You are on page 1of 20

‫المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسيةــــــــــــــــــــــــــــــ المجلد‪ ،59:‬العدد‪ ،02:‬السنة‪ ،2022:‬الصفحة‪433-414 :‬‬

‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد‬


‫دراسة حالة "عقود األعمال والعقد التجاري الدولي" نموذجا‬

‫زمام جمعة‬
‫جامعة التكوين المتواصل – الجزائر‬
‫‪saidzemam@gmail.com‬‬

‫‪Amelaichaoui2@gmail.com‬‬
‫تاريخ االرسال‪ ،2021/03/30 :‬تاريخ القبول‪ ،2022/06/01:‬تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2022‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الملخص‪:‬‬
‫بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ 2020‬صنفت منظمة الصحة العالمية الجائحة »‪ «épidémie‬بـ‪ :‬جائحة وبائية‬
‫عالمية ذات طبيعة شاملة انعكست تداعياتها الخطيرة وآثارها المدمرة على االقتصاد العالمي‪ ،‬مما استوجب‬
‫على الحكومات والدول اتخاذ اإلجراءات اإلدارية والتدابير االستثنائية التي تعرف في فقه القانون اإلداري بـ‬
‫"إجراءات الضبط اإلداري أهمها إجراءات الحجر الصحي لمجابهة جائحة كورونا (كوفيد‪ ،)19-‬ولكن هذه‬
‫الجائحة أثرت على االقتصاد والمؤسسات والعقود‪ .‬ومن المسائل التي طرحت في قانون العقود إثر تفشي‬
‫جائحة كورونا هي شرطي القوة القاهرة والظروف الطارئة وأثرها على تنفيذ العقد‪ .‬بشأن نظريتي القوة القاهرة‬
‫والظروف الطارئة فاألولى تؤدي إلى اضطراب دائم لالقتصاد العقدي بينما الثانية تتمثل في تعديل اقتصادية‬
‫العقد »‪ «réajuster l’économie du contrat‬لكونه يجعل تنفيذ العقد أكثر صعوبة وإرهاقا للمدين‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الظروف الطارئة‪ ،‬القوة القاهرة‪ ،‬الضبط اإلداري‪ ،‬االستحالة المؤقتة‪ ،‬الفسخ بقوة القانون‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫”‪On March 11, 2020, the World Health Organization classified the pandemic “épidemie‬‬
‫‪as: a global epidemic pandemic of a comprehensive nature whose dangerous repercussions and‬‬
‫‪devastating effects on the global economy were reflected, which required governments and‬‬
‫‪countries to take administrative measures and exceptional measures known in the jurisprudence‬‬
‫‪of administrative law as “administrative control procedures. The most important of them are‬‬
‫‪quarantine measures to confront the Corona pandemic (Covid-19).‬‬
‫‪But this pandemic has affected the economy, institutions and contracts. Among the issues‬‬
‫‪raised in the contract law following the outbreak of the Corona pandemic are the force majeure‬‬
‫‪and emergency conditions and its impact on contract implementation. The first leads to‬‬
‫‪permanent disruption of the contractual economy, while the second is represented in the‬‬
‫‪adjustment of the economy of the contract (réajuster l'économie du contrat), because it makes‬‬
‫‪the implementation of the contract more difficult and burdensome for the debtor.‬‬
‫‪Keyword : Emergency circumstances, force majeure, administrative control, temporary‬‬
‫‪impossibility, annulment by law.‬‬

‫المؤلف المرسل‪ :‬زمام بوجمعة‬

‫‪- 414 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن هذه األزمة الصحية التي تعرف باسم جائحة كورونا البد من تكييف اإلجراءات القانونية مع‬
‫وميسرة لكل ما ولدته هذه األزمة‬
‫األوضاع التي ستنجم عنها بحيث أنها تنطبق عليها بصورة متوافقة معا ّ‬
‫الصحية‪.‬‬
‫وقد ترتبت عن هذه األزمة إجراءات وتدابير استثنائية تمثلت في فرض الحجر الجزئي والحجر الكلي‬
‫بحسب طبيعة األزمة ونسبة انتشارها ومدى تهديدها للحريات الفردية وحرية التنقل وحرية التجمع فضال عن‬
‫ِّ‬
‫حدها من مبدأ حرية االستثمار والتجارة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد صنفت منظمة الصحة العالمية (‪)OMC‬هذه الجائحة في ‪ 11‬مارس ‪ 2020‬باعتبارها "جائحة‬
‫مدمرة لالقتصاد العالمي‪ ،‬كما أنه كان لها بالغ األثر على‬
‫ّ‬ ‫وبائية عالمية" كانت لها تداعيات خطيرة وآثار‬
‫العقود الجارية »‪ «les contrats en cours‬حيث أماطت اللثام عن نقائص النظام القانوني على مستوى‬
‫النصوص وعلى مستوى الضبط اإلداري »‪ ،«Police administrative‬ال سيما اإلجراءات المتخذة لمجابهة‬
‫جائحة كورونا حفاظا على حياة المواطنين وسالمتهم لكنها عطلت مصالح الناس االقتصادية واالجتماعية‬
‫والقانونية‪.‬‬
‫ويمثل هذا الوباء أزمة صحية لم يسبق للعالم أن شهده من قبل أثر على االقتصاد والمؤسسات والعقود‬
‫مما أوجب على السلطة العمومية سن تدابير الضبط اإلداري وظهرت فكرة المشرع بالمعنى الواسع ‪«Le‬‬
‫»‪ législateur lats Sensu‬بغرض تكييف اإلطار القانوني »‪ «Cadre juridique‬لمجابهة جائحة طورونا‬
‫المتعلقة بإجراءات التأجيل والتعليق والتمديد وآجال اإلجراءات واآلجال القانونية‪ ...‬الخ‪ ،‬حتى ظهر في‬
‫الساحة القانونية مصطلح قانون جائحة »‪ «Le droit coronavirus‬أو قانون الوباء ‪«Droit de l’épidémie‬‬
‫»‪.ou de la pandémie‬‬
‫ينبغي أن نعتبر المستقبل غير مشابه للماضي‪ ،‬ومن هنا نطرح السؤال أي قانون ينبغي أن يكون في‬
‫المستقبل‪ ،‬ينبغي أن يكون لنا قانون جديد مطابق للمستقبل وإال فإن علينا تغيير عقليتنا وهل ستغير كورونا‬
‫آثارها مثلما تغيرنا نحن؟‬
‫صاغ المعهد األوروبي للقانون(‪ )1‬مبادئ عرفت بـ" المبادئ " ‪ " ELI‬من أجل جائحة كورونا وهي عبارة‬
‫وجهة للحكومات ودول االتحاد األوروبي‪ ،‬تتضمن القواعد العامة المتعلقة بعديد المسائل‬
‫عن مقترحات ُم ّ‬
‫الهامة أثيرت بمناسبة " أزمة جائحة كورونا "‪ ،‬والمتضمنة خمسة عشر (‪ )15‬مبدأ بسبب بروز فكرة عدم‬
‫اليقين القانوني » ‪ « Incertitude Juridique‬وتشمل هذه الوثيقة على نطاق واسع من المسائل المطروحة‬
‫الصحية ومن ضمن المبادئ التي صاغها المعهد األوروبي للقانون‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التي أفرزتها الطبيعة الشاملة لألزمة‬

‫‪1‬‬
‫‪- L’institut européen du droit (European Law Institute) est une organisation internationale indépendante créée en‬‬
‫‪2011 à l’initiative d’universitaire et de juges partageant la volonté d’approfondie l’intégration juridique‬‬
‫‪européenne… ainsi que de publier des recommandations et orientations pratique dans le domaine du droit‬‬
‫‪européen. Voir le site : www.europeanlawinstitute.eu.‬‬

‫‪- 415 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫القيم األساسية ومبادئ الحريات (مبدأ ‪ )1‬استم اررية العالقات القانونية عن بعد‪( ،‬مبدأ ‪ ،)10‬شرط القوة‬
‫القاهرة (مبدأ ‪ ،)13‬اإلعفاء من المسؤولية بسبب خطأ غير جسيم (مبدأ ‪.)14‬‬
‫وتشكل هذه المبادئ مصد ار ومرجعية بشأن اإلجراءات المتخذة أثناء األزمة الوبائية أو بعدها من أجل‬
‫التحضير على عجل القواعد التي تهدف إلى التنبؤ والتوقع والتخفيف من اآلثار االجتماعية واالقتصادية‬
‫الصحية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المترتبة عن األزمة‬
‫وأثيرت مسألة العقود الجارية بسبب جائحة كورونا إن كان على مستوى الداخلي أو الدولي ومصير‬
‫هذه العقود وااللتزامات المترتبة عنها أثناء تنفيذها‪.‬‬
‫لذلك ليس من اإلنصاف إلزام الشخص بما ال يستطيع االلتزام به‪ ،‬ألن اإلعفاء من االلتزامات المفترضة‬
‫يسا لمبدأ اإلنصاف‪ ،‬تطبيقا " للقانون الطبيعي في القانون الوضعي "(‪.)1‬‬
‫أثناء إبرام العقد تكر ً‬
‫أن اإلنسان يجد من يحكمه في حدث أقوى منه " ال‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وفي هذا السياق يرى العميد " ‪"Carbonnier‬‬
‫يلزم أحد بما ال يستطيع "‪.‬‬
‫القوة القاهرة في إطار الجائحة على خالف مفهومها التقليدي بحكم كونها ما يحتج‬
‫وتبدو خصوصية ّ‬
‫أيضا في العقد التجاري الدولي قياسا على العقود‬
‫به ليس بالضرورة ملزما تعاقديا‪ ،‬كما تبرز الخصوصية ً‬
‫الداخلية‪ ،‬لذلك يطرح تساؤل مفاده هل جائحة كورونا قوة قاهرة أم من الظروف الطارئة؟‬
‫المبررة (‪)I‬‬
‫القوة القاهرة ّ‬
‫ارتأينا تقسيم الخطة إلى قسمين أولهما نعالج فيها جائحة كورونا المستجد‪ّ :‬‬
‫وثانيهما اندراج جائحة كورونا ضمن الظروف الطارئة (‪.)II‬‬
‫المبررة ‪:‬‬
‫القوة القاهرة ّ‬
‫‪ -)I‬جائحة كورونا ‪ّ :‬‬
‫القوة القاهرة في ظل ظهور جائحة كورونا من الصعب حصرها في " نظريات ومفاهيم‬
‫يبدو أن شرط ّ‬
‫" بحكم كونها مرتبطة بالواقع وأضحت حقيقة معقدة في العالقات التعاقدية فهي في حالة تطور دائم بحكم‬
‫كون المفهوم التقليدي العام للقوة القاهرة يعتبر ال إلزام بمستحيل وال نطالب المدين ال بااللتزام وال‬
‫بالتعويض(‪.)3‬‬
‫لذلك سنعالج الشروط المستوجبة أو باألحرى معايير تكييف القوة القاهرة (أوال) لكونها تترتب عنها آثار‬
‫جديدا هو تعليق العقد بدالً من‬
‫دور ً‬‫تتنوع بين وجود استحالة دائمة أو مؤقتة وفي بعض الحاالت تؤدي ًا‬
‫ّ‬
‫انقضائه (ثانيا)‪.‬‬

