصلحوا ً‬ ‫وبرز علماء أجَلء تركوا ً‬
‫حّت ِبقيت كتبُهم وعلومهم َّ‬
‫تدرس ِف‬ ‫العلميَّة ملن سبقهم‪ ،‬وأضافوا الكثري من املعرفة النَّظريَّة والتَّطبيقيَّة‪َّ ،‬‬
‫‪131‬‬ ‫حّت ٍ‬
‫أمد قريب‪.‬‬ ‫الشَّرق والغرب َّ‬

‫أمهية اللغة العربية لدارس العلوم الشرعية ‪:‬‬


‫ال ميرتي أحد ِف أن اللغة العربية وعلومها تنزل من علوم اإلسَلم ومعارفه منزلة اللسان من‬
‫جوارح اإلنسان‪ ،‬وال نبعد كثرياً إذا قلنا‪ :‬بل منزلة القلب من اجلسد؛ ْلهنا لسان اإلسَلم اْلمسى‪ ،‬هبا‬
‫نزل القرآن الكرمي؛ وهو الدستور املهيمن على مجيع شؤون احلياة‪ .‬فإذا اعتور اللغة العربية أو أصاهبا‬
‫مجود ِبعد بينها وبني ألسنة املسلمني وعقوهلم؛ واستعجم عليهم فهم كتاب هللا تعاىل‪ ،‬وأغلقت دوهنم‬
‫أبوابه؛ فيصعب عليهم فهم أسراره التشريعية‪ .‬ولو أن ِبحثاً رمى نظرة إىل ماضي املسلمني لرأى ِف يسر‬
‫ووضوح أن عهود التقدم والقوة‪ ،‬وأزمان اجملد والسيادة ِف اتريخ اْلمة اإلسَلمية كانت مرتبطة أشد‬
‫َّهل من منابعها‪ ،‬ومل‬
‫االرتباط بفهم القرآن الكرمي وأساليبه فهماً كان منطلقه فهم أسرار هذه اللغة والنـ ْ‬
‫تكن العناية ِبللغة العربية ِف عصور اإلسَلم الذهبية أبقل من العناية أبي شأن من شؤون الدين؛ بل‬
‫دون إال صوانً للقرآن الكرمي‬
‫لقد كان الدين دافعاً قوَيً على العناية هبا‪ ،‬وحسبنا أن نعلم أن قواعدها مل تُ َّ‬
‫ف إليه اللحن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من أن يَ ْدل َ‬
‫قال اْلزهري ِف مقدمته‪ ( :‬إن تعلم العربية اليت يتوصل هبا إىل تعلم ما جتزئ به الصَلة من‬
‫تنزيل وذكر فرض على عامة املسلمني‪ ،‬وإن على اخلاصة اليت تقوم بكفاية العامة فيما حيتاجون إليه‬
‫لدينهم االجتهاد ِف تعلم لسان العرب ولغاهتا اليت يتم هبا التوصل إىل معرفة ما ِف الكتاب مث ِف السنة‬

‫أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‪ ،‬فاطمة لطفی كودرزی‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪92‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫واَلاثر وأقاويل أهل التفسري من الصحابة والتابعني من اْللفاظ الغريبة‪ ،‬فإن اجلهل بذلك جهل جبملة‬
‫‪132‬‬
‫علم الكتاب إخل‪....‬‬

‫وقال اإلمام الشاطيب‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪ِ -‬ف كتابه "املوافقات" ‪...":‬الشريعة عربية‪ ،‬وإذا كانت‬
‫عربية ؛ فَل يفهمها حق الفهم إال من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ ْلهنما سيان ِف النمط ما عدا وجوه‬
‫اإلعجاز‪ ،‬فإذا فرضنا مبتدائً ِف فهم العربية؛ فهو مبتدئ ِف فهم الشريعة‪ ،‬أو متوسطاً؛ فهو متوسط ِف‬
‫فهم الشريعة‪ ،‬واملتوسط مل يبلغ درجة النهاية‪ ،‬فإن انتهى إىل درجة الغاية ِف العربية كان كذلك ِف‬
‫الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغريهم من الفصحاء ‪ -‬الذين فهموا القرآن ‪-‬‬
‫حجة‪ .‬فمن مل يبلغ شأوهم‪ ،‬فقد نقصه من فهم الشريعة ِبقدار التقصري عنهم‪ ،‬وكل من قصر فهمه مل‬
‫يعد حجة‪ ،‬وال كان قوله فيها مقبوالً‪."...‬‬
‫وقال رمحه هللا ‪ .... ( :‬غري أنه يُتكلَّم من اْلحكام العربية ِف أصول الفقه على مسألة هي عريقة ِف‬
‫اْلصول‪ ،‬وهى أن القرآ َن عرب والسنةَ عربية‪ ،‬ال ِبعىن أن القرآن يشتمل على ألفاظ أعجمية ِف اْلصل‬
‫أو ال يشتمل؛ ْلن هذا من علم النحو واللغة‪ ،‬بل ِبعىن أنه ِف ألفاظه ومعانيه وأساليبه عرب حبيث إذا‬
‫ك كَلم العرب ِف تقرير معانيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك به ِف االستنباط منه واالستدالل به َم ْسلَ َ‬
‫ُحق َق هذا التحقيق ُسل َ‬
‫ومنَا ِزعِها ِف أنواع خماطباهتا خاصة؛ فإن كثريا من الناس أيخذون أدلة القرآن حبسب ما يعطيه العقل‬ ‫َ‬
‫وخروج عن مقصود الشارع‬‫ٌ‬ ‫فيها‪ ،‬ال حبسب ما يـُ ْف َهم من طريق الوضع‪ ،‬وىف ذلك فساد كبري‬
‫الشاطيب ِف كتابيه املوافقات واالعتصام عظم من شأن اللغة العربية‪ ،‬وأشاد هبا‪ ،‬بل ذكر أن‬
‫فهم الشريعة لن يكون إال بفهم اللغة العربية‪.‬‬
‫وذكر أن التمكن من اللغة العربية وفهمها على التمام هو من أهم الشروط الواجب توفرها ِف‬
‫اجملتهد بل قد ذكر أن اجملتهد جيب أن يكون ( جمتهداً ) ِف اللغة العربية حّت يفهم الشريعة ويكون‬
‫اجتهاده صحيحاً خاصة إذا كانت املسألة اجملتهد فيها هلا اتصال ِبالستنباط من اخلطاب الشرعي‬
‫وليست خاضعة للنظر املصلحي‪...‬‬
‫وبني ِف كتابه االعتصام أن من أعظم اْلسباب لَلبتداع ِف دين هللا تعاىل هو عدم معرفة لسان‬
‫العرب‪ ...‬فيأت املرء فيفهم من اخلطاب الشرعي غري ما أُريد به ْلجل اجلهل أبساليب العرب‪..‬‬

‫‪132‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪93‬‬


‫ولذا كان علم أصول الفقه_ وهو العلم الذي يضبط طريقة استثمار النصوص الشرعية_ قائماً‬
‫على ركنني أساسيني‪:‬‬
‫اْلول ‪ :‬املقاصد ‪ :‬وتبحث ِف مباحث القياس والعلة و ا ملصاحل املرسلة‪..‬‬
‫والثاين ‪ :‬لسان العرب‪ :‬وفهم دالالت اْللفاظ وطريقة اقتناص اْلحكام من اخلطاب‪ ،‬وأكثر مباحث‬
‫علم أصول الفقه هي مباحث عربية كما أشار لذلك القراِف وغريه وكما هو ظاهر‪..‬‬
‫ولذا قال شيخ اإلسَلم ِف االقتضاء ‪":‬إن نفس اللغة العربية من الدين‪ ،‬ومعرفتها فرض واجب‬
‫؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض‪ ،‬وال يفهم إال بفهم اللغة العربية‪،‬وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‬
‫والشاطيب مل يقف على هذا اْلمر ِف التعظيم من شأن اللغة العربية‪ ،‬وجعلها من شروط‬
‫االجتهاد بل ذكر شيئاً أاثر خَلفاً بني اْلصوليني فيما بعد‪،‬وهو اشرتاطه أن يبلغ اجملتهد " ِف العربية‬
‫مبلغ اْلئمة فيها؛ كاخلليل‪ ،‬وسيبويه‪ ،‬واْلخفش‪ ،‬واجلرمي‪ ،‬واملازين ومن سواهم ‪"..‬‬
‫وهو يعين بذلك ‪-‬كما بينه ِف موضع آخر ‪ " -‬حترير الفهم حّت يضاهي العرب ِف ذلك‬
‫املقدار‪ .‬ويقصد بذلك أن يكون فهمه للخطاب العرب كفهم العرب واْلئمة ِف العربية‪.‬‬
‫َنزلْنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَّ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن ﴾ معاذ هللا أن‬ ‫‪133‬‬
‫قال أبو أنس حممد العبدة معلقا ‪َّ ﴿ :‬إان أ َ‬
‫نكتب من زاوية قومية‪ ،‬أو نتحدث بلوثة قومية‪ ،‬ولكن احلقيقة اليت قد تغيب عن بعض اْلذهان هي أن‬
‫هذا الدين ال يفهم حق الفهم‪ ،‬وال تستوعب مراميه القريبة والبعيدة‪ ،‬وال حياط بقواعده الكلية‬
‫وتفصيَلته اجلزئية إال عن طريق اللغة العربية فيها نزل القرآن الكرمي‪ ،‬وهبا بلغ البشري النذير حممد ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ -‬وهبا كتبت أصول اإلسَلم ِف العقيدة والفقه واحلديث والتفسري‪ ...‬وهي من االتساع‬
‫والشمول والدقة حبيث استوعبت مضامني الشريعة كلها‪ ،‬وتستطيع استيعاب العلوم النافعة ِف أي‬
‫عصر‪ ،‬وهي من أنقى اللغات عن الدخيل واهلجني وأفضلها تعبرياً عما يستكن ِف الضمري والشعور وال‬
‫سبيل إىل فهم هذا الدين من غري هذه اجلهة‪ْ ،‬لن اللغة العربية وإن اشرتكت مع اللغات اْلخرى ِف‬
‫أمور عامة إال أن هلا أوضاعاً ختتص هبا‪ ،‬ليس هنا اجملال لتفصيلها وْلنه مهما كانت الرتمجة إىل اللغات‬
‫اْلخرى صحيحة ودقيقة فلن تفي ِبلغرض ولن تؤدي املطلوب‪ ،‬هذا إذا كانت هذه اللغات فيها من‬
‫احليوية ما يساعدها على استيعاب كثري من اْلمور‪ ،‬فكيف إذا ترجم إىل لغات حملية ضيقة هي مزيج‬
‫من لغات شّت ليس بينها أي ترابط‪ .‬وال ذي يرى ِف هذه اْلَيم ما تؤدي إليه الرتمجة من أخطاء‬
‫وأخطار ِف فكر‬

‫‪133‬‬
‫أبو أنس‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،2‬ص ‪46‬‬

‫‪94‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ولذلك فالشريعة عربية ال مدخل فيها لأللسن اْلعجمية‪ ،‬والقرآن عرب نزل بلسان عرب مبني‪،‬‬
‫وال سبيل إىل فهمه من غري هذه اجلهة‪ ،‬وال يستقيم للمتكلم ِف كتاب هللا وسنة رسوله ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬أن يتك لم فيهما فوق ما يسعه لسان العرب؛ وذلك ْلن لسان بعض اْلعاجم ال ميكن فهمه‬
‫من جهة لسان العرب الختَلف اْلوضاع واْلساليب‪ ،‬والذي نبه إىل هذا هو اإلمام الشافعي ِف كتابه‬
‫‪134‬‬
‫القيم (الرسالة) وهو ِف فن أصول الفقه‪.‬‬

‫ولقد دأب العلماء منذ القدمي على أن يصلوا بني علوم العربية والدين اإلسَلمي أبوثق‬
‫الصَلت؛ حّت إن بعضهم يقدمها ِف التعليم على مجيع العلوم؛ من أجل أن فهم اْلحكام وأخذها من‬
‫اْلصول متوقف على التفقه ِف فنون اإلعراب‪ .‬إن هذا الفرض الديين من دراسة اللغة العربية هو املنهج‬
‫أصله العلماء‬
‫الذي قامت عليه دراسة اللغة العربية ِف العصور اإلسَلمية املزدهرة‪ ،‬وهو املنهج الذي َّ‬
‫القدامى‪ ،‬وحثوا على اْلخذ به‪.‬‬
‫تعد اللغة العربية مفتاح اْلصلني العظيمني‪ :‬الكتاب والسنة؛ فهي الوسيلة إىل الوصول إىل‬
‫السلف بعلوم اللغة العربية‪ ،‬وحثوا على تعلمها والنَّهل من‬
‫أسرارمها‪ ،‬وفهم دقائقهما؛ وهلذا السبب عُين َّ‬
‫عباهبا‪ .‬يقول عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪« :‬تعلموا العربية؛ فإهنا من دينكم‪ ،‬وتعلموا الفرائض فإهنا‬
‫من دينكم» ‪ .135‬وكتب إىل أب موسى اْلشعري رضي هللا عنهما‪« :‬أما بعد‪ :‬فتفقهوا ِف السنة‪،‬‬
‫وتفقهوا ِف العربية‪ ،‬وأ َْع ِربُوا القرآن؛ فإنه عرب»‪ .‬وِف توجيه عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه أمران‪:‬‬
‫اْلول‪ :‬الدعوة إىل فقه العربية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الدعوة إىل فقه الشريعة‪.‬‬
‫الدين فيه فقه أقوال وأعمال؛ وفقه العربية هو الطريق إىل فقه اْلقوال‪ ،‬وفقه الشريعة هو الطريق إىل فقه‬
‫‪136‬‬
‫اْلعمال‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫د‪ .‬أمحد إبراهيم خضر‪ ،‬فهم اإلسَلم عرب االصطَلحات الغربية‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،159‬ص ‪117‬‬
‫‪ 135‬انظر‪ :‬إيضاح الوقف واالبتداء‪ ،‬أتليف أب بكر حممد بن القاسم بن بشار اْلنباري‪ ،‬حتقيق حميي الدين عبد‬
‫احلميد رمضان‪ ،‬مطبوعات‪ ،‬جممع اللغة العربية بدمشق ‪1395‬هـ‪1971 ،‬م‪.15 /1 ،‬‬
‫‪136‬‬
‫اقتضاء الصراط املستقيم‪ ،‬ص ‪.207‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪95‬‬


‫ات َواْل َْرض﴾‬‫السمو ِ‬ ‫ِِ‬
‫وقال عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما‪« :‬ما كنت أدري ما معىن ﴿ فَاطر َّ َ َ‬
‫(اْلنعام‪ ،)14 :‬حّت مسعت امرأة من العرب تقول‪ :‬أان فطرته‪ .‬أي‪ :‬ابتدأته» ‪ ،137‬وقال‪« :‬إذا َخ ِف َي‬
‫عليكم شيء من القرآن فابتغوه ِف الشعر فإنه ديوان العرب»‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسَلم ابن تيمية رمحه هللا‪« :‬إن هللا ملا أنزل كتابه ِبللسان العرب‪ ،‬وجعل رسوله مبلغاً عنه‬
‫الكتاب واحلكمة بلسانه العرب‪ ،‬وجعل السابقني إىل هذا الدين متكلمني به‪ ،‬ومل يكن سبيل إىل ضبط‬
‫الدين ومعرفته إال بضبط هذا اللسان‪ ،‬صارت معرفته من الدين‪ ،‬وأقرب إىل إقامة شعائر الدين‪» ...‬‬
‫‪.138‬‬
‫وِف كَلم ابن تيمية ما يستدعي الوقوف‪ ،‬وهو أن بني اللغة العربية والعقيدة اإلسَلمية ارتباطاً عضوَيً‬
‫وثيقاً ال مياثله ترابط آخر ِف أي من اجملتمعات القدمية واملعاصرة؛ ْلن اللغة العربية هي لغة اإلسَلم‪،‬‬
‫ولغة كتابه العزيز‪ ،‬ولغة رسوله حممد صلى هللا عليه وسلم؛ ولذا فإن االهتمام هبا والعناية هبا إمنا هو‬
‫استكمال ملقوم من مقومات العقيدة اإلسَلمية اليت جنتمع مجيعاً على إعزازها والدعوة إليها‪.‬‬
‫وانطَلقاً من هذا املفهوم؛ فإننا نعتقد أن تعلم اللغة العربية واالهتمام هبا ليس مهنة تعليمية أو قضية‬
‫تعليمية فحسب‪ ،‬وإمنا هو قضية عقدية‪ ،‬ورسالة سامية نعتز هبا؛ وهلذا يقول الرازي‪« :‬ملا كان املرجع ِف‬
‫معرفة شرعنا إىل القرآن واْلخبار‪ ،‬ومها واردان بلغة العرب وحنوهم وتصريفهم؛ كان العلم بشرعنا موقوفاً‬
‫على العلم هبذه اْلمور‪ ،‬وما ال يتم الواجب املطلق إال به‪ ،‬وكان مقدوراً للمكلف؛ فهو واجب» ‪.139‬‬
‫وما ذكره الرازي صحيح؛ ْلن علم أصول الفقه إمنا هو أدلة الفقه‪ ،‬وأدلة الفقه إمنا هي الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وهذان املصدران عربيان‪ ،‬فإذا مل يكن الناظر فيهما عاملاً ِبللغة العربية وأحواهلا‪ ،‬حميطاً أبسرارها‬
‫وقوانينها تعذر عليه النظر السليم فيهما‪ ،‬ومن مث تعذر استنباط اْلحكام الشرعية ‪ 140‬منهما؛ ولذا يقول‬
‫الشافعي‪« :‬من تبحر ِف النحو اهتدى إىل كل العلوم»‪ ،‬وقال أيضاً‪« :‬ال أُسأل عن مسألة من مسائل‬

‫‪137‬‬
‫اإلحكام ِف أصول اْلحكام‪ ،‬لآلمدي‪.51/1 ،‬‬
‫‪138‬‬
‫اقتضاء الصراط املستقيم‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫‪139‬‬
‫احملصول ِف علم أصول الفقه‪ ،‬للرازي‪.275 /1 ،‬‬
‫‪140‬‬
‫انظر‪ :‬الكوكب الدري‪ ،‬لإلسنوي‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪96‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الفقه إال أجبت عنها من قواعد النحو» ‪ ،141‬وقال أيضاً‪« :‬ما أردت هبا (يعين العربية) إال االستعانة‬
‫‪142‬‬
‫على الفقه»‬
‫لقد أِبن عن هذه اْلمهية أهل اللغة أنفسهم‪ .‬يقول الزخمشري‪« :‬وذلك أهنم ال جيدون علماً‬
‫من العلوم اإلسَلمية فقهها وكَلمها وعلمي تفسريها وأخبارها؛ إال وافتقاره إىل العربية ِبني ال يُدفع‪،‬‬
‫ومكشوف ال يتقنَّع‪ ،‬ويـََرْون الكَلم ِف معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنياً على علم‬
‫ٌ‬
‫اإلعراب»‪.143‬‬
‫وما ذكره الزخمشري صحيح؛ وذلك لتوقف معرفة دالالت اْلدلة اللفظية من الكتاب والسنة‪ ،‬وأهل‬
‫العقد واحلل من اْلمة على معرفة موضوعاهتا لغة من جهة (احلقيقة واجملاز)‪ ،‬والعموم واخلصوص‪،‬‬
‫واإلطَلق‪ ،‬والتقييد‪ ،‬واحلذف واإلضمار‪ ،‬واملنطوق واملفهوم‪ ،‬واالقتضاب‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬والتنبيه وغري ذلك؛‬
‫مما ال يعرف ِف غري علم العربية ‪.144‬‬
‫جين‪« :‬إن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها‪ ،‬وحاد عن الطريقة املثلى إليها؛‬ ‫وقال ابن ِ‬
‫فإمنا استهواه واستخف ِحلْ َمه ضع ُفهُ ِف هذه اللغة الكرمية الشريفة اليت خوطب الكافة هبا» ‪.145‬‬
‫وقال أبو حيان ِف البحر احمليط ِف معرض ثنائه على سيبويه رمحه هللا قال‪« :‬فجدير ملن اتقت نفسه إىل‬
‫املعول‬
‫علم التفسري‪ ،‬وترقت إىل التحرير والتحبري؛ أن يعتكف على كتاب سيبويه؛ فهو ِف هذا الفن َّ‬
‫‪146‬‬
‫واملستند عليه ِف حل املشكَلت إليه»‬
‫ويفهم من كَلم الصحابة والسلف وأقوال اللغويني أنه ليس املقصود من تعلم اللغة العربية االقتصار فقط‬
‫على القواعد اْلساسية اليت تتوقف وظيفتها على معرفة ضوابط الصحة واخلطأ ِف كَلم العرب‪ ،‬وإمنا‬
‫املقصود من تعلم اللغة العربية لدارس الكتاب والسنة واملتأمل فيهما؛ هو فهم أسرارها والبحث عن كل‬
‫ما يفيد ِف استنطاق النص‪ ،‬ومعرفة ما يؤديه الرتكيب القرآين على وجه اخلصوص؛ ِبعتباره أعلى ما ِف‬
‫العربية من بيان‪ ،‬وقد نبه على هذه اخلاصية الزجاجي ِف كتابه «اإليضاح ِف علل النحو»؛ حيث يقول‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد احلنبلي‪.231 ،‬‬
‫‪ 142‬شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد احلنبلي‪.231 ،‬‬
‫‪ 143‬املفصل‪ ،‬للزخمشري‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 144‬اإلحكام ِف أصول اْلحكام‪.827 /1 ،‬‬
‫‪145‬‬
‫اخلصائص‪.245 /3 ،‬‬
‫‪146‬‬
‫البحر احمليط‪.3/1 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪97‬‬


‫«فإن قيل‪ :‬فما الفائدة ِف تعلم النحو؟‪ ...‬فاجلواب ِف ذلك أن يقال له‪ :‬الفائدة فيه للوصول إىل‬
‫التكلم بكَلم العرب على احلقيقة صواِبً غري مبدل وال مغري‪ ،‬وتقومي كتاب هللا عز وجل الذي هو أصل‬
‫الدين والدنيا واملعتمد‪ ،‬ومعرفة أخبار النيب صلى هللا عليه وسلم وإقامة معانيها على احلقيقة؛ ْلنه ال‬
‫تفهم معانيها على صحة إال بتوفيتها حقوقها من اإلعراب» ‪.147‬‬
‫وهلذه اْلمهية اليت نبه عليها العلماء السابقون ُجعِلَت اللغة العربية شرطاً من شروط املفسر‪ ،‬وشرطاً من‬
‫‪148‬‬
‫شروط اجملتهد ِف الفقه‪.‬‬
‫قال الزركشي‪« :‬واعلم أنه ليس لغري العامل حبقائق اللغة وموضوعاهتا تفسري شيء من كَلم هللا‪،‬‬
‫وال يكفي ِف حقه تعلم اليسري منها؛ فقد يكون اللفظ مشرتكاً وهو يعلم أحد املعنيني واملراد املعىن‬
‫‪149‬‬
‫اَلخر»‬
‫وهلذا السبب يقول مالك رمحه هللا‪« :‬ال أُوتَى برجل غري عامل بلغة العرب يفسر كتاب هللا إال‬
‫جعلته نكاالً» ‪ ،150‬ولذا أيضاً جند التفاسري مشحونة ِبلرواَيت عن سيبويه واْلخفش والكسائي والفراء‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫فاالستظهار لبعض معاين القرآن الكرمي وأسراره انبع من االستعانة أبقاويلهم‪ ،‬والتشبث أبهداب فسرهم‪،‬‬
‫وأتويلهم‪ ،‬كما قال الزخمشري ِف املفصل ‪.151‬‬
‫وتزداد أمهية تعلم اللغة العربية حني بـَعُد الناس عن امللَكة والسليقة اللغوية السليمة؛ مما سبب ضعف‬
‫َ‬
‫امللَكات ِف إدراك معاين اَلَيت الكرمية؛ مما جعل من اْلداة اللغوية خري معني على فهم معاين القرآن‬
‫َ‬
‫الكرمي والسنة املطهرة‪ ،‬وقد نبه ابن خلدون على ذلك بقوله‪« :‬فلما جاء اإلسَلم‪ ،‬وفارقوا احلجاز‬
‫لطلب امللك الذي كان ِف أيدي اْلمم والدول‪ ،‬وخالطوا العجم تغريت تلك امللكة ِبا ألقى إليها السمع‬
‫من املخالفات اليت للمستعربني من العجم؛ والسمع أبو امللكات اللسانية؛ ففسدت ِبا ألقي إليها مما‬
‫يغايرها جلنوحها إليه ِبعتبار السمع‪ ،‬وخشي أهل احللوم منهم أن تفسد تلك امللكة رأساً بطول العهد؛‬

‫‪147‬‬
‫اإليضاح ِف علل النحو‪ ،‬للزجاجي‪.95 ،‬‬
‫‪148‬‬
‫عبد هللا بن محد اخلثران جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،182‬ص ‪66‬‬
‫‪149‬‬
‫الربهان ِف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي‪.295 /1 ،‬‬
‫‪150‬‬
‫اإلتقان ِف علوم القرآن‪ ،‬للسيوطي‪.179 /2 ،‬‬
‫‪ 151‬املفصل‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪98‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فينغلق القرآن واحلديث على الفهوم‪ ،‬فاستنبطوا من جماري كَلمهم قوانني لتلك امللكة مطردة شبه‬
‫الكليات والقواعد‪ ،‬يقيسون عليها سائر أنواع الكَلم‪ ،‬ويلحقون اْلشباه منها ِبْلشباه» ‪.152‬‬
‫وهلذا حرص العلماء ِف العصور املتقدمة على التأليف ِف إعراب القرآن ومعانيه؛ مما يدل أيضاً على‬
‫أمهية اللغة العربية ِف فهم الكتاب العزيز‪ ،‬بل إن بعض هذه الكتب منها ما يسمى بـ (معاين القرآن)؛ مما‬
‫يوحي أبمهية اإلعراب ِف فهم املعاين‪ ،‬والدليل على ذلك ما جاء ِف كشف الظنون حني َع َّد «إعراب‬
‫القرآن» علماً من فروع علم التفسري‪ ،‬وقد قام هبذا العمل علماء ِف النحو واللغة‪ ،‬فاستفاد منهم‬
‫املفسرون‪ ،‬فهذا تفسري الطربي قد أودع فيه معظم آراء النحويني كسيبويه والكسائي واْلخفش والفراء‬
‫وشواهدهم؛ حيث بلغت شواهده الشعرية ما يقرب من امنائة وألف شاهد شعري‪ ،‬غري ما اشتمل عليه‬
‫من أقوال العرب وأمثاهلم‪.‬‬
‫ومما جيب التدقيق ِف فهمه ِبلنسبة للمفسر لكتاب هللا ما يلي‪:‬‬
‫صر املعىن على الوجه املراد‪،‬‬
‫‪ - 1‬معرفة أوجه اللغة؛ وهو أمر ضروري ِف اختيار ما يناسب النص‪ ،‬وقَ ْ‬
‫ضاالًّ فَـ َه َدى ﴾ (الضحى‪ )7 :‬؛ فإن لفظة‬‫ومن ذلك على سبيل املثال قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَو َج َد َك َ‬
‫ض أنَّه أراد «ِبلضََّلل» الذي هو ضد «اهلدى»‪،‬‬ ‫«الضَلل» تقع على معان كثرية‪ ،‬فَـتَـ َوقَّ َع البَـ ْع ُ‬
‫وزعموا أن الرسول صلى هللا عليه وسلم كان على مذاهب قومه أربعني سنة‪ ،‬وهذا خطأ فاحش؛‬
‫فقد طهره هللا تعاىل لنبوته‪ ،‬وارتضاه لرسالته‪ ،‬ومن سريته صلى هللا عليه وسلم رد على مزاعمهم إذ‬
‫ُِمسي ِف اجلاهلية اْلمني‪ ،‬وكانوا يرتضونه حكماً هلم وعليهم‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل إمنا أراد‬
‫ِ‬
‫«ِبلضََّلل» الذي هو الغفلة كما قال ِف مواضع أخرى‪ ﴿ :‬ال يَض ُّل َرِب َوالَ يَ َ‬
‫نسى ﴾ (طه‪)52 :‬‬
‫أي ال يغفل ‪ 153‬سبحانه وتعاىل عما يقولون علواًكبرياً‪.‬‬
‫وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‪« :‬هو ضَلله وهو ِف صغره ِف شعاب مكة‪ ،‬مث رده إىل جده عبد‬
‫املطلب‪ ،‬وقيل‪ :‬ضَلله من حليمة السعدية مرضعته‪ ،‬وقيل ضل ِف طريق الشام حني خرج به عمه‬
‫أبو طالب»‪.154‬‬
‫الصيغ وما تدل عليه من معىن؛ لئَل يؤدي ذلك إىل تفسري القرآن الكرمي ِبا ال يليق أو فهم‬ ‫‪ - 2‬معرفة ِ‬
‫َساءَ فَـ َعلَْيـ َها َوَما‬ ‫املعىن غري املراد‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال‪ ﴿ :‬من ع ِمل ِ ِ ِ ِ‬
‫صاحلاً فَلنَـ ْفسه َوَم ْن أ َ‬
‫َْ َ َ َ‬

‫‪ 152‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.426‬‬


‫‪153‬‬
‫انظر‪ :‬اإلنصاف‪ْ ،‬لب حممد عبد هللا بن السيد البطليموسي‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪154‬‬
‫البحر احمليط‪.486 /8 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪99‬‬


‫يد ﴾ (فصلت‪ ،)46 :‬وغري ذلك من اَلَيت اليت ورد فيها نفي الظلم عن هللا‬ ‫ربُّك بِظََلٍَّم لِْلعبِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫«فعال» ؛ ففي هذه اَلية وما أشبهها وردت لفظة «ظَلم» بصيغة املبالغة‪،‬‬ ‫سبحانه وتعاىل بصيغة َّ‬
‫بنحار لإلبل‪ .‬ال‬
‫ومعلوم أن نفي املبالغة ال يستلزم نفي الفعل من أصله‪ ،‬مثال ذلك قولك‪ :‬زيد ليس َّ‬
‫ينفي إال مبالغته ِف النحر‪ ،‬فَل يناِف أنه رِبا َحنَر بعض اإلبل‪ ،‬ومعلوم أن املراد بنفي املبالغة ِف‬
‫اَلَيت هو نفي الظلم من أصله عن هللا سبحانه وتعاىل؛ أجيب عن ذلك بناءً على فهم اللغة‬
‫العربية؛ وهو أن املراد نفي نسبة الظلم إليه سبحانه؛ ْلن صيغة «فعال» قد جاءت ِف اللغة العربية‬
‫مراداً هبا النسبة فأغنت عن َيء النسب‪ ،‬ومثاله ِف لغة العرب قول امرئ القيس‪:‬‬
‫‪155‬‬
‫س بِنَـبَّال‬ ‫ٍ‬ ‫ولَيس بِ ِذي رم ٍح فَـيطْعنين‪ ...‬ولَي ِ ِ‬
‫س بذي َسْيف َولَْي َ‬
‫َْ َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫أي ليس بذي نـَْب ٍل‪ .‬وعلى هذا أمجع احملققون من املفسرين واللغويني ‪.156‬‬
‫‪ - 3‬معرفة اْلوجه اإلعرابية‪ :‬فمما جيب معرفته للمفسر معرفة أوجه اإلعراب؛ ْلن املعىن يتغري بتغري‬
‫َح ٌد﴾‬‫اإلعراب‪ ،‬وخيتلف ِبختَلفه‪ ،‬وعلى سبيل املثال لو أن قارائً قرأ‪َ ﴿ :‬وَملْ يَ ُكن لَّهُ ُك ُفواً أ َ‬
‫(ا ِإلخَلص‪ )4 :‬برفع (كفو) ونصب (أحد) لكان قد أثبت كفواً هلل؛ تعاىل عما يقولون علواً كبرياً‪،‬‬
‫اّللَ ِم ْن عِبَ ِادهِ العُلَ َماءُ﴾ (فاطر‪ ،)28 :‬برفع لفظ اجلَللة ونصب‬ ‫ولو أن قارائً قرأ‪ ﴿ :‬إَِّمنَا َخيْ َشى َّ‬
‫(العلماء) لوقع ِف الكفر؛ ْلن املعىن يفرض رفع العلماء فاعَلً‪ ،‬ونصب لفظ اجلَللة مفعوالً به؛ ْلن‬
‫املراد حصر اخلوف من هللا ِف العلماء ال حصر اخلوف من العلماء ِف هللا‪ ،‬كما نَلحظ أن الوقف‬
‫ِبلسكون على آخر العلماء اختياري ال شيء مينعه‪ ،‬أما نصب لفظ اجلَللة فَلزم ال جيوز فيه الوقف‬
‫العارض؛ أي ال يتم املعىن بدون النصب‪ ،‬بل إن احلركة هلا دور ِف املعىن ولو مل تكن إعراِبً‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك لزوم كسر اخلاء ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬هو اْل ََّو ُل و ِ‬
‫اَلخ ُر﴾ (احلديد‪ ،)3 :‬وكسر الواو ِف قوله‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ص ِوُر ﴾ (احلشر‪ .)24 :‬فإن فتحها يؤدي إىل الكفر‪.‬‬ ‫اّللُ اخلَالِ ُق البَا ِر ُ‬
‫ئ املُ َ‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬ه َو َّ‬

‫فيما خيص الفقيه‪َ ،‬ج َعل علماء أصول الفقه من شروط اجملتهد أن يكون عاملاً أبسرار العربية‬
‫وخباصة «علم النحو»‪ ،‬قال اْلنصاري احلنفي‪« :‬من شروط اجملتهد أنه ال بُ َّد من معرفة التصريف‬

‫‪155‬‬
‫ديوان امرئ القيس‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ 156‬انظر‪ :‬البحر احمليط‪ ،131/3 ،‬وتفسري أب السعود‪ ،121/2 ،‬وروح املعاين‪ ،‬لآللوسي‪ ،143/4 ،‬وأضواء البيان‪،‬‬
‫للشنقيطي‪.140/7 ،‬‬

‫‪100‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫والنحو واللغة» ‪ 157‬؛ ْلن الشريعة عربية وال سبيل إىل فهمها إال بفهم كَلم العرب‪ ،‬وما ال يتم الواجب‬
‫إال به فهو واجب‪ ،‬كما ذكر ذلك صاحب «احملصول ِف أصول الفقه»‪ .158‬ولكن العلماء يفرقون بني‬
‫طبيعة العمل االجتهادي؛ فمنه ما يتعلق ِبستنباط املصاحل واملفاسد جمرداً من اقتضاء النصوص هلا‪ ،‬وإمنا‬
‫العلم ِبقاصد الشريعة‪ ،‬فهذا العلم ال يلزم له معرفة واسعة ِف العلوم العربية‪ ،‬وإمنا يلزم العلم ِبعرفة مقاصد‬
‫الشريعة‪ .‬وإن تعلق االستنباط ِبلنصوص الشرعية فَل بد من اشرتاط العلم ِبلعربية ‪ .159‬وقد مر قول‬
‫الشافعي‪« :‬ما أردت هبا (يعين العربية) إال االستعانة على الفقه»‪ ،‬فالعربية وسيلة من وسائل االهتداء‬
‫إىل بعض اْلحكام الفقهية من نصوص الشريعة‪ ،‬وقد نبه العلماء اْلوائل على هذه اْلمهية ِف استنباط‬
‫اْلحكام الشرعية‪ ،‬ومن هؤالء على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ - 1‬القراِف (ت ‪ 682‬هـ)‪ِ ،‬ف كتابه «االستغناء ِف أحكام االستثناء»‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلسنوي (ت ‪ 772‬هـ)‪ِ ،‬ف كتابه‪« :‬الكوكب الدري»‪.‬‬
‫‪ - 3‬أبو بكر حممد بن عبد هللا‪ ،‬املعروف ِببن العرب‪ ،‬صاحب كتاب‪« :‬أحكام القرآن الكرمي»‪.‬‬
‫‪ - 4‬القرطيب ِف تفسريه؛ حيث إنه كثرياً ما يعرب ِف الرد على بعض اْلقوال بقوله‪« :‬وهذا كله َج ْه ٌل‬
‫ِبللسان والسنة وخمالفة إمجاع اْلمة»‪.160‬‬
‫وال أدل على ذلك من َج ْعل «النحو» أحد ثَلثة مصادر يستمد منها أصول الفقه‪( ،‬وهذه‬
‫املصادر‪ :‬علم الكَلم‪ ،‬وعلم العربية‪ ،‬واْلحكام الشرعية) ‪ ،161‬فإن حتديد الداللة اللفظية قد يتوقف‬
‫عليها تقرير احلكم الشرعي؛ ْلن اْلسلوب العرب ِف لغة القرآن الكرمي يتميز ِبلتصرف ِف فنون القول‪،‬‬
‫وتكثر فيه اْللفاظ اليت متثل أكثر من معىن‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال‪:‬‬
‫صعِيداً طَيِباً ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْستُ ُم الن َساءَ فَـلَ ْم َجت ُدوا َماءً فَـتَـيَ َّم ُموا َ‬
‫‪ - 1‬لفظة «اللمس» الواردة ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أ َْو َ‬
‫(النساء‪ ،)43 :‬فمن الفقهاء من حدد معىن «اللمس» ِبالتصال ِبملرأة‪ ،‬ومنهم من حدده ِبعىن‬
‫«املس» فقط‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫فواتح الرمحوت‪ ،‬لعبد العلي اْلنصاري‪.363 /2 ،‬‬
‫‪158‬‬
‫احملصول ِف أصول الفقه‪.35 /3 ،‬‬
‫‪159‬‬
‫املوافقات ِف أصول الشريعة‪ ،‬للشاطيب‪.162 /4 ،‬‬
‫اب لَ ُكم ِم َن النِ َس ِاء‪[ ‬النساء‪.]3 :‬‬ ‫ِ‬
‫تفسري القرطيب‪ ،17/5 ،‬انظر‪ :‬تفسريه لقوله تعاىل‪ :‬فَانك ُحوا َما طَ َ‬
‫‪160‬‬

‫‪161‬‬
‫انظر‪ :‬اْلحكام ِف أصول اْلحكام‪.8 ،7 /1 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪101‬‬


‫‪ - 2‬ومن ذلك أيضاً ما ورد ِف حديث الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪« :‬أسرعكن حلاقاً ب أطولكن يداً» ‪ ،162‬قاله لنسائه فحسبنه «من الطول» الذي هو‬
‫ضد «القصر»‪ ،‬فظنت سودة إحدى زوجاته أهنا املرادة‪ ،‬فلما ماتت زينب رضي هللا عنها قبلها‬
‫علمن حينئذ أن املراد ِبلطول هو الفضل والكرم‪ ،‬وكانت زينب أكثرهن صدقة‪ ،‬وهذا يوافق كَلم‬
‫العرب فهم يقولون‪« :‬فَلن أطول يداً» ِف حالة الكرم ‪.163‬‬
‫وقد فطن بعض العلماء إىل أمهية تلك املعرفة ومنهم الراغب اْلصفهاين (ت ‪ 552‬هـ) ِف كتابه‬
‫«املفردات ِف غريب القرآن» ؛ حيث تناول ِف هذا الكتاب التحديد الدقيق بني دالالت اْللفاظ ِف‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬وكذلك فعل الزخمشري ِف كتابه «أساس البَلغة» ؛ حيث وضح االستعماالت املختلفة‬
‫للفظ‪ ،‬وما يضيفه االستعمال من داللة (حقيقية أو جمازية)‪ ،‬كما فطن إىل ذلك أيضاً اإلمام الشافعي‬
‫رمحه هللا ِف كتابه «الرسالة» ‪ ،164‬كما ذكر السيد البطليموسي ِف كتابه «التنبيه على اْلسباب اليت‬
‫أوجبت االختَلف بني املسلمني» ‪ ،‬فقد ذكر أن اإلعراب له أتثري ِ ٌ‬
‫‪165‬‬
‫بني ِف اْلحكام الفقهية‬
‫وتوجيهها؛ فاملعاين ختتلف ِبختَلف وجوه اإلعراب‪ ،‬وخيتلف احلكم تبعاً لذلك‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬لو‬
‫قال شخص‪ :‬له عندي مائةٌ غريُ درهم‪ .‬برفع (غري) لكان مقراً ِبملائة كاملة؛ ْلن «غري» هنا صفة‬
‫‪166‬‬
‫غري درهم‪ .‬بنصب (غري) لكان مقراً‬ ‫للمائة‪ ،‬وصفتها ال تنقص شيئاً منها ‪ .‬ولو قال‪ :‬له عندي مائةٌ َ‬
‫بتسعة وتسعني درمهاً؛ ْلنه استثناء‪ ،‬واالستثناء إخراج ما بعد حرف االستثناء من أن يتناول ما قبله‪ .‬ولو‬
‫ت الدار‪ .‬بكسر مهزة (إن) ؛ مل تطلق حّت تدخل الدار؛ ْلن (إن)‬ ‫قال لزوجته‪ :‬أنت طالق إن دخلْ ِ‬
‫ََ‬
‫ت الدار‪ .‬بفتح مهزة (أن)؛ وقع الطَلق ِف احلال؛ ْلن معىن‬ ‫للشرط‪ .‬ولو قال‪ :‬أنت طالق أن دخلْ ِ‬
‫ََ‬
‫الكَلم‪ :‬أنت طا لق ْلن دخلت الدار؛ أي من أجل أنك دخلت الدار؛ فصار دخول الدار علة طَلقها‬
‫ال شرطاً ِف وقوع طَلقها ‪ .167‬بل إن احلكم خيتلف ِبختَلف تصاريف الكلمة؛ فلو أن رجَلً حلف‬

‫‪162‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬رقم ‪.2452‬‬
‫‪163‬‬
‫انظر‪ :‬اإلنصاف‪ ،‬للبطليموسي‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪164‬‬
‫انظر‪ :‬الرسالة‪ ،‬ص ‪ ،52‬حتقيق أمحد شاكر‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫انظر‪ :‬التنبيه‪ ،‬للبطليموسي‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪166‬‬
‫شرح املفصل‪ ،‬البن يعيش‪.11/1 ،‬‬
‫‪ 167‬انظر‪ :‬معاين احلروف‪ ،‬للرماين‪ ،‬ص ‪ ،174‬والتنبيه‪ ،‬للبطليموسي‪ ،‬ص ‪ ،188‬وشرح املفصل‪ ،12 ،‬وانظر‬
‫املوافقات‪ ،‬للشاطيب‪ ،‬وما حصل مع أب يوسف والكسائي‪.84 /1 ،‬‬

‫‪102‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أال يلبس مما غزلته فَلنة‪ ،‬فَل حينث إال ِبا غزلته قبل اليمني‪ ،‬ولو قال‪ :‬مما تغزله‪ .‬فَل حينث إال ِبلذي‬
‫تغزله بعد اليمني‪ ،‬فلو قال‪ :‬من َغ ْزِهلا‪ .‬دخل فيه املاضي واملستقبل ‪ .168‬وعلى هذا جيب أن يكون‬
‫اهتمامنا انبعاً من هذا املفهوم‪ ،‬وهو ارتباط اللغة العربية ِبلدين والرتاث‪ ،‬فالواجب يقتضي ترسيخ هذا‬
‫املفهوم؛ ْلنه سوف يكون احلارس بعد هللا على هذه اللغة الشريفة‪ ،‬وميكن تلخيص هذا املفهوم ِف‬
‫الفقرات التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬النظر إىل اللغة العربية على أهنا لغة القرآن الكرمي والسنة املطهرة‪ ،‬ولغة التشريع اإلسَلمي؛ حبيث‬
‫يكون االعتزاز هبا اعتزازاً ِبإلسَلم وتراثه احلضاري العظيم‪.‬‬
‫‪ - 2‬النظر إىل اللغة العربية على أهنا عنصر أساسي من مقومات اْلمة اإلسَلمية والشخصية‬
‫اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ - 3‬النظر إليها على أهنا وعاء للمعرفة والثقافة بكل جوانبها‪ ،‬وال تكون جمرد مادة مستقلة بذاهتا‬
‫للدراسة؛ ْلن اْلمة اليت هتمل لغتها أمة حتتقر نفسها وتفرض على نفسها التبعية الثقافية‪.‬‬
‫إذا عملنا على ذلك وضعنا سياجاً قوَيً حيفظ اللغة العربية ِف كل حني وِف كل زمان؛ ْلن اللغة قد‬
‫أصبحت لغة العقيدة والعلم على حد سواء؛ ْلن بني اللغة العربية والوجود اإلسَلمي ِف أي مكان وِف‬
‫أي زمان تَلزماً واضحاً ِف املاضي واحلاضر واملستقبل‪ ،‬فحني يتعرض اإلسَلم ْلنواع الغزوات والنكبات‬
‫تكون اللغة العربية ه ي أداة التفكري والتعبري واالتصال؛ حتفظ عليه وجوده احلضاري‪ ،‬وهي اليت تساعده‬
‫على أن يستأنف هذا الوجود بعد كل هجمة أو تعثر‪.‬‬
‫وهناك أسباب ملحة ِف الوقت احلاضر تدعوان إىل االهتمام ِبللغة العربية‪ ،‬ومن هذه اْلسباب‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن هناك شعوِبً إسَلمية تعيش ِف قارات العامل تتطلع إىل استخدام اللغة العربية واحلرف العرب‪،‬‬
‫ومن حق هذه الشعوب اإلسَلمية علينا أن نيسر هلا السبيل إىل ذلك‪ ،‬ومنكن هلا منه‪ ،‬فإذا هي‬
‫وجدتنا منصرفني عن لغتنا‪ ،‬أو أننا ضائقون هبا‪ ،‬أو أننا ال ننزهلا املنزلة السامية أو أن حركة تعلمها‬
‫أو تعليمها متضي ِف سلسلة من التعثرات؛ كان ذلك مدعاة النصرافهم عنا وعنها‪ ،‬وهو اْلمر‬
‫الذي يهدد ِبلضعف والرتاجع عن روابط اْلخوة اإلسَلمية اليت نعتز هبا ونعمل من أجلها‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما نراه من هتديد للجبهة اللغوية اليت هي ثغر من الثغور اليت حياول اْلعداء الولوج منها للقضاء‬
‫على تراث اْلمة اإلسَلمية العظيم‪ ،‬وهذا التهديد يكمن ِف سيطرة اللهجات احمللية اليت زامحت‬
‫الفصحى ِف ميادين متعددة ال سيما وسائل اإلعَلم املسموعة واملرئية واملقروءة‪ ،‬كما يكمن ِف‬

‫‪168‬‬
‫الكوكب الدري‪ ،‬ص ‪.308‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪103‬‬


‫اللغات اْلجنبية اليت أصبح إتقاهنا عند كثري من أبنائنا عَلمة التقدم احلضاري‪ .169‬وهذا كله‬
‫يستدعي منا االهتمام ِبللغة العربية وتعميمها ِف كل اجملاالت‪.‬‬

‫تدبر آايت القرآن الكرمي وكيف تتحقق لغري العرب ‪:‬‬


‫القــرآن الكــرمي نــزل للــتَلوة وللتــدبر‪ ،‬ومعــىن تــدبر القــرآن هــو التفك ـر والتأمـل َلَيت القــرآن مــن‬
‫‪170‬‬
‫أجل فهمه‪ ،‬وإدراك معانيه وحكمه واملراد منه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم‬‫والقرآن ميسر ِبللسان العرب كما نص على ذلك سبحانه وتعاىل ﴿ فَإَِّمنَا يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬
‫يـَتَ َذ َّك ُرو َن﴾ ؛ ولذا فإن كثريا من غري العرب حيفظونه ويقرؤونه‪ ،‬ولكن هل يكفي ذلك؟‬
‫إن القرآن الكرمي مل ينزل جملرد التَلوة اللفظية فحسب؛ بل نزل من أجل هـذا‪ ،‬ومـن أجـل مـا هـو‬
‫أعم وأكمل؛ وهـو فهـم معانيـه وتدبر آَيتــه مث التذكــر والعمـل ِبـا فيــه‪ .‬وال تعـين تَلوتـه احلـرص علـى إقامـة‬
‫امل ــدود والغن ـة ومراع ــاة الرتقي ـ ق والتفخ ــيم فحس ــب؛ وإمن ــا تع ــين ذل ــك م ــع ترقي ــق القل ــوب وإقام ــة احل ــدود‪.‬‬
‫وتـَلوته تعين شيئاً آخر غـري املـرور بكلماتـه بصـوت أو بغـري صـوت‪ ،‬إنــها تعـين تَلوتـه بفهـم وتـدبر ينتهـي‬
‫وب‬‫إىل إدراك وأتث ــر‪ ،‬وإىل عم ــل بع ــد ذل ــك وس ــلوك‪ ،‬ق ــال تع ــاىل ‪ ﴿ :‬أَفَ ـَل يـتَ ـ َدبـَّرو َن الْ ُق ـرآ َن أ َْم َعلَ ـى قـُلُ ـ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫اب﴾‬ ‫ِ‬
‫ك مبـارٌك لِيـ َّدبـَّروا آَيتـِ ِه وليـتَـ َذ َّكر أُولـُو اْلَلْبـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اب أَنْـَزلْنَـاهُ إلَْيـ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫أَقْـ َفا ُهلَا ﴾ (حممد‪ ،)24:‬وقال تعـاىل‪ ﴿ :‬كتَـ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ (املؤمنـون‪،)68:‬‬ ‫آِبءَ ُهـ ُم اْل ََّولـ َ‬ ‫(ص‪ ،)29 :‬وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬أَفَـلَ ْم يَ َّدبـَُّروا الْ َقـ ْوَل أ َْم َجـاءَ ُه ْم َمـا َملْ َأيْت َ‬
‫اختَِلف ـ ـاً َكثِ ـ ـرياً ﴾‬ ‫ِ ِ‬ ‫وق ـ ــال تع ـ ــاىل ‪ ﴿ :‬أَفَـ ـَل يـت ـ ـ َدبـَّرو َن الْ ُق ـ ـرآ َن ولَـ ـو َك ـ ـا َن ِم ـ ـن عِْن ـ ـ ِد َغ ـ ـ ِري َِّ‬
‫اّلل لََو َج ـ ـ ُدوا في ـ ــه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫آن لِيَ ـ ـ ـ َّذ َّك ُروا َوَم ـ ـ ـا يَِزي ـ ـ ـ ُـد ُه ْم إِال نـُ ُف ـ ـ ـوراً ﴾‬
‫(النس ـ ـ ــاء‪ ،)82:‬وق ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل ‪﴿ :‬ولََق ـ ـ ـ ْد ص ـ ـ ـَّرفْـنَا ِِف ه ـ ـ ـ َذا الْ ُق ـ ـ ـر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين يـَ ْع َملُـو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(االس ـراء‪ )41:‬وق ــال تع ــاىل ‪ ﴿ :‬إِ َّن َه ـ َذا الْ ُق ـ ْرآ َن يـَ ْه ـدي للَّ ـ ِيت ه ـي أَقْـ ـوُم ويـُبَ ِش ـر الْم ـ ْؤِمنِ َ َّ‬
‫ني ال ـذ َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬
‫َجراً َكبِرياً﴾ (االسراء‪)9:‬‬ ‫ات أ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫احل ِ‬
‫َن َهلُْم أ ْ‬ ‫الص َ‬
‫ق ــال الش ــوكاين – رمح ــه هللا – " وِف اَلي ــة دلي ــل عل ــى أن هللا س ــبحانه إمن ــا أن ــزل الق ــرآن للت ــدبر‪،‬‬
‫والتفكر ِف معانيه‪ ،‬ال جملرد التَلوة بدون تدبر‪.‬‬
‫وقال الرازي رمحه هللا ‪ " : -‬فإن من مل يتـدبر ومل يتأمـل ومل يسـاعده التوفيـق اإلهلـي مل يقـف علـى‬
‫هذه اْلسرار العجيبة املذكورة ِف هذا القرآن العظيم"‬

‫‪ 169‬انظر‪ :‬توصيات ندوة خرباء ومسؤولني حبث وسائل تطوير وإعداد معلمي اللغة العربية ِف الوطن العرب‪ ،‬املعقودة‬
‫ِف الرَيض سنة ‪1397‬هـ‪ ،‬ص ‪.5 ،4‬‬
‫‪ 170‬مفاتح تدبر القرآن والنجاح ِف احلياة‪ ،‬د‪ .‬خالد بن عبد الكرمي الَلحم ص ‪14‬‬

‫‪104‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وق ــال اب ــن س ــعدي‪ -‬رمح ــه هللا ‪ " : -‬وكلم ــا ازداد العب ــد أتم ــَل في ــه ازداد علم ــا وعم ــَل وبص ــرية‪،‬‬
‫لـذلك أمـر هللا بـذلك وحـث عليـه وأخـرب أن التـدبر هــو املقصـود ِبنـزال القـرآن‪ .‬ومـن فوائـد التـدبر لكتــاب‬
‫هللا‪ :‬أن ــه ب ــذلك يص ــل ب ــه العب ــد إىل درج ــة اليق ــني والعل ــم أبن ــه ك ــَلم هللا‪ْ ،‬لن ــه ي ـراه يص ــدق بعض ــه بعض ــا‪،‬‬
‫ويوافق بعضه بعضا"‬
‫وقــال ابــن عثيمــني – رمحــه هللا ‪" : -‬وجــه الداللــة مــن اَليــة اْلوىل أن هللا تعــاىل بــني أن احلكمــة‬
‫من إنزال هـذا القـرآن أن يتـدبر النـاس آَيتـه ويتعظـوا ِبـا فيهـا‪ .‬والتـدبر هـو التأمـل ِف اْللفـاظ للوصـول إىل‬
‫معانيهـا فـإذا مل يكـن ذلـك فاتـت احلكمــة مـن إنـزال القـرآن وصـار جمــرد ألفـاظ ال أتثـري هلـا‪ ،‬وْلنـه ال ميكــن‬
‫االتعاظ ِبا ِف القرآن بدون فهم معانيه‪ ،‬ووجه الداللـة مـن اَليـة الثانيـة أن هللا تعـاىل وبـخ أولئـك الـذين ال‬
‫‪171‬‬
‫يتدبرون القرآن وأشار إىل أن ذلك من اإلقفال على قلوهبم وعدم وصول اخلري إليها "‬
‫وقال رسول هللا ‪.‬صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬خـريكم مـن تعلـم القـرآن و علمـه " ‪ 172‬وقـال ‪.‬صـلى‬
‫‪173‬‬
‫هللا عليه وسلم‪ " :‬ال يفقه من قرأ القرآن من أقل من ثَلث "‬
‫إذن االستفادة احلقة من هذا الكتاب الكرمي تكون بدوام الصلة به علما وعمَل تَلوة وتدبرا‪.‬‬
‫وك ــان س ــلف اْلم ــة عل ــى تل ــك الطريق ــة الواجب ــة‪ ،‬يتعلم ــون الق ــرآن ألفاظ ــه ومعاني ــه ْلن ــهم ب ــذلك‬
‫يتمكنــون مــن العمــل ِبلقــرآن علــى مـراد هللا بــه؛ فــإن العمــل ِبــا ال يعــرف معنــاه غــري ممكــن‪ ،‬قــال أبـو عبــد‬
‫الرمحن السلمي‪ :‬حـدثنا الـذين كـانوا يقرئوننـا القـرآن كعثمـان بـن عفـان وعبـد هللا بـن مسـعود وغريمهـا أنــهم‬
‫كانوا إذا تعلموا من النيب ‪.‬صلى هللا عليه وسـلم عشـر آَيت مل يتجاوزوهـا حـّت يتعلمـوا مـا فيهـا مـن العلـم‬
‫والعمــل‪ ،‬قــالوا ‪ :‬فتعلمنــا القــرآن والعلــم والعمــل مجيع ـاً‪ 174 .‬وتــدبر القــرآن مرحلــة اتليــة ملرحلــة الفهــم‪ ،‬وال‬
‫ميكن أن يتأتى التدبر ملن مل يفهـم معـاين القـرآن‪ .‬قـال القـرطيب‪" :‬وِف هـذا دليـل علـى وجـوب معرفـة معـاين‬
‫القرآن‪.‬‬
‫ومع ضعف اْلمة ِف عصـورها املتـأخرة‪ ،‬تراجـع االهتمـام ِبلقـرآن واحنسـر حـّت اقتصـر اْلمـر عنـد‬
‫غالب املسلمني على حفظه وجتويده وتَلوته فقط‪ ،‬بـَل تـدبر وال فهـم ملعانيـه ومراداتـه‪ ،‬وترتـب علـى ذلـك‬

‫‪171‬‬
‫أصول ِف التفسري ص ‪27‬‬
‫‪172‬‬
‫صحيح‪ ،‬انظر صحيح اجلامع رقم ‪3319 :‬‬
‫‪173‬‬
‫صحيح‪ ،‬انظر صحيح اجلامع رقم ‪7743 :‬‬
‫‪174‬‬
‫أصول ِف التفسري ص ‪27‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪105‬‬


‫تــرك العم ــل ب ــه أو التقص ــري ِف ذلــك‪" ،‬وق ــد أن ــزل هللا الق ــرآن وأم ـران بتــدبره‪ ،‬وتكف ــل لن ــا حبفظ ــه‪ ،‬فانش ــغلنا‬
‫حبفظه وتركنا تدبره" ‪.175‬‬
‫وتدبر القرآن وتدارس معانيه من طلب العلم الذي يـؤجر فاعلـه‪ ،‬قـال رسـول هللا ‪.‬صـلى هللا عليـه‬
‫وسـ ــلم ‪" :‬مـ ــا اجتمـ ــع قـ ــوم ِف بيـ ــت مـ ــن بيـ ــوت هللا يتلـ ــون كتـ ــاب هللا ويتدارسـ ــونه بيـ ــنهم إال نزلـ ــت علـ ــيهم‬
‫السكينة‪ ،‬وغشيتهم الرمحة‪ ،‬وحفتهم املَلئكة‪ ،‬وذكرهم هللا فيمن عنده" ‪.176‬‬
‫فالسكينة والرمحة والذكر مقابل التَلوة املقرونة ِبلدراسة والتدبر‪ .‬أما واقعنا فهو تطبيـق جـزء مـن‬
‫احلــديث وهــو الــتَلوة‪ .‬ولــيس املقصــود الــدعوة لــرتك حفظــه وتَلوتــه وجتويــده؛ ففــي ذلــك أجــر كبــري‪ ،‬لكــن‬
‫امل ـراد الت ـوازن بــني احلفــظ والــتَلوة والتجويــد مــن جهــة وبــني الفهــم والتــدبر‪ ،‬ومــن مث العمــل بــه مــن جهــة‬
‫أخرى كمـا كـان عليـه سـلفنا الصـاحل ‪ -‬رمحهـم هللا تعـاىل ‪ -‬إذن تـدبر اَلَيت مطلـوب؛ للنصـوص الكثـرية‬
‫الدالة عليه‪ ،‬وْلنه الغاية‪ ،‬وْلنه حيقق اخلشوع‪.‬‬
‫إن أغلب املسلمني مـن غـري العـرب يقـرؤون القـرآن الكـرمي‪ ،‬وقـد جييـدون هـذه القـراءة‪ ،‬ولكنهـا‬
‫ِبستواها اْلول‪ ،‬وهو جمرد التعرف والـربط بـني الرمـوز الكتابيـة ونطقهـا وقراءهتـا‪ ،‬أمـا علـى املسـتوى الثـاين‪،‬‬
‫وهــو اْلهــم فكثــري مــنهم ال ترقــى قـراءهتم إليــه‪ ،‬أال وهــو مســتوى فهــم املقــروء‪ ،‬وهــذا الفهــم هــو الــذي يقــود‬
‫ك ُمبَـ َارٌك لِيَـ َّدبـَُّروا‬
‫اب أَنْـَزلْنَـاهُ إِلَْيـ َ‬ ‫ِ‬
‫إىل التــدبر‪ ،‬وتــدبر آَيت الكتــاب هــو اهلــدف الــذي مــن أجلــه أنــزل ﴿ كتَـ ٌ‬
‫اب ﴾ (ص‪)29 :‬‬ ‫آَيتِِه ولِيـتَ َذ َّكر أُولُو اْلَلْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫صحيح أن جمرد التَلوة يثاب عليها املؤمن‪ ،‬ومن النصـوص الدالـة علـى ذلـك قولـه ‪.‬صـلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من قرأ حرفا من كتـاب هللا فلـه بـه حسـنة واحلسـنة بعشـر أمثاهلـا ال أقـول ‪ { :‬أمل } حـرف‬
‫ولكـ ــن ‪ :‬ألـ ــف ح ـ ــرف والم حـ ــرف ومـ ــيم ح ـ ــرف" ‪ 177‬وقولـ ــه ‪.‬صـ ــلى هللا علي ـ ــه وسـ ــلم ‪ " :‬زين ـ ـوا الق ـ ــرآن‬
‫‪178‬‬
‫أبصواتكم "‬

‫كيف يتحقق تدبر القرآن الكرمي لغري العرب؟‬

‫‪ 175‬حول الرتبية والتعليم‪ ،‬د‪ .‬عبد الكرمي بكار‪ ،‬ص ‪.226‬‬


‫‪ 176‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪.2699/‬‬
‫‪ 177‬صحيح‪ ،‬انظر صحيح اجلامع رقم ‪6469 :‬‬
‫‪ 178‬صحيح‪ ،‬انظر صحيح اجلامع رقم ‪3145 :‬‬

‫‪106‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫والتدبر ال حيصل إال ِبعرفة املعىن؛ ومن هنا كان ال بد ملن يريد التدبر أن يعرف املعىن‪ ،‬وغري‬
‫العرب ليس أمامه لتحقيق ذلك إال أحد طريقني ‪:‬‬
‫▪ معرفة املعىن من ترمجة معاين القرآن الكرمي إىل لغته‪.‬‬
‫▪ معرفة املعىن بتعلم اللغة العربية؛ ليعرف ذلك بلغة القرآن نفسه‪.‬‬
‫أ ‪ -‬معرفة املعىن من ترمجة معاين القرآن الكرمي ‪:‬‬
‫قــال الشــيخ ابــن عثيمــني – رمحــه هللا ‪" : -‬الرتمجــة احلرفيــة ِبلنســبة للقــرآن الكــرمي مســتحيلة عنــد‬
‫كثــري م ــن أه ــل العل ــم‪ ...‬وقــال بع ــض العلم ــاء‪ :‬إن الرتمج ــة احلرفي ــة ميكــن حتققه ــا ِف بع ــض آي ــة أو حنوه ــا‪،‬‬
‫ولكنهــا وإن أمكــن حتققهــا ِف حنــو ذلــك – حمرمــة ْلهنــا ال ميكــن أن تــؤدي املعــىن بكمالــه‪ ،‬وال أن تــؤثر ِف‬
‫‪179‬‬
‫النفوس أتثري القرآن العرب املبني‪ ،‬وال ضرورة تدعو إليها لَلستغناء عنها ِبلرتمجة املعنوية"‬
‫وقد شاع ِف العصر اْلخري ترمجات معاين القرآن الكرمي إىل بعـض اللغـات اْلخـرى‪ ،‬وهـي ترمجـة‬
‫ملعـاين القـرآن ال للفظــه؛ حيـث ال جتـوز ترمجــة ألفاظـه‪ .‬وهـذه الرتمجــات مـا هـي إال نــوع مـن أنـوع التفســري‪،‬‬
‫بل هي من أخطر أنواعه ْلسباب‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫* صعوبة وجود من جييد اللغتني (العربية واْلخرى املرتجم إليها) بدرجة متساوية‪.‬‬
‫* فــإ ْن وجــد ذلــك فالغالــب أن يكــون هــذا اجمليــد لــيس خبـرياً ِبلعقيــدة بتفصــيَلهتا‪ ،‬فغالــب العلمــاء الــذين‬
‫يشار إليهم ِبلبنان ِف التفسري والعقيدة ال جييدون إال لغة واحدة‪.‬‬
‫* أن القــارئ للــنص بغــري العربيــة يعــزل غالبــا عــن معرفــة نص ـها العــرب‪ ،‬ومــن مث فلــن ُِحي ـس ِف املخالفــة إن‬
‫وجدت‪.‬‬
‫* أن املـرتجم خيتـار مــن كتـب التفسـري مادتــه‪ ،‬فـإن اختـار تفسـريا صـاحلا كانـت الرتمجــة صـاحلة ِف الغالــب‪،‬‬
‫والعكس ِبلعكس‪.‬‬
‫واخلَلصــة " أنـه عنــد نقــل القــرآن إىل لغــة أخــرى غــري العربيــة فــإن املعــاين ال تســتوىف كمــا هــي‬
‫مستوفاة ِبللغة العربية‪ ،‬وإن اإلعجاز الذي حيمله منهاج هللا والذي حتدى بـه العـرب واإلنـس واجلـن يفقـد‬
‫كث ـريا مــن خصائص ــه‪ ،‬وإن البيــان املعجــز امل ــؤثر ِف الــنفس خيتف ــي معظــم أتثــريه‪ ،‬وال يبق ــى الكــَلم عندئ ــذ‬
‫‪180‬‬
‫كَلم هللا‪ ،‬وال القرآن قرأان‪ ،‬وال التَلوة تَلوة "‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫أصول ِف التفسري‪ ،‬للشيخ ابن عثيمني‪ ،‬ص ‪35‬‬
‫‪180‬‬
‫ملاذا اللغة العربية للدكتور عدانن النحوي‪ ،‬ص ‪43 - 42‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪107‬‬


‫" وِف اللغــة العربيــة وألفــاظ الق ــرآن وتعبرياتــه هبــا‪ ،‬مــا يتع ــذر نقلــه إىل لغــة أخــرى‪ .‬فكلم ــات ‪:‬‬
‫الــوالء‪ ،‬آيــة‪ ،‬اإلحســان‪ ،‬التقــوى‪ ،‬عــرض هــذا اْلدىن‪ ،‬قــدم صــدق‪ ،‬وأملــي هلــم‪ ،‬إمــام‪ ،‬عــاكفني‪ ،‬وكلمــات‬
‫كثــرية‪ ،‬وتعبـريات قرآنيــة كثــرية‪ ،‬أعجــزت العــرب أن أيتـوا ِبثلهــا‪ ،‬فــأىن للغــات غــري العربيــة أن أتت ِبثلهــا "‪.‬‬
‫‪181‬‬

‫" إن كتـ ــاب هللا ال يفهـ ــم فهمـ ــا أسـ ــلم وأصـ ــح إال كمـ ــا جـ ــاء ِبلعربيـ ــة ال بسـ ـواها‪ ،‬وإن القـ ــرآن‬
‫الكــرمي بغــري اللغــة العربيــة ال يعتــرب قــرآان‪ ،‬وال تكــون معانيــه إال تقريبيــة‪ ،‬غــري دقيقــة‪ ،‬دون أن حتمــل الصــورة‬
‫‪182‬‬
‫الدقيقة اليت أوحى هبا هللا إىل عبده حممد ‪.‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫" وإذا كــان غــري القــرآن مــن كتــب اْلدَين قــد تــرجم إىل لغــات كثــرية‪ ،‬وبقــي علــى مــا هــو عليــه‬
‫حمتفظــا ِبمســه وِبكانتــه ِف نظــر أصــحابه‪ ،‬فــإن القــرآن قــرآن بلفظــه ونصـه‪ ،‬مل يــرتجم‪ ،‬وال ميكــن أن يــرتجم‪،‬‬
‫وإن ترمجت معانيه‪ ،‬فهي ال تسمى قرآان‪ ،‬وال يصح أن يكون – ِف اإلسـَلم – كتـاِب تعبـدَي‪ْ ،‬لن القـرآن‬
‫لــيس قــرآان أبفكــاره ومعانيــه فقــط‪ ،‬وإمن ـا هــو ِبملعــاين واْللفــاظ واْلســلوب‪ِ ،‬بلــنظم واْلفكــار مجيعــا‪ ،‬وإن‬
‫كانـت لـدى غـري املسـلمني صـلوات تتلـى بغـري لغــة الكتـاب املقـدس‪ ،‬فـإن احلكـم الشـرعي ِف اإلسـَلم أنـه‬
‫‪183‬‬
‫ال صَلة بغري اللفظ العرب للقرآن "‬
‫إذن معرف ــة مع ــاين الق ــرآن الك ــرمي م ــن طري ــق الرتمج ــة تع ــد معرف ــة جزئي ـة وانقص ــة‪ ،‬وال ترق ــى إىل‬
‫معرفــة دالالت القــرآن ومعانيــه مــن لغتــه الــيت أنــزل بــها؛ ولــذا فــإن تــدبر آَيت القــرآن الكــرمي ال حتصــل إال‬
‫ملن فهمها بلغتها اليت نزلت بـها‪ .‬قال ابن تيمية – رمحه هللا – " قال غري واحد إنه ميتنـع أن يـرتجم سـورة‬
‫أو مما يقوم به اإلعجاز‪ .‬والدين يوجب على معتنقيه تعلم العربية ْلنـها لغة القرآن ومفتاح فهمه "‬

‫بناء على ما عرض ِف اإلشارات السابقة لعله من املهم إيضاح اْلمور التالية‪:‬‬
‫أمر قد يكون من املتعذر احلصول عليه ليس لعدم‬‫‪ -1‬أن الشمولية واالكتمال واإلحاطة ِف الرتمجة ٌ‬
‫تكافؤ املفردات فحسب بل الختَلف الثقافات وتباين النظرات والفلسفات‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪182‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪80‬‬
‫‪183‬‬
‫حنو وعي لغوي‪ ،‬للدكتور مازن املبارك ( بتصرف )‪ ،‬ص ‪116 - 115‬‬

‫‪108‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ -2‬إن أسلوب الكتابة مرهون بقناعات الكاتب وأولياته ومنطلقاته اليت هي ِف احلقيقة إفراز حضاري‬
‫يتشربه الفرد أو يكتسبه ليصبح جزءا من كيانه ال ميكن أن ينفك عنه كلياً وإن استطاع التخلي‬
‫عن بعضه جزئياً بفعل القناعات الشخصية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اللغة هي وعاء الفكر واملنطق فالفهم الشامل العميق ملضامني الكلمات وخباَي العبارات‬
‫وأبعاد املفردات‪ ،‬وبناء التصورات قد يتعذر عندما يكون هناك اختَلف ِف اللغة املنطوق هبا‬
‫والثقافة املنقول عنها‪ .‬إذا كان بني لغة الفرد اْلصلية‪ ،‬وبني اللغة اليت يرتمجها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن للغة نبضا حيا ال حيس به إال ابن اللغة ورضيعها‪ ،‬وأن دور الرتمجة ِف أحسن حاالته هو نقل‬
‫الصورة الظاهرية للغة‪ ،‬تلك الصورة اليت تعطي جزءا من احلقيقة‪ ،‬هذا اجلزء يزيد أو ينقص حسب‬
‫طبيعة العلم املرتجم وحسب أسلوب الرتمجة‪ ،‬فالرتمجة ِف علم الرَيضيات قد تعطي نسبة عالية‬
‫جداً من املصداقية‪ِ ،‬ف حني أن ذلك قد ال يكون ِف الرتمجة ِف علوم الدين أو حّت العلوم‬
‫اإلنسانية ذات اْلبعاد الفلسفية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬معرفة املعىن بتعلم اللغة العربية‪:‬‬


‫وبعد أن ثبت أن معرفة املعىن اليت تقود إىل تدبر آَيت القرآن الكرمي ال تتحقق – كما ينبغي‬
‫– من معرفتها عرب تراجم معاين القرآن بلغات الدارسني‪ ،‬كان ال بد من معرفة هذه املعاين من خَلل‬
‫دراسة اللغة العربية وتعلمها‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬إن أقصر طريق حيقق اهلدفني معاً – تعلم القرآن وتعلم العربية – هو تعلم العربية‪،‬‬
‫فذلك هدف يوفر على القائمني على حلقات القرآن الكرمي خاصة‪ ،‬والدراسات اإلسَلمية عامة جهودا‬
‫عظيمة تستهلكها مَلحقة تراجم معاين القرآن الكرمي ومستجدات املوضوعات اإلسَلمية‪.‬‬
‫قـال ابــن تيميـة‪ " :‬الــدين فيـه فقــه أقـوال وأعمــال‪ ،‬فقـه العربيــة هـو الطريــق إىل فقـه أقوالــه‪ ،‬وفقــه‬
‫‪184‬‬
‫السنة هو الطريق إىل فقه أعماله"‬
‫‪185‬‬
‫وقال ‪ " :‬ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها"‬

‫‪184‬‬
‫خمتارات من اقتضاء الصراط املستقيم‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪185‬‬
‫اقتضاء الصراط املستقيم‪ ،‬ص ‪521/1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪109‬‬


‫وقد ذكر الدكتور‪ ،‬خالد بن عبد الكـرمي الَلحـم عشـرة مفـاتيح لتـدبر القـرآن الكـرمي‪ ،‬وجـاء حتـت‬
‫املفتــاح الثــاين؛ أهــداف ق ـراءة القــرآن الكــرمي ثَلثــة أهــداف تــدور حــول معرفــة املعــىن حــّت يتحقــق التــدبر‪،‬‬
‫وهي‪ :‬قراءته ْلجل العلم‪ ،‬وقراءته ْلجل العمل به‪ ،‬وقراءته بقصد مناجاة هللا‪ 186 ،‬وجاء املفتـاح الثـامن ‪:‬‬
‫ربط اْللفاظ ِبملعاين ‪ .187‬وهذا ال يتحقق بدون معرفة اللغة العربية‪.‬‬
‫وقال ‪" :‬إمنا الطريق احلسن اعتياد اخلطاب ِبلعربية حّت يتقنها الصغار ِف املكاتب وِف الدور‬
‫فيظهر شعار اإلسَلم وأهله‪ ،‬ويكون ذلك أسهل على أهل اإلسَلم ِف فقه معاين الكتاب والسنة وكَلم‬
‫‪188‬‬
‫السلف خبَلف من اعتاد لغة مث أراد أن ينتقل إىل أخرى فإنه يصعب"‬

‫ومن هنا فإن إعداد برانمج خاص لتعليم اللغـة العربيـة لغـري النـاطقني هبـا‪ ،‬حيقـق أهـداف الـراغبني ِف تـَلوة‬
‫الق ــرآن وت ــدبر آَيت ــه أم ــر مطل ــوب‪ .‬وق ــد ش ــاع ِف ه ــذا العص ــر تعل ــيم اللغ ــات ْلغ ـراض خاص ــة‪ ،‬وكث ــري م ــن‬
‫ال ـراغبني ِف العربيــة مــن املســلمني – كمــا ســبق ‪ .-‬وتعل ــيم العربيــة ْلغ ـراض دينيــة مفيــد هل ـم حيــث حيق ــق‬
‫أهدافهم‪ ،‬بل ومن املفيد تعليم العربية لغرض تَلوة القرآن وتدبر آَيته بصفة أخص‪.‬‬
‫نسبة عالية من دارسي اللغة العربية وحميب تعلمها من املسلمني‪ ،‬ويريدوهنا لغرض خاص‪ ،‬يدور‬
‫حول فهم الدين بصفة عامة وتَلوة القرآن الكرمي وفهمه بصفة خاصة‪ .‬وهذا حيتم أن يكون تعليمهم‬
‫لغرض خاص‪ ،‬وليس تعليما عاما‪ ،‬فهل صممت هلم برامج خاصة لتعليمهم العربية‪.‬‬
‫ومما يشجع على ذلك كثرة الراغبني ِف حفظ القرآن الكرمي من العرب ومن غريهم – وهو ما‬
‫يهمنا ِف هذا ‪ ،-‬وهاهي حلقات حتفيظ القرآن الكرمي تعج هبم‪ .‬وقد سهل هللا حفظ القرآن الكرمي‬
‫للراغبني ِف ذلك‪ ،‬ولكن – مع اْلسف – جند كثريا من هؤالء ال يعرفون العربية؛ ومن َمث فهم ال ميكنهم‬
‫تدبر آَيت القرآن الكرمي؛ فيفوت عليهم الشيء الكثري؛ وخيسرون الغاية من القرآن؛ وهذا يؤكد على‬
‫املسؤولني عن حلقات القرآن الكرمي أن يهتموا بتعليم العربية إىل جانب تعليم القرآن؛ لتتحقق الثمرة من‬
‫تعليم القرآن‪ ،‬وهي التدبر والعمل‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫د‪ .‬خالد بن عبد الكرمي الَلحم‪ ،‬مفاتح تدبر القرآن والنجاح ِف احلياة‪ ،‬جائزة اْلمري سلطان الدولية ِف حفظ‬
‫القرآن للعسكريني‪ 1426 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪40 - 25‬‬
‫‪187‬‬
‫د‪ .‬خالد بن عبد الكرمي الَلحم‪ ،‬مفاتح تدبر القرآن والنجاح ِف احلياة‪ ،‬جائزة اْلمري سلطان الدولية ِف حفظ‬
‫القرآن للعسكريني‪ 1426 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪66 - 65‬‬
‫‪188‬‬
‫اقتضاء الصراط املستقيم‪526/1‬‬

‫‪110‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ويبــدي الــدكتور حممــد عمــايرة – رمحــه هللا – اســتغرابه مــن خلــو بعــض كتــب تعلــيم اللغــة العربيــة‬
‫لغــري النــاطقني هبــا مــن القــرآن الكــرمي‪ ،‬فيقــول ‪ " :‬ولــيس مــن املنهجيــة العلميــة كــذلك أن يــتقلص احلجــم‬
‫املخصص للقرآن الكرمي إىل حد االختفاء شبه الكامل من أحد املناهج‪.‬‬

‫وميكن تصور خطة مبدئية لسري درس من دروس تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا لغرض‬
‫تَلوة القرآن وتدبر آَيته؛ وذلك بتخطيط الدرس لغوَي على اْلصول املتعارف عليها ِف تعليم اللغات‬
‫لغري أهلها‪ ،‬وتؤخذ املادة واحملتوى من القرآن الكرمي نفسه ما أمكن ذلك؛ بشرط أن تتحقق السهولة‬
‫والتدرج معاً‪ ،‬والبعد عن التكلف وحشر النصوص دون مراعاة ملستوى الدارسني اللغوي‪ .‬إذا فعلنا‬
‫ذلك‪ ،‬سنجد أننا حنقق اهلدفني معا؛ تعليم اللغة وتعليم القرآن‪.‬‬
‫فدرس اْلصوات يقدم ويدرب عليه من مفردات قرآنية‪ ،‬وآَيت قرآنية‪ ،‬وكذلك الشأن ِف كل‬
‫من املفردات والرتاكيب واالستماع والقراءة والكتابة‪ .‬كما ميكن أن تؤخذ نصوص االستماع والقراءة من‬
‫قصص القرآن بدءا ِبْلسهل‪ ،‬وميكن أن يبدأ برواية القصة أبسلوب سهل‪ ،‬مث تقدم للدارس بنصها‬
‫القرآين اْلصلي‪.‬‬

