You are on page 1of 50

‫‪12/12/2021‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪1‬‬
‫الثقافة‬

‫• موسوعة ستانفورد للفلسفة‬


‫ترجمة‪ :‬ديمة حمد الحارثي‬
‫مراجعة‪ :‬سيرين الحاج حسين‬

‫مدخل فلسفي شامل حول تعريف الثقافة‪ ،‬وحقوق األقليات الثقافية؛ منشور على (موسوعة ستانفورد‬

‫للفلسفة)‪ .‬ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة‪ ،‬والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ‬

‫نخص بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة‬


‫تتمة هذه الترجمة‪ .‬وختا ًما‪ّ ،‬‬

‫والنشر على مجلة حكمة‪.‬‬

‫‪1‬‬‫‪Lenard, Patti Tamara, "Culture", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2020 Edition), Edward N.‬‬
‫‪Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2020/entries/culture/>.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫غالباً ما تتسم اجملتمعات الدميقراطية ابلتعددية الشاملة يف األداين والثقافات واألعراق ووجهات النظر‪،‬‬
‫واليت على أساسها يقوم املواطنون بتقدمي مطالبات لدوهلم‪ .‬وتتسم الدول الدميقراطية أيضاً اباللتزام مبعاملة‬
‫مجيع املواطنني ابلتساوي‪ ،‬وابلتايل فإهنا حتتاج إىل سبل عادلة ومنصفة للتعامل مع هذه املطالبات‬
‫والتجاوب معها‪ .‬ويتناول هذا املدخل ابلتحديد املطالبات الثقافية‪.‬‬

‫تكون املطالبات الثقافية على نطاق واسع يف اجملاالت السياسية والقانونية‪ .‬ال يقوم األفراد واجلماعات‬
‫فقط بتقدمي مطالبات ثقافية للدولة ‪-‬واليت تكون غالبًا من أجل االستيعاب القانوين أو السياسي‪ -‬ولكن‬
‫غالبًا ما تشرح الدولة خياراهتا اليت تتعلق حبماية جوانب معينة من ثقافتها‪ .‬سيبحث هذا املدخل أوالً‬
‫الطرق اليت من خالهلا يعرف الفالسفة السياسيني واألخالقيني "الثقافة"‪ :‬الثقافة ابعتبارها جمموعة شاملة‪،‬‬
‫الثقافة كتكوين اجتماعي‪ ،‬الثقافة كسردية‪ ،‬الثقافة كهوية‪ .‬خالل هذه املناقشة‪ ،‬سيتم تقدمي التحدي‬
‫"املاهوي"‪ :‬يعامل السرد املاهوي للثقافة بعض اخلصائص األساسية لتلك الثقافة كمعرف هلا‪ ،‬وابلتايل‬
‫عاملوا كأعضاء ينتمون إليها (للمزيد انظر‬
‫على مجيع أعضائها أن يشرتكوا يف مسات أساسية معينة حىت ي َ‬
‫‪ .)Phillips 2010‬ويتابع املدخل على وجه اخلصوص اإلشارة إىل أن املفاهيم األوىل للثقافة‬
‫كمجموعة شاملة تنتقد أبهنا ماهوية‪ ،‬وتعترب املفاهيم املتأخرة حماوالت إعادة صياغة للثقافة بطرق تتجنب‬
‫التحدي املاهوي‪.‬‬

‫ينتقل املدخل بعد توضيح هذه الطرق الرئيسية لفهم الثقافة لتقييم أنواع مميزة من املطالبات الثقافية (وإن‬
‫كانت متداخلة يف بعض األحيان) واليت من خالهلا تضغط األقليات على الدولة‪ :‬مطالبات اإلعفاء‪،‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫مطالبات املساعدة‪ ،‬مطالبات تقرير مصيها بنفسها‪ ،‬مطالبات االعرتاف‪ ،‬ومطالبات احملافظة (واملطالبات‬
‫بعدم اخلسارة القسرية للثقافة)‪ ،‬واملطالبات الدفاعية يف األوضاع القانونية‪ ،‬ومطالبات االستخدام احلصري‬
‫(املطالبات ضد االستيالء الثقايف)‪ .‬يوجد مربرات هلذه املطالبات واعرتاضات عليها‪ ،‬وغالبًا ما تعتمد‬
‫على كيفية فهم "الثقافة"‪ .‬تعتمد اخلالفات حول إمكانية تربير هذه املطالبات يف كثي من احلاالت على‬
‫الفهم املتضارب ملاهية الثقافة‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص ملدى أمهيتها ألعضائها‪ ،‬كما سيوضح أدانه‪ .‬أخياً‪،‬‬
‫سيتم اختتام املدخل بتقييم احلاالت اليت يقدم فيها جمتمع األغلبية مطالبات ثقافية لتربير اختاذ اإلجراءات‪،‬‬
‫السيما يف سياق السيطرة على اهلجرة‪ ،‬ويف بعض احلاالت‪ ،‬رفض دخول املهاجرين احملتملني مجيعاً‪،‬‬
‫فضالً عن املطالب الثقافية اليت تتخذ جتاه أولئك الذين صرح هلم ابلدخول للدولة‪ ،‬وجمموعة املربرات‬
‫واالعرتاضات املقدمة يف هذه احلاالت‪ .‬يتناول هذا القسم حمتوى ثقافة األغلبية‪ ،‬اليت يطلب من الوافدين‬
‫اجلدد االلتزام هبا‪ ،‬ابإلضافة إىل كيفية "مطالبتهم" ابلقوة لاللتزام بذلك‪.‬‬

‫• تعريف الثقافة‬
‫‪ ١.١ o‬الثقافة ابعتبارها جمموعة شاملة‬
‫‪ ٢.١ o‬الثقافة تكوين اجتماعي‬
‫‪ ٣.١ o‬الثقافة سردية‬
‫‪ ٤.١ o‬الثقافة هوية (أو هوية بدالً من ثقافة)‬
‫• ‪ .٢‬مطالبات احلقوق الثقافية لألقليات‬
‫‪ ١.٢ o‬حقوق اإلعفاء‬
‫‪ ٢.٢ o‬حقوق املساعدة‬
‫‪ ٣.٢ o‬حقوق تقرير مصريها بنفسها‬
‫‪ ٤.٢ o‬حقوق االعرتاف‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ ٥.٢ o‬حقوق احلفاظ على الثقافة‬


‫‪ ٦.٢ o‬حقوق عدم خسارة الثقافة‬
‫‪ ٧.٢ o‬حقوق الدفاع عن الثقافة‬
‫‪ ٨.٢ o‬حقوق االستخدام الثقايف احلصري (أو حقوق ضد االستيالء الثقايف)‬
‫• ‪ .٣‬مطالبات احلقوق الثقافية لألغلبية‬
‫‪ ١.٣ o‬حقوق االستمرارية الثقافية واالستبعاد‬
‫‪ ٢.٣ o‬حقوق االستمرارية الثقافية وفرض االندماج‬
‫• ‪ .٤‬اخلامتة‬
‫• املراجع‬
‫• األدوات األكادميية‬
‫• مصادر أخرى من االنرتنت‬
‫• مدخالت ذات صلة‬

‫‪ .١‬تعريف الثقافة‬

‫يعد تعريف مصطلح "الثقافة" أمراً ابلغ الصعوبة‪ :‬فقد مت وصفه على أنه "مفهوم اشتهر أبنه فضفاض"‬
‫(‪ )Song 2009: 177‬و "مفهوم اشتهر أبنه مبهم" (‪ .)Eisenberg 2009: 7‬فهو يستخدم‬
‫بعدة طرق‪ :‬نظراً ألن املدخل سيستمر يف النظر بشكل أوسع‪ ،‬ميكن ملصطلح "الثقافة" أن يشي إىل‬
‫جمموعة األعراف واملمارسات والقيم اليت متيز جمموعات األقليات واألغلبية‪ ،‬مثل اإلشارة إىل أن جمتمعات‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫احلسيدمي اليهودية متارس يف نيويورك "ثقافة" فريدة من نوعها‪ ،‬أو وصف الثقافة اإليطالية أو السنغالية‪.‬‬
‫ولكن يستخدم املصطلح أيضاً بطرق أخرى‪ ،‬مثل اإلشارة إىل ثقافة "برو" )‪ ،(bro‬أو ثقافة "هيبيسرت"‬
‫)‪ ،(hipster‬أو ثقافة مشجعي كرة القدم الربيطانيني‪ .‬كذلك ميكن ألي شخص أن ينتسب لعدة‬
‫ثقافات‪ ،‬إذ ميكن لشخص (مثل كاتب هذه السطور!) أن يكون عضواً يف الثقافة الكندية‪ ،‬وثقافة مدينة‬
‫أواتوا‪ ،‬والثقافة اليهودية‪ ،‬والثقافة األكادميية يف نفس الوقت‪ .‬ستشرح االعتبارات السياقية ترابط األعراف‬
‫واملمارسات والقيم اليت تعرف كل من هذه الثقافات يف حلظة معينة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن بعض هذه‬
‫الثقافات فقط هلا أمهية سياسية وقانونية‪ ،‬وهي حمور هذا املدخل‪.‬‬

‫مثة خالف شائع يف اجملاالت السياسية والقانونية حول ماهية الثقافة‪ ،‬ويركز القسم التايل على التوسع يف‬
‫توضيح هذه اآلراء املتباينة عن الثقافة‪ .‬ومع ذلك هناك اتفاق كبي على أنه مهما كانت ماهيتها‪،‬‬
‫فالثقافة مهمة للناس واملعىن والقيمة اليت توفرها حلياة األفراد وهذا من بني أهم أسباب قيمتها ‪ -‬إن مل‬
‫يكن أمهها ‪ -‬للدفاع عنها ومحايتها يف اجملاالت القانونية والسياسية‪ .‬هذه القيمة هي السبب يف أنه من‬
‫املهم حماولة اكتشاف ماهية الثقافة‪ ،‬وأي جوانب منها على وجه اخلصوص جيب أو ال جيب محايتها يف‬
‫احلياة العامة وملاذا‪ .‬إدراك املالحظة القائلة أبن الثقافات تشكل قيمة للناس‪ ،‬وأهنا يف الواقع تضيف قيمة‬
‫إىل حياة األفراد‪ ،‬ال يعن القول أبن املمارسات الثقافية الفردية تعترب كلها جيدة‪ .‬جيب أن أيخذ أي سرد‬
‫دفاعي عن الثقافة أمهية الثقافة بشكل عام على حممل اجلد دون الدفاع عن مجيع أشكاهلا‪ .‬فسرت‬
‫الثقافة أبربع طرق رئيسية‪ :‬ابعتبارها جمموعة شاملة‪ ،‬وابعتبارها تكوين اجتماعي‪ ،‬ومن منظور احلوار‬
‫واهلوية‪.‬‬

‫‪ ١.١‬الثقافة ابعتبارها جمموعة شاملة‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أحد طرق التفكي يف الثقافة هي اعتبارها كل شامل؛ مشكلةً كل أو معظم أبعاد حياتنا‪ .‬قد تتحمل‬
‫صياغة ويل كيمليكا (‪ )Will Kymlicka‬للثقافة اجملتمعية املسئولية األكرب عن استحداث التفكي‬
‫اجلاد يف فهم طبيعة الثقافة هبذه الطريقة‪ .‬توفر الثقافة اجملتمعية‬

‫ألعضائها طرقاً ذات مغزى للحياة عرب جمموعة كاملة من األنشطة البشرية‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك احلياة االجتماعية والتعليمية والدينية والرتفيهية واالقتصادية‪ ،‬واليت تشمل‬
‫اجملاالت العامة واخلاصة (‪.)Kymlicka 1996: 76‬‬

‫يبني كيمليكا توفي لثقافة اجملتمعية املفعمة ابحلياة "سياقاً لالختيار"‪ ،‬أي أهنا توفر املوارد اليت يعتمد‬
‫عليها األفراد لفهم عاملهم واخليارات اليت يقدمها‪ .‬استناداً على هذا‪ ،‬توصف الدول القومية على أهنا‬
‫تتمتع بثقافة جمتمعية‪ ،‬مثل جمموعات السكان األصليني واألقليات القومية داخل الدولة (مثل الكتالونيون‬
‫أو التبتيون)؛ جمموعات املهاجرين اليت حتافظ على جمموعة من املمارسات واألعراف الثقافية حىت عندما‬
‫تندمج يف "ثقافة جمتمعية" أكرب ختتلف عنها‪.‬‬