‫نص المادة ½ من القانون المدني الجزائري‪.‬‬


‫‪ -‬راجع ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪-Voir: J. Carbonnier, Droit Civil, Les Obligations, Thémis droit, Press universitaire de France, 14 -ème Edition,‬‬
‫‪1990, P : 298.‬‬
‫‪ -3‬أنظر ألفة المنصوري‪ ،‬اإلستحالة النظرية العامة للعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫ص‪.374 .‬‬

‫‪- 416 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫أوال‪ :‬معايير تكييف القوة القاهرة‪:‬‬


‫تنص المادة ‪ 178‬من القانون المدني الجزائري‪ " :‬يجوز االتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث‬
‫المفاجئ أو القوة القاهرة "‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأنه اقتصر على إعفاء المدين من المسؤولية غير أن شرط‬‫يعرف القوة القاهرة‬
‫يبدو أن المشرع لم ّ‬
‫اإلعفاء ليس بالضرورة أن يكون تلقائيا بل يجوز إعمال شرط العقد حيث يتحمل بموجبها المدين عبء‬
‫الحادث الناجم عن القوة القاهرة (المادة ‪1/178‬من القانون المدني)‪ ،‬رغم أن المفهوم الكالسيكي للقوة القاهرة‬
‫قد نشأ من أجل عدم تنفيذ العقد (‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والصادر في ‪ 04‬جويلية ‪ 2001‬يتضمن اتفاقية‬ ‫ويبدو أنه حسب تطبيق التشريع المتعلق بالمناجم‬
‫نموذجية والسيما في المادة ‪ 31‬منه حيث عددت حاالت القوة القاهرة من ضمنها الوباء " ‪."Epidémie‬‬
‫(‪)4‬‬
‫من المادة ‪ :41‬األولى مقاربة ضيقة ترتكز على خصائص القوة القاهرة والثانية‬ ‫واستخلص البعض‬
‫مقاربة موسعة تعتمد على "قائمة حصرية" هذه المقاربة تتفق مع الممارسات السائدة في مجال العقد التجاري‬
‫الدولي (‪ .)5‬لذلك يستوجب توافر شروط على أساسها يمكن أن تكون بمثابة معايير للتكييف منها خارجية‬
‫الحدث (‪ ،)1‬كما أنه حدث غير متوقع (‪ )2‬وال يمكن دفعه (‪ )3‬وفي بعض األحيان يستحيل تنفيذه (‪ )4‬وقد‬
‫تؤثر الق اررات اإلدارية على تكييف القوة القاهرة (‪ ،)5‬وللقوة القاهرة خصوصية بين عقود األعمال والعقد‬
‫التجاري الدولي (‪.)6‬‬
‫‪-1‬خارجية الحدث عن شخص المدين‪:‬‬
‫بأنها حدث خارجي عن المدين (‪ ،)6‬بمعنى خروج الحدث عن مراقبة المدين بحيث‬ ‫تعرف القوة القاهرة ّ‬
‫ّ‬
‫يجب أال يكون المدين المحتج بالقوة القاهرة قد ساهم بإرادته في وقوع الحدث ّ‬
‫ألن السبب األجنبي ال ينسب‬
‫إلى المدين‪.‬‬
‫ألن عنصر استقاللية‬
‫وعليه فإن عدم التنفيذ مرتبط مباشرة بجائحة كورونا وقد توافر شرط الخارجية و ّ‬
‫الحدث عن إرادة المدين قد تج ّسد في الوباء الذي ال يمكن تجنبه وفي هذا السياق اعتبرت منظمة الصحة‬
‫أن عنصر الخارجية‬
‫العالمية الجائحة ذات طابع عالمي وعلى الدول البحث عن مواجهتها لذلك يظهر جليا ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪-Ali Bencheneb, le droit Algérien des contrats « Données Fondamental »es, Edition Ajed, 2011, p. 336.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- A. Weill , François Terré, Droit Civil, Les Obligations, Précis Dalloz, 2 eme Edition, Dalloz, 1975, P : 482.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- LA Lois N : 03-85 DU Mars 2003. Voir Aussi : la lois N : 2021-12 règlementant les conventions minière et‬‬
‫‪Approuvent la convention minière type, 15 juin 2012.‬‬
‫وكان قانون ‪ 07-05‬المؤرخ في ‪ 28‬أبريل سنة ‪ 2005‬والمتعلق بالمحروقات ينص على تعريف دقيق للقوة القاهرة في المادة ‪ 05‬منه‬
‫إال أن هذا القانون ألغى وحل محله قانون رقم ‪ 13-9‬الموافق ‪ 11‬ديسمبر سنة ‪ 2019‬ينظم نشاطات المحروقات‪ -‬العدد ‪.-79‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ali Bencheneb, op.cit., p. 335.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- L’Article 31 de la Convention Type Mentionnée « les faits de guerre ou conditions imputables a la guerre,‬‬
‫‪déclarée ou nom, insurrection, troubles civils, blocus, embargos, acte de terrorisme, épidémies, acte e la nature,‬‬
‫‪tremblement de terre, inondations et autres intempéries extrêmes, explosions, incendies et foudre ».‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- F. Chabas, Force Majeur, Répertoire Civ. Dalloz, Février 1997, P : 02.‬‬

‫‪- 417 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫المتمثل في الوباء قد خرج عن المراقبة أمام متعاقد بسيط‪ .‬ومن ثمة فشرط الخارجية الواجب توافره في إطار‬
‫جائحة كورنا متقارب مع شرط الخارجية بمفهومه التقليدي وهو خروجه عن سلطة المدين ‪«Le Pouvoir‬‬
‫الصحية هو أوسع نطاقا من الخارجية قياسا‬
‫ّ‬ ‫»‪ .)1( du débiteur‬بينما عنصر الخارجية في مجال األزمة‬
‫أن األول يتعلق بإرادة المدين‪ ،‬ونص المادة ‪ 176‬من القانون‬
‫على ما هو سائد في فقه القانون المدني حيث ّ‬
‫المدني كان واضحا بشأن شرط الخارجية »‪ «L’extériorité‬في عالقته بالمدين بينما الثاني يكمن في‬
‫رجية (‪ .)2‬ويبدو‬
‫الطبيعة الموضوعية‪ ،‬وهذا ما يعرف لدى الفقه بالتصور الذاتي والموضوعي لعنصر الخا ّ‬
‫عنصر خارجية الحدث هو في الحقيقة مسألة واقعية تستوجب على القاضي سلوك نوع من المرونة في‬
‫تقديره (‪.)3‬‬
‫‪-2‬حدث غير متوقع أثناء إبرام العقد‪:‬‬
‫القوة القاهرة حادث غير ممكن التوّقع ومستحيل الدفع يحول دون تنفيذه االلتزام (‪ ،)4‬والتوقع وعدم التوقع‬
‫نسبية تختلف من شخص إلى أخر‪ ،‬ترتبط في عالقتها بالظروف المتزامنة في تنفيذ‬ ‫أثناء إبرام العقد مسألة ّ‬
‫العقد أو ما يصطلح على تسميته بــ" معيار عدم التوقع المطلق " (‪ )5‬بحيث يعفى المدين من التزاماته إذا لم‬
‫يكن في استطاعته عند إبرام العقد أن يتوقع الحدث وآثاره على تنفيذ العقد بشكل معقول‬
‫»‪.«Raisonnablement‬‬
‫بشأن األزمة الصحية هذا الشرط يمكن اعتباره متوف ار إذا ابرم العقد قبل نهاية جائحة كورونا‪ ،‬ثمة‬
‫مؤشرات عديدة تؤكد على تكييف هذه الجائحة باعتبارها حدث غير متوقع‪ ،‬يتعلق األمر بمرض جديد‬
‫مجهول لدى اإلنسان‪ ،‬فضال عن انتشاره بحجم رهيب على المستوى العالمي بصورة غير متوقعة على وجه‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫وتساءل البعض عن إمكانية التفكير في فرضية تفاقم الخطر بسبب إجراءات الضبط اإلداري‪ ،‬أو‬
‫إمكانية فسخ العقد بطريقة مسبقة أو إعادة التفاوض‪ ،‬والحالة هذه يمكن تطبيق شرط القوة القاهرة بمعايير‬
‫ومكيفة » ‪ « Souple et Adaptée‬مع استبعاد شرط عدم التوقع – بمعنى استبعاد المفهوم التقليدي‬
‫ّ‬ ‫مرنة‬

‫‪1‬‬
‫‪-Voir : Ali Bencheneb, Op.cit., P: 339.‬‬
‫‪« …il S’agit de savoir si le débiteur était ou n’était pas en situations de Maitriser L’événement ».‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Voir : Ali Bencheneb, Op.cit., P: 339.‬‬
‫‪« …il S’agit de savoir si le débiteur était ou n’était pas en situations de Maitriser L’événement ».‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, P : 339.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ali Bencheneb, Op.cit, PP: 336 et 337.‬‬
‫أنظر أيضا‪ :‬ألفة المنصوري‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪.09 .‬‬
‫‪ -5‬ولقد تبنت إتفاقية فيينا األمم المتحدة للبيع الدولي للبضائع سنة ‪ 1980‬على ضوء المادة ‪ 1/79‬بأنه‪ " :‬ال يسأل المتعاقد عن عدم‬
‫تنفيذ أي من إلتزاماته إذا حيث أن عدم التنفيذ يرجع إلى حدث مستقل عن إرادته وأنه ليس من المعقول أن نطلب منه أن يأخذه في‬
‫إعتباره وقت إبرام العقد "‪.‬‬