‫آاثر العربياة يف الثاقافة اإلسالمياة عا امة‪:‬‬


‫وحتديد ألفاظها‪ ،‬وقد َّأدى هذا االهتِمام إىل‬ ‫اهتموا بضبط اللغة ومجعها‪ْ ،‬‬ ‫إن املسلمني قد ُّ‬ ‫َّ‬
‫‪189‬‬
‫الصرف والعروض‪ ،‬وهي من العلوم الدينيَّة ِبنزلة اَللة‪.‬‬ ‫ظهور املعاجم اللغويَّة والنَّحويَّة و َّ‬
‫وأتثريها على ثقافة املسلمني يكون من أوجه متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أسلوب التحيَّة ِبلتَّسليم ورده‪.‬‬
‫مهمة ِف أداء العبادات احملتاجة إىل التلفُّظ‪ ،‬كالقراءة ِف الصَلة‪ ،‬والتَلوة والتَّلبية ِف‬‫‪ -2‬العربيَّة كوسيلة َّ‬
‫احلج‪ ،‬والتلفظ ِبْلدعية واْلذكار املأثورة وغريها‪.‬‬
‫الزكاة‪ ،‬واملسجد‬ ‫كالصَلة واحلج و َّ‬
‫‪ -3‬استخدام بعض مصطلحات عربيَّة متعلقة ِبلدين اإلسَلمي‪َّ ،‬‬
‫واجلنازة والدعاء والنكاح والطَلق‪ .‬كاد أن ال يوجد مسلم ال يفهم أو ال ينطق بتِلك املصطلحات‬
‫ضعفه ِف العربيَّة وإن مل يكن عربيًّا‪.‬‬
‫اللغويَّة العربيَّة‪ ،‬مهما كان ْ‬

‫‪189‬‬
‫حممد حسن‪2000 ،46 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪111‬‬


‫ِبْلحرف العربيَّة عند بعض اللغات املنتمية إىل اإلسَلم‪ ،‬كالفارسيَّة والرتكيَّة‬
‫ُ‬ ‫‪ -4‬وأسلوب الكتابة‬
‫واملااليوية واهلاوسا واْلورديَّة‪ ،‬وغريها من اللغات اليت تعترب لغات املسلمني‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها‪ :‬قرض مفردات اللغة العربيَّة إىل بعض تلك اللغات املذْكورة‪.‬‬
‫حيث َّ‬
‫إن لكل قراءة دليلها املقنع ِف اللغة‪ ،‬السيَّما إذا‬ ‫‪ -6‬وقد أثَّرت العربية ِف القر ِ‬
‫اءات القرآنيَّة‪ ،‬من ُ‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫كانت مثل هذه القراءة من القراءات َّ‬
‫تكرر‬
‫أوجه أتثري العربيَّة ِف ثقافتنا‪ :‬نزول القرآن دستور املسلمني نفسه ِبللغة العربيَّة‪ ،‬وقد َّ‬
‫‪ -7‬ومن بني ُ‬
‫‪190‬‬
‫اإلقرار بنزول ال ُقرآن هبذه اللغة العربيَّة حلكمة التبني والتعقل والتدبر‪.‬‬

‫أتثري العربية يف اللغات األخرى‪:‬‬


‫امتد أتثري العربية كمفردات وبىن لغويَّة ِف الكثري من اللغات اْلخرى؛ بسبب اإلسَلم واجلوار‬ ‫َّ‬
‫اجلغراِف والتِجارة فيما مضى‪ ،‬وهذا التَّأثري مشابه لتأْثري الَلتينيَّة ِف بقيَّة اللغات اْلوربيَّة‪ ،‬وهو مَلحظ‬
‫ْل واضح ِف اللغة الفارسيَّة حيث املفردات العلميَّة معظمها عربيَّة‪ِ ،‬بإلضافة للعديد من املفردات‬ ‫بشك ٍ‬
‫احملكيَّة يوميا‪ ،‬مثل‪ :‬ليكن = لكن‪ ،‬و‪ ،‬تقرييب‪ ،‬عشق‪ ،‬فقط‪ِ ،‬بستثناي = ِبستثناء‪.‬‬
‫اللغات الَّيت للعربيَّة فيها أتثري كبري أكثر من (‪ )% 30‬من املفردات هي‪:‬‬
‫اْلرديَّة والفارسيَّة والكشمريية والبشتونية والطاجيكية‪ ،‬وكافَّة اللغات الرتكيَّة والكردية والعبريية‬
‫واإلسبانيَّة والصوماليَّة السواحيليَّة والتجرينيَّة واْلوروميَّة والفوالنية واهلوسية واملالطية والبهاسا لغة مَليو‬
‫(ولغة الديفيهي) لغة املالديف‪ ،‬وغريها من اللغات‪.‬‬
‫بعض هذه اللغات ما زالت تستعمل اْلجبديَّة العربيَّة للكتابة‪ ،‬كالفارسيَّة والكشمرييَّة‬
‫والطاجيكيَّة والكردية والبهاسا‪.‬‬
‫دخلت بعض الكلِمات العربيَّة ِف لغات أوربيَّة كثرية‪ ،‬مثل اْلملانيَّة واإلجنليزيَّة واإلسبانيَّة‬
‫‪191‬‬
‫والفرنسيَّة والربتغاليَّة‪.‬‬

‫تطور اللغة اتِصا َهلا وأتثُّرها ِبللغات اْلخرى‪ ،‬فتحسنها حينًا أو تقبحها حينًا‬ ‫َّ‬
‫إن من عوامل ُّ‬
‫آخر‪ ،‬وأتخذ هذه من تلك‪ ،‬وكذلك العكس‪ ،‬وكلها تكون على درجة إميان أصحاب اللغة املستعرية‬

‫‪190‬‬
‫فاطمة لطفی كودرزی‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪191‬‬
‫فاطمة لطفی كودرزی‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬

‫‪112‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِبللُّغة املستعار منها‪ ،‬ومدى عَلقتها بعاداهتا وتقاليدها وعقائدها‪ ،‬إالَّ إذا كان هذا التَّأثري نتيجة ْ‬
‫للغزو‬
‫قوَي‪ ،‬ومع ذلك يصعب على لغة أن تغلب على أخرى‪ ،‬ما دام هلا قواعدها‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ يكون ًّ‬ ‫بني االثنَني‪،‬‬
‫اللغوية ويؤمن هبا أهلها‪.‬‬
‫ْلجل إميان املسلمني واعتقادهم َّ‬
‫أبهنا جزء‬ ‫فاللغة العربية هلا نفوذها على لغات العامل وثقافته ْ‬
‫حّت على لغاهتم‪ ،‬وهذه الفرصة للغة العربية فقط‪.‬‬‫من دينهم‪ ،‬وبذا حيبذوهنا َّ‬
‫انتشارها‬ ‫ِ‬
‫متحدثيها‪ ،‬ومن حيث‬ ‫السامية من حيث عدد‬ ‫اللغة العربية أكرب لغات اجملموعة َّ‬
‫ُ‬
‫‪192‬‬
‫وترحيبها ِف مجيع أحناء املعمورة‪.‬‬
‫ويتوزَّع متحدثوها ِف املنطقة املعروفة ِبسم العامل العرب‪ ،‬وِبإلضافة إىل العديد من املناطق‬
‫وخاصة املناطق اليت يوجد فيها عدد كبري من املسلمني‪ ،‬وللغة العربية أمهية قصوى لدى‬ ‫َّ‬ ‫اْلخرى اجملاورة‪،‬‬
‫مصدري التشريع اْلساسيَّني ِف اإلسَلم‪ :‬القرآن واْلحاديث النبوية املروية عن النَّيب‬
‫املسلمني‪ ،‬فهي لغة ْ‬
‫الصَلة ِف اإلسَلم إال ِبتقان بعض من الكلمات العربيَّة‪ ،‬وِبللغة‬ ‫عليه وسلَّم ‪ -‬وال تتم َّ‬
‫‪ -‬صلَّى هللا ْ‬
‫العربية سجال تطورات اليت قد طرأت على اجملتمع اإلسَلمي ِف خمتلف اجملاالت‪ ،‬وِبجيء اإلسَلم‬
‫ونزول القرآن الكرمي ِبللغة العربية‪ ،‬وانتشار اإلسَلم ِف مجيع أحناء املعمورة‪ ،‬وأتْسيس الدولة على أيدي‬
‫املسلمني‪ ،‬ارتفعت مكانة اللغة العربية‪ ،‬وأصبحت لغة السياسة والعِلْم واْلدب والتجارة والتقنية ِف قرون‬
‫طويلة ِف اْلراضي اليت حكمها املسلمون؛ كذلك تستمد اللغة العربيَّة أمهيَّة كبرية من خَلل َّأهنا لغة‬
‫أن اللغة هي‬ ‫َّعارف لكثري من املسلمني وغريهم ِف مجيع أحناء العامل‪ ،‬من املسلَّم به َّ‬
‫الثَّقافة والدين والت ُ‬
‫اْلمة علومها‪ ،‬وثقافتها‪ ،‬وتدون هبا آداهبا‪ ،‬وتكتب اترخيها ماضيه‬
‫الوسيلة الوحيدة اليت تسجل هبا َّ‬
‫وحاضره‪.‬‬

‫من فوائد تعلم اللغة العربية ‪:‬‬


‫م ــن اْله ــداف ال ــيت محل ــت املس ــلمني عل ــى العناي ــة ِبللغ ــة العربي ــة‪ ،‬واحل ــرص عل ــى تعليمه ــا إىل‬
‫جانب عنايتهم ِبلدراسات اإلسَلمية ما يلي ‪:‬‬
‫علوم أن تعلُّ َم العربي ِة‬ ‫ِ‬
‫• أن اللغةَ العربيةَ من الدي ِن‪ ،‬كما سبق ِف قويل ابن تيميةَ – رمحه هللاُ ‪َ " : -‬م ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجب‪ ،‬فإن‬ ‫فرض و ٌ‬ ‫ض على الكفاية "‪ .‬وقوله ‪ " :‬إن اللغةَ العربيةَ من الدي ِن‪ ،‬ومعرفتُها ٌ‬ ‫وتعليم العربية فَـ ْر ٌ‬
‫َ‬
‫اجب "‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجب إال به‪ ،‬فهو و ٌ‬ ‫فرض‪ ،‬وال يـُ ْف َه ُم إال ِبللغة العربية‪ ،‬وما ال يَت ُّم الو ُ‬
‫فهم الكتاب والسنة ٌ‬ ‫َ‬
‫‪192‬‬
‫واِف‪ ،‬علي عبدالواحد‪1962 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪113‬‬


‫فهمها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للقرآن ِ‬
‫الكرمي‪ ،‬وكثريٌ من شعائ ِر‬ ‫ٍ‬
‫ودعاء وتَلوةٍ‬ ‫فالعبادةُ من صَلةٍ‬
‫تؤدى‪ ،‬وال يت ُّم ُ‬ ‫اإلسَلم ال َّ‬
‫بية‪ ،‬والصَلةُ‬ ‫تؤدى الصَلةُ بغ ِري العر ِ‬ ‫بية‪ ،‬ومل ُِجي ْز أح ٌد من اْلئم ِة مطلقا‪ ،‬أ ْن َّ‬‫ِبللغة العر ِ‬
‫وتدبـرها إال ِ‬
‫ُ‬
‫فرض ع ٍ‬
‫ني"‬ ‫ُ‬
‫الناس‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫• معرفتُها حتمي من‬
‫الوقوع ِف الشُّبَه والب َد ِع‪ .‬قال الشافعي – رمحه هللا ‪ " : -‬ما َجه َل ُ‬ ‫ِ‬
‫إيضاح‬
‫ِ‬ ‫لسان أرسططاليس "‪ ،‬وقال أيضا‪ " :‬ال يـَ ْعلَ ُم من‬ ‫العرب‪ ،‬وميلِهم إىل ِ‬ ‫اختلفوا إال لرتكِ ِهم لسا َن ِ‬
‫ومجاع معانيه وتفوقَها‪ .‬ومن َعلِ َمها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وكثرةَ وجوهه‪َ ،‬‬ ‫لسان ِ‬‫الكتاب أح ٌد‪ ،‬ج ِهل سعةَ ِ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ِ‬ ‫ُمجَ ِل عِ ْل ِم‬
‫دخلت على من َج ِه َل لسانَـها "‪ .‬وقال السيوطي – ِرمحه هللا ‪ " : -‬وقد‬ ‫ْ‬ ‫ت عنه الشُّبَه‪ ،‬اليت‬ ‫انتَـ َف ْ‬
‫بلسان ِ‬
‫العرب "‬ ‫ِ‬ ‫اجلهل‬ ‫االبتداع‬ ‫سبب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫السلف قب َل الشافعي‪ ،‬أشاروا إىل ما أشار إليه من أن َ‬ ‫َ‬ ‫وجدت‬
‫ُ‬
‫املبتدعة‪( :‬أهلكتهم العجمةُ) ‪ .194‬وهلذا كانت أول‬ ‫ِ‬ ‫البصري – ِرمحه هللا – ِف‬‫ُّ‬ ‫احلسن‬
‫ُ‬ ‫‪ .193‬وقال‬
‫بدعة ظهرت ِف املسلمني من قبل العجمة‪ ،‬قال اْلوزاعي رمحة هللا ‪" :‬أول من نطق ِف القدر ‪ :‬رجل‬
‫من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً فأسلم مث تنصر فأخذ عنه معبد اجلهين وأخذ غيَلن عن‬
‫معبد" وهلذا قال احلسن البصري ‪ :‬أهلكتهم العجمة‪ 195 .‬وقال ابن جين – رمحه هللا ‪ " : -‬إن أكثر‬
‫من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها‪ ،‬وحاد عن الطريقة املثلى إليها‪ ،‬فإمنا استهواه واستخف‬
‫‪196‬‬
‫حلمه ضعفه ِف هذه اللغة الكرمية الشريفة اليت خوطب الكافة هبا "‬
‫وأخــرج البيهقــي عــن اْلصــمعي أنـه قــال ‪ :‬جــاء عمــرو بــن عبيــد املعتــزيل إىل أب عمــرو بــن العــَلء؛‬
‫ينــاظره ِف وجــوب عــذاب الفاســق‪ ،‬فقــال ‪َ :‬ي أِب عمــرو وخيلــف هللا مــا وعــده؟ قــال ‪ :‬ال‪ ،‬قــال ‪ :‬أ فرأيــت‬
‫من أوعده هللا على عمل عقاِبً‪ ،‬أخيلـف هللا وعـده فيـه؟ فقـال أبـو عمـرو بـن العـَلء‪ :‬مـن العجمـة أتيـت َي‬
‫أِب عثمان‪ ،‬الوعد غري الوعيد مث أنشد ‪:‬‬
‫‪197‬‬
‫ملخلف إيعادي ومنجز موعدي‪.‬‬ ‫وإين وإن أوعدته أو وعدته‬
‫إذن‪ ،‬اجلهل بلسان العرب سبب من أسباب االبتداع‪.‬‬

‫‪ 193‬صون املنطق والكَلم عن فن املنطق والكَلم‪ ،‬ص ‪22‬‬


‫‪ 194‬صون املنطق والكَلم عن فن املنطق والكَلم‪ ،‬ص ‪23‬‬
‫‪ 195‬منهج االستدالل على مسائل االعتقاد عند أهل السنة واجلماعة ‪ ،508-507/2‬نقَل عن اجلامع لشعب اإلميان‬
‫‪105-103 / 2‬‬
‫‪ 196‬اخلصائص ج ‪ 1‬ص ‪.245‬‬
‫‪ 197‬نواقض اإلميان القولية والعملية ‪231‬‬

‫‪114‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ِ‬
‫أسباب التيس ِري‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ ﴿ :‬فَِإَّمنَا يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫• معرفةُ اللغة العربية ٌ‬
‫سبب من‬
‫لذ ْك ِر فَـ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِ ٍر ﴾ (القمر‪.)1:‬‬ ‫يـت َذ َّكرو َن﴾ (الدخان‪ ،)58:‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬ولََق ْد ي َّسرَان الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫َ َ ْ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫اْلم ِم اليت بـها يتميزون " كما قال‬ ‫ِ ِِ‬
‫اللغات من أعظ ِم شعائ ِر َ‬ ‫اإلسَلم وأهله‪ ،‬و ُ‬ ‫شعار‬
‫العرب ُ‬‫• " اللسا ُن ُّ‬
‫ابن تيمية – ِرمحه هللا‪.‬‬
‫شعب إال َّ‬
‫ذل‪ ،‬وال‬ ‫ت لغةُ ٍ‬ ‫افعي " ما ذَل ْ‬
‫صادق الر ُّ‬
‫ُ‬ ‫اإلسَلم واملسلمني‪ .‬قال مصطفى‬ ‫ِ‬ ‫سبب لِعِ ِز‬
‫• قُـ َّوتُـها ٌ‬
‫ومن هذا يـ ْف ِرض اْلجنيب املستعمر لغتَه فرضا على ِ‬ ‫ذهاب وإدِب ٍر‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬
‫اْلمة‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫أمرهُ ِف‬
‫ت إال كان ُ‬ ‫احنطَّ ْ‬
‫املستعمَرةِ "‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص على تعليم لغاتـها؛ لتُـ َق ِر َ‬
‫ب املتعلمني إليها‪،‬‬ ‫اْلم ُم حت ِر ُ‬
‫• اللغةُ العربيةُ من أقوى الروابط بني املسلمني‪ ،‬و َ‬
‫الثقافة و ِ‬
‫العقائد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ث املشابَ َـهةَ ِف الباط ِن – ومنه قضاَي‬‫فاملشابَ َـهةُ ِف الظاه ِر – ومنه اللغةُ – توِر ُ‬
‫حتمل ثقافةَ أصحابِـها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوسائل ِ‬
‫ِ‬ ‫بية ِمن ِ‬ ‫• تعليم العر ِ‬
‫فاللغات ُ‬
‫ُ‬ ‫اإلسَلمية‪،‬‬ ‫الثقافة‬ ‫لعرض‬ ‫أهم‬ ‫ُ‬

‫أصدر املستشرقون قرارا منصفا‪ِ ،‬ف مؤمتر هلم عقدوه ببَلد اليوانن‪ ،‬ولكن مل يصـل مضـمونه –‬
‫مع اْلسف‪ -‬إىل أمساع أبنائنا من املثقفني من العرب‪ .‬يقول القرار‪( :‬إن اللغـة العربيـة الفصـحى هـي اللغـة‬
‫الــيت تصــلح للــبَلد اإلســَلمية والعربيــة للتخاطــب والكتابــة والتــأليف وإن مــن واجــب احلكومــات ِف هــذه‬
‫البَلد أن تعىن بنشرها بني الطبقـات الشـعبية لتقضـي علـى اللهجـات العاميـة الـيت ال تصـلح كلغـة أساسـية‬
‫‪198‬‬
‫ْلمم جتمعها جامعة الدين والعادات واْلخَلق)‪.‬‬

‫األهداف الرئيسية لتعليم العربية ‪:‬‬


‫‪ – 1‬أن ميارس الطالب اللغة العربية ِبلطريقة اليت ميارسها بـها متحدثو هذه اللغة أو بصورة تقرب من‬
‫ذلك‪ .‬وِف ضوء املهارات اللغوية‪ ،‬ميكن القول أبن تعليم هذه اللغة للناطقني بلغات أخري‬
‫يستهدف ما يلي ‪:‬‬
‫أ – تنمية قدرة الطالب على فهم اللغة العربية عندما يستمع إليها‪.‬‬
‫ب – تنمية قدرة الطالب على النطق الصحيح للغة والتحدث مع الناطقني ِبلعربية حديثا معربا ِف‬
‫املعىن سليما ِف اْلداء‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪115‬‬


‫ج – تنمية قدرة الطالب على قراءة الكتاِبت العربية بدقة وسرعة وفهم‪.‬‬
‫د – تنمية قدرة الطالب على الكتابة ِبللغة العربية بدقة وطَلقة ووضوح ومجال‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن يتعرف الطالب خصائص اللغة العربية وما مييزها عن غريها من اللغات أصوااتً ومفردات‬
‫وتراكيب ومفاهيم‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن يتعرف الطالب على الثقافة اإلسَلمية العربية وأن يلم خبصائص اإلنسان العرب‪ ،‬الناطق هبذه‬
‫اللغة وِبلبيئة اليت يعيش بـها وِبجملتمع الذي يتعامل معه‪.‬‬

‫وهناك اهتمام كبري ِبملناهج اجلديدة لتدريس اللغة العربية ليس حمصورا ِف العامل العرب‪ ،‬بل‬
‫جت اوز احلدود إىل بريطانيا والوالَيت املتحدة وغريمها‪ .‬فنسبة تزايد عدد طَلب العربية ِف الوالَيت‬
‫املتحدة ارتفعت ‪ ٪127‬سنة ‪ .2007‬واعتربت احلكومة اْلمريكية العربية لغة إسرتاتيجية وارتفع اإلقبال‬
‫‪199‬‬
‫على تعلمها من الروضة فما فوق‪ ،‬وخصصت هلا احلكومة الفدرالية موارد هامة‪.‬‬

‫اللغة األداة واللغة املوضوع ‪:‬‬


‫اللغة اْلداة ‪ :‬اللغة وسيلة‬
‫اللغة املوضوع ‪ :‬اللغة ختصص‬

‫من اْلخطاء الشائعة اعتبار عامة املثقفني اللغة الفصحى ختصصاً موقوفـا علـى أهلـه ؛ ولـذا فهـم‬
‫يربرون ْلنفسهم أي قصور يظهـر ِف تعبرياتــهم أبن هـذه ليسـت بضـاعتهم‪ ،‬ويسـتنكرون أن يكتبـوا فيعربـوا‬
‫وهم ليسوا متخصصني ِف اللغة العربية ‪.‬‬
‫واخلطـأ أو املغالطــة ِف هــذا واضــحة؛ فاللغــة ختتلــف عــن ســائر املـواد الــيت ختضــع للدراســة ِف أنــها‬
‫قد تدرس ِبعتبارها أداة ووسيلة أو ِبعتبارها غاية وموضوعا‪.‬‬
‫• فاللغ ــة ِبالعتب ــار اْلول مل ــك مش ــاع جلمي ــع أبنائه ــا‪ ،‬وِبالعتب ــار الث ــاين ه ــي وق ــف عل ــى املتخصص ــني‬
‫الذين يتخذون اللغة ميداان لتخصصهم وحقَل لتجاربـهم ودراستهم‪.‬‬
‫• واللغة اْلداة حتقق الغاية العملية منها‪ ،‬واللغة املوضوع تتخذ من دراسة اللغة غاية وموضوعا‪.‬‬

‫‪ 199‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات مركز امللك عبد‬
‫هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬ص ‪42‬‬

‫‪116‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫• اللغ ـ ــة الفص ـ ــحى اْلداة مل ـ ــك لكاف ـ ــة الع ـ ــرب مهم ـ ــا اختلف ـ ــت ختصصات ـ ــهم وتنوع ـ ــت خربات ـ ــهم وأن‬
‫استخدامها والتزامها ِف كل مواقف احلياة اجلادة واجب كل املثقفني العرب على السواء‪.‬‬
‫• اللغــة اْلداة الــيت جيــب أن يتســاوى ِف اســتخدامها كــل مثقفيناـ ـ ال تكتســب ِبلــدرس النظــري وحــده‬
‫وإمنا حتتاج إىل املمارسة العمليـة‪ ،‬ومداومـة االسـتماع إليهـا واسـتخدامها حـّت تتحـول إىل ملَ َكـة أو مـا‬
‫يشبه امللكة‪.‬‬
‫• وإذا كانــت اللغــة الفصــيحة قــد حرمــت مــن البيئــة الطبيعيــة الــيت تســتعمل فيهــا فــَل أقــل مــن اصــطناع‬
‫الوسائل العملية وخلق البيئات الصناعية من أجل توفري املناخ املَلئم الكتسابـها وتنميتها‪.‬‬
‫• وإذا كان ــت للغ ــة املوض ــوع مش ــكَلت يعرفه ــا ويتف ــرغ حلله ــا اللغوي ــون املتخصص ــون ف ــإن للغ ــة اْلداة‬
‫مشكَلت أخرى ال تقل ِف تنوعها وخطورتـها عن هذه املشـكَلت‪ ،‬وهـي مشـكَلت ال تـرتبط كثـرياً‬
‫ِبادة اللغة وإمنا ِبناهج تدريسها وطرق عرضها؛ ولـذا جيـب أن يشـرتك ِف حبثهـا أسـاتذة اللغـة والنحـو‬
‫‪200‬‬
‫واملناهج وطرق التدريس وعلم النفس وغريهم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫د‪ .‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬العربية الصحيحة‪ ،‬ص ‪25 – 23‬بتصرف‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪117‬‬


‫الفصل الرابع‬

‫العالقة بني اللغة والثقافة‬

‫‪118‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫العالقة بني اللغة والثقافة‬
‫من القضاَي اليت تثري جدال طويَل بني الباحثني‪ ،‬موضوع العَلقة بني اللغة والثقافة‪ .‬وميكن‬
‫القول هنا إن الثقافة أمشل من اللغة‪ ،‬كما أن اللغة جزء من الثقافة‪ .‬وْلمهية الثقافة‪ ،‬فإن الدارس عندما‬
‫يسعى إىل تعلم لغة ما‪ ،‬يكون من أهم أهدافه االتصال بثقافة تلك اللغة‪( .‬تربز عَلقة اللغة ِبلثقافة من‬
‫حقيقة أن اللغة جزء من الثقافة‪ ...‬واللغة ظاهرة اجتماعية‪ ،‬شأهنا شأن مجيع الظواهر االجتماعية‬
‫‪201‬‬
‫اْلخرى‪ ،‬اليت تتغري وتتبدل وتنتقل من طور إىل آخر حسب سنن مطردة ومتتابعة )‬
‫إن العَلقة الوثيقة بني اللغة والثقافة كانت والتزال حمل اهتمام عدد كبري من العلماء ِف‬
‫خمتلف أحناء العامل‪ِ .‬ف أواسط القرن العشرين ِبلتحديد لقي هذا اْلمر اهتماما منقطع النظري من قبل‬
‫الباحثني‪ ،‬اْلمر الذي أدى اىل ظهور دراسات عديدة مكرسة لبحث وحتليل هذه الظاهرة متعددة‬
‫اجلوانب‪ .‬أحد هذه االحباث خلص إىل أن اللغة تقوم بعكس الواقع املعاش والثقاقة هي جزء ال يتجزأ‬
‫من الواقع وِبلتايل فان اللغة هي انعكاس للثقافة‪ .‬هذا يعين أنه عند حدوث تغريات ما ِف احلياة فإن‬
‫‪202‬‬
‫هذا االمر ينعكس ِف الثقافة مث ِف اللغة‪.‬‬
‫تنبـه العلمــاء قـدميا إىل وجــود عَلقــة بـني لغــة اْلمـة وثقافتهــا أو فكرهــا وأخـذوا ينظـرون ِف حــدود‬
‫هذه العَلقة‪ ،‬فمنهم من اشتط وقال إن اللغة حتدد صيغ الفكر وأمناطـه‪ ،‬ومـن مث فتفكـريان ِف شـيء مـا ال‬
‫يكــون إال مــن خــَلل تصــنيفاته الــيت تــزودان هبــا اللغــة ومــن أشــهر هــؤالء ســابري وورف ( & ‪Sapir‬‬
‫‪ ،)Whorf‬وعلــى أن أحــدا مل يعــد أيخــذ ِبلنظريــة ِف شــكلها املشــتط هــذا‪ ،‬إال أن أحــدا ال يشــكك ِف‬
‫‪203‬‬
‫أن للغة أثرا كبريا ِف عمليات التذكر واإلدراك‪ ،‬وقد أثبتت التجارب النفسية اللغوية هذا اْلثر‪.‬‬
‫وذهـب آخـرون أمثـال ليـونز (‪ 1981: 303،(Lyons‬إىل أن اللغـة جـزء مـن الثقافـة نظـرا‬
‫لكوهنـا مـورواث ثقافيـا (‪ (culturally-transmitted‬وذلـك تبعـا لتعريـف هدسـون (‪،Hudson‬‬
‫‪ )1980: 74‬للثقافـة "ِبملعـارف الـيت يكتسـبها اإلنسـان نتيجـة كونـه عضـوا ِف جمتمـع معـني"‪ .‬واملعـارف‬

‫‪ 201‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪282‬‬
‫‪202‬‬
‫د‪ .‬بدر بن عبدهللا العكاش‪ ،‬متَلزمة اللغة والثقافة ِف دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين املبتعثني)‬
‫‪203‬‬
‫انظر‪1971: 131،Slobin‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪119‬‬


‫هن ــا ال تقتص ــر عل ــى العل ــوم النظري ــة والعملي ــة فحس ــب‪ ،‬ب ــل تتع ــداها لتش ــمل ك ــل املع ــارف املتوارث ــة س ـواء‬
‫أكانت ثوابت وقيم دينية أو حّت أساطري وحكاَيت شعبية‪.‬‬
‫ومعظم العلماء اليوم يُعرف اللغة بوعاء الثقافة‪ ،‬وتبعا لنظرية اجلشتالتيني أو الشكَلنيني لـإلدراك‬
‫‪ 204‬ف ــإن "الش ــكل أو الوع ــاء ه ــو الوح ــدة اْلساس ــية ل ــإلدراك"‪ ،‬كم ــا أن ــه ال ينفص ــل ع ــن بقي ــة اْلج ـزاء‪،‬‬
‫فحسب قول الشـكَلنيني يُكـون "الكـل جـزء مـن جممـوع أجزائـه"‪ .‬ومـن مث نسـتطيع القـول أبن اللغـة جـزء‬
‫من الثقافة ال ينفصل عنها حبال‪.‬‬
‫والواقــع يــدلل علــى صــحة هــذا االفـرتاض فــتعلم أي لغــة ال ينفــك عــن تعلــم ثقافتهــا‪ ،‬وكــذا اإلملــام‬
‫أبي ثقافــة يســتلزم اإلملــام بلغــة هــذه الثقافــة‪ .‬وقــد تنبــه أجــدادان هلــذا فقــد جــاء ِف املزهــر (ب‪ .‬ت‪ ).‬أن‬
‫عبد امللك بن مروان دفع ولده إىل الشـعيب يـؤدهبم فقـال ’علمهـم الشـعر ميجـدوا وينجـدواغ‪ .‬فاللغـة عمومـا‬
‫ولغــة الشــعر واْلدب خصوصــا وعــاء القــيم الثقافيــة‪ .‬وقــد أقــر علمــاء اللغــة أيضــا هبــذا فنـراهم ينــادون بــتعلم‬
‫الثقاف ــة كمطل ــب للنج ــاح ِف تعل ــم اللغ ــة‪ . 1966)،(Nostrand‬كم ــا تنب ــه املس ــتعمر هل ــذه العَلق ــة‬
‫الوطيدة بني اللغة والثقافة فسـارع لنشـر لغتـه ِف التعلـيم العـام ِف كـل مسـتعمراته حـّت يضـمن والء وتبعيـة‬
‫اْلجيـ ــال القادمـ ــة لـ ــه حـ ــّت بعـ ــد خروجـ ــه‪ .‬وحـ ــّت القـ ــائلني بتسـ ــاوي اللغـ ــات ِف وفائهـ ــا حباجـ ــات أبنائهـ ــا‬
‫التواصلية ال يزعمون أبدا أن أي لغة تفي حباجات أي أمة‪ ،‬فمعلـوم أن أي لغـة قـد تضـطر لَلسـتعارة مـن‬
‫اللغــات اْلخــرى عنــد التعبــري عــن اْلغـراض الغريبــة عــن ثقافــة أبنائهــا‪ .‬ويــدرك كــل مــن مــارس الرتمجــة عــدم‬
‫تساوي اللغات ِف تعبريها عن مجيـع اْلغـراض التواصـلية‪ ،‬فـبعض أغـراض التواصـل التعبديـة مـثَل كالصـَلة‬
‫وقراءة القرآن ال تكون شـرعا إال ِبلعربيـة‪ ،‬وقـد أدرك مـن تـرجم القـرآن سـبب هـذا التشـريع عنـدما أقـروا أن‬
‫‪205‬‬
‫ترمجاهتم ليست إال ترمجة ملعاين القرآن اليت فهموها وال ميكن حبال اعتبارها قرآان إجنليزَي‪.‬‬

‫والعَلقة بني اللغة والثقافة غنية عن البيان‪ .‬هي عَلقة وطيدة حترم فصل إحدامها عن اْلخرى‪.‬‬
‫فَل يبتعد من قال إن اللغة والثقافة وجهان لعملة واحدة‪ .‬ومن هذه العَلقة أن اللغة وعاء للثقافة‬
‫وعنصر أساسي من عناصرها والوسيلة اْلوىل للتعبري عنها فَل ميكن للفرد أن يتحدث بلغة ما ِبعزل عن‬
‫ثقافتها‪ .‬وكل هذا مما يربر ضرورة مراعاة اجلانب الثقاِف ِف تعليم اللغات اْلجنبية‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫انظر عاقل‪35 : 1982 ،‬‬
‫‪ 205‬د‪ .‬زبيدة بنت حممد خري عرقسوسي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم اللغة اإلجنليزية‪ " ،‬اللغة اْلجنبية واهلوية الثقافية‬
‫للناشئة ِف عصر العوملة "‬

‫‪120‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫تزداد هذه العَلقة تعقيدا عند دراسة اللغات اْلجنبية‪ .‬ومرد ذلك يعود إىل أنه عند دراسة لغة‬
‫أجنبية ما تنشأ لدى الطالب منظومة لغوية وثقافية جديدة ختتلف متاما عن منظومته اْلم‪ .‬هذا اْلمر‬
‫جيعله يرى العامل بطريقة خمتلفة‪ ،‬ويؤدي إىل أن ينشأ لديه‪ ،‬أي لدى الطالب‪ ،‬تصور جديد عن بعض‬
‫مكوانت احلياة خيتلف اختَلفا جذرَي عن تصوره املرتبط بثقافته ولغته اْلم‪ .‬وعند حتليل هاتني‬
‫املنظومتني اجلديدتني أثناء العملية التعليمية يتضح جليا أن الطالب يستوعب اللغة ويتقبلها بشكل‬
‫أفض ل وأسرع من استيعابه وتقبله لثقافة هذه اللغة‪ .‬وهنا البد أن نطرح التساؤل التايل‪ :‬ملاذا يتجاوز‬
‫الطالب احلاجز اللغوي بشكل سلس ِف حني أنه يصادف صعوِبت معينة عند حماولته جتاوز احلاجز‬
‫الثقاِف؟ تقول الباحثة الروسية تريميناسافا ِف كتاهبا (احلرب والسَلم بني اللغات والثقافات)‪" :‬إن احلاجز‬
‫الثقاِف‪ ،‬خبَلف احلاجز اللغوي‪ ،‬غري مرئي وغري حمسوس وِبلتايل فإن االحتكاك أو التَلقي مع الثقافات‬
‫اْلخرى دائما ما حيدث بشكل فجائي‪ .‬يتم التعامل مع الثقافة اْلم على أهنا أمر فطري وبديهي جبل‬
‫عليه الشخص مثل قيامه بعملية التنفس‪ ،‬يتعامل الشخص مع ثقافته على أهنا هي املنفذ الوحيد الذي‬
‫من خَلله يرى العامل‪ .‬الوعي أبن الثقافة اْلم ما هي إال واحدة من ضمن ثقافات متعددة ال أيت إال‬
‫‪206‬‬
‫من خَلل التعرف واالطَلع على الثقافات اْلخرى"‪.‬‬

‫إن تعلم اللغات أو تعليمها ِبعزل عن الثقافة أمر غري جمد وغري مفيد على االطَلق‪ ،‬فالثقافة‬
‫ِبلنسبة للغة كالروح ِبلنسبة للجسد‪ ،‬فهي متَلزمة ال تنفك‪ .‬والدليل على ذلك أنه إذا ما أردان أن نقيم‬
‫شخصا من الناحية اللغوية ومدى إجادته للغة فإن هذا اْلمر ال يقتصر فقط على اتقانه للغة‪ ،‬أي‬
‫املستوى اللغوي البحت‪ ،‬ولكن يتعداه إىل مدى معرفته ِبملنظومة الثقافية للشعب الذي يدرس لغته‪.‬‬
‫لقد اثبتت التجربة أن معرفة الطالب ولو بشكل بسيط ِبلعادات والتقاليد اخلاصة ِبلشعب الذي يدرس‬
‫لغته تولد لدى صاحب اللغة احرتاما وتقديرا هلذا الطالب‪ِ .‬ف عاملنا احلديث الذي يشهد تواصَل مكثفا‬
‫وسريعا بني شعوب متثل دَيانت وأعراق وثقافات خمتلفة جيدر بنا أن ننفتح على هذه اْلطياف اْلخرى‬
‫ونقبل املفيد منها وال نتعامل مع السيئ‪ ،‬وال بد كذلك أن نقوم ِبلتعريف بديننا وثقافتنا‪ .‬جيب أن‬
‫نتخلص من احلاجز الذي بىن على أساس مغلوط أبنه ال جيب التعاطي مع الثقافات اْلخرى‪ .‬إن‬
‫وسائل االتصال احلديثة تقدم لنا فرصة ذهبية للتعريف أبنفسنا ولتصحيح بعض املعلومات اخلاطئه عنا‪.‬‬
‫جيب أن يعرف اجلميع‪ ،‬والطالب ِبلتحديد‪ ،‬أن ثقافتنا ما هي إال انفذة من بني االف النوافذ اْلخرى‬

‫‪206‬‬
‫د‪ .‬بدر بن عبدهللا العكاش‪ ،‬متَلزمة اللغة والثقافة ِف دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين املبتعثني)‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪121‬‬


‫اليت نرى من خَلهلا العامل‪ ،‬فليس من حقنا أن نصف أمرا ما ِف ثقافة أخرى أبنه سيئ جملرد أنه يتعارض‬
‫مع منظومتنا الثقافية‪ .‬وسأضرب هنا مثَل بصديق َيِبين كنا ندرس سوَي ِف موسكو‪ .‬قال يل ِف يوم من‬
‫اْلَيم‪ :‬لقد اشتقت ْلمي‪ ،‬فلم أرها منذ سنتني! فبادرته بسؤال ْلتعرف على جزئية هامة ِف الثقافة‬
‫الياِبنية أال وهي العَلقات واملشاعر داخل العائلة الياِبنية‪ ،‬فقلت له‪ :‬صف يل كيف سيكون لقاؤك‬
‫بوالدتك بعد هذة الفرتة الطويلة نسبيا؟ فأجاب قائَل‪ :‬ستأت غالبا إىل املطار الستقبايل وبعد أن أراها‬
‫سأقرتب منها واحنين مث سننطلق إىل املنزل! فقلت بدهشة‪ :‬فقط؟! أين التقبيل‪ ،‬أين العناق؟! فهذه‬
‫والدتك اليت مل ترها منذ عامني! قال‪ :‬إن هذه الكلمات (التقبيل‪ ،‬العناق) ِف عَلقاتنا مع والدينا ليست‬
‫ِف قاموسي وليست ِف قاموس أغلب الياِبنيني‪ .‬وبعد أن ارتسمت معامل الدهشة على وجهي نظر إيل‪،‬‬
‫ولسان حاله يقول سأزيدك من الشعر بيتا‪ ،‬وقال‪ :‬إن مل ختين ذاكرت فإن آخر مرة قامت والدت بتقبيلي‬
‫عندما كنت ِف التاسعة أو العاشرة من العمر وعمري اَلن ان وعشرون عاما! بعد سرد هذه القصة‬
‫هل من حقنا أن نصف الياِبنيني أبهنم عدميي املشاعر وال حيبون أبناءهم؟ كَل ِبلطبع‪ ،‬اْلمر ِبختصار‬
‫هو أن لديهم طرقا أخرى للتعبري عن العواطف واملشاعر ختتلف عن الطرق اليت نتبعها حنن‪ .‬جيب أن‬
‫نوطن أنفسنا على أن هناك ثقافات أخرى وطرقا أخرى للتفكري ومفاهيم أخرى للتعامل مع العامل هلا‬
‫احلق ِف التواجد متاما كثقافتنا‪ .‬ليس من حقنا أن نقصيها أو أن نصفها أبوصاف ال تليق جملرد أهنا‬
‫تتعارض مع مفاهيمنا‪ .‬وأود أن أشري هنا إىل أمر هام وهو أنه إذا كان هناك تعارض ِف أمر ديين حبت‪،‬‬
‫فنحن املسلمون نؤمن أبن ديننا هو الدين احلق‪ .‬ومن هنا أقول‪ ،‬وخصوصا إلخواين املتواجدين ِف‬
‫اخلارج‪ ،‬انفتحوا على الثقافات اْلخرى وضاعفوا من زادكم املعرِف وقوموا كذلك بنقل ارثكم الثقاِف إىل‬
‫‪207‬‬
‫اَلخرين فبهذا حيصل التَلقح وتبادل اخلربات واملعارف‪.‬‬

‫وهناك حقيقة مهمة هي أن تدريس اللغة اإلجنليزية – على سبيل املثال ‪ -‬من دون تدريس‬
‫ثقافتها أمر ال ميكن حتقيقه على أرض الواقع نظراً لَلرتباط الوثيق بني اللغة والثقافة‪ ،‬وذلك بسبب أن‬
‫الثقافة املشكلة من قيم وعادات حيتويها وعاء اللغة وِبلتايل فإن حماولة تدريس اللغة من غري التعرض‬
‫لثقافتها أمر ال طائل من ورائه ْلننا بذلك نقوم بتقدمي رموز لغوية ال معىن هلا‪ .‬حتمية تعليم اللغة‬
‫اإلجنليزية من خَلل سياقاهتا الثقافية الطبيعية تكمن ِف أن العدول عن ذلك يؤدي إىل وجود متعلمني‬
‫للغة اإلجنليزية من غري كفاية لغوية متكنهم من التواصل اخلايل من اخللل مع متحدثيها اْلصليني‪ ،‬وذلك‬

‫‪207‬‬
‫د‪ .‬بدر بن عبدهللا العكاش‪ ،‬متَلزمة اللغة والثقافة ِف دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين املبتعثني)‬

‫‪122‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ْلهنم ليس لديهم معرفة كافية ِبخللفية الثقافية‪ ،‬وْلن اللغة اليت تعلموها واملفرغة من ثقافتها أضحت‬
‫رموزاً ال معىن هلا‪ .‬كما أن عملية تعليم اللغة اإلجنليزية ِبعزل عن سياقاهتا الثقافية الطبيعية جيعلها رموزاً‬
‫جمردة ال داللة هلا مما يدفع املتعلم إىل ربطها بدالالت غري صحيحة‪ .‬وِف السياق ذاته جند أن تعليم‬
‫اللغة اإلجنليزية من دون تدريسها ضمن سياقاهتا الثقافية الطبيعية خيرج متعلمني هلا من دون امتَلك‬
‫القدرة على التواصل الفعال مع متحدثيها من أهلها‪ ،‬نظراً لعدم امتَلكهم القدر الثقاِف التواصلي الكاِف‬
‫الذي ميكنهم من التحاور‪ ،‬واملناقشة‪ ،‬والتواصل‪ ،‬وتبادل املعلومات‪ ،‬واملعارف مع أهلها وفق اْلسس‬
‫التواصلية املبنية واملنبثقة من اعتبارات ثقافية واليت يتعامل من منظورها ومنطلقها أهل اللغة اإلجنليزية‬
‫أنفسهم‪ .‬وهناك أيضاً اجلانب اللغوي الذي يقف ضد املناداة بتدريس اللغة اإلجنليزية من غري تقدميها‬
‫ِف سياقاهتا الثقافية اْلصلية املعتادة أن معرفة املتعلم ملعاين املفردات اللغوية‪ ،‬والقدرة على تكوين مجل‬
‫لغوية من غري معرفة اتمة ِبالستخدامات الثقافية املناسبة لكل مفردة ومجلة تظل معرفة انقصة وتقود‬
‫ِبلتايل إىل توظيف لغوي غري حمكم وفهم انقص للعبارات واملصطلحات نظراً لعدم معرفة املتعلم‬
‫‪208‬‬
‫ِبلدالالت الثقافية الضرورية لفهم متحدثي اللغة اإلجنليزية اْلصليني‪.‬‬

‫وإذا كان هذا اْلمر يصدق على اللغات اْلجنبية وثقافاهتا فهو أصدق ما يكون على اللغة‬
‫العربية بوصفها لغة أجنبية‪ .‬فاللغة العربية دون غريها من اللغات ترتبط بثقافة الناطقني هبا بصفة خاصة‪،‬‬
‫وبثقافة الناطقني بغريها من الشعوب اإلسَلمية بصفة عامة ارتباطا عضوَي يصعب معه أن حيدث‬
‫االنفصال بينهما‪ .‬وهذا يعىن أن منهج تعليم هذه اللغة للناطقني بغريها ينبغي أال خيلو من مَلمح‬
‫ثقافتها (وهي ا لثقافة اإلسَلمية) بل يستند إليها ويستمد منها حمتواه وجيعل التعرف عليها من أهدافه‬
‫‪209‬‬
‫الرئيسية‪.‬‬
‫وإن تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا هو خري معني على نقل الثقافة العربية اإلسَلمية ْلن‬
‫اللغة تعترب متثيَلً حياً لثقافة أية أمة من اْلمم‪ ،‬وأي تعليم للغة العربية ِبعزل عن مكوانهتا الثقافية‬
‫‪210‬‬
‫واحلضارية يعد انقصاً‪ ،‬وهو كمن يغوص ِف حبر بدون أن يرى جواهره الثمينة‪.‬‬

‫‪ 208‬د‪ .‬خالد حممد الصغري‪ ،‬تعليم اللغة اإلجنليزية ِبعزل عن ثقافتها!!‬


‫‪ 209‬د‪ .‬نصر الدين إدريس جوهر‪ ،‬اْلسس الثقافية لبناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫‪210‬‬
‫راوية جاموس‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا عرب ثقافتها‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪123‬‬


‫ويقصد ِبلثقافة اإلسَلمية “اجلوانب اخللقية والوجدانية واالجتماعية والفكرية ِف الثقافة القائمة‬
‫مصطبغة ِبلصبغة اإلسَلمية‪ ،‬فهي عربية اللسان‪ ،‬إسَلمية املضمون والتاريخ‪ ،‬وهي ثقافة متميزة‬
‫‪211‬‬
‫وواضحة الذاتية وهلا طابعها اخلاص”‪.‬‬

‫اللغة هي الدليل على الواقع االجتماعي‪ .‬ورغم أن العلماء ال ينتبهون كثريا لألمهية اليت تشكلها‬
‫اللغة لطَلب العلوم االجتماعية فإن اللغة ِف الواقع هي املسؤولة عن تشكيل تفكريان كله حول القضاَي‬
‫واملتغريات االجتماعية‪ .‬واالنسان ال يعيش ِف العامل املادي وحده‪ ،‬وال يعيش ِف النشاط االجتماعي‬
‫وحده‪ ،‬كما جرى عليه االعتقاد‪ ،‬ولكنه يعيش ِف كنف اللغة اليت يعرب هبا ِف اجملتمع‪ .‬ومن الوهم أن‬
‫نتصور أن االنسان قادر على التكييف مع الواقع دون حاجة اىل اللغة أساسا‪ ،‬وأهنا (أي اللغة) جمرد‬
‫وسيلة عرضية للتفاهم وتوصيل الفكر‪ ،‬واحلق أن ’عامل الواقع’ قد انبىن – وان يكن دون قصد‪ -‬على‬
‫العادات اللغوية اليت تبنتها اجلماعة اليت تتحدث تلك اللغة‪ .‬وليس هناك لغتان تتشاهبان تشاهبا اتما إىل‬
‫حد يعكسان فيه واقعا اجتماعيا واحدا‪ .‬فالعوامل اليت تعيش فيها اجملتمعات املختلفة‪ ،‬خيتلف بعضها عن‬
‫بعض‪ ،‬وليست عاملا واحدا ال خيتلف إال ِف اْلمساء‪ .‬وحنن نرى ونسمع وإترب اْلشياء على وجه بعينه‬
‫‪212‬‬
‫دون غريه حسب اللغة اليت تطرح أمامنا اختيارات حمددة ِف التفسري‪.‬‬
‫(من غري العلمي أن نعترب النسق اللغوي اخللفي ْلية لغة (وأعين بذلك النحو) جمرد أداة إلعادة‬
‫انتاج االفكار‪ ،‬فهو أكثر من ذلك‪ :‬إذ أنه املشكل لألفكار واخلادم هلا‪ ،‬وهو املنتج واملرشد الذي نصل‬
‫به إىل النشاط الذهين عند الفرد‪ ،‬وإىل حتليَلته لألفكار الغامضة‪ ،‬واتليفه لعناصر الكَلم ِف ذهنه‪،‬‬
‫واصطناعه للعبارات املختزنة لديه‪ .‬فليست صياغة االفكار بعملية مستقلة حرة‪ ،‬وال هي موغلة ِف‬
‫املنطق ِبملعىن القدمي للمنطق ولكنها جزء من حنو معني‪ ،‬خيتلف من حيث القوة والضعف من حنو اىل‬
‫‪213‬‬
‫حنو‪.‬‬

‫اللغة والفكر والثقافة‪:‬‬

‫‪211‬‬
‫راوية جاموس‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا عرب ثقافتها‬
‫‪212‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪-143‬‬
‫‪144‬‬
‫‪213‬‬
‫انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪145‬‬

‫‪124‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫خزان ثقاِف فكري وديوان للحضارة‪ ،‬فالطفل الَّذي نعلمه اللغة العربيَّة‪ ،‬فنحن على‬ ‫إن اللغة َّ‬ ‫َّ‬
‫اْلصح نعلمه الثَّقافة العربيَّة بكل تفصيَلهتا‪ ،‬يلتزم بقيم متكلِميها َّ‬
‫ويتشرب أمناطَهم ِف التَّفكري والرؤية‬
‫أي ختلف ِف اللغة يلزمه ختلُّف ِف‬ ‫إىل العامل واْل ْشياء‪ ،‬وهذا ما ِ‬
‫تعجز عنه الوسائط اْلخرى‪ ،‬وم ْنه؛ َّ‬
‫فإن َّ‬
‫ْلن اللغة ليست وسيلة بريئة ِف التعلم‪ ،‬بل‬‫الثقافة والوجدان اجلمعي واالنتماء إىل الوطن (املواطنة)؛ َّ‬
‫لف‬ ‫إجياِب أو سلبًا‪َّ .‬‬
‫إن قيمة اللغة العربيَّة إذًا ال تكمن ِف قدسيَّتها أو ما يلف َّ‬ ‫شحنة ميكن أن تستثْمر ً‬
‫‪214‬‬
‫ذلك‪ ،‬بل فيما تقوم به من تقطيع مفهومي ودفْع للمتكلم واملتعلم إىل االنتماء إليها‪.‬‬
‫تؤدي الثقافة دوراً أساسياً ِف تلوين الدالالت‪ ،‬وحتديد املعاين ِف اللغة‪ ،‬وكثرياً ما حتدث‬
‫اْلخطاء بسبب اجلهل بثقافة اللغة‪ .‬وْلمهية الثقافة‪ ،‬أصبحت هدفا رئيسا من أهداف تعليم اللغة‪،‬‬
‫وظهر مصطلح الكفاية الثقافية‪ ،‬الذي ال بد من أن يلم به الدارس‪ ،‬وإال كان تعلمه للغة انقصا‪.‬‬

‫اللغة فكر أم وسيلة ؟‬


‫فإن كانت اللغة فكرا‪ ،‬فإننا قد صران نفكر انطَلقا من مرجعيتني خمتلفتني ومتضادتني‪ ،‬كل‬
‫منهما تدعي أهنا على هدى‪ ،‬وأن سبيلها هو سبيل اخلَلص واالنعتاق من ربقة التخلف‪.‬‬
‫أال حتتاج هذه اإلشكالية القائمة ببَلدان وِف الوطن العرب واليت هلا أتثرياهتا السلبية املزمنة‪ ،‬إىل‬
‫ندوة وطنية وعربية سياسية فكرية ثقافية لدراستها والبت فيها بصفة هنائية ؟‬
‫وذلك حّت ال نورث اجليل احلايل واْلجيال القادمة هذا التطاحن اللساين والتنابز اللغوي‪،‬‬
‫الذي سوف يفضي ِف هناية املطاف إىل التخلف أبمسى صوره ال حمالة؟! والدليل على هذا التخلف ما‬
‫نعيشه منذ اسرتداد السيادة الوطنية من صراع لغوي حاد‪ ،‬معرقل لكل جهود التنمية‪ ،‬ومن فوضى‬
‫ثقافية‪ ،‬أربكت أفراد اجملتمع‪ ،‬وزادت ِف اتساع رقعة الشرخ املوجود بني الفصائل الثَلث للنخبة الوطنية‪،‬‬
‫املعربة واملؤمزغة واملفرنسة‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫فكران خمتلفان عرب إفريقي‪ ،‬وفرنسي أوروب‪ ،‬تطبع وأتثر كل منهما بطابع جغرافيا واتريخ‬
‫خمتلفني‪ ،‬ونستعمل وسيلتني تؤدَين وظيفتني خمتلفتني أيضا ومتضادتني‪ ،‬إحدامها تدفع ِبلفرد اجلزائري‬
‫للغرق ِف حبرية االغرتاب واالستغراب واالستَلب‪ ،‬وتوفري عناصر القابلية لَلستعمار‪( ،‬وهذا اثبت علميا‬
‫وأظن أنه الجمال فيه للنقاش‪ ،‬واْلخرى تدعوه للغطس ِف حبرية االستقَللية الثقافية عن الغرب‪ ،‬وإمداده‬
‫ِبا حيصن ذاتيته‪ ،‬ويصون كرامته‪ ،‬وحيفظ وجدانه‪ ،‬من خماطر الذوِبن ِف اَلخر‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫د‪ .‬عبد الرؤوف داتو حسن‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪125‬‬


‫وإن مل يكن اْلمر كذلك‪ ،‬فما اجلدوى من مساعي أنصار نشر الفرنكفونية ِف ربوع العامل ؟‬
‫والعمل على توسيع جماالت استعماهلا ِف فضاءات خارج وطنها اْلم؟‬
‫إن مل تكن من أجل استيعاب اَلخر‪ ،‬وشل قدراته الفكرية والوجدانية‪ ،‬ومن مث اهليمنة والسيطرة عليه‬
‫البتَلعه!!‬
‫إن احلضارات دورات ودول‪ ،‬فالدور العرب اإلسَلمي قادم ال حمالة ِبذن هللا‪ ،‬وتلك سنته ِف كونه‪.‬‬
‫فمنطق التاريخ يؤكد أن دورة احلضارة ال ميكن أن تستقر ِف مكان وزمان واحد‪ ،‬وتلك اْلَيم نداوهلا‬
‫بني الناس‪.‬‬
‫إن ما يعرقل مسرية وجهود املخلصني من أبناء هذا الوطن‪ ،‬التواق للتحرر من هيمنة الغرب الثقافية‪ ،‬هو‬
‫ىهذه اخلَلفات الداخلية الطاحنة‪ ،‬السياسية منها واالجتماعية واللغوية ِبخلصوص‪.‬‬
‫مّت يبلغ البنيان يوما كماله * إذا كنت تبين وغريك يهدم‬
‫أما إن كانت اللغة وسيلة فقط‪ ،‬فإننا نتناول طعامنا ِبَلعق لغة غريان‪ ،‬ونلبس سرابيلهم الفكرية الرثة‪،‬‬
‫اليت أثبتت التجربة عدم جدواها‪.‬‬
‫وقد أضحينا بعد كل تلك التجارب املرة عراة مفضوحني‪ ،‬فَل مناسج لغتنا تركناها تكسوان‪ ،‬وال أقمصة‬
‫لغة غريان صارت تدفئنا‪.‬‬
‫أمل يصل الروائي اجلزائري الكبري رشيد بوجدرة إىل طريق مسدود ـ بعد أن غامر لعدة عقود ِف رحلته‬
‫اللغوية املعروفة‪ ،‬فعاد معرتفا بعدم جدوى اإلحبار ِف مي لغة يعيش أهلها اْلصليون أزمات فكرية حادة‪،‬‬
‫ورِبا اإلفَلس ؟ !‬
‫وقد أدرك حبسه احلضاري ِف هناية مطاف سفره‪ ،‬وهو املتمكن اْلمكن ِف انصية اللغة الفرنسية‪ ،‬وبعد‬
‫جتربة الكتابة اإلبداعية هبا وفيها أن‪ :‬املكسي برزق الناس عرَين؟‪!.‬‬
‫ها هو يعود للكتابة بلغة الوطن‪ ،‬لغة اهلوية احلضارية‪ ،‬لغة االنتماء‪ ،‬لغة اْلمة والشعب‪ ،‬لغة اْلان‬
‫اجلماعي احلضاري للشعب اجلزائري املتميز عن احلضارات اْلخرى‪ ،‬شئنا أم ابينا‪.‬‬

‫الثقافة واملنطق ‪:‬‬


‫وفيما يرتبط ِبملنطق‪ ،‬فاللغة والفكر االستداليل واالستقرائي قرينان ال ينفصَلن‪ ،‬وقد فهم هذا‬
‫االرتباط العلماء املسلمون اْلوائل فقال أبو حيان التوحيدي ( اعلم أن النحو منطق العرب‪ ،‬كما أن‬
‫املنطق حنو اليوانن )وِف معرض االحتجاج بني أحد املتكلمني العرب (أب سعيد السرياِف) وبني املتَ َكلِ ٌم‬
‫ُ‬

‫‪126‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫املسيحي " مـّت " أشار أبو سعيد إىل أن املنطق وضعه رجل من يوانن على لغة أهلها واصطَلحهم‬
‫عليها وما يتعارفونه هبا من رسومها وصفاهتا‪ ،‬وِبلتايل فهو ال يلزم سوى اليواننيني‪ ،‬ولذلك قال حمتجاً‬
‫على مّت بن يونس "إذن لست تدعوان إىل علم املنطق‪ ،‬إمنا تدعوان إىل تعلم اللغة اليواننية"‪ ،‬ومن‬
‫الشواهد التارخيية أنه (عندما تسرب املنطق اْلرسطي بشكل واسع إىل العلوم العربية واإلسَلمية‪،‬‬
‫وبكيفية خاصة إىل النحو والفقه والكَلم‪ ،‬ظل كثريٌ من املشتغلني هبذه العلوم يشعرون وكأن اْلمر يتعلق‬
‫فعَلً بـ"إحداث لغة ِف لغة مقررة بني أهلها "‪ ،‬فلم يرتددوا ِف اإلعَلن عن أن هذا التداخل بني اللغتني‬
‫( املنطقني) هو السبب ِف كثرة املذاهب والنزاعات ِف الثقافية العربية اإلسَلمية‪ .‬ينسب السيوطي إىل‬
‫الشافعي قوله‪ " :‬ما جهل الناس وال اختلفوا إال لرتكهم لسان العرب وميلهم إىل لسان أرسطو طاليس"‬
‫مث يُعلق على ذلك قائَلً ‪ ":‬ما حدث ِف زمن املأمون من القول خبلق القرآن ونفي الرؤية وغري‬
‫ذلك من البدع ( إمنا سببها اجلهل ِبلعربية والبَلغة املوضوعة فيها‪ ...‬وختريج ذلك على لسان يوانن‬
‫ومنطق أرسطو طاليس الذي هو ِف حيز ولسان العرب ِف حيز)‬
‫وقد أشار إىل هذا املفهوم كثريُ من الكتاب واملفكرين املعاصرين‪ ،‬مما أاثر جدالً واسعاً حول‬
‫املنهجية اليت ينبغي سلوكها للرقي ِبْلمة العربية اإلسَلمية‪ ،‬من خَلل استقَللية املنطق‪ ،‬وآلية‬
‫االستدالل‪.‬‬
‫يقول حممود شاكر ‪ " :‬وبني لك اَلن بَل خفاء أن كتب االستشراق ومقاالته ودراساته‬
‫كلها‪ ،‬مكتوبة أصَلً للمثقف اْلوروب وحده ال غريه‪ ،‬وأهنا كتبت له هلدف معني‪ِ ،‬ف زمان معني‪،‬‬
‫وأبسلوب معني‪ ،‬ال يراد به الوصول إىل احلقيقة اجملردة‪ ،‬بل الوصول املوفق إىل محاية عقل هذا اْلوروب‬
‫املثقف من أن يتحرك ِف جهة خمالفة للجهة اليت يستقبلها زحف املسيحية الشمالية على دار اإلسَلم‬
‫‪215‬‬
‫ِف اجلنوب"‬

‫الثقافة وروح اللغة ‪:‬‬


‫نبض يتفاعل مع‬
‫وفيما يرتبط ِبا يسمى بروح اللغة اليت هي لسان الثقافة ونـَ َف ُسها‪ ،‬فاللغة ٌ‬
‫املشاعر واْلحاسيس فيؤثر فيها‪ ،‬واللغة منطق عقلي عميق يعطي إحياءات وإمياءات ال يسرب غورها إال‬
‫من ارتوى من معينها وترعرع بني غصوهنا وهضم لبها وقشورها‪ ،‬وهذا لن يكون ِف الغالب إال ابن‬
‫جلدهتا وبيئتها‪ .‬يقول اْلستاذ حممود شاكر ِف معرض تعليقه على فِريَة املوضوعية املزعومة " أفمستطيع‬

‫‪215‬‬
‫حممود حممد شاكر‪ ،‬املتنيب ‪ :‬رسالة ِف الطريق إىل ثقافتنا‪ ،‬مطبعة املدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1407 ،‬هـ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪127‬‬


‫ي هبا صغرياً‪ ،‬وهبا صار إنساانً انطقاً بعد أن كان ِف‬ ‫ِ‬
‫هو (الباحث) أن يتجرد من سلطان اللغة اليت غُذ َ‬
‫املهد وليداً ال ينطق ؟ أ فمستطيع هو أن يتجرد من سطوة الثقافة اليت جرت منه جمرى لبان اْلم من‬
‫وليدها ؟ ‪..".‬‬
‫ويعلل ( القفاش والشهاب ) عدم جناح أجهزة الرتمجة اَللية ِبلشكل املطلوب إىل ( ذلك الثراء‬
‫الديناميكي الكامن ِف اللغة اإلنسانية‪ ،‬هذا الثراء الذي يؤدي لإلبداع املستمر ِف استخدامنا اليومي‬
‫للغة كنسق معرِف إنساين اجتماعي )‪ .‬ولعل من اْلمثلة الواضحة اليت يدركها اإلنسان حبسه الفطري‬
‫البسيط هو ترمجة الشعر واْلدب‪ ،‬فهل تذوق اْلديب العرب للشعر العرب كتذوقه لألدب اإلجنليزي‪،‬‬
‫والعكس صحيح أيضاً‪ ،‬أمل يقل الرسول صلى هللا عليه وسلم ( إن من البيان لسحرا ) أين يكمن سحر‬
‫البيان أهو ِف املعىن الظاهر أم الباطن‪ ،‬أم هو ِف مجال اللغة وبَلغة اْلسلوب ونسق الكلم وعمق املعىن‬
‫مما قد يسحر لب السامع فيخلق ِف اخليال صورة أمجل من الصورة احلقيقة للكلمات كما يصنع السحر‬
‫ِبلبصر‪.‬‬
‫فاللغة كائن حي‪ ،‬له روح يتشرهبا البدن من أول قطرة حليب تصل إىل حلق الطفل الرضيع‪.‬‬
‫وإال كيف ميكن تفسري ذلك التأثري الذي حتدثه الكلمات البليغة بصورة يستعصي على اإلنسان‬
‫وصفها‪ ،‬حيث تقلب شعور اإلنسان من وضع إىل أخر مناقض له متاماً عندما تسحره بعض الكلمات‪.‬‬
‫واْلمثلة من ذلك من التاريخ اإلسَلمي واضحة وجلية‪.‬‬

‫االرتباط بني اللغة والثقافة كبريٌ جداً‪ ،‬وأن قوة ومتانة هذا االرتباط تشري إىل أن العَلقة بني‬
‫اللغة والثقافة‪ ،‬وأن التقارب والتشابه بني الثقافات ينعكس أتثريه على مدى مصداقية التواصل الثقاِف‬
‫من خَلل اللغات‪ .‬وال شك أن الفارق كبري جداً بني الثقافة اإلسَلمية العربية ِف الشرق وبني الثقافة‬
‫النصرانية العلمانية ِف الغرب‪ ،‬مما يشري بشيء من االهتام إىل مدى إمكانية اإلحَلل الثقاِف بينها‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫اللغـة والثقـافـة واهلـويـة‪:‬‬
‫عقدت ندوة ِف املغرب‪ ،‬وكان موضوعهـا هو‪" :‬من االستقـَلل السياسي إىل االستقـَلل الثقـاِف‬
‫واالقتصـادي والقـانوين"‪ .‬وأهـم اْلفكـار اليت تبلـورت وبـرزت من خـَلل هذه النـدوة اهلـامة تتلخـص فيمـا‬
‫يـأت‪ :‬منـذ االستقـَلل السياسي للمغـرب‪ ،‬مل يستطـع بلـدان إىل اَلن أن يتخلـص من اهليمنـة الثقـافيـة‪،‬‬

‫‪216‬‬
‫عمـرو ِبحلسـن‪ ،‬اللغة والثقافة واهلوية‪.‬‬

‫‪128‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فـإن تبعيتنـا املطلقـة جتـاه فرنسـا على اخلصوص ال يـرقى إليهـا أي شـك‪ .‬فاللغـة الفرنسيـة هي املهيمنـة ِف‬
‫كـل اجملـاالت ابتـداء من التعليـم‪ ،‬ومـرورا ِبإلدارة وخمتلـف القطاعـات اْلخـرى‪ .‬فكـل املراسـَلت وكـل‬
‫اللقـاءات واملعامـَلت إمنـا تتـم ِبلفرنسيـة‪ .‬والغـريب أن الدستـور ينـص على أن لغـة البـَلد الرمسيـة هي‬
‫اللغـة العربيـة‪ .‬غيـر أن ذلك ال جيـد ترمجـة على أرض الواقـع‪ .‬مث إنه ال السلطـة التشريعيـة‪ ،‬وال السلطـة‬
‫التنفيذيـة‪ ،‬وال السلطـة القضائيـة‪ ،‬تكتـرث هلـذا اْلمـر أو حتـاول تفعيلـه أو تطبيقـه ِبجلديـة املطلوبـة‬
‫والفعاليـة الَلزمـة‪ .‬بل إن احلكـومة‪ ،‬بواسطـة وزيرهـا اْلول‪ ،‬قد أصـدرت مذكـرات عـدة للحـث على‬
‫استعمـال اللغـة العربيـة‪ ،‬على اْلقـل ِف املراسلـة مع املواطنيـن‪ ،‬إال أن ذلك مل يلـق آذانـا صاغيـة ومل جيـد‬
‫أبـدا سبيلـه إىل التنفيـذ‪ ،‬دون أن يتـرتب عن ذلك أي رد فعـل حكـومي أو برملـاين يذكـر‪ .‬والنتيجـة هو مـا‬
‫نشاهـده من وضعيـة مزريـة للغتنـا الرمسيـة اليت هي رمـز من رمـوز هويتنـا القـوية‪ ،‬واليت متثـل أداة ال غىن‬
‫عنهـا إلثبـات وجودنـا وتنميـة ثقافتنـا وإشعاعنـا احلضـاري‪ .‬فصـار االستـَلب اللغـوي والثقـاِف سيـد‬
‫املوقـف‪ .‬وصـار ينظـر إىل كـل الذيـن يتقنـون العربيـة‪ ،‬ويدافعـون عنهـا نظـرة ملـؤها االزدراء واالحتقـار‪.‬‬
‫وهـذا هو االستعمـار أببشـع صـوره‪ .‬مث إن نظـامنا الرتبـوي والتعليـمي أضـحى يفـرز انشئـة ال تتقـن ال‬
‫العربيـة وال الفرنسيـة‪ ،‬وهذه هي الكـارثة‪ .‬وهنـاك جـانب آخـر خطيـر يكـرس هذه احلـالة‪ ،‬ويكمـن ِف‬
‫إعطـاء اْلولويـة للفرنسيـة ِف برامـج القطـاع اخلـاص التعليـمي‪ ،‬الذي أصبـح يقـدم ذلك على أنـه نـوع من‬
‫اجلـودة والتميـز‪ .‬هـذا إضافـة إىل مراكـز التدريـس للبعثـات الثقافيـة الفرنسيـة وكـذا املراكـز الثقافيـة‪ ،‬اليت‬
‫تعمـل على تعميـق الفرانكفونيـة ِبعنـاها السيء‪ ،‬أي الذي يسـلب اهلويـة ويعـزز التبعيـة الفكريـة والثقافيـة‪.‬‬

‫ولقد ثبت واقعياً أن انداثر اللغة القومية ْلمة ما‪ :‬هو انداثر ذاهتا وغياب شخصيتها وحقيقة‬
‫أدل على ذلك من حال اهلنود احلمر ِف القارة اْلمريكية حني غزاهم املهاجرون‬ ‫وجودها‪ ،‬وال َّ‬
‫اْلوروبيون‪ ،‬فعملوا فيهم عسكرَيً وثقافياً حّت أفقدوهم لغتهم وِبلتايل ذاتيتهم وهويتهم اخلاصة‪ ،‬وكذلك‬
‫السود‪ ،‬اجمللوبني من إفريقيا؛ إذ مل يبق هلم من مجيع أصوهلم‬
‫ما حصل ِف أوروِب وأمريكا حبق الرقيق ُّ‬
‫‪217‬‬
‫وخلفياهتم إال ما تفرضه الوراثة من اْلشكال واْللوان‪.‬‬

‫‪ 217‬د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪129‬‬


‫وق ــال مص ــطفى ص ــادق الرافع ــي –رمح ــه هللا‪ " : -‬م ــا ذل ــت لغ ــة ش ــعب إال ذل‪ ،‬وال احنط ــت إال‬
‫كان أمره ِف ذهاب وإدِبر؛ ومن هذا يفرض اْلجنيب املستعمر لغته فرضا علـى اْلمـة املسـتعمرة‪ ،‬ويـركبهم‬
‫بــها‪’ ،‬ويشــعرهم عظمتــه فيهــا‪ ،‬ويسـتلحقهم مــن انحيتهــا‪ ،‬فــيحكم علـيهم أحكامــا ثَلثــة ِف عمــل واحــد ‪:‬‬
‫أما اْلول ‪ :‬فيحبس لغتهم ِف لغته سجنا مؤبدا‪ ،‬وأما الثاين ‪ :‬فاحلكم على ماضيهم ِبلقتـل حمـوا ونسـياان‪،‬‬
‫وأما الثالث ‪ :‬فتقييد مستقبلهم ِف اْلغَلل اليت يصنعها‪ ،‬فأمرهم من بعدها ْلمره تبع "‪.‬‬
‫وق ــال مج ــال ال ــدين اْلفغ ــاين ‪ " :‬لق ــد أمه ــل اْلت ـراك أم ـراً عظيم ـاً‪ ،‬وه ــو اخت ــاذ اللس ــان الع ــرب لس ــاانً‬
‫للدولــة‪ .‬ولــو أن الدولــة العثمانيــة اختــذت اللســان العــرب لســاانً رمسيـاً‪ ،‬وســعت لتعريــب اْلتـراك لكانــت ِف‬
‫أمنع قـوة‪ .‬ولكنهـا فعلـت العكـس إذ فكـرت بترتيـك العـرب‪ ،‬ومـا أسـفهها سياسـة وأسـقمه مـن رأي‪ .‬إنــها‬
‫لو تعربت النتفت من بني اْلمتني النعرة القومية"‬

‫وهنـا ال بـد من اإلشـارة إىل خلـط شائـع ِف أذهـان النـاس‪ ،‬وهـو الفـرق البيـن بني لغـة التدريـس‬
‫وبني تدريـس اللغـات‪ .‬فهـذا اْلخيـر طبعـا البـد منـه‪ ،‬إال أنـه ال جيـب أن يفـرض على اجلميـع‪ .‬فاْلمـر‬
‫يتعلـق ِبالنفتـاح على ِبقي اللغـات والثقافـات والعـلوم‪ .‬غيـر أن لغـة التدريـس اْلساسيـة جيـب أن تكـون‬
‫هي العربيـة‪ .‬وهذا ليس أمـرا غريـبا‪ ،‬فالصينيـون يستعملـون لغتهـم رغم مـا فيهـا من تعقيـدات‪ ،‬والياِبنيـون‬
‫كذلك‪ ،‬ونسبـة الذين يعرفـون اإلجنليزية من الياِبنييـن ال يتجـاوز ‪%.0.3‬‬
‫وأخيـرا‪ ،‬ال بـد من ذكـر أمـر حيـوي وجوهـري ِف هـذا اجملـال‪ ،‬ويتمثـل ِف هيمنـة اْلطـر املتخرجـة‬
‫من معاهـد ومدارس فرنسيـة ِف خمتلـف دواليـب الدولـة‪ ،‬وكـذا ِف املؤسسـات الوطنيـة الكبـرى‪ ،‬وِف أهـم‬
‫شركـات القطـاع اخلـاص‪ .‬وهـذا مـا خيلـق إحساسـا ِبلغبـن واإلحبـاط لدى املتخرجيـن من اجلامعـات‬
‫واملعاهـد واملدارس املغربيـة‪ ،‬الذين يكـون مـآهلـم إمـا البطـالة أو تسلـم مناصـب أدىن درجـة من الفئـة‬
‫اْلوىل‪ .‬وِف ذلك ميـز يتكـرس مع مـرور الزمـن‪ ،‬نظـرا ْلن املمسكيـن ِبقاليـد اْلمـور هلـم ثقـافة وتكـوين ال‬
‫يعتـرف ِبلعربيـة وال علـم لـه ِبوروثنـا الثقاِف واحلضـاري‪.‬‬
‫وأمـام هذا الوضـع املـأساوي لرمـز هويتنـا‪ ،‬ألـم يـأن لنـا مجيعـا أن نقـف صفـا واحـدا لتغييـر هـذا‬
‫املسـار‪ ،‬والعمـل على فـرض احتـرام لغتنـا الرمسيـة بكـل الوسائـل املتـاحة ؟‬
‫إن اجملتمـع املـدين‪ِ ،‬بـا ِف ذلك اْلحـزاب السياسيـة واجلمعيـات الثقافيـة‪ ،‬وكـذا ممثـلي اْلمـة ِف‬
‫الربملـان‪ ،‬كـل أولئـك مدعـوون بقـوة وِبحلـاح للنهـوض هبـذه املهمـة التارخييـة املصرييـة‪ ،‬وإرجـاع اْلمـور إىل‬
‫نصاهبـا‪ ،‬وإحـَلل لغتنـا مـا تستحقـه من مكـانة مرموقـة وطبيعيـة ِف كـافة اجملـاالت‪.‬‬

‫‪130‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫القومية اللغوية والثقافة‪:‬‬
‫يطلق مصطلح القومية اللغوية على ارتباط صيغه لغوية واحدة ِبلعضوية ِف جمتمع قوي واحد‪.‬‬
‫ومثال ذلك ما حدث أثناء الثورة الفرنسية حني ارتبط مفهوم اللغة القومية بثقافة قومية واحدة؛ وكان‬
‫‪218‬‬
‫ذلك بغرض االستعاضة ِبللغة القومية عن اللهجات االقليمية املتباينة واملمارسات احمللية املختلفة‪).‬‬
‫وعادة ما ترد الدول ذات السيادة على مثل هذه امليول االنفصالية بزَيدة الرتكيز على اهلوية‬
‫القومية من خَلل الرتكيز على اللغة القومية أو من خَلل الرتكيز على مفهوم التعدد الثقاِف‪ ،‬كتلك‬
‫اجلهود اليت تبذهلا حاليا حركة اللغة اإلنكليزية االمريكية ِف الوالَيت املتحدة لتعديل الدستور سعيا‬
‫لتسمية اللغة االنكليزية اللغة القومية الرمسية للوالَيت املتحدة‪ ،‬ويرى احملللون أن احلكومة االمريكية ال‬
‫تسعى من وراء ذلك إىل ضمان وضوح الفهم اللغوي بني اجلميع فقط‪ ،‬وإمنا تسعى أيضا إىل حتقيق‬
‫‪219‬‬
‫اهليمنة الثقافية من خَلل اللغة‪.‬‬
‫اللغة العربية هي الوسيلة الرئيسة اليت ندير به حياتنا االجتماعية‪ ،‬وعندما تستخدم اللغة ِف‬
‫سياقات التواصل تنعقد الصلة بينها وبني الثقافة ِف نواح كثريه ومتشابكه‪.‬‬
‫الكلمات اليت ينطق هبا الناس تشري إىل خربه مشرتكه‪ .‬وتستخدم هذه الكلمات ِف شرح وقائع‬
‫أو أفكار أو أحداث قابله للنقل؛ ْلهنا تشري إىل خمزون من املعرفة هبذا العامل يشرتك فيه آخرون‪ .‬تعكس‬
‫الكلمات أيضا مواقف كتاهبا ومعتقداهتم ووجهات نظرهم اليت قد يشاركهم فيه اَلخرون أيضا‪ .‬تضطلع‬
‫اللغة ِف احلالتني ِبلتعبري عن واقع ثقاِف‪.‬‬
‫إن الطريقة اليت يستخدم هبا الناس اللغة‪ -‬منطوقه كانت أو مسموعة أو مكتوبة أو مرئية تنشئ‬
‫معان يفهمها أعضاء اجلماعة اليت ينتمون إليها من خَلل أسلوب املتحدث‪ ،‬مثَل‪ ،‬وتربة صوته وطريقته‬
‫ِف احملادثة وامياءاته وتعبريات وجهه‪ .‬إذن جتسد اللغة واقعا ثقافيا من خَلل مجيع مظاهرها اللفظية وغري‬
‫‪220‬‬
‫اللفظية‬

‫‪ 218‬انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪122‬‬
‫‪ 219‬انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪124‬‬
‫‪ 220‬انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪15‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪131‬‬


‫إن اللغة نسق من الع َلمات نعده ذا قيمه ثقافيه ْلن املتحدثني يعربون عن هويتهم وهوية‬
‫اَلخرين من خَلل استخدامهم هلا‪ .‬فهم يرون أن استخدامهم للغتهم رمز هلويتهم االجتماعية‪ ،‬ومنع‬
‫‪221‬‬
‫استخدامها رفض هلويتهم االجتماعية وثقافتهم‪ .‬وعليه ميكننا القول‪ :‬إن اللغة ترمز إىل واقع ثقاِف‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن ثقافة معلم اللغة العربية للناطقني بغريها جيب أن تبىن على ما به يتحقق‬
‫تعميق املفهوم اللغوي‪ ،‬وتنمية املهارات اللغوية لدى الدارسني‪ ،‬من أجل تعميق املفهوم الديين لديهم‬
‫‪222‬‬
‫على أسس سليمة‪.‬‬