‫ليس كيمليكا وحده من يقدم وصفاً شامالً للثقافة‪ ،‬إذ يقدم مايكل والزر (‪)Michael Walzer‬‬
‫وصفاً مماثالً‪ ،‬مقرتحاً أننا نفهم اجملتمعات السياسية كـ "جمتمعات ذات شخصية"‪ ،‬حيث يرتبط أعضاؤها‬
‫بـ "عامل من املعاين املشرتكة)‪ ." (Walzer 1983: 28‬و أيضاً يصف كالً من أفيشاي مارغاليت‬
‫(‪ )Avishai Margalit‬وجوزيف راز (‪ )Joseph Raz‬ما يسمى ابجملموعات "الشاملة" حيث‬
‫جيد فيها أعضاؤها‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ثقافة تشكل إىل حد كبي أذواقهم وفرصهم‪ ،‬وتوفر هلم ركيزة لتحديد هويتهم‬
‫الذاتية وسالمة االنتماء اآلمن دون بذل جهد ‪Margalit & Raz‬‬
‫)‪.)1990: 448‬‬

‫يقول أفيشاي مارغاليت وموشيه هالبياتل (‪ )Moshe Halbertal‬عن جمموعة شاملة إن ثقافتها‬
‫"تغطي جوانب مهمة وخمتلفة من احلياة"‪ .‬ويقدمان هبذا القول كمثال الثقافة اليهودية األرثوذكسية‬
‫املتطرفة‪:‬‬

‫إهنا حتدد أنشطة األشخاص (مثل دراسة التوراة يف الثقافة األرثوذكسية املتطرفة)‪،‬‬
‫وتقرر املهنة (مثل اخلتانني)‪ ،‬وتعرف العالقات املهمة (مثل الزواج)‪ .‬إهنا تؤثر على‬
‫كل ما يفعله الناس‪ :‬الطبخ‪ ،‬األسلوب املعماري‪ ،‬اللغة املشرتكة‪ ،‬التقاليد األدبية‬
‫والفنية‪ ،‬املوسيقى‪ ،‬العادات‪ ،‬اللباس‪ ،‬املهرجاانت‪ ،‬واالحتفاالت ‪ ...‬تؤثر الثقافة‬
‫على ذوق أعضائها‪ ،‬وأنواع اخليارات املتاحة هلم ومعناها‪ ،‬واخلصائص اليت يعتربوهنا‬
‫مهمة يف تقييمهم ألنفسهم ولآلخرين ( ‪Margalit & Halbertal 1994:‬‬
‫‪.)498‬‬

‫يف حني يؤكد كيمليكا على احلرية اليت توفرها ثقافة جمتمعية متينة‪ ،‬فإن مارغاليت وهالرباتل يتناوالن‬
‫دورها يف أتمني "هوية شخصية" ألعضائها (‪،)Margalit & Halbertal 1994: 502‬‬
‫ويتحدث والزر عن أمهيتها يف تشكيل "الوعي اجلمعي"‪ .‬وابلرغم من أن هؤالء العلماء يربرون محاية ثقافة‬
‫متينة لعدة أسباب‪ ،‬فإهنم يتفقون على أن ما تقوم به الثقافة يف األساس توفي منظومة القيم األساسية‬
‫اليت تساعد األعضاء على االختيار بني اخليارات وتفسي قيمتهم‪ ،‬مبا يف ذلك مثال ما يتعلق أبشكال‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫معينة من التوظيف أو التعليم أو هيكل األسرة وتربية األطفال‪ .‬ويعكس والزر الطريقة اليت خترب هبا الثقافة‬
‫كيفية فهم حىت أبسط األمور‪:‬‬

‫حتمل سلعة ضرورية واحدة‪ ،‬واليت دائماً ما تكون ضرورية ‪ -‬مثل الغذاء ‪ -‬معاين‬
‫خمتلفة يف أماكن خمتلفة‪ .‬يعترب اخلبز وقود احلياة‪ ،‬وجسد املسيح‪ ،‬ورمز السبت‪،‬‬
‫وأحد سبل الضيافة‪ ،‬وهلم جرا (‪. )Walzer 1983: 8‬‬

‫تلقي هذه الشروحات للثقافة الضوء على الكثي من اجلوانب‪ ،‬مبا يف ذلك على وجه اخلصوص سبب‬
‫أن الثقافات اجملتمعية املستنزفة قد تكون أقل قدرة على توفي السياق لالختيار وهو ما يؤكده كيمليكا‪،‬‬
‫أو سبب أن "هوية الشخصية" قد تتعرض ابلتايل للمخاطر‪ :‬وأنه إذا أضعفت النظم التعليمية أو السياسية‬
‫أو االقتصادية جملموعة ثقافية ما‪ ،‬فإن قدرهتا على دعم أعضائها لكي يعرفوا العامل‪ ،‬وخيتاروا بني خيارات‬
‫عدة‪ ،‬تضعف تبعاً لذلك‪ .‬ابإلضافة إىل ذلك فإن هذا الشروحات توضح اخلطأ يف تقويض ثقافات‬
‫اآلخرين‪ :‬فإذا ما قوضت ثقافة ما‪ ،‬فسوف تتقلص اخليارات املتاحة ألعضائها ابلتايل‪ .‬وبوسعنا مالحظة‬
‫ذلك فيما يتعلق بثقافة الشعوب األصلية يف العديد من الدول‪ :‬حيث حاولت الدول حمو ثقافة الشعوب‬
‫األصلية بفاعلية‪ ،‬نتج عن ذلك تفكك اجتماعي حاد وعزلة الشعوب األصلية اليت أضعف سياق‬
‫االختيار لديها بشكل ملموس‪.‬‬

‫ولكن ظهرت عدة اعرتاضات على هذه الطريقة يف فهم الثقافة‪ ،‬ومعظمها عبارة عن صيغ ملا يسمى‬
‫ابالعرتاض "املاهوي"؛ غي أنه جيدر مالحظة أن اآلراء املوصوفة أعاله ال يعتقد أصحاهبا أهنا ماهوية‪.‬‬
‫ويستهدف االعرتاض املاهوي ما يعتربه افرتاضاً مفاده أن أعضاء ثقافة ما سوف حيملون نفس اجملموعة‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫من املمارسات واألعراف والقيم ذات األمهية‪ ،‬وابلقدر ذاته‪ .‬ولكن هذا االفرتاض غي صحيح‪ ،‬إذ يقول‬
‫النقاد‪ :‬أن يف أي ثقافة واقعية سوف يكون التزام أعضائها مبمارساهتا وأعرافها املعرفة خمتلفاً‪ ،‬بل وحتماً‬
‫سيكون هناك خالف حول حتديد ممارساهتا ومعاييها اليت تعرفها أصالً‪ .‬ينص االعرتاض املاهوي ‪ -‬على‬
‫وجه التقريب ‪ -‬أن معاملة الثقافة على اعتبارها شاملة يؤدي بطريقة خاطئة إىل أحد األشياء التالية‪:‬‬
‫(‪ )١‬إعالن أن بعض مسات ثقافة ما هي من صميم تلك الثقافة‪ ،‬وابلتايل غي قابلة للتغيي حتت طائلة‬
‫مقيدة وحمددة‬
‫حل الثقافة (‪ ،)Eisenberg 2009: 120‬وتبعاً لذلك‪ ،‬تعترب الثقافات ابلضرورة َ‬
‫وليست حمل نزاع وتقلب (‪ )٢( ،)Moore 2019; Patten 2014: 38‬وبعد حتديد السمات‬
‫اليت تعترب يف صلب الثقافة‪ ،‬فإهنا تستبعد أولئك الذين يعتقدون أهنم أعضاء يف تلك الثقافة ولكنهم ال‬
‫يلتزمون هبذه السمات أو يظهروهنا أو حيرتموهنا (‪ )2008: 318–19 Parvin‬و (‪ )٣‬تتجاهل‬
‫حقيقة أن معظم الناس يف جمتمع ليربايل "حيددون هويتهم من تعدد األدوار واجملتمعات احمللية والعضوايت‬
‫يف أي وقت من األوقات" (‪ ،)Parvin 2008: 321‬واليت ميكن أن تكون ذات أمهية اجتماعية‬
‫متفاوتة حسب السياق‪ ،‬بشكل مستقل عن اهلوايت الثقافية وأحياانً ابلتزامن معها ( ‪Moore‬‬
‫‪ .)2019‬وخالصة القول‪ :‬ينطوي أي شرح مفرط الشمولية ملاهية الثقافة ابلنسبة ألعضائها على خطر‬
‫التعامل مع حدود الثقافة كما لو كانت حمددة وغي متغية‪ ،‬وكما لو أن أعضاؤها ال يبدو عليهم أي‬
‫اختالف (ورمبا ال يستطيعون إظهار االختالف) يف التزامهم ابلثقافة ككل ويف ممارساهتا املعرفة هلا‪.‬‬

‫هتدف مجيع الشروحات البديلة للثقافة اليت ستناقش أدانه ‪ -‬أو جزء منها على األقل ‪ -‬إىل الرد على‬
‫التحدي املاهوي‪ .‬مبعىن أن هدف تلك الشروحات إنتاج شرح منطقي ملاهية الثقافة‪ ،‬وابلتايل ماذا يعن‬
‫أن تكون عضواً يف جمموعة ثقافية معينة ميكن استخدامها من أجل فهم منطقي للخالفات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬والفصل املثايل بينهما دون اخلضوع للتحدي املاهوي‪ .‬تنبيه‪ :‬البد من فهم وجهات نظر‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الثقافة اليت سيتم تناوهلا أدانه على أهنا "أمناط منوذجية" حىت يتسىن فهم مساهتا الرئيسية‪ ،‬وكيفية اختالفها‬
‫عن وجهات النظر األخرى‪ ،‬وسبب عدم وقوعها ضحية (حسب تقديرها) للتحدي املاهوي‪.‬‬

‫‪ ٢.١‬الثقافة كتكوين اجتماعي‬

‫إن إحدى احملاوالت الرامية إىل إعادة النظر يف الثقافة بطريقة تستجيب للتحدي املاهوي‪ ،‬ولكنها حتتفظ‬
‫ابلنظر إىل الثقافة على أهنا شاملة إىل حد كبي‪ ،‬تقرتح تعريف الثقافات من خالل اخلربة املشرتكة بني‬
‫أعضائها يف التكوين االجتماعي (‪ .)Patten 2014: 39‬وعلى أساس شرح "النسب االجتماعي"‬
‫للثقافة‪ ،‬فإن ما جيعل ثقافة ما ثقافة هو خضوع أعضائها "جملموعة من الظروف التكوينية اليت ختتلف‬
‫عن الظروف التكوينية املفروضة على اآلخرين" (‪ .)Patten 2014: 51‬إن جتربة اخلضوع ملؤسسات‬
‫مشرتكة ‪ -‬واليت يفهم منها عموماً أهنا تشمل جماالت تعليمية مشرتكة واللغات ووسائل اإلعالم فضال‬
‫عن التقاليد والقصص التارخيية املشرتكة واملكوانت األسرية املتداخلة وما إىل ذلك ‪ -‬تشكل شعوراً لدى‬
‫أفراد اجملموعة الثقافية أبهنم يتشاركون طريقة مميزة يف رؤية العامل‪ ،‬وأن بعض االفرتاضات اليت ميتلكوهنا‬
‫يتقامسها معهم آخرون أو على األقل يفهموهنا‪ .‬ويؤكد هذا الرأي على املسار التارخيي للثقافة‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يتطلب أن تكون أعرافها وقيمها وممارساهتا املعرفة هلا غي متغية مع مرور الوقت‪ .‬بل على العكس‪:‬‬

‫ميكن وجود تباين داخلي ألن اخلضوع جملموعة مشرتكة من التأثيات التكوينية ال‬
‫يعن أن الناس سينتهي هبم املطاف مبجموعة متجانسة من املعتقدات أو القيم‬
‫(‪.)Patten 2014: 52‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫فالثقافات نتيجة لذلك مواضع ميكن فيها لألعضاء أن يعرتضوا على فهمهم ويتداولوه مبا يكفي من‬
‫االفرتاضات املشرتكة عن الطريقة اليت يسي هبا العامل لكي يتعرف كل منهم على اآلخر على أنه مطلع‬
‫معه يف نفس املشروع‪.‬‬