‫‪- 418 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫للقوة القاهرة‪ -‬واللجوء إلى تضمين شرط إعادة التفاوض(‪ « Clause de Renégociation » )1‬أو "شرط حسب‬
‫ّ‬
‫المقاس" » ‪ « Clause sur mesure‬يرتبط بموضوع العقد وسياقه‪ ،‬ومن ثمة وجوب تبني خصوصية معينة‬
‫الصحية ألن صياغة تعريف لمفهوم معين يمكن أن يؤدي أحيانا‬
‫ّ‬ ‫بشأن شرط عدم التوقع تتماشى مع األزمة‬
‫إلى " تجميد مفاهيم متطورة قد يفضي إلى تشويهها"(‪.)2‬‬
‫‪-3‬حدث ال يمكن دفعه بإجراءات مالئمة‪:‬‬
‫المبدأ هو أن االلتزام التعاقدي يجب أن ينفذ‪ ،‬إال إذا كان عدم التنفيذ يرجع إلى حادث ال يمكن للمدين‬
‫(‪)3‬‬
‫القوة الملزمة للعقد (المادة ‪ 106‬من ق‪.‬م) مما‬
‫دفعه أو التغلب عليه وأساس هذا الشرط يكمن في مبدأ ّ‬
‫يوحي بوجوب تقدير هذا الشرط بطريقة صارمة من القضاء بسبب ارتباط شرط عدم الدفع بمانع مطلق (‪،)4‬‬
‫لكي يؤدي إلى استحالة التنفيذ (المادة ‪ 176‬من ق‪.‬م) يكون هذا األخير مرادفا لشرط " عدم إمكانية الدفع‬
‫(‪)5‬‬
‫القوة القاهرة يمكن أن تتضمن عنصر استحالة‬
‫إن ّ‬‫" وفي هذا المعنى اعتبرت محكمة النقض الفرنسية ‪ّ .‬‬
‫للقوة القاهرة‪.‬‬
‫الدفع فقط على أساس أن االستحالة هي السمة المميزة والحاسمة والدائمة ّ‬
‫وإذا كان المرض الذي أصاب المدين فإن الشرط يكون قد تحقق ُ‬
‫ويبرر عدم تنفيذه اللتزامه‪ ،‬وفي إطار‬
‫جائحة كورونا تكون الق اررات الصادرة من السلطة اإلدارية من شأنها أن تعيق التنفيذ (عن طريق القرار أو‬
‫المرسوم أو إلغاء تنظيم التظاهرات‪ ،‬أو المنع من السفر لبعض البلدان أو إجراءات الحجر اإللزامي‬
‫لألشخاص والبضائع‪...‬إلخ) وفي وضعيات أخرى يجب دراستها حالة بحالة على حسب السياق‬
‫متوقعا فعلى سبيل المثال‬
‫ً‬ ‫» ‪ « Contexte‬ورد فعل المدين في مواجهة الحدث السيما عندما يغدو التنفيذ‬
‫إلغاء التظاهرات يمكن تجنب نتائجها باتخاذ إجراءات مالئمة عن طريق تمكين فرص أخرى بمبادرة من‬
‫السلطة اإلدارية‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة للبضائع التي تعذر على المدين إنتاجها أو تسليمها للدائن‪ ،‬هل يمكن‬
‫حلول منتج آخر محله أي محل المدين إذا كانت هناك إمكانية مادية تساعده على ذلك ؟‬
‫تفهما بتبني التقدير النسبي بشأن " شرط عدم الدفع "‬
‫يبدو أن القاضي في هذه الحالة يجب أن يبدي ً‬
‫كما فعل ذلك في شرط عدم التوقع وشرط االستحالة على خالف ما هو عليه الحال بالنسبة لشرط عدم‬
‫الدفع بمفهومه التقليدي المتميز بالصفة المطلقة (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Voir : Brigitte-Fallon et Anne-Marie Simon, Droit des affaires, 20 éditions, Sirey, 2017. P. 343. Vois aussi:‬‬
‫‪Brigiette-Fallon et Anne-Marie Simon, Droit civil, 9 éditions, Sirey, 2007, p. 240, 241 et 252.‬‬
‫‪ -2‬أنظر‪ :‬ألفة المنصوري‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪.05 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ali Bencheneb, Op.cit, P: 337.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Voir : Ali Bencheneb, Op.cit, P: 462.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Com, 1 : 6 Novembre 2002, Bull, CIV 1, N : 259.‬‬
‫‪ -6‬لمزيد من التفصيل‪ :‬أنظر‪ :‬علي علي سليمان‪ ،‬نظرات قانونية مختلفة‪ ،‬السبب األجنبي في القضاء الفرنسي وفي القانون الجزائري‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪ 99 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪- 419 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫‪-4‬استحالة التنفيذ‪:‬‬
‫القوة القاهرة ويجعل التنفيذ مستحيالً بشأن الحدث الناتج عن الظرف الطارئ‬
‫يميز ّ‬
‫هذا الشرط هو الذي ّ‬
‫والذي يؤدي به إلى أن يكون االلتزام أكثر صعوبة وإرهاقا للمدين‪.‬‬
‫القوة القاهرة في الجانب المالي »‪ «Financière‬ال وجود له بالنسبة للمدين بدفع‬
‫ولهذا السبب نالحظ ّ‬
‫مبلغ مالي وهذا ما صرحت به محكمة النقض الفرنسية (‪" )1‬إن المدين بالتزام تعاقدي بمبلغ مالي ال يمكن‬
‫القوة القاهرة "‪.‬‬
‫إعفاؤه من هذا االلتزام بحجة حالة ّ‬
‫أن يكون عائقا من تسديد مبلغ مالي مع تعليق‬ ‫(‪)2‬‬
‫في الفرضية المتعلقة بجائحة كورونا يمكن للمرض‬
‫ويمكن المدين من إعفائه من الشرط الجزائي او غرامة التأخير‪ .‬إذا كانت آثار‬
‫دفعه »‪ّ «effet Suspensif‬‬
‫جائحة كورونا تجعل تنفيذ االلتزام أصعب ماليا أو ماديا في هذه الحالة ال تندرج ضمن القوة القاهرة ويجب‬
‫" وجوب أن تكون‬ ‫(‪)3‬‬
‫الرجوع إلى "الشروط التعاقدية" المدرجة في العقد وفي هذا السياق يرى البعض‬
‫فعلية " لكون الصعوبات العادية أو البسيطة ال تحول دون تنفيذ التزام المدين "‪ ،‬ومن ثمة يمكن‬
‫االستحالة " ّ‬
‫جهدا كبيرا‪.‬‬
‫تحديد االستحالة حسب " الحاالت الواقعية " وتختلف االستحالة عن الصعوبة لكونها تستوجب ً‬
‫(‪)4‬‬
‫للقوة القاهرة فهو‬
‫وفي هذا المعنى يطالعنا رأي في الفقه يدعو إلى التأكيد على " الدور الوظيفي " ّ‬
‫معذور " اتجاه‬
‫ًا‬ ‫متغير حسب الحدث ونظام المسؤولية ويستوجب حكما على سلوك المدين فيما إذا كان "‬
‫القوة القاهرة (‪.)5‬‬
‫االستحالة الناجمة عن ّ‬
‫متطور السيما "الدور الخالّق" الذي يؤديه القضاء لدى‬
‫ًا‬ ‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫إن مفهوم االستحالة يجب أن يكون‬
‫مستجدة أفرزتها جائحة كورونا المستجد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تطبيقه للقانون على حاالت‬
‫القوة القاهرة التي تجعل تنفيذ االلتزام مستحيالً بحيث أن‬
‫وعلى العكس من ذلك يمكن أن يتحقق شرط ّ‬
‫الصحي‪ ،‬أو حدوث اضطراب على مستوى‬ ‫ّ‬ ‫المدين نفسه يصاب بجائحة كورونا أو يتأثر بإجراءات الحجر‬
‫اإلنتاج‪ ،‬تجعل تنفيذ المدين اللتزامه مستحيالً السيما إذا كان هذا األخير التزم اتجاه زبائنه بتسليم البضاعة‬
‫أو السلع المتفق عليها في العقد ألنه يستحيل على المدين أن بعض من التنفيذ لمجرد صدور قرار إداري‬
‫من السلطة العمومية بمنع التنقل من منطقة ألخرى ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Con. 16 Sept 2014, N : 13-20, 306, Bull. Civ ; IV‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Voir : « le rejet de la qualification de force majeure pour une maladies cardiaque invoquée par un débiteur‬‬
‫‪pour justifier le fait qu’il ne s’était pas présenté pur réitérer une vents immobilière devant Notaire ».‬‬
‫‪Voir : Con. Civ 3 eme, 19 septembre 2019, N: 18-18.921, AJDI, 2019. 819.‬‬
‫أنظر أيضا‪ :‬ألفة المنصوري‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- P. Jourdain ,Recherche sur L’imputabilité en Matière de responsabilité civil et Pénal », Th. Paris II, 182,‬‬
‫‪P : 562.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-PH Antommatei, La Force Majeure, Jurisclasseur périodique, « La Semaine juridique », J.C.P, 1996, Ed. G‬‬
‫‪3907, n : 07.‬‬
‫أنظر أيضا‪ :‬ألفة المنصوري‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪.240 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Voir : Le Doyen J. Carbonnier, Op.cit., P : 397.‬‬
‫‪« Il s’agit toujours d’une formule un peu Vague, D’un cadre Vide Beaucoup plus que d’une définition précise ».‬‬

‫‪- 420 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫‪-5‬آليات الضبط اإلداري وأثرها على تكييف ّ‬