‫اهلوية الثقافية ‪:‬‬


‫من املعروف للقاصي والداين أن هناك صلة طبيعية بني اللغة اليت تتحدث هبا مجاعة اجتماعية‬
‫من الناس وبني هوية هذه اجلماعة‪ .‬فمن خَلل اللهجة اليت ينطقون هبا‪ ،‬واملفردات اليت يستخدموهنا‪،‬‬
‫وأمناط اخلطاب اليت يستخدموهنا‪ ،‬يقوم الناس بتعريف أنفسهم وهم ال يشعرون‪ ،‬ويعرفهم اَلخرون‬
‫بوصفهم أعضاء ِف هذه اللغة أو تلك أو هذا اخلطاب االجتماعي أو ذلك من خَلل هذه العضوية‬
‫يستمد اْلفراد قوهتم الشخصية وكربَيءهم الوطنية كما يستمدون ِبحساسهم أبمهيتهم االجتماعية‪،‬‬
‫وتواصلهم التارخيي من خَلل استخدامهم لنفس اللغة اليت تستخدمها اجلماعة اليت ينتمون اليها‪.‬‬
‫ولكن كيف حندد اجلماعة االج تماعية اليت ينتمي اليها املرء؟ يستطيع املرء ِف اجملتمعات املنعزلة‬
‫املتجانسة مثل سكان جزر الرتوبرَيندر الذين كانوا موضوعا لدراسات برونسلو مالونوفكسي‬
‫االنثرولبوجية يستطيع املرء أن حيدد العضوية ِف مجاعة اجتماعية ما تبعا للممارسات الثقافية املشرتكة‬
‫والتفاعَلت اليومية املباشرة بني أعضاء هذه اجلماعة أو تلك‪ .‬وأما ِف اجملتمعات احلديثة ذات البنية‬
‫التارخيية املتشابكة‪ -‬وهي جمتمعات مفتوحة‪ -‬يصبح تعيني حدود اهلوية لدى مجاعة اجتماعية بعينها‬
‫‪223‬‬
‫والوقوف على اهلوَيت الثقافية واللغوية ْلعضائها أمرا ِبلغ الصعوبة‪.‬‬

‫‪ 221‬انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪" 222‬اإلعداد الثقاِف ملعلم اللغة العربية للناطقني بغريها "‪ ،‬د‪ .‬خليل أمحد عمايره ندوة تطوير برامج إعداد معلمي‬
‫اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى‪ ،‬اخلرطوم‪.‬‬
‫‪ 223‬انظر ‪ :‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي )‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪-111‬‬
‫‪112‬‬

‫‪132‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اهلوية العربية اإلسالمية‪:‬‬
‫وتعترب اللغة من أهم العناصر اليت تُ َشكِل هوية أية مجاعة وأي وطن‪ ،‬وهي اليت تطبع‬
‫هذه اهلوية بطابعها الثقاِف املميز‪ .‬واللغة العربية هي اللغة املشرتكة اليت يتحدث هبا مجيع أبناء اْلمة‬
‫العربية‪ ،‬وهي لغة الرتاث املشرتك‪ ،‬ولغة العلم والثقافة‪ ،‬وِبلتايل لغة التحديث واحلداثة‪ .‬إهنا الرابطة‬
‫املتينة اليت توحد بني مستوَيت اهلوية ِف الوطن العرب‪ ،‬وهي اْلداة اليت هبا ميكن للعرب الدخول ِف‬
‫العاملية وحتقيق احلداثة‪ .‬وميكن للغة العربية ‪ -‬إذا أردان‪ -‬أن تكون جسراً تعرب عليه ثقافات الشرق‬
‫والغرب‪ ،‬فينتقل إلينا بواسطتها ما وصل إليه اَلخرون من تقدم علمي وتكنولوجي‪ ،‬ويكون َد ْوُران‬
‫اْلهم ِف تفعيل حركة النقل والرتمجة هو دقة االختيار والرتكيز على ما يفيد خططنا‪ .‬لقد أنفقت‬
‫الياِبن عشرات املليارات على حركة الرتمجة لتضع شعبها ومؤسساهتا اْلكادميية على قدم املساواة‬
‫معرفياً مع العامل الذي كانت تقوم عليه العوملة املعاصرة‪ .‬فهل ميكننا أن نفعل شيئاً شبيهاً ِبا فعلته‬
‫‪224‬‬
‫الياِبن ِف هذا اجملال؟‬

‫تعترب "اللغات من أعظم شعائر اْلمم اليت هبا يتميزون"‪ ،‬وعليها جيتمعون‪ ،‬وهبا يتَّحدون‪ ،‬وعلى‬
‫أساسها يكون رمز وجودهم؛ إذ بفقدها أو ضعفها يكون الذوِبن اْلممي‪ ،‬وفقدان اْلصالة‪ ،‬وذهاب‬
‫الشخصية‪ ،‬وضياع الرتاث‪ ،‬فالرابطة ِف غاية القوة بني ضعف لغة ما واضمحَلهلا‪ ،‬وبني ضعف أهلها‬
‫وختلفهم؛ وهلذا يعترب الباحثون ِف اللغات أن ضياع لغة أمة من اْلمم ما هو إال ضياع ثقافة أهلها‪،‬‬
‫وِبلتايل ضياع هويتها؛ إذ اللغة حتمل أهم املَلمح املكونة للهوية الذاتية اخلاصة بكل أمة حني تشرتك‬
‫مع الدين ِف تكوين الثقافة واحلضارة ْلمة ما من اْلمم‪ ،‬ومما يدل على ذلك ما كان للغة العربية من‬
‫دور فعَّال ِف تواصل اجلماعات اليهودية املتفرقة ِف املنفى‪ ،‬والربط بينها برابط اللغة‪ ،‬رغم هتيئ مجيع‬
‫الظروف السياسية واالجتماعية والثقافية لضياعهم وذوِبهنم ِف اْلمم اْلخرى؛ وهلذا مازال اليهود‬
‫يؤكدون على لغتهم العربية عرب مؤمتراهتم‪ ،‬وحيرصون على نشرها بينهم‪ ،‬فاللغة هبذا املعىن هي اجلزء‬

‫‪224‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ ،‬كلية اَلداب – جامعة امللك سعود‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪133‬‬


‫املشرتك بني أفراد الشعب‪ ،‬وهي الوطن املعنوي هلم‪ ،‬وإن كانوا متفرقني أبجسادهم ِف البَلد‬
‫‪225‬‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫"العربية" هوية ‪:‬‬


‫ـإن "العربيـة" حتديـ ًـدا هويــة ْلصــحاهبا (العــرب)‪ ،‬ولغــريهم‬ ‫وإذا كانـت "اللُّغــة" مطلقــة هــي اهلُويـَّة‪ ،‬فـ َّ‬
‫ذات خصوصـية‪ ،‬فهــي أعلــى مســتوى مــن جم َّـرد لغــة وأكثــر عم ًقـا‪ ،‬وأشـ ُّـد‬ ‫ِ‬
‫( َمـن يتعبَّـدون هبــا مـن املســلمني) ُ‬
‫متييزا هلم‪َّ ،‬إهنا هوية مـن طـراز خـاص‪ ،‬متتلـك الكثـري مـن عناصـر الق َّـوة الـيت تعطيهـا هـذا‬ ‫التصاقًا بناطقيها و ً‬
‫َّ ‪226‬‬
‫كله‪.‬‬
‫والتزام العربية لغة للتعليم جبميع مراحله واالستعمال واملكاتبات والكتاِبت والبحوث وجب‬
‫قومي وديين‪ ،‬وهكذا تعمل كل اْلمم احلية بلغاهتا‪ ،‬فهذه فرنسا صدر فيها عام ‪1994‬م قانون مسي‬
‫قانون لزوم الفرنسية جاء فيه ضرورة منع استعمال ألفاظ وعبارات أجنبية ِف كل الواثئق واملستندات‬
‫واإلعَلانت املسموعة واملرئية املعروضة على اجلمهور وكل مكاتبات الشركات العاملة على اْلرض‬
‫الفرنسية‪ ،‬واشرتط القانون على البلدَيت واملصاحل احلكومية أال متول سوى املؤمترات والندوات الدولية‬
‫اليت تكون الفرنسية لغتها‪ ،‬كما منع نشر أعمال أي مؤمترات دولية يشارك فيها ِبحثون أجانب ما مل‬
‫تتضمن ملخصات ِبلفرنسية‪ ،‬تضمن القانون املعروف بقانون توبون الذي وافق عليه اْلغلبية الساحقة‬
‫من أعضاء اجمللس التشريعي الفرنسي مواد جزائية وعقوِبت مالية ملن خيالف أحكامه‪.‬جاء ِف املادة‬
‫الثالثة من قانون الثورة الفرنسية (اللغوي) ابتداء من اتريخ نشر هذا املرسوم كل عقد عمومي أو خاص‬
‫ال بد أن حيرر ِبلفرنسية وحدها ومينع نشره بلغة جهوية ‪ ،‬إن كل موظف أو حمرر ضبط عام ‪ ،‬كل عون‬
‫حكومي يقوم ابتداء من هذا التاريخ بتحرير أو تقدمي أو توجيه أو توقيع حماضر أو عقود أو أعمال‬
‫أخرى بلغة غري اللغة الف رنسية يقدم أمام حمكمة اجلنح ‪ ،‬ويعاقب بستة أشهر سجنا وِبلطرد من‬
‫الوظيفة!!!! ينص هذا القانون صراحة على أن استعمال لغة غري الفرنسية ِف فرنسا يعد جرمية مآل‬
‫صاحبها السجن والطرد من الوظيفة وهي من أشد العقوِبت وأقصاها قبل السجن املؤبد واإلعدام ِف‬
‫‪227‬‬
‫فرنسا‪.‬‬

‫‪ 225‬د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية‬


‫‪226‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬
‫‪227‬‬
‫املسألة اللغوية ِف تونس ‪ ،‬سامل لبيض‬

‫‪134‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ال ميكن جتريد اللغة من ثقافتها‪ ،‬ملا بينهما من تَلحم‪ ،‬وعَلقة وثيقة‪ .‬وإذا حاولنا تفريغ اللغة‬
‫من ثقافتها‪ ،‬فإننا سنجد أنفسنا أمام هياكل لغوية خاوية‪ .‬وهذا يعين بعبارة أخرى أن تعلم لغة أجنبية‪،‬‬
‫إمنا هو حماولة للتعرف إىل ثقافة تلك اللغة‪ ،‬وليس جملرد اإلحاطة أببنيتها اللغوية‪ .‬وبـهذا املفهوم فالثقافة‬
‫ليست ترفا‪ ،‬وإمنا هي نشاط أصيل ِف برامج تعلـيم اللغة الثانية‪ .‬ومن الواضح أن الثقافة كمجموعة من‬
‫أمناط السلوك‪ ،‬وأشكال اإلدراك الراسخة لدى الشخص‪ ،‬أصبحت من اْلمور املهمة ِف تعليم اللغة‬
‫الثانية‪ .‬فأي لغة جـزء من ثقـافة‪ ،‬وأي ثقافة جزء من لغة‪ .‬واالثنتان متصلتان اتصاال وثيقا‪ ،‬يصعب معه‬
‫فصل أي منهما عن اَلخر‪ ،‬دون فقدان معىن اللغة‪ ،‬أو معىن الثقافة‪ .‬واكتسـاب اللغـة الثانية‪ ،‬هو‬
‫‪228‬‬
‫كـذلك اكتساب ثقافة اثنية‪.‬‬

‫اللغة ِف أي جمتمع هي مرآة ثقافته‪ ،‬وهي الوسيلة اليت تستخدمها الشعوب للتعبري عن العناصر‬
‫املختلفة للثقافة‪ :‬عاداهتا ومفاهيمها وتقاليدها وقوانينها‪ .‬ويوجد تكامل بني اللغة والثقافة‪ ،‬وكَلمها‬
‫يُكتسب من خَلل االإراط ِف اجملتمع‪ ،‬فالتكامل بني اللغة والثقافة على درجة كبرية من‬
‫اْلمهية‪ .‬والثقافة عملية تراكمية مستمرة‪ ،‬فهي بقدر ما تضيف من اجلديد‪ ،‬حتافظ على الرتاث السابق‪،‬‬
‫وجتدد قيمه الروحية والفكرية واملعنوية‪ .‬وبذلك ميكن تقسيم الثقافة إىل‪ :‬مكوانت الثقافة احلياتية‬
‫للشعوب (التقاليد والقيم اجلمالية واْلخَلقية واْلعراف واملعتقدات – الطعام – املناسبات القومية‬
‫واْلعياد– املَلبس القومية – الطقوس الشعبية – الفنون التشكيلية – الفنون الشعبية)‪.‬مهارات‬
‫االتصال الثقاِف‪( :‬اإلقناع – حل النزاعات – احلوار – التسامح – التواصل – التقدمي والعرض –‬
‫التفاوض)‪.‬‬
‫العَلقة بني اللغة والثقافة تربز أمهية التكامل بني اللغة والثقافة بوضوح ِف جمال تعليم اللغات‬
‫عامة‪ ،‬واللغات اْلجنبية خاصة‪ .‬ومن املؤكد أن تدريس اللغة بدون تدريس الثقافة ال يفيد الدارسني‬
‫بصورة فعالة‪ ،‬كما أن تدريس اللغة من دون تدريس حمتواها الثقاِف يعد ِبثابة تدريس رموز ليس هلا‬
‫معىن‪ ..‬إهنا ِف هذه احلالة عبارة عن قوالب شكلية‪ِ .‬بإلضافة لذلك فإنه عندما يتعلم دارسو لغة أجنبية‬
‫ما ثقافة شعب هذه اللغة وما حتمله من مفاهيم وأمناط ثقافية مثل‪ :‬التقاليد والعادات؛ فإهنم يكتسبون‬

‫‪ 228‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪283 - 282‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪135‬‬


‫هذه الثقافة ويتعرفون عليها ويتفاعلون معها‪ ،‬ومن هنا ميكن القول إن اللغة هي املرآة احلقيقية لثقافة أي‬
‫شعب من الشعوب اإلنسانية‪ .‬من جهة أخرى فإن التكامل بني اللغة والثقافة يؤدى إىل تنمية املهارات‬
‫اللغوية واملهارات الثقافية لدى الدارسني‪ ،‬كما جيعلهم متجاوبني بصورة أفضل مع الناطقني اْلصليني‬
‫للغة‪ .‬بناء على ذلك يكون الدارسون ِف هذه احلالة قادرين على فهم أفكار وسلوكيات الشعوب اليت‬
‫يتعلمون لغتها‪ ،‬كما وأهنم قادرون على فهم املعاين اليت يستخدموهنا‪ .‬ظهر من خَلل التطبيق العملي أن‬
‫استخدام الثقافة ِف دروس اللغة اْلجنبية وإطَلع الطَلب على نواحيها املختلفة يؤدي إىل تشويق‬
‫الطَلب وتعلقهم وحبهم للغة‪ .‬ومن الواضح أن الثقافة بكل أشكاهلا جتد جتسيداً هلا ِف اللغة‪ .‬إن ما مييز‬
‫الثقافة هو طابعها الوطين احمللي‪ ،‬وتعترب اللغة اْلداة الرئيسة للتعرف على العامل احمليط والتواصل مع‬
‫اَلخرين والت فاعل مع الثقافات اْلخرى‪ ،‬وِبلتايل هذا جيعلنا نستنتج أن الثقافة غري قابلة للعيش من‬
‫دون اللغة ْلهنا تعيش وترتعرع ِف وعاء هذه اللغة‪ .‬ويقوم الناس بواسطة اللغة ِبستخدام التعابري‬
‫واإلشارات والعادات والتقاليد ونقل املعلومات وحتديد أصول السلوك واعتناق املعتقدات واْلفكار‬
‫والتعبري عن املشاعر واْلحاسيس‪ ،‬ومن املعروف أن اإلنسان ال ميكن له أن يعيش ِف اجملتمع من دون‬
‫هذه العناصر‪ .‬إن اللغة هي الوعاء الذي حيوي بداخله كل أنواع النشاطات الثقافية‪ ..‬من خَلل ما‬
‫تقدم ميكن القول إن اللغة ال ميكنها أن تعيش من دون الثقافة ْلن الثقافة هي مادهتا وأداهتا‪ ،‬وِف‬
‫الوقت نفسه ال ميكن للثقافة أن تتطور وتتجسد على أرض الواقع من دون اللغة؛ ْلهنا هي الوسيلة اليت‬
‫تستعملها الثقافة ليتعرف الناس عليها‪ .‬من خَلل كل ذلك ميكن القول إن اللغة والثقافة صنوان ال‬
‫يفرتقان‪ ،‬بناء عليه فإنه يتوجب على املؤسسات التعليمية أن هتتم ِبلثقافة وتدرسها جنباً إىل جنب مع‬
‫‪229‬‬
‫اللغة ال أن تكتفي بتدريس اللغة اْلجنبية منفصلة عن ثقافتها‪.‬‬

‫انقش النقاد العرب ظاهرة اْلدب اجلزائري املكتوب ِبلفرنسية‪ ،‬وذهب كثريون إيل أن اْلدب‬
‫املكتوب بغري اللغة العربية ال ينتسب إيل هويتها اإلبداعية‪ ،‬وإمنا ينتسب إيل هوية اللغة املكتوب هبا‬
‫وكانت هذه النظرة‪ ،‬وال تزال‪ِ ،‬ف تقديري‪ ،‬جتسيدا لنوع من الفكر القومي اْلصويل املنغلق علي نفسه‪،‬‬
‫والذي يري ِف اللغة ما يكمل نقاء اهلوية الثقافية اليت تصورها هذا الفكر كياان مصمتا‪ ،‬منغلقا علي‬
‫‪230‬‬
‫نفسه بلغته اليت هي عنوان صفاء هذا الكيان‪".‬‬

‫‪229‬‬
‫حممد الدريد‪ ،‬اللغة والثقافة‬
‫‪230‬‬
‫جابر عصفور‪ ،‬اهلوية الثقافية واللغة‬

‫‪136‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أن تدريس اللغة بدون ثقافتها‪ ،‬أو ت ْدريسها من خَلل لغة وسيطة‪ ،‬ال‬ ‫ولقد َّ‬
‫أكدت الدراسات اْلجنبيَّة َّ‬
‫حد ما ‪ -‬مضيعة للوقت واجلهد‪ ،‬سواء‬ ‫يفيد الدَّارسني كثريا؛ بل تصبح عمليَّة تدريس اللُّغة ‪ -‬إىل ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أن اللُّغة تصبح غري انفعة‪ ،‬وعسرية ْ‬
‫الفهم على الدَّارسني‪ ،‬كما‬ ‫ِبلن ْسبة للمعلم أو املتعلم‪ِ ،‬بإلضافة إىل َّ‬
‫َّأهنا هبذا الشَّكل ال تُساعد الدَّارسني على االتِصال الفعَّال أبهل اللُّغة اليت يودون تعلُّمها‪ ،‬وينبغي أن‬
‫تعلم اللغة بذاهتا‪ ،‬وليس من خَلل لغة وسيطة؛ حيث َّ‬
‫إن لكل لغة ذاتيَّتها الثَّقافيَّة‪ ،‬فإذا ْترمجت بعض‬
‫اخلاص هبا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الثقاِف‬
‫َّ‬ ‫فقدت معناها‬
‫ْ‬ ‫كلماهتا إىل لغة أخرى‬
‫ولِلثَّقافة أثر كبري ِف نفوس الدَّارسني؛ إذ تؤدي إىل تنمية االجتاه اإلجياب حنو اللغة الَّيت يتعلَّموهنا؛ َّ‬
‫ْلهنا‬
‫عما ِف‬
‫يتعرف الدَّارسون على أمناط ثقافيَّة جديدة ختتلف َّ‬ ‫جتعل عمليَّة التَّدريس ُممتعة ومشوقة‪ ،‬حيث َّ‬
‫اْلمناط‬
‫يتعرفوا على ْ‬ ‫ثقافاهتم اْلصليَّة‪ ،‬وهذا يؤدي إىل زَيدة اهتِمامات الدَّارسني وإاثرة دافعيَّتهم لكي َّ‬ ‫ِ‬
‫الثَّقافيَّة اجلديدة ِف اللغة املستهدفة‪ ،‬واملقصود هبا هنا اللغة العربية‪.‬‬
‫وِبإلضافة إىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن الثَّقافة تؤدي إىل تقليل العرقيَّة لدى الدَّارسني‪ ،‬ممَّا جيعلهم يتقبَّلون الثَّقافات‬
‫اْلخرى‪ ،‬وتكون لديهم القدرة على التَّكيف والتَّفاعل مع الشعوب اْلخرى‪ ،‬على الر ْغم من اختَِلف‬
‫ثقافاهتم عن ثقافة الدَّارسني اْلصليَّة‪.‬‬
‫ومن خَلل ما سبق يتَّضح مدى أمهيَّة ْتعليم الثَّقافة ِف برامج تعليم اللغات اْلجنبيَّة للدَّارسني‪ ،‬حيث‬
‫املستهدفة وثقافتها‪ ،‬وهذا ينطبق على ْتعليم اللغة العربيَّة‬ ‫ْ‬ ‫تؤدي إىل تكوين اجتاه إجياب حنو اللغة‬
‫وثقافتها‪ ،‬فتعليم الثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة على درجة كبرية من اْلمهيَّة ِف مساعدة الدَّارسني على تعلم‬
‫الفعال مع الشعوب العربيَّة‪ ،‬وتغيري االجتاهات السلبيَّة أو العدائيَّة‬
‫اللغة العربيَّة‪ ،‬وحتقيق االتصال اللغوي َّ‬
‫لدى دارسي اللغة العربيَّة من النَّاطقني بلغات أُخرى‪ ،‬وتكوين االجتاهات اإلجيابيَّة حنو الشعوب العربيَّة‪.‬‬
‫يفتقرون إىل استيعاب مفاهيم الثَّقافة‬ ‫فإهنم ِ‬ ‫أن الدَّارسني ِ‬
‫يصلُون إىل املستوى املتقدم‪َّ ،‬‬ ‫الر ْغم من َّ‬
‫وعلى َّ‬
‫تفاوات ثقافيًّا بني‬
‫أن هناك ً‬ ‫تدل على َّ‬‫العربيَّة اإلسَلميَّة و ْأمناطها‪ ،‬ومازال لدى بعضهم أسئِلة وقضاَي ُّ‬
‫أكدت على َّ‬
‫أن‬ ‫هؤالء الدَّارسني والثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة‪ ،‬وقد كانت هناك بعض اْلسباب الَّيت َّ‬
‫لتعليم اللغة العربية للنَّاطقني‬
‫أن بعض الكتب ْ‬ ‫الرغم من َّ‬
‫اجلانب اللغوي يَطْغى على اجلانب الثَّقاِف‪ ،‬على َّ‬
‫تشتمل على مفاهيم وأمناط ثقافيَّة ‪ -‬يفرتض تزويد الدَّارسني هبا ‪ -‬إالَّ َّأهنا ال جتد َمن‬ ‫بلغات أخرى ِ‬
‫الرتاكيب اللغويَّة إىل نطاق ما حتمله من مفاهيم و ْأمناط ثقافيَّة ِف أثناء عمليَّة التَّدريس‪،‬‬
‫ينقلها من نطاق َّ‬
‫اجعا إىل عدم َحتديد اْلهداف الثَّقافيَّة ضمن برامج تعليم اللغة العربيَّة للنَّاطقني‬
‫فقد يكون اْلمر ر ً‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪137‬‬


‫وطرقه ما يؤكد حتقيقها‪ ،‬وكذلك ِف‬
‫بلغات أخرى بصورة واضحة‪ ،‬ومن مثَّ ال تُظهر أنشطة التَّدريس ُ‬
‫‪231‬‬
‫إعداد املعلم أو ِف احملتوى الَّذي يقدَّم للدَّارسني‪.‬‬
‫أساليب التَّقومي وأدواته أو ِف ْ‬

‫ترك اللغة من مظاهر االهنزامية ‪:‬‬


‫وضعف ِف الدَينة‪ ،‬أدى إىل ركود الفكر‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ظروف سياسية واقتصادية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إمنا أصاب اْلمة من‬
‫وضعف الثقافة‪ ،‬حّت آل اْلمر إىل هذه التبعية املشينة‪ ،‬إن اْلزمة أزمة عزة ال أزمة لغة‪ ،‬وأزمة انطقني ال‬
‫أزمة كلمات‪.‬‬
‫وقصر محاهتا‪ ،‬وإن من الظلم واحليف أن‬
‫إن اللغة مل تضعف ومل تعجز‪ ،‬ولكن ضعف أبناؤها‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ضعاف ِف أنفسهم‪ ،‬يرهبون‬ ‫يتهم هؤالء اْلبناء العاقون الكساىل لغتهم من غري ٍ‬
‫حجة وال برهان‪،‬‬
‫مسكني هذا املثقف الذي ضعف وختاذل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أنفسهم بثورة املعلومات‪ ،‬وترجتف قلوهبم بتقدم التقنيات‪..‬‬
‫وغرب يفتش لعله جيد ميداانً أو مدخَلً‪ ..‬ما الذي يريده هؤالء املساكني؟‬
‫فشرق َّ‬
‫َّ‬
‫هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم؛ فيهاجروا أبلسنتهم وعقوهلم إىل أعدائهم‪ ،‬ويتحولوا إىل‬
‫ٍ‬
‫بلسان غري لساهنا؟!‬ ‫ٍ‬
‫خملوقات تفكر ٍ‬
‫بعقول غري عقوهلا‪ ،‬وترطن‬
‫هل يتخلون عن هويتهم ودينهم وعزهم بسبب نظرة ضيقة‪ ،‬ومنفعة آلية؟ هي ِف مآهلا ومصريها‬
‫وخطر داهم‪ ،‬وبَلءٌ مغدق؟‬
‫ضرر ماحق‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ويزداد الضعف ويتجلى اهلوان عند هؤالء املشككني حني يتفوهون بقوهلم‪ :‬إن استخدام لغة‬
‫اْلمة قد يسبب عزوف الطَلب عن إتقان اللغة اْلجنبية؛ مما يؤدي إىل ابتعادهم عن اْلحباث اجلديدة‬
‫والتطور السريع!‬
‫وحيدثك آخرون عن سوق العمل‪ :‬فرتى خمذولني‪ ،‬مبهورين‪ ،‬يفاخرون ِف بعض كلياهتم‬
‫وأقسامهم أبهنم يدرسون مجيع العلوم لديهم بلغة أجنبية؛ حبجة أن سوق العمل يتطلب ذلك‪ ،‬وهي‬
‫حجج يعلم هللا ويعلم املؤمنون‪ ،‬ويعلم العقَلء أهنا واهية‪ ،‬بل هي ‪-‬وهللا‪ -‬أوهى من بيت العنكبوت لو‬
‫ٌ‬
‫كانوا يعلمون‪.‬‬
‫ولك نها أحوال تذكر بعبودية التسلط واالستعمار ِف بعض البلدان ِف املاضي‪ ،‬وما أشبه‬
‫اْلجواء الثقافية لعهد العوملة احلاضر ِبْلجواء الثقافية بعهد االستعمار الغابر‪ ،‬من حيث جعل‬

‫‪231‬‬
‫اللغة العربية والثقافة اإلسَلمية‬

‫‪138‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫االستَلب الديين عن طريق اهلجوم الشرس على اللغة وزعزعتها ِف حياة اْلمة‪ ،‬وإحَلل اللغة اْلجنبية‬
‫ِبسوغات ِبلية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مصطلحات علمية‪ ،‬وتقنيات‬ ‫وحني حيدثونك عن اللغة وسوق العمل ليتهم حيدثونك عن‬
‫متقدمة‪ ،‬و ٍ‬
‫اتصال ِبجلديد من العلم والتقنية‪ ،‬ولكنه ‪-‬مع اْلسف‪ -‬ليس سوى إاتحة لعمالة وافدة‬
‫متوسطة التأهيل ومتدنية الكفاءة‪ ،‬ترتبع على مواقع العمل ِف املؤسسات والشركات‪ ،‬واْلسواق‬
‫والتجارة‪ ،‬مهمتهم عرض البضائع‪ ،‬وترويج السلع‪ ،‬وترتيب املستودعات‪ ،‬وقيد السجَلت‪ ،‬وضبط‬
‫عمل خمزي‪ ،‬حتولت به املستشفيات والفنادق وبعض أقسام اجلامعات وبعض‬ ‫املراسَلت‪ ..‬سوق ٍ‬
‫اْلسواق ومعارض البضائع والتجارات‪ ،‬واللوحات اإلعَلمية والتجارية‪ ،‬حتول كل ذلك إىل بيئات‬
‫أجنبية‪ ،‬يتبادل فيها أبناء اْلمة لغة أو لغات أجنبية‪ ،‬حّت حتولت قوائم اْلطعمة والسلع واْلسعار إىل‬
‫اللغة اْلجنبية‪ ،‬وفرضت وجودها وأمناطها على شرائح واسعة من أجيال اْلمة؛ فاضطربت لغة التفاضل‪،‬‬
‫وفسدت اْللسن‪ ،‬وزادوا ختلفاً إىل ختلفهم‪ ،‬وضعفاً إىل ضعفهم‪ ،‬وامتألت سوق العمل ِبلوافدين من غري‬
‫حاجة حقيقية‪ ،‬ويريدون من أبناء اْلمة أن يتحدثوا اللغة اْلجنبية من أجل هؤالء‪ ،‬زاعمني أهنم هبذا‬
‫يهيئون ْلبنائهم فرص العمل‪.‬‬
‫مشوخ ال حيين هامته إلغراءات وضع اقتصادي طارئ‪ ،‬أو آليات سوق‬ ‫ال بد ِف اْلمة من ٍ‬
‫عابر‪ ،‬أو مكاسب وقتية عاقبتها اهلَلك والدمار والذوِبن واالنداثر‪.‬‬
‫إن من التناقض الصارخ والغفلة القاتلة‪ :‬أن يتحدث رواد الفقه واملثقفون عن توطني التقنيات‬
‫واستنبات العلوم ِف أرض الوطن‪ ،‬وهم ِف الوقت نفسه يصرون على الدعوة إىل تدريس العلوم والتقنيات‬
‫ِبللغة اْلجنبية‪ ،‬واليت مل يتقنها املتعلمون من غري أهلها‪ ،‬ولو أتقنوها ‪-‬عياذاً ِبهلل‪ -‬كما يتقنها أهلها فقل‬
‫على اْلمة وعلى لغتها بل على وجودها السَلم‪.‬‬
‫إن احلل والسَلمة واحلصانة واملشاركة احلقيقية ِف البناء وسلوك مسالك التقدم الصحيح‬
‫والنظيف هو ِبلتصدي خلطر اإلذابة للعمل املنظم اجلاد بعيداً عن الشعارات اجلوفاء‪ ،‬والكتاِبت‬
‫عمل جاد يكسب املناعة ضد حماولة اإلذابة وطمس اهلوية‪ ،‬ومن َمث املشاركة ِف البناء‬ ‫اخلرساء‪ٌ ..‬‬
‫صدق وجد ِف خدمة الدين‬ ‫ومعطيات احلضارة الصاحلة النافعة؛ إن كان ِف اْلمة غرية‪ ،‬وإن كان َ ة ٌ‬
‫واْلمة واللغة‪ ،‬فالطريق واضح‪ ،‬واحملجة بينة‪.‬‬
‫إن اْلمة حتتاج إىل سياسة لغوية‪ ،‬فليست املشكلة وال القضية ِف معرفة النظرية لقواعد اللغة‬
‫وأصوهلا؛ بل الذي حيتاجه عموم الناس واملتكلمون هو الكفاءة اللغوية ِف النطق والكتابة والتعبري‪..‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪139‬‬


‫حنتاج إىل سياسة لغوية تنسق عمل املؤسسات املعنية ِبللغة وخطاب الناس‪ ،‬وال سيما اإلعَلم بوسائله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال تكون لغة مادة دراسية‬ ‫والتعليم ِبناهجه وطرائقه؛ فتكون الفسحة امليسرة هي اهلدف املنشود‪،‬‬
‫جمردة مفردة معزولة حمصورة بني حيطان قاعات الدراسة ِف ساعات حمدودة‪ ،‬بل جيب أن تكون هي لغة‬
‫مطلوب االهتمام اخلاص ِبللغة ِف التعليم العايل ِف اْلقسام العلمية والنظرية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫احلياة ِف كل ميادينها‪،‬‬
‫وإلزام االلتزام هبا تدريساً وحتداثً وكتابة‪.‬‬
‫مطلوب الغرية الصادقة على اللغة ِف الوقفة الصارمة أمام هذه اْلمساء التجارية والصناعية‬ ‫ٌ‬
‫الوافدة‪ ،‬اليت ال تعكس سوى االهنزام والتبعية والشعور ِبلذلة والدونية‪.‬‬
‫قوة اللغة واستمرارها ‪ِ-‬بذن هللا‪ -‬يعتمد ِبلدرجة اْلوىل على وعي اْلمة وحرصها على رعايتها‬
‫ومحايتها وانتشارها‪ ،‬واليقني اجلازم أبهنا صاحلةٌ ملقتضيات احلال‪ ،‬قادرة على متطلبات الوقت‪ ،‬ومعطيات‬
‫أهداف كربى ختطط هلا الدولة احملرتمة واْلمة العظيمة‪ ،‬فتقيم‬
‫ٌ‬ ‫التحضر‪ ،‬ومستجدات التطور‪ ،‬وتلك‬
‫املؤسسات املتخصصة‪ ،‬وتبين مراكز البحوث املتقدمة‪ ،‬وتؤسس اهليئات الفنية لتعليم اللغة وتطوير‬
‫أساليب تدريسها‪ ،‬وترمجة املصطلحات اْلجنبية‪.‬‬
‫ال بد أن يبقى للغتنا سلوكها‪ ،‬وال بد من تطويق املناعة الذاتية ِف جسم أبناء اْلمة‪ ،‬واالعتزاز ِبلدين‬
‫والدار‪ ،‬والتعامل مع اللغة اْلجنبية ببصرية وحسن استفادة من غري ذوِبن‪.‬‬
‫جيب أن نعلن ونلقن‪ ،‬ونرسم أننا حباجة إىل اْلمن اللغوي‪ ،‬كما أننا حباجة إىل اْلمن الفكري‬
‫والغذائي واملائي‪ ،‬فكل أولئك من ضرورَيت احلياة والعيش الكرمي‪.‬‬
‫ـار كــل مــا هــو أجنــيب واالنبهــار بــه‪ ،‬وِبملقابــل احتقــار واستصــغار كــل مــا‬ ‫ومــن الظـواهر أيضــا إكبـ ُ‬
‫ه ــو عـ ــرب‪ .‬وال أدل عل ــى ذلـ ــك م ــن رواج املطـ ــاعم واحمل ــَلت التجاريـ ــة اْلجنبي ــة‪ ،‬والـ ــذي يقابل ــه تـ ـ ٍ‬
‫ـدن ِف‬
‫الطلــب علــى املنتجــات احملليــة‪ ،‬فقــد مــال الــذوق العــام ِف اْلطعمــة واْللبســة وغــدا أشــبه ِبلــذوق اْلجنــيب‬
‫لدرجة أن أصحاب احملَلت صـاروا يتعمـدون اختيـار اْلمسـاء اْلجنبيـة حملَلهتـم ويسـعون السـترياد البضـائع‬
‫‪232‬‬
‫اْلجنبية أو تقليدها ليضمنوا إقبال الزِبئن عليها‪.‬‬
‫وهنـ ــاك أيضـ ــا ظـ ــاهرة انكمـ ــاش العربيـ ــة لصـ ــاحل اْلجنبيـ ــة ِف كثـ ــري مـ ــن املستشـ ــفيات والشـ ــركات‬
‫والبن ــوك‪ .‬فق ــد غ ــدت اْلجنبي ــة لغ ــة التعام ــل مش ــافهة وكتاب ــة ِف كث ــري م ــن ه ــذه املؤسس ــات رغ ــم الض ــعف‬

‫‪ 232‬د‪ .‬زبيدة بنت حممد خري عرقسوسي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم اللغة اإلجنليزية‪ " ،‬اللغة اْلجنبية واهلوية الثقافية‬
‫للناشئة ِف عصر العوملة "‬

‫‪140‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الواضح ِف استعماهلا وفهمها‪ ،‬مما يـدل علـى أن مـا مـن سـبب لفرضـها إال التظـاهر واملباهـاة بكـل أجنـيب‪.‬‬

‫وهنــاك أيض ــا إقبــال الن ــاس املتزايــد عل ــى املــدارس اْلهلي ــة ومــدارس اللغ ــات وإنفــاقهم اْلم ـوال ِف‬
‫ذلك سعيا وراء ما تقدمه من تعليم لألجنبيـة‪ ،‬ودون تقـدير أو حـّت تفكـري ِف أثـر ذلـك علـى اللغـة اْلوىل‬
‫ْلبنائهم‪ .‬كما أن بعضهم وإن أيقن اْلثر السليب لألجنبية على اللغة اْلوىل فإنه ال أيبه لذلك‪.‬‬
‫واملـ ــرء يعجـ ــب لـ ــتحمس طـ ــَلب جامعاتنـ ــا للغـ ــة اْلجنبيـ ــة رغـ ــم أن البحـ ــوث العلميـ ــة أثبتـ ــت أن‬
‫اْلجنبيــة هــي ســبب معــاانهتم الدراســية‪ ،‬فالســباعي (‪ )1995‬ذكــر دراســتني جت ـريبيتني أجريتــا ِف اجلامعــة‬
‫اْلمريكية ببريوت واجلامعة اْلردنية ِبْلردن واهتمتا ِبقارنة حتصـيل الطـَلب الـذين يدرسـون نفـس املنـاهج‬
‫الطبيـ ــة ِبللغـ ــة العربيـ ــة بتحصـ ــيل أقـ ـراهنم الـ ــذين يدرسـ ــوهنا ِبللغـ ــة اْلجنبيـ ــة‪ .‬وخلصـ ــت الدراسـ ــتان إىل أن‬
‫استيعاب الطـَلب للمنـاهج العربيـة أفضـل بكثـري مـن اسـتيعاهبم للمنـاهج اْلجنبيـة‪ .‬وأكـدت نتـائج دراسـة‬
‫السـباعي (‪ )1995‬نفســها مــا خلصــت إليـه هــذه الدراســات‪ ،‬فقــد اهـتم الســباعي بدراســة متوســط ســرعة‬
‫الق ـراءة ِبللغتــني العربي ــة واإلجنليزيــة عنــد ط ــَلب كليــة الطــب‪ ،‬فوج ــد أن ســرعة الق ـراءة ِبللغ ــة العربيــة ه ــي‬
‫‪ 109.8‬كلمــة ِف الدقيقــة‪ ،‬بينمــا هــي ‪ 76.7‬كلمــة ِف اللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬أي أن الســرعة تزيــد بنســبة ‪٪43‬‬
‫إن متت القراءة ِبللغة العربية‪ .‬ومن هنا يستنتج السـباعي أن طلبـة الطـب سـوف يـوفرون ‪ ٪50‬مـن وقـتهم‬
‫لــو كــان التعلــيم ِبللغــة العربيــة‪ .‬فضــَل عــن أن الدراســة أيضــا تظهــر أن اســتيعاب الــنص العــرب ملوضــوع مــا‬
‫أفضــل مــن اســتيعاب الــنص اْلجنــيب لــنفس املوضــوع ب ـزَيدة ‪ ،٪15‬ممــا يعــين أن نســبة التحصــيل العلمــي‬
‫ستزداد ‪ِ ٪66.4‬ف حـال تعريـب التعلـيم‪ .‬وذكـر أبـو حلـو ولطفيـة (‪ )1984‬أن الدراسـة التقومييـة الـيت قـام‬
‫هبــا جمموعــة مــن املتخصصــني بعن ـوان "تقــومي املرحلــة اْلوىل ِف تعريــب التعلــيم العلمــي اجلــامعي الــيت تبناهــا‬
‫جممع اللغة العربية اْلردين" أظهرت اإفاض نسـبة الرسـوب مـن ‪ ٪30‬عنـدما كـان التـدريس ِبْلجنبيـة إىل‬
‫‪ ٪3‬فقــط حــال التــدريس ِبلعربيــة‪ .‬فضــَل عــن أن النــاجحني قــد وفــروا الكثــري مــن الوقــت واجلهــد مقارنــة‬
‫ِبلدارسني ِبْلجنبية‪ ،‬كما كانت درايتهم ِبملادة العلميـة واسـتيعاهبم هلـا أعمـق وأوسـع مـن غـريهم‪ .‬واملتأمـل‬
‫لنتائج هذه البحوث ونتائج البحوث اليت قاست اجتاهات الطـَلب حنـو اللغتـني العربيـة واإلجنليزيـة ال جيـد‬
‫للتوفيق بينهما إال قول الشاعر‪:‬‬
‫‪233‬‬
‫وعني الرضى عن كل عيب كليلة ولكن عني السخط تبدي املعايبا‬

‫‪ 233‬د‪ .‬زبيدة بنت حممد خري عرقسوسي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم اللغة اإلجنليزية‪ " ،‬اللغة اْلجنبية واهلوية الثقافية‬
‫للناشئة ِف عصر العوملة "‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪141‬‬


‫وإنك لتعجب أكثر من لغة مؤمتراتنا‪" ،‬فَل يكاد يعقد مؤمتر طيب ِف بَلدان إال وفيه ترمجة‬
‫فورية‪ .‬القاعدة هي أن احملاضرين حياضرون ِبللغة اإلجنليزية ويقوم املرتمجون برتمجتها إىل العربية‪ .‬ال أبس‬
‫ِف ذلك طاملا أن أكثر املشاركني ال يعرفون العربية‪ ،‬أما واملؤمتر ‪ِ 90‬ف املائة من احلاضرين فيه عرِب‬
‫أقحاحا ما بني عداننيني وقحطانيني فَل متلك إال أن تسأل نفسك ملاذا ال يكون العكس‪ ،‬أي أن‬
‫تكون احملاضرات ِبلعربية وترتجم إىل االجنليزية‪ ،‬سرعان ما جييبك مطلع على دخائل اْلمور ويقول‬
‫لك‪ ..‬ولكن َي أخي لغة الطب هي اللغة اإلجنليزية‪ .‬وتسأله‪ ..‬ترى كم ِف املائة من الكلمات ِف كتب‬
‫الطب هي كلمات علمية ـ إذا ما استثنيت التكرار ـ وجييبك أبهنا ما بني ‪ 30‬إىل ‪ِ 50‬ف املائة‪،.‬‬
‫وسرعان ما يصدم إذا ما عرف أهنا ال تزيد على ‪ .٪4‬وأان واثق أنك أنت أيضا سوف يرتفع حاجباك‬
‫دهشة مما أقول‪ .‬فلم ال حتاول أن حتصيها بنفسك ‪ .‬وعدم تعليمنا العلوم الطبية ِبللغة العربية قصور فينا‬
‫وليس ِف لغتنا‪ .‬جيب أن أذكر هنا بضرورة إجادة لغة أو لغات أجنبية‪ .‬ولكن علينا أن نفرق بني‬
‫‪234‬‬
‫أمرين‪ ..‬أن نتعلم لغة أجنبية‪ ،‬وأن نتعلم بلغة أجنبية"‬
‫ـحاهبا مهزومـون حضـارًَّي‪ ،‬ال‬
‫ـإن لغـةً أص ُ‬ ‫لعل حمور عناصر الضَّعف هو اهلزميـة‪ ،‬اهلزميـة النفسـيَّة‪ ،‬ف َّ‬
‫و َّ‬
‫أي صــعيد‪ ،‬يُنتظـر فيــه أن تفعـل اللُّغـة فِعلَهــا‪ ،‬أو تقـوم بوظيفتهــا‪.‬‬ ‫أي حت ٍـد‪ ،‬علـى ِ‬
‫ميكـن أن تصـمد ِف وجــه ِ‬
‫فإن أيَّة لغة ‪ -‬مهما كانـت قويـَّة ‪ -‬ال تسـتطيع أن تفعـل شـيئًا ِف عقـول مهزومـة‪ ،‬وألْسـنة معو َّجـة‪.‬‬ ‫وعليه؛ َّ‬
‫‪235‬‬

‫روى احلاكم من طريق ابن شهاب قال‪ :‬خرج عمر بن اخلطاب إىل الشام‪ ،‬ومعه أبو عبيدة بن‬
‫اجلراح‪ ،‬فأتوا على خماضة‪ ،‬وعمر على انقة‪ ،‬فنزل عنها‪ ،‬وخلع خفيه‪ ،‬فوضعهما على عاتقه‪ ،‬وأخذ بزمام‬
‫انقته فخاض هبا املخاضة‪ ،‬فقال أبو عبيدة‪َ :‬ي أمري املؤمنني‪ ،‬أأنت تفعل هذا؟! ختلع نعليك‪ ،‬وتضعهما‬
‫على عاتقك‪ ،‬وأتخذ بزمام انقتك‪ ،‬وختوض هبا املخاضة؟ ما يسرين أن أهل البلد استشرفوك! فقال‬
‫نكاال ْلمة حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إان كنا َّ‬
‫أذل قوم‬ ‫عمر‪َّ :‬أوه لو يقل ذا غريُك أِب عبيدة جعلتهُ ً‬

‫‪ 234‬زهري أمحد السباعي جريدة عكاظ ‪ 21/03/2015‬مؤمتراهتم مؤمتراتنا‪،‬‬


‫‪http://www.okaz.com.sa/new/mobile/20150321/Con20150321760218.ht‬‬
‫‪m‬‬
‫‪235‬‬
‫اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬

‫‪142‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فأعزان هللا ِبإلسَلم‪ ،‬فمهما نطلب العز بغري ما أعزان هللا به أذلنا هللا" (‪ ،)41‬وِف رواية‪َ( :‬ي أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬تلقاك اجلنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر‪ :‬إان قوم أعزان هللا ِبإلسَلم‪،‬‬
‫فلن نبتغي العز بغريه)‪.‬‬
‫وهذا ربعي بن عامر يرسله سعد رضي هللا عنه قبل القادسية رسوال إىل رستم قائد اجليوش‬
‫الفارسية وأمريهم‪ ،‬فدخل عليه وقد زينوا جملسه ِبلنمارق وزراب احلرير‪ ،‬وأظهر اليواقيت والآليل الثمينة‬
‫العظيمة‪ ،‬وعليه اتجه وغري ذلك من اْلمتعة الثمينة‪ ،‬وقد جلس على سرير من ذهب‪ ،‬ودخل ربعي‬
‫بثياب صفيقة وترس وفرس قصرية‪ ،‬ومل يزل راكبها حّت داس هبا على طرف البساط‪ ،‬مث نزل وربطها‬
‫ببعض تلك الوسائد‪ ،‬وأقبل وعليه سَلحه ودرعه وبيضته على رأسه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ضع سَلحك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إين مل آتكم وإمنا جئتكم حني دعومتوين‪ ،‬فإن تركتموين هكذا وإال رجعت‪ ،‬فقال رستم‪ :‬ائذنوا له‪ ،‬فأقبل‬
‫يتوكأ على رحمه فوق النمارق فخرق عامتها‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما جاء بكم؟ فقال‪( :‬هللا ابتعثنا لنخرج من شاء‬
‫من عبادة العباد إىل عبادة هللا‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل سعتها‪ ،‬ومن جور اْلدَين إىل عدل اإلسَلم)‪.‬‬
‫(وحينما كانت البعثات الطَلبية النصرانية تفد إىل دَير اإلسَلم وحواضره لتلقي العلم رغما‬
‫عن رجال الكنيسة كان ذوو هؤالء الطَلب ورجال الكنائس اليت يتبعوهنا يبذلون كل جهدهم لوضع‬
‫حواجز نفسية ِف نفوس هؤالء الطَلب وعقوهلم حتول دون أتثرهم ِبلفكر اإلسَلمي وحبياة املسلمني‪،‬‬
‫ولقد بلغ من حرص الكنيسة على هذا أهنا أصدرت قر َارا كنسيا تقول فيه‪ " :‬إن هؤالء الشبان الرقعاء‬
‫الذين ييدؤون كَلمهم بلغات بَلدهم‪ ،‬مث يكملون كَلمهم ِبللغة العربية لنعلم أهنم تعلموا ِف مدارس‬
‫املسلمني‪ ،‬هؤالء إن مل يكفوا عن ذلك فستصدر الكنيسة ضدهم قرارات حرمان‪ ".‬وأما اليهود‬
‫فتلمودهم وشروحه وتعاليم أحبارهم حافلة بكل ما من شأنه إجياد احلواجز املادية والنفسية بينهم وبني‬
‫سواهم‪ ،‬ولوال هذه احلواجز‪ -‬بغض النظر عن خطئهم أو إصابتهم فيها‪ -‬لذاب اليهود منذ قرون ِف‬
‫‪236‬‬
‫سواهم من اْلمم‪ ،‬وال نتهى وجودهم)‪.‬‬

‫احلفاظ على اللغة العربية مصدر للعزة ‪ ،237‬والعرب تستعمل كلمة (العزة) ِف مقابل (الذلة)‬
‫فقالوا رجل عزيز ورجل ذليل‪ .‬وجاء استعمال (العزيز والذليل) ِف القرآن متقابلتني‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬أ َِذلٍَّة‬
‫ِ‬ ‫َعلَى الْم ْؤِمنِ َ ِ ٍ‬
‫ني أَعَّزة َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫‪238‬‬
‫ين ﴾‬ ‫ُ‬
‫‪236‬‬
‫عودة احلجاب ‪27 / 2‬‬
‫‪237‬‬
‫لألستاذ أمحد أمني‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪143‬‬


‫‪239‬‬
‫ال خصوصية ثقافـيـة يف ظل تبعـية لغـويـة‬
‫إن التشويه اللغوي الذي اعرتى اْلمساء واْلفعال العربية وقواعدمها‪ِ ،‬ف خمتلف مناحي احلياة‬
‫ِبجلزائر والبَلد العربية ِف املقاهي واملطاعم واحملَلت التجارية واملهنية والشوارع واملَلعب واإلدارات‪،‬‬
‫واملؤسسات وإشارات املرور‪ ،‬وأغلفة املنتوجات الغذائية‪ ،‬واملطبوعات اإلدارية‪ ،‬الرمسية‪ ،‬وغري الرمسية‪،‬‬
‫وبعض الصحف اْلسبوعية‪ ،‬والدورَيت اإلعَلمية‪ ،‬مل يكن ليأت هكذا عرضا واعتباطا‪ ،‬أو حبثا عن‬
‫أسهل سبيل للتبليغ واإلعَلم والتواصل‪ ،‬أو لتحريف غري مقصود‪ ،‬إمنا جنم عن نية مبيتة‪ ،‬ما تزال‬
‫تضمرها أطراف عديدة‪ ،‬هلا مصلحة ِف ذلك‪ ،‬وهي احلقيقة اليت أضحت صارخة‪ ،‬وتدعو إىل احلسرة‬
‫على مآل تلك اجلهود الكبرية اليت بذلت فيما سبق‪ ،‬لتعريب احمليط العرب وتعميم استعمال اللغة العربية‬
‫على اجملاالت كافة‪.‬‬
‫هذه اللغة اليت تعرضت ومنذ فرتة زمنية طويلة‪ ،‬إىل حماوالت خبيثة متعددة‪ ،‬ومتعمدة للنيل‬
‫منها‪ ،‬ومسخ صورهتا‪ ،‬بتوقيع أيدي وألسنة أولئك الذين كانت وما تزال تدفعهم حساسيتهم املفرطة‪،‬‬
‫جتاه كل ما يتعلق هبذه اللغة املتميزة ِبلقدرة على احلياة والنماء عرب احلقب والعصور‪ ،‬وِبلصمود‬
‫والتحدي ِف مواجهة أعدائها‪.‬‬
‫القرار الصعب واجلريء الذي ماتزال اللغة العربية ِف انتظار اختاذه‪ ،‬هو ذاك القرار التارخيي‬
‫الذي ميكنها من أن تصبح لغة أوىل لَلقتصاد ولإلدارة‪ ،‬وللديبلوماسية‪ ،‬على غرار بقية لغات العامل‬
‫السيدة‪.‬‬
‫فاْلملاين ال يتعامل أو يتكلم إال بلغته‪ ،‬مهما حاولت استدراجه ْلن ينطق بغريها! حّت ولو امتلك‬
‫انصية لغات العامل‪ ،‬وكذلك الفرنسي واْلجنليزي واإليطايل واإلسباين والياِبين والصيين‪.‬‬
‫فإن كانت املسألة تتعلق ( بغنيمة حرب ـ كما يدعي البعض ـ فلماذا مل حتتفظ اْلندلس ِبللغة‬
‫العربية كغنيمة حضارة ؟! وقد دامت فيها هذه احلضارة ما يربو عن الثمانية قرون ؟! بينما مل يدم‬
‫االستعمار الفرنسي ببَلدان سوى قرن ونيف وبعض البلدان العربية اْلخرى مل تستعمر قط‪ ،‬وقد فعلت‬
‫لغته فينا كل هذه اْلفاعيل؟!‬

‫‪238‬‬
‫جملة الرسالة ‪6 / 227‬‬
‫‪239‬‬
‫؟‬

‫‪144‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فمادامت اْلندلس قد أخذت قسطها من احلضارة العربية اإلسَلمية‪ ،‬ومل حتتفظ بلغة الفاحتني العرب‬
‫واْلمازيغ‪ ،‬ملاذا على اجلزائر أن حتتفظ بلغة هؤالء الفرنسيني الذين ما عمروا بَلدان وما حضروها وما‬
‫طوروها‪ ،‬بل آاثرهم تدل عليهم‪.‬‬

‫قيود التبعية ‪:‬‬


‫ترى ما هو أكثر ما نظنه حقيقة بينما هو سراب؟! أجل إنه سراب يتقنع بقناع احلقيقة وال ريب أن‬
‫أغلبنا يعلم أن اْلمر ال يعدو أن يكون تقنع ِبد لكل ذي بصر ومفهوم لكل ذي بصرية…‬
‫إن من بني أشد وأصلب اْلغَلل اليت حتيط ِبْلمة من كل جانب هلي التبعية فهي أخطبوط أحاطت‬
‫بواقعنا املتعثر فأردته هامدا دون حراك حتت أَيدي الوهم تغرقه فيه…‬
‫وأخطر أشكال التبعية هو االجنراف الفكري والثقاِف‪ ،‬وهو أكثر ما يفقد التوابع اهلوية فهو‬
‫يستأصلها من اجلذور‪ْ ،‬لنه يفشي سياسة اخلنوع والقبول ِبهلزمية على أهنا حتصيل حاصل ال مناص‬
‫منه‪ .‬انهيك عن التبعية اللغوية اليت جترد اهلوية من اتج وقارها املرصع جبواهر التميز اللفظي وَللئ‬
‫التفرد التخاطيب‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫التبعية تغيب العربية‬
‫تعد اللغة العنصر اْلهم من عناصر الثقافة‪ ،‬كالعلم والفلسفة والفنون واَلداب‪ ،‬وهي كحامل مادي‬
‫للفكر نفسه‪ ،‬وهي الشكل اخلارجي لكل عنصر ثقاِف على حدة‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬فإن اللغة هي «الواقع‬
‫املباشر للفكر» الذي يظهر على الغَلف املادي للكلمة‪ ،‬فالكلمات هي اللباس الضروري لألفكار‬
‫وحواملها املادية واحملسوسة‪ .‬ففي الكلمات يثبت اإلنسان معارفه عن اْلشياء احمليطة به‪ ،‬ومن خَلل‬
‫الكلمات نفسها يتمكن الناس من تبادل أفكارهم حول تلك اْلشياء وتناقلها أو نقلها بني اجملتمعات‬
‫ومن جيل إىل آخر‪ .‬ولوال اللغة املنطوقة واملكتوبة لضاعت خربات اْلجيال املتَلحقة واجملتمعات‬
‫املتجاورة‪.‬‬
‫غزت مفردا ت عديدة من لغات أجنبية للغتنا العربية بصورة مرضية سرطانية‪ .‬ذلك أن اْلمم‬
‫تطورا هي اليت تفرض مفردات لغاهتا على اْلمم اْلخرى اْلكثر ختل ًفا‪.‬‬
‫اْلكثر ً‬

‫‪240‬‬
‫فيصل سعد ‪ -‬سورَي‪ :‬جملة املعرفة‪ ،‬العدد ‪130‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪145‬‬


‫وأما الرتمجات أو املقابَلت العربية لبعض املصطلحات اْلجنبية‪ ،‬فلم تتمكن من جذب اللسان‬
‫العرب والفوز ِبنطوق اللغة العربية‪ ،‬فبدت وكأهنا مفردات غري عربية رغم أهنا مكتوبة حبروف عربية‪.‬‬
‫فالراديو والتلفزيون والكمبيوتر‪ ..‬هي صناعات أجنبية نستخدمها وال ننتجها‪ ،‬والتبعية التكنولوجية‬
‫تفرض تبعية لغوية ِبلضرورة املوضوعية‪ .‬واْلكثر من ذلك هو أن بعض املقابَلت العربية غري دقيقة إذ ال‬
‫تعكس كامل معىن املصطلح اْلجنيب املرتجم‪.‬‬

‫الرطانة طعن يف شخصية األمة ‪:‬‬


‫‪241‬‬
‫الرطانة ‪ :‬الكَلم ِبْلعجمية‪ ،‬ورطن له وراطنه كلمه بـها‪.‬‬
‫هنــاك معــارك تعــرتك فيهــا اللغــات كمــا تعــرتك اجليــوش؛ ولكــن ال يهــتم أحــد هبــذه املعــارك‪ ،‬ونــرى‬
‫اليوم اللغة العربية حتاصر ِف كل ركن‪ ،‬وحتل حملها لغات أخرى على رأسها اإلجنليزية والفرنسية‪.‬‬
‫لقــد دخلــت ِف اللغــة العربيــة ِف عص ـران احلاضــر‪ ،‬وال ت ـزال تــدخل ألفــاظ كثــرية مــن غــري العربيــة؛‬
‫معظمه ــا م ــن لغ ــات أوروِب ؛ لتفوقه ــا م ــن انحي ــة‪ ،‬ولش ــعوران ِبل ــنقص والدوني ــة م ــن انحي ـة أخ ــرى‪ .‬ولق ــد‬
‫استقرت بعض هذه اْللفاظ الدخيلـة وشـاعت مـع وجـود مقابَلتــها العربيـة الواضـحة اجلليـة‪ ،‬والـيت يعرفهـا‬
‫مــن يــرطن بغريهــا قبــل معــرفتهم هلــذه اْللفــاظ اْلعجميــة‪ ،‬ولقــد شــاعت بعــض هــذه اْللفــاظ اْلعجميــة ِف‬
‫لغة الكتابة‪ ،‬وبقي أكثرها حمصورا ِف لغة التخاطب دون لغة الكتابة‪ ،‬وال سيما عند سكان املدن‪.‬‬
‫وإن ِم ْن ُش ْك ِر النعمة أن ُحنافظ على اللغة العربية ونعتز هبا‪ ،‬وأن نعلمها اْلجيال‪ ،‬ونبعث ِف‬
‫نفوسهم حمبتها واحلفاظ عليها‪ .‬ومن االعتزاز هبا أن تكون وسيلة خماطباتنا دائماً حبيث ال نلجأ إىل‬
‫غريها من غري حاجة‪ ،‬وكما أن هذا يُعد من الوفاء هلذه اللغة فهو كذلك من مجلة اْلمور اليت حتفظ‬
‫‪242‬‬
‫لألمة كياهنا بل شخصيتها اليت متيزها عن غريها‪.‬‬
‫كما أن ذلك من اْلمور اليت تُؤثر ِف قلب اإلنسان ونفسه ومزاجه املعنوي‪ ،‬وقد قرر ذلك أبو‬
‫العباس ابن تيمية رمحه هللا بقوله ‪ « :‬واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر ِف العقل واخللق والدين أتثرياً قوَيً بيناً‪،‬‬
‫ويؤثر أيضاً ِف مشاهبة صدر هذه اْلمة من الصحابة والتابعني‪ .‬ومشاهبتهم تزيد العقل والدين واخللق »‬
‫‪243‬؛ وذلك أن التكلم بلغة قوم فيه نوع حماكاة هلم‪ ،‬وال خيفى أثر احملاكاة على نفس صاحبها‪ .‬ومن هنا‬

‫‪241‬‬
‫الفريوزآِبدي‪ ،‬القاموس احمليط‪) 228/4 ،‬‬
‫‪242‬‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن آل عثمان‪" ،‬أحكام الرطانة"‪ ،‬جملة البيان ‪ -‬العدد ‪ - 152‬ربيع اَلخر ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬اقتضاء الصراط املستقيم‪470/1 ،‬‬

‫‪146‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ال ينبغي اعتياد احلديث بغري العربية؛ ْلن « اللسان العرب شعار اإلسَلم وأهله‪ ،‬واللغات من أعظم‬
‫شعائر اْلمم اليت هبا يتميزون » ‪ ،244‬وعن عطاء قال ‪ « :‬ال تَـ َعلَّموا رطانة اْلعاجم‪ ،‬وال تدخلوا عليهم‬
‫كنائسهم؛ فإن السخط ينزل عليهم » ‪ ،245‬وقال شيخ اإلسَلم ابن تيمية رمحه ‪ « :‬وأما اعتياد‬
‫ص ِر وأهله‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب بغري اللغة العربية اليت هي شعار اإلسَلم ولغة القرآن حّت يصري ذلك عادة للم ْ‬
‫ْلهل الدار‪ ،‬أو للرجل مع صاحبه‪ ،‬أو ْلهل السوق‪ ،‬أو لألمراء‪ ،‬أو ْلهل الديوان‪ ،‬أو ْلهل الفقه‪ ،‬فَل‬
‫ريب أن هذا مكروه ؛ فإنه من التشبه ِبْلعاجم‪ ،‬وهو مكروه كما تقدم » ‪ ،246‬وما زال السلف‬
‫يكرهون تغيري شعائر العرب حّت ِف املعامَلت‪ ،‬وهو التكلم بغري العربية إال حلاجة‪ ،‬كما نص على ذلك‬
‫مالك والشافعي وأمحد‪ ،‬بل قال مــالك‪" :‬من تكلم ِف مسجدان بغري العربية أخرج منه"‪ ،‬وقد كره اإلمام‬
‫الشافعي ملن يعرف العربية أن يتحدث بغريها‪ ،‬أو أن يتكلم بـها خـالـط ــا هلا ِبلعجمية‪ ،‬وهذا الذي ذكره‬
‫الشافعي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬قاله اْلئمة مأثورا عن الصحابة والتابعني‪ .‬وقال البريوين‪" :‬وهللا ْلن أهجى‬
‫‪247‬‬
‫ِبلعربية أحب إيل من أن أمدح ِبلفارسية "‬
‫واللغة مظهر من مظـاهر شخصـية اْلمـة‪ ،‬يقـوى االهتمـام بــها عنـدما تكـون اْلمـة متميـزة ومعتـزة‬
‫بشخص ــيتها‪ ،‬وبعي ــدة ع ــن عق ــدة الش ــعور ِبل ــنقص‪ ،‬ويض ــعف االهتم ــام ِبللغ ــة عن ــدما يش ــعر أف ـراد اْلم ــة‬
‫ِبلدونية واخلجل من إظهار ثقافتهم_ ومن أهم عناصرها اللغة _‬
‫وإن مـ ــن حيتـ ــك ِبلغـ ــرب _ علـ ــى سـ ــبيل املثـ ــال _ ليشـ ــعر أن أفـ ـراده يعتـ ــزون بلغـ ــتهم ِف وطـ ــنهم‬
‫وخارجــه‪ ،‬وأن مــن حيتــاج إلــيهم عليــه أن يــتعلم لغــتهم أو يســتعني ِبــرتجم لــه ؛ بينمــا ِف املقابــل جنــد شــرحية‬
‫مــن أبنــاء العربيــة يلجــؤون إىل احلــديث بلغــة الغــرب س ـواء كانــت احلاجــة لــه أو هلــم‪ ،‬وإذا لــزم اْلمــر مرتمجـاً‬
‫ف ــإن ه ــذا الع ــرب ه ــو ال ــذي يبح ــث عن ــه س ـواء ك ــان مك ــان احل ــديث ِف ال ــبَلد العربي ــة أو ك ــان ِف ال ــبَلد‬
‫الغربي ــة‪ ،‬وق ــد يلج ــأ بعض ــهم إىل احل ــديث بغ ــري العربي ــة ليظه ــر مقدرت ــه عل ــى احل ــديث ِبللغ ــة اْلجنبي ــة دون‬
‫شعور ِبلدونية‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬اقتضاء الصراط املستقيم‪463/1 ،‬‬
‫‪245‬‬
‫ابن أب شيبة‪ ،‬املصنف‪11/9 ،‬‬
‫‪246‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬اقتضاء الصراط املستقيم‪469/1 ،‬‬
‫‪247‬‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن آل عثمان‪ " ،‬أحكام الرطانة" ‪ ،‬جملة البيان ‪ -‬العدد ‪ - 152‬ربيع اَلخر ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪147‬‬


‫وكــم رأينــا مــن أجنــيب _ وخاص ــة اْلمريكــي واْلورب _ ميكــث الســنني ِف دَيران‪ ،‬مث يغادره ــا ومل‬
‫يعــرف مــن العربيــة إال املفــردات القليلــة‪ ،‬ويصــرح بعضــهم بــذلك ؛ فهــم ال يشــعرون أهنــم حباجــة إىل تعل ــم‬
‫لغتنا‪ ،‬ولشعورهم ِبلفوقية‪ ،‬أما حنن فقد طوعنا أنفسنا جملاراهتم وللنزول إليهم‪.‬‬
‫وانظــر إىل الفرنســيني‪ ،‬وكيــف أقلقهــم وجــود كلمــة إجنليزيــة علــى ألســنتهم‪ ،‬قــال مصــطفي صــادق‬
‫الرافعــي – رمحــه هللا‪ : -‬هــل أعجــب مــن أن اجملمــع العلمــي الفرنســي يـ ِ‬
‫ـؤذن ِف قومــه ِببطــال كلمــة إجنليزيــة‬ ‫ُ‬
‫ِف اْللسنة من أثر احلرب الكربى‪ ،‬ويوجب إسقاطها من اللغة مجلة‪...‬‬

‫وفيمــا يلــي طائفــة مــن اْللفــاظ اْلعجميــة الــيت شــاعت ِف بيئتنــا هــذه‪ ،‬وقــد يشــبع غريهــا ِف غـري‬
‫هــذه البيئــة‪ ،‬وقــد ال تشــيع هــذه ِف بعــض البيئــات اْلخــرى‪ .‬وقــد أوردت مــن ِبب قــل وال تقــل ؛ أي قــل‬
‫‪248‬‬
‫اللفظ العرب الصحيح‪ ،‬وال تقل اللفظ اْلعجمي اخلاطئ‪.‬‬

‫وال تقل‬ ‫قل‬ ‫وال تقل‬ ‫قل‬


‫سكرت‬ ‫رجل أمن‬ ‫دبلوم‬ ‫إجازة ( شهادة )‬
‫جاكيت‬ ‫رداء أو سرتة‬ ‫ويكند‬ ‫إجازة ‪ /‬عطلة‬
‫كريكاتري‬ ‫رسم ساخر‬ ‫اتكسي‪/‬ليموزين‬ ‫أجرة‬
‫كورنيش‬ ‫رصيف‬ ‫كانسل‬ ‫احذف‬
‫ديكور‬ ‫زخرفة‬ ‫برافو‬ ‫أحسنت‬
‫موديل‬ ‫سنة التصنيع‬ ‫فيزة‬ ‫إذن دخول ‪ /‬أتشرية‬
‫مول‬ ‫سوق‬ ‫كنبة‬ ‫أريكة‬
‫سوبرماركت‬ ‫سوق مركزي‬ ‫برواز‬ ‫إطار‬
‫سَليدز‬ ‫شرائح‬ ‫أوتوماتيك‬ ‫آيل ‪ /‬تلقائي‬
‫ساندويتش‬ ‫شطرية‬ ‫ك ِوز‬ ‫امتحان عاجل‪ /‬مصغر‬
‫طابور‬ ‫صف أو قطار‬ ‫سكرتري‬ ‫أمني سر‪ /‬كاتب خاص‬

‫‪ 248‬د‪ .‬عبد العزيز العصيلي‪ ،‬ود‪ .‬عبد الرمحن الفوزان‪ ،‬اللغة العربية (‪ )7‬الدراسات اللغوية للتعليم الثانوي‪ ،‬مسار‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم‪1432 ،‬ه‪ ،‬ص ‪110 - 109‬‬

‫‪148‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وال تقل‬ ‫قل‬ ‫وال تقل‬ ‫قل‬
‫مسكري‬ ‫صفاح‬ ‫هلو ‪ /‬ألو‬ ‫أهَلً‬
‫كمدينة‬ ‫صوانة‬ ‫فاتورة‬ ‫بيان‬
‫دكتاتور‬ ‫طاغية‬ ‫بروفة‬ ‫جتربة‬
‫دسك‬ ‫طبقة الظهر‬ ‫ريبورت‬ ‫تقرير‬
‫طازج وطازة‬ ‫طري‬ ‫كربي‬ ‫جسر‬
‫أوكي‬ ‫طيب‪/‬جيد‪/‬صحيح‪/‬موافق‬ ‫كومبيوتر‬ ‫حاسوب‬
‫الربوتوكوك‬ ‫عرف سياسي‬ ‫ِبص ‪ /‬أوتوبيس‬ ‫حافلة‬
‫أكادميي‬ ‫علمي‪ /‬دراسي‪ /‬جامعي‬ ‫رجيم‬ ‫ِمحية‬
‫ترم‬ ‫فصل‬ ‫دوالب‬ ‫خزانة‬
‫ِبس‬ ‫قبل‬ ‫فيله‬ ‫دار ‪ /‬منزل ‪ /‬بيت‬
‫دسك‬ ‫قرص‬ ‫فهرس‬ ‫دليل الكتاب ‪ /‬حمتوى‬
‫كتلوج‬ ‫كتاب املعروضات‬ ‫أف‬ ‫راحة أسبوعية‬
‫كنرتول‬ ‫جلنة النظام أو املراقبة‬ ‫أزما‬ ‫ربو‬
‫ترمومرت‬ ‫ميزان حرارة‬ ‫رتوش‬ ‫ملسة‬
‫جرسون‬ ‫اندل‬ ‫بند‬ ‫مادة أو فقرة‬
‫فاكس‬ ‫انسخ‪ /‬انسوخ‬ ‫فريزر‬ ‫مثلجة ‪ /‬ثَلجة‬
‫سيناريو‬ ‫نص سينمائي‬ ‫ألبوم‬ ‫جمموعة الصور‬
‫كاش‬ ‫نقدا‬ ‫موتور‪/‬ماطور‬ ‫حمرك‬
‫تليفون‬ ‫هاتف‬ ‫راديو‬ ‫مذَيع‬
‫ِبي ِبي‬ ‫وداعا‬ ‫استديو‬ ‫مرسم‬
‫استنسل‬ ‫ورق مشع‬ ‫بنك‬ ‫مصرف‬
‫روشتا‬ ‫وصفة طبية‬ ‫لِْفت ‪ /‬أصنصري‬ ‫مصعد‬
‫جبامة‬ ‫منامة‬ ‫كامريا‬ ‫مصورة ‪ /‬آلة تصوير‬
‫كازينو‬ ‫منتدى‬ ‫بريزة‬ ‫مقبس‬
‫هاوس‬ ‫منزل ‪ /‬بيت ‪ /‬مسكن‬ ‫كورس‬ ‫مقرر أو مادة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪149‬‬


‫وال تقل‬ ‫قل‬ ‫وال تقل‬ ‫قل‬
‫تلسكوب‬ ‫منظار أو جمهر‬ ‫بوفيه‬ ‫ِ‬
‫مقصف‬
‫كراج‬ ‫موقف السيارات ‪ /‬حظرية‬ ‫كرتون‬ ‫مقوى‬
‫دوسيه‬ ‫ملف‬ ‫ميكروفون‬ ‫مكرب صوت‬
‫جمموعة‬ ‫قروب‬ ‫كادر‬ ‫مَلك‬

‫‪249‬‬
‫التقومي اهلجري‪ :‬هوية أمة واتريخ حضارة‬
‫التقومي اهلجري هو هوية أمة‪ ،‬واتريخ حضارة امتدت عرب ثَلثة عشر قرًان من الزمان مل نكن‬
‫حتولنا عنه إىل غريه‬
‫نؤرخ فيها إال هبذا التاريخ‪ ،‬ومن هنا ارتبطت أجمادان وأَيمنا ومآثران هبذا التاريخ الذي َّ‬
‫نتيجة ْلحوالنا وأوضاعنا‪ ،‬كأثر من آاثر الغزو الفكري الذي َّ‬
‫امتد ِف فراغنا‪.‬‬
‫رمز وهويَّة ْلمتنا اإلسَلميَّة؛ فتارخينا مرتبِ ٌ‬
‫ط‬ ‫جمرد طريقة حلساب الزمن‪ ،‬بل هو ٌ‬ ‫اهلجري ليس َّ‬
‫ُّ‬ ‫التاريخ‬
‫رمزا لَلنتِصارات‬‫أبحداث عظيمة‪ ،‬مرتبطة ِبلشُّهور اهلجريَّة؛ مثل‪ :‬شهر رمضان املبارك‪ ،‬الذي صار ً‬
‫ٍ‬
‫املَلحظ لِ ِس َري اْلمم‪ ،‬يرى َّ‬
‫أن‬ ‫وحطني وعني جالوت‪ ،‬والقارئ ِ‬ ‫مكة ِ‬‫والفتوحات اخلالدة ِف بد ٍر وفَـ ْتح َّ‬
‫الدين ِف خمتلِف املِلَ ِل والنِ َحل على التقومي والعناية به‬
‫أهم ما حترص عليه؛ لذلك يقوم علماء ِ‬
‫َ‬ ‫التاريخ من ِ‬
‫كل شه ٍر وهنايتُه‪ ،‬وأحوال ِ‬
‫السنني‪ ،‬والبَ ْسط‬ ‫اْلعياد واملناسبات‪ ،‬وبدايةُ ِ‬
‫احلساب واملواقيت‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫من حيث‬
‫وسد ِنة املجوس‪ ،‬وحاخامات اليهود‪ ،‬وِبِبوات النَّصارى‪ ،‬وكما‬ ‫الرومان‪َ ،‬‬‫وال َكْبس‪ ،‬كما حصل من ُرهبان ُّ‬
‫َ‬
‫لألمة اإلسَلمية‪،‬‬
‫جديدا َّ‬
‫أقر اترخيًا ً‬‫الراشد عمر بن اخلطَّاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬الذي َّ‬ ‫أيضا اخلليفةُ َّ‬
‫فعل ً‬
‫ينطلق من بداية اهلجرة النبويَّة الشريفة من َّ‬
‫مكة إىل املدينة‪.‬‬
‫قال سعيد بن املسيب‪" :‬مجع عمر الناس فقال‪ :‬من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي‪ :‬من‬
‫مهاجرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفِراقه أرض الشرك‪ ،‬قال عمر رضى هللا عنه ‪ :‬اهلجرة فرقت بني‬
‫احلق والباطل فأرخوا هبا وِبحملرم ْلنه منصرف الناس من حجهم‪ ،‬فاتفقوا على ذلك‪ ،‬ففعله عمر"‪.‬‬
‫احملرم بداية السنة‪.‬‬
‫وجعلوا َّ‬

‫‪ 249‬التقومي اهلجري‪ :‬هوية أمة واتريخ حضارة؛ د‪ .‬وصفي عاشور أبو زيد‪ ،‬جملة اْلزهر‪ ،‬مجادى اْلوىل ‪1433‬هجرية‪،‬‬
‫أبريل ‪2012‬م‪ ،‬اجلزء (‪ ،)5‬السنة (‪ ( )85‬بتصرف )‬

‫‪150‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫واملعتمد ِف اْلحكام الشرعيَّة هو التاريخ اهلجري‪ ،‬فحوالن احلول ‪-‬كشرط من شروط‬
‫وجوب الزكاة‪ -‬هو احلول اهلجري ِبتفاق‪ ،‬والصيام يكون مع اهلَلل ِف رمضان‪ ،‬واحلج يرتبط أبشهر‬
‫معلومة ِف السنة اهلجرية هي شوال وذو القعدة وذو احلجة‪ ،‬وعدة املطلَّقة أو املتوىف عنها زوجها حتسب‬
‫ِبلتقومي اهلجري‪ ،‬وهكذا فكثري من اْلحكام الشرعيَّة مرتبط هبذا التقومي اجمليد‪ ،‬يقول اإلمام الرازي‪:‬‬
‫"واعلم أن مذاهب العرب من الزمان اْلول أن تكون السنة قمريَّة ال مشسيَّة‪ ،‬وهذا حكم توارثوه عن‬
‫إبراهيم وإمساعيل عليهما الصَلة والسَلم‪ ،‬فأما عند اليهود والنصارى فليس كذلك" تفسري الرازي‪:‬‬
‫‪.50/16‬‬
‫أشهرا معلومات‪ ،‬وهي هجرية‪،‬‬ ‫احلج ً‬
‫إذن العبادات اإلسَلمية ترتبط هبذا التاريخ؛ حيث جند َّ‬
‫والصيام ِف رمضان‪ ،‬وهو شهر هجري‪ ،‬والزكاة ال بد فيها أن حيول احلول اهلجري‪ ،‬وعِدَّة املطلقة‬
‫ُ‬
‫ِبلتاريخ اهلجري‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬واتريخ حضارة امتدَّت عرب ثَلثة عشر قرًان من الزمان‪ ،‬مل نكن ِ‬
‫نؤرخ فيها‬
‫أجمادان و َّأَيمنا ومآثِران هبذا التاريخ‪ ،‬الذي َّ‬
‫حتولْنا عنه إىل غريه؛ نتيجةً‬ ‫تبطت ُ‬‫إال هبذا التاريخ‪ ،‬ومن هنا ار ْ‬
‫ْلحوالنا وأوضاعنا‪ ،‬كأث ٍر من آاثر الغزو الفكري الذي َّ‬
‫امتد ِف فراغنا‪.‬‬

‫يخ‬
‫شرعي يرتبط بتار ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫حكم‬
‫اهلجري بكل أحكام شريعتنا بَل استثناء‪ ،‬فليس فيها ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ط هذا التاريخ‬
‫ارتبا ُ‬
‫احلج هجرية قمرية‪ ،‬ومناسكة تؤدى وفق التاريخ اهلجري القمري‪،‬‬ ‫غري التاريخ اهلجري القمري‪ ،‬فأشهر ِ‬
‫ِ‬
‫املطلقة حتسب ِبْلشهر اهلجرية‬ ‫ورمضان شهر هجري قمري‪ ،‬والزكاة تقتضي حوالً هجرَيً قمرَيً‪ ،‬وعدة‬
‫القمرية‪ ،‬وأَيم صيام النو ِ‬
‫افل حمسوبةٌ ِبلتاريخ اهلجري القمري كعاشوراء‪ ،‬واْلَيم البيض‪ ،‬وعرفة‪.‬‬

‫يت لِلن ِ‬
‫َّاس َوا ْحلَج ))‪ .‬وفيه جعل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ك َع ِن االهلَّة قُ ْل ه َى َم َواق ُ‬
‫وأتمل أيضاً قوله تعاىل‪(( :‬يَ ْسئَـلُونَ َ‬
‫اْلهلة ميقااتً‪.‬‬