‫وكتب ابتن (‪ )Patten‬عن املؤسسات اليت خيضع هلا أعضاء اجملموعة الثقافية حبيث أهنم على األقل‬
‫"معزولون إىل حد ما عن املؤسسات واملمارسات اليت تعمل على إضفاء الطابع االجتماعي على الغرابء"‬
‫(‪ ،)Patten 2014: 52‬مما يسهم يف متييز ثقافة عن أخرى‪ .‬واستناداً على هذا الرأي‪ ،‬ينصب تركيز‬
‫شديد على من يسيطر على زمام األمور يف تلك املؤسسات اليت تشكل تكوين األعضاء‪ :‬أي أن ما‬
‫يهم هو أن يكون األعضاء مسيطرين على املؤسسات اليت هم أبنفسهم خيضعون هلا‪ ،‬حىت يتمكنوا من‬
‫تشكيل جتربتهم االجتماعية تشكيالً معقوالً‪ ،‬وجتربة األعضاء األصغر سناً تشكيالً أساسياً‪ .‬حينما تنكر‬
‫السيطرة على هذا التكوين االجتماعي‪ ،‬يتضرر بذلك أفراد الثقافة؛ وعندما تنكر إنكاراً قسرايً‪ ،‬فإنه من‬
‫املرجح جداً أن يكون هناك ظلم حيتاج التدارك‪.‬‬

‫وابلرتكيز على اخلربة املشرتكة يف اخلضوع للمؤسسات الثقافية املشرتكة‪ ،‬يتجنب هذا الشرح االهتام القائل‬
‫أبن ما يعرف الثقافة هو استقرار أعرافها وقيمها األساسية على مر الزمن‪ :‬فالثقافة بوجهة النظر هذه‬
‫ليست كياانً جامداً‪ .‬بل املهم هو أن أعضاء اجلماعات الثقافية يعتقدون أهنم أعضاء يف جمموعة ثقافية‪،‬‬
‫وينشأ هذا االعتقاد من جتربة املؤسسات الثقافية املشرتكة‪ ،‬وليس من املمارسات احملددة اليت تعترب مركزية‬
‫ابلنسبة للجماعة‪ .‬وإبمكان هذه املمارسات املركزية أن تتغي تغياً جذرايً‪ ،‬دون حل اجملموعة الثقافية‬
‫نفسها‪ .‬بيد أن وجهة النظر هذه ختضع النتقاد العلماء الذين خيشون من أن أولئك الذين يسيطرون‬
‫على زمام أمور التشكيل ال ميثلون آراء مجيع األعضاء (‪ ،)Phillips 2018‬وأهنم بدالً من ذلك‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يستخدمون مواقعهم النسبية يف السلطة خللق وفرض األعراف واملمارسات الثقافية اليت ال حتظى (أو لن‬
‫حتظى ‪ -‬دون إكراه ‪ )-‬ابتفاق على نطاق واسع‪.‬‬

‫‪ ٣.١‬الثقافة حوار‬

‫ويدفع االعرتاض األخي ‪ -‬وهو أن ما يسمى بثقافة يعترب نتاج بعض أعضائها وليس مجيعهم ‪ -‬بعض‬
‫العلماء إلعادة تعريف الثقافة من انحية الطرق اليت تبىن هبا من خالل احلوار بني األعضاء وتفاعلهم بني‬
‫بعضهم البعض‪ .‬والغرض من التأكيد على أن أعضاء أي ثقافة هم مصدر ممارساهتا وقيمها وأعرافها‬
‫الرئيسية هو للتأكيد على أن الثقافة ال "متنح" ألعضائها من جهة عليا ‪ -‬ابعتبارها كياانً اثبتاً غي قابل‬
‫للتغيي ‪ -‬بل إن أعضاء أي ثقافة هم أساساً مؤلفوها‪ .‬وهنا يشرح جيمس تويل (‪)James Tully‬‬
‫أبن الثقافات‪:‬‬

‫يتنازع عليها ابستمرار‪ ،‬ويتم ختيلها وإعادة تشكيلها وتغييها والتفاوض بشأهنا‪،‬‬
‫سواء من أعضائها أو من خالل تفاعالهتم مع اآلخرين ( ‪Tully 1995:‬‬
‫‪.)11‬‬

‫وعلى غرار ذلك تشدد شيال بن حبيب (‪ )Seyla Benhabib‬على اجلانب السردي للثقافات‪،‬‬
‫مشية إىل أن املطلعني داخلها‬

‫جيربون تقاليدهم وقصصهم وطقوسهم ورموزهم وأدواهتم وظروفهم املعيشية املادية‬


‫من خالل رواايت سردية مشرتكة وإن كانت موضع خالف وجدل‬
‫(‪.)Benhabib 2002: 5‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪12‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫إن وجود صراع بني أعضاء الثقافة‪ ،‬وكون عناصرها الرئيسية قيد التفاوض املستمر‪ ،‬ال يقلل من أمهيتها‬
‫ابلنسبة ألعضائها‪ .‬ولعل ما قد يبدو حمياً هو الفكرة اليت مفادها أن الثقافة املتنازع عليها واملتغية‬
‫ابستمرار تستدعي احلماية؛ وقد تعن احلماية وقف التغيات الطبيعية اليت تتعرض هلا الثقافة اصطناعياً‬
‫عن طريق محاية عناصرها يف مرحلة ما‪ .‬ولكن يطالب املدافعني عن هذا الرأي ابحلماية على هيئة ضمان‬
‫استدامة احملافل اليت يتم فيها التفاوض على الثقافة ومشاركتها ونقلها استدامةً قويةً وشاملةً‪ ،‬ودون تدخل‬
‫غي مرغوب فيه من قوى أجنبية عن الثقافة‪ .‬وكما هو احلال يف شرح الثقافة ابعتبارها تكويناً‪ ،‬ينصب‬
‫الرتكيز على قدرة أعضاء اجملموعة على تشكيل األعراف واملمارسات املركزية‪ ،‬وليس على األعراف‬
‫واملمارسات حبد ذاهتا‪.‬‬

‫كيف تستجيب وجهة النظر هذه للقلق بشأن توزيع القوة غي املتكافئ داخل جمموعة ثقافية ما؟ يعترب‬
‫الرتكيز على الطرق اليت يتم هبا حتديد اخلصائص املركزية للثقافة من خالل التفاوض بني األعضاء حماولة‬
‫لتسليط الضوء على أجهزة السلطة ذات الصوت املسموع يف هذه املفاوضات يف ثقافات األقليات‬
‫واألغلبية (‪ .)Dhamoon 2006‬لطاملا كانت األصوات املهيمنة اترخيياً يف العديد من الثقافات ‪-‬‬
‫بل ورمبا يف أغلب الثقافات ‪ -‬من الذكور‪ ،‬وقد كانت إحدى اآلاثر املرتتبة على ذلك عموماً هي النظرة‬
‫اجلنسانية يف حتديد أفضل السبل لتنظيم احلياة الثقافية‪ ،‬مما أدى إىل تقليص حقوق املرأة (وغيها من‬
‫األقليات) بطرق ال تعد وال حتصى‪ ،‬وكثياً ما كان ذلك يف غي صاحلهم وضد إرادهتم‪ .‬وابلنسبة للبعض‪،‬‬
‫فإن اضطهاد األعضاء األضعف من قبَل أولئك الذين يتولون زمام األمور يولد على األقل شكاً جزئياً‬
‫يف قيمة محاية أو استيعاب الثقافة يف الدول الليربالية الدميقراطية‪ ،‬وخاصة يف احلاالت اليت قد يبدو فيها‬
‫أن "التعددية الثقافية سيئة للنساء" (‪ .)Okin 1999‬وبناءً على هذا الرأي‪ ،‬فال جيب التغاضي عن‬
‫املمارسات الثقافية اليت تنتقص من حقوق املرأة (وغيها من األقليات) يف الدول الليربالية الدميقراطية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪13‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫إن االعرتاف أبن العديد من املمارسات الثقافية جمحفة للمرأة (وغيها من األقليات) ال يدفع كافة‬
‫املنظرين السياسيني إىل تبن موقف مشكك جتاهها يف كل احلاالت‪ .‬وابلنسبة للبعض‪ ،‬فإهنا فرصة لرؤية‬
‫أن الثقافات ميكن أن حتظى ابلتقدير حىت ممن يعرف أبهنم مضطهدين‪ ،‬حىت وإن كانوا يعملون من‬
‫الداخل للتأثي على اجتاه ثقافتهم نو أعراف وممارسات أقل قمعاً‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬ورغم أنه عادةً ما‬
‫هتمش العديد من النساء من مراكزهن يف السلطة‪ ،‬فإهنن يقدرن ثقافاهتن مما يدفعهن إىل عدم التخلي‬
‫عنها‪ ،‬بل إىل االخنراط يف عمليات إصالح ممارسات وأعراف عدم املساواة من الداخل ( ‪Deveaux‬‬
‫‪ .)2007‬وحتتفي هذه الطريقة من التفكي يف الثقافة وحمتوايهتا بـ "إضفاء الطابع الدميقراطي" على‬
‫اآلليات اليت يتم من خالهلا تبن األعراف والقيم واملمارسات الرئيسية للمجموعة الثقافية‪ ،‬وتشجع عليه‪،‬‬
‫وتدافع عن الثقافات العامة اليت تكون منفتحة على تعدد األصوات (‪.)Lenard 2012‬‬

‫ومن مث فإن هذا الشرح السردي أو احلواري للثقافة يتصدى جيداً للتحدي املاهوي‪ ،‬إبنكار أن السمات‬
‫املعرفة للثقافة جيب أن تكون اثبتة وذات قيمة مماثلة جلميع أعضاء اجملموعة الثقافية‪ .‬ولكن جيب على‬
‫هذا الشرح أن يتصدى لتحدي آخر‪ ،‬وهو حتدي الفردانية (‪ .)Moore 2019‬وإذا كان أي شرح‬
‫يتناول الثقافة سيكون قوايً مبا يكفي لتحديد الكياانت اليت ينبغي أن يكون هلا احلق يف مزيد من االعتبار‬
‫السياسي والقانوين بطرق خمتلفة ‪ -‬مبا يف ذلك ما يتعلق ابحلماية اإلضافية للحقوق أو االستثناءات من‬
‫بعض املتطلبات القانونية والسياسية ‪ -‬فإنه أيضاً جيب أن يكون هذا الشرح قادراً على حتديد حدود‬
‫ثقافة معينة ومتفردة‪ ،‬ومن يعترب بصورة مشروعة عضواً فيها هبدف احرتام املطالبات السياسية والقانونية‬
‫املقدَّمة نتيجة لذلك‪ .‬ولكن من املمكن أن يكون هذا حتدايً يصعب إجنازه‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪14‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ملعرفة السبب علينا أتمل شرح بن حبيب للطرق اليت يتم هبا مالحظة الثقافات من منظور خارجي‪،‬‬
‫والطريقة اليت تتم هبا ممارسة تلك الثقافات من منظور داخلي‪ .‬وتقول بن حبيب إن املراقب مسؤول‬
‫مسؤولية كبية عن فرض "الوحدة واالتساق على الثقافات"‪ ،‬يف حني أن املشاركني فيها من الداخل‬

‫يقومون بتجربة تقاليدهم وقصصهم وطقوسهم ورموزهم وأدواهتم وظروفهم املعيشية‬


‫املادية من خالل رواايت سردية مشرتكة وإن كانت موضع خالف وجدل‬
‫(‪.)Benhabib 2002: 5‬‬

‫ويتمثل أحد آاثر فهم الثقافة هبذه الطريقة يف متسك العديد من دعاهتا بعمق ابلقيم املركزية وارتياحهم‬
‫البالغ ابملشاركة يف التقاليد الثقافية املركزية‪ ،‬بينما يتذبذب آخرون كثيون من األعضاء يف االلتزام‬
‫مبمارساهتا املركزية وينتقون وخيتارون بني قيمها وأعرافها املركزية‪ .‬وابلتايل فإن احتساب األعضاء يف أي‬
‫ثقافة تعترب عملية غي واضحة‪ ،‬وهذا الغموض قد يسبب مشكلة مبا أنه يقال إن العضوية متنح حقوقاً‬
‫وامتيازات ال تتاح لغي األعضاء‪ .‬وهناك تعارض ال مفر منه بني احلاجة إىل منح الثقافات طابعاً متفرداً‬
‫هلا ألسباب سياسية وحدود الثقافات املرمسة ترسيماً ضعيفاً ابلضرورة‪ .‬والسياق هو الشيء الوحيد الذي‬
‫سيمكننا من حل املسائل السياسية اليت ستظهر نتيجة لذلك‪.‬‬