‫القوة القاهرة‪:‬‬
‫قوة قاهرة " بل التدابير االستثنائية التي‬
‫ليست جائحة كورونا في حد ذاتها هي التي تمثل مباشرة " ّ‬
‫اعتمدتها السلطات العمومية بغية التخفيف من آثار الجائحة وإدارة األزمات عن طريق تدابير الضبط‬
‫اإلداري »‪ .«La Police administrative‬وتدخلت المنظمة الدولية في تحديد طبيعة وتكييف جائحة كورونا‬
‫ومنها تصريح منظمة الصحة العالمية (‪ )OMS‬حيث اعتبرتها من الطوارئ الصحية العالمية وتحديا عالميا‬
‫وحدث غير عادي غير مسبوق يمثل خط ار على الصحة العامة‪ ،«Santé Publique» ،‬وتحولت من حالة‬
‫وبائية صحية إلى أزمة شاملة تستوجب عمل دولي منسق‪.‬‬
‫القوة القاهرة ولو أنه شرط ُيثار بمناسبة التزام وعقد قائم إال أنه في إطار جائحة كورونا‬
‫ويبدو أن شرط ّ‬
‫الصحة العالمية على ّأنه يشكل خط ار‬
‫ّ‬ ‫يمكن أن يحتج بها كل فرد باعتبارها حادث غير عادي حسب منظمة‬
‫على الصحة العامة بل هو خطر دولي وعالمي‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما تقدم ال يمكن ربط مهمة تقدير وتكييف جائحة كورونا على القاضي‪ ،‬وال حصرها في‬
‫ً‬
‫القوة القاهرة‪.‬‬
‫إن مفهوم الجائحة تجاوزت ّ‬
‫القوة القاهرة من عدمها‪ ،‬بل ّ‬
‫إطار نزاع تعاقدي بشأن وجود ّ‬
‫القوة القاهرة من جانب السلطة العمومية يمكن االحتجاج بها باعتبارها ذات طبيعة‬
‫إن مسألة تكييف ّ‬
‫أن أثر الحادث ال يمكن دفعه‪.‬‬
‫خارجة عن المراقبة أو ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تضمن تدابير الوقاية من انتشار وباء كورونا‬ ‫وفي هذا السياق صدر مرسوم تنفيذي رقم‪69-20‬‬
‫وهنا يطرح سؤال مفاده هل يعتبر هذا المرسوم من قبيل "فعل أمير"»‪ «Fait de Prince‬؟‬
‫يمكن اعتبار التدابير المتخذة في إطار هذا المرسوم هو مكافحة جائحة كورونا وتكريس وضمان األمن‬
‫الصحي للمواطنين‪ ،‬وترتب عن ذلك توقف شبه كلي للحياة التجارية واالقتصادية ثم تلتها عديد الق اررات‬
‫الصادرة من السلطات اإلدارية سواء عن الوزير األول‪ ،‬ومنحت أيضا صالحيات للوالي على مستوى الوالية‬
‫حيث نصت المادة ‪ 5‬من مرسوم ‪ " 69-20‬تغلق في المدن خالل المدة المذكورة في المادة ‪ 02‬أعاله‪،‬‬
‫محالت بيع مشروبات ومؤسس ات وفضاءات الترفيه والتسلية والمطاعم‪ " ...‬إلخ‪ .‬و " يمكن أن يتم توسيع‬
‫إجراء الغلق إلى أنشطة أخرى بموجب قرار من الوالي المختص إقليميا "‪ .‬وتضمن المرسوم ً‬
‫أيضا غلق‬
‫النشاطات المتعلقة بالخدمات الجوارية والشبكة الداخلية والنقل البري في مختلف االتجاهات بين البلديات‬
‫وبين الواليات (المادة ‪ 3‬من مرسوم ‪.)69-20‬‬
‫ثمة تدابير أخرى بمنع كل التجمعات والتجمهر ‪...‬إلخ وخاصة التدابير المتعلقة بالحجر الجزئي والكلي‬
‫في بعض األحيان‪ ،‬وكذلك ق اررات تتعلق بغلق المحالت غير الضرورية باستثناء محالت المواد الغذائية‬
‫والصيدليات والوقود‪.‬‬

‫حيز‬
‫‪ -‬المرسوم التنفيذي رقم ‪ 69-20‬المؤرخ في ‪ 21‬مارس ‪ 2020‬المتعلق بتدابير الوقاية من إنتشار وباء كورونا ومكافحته‪ .‬ودخل ّ‬
‫‪1‬‬

‫التنفيذ إبتداء من يوم األحد ‪ 22‬مارس ‪.2020‬‬

‫‪- 421 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫والتي تخلق استحالة‬ ‫أن هذه التدابير يمكن تسميتها في فقه القانون المدني بـ‪" :‬فعل آمير"‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبدو ّ‬
‫قانونية على مستوى تنفيذ العقد وهي نفس اآلثار التي ترتبها حالة ّ‬
‫القوة القاهرة‪ .‬ألن الجائحة رغم خطرها‬
‫ليست قوة قاهرة في حد ذاتها‪ ،‬بل فيما نجم عن التدابير اإلدارية المتخذة بسببها‪.‬‬
‫القوة القاهرة بين عقود األعمال وعقد التجاري الدولي‪:‬‬
‫خصوصية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-6‬‬
‫تنص المادة ‪( 95‬مرسوم رئاسي ‪ " )2( )247-15‬يجب أن تشير كل صفقة عمومية إلى التشريع‬
‫والتنظيم المعمول بهما في هذا المرسوم ويجب أن تتضمن على الخصوص البيانات اإللزامية والتكميلية‬
‫القوة القاهرة "‪.‬‬
‫ومن ضمنها كيفيات تطبيق حاالت ّ‬
‫أن‪ " :‬زيادة على الفسخ من جانب واحد المذكور في‬
‫كما تنص المادة ‪ 151‬من نفس المرسوم على ّ‬
‫المادة ‪ 149‬و‪ 150‬أعاله يمكن القيام بالفسخ التعاقدي للصفقة العمومية‪ ،‬عندما يكون ًا‬
‫مبرر بظروف خارجة‬
‫عن إرادة المتعامل المتعاقد ‪."...‬‬
‫يبدو على ضوء هذين النصين أن المشرع اشترط تضمين في عقد الصفقات العمومية " كيفيات تطبيق‬
‫القوة القاهرة " (المادة ‪ ،)95‬والفسخ التعاقدي (المادة ‪ ،)151‬وهنا يطرح تساؤل مفاده كيف تتعامل‬
‫حاالت ّ‬
‫السلطة العمومية بشأن تنفيذ الصفقات العمومية مع وضعية جائحة كورونا؟‬
‫القوة القاهرة بحيث أنه ليس‬
‫اسعا في آليات كيفية تطبيق حاالت ّ‬
‫أن المادة ‪ 95‬تركت المجال و ً‬
‫يبدو ّ‬
‫بالضرورة أن يؤدي إلى انقضاء الصفقة العمومية‪ ،‬وفي هذا المعنى اعتبرت السلطة اإلدارية في فرنسا‬
‫(‪)3‬‬
‫السيما في مادة " الصفقات العمومية التي أبرمتها الدولة‬ ‫القوة القاهرة‬
‫جائحة كورونا حالة من حاالت ّ‬
‫حيث أصدرت تعليمات في هذا الشأن تتضمن إعفاء " المتعامل المتعاقد " من غرامة التأخير ‪«Retard‬‬
‫»‪ de Pénalité‬في حالة التأخر في تسليم إنجاز األشغال أو المشروعات‪.‬‬
‫وضعية استحالة التنفيذ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ويمكن تصور فرضية أخرى ّ‬
‫أن جائحة كورونا قد تجعل المتعامل المتعاقد في‬
‫في هذه الحالة يتم تطبيق المادة ‪ 151‬المذكورة أعاله‪.‬‬
‫في المادة ‪(135‬من قانون ‪ )13-19‬إلى وجوب "‬ ‫(‪)4‬‬
‫كما أشار المشرع في مجال عقود المحروقات‬
‫القوة القاهرة "‪.‬‬
‫ضمان االمتياز استم اررية خدمة النقل بواسطة األنابيب ماعدا في حالة ّ‬

‫‪ -1‬أنظر‪ .‬ألفة المنصوري‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص ‪.215‬‬


‫‪ -2‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ 247-15‬المؤرخ في ‪ 16‬سبتمبر سنة ‪ 2015‬يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام رقم‬
‫الجريدة الرسمية ‪.50‬‬
‫‪ -3‬أنظر في هذا المعنى‪ ،‬القانون الفرنسي الذي أعلن عن حالة الطوارئ الصحية على خالف ما حدث في الجزائر وتم العمل به‪ ،‬حيث‬
‫اتخذت الحكومة الجزائرية إجراءات الحجر الجزئي والكلي في بعض األحيان‪.‬‬
‫‪- Voir dans ce sens : ordonnance n° 2020-306 du 25 mars 2020 relative à la prorogation des délais echus pendant‬‬
‫‪à la période d’urgence sanitaire et à l’adaptation des procédures pendant cette même période.‬‬
‫‪ -‬إال أن تصريح الحكومة الفرنسية أنتقد من طرف رجال القانون على أساس ّ‬
‫أن الحكومة ال تستطيع حلول محل القاضي في تكييف‬
‫القوة القاهرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬أنظر‪ :‬قانون رقم ‪ 13-19‬الموافق ‪ 11‬ديسمبر سنة ‪ 2019‬ينظم نشاطات المحروقات‪ ،‬عدد‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪.79‬‬

‫‪- 422 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫والهدف من إيراد " حالة الوباء " وغيرها من الحاالت األخرى التي ذكرتها االتفاقية النموذجية في المادة‬
‫‪ 31‬منه حتى تكون العقود المنجمية المبرمة مع المستثمرين أكثر حماية وأمنا وهذا ما يصطلح على تسميته‬
‫بـ " األمن التعاقدي " أو " األمن القانوني "‪.‬‬
‫الصحية الناجمة عن جائحة كورونا من ضمن قوانين الشرطة واألمن‬
‫ّ‬ ‫كما طرحت إمكانية اعتبار األزمة‬
‫»‪ «Les lois de police et de sureté‬وفي هذا المعنى تنص المادة ‪ 5‬من القانون المدني الجزائري‪ ":‬يخضع‬
‫كل سكان القطر الجزائري لقوانين الشرطة واألمن "‪.‬‬
‫إن منهج قوانين الشرطة واألمن هي آلية تدخل " النظام العام " في المجال الدولي ويطلق عليه أيضا‬
‫ّ‬
‫قوانين ذات التطبيق المباشر أو القانون الواجب التطبيق الضروري ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫باعتبار أن "قوانين الشرطة واألمن" يخضع للقانون الوطني وال يمكن إلرادة األطراف استبعاد مضمونها‪،‬‬
‫مستبعدا منهجية تنازع القوانين »‪.)3( «La Méthode des Conflits de lois‬‬
‫ً‬ ‫حيث تطبق القواعد مباشرة‬
‫تغيير "قوانين الشرطة واألمن" "قانونا هيكليا" تتضمن جميع القوانين من أجل المحافظة على التنظيم السياسي‬

‫واالقتصادي لبلد ما‪ ،‬وهو " قانون وظيفي" لكونه ّ‬


‫يعبر عن خيارات الدولة فهو ذو طبيعة "آمرة متميزة"‪.‬‬
‫في هذا السياق صدر في فرنسا أمر رئاسي رقم ‪ 2020-427‬المؤرخ في ‪ 15‬أفريل ‪ 2020‬المتضمن‬
‫مختلف األحكام المتعلقة بـ " اآلجال " لمواجهة جائحة كورونا (‪ .)4‬حيث تم تكييف األمر الرئاسي صراحة‬
‫لكونه من " قوانين الشرطة واألمن " والسيما المادة ‪ 4‬منه وخاصة ما يتعلق بتمديد اآلجال المقترنة‪ ،‬بـ‪:‬‬
‫الغرامات التهديدية‪ ،‬والشرط الجزائي وشرط الفسخ وشرط السقوط‪ .‬إالّ أن التقرير (‪ )5‬الذي ُو ِّّجه إلى رئيس‬
‫الجمهورية تضمن إمكانية حرية أطراف العقد في استبعاد تطبيق المادة ‪ 4‬بشرط صريح في المادة العقدية‪.‬‬
‫» ‪« En matière contractuelle‬‬