‫جيد أن املواقيت وحساب التواريخ ارتبط برجال الدين‪ ،‬كما كان‬


‫الناظر ِف أحوال اْلمم منذ القدمي‪ُ ،‬‬
‫امليَلدي‬
‫ُّ‬ ‫احلال عند رهبان الرومان‪ ،‬وسدنة اجملوس‪ ،‬وحاخامات اليهود‪ ،‬وِبِبوات النصارى؛ والتاريخ‬
‫شديد االرتباط ِبلوك يوانن وقساوستها‪.‬‬
‫مثَلً ُ‬

‫ففي القرن الثاين عشر اهلجري املوافق للثامن عشر امليَلدي‪ ،‬عندما أرادت الدولة العثمانيَّة حتديث‬
‫طلبت مساعدة الدول اْلوروبيَّة العظمى‪ ،‬فوافقوا على مساعدهتا بشروط منها‪ :‬إلغاء‬
‫جيشها وسَلحها‪ْ ،‬‬
‫التقومي اهلجري ِف الدولة العثمانيَّة!‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪151‬‬


‫وِف القرن الثالث عشر اهلجري‪ /‬التاسع عشر امليَلدي عندما أراد خديوي مصر أن يَقرتض مبلغًا‬
‫من الذهب من إجنلرتا وفرنسا؛ لتغطية مصاريف فتح قناة السويس‪ ،‬اشرتطتَا عليه ستة شروط؛ منها‪:‬‬
‫فتم إلغاؤه سنة‪1292 :‬هـ ‪1875 -‬م‪ ،‬واستبدال التقومي القبطي‬ ‫إلغاء التقومي اهلجري ِف مصر‪َّ ،‬‬
‫وامليَلدي به‪.‬‬

‫ط دول كربى كهذه شرطاً كهذا؟‬


‫ملاذا تشرت ُ‬

‫هي مل تشرتط أن يكون التعامل معها ِبلتاريخ امليَلدي لنحمل ذلك على سهولة املعامَلت‬
‫وسَلستها‪ ،‬بل أصرت على إلغاء التاريخ اهلجري من قطاعات الدولة كلها؟‬

‫وحماوالت طَ ْمسه‬
‫ال َخيفى على أهل العلم َد ْوُر أعداء اإلسَلم ِف َْحتجيم التقومي اإلسَلمي‪ُ ،‬‬
‫منصف‪،‬‬‫اض ال ختفى على ِ‬ ‫وإخراجه من الساحة‪ ،‬وزعزعة ثقة املسلمني به؛ الستبدال غريه به؛ ْلغر ٍ‬
‫استمرت‬
‫َّ‬ ‫ت إىل احلضارة اإلسَلميَّة ِ‬
‫بصلَة‪ ،‬ولقد‬ ‫املستمر ضد ِ‬
‫كل ما ميَُ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫احلقد اْلعمى‪ ،‬والعداء‬
‫غذيها ُ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫اهلجري وإزالتِه‪ ،‬وجتهيل الشعوب اإلسَلميَّة به ً‬
‫قروان متوالية‬ ‫ِ‬ ‫املؤامرةُ لِطَمس التاريخ‬

‫ٍ‬
‫اقتصادية ستتحقق على املدى الطويل من التحول إىل التاريخ امليَلدي‪ ...‬سيكون‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة‬ ‫"إن أي‬
‫منفصَل عمليًا وعاطفيًا وثقافيًا عن االرتباط‬
‫ً‬ ‫نه ِبهظًا وجدانيًا وثقافيًا‪ ،‬ويعين أن اجليل القادم سيولد‬
‫ِبلتاريخ اهلجري"[من مقالة لألستاذ خالد السليمان]‪.‬‬

‫الرقي‬
‫والواقع أن اْلمة اإلسَلمية ال تَرتبط بتارخيها أو تقوميها اهلجري‪ ،‬إال ِف حاالت االزدهار و ُّ‬
‫والتقدُّم‪ ،‬وحينما يتحقَّق هلا واقعيًّا مرتبةُ الشهود احلضاري على اْلمم كما أراد هلا القرآن الكرمي‪.‬‬
‫يؤرخ له ِبلتاريخ اهلجري‪ ،‬أو‬
‫وجدان أن ما قبل سقوط اخلَلفة كان َّ‬ ‫وإذا تتبَّعنا اترخينا وتقومياتنا التارخيية‪َ ،‬‬
‫يؤرخ لألحداث‬ ‫يضا"‪ ،‬فكان َّ‬ ‫بقليل‪ ،‬حينما ُوِزع مرياث الدولة العثمانية وصارت" رجَلً مر ً‬‫قبل سقوطها ٍ‬
‫واملعارك والوقائع‪ ،‬واملواليد والوفَـيَات ‪ِ -‬بلتقومي اهلجري‪.‬‬
‫آخر‪ ،‬هو التاريخ امليَلدي‬
‫حتولت اْلمة إىل اتريخ َ‬
‫ترهل احلُكم اإلسَلمي وذَهاب اخلَلفة الكربى‪َّ ،‬‬ ‫وبعد ُّ‬
‫الرسل‪ ،‬وال يتم إميان املسلمني إال‬
‫أيضا؛ ْلنه ميَلد نيب ورسول من أُويل العزم من ُّ‬ ‫ِ‬
‫الذي ُجنله وحنرتمه ً‬
‫وهويَّتنا حنن‪ ،‬وحضارتنا حنن‪.‬‬
‫ِبإلميان به‪ ،‬لكننا نتحدَّث هنا عن اترخينا حنن‪ُ ،‬‬

‫‪152‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫واملغلوب ‪ -‬كما قيل ‪ُ -‬مولَع بتقليد الغالب‪ ،‬فقلَّدت اْلمة اإلسَلمية ‪ -‬بعد أن صارت شبه أُمة ‪-‬‬
‫هرا من هذه املظاهر‪ ،‬فأصبحت كل الدول العربية‬ ‫غريَها من اْلمم‪ ،‬وكان استخدام التاريخ امليَلدي مظ ً‬
‫واإلسَلمية ِ‬
‫تؤرخ بتواريخ أخرى غري اهلجري‪ِ ،‬بستثناء ما جنده ِف بلد كاململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫وحماوالت طَ ْمسه‬
‫ال َخيفى على أهل العلم َد ْوُر أعداء اإلسَلم ِف َْحتجيم التقومي اإلسَلمي‪ُ ،‬‬
‫منصف‪،‬‬‫اض ال ختفى على ِ‬ ‫وإخراجه من الساحة‪ ،‬وزعزعة ثقة املسلمني به؛ الستبدال غريه به؛ ْلغر ٍ‬
‫استمرت‬
‫َّ‬ ‫ت إىل احلضارة اإلسَلميَّة ِ‬
‫بصلَة‪ ،‬ولقد‬ ‫املستمر ضد ِ‬
‫كل ما ميَُ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫احلقد اْلعمى‪ ،‬والعداء‬
‫غذيها ُ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫وقوع‬ ‫اهلجري وإزالتِه‪ ،‬وجتهيل الشعوب اإلسَلميَّة به ً‬
‫قروان متوالية‪ ،‬وأثناء فرتة ِ‬ ‫ِ‬ ‫املؤامرةُ لِطَمس التاريخ‬
‫إسَلمي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫حرص اْلخريُ على التعتيم على ِ‬
‫كل ما هو‬ ‫أغلب الدُّول اإلسَلميَّة ِف براثن االستعمار الغرب‪َ ،‬‬
‫‪250‬‬
‫استمر احلال كما هو عليه ِف أغلب هذه الدُّول؛ بتأثري مناهج الرتبية الغربيَّة االستعماريَّة‪.‬‬
‫و َّ‬

‫وردا على من يقول‪ " :‬التقومي اهلجري ليس من الدين‪ ،‬مل يكن ِف كتاب هللا وال ِف السنة‪ ،‬هو‬
‫اجتهاد موفق من اخلليفة عمر بن اخلطاب لضبط أمور ومكاتبات دولة اخلَلفة الراشدة‪ ،‬ابتكار التاريخ‬
‫املرتبط ِبهلجرة النبوية كان فعَلً دنيوَيً‪ ،‬واليوم انتفت احلاجة املاسة له بوجود تقومي عاملي وعملي‬
‫وموحد"‬

‫وهذه املقولة فيها مغالطة عجيبة!‬

‫فهل كان النيب صلى هللا عليه وسلم يتعامل ِبْلشهر القمرية أم الشمسية؟ أمل يكن صلى هللا عليه‬
‫وسلم يتحدث عن شهر رمضان وشعبان وشهر هللا احملرم؟ أمل يرغبنا ِف صوم عاشوراء؟ واْلَيم البيض‬
‫من كل شهر؟‬

‫ات واْلرض‬ ‫السماو ِ‬ ‫استَ َد َار َك َهْيـئَتِ ِه يـَ ْوَم َخلَ َق َّ‬ ‫ِ‬ ‫أمل يقل صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إِ َّن َّ‬
‫اّللُ َّ َ َ‬ ‫الزَما َن قَد ْ‬
‫ب َش ْه ُر مضر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ذُو الْ َق ْع َدة َوذُو ا ْحل َّجة َوالْ ُم َحَّرُم َوَر َج ٌ‬‫السنة اثىن َع َشَر َش ْهًرا مْنـ َها أ َْربـَ َعةٌ ُح ُرٌم ثَََلثَةٌ ُمتَـ َواليَ ٌ‬
‫ِ‬
‫الَّذي بَْ َ‬
‫ني ُمجَ َادى َو َش ْعبَا َن))‬

‫‪250‬‬
‫رابط املوضوع ‪ ( :‬بتصرف‬
‫‪http://www.alukah.net/culture/0/37284/#ixzz3oc4ShJwH‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪153‬‬


‫فهل هذا كله اتريخ هجري أم ميَلدي؟‬

‫اْلجود‪ ،‬اقرأ إن شئت قوله تعاىل‪:‬‬ ‫وِف كتاب هللا أيضاً ما يشري إىل أن احلساب القمري ِ‬
‫للسنة هو‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((هو الَّ ِذى جعل الشَّم ِ‬
‫اب } [يونس ‪:‬‬ ‫َّرهُ َمنَا ِزَل لتَـ ْعلَ ُمواْ َع َد َد السن َ‬
‫ني َوا ْحل َس َ‬ ‫س ضيَاء َوالْ َق َمَر نُوراً َوقَد َ‬
‫ََ َ ْ َ‬ ‫َُ‬
‫‪" ]5‬فجعل تقدير القمر ِبملنازل علة للسنني واحلساب‪ ،‬وذلك إمنا يصح إذا كانت السنة متعلقة بسري‬
‫القمر" [التفسر الكبري]‬

‫قال الفخر الرازي ِف تفسر ِ‬


‫اَلية‪" :‬واعلَ ْم أن مذاهب العرب من الزمان اْلول أن تكون السنة قمريَّة‬
‫ال مشسيَّة‪ ،‬وهذا حكم تو َارثوه عن إبراهيم وإمساعيل ‪ -‬عليهما الصَلة والسَلم‪ ،‬فأما عند اليهود‬
‫والنصارى فليس كذلك" [التفسري الكبري]‬

‫قال القرطيب رمحه هللا ِف تفسري قوله تعاىل‪(( :‬إن عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهراً))‪ " :‬هذه‬
‫اَلية تدل على أن الواجب تعليق اْلحكام من العبادات وغريها ِبلشهور والسنني اليت تعرفها العرب‬
‫دون الشهور اليت تعتربها العجم والروم والقبط" [اجلامع ْلحكام القرآن]‪ ،‬ودليل ذلك أن هللا يقول ِف‬
‫اَلية‪(( :‬منها أربعةٌ ُح ُرٌم)) واْلشهر احلرم إمنا هي ِف النظام القمري ال الشمسي‪.‬‬

‫ملاذا التأريخ اهلجري؟‬


‫‪ْ -1‬لن العمل ِبلتاريخ اهلجري دين يتقرب به العبد إىل هللا الرتباطه ِبهلَلل الذي ترتبط به الكثري من‬
‫العبادات واْلحوال الشخصية واملعامَلت كالصوم والعيدين ووجوب الزكاة‪ ،‬والبلوغ والتكليف‬
‫وعدة املطلقة واإلجار ومواعيد الديون وغريها‪ ،‬ومن القواعد الشرعية ‪ ( -:‬ماال يتم الواجب إال به‬
‫فهو واجب ) وقد قال هللا تعاىل يسألونك عن اْلهلة قل هي مواقيت للناس واحلج ) و قال تعاىل‬
‫(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنني واحلساب ) وِف‬
‫الصحيحني عن ابن عمر رضي هللا عنه ما فال ( مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪-:‬‬
‫إذا رأيتموه – أي اهلَلل _ فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا )‬
‫‪ -2‬إلمجاع الصحابة على العمل هبذا التأريخ وال جتتمع اْلمة على ضَلله‪ ،‬وينبغي أن يَلحظ ِف‬
‫إمجاعهم عدة أمور ‪ -:‬أن الصحابة مسوه أترخيا إسَلميا‪ ،‬واعتربوه رمزا إسَلميا ولذلك ربطوه بيوم‬
‫اهلجرة العظيمة‪ ،‬وإهنم كرهوا تواريخ اْلمم اْلخرى ومن ضمنها التأريخ امليَلدي‪ ،‬وأيضا فإن هذا‬

‫‪154‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫التأريخ مل يكن لعباداهتم فحسب‪ ،‬بل لعباداهتم ومعامَلهتم ودينهم ودنياهم ويؤكد لك ما تقدم‬
‫ذكره من أن سبب وضعه كان أمرا دنيوَي‪.‬‬
‫‪ْ -3‬لنه من وضع وأمر اخلليفة الراشد عمر بن اخلطاب وسنته‪ ،‬وقد قال النيب صلى هللا عليه وسلم ‪-:‬‬
‫فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين متسكوا هبا وعضوا عليها ِبلنواجذ ) رواه أمحد أبو داود‬
‫الرتمذي‬
‫‪ -4‬أن اْلمة اإلسَلمية بسلفها وخلفها وأئمتها وأعَلمها تعاقبت على هذا التأريخ جيَل بعد جيل‪ ،‬ومل‬
‫تعمل ِبلتأريخ امليَلدي إال بعد سقوط اخلَلفة العثمانية ودخول االستعمار الصلييب لبَلد املسلمني‬
‫عام ‪ 1340‬من اهلجرة‪.‬‬
‫‪ -5‬الرتباط هذا التأريخ حبدث عظيم له أتثري الكبري على قيام دولة املسلمني وعزهم واستقَلليتهم عن‬
‫املشركني‬
‫‪ْ -6‬لنه سبب كبري ِف عز اْلمة واستقَلليتها ومتيزها عن ِبقي اْلمم الكافرة‪ ،‬ومما يؤكد ذلك أن أول‬
‫اْلعمال اليت قام هبا من قضوا على اخلَلفة العثمانية ِف تركيا هو ‪ :‬إ حَلل التأريخ امليَلدي‬
‫النصراين حمل التأريخ اهلجري اإلسَلمي‪.‬‬
‫‪ْ -7‬لن للتأريخ اهلجري أتثريا كبريا على عقيدة الوالء للمؤمنني‪ ،‬والرباءة من اليهود والنصارى‬
‫واملشركني‪ ،‬ولذلك عد بعض العلماء ‪ -:‬التأريخ ِبلتأريخ امليَلدي النصراين من مواالة النصارى‪.‬‬
‫‪ -8‬لسهولة التأريخ اهلجري ويسره ووضوحه‪ ،‬وهللا تعاىل يقول ( يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم‬
‫العسر ) ويقول ( ما جعل عليكم ِف الدين من حرج )‬
‫‪ -9‬الرتباط التاريخ امليَلدي بعقيدة النصارى ودينهم‪ ،‬وهو والدة املسيح ابن هللا ِف زعمهم وعقيدهتم‬
‫وتعاىل هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا‪.‬‬
‫‪ْ -10‬لن التأريخ امليَلدي الشمسي ِف معظمه يقرتن بتمجيد اْلواثن من آهلة الرومان اْلسطورية‬
‫ورموزهم الوثنية‪ ،‬وأتمل معي معاين اْلشهر ‪ -:‬يناير ‪ :‬اسم من الكلمة الَلتينية وحيمل هذا‬
‫الشهر اسم االله الروماين جانوس‪...‬‬
‫وهذه فتوى من الشيخ عبدهللا بن جربين حفظه هللا حول التاريخ امليَلدي مقتبسه من موقعه‪:‬‬
‫رقم الفتوى (‪)603‬‬
‫السؤال ‪ :‬ما حكم استخدام التاريخ امليَلدي ؟‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪155‬‬


‫عتمد العلم ِبلشهور‬‫االجاب ــة ‪ :‬ال جيوز ذلك عند املسلمني؛ الستغنائهم ِبلتأريخ اهلجري الذي ي ِ‬
‫َ‬
‫اهلَللية؛ فإهنا جليَّة ظاهرة‪ ،‬خبَلف اْلشهر الرومية‪ ،‬أو اإلفرجنية فليس هلا عَلمات تُدرك ِبلبصر‪ ،‬وإمنا‬
‫يَعرفوهنا ِبحلساب‪ ،‬مث إن املسلمني ِف القرون اْلوىل‪ ،‬والقرون املتوسطة‪ ،‬مل يشتغلوا ِبلتأريخ امليَلدي‪ ،‬ومل‬
‫ُ‬
‫يذكروا عنه شيئًا؛ فدل على أنه جمهول بسبب عدم العَلمات اليت تتميز هبا اْلشهر ِف ذلك التأريخ‪،‬‬
‫وإمنا اشتهر العمل به ِف البَلد اليت دخلها االستعمار‪ .‬عبد هللا بن عبد الرمحن اجلربين‪.‬‬
‫ومن أهم اْلدوار اليت ميكن أن يقوم الدعاة به ما يلي‪:‬‬
‫اعدوا ِبلتاريخ اهلجري‪ ،‬وأن‬ ‫الناس أن يتو َ‬
‫أوالً ‪:‬إشاعة االهتمام ِبلتاريخ اهلجري؛ كأن يُوصي الدعاة َ‬
‫ميسورا أن تَعرف ما يقابل اتريخ املواليد امليَلديَّة‬
‫ً‬ ‫يذكروا مواليدهم ِبلتاريخ اهلجري‪ ،‬وقد أصبَح اليوم‬
‫من اهلجريَّة‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫اثنيا ‪:‬أن يصبغ الدعاة اجملتمعات ِ‬
‫ِبلصبغة اإلسَلميَّة املمزوجة هبذا التقومي‪ ،‬فَل ِ‬
‫نؤرخ حملاضرة تُلقى إال‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫دائما بني امليَلدي واهلجري ابتداءً‪ ،‬وشيئًا فشيئًا يستقل اهلجري‪.‬‬
‫هبذا التاريخ‪ ،‬ونربط ً‬
‫فحوالن احلول ‪ -‬كشرط من‬ ‫عتمد ِف اْلحكام الشرعيَّة هو التاريخ اهلجري‪َ ،‬‬
‫اثلثا ‪ :‬تذكري الناس أبن امل َ‬
‫شروط وجوب الزكاة ‪ -‬هو احلول اهلجري ِبتِفاق‪ ،‬والصيام يكون مع اهلَلل ِف رمضان‪ ،‬واحلج‬
‫أبشه ٍر معلومة ِف السنة اهلجرية‪ ،‬هي شوال وذو القعدة وذو احلجة‪ ،‬وعِدة املطلَّقة أو َّ‬
‫املتوىف‬ ‫يرتبط ُ‬
‫ط هبذا التقومي اجمليد؛‬
‫زوجها ُحت َسب ِبلتقومي اهلجري‪ ،‬وهكذا فكثري من اْلحكام الشرعيَّة مرتب ٌ‬
‫عنها ُ‬
‫يقول اإلمام الرازي‪" :‬واعلَ ْم أن مذاهب العرب من الزمان اْلول أن تكون السنة قمريَّة ال مشسيَّة‪،‬‬
‫وهذا حكم تو َارثوه عن إبراهيم وإمساعيل ‪ -‬عليهما الصَلة والسَلم ‪ -‬فأما عند اليهود والنصارى‪،‬‬
‫‪251‬‬
‫فليس كذلك‪.‬‬
‫طمس هذا التاريخ مع اللغة العربيَّة‪ ،‬مثل املؤامرات سابقة‬ ‫رابعا ‪:‬ك ْشف املؤامرات اليت َهتدف إىل ْ‬
‫الذكر؛ ْلن هذا التاريخ هو الذي يذكِر اْلمةَ أبجمادها وأَيمها وصفحاهتا املشرقة‪َ ،‬‬
‫وحتفظ به‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُهويَّتها‪.‬‬
‫خامسا ‪:‬مطالبة اَلِبء واْلُمهات ِ‬
‫ببث الوعي ِف اْلبناء أبمهيَّة هذا التاريخ‪ ،‬وإجراء مسابقات هلم ِف‬
‫دائما مرتبطًا به‪ ،‬وأن ُحن ِفظهم اْلشهر اهلجريَّة‪ِ ،‬‬
‫ونعودهم أن يكتبوا‬ ‫يظل الطفل ً‬
‫أَيمه ووقائعه؛ حّت َّ‬
‫حياهتم عليه‪.‬‬
‫ينظموا َ‬‫كراساهتم‪ ،‬وأن ِ‬
‫التاريخ اهلجري ِف َّ‬

‫‪251‬‬
‫تفسري الرازي (‪)50/16‬‬

‫‪156‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫هتتم هبذا التاريخ‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وأن يُعاقَب املدرس على نسيانه‪ ،‬ويُكافَأ على‬
‫سادسا ‪:‬مطالبة املدارس أن َّ‬
‫كتابته‪.‬‬
‫سابعا ‪:‬مطالبة الصحف ومواقع اإلنرتنت ‪ -‬وبعضها يقوم هبذا ‪ -‬أن ِ‬
‫تؤرخ ْلحداثها وأخبارها‪،‬‬
‫ومقاالهتا وحتقيقاهتا وحواراهتا ‪ -‬هبذا التاريخ‪ ،‬على اْلقل جبانب امليَلدي‪.‬‬
‫املؤسسات املهتمة ِبلدعوة واْلوقاف واإلرشاد الديين ‪ِ -‬بلتوعية هبذا اْلمر‬ ‫اثمنا ‪ :‬مطالبة اهليئات و َّ‬
‫واالهتمام به‪ ،‬وأن يـُثَ ِمنوا من أمهيته لدى الشرائح اليت تقوم ِبلتوعية والتأثري‪.‬‬
‫تؤسس سنواهتا املاليَّة وإجازاهتا‪ ،‬وبنوكها ومستشفياهتا‪ ،‬بناءً على‬‫اتسعا ‪:‬مطالبة املصاحل احلكوميَّة أن ِ‬
‫التاريخ اهلجري‪ ،‬وِف هذا ارتباط كبري للناس به‪.‬‬
‫مهمة وهلا أثرها ِف هذا اْلمر‪ ،‬وهي مطالبة احلكومات أن َجتعل رواتب الناس‬ ‫عاشرا ‪ :‬وهي نقطة َّ‬
‫يوم ِف الشهر اهلجري‪.‬‬ ‫لكل ٍ‬
‫مرتبطة ِبلتاريخ اهلجري ال امليَلدي‪ ،‬وعندها سيتيقَّظ املسلم وغريه ِ‬
‫أحد الفلَكيِني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫توقيفي‪ ،‬قدميٌ ق َدم البشريَّة‪ ،‬ليس من ابتداع َ‬‫ٌّ‬ ‫ري تقوميٌ رَِّبين مساوي َك ْوين‬ ‫القم ُّ‬
‫التَّقومي َ‬
‫تسلسلِها أو أطواهلا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عد ِدها أو‬
‫وليس للفلكيِني سلطا ٌن على أمساء الشُّهور العربية القمريَّة‪ ،‬وال على َ‬
‫ومتَّ حتديد عدد الشُّهور السنويَّة ِف كتاب هللا القومي؛ قال‬ ‫كة كونيَّة رَِّبنية‪َ ،‬‬ ‫كل ذلك ِف حر ٍ‬ ‫يتم ُّ‬ ‫َّ‬
‫وإمنا ُّ‬
‫ض ِمْنـ َها‬ ‫اّللِ يـوم خلَق َّ ِ‬ ‫اّللِ اثْـنَا َع َشر َش ْهرا ِِف كِتَ ِ‬
‫ُّهوِر عِْن َد َّ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاْل َْر َ‬ ‫اب َّ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫تعاىل ‪ ﴿:‬إِ َّن ع َّدةَ الش ُ‬
‫كل جزئية‬ ‫أصابع الفلَكيِني بتقومي اْلمم اْلخرى ِف ِ‬‫ُ‬ ‫أ َْربـَ َعةٌ ُح ُرٌم ﴾ (التوبة‪ ،)36 :‬وِف الوقت الذي عبثت‬
‫من جزئياهتا‪ ،‬وأمساء شهورها‪ ،‬وأطواهلا وهيئاهتا وتسلسلها‪ ،‬فإنَّه ال ُسلطةَ لل َفلكيِني‪ ،‬أو غ ِريهم على‬
‫استبدال اسم شه ٍر بشهر‪ ،‬أو موقع شه ٍر بشهر‪ ،‬أو زَيدة يوم‬ ‫َ‬ ‫القمري؛ حبيث ال يستطيع أح ٌد‬ ‫ِ‬ ‫التقومي‬
‫تعديل أو تصحيح‪ ،‬وهو رَِّبين من تقدير العزيز‬ ‫يوم منه؛ فهو تقوميٌ كامل‪ ،‬ال َحيتاج إىل ٍ‬ ‫فيه‪ ،‬أو ن ْقص ٍ‬
‫العليم‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه هللا‪" :‬وهلذا كانت أشهر احلج والصوم واْلعياد ومواسم اإلسَلم إمنا هي على‬
‫حساب القمر وسريه ونزوله‪ ،‬ال حساب الشمس وسريها حكمة من هللا ورمحة‪ ،‬وحفظًا للدين الشرتاك‬
‫وتعذر الغلط واخلطأ‪ ،‬فَل يدخل ِف الدين من االختَلف واخلطأ ما دخل ِف‬ ‫الناس ِف هذا احلساب‪َّ ،‬‬
‫دين أهل الكتاب‪".‬‬
‫اإلسَلمي احلافل‪ ،‬وأموران الدينيَّة كلَّها ترتبط ِبلشُّهور القمرية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اهلجري َّ‬
‫أن اترخينا‬ ‫ومن مميِزات التقومي‬
‫الزكاة‪ ،‬وعِدَّة الطَلق كلُّها ترتبط ِبلشُّهور القمريَّة‪ ،‬وعلى سبيل املثال ‪ -‬وليس احلصر‬ ‫فاحل ُّج و ِ‬
‫الصيام و َّ‬ ‫َ‬
‫اعتم ْدان على السنة‬
‫وحال احلول؛ أي‪ :‬العام اهلجري‪ ،‬ولو َ‬ ‫املال نِ َ‬
‫صاهبا‪َ ،‬‬ ‫‪َّ -‬‬
‫فإن الزكاة تُدفَع إذا بلغ ُ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪157‬‬


‫ْلن كل ‪ 32‬سنة ميَلدية تعادل ‪ 33‬سنة‬ ‫ِ‬
‫مستحقي الزكاة؛ َّ‬ ‫امليَلديَّة‪ ،‬فمعىن ذلك أنَّنا ننقص من حقوق‬
‫يوما على السنة اهلجريَّة‪ ،‬فإننا‬
‫هجرية‪ ،‬فإذا كان َلديْنا زكاة تعتمد على السنة امليَلديَّة اليت تزيد ‪ً 11‬‬
‫كل ‪ 32‬سنة ميَلدية!‬ ‫نُضيع زكاةَ ٍ‬
‫سنة هجريَّة َّ‬

‫املستعمرة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫سياسة االستعمار يف التأثري على ثقافة الدول‬
‫وقد أدرك املستعمر اْلوروب هذا املعىن اْلصيل ِف العَلقة بني اللغة واهلوية‪ ،‬حيث قال احلاكم‬
‫الفرنسي موجهاً جيشه الغازي لبَلد اجلزائر‪ " :‬علموا لغتنا وانشروها حّت حنكم اجلزائر‪ ،‬فإذا حكمت‬
‫‪252‬‬
‫لغتنا اجلزائر‪ :‬فقد حكمناها حقيقة"‪.‬‬
‫ونقل منري العكش ِف كتابه " أمريكا واإلِبدة الثقافية ‪ :‬لعنة كنعان اإلجنليزية" نصا لتوماس‬
‫مكوالي‪ ،‬مهندس سياسة التعليم اإلجنليزية للشعوب املستعمرة‪ ،‬يقول فيه ‪ " :‬ال أظن أننا سنقهر هذا‬
‫‪253‬‬
‫البلد ما مل نكسر عظام عموده الفقري اليت هي لغته وثقافته وتراثه الروحي"‬
‫واستوعب املستعمر اْلوروب حني غزا بَلد املسلمني عمل بدأب منذ هناية القرن التاسع عشر‬
‫امليَلدي على فصل املسلمني عن تراثهم اإلسَلمي‪ ،‬حني سعى إىل إضعاف اللغة العربية‪ ،‬من خَلل‬
‫فرض اللغة اْلجنبية‪ ،‬والرتويج للهجات العامية‪ ،‬وبث اْلدب الشعيب‪ ،‬وطرح فكرة استخدام احلرف‬
‫الَلتيين‪ ،‬والدعوة إلصَلح قواعد اللغة العربية وتطويرها‪ ،‬آخذين ِف كل ذلك بتوصيات مجع من‬
‫املستشرقني املتخصصني ِف شؤون الشرق اإلسَلمي‪ ،‬ومستخدمني عمَلءهم ِف البَلد العربية لتنفيذ‬
‫خمططاهتم االستعمارية اخلطرية‪ ،‬اليت تستهدف ِف الظاهر اللغة العربية وِف احلقيقة تستهدف هوية اْلمة‬
‫اإلسَلمية ِف تراثها وحضارهتا‪ ،‬وخصوصياهتا الثقافية‪ ،‬حني أيقن املستعمر أن اللغة ركن من أركان اهلوية‬
‫‪254‬‬
‫الثقافية‪ ،‬تشرتك مع العقيدة والرتاث ِف بناء الذات‪ ،‬ففي هدمها هدم للذات‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية‬
‫‪ 253‬جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،330‬سنة ‪ 1436‬ه‪ .‬ص ‪90‬‬
‫‪ 254‬د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية‬

‫‪158‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪255‬‬
‫على النموذج الفرنسي ِبملغرب‪ ،‬ومدى أتثريه كاستعمار‬ ‫ركز الدكتور خالد الصمدي‬
‫مباشر أوالً‪ ،‬واستعمار غري مباشر اثنياً‪ِ ،‬ف صياغة مشاريع إصَلح التعليم هبذا البلد‪ ،‬ومدى أتثري ذلك‬
‫ِف تشكيل املنظومة الفكرية والثقافية به‪ ،‬واليت تنعكس آاثرها جبَلء على احلياة االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫مما يتجلى أتثريه املباشر والظاهر حّت ِف تشكيل منظومة القيم‪ ،‬والذي يؤشر على أقصى درجات‬
‫التحول ِف اجملتمعات واْلمم‪.‬‬
‫وحدد (هاردي) اخلطوط العريضة هلذا التصور ِف لقاء له ِبكناس سنة ‪1920‬م مع مجاعة من‬
‫احلكام الفرنسيني‪ ،‬وخامتة كَلم هاردي تكشف عن قوة العَلقة بني اللغة والثقافة واجملتمع‪ِ ،‬ف خمطط‬
‫التعليم الفرنسي االستعماري ِبملغرب‪ ،‬وخاصة ِف قوله‪« :‬اللغة الفرنسية اليت بواسطتها سنتمكن من ربط‬
‫التَلميذ بفرنسا»‪ ،‬ولئن كانت اللغة الفرنسية العامل احلاسم ِف التواصل‪ ،‬ونقل الثقافة؛ فإن السياسة‬
‫اللغوية ِف النظام االستعماري الفرنسي عرفت ختطيطاً دقيقاً متثل ِف تشجيع التلقني ِبللغة الفرنسية‪،‬‬
‫والتقليل من مساحة التلقني ِبللغة العربية‪ ،‬وعدم اعتبار هذه اْلخرية لغة علم‪ ،‬مع االحتفاظ هبا تدرجيياً‬
‫كلغة للتواصل اليومي فقط‪ ،‬على أن يعمل االستعمار بعد ذلك على الفصل بني العرب والرببر ِف‬
‫استعمال اللغة العربية‪ ،‬عن طريق تشجيع استخدام اللهجات الرببرية إىل جانب الفرنسية كلغة‬
‫للتدريس‪ .‬وال نشك أن هذا التوجه اللغوي كان القصد منه هو إضعاف الروابط القوية القائمة بني اللغة‬
‫العربية والدين ِبعتبارها لغة القرآن‪ ،‬وهبا دونت أغلب مصادر الرتاث والثقافة اإلسَلمية‪ .‬ومل ُخيْ ِ‬
‫ف املقيم‬
‫العام ِبملغرب رمز االستعمار الشهري‪ :‬اجلنرال ليوطي هذا التوجه‪ ،‬حني أصدر دوريته الشهرية بتاريخ‬
‫‪1921/6/16‬م حول لغة التعليم ِبملغرب؛ إذ يقول‪« :‬من الناحية اللغوية علينا أن نعمل مباشرة على‬
‫االنتقال من الرببرية إىل الفرنسية‪ ...‬فليس علينا أن نعلم العربية للسكان الذين امتنعوا دائماً عن تعلمها‪،‬‬
‫إن العربية عامل من عوامل نشر اإلسَلم؛ ْلن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن بينما تقتضي‬
‫مصلحتنا أن نطور الرببر خارج نطاق اإلسَلم»‪ .‬ومباشرة بعد صدور دورية ليوطي جند (موريس لوجلي)‬
‫ينشر مقالة مؤيدة هلذا التوجه‪ ،‬وذلك ِف السنة نفسها يقول فيها‪« :‬إن التعريب سيقود الرببر إىل إسَلم‬
‫اتم وهنائي‪ ،‬وإىل أن توجد ِبملغرب وعلى أيدينا حنن‪ ،‬وهو ما نرفضه كتلة إسَلمية منسجمة ال نظري‬
‫هلا‪ ...‬واملشروع يفرض أن يتم تطوير سكان اجلبال ِبللغة الفرنسية املعربة عن فكران‪ ،‬سوف يتعلم‬
‫السكان الربابرة اللغة الفرنسية وسوف حيكمون ِبلفرنسية‪ ...‬علينا أن نُقلع ِف كل مكان عن احلديث‬

‫‪ 255‬د‪ .‬خالد الصمدي‪" ،‬الفرنكوفونية‪ ..‬املفروضة والصبغة املرفوضة ‪ :‬جوانب من أتثري الفرنكوفونية ِف نظام الرتبية‬
‫والتعليم ِبملغرب " جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،177‬ص ‪29‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪159‬‬


‫ِبللغة العربية‪ ،‬وإعطاء اْلوامر ِبلعربية إىل قوم هم جمربون على فهمنا وإجابتنا‪ ..‬ولذلك ينبغي العمل‬
‫قبل كل شيء على حتويل مصاحل الشعب املغرب ِف اجتاه مصاحلنا حنن‪ ،‬وأيضاً حتويل مصريه إن أمكن‪،‬‬
‫وليس هذا بدافع عاطفي حمض‪ ،‬ولكنه بدافع فهم واضح للهدف املبتغى‪ ،‬والنتائج املتوخاة لصاحل‬
‫قضيتنا»‪ .‬وكانت هذه السياسة اللغوية والتعليمية قد جربت ِف اجلزائر منذ هناية القرن التاسع عشر حني‬
‫أصدر وايل فرنسا آنذاك اْلمريال كيدون سنة ‪1871‬م أوامره إىل اَلِبء البيض (وهم أعضاء منظمة‬
‫تبشريية فرنسية كانت تعمل من أجل تنصري الرببر ِف اجلزائر وتونس) قائَلً‪« :‬إنكم إذا سعيتم إىل‬
‫استمالة اْلهايل بواسطة التعليم وِبا تسدون إليهم من إحسان تكونون بعملكم هذا قد قدمتم خدمة‬
‫جليلة لفرنسا؛ فليس ِف وسع فرنسا أن تنجب من اْلطفال ما يكفيها لتعمري اجلزائر‪ ،‬ولذلك فمن‬
‫الضروري االستعاضة عن ذلك بفرنسة مليونني من أبناء الرببر اخلاضعني لسلطتنا‪ .‬واصلوا عملكم حبنكة‬
‫ودربة وحيطة‪ ،‬ولكم مين التأييد‪ ،‬وِف إمكانكم أن تعتمدوا علينا كل االعتماد) »‬

‫التحدايت يف وجه الثقافة العربية اإلسالمية‪:‬‬


‫▪ بدأت احلمَلت الغربيَّة توجه إىل الثقافة العربية من خَلل أرسخ احلصون وأقواها‪ ،‬وهو‬
‫مرات وما زالوا ِف الدَّعوة إىل التَّفرقة بني الدين والقوميَّة‬
‫اإلسَلم نفسه‪ ،‬وقد حاولوا عدَّة َّ‬
‫اْلمة اإلسَلميَّة نفسها؛ أي‪ :‬العربيَّة‪.‬‬
‫العربية‪ ،‬بل بني اإلسَلم واللغة اليت أنزل هبا دستور َّ‬
‫▪ ولقد واجهت اللغة العربيَّة أقسى ألْوان التحدي ِف سبيل القضاء على وحدهتا‪ ،‬وت ْغليب‬
‫العاميَّات اإلقليميَّة عليها‪ ،‬وقد بدأت احلملة من منطلق مقارنة اللغة العربية ِبللغة الَلتينيَّة الَّيت‬
‫فإن التَّحدَيت‬ ‫دخلت املتاحف‪ ،‬خملية الطَّريق للغات اإلقليمية واللهجات احمللية‪ ،‬وِبجلملة َّ‬
‫تشتمل وتتمثَّل على احملاوالت التَّالية‪:‬‬‫الصادرة من قبل هؤالء املغربني واملست ْشرقني ميكن أن ِ‬
‫َّ‬
‫علما‬ ‫‪ -1‬احملاولة ِف إيقاف اللغة العربيَّة عن ِ‬
‫النمو ِف اْلوطان اإلسَلميَّة‪ِ ،‬با فيها الدول العربيَّة وغري العربيَّة‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫حاضرا ‪ 1.4‬مليار‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّأهنا هي لغة الفكْر والثَّقافة والعبادة لدى هؤالء املسلمني‪ ،‬الَّذين قد يبلغ ُ‬
‫عددهم‬
‫‪256‬‬

‫‪ -2‬احملاولة املتواصلة ِف استبدال العاميَّة ِبلفصحى ِف كثري من البلدان العربيَّة‪.‬‬


‫العامة إليها‪ ،‬وعزل‬
‫السعي ِف خ ْلق لغة وسطى بني العاميَّة والفصحى؛ وذلك إلنزال مستوى الثَّقافة َّ‬ ‫‪َّ -3‬‬
‫اللسان العرب والثَّقافة عن مستوى القرآن الكرمي من الفصاحة‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫حييي توين مرتضى‪ ،‬أثر العربية ِف ثقافة املسلمني‪.‬‬

‫‪160‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ -4‬احملاولة ِف ه ْدم دولة اإلسَلم والقضاء عليها‪ ،‬وقد سلكوا ِف حتقيق ذلك طريق ْجت ِزئة َّ‬
‫اْلمة اإلسَلميَّة‬
‫وتفتيتها‪ ،‬فأاثروا النعرات اإلقليميَّة والقوميَّات‪ ،‬وجنَّدوا لذلك أعو ًاان هلم داخل دَير املسلمني‪.‬‬
‫‪ -5‬حماولة اإلغارة على حضارة اإلسَلم وثقافته؛ سعيًا وراء هدم عقائده وأفكاره‪ ،‬ون ْشر اْلفكار الغربيَّة‬
‫بديَل عنها‪.‬‬
‫الغزو الفكري عن طريق التَّبشري‪.‬‬
‫‪ْ -6‬‬

‫كل‬
‫أن الغربيني حاولوا َّ‬‫أن أتثري اللغة على املسلمني كبري‪ ،‬ولكن يبدو َّ‬ ‫وجدت بعض الدراسات َّ‬
‫حماولتهم ِف سبيل التَّفريق بني اللغة العربية والثَّقافة اإلسَلميَّة‪ ،‬ولكن مل ينجحوا؛ َّ‬
‫ْلن املسلمني كان هلم‬
‫دور مهم ال يُنسى ِف اتريخ تطور اللغة العربية‪ِ ،‬بنشاء علوم لغويَّة متعددة تُعني على إحياء اللغة‬
‫حّت اعتبارها لدى اْلمم املتَّحدة‪.‬‬
‫وإبقائها وانتشارها ِف أحناء العامل‪َّ ،‬‬
‫بدوِرهم ِف الدفاع عن اللغة وثقافتها ِجتاه العداوة الفكرية‬
‫املستح َسن أن يقوم املسلمون ْ‬‫ْ‬ ‫ومن‬
‫‪257‬‬
‫اليت حتاول التفريق بينهما وتغيريمها‪ ،‬هبدف القضاء عليهما‪.‬‬

‫هل ميكن أن يكون للعامل لغة واحدة موحدة مع اختالف ثقافاهتم ؟‬


‫ظهرت ِف القرن السابع عشر ِف أوروِب فكرة تعتقد أنه ميكن حل املشاكل اليت يفرضها التعدد‬
‫اللغوي ِف املخترب‪ ،‬وذلك ِبصطناع لغة عاملية‪ ...‬جديدة ال يكون فيها إال (طريقة واحدة ِف تصريف‬
‫اْلفعال‪ ،‬وِف اإلعراب‪ ،‬وِف بناء الكلمات ) ‪ .258‬ومن املهم أن نَلحظ أن فكرة اللغة املصطنعة إمنا‬
‫‪259‬‬
‫تظهر ِف الوقت الذي بدأت فيه وظيفة اللغة الَلتينية لغة نشر ِبالحنسار‪.‬‬
‫عرفت لغة الفوالبوك ‪ ،‬وهي أول لغة اصطناعية خترج من الدفاتر لتصل إىل مرحلة التداول العلمي‪،‬‬
‫جناحا كبريا وقصريا ِف اَلن نفسه ‪ ( :‬بعد عشر سنوات على ظهور اللغة‪ ،‬كانت تطبع هبا مخس‬
‫وعشرون صحيفة‪ ،‬وأسست ‪ 283‬مجعية‪ ،‬وطبعت كتب مدرسية ِف ‪ 25‬لغة‪ ،‬وظهرت أكادميية مل تلبث‬
‫أن انقشت اإلصَلحات‪ .‬غري أن تشدد املؤلف أدى إىل إفشاهلا مجيعا‪ ،‬وإىل االنشقاق‪ ،‬مث إىل التفتت‬

‫‪ 257‬د‪ .‬فاطمة لطفی كودرزی أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪ 258‬لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪375‬‬
‫‪ 259‬لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪376‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪161‬‬


‫ابتداء من ‪ ،) 1889‬وقد استفادت لغة اإلسربنتو من إخفاق (الفوالبوك) فقامت بوظيفة جعلتها‬
‫‪260‬‬
‫الظروف ضرورية فحلت ِف مقعد شاغر‪.‬‬
‫وقد ازداد عدد الناطقني هبذه اللغة ازدَيدا منتظما‪ ،‬وان كان من الصعب معرفة عدد الناطقني هبا ِف‬
‫أرجاء العامل بشكل دقيق‪ .‬وتضم اجلمعية العاملية لإلسربنتو حاليا ما بني ثَلثني إىل أربعني ألف منتسب‪.‬‬
‫غري أن بعضهم يذهب إىل أن عدد الناطقني هبا يبلغ مخسة عشر مليون شخص‪ .‬ومهما يكن من أمر‪،‬‬
‫فإن اإلسربنتو هي اللغة االصطناعية الوحيدة اليت بقيت على قيد احلياة‪ ،‬وقد أصبح امسها على أي‬
‫‪261‬‬
‫حال مرادفا للغة االصطناعية ِف ضمائر الناس‪ ،‬وليس بغد هذا من مزيد‪.‬‬
‫ال بد ِف فهم ما يبث احلياة ِف أعضاء هذه اجلماعة املتفرقة (الدَيسبورا) ِف أحناء العامل من أن نبدأ‬
‫بشخصية زامينهوف‪ .‬هذه إحدى رسائ له املعربة ِف هذا اجملال ‪ ( :‬لو مل أكن يهودَي يعيش ِف جمتمع‬
‫مغلق (غيتو) ملا كانت فكرة توحيد اإلنسانية لتمر ِف خاطري‪ ،‬أو ما كانت لتشغل ِبيل وتتملكين طوال‬
‫حيات‪ ،‬فَل أحد ميكن أن حيس ِبلشقاء الذي يسببه انقسام البشر كما حيس به اليهودي ِف جمتمع‬
‫‪262‬‬
‫مغلق‪.‬‬
‫أن انتش ار لغة من اللغات ِف الزمان وِف املكان إمنا هو تعبري عن انتشار من نوع آخر ‪ :‬عسكري أو‬
‫اقتصادي أو ديين أو غري ذلك‪ ،‬وأنه يعرب ِبلنتيجة عن حركة اجتماعية أكثر عمقا‪ .‬ولنا أن نسأل‪ :‬عن‬
‫‪263‬‬
‫أي حركة اجتماعية عميقة تعرب لغة اإلسربنتو (أو أي لغة مصطنعة أخرى )‪.‬‬
‫اتريخ اللغات يشكل الوجه اللساين لتاريخ اجملتمعات‪ ،‬وأن لغة تتقدم على أرض الواقع إمنا هي أمارة‬
‫على أن مجاعة إنسانية هي الناطقون هبذه اللغة‪ ،‬وتتقدم على أرض الواقع‪ .‬غري أن مجاعة الناطقني‬
‫ِبإلسربنتو تطرح هبذه الصفة مشكلة نظرية ْلهنا مجاعة مشتتة‪ ،‬وليس أمامنا أي مثال من التاريخ يشهد‬
‫على أن مجاعة مشتتة جنحت ِف فرض لغتها‪ .‬إن املثال الوحيد الذي ميكن أن نفكر فيه هو إحياء اللغة‬

‫‪260‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪381‬‬
‫‪261‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪382‬‬
‫‪262‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪382‬‬
‫‪263‬‬
‫لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪387‬‬

‫‪162‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫العربية‪ .‬غري أن هذا اْلمر اقتضى قيام إسرائيل‪ .‬ولنا أن نتساءل إن كانت لغة بَل أرض تكون مهدا هلا‪،‬‬
‫‪264‬‬
‫قابلة للحياة‪.‬‬
‫التحليل اللساين االجتماعي اهلادئ للوضع ال ميكن أن يقودان إال إىل نتيجة واحدة ‪ :‬إن حَل يتبىن‬
‫‪265‬‬
‫املساملة واملثالية ِف حرب اللغات قليل احلظ ِف النجاح‪.‬‬

‫‪ 264‬لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪-387‬‬
‫‪388‬‬
‫‪ 265‬لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ص ‪388‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪163‬‬


‫الفصل اخلامس‬

‫العالقة بني اللغة العربية واإلسالم‬

‫‪164‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫العالقة بني اللغة العربية واإلسالم‬
‫التالزم بني القرآن والعربية ‪:‬‬
‫إلقامة احلجة على البشر أرسل هللا الرسل عليهم السَلم مبلغني شرع هللا بلسـان أقـوامهم كمـا قـال‬
‫تع ــاىل‪﴿ :‬وم ـا أَرس ـلْنا ِم ـن رس ـ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ول إِال بِل َس ـان قَـ ْوم ـه ليُـبَ ـِ َ‬
‫ني َهلُـ ْم ﴾ (إب ـراهيم‪ :‬م ــن اَلي ــة‪ ،)4‬والرس ــول حمم ــد‬ ‫ََ ْ َ َ ْ َ ُ‬
‫‪.‬صلى هللا عليـه وسـلم داخـل ِف هـذا العمـوم فقـد أرسـل إىل قومـه بلسانــهم العـرب بـل إن معجزتـه ‪.‬صـلى‬
‫هللا عليه وسلم هي القرآن ِببناه ومعناه‪ .‬وْلن إنزال القـرآن الكـرمي ِبللسـان العـرب مل يكـن جملـرد البيـان‪ ،‬أو‬
‫بعبـارة أخـرى ْلن اللسـان العـرب مل يكـن جمـرد وسـيلة لتبيـني هـذا الكتـاب بـل هـو وسـيلة ِف حكـم الغايـة‪،‬‬
‫فاللســان العــرب بذاتــه مطلــوب وال ميكــن فهــم الكتــاب فهمــا مســتقيما إال بلســان الكتــاب ولــذلك فقــد‬
‫نص على عربية هذا الكتاب آبَيت كثرية‪ ،‬غري اَلية السابقة‪ ،‬ومن هذه اَلَيت ‪:‬‬
‫ني﴾ (النحل ‪)103‬‬ ‫‪َ ﴿ -1‬وَه َذا لِ َسا ٌن َعَرِ ٌّ‬
‫ب ُمبِ ٌ‬
‫ني﴾ (الشـعراء ‪- 193‬‬ ‫ك لِتَ ُكو َن ِمن الْمنْ ِذ ِر ِِ ٍ‬
‫ان َعـرٍِب ُمبِـ ٍ‬ ‫ني َعلَى قَـلْبِ َ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ﴿ -2‬نـََزَل بِِه ُّ‬
‫ين بل َسـ َ‬
‫َ ُ َ‬ ‫وح ْاْلَم ُ‬ ‫الر ُ‬
‫‪)195‬‬
‫‪﴿ -3‬إِ َّان أَنْـَزلْنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن﴾ (يوسف‪)2:‬‬
‫ك أَنْـَزلْنَاهُ ُحكْماً َعَربِياً ﴾ (الرعد‪ :‬من اَلية‪)37‬‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -4‬وَك َذل َ‬
‫‪ ﴿ -5‬قُـ ْرآانً َعَربِياً َغ ْ َري ِذي عِ َو ٍج لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَّـ ُقو َن﴾ (الزمر‪)28:‬‬
‫آَيتُهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَِق ْوٍم يـَ ْعلَ ُمو َن﴾ (فصلت‪)3:‬‬ ‫ت َ‬ ‫صلَ ْ‬ ‫‪ ﴿ -6‬كِتَاب فُ ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ك قُـ ْرآانً َعَربِياً ﴾ (الشورى‪ :‬من اَلية‪)7‬‬ ‫ك أ َْو َحْيـنَا إِلَْي َ‬
‫‪َ ﴿ -7‬وَك َذل َ‬
‫‪ ﴿ -8‬إِ َّان َج َع ْلنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن﴾ (الزخرف‪)3:‬‬
‫ص ِد ٌق لِ َساانً َعَربِياً ﴾ (اْلحقاف‪ :‬من اَلية‪)12‬‬ ‫اب ُم َ‬
‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -9‬وَه َذا كتَ ٌ‬
‫ني َوتـُْن ِذ َر بِِه قَـ ْوماً لُداً﴾ (مرمي‪)97:‬‬ ‫‪ ﴿ -10‬فَإَِّمنَا ي َّسرَانه بِلِسانِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك لتُـبَشَر بِه الْ ُمتَّق َ‬
‫َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم يـَتَ َذ َّك ُرو َن﴾ (الدخان‪)58:‬‬ ‫‪ ﴿ -11‬فَإَِّمنَا يَ َّس ْرَانهُ بِل َسانِ َ‬
‫ك أَنْـَزلْنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً ﴾ ( طـه‪ :‬من اَلية‪)113‬‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -12‬وَك َذل َ‬

‫إن هــذه النصــوص القاطعــة‪ ،‬بصــورها املتعــددة؛ لتــدل داللــة ال لــبس فيهــا علــى أن عَلقــة اللســان‬
‫العــرب ِبلقــرآن الكــرمي والرســالة اخلامتــة أكثــر مــن جمــرد وســيلة‪ ،‬بــل هــذا اللســان العــرب هــدف بذاتــه ِف هــذه‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪165‬‬


‫الرســالة‪ ،‬وهــو جــزء مــن اإلعجــاز الــذي حتملــه هــذه الرســالة‪ .‬إذن‪ ،‬مهــا متَلزمــان‪ ،‬وهلــذا الــتَلزم أثــر واضــح‬
‫فيهما معاً‪.‬‬

‫ويظهر االرتباط الوثيق بني اللغة العربية من جهة‪ ،‬والدين اإلسَلمي من جهة أخرى‪" ،‬فالدين‬
‫واللغة منذ النشأة اْلوىل متداخَلن تداخَلً غري قابل للفصل"؛ وهلذا فإن عَلقة املسلم العرب بلغته أكرب‬
‫بكثري من عَلقة غريه بلغته‪ ،‬بل إن عَلقة املسلم غري العرب ِبللغة العربية– وإن كان ال جييدها– أبلغ‬
‫‪266‬‬
‫وأوثق من عَلقته بلغته اْلصلية اليت يتقنها‪.‬‬

‫أثر التالزم بني القرآن والعربية ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬حفظ هللا للقرآن وللعربية معاً ‪:‬‬
‫ومما متتاز بـه رسـالة النـيب حممـد ‪.‬صـلى هللا عليـه وسـلم اخللـود‪ ،‬فالرسـول ‪.‬صـلى هللا عليـه وسـلم هـو‬
‫خ ــامت اْلنبي ــاء عل ــيهم الس ــَلم‪ ،‬ورس ــالته قائم ــة ومس ــتمرة إىل قي ــام الس ــاعة ﴿ َم ـا َك ـا َن ُحمَ َّم ـ ٌد أ ََِب أَ َح ـ ٍد ِم ـ ْن‬
‫ني﴾ (اْلحزاب‪ :‬من اَلية‪.)40‬‬ ‫اّلل َو َخ َامتَ النَّبِيِ َ‬ ‫ِر َجالِ ُك ْم َولَكِ ْن َر ُس َ‬
‫ول َِّ‬
‫وهذه امليزة تقتضي أن حيفظ كتاب هذه الرسالة اخلالدة لـئَل يصـيبه تغيـري أو حتريـف لطـول الـزمن‪،‬‬
‫والبشر غري قادرين على حتمل هذه املهمة واملسؤولية‪ ،‬ولـذلك فقـد تكفـل هللا نفسـه حبفظـه‪ ،‬قـال تعـاىل ‪:‬‬
‫اب َع ِزي ٌـز ال َأيْتِي ِـه الْبَا ِطـ ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿إِ َّان َْحن ُن نـََّزلْنَا الذ ْكَر َوإِ َّان لَهُ َحلَافظُو َن﴾ (احلجر‪ ،)9:‬وقال تعاىل ‪َ ﴿ :‬وإِنـَّهُ لَكتَـ ٌ‬
‫ك لِتَـ ْع َجـ َل بِـ ِه إِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ني ي َدي ِه وال ِمن خلْ ِف ِه تَـْن ِزيل ِمن حكِي ٍم َِ ٍ‬
‫محيد ﴾‪ ،‬وقال تعـاىل ‪﴿ :‬ال ُحتَـ ِرْك بِـ ِه ل َسـانَ َ‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫م ْن بَْ ِ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َعلَْيـنَا َمجْ َعهُ َوقُـ ْرآنَهُ ﴾ (القيامة)‬
‫وما تكفل هللا تعاىل حبفظه فَل خوف عليه من الضياع أو التغيري أبدا‪ .‬أما الكتب السـابقة فقـد‬
‫اّللِ﴾؛ ولـذلك مل حيفظـوا‬ ‫اب َّ‬ ‫وكِـل احلفـظ هبـا إىل البشـر‪ ،‬كمـا قـال تعـاىل ‪ِِ ﴿ :‬بـَا ا ْسـتُ ْح ِفظُوا ِمـن كِتَـ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫اب ِأبَيْـدي ِه ْم ُمثَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَ ْكتُـبُـو َن الْكتَـ َ‬‫اْلمانــة‪ ،‬وغــريوا وبــدلوا‪ ،‬كمــا بــني ذلــك تعــاىل ِف قولــه ‪ ﴿ :‬فَـ َويْـ ٌل للَّـذ َ‬
‫ْسبُو َن ﴾‬ ‫اّللِ لِي ْشرتوا بِِه ََناً قَلِيَلً فَـويل َهلم ِممَّا َكتَـبت أَي ِدي ِهم وويل َهلم ِممَّا يك ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َ ْ ْ ْ َ َ ْ ٌ ُْ َ‬ ‫َ ْ ٌ ُْ‬ ‫يـَ ُقولُو َن َه َذا م ْن عْند َّ َ َ ُ‬
‫ومــن حفــظ هللا هلــذا الكتــاب أن هيـأ لــه مــن مجعــه ودونــه ِف زمــن مبكــر جــدا‪ِ ،‬ف زمـن الصــحابة‬
‫رضــي هللا عــنهم‪ ،‬الــذين بيــنهم أنــزل ولــه حفظـوا؛ وهلــذا أمجعــت اْلمــة علــى أن مــا أبيــدينا مــن القــرآن هــو‬

‫‪ 266‬د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية‬

‫‪166‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫نفس ما أنزل على حممد ‪.‬صلى هللا عليه وسلم دون زَيدة أو نقصـان أو حتريـف أو تبـديل‪ ،‬ومـن شـك ِف‬
‫هذه احلقيقة املعلومة من الدين ِبلضرورة فقد كفر‪.‬‬
‫وه ــذه امليـ ــزة جتع ــل اللسـ ــان الع ــرب – شـ ــأنه شـ ــأن م ــا حيمـ ــل م ــن رسـ ــالة – لدي ــه قابليـ ــة لَلنتشـ ــار‬
‫واالستمرار حامَل معه هذه الرسالة اليت من طبيعتها القابلية لَلنتشار والدوام؛ ولذا فقد مشل هـذا احلفـظ‬
‫للق ــرآن حف ــظ لغت ــه العربي ــة‪ ،‬فأص ــبح املس ــلمون‪ ،‬والع ــرب خاص ــة‪ ،‬يق ــرؤون نصوص ــه وغريه ــا م ــن النص ــوص‬
‫العربية رطبة طرية ويفهمونـها على رغم بعـد الزمـان ‪ -‬أربعـة عشـر قـران‪ ،-‬ومل يكـن هـذا االسـتمرار ‪ -‬دون‬
‫تغيري يذكر ‪ -‬لغري العربية‪ ،‬ومل َنر شيئا من هلجات العربية انفصل ليصبح لغة مستقلة بعيـدة عـن مثيَلتــها‬
‫أو عــن اللغ ــة اْلم‪ ،‬فمن ــاطق العربي ــة إن اختلف ــت هلجات ــها احمللي ــة ِف التعام ــل احملل ــي إال أن اجلمي ــع يلتق ــون‬
‫عند اللغة اْلم قراءة وكتابة ونطقا‪ .‬وهذه الظاهرة اللغوية ليسـت لغـري العربيـة‪ ،‬قـارن ‪-‬علـى سـبيل املثـال ‪-‬‬
‫العربية ِبلَلتينية وما أصبحت عليه اْلخرية من إجنليزية وفرنسية وأملانية وإيطالية‪...‬‬
‫واملتأمل ِف التاريخ يرى بوضوح لغات كثـرية قـد انـدثرت ِبـوت أهلهـا‪ ،‬أو ضـعفت بضـعفهم‪ ،‬فـأين‬
‫‪267‬‬
‫اللغة الفينيقية (لغة أهل لبنان قدميا)؟ وأين اللغة املصرية القدمية؟ وأين اللغة اَلشورية؟‪...‬‬
‫ورغــم أن التطــور ســنة جاريــة ِف كــل اللغــات‪ ،‬وأكثــر مظــاهر هــذا التطــور يكــون ِف الــدالالت‪ ،‬إال‬
‫مستوَيهتا اللغوية ( الصوتية – الصرفية – النحوية – الداللية )‪ ،‬ومـا تطـور‬‫ِ‬ ‫أن العربية ظلت حمتفظة بكل‬
‫منها كان ِف إطار املعاين اْلصلية وعلى صلة هبا‪.‬‬
‫واحملافظة على اْلصـل الـداليل للفـظ مـع تطـور الـزمن‪ ،‬لـه فائـدة ال يسـتهان ِهبـا فتواصـل الفهـم بـني‬
‫اْلجيــال للنصــوص القدميــة وتـراث اْلمــة أمــر مــن اْلمهيــة ِبكــان‪ ،‬ويــزداد إدراكنــا ْلمهيــة االســتقرار اللغــوي‬
‫الذي تتميز به العربيـة إذا مـا أتملنـا التغـري السـريع الـذي يَلحـق اللغـة اإلجنليزيـة ( لغـة احلضـارة املعاصـرة)؛‬
‫فنصوص االجنليزية القدمية اليت مر عليها قرابـة ثَلثـة قـرون أصـبحت عصـية علـى الفهـم ِبلنسـبة لإلجنليـزي‬
‫املعاصــر‪ .‬ولعــل هــذا التغــري الس ـريع هــو الــذي دفــع علمــاء هــذه اللغــة إىل إعــادة صــياغة النصــوص اْلدبيــة‬
‫املهمة عندهم؛ مثل نصوص شكسبري ِبجنليزية حديثة‪.‬‬
‫ورغ ــم م ــرور أربع ــة عش ــر ق ـرانً‪ ،‬ال يك ــاد اإلنس ــان جي ــد ص ــعوبة ِف فه ــم ه ــذه النص ــوص وال تص ــادفه‬
‫غرابة ِف اْللفاظ‪ ،‬وما قد يصادفنا من ألفاظ صعبة فإن أيسر املعاجم ميكن أن يبدد هذه الصعوبة‪.‬‬
‫وهكذا الشأن مع ِبقي املستوَيت اللغوية ( الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والنحويـة )‪ ،‬وهـذه مزيـة عظيمـة ‪:‬‬
‫أن تكون اْلمة موصولة برتاثها الزاخر تفيد منه وتنفع به‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬د‪ .‬حممد حممد داود‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪167‬‬


‫وأتمــل مزيــة اســتقرار اللغــة العربيــة‪ ،‬الــيت تفــردت هبــا عــن ســائر اللغــات الــيت تغــريت وتبــدلت تغ ـرياً‬
‫وتبدالً جعل من اللغة الواحدة لغات كثرية متباينة‪ ،‬يؤدي بنا إىل التساؤل التايل ‪:‬‬
‫ما السبب وراء هذه املزية؟‬
‫هل ميكن إرجاع هذه املزية إىل أن اللغة العربية كانت لغـة عامليـة‪ ،‬فيهـا كـل مـا تفتقـر إليـه اْلمـم ِف‬
‫ك ـل اْلزمن ــة واْلمكن ــة م ــن ألف ــاظ ومع ــاين خليل ــة‪ ،‬حبي ــث جي ــد الن ــاس فيه ــا م ــا يفتق ــرون إلي ــه‪ ،‬ل ــذلك ه ــم‬
‫حيرصون عليها؟! وهذا بعيد‪ .‬فما كانت اللغة العربية وال غريها كذلك‪.‬‬
‫أم أن مزي ــة اس ــتقرار اللغ ــة العربي ــة ترج ــع إىل أهله ــا ومك ــانتهم االجتماعي ــة والسياس ــية والعلمي ــة؟!‬
‫والواقع يكذب ذلك؛ فقد كان أهل العربية ِف موضع متأخر الشأن جبوار حضارتني عظيمتـني مهـا الفـرس‬
‫والــروم‪ .‬وهكــذا ينتهــي بنــا التأمــل إىل أن الباحــث ال جيــد ســبباً مقنع ـاً هلــذه املزيــة ســوى أهنــا أثــر مــن آاثر‬
‫‪268‬‬
‫القرآن الكرمي‪.‬‬
‫اْلمة‪ ،‬ووجودها وشخصيَّتها‬ ‫كانت اللُّغة العربيَّة ‪ -‬ومازالت ‪ -‬وثيقة اْلواصر هبويَّة هذه َّ‬
‫تطور تراثها الثقاِف ِف العلوم‬ ‫اْلمة احلضاري‪ ،‬وواكبت ُّ‬ ‫وخصائصها‪ ،‬فقد وعت منذ َأم ٍد بعيد تكوين َّ‬
‫اْلمة‬
‫عرب العصور‪ ،‬فهي قلْب َّ‬ ‫جيل ْ‬‫جيل إىل ٍ‬ ‫وتعهدت ن ْقله من ٍ‬ ‫واَلداب والفنون والتَّشريع والفلسفة‪َّ ،‬‬
‫جهلِنا بتفاصيل طفولتِها‬ ‫ِ‬
‫أن العربيَّة من اللغات املوغلة ِف الق َدم‪ ،‬فمع ْ‬ ‫النابض وجهازها احملرك ومعروف َّ‬
‫السحيقة‪ ،‬حنن نعرف َّأهنا كانت ِف أوج اكتِ ِ‬
‫ماهلا‬ ‫ونشأ َِهتا‪ ،‬لعدم ترك اْلوائل آاثرا مكتوبة من ِ‬
‫اْلزمنة َّ‬ ‫ً‬
‫تفاعلت فيما‬
‫ْ‬ ‫الزمن‪ ،‬وكانت هلجات القبائل العربيَّة ِف اجلزيرة قد‬ ‫ونضجها منذ حنو ستَّة عشر قرًان من َّ‬
‫كزا للحياة االقتِصاديَّة واالجتِماعيَّة والدينيَّة ُّ‬
‫تؤمه‬ ‫وتكاملت ِف هلجة قُـريْش‪ ،‬أهل َّ‬
‫مكة الَّيت كانت مر ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بينها‬
‫وتبادل السلع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للمفاخرة والتَّنافُس ِف الشعر واخلطابة‪ ،‬وللتجارة ُ‬ ‫الشريفة‪ ،‬و ُ‬
‫القبائل لزَيرة الكعبة َّ‬
‫أبهنا حافظت‬ ‫ومع استِمرار العربيَّة منذئذ ِف النمو واالرتِقاء والتجدُّد‪ ،‬امتازت على وجه فريد َّ‬
‫الصرف‪ ،‬واحتفظت‬ ‫الرتاكيب‪ ،‬وقواعدها اْلساسيَّة ِف النَّحو و َّ‬ ‫على ِِ‬
‫مَلحمها اْلصيلة ِف اْلساليب و َّ‬
‫إن املرء ليعجب حينما يصغي إىل أبيات من ِ‬
‫الشعر اجلاهلي‬ ‫حّت َّ‬ ‫فرداهتا ومص ِ‬
‫طلحاهتا‪َّ ،‬‬ ‫ِبلكثري من م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الَّذي قيل منذ ألف ومخسمائة عام ونيِف‪ ،‬ويبدو له وكأنَّه يستمع إىل شعر حديث بكل سَلسته‬
‫ووضوح عبارته وسهولة أسلوبه‪ ،‬وهي هبذا تتميَّز عن لغات سائر الشعوب احلديثة‪ ،‬الَّذين َّ‬
‫يتعذر عليهم‬
‫السلف الَّذين سبقوهم أبربعة قرون أو مخسة ِف أحسن اْلحوال‪.‬‬
‫فهم لغات َّ‬

‫‪268‬‬
‫العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬د‪ .‬حممد حممد داود‪ ،‬ص ‪25 - 23‬‬

‫‪168‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫لقد كانت نشأة اللغة العربية ِف ِشبه اجلزيرة العربية ممَّا وفَّر هلا أسباب صيانتِها واحملافظة على‬
‫كياهنا لعدَّة قرون قبل اإلسَلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسرعان ما انتشر العرب آنذاك ِف املناطق اجملا ِورة‪ ،‬فدخلوا سورية والعراق‪ ،‬وحلَّت العربيَّة َّ‬
‫حمل‬ ‫ْ‬
‫اللَّهجات اَلراميَّة والسرَينيَّة واللغتَني اليواننيَّة والفارسيَّة فيهما‪ ،‬وكان هلا من اخلصائص ما ميَّزها عن‬
‫أي من اللغات البابليَّة واَلشوريَّة‬‫مجيعا‪ ،‬ففيها من عدد أصوات احلروف ما ليس ِف ٍ‬ ‫أخواهتا الساميَّات ً‬
‫والفينيقيَّة والعِربيَّة والس ْرَينيَّة واملندائيَّة واَلراميَّة واحلمرييَّة واحلبشيَّة‪ ،‬بل َّإهنا تفوق أكثر لغات العامل احليَّة‬
‫ِف هذا اخلصوص‪ ،‬وهي فضَلً عن ذلك من أ ْغىن اللُّغات ِف تعداد أصول ألفاظه‪ ،‬وِف ثرائِها ِبفرداهتا‪،‬‬
‫ادفاهتا‪ ،‬ودقَّة قواعدها‪ ،‬وأحكام حنوها وصرفها‪ ،‬وِف وفرة أبنيَتها االشتقاقيَّة واطراد قياسها‬ ‫وكثرة مرت ِ‬
‫لدالالت كثرية‪ ،‬وِف طواعيتها للمجاز‪ ،‬وإجياز عبارهتا‪ ،‬ومجال أسلوهبا وبياهنا وبَلغة تعابريه‪.‬‬
‫الشريفة ‪ِ -‬با بلغْته‬ ‫قد اختار هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬العربيَّة فأنزل هبا القرآن الكرمي‪ ،‬وكانت هذه اللغة َّ‬
‫وجل ‪ -‬تنزيله‬ ‫عز َّ‬ ‫مؤهلة حبق لإلعجاز الَّذي ْأودعه هللا ‪َّ -‬‬ ‫من اكتمال‪ ،‬وخبصائصها الفريدة املتميِزة ‪َّ -‬‬
‫العزيز؛ ﴿ إِ َّان أَنْـَزلْنَاهُ قُـ ْرآانً َعَربِياً لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن ﴾ [يوسف‪.]2 :‬‬
‫الرفيعة بني‬ ‫الذ ْكر احلكيم ِبللغة العربيَّة من أقوى َّ‬
‫الدعائم ِف إقْرار منزلتها َّ‬ ‫وهكذا كان نزول آ ِي ِ‬
‫ومن هنا‬ ‫حفظ هللا ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬ال ُقرآن‪ِ ،‬‬ ‫لغات سائِر اْلمم‪ ،‬وال ُقرآن الكرمي هو حافظ العربيَّة ما ِ‬
‫يد السوء والعبث من النَّيل‬ ‫ومهما حاولت ُ‬ ‫وستظل تنمو وتقوى‪ ،‬وترتقي إىل ما شاء هللا‪ْ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ظلَّت العربيَّة‬
‫أن امتداد عمر العربيَّة على هذا املدى الطَّويل‪ ،‬وارتباطها الوثيق حبياة‬ ‫إضعافها‪ ،‬وغري ٍ‬
‫خاف َّ‬ ‫منها أو ْ‬
‫مهد هلا سبل االغتِناء‪ ،‬ووفَّر هلا أسباب النمو واالتِساع؛ ﴿ إِ َّان َحنن نـََّزلْنا ِ‬
‫الذ ْكَر‬ ‫وجتارهبا‪ ،‬كان ممَّا َّ‬‫اْلمة َ‬
‫َّ‬
‫ُْ َ‬
‫‪269‬‬
‫َوإِ َّان لَهُ َحلَافِظُو َن ﴾ [احلجر‪.]9 :‬‬

‫ب – القرآن ميسر ِبلعربية ‪:‬‬


‫وميـزة أخــرى لرســالة النــيب ‪.‬صـلى هللا عليــه وســلم وهــي العمــوم جلميـع البشــر‪ ،‬قــال تعــاىل ‪َ ﴿ :‬وَمـا‬
‫َّاس بَ ِش ـرياً َونَـ ِذيراً ﴾ (س ــبأ‪ :‬م ــن اَلي ــة‪ ،)28‬وق ــد اقتض ــت ه ــذه املي ــزة تيس ــري الق ــرآن‬
‫اك إِال َكافَّـةً لِلن ـ ِ‬
‫أ َْر َس ـلْنَ َ‬
‫ولغته؛ وما ذلك إال ْلن من بعث إليهم هـذا النـيب ‪.‬صـلى هللا عليـه وسـلم ليسـوا عـرِب فقـط‪ ،‬بـل بعـث إىل‬
‫العـرب وإىل غـريهم‪ ،‬وكلهـم مطالـب بشـيء مـن هـذا اللسـان العـرب املبـني؛ فكثـري مـن شـعائر اإلسـَلم‪ِ ،‬بـا‬

‫‪269‬‬
‫أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‪ ،‬فاطمة لطفی كودرزی‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪169‬‬


‫فيها تَلوة القرآن‪ ،‬ال جتوز بغري العربيـة ‪ ،270‬فكيـف ِبملسـلمني وال سـيما مـن غـري العـرب أن يفعــلوا ذلـك‬
‫ك لِتُـبَ ِش ـَر بِـ ِه‬ ‫ِ‬
‫ل ـوال أن هللا تعــاىل يس ـر ه ــذا القــرآن ب ــهذا اللســان‪ ،‬كم ــا ق ــال تع ــاىل‪ ﴿ :‬فَإَِّمنَـا يَ َّس ـ ْرَانهُ بِل َس ـانِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ـ ْم يـَتَ ـ َذ َّك ُرون﴾ (ال ــدخان‪،)58:‬‬ ‫ني َوتـُْن ـذ َر بِـ ِه قَـ ْوم ـاً لُـداً﴾ (م ــرمي‪ ﴿ )97:‬فَإَِّمنَـا يَ َّس ـ ْرَانهُ بِل َس ـانِ َ‬
‫الْ ُمتَّق ـ َ‬
‫وقال تعاىل ِف سورة القمر أبربع آَيت‪﴿ :‬ولََق ْد ي َّسرَان الْ ُقرآ َن لِ ِ‬
‫لذ ْك ِر فَـ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِ ٍر ﴾‬ ‫َ َ ْ ْ‬
‫وبسبب هذا التيسـري للقـرآن ولغتـه مل يـرِو لنـا التـاريخ أن املسـلمني مـن غـري العـرب‪ ،‬الـذين دخلـوا‬
‫ِف ديــن هللا أفواجــا ِف عصــور الفتوحــات اإلســَلمية وبعــدها‪ ،‬وجــدوا أن اللســان العــرب وتعلمــه كــان عقبــة‬
‫ِف طـريقهم‪ ،‬بــل إنــهم ســرعان مــا عرفـوا العربيــة‪ ،‬بــل وأصــبح الكثــري مــنهم مــن علمائهــا ومــن علمــاء الــدين‬
‫عام ــة‪ ،‬وم ــن أب ــرز اْلمثل ــة عل ــى ذل ــك إم ــام املس ــلمني ِف احل ــديث البخ ــاري رمح ــه هللا تع ــاىل‪ ،‬وإم ــام العربي ــة‬
‫سيبويه‪ ،‬وغريمها كثري‪ .‬واملسلمون من غري العرب حيفظ بعضهم القرآن دون أن يعرف معناه؛ لعـدم معرفتـه‬
‫للعربية‪.‬‬
‫وقـد اســتفاد مــن هـذا التيســري العــرب أنفسـهم‪ ،‬فكــم تــرى مـن أمــي ال يقـرأ وال يكتـب مــن حيفــظ‬
‫الكثري‪ ،‬بل إن كثريا منهم يقرأ القـرآن كـامَل ويعـرف رمسـه‪ ،‬ولـو أعطـي أي كتـاب آخـر ملـا اسـتطاع قراءتـه‪،‬‬
‫ولو طلـب منـه كتابـة مـا قـرأ مـا اسـتطاع‪ .‬حقـا إنــها عنايـة هللا بــهذا القـرآن الـيت جعلتـه ميسـرا لتقـوم احلجـة‬
‫على الناس فقد ِبن ما نزل إليهم‪.‬‬
‫وهكــذا أصــبح هــذا الكتــاب العظــيم حمفوظــا ِف صــدور آالف املســلمني ِف كــل عصــر‪ ،‬وأصــبح ِف‬
‫متناول املسلمني مـن عـرب وعجـم‪ ،‬ولـوال تيسـري هللا ملـا اسـتطاع كثـري مـن غـري العـرب حفظـه وتَلوتـه دون‬
‫أن يعرفوا معناه‪.‬‬
‫ومـ ــن هنـ ــا يتبـ ــني لنـ ــا أن اللسـ ــان العـ ــرب‪ ،‬هـ ــذا الوعـ ــاء للمعجـ ــزة اخلالـ ــدة‪ ،‬مـ ــن أيسـ ــر اْللسـ ــن‪،‬‬
‫ويكتسب سريعا‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهو منتشر ِف اَلفاق رغم تقصري العرب الواضح ِف نشره وتقدميه للناس‪.‬‬

‫‪ 270‬ولو أخذان خطبة اجلمعة مثَل فإن مذاهب اْلئمة فيها كما يلي ‪:‬‬
‫املالكية ‪ :‬يشرتط أن تكون اخلطبة ِبلعربية ولو كان القوم عجما ال يعرفونـها فإن مل يوجد بينهم من حيسنها‬
‫سقطت عنهم اجلمعة‪.‬‬
‫الشافعية ‪ :‬يشرتط أن تكون أركان اخلطبتني ِبلعربية فَل يكفي غريها مّت أمكن تعلمها‪.‬‬
‫احلنابلة ‪ :‬ال تصح بغري العربية لقادر لكن ال بد من قراءة اَلية ِبلعربية‪.‬‬
‫احلنفية ‪ :‬جتوز اخلطبة بغري العربية ولو لقادر عليها سواء كان القوم عرِب أو عجما‪.‬‬

‫‪170‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وإذا عقدان مقارنة بني اللغة العربية وبني غريها‪ ،‬وجـدان العربيـة تتسـم بسـمات مـن أمههـا الثبـات‪،‬‬
‫وذلك أهنا مل تتغري عرب القرون‪ ،‬فَل تنحدر مع احندار العامة؛ ومن هنـا فقـد محلـت تـرااث قيمـا مل يعـزل عـن‬
‫اْلجيــال‪ ،‬ومل تعــزل اْلجيــال عنــه‪ .‬وهــذا مــن أســباب تــوهم بعضــهم أبنــها لغــة صــعبة؛ ْلنــها مل تنحــدر مــع‬
‫الشــارع ِف زمــن االحنــدار‪ ،‬خبــَلف اللغــات غريهــا الــيت مــن طبيعتهــا التغــري والتبــدل مم ـا جيعلهــا تقــرتب مــن‬
‫الن ــاطقني هب ــا‪ .‬وس ــبب آخ ــر م ــن أس ــباب ت ــوهم بعض ــهم الص ــعوبة ِف العربي ــة‪ ،‬وه ــو أن أغل ــب م ــن يق ــوم‬
‫بتعليمهـ ــا لغ ـ ــري ا لن ـ ــاطقني هب ـ ــا ِف ه ـ ــذا العص ـ ــر م ـ ــن غـ ــري املتخصص ـ ــني بتعليمه ـ ــا لغ ـ ــري أهله ـ ــا؛ ول ـ ــذا فه ـ ــم‬
‫يسـتخدمون كتبـا دراســية غـري مناسـبة؛ فتبــدو العربيـة وكأهنـا صــعبة‪ ،‬واْلمـر لـيس كــذلك‪ ،‬ولـو أتـيح للعربيــة‬
‫من الظروف والوسائل ما أتيح لغريها لبدت أكثر سهولة‪.‬‬