‫‪ ٤.١‬الثقافة ابعتبارها هوية (أو هوية بدالً من ثقافة)‬

‫وملواجهة التحدي املتمثل يف كيفية حتديد الثقافة وأعضائها‪ ،‬يركز أحد املقرتحات على املكون الذايت‬
‫املرتبط ابالنتماء إىل مجاعة ثقافية ما‪ .‬ولنأخذ هذا املثال الذي وصفته مارجريت مور ( ‪Margaret‬‬
‫‪ :)Moore‬على الرغم من وجود انقسام عميق يف إيرلندا الشمالية بني الكاثوليك والربوتستانت‪ ،‬فإن‬
‫االختالفات ليست دينية (الصراع ال يتعلق بتفسيات متمايزة لنص دين‪ ،‬والشخصيات الدينية غي‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪15‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫مستهدفة ابلعنف) وال ثقافية‪ ،‬حيث تكشف الدراسات االستقصائية للقيم الثقافية لكال الطائفتني عن‬
‫تداخل كبي بني القيم اليت تتمسك هبا الطائفتان املتنافستان (‪ .)Moore 1999: 35‬ولكنها تقول‬
‫إن ما جيعل الصراع أكثر منطقية ابألحرى هو الرتكيز على اهلوايت املشرتكة بني اجملموعات املتنافسة‪.‬‬
‫وتربز وجهة النظر اليت تركز تركيزاً كبياً أو جزئياً على اهلوية أن أحد األبعاد الرئيسية للثقافة هو الطريقة‬
‫اليت تشكل هبا هوية أعضاء اجلماعة الثقافية‪ .‬كما تسلط وجهة النظر هذه الضوء على أن الثقافة شيء‬
‫سيتبط العديد من الناس به ارتباطاً هاماً‪ ،‬ولكنها ستكون معرفة هلم بطرق متعددة ومميزة‪ .‬ولوجهة النظر‬
‫اليت تركز على اهلوية مزااي واضحة‪ :‬فهي على سبيل املثال تستطيع أن تفسر سبب بقاء األفراد مرتبطني‬
‫إمسياً بثقافة ما رغم أن مساهتا املعرفة هلا تعريفاً مركزايً تتغي اترخيياً مبرور الوقت‪ ،‬وحىت إن مل يتفاعلوا مع‬
‫بعض جوانبها األكثر تقليدية‪.‬‬

‫وابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن النظرة املركزة على اهلوية قادرة على استيعاب اهلوايت اليت ال تكون قائمة‬
‫بوضوح على ثقافة‪ ،‬مبا يف ذلك على سبيل املثال هوايت جمتمع امليم (‪Eisenberg ( )LGBTQ‬‬
‫‪2009: 20‬؛ لالطالع على مناقشة املطالبات الثقافية‪/‬اهلوية يف سياق جمتمع امليم‪ ،‬انظر ‪Ghosh‬‬
‫‪ .)2018: chapter 4‬ويف الواقع هتدف وجهة النظر اليت تركز على اهلوية إىل تفادي صعوبة حتديد‬
‫املواد املعينة اليت تعترب شرعياً مواد ذات طابع ثقايف‪ .‬وكما ذكر أعاله‪ ،‬كثياً ما يالحظ علماء ثقافات‬
‫عرف هذه‬
‫األقليات أن هناك طائفة واسعة من املطالبات اليت تقدمها طائفة واسعة من اجملموعات‪ ،‬وت َّ‬
‫اجملموعات من خالل التنوع يف اخلصائص اليت متيزها مبا يف ذلك العرق والطائفة اإلثنية والدين واهلوية‬
‫اجلنسية‪ .‬يقول املدافعون عنها أنه قد يكون من األفضل الرتكيز على اهلوية وليس على الثقافة ألن‬

‫مصطلح اهلوية يغطي أرضية أكرب مبعىن أنه ميكن أن يشي إىل األبعاد الدينية‬
‫واللغوية واجلنسانية واألبعاد املتعلقة ابلشعوب األصلية وغيها من أبعاد فهم الذات‬
‫(‪.)Eisenberg 2009: 2‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪16‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .٢‬مطالبات احلقوق الثقافية لألقليات‬

‫وتنبئ آراء الثقافة األربعة املذكورة أعاله عن املطالبات الثقافية اليت يقدمها األفراد واجلماعات للدولة‪.‬‬
‫تعد التهديدات اخلاصة اليت يواجهها األفراد واجلماعات ‪ -‬واليت تتطلب نوعاً من احلماية ‪ -‬متميزة‬
‫كالردود اليت قد تكون لدى الدول استجابةً للمطالبات اليت يقدمها األفراد واجلماعات ( ‪Eisenberg‬‬
‫‪ .)2009: 20–21‬ويف بعض احلاالت‪ ،‬تقدَّم مطالبات من أجل استيعاب مجيع أعضاء جمموعة ما‬
‫بوصفهم جمموعة؛ ويف حاالت أخرى تقدَّم مطالبات بشأن أفراد معينني؛ وقد تكون هناك صلة بينهم‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬قد تطالب مجاعة ما بسياسات حلماية اللغة‪ ،‬أو قد يطالب فرد ما ابحلق يف التحدث‬
‫بلغته‪/‬ها األم يف اإلجراءات القانونية‪ .‬وترتبط هذه احلقوق ببعضها البعض‪ ،‬وقد تكون يف بعض احلاالت‬
‫مستمدة من بعضها البعض‪ :‬وقد يكون أحد األسباب اليت جتعل للفرد احلق يف التحدث بلغته األم يف‬
‫اإلجراءات القانونية هو أن الدولة اعرتفت بلغته هذه لغة رمسية من لغات الدولة‪ ،‬أو لوالية قضائية اتبعة‬
‫للدولة مثالً‪ .‬وابلنسبة ملسألة االستيعاب‪ ،‬سيكون من املهم فيما يلي مالحظة مىت تكون املطالبات‬
‫املقدمة من أجل االستيعاب تنطبق على األفراد ومىت ينطبق االستيعاب على اجملموعات؛ وعلى الرغم‬
‫من حرص بعض الفالسفة على تقييم ما إذا كانت احلقوق الثقافية من األفضل أن تفهم على أهنا حقوق‬
‫فردية أو على أهنا حقوق مجاعية )‪ ،(Casals 2006‬فينطلق التحليل الوارد أدانه من االفرتاض أبهنا‬
‫ميكن أن تكون كالمها (اتباعاً لـ ‪.)Levy 2000: 125‬‬

‫والحظ كذلك أبن مصطلح " االستيعاب " هو نوع من أنواع املصطلحات اجلامعة اليت تشمل جمموعة‬
‫واسعة من املطالبات اليت ميكن أن يقدمها الفرد أو اجلماعة للدولة استناداً على الثقافة‪ .‬وقد حاول‬
‫الفالسفة السياسيون التفريق بني هذه املزاعم بطرق ال حصر هلا من أجل فهمها‪ .‬والواقع أن العديد من‬
‫هذه احلقوق تطالب هبا مجاعات املهاجرين (عادة) الدولة‪ ،‬اليت حتتاج إىل استيعاب معني من الدولة من‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪17‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أجل حتسني االندماج يف تلك الدولة‪ .‬ويف النقاش األوسع نطاقاً حول قيمة التعددية الثقافية‪ ،‬يدور نقاش‬
‫مستفيض حول أي نوع من االستيعاب يشجع على إدماج الوافدين اجلدد خاصة املميزين ثقافياً منهم‪،‬‬
‫وأي منها يسمح أو حىت يشجع على انفصاهلم عن اجملتمع األكرب (على سبيل املثال‪Sniderman :‬‬
‫‪ .)& Hagendoorn 2007‬كما يقلق بعض العلماء من أن الرتكيز على أفضل السبل الستيعاب‬
‫جمموعات األقليات الثقافية تنتقل مع جتاهل (رمبا يكون عمداً) املسائل األكثر أمهية كإعادة توزيع أولئك‬
‫األقل حظاً (‪ .)Barry 2001; Fraser 1995‬لكن يتفق منظري التعددية الثقافية عموماً على‬
‫أن حقوق االستيعاب ميكن تربيرها والدفاع عنها دفاعاً شديداً عندما تدعم دمج األقليات بوجه عام‬
‫والوافدين اجلدد بوجه خاص‪ ،‬وكذلك عندما تستهدف معاجلة استمرار أوجه عدم املساواة بني األغلبية‬
‫واألقليات‪.‬‬

‫من اجلدير ابلذكر أن اجلميع ال يتفق بسهولة على وجوب التعامل مع "الثقافة" كمصدر للمطالبات‬
‫القانونية والسياسية املميزة‪ .‬فعلى سبيل املثال تشي سارة سونغ (‪ )Sarah Song‬إىل أن ما يسمى‬
‫مبطالبات "التعددية الثقافية" غالباً ما تكون يف الواقع مطالبات ابستيعاب طائفة واسعة من اجملموعات‪،‬‬
‫مبا يف ذلك اجملموعات العرقية والدينية واإلثنية‪ .‬ويبدو أن العديد من املنظرين السياسيني للحقوق الثقافية‬
‫يعتقدون أن هناك جمموعات ثقافية متميزة ومعرتف هبا تقدم مطالبات ثقافية مميزة‪ ،‬بينما يعتمد هؤالء‬
‫املنظرون يف تقدميهم لألمثلة على "جمموعة واسعة من األمثلة اليت تشمل الدين واللغة والطائفة اإلثنية‬
‫واجلنسية والعرق" (‪ .)Song 2009: 177‬واندراً ما تكون "الثقافة" وحدها أساس املطالبة َّ‬
‫املقدمة‬
‫للدولة‪ .‬بل إن ما يسمى ابملطالبات الثقافية ‪ -‬كما تقول سونغ ‪ -‬هي غالباً يف احلقيقة مطالب بسلع‬
‫دميقراطية أخرى مفهومة فهماً جيداً ومربرة‪ .‬وتتلخص أغلب هذه املطالب يف االستيعاب الدين‪ ،‬ويتم‬
‫الدفاع عنها وفق الدفاعات الليربالية املعتادة عن حرية املعتقد؛ والبعض اآلخر من املطالب عبارة مطالب‬
‫ابلتعويض عن األخطاء السابقة واجلارية وتتخذ شكل التمييز اإلجيايب؛ وهناك مطالب أخرى من أجل‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪18‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اإلدماج الدميقراطي‪ ،‬وغالبا ما تكون جذورها متأصلة يف اتريخ ينطوي على إشكالية أخالقية من اإلقصاء‬
‫املتعمد‪ .‬ومبجرد الكشف بوضوح عن أسباب هذه املطالب "الثقافية" سنجد يف الغالب أسباابً ميكن‬
‫تربيرها دميقراطياً من أجل احرتامها واستيعاهبا دون احلاجة إىل اللجوء إىل االعتماد على الثقافة بوصفها‬
‫كياانً متميزاً‪ ،‬مما يؤدي إىل ظهور جمموعة متميزة من املطالبات ابحلقوق‪ .‬ونتيجة ذلك هي أنه ميكن يف‬
‫حاالت كثية جتنب اجلدل املرتبط بتعريف الثقافات وحتديد أعضائها على الوجه الصحيح‪ .‬إال أن هذا‬
‫التحليل قد جيعل من الصعب معاجلة احلاالت اليت يتفاعل شيء يسمى "الثقافة" مع املطالبات الدينية‬
‫واإلثنية والعرقية أو يكملها‪.‬‬