‫إن الهدف الذي يتوخاه إليه أطراف العقد هو تكييف مفهوم القوة القاهرة بـ " قانون عبر وطني ّ‬
‫للقوة‬ ‫ّ‬
‫القاهرة "(‪ )6‬تأسيسا على قاعدة معروفة في تطبيق األعراف الدولية " ‪ Lex Mercatoria‬وإمكانية عدم ربط‬
‫العقد لقانون دولة معينة تتبنى أعراف التجارة الدولية وقواعد اإلنصاف والمبادئ العامة (‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Les Lois D’Application immédiate.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Les Lois D’Application Nécessaire.‬‬
‫‪Voir : Jean Batiste Racine, Droit du Commerce International, 2 eme Ed, Dalloz 2011, P : 123.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Voir ; Ibid., P : 123 « L’article 9 du règlement Rome (1) dans les contrats internationaux les lois de police sont‬‬
‫‪ne limité a la liberté de choisir le droit application …une loi de police s’applique, sens être désignée par une règle‬‬
‫‪de conflit…’.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Voir : Ordonnance N : 2020-427 du Avril 2020 portent divers dispositions en matière de délais pour faire face‬‬
‫‪a l’épidémie de Covid 19- Site Légifrance-‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Rapport du président de la république a Ordonnance N : 2020-427 du Avril 2020 portent divers dispositions‬‬
‫‪en matière de délais pour faire face a l’épidémie de Covid 19- Site Légifrance-‬‬
‫‪6‬‬
‫» » ‪- « Un droit transnational de l Force Majeur‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-Voir : Jean Batiste Racine, Op.cit., P : 185.‬‬
‫‪« ….La Tendance existe -t- elle a concevoir le conditions de la force Majeur de la manière moins Stricte que dans‬‬
‫» ‪les droits nationaux‬‬

‫‪- 423 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫ثانيا‪ :‬أثر القوة القاهرة بين االستحالة المؤقتة واالستحالة الدائمة‪:‬‬


‫تبعا لخصوصيات جائحة كورونا‬ ‫القوة القاهرة ً‬ ‫ّ‬ ‫كما سبق اإلشارة سلفا يجب تكييف‬
‫أن المفهوم الكالسيكي للقوة القاهرة يعني ببساطة" عدم تنفيذ العقد "ويقوم على" عنصر استحالة التنفيذ‬
‫حيث ّ‬
‫" وإعفاء المدين من المسؤولية‪ ،‬وال يمكن أن يظل العقد قائما إذ ال التزام بمستحيل‪ ،‬غير أنه قد تكون‬
‫االستحالة مؤقتة فيتم تعليق التنفيذ إلى حين زوال الجائحة (‪ )1‬وقد تؤدي هذه األخيرة إلى االستحالة الدائمة‬
‫مما يترتب عليه الفسخ واالعفاء من المسؤولية(‪.)2‬‬
‫‪-1‬اإلستحالة المؤقتة‪ :‬التعليق واإلعفاء من المسؤولية‪:‬‬
‫القوة القاهرة متعددة بحكم كون المفهوم قائم على " مصلحة خاصة‬
‫يبدو أن اآلثار المترتبة على مفهوم ّ‬
‫" حيث يمكن ألطراف العقد تعديل اآلثار في إطار " اشتراطات مالئمة " ألن الحل الذي قدمه القانون‬
‫المميز للقوة القاهرة‪ .‬لذلك‬
‫ّ‬ ‫المدني كان قاسيا على حد تعبير بعض الفقه (‪ )1‬بحكم انقضاء االلتزام هو األثر‬
‫ال يستساغ تطبيق المفهوم التقليدي للقوة القاهرة خاصة في إطار العقود الممتدة التنفيذ ذات الوظيفة‬
‫االقتصادية الهامة‪ ،‬أو عقود االستثمار‪ ،‬في مثل هذه العقود ال يمكن إعفاء المدين مباشرة حيث يجب تجنيب‬
‫العقد من " االنقضاء " واللجوء إلى آلية تعليق العقد إلى حين زوال االستحالة المؤقتة‪.‬‬
‫يبدو في حالة تطبيق القوة القاهرة على واقع جائحة كورونا خاصة في حالة األثر المترتب على استحالة‬
‫مؤقتة مثل االستمرار في إعادة إنتاج السلع والبضائع بعد توقفها بسبب الجائحة (كما حدث في الصين)‬
‫محدودا في الزمان أو فواتير الماء أو عقود الكهرباء والغاز‪ ...‬إلخ‬
‫ً‬ ‫وحتى المنع من السفر ينبغي أن يكون‬
‫في هذه الفرضيات يتم تعليق العقد بالنسبة لألطراف‪.‬‬
‫إن المتعاقد أو الدائن يستطيع تعليق العقد دون تبني نظرية الظروف الطارئة ما دام بإمكانه إنقاذ العقد‬
‫ّ‬
‫أن مراجعة العقد يمكن أن يكون لها مجال إلى جانب انقضاء العقد ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كحل يمكن من إنقاذ العقد‬ ‫بمعنى ّ‬
‫وأثر التعليق مثل ما يحدث في نظام الدفع بعدم التنفيذ » ‪ « L’exception d’exécution‬المنصوص عليه‬
‫في المادة ‪ 123‬من القانون المدني الجزائري وال يستطيع المتعاقد طلب التعويض عن الضرر المترتب عن‬
‫القوة القاهرة يعفى المدين من غرامات التأخير " » ‪ " « Retard de pénalité‬في‬
‫التعليق‪ ،‬كما أن تكييف ّ‬
‫هذه الحالة في إطار تفشي جائحة كورونا‪ ،‬حيث يعاد إلى العقد حياته وسريانه العادي عند زوال عائق‬
‫التنفيذ المتمثل في جائحة كورونا‪ .‬وتجدر اإلشارة أن األثر التعليقي يمكن عدم العمل به إذا كانت طبيعة‬
‫العقد تستوجب "تأخير التنفيذ حيث ال يكون له أي معنى" ونتصور حتى في حالة " االستحالة المؤقتة "‬
‫يفسخ العقد بقوة القانون دون مسؤولية المدين على الفسخ أو عدم التنفيذ تأسيسا على األثر اإلعفائي‬
‫للمسؤولية المترتبة على القوة القاهرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ali Bencheneb, Op.cit, P : 339.‬‬
‫‪ -2‬يمكن اإلستناد على نص المادة ‪ 1/107‬من قانون المدني الجزائري بضرورة تنفيذ بحسن النية‪.‬‬

‫‪- 424 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫‪-2‬االستحالة الدائمة‪ :‬الفسخ واإلعفاء من المسؤولية‪:‬‬


‫القوة القاهرة مثل المرض المؤدي إلى الموت‪ ،‬ويعفى‬‫قد تكون استحالة التنفيذ دائمة ال مؤقتة بسبب ّ‬
‫أطراف العقد من التزامات المتبادلة ويفسخ العقد بقوة القانون (‪( )1‬المادة ‪ 121‬من القانون المدني الجزائري)‪،‬‬
‫فسخ‬ ‫(‪)2‬‬
‫القوة القاهرة يفقد العقد القوة الملزمة دون إعمال الشرط الفسخ ودون يطلب من القاضي‬
‫وبسبب ّ‬
‫إن األمر يتعلق " بالفسخ بقوة القانون "‪.‬‬ ‫العقد ّ‬
‫وقد تتحقق االستحالة الدائمة بسبب القوة القاهرة‪ ،‬في حالة جائحة كورونا إال أن المتضرر منها ال‬
‫أن االستحالة يجب أن تكن فعلية‬ ‫(‪)3‬‬
‫يستطيع أن يتحجج لمجرد واقعة بسيطة وفي هذا المعنى يرى البعض‬
‫أن " الصعوبات البسيطة " ال يعتد بها وال تحول دون تنفيذه االلتزام (‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫وتثار النزاعات بسبب جائحة كورونا إذا تم دفع مال للوكاالت السياحية واألسفار سلفا في مجال عقود‬
‫(‪)5‬‬
‫هل يجوز للمتضرر من جائحة كورونا طلب استرداد مبلغ مالي ومن يتحمل تبعة‬ ‫السياحية واألسفار‬
‫االستحالة؟ مبدئيا التبعة »‪ «Risque‬يقع على عاتق المدين ألن نص المادة ‪ 121‬من القانون المدني يقوم‬
‫على الفكرة العامة وهي نظرية المخاطر »‪ «Théorie des Risques‬والمنصوص عليها في المادة ‪ 168‬من‬
‫القانون المدني‪ .‬ففي المثال المتعلق بالتعاقد مع وكاالت السياحة واألسفار ّ‬
‫فإنها هي التي تتحمل تبعة‬
‫يعبر عنه « ‪Resperit‬‬
‫االستحالة ويجوز للمتعاقد مع هذه الوكاالت استرداد األموال المدفوعة‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫»‪ debitori‬تبعة االلتزام على المدين به " (‪.)6‬‬
‫‪ -)II‬اندراج جائحة كورونا ضمن الظروف الطارئة ‪:‬‬
‫لم يلتزم الطرفان إال بناء على وضع قائم يمكن توقعه وليس على وضعيات غير متوقعة ترتبت عنه‬
‫تغيرات اقتصادية برزت بشكل مفاجئ‪ ،‬استوجبت مراجعة مضمونه من أجل مالئمته مع المتغيرات الطارئة‪.‬‬
‫ويبدو أن ثمة معادلة بين قاعدة "بقاء األشياء على حالها »‪ " «Rebus Sic Stantibus‬وضرورة "احترام‬
‫التعهدات" "‪ " Pacta Sunt Servanda‬من جهة‪ ،‬أو وجوب تكريس األمن التعاقدي من جهة أخرى‪ ،‬فإنه ال‬
‫يمكن تطبيق الظروف الطارئة إال بشروط استثنائية ومحددة (المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني)‪.‬‬