‫ت – نشأت علوم اللغة العربية – وأوهلا النحو – خدمة للقرآن ‪:‬‬


‫السبب اْلساسي ِف وضع النحو ‪-‬مهما كان واضعه‪ -‬ما طرأ من حلن عقب الفتوحات‬
‫اإلسَلمية‪ ،‬وامتداد آفاق اللغة العربية إىل جماالت مل تتح هلا من قبل‪.‬‬
‫يقول الزبيدي‪" :‬مل تزل العرب تنطق على سجيتها ِف صدر إسَلمها وماضي جاهليتها؛ حّت‬
‫أرساال‪ ،‬واجتمعت اْللسنة‬
‫اجا‪ ،‬وأقبلوا عليه ً‬
‫أظهر هللا اإلسَلم على سائر اْلدَين فدخل الناس فيه أفو ً‬
‫‪271‬‬
‫املتفرقة واللغات املختلفة ففشا الفساد ِف اللغة العربية"‬
‫و َّأول من وضع النَّحو علي بن أىب طالب – رضي هللا عنه ‪ -‬وأخذ عنه أبو اْلسود‬
‫الرمح ِن بن‬ ‫الدؤيل"‪ ،272‬وساق اْلنباري مجلة من ِ‬
‫الرواَيت‪ ،‬وفيها من يعزو النَّحو إىل أب اْلسود أو عبد ًّ‬ ‫ُ‬
‫الصحيح أ َن أول من وضع النَّحو علي بن‬ ‫هرمز أو نصر بن عاصم‪ ،‬مث ختمها برأيه اخلاص‪ ،‬فقال‪" :‬و َّ‬
‫الرواَيت كلها تسند إىل أب اْلسود‪ ،‬وأبو اْلسود يسنده إىل‬ ‫ْلن ِ‬‫أىب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪َّ -‬‬
‫علي"‪.273‬‬
‫ميكن أن نرد أسباب وضع النحو العرب إىل بواعث خمتلفة‪ ،‬منها الديين ومنها غري الديين‪ ،‬أما‬
‫البواعث الدينية فرتجع إىل احلرص الشديد على أداء نصوص الذكر احلكيم أداء فصيحا سليما إىل أبعد‬
‫حدود السَلمة والفصاحة‪ ،‬وخاصة بعد أن أخذ اللحن يشيع على اْللسنة‪ ،‬وكان قد أخذ ِف الظهور‬

‫‪271‬‬
‫عبد العزيز مطر ص ‪ 29‬عن طبقات الزبيدي‪.‬‬
‫‪272‬‬
‫إنباه الرواة ‪.41/1‬‬
‫‪273‬‬
‫نزهة اْللباء‪.22،21‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪171‬‬


‫منذ حياة الرسول ‪.‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد روى بعض الرواة أنه مسع رجَل يلحن ِف كَلمه فقال‪:‬‬
‫"أرشدوا أخاكم؛ فإنه قد ضل"‪ ،274‬ورووا أن أحد والة عمر بن اخلطاب ‪ ‬كتب إليه كتاِب به بعض‬
‫‪275‬‬
‫اللحن‪ ،‬فكتب إليه عمر ‪" :‬أَ ْن قَـنِ ْع كاتبك سوطا"‬

‫وقد اعتىن العرب – ونعين هبم العرب لساان‪ ،‬سواء كانوا من اجلـنس العـرب أم ال‪ِ -‬بللغـة العربيـة‬
‫منــذ فجــر اإلســَلم وكــان الباعــث اْلول علــى هــذا االهتمــام الــذي يعــد منقطــع النظــري هــو احلفــاظ علــى‬
‫القرآن الكـرمي مـن اللحـن والتحريـف‪ .‬وعلـى الـرغم مـن صـفاء سـليقتهم العربيـة وبعـدهم عـن اللحـن إال أنـه‬
‫بعــد أن انتشــر اإلســَلم ِف بــَلد كثــرية جمــاورة جلزيــرة العــرب واخــتلط الــدعاة العــرب بغــريهم ممــن دخــل ِف‬
‫اإلســَلم وتعلــم مــع الــدين لغتــه مســع بعــض مظــاهر اللحــن ِف القــرآن ممــا دعــا أولئــك الغيــورين إىل املســارعة‬
‫إىل وضع السـياج واحليلولـة بـني هـذه املظـاهر والقـرآن فـاهتموا ِبللغـة مبتـدئني ِبلنحـو منهـا‪ .‬كانـت النشـأة‬
‫لغاية دينية من قراء القرآن الكـرمي كـأب اْلسـود الـدؤيل ونصـر بـن عاصـم وعبـد الـرمحن بـن هرمـز وحيـ بـن‬
‫يعمــر وعنبســة بــن معــدان وعبــد هللا بــن أب إســحاق وأبــو عمــرو ابــن العــَلء وعيســى بــن عمــر ويــونس بــن‬
‫حبيــب حــّت انتهــت السلســلة إىل اخلليــل بــن أمحــد الفراهيـدي الواضــع احلقيقــي ْلكثــر مــن علــم مــن علــوم‬
‫اللغة‪.‬‬

‫ث ‪ -‬اهتمام العلماء ِبلعربية الرتباطها ِبلدين ‪:‬‬


‫وع َّدتْ ـهُ َه ـ َدفاً ي ـ ُـر ُاد لِذاتِـ ِه‪ ،‬ال ُجمَ ـرَد‬ ‫ِ‬ ‫ت اْلم ـةُ اإلس ــَلميةُ ِف س ــالِ ِ ِ‬ ‫اِ ْعتَـنَ ـ ِ‬
‫ف َع ْه ـدها ِبللس ــان ال َع ـَرب‪َ ،‬‬
‫ت اْلم ـةُ عل ــى ذلِ ـك؛ فَك ــا َن لَ ــها العِ ـُّز والتَّمك ــني‪ .‬واه ــتم كث ــري م ــن الع ـ ِ‬
‫ـرب‬ ‫ـيلة ِحلَ ْم ـ ِل ِ‬
‫الرس ــالَِة‪ ،‬وس ــار ِ‬ ‫وس ـ ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وتعليمها‪.‬‬ ‫غة العربي ِة‬
‫واملسلمني بتعلُِّم اللُّ ِ‬
‫وقــد جعــل هــذا الــتَلزم بــني العربيــة والــدين العربيــة مــن الــدين‪ ،‬وتعلمهــا لفهــم مقاصــد الكتــاب‬
‫والسنة قربة من أجل القرِبت إىل هللا عز وجل‪ ،‬ومعرفة ما يقيم به املسلم فرضـه منهـا فـرض واجـب عليـه؛‬
‫فاهتم هبا العلماء‪ 276 ،‬ونقتبس من أقواهلم ِف العربية وأمهيتها هذه اْلقوال ‪:‬‬

‫‪ 274‬كنز العمال ‪.151 /1‬‬


‫‪ 275‬اخلصائص البن جين "طبعة دار الكتب املصرية" ‪.8 /2‬‬
‫‪ 276‬انظر بعض هذه اْلقوال أيضا ِف ‪ :‬ندوة مناهج اللغة العربية ِف التعليم ما قبل اجلامعي‪ ،‬ص ‪9 - 8‬‬

‫‪172‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫قال أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب –رضي هللا عنه‪ " -‬تعلموا العربية فإنـها مـن ديـنكم‪ ،‬وتعلمـوا‬
‫‪277‬‬
‫الفرائض فإنـها من دينكم "‬
‫مســع حممــد بــن ســعد بــن أب وقــاص –رضــي هللا عنــه‪ -‬قومــا يتكلمــون ِبلفارســية فقــال هلــم‪ " :‬مــا‬
‫‪278‬‬
‫ِبل اجملوسية بعد احلنيفية "‬
‫وقــال الشــافعي – رمحــه هللا ‪ " : -‬فعلــى كــل مســلم أن يــتعلم مــن لســان العــرب مــا بلغــه جهــده‬
‫حّت يشهد أن ال إله إال هللا وأن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬ويتلو به كتاب هللا‪ ،‬وينطق ِبلذكر ِبـا افـرتض عليـه‬
‫‪279‬‬
‫من التكبري‪ ،‬وأمر به من التسبيح والتشهد وغري ذلك"‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ " :‬وأوىل الناس ِبلفضل ِف اللسان من لسانه لسان النيب‪ ،‬وال جيـوز أن يكـون أهـل‬
‫لســانه أتباعــا ْلهــل لســان غــري لســانه ِف حــرف واحــد‪ ،‬بــل كــل لســان تبــع للســانه‪ ،‬وكــل أهــل ديــن قبلــه‬
‫‪280‬‬
‫فعليهم اتباع دينه "‪.‬‬
‫وق ــال أيض ــا ‪ " :‬ال يعل ــم م ــن إيض ــاح مج ــل عل ــم الكت ــاب أح ــد جه ــل س ــعة لس ــان الع ــرب وكث ــرة‬
‫وجوهه ومجاع معانيه وتفرقها‪ ،‬ومن علمه انتفت عنه الشبه اليت دخلت على من جهل لساهنا " ‪.281‬‬
‫وق ــال الش ــاطيب ‪ -‬رمح ــه هللا ‪ " : -‬ال جي ــوز ْلح ــد أن ي ــتكلم ِف الشـ ـريعة ح ــّت يك ــون عربي ــا أو‬
‫كعرب ِف كونه عارفا بلسان العرب ِبلغا فيه مبالغهم " ‪.282‬‬
‫وق ــال –رمح ـه هللا‪ -‬أيض ــا ‪ " :‬عل ــى "الن ــاظر" ِف الش ـريعة وامل ــتكلم فيه ــا أص ــوال وفروع ــا أم ـران ‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬أن ال يتكلم ِف شيء من ذلك حّت يكون عربيا‪ ،‬أو كعرب ِف كونه عارفا بلسان العـرب‪ِ ،‬بلغـا‬
‫فيــه مبــالغ العــرب‪ ،‬أو مبــالغ اْلئمــة املتقــدمني كاخلليــل وســيبويه والكســائي والفـراء ومــن أشــبههم وداانهــم‪،‬‬
‫ولــيس املـراد أن يكــون حافظــا كحفظهــم وجامعــا كجمعهــم‪ ،‬وإمنــا املـراد أن يصــري فهمــه عربيــا ِف اجلملــة "‬
‫‪.283‬‬

‫‪ 277‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪470 / 1‬‬


‫‪ 278‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪465 / 1‬‬
‫‪ 279‬الرسالة لإلمام الشافعي ‪48‬‬
‫‪ 280‬الرسالة لإلمام الشافعي ‪46‬‬
‫‪ 281‬الرسالة لإلمام الشافعي ‪50‬‬
‫‪ 282‬االعتصام ( بتصرف) ‪297 / 2‬‬
‫‪ 283‬االعتصام ( بتصرف) ‪297 / 2‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪173‬‬


‫وقال املاوردي رمحه هللا‪" :‬ومعرفة لسان العرب فرض على كل مسلم من جمتهد وغريه " ‪.284‬‬
‫وق ــال اب ــن تيمي ــه رمح ــه هللا ‪ " :‬إن اللغ ــة العربي ــة م ــن ال ــدين‪ ،‬ومعرفته ــا ف ــرض واج ــب‪ ،‬ف ــإن فه ــم‬
‫‪285‬‬
‫الكتاب والسنة فرض‪ ،‬وال يفهم إال بفهم اللغة العربية‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب "‬
‫وق ــال –رمح ــه هللا‪ -‬أيض ــا ‪ " :‬وأم ــا اعتي ــاد اخلط ــاب بغ ــري العربي ــة ال ــيت ه ــي ش ــعار اإلس ــَلم ولغ ــة‬
‫الق ــرآن ح ــّت ال يص ــري ذل ــك ع ــادة للمص ــر وأهل ــه‪ ،‬وْله ــل ال ــدار‪ ،‬وللرج ــل م ــع ص ــاحبه‪ ،‬وْله ــل الس ــوق‪،‬‬
‫‪286‬‬
‫ولألمراء‪ ،‬أو ْلهل الديوان‪ ،‬أو ْلهل الفقه‪ ،‬فَل ريب أن هذا مكروه "‬
‫وق ــال –رمح ــه هللا‪ -‬أيض ــا ‪ " :‬معل ــوم أن تعل ــم العربي ــة وتعل ــيم العربي ــة ف ــرض عل ــى الكفاي ــة؛ وك ــان‬
‫الســلف يؤدبــون أوالدهــم علــى اللحــن‪ .‬فــنحن مــأمورون أمــر إجيــاب أو أمــر اســتحباب أن حنفــظ الق ـانون‬
‫العــرب‪ ،‬ونصــلح اْللســن املائلــة عنــه‪ ،‬فــيحفظ لنــا طريقــة الكتــاب والســنة‪ ،‬واالقتــداء ِبلعــرب ِف خطابــها‪.‬‬
‫‪287‬‬
‫فلو ترك الناس على حلنهم كان نقصا وعيبا "‬
‫وقــال شــيخ اإلســَلم ‪ " :‬اللســان العــرب شــعار اإلســَلم وأهلــه‪ ،‬واللغــات مــن أعظــم شــعائر اْلمــم‬
‫‪288‬‬
‫اليت بـها يتميزون "‬
‫وقال ابن تيمية‪ " :‬فأما القرآن فَل يقرؤه بغري العربية سواء قـدر عليهـا أو مل يقـدر عنـد اجلمهـور‪.‬‬
‫وهــذا هــو الص ـواب الــذي ال ريــب فيــه‪ .‬بــل قــد قــال غــري واحــد إنــه ميتنــع أن يــرتجم ســورة أو ممــا يقــوم بــه‬
‫‪289‬‬
‫اإلعجاز‪ .‬والدين يوجب على معتنقيه تعلم العربية ْلنـها لغة القرآن ومفتاح فهمه "‪.‬‬
‫ونقل شيخ اإلسَلم عن اإلمام أمحد كراهة الرطانة‪ ،‬وتسمية الشهور ِبْلمساء اْلعجميـة‪ ،‬والوجـه‬
‫عن اإلمام أمحد ِف ذلك " كراهة أن يتعود الرجل النطق بغري العربية "‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫قال اجلويين‪ ،‬رمحه هللا‪ " : ،‬ال بد من االرتواء من العربية فهي الذريعة إىل مدارك الشريعة"‬

‫‪ 284‬جمموع فتاوى شيخ اإلسَلم ‪252 / 22‬‬


‫‪ 285‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪469 / 1‬‬
‫‪ 286‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪468 / 1‬‬
‫‪ 287‬جمموع فتاوى شيخ اإلسَلم ‪252 / 32‬‬
‫‪ 288‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪462 / 1‬‬
‫‪ 289‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪520 / 1‬‬
‫‪ 290‬أبو املعايل اجلويين‪ ،‬غياث اْلمم ِف التياث الظُّلم‪ ،‬ص ‪286‬‬

‫‪174‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وقال الثعاليب ‪ " :‬من أحب هللا أحب رسوله املصطفى ‪.‬صلى هللا عليـه وسـلم‪ ،‬ومـن أحـب النـيب‬
‫العــرب أح ــب الع ــرب‪ .‬وم ــن أح ــب العــرب أح ــب اللغ ــة العربي ــة ال ــيت نــزل ب ــها أفض ــل الكت ــب عل ــى أفض ــل‬
‫العجــم والعــرب‪ ،‬ومــن أحــب العربيــة عــين بــها‪ ،‬واثبــر عليهــا‪ ،‬وصــرف مهتــه إليهــا " ‪ ،291‬وقــال‪" :‬والعربيــة‬
‫خــري اللغــات واْللســنة‪ .‬واإلقبــال علــى تفهمهــا مــن الدَينــة إذ هــي أداة العلــم ومفتــاح التفقــه ِف الــدين"‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫وقال ِف العربية ‪ " :‬أداة العلم‪ ،‬ومفتاح التفقه ِبلدين‪ ،‬وسبب صَلح املعاش "‬
‫ويعرب الزخمشري عن شدة حبه للعربية بقوله‪« :‬هللا أمحد أن جعلين من علماء العربية‪ ،‬وجبلين‬
‫على الغضب للعربية والعصبية‪ ،‬وأىب يل أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمناز وأنضوي اىل لفيف الشعوبية‬
‫وأحناز‪.»...‬‬
‫" وك ــان م ــن أث ــر ه ــذا االرتب ــاط املب ــارك – ب ــني الق ــرآن والعربي ــة – أن ع ــادت عل ــى اللغ ــة العربي ــة‬
‫‪293‬‬
‫جهود و رات مل يبذهلا أصحاهبا يوم بذلوها إال خدمة هلذا الدين "‬

‫ج ‪ -‬كيد اْلعداء للعربية الرتباطها ِبلدين ‪:‬‬


‫ولقد أدرك أعـداء الـدين هـذه العَلقـة املتينـة بـني القـرآن الكـرمي واللسـان العـرب فكـادوا هلمـا‪ ،‬وال‬
‫يزالون يكيدون هلما؛ ليحولوا بني املسلمني وبني كتابـهم‪ ،‬بل كل تراثهم اإلسَلمي‪.‬‬
‫وقــد أخــذ هــذا الكيــد صــورا شــّت وجنــدت لــذلك كافــة الوســائل‪ ،‬ولــذا فقــد جنح ـوا ِف اســتبدال‬
‫احل ــرف الع ــرب ِبحل ــرف الَلتي ــين ِف بع ــض ب ــَلد الع ــرب واملس ــلمني‪ .‬ولق ــد ح ــاولوا تك ـرار التجرب ــة ِف ب ــَلد‬
‫أخـرى‪ ،‬ولكـنهم مل يفلحـوا متامـا‪ ،‬فسـلكوا طريقـا أخــرى‪ ،‬أال وهـي التشـجيع علـى الكتابـة والقـراءة ِبلعاميــة‬
‫ونشرها لتطغى على الفصحى‪ ،‬ولكن هذه أيضا فشلت‪ ،‬ومل ييـأس أولئـك‪ ،‬فـَل زالـوا يكيـدون‪ ،‬ولكـن هللا‬
‫اّللُ َخـ ْريٌ َحافِظــا ﴾‪ .‬ولــئن صــاحب اْلعــداءَ الفشـ ُـل ِف كثــري‬
‫ســيحفظ هــذه اللغــة وإن خذلــها أهلهــا ﴿ فَـ َّ‬
‫من خططهم الكائدة ضد اللسان العرب‪ ،‬فلقد جنحوا إىل درجة كبرية ِف الكيد له من بعض اْلمور ‪:‬‬
‫▪ دعوى الصـعوبة فيهـا– وَي للخـزي‪ -‬قـد صـدقها كثـري مـن املسـلمني بـل مـن أبنـاء العـرب أنفسـهم‪،‬‬
‫حّت خيم اليأس علـى مـن يريـد تعلـم العربيـة؛ فأصـبحت ال يرغـب فيهـا إال القليـل مـن أبنائهـا‪ ،‬ومـا‬
‫أكثــر املصــدقني هلــذا الــزعم‪ ،‬وإن مل يوجــد التصــديق ذاتيــا وِبلقــول فإنــه موجــود موضــوعيا‪ ،‬والتعامــل‬

‫‪ِ 291‬ف فضل اللغة العربية‪ ،‬للدكتور أمحد عبده عوض‪ ،‬ص ‪81‬‬
‫‪ 292‬فقه اللغة ص ‪ ،3‬نقَل عن ‪ :‬لبيب السعيد‪ ،‬اجلمع الصوت اْلول للقرآن‪ ،‬ص ‪376‬‬
‫‪ 293‬حنو وعي لغوي‪ ،‬للدكتور مازن املبارك‪ ،‬ص ‪116‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪175‬‬


‫معهــا يــدل علــى ذلــك‪ ،‬فهــي مــثَل ليســت لغــة التعلــيم ِف التخصصــات التطبيقيــة ِف كثــري مــن بــَلد‬
‫العرب‪ ،‬وال يكاد يلتزمها إال النادر منهم‪ .‬وقد ساعدهم ِف ذلك تبين كثري من مراكـز تعلـيم العربيـة‬
‫طرقا تقليدية ِف تعليمها‪ ،‬وخلطهم بني تعليمها ْلهلها وتعليمها لغري أهلها‪.‬‬
‫▪ مزامحتها بغريها من اللغات اْلجنبية‪:‬‬
‫فانصــب اهتمــام الدارســني إىل اللغــات اْلجنبيــة مــع مــا صــاحبها مــن دعايــة هلــا‪ ،‬وكــان‬
‫هلذه االزدواجية اللغوية أثره الكبري ِف الضعف اللغوي مع ما عند الدارس من انـهزام داخلـي جعلـه‬
‫حيتقر كل ما لديه‪ ،‬ويشغف ِف حتصيل كل ما عند غريه‪.‬‬
‫▪ إضعاف اللغة العربية‪:‬‬
‫وِف سـ ــبيل جنـ ــاح خمطـ ــط اْلعـ ــداء ِف النيـ ــل مـ ــن الـ ــدين اإلسـ ــَلمي كـ ــان ال بـ ــد لـ ــه مـ ــن‬
‫إضــعاف اللغــة العربيــة‪ ،‬وحماولــة القضــاء عليهــا بكــل ســبيل ممكــن؛ إذ إن اللغــة العربيــة ال تعــد وعــاء‬
‫للفكــر العــرب واإلســَلمي‪ ،‬وال متثــل اهلويــة العربيــة واإلســَلمية فحســب‪ ،‬بــل هــي شــعرية مــن شــعائر‬
‫اإلسـ ــَلم؛ قـ ــال شـ ــيخ اإلسـ ــَلم ابـ ــن تيميـ ــة ‪ -‬رمحـ ــه هللا ‪« :-‬فـ ــإن اللسـ ــان العـ ــرب شـ ــعار اإلسـ ــَلم‬
‫وأهلــه»‪ .‬فاللغــة العربيــة والــدين اإلســَلمي كــلٌّ ال يتج ـزأ‪ .‬وممــا يــدمي القلــوب أن جنــد الغــرب يهــتم‬
‫ِبلدراس ــات العربي ــة واإلس ــَلمية ِف جامعات ــه‪ ،‬وِبراك ــز البح ــوث االستش ـراقية‪ ،‬م ــادَيً ومعن ــوَيً‪ ،‬عل ــى‬
‫حـني تبــدو مثيَلهتــا شــاحبة ِف عاملنــا العــرب واإلســَلمي ال جتــد الــدعم املــادي وال املعنــوي الَلزمــني‬
‫هل ــا‪ ،‬ح ــّت ص ــارت عبئ ـاً عل ــى جمتمعاتن ــا العربي ــة‪ ،‬ودأب ــت وس ــائل اإلع ــَلم عل ــى تش ــويه الفص ــحى‪،‬‬
‫والـ ـربط بينهـ ــا وبيـ ــىن ختلـ ــف اْلمـ ــة حضـ ــارَيً الي ــوم‪ .‬ويزيـ ــد الطـ ــني بلـ ــة تلـ ــك الـ ــدعوات املسـ ــعورة إىل‬
‫اســتخدام العاميــات العربيــة بــديَلً عــن الفصــحى‪ ،‬مم ــا ســبب لطَلبنــا وِبحثينــا نوع ـاً مــن ازدواجي ــة‬
‫اللغـة‪ ،‬حـّت ِف املــدارس واجلامعـات‪ ،‬فشـاع اللحــن‪ ،‬وأعـرض الطـَلب عــن تعلـم الفصـحى إىل تعلــم‬
‫‪294‬‬
‫اللغات اْلجنبية اليت استشرت ِف بَلدان العربية‪.‬‬

‫التاريخ شاهد على التالزم بني الدين والعربية‪:‬‬

‫‪ 294‬د‪ .‬ماهر عباس جَلل‪ ،‬ماذا يُراد أبمتنا العربية واإلسَلمية؟ االستعمار النفسي ِف ثوبه اجلديد‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،162‬ص ‪119‬‬

‫‪176‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫إن الواقـع التــارخيي للغــة العربيــة وللـدين اإلســَلمي ‪-‬خــَلل أربعــة عشـر قـران‪ -‬يثبــت حقيقــة الــتَلزم‬
‫واالرتباط بني انتشـار كـل منهمـا وازدهـاره وانتشـار اَلخـر‪ .‬ولـيس مـن شـك ِف أن اإلسـَلم كـان لـه الـدور‬
‫اْلول والرائـد ِف انتشـار اللغــة العربيـة ِف اْلقطـار اَلســيوية واإلفريقيـة غـري العربيــة‪ .‬ونعتقـد أن اإلسـَلم هــو‬
‫أبرز العوامل اليت دفعـت أببنـاء الشـعوب غـري العربيـة لـتعلم اللغـة العربيـة‪ .‬وقـد كـان للقـرآن الكـرمي‪ ،‬وللـدين‬
‫اإلســَلمي بعام ـة‪ ،‬الــدور اْله ــم ِف حفــظ العربي ــة م ــن الضــياع أو التش ــويه‪ ،‬علــى ال ــرغم مــن ض ــياع الدول ــة‬
‫الواحــدة ِف بعــض اْلزمن ــة‪ .‬إىل جانــب أن ـه ِف ك ـ ٍـل مــن الــدين اإلس ــَلمي واللغــة العربيــة م ــن القــوة الذاتي ــة‬
‫واالستعداد اْلصيل ما يكفل له الغلبة واالنتصار‪.‬‬
‫واملسـ ــلمون تعـ ــاونوا مجيعـ ــا – مـ ــن اجلـ ــنس العـ ــرب أو مـ ــن العجـ ــم الـ ــذين لسانـ ــهم عـ ــرب – علـ ــى‬
‫التقعيد للغة العربية؛ حلفظ القرآن‪.‬‬
‫ولنا شاهد من التاريخ‪ ،‬حيث انتشرت اللغة العربية مع انتشار اإلسَلم ِف الفتوحات؛ وأصبحت‬
‫لساانً عاماً‪ ،‬وليست لسان العلماء ِف املساجد واملدارس الدينية‪ .‬وهذا الشاهد التارخيي‬
‫جييب عن أسئلة تدور حول هذا امليدان‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫▪ ما سر انتشار العربية خارج نطاق اجلزيرة العربية؟‬
‫▪ هل أجربت الشعوب على العربية؟‬
‫▪ هل أحبت الشعوب اللغة العربية؟‬
‫‪ْ -‬لهنا لغة الدين‪.‬‬
‫‪ -‬لصفة ذاتية فيها‪.‬‬
‫‪ْ -‬لهنا لغة الغالب‪.‬‬
‫▪ هل تعلمتها الشعوب ِف نطاق الدين فقط؟‬
‫▪ أو أصبحت لغتها ِف كل اجملاالت؟‬
‫ِبلتأكيــد‪ ،‬تعلمتهــا الشــعوب ْلهنــا لغــة الــدين أوال‪ ،‬مث ملــا تعلمتهــا اكتشــفت مجاهلــا ومــا‬
‫فيها من صفات وجاذبية‪ ،‬ومل يكن ذلك حمصورا ِف نطاق الدين عند كثري منهم‪.‬‬
‫قبل اإلسَلم‪ ،‬خضعت أقطار الوطن اإلسـَلمي حنـو ألـف عـام للحكـم اْلجنـيب‪ِ ،‬بسـتثناء جزيـرة‬
‫الع ــرب ال ــيت اعتص ــمت ببواديه ــا اجل ــرد‪ ،‬ال مطم ــع فيه ــا لغري ــب‪ .‬وتعاق ــب عل ــى ش ــعوبنا الروم ــان والف ــرس‬
‫والي ــوانن‪ِ ،‬ف أدوار اترخيي ــة واح ــدة أو متقارب ــة‪ ،‬ففرض ـوا عليه ــا لغ ــاهتم وعقائ ــدهم وقومي ــاهتم وأع ـرافهم‪ ،‬مث‬
‫مضوا مجيعاً‪ ،‬مل يرتكوا هنا قومية فارسية أو رومانية أو يواننية‪ .‬وكـل مـا خلفـوه علـى املـدى الطويـل مـن أثـر‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪177‬‬


‫مادي أو معنوي‪ ،‬ذاب ِف عناصر الشخصية اْلصـلية إلنسـان املنطقـة‪ ،‬ومل تـذب تلـك الشخصـية قـط ِف‬
‫‪295‬‬
‫أجنيب أو دخيل‪.‬‬
‫وعلى ذلك الزمن الطويل‪ ،‬بقيت لغات الغـزاة وثقافـاهتم وعقائـدهم املفروضـة ِبإلكـراه‪ ،‬لغـة دواويـن‬
‫وثقافة دخيل وعقائد مستعمر‪ ،‬يرهتن بقاؤها ِبا حيميهـا مـن سـلطة احلكـام وجـربوهتم‪ ،‬وتواجههـا الشـعوب‬
‫ِبلتحــدي الــذي يتمثــل ِف اإلص ـرار علــى التعامــل بلســاهنا القــومي خــارج احلــدود الرمسيــة‪ ،‬وِبلــرفض الــذي‬
‫‪296‬‬
‫يتمثل ِف متسكها بعقائدها وتقاليدها وأعرافها‪ ،‬ما استطاعت إىل ذلك سبيَل‪.‬‬
‫لقد غزت املنطقة لغـات أخـرى قبـل اإلسـَلم‪ ،‬مؤيـدة ِبلسـلطان السياسـي‪ ،‬لكـن الشـعوب املغلوبـة‬
‫رفضــتها متشــبثة بقــدميها حمافظــة علــى تراثهــا‪ .‬فاحنصــرت لغــات الغ ـزاة الغــالبني ِف الــدواوين والرمسيــات‪ .‬مل‬
‫‪297‬‬
‫تتجاوزها من قريب أو بعيد إىل اللغة القومية‪.‬‬
‫مث جــاء اإلســَلم‪ ،‬فكــان التحــول الــذي ال يعــرف التــاريخ لــه مثــيَل‪ ،‬حينمــا خــرج العــرب املســلمون‬
‫من جزيرهتم فاحتني‪ ،‬فما مضى ربع قرن على بدء التاريخ اهلجري‪ ،‬حّت كانت بَلد الشـام ومصـر والعـراق‬
‫قد انتهى اترخيها الروماين واليوانين والفارسي‪ ،‬وبدأ اترخيها اإلسَلمي العرب فكـان لقـاؤه بقـدميها اْلصـيل‬
‫الـ ــذي صـ ــمد حنـ ــو ألـ ــف عـ ــام (‪331‬ق م‪640 :‬م) للغـ ــزو اْلجنـ ـيب‪ ،‬وأرق الغـ ـزاة بثـ ــورات يعرفهـ ــا اترخينـ ــا‬
‫‪298‬‬
‫القدمي‪ ،‬ويعطي رصيدها الضخم من الضحاَي والثارات واْلحقاد‪.‬‬
‫ويكاد املؤرخون جيمعون على أن ما تركـه االحـتَلل الرومـاين الـذي احتـل الـبَلد حنـو سـتة قـرون‪ ،‬مل‬
‫صـ ِفيت ِف القـرن‬ ‫يصمد أمام الفتح اإلسَلمي‪ .‬وأن الَلتينية اليت بدا أهنا سادت الشمال اإلفريقـي زمـاانً‪ُ ،‬‬
‫‪299‬‬
‫اهلجري اْلول‪.‬‬
‫ومـ ــن عجـ ــب أن الشـ ــعوب مـ ــا كـ ــادت تسـ ــتجيب لإلسـ ــَلم‪ ،‬حـ ــّت نبـ ــذت كـ ــل ماضـ ــيها اْلجنـ ــيب‬
‫املفـ ــروض‪ ،‬ومحلـ ــت لـ ـواء دينهـ ــا اجلديـ ــد داعيـ ــة إليـ ــه مناضـ ــلة عنـ ــه‪ ،‬مشـ ــاركة ِف حركـ ــة املـ ــد الكبـ ــري للفتـ ــوح‬
‫‪300‬‬
‫اإلسَلمية اليت بلغت أقصى املغرب‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪296‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪297‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪41‬‬
‫‪298‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪299‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪300‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪14‬‬

‫‪178‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فلم يكن التحول انتقاالً من حكم الرومان والفـرس واليـوانن إىل حكـم العـرب‪ ،‬وإمنـا كـان اسـتجابة‬
‫ِبهــرة لعقيــدة اقتنعـوا هبــا‪ .‬وقــد وجــدت الضــمائر الــيت ظلــت ِبعــزل عــن تيــارات الغــزو‪ ،‬مــا تســرتيح إليــه ِف‬
‫ديــن الفطــرة املصــدق ملــا بــني يديــه مــن الرســاالت الدينيــة‪ .‬وكــان املبــدأ اإلســَلمي ِف إق ـرار حريــة العقيــدة‬
‫وحظــر اإلك ـراه ِف الــدين‪ ،‬هــو الــذي أطلقهــم مــن موقــف التحــدي والــرفض‪ ،‬إذ تــرك هلــم فرصــة االختيــار‬
‫وح ــق التفك ــري دون قس ــر أو إرغ ــام‪ ،‬وهي ــأ هل ــم الف ــتح ل ــدين حي ــرتم حري ــة العب ــادة ويكف ــل لإلنس ــان حق ــوق‬
‫إنس ــانيته‪ .‬ول ــوال أن اللغ ــة العربي ــة ِف ذاهت ــا كان ــت ص ــاحلة للبق ــاء‪ ،‬الحنص ــرت ِف النط ــاق ال ــديين للش ــعوب‬
‫‪301‬‬
‫املسلمة؛ أو ِف اجملال الرمسي خضوعاً للسلطة السياسية‪.‬‬
‫وِف عصــر االســتعمار احلــديث‪ ،‬نــرى الــدول الغازيــة كــان هلــا ســلطان مســيطر علــى أقطــار الــوطن‬
‫العــرب‪ ،‬وقــد حاولــت جهــدها أن تفــرض عليهــا" ســلطان اللغــات الغازيــة" فلــم تبــادر شــعوبنا املغلوبــة إىل‬
‫التقرب من الغزاة الغالبني وجمـاملتهم وحماكـاهتم ِف كـل شـيء‪ ،‬ومل تس َـع قـط إىل التحلـل مـن لغتهـا العربيـة‪.‬‬
‫بل انضلت عن وجودها الوطين ضد املسخ والسـلخ‪ ،‬وعـن لسـاهنا القـومي ضـد الغـزو‪ ،‬فاحنصـرت اللغـات‬
‫الغازيـة ِف الـدواوين ودور التعلـيم اخلاضـعة للغالـب‪ .‬وبقيــت شـعوبنا ِبعـزل عنهـا ترفضـها ِف عنـاد وإصـرار‪.‬‬
‫‪302‬‬

‫ـرفا‪ ،‬أن الشــعوب غــري العربيــة مل جتــرب علــى تعلــم العربيــة ْلهنــا لغــة فــاحتني‪،‬‬
‫وممــا يزيــد اللغــة العربيــة شـ ً‬
‫كما هو الشأن مع اللغات اْلخرى‪ ،‬بل ْلهنا لغة القـرآن الكـرمي الـذي أنـزل لكـل املسـلمني دون اسـتثناء‪.‬‬
‫وعنــدما ضــعفت اخلَلفــة العباســية وتســلط الســَلطني مــن العجــم ظلــت العربيــة هــي الســائدة ِف الــدواوين‬
‫واملراس ــَلت وال ــدروس الديني ــة والعلمي ــة ح ــّت إهن ــا ظل ــت لغ ــة التخاط ــب السياس ــي ب ــني ه ــؤالء الس ــَلطني‬
‫وغريهم من ملوك اْلقطار غري اإلسَلمية احمليطني ِبلوطن العرب كالبيزنطيني‪.‬‬
‫لقد أراد اإلسـَلم مـن الشـعوب الـيت اعتنقتـه أن تصـبح جـزءاً مـن اْلمـة اإلسـَلمية ولـيس مـن اْلمـة‬
‫العربي ــة‪ ،‬كم ــا أراد الع ــرب أن يبن ـوا دول ــة اإلس ــَلم ال أن يبن ـوا دول ــتهم القومي ــة العربي ــة املش ــاهبة للروماني ــة أو‬
‫اليواننية أو الساسانية‪.‬‬
‫ولعــل هــذا اْلســلوب‪ ،‬الــذي اعتمــده الفــاحتون العــرب‪ ،‬حبــب النــاس أكثــر فــأكثر ِف الــدخول ِف‬
‫اإلس ــَلم طوع ـاً وحمب ــة‪ .‬وه ــذا م ــا مل يك ــن معروف ـاً م ــن قب ــل ل ــدى ك ــل الف ــاحتني الق ــدامى‪ ،‬وح ــني ننظ ــر إىل‬
‫املستند الذي اعتمده العرب املسلمون عندما استقروا واستقرت البَلد اليت فتحوها ونشروا اإلسـَلم فيهـا‪،‬‬

‫‪301‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪302‬‬
‫لغتنا واحلياة للدكتورة عائشة عبد الرمحن ‪ ،‬ص ‪42‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪179‬‬


‫نــرى أنــه مســتند قــرآين أوالً ومســتند نبــوي اثنيـاً؛ فــاختَلف اللغــات واْللســنة واْللـوان والقوميــات حكمــة‬
‫من حكم هللا عز وجل وسر من أسرار خلقه‪.‬‬
‫وك ــان مـ ــن البداه ــة أن حتتـ ــك اللغ ــة العربيـ ــة ‪ -‬بع ــد الفـ ــتح اإلس ــَلمي ‪ -‬بلغـ ــات ال ــدول املفتوحـ ــة‪،‬‬
‫ولكنك جتد أن اللغات احمللية قد تقهقرت ومل تصمد أمام اهلداية الـيت حتملهـا اللغـة العربيـة‪ ،‬وأمـام نـور هللا‬
‫ال ــذي ال س ــبيل إىل استش ـرافه إال بلغ ــة الق ــرآن‪ .‬ح ــدث ه ــذا م ــع اْلرامي ــة ِف ب ــَلد الش ــام والع ـراق‪ ،‬وم ــع‬
‫الرومانية ِف مصر‪ ،‬ومع الرببرية ِف مشايل إفريقيا‪ ،‬ومع الفارسية ِف بَلد فارس ‪.303‬‬
‫لقد أصبح كل مسلم أينما كان بلده يقرأ القرآن ِف حله وترحاله‪ ،‬وقراءة القرآن يعـين تعلـم العربيـة‪.‬‬
‫وهذا ما سهل التخاطب بني املسلمني كافـة علـى اخـتَلف قوميـاهتم‪ .‬ونبـغ مـنهم علمـاء ِف اللغـة واْلدب‬
‫والنحو والصرف والبَلغة‪.‬‬
‫وح ــني نط ــالع ص ــفحات الت ــاريخ فإهن ــا خت ــربان ع ــن علم ــاء أج ــَلء وفَلس ــفة عظ ــام ق ــدموا للحض ــارة‬
‫اإلســَلمية أرقــى أنـواع العلــوم ِف الطــب والكيميــاء واْلحيــاء وعلــم الــنفس والفلــك واجلغرافيــا والرَيضــيات‪.‬‬
‫وهــؤالء العظمــاء ينتمــون إىل قوميــات متعــددة مجعهــم اإلســَلم حتــت ظلــه فكتب ـوا ِبلعربيــة جــل إبــداعاهتم‬
‫وعلومهم‪ .‬فصـران نقـرأ طـب ابـن سـينا وابـن النفـيس وفلسـفة الفـاراب والغـزايل وغـريهم ِبلعربيـة بوصـفها لغـة‬
‫العلوم ولغة اَلداب‪ ،‬وكانت هي اْلقدر على نشر تلك العلوم ِف الدولة اإلسَلمية املرتامية اْلطراف‪.‬‬
‫ولوال القرآن الكرمي ملا كان هلذه اللغة هذا اإلشعاع احلضاري ِف املعمورة قدمياً وحديثاً ومستقبَلً‪.‬‬
‫وقد أعطى هذا التَلزم القوي بني الدين واللغة تفسـريا اترخييـا النتشـار العربيـة‪ ،‬وسـاعد علـى ذلـك‬
‫قــوة العربيــة وصــَلحيتها ِف ذاتــها للبقــاء؛ ولــذا مل تبــق لغــة دينيــة فقــط‪ ،‬ومل تــرتك للغــات اْلصــلية لشــعوب‬
‫املنطقة جمال احلياة العامـة‪ ،‬علـى حنـو مـا حـدث للغـة القبطيـة الـيت ظلـت لغـة الكنيسـة املصـرية ملـن اختـاروا‬
‫البقاء على نصرانيتهم من أهل مصر‪ ،‬دون أن تتجاوز هذا النطاق الديين احملدود إىل اجملال العام‪.‬‬
‫وقد ترجم غري املسلمني كتـبهم إىل العربيـة؛ ْلنــها لغـة العلـم‪ ،‬قـال الرنسـت رينـان ِف كتابـه اللغـات‬
‫الســامية " إن مــن أغــرب مــا وقــع ِف اتريــخ البشــر‪ ،‬وصــعب حــل ســره انتشــار اللغــة العربيــة حيــث بــدت‬
‫فجــأة ِف غايــة الســَلمة والغ ــىن والكمــال‪ ،‬فلــيس هل ــا طفولــة وال شــيخوخة‪ .‬ومل مي ــض علــى فــتح اْلن ــدلس‬
‫أكثـ ــر مـ ــن مخسـ ــني سـ ــنة حـ ــّت اضـ ــطر رجـ ــال الكنيسـ ــة أن يرتمجـ ـوا صلواتـ ــهم إىل اللغـ ــة العربيـ ــة ليفهمهـ ــا‬
‫النصارى" ‪.304‬‬

‫‪ 303‬فضل اللغة العربية تعلما وحتداث والتزاما‪ ،‬د‪ .‬أمحد عبده عوض‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪ 304‬جملة البحوث اإلسَلمية العدد اْلول‪ ،‬ص ص ‪101 -91‬‬

‫‪180‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وإذا كان العامل الديين هو الذي يعطي التفسري التارخيي النتشـار العربيـة‪ ،‬فـإن هـذا ال يعـين أهنـا مل‬
‫تك ــن ِف ذاهت ــا ص ــاحلة للبق ــاء‪ ،‬وإال فق ــد ك ــان م ــن املتص ــور أن تبق ــى لغ ــة ديني ــة‪ ،‬وت ــرتك للغ ــات اْلص ــلية‬
‫لشعوب املنطقة جمال احلياة العامة‪ ،‬على حنو ما حـدث للغـة القبطيـة الـيت ظلـت لغـة الكنيسـة املصـرية ملـن‬
‫اخت ــاروا البق ــاء عل ــى نص ـرانيتهم م ــن أه ــل مص ــر‪ ،‬دون أن تتج ــاوز ه ــذا النط ــاق ال ــديين احمل ــدود إىل اجمل ــال‬
‫العــام‪ .‬ولــيس مــن الصــحيح إطَلق ـاً‪ ،‬أن اللغــة العربيــة اعتمــدت ِف انتشــارها علــى الســلطة احلاكمــة‪ ،‬كمــا‬
‫تصـ ــور بعـ ــض الدارسـ ــني فيمـ ــا مسـ ــوه "سـ ــلطان اللغـ ــة الغازيـ ــة" ويعنـ ــون بـ ــه القـ ــوة املسـ ــتمدة مـ ــن السـ ــلطان‬
‫السياسي‪" ،‬فكلما كان للغازي سلطانه الـذي ال يـرد‪ ،‬كـان للغتـه هـي اْلخـرى سـلطان ال يـرد‪ .‬والشـعوب‬
‫املغلوب ــة تس ــعى دائم ـاً إىل التق ــرب م ــن الش ــعوب الغالب ــة جتامله ــا ِف ك ــل ش ــيء وحتاكيه ــا ِف ك ــل ش ــيء‪،‬‬
‫وليست ة وسيلة للتقـرب خـري مـن اللغـة‪ .‬مـن أجـل ذلـك كانـت الشـعوب املغلوبـة أسـرع إىل التحلـل مـن‬
‫لغتها والدخول ِف لغة الغالب"‪.‬‬

‫الكتاتيب ومدارس تعليم القرآن والعلوم اإلسالمية ودورها يف تعليم العربية ‪:‬‬
‫صَلةٍ فَ َح ْسب ؛ بَ ْل كا َن َم ْد َر َسةً يـَتَـ َعلَّ ُم فيها امل ْسلِمو َن‬ ‫َ‬ ‫َملْ ي ُك ِن امل ْس ِج ُد ِف املاضي َمكا َن‬
‫ِ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ب امل ْس ِج ِد‪،‬‬ ‫لوم امل ْختَلِ َفةَ‪ُ .‬مثَّ أُقيمت الكتاتيبب جبان ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الع‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫الشريع ِة واللُّغَ ِ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لوم‬
‫َ‬ ‫وع‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬‫ن‬ ‫ِ‬
‫القراءَةَ والكِتابَةَ وال ُقرآ َ‬
‫َ‬ ‫ُِ‬ ‫رآن‪ ،‬وش ٍ‬ ‫صص لِتعلي ِم ِ‬
‫اب يُ ْشبِهُ امل ْد َر َسةَ االبْتِدائِيَّ َة‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ال‬
‫َ ُ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫يء ِم ْن عُلوم َ َ َّ‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ر‬ ‫الع‬ ‫القراءَةِ والكِتابَِة وال ُق ِ َ‬ ‫وخ ِ َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫اح َدةِ‪ .‬وكا َن‬ ‫اب ِف املدي ِنة الو ِ‬ ‫ناك َْحنو ثَلِِئَ ِة ُكت ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِف َع ْ ِ‬
‫ََ‬ ‫صران احلاضر‪َ ،‬وكا َن م َن ال َكثْـَرة حبَْيث كا َن ُه َ ُ‬
‫ب ال ُكت ِ‬
‫َّاب‬ ‫ت امل ْدر َسةُ ِجبانِ ِ‬ ‫َلب‪ُ .‬مثَّ ِ‬ ‫ئات أو آالفاً ِمن الطُّ ِ‬ ‫اح ُد يض ُّم – أَحياانً ‪ِ -‬م ٍ‬ ‫ِ‬
‫قام َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اب الو َ ُ‬ ‫ال ُكت ُ‬
‫َّعليم فيها َجماانً‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫اسةَ الثانَ ِويَّةَ والعالِيَةَ ِف َع ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫اسةُ فيها تُ ْشبِهُ الدر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫صران احلاضر‪ ،‬وكا َن الت ُ‬ ‫واملَ ْسجد‪ ،‬وكانَت الدر َ‬
‫وح ْف ِظ ِه وقِراءَتِِه‪ ،‬ومنها‬ ‫رمي وتَـ ْفس ِريهِ ِ‬ ‫يس ال ُقر ِ‬
‫آن ال َك ِ‬ ‫س لتَدر ِ ْ‬
‫ت املدا ِرس أَنواعاً ؛ فَ ِمنها مدا ِر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫وكانَ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫خاصةً‪ ،‬ومنها ‪ -‬وهي أ ْكثَـرها ‪ -‬مدا ِر ِ ِ‬ ‫مدا ِرس للح ِ‬
‫س للْف ْقه‪ ،‬فَـ َق ْد كا َن ل ُك ِل َم ْذ َهب ف ْقه ٍي َمدار ُ‬
‫س‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ديث َّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ب‪ ،‬ومنها مدا ِرس لأل ِ‬
‫َيتام‪.‬‬ ‫خاصةٌ به‪ ،‬ومنها مدا ِرس ِ‬
‫للط ِ‬ ‫َّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ط بِِه ِم ْن ِجهاتِِه‬ ‫اس ِة‪ُ ،‬حتي ُ‬ ‫ِ‬
‫قات للدر َ‬
‫اجلامع اْل َْزهر‪ ،‬فهو مس ِج ٌد تُ ِ‬
‫قام فيه َحلَ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َُ‬
‫وِمن أَمثِلَ ِة املدارس ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫اق‬
‫ناك ُرو ٌ‬ ‫اح ٍد‪ ،‬فَـ ُه َ‬ ‫ب وِ‬ ‫َلب ُك ِل بـَلَ ٍد ِجبانِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ل َس َك ِن الطَُّلب تُ َسمى ِبْل َْرِوقَة ؛ يَ ْس ُكنُها طُ ُ‬
‫املتـع ِددةِ غُر ٌ ِ‬
‫َُ َ َ َ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪181‬‬


‫ضارةُ‪،‬‬ ‫وبعد أ ْن ات ِ‬ ‫ِ‬ ‫اق للمغا ِرب ِة‪ ،‬ورو ٌ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّس َعت احلَ َ‬
‫َ‬ ‫ني‪َ ،‬وَه َكذا‪َ .‬‬ ‫اق للسوداني َ‬‫ورو ٌ‬
‫اق لألَتْراك‪ُ ،‬‬ ‫ورو ٌ َ َ ُ‬ ‫ني‪ُ ،‬‬
‫للشامي َ‬
‫ِ‬ ‫ت املدا ِرس‪ ،‬وأُوقِف هلا اْلَو ُ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫للم َد ِر َ‬
‫ِ ‪305‬‬
‫ب َش ْهريَّةٌ‪.‬‬
‫سني فيها َروات ُ‬ ‫قاف‪ُ ،‬جع َل ُ‬ ‫وبُنيَ َ ُ َ َ َ ْ‬
‫وكانت هذه املدارس تبدأ تعليمها بتعليم حروف العربية والتعجي والقراءة‪.‬‬

‫ضارتِنا ( بتصرف )‬ ‫ِ ِ‬
‫مصطفى السباعي‪ ،‬من روائ ِع َح َ‬
‫‪305‬‬

‫‪182‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الفصل السادس‬

‫الثقافة يف برامج تعليم اللغة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪183‬‬


‫الثقافة يف برامج تعليم اللغة‬
‫حتتل الثقافة ِبعتبارها طرائق حـياة الشعوب وأنظمتـها السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫والرتبوية مكانة هامـة ِف تعليم وتعلم اللغات اْلجنبية‪ ،‬وتعترب مكوانً أساسياً ومكمـَلً مهماً حملـتوى املـواد‬
‫التعليمية ِف هذا امليـدان ؛ لذلك ال بـد أن تندمـج العناصـر الثقافية للغة املستهدفـة اندماجاً كامـَلً ِف‬
‫املـادة التعليمية وِف مجيع أوجه التعلم ووسائـله خاصـة الكتاب‪.‬‬

‫إن اللغة هي وعاء الثقافة‪ ،‬وليس من اليسري تعلم لغة ما دون التعرض لثقافة أصحابـها؛ قيمهم‬
‫واجتاهاهتم وأمناط معيشتهم وعقائدهم‪ .‬والثقافة العربية بعد نزول القرآن الكرمي بلغة العرب صارت‬
‫إسَلمية‪ ،‬وأصبحت اللغة العربية لغة تعبدية يفرضها الدين اإلسَلمي أينما حل‪ ،‬وحيملـها معه حيثما‬
‫انتشر‪ ،‬والعربية هي لغة الثقافة اإلسَلمية بَل منازع‪ ،‬إن بني الشعوب اإلسَلمية وحدة وروابط قوية ما‬
‫دام ِف العربية قرآن ال خيتلف ِف نطق حرف واحد منه اثنان‪ .‬وإن كتاب تعليم اللغة ال بد له أن حيقق‬
‫أكرب قدر من حاجات الدارسني الذين يستخدمون هذه الكتب على اكتساب املهارات اللغوية‬
‫املنشودة‪ ،‬وعلى معرفة اجلوانب اللغوية اليت يريدون اإلملام بـها‪ ،‬وعلى فهم الثقافة اليت يتعلمون لغتـها‪.‬‬

‫الكفاايت الثالث ‪:‬‬


‫والكفاية الثقافية من الكفاَيت اليت يسعى دارسو اللغة الثانية أو اْلجنبية إىل حتقيقها‪:‬‬
‫ِ‬
‫الثقافية)‪:‬‬ ‫االتصالية‪ ،‬و ِ‬
‫الكفاية‬ ‫ِ‬ ‫اللغوية‪ ،‬و ِ‬
‫الكفاية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(الكفاية‬
‫الكفايةُ اللغويةُ ‪ :‬معرفة الدارس ملهارات اللغة اْلربع (االستماع‪ ،‬والكَلم‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والكتابة ) ولعناصر‬
‫اللغة الثَلثة (اْلصوات‪ ،‬واملفردات‪ ،‬والرتاكيب ) وحيققها السيطرة على النظام الصوت‬
‫والنحوي والداليل للغة (املهارة اللغوية)‪.‬‬
‫االجتماعي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السياق‬ ‫اللغة‪ِ ،‬من ِ‬
‫خَلل‬ ‫أبهل ِ‬ ‫ِ‬
‫االتصال ِ‬ ‫الدارس القدرةَ على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إكساب‬ ‫والكفايةُ االتصاليةُ ‪:‬‬
‫أصحاب ِ‬
‫اللغة مشافهةً وكتابةً‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫الدارس من التفاعُ ِل مع‬ ‫حبيث َّ‬
‫يتمك ُن‬ ‫ِ‬
‫املقبول‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املختلفة‪ .‬وحيققها املقدرة على‬ ‫ِ‬
‫االجتماعية‬ ‫اقف‬ ‫ٍ‬
‫مَلئمة ِف املو ِ‬ ‫التعب ِري عن نفسه بصورةٍ‬
‫توظيف املهارة اللغوية واستخدامها ِف مواقف االتصال احلقيقي (املهارة االتصالية)‪.‬‬

‫‪184‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪306‬‬ ‫ثقافة ِ‬
‫اللغة‪ ،‬وهي هنا الثقافةُ العربيةُ اإلسَلمـيةُ‪.‬‬ ‫متنوعة من ِ‬
‫ٍ‬ ‫انب‬ ‫ِ‬
‫الدارس جلو َ‬ ‫الكفايةُ الثقافيةُ ‪ :‬معرفة‬
‫إذن الكفاية الثقافية‪ ،‬هي املعرفة بثقافة ما والقدرة على السلوك‪ ،‬وفقا لسلوك أعضائها‪ .‬وفيما‬
‫يتعلق بتدريس اللغة‪ ،‬فإن معرفة اْلداء الثقاِف‪ ،‬أي القدرة على التصرف املناسب‪ ،‬حبسب ما متليه‬
‫اْلوضاع الثقافية املختلفة‪ ،‬هي أهم كثريا من جمرد املعرفة اإلدراكية‪ ،‬اْلمر الذي يؤكد ضرورة التأكيد‬
‫على التعليم الثقاِف‪ .‬وبدون هذا النوع من املعرفة الكيفية‪ ،‬فإن متحدث اللغة الثانية‪ ،‬يكون عرضة لعدم‬
‫فهمه من قبل اَلخرين‪ ،‬أو لسوء فهمهم له‪ .‬وهو وضع قد ينتج عنه استخفاف به‪ ،‬و إهانة له‪) ...‬‬
‫‪307‬‬

‫ولقد أثبتت الدراسات أن معظم الدارسني يرون أن املعلومات واملعارف الثقافية هدف أساسي‬
‫من أهداف أي مـادة تعليمية لتعلم اللغة اْلجنبـية‪ ،‬كما يعلمون أيضاً أنـها عامـل مهم من عوامـل‬
‫النجاح ِف تعلم اللغـة واستخدامها‪ .‬كما وجـد أن الكثري من هـؤالء الدارسني يتوقعون عندما يبدؤون‬
‫تعلم اللغة أن حيصلوا على قدر معني من القدرة على توظيف الثقافـة كمحـتوى للغة بنفس القـدر الذي‬
‫حيصلون عليه من اللغة كوعاء للثقافة‪ ،‬كما يتوقعون أيضاً أهنم سـوف يدرسـون أهل اللغة متاماً مثلما‬
‫يدرسـون اللغة‪ ،‬ولذلك قيل إن جناح الشخص ِف التفاهم واالتصال واالندمـاج والتعامل مع أفراد‬
‫الشعب‪ ،‬يعتمد على احلصيلة الثقافية اليت تعلمها‪.‬‬

‫اإلنسان عندما أيخذ ِف تعلم لغة أجنبية‪ ،‬البد أن يتأثر بثقافتها‪ ،‬أراد ذلك أو مل يرد‪ .‬وحيدث‬
‫هذا التأثري ِف كثري من احلاالت بطرق غري مباشرة‪ ،‬ودون أن يشعر به اإلنسان‪ .‬وإذا نظران إىل اللغة‬
‫العربية وجدانها الوعاء الذي حيمل أمناط الثقافة العربية اإلسَلمية‪ ،‬وعلينا أن نضع هذه احلقيقة ِف‬
‫اعتباران‪ ،‬وحنن نعلم العربية لغري الناطقني هبا‪ .‬وبناء على ذلك ينبغي علينا العناية بتقدمي ثقافتنا العربية‬
‫اإلسَلمية‪ ،‬على أن يتم ذلك أبساليب تتسم ِبلذكاء واحلكمة والصدق‪ ،‬وبذلك نكتسب اْلصدقاء‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‪ ،‬إضاءات ملعلمي اللغة العربية لغري النالطقني هبا‪ ،‬مطبعة احلميضي‪1432 ،‬‬
‫د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬ ‫‪307‬‬

‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪283‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪185‬‬


‫وإذا كانت اللغة من أقوى روابط اجملتمع الواحد‪ ،‬فهي من أكثر الوسائل قدرة على نقل‬
‫ثقافتهم إىل العامل كله؛ وهنا تربز القيمة الكبرية ملا تبذله الشعوب ِف سبيل تعليم لغاتـها ْلبناء الشعوب‬
‫اْلخرى‪ ،‬وهنا أيضا تكمن الدوافع احلقيقية وراء استنـهاض اهلمم والبذل واجلهود حنو أتليف كتب لتعليم‬
‫العربية ِف السنوات اْلخرية‪ ،‬إن اْلمر ليس جمرد حرص على تدريب اَلخرين على نطق أصوات العربية‪،‬‬
‫أو حفظ كلماتـها أو تعرف تراكيبـها ؛ إنه أبعد من ذلك وأعمق‪ .‬إن كتاِب يؤلف لتعليم العربية لن يكون‬
‫جم رد وسيلة لتنمية مهاراتـها أو إتقان استعمالـها‪ ،‬وإمنا هو انقل لتاريخ أمة عريقة الرتاث‪ ،‬ومعرب عن‬
‫حضارة شعب متميز املَلمح‪ ،‬ترتبط لغته أبعز ما لديه‪ ،‬وأغلى ما عنده إنـها لسان عقيدته ولغة كتابه‬
‫املبني‪.‬‬

‫ئيسني مها‪:‬‬
‫تتضمن الثَّقافة ِبملعىن الواسع عنصريْن ر َ‬
‫َّ‬
‫أ‪ -‬الثقافة اْلنثروبولوجيَّة أو االجتماعية‪ ،‬حيث تشمل العادات واالجتاهات والتَّقاليد‪.‬‬
‫ب‪ -‬اتريخ احلضارة‪ ،‬والَّذي يشمل الفنون واإلجنازات العلميَّة والعلوم االجتماعيَّة‪.‬‬
‫اْلول حيث يعرض تراث اجملتمع؛ ولذا جيب أن يعرفه‬ ‫ويعد العنصر الثَّاين أساس العنصر َّ‬
‫الرئيس ال َّ‬
‫بد‬ ‫الدَّارسون لكي يستوعبوا الثَّقافة املستهدفة ثقافة اللغة اليت يراد تعلُّمها‪ ،‬وأرى َّ‬
‫أن العنصر َّ‬
‫نظرا ْلمهيَّته ودوره ِف إثراء الثَّقافة‪ ،‬ومن مثَّ ِف تعريف الدَّارسني هبا‪ ،‬وِبإلضافة‬
‫الرتتيب َّأوال؛ ً‬ ‫أن أيت ِف َّ‬
‫َّكامل بني اللغة والثَّقافة يؤدي إىل تنمية املهارات اللغويَّة واملهارات الثَّقافيَّة لدى‬ ‫فإن الت ُ‬ ‫إىل ذلك َّ‬
‫الدَّارسني‪ ،‬كما جيعلهم متجاوبني بصورة أفضل مع النَّاطقني اْلصليني للغة الثَّانية‪ ،‬وبناءً على ذلك َّ‬
‫فإن‬
‫فهم أفكار وسلوكيات الشعوب اليت يتعلَّمون لُغَتها‪ ،‬كما َّ‬
‫يتمكنون‬ ‫الدَّارسني تكون لديْ ِهم القدرة على ْ‬
‫أن الدَّارسني للُّغات‬
‫َّكامل عندما نَلحظ َّ‬ ‫يستخدموهنا‪ ،‬وُميكن أن ندرك أمهيَّة هذا الت ُ‬
‫َ‬ ‫فهم املعاين اليت‬
‫من ْ‬
‫إليها نظرةً‬ ‫ِ‬
‫أيضا لثقافاهتم اْلصليَّة حبيث ينظرون ْ‬ ‫املستهدفة فقط‪ ،‬ولكنَّه ً‬ ‫ْ‬ ‫اْلخرى ال يتَّسع أُفُقهم للثَّقافة‬
‫اساهتم للغة املستهدفة‪ ،‬وِبلتَّايل يُصبحون أكثر احرت ًاما للثَّقافات‬ ‫عما كانوا عليه قبل در ِ‬ ‫أمشل وأوسع َّ‬‫ْ‬
‫ْلهنم يستطيعون أن يفهموا أمناطهم الثَّقافيَّة‪ ،‬ويدركوا دالالهتا‬ ‫اْلخرى‪ ،‬وأكثر تقديرا ملشاعر اَلخرين؛ َّ‬
‫ً‬
‫الثقافية‪ ،‬ومن هنا تنبع أمهيَّة ت ْدريس الثَّقافة العربيَّة اإلسَلمية لدى دارسي اللغة العربيَّة من الناطقني‬
‫ِبللغات اْلخرى‪.‬‬
‫أن تدريس اللغة بدون ثقافتها‪ ،‬أو ت ْدريسها من خَلل لغة‬ ‫أكدت الدراسات اْلجنبيَّة َّ‬ ‫ولقد َّ‬
‫حد ما ‪ -‬مضيعة للوقت واجلهد‪،‬‬ ‫وسيطة‪ ،‬ال يفيد الدَّارسني كثريا؛ بل تصبح عمليَّة تدريس اللُّغة ‪ -‬إىل ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬

‫‪186‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أن اللُّغة تصبح غري انفعة‪ ،‬وعسرية ْ‬
‫الفهم على الدَّارسني‪،‬‬ ‫سواء ِبلنِ ْسبة للمعلم أو املتعلم‪ِ ،‬بإلضافة إىل َّ‬
‫كما َّأهنا هبذا الشَّكل ال تُساعد الدَّارسني على االتِصال َّ‬
‫الفعال أبهل اللُّغة اليت يودون تعلُّمها‪ ،‬وينبغي‬
‫إن لكل لغة ذاتيَّتها الثَّقافيَّة‪ ،‬فإذا ْترمجت‬‫أن تعلم اللغة بذاهتا‪ ،‬وليس من خَلل لغة وسيطة؛ حيث َّ‬
‫اخلاص هبا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الثقاِف‬
‫َّ‬ ‫فقدت معناها‬
‫ْ‬ ‫بعض كلماهتا إىل لغة أخرى‬
‫ولِلثَّقافة أثر كبري ِف نفوس الدَّارسني؛ إذ تؤدي إىل تنمية االجتاه اإلجياب حنو اللغة الَّيت‬
‫يتعرف الدَّارسون على أمناط ثقافيَّة جديدة‬ ‫يتعلَّموهنا؛ َّ‬
‫ْلهنا جتعل عمليَّة التَّدريس ُممتعة ومشوقة‪ ،‬حيث َّ‬
‫يتعرفوا‬ ‫عما ِف ِ‬
‫ثقافاهتم اْلصليَّة‪ ،‬وهذا يؤدي إىل زَيدة اهتِمامات الدَّارسني وإاثرة دافعيَّتهم لكي َّ‬ ‫ختتلف َّ‬
‫اْلمناط الثَّقافيَّة اجلديدة ِف اللغة املستهدفة‪ ،‬واملقصود هبا هنا اللغة العربية‪.‬‬
‫على ْ‬
‫وِبإلضافة إىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن الثَّقافة تؤدي إىل تقليل العرقيَّة لدى الدَّارسني‪ ،‬ممَّا جيعلهم يتقبَّلون‬
‫الثَّقافات اْلخرى‪ ،‬وتكون لديهم القدرة على التَّكيف والتَّفاعل مع الشعوب اْلخرى‪ ،‬على الر ْغم من‬
‫اختَِلف ثقافاهتم عن ثقافة الدَّارسني اْلصليَّة‪.‬‬

‫ومن هنا ينبغي عدم تعليم اللغة العربية‪ ،‬بعيداً عن سياقها الثقاِف واالجتماعي‪ .‬إذ إن ذلك أمر‬
‫خيلو من الدقة‪ .‬ومن اْلفضل أن يرتبط تعليم الدارس اللغة العربية دائماً ِبكوانهتا الثقافية واالجتماعية‪.‬‬
‫هذا على مستوى التعليم‪ .‬أما على مستوى التقومي‪ ،‬فَل يكفي أن حيصل الطالب على درجات مرتفعة‬
‫ِف الكفاية اللغوية‪ ،‬بل ال بد من أن يقوم أداؤه الثقاِف كذلك‪ ،‬فتكون هنـاك اختبارات ثقافية‪ ،‬تقيس‬
‫مدى استيعابه لثقافة اللغة اْلجنبية‪ ،‬كما تكون هناك اختبارات لغوية‪ ،‬تبني ما حصله من أبنية اللغة‪.‬‬
‫وإذا أخفق الطالب ِف االختبارات الثقافية‪ ،‬فإن هذا يعين أن تعلمه للغة ما زال انقصا‪ .‬ال ميكن احلكم‬
‫على متعلم اللغة الثانية‪ ،‬أبنه أكمل التدريب‪ ،‬إال بعد أن يعرف احلقائق اْلساسية عن الثقافة الثانية‪،‬‬
‫وبعد أن يقدر إجنازاهتا وحيرتمها‪ ،‬وبعد أن يفهم سلوك أهلها‪ ،‬وبعد أن يسلك وفقا لسلوكهم‪.‬‬

‫ملا كان تعليم اللغة وسيلة إىل معرفة الثقافة وليس العكس‪ ،‬فإن لنا الـحق ِف تعريف اَلخرين‬
‫بثقافتنا‪ ،‬على أن يتم ذلك بصورة شيقة وذكية وموضوعية‪ ،‬ال تثري أية حساسيات‪ .‬وعند عرض ثقافتنا‬
‫نتخري الطيب منها‪ ،‬فنعرض على الدارس من أمثالنا وحكمنا وقصصنا‪ ،‬ما يدل على التـعاون واملروءة‪،‬‬
‫وحيث على الكرم والشجاعة‪ ..‬اخل‪ .‬واْلساس ِف اختياران لألمناط الثقافية‪ ،‬احرتام عقل الدارس وثقافته‪،‬‬
‫وهبذا نضمن احرتامه لعقولنا وثقافتنا‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪187‬‬


‫وِبا أن لكل ثقافة مستويني‪ ،‬أحدمها خاص أبصحاب اللغة أنفسهم‪ ،‬يعرب عن خصائصهم‬
‫الثقافية املتفردة‪ ،‬اليت ال تشاركهم فيها أمة أخرى‪ ،‬ومستوى عام يكاد يكون مشرتكا بني مجيع اْلمم‬
‫والشعوب‪ ،‬وجب علينا عند تعليم اللغة العربية‪ ،‬طرح اللونني من الثقافة ‪ :‬اللون اخلاص الذي مييزان عن‬
‫غريان‪ ،‬وهو الثقافة العربية اإلسَلمية‪ ،‬وهو اللون الذي نعىن به أكثر ِف برامج تعليم اللغة العربية‪ ،‬مث‬
‫اللـون العام املشرتك‪ ،‬حّت ال نقطع الصلة بني الدارس وثقافته‪ ،‬أو الثقافة اإلنسانية العامة‪.‬‬

‫درجت بعض اجلامعات اْلمريكية ومنها جامعة منسوات‪ ،‬على النظر إىل الثقافة على أهنا‬
‫املهارة اخلامسة من مهارات تعليم اللغات‪ ،‬يسبقها املهارات اْلربع املعروفة ‪ :‬استماع وكَلم وقراءة‬
‫‪308‬‬
‫وكتابة‪.‬‬
‫اللغة والثقافة يسريان جنبا إىل جنب‪ ،‬وينظر إىل الثقافة على أهنا املهارة اخلامسة بعد املهارات‬
‫اللغوية اْلربعة املعروفة‪ ،‬وِبا أن اللغة هي وعاء الثقافة ’ فان من العسري تعلم لغة بدون التعرض ْلسلوب‬
‫حياة أصحاهبا وقيمهم واجتاهاهتم وأمناط معيشتهم أو ِبختصار ثقافتهم‪ ،‬ومن هنا ال ميكن أن يهمل‬
‫مصممو الكتاب لتعليم اللغة العربية للناطقني بغريها الثقافة اإلسَلمية ِف حمتوى الكتاب‪ ،‬وِف الوقت‬
‫نفسه ال ميكن أن يغفلوا عن أن الثقافة السائدة ِف اجملتمع السعودي هي الثقافة اإلسَلمية ذات‬
‫املَلمح‪.‬‬

‫الشـروط واملبادئ األساسية لتعليم اللغة العربية لغري الناطقني بـها ‪:‬‬
‫وِف إطار احملتوى الثقاِف جمموعة من الشـروط واملبادئ اْلساسية لتعليم اللغة العربية لغري‬
‫الناطقني بـها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تعرب املـادة عن حمتوى الثقافـة العربية واإلسَلمـية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تعطي صورة صادقة وسليمة عن احلياة ِف اْلقطـار العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تعكـس املـادة االهتمامات الثقافية والفكرية للدارسني على اختَلفهم‪.‬‬

‫‪ 308‬د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪1405 ،‬هـ‪،‬‬
‫ص ‪197‬‬

‫‪188‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ -4‬أن تتنوع املـادة حبيث تغطـي ميادين وجماالت ثقافية وفكرية متعددة ِف إطار من الثقافة العربية‬
‫واإلسـَلمية‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تتنوع املـادة حبيث تقابل قطاعات عريضـة من الدارسني من خمتلف اللغات والثقافات‬
‫واْلغراض‪.‬‬
‫‪ -6‬أن تتسق املـادة ليس مع أغراض الدارسني فحسب‪ ،‬ولكن أيضاً مع أهداف العرب من تعليم لغتهم‬
‫ونشـرها‪.‬‬
‫‪ -7‬أال تغفل املـادة جوانب احلياة العامـة‪ ،‬واملشرتك بني الثقافات‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يعكس احملتوى حياة اإلنسـان العرب املتحضـر ِف إطار العصر الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يثري احملتوى الثقاِف للمـادة املتعلم إىل تعلم اللغـة واالستمرار ِف هذا التعلم‪.‬‬
‫‪ -10‬أن توسع املـادة خربات املتعلم أبصحاب اللغـة‪.‬‬
‫‪ -11‬أن يقـدم احملتوى الثقاِف ِبملستوى الذي يناسب عمر الدارسني ومستواهم التعليمي‪.‬‬
‫‪ -12‬أن تتضمن املـادة وبشكل خاص إال القيم اْلصيلة املقبولة ِف الثقافـة العربية واإلسـَلمية‪.‬‬
‫‪ -13‬أن تقدم تقومياً وتصحيحاً ملا ِف عقول الكثريين من أفكار خاطـئة عن الثقافـة العربية واإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ -14‬أن تتجنب إصدار أحكام متعصبة للثقافـة العربية‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫‪ -15‬أن تتجنب إصدار أحكام ضد الثقافات اْلخرى‪.‬‬

‫وهذه بعض اْلهداف اليت نطمح إىل حتقيقها من خَلل احملتوى الثقاِف ‪:‬‬
‫‪ o‬بيان العقيدة اإلسَلمية ِببادئها وتصوراهتا الصحيحة‪ ،‬وترسيخها ِف نفس املسلم‪ ،‬ليكون قادرا على‬
‫مواجهة اْلفكار واملذاهب اهلدامة وإغراءات التنصري‪.‬‬
‫‪ o‬إجياد اجملتمع اإلسَلمي املثايل الواقعي‪ ،‬وتكوين الشخصية اإلسَلمية املتكاملة‪ ،‬وصقل اهلوية املميزة‬
‫لألمة اإلسَلمية اليت جتمع أفرادها ِبصري تضامين إسَلمي واحد‪.‬‬
‫‪ o‬تصحيح ثقافة املسلم وجتديدها‪ ،‬وإعادة بنائها على أصول اإلسَلم ومبادئه بعيدا عن اخلرافات‬
‫واْلساطري والتقاليد اجلاهلية‬

‫‪ 309‬الكتاب اْلساسي لتعليم اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى إعداده حتليله تقوميه د‪ .‬حممود الناقة و د‪ .‬رشدي‬
‫طعيمة ص ‪46-40‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪189‬‬


‫‪ o‬توفري مناخ إسَلمي متشبع آبداب اإلسَلم وتعاليمه وقيمه ِف مجيع جماالت احلياة‪.‬‬
‫‪ o‬تصحيح اْلفكار اخلاطئة اليت أشاعها أعداء اإلسَلم حّت يتمكن املسلم من املوازنة بني اَلراء‬
‫واالجتاهات الفكرية املعاصرة ونقدها‪.‬‬

‫أسس جعـل الثقافة جـزءاً أساسياً من تعلم اللغة األجنبية ‪:‬‬


‫‪310‬‬
‫وهناك جمموعـة من اْلسس جتعـل من الثقافة جـزءاً أساسياً من تعلم اللغة اْلجنبية منـها ‪:‬‬
‫‪-1‬أن القدرة على التفاعل مع الناطقني ِبللغة ال تعتمد فقط على إتقـان مهارات اللغة‪ ،‬بل تعتمد‬
‫أيضاً على فهم ثقافـة أهل اللغة وعاداتـها وآمالـها وتطلعاتـها‪ .‬إن فهم اللغة اْلجنبية فقط ال‬
‫يعني على فهم حـياة متحدثيها وواقعهم ؛ لـذا فاالهتمام ِبلثقافة ِف برانمج تعليم اللغـة يؤدي‬
‫إىل فائـدة عظيمة ونتيجة فعالة ِف عملية االتصـال ِبللغة قـد يفوق ما يقدمـه تعلم مهاراتـها‬
‫فقط‪ ،‬وهذا يؤدي إىل حقيقة ِبرزة وهي أن االتصال الثقاِف بني متحدثي لغتني يساعد على‬
‫تنمية مهارات اللغة وإتقانـها‪.‬‬

‫‪-2‬أن فهم ثقافة اللغة اْلجنبية والتفاعـل معها أمر مهم ِف حد ذاته‪ ،‬فالتفاهم العاملي أصـبح اَلن‬
‫من اْلهداف اْلساسية للتعليم ِف أي بلد من بلـدان العامل‪ .‬كما أن فهم التشابه واالختَلف‬
‫بني الثقافات أصـبح أمراً ضرورَيً إلحداث تقارب وتعاون بني الشعوب كأساس لتقدم احلياة‬
‫واستقرارها ِف هذا العامل‪ ،‬وْلن السـَلم العاملي يعتمد بشكل كبري على الفهم والتعاون العامليني‪.‬‬
‫ومن هنا أصبح االهتمام بتزويد املـادة التعليمية ِبـَلمح الثقافة اْلساسية أمراً ضرورَيً‪ ،‬مث أبوجه‬
‫التشابه واالختَلف اْلساسية بني هذه الثقافـة وبني ثقافات املتعلمني‪.‬‬

‫‪-3‬أن الدارسني أنفسهم عـادة ما يكونون مشغوفني ِبلناس الذين يتكلمون اللغـة اليت يتعلمونـها‪،‬‬
‫ويودون معرفـة أشـياء كثرية عنهم ‪ :‬من هم ؟ ما طبيعة حياهتم ؟ كيف يعيشون؟‪ ...‬اخل‪ .‬هذا‬
‫ِف الوقت الذي قد ال يعـرف فيه هـؤالء الدارسون إال القليل جـداً عن العناصر اْلساسية ِف‬
‫ثقافتهم هم‪ ،‬وأيضاً القليل جداً والسطحي بل اخلاطئ أحياان عن ثقافة اْلقطار اْلخرى‪.‬‬

‫‪ 310‬د‪ .‬علي أمحد مدكور‪ ،‬ود‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬ود‪ .‬إميان أمحد هريدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم اللغة العربية‬
‫للناطقني بلغات اخرى‪ ،‬دار الفكر العرب‪1431 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪ ( 277-275‬بتصرف )‬

‫‪190‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪-4‬أن العادات الثقافية تشبه إىل حد كبري املهارات اللغوية‪ ،‬فاملتحدث ِبللغة يتصـرف بشكل‬
‫معني وبطريقة تلقائية‪ ،‬كما أنه يتحدث اللغة بنفس الطريقـة‪ ،‬ومن مث ينبغي أن تعامل عادات‬
‫الثقافـة كما تعامـل مهارات اللغة ِف املواد التعليمية‪.‬‬

‫‪-5‬أن الكثري من الكتاِبت والدراسات ِف ميدان تعليم اللغات اْلجنبية تكاد جتمع على أن‬
‫الثقافة هي اهلدف النـهائي من أي مقرر لتعلم لغـة أجنبية‪.‬‬

‫‪-6‬أن علماء علم اْلجناس ودراسـة اإلنسـان يقـررون أن سلوك الفـرد ِف أي ثقافة يكمن ِف حدود‬
‫النظام العام ْلمناط التعلم‪ .‬وِف هذا السياق يصبح من املمكن مقارنة دراسـة الثقافة بدراسـة‬
‫اللغة‪.‬‬

‫‪-7‬أن الثقافة ميدان واسع ومعقد ِبلشكل الذي ال يتوقـع معه أن يستوعب الدارسون كل عادات‬
‫الثقافة ملتحدثي اللغة‪ ،‬ولكنهم ِف ذات الوقـت قد أيلفون تلك العناصر املهمـة لفهم الناس‬
‫والشعـوب وطرائق حياهتم‪ ،‬كما أن مدى اْللفة الذي يود أن يصل إليه الدارسون ِبلثقافة‬
‫الثانية يعتمد اعتمادا كبريا على هؤالء الدارسني أنفسهم‪ .‬فبعضهم يكفيه جمرد املعرفة‪ ،‬وبعضهم‬
‫اَلخر يرغب ِف دراسـة اللغة ِف وطنـها ومن مث يتطلعون إىل الوصـول إىل مستوى من القـدرة‬
‫اللغـوية والثقافية ميكنهم من االشرتاك واالندماج مع متحدثي اللغـة بشكل ال يقـل كثرياً عن‬
‫مستوى أهل اللغة ومتحدثيها‪ ،‬وبعضهم يتطـلع إىل التزود برؤية ثقافية واضحـة متكنه من‬
‫حتصيل املعلومات واملعـارف الثقافية اليت تسـاعده على التعامـل مع هذه الثقافـة‪ .‬وهذا يعين أن‬
‫ما يقدم من ال ثقافـة ينبغي أن ينتقى وخيتار ِف ضـوء حاجات الدارسني واهتماماهتم وأهدافهم‬
‫من تعلم اللغة والثقافة‪.‬‬