‫ولنتناول قضية االختيار الذي مت من خالل استفتاء حظر بناء املآذن فوق املساجد يف سويسرا‪ .‬وقد‬
‫كانت إمكانية الدفاع عن احلظر موضوعاً للتداول بني الفالسفة السياسيني‪ ،‬وكانت إحدى نقاط‬
‫اخلالف الرئيسية هي ما إذا كان بناء املآذن يعترب واجباً دينياً يف اإلسالم وإىل أي مدى‪ .‬ويقرتح العديد‬
‫من املفسرين أنه نظراً ألن املآذن ليست إلزامية وفقاً للشروط الدينية اإلسالمية‪ ،‬فمن املؤسف اختيار‬
‫حظرها (بسبب ما تقوله عن األماكن العامة لإلسالم يف سويسرا)‪ ،‬ولكن احلظر ال ينتهك احلرية الدينية‬
‫للمسلمني الذين ميارسون شعائرهم الدينية يف سويسرا‪ ،‬ولذلك فهو مسموح به (‪.)Miller 2016‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن ما يتم جتاهله يف هذه املطالبة هو األمهية الثقافية للمآذن‪ .‬وبدون االعرتاف مبكانة الثقافة‬
‫املتميزة يف بعض املطالبات‪ ،‬ال ميكن التوصل إىل فهم كامل لقضية املآذن‪ .‬وميكن مالحظة نفس التحدي‬
‫يف املداوالت اجلارية حول ما إذا كان ينبغي السماح للمرأة املسلمة ابرتداء غطاء وجهها يف األماكن‬
‫العامة‪ .‬ويشي بعض املعلقني إىل أن النصوص اإلسالمية (وفقاً لبعض التفسيات) ال يبدو أهنا تطلب‬
‫تغطية الوجه‪ ،‬ومن املمكن حرمان املرأة من احلق يف االخنراط يف هذه املمارسة‪ ،‬دون انتهاك حريتها‬
‫الدينية‪ .‬وعند طرح هذه احلجة‪ ،‬يالحظ املدافعون عنها أن اختيار تغطية الوجه يشكل يف واقع األمر‬
‫(جمرد) تفسي ثقايف للمتطلبات اإلسالمية‪ ،‬كما يتضح من حقيقة مفادها أن بعض الطوائف اليت متارس‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪19‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اإلسالم هي وحدها اليت متارس هذه املمارسة‪ i.‬من الضروري ابلنسبة لبعض العلماء الفصل بني املطالب‬
‫الدينية واملطالبات الثقافية ـ أتخذ الدول الدميقراطية الليربالية املزاعم الدينية جبدية ابلغة ابعتبارها مسائل‬
‫أخالقية‪ ،‬وهلا اتريخ طويل يف محاية احلرية الدينية حبماس‪ .‬وعلى هذا فبعد أن قرر هؤالء العلماء أن‬
‫املطالبة ليست مطالبة تتعلق ابحلرية الدينية‪ ،‬فإهنم يعتقدون أهنم قادرون على رفض طلب اإلذن بتغطية‬
‫الوجه يف األماكن العامة أبرحيية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جتاهل األبعاد الثقافية للمطالبة ‪ -‬أو معاملتها كما لو‬
‫أنه من الواضح أهنا أقل أمهية من املطالبة الدينية الكامنة وراءها ‪ -‬ال يعاجل القضية معاجلةً صحيحة‪.‬‬
‫السيما أنه ال أيخذ على حممل اجلد أن االلتزامات الدينية تنطوي ابلضرورة على تفسيات ثقافية‪ ،‬وأن‬
‫االعرتاف الكامل ابحلرية الدينية يستلزم االعرتاف بتفسياهتا الثقافية‪ ،‬وبذلك سوف يكون هناك حاجة‬
‫لتحقيق االستيعاب الثقايف القانوين والسياسي (لاللتزام الدين)‪.‬‬

‫وسيتم النظر فيما يلي يف أنواع مميزة من املطالبات الثقافية املقدمة ملؤسسات الدولة الرئيسية‪ .‬وكما سيتبني‬
‫فإن هذه املطالبات يقدمها اترة أفراد واترة مجاعات‪ .‬وحيثما اقتضى األمر سيسلط التحليل الضوء على‬
‫ما إذا كان مفهوم الثقافة الذي سيد ذكره هو الثقافة ابعتبارها جمموعة شاملة‪ ،‬الثقافة كتكوين اجتماعي‪،‬‬
‫الثقافة كسرد‪ ،‬الثقافة كهوية‪ .‬لن يكون التحليل دائما مرتباً‪ ،‬إذ ستكون هناك يف بعض احلاالت دفاعات‬
‫متعددة عن حق ثقايف ما مستند ًة على فهم خمتلف للثقافة‪.‬‬

‫‪ ١.٢‬حقوق اإلعفاء‬

‫ولعل أكثر أنواع املطالبات الثقافية شيوعاً اليت تقدم للدولة تكون على شكل طلب إعفاء من القواعد‬
‫واللوائح اليت تنطبق عاد ًة على مجيع املواطنني‪ .‬وتستجيب حقوق اإلعفاء حلقيقة أنه ابلفعل يقصد من‬
‫القوانني واملمارسات يف الدميقراطيات الليربالية معاملة مجيع املواطنني معاملة متساوية‪ ،‬ولكن تشكل بعض‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪20‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫القوانني واملمارسات املفروضة ضرراً على بعض األقليات دون قصد‪ .‬والقلق الذي يتعني حله هو أن‬
‫مواطن األقليات مثقلون بقصد أو دون قصد ابلتطبيق املعتاد لبعض القوانني (‪،)Levy 2000: 130‬‬
‫على نو يؤدي إىل معاملتهم معاملة غي عادلة‪ ،‬واليت ميكن حلها ابإلعفاء من بعض القوانني واملمارسات‬
‫املعتادة (‪ .)Quong 2006; Gutmann 2003‬ومن مث يفهم توسيع نطاق حقوق اإلعفاء‬
‫على أنه‪:‬‬

‫اعرتاف بذلك االختالف‪ ،‬ابعتباره حماولةَ لعدم إثقال كاهل ثقافة األقلية أو دينها‬
‫دون داع يف طريق حتقيق األهداف املشروعة للقوانني (‪.)Levy 2000: 130‬‬

‫يطلب بعض السيخ على سبيل املثال إعفاءهم من القوانني اليت تشرتط ارتداء خوذات الدراجات النارية‬
‫أو خوذات مواقع البناء‪ .‬ورغم أن السيخية تعترب ديناً‪ ،‬إال أن السيخ يصفون شرط ارتدائهم العمامة أبنه‬
‫شرط غي دين متاماً‪ ،‬بل إنه رمز لعقيدهتم والتزامهم بقيم السيخ‪ ،‬فضالً عن كونه تعبياً عن هويتهم‬
‫(جتدون األسئلة الشائعة عن اعتقاد السيخ يف قسم مصادر اإلنرتنت األخرى)‪ .‬وبدون إعفاء من هذه‬
‫القوانني‪ ،‬سيستثىن السيخ من االستفادة من الفرص اليت من املفرتض أن تكون متاحة جلميع املواطنني‬
‫على أساس متكافئ‪ .‬وينطبق األمر ذاته على جمتمعات السكان األصليني الذين طلبوا إعفاءات من‬
‫القوانني املعمول هبا عموماً واليت حتد من الصيد الربي وصيد األمساك‪ ،‬موضحني أن مثل هذه القيود ختل‬
‫أبسلوب حياهتم التقليدي‪ ،‬أو جتعل من الصعب عليهم (أو من املستحيل) إعالة أنفسهم ( ‪Levy‬‬
‫‪ .)2000: 128‬وقبل التخلي عن قوانني إغالق األحد يف كندا والوالايت املتحدة‪ ،‬كانت األقليات‬
‫الدينية متنح أحياانً إعفاءات منها‪ .‬ويف هذه احلاالت‪ ،‬وكما ورد أعاله وبدون إعفاءات منصوص عليها‬
‫قانوانً‪ ،‬يتعني على الناس (األقليات عادة) أن خيتاروا املشاركة يف الفرص اليت من املفرتض أن تكون‬
‫متاحة جلميع املواطنني على أساس متكافئ‪ ،‬أو احرتام فهمهم (الثقايف) ملا ميليه عليهم دينهم‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪21‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ومثة فرق طفيف بني طلب اإلعفاء وطلب تعديل القواعد‪ .‬وكما تبني‪ ،‬فإن طلبات اإلعفاء هي ‪ -‬كما‬
‫تبدو ‪ -‬طلبات إلعفاء األفراد من بعض الشروط اليت من املفرتض أن تنطبق على مجيع املواطنني‬
‫ابلتساوي؛ وتطلب طلبات التعديل إدخال تغييات على املمارسات القائمة لألغلبية من أجل استيعاب‬
‫ممارسات معينة أخرى من ممارسات األقليات‪ .‬ويطلب السيخ يف بعض األحيان إعفائهم من القوانني‬
‫اليت من شأهنا أن تلزمهم خبلع عمائمهم على النحو السالف الذكر؛ ويطلبون يف حاالت أخرى إدخال‬
‫تعديالت على الزي الرمسي‪ ،‬حبيث تعامل العمائم على أهنا أحد أغطية الرأس املتاحة للذين يضطلعون‬
‫بدور معني‪ .‬وينطبق األمر ذاته على طلبات تعديل الزي الرمسي اليت تقدمها النساء املسلمات الاليت‬
‫يغطني وجوههن أو رؤوسهن‪ ،‬والرجال اليهود الذين يرتدون اليمولكات‪ ،‬حيث يتطلب الزي الرمسي‬
‫عاد ًة رأساً أو وجهاً كاشفاً‪ ،‬أو يف احلاالت اليت يطلبون فيها تغطية الرأس بطريقة معينة (كما هو الوضع‬
‫يف حالة السيخ‪ ،‬وميكن عرضها على أهنا طلبات للحصول على إعفاءات)‪ .‬وعلى غرار ذلك عندما‬
‫يطلب املسلمون امللتزمون أوقات اسرتاحة قصية يف أايم العمل للصالة يف أوقات حمددة من اليوم‪ ،‬أو‬
‫عندما يطلب الطالب اليهود واملسلمون تغييات يف توفي الطعام (الستيعاب التزامات املتعلقة بطعام‬
‫الكوشر واحلالل) يف املقاصف املدرسية‪ ،‬فهذه الطلبات تعترب طلبات تعديل وليست إعفاء‪.‬‬

‫ويف معظم احلاالت يكون اإلخفاق املبكر للقانون الشرعي يف تعديل ممارسات جديدة أو اإلعفاء منها‬
‫أمراً غي متعمد‪ .‬مبعىن أن القوانني أو املمارسات السارية مل تعتمد عن قصد بغرض االستثناء‪ ،‬بل اعتمدت‬
‫ابألحرى على افرتاض أهنا تعامل السكان احلاليني معاملة عادلة‪ .‬غي أن اهلجرة واسعة النطاق نوعت‬
‫سكان بلدان كثية بطرق ملموسة‪ .‬وغالباً ما يسافر املهاجرون مبمارسات وقواعد ال تكون ‪-‬عند‬
‫وصوهلم‪ -‬مألوفةً يف الدول اليت سيقيمون فيها‪ ،‬ويطلب نتيجة لذلك من الدول تعديل قوانني معينة‪،‬‬
‫وإعفاء الوافدين اجلدد من قوانني معينة أخرى‪ .‬وقد توجد حاالت يكون فيها أسباب عامة مشروعة‬
‫تؤدي إىل االستمرار يف تطبيق قوانني معينة على الرغم من األضرار اليت تلحقها ابلوافدين اجلدد‪ .‬كما أن‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪22‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫هناك حاالت تصر فيها الدول على املطالبة بطاعة القوانني واملمارسات اليت من الواضح أهنا تضر‬
‫ابلوافدين اجلدد الذين حياولون االندماج‪ ،‬ولكن ال توجد فيها عوامل خمففة جيدة تربر االستمرار يف‬
‫فرض الضرر (مثالً عندما أقرت مدينة راندرز الدمناركية قانوانً يشرتط تقدمي حلم اخلنزير "ابلتساوي مع‬
‫األغذية األخرى" يف املقاصف املدرسية)‪ .‬ويف هذه احلاالت األخية‪ ،‬مل يعد األثر االستبعادي للقوانني‬
‫غي مقصود‪ ،‬وتستحق هذه القوانني اإلدانة عموماً ألهنا تكرس االستبعاد غي الضروري وغي املربر من‬
‫اجملاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫وليس املهاجرون ‪ -‬أفراداً أو مجاعات ‪ -‬من يطالب دائماً حبقوق ثقافية من إعفاء وتعديل‪ ،‬ولكن هذا‬
‫هو احلال يف كثي من األحيان‪ .‬وتطالب جمتمعات السكان األصليني ابإلعفاءات كما تطلبها بعض‬
‫الطوائف الدينية األرثوذكسية‪ .‬وستناقش هذه احلاالت أدانه يف القسم الذي يركز على احلفاظ على‬
‫الثقافة‪.‬‬