‫‪ -1‬أنظر‪ :‬بلعور عبد الكريم‪ ،‬نظرية الفسخ في القانون المدني الجزائري‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،2001 ،‬ص ‪ 343 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ali Bencheneb, Op.cit, P : .340‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- P. Jaurdain, Thèse Précité, P : 562.‬‬
‫‪ -4‬يرى األستاذ زهدى يكن‪ " :‬أن من ضمن المعايير في تقدير إستحالة التنفيذ هي المقاومة التي يبديه الرجل العادي واليمكن أن يتغلب‬
‫عليها (شرح قانون الموجبات والعقد) الجزء الخامس‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -5‬راجع القانون رقم ‪ 06-99‬المؤرخ في ‪ 4‬أفريل سنة ‪ 1999‬يحدد القواعد التي تحكم نشاط وكالة والسياحة واألسفار‪ .‬والمالحظ أنه‬
‫في إطار المادة ‪ 14‬منه نص على وجوب تضمين في عقد السياحة واألسفار بنود تتعلق بـ‪ :‬مراجعة األسعار المحتملة‪ ...‬وفسخ العقد‪.‬‬
‫أما في المادة ‪ 17‬فنصت على أن مراجعة السعر يتوقف على وجود بند وارد في العقد‪.‬‬
‫‪ -6‬راجع‪ :‬محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مركز النفس الجامعي‪ ،2004 ،‬ص‪.65 :‬‬
‫‪Voir Aussi : Christophe Lâchiez, Droit des Contrats, 3 eme Edition, elliyses 2012, P : 198.‬‬

‫‪- 425 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫من الممكن ان توجد المساواة عند إبرام العقد ولكنها تختفي في مرحلة تنفيذه عندما تحدث تغيرات‬
‫اقتصادية‪ ،‬وهذا ما حدث عند تفشي جائحة كورونا حيث أصبح تنفيذ المدين اللتزامه أكثر إرهاقا وصعوبة‪.‬‬

‫وتعد نظرية الظروف الطارئة إستثناءا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد (المادة ‪ 106‬من القانون المدني)‬
‫ومن أجل تبرير هذا االستثناء استوجب المشرع شروطا تتعلق بـ‪" :‬الحادث" ‪ l’événement‬ومدى تأثيره على‬
‫االلتزامات العقدية‪ ،‬بشأن الطابع االستثنائي للحادث فهو شرط ليس له أهمية أكثر من أنه ُيحيل إلى شرط‬
‫عدم التوقع الحادث ويشير على القاضي بوجوب الصرامة في تقدير هذا الشرط (‪ .)1‬أما شرط العمومية فهو‬
‫شرط مت وافر بشأن األزمة الصحية وهذا ما ذهبت إليه منظمة الصحة العالمية كما سبق بيانه على أنها "‬
‫جائحة وبائية عالمية "‪.‬‬
‫ولعله من المستوجب القول إن فلسفة العقد تقوم على مبادئ هي بـ‪ ":‬الحرية " والتوقع و "االستقرار"(‪.)2‬‬
‫ألن هناك تغيرات غير متوقعة للظروف فهذا الشرط الجوهري من شأنه أن يحقق للعقد الفعالية والواقعية‪.‬‬
‫و ّ‬
‫وقد تؤدي عدم توقعية الحادث الطارئ إلى أن يصبح االلتزام أكثر صعوبة وإرهاقا للمدين (أوال) ويكون‬
‫من الضروري استدعاء مبدأ اإلنصاف إلنقاذ ذلك التنفيذ غير المنصف الذي وقع بسبب جائحة كورونا من‬
‫أجل رد االلتزام المرهق إلى الحد المعقول (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ضمان مستقبل االلتزام بين عدم التوقع والتنفيذ المرهق‬
‫يقوم تعديل العقد عند تغير الظروف على فكرة " البعد االقتصادي في قانون العقود "كون ّ‬
‫أن مناط‬
‫نظرية الظروف الطارئة يستند على "ديمومة االلتزام"(‪ ،)1‬كما تؤسس على المصلحة المشتركة للمتعاقدين‬
‫على مواجهة الصعوبات التي تحيط بالعقد عند تنفيذه(‪.)2‬‬
‫‪-1-1‬تغير الظروف غير المتوقعة‪:‬‬
‫إن شرط عدم التوقع أثناء تكوين العقد في نظرية الظروف الطارئة هو نفسه في القوة القاهرة (‪ )3‬وبشأن‬
‫ّ‬
‫التغيرات في الظروف التي قد تكون سياسة واقتصادية وحتى قانونية‪ ،‬وكل اآلثار المتعلقة بجائحة كورونا‬
‫تعتبر أحداثا طارئة وظروف غير متوقعة ّأدت إلى تغيير الظروف االقتصادية وحدوث االختالل الفادح‬
‫والمرهق للتوازن العقدي‪.‬‬
‫إن إبراز طبيعة الحادث غير المتوقع يجب أن يكون عند إبرام العقد‪ ،‬ويعتبر " عدم التوقع الصفة‬ ‫ّ‬
‫مميزة للحياة االقتصادية وهو األمر المفيد في تحديده‪ ،‬رغم أنه من غير الممكن تكييفه كماال يكفي تأسيسه‬
‫ال ّ‬
‫" (‪.)4‬‬

‫‪-Voir : Ali,Bencheneb, Op.cit, P : 249.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪-« Liberté » « Prévisibilité ‘ et « Stabilité ».‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -3‬أنظر‪ :‬لحلو خيار غنيمة نظرية العقد‪ ،‬بيت األفكار‪ ،‬طبعة ‪ ،2018‬ص‪.172 :‬‬
‫‪ -4‬أنظر‪ :‬زمام جمعة‪ ،‬العدالة العقدية في القانون الجزائري‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬طلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪،2014 ،‬‬
‫ص‪.393 :‬‬

‫‪- 426 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫وتندرج جائحة كورونا ضمن تغيرات مفاجئة وغير مألوفة من شأنها أن يؤدي إلى تنفيذ االلتزام المرهق‬
‫المضر بمصالحه المشروعة (المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني)‪ .‬وال يمكن إسناد " عدم التوقع‬
‫للمدين و ُ‬
‫إلى بعض الحوادث المعدودة بشكل محدود‪ ،‬ألنه ال يوجد أي شيء في العالم غير متوقع بشكل مطلق "‬
‫(‪.)1‬‬
‫ويبدو أن المتضرر من جائحة كورونا يمكن أن يحتج بالحادث غير المتوقع حتى ولو لم ينص عليها‬
‫بحكم كون العقد عند إبرامه يجب أن يأخذ‬ ‫(‪)2‬‬
‫في العقد فهي ليست كسائر الشروط األخرى الواردة في العقد‬
‫بعين االعتبار الظروف االقتصادية والتطورات غير المتوقعة (‪.)3‬‬

‫عدل بأمر ‪ 10‬فيفري ‪ 2016‬قد استحدث ألول ّ‬


‫مرة نظرية‬ ‫ونشير إلى القانون المدني الفرنسي الذي ّ‬
‫الظروف الطارئة (‪ )4‬بموجب المادة ‪ 1195‬حيث أجاز ألطراف العقد تضمين شرط التنازل عن تطبيق هذه‬
‫المادة وإمكانية استبعادها إذ يكاد أن يكون شرطا نموذجيا »‪ «Clause Style‬في عقود األعمال بحكم كونها‬
‫مكملة " »‪ «Nature Supplétive‬إال انه بشأن العقود الجارية التي تضمنت هذا الشرط وتزامنت‬
‫" قاعدة ّ‬
‫الغيا العتبارات تتعلق باألزمة الصحية‬
‫مع تفشي جائحة كورونا مما جعل القضاء الفرنسي يعتبرها شرطا ً‬
‫ومواجهة الجائحة (‪ .)5‬وهذا على خالف ما هو عليه الحال في القانون المدني الجزائري حيث ال يجوز‬
‫ألطراف العقد االتفاق على استبعاد تطبيق المادة ‪ 3/107‬بحكم كونها قاعدة آمرة" »‪«Nature Impérative‬‬
‫‪-2‬إلتزام المدين أكثر صعوبة وإرها ًقا‪:‬‬
‫إن التغيرات الطارئة ال تجعل تنفيذ االلتزام مستحيالً كما هو الشأن في القوة القاهرة ولكن يجب أن‬
‫ّ‬
‫يصبح تنفيذه مرهقا للمدين يهدده بخسارة فادحة (المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني)‪ّ ،‬‬
‫"إن األمر يتعلق‬
‫بأثر الحادث على التزام المدين"(‪ ،)6‬بمعنى شرط "االستثنائية" و"العمومية " و" عدم التوقعية " هي التي‬
‫تجعل االلتزام مرهقا وأكثر صعوبة‪.‬‬
‫ويبدو أن هناك إيحاء على ضوء المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني بتكريس معيار االستحالة النسبية‬
‫حسب عبارة " وإن لم يصبح مستحيالً صار مرهقا للمدين"(‪.)7‬‬

‫‪ -1‬الرسالة نفسها‪ ،‬ص ص‪ 394-393 :‬ويرى األستاذ الفياللي في هذا المعنى‪ " :‬وجوب إعتماد معيار موضوعي يكون أكثر انسجاماً‬
‫مع نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬فتحديد درجة مهم توقع الحادث في ضوء الظروف المحيطة بالعملية يجب أن يكون بالنظر للرجل العادي‬
‫وليس من وجهة نظر المتعاقدين الشخصية "‪ .‬أنظر‪ :‬كتابه ‪ " ،‬اإللتزامات "‪ ،‬ص‪..375 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ali, Bencheneb, Op.cit, P :248 et 249.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Voir :Christophe Lachiéze, Op.cit, P. 181.‬‬
‫» ‪« le Contrat est élaboré en considération des circonstances économiques du moment et des évolutions prévisible‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Voir l’ordonnance n° 2016-131 portant réforme du droit des contrats, du régime générale et de la preuve des‬‬
‫‪obligations, voir sur le thèse : Eva Fischer – Achourd, La vigneur de la consécration de la théorie de l’imprévision‬‬
‫‪en droit Allemand et en droit privé Français, Revue internationale de droit comparé, n° 03 – 2019, p. 624.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- « Il Faut préciser que, même en l’Absence de clause l’excluant, l’Article 1195 n’est pas Applicable en matière‬‬
‫» ‪d’obligations résultant d’Operations sur les titres et les contrats financières‬‬
‫‪ -6‬أنظر‪ :‬لحلو خيار غنيمة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.174 :‬‬
‫‪ -7‬أنظر‪ :‬زمام جمعة‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪.395 :‬‬