‫‪-8‬أن جملتمعات الدارسني اْلصلية أتثرياً على اجتاهاهتم حنو الثقافات اْلخـرى فهناك اجملتمعات‬
‫املفتوحـة‪ ،‬واجملتمعات املغلقـة وجمتمعات بني بني‪ ،‬وهناك اْلفكار الصحيحة عن الثقافات‬
‫اْلخرى واْلفكار اخلاطئة‪ ،‬وهناك أيضاً معرفة ِبلثقافات اْلخرى وجهل بـها‪.‬‬

‫‪-9‬أن ْلصحـاب الثقافـة اجتاهات معينة حنو ثقافتهم‪ ،‬فهناك من يتعصب للثقافـة‪ ،‬ومنهم من يدفع‬
‫كل الناس إىل حب ثقافته‪ ،‬ومنهم من حيط من ثقافات اَلخرين إلعَلء قدر ثقافته‪ ،‬ومنهم‬
‫من يظهر حتمساً زائداً لثقافته‪ ...‬اخل واحلقيقة تقتضي عدم التعصب للثقافـة‪ ،‬والبعد عن‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪191‬‬


‫االنتقاص من ثقافات اَلخرين‪ ،‬والعمل على جذب اَلخرين إىل الثقافة بوعي وتعقل وحكمـة‪،‬‬
‫حبيث نقدم أسسها وخصائصها وعناصرها وأصالتـها‪ ،‬وِف الوقت ذاته مقارنتـها ِبلثقافات‬
‫اْلخرى فحسب إلدراك التشابه واالختَلف دون إصدار أحكام‪ .‬وهذه املعاين كلـها ال تعين‬
‫عدم التحمس للثقافـة وإغناء خرباته بـها‪.‬‬

‫‪ -10‬أن للدارسني أغراضاً من تعلم اللغـة والثقافـة‪ ،‬ولكن ْلصحـاب اللغـة أيضاً أغراض من تعليم‬
‫ثقافتهم ونشرها‪ ،‬لـذا فاحلرص ِف املـادة على حتقيق اجلانبني أمر مهم‪.‬‬

‫‪ -11‬أن للدارسني أغراضاً متعددة من دراسـة اللغة والثقافـة‪ ،‬فهناك الغرض الديين والغرض السياسي‬
‫والتجاري والوظيفي والعلمي‪ ...‬اخل وهذا يتطلب أن تتعدد أوجه الثقافـة ِف املـادة التعليمية‬
‫بتعدد هذه اْلغـراض‪.‬‬

‫‪ -12‬إذا كان للغـة مستوَيت‪ ،‬فإن للثقافـة أيضاً مستوَيت فلـها مسـتوى حسي ومستوى جتريدي‬
‫معنوي‪ ،‬ولـها مستوَيت تبدأ ِبلفـرد وتتسع لألسـرة مث تتسع للمؤسسات واجلماعات‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫ومن هنا ينبغي‪ ،‬وِف املرحلة اْلساسية من تعليم اللغـة‪ ،‬التدرج ِبستوَيت الثقافـة من احلسي إىل‬
‫املعنوي ومن الفرد إىل اْلسـرة إىل اجملتمـع اْلوسع‪.‬‬

‫‪ -13‬أن للثقافـة أبعـاداً ماضية ومستقبله‪ ،‬ومن مث ال ينبغي أن تقتصـر املـادة التعليمية على تقدمي بعـد‬
‫واحد منـها‪ ،‬وإمنا جيب تقدمي حاضر الثقافـة مث ماضيها مث آمالـها وتطلعاتـها وسعيها حنو حتقيق‬
‫مسـتقبل أفضل‪.‬‬

‫‪ -14‬أن للثقافـة عموميات وخصوصيات‪ ،‬ومن مث ال ينبغي أن نغرق الدارس ِف نـوع من الثقافـة‪،‬‬
‫وإمنـا جيب تقدمي صـور من عموميات الثقافة وخصوصياتـها من علماء ومفكـرين ومبتكرين‪.‬‬

‫‪ -15‬أن هناك أتثراً وأتثرياً متبادلني بني الوعـاء اللغوي واحملتوى الثقاِف‪ ،‬وكل منهما يشكل مستوى‬
‫اَلخر‪ ،‬ومن مث ينبغي أ ن يضبط احملتوى الثقاِف ِبإلطار واملستوى اللغوي اْلساسي‪ ،‬حبيث ال‬
‫يؤدي االرتفاع ِبملسـتوى الثقاِف إىل االرتفاع ِبملستوى اللغوي‪.‬‬

‫‪192‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ومن خَلل ما سبق يتَّضح مدى أمهيَّة ْتعليم الثَّقافة ِف برامج تعليم اللغات اْلجنبيَّة للدَّارسني‪،‬‬
‫املستهدفة وثقافتها‪ ،‬وهذا ينطبق على ْتعليم اللغة العربيَّة‬
‫ْ‬ ‫حيث تؤدي إىل تكوين اجتاه إجياب حنو اللغة‬
‫وثقافتها‪ ،‬فتعليم الثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة على درجة كبرية من اْلمهيَّة ِف مساعدة الدَّارسني على تعلم‬
‫الفعال مع الشعوب العربيَّة‪ ،‬وتغيري االجتاهات السلبيَّة أو العدائيَّة‬
‫اللغة العربيَّة‪ ،‬وحتقيق االتصال اللغوي َّ‬
‫لدى دارسي اللغة العربيَّة من النَّاطقني بلغات أُخرى‪ ،‬وتكوين االجتاهات اإلجيابيَّة حنو الشعوب العربيَّة‪.‬‬
‫يفتقرون إىل استيعاب مفاهيم‬ ‫فإهنم ِ‬ ‫أن الدَّارسني ِ‬
‫يصلُون إىل املستوى املتقدم‪َّ ،‬‬ ‫الر ْغم من َّ‬
‫وعلى َّ‬
‫تفاوات ثقافيًّا‬
‫أن هناك ً‬ ‫تدل على َّ‬‫الثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة و ْأمناطها‪ ،‬ومازال لدى بعضهم أسئِلة وقضاَي ُّ‬
‫أكدت على َّ‬
‫أن‬ ‫بني هؤالء الدَّارسني والثَّقافة العربيَّة اإلسَلميَّة‪ ،‬وقد كانت هناك بعض اْلسباب الَّيت َّ‬
‫لتعليم اللغة العربية للنَّاطقني‬
‫أن بعض الكتب ْ‬ ‫الرغم من َّ‬
‫اجلانب اللغوي يَطْغى على اجلانب الثَّقاِف‪ ،‬على َّ‬
‫تشتمل على مفاهيم وأمناط ثقافيَّة ‪ -‬يفرتض تزويد الدَّارسني هبا ‪ -‬إالَّ َّأهنا ال جتد َمن‬‫بلغات أخرى ِ‬
‫الرتاكيب اللغويَّة إىل نطاق ما حتمله من مفاهيم و ْأمناط ثقافيَّة ِف أثناء عمليَّة التَّدريس‪،‬‬
‫ينقلها من نطاق َّ‬
‫اجعا إىل عدم َحتديد اْلهداف الثَّقافيَّة ضمن برامج تعليم اللغة العربيَّة للنَّاطقني‬ ‫فقد يكون اْلمر ر ً‬
‫وطرقه ما يؤكد حتقيقها‪ ،‬وكذلك ِف‬ ‫بلغات أخرى بصورة واضحة‪ ،‬ومن مثَّ ال تُظهر أنشطة التَّدريس ُ‬
‫إعداد املعلم أو ِف احملتوى الَّذي يقدَّم للدَّارسني‪.‬‬
‫أساليب التَّقومي وأدواته أو ِف ْ‬

‫الثقافة اإلسَلمية ثقافة معيارية حتدد للطالب مواصفات السلوك الواجب‪ ،‬واْلمر الذي جيب‬
‫أن يشغل مصممي الكتاب املدرسي لتعليم اللغة العربية للناطقني بغريها هو نوعية اإلطار الثقاِف الذي‬
‫يساعد على االحتفاظ ِبهلوية اإلسَلمية اليت ِبتت مهددة ِبخلطر أمام عوملة الثقافة وأتثريها واسع‬
‫املدى عرب وسائل اإلعَلم‪ ،‬ولكن ِف اإلسَلم من املقومات ما هو كفيل حلفظ هذه الثقافة اإلسَلمية لو‬
‫انطلق العمل من الغاَيت السابقة ‪.‬‬
‫وِبجياز هذه معايري اختيار نصوص الثقافة اإلسَلمية ِف كتب تعليم اللغة العربية لغري الناطقني‬
‫هبا ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يرتجم حمتوى نصوص الكتاب الدراسي اْلهداف التعليمية املنبثقة من الثقافة اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تبىن نصوص الكتاب على النمط اللغوي العرب الفصيح‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يعتمد اختيار مفردات النصوص واْلبنية الصرفية والنحوية فيها على معايري خاصة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن تكون اللغة املستخدمة ِف النصوص أصيلة منتقاه من جماالت الثقافة اإلسَلمية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪193‬‬


‫‪ .5‬التوازن ِف عرض موضوعات الثقافة اإلسَلمية ِف حمتوى كتب تعلم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫ِبجلامعة اإلسَلمية‪.‬‬

‫مقومات الثقافة اإلسالمية ‪:‬‬


‫وللثقافة اإلسَلمية عدة مقومات تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫إن الرتاث الفكري هلذه الثقافة تراث خصب غين اتسعت آفاقه لثمار الثقافات اْلخرى دون‬ ‫أ‪َّ .‬‬
‫تعصب أو مجود‪.‬‬
‫ب‪َّ .‬‬
‫إن الثقافة اإلسَلمية متلك مقومات اْلصالة ِف تصورها جلوانب احلياتني الدنيا واَلخرة‪.‬‬
‫إن اللغة اْلساسية هلذه الثقافة هي العربية الفصحى اليت أشبعت احلاجات على تنوعها ووفت‬ ‫ت‪َّ .‬‬
‫ِبتطلبات الدنيا وأركان العقيدة‪.‬‬
‫ث‪ .‬متتاز الثقافة اإلسَلمية أبن الدين مصدر القيم فيها‪ ،‬وليس اجملتمع أو الطبيعة أو الفرد أو غري‬
‫ذلك من مصادر القيم‪ ،‬كما ترى الفلسفات املختلفة ويعتقد املفكرون الغربيون‪.‬‬
‫ج‪ .‬ومتتاز الثقافة اإلسَلمية ِبلشمول فهي تتناول حياة اإلنسان ِف كل نواحيها ظاهرها وِبطنها‪ ،‬وهي‬
‫‪311‬‬
‫قادرة على العطاء ِف أي من جوانب احلياة‪.‬‬

‫اجتاهات يف تقدمي الثقافة األجنبية ‪:‬‬


‫‪312‬‬
‫وهناك اجتاهان ِف تقدمي الثقافة اْلجنبية‪ِ ،‬با ِف ذلك تقدمي الثقافة العربية اإلسَلمية‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪ -‬ختصيص وقت لتعليم الثقافة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم ختصيص وقت لذلك‪.‬‬
‫قد يكون الدارسون غري قادرين على استيعاب الثقافة من خَلل استخدام اللغات اْلجنبية اليت‬
‫يتعلموهنا ِف املستوى املبتدئ‪ ،‬ويستثىن من ذلك دروس اْلصوات وتدريباهتا؛ ْلن اهلدف منها التدريب‬
‫على النطق‪ ،‬ال فهم املعىن ؛ ولذلك فالقرآن مناسب للمبتدئني ِف دروس اْلصوات اليت ال تقدم ِف‬
‫الغالب لغريهم‪ ،‬والقرآن مناسب لغريهم أيضا‪ .‬ومعىن هذا أن االجتاه اْلول ميكن اْلخذ به ِف املراحل‬

‫‪311‬‬
‫د‪ .‬نصرالدين إدريس جوهر‪ ،‬اْلسس الثقافية لبناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫‪312‬‬
‫د‪ .‬وجيه املرسي أبو لنب‪ ،‬اجتاهات تقدمي الثقافة العربية اإلسَلمية‬

‫‪194‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫املتقدمة من تعليم اللغة‪ ...‬ومن هنا كان التدريس ِبالجتاه الثاين أفضل‪ ،‬والسيما للمبتدئني؛ وذلك ْلننا‬
‫ال هتدف إىل تدريس الثقافة ِف حد ذاهتا فحسب‪ ،‬بل هندف إىل تدريس اللغة من خَلل حمتواها‬
‫الثقاِف إذ أن هدف تعليم اللغة اْلجنبية ليس اإلشباع الفكري فحسب‪ ،‬بل اهلدف اْلساسي واْلهم‬
‫هو االتصال‪.‬‬
‫من اْلفضل أن ذلك يتم من خَلل مواد املهارات اللغوية من قراءة ومطالعة‪ ،‬أو حمادثة أو‬
‫حوار‪ ،‬وقواعد حنوية أو نصوص أدبية‪ ،‬أو إمَلء وخط مما جيعل املوضوعات املختارة فيها االستشهاد‬
‫والتمثيل ِبلنصوص القرآنية واْلحاديث النبوية ْلهنا أعلى درجات البَلغة واإلحسان ىف القول‪ ،‬على أال‬
‫يؤدى ذلك إىل املبالغة والتكلف وال أبس كذلك من إيراد نصوص من اْلمثال واحلكم البليغة‪.‬‬
‫فمادة القراءة واحملادثة والنصوص يَلحظ أهداف تعليمها‪ ،‬من زَيدة املعلومات واملفردات‪ ،‬والثروة‬
‫اللغوية‪ ،‬وىف مستوى التعبري‪ ،‬وتذوق اجلمال‪ ،‬ويَلحظ فيها االختيار اهلادف ىف عرض سري الصاحلني‬
‫والعظماء‪ ،‬واتريخ حياهتم‪ ،‬ومناذج من أخَلقهم وسلوكهم‪ ،‬للتعريف هبم مثَل وقدوة ىف السلوك‪ .‬وىف‬
‫احمل ادثة واحلوارات مثَل حني يتدرب الدارس على مناذج من الصيغ والرتاكيب الّت تدور ِف احلديث‬
‫اليومي‪ ،‬حيسن أن تستمد من اَلداب اإلسَلمية‪ ،‬كذلك التحية اليومية ِف احلال والرتحال هي السَلم‬
‫عليكم والدارس حني يتعلمها يتعلم – ِبإلضافة إىل أسلوب التحية اليومي – تعبريا إسَلميا‪.‬‬
‫وىف النحو جيدر انتقاء اْلمثلة من القرآن والسنة لتنمو ِف الدارس خَلل ذلك روح اإلسَلم‬
‫والصفات احلميدة‪ .‬وقد ال حتسن اْلمثلة ِف النحو من القرآن الكرمي‪ ،‬وخصوصا ِف املستوى اْلول؛‬
‫ذلك ْلن أسلوب القرآن الكرمي أسلوب بليغ فوق قدرة املتعلم ِف املرحلة اْلوىل‪.‬‬
‫وميكن أن خيصص كتب لتعليم الثقافة‪ ،‬وقد ال خيصص هلا كتب خاصة‪ ،‬بل تعاجل ضمن‬
‫الكتب اللغوية‪ ،‬وِف احلالة اْلخرية قد يكون هلا موضوعات ومواقف حمددة‪ ،‬وقد تكون ضمن‬
‫حمتوى املوضوعات اْلخرى‪ .‬وهناك ضوابط لكل حالة وأمثلة أيضا‪.‬‬

‫طرق عرض الثقافة يف برامج اللغة ‪:‬‬


‫وعـرض الثقافـة ِف كتــب تعلـيم العربيـة لغــري النـاطقني هبــا خيتلـف حسـب شــرحية املتعلمـني ؛ فقــد‬
‫يكونون مسلمني أو غري مسلمني أو خليط من النوعني‪.‬‬
‫• فاملسلمون ميكن أن تعرض هلـم القضـاَي الثقافيـة عرضـا مباشـرا ؛ فهـم يريـدون الثقافـة اإلسـَلمية‪،‬‬
‫ويقبلوهنا‪ ،‬وهي دافع هلم قوي‪ .‬وميكن أن تعرض بطريق غري مباشر‪ ،‬وميكن املزج بني الطريقتني‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪195‬‬


‫• وغــري املســلمني ميكــن أن تعــرض هلــم القضــاَي الثقافيــة عرضــا غــري مباشــر ؛ حلــاجتهم إىل شــيء مــن‬
‫ثقافــة اللغــة‪ ،‬وأدعــى لــتعلمهم اللغــة‪ ،‬ولتحقيــق أهــداف معــد الكتــاب‪ ،‬وتكــون ِبِب دعــوَي‪ ،‬وخيفــف‬
‫من اجلرعات الثقافية‪ ،‬ويكتفى ِبملَلزم وما أيت به السياق‪ ،‬وال يؤتى ِبا يصـادم أساسـيات الـدين‪،‬‬
‫وال ينبغـ ــي املبالغـ ــة ِف جماملـ ــة الدارسـ ــني‪ ،‬وال تـ ــرك الثقافـ ــة بـ ــدعوى احلياديـ ــة‪ ،‬واملـ ــتعلم ‪ -‬صـ ــاحب‬
‫احلاجة ‪ -‬ال يفرض على اَلخرين الطريقة عادة‪.‬‬
‫• أما إذا كان املستهدف خليطا من املسلمني ومن غريهم فيمكن أن تعرض الثقافـة بطريـق مباشـر‬
‫وبطريق غري مباشر‪ ،‬والثاين أوىل؛ فيغلب جانب املسلم‪ ،‬ويسري مـع الثقافـة اإلسـَلمية‪ ،‬ويكـون ِبِب‬
‫دعوَي‪ ،‬وأدعى لتعلم اللغة‪.‬‬

‫ثقافة اللغة والثقافة يف اللغة ‪:‬‬


‫الثقافة ِف اللغة‬ ‫ثقافة اللغة‬
‫• اللغة وعاء الثقافة‬ ‫• تَلزم ال ينفك بني الوعـاء اللغوي واحملتوى الثقاِف‬
‫• حاجات الدارسني‬ ‫• العادات الثقافية واملهارات اللغوية‬
‫• الدافعية لدى الدارسني‬ ‫• الصحة ثقافيا والصحة لغوَي‬
‫• اللغة ْلغراض دينية‬ ‫• التفاعل مع الناطقني لغوَي وثقافيا‬

‫فثقافة اللغة والثقافة ِف اللغة شيئان خمتلفان وإن التقيا أحياان‪،‬‬


‫• فثقافــة اللغ ــة ‪ :‬م ــَلزم هل ــا‪ ،‬ال تنف ــك عنه ــا إال بتعس ـف‪ ،‬مث ــل‪ :‬اخل ــَلء‪ ،‬يقض ــي حاجت ــه‪ ،‬ه ــاجر‪،‬‬
‫عادة شهرية‪.‬‬
‫• والثقافة ِف اللغة ‪ :‬إدراج حمتوى ثقاِف ِف تعليم اللغة‪ ،‬يقل ويكثر‪ ،‬كاختيـار موضـوعات إسـَلمية‬
‫ِف دروس الكتاب وتدريباته‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬العَلقة بني اللغة والثقافة غنية عن البيان‪ .‬هي عَلقة وطيدة حترم فصل إحدامها عن‬
‫اْلخرى‪ .‬فَل يبتعد من قال إن اللغة والثقافة وجهان لعملة واحدة‪ .‬ومن هذه العَلقة أن اللغة وعاء‬

‫‪196‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫للثقافة وعنصر أساسي من عناصرها والوسيلة اْلوىل للتعبري عنها فَل ميكن للفرد أن يتحدث بلغة ما‬
‫ِبعزل عن ثقافتها‪ .‬وكل هذا مما يربر ضرورة مراعاة اجلانب الثقاِف ِف تعليم اللغات اْلجنبية‪.‬‬
‫وإذا كان هذا اْلمر يصدق على اللغات اْلجنبية وثقافاهتا فهو أصدق ما يكون على اللغة‬
‫العربية بوصفها لغة أجنبية‪ .‬فاللغة العربية دون غريها من اللغات ترتبط بثقافة الناطقني هبا بصفة خاصة‪،‬‬
‫وبثقافة الناطقني بغريها من الشعوب اإلسَلمية بصفة عامة ارتباطا عضوَي يصعب معه أن حيدث‬
‫االنفصال بينهما‪ .‬وهذا يعىن أن منهج تعليم هذه اللغة للناطقني بغريها ينبغى أال خيلو من مَلمح‬
‫ثقافتها (وهي الثقافة اإلسَلمية) بل يستند إليها ويستمد منها حمتواه وجيعل التعرف عليها من أهدافه‬
‫‪313‬‬
‫الرئيسية‪.‬‬
‫والثقافة اإلسَلمية‪ -‬شأن غريها من الثقافات‪ -‬تتكون من عناصر املعتقدات واملفاهيم واملبادئ‬
‫والقيم وأمناط السلوك‪ .‬إالَّ أهنا تتميز عن تلك الثقافات كلها ِبملصدر الذى تستمد منه عناصرها حيث‬
‫إهنا تُستمد من مصدر إهلي أنعم هللا به على اإلنسان ومنحه إَيه عقيدة له ودستورا ذلك هو القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة‪ .‬وهي بذلك (كوهنا مستمدة من املصدر اإلهلي) متتاز على غريها من‬
‫الثقافات بعدة أمور‪ :‬قوة اْلساس‪ ،‬وخلود املبدأ‪ ،‬وثبات العقيدة‪ ،‬واتساع النظرة‪ ،‬ومشول اجلوانب‪،‬‬
‫ووحدة االجتاه‪ ،‬وتكامل اْلبعاد‪ ،‬ومسو الغاية‪ ،‬واتزان احلركة‪ ،‬واعتدال اْلحكام‪.‬‬

‫بني تعليم اللغة العربية ألغراض عامة موظفا احملتوى الثقايف اإلسالمي‪ ،‬وتعليمها ألغراض دينية‬
‫تعليم اللغة العربية ْلغراض عامة موظفا‬
‫تعليم اللغة العربية ْلغراض دينية‬ ‫م‬
‫احملتوى الثقاِف اإلسَلمي‬
‫الربانمج معد لغري الناطقني ِبللغة العربية‬ ‫الربانمج معد لغري الناطقني ِبللغة العربية‬ ‫‪1‬‬
‫أيت بعد تعلم اللغة العامة ويعتمد عليه غالبا‪.‬‬ ‫برامج تعليم اللغة يبدأ من املستوى املبتدئ‬ ‫‪2‬‬
‫يفضل تقدمي هذا املقرر للدارسني ِف املستوى‬ ‫يتم تقدمي هذا املقرر للدارسني ِف كل‬
‫‪3‬‬
‫املتوسط واملتقدم‬ ‫املستوَيت‬
‫قد ال يلزم التحديد الدقيق خلصائص‬
‫التحديد الدقيق خلصائص الدارسني املستهدفني‬ ‫‪4‬‬
‫الدارسني املستهدفني؛ لتنوعهم‬

‫‪313‬‬
‫د‪ .‬نصر الدين إدريس جوهر‪ ،‬اْلسس الثقافية لبناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪197‬‬


‫تعليم اللغة العربية ْلغراض عامة موظفا‬
‫تعليم اللغة العربية ْلغراض دينية‬ ‫م‬
‫احملتوى الثقاِف اإلسَلمي‬
‫مواقف االتصال اليت حيتاج فيها الدارسون‬ ‫مواقف االتصال اليت حيتاج فيها الدارسون‬
‫‪5‬‬
‫استخدام العربية خاصة وحمددة تقريبا‬ ‫استخدام العربية متنوعة وغري حمددة‬
‫الوضع اْلمثل أن جيمع املعلم بني كفاءة ِف‬ ‫ال يلزم أن جيمع املعلم بني كفاءة ِف اللغة‬
‫اللغة وعمق ِف التخصص‬ ‫وعمق ِف التخصص؛ لتنوع ختصص‬ ‫‪6‬‬
‫الدارسني‬
‫يغطي الربانمج حاجات حمددة ال يتوسع فيها‬ ‫يغطي الربانمج حاجات متعددة واسعة‬
‫‪7‬‬
‫مع الدارس فيما ال يريده‬
‫يقتـصر احملـتوى أو يـكاد عـلى الـمادة اللـغوية‬ ‫يتسع اجملـال ليشمل كافة ما له صلة ِبملواقف‬
‫‪8‬‬
‫املـرتبطة ِبلتخـصص‬ ‫احلياتية العامة‬
‫املوقف هنا خيتلف‪ .‬فاْلغراض حمددة سلفاً‬ ‫الغرض هنا غري حمدد وال يكاد يتعدى حدود‬
‫واْلهداف اإلجرائية مصوغة بشكل يتماشى‬ ‫‪ 9‬إتقان املهارات اللغوية العامة لَلتصال ِف‬
‫مع احلاجات اللغوية اليت مت حتديدها من قبل‬ ‫املواقف االجتماعية‬
‫مواقف االتصال اللغوي ختتلف من بلد َلخر الربامج هنا ال ترتبط ِبجتمع لغوي معني وهذا‬
‫ِبلطبع بشكل عام‪ .‬ذلك أن لغة العلم واحدة‬
‫‪10‬‬
‫والسياق الثقاِف احمليط ِبملادة العلمية‬
‫التخصصية‬
‫اجلمهور هنا متجانس‪ ،‬ومن مث فاحلاجات‬ ‫اجلمهور غري واضح املعامل‪ ،‬إنه غري متجانس‪.‬‬
‫اللغوية واحدة واْلغراض واْلهداف اإلجرائية‬ ‫‪ 11‬فقد تضم حجرة الدراسة طلبة من ختصصات‬
‫مشرتكة‬ ‫شّت‬
‫ختـتار النـصوص الرتـباطها حبـاجات الـدارسني‪،‬‬ ‫ختتار املواد التعليمية هنا ِف ضوء بنية لغوية‬
‫وكثيـر مــن هــذه النـصوص يكــون أصلـياً‬ ‫‪ 12‬معينة هي الشائعة ِف جماالت االتصال‪،‬‬
‫وِبوضوعات عامة‬
‫يتعلم الدارس مهارات خاصة ِف جماالت دينية‬ ‫يتعلم الدارس مهارات لغوية عامة تساعد‬
‫‪13‬‬
‫تساعد على االتصال ِف مواقف دينية‬ ‫على االتصال ِف مواقف حياتية يومية‬

‫‪198‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫تعليم اللغة العربية ْلغراض عامة موظفا‬
‫تعليم اللغة العربية ْلغراض دينية‬ ‫م‬
‫احملتوى الثقاِف اإلسَلمي‬
‫التدريب هنا على مدى إدراك العَلقة بني‬ ‫التدريب على استيعاب املادة اللغوية‪ ،‬وتدور‬
‫املضمون العلمي ولغته‬ ‫التدريبات اللغوية عادة حول التدريبات‬ ‫‪14‬‬
‫النمطية واالتصالية أحياانً‬
‫املوضوعات اإلسَلمية متيل إىل اخلصوص‬ ‫املوضوعات اإلسَلمية متيل إىل العموم‬
‫‪15‬‬
‫والتفصيل‬ ‫واَلداب‬
‫متعلم اللغة قد ال يواصل دراسته ِف مجيع‬ ‫متعلم اللغة يواصل دراسته ِف مجيع جوانب‬
‫‪16‬‬
‫جوانب اللغة‪ ،‬بل فيما حيقق أغراضه الدينية‬ ‫اللغة‬
‫يوجه الربانمج للدارسني الراشدين ِف الغالب‪،‬‬ ‫يوجه الربانمج للدارسني من مجيع فئاهتم‬
‫ال للصغار‬ ‫العمرية‬ ‫‪17‬‬

‫أقل تكلفة لبنائه على‬


‫تصميم املنهج أسهل‪ ،‬و َّ‬ ‫تصميم املنهج أصعب‪ ،‬وأكثر تكلفة لبنائه‬
‫حاجات حمددة‪ ،‬ومهارات معينة‪ ،‬ومجهور‬ ‫على حاجات غري حمددة‪ ،‬ومجهور غري‬ ‫‪18‬‬
‫متجانس‪.‬‬ ‫متجانس‪.‬‬

‫قوة الدافعية ِف اْلغلب لدى الدارسني ؛‬ ‫الدافعية أقل ِف اْلغلب لدى الدارسني ؛‬
‫‪19‬‬
‫الرتباط املادة ِبهتمامهم وختصصهم‬ ‫الختَلف ختصصاهتم واهتماماهتم‬
‫املواقف التدريسية متيل إىل املواقف احلقيقية‬ ‫املواقف التدريسية متيل إىل املواقف‬
‫أكثر من املواقف االصطناعية‪.‬‬ ‫االصطناعية أكثر من احلقيقية‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫يتبىن الشيوع اخلاص للمفردات وللرتاكيب‬ ‫يتبىن الشيوع العام للمفردات وللرتاكيب‬
‫‪21‬‬
‫الدينية‬
‫يسعى إىل تنمية املهارات اللغوية وبنفس‬ ‫يسعى إىل تنمية املهارات اللغوية وال يهتم‬
‫الوقت إىل إيصال املعلومات واْلفكار‬ ‫كثريا ِبيصال املعلومات واْلفكار‬ ‫‪22‬‬
‫املستهدفة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪199‬‬


‫الفصل السابع‬

‫واقع احملتوى الثقايف يف برامج تعليم اللغة ويف كتبها‬

‫‪200‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫واقع احملتوى الثقايف يف برامج تعليم اللغة ويف كتبها‬

‫يزداد تعليم اللغة العربية لغة اثنية انتشارا يوما بعد يوم؛ إما ْلغراض دينية أو جتارية أو ثقافية أو‬
‫سياسية أو تواصلية‪ ،‬ويتبدى لك ِف العدد الكبري ملراكز تعليم اللغة العربية ِف البَلد العربية والشرق‬
‫والغرب‪ ،‬وتنامي التأليف ِف املقررات واملناهج املتخصصة لتعليم اللغة العربية لغة اثنية‪ ،‬عَلوة على‬
‫املؤمترات والن دوات وحلقات النقاش والدورات اليت تناولت أمهية هدا احلقل الذي ينتمي إىل علم اللغة‬
‫التطبيقي‪ ،‬وسلطت الضوء على طرائق تدريس اللغات اْلجنبية‪ ،‬وسبل إعداد املعلمني هلده الغاية‪،‬‬
‫وانتهت إىل أمهية الربط بني اللغة والثقافة‪ْ ،‬لننا ال نعلم أصوااتً ومجَلً ونظاما لغوَيً منبتاً عن ثقافة‬
‫أصحاب اللغة وقيمهم وهويتهم "فاللغة ليست جمرد أداة أو وسيلة للتعبري أو للتواصل أو جمرد شكل‬
‫ملوضوع أو جمرد وعاء خارجي لفكرة أو لعاطفة أو إشارة إىل فعل‪ ،‬إهنا وعي اإلنسان بكينونته‬
‫الوجودية‪ ،‬وبصريورته التارخيية وهبويته االجتماعية والقومية وكليته اإلنسانية‪ ،‬إهنا السجل الناطق هبده‬
‫اْلبعاد مجيعها"‪ .314‬واجلانب الثقاِف أساس مكني يتعني أن يلتفت إليه ِف تصميم املناهج واملقررات‪.‬‬
‫‪315‬‬

‫يشهد ميدان تعليم العربية كتبا ألفها عرب أو مسلمون من الناطقني بلغات أخرى‪ ،‬وكتبا ألفها‬
‫مستشرقون أو أجانب‪ .‬والقارئ يلمس تباينا واضحا بني هذه الكتب مجيعها ِف تناوهلا للثقافة العربية‬
‫واإلسَلمية‪ .‬فما ألفه عرب أو مسلمون يلمس فيه القارئ احرتام الثقافة العربية واإلسَلمية بشكل عام‪،‬‬
‫وإن تفاوتت حماور االهتمام ِف عرض مفاهيم هذه الثقافة‪ .‬وما ألفه مستشرقون أو أجانب يلمس‬
‫القارئ ِف كتب بعضهم غمزا حول الثقافة العربية واإلسَلمية وجتنيا عليها سواء ِف اختيار املوضوعات‬
‫‪316‬‬
‫أو ِف طريقة تناوهلا‪.‬‬

‫‪ 314‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات تعليم اللغة العربية لغة‬
‫اثنية "‬
‫‪ 315‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات تعليم اللغة العربية لغة‬
‫اثنية "‬
‫‪ 316‬د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ 1405 ،‬هـ‪،‬‬
‫ص ‪227‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪201‬‬


‫‪317‬‬
‫ونقسم كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا من هذه الناحية إىل‪:‬‬
‫‪ -1‬كتب خارجــية‪ :‬ألفت خارج الوطن العرب واإلسَلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب عربية إســَلمية‪ :‬ألفت داخل الوطن العرب واإلسَلمي‪.‬‬
‫وِبلنظـر ِف كـل نوع من هـذين النـوعني جنـد أنـه ِبلـرغم مـن اجلهـد املشكــور واحملم ــود واملبـذول‬
‫فيها إال أن بعضـها ال خيلـو مـن االنتقـادات الـيت جتعلــها غـري قـادرة علـى حتقيـق رسالتــها‪ ،‬والـيت تدعــوان ِف‬
‫الوقت ذاته إىل التفكري ِف مزيد من الكتب العربية اْلساسية لتعليم العربية لغري الناطقني هبا‪.‬‬
‫أما الكتب اخلارجية ِف تعليم اللغة العربية فمما يَلحظ عليها فيما خيص اجلانب الثقاِف ‪:‬‬
‫• ينطلــق كثــري منــها مــن نظــرة دونيــة للغــة العربيــة‪ ،‬نظــرة امت ــهان وتقليــل مــن شأنــها واعتبارهــا لغ ــة‬
‫مهملــة‪ ،‬كم ــا أن ــها انطلق ــت أيض ـاً م ــن نظ ــرة دوني ــة إىل الشع ــوب الناطق ــة ب ــها‪ ،‬نظ ــرة ت ــرى ه ــذه‬
‫الشعوب شعوِبً متخلفة ثقافيـاً وحضـارَيً‪ ،‬ونتيجــة هلـذا أمهلـت تقـدمي الثقافـة العربيـة واإلسَلمــية‪،‬‬
‫وإن قدمت ــها فبطريقــة مشوه ــة وحمرفــة وخاط ــئة‪ ،‬وســادت الــروح التبشــريية علــى كثــري مــن الكتــب‬
‫حيث أخذت تدرس ِف ثناَي موادها التعليمية نظرات عقائدية ختتلف مع العقيدة اإلسـَلمية‪.‬‬
‫• غــلب احلــس اللغــوي اْلجنــيب علــى كثــري مــن املـؤلفني – وإن كــان بعضــهم أو أكثــرهم يرجــع إىل‬
‫أصــل عرب قـدمي – مما جعـلهم يتعامـلون مع اللغة العربيـة ِبلشـكل الـذي يتعـاملون بـه مـع لغـتهم‬
‫القومـ ــية أو لغـ ــات اجملتمعـ ــات الـ ــيت صـ ــدر فيهـ ــا الكتـ ــاب‪ ،‬ولـ ــذلك صـ ــيغت الرتاكيـ ــب العربيـ ــة ِف‬
‫قوالـ ــب أجنبيـ ــة حتـ ــس معهـ ــا ِبالخـ ــتَلف والغرابـ ــة‪ ،‬ولقـ ــد أدى هـ ــذا إىل كثـ ــرة اْلخطـ ــاء اللغويـ ــة‬
‫والنحويــة ِف هــذه الكتــب وإىل االعتمــاد علــى الرتمجــة ِف تقــدمي حمتــوى الكتــاب مــن مفــردات أو‬
‫نصـوص أو قواعـد‪.‬‬
‫• اســتخدام الكتابــة الصــوتية ِف كتابــة احلــروف العربيــة أي كتابتــها حبــروف التينيــة‪ ،‬وهــي طريقــة مل‬
‫يتفق فيها علـى نظــام واحـد مـن اْلشـكال يقابـل نظــام احلـرف والصــوت العـرب‪ ،‬وإن اتفـق فهـي‬
‫ال تعطي حقيقة النظام العرب‪.‬‬
‫‪318‬‬
‫• استخدام اللهجات العامية كعامية العـراق أو القاهرة أو فلسطني‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫‪ 317‬د‪ .‬حممود كامل الناقة‪ ،‬ود‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬الكتاب اْلساسي لتعليم اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى‪،‬‬
‫إعداده – حتليله – تقوميه‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة املكرمة‪ 1403 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪ ( 255 – 250‬بتصرف)‬
‫‪318‬‬
‫رشـدي طعيمـة ‪.8‬‬

‫‪202‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وأما الكتب العربية اإلسـَلمية ِف تعليم اللغة العربية خارج الوطن العرب‪ ،‬فقـد أخـذ بعضـها أحـد‬
‫جانبني‪ ،‬إمـا اجلانـب الـديين احملـض الـذي يهــدف إىل تعلـيم الديــن اإلســَلمي واحلضـارة اإلســَلمية العربيـة‬
‫والرتكيز عليها دون مراعاة ملا تقتضيه عملية تعليم اللغة‪ ،‬وإما اجلانب املعاكس الذي يفصلــها عـن الثقافــة‬
‫‪319‬‬
‫اإلسـَلمية‪ ،‬وكـَل االجتاهني غري صحـيح من وجهة نظـر تعليم اللغـة‪.‬‬
‫ولكننــا نــرى أن أغلــب الكتــب املتــأخرة‪ ،‬والســيما مــا ألفــه خمتصــون بتعلــيم العربيــة لغــري النــاطقني‬
‫هبا‪ ،‬قد تعامل مع الثقافة تعامَل جيدا‪ ،‬على اختَلف بينها ِف كيفية التعامل وحجم التعامل‪.‬‬

‫هل خيتلف تعليم العربية ألغراض دينية‪ ،‬عن تعليمها ألغراض خاصة أخرى؟‬
‫▪ يغلب على من يريد تعلم اللغة ْلغراض خاصة غري اْلغراض الدينية أن ينصب هدفه على اللغة‬
‫ِبفرداهتا وتعبرياهتا‪ ،‬أما ذلك الفن اخلاص فهو يعرفه بغري هذه اللغة اهلدف‪ .‬ومن مث فإن واضعي‬
‫الربامج اخلاصة ال يضعون ِف ذهنهم إعطاء الدارس أصل املعلومة؛ ْلهنا لديه‪ ،‬ولكن يعطونه هذه‬
‫املعلومة ِبللغة اهلدف‪ .‬فالطبيب أو املمرض على سبيل املثال‪ :‬ال يكون من بني أهدافه ِف تعلم‬
‫العربية أن يعرف أصل املعلومة من قبيل‪ :‬أين يضع الطبيب السماعة‪ ،‬وماذا يوجد ِف الصيدلية‪،‬‬
‫وماذا جيري داخل غرفة العملية‪ .‬اخل‪.‬‬
‫▪ ِبلتأكيد أن الغالب منهم – إن مل نقل كلهم ‪ -‬قد أحاط هبذه املعلومات وهو يعيشها واقعاً‪،‬‬
‫ورغبته ِف معرفة كيف يعرب عن ذلك ِبلعربية‪.‬‬
‫▪ إذن ليس من أهداف الدارس معرفة أصل املعلومة‪ ،‬وليس أيضاً من أهداف واضع املنهج أن‬
‫يوصل للدارس أصل املعلومة‪.‬‬
‫▪ ولكن كثرياً ممن حيرصون على الثقافة اإلسَلمية ِف تعليم اللغة العربية‪ ،‬يرون أن الدارس حباجة إىل‬
‫معرفة أصل املعلومة‪ْ ،‬لنه قد جيهلها كليا أو جزئيا ِف لغته‪ ،‬وحيتاج أيضاً إىل التعبري عنها ِبلعربية؛‬
‫فيكون أخذ فنني ِف آن واحد‪.‬‬
‫▪ صحيح أن هذا قد يزيد عليه عبئا النصراف ذهنه إىل اللغة‪ ،‬وإىل أصل املعىن‪ .‬ولكن هذا ِف رأينا‬
‫أيسر له من أن أيخذمها منفصلتني‪.‬‬
‫▪ ولنعد إىل أهداف أغلب الدارسني من املسلمني‪ ،‬أليسوا يريدوهنا لفهم الدين؟ ولإلجابة عن هذا‬
‫السؤال البد من التفصيل بطرح النقاط التالية‪:‬‬

‫‪319‬‬
‫إبراهيم احلاردلو ‪1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪203‬‬


‫• هل يعرفون هذه القضاَي الدينية والثقافية ِف لغاهتم فعَلً‪ ،‬ويريدون معرفتها ِف اللغة العربية؟‬
‫• أم يريدون معرفتها ِبللغة العربية ليستقوا من اْلصل‪ ،‬ولينفصلوا بعدها عن أخذها بغري العربية؟‬
‫• وهذا اْلخري هو ما عليه أغلب دارسي العربية من املسلمني‪.‬‬
‫وإذا عدان إىل واضعي الربامج العربية وأهدافهم جند هذا التقسيم أيضاً‪:‬‬
‫▪ فقد يكون واضع املنهج يهدف إىل الدعوة أوالً؛ ولذا جنده يعلم العربية بقوالب دينية؛ فهو ال يريد‬
‫من املتعلم أن أيخذ اللغة دون أن يستفيد من الناحية الشرعية‪ .‬وهذا املنطلق يدعمه أن كثرياً من‬
‫أبناء املسلمني ال يعرفون كثرياً من أساسيات الدين؛ وذلك ْلسباب منها‪:‬‬
‫• االستعمار لبعض البَلد كالشيوعية ِف مجهورَيت االحتاد السوفييت سابقا واليت حجبت الدين حّت‬
‫خرج جيل من املسلمني جيهلون كثرياً من أساسيات الدين‪.‬‬
‫• تطبيق العلمانية ِف بعض البَلد‪ ،‬اليت أغفلت تعليم الدين‪.‬‬
‫• اْلقليات اإلسَلمية ِف كثري من البَلد ال متلك هلا تعليماً خاصاً‪.‬‬
‫• حتويل لغة العلم والتعليم ِف بعض البَلد إىل غري العربية‪ ،‬ومن مث يعزل النشء عن تراثه السابق‪.‬‬
‫• واخلَلصة‪ :‬أنه ميكن تعليم الدين عرب تعليم العربية‪ ،‬والعربية عرب تعليم الدين؛ فهما متَلزمان؛ وهبذا‬
‫جنمع بني احلسنيني ونصيد عصفورين حبجر واحد‪ .‬وهذا االجتاه مشروط بشرط أساسي‪ ،‬وهو أن‬
‫يكون احملور تعليم العربية ؛ ليتم تعليمها على أسس صحيحة‪ ،‬مث ال أبس أبن يكون ِف ذلك تعليم‬
‫للثقافة اإلسَلمية‪ ،‬ويستحسن أن يكون بطريق غري مباشر‪.‬‬

‫املقررات الثقافية يف خطط بعض برامج معاهد تعليم اللغة ‪:‬‬


‫ختتلف اخلطط الدراسية لربامج تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا ِف إدراج جوانب من الثقافة‬
‫اإلسَلمية‪ ،‬فقسم ال خيصص للثقافة اإلسَلمية دروساً أو مقررات ِف خطته‪ ،‬وقسم خيصص هلا بعض‬
‫املقررات اخلاصة‪ ،‬على اختَلف بينها ِف حجم املقررات اإلسَلمية داخل اخلطة الدراسية‪.‬‬
‫وعند املقارنة بني املعاهد ِف بعض اجلامعات اليت تعلم العربية لغري النطقني هبا جند اختَلفا ِف‬
‫حجم املقررات املخصصة للثقافة اإلسَلمية‪ ،‬واجلدول التايل يبني لنا ذلك‪:‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد اللغة العربية جبامعة امللك سعود‬

‫‪204‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫املستو‬
‫اجملموع‬ ‫ثقافة دراسات‬ ‫سرية‬ ‫فقه‬ ‫تفسري توحيد‬ ‫حدي‬ ‫قرآن‬
‫ى‬
‫ث‬
‫‪2‬‬ ‫متهيد‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ي‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪17‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫متقدم‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫ة‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد اللغة العربية جبامعة أم القرى‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬ ‫املستو‬
‫اجملموع‬ ‫سرية‬ ‫فقه‬ ‫توحيد‬ ‫تفسري‬ ‫حديث‬ ‫قرآن‬ ‫ى‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪30‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد تعليم اللغة العربية جبامعة اإلمام‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫التاريخ‬ ‫القرآن‬ ‫املستوى‬
‫اجملموع‬ ‫الفقه‬ ‫التوحيد‬ ‫حديث‬ ‫القرآن‬
‫اإلسَلمي‬ ‫وتفسريه‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪205‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪22‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد اللغة العربية جبامعة اْلمرية نورة‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫املستوى‬
‫اجملموع‬ ‫ثقافة‬ ‫تفسري‬ ‫حديث‬ ‫قرآن‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪19‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد تعليم اللغة العربية ِبجلامعة اإلسَلمية‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫التاريخ‬ ‫القرآن‬ ‫املستوى‬
‫اجملموع‬ ‫الفقه‬ ‫التوحيد‬ ‫حديث‬ ‫القرآن‬
‫اإلسَلمي‬ ‫وتفسريه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد تعليم اللغة العربية جبامعة امللك عبد العزيز‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬ ‫املستوى‬

‫‪206‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫التاريخ‬ ‫القرآن‬
‫اجملموع‬ ‫الفقه‬ ‫التوحيد‬ ‫حديث‬ ‫القرآن‬
‫اإلسَلمي‬ ‫وتفسريه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة معهد اللغة العربية جبامعة إفريقيا العاملية‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫املستوى‬
‫اجملموع‬ ‫سرية‬ ‫تفسري‬ ‫عبادات عقيدة‬ ‫حديث‬ ‫قرآن‬
‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪33‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫مقررات الثقافة اإلسَلمية والعلوم اإلسَلمية ِف خطة قسم اإلعداد اللغوي‬


‫ِبعهد العلوم اإلسَلمية والعربية ِبندونيسيا‬
‫مقررات الثقافة اإلسَلمية‬
‫ثقافة‬ ‫التوحي الفق أصول التاريخ‬ ‫املستوى القرآن حدي‬
‫اجملموع‬
‫ه فقه اإلسَلمي إسَلمية‬ ‫د‬ ‫وتفسريه ث‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪26‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪207‬‬


‫الثقافة اإلسالمية يف مقررات منفصلة يف برامج تعليم العربية ودورها يف تعليم اللغة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬دروس القرآن الكرمي يف برامج تعليم العربية ودورها يف تعليم اللغة‪:‬‬
‫نظ ـرا لَلرتبــاط القــوي بــني القــرآن الكــرمي وبــني اللغــة العربيــة‪ ،‬ودور القــرآن ِف تعلــيم العربيــة‪ ،‬فــإن‬
‫بعــض معــدي بـرامج تعلــيم العربيــة لغــري النــاطقني هبــا جيعــل ِف اخلطـة الدراســية نصــيبا للقــرآن الكــرمي تــَلوة‬
‫وجتويــدا وتفس ـريا؛ ملــا يــرون ِف ذلــك مــن فوائــد لغويــة مجـة تعــود علــى الدارســني‪ ،‬والســيما تعل ـم اْلص ـوات‬
‫العربيــة ونطقهــا‪ ،‬ومــا يعــود علــى الــدارس مــن ارتقــاء أســلوبه؛ لتعــوده علــى أســلوب القــرآن الكــرمي‪ ،‬ذل ــك‬
‫الكتـاب الـذي حفظــه – أو بعضـه – كثــري مـنهم‪ .‬إذن‪ ،‬تــَلوة القـرآن الكــرمي حتقـق جمموعــة مـن اْلهــداف‬
‫اللغويــة‪ ،‬ومنهــا ‪ " :‬إجــادة النطــق ِبللغــة العربيــة‪ ،‬وزَيدة الثــروة املعنويــة والفكريــة‪ ،‬والتــدريب علــى مهــارات‬
‫‪320‬‬
‫لغوية كثرية‪ ،‬وتذوق مجال اْلسلوب القرآين وبَلغته"‬
‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬فمعهد اللغوَيت العربية جبامعة امللك سعود قد خصص ساعتني أسبوعيا‬
‫ِف كل مستوى من مستوَيته اْلربعة للقرآن الكرمي‪ِ ،‬بسمى " تَلوة "‪.‬‬
‫ومـ ــن املَلحـ ــظ أن متعلمـ ــي اللغـ ــة العربيـ ــة مـ ــن غـ ــري النـ ــاطقني هبـ ــا الـ ــذين حيفظـ ــون القـ ــرآن خيتلـ ــف‬
‫حتصـ ــيلهم اللغـ ــوي اختَلفـ ــا بينـ ــا عمـ ـن يبـ ــدؤون بتعلمهـ ــا مـ ــن دون حفـ ــظ لكتـ ــاب هللا‪ .‬فـ ــاْلولون جييـ ــدون‬
‫اْلصـ ـوات – ِف الغالـ ــب – مـ ــن خمارجهـ ــا الصـ ــحيحة‪ ،‬وأتت هلـ ــم املعـ ــاين القرآنيـ ــة لتسـ ــاعدهم علـ ــى فهـ ــم‬
‫النص ــوص العادي ــة ِف االس ــتماع والقـ ـراءة‪ ،‬ب ــل واالستش ــهاد ِبملع ــىن أو الرتكي ــب أو القاع ــدة النحويـ ـة م ــن‬
‫القرآن الكرمي‪.‬‬

‫أثر حفظ القرآن الكرمي على التحصيل العلمي ‪:‬‬


‫أمجع أكادمييون وِبحثون خمتصون على أن حفظ القرآن الكرمي له أثر جيد ِف تنمية املهارات‬
‫اْلساسية لدى الطالب وزَيدة حتصيله العلمي وتفوقه الدراسي‪.‬‬
‫ودعا الدكتور عبد هللا الصبيح‪ ،‬أستاذ علم النفس جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسَلمية‬
‫موضحا أن‬
‫ً‬ ‫ِبلرَيض‪ ،‬الطَلب إىل االنضمام إىل حلقات التحفيظ املنتشرة ِف مجيع مناطق اململكة‪،‬‬
‫حفظه يساعد على الرتكيز وهو متطلب ِف حتصيل العلوم‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم الشافعي‪ ،‬الرتبية اإلسَلمية وطرق تدريسها‪ ،‬ص ‪164‬‬

‫‪208‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وأضاف أن أي علم من العلوم سواء كان الطب أو الرَيضيات أو علوم الشريعة أو العلوم‬
‫الطبيعية (الفيزَيء‪ ،‬الكيمياء) وغريها‪ ،‬حيتاج إىل تركيز ٍ‬
‫عال جدًّا‪ ،‬وحيث إن الذي حيفظ القرآن يتدرب‬
‫على تركيز انتباهه منذ صغره؛ لذا فهو أقدر‪ ،‬ومستوى تركيزه أطول من مستوى تركيز غريه‪.‬‬
‫وأشار إىل أن خَلَي الدماغ مثلها مثل أي عضو ِف جسم اإلنسان ينشط ِبالستخدام ويضعف‬
‫ِبإلمهال‪ ،‬مبيناً أن الذي حيفظ ِبستمرار ال شك أن خَلَي دماغه وجسمه تنشط‪ ،‬وتكون أقوى من‬
‫ذلك الذي أمهل استخدامها ِف احلفظ‪.‬‬
‫وأوضح الدكتور الصبيح‪ ،‬وفق ما ذكرت صحيفة سبق‪ ،‬أن الذين حيفظون القرآن من خَلل‬
‫احلرص على حفظ ورد يومي من القرآن يتعلمون قدراً من اجلدية ِف حياهتم‪ ،‬فضَلً عن تعلمهم كيف‬
‫ينظمون حياهتم‪ ،‬مضي ًفا أهنم ميتلكون أيضاً القدرة على التخطيط ِف احلياة ووضع أهداف هلا‪ ،‬ومها‬
‫متطلبان آخران من أجل النجاح ِف احلياة‪.‬‬
‫يساعد الطالب على التحصيل‪:‬‬
‫من جهته ذكر الدكتور عدانن عاشور‪ ،‬استشاري اْلمراض النفسية جبدة‪ ،‬أن القرآن يساعد‬
‫موضحا أن الذاكرة ملكة جسدية تنمو ِبمنائها‪ ،‬وتتسع كلما زاد‬
‫ً‬ ‫الطالب على التحصيل العلمي‪،‬‬
‫خمزوهنا‪.‬‬
‫وقال "فإذا أحسن اإلنسان التعامل مع قواه العقلية‪ ،‬وأحسن استغَلل ذاكرته واستثمارها ِف‬
‫شبابه وكهولته‪ ،‬تضاعفت قواه العقلية والفكرية"‪.‬‬
‫ويؤكد عاشور أن حفظ القرآن ومَلزمة املراجعة والتَلوة يساعدان ِف تنظيم الوقت وحسن‬
‫استغَلله‪ ،‬كما أن اإلكثار من حفظ القرآن الكرمي وتَلوته سبب ِف طَلقة اللسان وفصاحته‪.‬‬
‫وأوضح أن للقرآن الكرمي أثراً عظيماً ِف حتقيق اْلمن النفسي‪ ،‬والطمأنينة القلبية والسكينة‪ ،‬فهو‬
‫طاقة روحية هائلة ذا ت أتثري ِبلغ الشأن ِف نفس اإلنسان‪ ،‬يهز وجدانه‪ ،‬ويرهف أحاسيسه ومشاعره‪،‬‬
‫ويصقل روحه‪ ،‬ويوقظ إدراكه وتفكريه‪ ،‬وجيلي بصريته‪ ،‬فإذا ِبإلنسان بعد أن يتعرض لتأثري القرآن يصبح‬
‫جديدا‪.‬‬
‫جديدا كأنه خلق خل ًقا ً‬
‫إنساان ً‬
‫ً‬
‫طَلب حلقات التحفيظ متميزون‪:‬‬
‫ومن انحيته‪ ،‬أشاد اْلستاذ ب كر بن إبراهيم بصفر‪ ،‬مدير عام الرتبية والتعليم ِبنطقة مكة‬
‫كدا أهنا‬
‫املكرمة‪ ،‬حبلقات التحفيظ‪ ،‬موضحاً أن طَلب حلقات التحفيظ متميزون ِف دراستهم ومؤ ً‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪209‬‬


‫حقيقة ومسلمة‪ ،‬الكل يعلمها‪ ،‬وقال "القرآن الكرمي ِبب يفتح هللا به العقول‪ ،‬ويساعد على التميز ِبذن‬
‫هللا"‪.‬‬
‫واتبع‪ " :‬فطَلب القرآن الكرمي أغلبهم متميزون دراسياً ليس ِف املواد النظرية فقط‪ ،‬بل ِف املواد‬
‫الطبيعية "الرَيضيات والفيزَيء والكيمياء واْلحياء"‪.‬‬
‫بدوره أشار املهندس عبد العزيز حنفي‪ ،‬رئيس اجلمعية اخلريية لتحفيظ القرآن الكرمي جبدة‪ ،‬إىل‬
‫أن معظم الطَلب املتميزين واملتفوقني دراسياً هم من طَلب حلقات التحفيظ املنتشرة ِف خمتلف مناطق‬
‫اململكة‪ .‬مضي ًفا أن وزارة الرتبية والتعليم أعدت دراسة هبذا اخلصوص بينت أن أكثر من ‪ ٪90‬من‬
‫املتفوقني واملتفوقات ِف الثانوية العامة من طلبة حتفيظ القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ومن فوائد حفظ القرآن الكرمي ‪:‬‬
‫‪ -1‬صفاء الذهن‪.‬‬
‫‪ -2‬قوة الذاكرة‪.‬‬
‫‪ -3‬الطمأنينة واالستقرار النفسي‪.‬‬
‫‪ -4‬الفرح والسعادة الغامرة اليت ال توصف‪.‬‬
‫‪ -5‬التخلص من اخلوف واحلزن والقلق‪...‬‬
‫‪ -6‬قوة اللغة العربية واملنطق والتمكن من اخلطابة‪.‬‬
‫‪ -7‬القدرة على بناء عَلقات اجتماعية أفضل وكسب ثقة الناس‪.‬‬
‫‪ -8‬التخلص من اْلمراض املزمنة اليت يعاين منها اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -9‬تطوير املدارك والقدرة على االستيعاب والفهم‪.‬‬
‫‪ -10‬اإلحساس ِبلقوة واهلدوء النفسي والثبات‪.‬‬
‫وإىل جانب الفوائد املادية الدنيوية‪ ،‬هناك فوائد أكرب بكثري ِف اَلخرة‪ ،‬وهي الفرح بلقاء هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬والفوز ِبلرضوان والنعيم املقيم‪ ،‬والقرب من احلبيب اْلعظم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فهل هناك‬
‫أمجل من أن تكون مع هللا ورسوله يوم القيامة؟!‬
‫وقد دلت عدة دراسات على أن حفظ القرآن الكرمي له أثره اجليد ِف تنمية املهارات اْلساسية لدى‬
‫الطالب‪ ،‬من ذلك على سبيل املثال ال احلصر الدراسات اَلتية‪:‬‬
‫‪-‬دراسة «سعد بن فاحل املغامسي» (‪1411‬هـ) واليت أظهرت أن تَلوة القرآن الكرمي وحفظه ودراسته‬
‫أسهمت ِف تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تَلميذ الصف السادس االبتدائي مما مكن التَلميذ ِف‬

‫‪210‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫مدارس حتفيظ القرآن الكرمي من احلصول على درجات أعلى من متوسط أقراهنم ِف مدارس التعليم‬
‫العام‪.‬‬

‫‪-‬دراسة « هامن حامد ِبر كندي» (‪1411‬هـ) اليت دلت على تفوق طالبات الصف الرابع ِف مدارس‬
‫حتفيظ القرآن على طالبات مدارس التعليم العام ِف مهارت القراءة واإلمَلء‪.‬‬
‫‪-‬دراسة «حممد موسى عقيَلن»‪1411( ،‬هـ) اليت دلت على وجود عَلقة فاعلة (إجيابية) قوية بني‬
‫حفظ التَلميذ وتَلوهتم للقرآن الكرمي ومستواهم ِف مهارت القراءة اجلهرية والصامتة‪.‬‬

‫‪-‬دراسة « وضحى السويدي»‪1414( ،‬هـ) اليت دلت على وجود عَلقة فاعلة (إجيابية) قوية بني‬
‫حفظ القرآن الكرمي وتَلوته‪ ،‬وبني القراءة اجلهرية والقدرة على الكتابة لدى تَلميذ الصف الرابع‬
‫االبتدائي ِف قطر وتلميذاته‪.‬‬
‫‪-‬الدراسة اليت أعدهتا اإلدارة العامة للبحوث الرتبوية بوزارة الرتبية والتعليم عام ‪1423‬ه بعنوان (دراسة‬
‫مقارنة مستوَيت خرجيي التعليم العام وخرجيي حتفيظ القرآن الكرمي) وقد تضمنت الدراسة اختيار اثنيت‬
‫عشرة إدارة تعليمية ِف اململكة‪( :‬الرَيض ‪ -‬الطائف ‪ -‬جدة ‪ -‬القصيم ‪ -‬الشرقية ‪ -‬عسري ‪ -‬بيشة ‪-‬‬
‫حمايل عسري ‪ -‬تبوك ‪ -‬الباحة ‪ -‬جازان ‪ -‬صبيا) مث عقد مقارنة بني نتائج طَلب مدارس التعليم العام‬
‫ونتائج طَلب مدارس حتفيظ القرآن الكرمي التابعة للوزارة لثَلثة أعوام دراسية (‪1418‬ه‪1419 /‬ه‪- /‬‬
‫و ‪1419‬ه ‪1420‬ه‪ - /‬و‪1420‬ه‪1421 /‬ه) وقد أظهرت الدراسة تفوق طَلب مدارس حتفيظ‬
‫القرآن الكرمي بوضوح‪.‬‬

‫‪ - 2‬دروس الثقافة اإلسالمية يف برامج تعليم العربية ودورها يف تعليم اللغة‪:‬‬


‫ومما يفرد أحياان ِبقررات خاصة الثقافة اإلسَلمية‪ ،‬فقسم اللغة والثقافة ِبعهد اللغوَيت‬
‫العربية جبامعة امللك سعود‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬قد خصص ثَلث ساعات أسبوعيا ِف كل من‬
‫املستويني الثالث والرابع للثقافة اإلسَلمية‪ِ ،‬بسمى " ثقافة إسَلمية "‪ .‬كما خصص أربع ساعات‬
‫ِف الدورة املتقدمة للثقافة اإلسَلمية‪ِ ،‬بسمى " دراسات إسَلمية "‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪211‬‬


‫أثر تدريس الثقافة اإلسالمية على التحصيل اللغوي لدى دارسي اللغة العربية من غري الناطقني‬
‫‪321‬‬
‫هبا‪:‬‬
‫اْلصوات اللغوية‪:‬‬
‫إن تدريس الثقافة عادة يتم ِف املستوَيت العليا اليت يفرتض أن يكون التلميذ فيها قد أتقن‬
‫أصوات اللغة العربية بشكل يتناسب مع املستوى الذي يدرس فيه‪ ،‬غري أن الواقع يثبت عكس‬
‫ذلك‪ ،‬فما نزال نشاهد طَلِب ِف مستوَيت متقدمة وهم خيطئون عند نطق اْلصوات العربية‪.‬‬
‫إن دروس الثقافة اإلسَلمية ِبا تشتمل عليه من اَلَيت واْلحاديث اليت يستدل هبا على‬
‫املسائل الشرعية ميكن أن تساهم ِف تعزيز سيطرة الطَلب على نطق اْلصوات نطقا أقرب للصحة‪،‬‬
‫خاصة إذا كانوا يستمعون لآلَيت متلوة عند عرض الدروس ِبلوسائل السمعية البصرية‪.‬‬

‫املفردات‪:‬‬
‫تشتمل دروس الثقافة على عدد من املصطلحات والتعبريات السياقية ذات احملتوى الثقاِف‬
‫الثري‪ ،‬مما يسهم ِف زَيدة الثروة اللغوية لدى الطَلب‪ ،‬وإكساهبم مفردات وتعبريات تساهم ِف‬
‫فهمهم لثقافة اللغة العربية‪ ،‬ومتكنهم من التواصل االجتماعي الفعال مع أهل اللغة اْلصليني‪ ،‬حّت‬
‫ولو كان هؤالء من غري املسلمني‪ ،‬أما املسلمون فهم يستخدمون كثريا من مصطلحات الثقافة‬
‫اإلسَلمية وهو مما اقرتضته لغاهتم اْلصلية من اللغة العربية‪ ،‬مما جيعل الدرس اللغوي مألوفا هلم وحمببا‬
‫ْلجل هذا القدر املشرتك الذي جيدونه بني الثقافتني‪.‬‬

‫الرتاكيب والقواعد‪:‬‬
‫تشتمل موضوعات الثقافة على تنوع ثري من اجلمل الفصيحة احلية اليت ال تزال مستعملة ِف‬
‫الواقع الثقاِف العرب املعاصر‪ ،‬وهذه اجلمل منها البسيط واملباشر‪ ،‬ومنها املركب والذي يشتمل على‬
‫معان بَلغية راقية‪ ،‬كل ذلك يزيد ِف املخزون اللغوي لدا دارسي اللغة حبيث يتنوع أداؤه عند‬
‫استخدام اللغة حتداث وكتابة‪.‬‬

‫‪ 321‬اْلستاذ عبد هللا القحطاين من خرباء تعليم العربية ِف معهد اللغوَيت العربية جبامعة امللك سعود‪ ،‬ومن أكثر‬
‫املدرسني تدريسا هلذا املقرر‪ ،‬ومن مؤلفي منهجها‪ ،‬يؤكد على استفادة الطَلب من هذا املقرر ليس ِف خرباهتم‬
‫اإلسَلمية فحسب‪ ،‬بل ِف زَيدة حتصيلهم اللغوي‪ ،‬واْلستاذ القحطاين هو من كتب هذا اْلثر‪.‬‬

‫‪212‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫إن اْلدلة الشرعية من كتاب هللا املعجز‪ ،‬وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم الذي أوت جوامع الكلم‪،‬‬
‫وأقوال السلف الذين هم أهل اللغة املبينني‪ ،‬تزود الطالب بنماذج قابلة للمحاكاة‪ ،‬وهي مناذج مل تزل‬
‫مستعملة على مر عصور اْلمة فهي تراثية وحية ِف الوقت نفسه‪.‬‬

‫االستماع‪:‬‬
‫رِبا كان درس الثقافة اإلسَلمية من أكثر الدروس اليت يستخدم فيها الطالب مهارة االستماع‬
‫بشكل مكثف‪ ،‬وهو استماع متارس فيه كل كفاَيت االستماع املتقدم‪ ،‬كمعرفة أغراض املتكلم‪،‬‬
‫وتقومي اْلفكار‪ ،‬ومتييز احلقائق العلمية من االفرتاضات العامة واَلراء الشخصية ِف النص‪ ،‬واستنتاج‬
‫املعاين‪ ،‬والقيم‪ ،‬واحلقائق‪ ،‬واَلراء‪ ،‬والتذوق‪ ،‬واستخدام مهارات االستماع الناقد (تدوين‬
‫املَلحظات‪ ،‬وعقد املقارانت‪ ،‬واحلكم على اْلفكار)‪ ،‬وغريها‪ .‬خاصة إذا اشتمل الدرس على‬
‫تكليفات تثري الدرس وحتث الطالب على االطَلع اخلارجي واالستماع حملاضرات وندوات تتعلق‬
‫ِبملوضوع املدروس‪.‬‬

‫احملادثة والتعبري الشفوي‪:‬‬


‫إن درس الثقافة ِبا يشتمل عليه من موضوعات تثري اهتمامات الطَلب فيجعلهم يتساءلون مث‬
‫يسألون مما جيعل الدرس ساحة للحوار املثمر بني الطَلب ومعلمهم‪ ،‬وبني الطَلب أنفسهم ِبشراف‬
‫املعلم وتوجيهه‪.‬‬
‫مث إن درس الثقافة يكسب الطَلب مهارة االحتجاج واالستدالل‪ ،‬ودحض حجة اخلصم‬
‫وإبطال دليله‪ ،‬واستخدام املخزون العلمي والثقاِف ِف االستشهاد واالستدالل والتوثيق وعرض‬
‫اْلفكار برتتيب صحيح متناغم‪ ،‬وتشجعهم على إبداء الرأي‪ ،‬وعرض املقارانت وغري ذلك من‬
‫مهارات التعبري الشفوي‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪213‬‬


‫القراءة ‪:‬‬
‫ميكن أن يتدرب الطالب على كثري من مهارات القراءة املتقدمة ِف درس الثقافة‪ ،‬فموضوعات‬
‫الثقافة هي موضوعات فكرية راقية تتطلب استخدام كفاَيت ِف الفهم والتحليل والنقد وتقومي‬
‫اَلراء‪ ،‬وفهم املعاين املسترتة والضمنية وغري ذلك من مهارات القراءة‪.‬‬
‫كما أن دروس الثقافة تشتمل على موضوعات فكرية‪ ،‬وحتتوي على استدالل بنصوص من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وهذا اْلمر يتطلب أن يشتمل الدرس على تكليفات حتث الطالب على االطَلع‬
‫اخلارجي‪ ،‬وأن يعود إىل املراجع املختصة ككتب التفسري واحلديث وغريها‪ ،‬فيتعرف على كيفية‬
‫استعمال املراجع واملصادر‪ ،‬ويتعرف على املكتبة العربية‪ ،‬ويتدرب على قراءة النصوص الطويلة‬
‫واستيعاهبا‪ ،‬واستخدام اسرتاتيجيات القراءة املتنوعة‪.‬‬

‫الكتابة والتعبري اإلبداعي‪:‬‬


‫يظهر أثر دروس الثقافة ِف كتاِبت التَلميذ ِف التعبري الكتاب‪ ،‬حيث إن دروس الثقافة ِبا‬
‫تشتمل عليه من موضوعات ميكن أن يستفاد منها ِف دروس التعبري الكتاب‪ ،‬كما يتدرب‬
‫الطالب من خَلهلا على كفاَيت الكتابة الوظيفية واملتقدمة ككتابة امللخصات‪ ،‬وإعداد أوراق‬
‫العمل‪ ،‬وكتابة البحوث ِف املوضوعات ذات الصبغة الثقافية مع التدرب على آداب البحث‬
‫العلمي كالتوثيق واالقتباس وعمل اهلوامش وترتيب املراجع وغري ذلك‪.‬‬

‫‪214‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫الدروس الدينية يف كتب تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا ‪:‬‬
‫وأما كتب تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬فهي أيضاً ختتلف ِف حجم املساحة اليت‬
‫تدرجها للثقافة اإلسَلمية‪ ،‬وِف كيفية عرضها‪ ،‬فبعضها تكاد ختتفي القضاَي الثقافية اإلسَلمية فيها‪،‬‬
‫وبعضها يكثر منها‪ ،‬وبعضها متوسط‪.‬‬
‫والكتب اليت تدرج القضاَي الثقافية ختتلف‪ ،‬فمنها ما يفرد كتباً خاصة لبعض العلوم اإلسَلمية‪،‬‬
‫ومنها ما يعاجل اْلمور الثقافية اإلسَلمية ضمن الكتب اللغوية‪ ،‬وهذا النوع بدورة خمتلف؛ فمنها ما‬
‫يدمج اْلمور الثقافية ِف النصوص‪ ،‬ومنها ما يورد نصوصا إسَلمية للتدريب عليها لغوَيً‪ ،‬وقد جيمع‬
‫الكتاب بني هذا وذاك‪.‬‬
‫ختتلف كتب تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا ِف حجم املساحة اليت تدرجها للثقافة‬
‫اإلسَلمية‪ ،‬وِف كيفية عرضها‪ ،‬فبعضها تكاد ختتفي القضاَي الثقافية اإلسَلمية فيها‪ ،‬وبعضها يكثر‬
‫منها‪ ،‬وبعضها متوسط‪.‬‬
‫والكتب اليت تدرج القضاَي الثقافية ختتلف‪ ،‬فمنها ما يفرد كتباً خاصة لبعض العلوم اإلسَلمية‪،‬‬
‫ومنها ما يعاجل اْلمور الثقافية اإلسَلمية ضمن الكتب اللغوية‪ ،‬وهذا النوع بدوره خمتلف؛ فمنها ما‬
‫يدمج اْلمور الثقافية ِف النصوص‪ ،‬ومنها ما يورد نصوصا إسَلمية للتدريب عليها لغوَيً‪ ،‬وقد جيمع‬
‫الكتاب بني هذا وذاك‪.‬‬
‫الكتاب ‪ /‬السلسلة‬

‫ال تقدم الثقافة‬ ‫تقدم الثقافة‬

‫ال تفردها بكتب‬ ‫تفردها بكتب‬

‫ال تورد نصوصا إسَلمية‬ ‫تورد نصوصا إسَلمية‬

‫غري مباشرة‬ ‫مباشرة‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪215‬‬


‫والكت ــب ال ــيت ال حتت ــوي عل ــى ثقاف ــة مقبول ــة ق ــد عارض ــت أص ــول تعل ــيم اللغ ــات بعام ــة‪ ،‬وأص ــول‬
‫تعلــيم العربيــة خباصــة‪ .‬ويبــدي الــدكتور حممــد عمــايرة – رمحــه هللا – اســتغرابه مــن خلــو بعــض كتــب تعلــيم‬
‫اللغة العربية لغري الناطقني هبا من القرآن الكرمي‪ ،‬فيقول‪ " :‬ولـيس مـن املنهجيـة العلميـة كـذلك أن يـتقلص‬
‫احلجــم املخصــص للقــرآن الكــرمي إىل حــد االختفــاء شــبه الكامــل مــن أحــد املنــاهج‪ 322.‬والــدكتور – رمحــه‬
‫هللا – يشري إىل ما قام بتحليلـه مـن كتـب‪ ،‬وال يقصـد استقصـاء الكتـب وتتبعهـا‪ ،‬ولـو فعـل لوجـد جمموعـة‬
‫من الكتب حتمل هـذا االجتـاه‪ .‬وعلـى سـبيل املثـال‪ ،‬هنـاك سلسـلة تتكـون مـن مخسـة كتـب مل يـرد فيهـا إال‬
‫آية واحدة‪ ،‬حسب علمي‪.‬‬

‫السياق القرآين ِف تعليم العربية لغري الناطقني هبا "العربية بني يديك " أمنوذجا‬
‫تعبري‬ ‫الكتابة‬ ‫النصوص‬ ‫الرتاكيب‪/‬‬
‫اجملموع‬ ‫مفردات‬ ‫الكتاب اْلصوات‬
‫واستيعاب خط‪/‬إمَلء‪/‬ترقيم شفهي‬ ‫القواعد‬
‫‪164‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪404‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪186‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪533‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪386‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪447‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪334‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪1548‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪920‬‬ ‫‪350‬‬ ‫اجملموع‬

‫‪ 322‬د‪ .‬حممد أمحد عمايرة‪ ،‬الدراسات اإلسَلمية‪ ،‬الشتاء‪ 1411 ،‬هـ " الثقافة اإلسَلمية ِف كتب تعليم العربية لغري‬
‫الناطقني هبا "‪ ،‬ص ص ‪31 - 1‬‬

‫‪216‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫وهذا منوذج من السياق القرآين ِف دروس اْلصوات ِف الكتاب اْلول من سلسلة " العربية بني‬
‫يديك "‬

‫يب ( ‪ ) 3‬اِ ْستَ ِم ْع َوأَعِ ْد‪.‬‬ ‫الت ْدر ُ‬


‫الرِحي ِم‪‬‬‫الر ْمحَ ِن َّ‬‫‪ ‬بِ ْس ِم هللا َّ‬
‫الرِحي ِم‪‬‬
‫الر ْمحَ ِن َّ‬
‫ني * َّ‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫‪ ‬الْـحم ُد َِّّللِ ر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضْبحاً * فَالْ ُموِرََيت قَ ْدحاً * فَالْ ُمغ َريات ُ‬
‫صْبحاً ‪‬‬ ‫‪َ ‬والْ َعاد ََيت َ‬
‫ك فَـْتحاً ُمبِيناً ‪‬‬ ‫‪ ‬إِ َّان فَـتَ ْحنَا لَ َ‬
‫ب ِح َساِبً يَ ِسرياً ‪‬‬ ‫اس ُ‬ ‫ـح َ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫‪ ‬فَ َس ْو َ‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬ولَ ُكم فِيها َمج ٌ ِ‬
‫ني تَ ْسَر ُحو َن ‪‬‬‫ني تُِريـ ُحو َن َوح َ‬ ‫ال ح َ‬ ‫َ ْ َ َ‬

‫ب (‪ )3‬اِ ْستَ ِم ْع َوأَعِ ْد‪.‬‬ ‫التَّ ْدريْ ُ‬


‫ت ِِف الْعُ َق ِد‪‬‬
‫اس ٍق إِذَا وقَب* وِمن َش ِر النـَّفَّا َاث ِ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫ب الْ َفلَق* ِمن َش ِر ما خلَق* وِمن َش ِر غَ ِ‬
‫ْ َ َ َ َ ْ‬
‫‪‬قُل أَعُوذُ بِر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ول ‪‬‬ ‫ال فَا ْحلَ ُّق َوا ْحلَ َّق أَقُ ُ‬‫‪‬قَ َ‬
‫ال لَِق ْوِم ِه ْاعبُ ُدوا َّ‬
‫اّللَ َواتَّـ ُقوهُ ‪‬‬ ‫‪َ ‬وإِبْـَر ِاه َيم إِ ْذ قَ َ‬
‫يد ‪‬‬ ‫آن الْم ِج ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬ق َوالْ ُق ْر َ‬
‫‪ ‬الْ َقا ِر َعةُ * َما الْ َقا ِر َعةُ ‪‬‬
‫‪ ‬فَ َح َّق َعلَْيـنَا قَـ ْو ُل َربِنَا إِ َّان لَ َذائُِقو َن ‪‬‬

‫يب ( ‪ ) 3‬اِ ْستَ ِم ْع َوأَعِ ْد‪.‬‬ ‫التَّ ْدر ُ‬


‫ات‬‫اه ٍد وم ْشهوٍد * قُتِـل أَصـحاب اْلُخـ ُدوِد * النـَّا ِر ذَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و َّ ِ ِ‬
‫َ َْ ُ ْ‬ ‫الس َماء ذَات الْ ُربُو ِج * َوالْيَـ ْوم الْ َم ْوعُود * َو َش َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ُش ُهوٌد﴾‬ ‫الْ َوقُود * إ ْذ ُه ْم َعلَْيـ َها قُـعُوٌد * َوُه ْم َعلَى َما يـَ ْف َعلُو َن ِِبلْ ُم ْؤمن َ‬
‫ِ‬
‫ص ُفوفَةٌ ﴾‬ ‫ضو َعةٌ * َوَمنَا ِر ُق َم ْ‬ ‫اب َم ْو ُ‬‫﴿ ف َيها ُس ُرٌر َم ْرفُو َعةٌ * َوأَ ْك َو ٌ‬
‫ت الْم ْعمـ ـ ـوِر* وال َّسـ ـ ـ ْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ف الْ َم ْرفُـ ـ ـوِع * َوالْبَ ْحـ ـ ـ ِر‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوالطُّـ ـ ـور* َوكتَـ ـ ـاب َم ْسـ ـ ـطُور* ِِف َرق َمْن ُشـ ـ ـور* َوالْبَـْيـ ـ ـ َ ُ‬
‫الْ َم ْس ُجوِر ﴾‬
‫ضوٍد * َو ِظ ٍل ممَْ ُدوٍد ﴾‬ ‫ضود * َوطَلْ ٍح َمْن ُ‬
‫﴿ ِِف ِس ْد ٍر خمَْ ٍ‬
‫ُ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪217‬‬


‫وهذا منوذج من السياق القرآين ِف كل من عرض دروس القواعد والتدريب عليها ِف املستوى‬
‫املتقدم من سلسلة " العربية بني يديك "‬

‫شر ِّط ِّاب ِّ‬ ‫اقِّْرتا ُن َج ِّ‬


‫لفاء‬ ‫واب ال ا ْ‬
‫س َو َأتَام ْل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اْل َْمثلَةُ ‪ :‬ا ْد ُر ْ‬
‫اّللِ فَـ ُه َو َح ْسبُهُ ‪‬‬ ‫‪َ  -1‬وَمن يـَتَـ َوَّك ْل َعلَى َّ‬
‫‪  -2‬قُ ْل إِن ُكنتُ ْم ُِحتبُّو َن اّللَ فَاتَّبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم اّللُ ‪‬‬
‫ك بِِه عِلْ ٌم فََل تُ ِط ْع ُه َما ‪‬‬ ‫س لَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اه َد َاك َعلى أَن تُ ْشرَك ب َما لَْي َ‬ ‫‪َ  -3‬وإِن َج َ‬
‫ني َخ ْ ًريا ِمن َجنَّتِ َ‬
‫ك‪‬‬ ‫نك َم ًاال وولَ ًدا * فَـ َعسى رِب أَن يـُ ْؤتَِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫‪  -4‬إِن تـَُرِن أ ََان أَقَ َّل ِم َ‬
‫َخ لَّهُ ِمن قَـْب ُل ‪‬‬ ‫‪  -5‬إِن يَ ْس ِر ْق فَـ َق ْد َسَر َق أ ٌ‬
‫‪َ  -6‬وَما يـَ ْف َعلُواْ ِم ْن َخ ٍْري فَـلَن يُ ْك َف ُرْوهُ ‪‬‬
‫ت ِر َسالَتَهُ ‪‬‬ ‫‪َ  -7‬وإِن َّملْ تَـ ْف َع ْل فَ َما بـَلَّ ْغ َ‬
‫ُخ َرى ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ْرُْمت فَ َس ُْرتض ُع لَهُ أ ْ‬ ‫‪َ  -8‬وإن تَـ َع َ‬
‫ضلِ ِه ‪‬‬‫ف يـُ ْغنِي ُك ُم اّللُ ِمن فَ ْ‬ ‫‪َ  -9‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم َعْيـلَةً فَ َس ْو َ‬