‫‪ ٢.٢‬حقوق املساعدة‬

‫تناشد طلبات املساعدة الدولة ابحلفاظ على الظروف اليت ميكن أن تستمر فيها خمتلف عناصر الثقافة‬
‫بل وتزدهر ‪ -‬ال سيما لغات األقليات ‪ -‬أو بتعزيز ومحاية اجلمعيات الثقافية بطرق خمتلفة‪ ،‬مبا يف ذلك‬
‫تقدمي الدعم املايل للفنانني الذين ينتمون هلذه اجملموعات الثقافية‪ ،‬أو بتوفي املوارد الالزمة إلاتحة إنتاج‬
‫وتوزيع وسائط اإلعالم بلغة الطائفة اإلثنية‪ .‬واملربر وراء حقوق املساعدة هو ذاته الذي وراء طلبات‬
‫اإلعفاء والتعديل‪ :‬وهو منع استمرار الظلم يف الوصول إىل احلقوق أو املنافع اليت من املفرتض أن تكون‬
‫متاحة جلميع املواطنني ابلتساوي‪ .‬ويف حالة حقوق املساعدة‪ ،‬جتادل األقليات الثقافية أبن األغلبية تصل‬
‫ابلفعل إىل هذه املنافع‪ ،‬على سبيل املثال تعلم لغة قوية أو الوصول إىل وسائل اإلعالم‪ ،‬ولذلك فهم‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪23‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يطلبون موارد الدولة بتأمني هذه املنافع لألقليات الثقافية أيضاً‪ .‬وبينما يتداخل املربر هنا مع املربر املقدم‬
‫للدفاع عن حقوق اإلعفاء والتعديل ‪ -‬لتحقيق اإلنصاف ‪ -‬فإن فهم الثقافة اليت يقوم عليها طلب هذه‬
‫احلقوق خيتلف‪ .‬وعادة ما تعامل مطالبات اإلعفاء والتعديل الثقافة ابعتبارها هوية أو حواراً‪ ،‬يف حني أنه‬
‫يف حالة مطالبات املساعدة‪ ،‬يكون الفهم األساسي للثقافة غالباً ابعتبارها تكويناً اجتماعياً أو بوصفها‬
‫جمموعة شاملة؛ وتعامل الثقافة على أهنا كل يتطلب مساعدةً حلماية كل جزء من أجزائها املركزية‪ ،‬لكي‬
‫تؤدي مهمة تشكيل األعضاء تشكيالً جيداً‪.‬‬

‫‪ ٣.٢‬حقوق تقرير مصريها بنفسها‬

‫حقوق تقرير املصي هي احلقوق اليت متنح والايت قضائية حملية داخل الدولة سيطرة كبية على إقليم‬
‫معني‪ ،‬ال سيما احلق يف إدارة املؤسسات الرئيسية يف ذلك اإلقليم‪ .‬إن أي جمتمع يقرر مصيه بنفسه هو‬
‫جمتمع قادر ‪ -‬بسبب السيطرة على املؤسسات الكربى يف إقليم ما ‪ -‬على اختاذ وفرض القرارات من‬
‫دون تدخل من أطراف خارجية يف جماالت السياسات املتعددة (‪ .)I.M. Yung 2004‬ويستند‬
‫تربير حقوق تقرير املصي يف بعض األحيان على التعويض أو العدالة التصحيحية‪ ،‬على سبيل املثال‬
‫عندما تكون إجراءات الدولة السابقة قد قوضت قدرة جمموعة ثقافية معينة على تقرير مصيها بنفسها‬
‫من األساس (‪ .)Song 2009: 184‬ويف حاالت أخرى‪ ،‬فإن املطالبة بتقرير املصي هلا ما يربرها‬
‫فيما يتعلق أبمهية محاية استقالل الوالايت القضائية احمللية املميزة ثقافياً‪ ،‬أي قدرهتا على إدارة شؤوهنا‬
‫اخلاصة بطرق تنسجم مع تفضيالهتا الثقافية‪ .‬ويعتمد احلق يف تقرير املصي عادة على فهم الثقافة على‬
‫أهنا جمموعة شاملة‪ ،‬أو على اعتبار أهنا تكويناً اجتماعياً‪ ،‬مما يدل على أنه بدون سيطرة كبية على‬
‫املؤسسات الرئيسية اليت حتكم حياة املواطنني‪ ،‬لن تكون اجملموعة املعنية قادرة على حتديد مصيها بنفسها‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪24‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يعزى احلق يف تقرير املصي عادة إىل الدول‪ ،‬ولذلك فإن معناه يف سياق األقليات اليت تعمل يف مستوى‬
‫حملي دون مستوى الدولة ليس واضحاً دائماً‪ .‬ومن بني الوالايت القضائية احمللية داخل الدولة‪ ،‬كثيا ما‬
‫تطالب هبذا احلق مجاعات السكان األصليني واجلماعات القومية داخل الدولة مثل سكان إقليم الباسك‬
‫واألسكتلنديني‪ ،‬الذين ختتلف "ثقافتهم اجملتمعية" بشكل واضح عن الثقافة اجملتمعية لألغلبية‪ .‬وتعترب‬
‫املطالبة بتقرير املصي مطالبةً ابختاذ قرارات بشأن كيفية تعليم األطفال‪ ،‬واللغة اليت تتحدث هبا السلطات‬
‫السياسية املختصة‪ ،‬وكيفية تنظيم األماكن العامة‪ .‬وللحق املطَالب به ثالثة مظاهر على األقل‪ ،‬وهي‪١ :‬ـ‬
‫احلق ‪ -‬على أقل تقدير‪ -‬يف "احلفاظ على أسلوب حياة شامل داخل اجملتمع األوسع دون تدخل"؛‬
‫‪ -٢‬حق اعرتاف األغلبية أبسلوب حياهتا ‪ -٣‬احلق يف املساندة النشطة من قبل األغلبية لدعم أسلوب‬
‫احلياة ذي الصلة دعماً إجيابياً حىت "تزدهر الثقافة" (‪.)Margalit & Halbertal 1994: 498‬‬
‫وتقدم هذه املظاهر الثالث مطالب مميزة للدولة‪ ،‬ترتاوح من مطلب بسيط مثل عدم التدخل إىل املشاركة‬
‫النشطة يف إدامة ظروف تقرير املصي‪ .‬ويناط نتيجة لذلك ابلدولة يف بعض األحيان مهمة تقييم مدى‬
‫رغبتها يف توجيه مواردها لدعم طلب معني من طلبات تقرير املصي‪ ،‬مع الرتكيز على ما إذا كان هناك‬
‫ما يربر املطالبات املرتبطة ابحلفاظ على الثقافة‪ ،‬واليت سينظر فيها أدانه‪.‬‬

‫‪ ٤.٢‬حقوق االعرتاف‬

‫وكثياً ما ينتقل طلب االعرتاف الرمسي يف الواثئق القانونية والسياسية مع طلب تقرير املصي‪ ،‬ويستند‬
‫على الرغبة يف جعل األغلبية تعرب عن التزامها ابالحرتام الكامل واملتساوي لألقلية الثقافية ( ‪Mcbride‬‬
‫‪ .)2009‬ويف احلالة الكندية‪ ،‬كافح سكان مدينة كيبيك طويالً من أجل االعرتاف هبم أمةً لديها "جمتمع‬
‫مميز"‪ .‬وقد فشلت حماوالت االعرتاف بوضع كيبيك يف الدستور الكندي مراراً‪ ،‬على الرغم من أن عريضةً‬
‫نصها "أن يعرتف هذا اجمللس أبن كيبيك تشكل أمةً داخل كندا املوحدة" قد متت املوافقة عليها (ابلرغم‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪25‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫من اجلدل الكبي املصاحب هلا) من قبل جملس العموم يف عام ‪ .2006‬وتعد املطالبة ابالعرتاف يف هذه‬
‫احلالة مطالبةً ابالحرتام بوصف هذه األمة شريكاً قومياً متساو يف أتسيس الدولة الكندية‪.‬‬

‫ويف حالة جمتمعات السكان األصليني أيضاً‪ ،‬ال يشمل احلق يف تقرير املصي غالباً املطالبة مبمارسة السلطة‬
‫على والايت قضائية حمددة فحسب‪ ،‬بل يشمل أيضاً االعرتاف هبا‪ .‬فتسعى هذه اجملتمعات ‪ -‬على‬
‫سبيل املثال ‪ -‬إىل االعرتاف هبا على أهنا السكان األصليون لدولة معينة‪ ،‬أو على أهنا أمم يف حد ذاهتا‪،‬‬
‫أو على أهنا ضحية جلرائم خمتلفة قام هبا املستعمرون منها انتهاك املعاهدات املبكرة املربمة بينهما‪ ،‬فضال‬
‫عن طلبات تقدم للدولة من أجل دعم احملافظة على استدامة اجملتمعات احمللية‪ ،‬ويف كثي من احلاالت‬
‫إعادة بناء تلك اليت دمرهتا حكومات االستعمار‪/‬االستيطان تدمياً نشطاً‪ .‬وأصبح على سبيل املثال يف‬
‫كندا وغيها من الدول املستعمرة من الشائع قراءة بياانت االعرتاف ابألرض قبل الفعاليات (مبا يف ذلك‬
‫قراءهتا كجزء من "اإلعالانت" اليت تقرأ يف بداية اليوم الدراسي)‪ ،‬اليت تعرتف أبن األحداث واإلجراءات‬
‫جتري على أرض السكان األصليني اليت مل يتنازلوا عنها للدولة املستعمرة‪ .‬وعلى نو مماثل لطاملا طالبت‬
‫جمتمعات السكان األصليني األسرتالية ابالعرتاف الرمسي هبم يف الدستور األسرتايل‪ .‬فإن األمل بل واملتَوقع‬
‫من منظور جمتمعات السكان األصليني األسرتالية هو أن يؤدي االعرتاف الرمسي إىل مزيد من احلقوق‬
‫والفوائد‪ ،‬مثل زايدة القوة التصويتية ووصول أفراد األقلية إىل السياسة‪ .‬ويوجد أمل يف احلصول على‬
‫حقوق ومنافع إضافية يف بعض ‪ -‬ولكن ليس يف كل ‪ -‬مطالبات االعرتاف (فعلى سبيل املثال مل يكن‬
‫هذا موجوداً إىل حد كبي يف حالة مدينة كيبيك)‪.‬‬

‫وأييت االعرتاف أبشكال أخرى تتجاوز االعرتاف يف الواثئق القانونية والسياسية‪ ،‬واليت يقصد هبا أتكيد‬
‫احرتام األقليات‪ .‬وتعرتف بعض الدول رمسياً بلغات األقليات على أهنا لغات وطنية‪ .‬تعرتف سويسرا‬
‫على سبيل املثال رمسياً ابللغة الروماشانية لغةً وطنية‪ ،‬على الرغم من أن املتحدثني هبا يشكلون أقل من‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪26‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ ٪١‬من جمموع سكان البالد‪ .‬وعلى النقيض من ذلك كانت القوانني الرتكية حتظر التحدث ابللغة‬
‫الكردية يف األماكن العامة واليت تعترب حماولةً حلرمان أقلية قومية من االعرتاف (أخياً ألغي هذا القانون‬
‫عام ‪ .)١٩٩١‬وكما هو احلال ابلنسبة لطلبات االعرتاف الرمسي يف الواثئق الدستورية امللزمة‪ ،‬تظهر هذه‬
‫األنواع من االعرتاف احرتام جمتمعات األقليات فضالً عن االلتزام مبعاملتهم على أهنم أعضاء كاملي‬
‫العضوية ومتساوين يف الدولة األكرب‪.‬‬