‫‪- 427 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫فإذا كانت جائحة كورونا باعتبارها حادثا غير متوقع لم يؤثر على تنفيذ العقد ولم يؤد إلى التنفيذ المرهق‬
‫فإن المتعاقد ال يستفيد من نظرية الظروف الطارئة بحكم كون هذا األخير يجب توافر شرط اإلرهاق‬
‫(‪ )l’onérosité‬الذي يؤدي إلى خسارة فادحة تقع على عاتق المدين عند تنفيذ العقد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوظيفة التصحيحية للقاضي في رد االلتزام من المرهق إلى المعقول‪:‬‬
‫جاء في المبادئ التي نشرها المعهد األوروبي للقانون (‪ )ELI( )1‬بمناسبة تفشي جائحة كورونا وخاصة‬
‫المبدأ (‪ )10‬بعنوان "استم اررية العالقات القانونية عن بعد" على الدول والحكومات أن تحرص على عملية‬
‫أن هذا الظرف (أي الجائحة) ال يمنع من تنفيذ العقود وعالقات تعاقدية أخرى ولو كان التنفيذ‬
‫إبرام العقود و ّ‬
‫عن بعد " »‪ ،«Exécution à distance‬لذلك متى توافرت الشروط المطلوبة في الظرف الطارئ يستوجب‬
‫تدخل القاضي لرد االلتزام المرهق إلى المعقول‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يرى العميد " ‪ " :)2(" Carbonnier‬أن تعديل العقد غالبا ما يكون الضامن الوحيد‬
‫لتنفيذه(‪ .)1‬وتبرر المراجعة القضائية في حالة تغير الظروف االقتصادية بسبب الجائحة على أساس مبدأ‬
‫حسن النية في تنفيذ العقد (‪ .)2‬كما يمكن تبرير المراجعة على أساس التضامن (‪ )3‬إال انه يمكن اللجوء‬
‫إلى الفسخ (‪.)4‬‬
‫‪-1‬المراجعة‪ :‬استدعاء لواجب اإلنصاف لعقد غير متوازن‪:‬‬
‫يبدو أن نظرية الظروف الطارئة في البداية كانت مرتبطة بفكرة "بقاء األشياء على حالها" أو "بشرط‬
‫القوة القاهرة"‪ ،‬حيث كان الجزاء المترتب عن ذلك حل الرابطة العقدية لتستقل بعدها عن باقي المفاهيم‬
‫األخرى حيث كان الجزاء إما بالفسخ أو المراجعة بعدها ارتبطت بمبدأ سلطان اإلرادة وترتبت عن ذلك‬
‫اعتبار الفسخ أكثر تعاقدية (‪ )Plus Contractuelle‬من المراجعة‪ .‬ليظهر اتجاه بذلك إلى اعتبارية "اإلرادية"‬
‫مساسا بنظرية الظروف الطارئة مما جعلها مرتبطة باقتصاد العقد وأضحت المراجعة هي الجزاء األكثر‬
‫فاعلية ومالئمة‪.‬‬
‫واشترطت المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني على القاضي الممنوح له سلطة المراجعة من أجل رد‬
‫(‪)3‬‬
‫أولهما " مراعاة القاضي للظروف المحيطة " وثانيهما على القاضي " مراعاة‬ ‫االلتزام إلى الحد المعقول‬
‫مصلحة الطرفين " يعتمد على فكرة توزيع األعباء الطارئة وثالثهما اعتماد القاضي مبدأ اإلنصاف كمعيار‬
‫لرد االلتزام إلى الحد المعقول‪.‬‬
‫يبدو أن متطلبات األزمة الصحية وانعكاساتها على قانون العقود يفرض تكريس مبدأ توزيع التبعات‬
‫»‪ «Risques‬على المتعاقدين على أساس مبدأ األنصاف وهو في نفس الوقت يستجيب التحليل االقتصادي‬
‫للقانون (‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Voir les principes ELI pour la crise du covid-19, par l’European Law institute. (Voir le site ELI).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Voir :J. Carbonnier, Op.cit, P : 69.‬‬
‫‪ -3‬أنظر‪ :‬لحلو خيار غنيمة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 175 :‬وما يليها‪ .‬وأنظر أيضا‪ :‬زمام جمعة‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬هي ‪ 397‬و ص‪.398 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Eva Fischer – Achoura, Article précitée, p. 632.‬‬

‫‪- 428 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫قوة قاهرة " تؤدي إلى استحالة التنفيذ أو في بعض األحيان‬


‫ورأينا سابقا جائحة كورونا يمكن أن تشكل " ّ‬
‫إلى صعوبات في التنفيذ مما يعفي المدين من التزامه حيث يحتج هذا األخير بعدم التنفيذ والفسخ بقوة‬
‫القانون إال أن شرط الظرف الطارئ وشرط القوة القاهرة ولو أنهما مسألتان متميزتان‪ ،‬إال أن القوة القاهرة‬
‫ينظر إليها في العالقة بين االلتزام والحادث كونه يوجد في العالم الخارجي والذي يعفي المدين من التزامه‬
‫بألية الفسخ‪ ،‬بينما الظروف الطارئة يثير العالقة بين االلتزام من منظور القيمة (‪ )Valeur‬ووضعية السوق‬
‫الذي يؤثر على هذه القيمة ويؤدي إلى اختالل العقد ولكن ال يعفي بالضرورة المدين من التزامه وال يفسخ‬
‫حتما ويظل التنفيذ ممكنا (‪ )Possible‬وكل ما في األمر أن المادة ‪ 3/107‬تشترط في االلتزام أن‬
‫العقد ً‬
‫يكون مرهقا ال مستحيالً‪.‬‬
‫آلية الظروف الطارئة من حيث شروطها وأثارها المستوجبة في المادة ‪3/107‬‬
‫بناء على ما تقدم يبدو أن ّ‬
‫القوة القاهرة في ظل تفشي جائحة كورونا‪.‬‬
‫هي أكثر مرونة ونجاعة من تطبيق شرط ّ‬
‫ويجب النظر ليس فقط لحماية مصالح الدائن بل حماية " المصالح المشروعة " للمدين أيضا التي‬
‫تتطلب مراجعة االلتزامات ضمانا الستم اررية العقد بدال من االنقضاء الستحالة تنفيذه وهذا ال يتعارض مع‬
‫مبدأ األمن التعاقدي الواجب توافره في" النظام التعاقدي "‪.‬‬
‫‪-2-2‬استدعاء مبدأ حسن النية للمراجعة‪:‬‬
‫كما هو معروف في مبدأ حسن النية (المادة ‪ 1/107‬من ق‪.‬م‪ ).‬ال يتوخى السيطرة على مبدأ سلطان‬
‫ألن‬ ‫اإلرادة بقدر ما يتجه إلى إضفاء" النجاعة والفعالية " على االلتزامات بحيث تكون أكثر مرونة وو ّ‬
‫اقعية ّ‬
‫اإلصرار على تنفيذ االلتزام يجعله مرهقا أو مخالفا لواجب حسن النية " حسب ما يراه العميد‬
‫»‪.)1(«Carbonnier‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه المعهد األوروبي للقانون في المبدأ (‪ )13‬على وجوب اعتماد " مبدأ حسن النية في‬
‫تنفيذ العقود وإمكانية إعادة التفاوض والمراجعة عند صعوبة التنفيذ " في ظل تفشي جائحة كورونا (‪.)2‬‬
‫‪- )3‬المراجعة تكريس لمبدأ واجب التضامن‪:‬‬
‫تستند مراجعة االلتزامات أيضا على أساس واجب التضامن‪ ،‬وال ّأدل على ذلك إقرار المعهد األوروبي‬
‫للقانون في المبد أرقم (‪ )13‬لمواجهة األزمة الصحية‪ ،‬مبدأ التضامن الذي أوجب على الحكومات الحرص‬
‫على األثار المترتبة على إنهاء العالقات التعاقدية والسيما إلغاء عقود األسفار السياحة الجارية‪ ،‬وأن التبعة‬
‫»‪ «Risque‬ال يقع على عاتق طرف واحد بل على المستهلك ووكاالت األسفار والسياحة على حد سواء‪،‬‬

‫بحكم كون إجراءات الحجر الصحي تتطلب من القضاة ضرورة تبني آليات جديدة مرنة ّ‬
‫وفعالة تستجيب‬
‫لمتطلبات األزمة الصحية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Voir :J. Carbonnier, Op.cit, P : 61.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Voir :Hervé Lecuyer, Le Contrat acte de prévision, Mélange a F. Terré, P : 643. Voir aussi les principes ELI‬‬
‫‪pour la crise du covid-19 par l’European Law Institute. (Voir le site ELI).‬‬
‫حيث يرى األستاذ "‪ "Lecuyer‬أن " مبدأ حسن النية من النظائر المنافسة لنظرية الظروف الطارئة "‬

‫‪- 429 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫هذا االتجاه الجديد ينّم على وجوب ان يتسم قانون العقود بالطابع اإلنساني والواقعي‪ ،‬لكون المدين ال‬
‫يلتزم إال في حدود ما ينتظره الدائن من المقابل‪ ،‬هذا األخير يجب ان يكون توقعه معقوالً (‪)Raisonnable‬‬
‫وهذا ما يعرف في فقه القانون المدني بـ "التوقع المشروع للدائن" (‪«L’attente légitime du Créancier». )1‬‬
‫‪- )4‬إمكانية الفسخ في إطار نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫من وجهة نظر " المصلحة االقتصادية" لبلد ما هل مقبولية لطلب الفسخ في إطار نظرية الظروف‬
‫الطارئة؟‬
‫يبدو أن أمن مناخ األعمال‪ ،‬ومبدأ استقرار العقود يطرحان المراجعة القضائية لكونها تعتبر بمثابة منح‬
‫ألن المصلحة االقتصادية لبلد ما بصفة عامة ترتبط بتنفيذ‬
‫فرصة للتنفيذ يضفي العقود المرونة المطلوبة ّ‬
‫العقود أكثر من عدم تنفيذها (‪.)2‬‬
‫إن المعادلة بين المراجعة والفسخ هو في تنازع مستمر ال سيما في إطار تطبيق الظروف الطارئة على‬
‫العقود الجارية في ظل تفشي جائحة كورونا‪.‬‬
‫لكن‬ ‫ولو أن المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني منحت للقاضي سلطة المراجعة دون إمكانية الفسخ‬
‫(‪)3‬‬