‫أخو ِاهتا َو َخ َربَها ِف اجلُ َم ِل التالِيَ ِة ‪:‬‬


‫إحدى َ‬
‫اس َم كا َن أ َْو ْ‬ ‫تَ ْدريب (‪َ :)1‬ع ِ‬
‫ني ْ‬
‫اخلََرب‬ ‫االسم‬
‫ْ‬ ‫اجلُ ْملَة‬

‫‪218‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ِ‬
‫‪............‬‬ ‫‪............‬‬ ‫‪َ ‬وإِذَا بُشَر أ َ‬
‫َح ُد ُه ْم ِِبْلُنثَى ظَ َّل َو ْج ُههُ ُم ْس َوًّدا ‪‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪...........‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ك َْحمظُ ًورا ‪‬‬ ‫‪َ  -2‬وَما َكا َن َعطَاء َربِ َ‬
‫‪.............‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس ‪‬‬ ‫ُخ ِر َج ْ‬
‫ٍ‬
‫‪ُ  -3‬كنتُ ْم َخ ْ َري أ َُّمة أ ْ‬
‫‪............‬‬ ‫‪............‬‬ ‫‪  -4‬قُ ْل أ ََرأَيْـتُ ْم إِ ْن أ ْ‬
‫َصبَ َح َما ُؤُك ْم َغ ْوًرا ‪‬‬
‫‪...........‬‬ ‫‪............‬‬ ‫َصبَ ْحتُم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َو ًاان ‪‬‬‫‪  -5‬فَأ ْ‬
‫‪...........‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ت ُم ْر َسَلً ‪‬‬ ‫‪  -6‬ويـ ُق ُ َّ ِ‬
‫ين َك َف ُرواْ لَ ْس َ‬ ‫ول الذ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ ِِ‬
‫‪............‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ني ‪‬‬ ‫َصبَ ُحوا ِِف َدا ِره ْم َجا َ‬ ‫‪  -7‬فَأ ْ‬
‫‪............‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ني ‪‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ  -8‬كونُواْ قَرَدةً َخاسئ َ‬
‫‪...........‬‬ ‫‪............‬‬ ‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أضحى ال َق ْوُم ُمسافر َ‬ ‫ْ‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬ال أز ُال ُحمافِظاً َعلى ديين‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪219‬‬


‫الفصل الثامن‬

‫حتمية العناية ابحملتوى الثقايف يف تعليم اللغة العربية‬


‫وشبه احملجمني عن ذلك‬

‫‪220‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫حمتمات العناية ابحملتوى الثقايف يف تعليم اللغة العربية‬
‫وشبه احملجمني عن ذلك‬
‫من خَلل املقدمات السابقة تبني لنا أمهية العناية ِبجلانب الثقاِف ِف برامج تعليم اللغة العربية‬
‫وِف كتبها‪ ،‬ونضع النقاط على احلروف ِف هذا الفصل؛ فنبني دواعي وأسباب الدعوة إىل االهتمام‬
‫ِبجلانب الثقاِف اإلسَلمي‪ ،‬ونردف على ذلك ِبلرد على شبه احملجمني عن االهتمام بذلك‪.‬‬
‫حمتمات العناية ابحملتوى الثقايف يف تعليم اللغة العربية‬
‫أوال ‪ :‬أغلب املتعلمني من املسلمني ‪:‬‬
‫انتش ــر ال ــدين اإلس ــَلمي وقرآن ــه مص ــطحبا مع ــه اللغ ــة العربي ــة‪ ،‬فحيثم ــا ح ــل ِف بل ــد تعل ـم أهل ــه‬
‫العربية‪ ،‬حّت أصبحت العربية مشرقة ومغربة بعد أن كانت حمصورة جبزيرهتا‪.‬‬
‫وبعد أن صار تعليم العربية نظاميا ِف املدارس واملعاهد أصبحت العربية مطلب املسـلمني ِف كـل‬
‫مكان وحمط أنظارهم‪ .‬فأغلب من يرغب ِف تعلمها أوالد املسـلمني‪ ،‬فلحـبهم لكتـاب هللا أحبوهـا‪ ،‬واقـرتن‬
‫تعلــيم الــدين بتعليمهــا‪ .‬وبنظــرة فاحصــة علــى ق ـوائم معاهــد ومراكــز تعلــيم العربيــة ِف الــوطن العــرب جنــد أن‬
‫أغل ــب امللتحقـ ــني هب ــا هـ ــم م ــن املسـ ــلمني‪ ،‬وقلي ــل مـ ــن يلتح ــق هبـ ــذه املعاه ــد ِف براجمهـ ــا املكثف ــة مـ ــن غـ ــري‬
‫املســلمني‪ ،‬والســيما املعاهــد الــيت ِف اجلامعــات الســعودية‪ .‬وهــذا يؤكـد أن ال ـهدف مــن تعلـم العربيــة هــدف‬
‫ديين ِبلدرجة اْلوىل‪ .‬والدراسات تبني ذلك بوضوح‪.‬‬
‫ففي دراسة قام هبا الدكتور حممـد عمـايرة – رمحـه هللا‪ -‬عـن اْلسـباب اْلساسـية لـتعلم العربيـة‪،‬‬
‫كان تعلم اإلسَلم واالستزادة من معرفة احلضارة اإلسَلمية هو السـبب اْلقـوى‪ ،‬بنسـبة تـرتاوح بـني ‪٪86‬‬
‫و ‪ِ ٪98‬ف كــل مــرة‪ 323.‬وهنــاك دراســة مشاب ـهة قــام بــها الــدكتور حممــود كامــل الناقــة ِف جامعــة أم القــرى‬
‫ِبكة حول دوافـع الدارسـني للغـة العربيـة مـن غـري أهلــها ِف الـربانمج الصـباحي‪ .‬ونـرى كثـرة املسـلمني واقعـا‬
‫ملموسا من خَلل أعداد متعلمي العربية من غري أهلها‪.‬‬
‫فهــل يعرفــون هــذه القضــاَي الدينيــة والثقافيــة ِف لغــاهتم فعـَلً‪ ،‬ويريــدون معرفتهــا ِف اللغــة العربيــة‬
‫أيضــا؟ أم يريــدون معرفتهــا ِبللغــة العربيــة ليســتقوا مــن اْلصــل‪ ،‬ولينفصــلوا بعــدها عــن أخــذها بغــري العربيــة؟‬
‫كَل اْلمرين حمتمل‪ ،‬والثاين منهما‪ِ -‬ف نظري ‪ -‬أقرب إىل احلقيقة والصواب‪.‬‬

‫‪ 323‬د‪ .‬خليل أمحد عمايرة‪ ،‬ندوة تطوير بـرامج إعـداد معلمـي اللغـة العربيـة للنـاطقني بلغـات أخـرى‪ " .‬اإلعـداد الثقـاِف‬
‫ملعلم اللغة العربية للناطقني بغريها "‪ ،‬ص ‪87‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪221‬‬


‫وجند أيضا من ال حيبذ احملتوى الثقاِف اإلسَلمي ِف الربامج التعليمية والكتب الدراسية؛ جتاهَل‬
‫للعدد الكبري من املسلمني‪ ،‬ومراعاة ملن قد يوجد من غري املسلمني؛ طمعا ِف إسَلمهم‪ ،‬وجتنبا جلرح‬
‫مشاعرهم ‪ .‬وليس من رد على هذا أبلغ من قصة الرسول صلى هللا عليه وسلم مع عبد هللا بن أم مكتوم‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وكفار قريش‪ ،‬فقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم مشغوال أبمر مجاعة من كرباء قريش‬
‫يدعوهم إىل اإلسَلم حينما جاءه ابن أم مكتوم الرجل اْلعمى الفقري‪ ،‬وهو ال يعلم أنه مشغول أبمر‬
‫القوم‪ ،‬يطلب منه أن يعلمه مما علمه هللا‪ ،‬فكره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هذا‪ ،‬وعبس وجهه‬
‫س َوتَـ َوَّىل * أَن َجاءهُ ْاْل َْع َمى * َوَما‬ ‫وأعرض عنه‪ ،‬فرتل القرآن يعاتب الرسول صلى هللا عليه وسلم ﴿ َعبَ َ‬
‫ِ‬
‫ك أََّال يـََّزَّكى‬
‫صدَّى * َوَما َعلَْي َ‬
‫َنت لَهُ تَ َ‬ ‫يك لَ َعلَّهُ يـََّزَّكى * أ َْو يَ َّذ َّك ُر فَـتَن َف َعهُ الذ ْكَرى * أ ََّما َم ِن ْ‬
‫استَـ ْغ َىن * فَأ َ‬ ‫يُ ْد ِر َ‬
‫َنت َعْنهُ تَـلَ َّهى ﴾ {عبس‪}10 - 1‬‬
‫اءك يَ ْس َعى * َوُه َو َخيْ َشى * فَأ َ‬
‫* َوأ ََّما َمن َج َ‬
‫وتوهم مصلحة الدعوة قد تفضي ِبعدي الربامج اللغوية والكتب اللغوية التعليمية‪ِ ،‬ف جمـال تعلـيم‬
‫العربية لغري الناطقني هبا إىل البعد عن تضمني هذه الربامج والكتب شيئا من الثقافـة العربيـة اإلسـَلمية ؛‬
‫لــئَل ينفــر مــن ذلــك غــري املســلمني‪ .‬فحرمـوا املســلمني الفائــدة املتحققــة؛ رجــاء بفائــدة غــري متحققــة فيمــا‬
‫خيص غري املسلمني‪.‬‬
‫وقد علق ابن سعدي – رمحه هللا – على قصة ابن أم مكتوم رضي هللا عنه ِف تفسريه ‪" :‬وهذه‬
‫فائدة كبرية‪ ،‬هي املقصودة من بعثة الرسول‪ ،‬ووعظ الوعاظ‪ ،‬وتذكري املذكرين‪ ،‬فإقبالك على من جاء‬
‫بنفسه مفتقرا لذلك منك‪ ،‬هو اْلليق الواجب‪ ،‬وأما تصديك وتعرضك للغىن املستغين الذي ال يسأل‬
‫وال يستفيت لعدم رغبته ِف اخلري‪ ،‬مع تركك من هو أهم منه‪ ،‬فإنه ال ينبغي لك‪ ،‬فإنه ليس عليك أن ال‬
‫يزكى‪ ،‬فلو مل يتزك‪ ،‬فلست ِبحاسب على ما عمله من الشر‪ .‬فدل هذا على القاعدة املشهورة‪ ،‬أنه‪" :‬‬
‫ال يرتك أمر معلوم ْلمر موهوم‪ ،‬وال مصلحة متحققة ملصلحة متومهة " وأنه ينبغي اإلقبال على طالب‬
‫‪324‬‬
‫العلم‪ ،‬املفتقر إليه‪ ،‬احلريص عليه أزيد من غريه‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬مراعاة دوافع املتعلمني ‪:‬‬


‫إن اإلاثرة والدافعية حتدث عندما تستخدم مـواد جتعل النجـاح ِف التعلم أمراً ممكناً ِف املراحـل‬
‫اْلوىل من تعلم اللغـة‪ ،‬وتساعد الدارس على الشعـور بقدرته على تعلم اللغـة والسيطـرة على مهاراتـها‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫عبد الرمحن بن سعدي‪ ،‬تيسري الكرمي الرمحن ِف تفسري كَلم املنان‪ ،،‬ص ‪911‬‬

‫‪222‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أما فقـدان اإلاثرة والدافعية فيحدث عندما تستخدم مواد غري مناسبة‪ ،‬قد تكـون سهلة جـداً أو صعـبة‬
‫‪325‬‬
‫جداً‪ ،‬أو فقـرية ِف املضمـون‪ ،‬أو حمتواها غري مناسـب لعمـر الدارس وخرباته ومستواه الثقاِف‪.‬‬
‫أصبحت املؤسسات التعليمية ترى أن االهتمام بولـوع التَلمـيذ ورغباهتم ِف الكتاب املدرسـي هو‬
‫غاية ووسيلة ِف آن واحـد؛ فهو غاية ْلننا نعـىن بتطـوير قـدرات التَلمـيذ وقابليتهم‪ .‬وهو وسـيلة ْلننا‬
‫حنصـل عن طريقه على انتباه التَلمـيذ واهتمامهم‪ ،‬وال ميكن هلم أن يتعلمـوا املـادة اللغوية ِف الكتاب‬
‫املدرسـي ما مل يوجهوا انتباههم ويبدوا اهتماماً بـها‪ 326 .‬ومعدو الربامج العربية لغري الناطقني هبا‪ِ ،‬ف‬
‫حرصهم على تعليم الدين مع العربية‪ ،‬يرون أن ذلك تفرضه احلاجة‪ ،‬وحيتمه الواقع‪.‬‬

‫اثلثا ‪ :‬دور فهم السياق الثقايف يف إجادة اللغة ‪:‬‬


‫اللغة بتعريفها البسيط هي وسيلة اتصال بني شخصني اهلدف منها التفاهم‪ .‬ولكي حيدث‬
‫التفاهم فَلبد من االشرتاك ِف معرفة رموز هذه الوسيلة وما حتويه من معاين سياقية واجتماعية وثقافية‬
‫متفق عليها مسبقا‪ .‬فاللغة هي منتج إنساين تراكمي وثقاِف أنتجته ضرورة تواصل أهل بيئة واحدة‬
‫بعضهم ببعض‪ .‬وِبا أن اللغة هي نتاج ثقاِف تراكمي فإن الثقافة تضفي ِبعاين خاصة على كل كلمة‬
‫وكل تركيب لغوي يستخدمه أهل اللغة إضافة للمعىن القاموسي‪ .‬فمعرفة معاين الكلمات وتراكيب‬
‫اجلمل دون معرفة املعىن واالستخدام الثقاِف السياقي لكل كلمة وتركيب هي معرفة انقصة وإن أجاد‬
‫متعلم اللغة التحدث بطَل قة‪ .‬والزعم ِبن متعلم اللغة اْلجنبية ليس حباجة إىل معرفة اجلانب الثقاِف للغة‬
‫زعم بُين على نظرة قاصرة ال تدرك أمهية القدرة االتصالية ِف تعلم اللغة ويتناقض مع كثري من أهداف‬
‫تعلم اللغة اْلجنبية ِف مناهج كثري من دول العامل‪ .‬فاملطلع على اْلهداف العامة لتدريس اللغة االجنليزية‬
‫للمرحلة املتوسطة والثانوية ِف بعض البَلد العربية جيد أن معرفة ثقافة اللغة اإلجنليزية هو أحد هذه‬
‫اْلهداف وذلك كشرط أساسي للتفاهم‪.‬‬

‫‪ 325‬د‪ .‬حممود الناقة و د‪ .‬رشدي طعيمة‪ ،‬الكتاب اْلساسي لتعليم اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى إعداده حتليله‬
‫تقوميه د‪ .‬حممود الناقة و د‪ .‬رشدي طعيمة‬
‫‪ 326‬د‪ .‬علي حممد القامسي‪ ،‬الكتاب املدرسي لتعليم العربية لغري الناطقني هبا "‪ ،‬السجل العلمي للندوة العاملية اْلوىل‬
‫لتعليم العربية لغري الناطقني هبا‪.93/2 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪223‬‬


‫والزعم أبن الطَلب لن حيتكوا ِبلثقافة اْلجنبية أو أحد من أهلها زعم يناقض االجتاه العاملي‬
‫ِف إجياد املواطن العاملي القادر على التواصل مع اَلخرين والعمل ِف أي مكان ِف العامل‪ .‬وقد حيتاج‬
‫متعلم اللغة إىل التواصل مع أحد من أهل اللغة ِف مكان ما ِف العامل أو حّت عرب الشبكة الدولية‪.‬‬
‫لذا فانه ليس من املستغرب أن يواجه متعلم اللغة اْلجنبية الصعوبة ِف فهم مجلة ما ِف سياق‬
‫ما ِبلرغم من فهمه جلميع مفردات تلك اجلملة على حدة‪ .‬يقول )‪ Seelye (1994‬أن تعلم مفردات‬
‫بشكل معزول ال يؤدي إىل فهمها عندما تستخدم ِف سياق أكرب وذلك ْلن لكل مفردة أكثر من معىن‬
‫وأنه فقط تكون املفردات ذات معىن حمدد لتواصل دقيق ومعقول إذا وضعت ِف سياق أكرب‪ .‬ويؤكد‬
‫أيضاً أنه بدون اخللفية الثقافية فإن متعلم اللغة اْلجنبية سيواجه صعوبة ِف أن يفهم أشياء بسيطة مثل‬
‫عَلمات الشارع أو اإلعَلانت العامة حّت وإن كانت لديه معرفة جيدة ِبملفردات والقواعد‪.‬‬
‫ويؤكد سيلي ‪ Seeyle‬هذه النظرة أيضاً على أن البشر ينظرون إىل اْلشياء من حوهلم كاْللوان‬
‫والعَلقات اْلسرية واْلماكن واْلوقات بشكل خمتلف بناءً على خلفياهتم اللغوية والثقافية‪ .‬ويضرب‬
‫مثاالً على ذلك أن ”‪ “Feeling blue‬ال تعين دوماً ِبن قائلها حزين أو مكتئب كما هو الشائع عند‬
‫أهل اللغة االجنليزية‪ ،‬فعندما يقول تلك اجلملة برازيلي فانه يقصد أنه ِف حالة جيدة جداً‪ .‬فلو استخدم‬
‫برازيلي هذه اجلملة ِبعناه الثقاِف الربازيلي ِف حديثه مع أحد من أهل اللغة االجنليزية ْلوصل معىن غري‬
‫الذي يريده وهبذا ستكون عملية التفاهم والتواصل فاشلة‪ :‬فاْلول استخدمها حسب معانيه الثقافية‬
‫واَلخر فهمها حسب معانيه الثقافية‪ .‬ويؤكد ذلك قول سبينيللي و سيسكن من أن كمية املعاين ِف‬
‫االتصال ختتلف من ثقافة ْلخرى‪ .‬وانه إذا مل يشرتك الناس ِف معاين متفق عليها مسبقاً ِف اتصاهلم‬
‫ببعض فإن عملية االتصال بين هم ستكون فاشلة‪ .‬ويقرر أن أهل اللغة ال يشرتكون فقط ِف املفردات‬
‫والرتاكيب اللغوية بل أهم من ذلك يقتسمون النظرة للواقع جمسدة ِف هذه املفردات واْلبنية اللغوية‪.‬‬
‫وهلذا خيتم سبين يللي وسيسكن كَلمهما ِبلقول‪ِ :‬با أن لكل ثقافة نظرة للواقع‪ ،‬فإنه ال يوجد انسجام‬
‫وتوافق اتم بني لغتني ِف ما تؤدَينه من معاين ِف مفرداهتما وتراكيبهما اللغوية‪.‬‬
‫ويقرر جون ديوي العامل االجتماعي املعروف أن اللغة هي آلة اجتماعية بشكل أساسي وأويل‪.‬‬
‫ويعلق سيللي على هذا ِبلتأكيد على أنه طاملا أن اللغة هي أداة اجتماعية بشكل أويل فإنه ال ميكن‬
‫كاف للتواصل مع أهل‬‫عزهلا عن جمتمعها اْلصلي‪ .‬وينتقد سيللي الزعم الساذج أبن تعلم قواعد اللغة ٍ‬
‫اللغة وفهمهم‪ .‬ويؤكد أنه إذا مل يتمكن الشخص من تعلم اللغة ِف ثقافتها فإنه على اْلقل جيب عليه أن‬
‫يتعلم الدالالت الثقافية الضرورية لفهم أهل اللغة‪ .‬أي تعلم اللغة ِف سياقها الثقاِف اْلصلي‪ ،‬وتعلم لغة‬

‫‪224‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫حقيقية ال لغة مصطنعة؛ صممت وفصلت هلدف التعليم‪ .‬ويؤكد سيللي أيضاً على أن تعلم الرتاكيب‬
‫اللغوية وحدها ال يضمن تعلم اْلنظمة السياسية واالجتماعية واالقتصادية واليت هي من الضرورة ِبكان‬
‫لبناء اخللفية الثقافية الضرورية للتواصل مع أهل اللغة‪.‬‬
‫بناءً على هذا فإنه ميكن القول أبن عدم معرفة الدالالت الثقافية للغة اْلجنبية قد يوقع املتعلم‬
‫ِف صعوبة ِف توصيل ما يريد قوله بشكل مناسب‪ ،‬وقد يرسل رسالة خاطئة قد تدخله ِف صراع ثقاِف‬
‫وجتلب له ما هو ِف غىن عنه‪.‬‬
‫ويقول كل من ‪ )Fleming (1998 & Byram‬إنه بدون مشاركة نفس املعىن املرجعي للكلمات فإن‬
‫التواصل اللغوي بني املتحدثني ال ميكن أن يتحقق بنجاح‪ .‬ويؤكدان على أن على متعلمي اللغة أن‬
‫يتعلموا املعاين الثقافية والقيم واملمارسات الثقافية املشرتكة عند أهل اللغة اجملسدة ِف اللغة‪ .‬أما ِبلنسبة لـ‬
‫بينت )‪ Bennett (1997‬فإن متعلم اللغة قد يكون طلق اللسان ِف التحدث ِبللغة اْلجنبية وذلك‬
‫بتعلم املفردات والرتاكيب اللغوية دون معرفة الدالالت الثقافية املشرتكة بني أهل اللغة ولكن هذا املتعلم‬
‫حسب وصف ‪ Bennett‬هو طلق أمحق )‪ (fluent fool‬إن صحت الرتمجة‪ .‬ويؤكد بينت أن هذا النوع من‬
‫متحدثي اللغة اْلجنبية بطَلقة يتعرضون لصعوِبت وإحراجاً وخصوصاً ِف املناسبات االجتماعية واليت‬
‫قد يقوم دون قصد منه ِبضايقة من حيادثه من أهل اللغة أو بفهمهم بطريقة خاطئة نتيجة جهله ِبملعاين‬
‫املشرتكة عندهم‪ .‬وذهب أيضاً بيسوال )‪ Pesola (1991‬إىل التأكيد على أنه بدون اخللفية واملهارة‬
‫الثقافية للغة اْلجنبية فإنه حّت متحدثي اللغة بطَلقة قد يسيئون بشكل كبري فهم ما يقرؤون أو‬
‫يسمعون‪ ،‬وكذلك قد يُفهم ما يقولون بشكل خاطئ‪ .‬وهلذا أكد كل من سبينيللي وسيسكن ‪Spinelli‬‬
‫ٌ‬
‫)‪ & Siskin (1992‬على أن لكل مصطلح بعدا ثقافيا وأن سبيل املتعلم لتعلم ذلك هو أن تقدم له‬
‫اللغة ِف سياقها الثقاِف اْلصلي ِبلطريقة اليت يستخدمها أهلها‪.‬‬
‫وقد تكون هذه الطَلقة احلمقاء ِف استخدام اللغة نتيجة ما وصفته هيندون ‪Hendon‬‬

‫)‪ِ ) (1980‬بحلاق املعىن اخلطأ أو غري املناسب ِبملفردات اْلجنبية ْلنه ال ميكن تعليم اللغة ِبعزل عن‬
‫ثقافتها اْلم‪ ،‬وإال أصبح معلمو اللغة يدرسون مفردات دون بعد ثقاِف يقود املتعلمني حتماً إىل إلصاق‬
‫معاين غري صحيحة أو غري مناسبة هبذه املفردات‪ .‬وِبعىن آخر سيستخدمون املفردات اْلجنبية حسب‬
‫معاين ثقافية خاصة هبم‪ :‬ومن اْلمثلة على ذلك أنه ذات مرة أتسف أمريكي من أحد الزمَلء العرب‬
‫لسبب ما‪ ،‬فرد هذا الزميل جبملة‪ .What bank? :‬السؤال والرتكيب واملفردات مجيعها صحيح ولكن‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪225‬‬


‫استخدامها ِبفهومنا الثقاِف ( أصرف أسفك ِف أي بنك) جعل اْلمريكي ِف حرية من أمره ومل يد ِر ما‬
‫دخل السؤال عن مصرف ِف أتسفه وِف سياق الكَلم‪.‬‬
‫ويوصي بنت ‪ Bennett‬معلمي اللغات على الرتكيز على أمهية فهم املتعلمني للجانب الثقاِف‬
‫للغة اْلجنبية‪ ،‬وأن يتم توعيتهم أبن استخدام لغة أجنبية يعين قراءة خمتلفة وفهم جديد للواقع‪ :‬ويضرب‬
‫مثَلً على ذلك أن بعضا من التَلميذ الذين درسهم واجهوا صعوبة ِف التفريق بني اللونني اْلزرق‬
‫واْلخضر وذلك ْلنه وبكل بساطة ال متلك الثقافة اليت ينتمي هلا أولئك املتعلمون إال مفهوما أو‬
‫مدخَل واحدا للتعبري عن هذين اللونني‪ .‬ويؤكد هذه احلقيقة )‪ِ Byram & Risager (1999‬بلقول أبنه‬
‫عند تدريس لغة أجنبية فإننا ال نتعلم تراكيب لغوية فقط بل أيضاً وسيلة جديدة خمتلفة لفهم الواقع‪.‬‬
‫وذهبوا إىل القول أبن أي حقيقة ُوجدت أو نشأت ِف ثقافة معينة سيكون التعبري عنها بشكل مناسب‬
‫وأكثر مَلئمة بلغة هذه الثقافة‪.‬‬
‫وِف اخلتام يقول ِبررو ورفاقه ‪ et al. 1993) ، : (Barro‬إن السياسات التعليمية واملناهج ِف‬
‫كثري من دول العامل تؤكد على أن تعليم اللغات اْلجنبية جيب أن يهدف إىل تعليم الطَلب ِبن‬
‫يصبحوا مواطنني عامليني )‪ (Global Citizens‬يستطيعون العيش والعمل ِف ثقافات خمتلفة‪ .‬ويقولون أن‬
‫التصور اخلاطئ أبن اللغة والثقافة شيئان منفصَلن أدى إىل عدم االهتمام ِبلتدريس عن الثقافة وإعطاء‬
‫املتعلم فرصة التعرف على السلوكيات والرؤَي الثقافية ْلهل اللغة‪ .‬وهذا الفصل ِبلنسبة هلم غري موفق‬
‫لسببني ‪ :‬اْلول أنه بدون فهم الثقافة اْلخرى واملمارسات الثقافية واالجتماعية ْلهل اللغة فإن متعلم‬
‫اللغة اْلجنبية سيواجه صعوِبت ِف التحدث والتفاهم مع أهل اللغة نتيجة لفقدان املعرفة واخللفية‬
‫الثقافية اليت يشرتكون فيها ويستخدموهنا ِف لغتهم‪ .‬والسبب الثاين الذي يقرره ِبررو ورفاقه هو أن تنمية‬
‫املهارات اللغوية العملية وحدها ال ميكن أن تقود إىل فهم للرؤى الثقافية الضرورية الستخدام اللغة‬
‫اْلجنبية وفهمها بشكل مناسب حسب كل سياق‪.‬‬
‫وأختم ِبثال حي على ذلك ففي اجلامعة اْلمريكية كان هناك طالب أمريكي يقول ِبستمرار‬
‫لطالب من كورَي اجلنوبية ”‪( “You’re the Man‬أنت الرجل) وكان الطالب الكوري يرد ِببتسامة صفراء‬
‫إىل إن أتى يوم وإذا ِبلكوري يصرخ أبعلى صوته داخل الفصل قائَلً نعم أان رجل وقد أخذ الغضب‬
‫منه كل مأخذ‪ .‬أسقط ِف يد اْلمريكي ومل يعرف ما دهى صاحبه الكوري‪ .‬وحبكم مشاركتنا لألسيويني‬
‫ِف بعض السلوكيات الثقافية تدخلت فوراً ْلهني هذا الصراع الثقاِف شارحاً للكوري أن هذا مصطلح‬

‫‪226‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫يقوله اْلمريكيون من ِبب اإلطراء والتودد وليس أتكيداً لرجولتك من عدمها فعادت ابتسامته اثنية‬
‫‪327‬‬
‫ولكن هذه املرة ليست صفراء‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬االجتاه العاملي العام لتضمني الثقافة يف برامج تعليم اللغة ‪:‬‬
‫إن نظرة سريعة إىل كتب تعليم اللغات اْلجنبية‪ ،‬كاإلجنليزية والفرنسية وغريمها‪ ،‬توضح لنا مدى‬
‫حرص أصـحاهبا على تقدمي ثقافتهم ِف كل موضع من املنهج‪ ،‬بصورة جذابة شيقة‪ ،‬مبـاشرة‪ ،‬وغري‬
‫مباشرة‪ .‬االجتاه السائد اَلن ِف تعليم اللغات اْلجنبية‪ ،‬هو االهتمام بتعليم الثقافة‪ ،‬كاالهتمام بتعليم‬
‫مهارات اللغة اْلربع‪ :‬االستماع‪ ،‬احلديث‪ ،‬القراءة‪ ،‬الكتابة‪ .‬ومن النادر أن جند كتاِب يتناول تعليم‬
‫اللغات اْلجنبية‪ ،‬وال يتعرض لتعليم الثقافة‪ ،‬أو تقدميها‪ ،‬ذلك أن الفهم الثقاِف‪ ،‬أصبح أمرا ال مفر منه‬
‫ِف تعليم اللغات اْلجنبية‪ .‬وذلك بعد أن ثبت أن اخللفية الثقافية أساسية‪ ،‬ومهمة لفهم اللغة‪ ،‬والسيطرة‬
‫عليها‪ ،‬بل إن الفهم الثقاِف يعمق‪ ،‬ويغين فهم الدارس للغة اليت يتعلمها‪.‬‬
‫والكفاية الثقافية‪ ،‬هي املعرفة بثقافة ما والقدرة على السلوك‪ ،‬وفقا لسلوك أعضائها‪ .‬وفيما‬
‫يتعلق بتدريس اللغة‪ ،‬فإن معرفة اْلداء الثقاِف‪ ،‬أي القدرة على التصرف املناسب‪ ،‬حبسب ما متليه‬
‫اْلوضاع الثقافية املختلفة‪ ،‬هي أهم كثريا من جمرد املعرفة اإلدراكية‪ ،‬اْلمر الذي يؤكد ضرورة التأكيد‬
‫على التعليم الثقاِف‪ .‬وبدون هذا النوع من املعرفة الكيفية‪ ،‬فإن متحدث اللغة الثانية‪ ،‬يكون عرضة لعدم‬
‫‪328‬‬
‫فهمه من قبل اَلخرين‪ ،‬أو لسوء فهمهم له‪ .‬وهو وضع قد ينتج عنه استخفاف به‪ ،‬وإهانة له‪) ...‬‬
‫بل عد بعض اللغويني الثقافة مهارة خامسة‪ ،‬وقد درجت بعض اجلامعات اْلمريكية ومنها جامعة‬
‫منسوات‪ ،‬على النظر إىل الثقافة على أهنا املهارة اخلامسة من مهارات تعليم اللغات‪ ،‬يسبقها املهارات‬
‫‪329‬‬
‫اْلربع املعروفة ‪ :‬استماع وكَلم وقراءة وكتابة‪.‬‬
‫أن تدريس اللغة بدون ثقافتها‪ ،‬أو ت ْدريسها من خَلل لغة‬ ‫أكدت الدراسات اْلجنبيَّة َّ‬ ‫ولقد َّ‬
‫حد ما ‪ -‬مضيعة للوقت واجلهد‪،‬‬‫وسيطة‪ ،‬ال يفيد الدَّارسني كثريا؛ بل تصبح عمليَّة تدريس اللُّغة ‪ -‬إىل ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬

‫‪327‬‬
‫؟‬
‫‪ 328‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العاملية للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪283‬‬
‫‪ 329‬د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ 1405 ،‬هـ‪،‬‬
‫ص ‪197‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪227‬‬


‫أن اللُّغة تصبح غري انفعة‪ ،‬وعسرية ْ‬
‫الفهم على الدَّارسني‪،‬‬ ‫سواء ِبلنِ ْسبة للمعلم أو املتعلم‪ِ ،‬بإلضافة إىل َّ‬
‫كما َّأهنا هبذا الشَّكل ال تُساعد الدَّارسني على االتِصال َّ‬
‫الفعال أبهل اللُّغة اليت يودون تعلُّمها‪ ،‬وينبغي‬
‫أن تعلم اللغة بذاهتا‪ ،‬وليس من خَلل لغة وسيطة؛ حيث َّ‬
‫إن لكل لغة ذاتيَّتها الثَّقافيَّة‪ ،‬فإذا ْترمجت‬
‫اخلاص بـها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الثقاِف‬
‫َّ‬ ‫فقدت معناها‬
‫ْ‬ ‫بعض كلماتـها إىل لغة أخرى‬

‫‪330‬‬
‫خامسا ‪ :‬دين اإلسالم هو الفطرة ‪:‬‬
‫حينما نقدم الثقافة اإلسَلمية نقدمها وحنن واثقون من موافقتها للعقل الصحيح وللفطرة‬
‫ال سليمة؛ فليس ِف ثقافتنا ما إشى من الكشف عنه‪ ،‬بل فيها من مقومات القوة ما جيعلنا نفتخر هبا‬
‫وننافس هبا‪ ،‬وأهم ذلك موافقتها للفطرة السليمة‪.‬‬
‫ِف الصحيحني‪ ،‬عن أب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪« :‬كل مولود‬
‫يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه وينصرانه وميجسانه‪ ،‬كما تنتج البهيمة هبيمة مجعاء‪ ،‬هل حتسون فيها‬
‫يل ِخلَلْ ِق َّ‬
‫اّللِ‬ ‫ِ‬ ‫من جدعاء»‪ .‬مث قال أبو هريرة‪ :‬واقرؤوا إن شئتم‪ ﴿ :‬فِطْرةَ َِّ َّ‬
‫اّلل ال ِيت فَطََر الن َ‬
‫َّاس َعلَْيـ َها َال تَـْبد َ‬ ‫َ‬
‫﴾‬
‫وِبا أن اإلسَلم هو آخر الرساالت‪ ،‬وأنه دين عام لسائر البشر‪ ،‬فقد جعله اللَّـه سبحانه مساوقًا‬
‫مجعا عمليًّا‪ ،‬ما مل يرتكز هذا‬
‫للفطرة‪ ،‬فَل ميكن مجع البشر‪ ،‬وهم املختلفون ِف العوائد واملشارب‪ً ،‬‬
‫االجتماع على شيء موجود ِف سائر النفوس‪ ،‬وهذا مما يسهل الدعوة إىل اللَّـه ونشر اإلسَلم بني‬
‫الناس‪ ،‬فلم خيلق الكائن البشري جملرد اإلنتاج واالستهَلك‪ ،‬فكما أن لنا حواس نرى هبا ونسمع فكذلك‬
‫هيَّأ اللَّـه سبحانه الفطرة لندرك اْلشياء واحلقائق‪« ،‬وقد أحس اإلنسان ِبحلاجة إىل العبادة ِف كل‬
‫‪5‬‬
‫العصور‪ ،‬وِف كل اْلقطار‪ ،‬فالعبادة تكاد تكون عنده ميَلً طبيعيًّا»‬
‫إذن‪ ،‬إذا احتوت كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا حمتوى ثقافيا إسَلميا‪ ،‬فستجد قبوال عند‬
‫أصحاب الفطر السليمة والعقول الصحيحة‪ ،‬فالكاتب يقدمها وهو على ثقة من صحتها ومناسبتها‪،‬‬
‫وعلى ثقة أب هنا ليست نشازا يثري استغراب اَلخرين ونفورهم‪ ،‬بل ستكون مصدر جذب هلم؛ ليزدادوا‬
‫معرفة هبذا املعني الصاِف‪.‬‬
‫وِبا أن الفطرة هي احلالة اليت خلق عليها النوع اإلنساين‪ ،‬فهي صاحلة لتقبل احلق واخلري‪ ،‬وهي‬
‫صاحلة لصدور الفضائل اإلنسانية‪ ،‬وإمنا بعثت الرسل ُمذكِرين ومعلمني ْلصحاب الفطر السليمة‪،‬‬

‫‪330‬‬
‫د‪ .‬حممد العبدة ‪1430/3/5‬هـ ( بتصرف )‬

‫‪228‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫ومنذرين ومقيمني للحجة على الذين فسدت فطرهتم بسبب اْلهواء واجلهل والبيئة املنحرفة اليت حتيط‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبم ﴿ إِ ْن هو إَِّال ِذ ْكر وقُـرآ ٌن ُّمبِ ِ ِ‬
‫ين ﴾‬‫ني * ليُنذ َر َمن َكا َن َحيًّا َوَحي َّق الْ َق ْو ُل َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫ٌ‬ ‫ٌَْ‬ ‫َُ‬
‫وِبا أن معرفة اخلالق هي املطلب اْلعظم‪ ،‬فقد يسر اللَّـه ذلك على اإلنسان ِبا أودع ِف فطرته‬
‫من اإلقرار بوجوده ووحدانيته‪ ،‬ولذلك قالت الرسل ْلقوامهم‪ ﴿ :‬أَِِف اّللِ َشك ﴾ «فنحن ال نريد أن‬
‫‪3‬‬
‫نعلم املسلم عقيدة هو ميلكها‪ ،‬ولكن نريدها عقيدة هلا فاعلية وهلا قوة إجيابية»‬
‫ومن مقاصد الشريعة احلفاظ على الفطرة وإحياء ما اندرس منها أو اختلط هبا‪« ،‬فالزواج‬
‫وإرضاع الطفل من الفطرة‪ ،‬وحفظ اْلنفس واْلنساب من الفطرة‪ ،‬وأنواع املعارف الصاحلة من الفطرة‪،‬‬
‫والنفور من الشدة واإلعنات من الفطرة‪ ،‬وعلى العلماء أن يسايروا هذا الوصف اجلامع‪ ،‬وجيعلوه رائدهم‬
‫ِف إجراء اْلحكام‪ ،‬ومنها االعتدال والسماحة ِف اْلمور‪ ،‬قال اإلمام مالك‪ :‬دين اللَّـه يسر‪ ،‬وهذا من‬
‫‪4‬‬
‫استقرائه للشريعة»‬

‫سادسا ‪ :‬الثراء اللغوي يف العربية‪:‬‬


‫ـمن أس ــرة اللغ ــات املتص ـ ِـرفة‪ ،‬وه ــي أرق ــى اْلس ــر اللُّغوي ــة‪ ،‬فه ــي‬
‫ص ــنف علم ــاء اللُّغ ــات العربي ــة ض ـ َ‬
‫ص ـل‪ ،‬وم ــن ذل ــك االش ــتقاق‬ ‫ـائل كث ــريةً تزي ــد م ــن ق ــدرهتا عل ــى حتقي ــق وظائفه ــا ِف التعب ــري والتوا ُ‬
‫متتل ــك وس ـ َ‬
‫أبنواعه والنحت‪ ،‬واإللْصاق واجملاز‪ ،‬كما أ َّهنـا متلـك ‪ -‬كمـا قـال اللُّغويـون العـرب ‪ -‬حن ًـوا مـن (‪ )10‬آالف‬
‫جــذر لُغــوي‪ ،‬إنـَّه ثـراء ِف املــادة‪ ،‬وِف اَلليــات الــيت تغــين هــذه املــادة‪ ،‬وتزيــد مــن قُـدرهتا علــى حت ُّمـل املعــاين‬
‫‪331‬‬
‫املختلفة‪ ،‬والتعبري عنها‪.‬‬

‫‪ 331‬فيصل احلفيان‪ ،‬اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪229‬‬


‫سابعا ‪ :‬احملتوى الثقايف اإلسالمي ميثل النصوص األصلية أصدق متثيل ‪:‬‬
‫تستخدم برامج تعليم العربية لغري الناطقني هبا نصوصاً ِف تعليمها للغة‪ ،‬وهذه النصوص قد‬
‫تكون أصلية؛ ألفها أصحاهبا ال لربانمج معني ِف تعليم اللغة‪ ،‬بل قد ال يكون ِف ِبهلم تعليم اللغة‪ ،‬وقد‬
‫تكون النصوص مصنوعة؛ من أتليف املهتمني بتعليم اللغة‪ ،‬وصيغت لتناسب شرحية من الطَلب ِف‬
‫مرحلة معينة من مراحل تعلم اللغة‪ ،‬وقد تكون النصوص أصلية‪ ،‬ولكن املهتمني بتعلم اللغة قد عدلوا‬
‫فيها وقربوها للمستوى املعني من مراحل تعلم اللغة‪ ،‬فأصبحت أصلية معدلة‪.‬‬
‫والنصوص اْلصلية‪ ،‬واْلصلية املعدلة تناسب املتقدمني واملتوسطني ِف برامج تعلم اللغة‪،‬‬
‫ويهتم هبا معدو الربامج والكتب التعليمية‪ ،‬ويفضلها كثري منهم؛ ْلهنا متثل اللغة حبقيقتها ال بصنعتها‪.‬‬
‫وخري ما ميثل هذا النوع من النصوص نصوص الثقافة العربية اإلسَلمية‪ ،‬تراثية كانت أم‬
‫معاصرة‪ ،‬وهناك ثراء ِف هذا اجلانب‪ .‬وهذه النصوص العربية اإلسَلمية حتقق شروط النصوص اجليدة ِف‬
‫تعليم اللغة‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫‪ -‬تليب حاجات الدارسني‪ ،‬والسيما املسلمني منهم‪ ،‬وهم اْلغلب‪.‬‬
‫‪ -‬وفيها جانب تشويق ملَلمسة اهتمام الطَلب‪.‬‬
‫‪ -‬ومثرية للدافعية لدى الطَلب‪.‬‬
‫‪ -‬وتلتقي ِف جوانب منها مع خلفياتـها الثقافية‪ ،‬فتدعمها وتعززها‪ ،‬وقد تقوم بتصحيح بعضها‪.‬‬
‫وهناك جمموعة من اْلسباب اليت جتعل النصوص اْلصلية مهمة ِف كتب تعليم اللغة العربية لغري‬
‫الناطقني هبا‪ ،‬ومن هذه اْلسباب ‪:‬‬

‫‪230‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ o‬ردم الفجوة‪ ،‬اليت يقف عندها دارس اللغة العربية من اْلعاجم واليت حتول ما بني وصوله إىل الرصني‬
‫‪332‬‬
‫من اللغة وثقافتها‪ ،‬وبني الوقوف عند لغة املعامَلت فقط‪.‬‬
‫‪ o‬إزالة مشكلة الفهم عند مطالعة الكتب القدمية لدى الكثري من متعلمي اللغة العربية‪ .‬فعند إيراد‬
‫نصوص من الكتب القدمية كموضوع للدروس اليت يتعلم من خَلهلا اللغة‪ ،‬ينشأ نوع من اْللفة‬
‫واملؤانسة مع التعابري واملفردات اليت يتعلمها ويعتاد ذهنه على التعامل معها فتنتهي ظاهرة النفور من‬
‫‪333‬‬
‫اللغة الرتاثية‪.‬‬
‫‪ o‬وضع حد لتسرب طَلب معاهد تعليم اللغة العربية من الدراسة‪ ،‬نتيجة لقضاء زمن طويل ِف دراسة‬
‫اللغة العربية دون الوصول إىل مستوى يرضي تطلعاتـهم أو يشبع فضوهلم وميكنهم من االطَلع على‬
‫‪334‬‬
‫ثقافة اللغة‪.‬‬

‫نصوص الرتاث وقوائم الشيوع ‪" :‬من اْلجدى للدارس أن يتعلم اللغة العربية من أصوهلا وذلك‬
‫ِبختيار نصوص منتقاة من الرتاث‪ ،‬وفق معايري وضوابط حمددة حبيث جتعل من النصوص املختارة مادة‬
‫تعليمية سهلة االستيعاب‪ ،‬قوية املبىن واملعىن‪ ،‬سهلة اْلسلوب‪ْ ،‬لن النص الرتاثي صحيح من حيث‬
‫الرتاكيب‪ ،‬وخيلو من اْلخطاء‪ ...‬إن املشكلة احلقيقية اليت يواجه هبا متعلمو اللغة العربية وفق املناهج‬
‫احلديثة‪ ،‬هي االنفصال التام بني لغة التعامل وبني اللغة املكتوبة والسيما ِف كتبنا القدمية‪ ،‬حيث ال‬
‫يستطيع املتعلم أن يستأنس هلا ويستمتع هبا ويتكيف معها" ‪ .335‬يلجأ املعلم إىل النصوص اْلصلية‬
‫ذاهتا‪ ،‬فيتخري منها قطعاً حتوي ما يريد تعليمه من مفاهيم ومصطلحات‪ .‬وهبذا يقدم لطَلبه شرحية حية‬

‫‪ 332‬د‪ .‬أماين علي حممد احلسن‪ " ،‬تعليم اللغة العربية من خَلل النصوص الرتاثية للناطقني بغريها"‪ ،‬العربية للناطقني‬
‫بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،12‬يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪309‬‬
‫‪ 333‬د‪ .‬أماين علي حممد احلسن‪ " ،‬تعليم اللغة العربية من خَلل النصوص الرتاثية للناطقني بغريها"‪ ،‬العربية للناطقني‬
‫بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،12‬يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪310‬‬
‫‪ 334‬د‪ .‬أماين علي حممد احلسن‪ " ،‬تعليم اللغة العربية من خَلل النصوص الرتاثية للناطقني بغريها"‪ ،‬العربية للناطقني‬
‫بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،12‬يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪310‬‬
‫‪ 335‬د‪ .‬أماين علي حممد احلسن‪ " ،‬تعليم اللغة العربية من خَلل النصوص الرتاثية للناطقني بغريها"‪ ،‬العربية للناطقني‬
‫بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،12‬يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪306‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪231‬‬


‫ال نصوصاً جامدة أو قطعاً مؤلفة مصطنعة‪ .‬ويكون املعلم بذلك قد علم الدارس ذلك الشيء الذي‬
‫‪336‬‬
‫يسعى إىل تعلمه‪ ،‬والذي سوف يواجهه مستقبَلً‪.‬‬

‫اثمنا ‪ :‬شيوع املواقف الثقافية ‪:‬‬


‫اخلربة اللغوية تتكون من املوقف اللغوي التعليمي الذي يهيأ ويعد لكي يعايشه الطالـب‪،‬‬
‫وميارس من خَلله استعمال اللغة‪ ،‬وحيتك ِبحتواه وينفعل به ليخرج منه وقد اكتسب جمموعة من‬
‫املعلومات واملعارف عن اللغة واستخداماتـها‪ ،‬وجمموعة من مهـارات االستماع والكَلم والقراءة والكتابة‪،‬‬
‫وقدرة على التفكري ِبللغة والتعبري عما يريـد‪ ،‬مع تقدير لثقافتها وثقافة لغته‪ ،‬ومن مث يكتسب ِف النهاية‬
‫‪337‬‬
‫القدرة على استخدام اللغة العربية ِف مواقف حقيقية تتفق وأغراضه ودوافعه‪.‬‬
‫ومواقف الثقافة اإلسَلمية هلا شيوع وحضور جيد ِف اجملتمعات اإلسَلمية؛ مما يتيح للمتعلم‬
‫الفرصة ملمارسة اللغة واالنغماس ِف جوها‪ .‬ويشعر كثري منهم أبنـهم ليسوا ِف حاجة لتعلم العربية‬
‫للحياة‪ ،‬قدر حاجتهم لتعلم العربية ْلغراض الدراسة اْلكادميية التخصصية‪ ،‬واْلغراض اْلكادميية اليت‬
‫يرغب هبا كثري منهم هي الدراسات الدينية‪.‬‬

‫اتسعا ‪ :‬مشولية الثقافة اإلسالمية وتناوهلا ملختلف جوانب احلياة مما جيعلها تدور يف مادة اللغة‪:‬‬
‫إن النظرة الفاحصة لطبيعة الدين اإلسَلمي‪ ،‬مقارانً ببقية اْلدَين اْلخرى‪ ،‬تكشف لنا فروقاً‬
‫عظيمة؛ فالدين اإلسَلمي منهج حياة متكامل‪ ،‬يشمل كل نواحي احلياة؛ ومن مثَّ فإن من يريد تعلم‬
‫اللغة العربية ْلهداف عامة‪ ،‬جيد نفسه ال يبعد كثريا عن ذلك الشخص الذي تعلمها ْلهداف دينية؛‬
‫ولذا نقول إن تعلم الل غة ْلغراض دينية قد ال ينطبق متاما بكامل تعريفه مع هذا املنهج‪ ،‬ذلك إن أمور‬
‫الدين اإلسَلمي ال تنحصر ِف جمال حمدد من املفردات أو الرتكيب؛ وهلذا فمتعلم اللغة العربية إذا كان‬
‫هدفه معرفة الدين اإلسَلمي سيجد نفسه متعلما هلا ْلغراض عامة‪.‬‬
‫عاشرا ‪ :‬خصوصية الثقافة اإلسالمية والعالقة بني العربية واالسالم ‪:‬‬

‫‪336‬‬
‫رشدي أمحد طعيمة؛ حممود كامل الناقة‪ ،‬تعليم اللغة ْلغراض خاصة‪ :‬مفاهيمه ومنهجياته ‪ :‬املشكلة ومسوغات‬
‫احلركة‬
‫‪337‬‬
‫د‪ .‬وجيه املرسي أبولنب‪ ،‬أسس بناء مناهج تعليم اللغة الناطقني بغريها‬

‫‪232‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫أنــزل علــى حممــد ‪.‬صــلى هللا عليــه وســلم القــرآن الكــرمي ِبللســان العــرب‪ ،‬ومل يكــن جملــرد البيــان‪ ،‬أو‬
‫بعبـارة أخــرى ْلن اللســان العـرب مل يكــن جمــرد وســيلة لتبيـني هــذا الكتــاب بــل هـو وســيلة ِف حكــم الغايــة‪،‬‬
‫فاللسان العرب بذاته مطلوب وال ميكن فهم الكتاب فهما مستقيما إال بلسان الكتاب ولـذلك فقـد نـص‬
‫عل ــى عربي ــة ه ــذا الكت ــاب آبَيت كث ــرية قاطع ــة‪ ،‬بص ــورها املتع ــددة؛ مم ــا ي ــدل دالل ــة ال ل ــبس فيه ــا عل ــى أن‬
‫عَلقة اللسان العرب ِبلقرآن الكرمي والرسـالة اخلامتـة أكثـر مـن جمـرد وسـيلة‪ ،‬بـل هـذا اللسـان العـرب هـدف‬
‫بذات ـ ه ِف ه ــذه الرس ــالة‪ ،‬وه ــو ج ــزء م ــن اإلعج ــاز ال ــذي حتمل ــه ه ــذه الرس ــالة‪ .‬إذن‪ ،‬مه ــا متَلزم ــان‪ ،‬وهل ــذا‬
‫التَلزم أثر واضح فيهما معاً‪.‬‬

‫حادي عشر ‪ :‬أتثري العربية يف لغات كثرية‪ ،‬وارتباط املسلمني ابحلرف العرب‪ ،‬وبكثري من األلفاظ‬
‫اإلسالمية ‪:‬‬
‫شهدت اللغة العربية واحلرف العرب انتشاراً واسعاً خَلل فرتة قصرية من الزمن‪ ،‬مع خروج‬
‫اإلسَلم من اجلزيرة العربية ِف بداية القرن السابع امليَلدي إىل أن أصبحت هذه اللغة تربط بني شعوب‬
‫خمتلفة متتد من مشال اسبانيا إىل شرق ووسط آسيا‪ ،‬ومن شرق أفريقيا إىل غرهبا‪ .‬القارات الثَلثة للعامل‬
‫القدمي والستيعاهبا لثقافة الشعوب اْلخرى غري العربية‪ .‬وِف الواقع يتميز اإلسَلم هنا بدوره املثري ِف هذا‬
‫االنتشار نظراً لَلرتباط الوثيق بينه وبني اللغة العربية واحلرف العرب‪ ،‬ومن خَلل هذا االرتباط شهد‬
‫احلرف العرب ِف بداية العصر احلديث امتداداً آخر مهماً ِف أورِب الشرقية حيث انتشر اإلسَلم بفضل‬
‫العثمانيني بني عدة شعوب ِف ألبانيا والبوسنة وكوسوفا‪ .‬وإىل جانب انتشار اللغة العربية ِف هذه‬
‫املساحة الشاسعة‪ ،‬برز أتثري اإلسَلم ِف جانب آخر على قدر كبري من اْلمهية‪ ،‬أال وهو تبين بعض‬
‫الشعوب غري العربية للحروف العربية ِف كتابة لغاهتا القومية مثل ‪ :‬الفارسية والرتكية واْلردية‪ ،‬ومع هذا‬
‫التحول أصبحت اللغة العربية‪ ،‬وال تزال إىل اَلن‪ ،‬أكثر احلروف انتشاراً ِف العامل بعد احلروف الَلتينية‪.‬‬
‫‪338‬‬

‫‪ 338‬أ‪.‬د‪ .‬جَلل السعيد احلفناوي‪ " ،‬موقع احلرف العرب على خريطة اللغات العاملية وأتثريه ِف تعليم طَلب معهد‬
‫اللغة العر بية لغري الناطقني هبا ِبجلامعة اإلسَلمية ِبملدينة املنورة "‪ ،‬العربية للناطقني بغريها‪ ،‬العدد الثاين عشر‪،‬‬
‫يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪194 - 89‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪233‬‬


‫امتد أتثري العربية كمفردات وبىن لغويَّة ِف الكثري من اللغات اْلخرى؛ بسبب اإلسَلم واجلوار‬ ‫َّ‬
‫اجلغراِف والتِجارة فيما مضى‪( ،‬هذا التَّأثري مشابه لتأْثري الَلتينيَّة ِف بقيَّة اللغات اْلوربيَّة‪ ،‬وهو مَلحظ‬
‫ْل واضح ِف اللغة الفارسيَّة حيث املفردات العلميَّة معظمها عربيَّة‪ِ ،‬بإلضافة للعديد من املفردات‬ ‫بشك ٍ‬
‫احملكيَّة يوميا) مثل‪ :‬ليكن = لكن‪ ،‬و‪ ،‬تقرييب‪ ،‬عشق‪ ،‬فقط‪ِ ،‬بستثناي = ِبستثناء اللغات الَّيت للعربيَّة‬
‫فيها أتثري كبري أكثر من (‪ )% 30‬من املفردات هي‪:‬‬
‫اْلرديَّة والفارسيَّة والكشمريية والبشتونية والطاجيكية‪ ،‬وكافَّة اللغات الرتكيَّة والكردية والعبريية‬
‫واإلسبانيَّة والصوماليَّة السواحيليَّة والتجرينيَّة واْلوروميَّة والفوالنية واهلوسية واملالطية والبهاسا لغة مَليو‬
‫(ولغة الديفيهي) لغة املالديف‪ ،‬وغريها من اللغات‪.‬‬
‫بعض هذه اللغات ما زالت تستعمل اْلجبديَّة العربيَّة للكتابة‪ ،‬كالفارسيَّة والكشمرييَّة‬
‫والطاجيكيَّة والكردية والبهاسا‪ .‬وقد دخلت بعض الكلِمات العربيَّة ِف لغات أوربيَّة كثرية‪ ،‬مثل اْلملانيَّة‬
‫‪339‬‬
‫واإلجنليزيَّة واإلسبانيَّة والفرنسيَّة والربتغاليَّة‪.‬‬
‫ذكـ ــر املستشـ ــرقان أجنلمـ ــان ودوزي ‪ :‬الكلمـ ــات العربيـ ــة املوجـ ــودة ِبللغـ ــة اإلسـ ــبانية تعـ ــادل ربـ ــع‬
‫‪340‬‬
‫كلمات اللغة اإلسبانية‪ ،‬وأن ِبللغة الربتغالية ما يربو على ثَلثة آالف كلمة عربية !‬
‫ذكر املستشرق المانس ما يربو على سبعمائة كلمة عربية دخلـت اللغـة الفرنسـية‪ .‬وقـدم اْلسـتاذ‬
‫ذاكرا فيـه مـا يزيـد‬
‫تيلور حبثًا عنوانه (الكلمات العربية ِف اللغة اإلجنليزية (‪ً ،)Arabic Words In English‬‬
‫‪341‬‬
‫على ألف كلمة عربية ِف الطب والكيمياء والفلك والبيولوجيا واجلراحة دخلت اللغة اإلجنليزية‪.‬‬
‫أما عن أتثري اللغة العربيـة ِف اللغـة اإليطاليـة‪ ،‬فيقـول رينالـدي‪( :‬لقـد تـرك املسـلمون ع ً‬
‫ـددا عظي ًمـا‬
‫من كلماهتم ِف اللغة الصقلية واإليطالية‪ ،‬وانتقل كثري من الكلمات الصقلية اليت من أصـل عـرب إىل اللغـة‬
‫‪342‬‬
‫اإليطالية‪ .‬وال يزال اجلزء اْلعظم من الكلمات العربية الباقية ِف لغة اإليطالية تفوق احلصر‪.‬‬
‫بنــاء علــى أتثــر لغــات العــامل ِبلعربيــة فــإن مؤلــف الكتــاب ِف تعلــيم اللغــة العربيــة لغــري النــاطقني هبــا‬
‫عليه أن يدرك ويستفيد من توافق اإلجياب بني الثقافة اإلسَلمية واللغة العربية من جهة وبني ثقافـة املـتعلم‬
‫ولغت ــه م ــن جان ــب أخ ــر‪ ،‬ونع ــىن ذل ــك اس ــتغَلل مؤل ــف الكت ــاب ِف تعل ــيم العربي ــة لغ ــري الن ــاطقني هب ــا م ــن‬

‫‪339‬‬
‫فاطمة لطفی كودرزی‪ ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪340‬‬

‫‪341‬‬
‫المانس‪ ،‬مَلحظات على اْللفاظ الفرنسية املشتقة من العربية‬
‫‪342‬‬

‫‪234‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫املفــردات والكلمــات العربيــة اإلســَلمية املوجــودة ِف لغــة وثقافــة ذلــك املــتعلم‪ ،‬وكمــا هــو معلــوم أن مــتعلم‬
‫اللغة العربية املسلم لديه رصـيد هائـل مـن الكلمـات واملفـردات اإلسـَلمية العربيـة‪ ،‬ومـن تلـك الكلمـات _‬
‫علـى ســبيل مثــال_ الصــَلة‪ ،‬الزكــاة‪ ،‬الصــوم‪،‬احلج‪ ،‬الصـدقة‪ ،‬اجلنــازة‪ ،‬العيــد‪ ،‬الــدعاء‪ ،‬االســتغفار‪ ،‬احلــيض‪،‬‬
‫النفاس‪ ،‬اجلنة‪ ،‬النار‪ ،‬اْلضحية‪ ،‬املسلم‪ ،‬الكافر‪ ،‬املنافق‪ ،‬القبلة‪ ،‬الشـهادة‪ ،‬اإلميـان‪ ،‬وغريهـا مـن الكلمـات‬
‫الشــائعة ِف لغــة املــتعلم املســلم‪ ،‬حبيــث يقــوم مــا يســمى التقابــل اللغــوي بــني اللغــات‪ ،‬ليعــرف مــاهو معلــوم‬
‫مسبقاً عند املتعلم وما هو جديد عليه‪.‬‬
‫ويقول املستشرق الفرنسي ـ غوستاف لوبون‪( :‬أتثري دين حممد ِف النفوس أعظم من أتثري أي‬
‫دين آخر‪ ،‬والتزال العروق املختلفة اليت اختذت القرآن مرشدا هلا تعمل أبحكامه‪ ،‬كما كانت تفعل منذ‬
‫ثَلثة ع شر قران‪ ،‬أجل قد جتد بني املسلمني عددا قليَل من الزاندقة ولكنك لن ترى من جيرؤ منهم على‬
‫انتهاك حرمة اإلسَلم ِف عدم االمتثال لتعاليمه اْلساسية‪ .....،‬إىل أن قال فعلى الراصد املؤمن أو‬
‫امللحد أن حيرتم هذا اإلميان العميق‪ ،‬الذي استطاع العرب أن يفتحوا العامل به فيما مضى‪ ،‬وهم اليوم‬
‫‪343‬‬
‫يصربون به على قسوة املصري)‪.‬‬

‫قد ال يكون من قبيل الزهو أو املبالغة أن نقول إن اللغة العربية هي أفضل اللغات؛ فهي اللغة‬
‫اليت نزل هبا القرآن الذي هو أفضل الكتب‪ ،‬ولغة اإلسَلم الذي هو خري اْلدَين‪ ،‬ولغة اْلمة اإلسَلمية‬
‫اليت هي خري اْلمم‪ ،‬ولغة احلضارة اإلسَلمية اليت هي أعرق احلضارات وأنفعها للبشرية‪ ،‬وهي بعد ذلك‬
‫لغة خالدة خلود التاريخ تولد لغات ومتوت‪ ،‬وتبلى لغات وتنقرض أخرى‪ ،‬وهي ِبقية بقاء العصور إىل‬
‫أن يرث هللا اْلرض ومن عليها ؛ وذلك ْلهنا حمفوظة حبفظ هللا تعاىل القائل ‪ ﴿ :‬إان حنن نزلنا الذكر‬
‫وإان له حلافظون ﴾‪ .‬وهي بعد ذلك لغة توفر هلا من الدقة واملنطقية والبيان واملرونة والوفاء ِبملعاين ما ال‬
‫يعرف له نظري ِف غريها من اللغات‪ ،‬وقد أدرك هذه احلقيقة العلماء العرب واعرتف هبا املنصفون من‬
‫‪344‬‬
‫جهابذة الغرب‪.‬‬

‫اثين عشر ‪ :‬تصحيح مفاهيم خاطئة عن اإلسالم ‪:‬‬

‫‪343‬‬
‫غوستاف لوبون‪ ،‬حضارة العرب‬
‫‪344‬‬
‫د‪ .‬مصطفى أمحد عبد العليم‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪235‬‬


‫هذه الثورة التقنية ووسائل اإلعَلم احلديثة اليت جعلت العامل قرية صغرية أثرها كبري ِف تغيري‬
‫املفاهيم والقناعات‪ ،‬وقلب احلقائق أحياانً‪.‬‬
‫ومن املؤسف‪ ،‬أن الشحن السليب لإلعَلم العاملي‪ ،‬يربز‪ -‬ظلماً‪ -‬الصور السلبية للمسلمني‪،‬‬
‫ويطمس الصور اإلجيابية هلم‪ ،‬بل يضخم السلبيات‪ ،‬واْلدهى من ذلك واْلمر‪ ،‬أنـهم ينسبون السلبيات‬
‫وتصرفات بعض املسلمني إىل اإلسَلم ذاته‪ ،‬وهو منها بريء‪ .‬وقد طال هذا التشويه للعرب وثقافتهم‬
‫بعض كتب تع ليم العربية اليت ألفها املستشرقون وأمثاهلم ممن ينظر إىل العرب وإىل ثقافتهم نظرة دونية‬
‫ينظر فيها االحتقار واالزدراء‪.‬‬
‫هذا الشحن السليب ضد اإلسَلم‪ ،‬الذي يشارك فيها أحياانً من هم من جلدان ويفكر غريان‪،‬‬
‫أعطى صورة سلبية عن اإلسَلم‪ ،‬وهنا كان لزاماً على املسلمني أن يقدموا اإلسَلم بصورته الصحيحة‬
‫الناصعة بياانً للحق‪ ،‬وزَيدة ِف االستقرار العاملي‪.‬‬
‫وبرامج تعليم العربية لغري الناطقني هبا وكتبها أحد أهم القنوات اليت ميكن أن يعرب هذا‬
‫التصحيح للمفاهيم حول اإلسَلم من خَلهلا‪ ،‬حيث تصل إىل أعداد كبرية ممن يتعلمون العربية‪ .‬سواء‬
‫كانوا ِف بَلدان العربية أو خارجها‪ .‬وهذه املسؤولية ال يصح أن ختلى عنها‪ ،‬ويساعدان ِف ذلك أن لدينا‬
‫مقومات ذاتية تبهر من يتعرف عليها‪ ،‬وِبملقابل ليس عندان ما يستحى من إبرازه‪ .‬فهل آن اْلوان ْلن‬
‫تعكس براجمنا وكتبنا ذلك‪.‬‬
‫كما أننا ندرك مدى الدعاَيت املغرضة وأتثريها خاصـة فيما يتصل ِبلثقافـة العربية واإلسَلمية‬
‫وموقفها منـها‪ ،‬كما نعلم أن كثريين قد كونوا اجتاهاهتم حنو هذه الثقافـة من خـَلل الصحف واجملـَلت‬
‫واإلذاعات غري املوضوعية وغري املنصفـة‪ ،‬ومن هنا أصـبح تقدمي الثقافـة العربية واإلسَلمية ِف أصـولـها‬
‫وأصالتـها وعمقها ونقائها أمـراً ال مفر منه ِف أي مادة تعليمية تقـدم ملتعلمي العربية من غري الناطقني‬
‫بـها كميدان لتصحيح املفاهيم اخلاطئة حنو ثقافتنا ولتعديل االجتاهات السلبية حنوها‪.‬‬

‫اثلث عشر ‪ :‬التجارب الناجحة لتضمني احملتوى الثقايف ‪:‬‬


‫من السهل جدا أن نَلحظ مدى جناح الربامج والكتب اليت اهتمت ِبلثقافة العربية واإلسَلمية‬
‫ِف تعليمها للعربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬ويتبني ذلك من خَلل اإلقبال الشديد على هذا النوع من الربامج‬
‫والكتب‪ ،‬كما يتبني ذلك من خَلل نتائج الدراسة ِف هذا النوع سواء أكان هذا داخل الوطن العرب أو‬
‫خارجه‪ ،‬ولسنا بصدد الدعاية هلذا النوع وتعيينه فإدراكه واضح‪ ،‬واملراد هبذه الربامج وهذه الكتب هي‬

‫‪236‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫تلك اليت أعدت من خَلل خمتصني بتعليم العربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬وأما غريها مما ألف من غري‬
‫املختصني فهذا خارج حبثنا سواء جنح أم مل ينجح‪ ،‬وغالباً إذا جنح فهو قد أمضى وقتاً طويَل ِف تعليم‬
‫اللغة‪.‬‬
‫وِبملقابل نرى كثرياً من الربامج والكتب اليت قصرت ِبالهتمام ِبجلانب الثقاِف قلت الرغبة‬
‫فيها‪ ،‬وأغلب من يلتحق هبا من غري املسلمني وممن هدفه االتصال الشفهي احملدود ؛ ولذا فإن كثرياً من‬
‫هؤالء الدارسني يفضل دراسة اللهجات ال الفصحى‪ .‬كما نَلحظ نتائج الدراسة ِف هذا النوع‪ ،‬وندرك‬
‫مدى ضعفه مقارنة ِبلنوع اْلول‪ ،‬والسيما للطلبة املسلمني‪ ،‬كما أن النوع الثاين مل ينل إقباال من‬
‫متعلمي اللغة العربية وال من معلميها وال من املراكز التعليم‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪237‬‬


‫شبه احملجمني عن االهتمام ابجلانب الثقايف يف بعض الربامج والكتب‬
‫ومع تلك الدواعي حلتمية التعامل مع احملتوى الثقاِف‪ ،‬جند تقصريا ِف بعض الربامج والكتب ِف‬
‫تعليم العربية لغري الناطقني هبا ِف هذا اجلانب‪ ،‬ومل يقتصر اْلمر‪ -‬عند بعضهم‪ -‬على مستوى التطبيق‬
‫أيضا‪ ،‬مما يدل داللة واضحة على أن "توظيف" القرآن الكرمي‪ ،‬ليس‬
‫فقط‪ ،‬بل تعداه إىل مستوى التنظري ً‬
‫من منطلقات أو مداخل تعليم العربية للناطقني بغريها ِف بعض املناهج‪ ،‬اليت جاءت خالية من روح‬
‫وتفسريا‪ ،‬ومن احلديث النبوي الشريف‪،‬‬
‫ً‬ ‫حضارتنا‪ ،‬اليت حيكمها إطار من القرآن الكرمي‪ ،‬تَلوة‬
‫والعبادات‪ ،‬واْلخَلق‪ ،‬والنظم اإلسَلمية‪ 345 .‬ومن أسباب هذا اإلحجام عن تضمني الثقافة ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حركة أتليف كتب تعليم العربية للناطقني بغريها بدأت غربية ‪:‬‬
‫أن حركــة أتليــف كتــب تعلــيم العربيــة للنــاطقني بغريهــا‪ ،‬تنتشــر خــارج العــامل العــرب واإلســَلمي؛ إذ‬
‫تشـ ــري اإلحصـ ــائية الـ ــيت قـ ــام هبـ ــا معهـ ــد اللغـ ــة العربيـ ــة جبامعـ ــة أم القـ ــرى (‪ )346‬إىل‪ :‬أن حركـ ــة أتليـ ــف العربيـ ــة‬
‫لألجانــب تتمركــز خــارج أرض العــرب‪ ،‬وعلمائهــا الــذين ينتمــون إليهــا لغــة وثقافــة وحض ـارة!! فمجمــوع مــا‬
‫كان ينتج من كتب‪ ،‬وفق هـذه اإلحصـائية‪ِ ،‬ف أمريكـا‪ ،‬وأملانيـا‪ ،‬وإجنلـرتا‪ ،‬وفرنسـا‪ ،‬حـوايل ‪ ٪52‬مـن حركـة‬
‫الت ــأليف (أمريك ــا‪ ٪28:‬وأملاني ــا‪ ،٪9:‬واجنل ـرتا‪ ،٪9‬وفرنس ــا ‪ ٪6‬وجمم ــوع م ــا تنتج ــه ال ــدول اإلس ــَلمية غ ــري‬
‫العربي ــة ح ـوايل ‪( ٪11‬الباكس ــتان‪ ،٪6‬وإي ـران‪ ،٪3‬وب ــنجَلدش ‪ ،٪1‬وتركي ــا ‪ )٪1‬وتنته ــي اإلحص ــائية إىل‬
‫"أن حركــة نشــر كتــب تعلــيم العربيــة لغــري النــاطقني هبــا ِف املنطقــة العربيــة‪ ،‬مــا زالــت دون املســتوى (ح ـوايل‬
‫‪ )% 34‬إن هــذه املنطقــة أحــق مــن غريهــا بنشــر لغتهــا ِف أرجــاء املعمــورة؛ ومــن مث فهــي أوىل بتبــين حركــة‬
‫التـ ــأليف والطبـ ــع والنشـ ــر ِف هـ ــذا امليـ ــدان‪ ،‬أسـ ــوة ِبـ ــا تقـ ــوم بـ ــه الـ ــبَلد اْلجنبيـ ــة املتقدمـ ــة ِف سـ ــبيل نشـ ــر‬
‫لغته ــا"(‪ .)347‬وه ــذا يقتض ــي أن ت ــدرس العربي ــة ِبنط ــق (اَلخ ــر) بعي ـ ًـدا ع ــن منطقن ــا‪ ،‬وثقافتن ــا‪ ،‬ومص ــادرها‬
‫اْلساسية‪ ،‬وخباصة القرآن الكرمي‪ ،‬بل إن مصـدر النصـوص ِف أغلبهـا كتـاب‪ :‬ألـف ليلـة وليلـة‪ ،‬وهـو كتـاب‬

‫‪ 345‬انظر ‪ :‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح اخلطيب‪ ،‬و أ‪.‬د‪ .‬حممد عبد اللطيف حممد عبد العاطي‪ ،‬التوظيف التقين للقرآن‬
‫الكرمي ِف تعليم العربية للناطقني بغريها‪.‬‬
‫‪ 346‬ينظر‪ :‬الكتاب اْلساسي لتعليم العربية للناطقني بلغات أخرى‪ ،‬إعداده‪ -‬حتليله‪ -‬تقوميه‪ .‬د‪ .‬حممود كامل الناقـة‪،‬‬
‫ود‪ .‬رشدي طعيمة‪ ،‬وهو كتاب يقدم مسحاً شامَلً ملعظم كتـب تعلـيم العربيـة للنـاطقني بغريهـا‪ ،‬يشـمل مئـة كتـاب‬
‫تعليمي‪ ،‬صدرت ِف أماكن خمتلفة‪ ،‬منها العربية واإلسَلمية‪ ،‬والغربية‪.‬‬
‫‪ 347‬املرجع السابق‪ ،‬صـ‪.76‬‬

‫‪238‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫فيـه مـا فيـه مـن تشـويه للحضـارة العربيـة اإلسـَلمية‪ ،‬وسـادت الـروح التبشـريية ِف كثـري مـن هـذه النصـوص؛‬
‫‪348‬‬
‫فأخذت تدرس ِف ثناَي موادها التعليمية نظرات عقدية ختتلف مع العقيدة اإلسـَلمية!!)‬
‫وينبغي أن تكون حركة التأليف اليت نشأت غربية دافعـا لنـا لنقـوم ِبـا يهمنـا ويهـم لغتنـا‪ ،‬مسـتقلني‬
‫بشخصيتنا؛ لنغطي النقص والفجوة اليت أحدثتها تلك الكتب‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬االعتقاد اخلاطئ أبن لغة الثقافة تراثية بعيدة عن اللغة املعاصرة ‪:‬‬
‫ولع ــل ال ــدافع اْلك ــرب عل ــى أن ي ــتقلص احلج ــم املخص ــص للق ــرآن الك ــرمي ِف تعل ــيم العربي ــة‬
‫للناطقني بغريها إىل حد االختفاء شـبه الكامـل‪ ،‬اعتقـاد بعضـهم أن القـرآن الكـرمي يعـود إىل عربيـة قدميـة‪،‬‬
‫؛ وبـذلك‬ ‫‪modern Arabic‬‬ ‫يشـريون إليهـا بعنـوان ‪ classical Arabic‬وهـي ختتلـف عـن العربيـة املعاصـرة‬
‫يفرتضــون أن هنــاك عربيــة قدميــة ووســيطة وحديثــة‪ ،‬قيا ًسـا علــى اللغــات الغربيــة خاصــة‪ ،‬واحلقيقــة أن هــذا‬
‫"التوجـه يسـتند إىل قيـاس غـري دقيـق علـى لغـات أخـرى كالَلتينيـة واليواننيـة؛ فالعربيـة القرآنيـة ِف قطـاع‬
‫كبــري منهــا معاصــرة؛ ْلن النــاس يتشربونــها مــن خــَلل اســتماعهم وقراءتــهم هلــا‪ ،‬ومــن خــَلل موقعهــا ِف‬
‫‪349‬‬
‫قرار وجدان الناطقني بـها من املسلمني"‬
‫فارتبــاط العربيــة ِبلقــرآن الكــرمي غــري مــن جــوهر العَلقــة بــني العربيــة والزمــان واملكــان‪ ،‬وأصــبح‬
‫القــرآن الكــرمي هــو املــتحكم ِف تطــور العربيــة؛ ْلهنــا ســبيل فهــم اخلطــاب اإلهلــي‪ ،‬والتعــرف علــى م ـراد هللا‬
‫لإلنسان‪ ،‬ومقتضى ذلـك‪ :‬محايـة اللغـة‪ ،‬وضـمان امتـدادها‪ ،‬وتواصـل أجياهلـا‪ ،‬مـن خـَلل عزمـات البشـر‪،‬‬
‫واجتهــادهم ِف فهــم اخلطــاب اإلهلــي‪ ،‬فخرجــت بــذلك عــن القـوانني الــيت حتكــم لغــات البشــر‪ ،‬مــن حيــث‬
‫االجتاه إىل التفتت واالختفـاء واالنـداثر إىل آخـر نـَ َفـس ينـبض ِف هـذه احليـاة‪ ،‬فـالقرآن الكـرمي محـى اللغـة‬

‫‪ 348‬فمثَل‪ :‬كتاب‪ Elementary Modern Standard Arabic:‬لبيرت عبود وآخرين‪ ،‬الـذي حيتـل مكانـة مهمـة ِف حركـة‬
‫تعل ــيم العربي ــة للن ــاطقني بغريه ــا‪ ،‬فق ــد ك ــان املص ــدر اْلساس ــي لتعل ــيم العربي ــة ِف معظ ــم اجلامع ــات اْلمريكي ــة‪ ،‬وبع ــض‬
‫ـوها عــن احلضــارة العربيــة‬
‫اجلامعــات العربيــة‪ ،‬كالكويــت‪ ،‬والريمــوك‪ ،‬والقــاهرة‪ِ ،‬ف هــذا الكتــاب تــرى مضــموانً ثقافيـاً مشـ ً‬
‫اإلسَلمية‪ِ ،‬ف تصوير عَلقة الرجـل ِبملـرأة مـن خـَلل طالـب يلتقـي بطالبـة ِف اجلامعـة‪ ،‬فيقيمـان عَلقـة‪ ،‬مث بعـد ذلـك‬
‫يلفظهـا بعـد رحلـة انتهازيـة قصـرية‪ ،‬ينظـر‪ :‬حبـوث ِف اللغـة والرتبيـة‪ ،‬د‪ .‬حممـد أمحـد العمـايرة‪ ،‬دار وائـل للنشـر والتوزيـع‪،‬‬
‫عمان‪ -‬اْلردن‪2001 ،‬م‪ ،‬ففيه حتليل دقيق للمضمون اللغوي والثقاِف ِف هذا الكتاب‪ ،‬صـ‪.33‬‬
‫‪ " 349‬الثقافة اإلسَلمية ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا" د‪ .‬حممد أمحد عمايرة‪ ،‬ص ‪.322‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪239‬‬