‫‪ ٥.٢‬حقوق احلفاظ على الثقافة‬

‫حقوق احلفاظ على الثقافة هي احلقوق اليت تدعي اجملموعات أهنا أمراً أساسياً يف احملافظة على جمموعة‬
‫ثقافية بوصفها جمموعة ثقافية‪ .‬ويوصف هذا احلق يف بعض األحيان أبنه حق يف "بقاء شعب ذو‬
‫مواصفات ثقافية خاصة" (‪ .)Gutmann 2003: 75‬ويستند التربير يف بعض احلاالت إىل االدعاء‬
‫أبن بعض أشكال االحتكاك ابجملتمع األوسع نطاقاً واملشاركة معه ستؤدي إىل اضمحالل ثقافة يقدرها‬
‫أعضاؤه‪ .‬ويكون املربر يف حاالت أخرى مربراً اترخيياً‪ ،‬كما يف احلاالت اليت وافقت فيها اجلماعات الدينية‬
‫األرثوذكسية الفارة من االضطهاد الدين يف أورواب على استيطان أراض جديدة يف كندا والوالايت املتحدة‬
‫مقابل احلرية الدينية‪ .‬ويتلخص املربر الرئيسي يف حاالت أخرى يف أن التنوع الثقايف يعترب قيماً ويستحق‬
‫احلفاظ عليه حبد ذاته (‪( .)Parekh 2000‬ويطالب يف بعض احلاالت حبقوق احلفاظ على الثقافة‬
‫على أهنا تعويضات عن أخطاء املاضي؛ وينظر أدانه يف هذه املطالبة على حدة)‪ .‬وتعترب طلبات احلفاظ‬
‫على الثقافة من أكثر األمور إاثرة للجدل حيث تقوم هبا جمموعات غي ليربالية‪ ،‬كما سيد التفصيل فيها‬
‫قريباً‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪27‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وجيدر بنا هنا التوقف قليالً لنالحظ وجود طريقتني لتفسي احلفاظ على الثقافة‪ :‬فقد تعن احلفاظ على‬
‫جمموعة ما ابعتبارها كياانً ثقافياً مميزاً أو قد تعن احلفاظ على بعض املمارسات والقيم اليت يعتقد يف وقت‬
‫ما أهنا تشكل أمهية مركزية للثقافة‪ .‬أتيت حقوق احلفاظ على الثقافة أبشكال متعددة مبا يف ذلك طلبات‬
‫اإلعفاء‪ ،‬واستقالل الوالدين الذايت‪ ،‬واحرتام آليات حل النزاعات الداخلية (يف قانون األسرة ابلدرجة‬
‫األوىل)‪ ،‬والسيطرة على العضوية‪ .‬وهلذه احلقوق ما يربرها فيما يتعلق ابحلفاظ على الثقافة‪ ،‬وعادة ما‬
‫تعتمد على فهم الثقافة ابعتبارها جمموعة شاملة أو ابعتبارها تكويناً اجتماعياً‪ ،‬متاماً كما هو احلال‬
‫ابلنسبة للحق األعم يف تقرير املصي الذي كثياً ما ينتقل معه‪.‬‬

‫ال تطالب العديد من األقليات غي الليربالية إال حبقوق التحرمي ضد الدولة اليت تعيش فيها (‪Spinner-‬‬
‫‪ .)Halev 2000‬واستجابةً لذلك‪ ،‬قد تسمح الدولة جملموعة ثقافية غي ليربالية أبن "ترتك وشأهنا"‪،‬‬
‫على أساس أنه جيوز هلا ذلك ما دامت قادرة على االستمرار دون دعم من الدولة من أي نوع‪ .‬ومع‬
‫ذلك قد يطلب من الدولة أن تبذل املزيد للحفاظ على الثقافة‪.‬‬

‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬ميكن أن يطلب من الدولة إعفاء أفراد جمتمع حملي من بعض الشروط اليت تطلب‬
‫عادة من مجيع املواطنني‪ ،‬مبا يف ذلك التعليم اإللزامي وقوانني عمل األطفال‪ .‬ولنتأمل هذا املثال‪ :‬تعيش‬
‫العديد من جمتمعات طائفة األرثوذوكس األميش حياة معزولة إىل حد كبي عن اجملتمع األوسع نطاقاً‪،‬‬
‫فهم يعيشون أسلوب حياة منظم دينياً ميلي عليهم من يتزوجون‪ ،‬وكيف يربون أطفاهلم‪ ،‬وكيف ينتجون‬
‫اقتصاداً يسمح استمرار أسلوب حياهتم‪ .‬ويف أغلب احلاالت ال يطلبون االعرتاف وال املزيد من الدعم‬
‫املايل من أجل محاية أسلوب حياة جمتمعاهتا‪ .‬وقد طالبوا يف السابق بعدم التدخل فقط‪ .‬وطلبت بعض‬
‫جمتمعات األميش األمريكية يف سبعينات القرن املاضي احلق يف سحب أطفاهلم من التعليم اإللزامي يف‬
‫سن الرابعة عشر ‪ -‬وكان هلم ذلك ‪ ،-‬حمتجني أبنه يف احلاالت اليت طلب فيها من أطفاهلم البقاء يف‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪28‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫املدرسة حىت سن السادسة عشر كانوا أكثر عرضة للخروج من جمتمعهم احمللي‪ .‬وزعموا أن معدل‬
‫خروجهم املرتفع هذا من شأنه أن يؤدي إىل عدم استمرار أسلوب حياة األميش على مر الزمن ( ‪Burtt‬‬
‫‪ .)1994‬كان حق اإلعفاء الذي طالب به األميش ‪ -‬يف هذه احلالة ‪ -‬مستمداً من الطلب األوسع‬
‫نطاقاً وهو احلفاظ الذايت على الثقافة؛ وقالوا إنه من دون اإلعفاء قد تتالشى الثقافة نفسها‪.‬‬

‫وميكن أيضا أن يطلب من الدولة أن حترتم جماالت معينة للسلطة القانونية‪ ،‬ولعل أكثرها يكون يف جمال‬
‫قانون األسرة‪ .‬وغالباً ما تنظم األقليات شروط الزواج وحضانة األطفال والطالق‪ ،‬وتطلب من السلطة‬
‫القانونية أن تقوم بذلك‪ .‬إن احرتام السلطة القانونية جلماعات األقليات ملمارسة الوالية القضائية يف‬
‫قانون األسرة هو ذات الطلب الذي عاد ًة ما يزعج منتقدي حقوق األقليات الثقافية‪ ،‬وذلك ألنه قد‬
‫يؤدي إىل ترسيخ االجحاف ابملرأة‪ ،‬يف تسوايت الطالق أو اتفاقيات احلضانة على سبيل املثال‬
‫(‪ .)Shachar 2001; Bakht 2007‬وإذاً عامةً تطالب الدول اليت تعرتف ابلسلطة القانونية‬
‫جلماعات األقليات يف جمال قانون األسرة أيضاً أولئك الذين يشاركون يف هذه اإلجراءات القضائية أبن‬
‫يفعلوا ذلك عن طيب خاطر؛ ولذلك حتتفظ الدول ذات األغلبيات لنفسها يف كثي من األحيان ابإلذن‬
‫ابلتدخل يف هذه اإلجراءات دعماً للذين قد ال يتمتعون حبماية كافية‪ .‬وجيب على الدولة هنا أن حتاول‬
‫إجياد توازن بني تقدمي دعمها ألضعف أفراد األقليات (من أجل ضمان محاية حقوقهم الدستورية على‬
‫سبيل املثال)‪ ،‬والتدخل الذي يغفل عن املطالب املشروعة جلماعات األقليات ابالستمرار على مر الزمن‪،‬‬
‫وذلك جزئياً من خالل ممارسة سلطتها يف اجملاالت الرئيسية‪.‬‬

‫تعترب حقوق االستبعاد أحد األشكال الشائعة األخرى حلقوق احلفاظ على الثقافة وهو حق مجاعة ثقافية‬
‫يف رفض انضمام اآلخرين ألراضيهم أو االنتساب هلم‪ ،‬بسبب ختوفهم من أن وجود شروط قبول أكثر‬
‫سخاءً يهدد بتقويضها من خالل متييعها عملياً‪ .‬وكما تتمتع الدول ابحلق املزعوم يف السيطرة على‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪29‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫حدودها (نوقش أدانه يف القسم ‪ ،)٣‬ومن يستطيع أن يطالب حبقوق العضوية حىت بعد االنضمام‪ ،‬فإن‬
‫بعض الوالايت القضائية داخل الدولة تزعم كذلك هذا احلق املزدوج يف االستبعاد مستشهدة أبمهية‬
‫احلفاظ على الثقافة‪ .‬وقد طالبت يف بعض األحيان جمتمعات السكان األصليني حبقها يف استبعاد األفراد‬
‫غي األصليني من االستقرار على أراضيها أو حقها يف استبعاد اآلخرين (مثل أزواج األشخاص األصليني‬
‫من غي السكان األصليني) من مزااي معينة يف العضوية‪ ،‬مبا يف ذلك احلق يف التصويت (أو احلق يف أن‬
‫يكون هلم رأي آخر) ملن سيحكمون‪ .‬ولقد طلب من حماكم الدول البت يف السلطة الشرعية للمجتمعات‬
‫األصلية الختاذ هذه القرارات (انظر ‪.)Song 2005‬‬

‫تشكل حقوق احلفاظ على الثقافة املوصوفة أعاله حتدايً عسياً يرتبط ابالنتقادات اليت تعامل الثقافة‬
‫على أهنا جمموعة شاملة‪ ،‬إذ يقول بعض النقاد أن أي مطالبة ابحلفاظ على الثقافة ترتجم يف واقع األمر‬
‫إىل مطالبات إشكالية فيما خيص السيطرة على األعضاء‪ ،‬واليت تكون أيضاً أكثر تقييداً للنساء وأعضاء‬
‫جمتمع امليم‪ .‬ويعترب هذا حتدايً يفرض فرضاً قوايً عندما تطلب ما يسمى ابجملموعات غي الليربالية مثل‬
‫األميش حبقوق احلفاظ على الثقافة‪ ،‬وعندما تفرض هذه احلقوق (يف نظر النقاد) على األطفال ضد‬
‫إرادهتم‪ .‬إن اجملموعات غي الليربالية هي تلك اليت ترفض بعض القيم الليربالية الرئيسية مثل االستقالل‬
‫الذايت واملساواة؛ ويتم يف كثي من احلاالت دعم هذه اجملتمعات احمللية من خالل نظم تعليمية تثبط عملية‬
‫االستقالل يف اختاذ القرارات‪ ،‬ومن خالل جتنب تدريس املهارات والقدرات اليت متكنها عادة‪ ،‬ومن خالل‬
‫فرض قواعد التسلسل اهلرمي اليت تعلي من قدر بعض األعضاء على غيهم بطرق جيدها مناصري فكر‬
‫املساواة غي مرضية‪ .‬وتكمن املشكلة يف أن اجملتمع احمللي ال يريد أن حيافظ على نفسه ابعتباره جمموعة‬
‫ثقافية مميزة فحسب‪ ،‬بل يريد أيضاً أن حيافظ على نوع من التجانس الثقايف الذي ال يرتك جماالً للمنافسة‬
‫أو معارضة قيمه وممارساته املركزية‪ .‬وكثياً ما جتعل قواعد التسلسل اهلرمي األخية هذه املرأة عرضة لرجال‬
‫أكثر قوة قد يطلبون أشكال خمتلفة من اخلضوع اجلنسي هلم‪ ،‬ويعيدوهنن إىل البيت لرعاية أطفاهلن‪،‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪30‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ويفرضون عليهن قواعد سلوكية صارمة يرتتب على انتهاكها عقوابت قاسية‪ .‬تعترب هذه األنواع مما يسمى‬
‫بـ "املمارسات الثقافية" ‪ -‬يف نظر بعض النقاد – من النوع الذي جيعل أي شكل من أشكال دعم‬
‫الدولة حلماية األقليات الثقافية أمراً ال ميكن تربيره يف الغالب (‪.)Okin 1999‬‬