‫ِّ‬
‫ورده إلى المعقولية وجب تطبيق القواعد العامة في‬
‫إذا امتنع المدين عن تنفيذ االلتزام المرهق رغم تعديله ّ‬
‫الفسخ‪.‬‬
‫يبدو أنه على المشرع والقضاء أن ينصب اهتمامهما على مستقبل االلتزام وتكريس "البعد االقتصادي‬
‫للعقد" وتجنيب العقود من الفسخ واالنحالل (‪ ،)4‬لذلك نرى أن الجزاء الوحيد المترتب عن نظرية الظروف‬
‫الطارئة هو المراجعة الدائمة والتعديل المتزامن معها‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫نخلص مما تقدم أن الوباء أو األزمة الصحية أو فيما يعرف بجائحة كورونا (كوفيد‪ )19-‬نجمت عند‬
‫آثار سلبية عديدة في األثر البالع على الحياة التجارية واالقتصادية وانعكست تداعياتها على االقتصاد‬
‫العالمي‪ ،‬حيث اعتبرت منظمة الصحة العالمية وباء كورونا أزمة صحية ذات تداعيات دولية خطيرة على‬
‫مستوى الحكومات والدول اتخذت الق اررات واإلجراءات والتدابير التي عرفت بإجراءات الضبط اإلداري وأهمها‬
‫إجراءات الحجر الصحي الذي أثر بشكل خاص على العقود الجارية (‪ )les contrats en cours‬وأثير في‬
‫هذا السياق مصير هذه العقود وااللتزامات المترتبة عنها أثناء تنفيذها‪ ،‬وعالج القضاء والممارسات العقدية‬
‫(‪ ) pratique contractuelle‬مسألتين هامتين‪ :‬أولهما تتعلق بالقوة القاهرة وأثرها على تنفيذ العقد وتم عرض‬
‫معايير تكيف القوة القاهرة على ضوء جائحة كورونا‪ ،‬وخلصنا أن ثمة مقاربتين األولى‪ :‬اعتماد مقاربة مضيقة‬

‫‪1‬‬
‫‪-Voir :J. Carbonnier, Op.cit, P : 35.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Voir Eva Fischer – Achoura, Article précitée, p. 628 : « … le juge a-t-il les compétences économique et‬‬
‫? ‪techniques nécessaires pour réviser le contrat de façon équitable‬‬
‫‪ -3‬أنظر‪ :‬لحلو خيار غنيمة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.178 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Voir Eva Fischer – Achoura, Article précitée, p. 628 : « … la révision judiciaire est une immixtion bien plus‬‬
‫‪forte dans la relations des cocontractants, que la simple résolutions.‬‬

‫‪- 430 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

‫بشأن مدى توافر الشروط الواجب توافرها في القوة القاهرة مثل عنصر خارجية الحدث عن المدين وحدث‬
‫غير متوقع عند إبرام العقد وحدث ال يمكن دفعه والثانية‪ :‬مقاربة موسعة تعتمد على خصوصية القوة القاهرة‬
‫في مجال العقود التجارية الدولية وتستند على مفهوم اتفاقي‪ ،‬مرن‪ ،‬واقعي يستجيب لمتطلبات التجارة الدولية‪.‬‬
‫كما تم معالجة آليات الضبط اإلداري وفيما إذا كانت هذه األخيرة يمكن أن تشكل "قوة قاهرة" بذاتها‬
‫لكونها تعتمد على "إدارة األزمة الصحية" وهي تعتبر من قبيل "فعل امير" »‪.«Fait de prince‬‬
‫أما من حيث النتائج المترتبة عن القوة القاهرة فقد تم عرضها تبعا لخصوصيات جائحة كورونا وأن‬
‫توافر عنصر استحالة التنفيذ ال تعني عدم التنفيذ‪ ،‬بل تعني االستحالة المؤقتة التي ال تعفى المدين من‬
‫التزامه وإنما توحي إلى تعليق العقد‪ ،‬وقد تكومن االستحالة الدائمة‪ ،‬وفي هذه الحالة يتم فسخ العقد بقوة‬
‫القانون‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬تتعلق بمدى اعتبار جائحة كورونا ضمن نظرية الظروف الطارئة حيث أضحى التزام المدين‬
‫في ظل الجائحة أكثر إرهاقا وصعوبة بحكم كون العقد قائما على مبدأ التوقع (‪ ،)Prévisible‬فإذا كانت‬
‫الجائحة حادثا غير متوقع »‪ «Imprévisible‬تحقق أهم شروط الظروف الطارئة فضال عن شرطي العمومية‬
‫واالستثنائية ويتعلق األمر كذلك بأثر "الحادث" على التزام المدين‪.‬‬
‫ومتى توفرت الشروط المطلوبة في الظروف الطارئة يتعين تدخل القاضي لمراجعة العقد ورد االلتزام‬
‫إلى المعقولية معتمدا في ذلك على مبادئ االنصاف‪ ،‬وحسن النية والتضامن والمصلحة المشتركة للمتعاقدين‬
‫في مواجهة الصعوبات التي تحيط بأحدهما عند تنفيذ العقد‪ ،‬بسبب جائحة كورونا‪ ،‬ولذلك إذا تعلق األمر‬
‫بوجود "العقود الجارية" (‪ ،)les contrats existants‬والحقوق المكتسبة فسواء أتم اعتماد آلية القوة القاهرة او‬
‫آلية الظروف الطارئة فيجب أن تطبق بفعالية وأن تقدم حلول معقولة‪.‬‬
‫العــالم مــا بعــد كورونــا‪ :‬أي قــانون وأي قض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء يمكن أن يكون فيمــا بعــد جــائحــة كورونــا ألن آثــارهــا‬
‫انعكست على قانون العقود ألن عالم ما قبل كورونا يختلف عن عالم ما بعد كورونا!‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫أوال‪ -‬المصادر‪:‬‬

‫‪ -1‬القوانين‪:‬‬

‫‪ -‬األمر رقم ‪ 58-75‬المؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ ،1975‬المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم‪.‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 07-05‬المؤرخ في ‪ 28‬أبريل سنة ‪ 2005‬والمتعلق بالمحروقات إال أن هذا القانون ألغى وحل‬
‫محله قانون رقم ‪ 13-9‬الموافق ‪ 11‬ديسمبر سنة ‪ 2019‬ينظم نشاطات المحروقات‪ -‬العدد ‪.-79‬‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 13-19‬الموافق ‪ 11‬ديسمبر سنة ‪ 2019‬ينظم نشاطات المحروقات‪ ،‬عدد‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫رقم ‪.79‬‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 06-99‬المؤرخ في ‪ 4‬أفريل ‪ 1999‬يحدد القواعد التي تحكم نشاط وكالة السياحة واألسفار‪.‬‬

‫‪- 431 -‬‬


‫زمام جمعة‬

‫‪- la lois N : 2021-12 règlementant les conventions minière et Approuvent la convention‬‬


‫‪minière type, 15 juin 2012.‬‬
‫‪- Ordonnance N : 2020-427 du Avril 2020 portent divers dispositions en matière de délais‬‬
‫‪pour faire face a l’épidémie de Covid 19- Site Légifrance-‬‬
‫‪- Ordonnance n° 2016-131 portant réforme du droit des contrats, du régime générale et de la‬‬
‫‪preuve des obligations, voir sur le thèse :.‬‬
‫‪- Rapport du président de la république a Ordonnance N : 2020-427 du Avril 2020 portent‬‬
‫‪divers dispositions en matière de délais pour faire face a l’épidémie de Covid 19- Site‬‬
‫‪Légifrance-‬‬

‫‪ -2‬المراسيم‪:‬‬

‫‪ -‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ 247-15‬المؤرخ في ‪ 16‬سبتمبر سنة ‪ 2015‬يتضمن تنظيم الصفقات العمومية‬
‫وتفويضات المرفق العام رقم الجريدة الرسمية ‪.50‬‬

‫‪ -‬المرسوم التنفيذي رقم ‪ 69-20‬المؤرخ في ‪ 21‬مارس ‪ 2020‬المتعلق بتدابير الوقاية من إنتشار وباء‬
‫حيز التنفيذ إبتداء من يوم األحد ‪ 22‬مارس ‪.2020‬‬
‫كورونا ومكافحته‪ .‬ودخل ّ‬
‫ثانيا‪ :‬المراجع‪:‬‬

‫‪ -‬بلعور عبد الكريم‪ ،‬نظرية الفسخ في القانون المدني الجزائري‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬زهدى يكن " أن من ضمن المعايير في تقدير إستحالة التنفيذ هي المقاومة التي يبديه الرجل العادي‬
‫واليمكن أن يتغلب عليها (شرح قانون الموجبات والعقد) الجزء الخامس‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬منشورات‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬علي علي سليمان‪ ،‬نظرات قانونية مختلفة‪ ،‬السبب األجنبي في القضاء الفرنسي وفي القانون‬
‫الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.‬‬

‫‪ -‬لحلو خيار غنيمة نظرية العقد‪ ،‬بيت األفكار‪ ،‬طبعة ‪.2018‬‬

‫‪ -‬محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مركز النفس الجامعي‪.2004 ،‬‬

‫الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ -‬ألفة المنصوري‪ ،‬اإلستحالة النظرية العامة للعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬تونس‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬زمام جمعة‪ ،‬العدالة العقدية في القانون الجزائري‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬طلية الحقوق‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪.2014 ،‬‬
‫‪- Ali Bencheneb, le droit Algérien des contrats « Données Fondamental »es, Edition‬‬
‫‪Ajed, 2011.‬‬

‫‪- 432 -‬‬


‫أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقد " دراسة حالة عقود األعمال والعقد التجاري الدولي " نموذجا‬

- Brigiette-Fallon et Anne-Marie Simon, Droit civil, 9 éditions, Sirey, 2007


- Brigitte-Fallon et Anne-Marie Simon, Droit des affaires, 20 éditions, Sirey, 2017.
- Carbonnier J., Droit Civil, Les Obligations, Thémis droit, Press universitaire de France,
14-ème Edition, 1990.
- Christophe Lâchiez, Droit des Contrats, 3 eme Edition, elliyses 2012.
- Eva Fischer – Achourd, La vigneur de la consécration de la théorie de l’imprévision en
droit Allemand et en droit privé Français, Revue internationale de droit comparé, n° 03
– 2019
- F. Chabas, Force Majeur, Répertoire Civ. Dalloz, Février 1997, P : 02.
- Hervé Lecuyer, Le Contrat acte de prévision, Mélange a F. Terré
- les principes ELI pour la crise du covid-19 par l’European Law Institute.
- Jean Batiste Racine, Droit du Commerce International, 2 eme Ed, Dalloz 2011.
- Jourdain P. ,Recherche sur L’imputabilité en Matière de responsabilité civil et Pénal »,
Th. Paris II, 182.
- PH Antommatei, La Force Majeure, Jurisclasseur périodique, « La Semaine juridique »,
J.C.P, 1996, Ed. G 3907, n : 07.
- Weill , François Terré, Droit Civil, Les Obligations, Précis Dalloz, 2 eme Edition, Dalloz,
1975.

- 433 -

You might also like