‫م ــن االن ــداثر‪ ،‬و ُمح ـي هب ــا م ــن التحري ــف‪ ،‬مم ــا جعله ــا ال تع ــاين مم ــا يع ــرف ِف اللغ ــات اْلخ ــرى ِبملراح ــل‬
‫التارخيية‪ ،‬كاإلجنليزية القدمية والوسيطة واحلديثة‪.‬‬
‫وهــذا لــيس معنــاه أن العربيــة مل تتعــرض ِف بعــض أشكال ــها التعبرييــة إىل بعــض مــا تتعــرض لــه‬
‫اللغــات اْلخــرى‪ ،‬وال يعــين احلجــر وإيقــاف اللغــة حبــال مــن اْلح ـوال‪ ،‬وإمنــا يعــين أن تعلــق اللغــة ِبلــنص‬
‫اإلهلــي اخلــامت (القــرآن الكــرمي) جعــل أي تغــري فيهــا خيضــع ملنطلقــات ســليمة‪ ،‬وجــذور ممتــدة‪ ،‬حتــول دون‬
‫النمــو الســرطاين‪ ،‬إن صــح التعبــري‪ ،‬الــذي يــؤدي إىل مغــادرة اْلصــل‪ ،‬وال يستصــحبه‪ ،‬بــل أي تغيــري فيهــا‪،‬‬
‫مــن توليــد‪ ،‬أو إضــافة معــان جديــدة مل يغــادر اْلصــل‪ ،‬وينطلــق منــه‪ ،‬ومــن هنــا نســتطيع أن نقــرر ِف جــزم‪،‬‬
‫يؤيده الواقع‪ ،‬أن ارتبـاط العربيـة ِبلقـرآن الكـرمي‪ ،‬جعلهـا اثبتـة ِف حنوهـا وصـرفها ونطقهـا‪ ،‬ومتطـورة وانميـة‬
‫ِف مفرداتتهــا ودالالت ــها ومصطلحات ــها وأس ــاليبها‪ ،‬فبلغــت بــذلك فضــاءات وامت ــدادات مل تنلهــا أيــة لغ ــة‬
‫أخرى اليوم‪ ،‬صواتً وإيقاعاً وداللة واستنباطاً ومعياراً وأداة توصيل‪.‬‬
‫ورغــم أن التطــور ســنة جاريــة ِف كــل اللغــات‪ ،‬وأكثــر مظــاهر هــذا التطــور يكــون ِف الــدالالت‪ ،‬إال‬
‫أن العربي ــة ظل ــت حمتفظ ــة بك ــل مستوَيتــِها اللغوي ــة ( الص ــوتية – الص ــرفية – النحوي ــة – الداللي ــة )‪ ،‬وم ــا‬
‫تطور منها كان ِف إطار املعاين اْلصلية وعلى صلة بـها‪.‬‬
‫واحملافظة على اْلصل الداليل للفظ مـع تطـور الـزمن‪ ،‬لـه فائـدة ال يسـتهان بِــها فتواصـل الفهـم بـني‬
‫اْلجيــال للنصــوص القدميــة وتـراث اْلمــة أمــر مــن اْلمهيــة ِبكــان‪ ،‬ويــزداد إدراكنــا ْلمهيــة االســتقرار اللغــوي‬
‫الذي تتميز به العربيـة إذا مـا أتملنـا التغـري السـريع الـذي يَلحـق اللغـة اإلجنليزيـة ( لغـة احلضـارة املعاصـرة)؛‬
‫فنصوص االجنليزية القدمية اليت مر عليها قرابـة ثَلثـة قـرون أصـبحت عصـية علـى الفهـم ِبلنسـبة لإلجنليـزي‬
‫املعاصــر‪ .‬ولعــل هــذا التغــري الس ـريع هــو الــذي دفــع علمــاء هــذه اللغــة إىل إعــادة صــياغة النصــوص اْلدبيــة‬
‫املهمة عندهم ؛ مثل نصوص شكسبري ِبجنليزية حديثة‪.‬‬
‫وِبملقارنة؛ فإنه مـع مـرور أكثـر مـن مخسـة عشـر قـرانً علـى مـا وصـلنا مـن العربيـة‪ ،‬ال يكـاد اإلنسـان‬
‫جيد صعوبة ِف فهم هذه النصـوص وال تصـادفه غرابـة ِف اْللفـاظ‪ ،‬ومـا قـد يصـادفنا مـن ألفـاظ صـعبة فـإن‬
‫أيسر املعاجم ميكن أن يبدد هذه الصعوبة‪.‬‬

‫‪240‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫يطلــق اصــطَلح فصــحى الـرتاث علــى نــوع مــن اللغــة أقــرب إىل اجملــال الــديين واْلدب املتخصــص‬
‫من ــه إىل جم ــال احلي ــاة العام ــة‪ ،‬ويش ــيع ه ــذا الن ــوع م ــن اللغ ــة ِف الكت ــاِبت الديني ــة واْلدبي ــة القدمي ــة والش ــعر‬
‫‪350‬‬
‫العرب ِف عصوره املتقدمة‪.‬‬
‫ويطل ــق اص ــطَلح الفص ــحى املعاص ــرة‪ ،‬أو العربي ــة املعياري ــة املعاص ــرة عل ــى اللغ ــة ال ــيت تكت ــب هب ــا‬
‫الص ــحف اليومي ــة والكت ــب والتق ــارير واخلط ــاِبت وتلق ــى هب ــا اْلحادي ــث ِف أجه ــزة اإلع ــَلم ويتح ــدث هب ــا‬
‫املس ــؤولون ِف لقاءاتـ ــهم العام ــة واخلطب ــاء ِف خط ــبهم وت ــدار هب ــا االجتماع ــات الرمسي ــة وت ــؤدى هب ــا بع ــض‬
‫‪351‬‬
‫املسرحيات خاصة املرتجم منها‪.‬‬
‫والسـ ـؤال ه ــو‪ :‬هـ ــل ه ــذه العربيـ ــة املش ــار إليهـ ــا ِف ه ــذا الن ــوع اْلخـ ــري ختتل ــف عـ ــن العربي ــة القدميـ ــة‬
‫(الرتاثية) ؟ وما حجم هذا االختَلف ؟‬
‫مرت بعض اللغات اْلوروبية وغريها ِبراحل متباينـة؛ جتعـل مـن حـديثها شـيئا خمتلفـا عـن قـدميها‪،‬‬
‫وإن إخضــاع العربيــة لتجــارب غريهــا مــن اللغــات‪ ،‬واحلكــم عليهــا مــن هــذا البــاب خيــالف طبيعــة اْلشــياء‪،‬‬
‫ْلن العربيــة هلــا طبيعته ــا اخلاصــة ب ــها والــيت ج ــاءت نتيجــة اقرتان ــها ِبلق ــرآن الكــرمي‪ ،‬ال ــذي وضــع عَلقته ــا‬
‫‪352‬‬
‫ِبلزمن ِف إطار يغاير معظم لغات العامل‪.‬‬
‫ومن الرباهني على ثبات العربية ‪:‬‬
‫• هــذا اجليــل يفهــم مــا قالــه املتقــدمون‪ ،‬ونـراه حيـا طـرَي‪ ،‬وقــد يكــون ِف بعــض ألفــاظ نصــوص اجلاهليــة‬
‫بعــض الغرابــة‪ ،‬ممــا لــه عَلقــة بطبيعــة البيئــة‪ ،‬شــيوع املفــردة ِف ذلــك الوقــت مــن عدمــه‪ ،‬ولكــن اإلســَلم‬
‫بعد ما جاء هذب هذه اللغة العربية‪ ،‬وأبعد عنها التقعر والصـعب وأصـبحت لغـة سـهلة‪ .‬ومـع مـرور‬
‫أكثــر مــن مخســة عشــر قـرانً علــى مــا وصــلنا مــن العربيــة‪ ،‬ال يكــاد اإلنســان جيــد صــعوبة ِف فهــم هــذه‬
‫النصوص وال تصادفه غرابة ِف اْللفاظ‪ ،‬يقول املستشرق كاشيا ‪" :‬فوق ذلك كله فـإن الفصـحى هـي‬

‫‪ 350‬د‪ .‬علي أمحد مدكور ود‪ .‬رشدي طعيمة ود‪ .‬إميان أمحد هويدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم اللغة العربية للناطقني‬
‫بلغات أخرى‪246 ،‬‬
‫‪ 351‬د‪ .‬علي أمحد مدكور ود‪ .‬رشدي طعيمة ود‪ .‬إميان أمحد هويدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم اللغة العربية للناطقني‬
‫بلغات أخرى‪247-246 ،‬‬
‫‪ 352‬د‪ .‬حممد أمحد عمايرة‪ ،‬حبوث املؤمتر الرتبوي‪ ،‬اجلزء اْلول‪ ،‬ذو احلجة ‪ 1411‬هـ " الثقافة اإلسَلمية ِف كتب‬
‫تعليم العربية لغري الناطقني هبا "‪ ،‬ص ‪322‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪241‬‬


‫مفتاح تلك الكنوز الضخمة من املاضي‪ ...‬ثباتـها مل تـوازه أيـة لغـة‪ .‬وِف هـذا اليـوم يسـتطيع أي عـرب‬
‫ِف املرحلة الثانوية من تعليمه‪ ،‬إن كان مهتماً وقادراً على بـذل قليـل مـن اجلهـد‪ ،‬أن يكـون ِف متناولـه‬
‫‪353‬‬
‫السجل الكامل لأللف وثَل ائة عام املاضية"‪.‬‬
‫• املستعرض لقوائم الشيوع اليت اعتمدها اللغويون ِف اختيار مفردات الكتب لتعليم العربية لغري‬
‫الناطقني هبا‪ ،‬كقائمة ِبكة املكرمة للمفردات الشائعة‪ ،‬اليت أعدهتا جلنة من معهد اللغة العربية‬
‫جبامعة أم القرى عام ‪1982‬م‪ ،‬وقائمة داود عبده‪ ،‬عام ‪1979‬م‪ ،‬وغريمها‪ ،‬جيد أهنا موجودة ِف‬
‫كتب الرتاث وأغلب الذي ال يوجد هو ما ارتبط ِبستجدات العصر من تقانة حتتاج إىل مصطلح‬
‫واسم أو مصادر صناعية وعند اللغة العربية القدرة على الوفاء به ملرونتها ِف االشتقاق واملصادر‬
‫الصناعية‪ ،‬والقيمة العلمية خلاصية االشتقاق تعزز من قدرة العربية على مواكبة التطور والوفاء‬
‫ِبملتطلبات العلمية احلديثة وتوليد أمساء ومصطلحات ملا استحدث من العلم‪ .‬مث لو كانت اْلمة‬
‫منتجة ال مستهلكة ملا احتجنا إىل كل ذلك‪ ،‬ولوضعنا لـها داللتها العربية اْلصلية‪ .‬ويتبني له ِبا ال‬
‫جماال للشك‪ ،‬أن ارتباط العربية على ألسنة أصحابـها وثيق‪ ،‬بني املاضي واحلاضر واملستقبل‪،‬‬
‫يدع ً‬
‫فهي جزء من برانمج املسلم اليومي‪ ،‬ومن هنا تبطل املماثلة اللغوية بني العربية وغريها من اللغات‬
‫من حيث تطور تلك اللغات‪ ،‬ومغادرتـها ْلصولـها اْلوىل‪ ،‬والتقطيع واالنقطاع واالغرتاب بني‬
‫أجيالـها‪.‬‬
‫• حنن ِف تعليمنا للغة العربية نستخدم نصوصا ال نستطيع أن حندد معاصرتـها من قدمها‪ْ ،‬لنـهما‬
‫سيان إىل درجة كبرية‪ ،‬يشار إليها ودامت اللغة املعاصرة بسحب تصنيفهم فصيحة‪ ،‬فهي موجودة‬
‫ِف اللغة القدمية‪،‬‬
‫ومن أسباب هذا التوافق بني ماضي العربية وحاضرها ‪:‬‬
‫• حفظ هللا العربية حلفظ كتابه‬
‫• ثبات اللغة العربية‬

‫‪ 353‬ازدواجية اللغة‪ :‬طبيعتها ومشكَلهتا ِف سياق التعليم‬

‫‪242‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫• ارتباط العربية حبياة الناس ِف شؤونـهم كلها بثقافتها‪.‬‬
‫وإتم أبننا إتار لتعليم اللغة العربية لغري الناطقني املفردات والرتاكيب على مبدأ الشيوع‪ ،‬وهذا‬
‫الشيوع ال نستطيع تصنيفه ِبلقدم أو املعاصرة‪ْ ،‬لن هذا املعاصر إذا كان فصيحا فَل بد أن يكون قدميا‬
‫فليست العربية كاللغات اْلخرى‪.‬‬

‫اثلثا ‪ :‬دعوى أن نصوص الرتاث غريبة وصعبة ومتقعرة ‪:‬‬


‫‪354‬‬
‫وهو التشدق‪ ،‬وتكلف السجع‪ ،‬والفصاحة‪ ،‬والتصنع فيه‪ ،‬فإنه من التكلف‬ ‫التقعر ِف الكَلم‬
‫املمقوت‪ ،‬إذ ينبغي أن يقتصر ِف كل شيء على مقصوده‪ ،‬ومقصود الكَلم التفهيم للغرض‪ ،‬وما وراء‬
‫ذلك تصنع مذموم‪ ،‬وال يدخل ِف هذا حتسني ألفاظ التذكري واخلطابة من غري إفراط وال إغراب‪،‬‬
‫فلرشاقة اللفظ أتثري ِف ذلك‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َج ٍر َوَما أ ََان م َن الْ ُمتَ َكلف َ‬
‫ني ﴾‬ ‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه م ْن أ ْ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل َما أ ْ‬
‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬هلك املتنطعون‪ .‬قاهلا ثَلاث)‬
‫ولذا فقد كان كَلم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كما تروي عائشة رضي هللا عنها‪" :‬كَلما‬
‫فصَلً يفهمه كل من يسمعه"‪ ،‬وقالت عائشة رضي هللا عنها‪" :‬كان حيدثنا حديثًا لو عده العاد‬
‫ْلحصاه"‪ ،‬وقالت‪" :‬ما كان رسول هللا يسرد احلديث كسردكم هذا‪ ،‬ولكنه كان يتكلم بكَلم بني‬
‫‪355‬‬
‫فصل‪ ،‬حيفظه من جلس إليه "‪.‬‬
‫وكان النيب صلى هللا عليه وسلم ميتاز بفصاحة اللسان‪ ،‬وبَلغة القول‪ ،‬وكان مع ذلك ِبحملل‬
‫اْلفضل‪ ،‬واملوضع الذي ال جيهل‪ ،‬سَلسة طبع‪ ،‬ونصاعة لفظ‪ ،‬وجزالة قول‪ ،‬وصحة معان‪ ،‬وقلة‬
‫‪356‬‬
‫تكلف‪ ،‬أوت جوامع الكلم‪ ،‬وخص ببدائع احلكم‪ ،‬وعلم ألسنة العرب‪.‬‬
‫سليما من الفضول بريئًا‬
‫متخريا ِف جنسه‪ ،‬وكان ً‬
‫ً‬ ‫قال اجلاحظ‪" :‬ومّت كان اللفظ كرميًا ِف نفسه‪،‬‬
‫من التعقيد‪ُ ،‬حبِب إىل النفوس‪ ،‬واتصل ِبْلذهان‪ ،‬والتحم ِبلعقول‪ ،‬وهشت إليه اْلمساع‪ ،‬واراتحت له‬

‫‪354‬‬
‫‪http://www.alukah.net/sharia/0/1146/#ixzz3G IM3hyRm‬‬ ‫عبد الغين بن أمحد جرب مزهر‪ ،‬رابط املوضوع‪:‬‬
‫‪ 355‬متفق عليه‪ .‬انظر ‪ :‬حممد انصر الدين اْللباين‪ ،‬خمتصر الشمائل احملمدية‪ ،‬املكتبة اإلسَلمية‪ ،‬عمان‪ ،‬اْلردن‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫‪ 356‬صفي الرمحن املباركفوري‪ ،‬الرحيق املختوم‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪243‬‬


‫ِ‬
‫القلوب‪ ...‬ومل أجد ِف خطب السلف الطيب‪ ،‬واْلعراب اْلقحاح ألفاظًا مسخوطة‪ ،‬وال معاينَ‬
‫مستكرها" ‪.357‬‬
‫ً‬ ‫ردَي‪ ،‬وال قوالً‬
‫مدخولة‪ ،‬وال طبعا ً‬
‫وقال أيضا‪" :‬فإذا كان املعىن شريفا‪ ،‬واللفظ بليغا‪ ،‬وكان صحيح الطبع بعيدا عن االستكراه‪،‬‬
‫‪358‬‬
‫ومنزها عن االختَلل‪ ،‬مصوان عن التكلف صنع ِف القلب صنيع الغيث ِف الرتبة الكرمية"‬
‫وقال عبد القاهر اجلرجاين ‪ ..." :‬وهو أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس ِف استعماهلم‪،‬‬
‫‪359‬‬
‫ويتداولونه ِف زماهنم‪ ،‬وال يكون وحشيا غريبا‪ ،‬أو عاميا سخيفا "‬
‫إذن‪ ،‬فصاحة الكلمة أتت من خلوها من تنافر احلروف‪ ،‬والغرابة‪ ،‬وخمالفة القياس‪ ،‬وفصاحة‬
‫الكَلم أتت من خلوه من ضعف التأليف‪ ،‬وتنافر الكلمات‪ ،‬والتعقيد‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن نصوص الرتاث اإلسَلمي بعد نزول القرآن الكرمي وهدي الرسول أخذت فيه‬
‫الكلمات اجلافية ختتفي عن ألسن العرب رويدا رويدا‪ ،‬وأصبح ما اللغة العربية كله مطبوعا ِبلطابع‬
‫الشرعي البعيد عن التكلف والتقعر‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬القول حبيادية اللغة وأهنا معزولة عن الثقافة ‪:‬‬


‫وقضية اللغة ليست قضية حيادية؛ فهي تعكس توجهات فكرية وسياسية ِف العمق‪ ،‬ومفهـوم‬
‫حيادية اللغة يقتضي أن يكـون حمتـوى املـنهج اللغـوي الـذي يقـدم ِف بـرامج تعلـيم العربيـة للنـاطقني بغريهـا‪،‬‬
‫خاليًـا مــن أي مضــمون ثقــاِف‪ ،‬أو حضــاري‪ ،‬بعيـ ًـدا عــن أي مــدخل قــرآين‪ ،‬فــَل تعــري ‪ِ -‬ف ســطحية وضــيق‬
‫اهتماما ملثل هذا البعد احلضاري ِف تعليم العربية لغري أبنائها‪.‬‬
‫ً‬ ‫أفق‪-‬‬
‫وهذا ال يتفق وما عليه تعليم اللغات اْلخرى الذي يستصحب معه البعد الثقاِف‪ ،‬وال يتفق مع‬
‫ما استقر عند اللغويني من عَلقة اللغة بثقافة أهلها‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬دعوى صالحية الربامج والكتب لكل الفئات ‪:‬‬

‫‪357‬‬
‫اجلاحظ‪ ،‬البيان والتبيني (‪)4 -3 / 2‬‬
‫‪ 358‬اجلاحظ‪ ،‬البيان والتبيني (‪)47 / 1‬‬
‫‪359‬‬
‫عبد القاهر اجلرجاين ‪ ،‬كتاب أسرار البَلغة‪ ،‬مطبعة املدين ِبلقاهرة‪ ،‬دار املدين جبدة‪ 1412 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪6‬‬

‫‪244‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫يطمح كثري من معدي برامج تعليم العربية وكثري من مؤلفي كتب تعليم العربية لغري الناطقني‬
‫بـها إىل أن يصل إىل أكرب شرحية من الدارسني‪ ،‬ليستفيدوا من هذه الربامج والكتب‪.‬‬
‫وخيطئ بعض املؤلفني‪ ،‬وبعض معدي الربامج ِف ظنهم أنـهم إذا جتنبوا عرض القضاَي الثقافية‬
‫العربية اإلسَلمية تكون تلك الكتب أو الربامج صاحلة ومناسبة لشرائح املتعلمني على اختَلف‬
‫خلفياهتم الدينية والثقافية‪.‬‬
‫وعند مناقشة هذا الزعم يتبني أن اْلمر على خَلف ما ظنوا؛ فهذه الكتب والربامج ال‬
‫تناسب املسلمني وال غريهم ممن يريد تعلم هذه اللغة بثقافتها‪ ،‬وبـهذا يفقد هذا النوع من التعليم‬
‫مقومات أساسية ِف تعليم هذه اللغة؛ من تلبية حاجات الدارسني‪ ،‬وإاثرة دافعيتهم‪ ،‬وتشويقهم إىل‬
‫التعليم‪ ،‬إىل جانب أنه سعي وراء مصلحة متومهة‪ ،‬وترك للمصلحة املتحققة‪.‬‬
‫وعلى افرتاض أن طائفة من املتعلمني من غري املسلمني يرغبون ِف ذلك فهم قليل‪ ،‬ومن هنا‬
‫أصبحت صَلحية هذا النوع لفئة قليلة‪ ،‬واْلصل تغليب جانب الكثرة‪.‬‬
‫واخلَلصة أن الكتب والربامج اليت تـهتم ِبلثقافة العربية اإلسَلمية تناسب أغلب الدارسني‪،‬‬
‫ويستفيد منها غري املسلمني أيضا ‪ -‬كما مر من ارتباط اللغة بثقافة أهلها‪ -‬وكثري من املهتمني يتومهون‬
‫أن بعض الدارسني ينفرون من الربامج والكتب اليت تـهتم ِبجلانب الثقاِف للغة‪ ،‬واحلقيقة أن الذين ال‬
‫يرغبون ِف ذلك قلة من قليل‪ ،‬ال ينبغي أن ترتك اْلصول مراعاة هلم‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬دعوى أن هذه مهمة اجلامعات واملعاهد اإلسالمية فحسب‪:‬‬


‫من اْلمور اليت استقرت ِف جمال تعليم اللغة لغري الناطقني هبا االرتباط الوثيق بني اللغة اهلدف‬
‫وثقافة أهلها‪ ،‬ومع هذه احلقيقة املستقرة نرى بعضا من املهتمني هبذا امليدان حبصر االهتمام ِبجلانب‬
‫الثقاِف للغة ِبملعاهد واملراكز واجلامعات اإلسَلمية‪ ،‬وخيرج غريها من هذا االهتمام‪ ،‬وهذا االجتاه خمالف‬
‫ْلصول تعليم اللغات بعامة‪ ،‬وخمالف خلصوصية اللغة العربية وارتباطها ِبلثقافة العربية اإلسَلمية خباصة‪.‬‬
‫صحيح أن تكثيف اجلانب الثقاِف قد هتتم به املعاهد واملراكز واجلامعات والربامج اإلسَلمية‬
‫أكثر‪ ،‬وهذا أمر طبيعي‪ ،‬حيث يصبح التعليم ْلغراض خاصة‪ ،‬ولكن هذا ال يعفي غريها من االهتمام‬
‫ِبجلانب الثقاِف الضروري‪ ،‬وليس مطلوِب منهم أن يكثفوا هذا النوع‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬دعوى مصلحة الدعوة ‪:‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪245‬‬


‫توهم السعي ملا فيه مصلحة الـدعوة قـد تفضـي ِبعـدي الـربامج اللغويـة والكتـب اللغويـة التعليميـة‪،‬‬
‫ِف جمــال تعلــيم العربيــة لغــري النــاطقني هبــا إىل البعــد ع ـن تضــمني هــذه ال ـربامج والكتــب شــيئا مــن الثقافــة‬
‫العربية اإلسَلمية ؛ لـئَل ينفـر مـن ذلـك غـري املسـلمني‪ .‬فحرمـوا املسـلمني الفائـدة املتحققـة؛ رجـاء بفائـدة‬
‫غري متحققة فيما خيص غري املسلمني‪.‬‬
‫وقد عاتب هللا تعاىل رسوله صلى هللا عليه وسلم حينما أعرض عن عبد هللا بن أم مكتوم رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬وأقبل على كفار قريش طمعا ِف إمياهنم‪ ،‬وكان النيب صلى هللا عليه وسلم مشغوال أبمر مجاعة‬
‫من كرباء قريش يدعوهم إىل اإلسَلم حينما جاءه ابن أم مكتوم الرجل اْلعمى الفقري‪ ،‬وهو ال يعلم أنه‬
‫مشغول أبمر القوم‪ ،‬يطلب منه ان يعلمه مما علمه هللا‪ ،‬فكره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هذا‪،‬‬
‫وعبس وجهه وأعرض عنه‪ ،‬فرتل القرآن يعاتب الرسول صلى هللا عليه وسلم عتاِب شديدا؛ ويقرر حقيقة‬
‫القيم ِف حياة اجلماعة املسلمة ِف أسلوب قوي حاسم‪ ،‬كما يقرر حقيقة هذه الدعوة وطبيعتها‪.‬‬
‫﴿ عبس وتَـوَّىل * أَن جاءه ْاْلَعمى * وما ي ْد ِريك لَعلَّه يـَّزَّكى * أَو ي َّذ َّكر فَـتن َفعه ِ‬
‫الذ ْكَرى * أََّما َم ِن‬ ‫ْ َ ُ َ َُ‬ ‫ََ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫َنت َعْنهُ‬
‫اءك يَ ْس َعى * َوُه َو َخيْ َشى * فَأ َ‬ ‫ك أََّال يـََّزَّكى * َوأ ََّما َمن َج َ‬
‫صدَّى * َوَما َعلَْي َ‬
‫َنت لَهُ تَ َ‬
‫استَـ ْغ َىن * فَأ َ‬
‫ْ‬
‫تَـلَ َّهى ﴾ {عبس‪}10 - 1‬‬
‫ودعــوى مصــلحة الــدعوة قــد تكــون خطــرية؛ فتقــود املــرء أحيــاان إىل التنــازل عــن أمــور مهمــة يراهــا‬
‫صــغرية‪ ،‬ومــا يلبــث طــويَل فســرعان مــا يقبــل التنــازل عــن الكثــري‪ ،‬فهــي أمــور جيــر بعضــها بعضــا‪ ،‬وقــد ال‬
‫يش ــعر هب ــا املتن ــازل‪ .‬وق ــد تقـ ــرر أن ــه " ال ي ــرتك أم ــر معل ــوم ْلمـ ــر موه ــوم " " وال مص ــلحة حمقق ــة ملصـ ــلحة‬
‫متومهة"‪.‬‬

‫اثمنا ‪ :‬املبالغة يف جماملة املستهدفني ‪:‬‬


‫ثقافة أصحاب اللغة‪ ،‬وأهدافهم ينبغي أن تراعى ِف الكتب وِف الربامج‪ ،‬وتراعى أهداف‬
‫الدارسني أيضا ‪ ،‬ولكن هذا ال يعين أن يتحول احملتوى الثقاِف للغة إىل احملتوى الثقاِف للدارسني؛ فهذا‬
‫خيالف ما تقرر من ارتباط كل لغة بثقافة أهلها‪ .‬والتزلف للدارسني بنقل ثقافتهم إىل اللغة اهلدف‪،‬‬
‫والسيما ما يتعارض مع ثقافة أصحاب اللغة – خطأ فادح‪ ،‬اليقود إىل تعليم صحيح‪.‬‬
‫ولذا ال ينبغي ِف تعليم العربية أن أنت ِبا خيالف أخَلقنا وقيمنا اإلسَلمية‪ .‬فمثَل‪ ،‬ثقافتنا‬
‫اإلسَلمية ال ترفض اخلمر فحسب‪ ،‬بل حترمها ومن اخلطأ أن ندعو ِف كتبنا ومناهجنا‪ ،‬ملا يناقض‬

‫‪246‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫اإلسَلم‪ ،‬وليس حجة أن يقال‪ ،‬إن هذه الكتب معدة لقوم اخلمر واملاء عندمها سيان‪ ،‬فنحن نقدم ِف‬
‫مناهجنا ثقافتنا‪ ،‬ال ثقافة أولئك اْلقوام‪.‬‬

‫والغريــب أن مــن يــدعي مراعــاة أهــداف الدارســني – وهــي صــحيحة بض ـوابطها – يلغــي جانــب‬
‫الكثــرة ليحقــق مطلــب القلــة‪ ،‬وقــد يكــون دارســا واحــدا‪ ،‬وهــذا ينــاِف العقــل واملنطــق‪ ،‬ومؤشــر مــن مؤشـرات‬
‫االنـهزامية‪ ،‬اليت ال ترى الكثري من طرف اْلمة‪ ،‬وترى القليل من طرف غريها‪.‬‬

‫اتسعا ‪ :‬دعوى أن ثقافة العرب تغين عن الثقافة اإلسالمية ‪:‬‬


‫االقتصــار علــى ثقافــة العــرب دون الثقافــة اإلســَلمية بــزعم أهنــا تكفــي‪ ،‬وأننــا نكــون حققنــا تعلــيم‬
‫اللغة بثقافتها‪ .‬وهذا الزعم غري صحيح من نو ٍاح‪ ،‬أمهها ‪:‬‬
‫‪ o‬الثقاف ــة ِف تعريفه ــا ومفهومه ــا تش ــمل العقائ ــد والش ـرائع والق ـوانني واَلداب‪ ...‬وأغل ــب م ــا ِف ثقاف ــة‬
‫اللغة العربية من الدين‪.‬‬
‫‪ o‬ما خيص ثقافة العرب أغلبه عادات وطريقة ِف العيش‪ ،‬وأغلبها أعمال وأفعال ال أفكار‪.‬‬
‫‪ o‬نسبة ما يعزى إىل الثقافة العربية دون اإلسَلمية من ذلك قليل جدا‪.‬‬
‫‪ o‬وهذا القليل يتم كثري منه ِبملشاهدة الفعلية أو املمارسة‪ ،‬وإن مل يدرج ِف التعليم‪ ،‬وإن أدرج فجيد‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪247‬‬


‫الفصل التاسع‬

‫حتليل احملتوى الثقايف يف كتاب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‬

‫‪248‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫حتليل احملتوى الثقايف يف كتاب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‬

‫دراسة احملتوى الثقاِف واْلخَلقي والقيمي ِف املقررات الدراسية من املوضوعات احليوية؛ دلك‬
‫الرتباطها الوثيق ِبلفرد واجملتمع وحاجة كل منهما ‪ِ -‬ف وقتنا احلاضر‪ -‬إىل تعزيز هويته الثقافية ِف زمن‬
‫تتمازج فيه الثقافات وتتشابك‪ ،‬مما يستدعي تدعيم التفاهم بني الشعوب واْلفراد ِف شّت ضروب احلياة‪،‬‬
‫والسيما عن طريق الرتبية والثقافة والعلوم واالتصال‪ 360.‬وحتليل احملتوى الثقاِف ِف مناهج تعليم اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وتقومي صحته‪ ،‬ومدى صَلحيته‪ ،‬ومَلءمة أساليب عرضه مفيد لتقومي املسرية التعليمية‪.‬‬
‫أحرى الدكتور رشدي طعمية (‪1982‬م) دراسة لتحديد اْلسس املعجمية والثقافية بتعليم اللغة‬
‫العربية لغري الناطقني هبا‪ ،‬وقد هدفت الدراسة إىل حتديد املواقف العامة اليت يتوقع أن مير هبا الدارس من‬
‫غري الناطقني ِبللغة العربية ِف تعامله اليومي‪ ،‬وِف املواقف العامة اْلخرى اليت يواجهها أثناء تعامله مع‬
‫الناطقني ِبلعربية‪ ،‬وحتديد املفردات اْلساسية اليت تليب حاجات الدارسني للغة العربية لغري الناطقني هبا‪،‬‬
‫مما ميكنهم من االتصال ِبتحدثي اللغة العربية بكفاءة‪ .‬والتعرف على املَلمح احلضارية والثقافية البارزة‬
‫ِف الوطن العرب اليت ينبغي على متعلم اللغة العربية لغري الناطقني هبا أن يلم هبا كمنطق لفهم احلضارة‬
‫‪361‬‬
‫العربية ِف ماضيها وحاضرها‪.‬‬

‫‪ .1‬ما هي الصور الثقافية اليت اشتملت عليها كتب اللغة العربية لغة اثنية؟‬
‫‪ .2‬ما هي الصور الثقافية اليت تكررت أكثر من غريها ِف كتاب اللغة العربية لغة اثنية؟‬
‫‪ .3‬ما هي الصور الثقافية اليت تكررت أقل من غريها ِف كتاب اللغة العربية لغة اثنية؟‬
‫‪362‬‬
‫‪ .4‬كيف توزعت الصور الثقافية ِف كتاب اللغة العربية لغة اثنية؟‬

‫‪ 360‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات تعليم اللغة العربية لغة‬
‫اثنية "‬
‫‪ 361‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات تعليم اللغة العربية لغة‬
‫اثنية "‬
‫‪ 362‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات تعليم اللغة العربية‬
‫لغة اثنية " ( بتصرف )‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪249‬‬


‫نقاط تساعد على حتليل الكتاب ‪:‬‬
‫▪ إذا اشتمل الكتاب على واحدة من النقاط التالية‪ ،‬يعد منحازا ضد الثقافة العربية اإلسَلمية ‪:‬‬
‫‪ o‬التهجم على املسلمات اإلسَلمية وشعائره‪.‬‬
‫‪ o‬ترك املواقف املتفقة مع اإلسَلم مع عرض مثيَلهتا املتفقة مع غريه‪.‬‬
‫‪ o‬اشتماله على مواقف معارضة لإلسَلم‪.‬‬
‫‪ o‬اشتماله على صور وأشكال خمالفة لإلسَلم‪.‬‬
‫▪ ينظر ِف الشرحية املستهدفة هبذا الكتاب‪ ،‬وهل حقق أهدافهم‪.‬‬
‫▪ وإن كان الكتاب موجها لغري املسلمني ال يقبل منه أن خيلو متاما من الثقافة‪.‬‬
‫▪ ثقافة اللغة املَلزمة هلا ال يقبل جتاهلها‪.‬‬
‫▪ جيب تقدمي أصول تعليم اللغة ومراعاهتا‪ ،‬وال ينبغي السري وراء الفائدة الثقافة على حساب أصول‬
‫تعليم اللغة‪.‬‬
‫▪ من مؤشرات ضعف الكتاب خلوه من أي موضوع ثقاِف إسَلمي‪.‬‬

‫األمثلة والنصوص ‪:‬‬


‫‪ o‬موافقة للثقافة‬
‫‪ o‬حمايدة‬
‫‪ o‬خمالفة‬
‫الصور واألشكال ‪:‬‬
‫‪ o‬موافقة للثقافة‬
‫‪ o‬حمايدة‬
‫‪ o‬خمالفة‬

‫‪250‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫استمارة حتليل احملتوى الثقايف يف كتاب تعليم العربية لغري الناطقني هبا ‪:‬‬
‫موافق متوقف غري موافق‬ ‫البنود‬ ‫م‬
‫‪ 1‬يقدم الكتاب الثقافة العربية واإلسَلمية بصورة مناسبة‪.‬‬
‫‪ 2‬يقدم الكتاب الثقافة العربية واإلسَلمية بصورة مباشرة‪.‬‬
‫‪ 3‬يقدم الكتاب الثقافة العربية واإلسَلمية بصورة غري مباشرة‪.‬‬
‫‪ 4‬حيتوي الكتاب على نصوص متعددة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ 5‬يَلئم احملتوى الثقاِف عمر الدارسني‪.‬‬
‫‪ 6‬يَلئم احملتوى الثقاِف مستوى الدارسني التعليمي‪.‬‬
‫‪ 7‬يَلئم احملتوى الثقاِف مستوى الدارسني اللغوي‪.‬‬
‫‪ 8‬يليب احملتوى الثقاِف حاجات الدارسني‪.‬‬
‫‪ 9‬يسهم الكتاب ِف حتقيق فهم اإلسَلم‪.‬‬
‫‪ 10‬خيلو الكتاب من املخالفات الثقافية واإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ 11‬احملتوى ثري ِبملفردات اإلسَلمية الشائعة‪.‬‬
‫‪ 12‬تتفق نصوص الكتاب وتتكامل مع مفاهيم الثقافة اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ 13‬احملتوى الثقاِف متنوع‪.‬‬
‫‪ 14‬حيتوي الكتاب على ألفاظ وتعبريات إسَلمية شائعة بدرجة مقبولة‪.‬‬
‫‪ 15‬يهتم الكتاب بعرض مناذج حقيقية من الثقافة اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ 16‬يهتم الكتاب بعرض مناذج حقيقية من احلضارة اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ 17‬خيرج الدارس للكتاب ِبنطباع إجياب عن الثقافة اإلسَلمية‪.‬‬
‫‪ 18‬يعرض املفاهيم الثقافية العربية واإلسَلمية بطريقة مناسبة‪.‬‬
‫تش ــيع النم ــاذج احلقيقي ــة للثقاف ــة العربي ــة اإلس ــَلمية ( أمس ــاء أش ــخاص‬
‫‪19‬‬
‫وبَلد وخرائط وآَيت وأحاديث‪.) ...‬‬
‫‪ 20‬يوافق حمتوى الكتاب الثقافة العربية اإلسَلمية‬
‫‪ 21‬خيلو الكتاب من اإلساءة إىل ثقافة اَلخرين‬
‫‪ 22‬خيرج القارئ ِبنطباع جيد عن الثقافة العربية اإلسَلمية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪251‬‬


‫املصادر واملراجع‬

‫‪252‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫املراجع واملصادر‬
‫‪ .1‬د‪ .‬إبراهيم الشافعي‪ ،‬الرتبية اإلسَلمية وطرق تدريسها‪ ،‬مكتبة الفَلح‪ 1409 ،‬هـ‬
‫‪ .2‬ابن العماد احلنبلي‪ ،‬شذرات الذهب‬
‫‪ .3‬ابن تيمية‪ ،‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪470 / 1‬‬
‫‪ .4‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع فتاوى شيخ اإلسَلم ‪252 / 22‬‬
‫‪ .5‬ابن جين‪ ،‬اخلصائص طبعة دار الكتب املصرية" ‪.8 /2‬‬
‫‪ .6‬ابن عثيمني‪ ،‬أصول ِف التفسري‬
‫‪ .7‬ابن يعيش‪ ،‬شرح املفصل‬
‫‪ .8‬أبو الربكات ابن اْلنباري‪ ،‬نزهة اْللباء ‪22،21‬‬
‫‪ .9‬أبو بكر حممد بن القاسم بن بشار اْلنباري‪ ،‬حتقيق حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬إيضاح الوقف‬
‫واالبتداء‪ ،‬رمضان‪ ،‬مطبوعات‪ ،‬جممع اللغة العربية بدمشق ‪1395‬هـ‪1971 ،‬م‬
‫أبو حممد عبد هللا بن السيد البطليموسي‪ ،‬اإلنصاف‬ ‫‪.10‬‬
‫أبو املعايل اجلويين‪ ،‬غياث اْلمم ِف التياث الظُّلم‬ ‫‪.11‬‬
‫أبو منصور الثعاليب النيسابوري‪ ،‬فقه اللغة وسر العربية‪ ،‬دار الكتب العاملية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫د‪ .‬أمحد إبراهيم خضر‪ ،‬فهم اإلسَلم عرب االصطَلحات الغربية‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،159‬ص‬ ‫‪.13‬‬
‫‪117‬‬
‫أمحد شفيق اخلطيب‪" :‬املواصفات املصطلحية وتطبيقاهتا ِف اللغة العربية"‪( ،‬حبث‬ ‫‪.14‬‬
‫ضمن كتاب املوسم الثقاِف اخلامس عشر جملتمع اللغة العربية اْلردين – ‪،)1997‬‬
‫عمان‪ ،‬اجملمع‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪( ،‬ص‪.)193 :‬‬
‫د‪ .‬أمحد شيخ عبد السَلم‪ " ،‬منط العربية الفصحى ِف تعليم العربية للناطقني بلغات أخرى "‬ ‫‪.15‬‬
‫العربية للناطقني بغريها‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬يناير ‪ 2010‬م‪ ،‬ص ‪73 – 33‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبد السَلم‪ " ،‬العوملة والثقافة اللغوية وتبعاهتا للغة العربية"‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية العاملية‪/‬‬ ‫‪.16‬‬
‫ماليزَي‬
‫د‪ .‬أمحد عبده عوض‪ ،‬فضل اللغة العربية تعلما وحتداث والتزاما‬ ‫‪.17‬‬
‫د‪ .‬أمحد عبده عوض‪ِ ،‬ف فضل اللغة العربية‪ ،‬مركز الكتاب للنشر‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫د‪ .‬أمحد فريد‪" ،‬اللغة العربية لغة الثقافة اإلسَلمية"‬ ‫‪.19‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪253‬‬


‫آدم كوبر‪ ،‬ترمجة تراجي فتحي‪ ،‬الثقافة‪ :‬التفسري اْلنثوبولوجي‬ ‫‪.20‬‬
‫د‪ .‬إسحاق حممد اْلمني‪ِ " ،‬ف سبيل تيسري قراءة القرآن الكرمي للناطقني بغري العربية " العربية‬ ‫‪.21‬‬
‫للناطقني بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،10‬يونيو ‪ 2010‬م‬
‫إمساعيل فهمي‪" ،‬بواعث احلقد على لغتنا"‪ ،‬اجمللة العربية‪ ،‬عدد ‪ ،118‬ص‪101-100‬‬ ‫‪.22‬‬
‫د‪ .‬أماين علي حممد احلسن‪ " ،‬تعليم اللغة العربية من خَلل النصوص الرتاثية للناطقني بغريها"‪،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫العربية للناطقني بغريها‪ ،‬العدد ‪ ،12‬يونيو ‪ 2011‬م‬
‫د‪ .‬بدر بن عبدهللا العكاش‪ ،‬متَلزمة اللغة والثقافة ِف دراسة اللغات (رسالة إىل إخواين‬ ‫‪.24‬‬
‫املبتعثني)‬
‫برانمج تعليم العربية ْلغراض الدراسات العربية واإلسَلمية جبامعات دول العامل اإلسَلمي ِف‬ ‫‪.25‬‬
‫جنوب شرقي آسيا (ماليزَي‪ ،‬سلطنة برواني‪ ،‬إندونيسيا‪ِ ،‬بكستان) "‬
‫البطليموسي‪ ،‬التنبيه‬ ‫‪.26‬‬
‫البطليموسي اإلنصاف‬ ‫‪.27‬‬
‫توصيات ندوة خرباء ومسؤولني حبث وسائل تطوير وإعداد معلمي اللغة العربية ِف الوطن العرب‪،‬‬ ‫‪.28‬‬
‫املعقودة ِف الرَيض سنة ‪1397‬هـ‬
‫جابر عصفور‪ " ،‬اهلوية الثقافية واللغة"‬ ‫‪.29‬‬
‫جان جاك لوسركل‪ ،‬عنف اللغة‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت ‪2000‬‬ ‫‪.30‬‬
‫جَلل الدين السيوطي‪ ،‬صون املنطق والكَلم عن فن املنطق والكَلم‪ 1366 ،‬ه‬ ‫‪.31‬‬
‫جَلل الدين السيوطي‪ ،‬اإلتقان ِف علوم القرآن‬ ‫‪.32‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬جَلل السعيد احلفناوي‪ " ،‬موقع احلرف العرب على خريطة اللغات العاملية وأتثريه ِف‬ ‫‪.33‬‬
‫تعليم طَلب معهد اللغة العر بية لغري الناطقني هبا ِبجلامعة اإلسَلمية ِبملدينة املنورة "‪ ،‬العربية‬
‫للناطقني بغريها‪ ،‬العدد الثاين عشر‪ ،‬يونيو ‪ 2011‬م‪ ،‬ص ‪194 – 89‬‬
‫مجيل عيسى املَلئكة‪" ،‬اللغ ة العربية ومكانتها اإلسَلمية ِف الثقافة العربية"‪ ،‬رقم العدد‪1082 :‬‬ ‫‪.34‬‬
‫املوضوع‪ :‬أدب وثقافة‪.6 ،‬‬
‫جون جوزيف‪ ،‬ترمجة د‪ .‬عبد النور خراقي‪ ،‬اللغة واهلوية‬ ‫‪.35‬‬
‫حبيب أبو قيس‪" ،‬علة اهتمام اْلمم بلغاهتا " ‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬ع ‪71 - 64 ،17‬‬ ‫‪.36‬‬
‫حسن حممد ِبجودة‪" ،‬القران الكرمي حافظ اللغة"‪ ،‬جملة املنهل‪ ،‬عدد‪ 504‬ص‪12-6‬‬ ‫‪.37‬‬

‫‪254‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫د‪ .‬خالد الصمدي‪" ،‬الفرنكوفونية‪ ..‬املفروضة والصبغة املرفوضة ‪ :‬جوانب من أتثري الفرنكوفونية‬ ‫‪.38‬‬
‫ِف نظام الرتبية والتعليم ِبملغرب " جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،177‬ص ‪29‬‬
‫د‪ .‬خالد بن عبد الكرمي الَلحم‪ ،‬مفاتح تدبر القرآن والنجاح ِف احلياة‪ ،‬جائزة اْلمري سلطان‬ ‫‪.39‬‬
‫الدولية ِف حفظ القرآن للعسكريني‪ 1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫د‪ .‬خالد حممد الصغري‪ " ،‬تعليم اللغة اإلجنليزية ِبعزل عن ثقافتها!! "‬ ‫‪.40‬‬
‫د‪ .‬خليل أمحد عمايرة "اإلعداد الثقاِف ملعلم اللغة العربية للناطقني بغريها "‪ ،‬ندوة تطوير برامج‬ ‫‪.41‬‬
‫إعداد معلمي اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى‪ ،‬اخلرطوم‪.‬‬
‫دافيد بلوك وديبورا كامريون‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد عطية الشرشاب‪ ،‬العوملة وتدريس اللغة‬ ‫‪.42‬‬
‫الرازي‪ ،‬احملصول ِف علم أصول الفقه‬ ‫‪.43‬‬
‫راوية جاموس‪ " ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني هبا عرب ثقافتها"‬ ‫‪.44‬‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬الثقافة العربية اإلسَلمية بني التأليف والتدريس‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر‬ ‫‪.45‬‬
‫العرب‪ ،‬القاهرة (‪)1998‬‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة ‪ :‬تعليم العربية لغري الناطقني هبا ‪ :‬مناهجه وأساليبه‪ ،‬ط‪ ،1‬املنظمة‬ ‫‪.46‬‬
‫اإلسَلمية للرتبية والعلوم والثقافة‪ ،‬الرِبط (‪1989‬م)‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬املرجع ِف علم اللغة العربية للناطقني ِبللغات اْلخرى‪ ،‬جامعة أم القرى‬ ‫‪.47‬‬
‫(‪1986‬م)‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬دليل عمل ِف إعداد املواد التعليمية لربامج تعليم العربية‪ ،‬جامعة أم‬ ‫‪.48‬‬
‫القرى‪ 1405 ،‬هـ‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ " ،‬احملتوى الثقاِف ِف برامج تعليم العربية كلغة اثنية ِف اجملتمعات‬ ‫‪.49‬‬
‫اإلسَلمية"‪ ،‬حبوث املؤمتر الرتبوي‪ ،‬اجلزء اْلول‪ ،‬ذو احلجة‪ 1411 ،‬ه‬
‫د‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ " ،‬اهتمامات اْلجانب حنو الثقافة العربية اإلسَلمية‪ ،‬دراسة ميدانية‬ ‫‪.50‬‬
‫للطَلب ِف برامج تعليم العربية كلغة اثنية" دراسات تربوية‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬يونيو ‪ 1986‬م‬
‫الرماين‪ ،‬معاين احلروف‬ ‫‪.51‬‬
‫روبرت فليبسون‪ ،‬ترمجة د‪ .‬سعد بن هاي احلشاش‪ ،‬اهليمنة اللغوية‬ ‫‪.52‬‬
‫زبيدة بنت حممد خري عرقسوسي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم اللغة اإلجنليزية‪ " ،‬اللغة اْلجنبية واهلوية‬ ‫‪.53‬‬
‫الثقافية للناشئة ِف عصر العوملة "‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪255‬‬


‫الزجاجي‪ ،‬اإليضاح ِف علل النحو‬ ‫‪.54‬‬
‫الزركشي‪ ،‬الربهان ِف علوم القرآن‬ ‫‪.55‬‬
‫الزخمشري‪ ،‬املفصل‬ ‫‪.56‬‬
‫سارة براسل‪ ،‬ترمجة د‪ .‬بشري الشاوش‪ " ،‬العَلقة بني اللغة والفكر "‬ ‫‪.57‬‬
‫سارة براسل‪ ،‬ترمجة د‪ .‬بشري الشاوش‪ " ،‬اللغة العرق واالخَلق "‬ ‫‪.58‬‬
‫سعد بن عبد هللا الغايل‪ ،‬موضوعات الثقافة اإلسَلمية اْلساسية ِف كتب تعليم العربية لغري‬ ‫‪.59‬‬
‫الناطقني هبا‪( ،‬رسالة ماجستري) من قسم علم اللغة التطبيقي ِبعهد تعليم اللغة العربية جبامعة‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسَلمية‪ 1411 ،‬هـ‬
‫د‪ .‬سعيد إبراهيم عبد الواحد‪" ،‬مفهوم الثقافة "‬ ‫‪.60‬‬
‫د‪ .‬سليمان بن إبراهيم العايد‪ ،‬مقاالت ِف اللغة العربية (‪ ،)1‬مكتبة الرشد‪ 1431 ،‬هـ‬ ‫أ‪.‬‬
‫د‪ .‬سليمان بن إبراهيم العايد‪ " ،‬املؤدبون وجتربتهم ِف تعليم العربية " مقاالت ِف اللغة العربية‪،‬‬ ‫‪.61‬‬
‫مكتبة الرشد‪ 1431 ،‬هـ‬
‫السيد رزق الطويل‪" ،‬اللسان العرب واإلسَلم معا ِف معركة التحدي"‪ ،‬جملة كلية الدراسات‬ ‫‪.62‬‬
‫اإلسَلمية والعربية‪ ،‬عدد‪ 1‬ص‪230 – 211‬‬
‫سيد قطب‪ِ ،‬ف ظَلل القرآن‪ ،‬دار العم‪ ،‬جدة‪ 1406 ،‬ه‬ ‫‪.63‬‬
‫الشاطيب‪ ،‬االعتصام ‪ ،‬دار ابن عفان‪ 1412 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪.64‬‬
‫الشاطيب‪ ،‬املوافقات ِف أصول الشريعة‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬ ‫‪.65‬‬
‫الشافعي‪ ،‬الرسالة‪ ،‬حتقيق أمحد شاكر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬ ‫‪.66‬‬
‫الشنقيطي‪ ،‬أضواء البيان ِف إيضاح القرآن ِبلقرآن‪ 1393 ،‬ه‬ ‫‪.67‬‬
‫الشيخ صاحل بن محيد ‪ ،‬اللغة‪ ..‬عنوان سيادة اْلمة ( خطبة )‬ ‫‪.68‬‬
‫صفي الرمحن املباركفوري‪ ،‬الرحيق املختوم‪ ،‬دار الكلمة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬املنصورة‪.‬‬ ‫‪.69‬‬
‫‪1418‬ه‬
‫د‪ .‬عائشة عبد الرمحن‪ ،‬لغتنا واحلياة‪ ،‬دار املعارف‪ 1991 ،‬م‬ ‫‪.70‬‬
‫د‪ .‬عبد الرمحن آل عثمان‪ " ،‬أحكام الرطانة "‪ ،‬جملة البيان ‪ -‬العدد ‪ - 152‬ربيع اَلخر‬ ‫‪.71‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪256‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‪ ،‬إضاءات ملعلمي اللغة العربية لغري النالطقني هبا‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪.72‬‬
‫احلميضي‪ 1432 ،‬هـ‬
‫عبد الرمحن بن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬الفصل الثالث والعشرون‬ ‫‪.73‬‬
‫عبد الرمحن بن انصر السعدي‪ ،‬تيسري الكرمي الرمحن ِف تفسري كَلم املنان‪ ،‬مكتبة املعارف‪،‬‬ ‫‪.74‬‬
‫الرَيض‪ 2002 ،‬م‬
‫عبد الرزاق بن فراج الصاعدي‪ :‬تداخل اْلصول اللغوية وأثره ِف بناء املعجم‪ ،‬عمادة البحث‬ ‫‪.75‬‬
‫العلمي‪ ،‬اجلامعة اإلسَلمية ِبملدينة املنورة‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬أساسيات تعليم اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى‪،‬‬ ‫‪.76‬‬
‫جامعة أم القرى‪ 1422 ،‬هـ‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬ود‪ .‬عبد الرمحن الفوزان‪ ،‬اللغة العربية (‪ )7‬الدراسات‬ ‫‪.77‬‬
‫اللغوية للتعليم الثانوي‪ ،‬مسار العلوم اإلنسانية‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم‪1432 ،‬ه‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن عبد هللا بن طالب‪ ،‬الدراسة ِف الغرب‪ ،‬الفصل الثاين عشر‪ :‬الصدمة الثقافية‪.‬‬ ‫‪.78‬‬
‫عبد العزيز القارئ‪ ،‬دراسات ِف أصول اللغات العربية‪ .‬اجلامعة اإلسَلمية ِبملدينة‬ ‫‪.79‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد القادر الفاسي الفهري‪ " ،‬السياسة اللغوية والتخطيط‪ :‬مسار ومناذج " من منشورات‬ ‫‪.80‬‬
‫مركز امللك عبد هللا الدويل خلدمة اللغة العربية‪ 1435 ،‬ه‬
‫عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬كتاب أسرار البَلغة‪ ،‬مطبعة املدين ِبلقاهرة‪ ،‬دار املدين جبدة‪1412 ،‬هـ‬ ‫‪.81‬‬
‫د‪ .‬عبد الكرمي بكار‪ ،‬حول الرتبية والتعليم‬ ‫‪.82‬‬
‫عبد هللا بن محد اخلثران‪ " ،‬أمهية اللغة العربية لدارس الكتاب والسنة واملتأمل فيهما " جملة‬ ‫‪.83‬‬
‫البيان‪ ،‬العدد ‪ ،182‬ص ‪66‬‬
‫د‪ .‬عبد هللا الدانن‪ " ،‬أفضل الطرق لتعليم صغارك العربية الفصحى"‬ ‫‪.84‬‬
‫عبد هللا حممد احلقيل‪" ،‬انتشار اللغة العربية يعين إشاعة القيم واملثل العليا"‪ ،‬جملة العرب‪ ،‬عدد‬ ‫‪.85‬‬
‫‪،114‬ص‪96‬‬
‫د‪ .‬عبد الوهاب عبد هللا اخلميس‪ " ،‬تعلم اللغة االجنليزية‪...‬تعلم لغة أم ثقافة ؟ "‬ ‫‪.86‬‬
‫عثمان بن علي برجس‪ ،‬منهج االستدالل على مسائل االعتقاد عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪.87‬‬
‫‪507/2‬‬
‫د‪ .‬عدانن النحوي‪ ،‬ملاذا اللغة العربية‪ ،‬دار النحوي‪ 1418 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪.88‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪257‬‬


‫د‪ .‬عدانن ِبحارث‪ " ،‬مركزية اللغة العربية ِف اهلوية اإلسَلمية"‬ ‫‪.89‬‬
‫عز الدين بن عثمان‪ " ،‬اللغة والثقافة "‬ ‫‪.90‬‬
‫د‪ .‬علي أمحد مدكور‪ ،‬ود‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬ود‪ .‬إميان أمحد هريدي‪ ،‬املرجع ِف مناهج تعليم‬ ‫‪.91‬‬
‫اللغة العربية للناطقني بلغات اخرى‪ ،‬دار الفكر العرب‪1431 ،‬هـ‬
‫علي عبد الواحد واِف‪ ،1962 ،‬فقه اللغة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة‪.‬‬ ‫‪.92‬‬
‫د‪ .‬علي حممد القامسي‪ ،‬الكتاب املدرسي لتعليم العربية لغري الناطقني هبا "‪ ،‬السجل العلمي‬ ‫‪.93‬‬
‫للندوة العاملية اْلوىل لتعليم العربية لغري الناطقني هبا‬
‫د‪ .‬علي حممد القامسي‪ ،‬اجتاهات حديثة ِف تعليم اللغة العربية للناطقني ِبللغات اْلخرى‪ ،‬جامعة‬ ‫‪.94‬‬
‫امللك سعود‪ 1399 ،‬هـ‬
‫الصحوة للنشر والتَّوزيع‪.‬‬
‫عماد الدين خليل‪ ،‬مؤمترات حول احلضارة اإلسَلمية‪ ،‬دار َّ‬ ‫‪.95‬‬
‫العمايرة‪ ،‬حممد حسن‪ ،2000 ،‬الفكر الرتبوي‪ ،‬عمان‪ :‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪.‬‬ ‫‪.96‬‬
‫عمـرو ِبحلسـن‪ ،‬اللغة والثقافة واهلوية‪.‬‬ ‫‪.97‬‬
‫عندما نكون‪ ،‬اللغة العربية والثقافة اإلسَلمية‪ ،‬العربية لغتنا واإلسَلم ثقافتنا‬ ‫‪.98‬‬
‫عوض‪ ،‬يوسف نور‪ ،‬املقومات اإلسَلميَّة للثقافة العربية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار القلم‪.‬‬ ‫‪.99‬‬
‫‪ .100‬د‪ .‬عيد عبد هللا الشمري‪ ،‬التخطيط اللغوي من االستعمار إىل العوملة اللغوية‬
‫‪ .101‬د‪ .‬عيسى بن عودة برهومي و أ‪ .‬شريين حرب جاد هللا‪ " ،‬خطاب اهلوية القومية ِف مقررات‬
‫تعليم اللغة العربية لغة اثنية "‬
‫‪ .102‬د‪ .‬فاطمة لطفی كودرزی‪" ،‬أتثري اللغة العربية على الثقافة اإلسَلمية"‬
‫‪ .103‬فهد بن مشاري الرومي‪" ،‬الثقافة ِف تدريس اللغات ‪ :‬ضرورة أم ترف ؟ "‪ ،‬جملة الرتبية ع ‪،111‬‬
‫س ‪208 – 201 ،1994 ،23‬‬
‫‪ .104‬د‪ .‬فواز عبد احلق الزبون‪ " ،‬دور التخطيط اللغوي ِف خدمة اللغة العربية والنهوض هبا "‬
‫‪ .105‬الفريوز آِبدي‪" :‬بصائر ذوي التمييز"‪ ،‬حتقيق عبدالعليم الطحاوي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اجمللس‬
‫اْلعلى للشؤون اإلسَلمية‪1412 ،‬هـ ‪1982 -‬م‪( ،‬جـ‪.)434 /4‬‬
‫‪ .106‬فيصل احلفيان‪ " ،‬اللغة واهلوية ‪ :‬إشكاليات املفاهيم وجدل العَلقات " جملة التسامح‪ ،‬لعدد‬
‫اخلامس‪ ،‬مسقط‪ ،‬وزارة اْلوقاف والشؤون الدينية‪.‬‬
‫‪ .107‬فيصل سعد‪ " ،‬التبعية تغيب العربية " جملة املعرفة‪ ،‬العدد ‪130‬‬

‫‪258‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ .108‬كلري كرامش‪ ( ،‬ترمجة د‪ .‬أمحد الشيمي ) اللغة والثقافة‪ ،‬وزارة الثقافة والفنون والرتاث‪ ،‬قطر‪،‬‬
‫‪ 2010‬م‬
‫‪ .109‬كليفورد غريتز‪ ،‬أتويل الثقافات‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت ‪2009‬‬
‫‪ .110‬لبيب السعيد‪ ،‬اجلمع الصوت اْلول للقرآن‪ ،‬دار املعارف‪ 1978 ،‬م‬
‫‪ .111‬لبيض سامل ‪ ،‬املسألة اللغوية ِف تونس‬
‫‪ .112‬لويس جان كالفي‪ ،‬حرب اللغات والسياسة اللغوية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حسن محزة‪ ،‬املنظمة العربية‬
‫للرتمجة‪2008 ،‬‬
‫‪ .113‬مازن املبارك‪ ،‬حنو وعي لغوي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .114‬د‪ .‬ماهر عباس جَلل‪ ،‬ماذا يُراد أبمتنا العربية واإلسَلمية؟ االستعمار النفسي ِف ثوبه اجلديد‪،‬‬
‫جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،162‬ص ‪119‬‬
‫‪ .115‬املتقي اهلندي‪ ،‬كنز العمال ‪.151 /1‬‬
‫‪ .116‬جملة البحوث اإلسَلمية‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ص ‪206‬‬
‫‪ .117‬جملة البحوث اإلسَلمية العدد اْلول‪ ،‬ص ص ‪101 -91‬‬
‫‪ .118‬د‪ .‬حممد أمحد العمايرة‪ ،‬حبوث ِف اللغة والرتبية‪ ،،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬اْلردن‪،‬‬
‫‪2001‬م‬
‫‪ .119‬د‪ .‬حممد أمحد عمايرة‪ " ،‬الثقافة اإلسَلمية ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا " الدراسات‬
‫اإلسَلمية‪ ،‬الشتاء‪ 1411 ،‬هـ‬
‫‪ .120‬د‪ .‬حممد أمحد عمايرة‪ " ،‬الثقافة اإلسَلمية ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا "‪ ،‬حبوث‬
‫املؤمتر الرتبوي‪ ،‬اجلزء اْلول‪ ،‬ذو احلجة ‪ 1411‬هـ ص ‪322‬‬
‫‪ .121‬د‪ .‬حممد أنس سرميين‪ ،‬مفردات العربية الرتاثية‪ ،‬واملفردات الشائعة ِف كتب التفسري واحلديث‬
‫والفقه والتاريخ‪ ،‬مركز أثر للدراسات العربية للناطقني بغريها‪ 1438 ،‬هـ‬
‫‪ .122‬حممد البهي‪" ،‬اجلانب اإلهلي من التفكري اإلسَلمي"‬
‫‪ .123‬حممد الدريد‪ " ،‬اللغة والثقافة "‬
‫‪ .124‬حممد الطنطاوي‪ ،‬نشأة النحو‬
‫‪ .125‬حممد الغزايل‪" ،‬بواعث احلقد على لغتنا"‪ ،‬جملة لواء اإلسَلم‪ ،‬عدد ‪38-35 ،1‬‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪259‬‬


‫‪ .126‬حممد القوصي‪ ،‬من املسؤول عن تغريب اْلدب وتذويب هوية اْلمة الثقافية؟ " جملة البيان‪،‬‬
‫العدد ‪ ،190‬ص ‪54‬‬
‫‪ .127‬حممد انصر الدين اْللباين‪ ،‬خمتصر الشمائل احملمدية‪ ،‬املكتبة اإلسَلمية‪ ،‬عمان‪ ،‬اْلردن‪1405 ،‬‬
‫ه‬
‫‪ .128‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‬
‫‪ .129‬أ‪ .‬د‪ .‬حممد اهلواري‪ " ،‬العوملة الثقافية وأثرها على اهلوية العربية اإلسَلمية "‪ ،‬كلية اَلداب –‬
‫جامعة امللك سعود‪،‬‬
‫‪ .130‬حممد بن سعيد بن رسَلن‪ ،‬فضل العربية ووجوب تعلمها على املسلمني‪ ،‬دار العلوم اإلسَلمية‬
‫ودار البخاري‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .131‬حممد حلمي عبد الوهاب‪" ،‬اللغة واهلوية ِف سياق اترخيي"‬
‫‪ .132‬حممد سعيد طالب‪ " ،‬احلداثة‪ ..‬اللغوية العربية ‪ :‬اسرتاتيجيات الرتمجة والتعريب والتنمية "‬
‫‪ .133‬حممد شيخاين‪ ،‬البعد الديين للغة العربية وأثرها ِف التضامن العرب واإلسَلمي‪ ،‬دار قتيبة‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‬
‫‪ .134‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح اخلطيب‪ ،‬وأ‪.‬د‪ .‬حممد عبد اللطيف حممد عبد العاطي‪ ،‬التوظيف التقين‬
‫للقرآن الكرمي ِف تعليم العربية للناطقني بغريها‪.‬‬
‫‪ .135‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح اخلطيب‪ " ،‬توظيف القرآن الكرمي ِف تعليم العربية للناطقني بغريها‪ :‬رؤية‬
‫نقدية "‬
‫‪ .136‬د‪ .‬حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‬
‫‪ .137‬د‪ .‬حممود رمضان الديكي‪" ،‬دور القرآن الكرمي ِف تعلم اللغة العربية وتعليمها للناطقني بغريها"‬
‫‪ .138‬د‪ .‬حممود كامل الناقة‪ ،‬برامج تعليم العربية للمسلمني الناطقني بلغات أخرى ِف ضوء دوافعهم‬
‫‪ .139‬د‪ .‬حممود كامل الناقة‪ ،‬تعليم اللغة العربية للناطقني بلغات أخرى ‪ :‬أسسه – مداخله – طرق‬
‫تدريسه‪ ،‬ط‪ ،1‬مكة املكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪1985( ،‬م)‬
‫‪ .140‬د‪ .‬حممود كامل الناقة‪ ،‬ود‪ .‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬الكتاب اْلساسي لتعليم اللغة العربية للناطقني‬
‫بلغات أخرى‪ ،‬إعداده – حتليله – تقوميه‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة املكرمة‪ 1403 ،‬هـ‬
‫‪ .141‬حممود حممد شاكر‪ ،‬املتنيب ‪ :‬رسالة ِف الطريق إىل ثقافتنا‪ ،‬مطبعة املدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‬

‫‪260‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪ .142‬حميي الدين صابر‪" ،‬قضائل نشر اللغة العربية والثقافة العربية اإلسَلمية ِف اخلارج"‪ ،‬اجمللة العربية‬
‫للدراسات اللغوية‪ ،‬عدد ‪ ،1‬ص‪32-10‬‬
‫‪ .143‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني ‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة (رسالة‬
‫دكتوراه)‪ 1424 ،‬هـ‬
‫‪ .144‬د‪ .‬خمتار الطاهر حسني‪ ،‬تعليم اللغة العربية لغري الناطقني ِهبا ِف ضوء املناهج احلديثة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الدار العاملية للنشر والتوزيع ‪ -‬اهلرم‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫ضارتِنا‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ .145‬مصطفى السباعي‪ ،‬من روائ ِع َح َ‬
‫‪ .146‬د‪ .‬مصطفى حممود‪ ،‬اللغة العربية هي أصل لغات العامل كلها‬
‫‪ .147‬د‪ .‬منصور بن حممد الغامدي‪ " ،‬أتثري تدريس اللغة اإلجنليزية على ثقافة التَلميذ ولغتهم اْلم ِف‬
‫املرحلة االبتدائية "‬
‫‪ .148‬مهدي حممود سامل ود‪ .‬عبد اللطيف بن محد احللييب‪ ،‬الرتبية امليدانية وأساسيات التدريس‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكان‪ 1419 ،‬هـ‬
‫‪ .149‬موح عراك عليوي الزغييب‪ " ،‬النزعة الدينية واختاذ القرارات ِف اجملتمع العرب اإلسَلمي "‬
‫‪ .150‬د‪ .‬نصر الدين إدريس جوهر‪ ،‬اْلسس الثقافية لبناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‬
‫‪ .151‬د‪ .‬وجيه املرسي أبو لنب‪ ،‬اجتاهات تقدمي الثقافة العربية اإلسَلمية‬
‫‪ .152‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسَلمي‬
‫‪ .153‬حييي‪ ،‬توين مرتضى‪ ،2007 ،‬أثر العربيَّة ِف ثقافة املسلمني‪ ،‬جملة‪ :‬إسهامات اللغة واْلدب ِف‬
‫الرتمجة‪.‬‬
‫لألمة اإلسَلميَّة‪ ،‬ماليزَي‪ :‬دار التَّجديد للطباعة والنَّ ْشر و َّ‬
‫البناء احلضاري َّ‬
‫‪ .154‬د‪ .‬يوسف العظم‪ ،‬املنهزمون‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق – بريوت‪1402 ،‬هـ‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪261‬‬


‫احملتوايت‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫الفصل‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪5‬‬ ‫حماور وتساؤالت‬
‫‪6‬‬ ‫الفصل اْلول ‪ :‬الثقافة ومدلوهلا‬
‫‪7‬‬ ‫تعريف الثقافة‬
‫‪9‬‬ ‫وظائف الثقافة‬
‫‪10‬‬ ‫املضمون الداخلي واإلطار اخلارجي‬
‫‪10‬‬ ‫الصدمة احلضارية‬
‫‪12‬‬ ‫الثقافة واحلضارة‬
‫‪12‬‬ ‫الثقافة والطبيعة‬
‫‪12‬‬ ‫موقع الدين من الثقافة‬
‫‪14‬‬ ‫بني اإلسَلم واْلدَين اْلخرى‬ ‫‪1‬‬
‫‪16‬‬ ‫الثقافة العربية والثقافة اإلسَلمية‬
‫‪17‬‬ ‫هل الثقافة اثبتة ؟‬
‫‪17‬‬ ‫أتثري البيئة واملكان على السلوك اإلنساين‬
‫‪23‬‬ ‫أثر احليوان على ثقافة اإلنسان‬
‫‪23‬‬ ‫أتثري الثقافات ِف بعضها‬
‫‪25‬‬ ‫أتثري الثقافة اإلسَلمية ِف ثقافات الشعوب اإلسَلمية‬
‫‪27‬‬ ‫االعرتاف ِبلثقافات اْلخرى‬
‫‪28‬‬ ‫سنة هللا ِف إهَلك اْلمم‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثاين ‪ :‬اللغة ومفهومها‬
‫‪31‬‬ ‫تعريف اللغة‬
‫‪2‬‬
‫‪33‬‬ ‫لفظ لسان ‪ /‬ولفظ لغة‬
‫‪34‬‬ ‫حقائق متعلقة ِبللغة‬

‫‪262‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪34‬‬ ‫املسؤول عن اللغة هو الشق اْليسر من املخ‬
‫‪36‬‬ ‫اللغة القياسية‬
‫‪41‬‬ ‫االزدواجية اللغوية‬
‫‪44‬‬ ‫أمثلة لكلمات يظنها بعض الناس عامية وهي فصيحة‬
‫‪46‬‬ ‫كيف نصلح اخللل ونقلل الفارق بني الفصحى والعامية لصاحل الفصحى ؟‬
‫‪47‬‬ ‫التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية‬
‫‪50‬‬ ‫دور املنظومة القانونية ِف الدول العربية ِف محاية اللغة العربية‬
‫‪57‬‬ ‫السياسة اللغوية ِف اململكة العربية السعودية وغياب التخطيط لتنفيذها‬
‫‪58‬‬ ‫كيف تنقرض اللغات ومتوت ؟‬
‫‪58‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬اللغة العربية وميزاهتا‬
‫‪67‬‬ ‫اللغة العربية‬
‫‪69‬‬ ‫حرص العرب على صفاء اللغة ونقائها‬
‫‪69‬‬ ‫اختار هللا اللغة العربية وعاء ْلعظم الكتب القرآن‬
‫‪71‬‬ ‫الثبات صفة تنفرد هبا العربية‬
‫‪85‬‬ ‫هل العربية مقدسة ؟‬
‫‪88‬‬ ‫أفضل اللغات ؟‬
‫هل اللغة العربية ُ‬
‫‪89‬‬ ‫هل العربية هي أصل لغات العامل ؟‬
‫‪3‬‬
‫‪90‬‬ ‫هل اللغة العربية صعبة ؟‬
‫‪92‬‬ ‫مكانة اللغة العربية ِف اإلسَلم‬
‫‪104‬‬ ‫دور العربية ِف فهم اإلسَلم‬
‫‪112‬‬ ‫أمهية اللغة العربية لدارس العلوم الشرعية‬
‫‪113‬‬ ‫تدبر آَيت القرآن الكرمي وكيف تتحقق لغري العرب‬
‫‪114‬‬ ‫عامة‬
‫آاثر العربيَّة ِف الثَّقافة اإلسَلميَّة َّ‬
‫‪116‬‬ ‫أتثري العربية ِف اللغات اْلخرى‬
‫‪117‬‬ ‫من فوائد تعلم اللغة العربية‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪263‬‬


‫‪119‬‬ ‫اْلهداف الرئيسية لتعليم العربية‬
‫‪120‬‬ ‫اللغة اْلداة واللغة املوضوع‬
‫‪126‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬العَلقة بني اللغة والثقافة‬
‫‪126‬‬ ‫العَلقة بني اللغة والثقافة‬
‫‪127‬‬ ‫اللغة والفكر والثقافة‬
‫‪128‬‬ ‫اللغة فكر أم وسيلة ؟‬
‫‪129‬‬ ‫الثقافة واملنطق‬
‫‪130‬‬ ‫الثقافة وروح اللغة‬
‫‪131‬‬ ‫اللغـة والثقـافـة واهلـويـة‬
‫‪133‬‬ ‫القومية اللغوية والثقافة‬
‫‪135‬‬ ‫اهلوية الثقافية‬
‫‪136‬‬ ‫اهلوية العربية اإلسَلمية‬
‫‪4‬‬
‫‪137‬‬ ‫"العربية" هوية‬
‫‪140‬‬ ‫ترك اللغة من مظاهر االهنزامية‬
‫‪146‬‬ ‫ال خصوصية ثقافـيـة ِف ظل تبعـية لغـويـة‬
‫‪147‬‬ ‫قيود التبعية‬
‫‪148‬‬ ‫التبعية تغيب العربية‬
‫‪148‬‬ ‫الرطانة طعن ِف شخصية اْلمة‬
‫‪152‬‬ ‫التاريخ اهلجري هوية أمة‬
‫‪156‬‬ ‫املستعمرة‬
‫َ‬ ‫سياسة االستعمار ِف التأثري على ثقافة الدول‬
‫‪158‬‬ ‫التحدَيت ِف وجه الثقافة العربية اإلسَلمية‬
‫‪159‬‬ ‫هل ميكن أن يكون للعامل لغة واحدة موحدة مع اختَلف ثقافاهتم ؟‬
‫‪162‬‬ ‫الفصل اخلامس ‪ :‬العَلقة بني اللغة العربية واإلسَلم‬
‫‪163‬‬ ‫التَلزم بني القرآن والعربية وأثره‬
‫‪5‬‬
‫‪175‬‬ ‫التاريخ شاهد على التَلزم بني الدين والعربية‬
‫‪180‬‬ ‫الكتاتيب ومدارس تعليم القرآن والعلوم اإلسَلمية والعربية‬

‫‪264‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬


‫‪181‬‬ ‫الفصل السادس ‪ :‬الثقافة ِف برامج تعليم اللغة‬
‫‪182‬‬ ‫الكفاَيت الثَلث‬
‫‪187‬‬ ‫الشـروط واملبادئ اْلساسية لتعليم اللغة العربية لغري الناطقني بـها‬
‫‪188‬‬ ‫أسس جعـل الثقافة جـزءاً أساسياً من تعلم اللغة اْلجنبية‬
‫‪192‬‬ ‫مقومات الثقافة اإلسَلمية‬ ‫‪6‬‬
‫‪193‬‬ ‫اجتاهات ِف تقدمي الثقافة اْلجنبية‬
‫‪194‬‬ ‫طرق عرض الثقافة ِف برامج اللغة‬
‫‪194‬‬ ‫ثقافة اللغة والثقافة ِف اللغة‬
‫‪196‬‬ ‫بني تعليم العربية ْلغراض دينية وتعليمها ْلغراض عامة موظفا احملتوى اإلسَلمي‬
‫‪100‬‬ ‫الفصل السابع ‪ :‬واقع احملتوى الثقاِف ِف برامج تعليم اللغة وكتبها‬
‫‪203‬‬ ‫الثقافة ضمن املقررات اللغوية ِف برامج تعليم العربية ودورها ِف تعليم اللغة‬
‫‪7‬‬
‫‪206‬‬ ‫الثقافة ِف مقررات منفصلة ِف برامج تعليم العربية ودورها ِف تعليم اللغة‬
‫‪214‬‬ ‫الدروس الدينية ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‬
‫‪218‬‬ ‫الفصل الثامن ‪ :‬حمتمات االهتمام ِبحملتوى الثقاِف ِف تعليم اللغة العربية‬
‫‪219‬‬ ‫أوال ‪ :‬أغلب املتعلمني من املسلمني‬
‫‪221‬‬ ‫اثنيا ‪ :‬مراعاة دوافع املتعلمني‬
‫‪222‬‬ ‫اثلثا ‪ :‬دور فهم السياق الثقاِف ِف إجادة اللغة‬
‫‪227‬‬ ‫رابعا ‪ :‬االجتاه العاملي العام لتضمني الثقافة ِف برامج تعليم اللغة‬
‫‪228‬‬ ‫خامسا ‪ :‬دين اإلسَلم هو الفطرة‬
‫‪230‬‬ ‫سادسا ‪ :‬الثراء اللغوي ِف العربية‬ ‫‪8‬‬
‫‪231‬‬ ‫سابعا ‪ :‬احملتوى الثقاِف اإلسَلمي ميثل النصوص اْلصلية أصدق متثيل‬
‫‪233‬‬ ‫اثمنا ‪ :‬شيوع املواقف الثقافية‬
‫‪234‬‬ ‫اتسعا ‪ :‬مشول الثقافة اإلسَلمية وتناوهلا ملختلف جوانب احلياة‬
‫‪234‬‬ ‫عاشرا ‪ :‬خصوصية الثقافة اإلسَلمية والعَلقة بني العربية واالسَلم‬
‫‪234‬‬ ‫حادي عشر ‪ :‬أتثري العربية ِف لغات كثرية‪ ،‬وارتباط املسلمني ِبحلرف العرب‪،‬‬
‫وبكثري من اْللفاظ اإلسَلمية‬

‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬ ‫‪265‬‬


‫‪237‬‬ ‫اثين عشر ‪ :‬تصحيح مفاهيم خاطئة عن اإلسَلم‬
‫‪238‬‬ ‫اثلث عشر ‪ :‬التجارب الناجحة لتضمني احملتوى الثقاِف‬
‫‪240‬‬ ‫شبه احملجمني عن االهتمام ِبجلانب الثقاِف ِف بعض الربامج والكتب والرد عليها‬
‫‪240‬‬ ‫أوالً‪ :‬حركة أتليف كتب تعليم العربية للناطقني بغريها بدأت غربية‬
‫‪241‬‬ ‫اثنيًا‪ :‬االعتقاد اخلاطئ أبن لغة الثقافة تراثية بعيدة عن اللغة املعاصرة‬
‫‪245‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬دعوى أن نصوص الرتاث غريبة وصعبة ومتقعرة‬
‫‪246‬‬ ‫رابعا ‪ :‬القول حبيادية اللغة وأهنا معزولة عن الثقافة‬
‫‪247‬‬ ‫خامسا ‪ :‬دعوى صَلحية الربامج والكتب لكل الفئات‬
‫‪247‬‬ ‫سادسا ‪ :‬دعوى أن هذه مهمة اجلامعات واملعاهد اإلسَلمية فحسب‬
‫‪248‬‬ ‫سابعا ‪ :‬دعوى مصلحة الدعوة‬
‫‪249‬‬ ‫اثمنا ‪ :‬املبالغة ِف جماملة املستهدفني‬
‫‪250‬‬ ‫اتسعا ‪ :‬دعوى أن ثقافة العرب تغين عن الثقافة اإلسَلمية‬
‫‪250‬‬ ‫أسباب أخرى‬
‫‪252‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬حتليل احملتوى الثقاِف ِف كتب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‬
‫‪9‬‬
‫‪255‬‬ ‫استمارة حتليل احملتوى الثقاِف ِف كتاب تعليم العربية لغري الناطقني هبا‬
‫‪256‬‬ ‫املراجع واملصادر‬
‫‪266‬‬ ‫احملتوى‬

‫‪266‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم الفوزان‬ ‫الثقافة وتعليم اللغة‬

You might also like