‫ومن دواعي القلق اليت تتخلل االعرتاضات على هذه احلقوق الكثية للحفاظ على الثقافة أن املرأة قد‬
‫ال تكون راغبة يف املشاركة يف هذه الثقافات‪ ،‬وابلتايل فإن احرتام حقوق احلفاظ على الثقافة يودع املرأة‬
‫يف حياة ال ختتارها وال تريدها وال تستطيع اهلرب منها‪ .‬ولكن ابلنسبة لكثيين من اخلطأ افرتاض أن‬
‫العضوات ال يتعرضن إال لإلكراه فقط‪ ،‬ألن كثيات منهن يقدرن جمتمعهن احمللي تقديراً عميقاً وحيرتمن‬
‫األعراف والقيم اليت يسعى اجملتمع إىل محايتها‪ ،‬حىت وإن كن يرفضن بعضها‪ .‬وتوجد يف هذه احلاالت‬
‫‪ -‬عندما يبحث فيها املنظرون السياسيون ‪ -‬حماولة لالنتقال من معاملة الثقافة من منظور الشمولية إىل‬
‫معاملتها من منظور احلوار والسرد‪ .‬ختضع الثقافات ‪ -‬وحىت الثقافات القمعية لألقليات (ابلنسبة‬
‫لليرباليني) ‪ -‬للتغيي‪ ،‬ورمبا يكون أفضل مصدر للتغيي هو األعضاء امللتزمني التزاماً عميقاً والذين يؤمنون‬
‫طواعيةً ابلقيم الرئيسية ويرفضون غيها‪ ،‬مبا يف ذلك تلك القيم اليت ال حترتم مساواة املرأة يف احلقوق‪.‬‬
‫يعامل شرح مونيك ديفوكس (‪ )Monique Deveaux‬الثقافة من منظور احلوار‪ ،‬حيث يتناول‬
‫شرحه هذا املشاركات البالغات يف الزواج العريف يف جنوب أفريقيا واللوايت يقبلن بعض عناصر ثقافتهن‪،‬‬
‫ولكنهن يهدفن إىل احلصول على صوت على الطاولة لتغيي عناصر أخرى )‪.(Deveaux 2007‬‬
‫وتكمن الفكرة الرئيسية احملفزة هنا يف أن الثقافات ميكنها أن تتغي بل تتغي ابلفعل مع مرور الوقت‬
‫مستجيبةً لكيفية اخنراط أعضائها فيها‪ ،‬وأن ما يهم ليس التغيي نفسه وإمنا من أو ما هو مصدره‪ .‬ووفقاً‬
‫هلذا الرأي‪ ،‬فإن هدف حقوق احلفاظ على الثقافة ليس احلفاظ على الثقافة حبد ذاهتا – ويعترب هذا حتد‬
‫قد يكون مستحيالً على أية حال ‪ -‬بل اهلدف هو احلق يف محاية قدرة أعضاء اجملموعة على تشكيل‬
‫ثقافتهم ومحايتها من مصادر التغيي غي املرغوب فيها‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪31‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ويزعم آخرون أنه ما دامت النساء ‪ -‬وأي أشخاص آخرون خيضعون لطلبات ثقافية صارمة ‪ -‬ميتلكن‬
‫حق (أو القدرة على) اخلروج من اجملتمع‪ ،‬فيجب التعامل مع اختيارهن للبقاء على هذا األساس‬
‫(‪ .)Kukathas 1992‬وتشكل اجلهود الرامية إىل جعل احلق يف اخلروج ميارس بشكل حقيقي أمهية‬
‫كربى ألولئك الذين يعتقدون بوجهة النظر هذه ( ‪Kukathas 2012; Holzleithner‬‬
‫‪ .)2012‬وبذلك يتعني على الدولة أن ختتار املوارد اليت توفرها ألولئك األعضاء الذين قد يرغبون يف‬
‫اخلروج ولكنهم ال ميلكون الوسائل الالزمة لبناء أنفسهم يف اجملتمع األوسع‪ .‬ففي بعض الطوائف الدينية‬
‫األرثوذكسية تكون امللكية للممتلكات مشرتكة وال ميلك األفراد أي ممتلكات أو موارد شخصية؛ ونتيجة‬
‫لذلك ليس لدى الذين يرغبون يف اخلروج من اجملتمع احمللي ما يعتمدون عليه أثناء أتسيسهم حلياهتم‬
‫اجلديدة‪ .‬ويف جمتمعات حملية أخرى يكون األعضاء ذوو تعليم متدن ومل أيلفوا احلياة خارج جمتمعاهتم‬
‫احمللية‪ ،‬وابلتايل خيرجون من جمتمعاهتم وهم غي قادرين على إعالة أنفسهم يف اجملتمع األوسع‪ .‬إذاً بوسع‬
‫الدول املستقبلة ألولئك اخلارجني من جمتمعاهتم احمللية أن تقدم هلم الدعم بطرق خمتلفة‪ ،‬مثل توفي‬
‫املالجئ للنساء اخلارجات (والرجال) حيث يتم فيها توفي التعليم حىت يتسىن هلن الحقاً حتقيق االكتفاء‬
‫الذايت بوصفهن عضوات يف النسيج العام للمجتمع‪ .‬وقد يبدو أن اختيار دعم اخلارجني من جمتمعاهتم‬
‫يقوض قدرة الثقافة على احلفاظ على ذاهتا‪ .‬ولكن ال يفهم دعم اخلارجني على أنه إنكار حقوق احلفاظ‬
‫على الثقافة؛ بل ينبع اختيار القيام بذلك من التزام الدولة حبماية حقوق مجيع أعضائها مبن فيهم أكثر‬
‫الفئات ضعفاً‪ ،‬على أفضل وجه ممكن‪.‬‬

‫‪ ٦.٢‬حقوق عدم خسارة الثقافة‬

‫وينبغي التمييز بني احلق يف احلفاظ على الثقافة املوصوف أعاله وبني أحد احلقوق املختلف عنه اختالفاً‬
‫طفيفاً وهو احلق يف عدم اخلسارة القسرية للثقافة والذي يركز على احلفاظ يف احلاالت اليت تكون فيها‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪32‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اخلسارة احملتملة انمجة عن إكراه ممارس من قوى خارجية وتكون فيها اجملموعة الثقافية عاجزة نسبياً‬
‫إزاءها‪ .‬فيكون التغيي الثقايف بطبيعة احلال أمراً ال مفر منه بطريقة أو أبخرى – على النحو املبني أعاله‬
‫‪ -‬وال سيما إذا كان املرء ينظر للثقافة من منظور احلوار‪ ،‬فالثقافات غي اثبتة يف الواقع أبداً‪ .‬بل إن‬
‫املمارسات واألعراف والقيم اليت تعرف الثقافة يف وقت من األوقات قد تتوقف عن كوهنا معرفة مركزية‬
‫لتلك الثقافة يوماً ما‪ ،‬ويرجع ذلك لعدة أسباب منها االقتصادي والبيئي والسياسي‪ .‬لذا فإنه يف الواقع‬
‫ال مفر من اخلسارة الثقافية بقدر ما‪ ،‬وهذا أيضا ال يدعو لألسف دائماً‪ .‬إذ أهنا يف بعض األحيان تكون‬
‫استجابةً طبيعيةً لعوامل خارجية تقع خارج سيطرة الثقافة‪ ،‬وتكون أحياانً موضع ترحيب ألن التغييات‬
‫تؤدي إىل حتسني محاية حقوق اإلنسان أو إىل تقاليد وممارسات ثقافية أكثر مشوالً‪ .‬وقد ختتار اجملموعة‬
‫الثقافية تغيي أساليب إنتاجها املركزية استجابةً على سبيل املثال للعوامل البيئية املتغية‪ .‬ولذلك ‪ -‬وكما‬
‫زعم صاموئيل شيفلر (‪ -)Scheffler Samuel‬جيب رفض وجهة النظر اليت تدعم دعماً قوايً‬
‫احملافظة على الثقافة ‪ -‬واليت مفادها أن الثقافات جيب أن تكون مبنأى عن مجيع أشكال التغيي ‪-‬‬
‫(‪.)Scheffler 2007‬‬

‫ومع ذلك قد يكون لدى ثقافات األقليات يف بعض األحيان مطالبة وجيهة وهي أهنا غي قادرة على‬
‫محاية نفسها من التغيي الثقايف غي املرغوب فيه أو أهنا غي قادرة على التحكم يف وتية التغيي‪ .‬وابلتايل‬
‫قد حيق هلم احلصول على أشكال من الدعم الذي تقدمه الدولة ملساعدهتم على هتيئة الظروف املواتية‬
‫اليت ميكنهم مبوجبها مقاومة التغيي الثقايف غي املرغوب فيه‪ .‬فعندما تطلب األقليات اللغوية دعم الدولة‬
‫لالستمرار يف تعليم األطفال إبحدى لغات األقليات على سبيل املثال‪ ،‬يكون تربيرهم لذلك أحياان هو‬
‫محاية تلك اللغة من االضمحالل يف مواجهة الضغوط الرامية إىل اعتماد أو إتقان لغة األغلبية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪33‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وتركز األغلبية يف حاالت أخرى تركيزاً شديداً على تقويض ثقافات األقليات على مدى سنوات بل‬
‫وعقود‪ .‬فقد اتبعت الدول املستعمرة سياسات اإلابدة اجلماعية جملتمعات السكان األصليني ‪ -‬على‬
‫سبيل املثال ‪ -‬لغرض صريح وهو تقويض قدرهتا على البقاء كشعوب مميزة‪ .‬إن أحد العوامل الرئيسية يف‬
‫تقييم حاالت اخلسارة الثقافية هو ما إذا كان التحول قسرايً على األقليات‪ ،‬وليس ابلضرورة أن يكون‬
‫من خالل تغيي الظروف البيئية أو االقتصادية‪ ،‬بل عن طريق وكالء يعتزمون تقويض الثقافة من خالل‬
‫جتريدها من قيمتها بصورة نشطة ومن مث العمل على تقويض الظروف الالزمة الستمراريتها استمراراً‬
‫راسخاً‪ .‬إن العوامل اخلارجية الكيدية اليت تولد تغياً ثقافياً ‪ -‬مل يكن متوقعا لوال تلك العوامل – ال جتعل‬
‫من التغيي أمراً يؤسف له فحسب‪ ،‬بل تولد أيضاً قضية للتعويضات‪ ،‬مثالً فيما يتعلق مبجتمعات السكان‬
‫األصليني حيث توجد "أدلة على اتريخ من انتزاع امللكية أو التمييز أو اخلضوع" ( ‪Phillips 2018:‬‬
‫‪.)97‬‬

‫‪ ٧.٢‬حقوق الدفاع عن الثقافة‬

‫يستخدم املسيؤون أحياانً يف البيئات القانونية دفاعاً ثقافياً موضحني أن األعراف والقيم الثقافية لألقليات‬
‫‪ -‬واليت تتعارض مع أعراف وقيم األغلبية ‪ -‬ذات صلة سببية يف تفسي السبب الذي دفعهم إىل ارتكاب‬
‫خطأ ما‪ .‬وهبذا قد عومل الدفاع الثقايف يف بعض األحيان على أنه عامل خمفف مهم يف حتديد العقوبة‪.‬‬
‫ويربر احلق يف تقدمي دفاع ثقايف عادة أبمهية االعرتاف أبن األقليات ال تعمل دائماً وفقاً لنفس القيم‬
‫واألعراف املمثلة يف النظام القانوين لألغلبية‪ ،‬وأن هذه االختالفات تستحق النظر فيها يف اجملاالت‬
‫القانونية‪ .‬وقبلت األحكام القضائية يف السابق تفسيات مفادها ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬أن ما دفع‬
‫الرجال لقتل شركائهم اخلائنني هو مزيج من العار والغضب املرتبطني ابألعراف الثقافية‪ .‬فعلى سبيل املثال‬
‫قره‬
‫أن الرجال الذين زعموا أن "االغتصاب اجلماعي" (املعروف ثقافياً ابسم الزواج ابالختطاف) كانت ت ُّ‬
‫ثقافة اهلمونج على أنه وسيلة لتأمني زوجة ‪ -‬حبيث مل تكن النساء شريكات متواطئات فحسب‪ ،‬بل‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪34‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫كن يف الواقع شريكات راغبات يف ذلك ‪ -‬مل يعد مفهوماً بعد اآلن أهنم حيظون بدفاع يف الدعاوى‬
‫القانونية اليت تتهمهم ابالغتصاب (‪ .)Song 2005‬ومع ذلك فقد تناقصت قوة التفسيات "الثقافية"‬
‫يف اجملاالت القانونية الرئيسية مع مرور الوقت‪ ،‬حيث أصبحت الدول ترى أن كثي من هذه الدفاعات‬
‫تغطي يف الواقع املواقف األبوية واملسيئة للمرأة واليت ال تزال قائمة سواء عند بعض األقليات أو يف اجملتمع‬
‫األوسع‪.‬‬

‫وغالباً ما تكون الدفاعات "الثقافية" عن اجلرمية مبثابة معاملة للثقافة كما لو كانت كتلة متجانسة‪ ،‬وكما‬
‫لو أن اجلناة على ثقة بتفسيها بدالً من الضحااي‪ .‬ولكن " ال ميكن أن يعن احرتام الثقافة اإلذعان لكل‬
‫ما تراه سلطات الثقافة القائمة حقاً" (‪ .)Gutmann 2003: 46‬وعالوة على ذلك فإنه من‬
‫املمكن أن تتجاهل الضرورة العامة لـ "احرتام الثقافة" يف اجملاالت القانونية االختالفات بني أنواع التوقعات‬
‫الثقافية واليت قد ترتاوح بني األفعال املسموح هبا واألفعال املشجعة واألفعال الالزمة‪ ،‬واليت قد يعامل‬
‫بعضها فقط على أنه ذو أمهية قانونية (‪ .)Vitikainen 2015: 162‬وكذلك ميكن أن تسمح‬
‫وتشجع متثيل ثقافات األقليات (وخاصة غي الغربية) على أهنا قوالب منطية‪ ،‬وأن "حتشد الثقافة بطرق‬
‫تشجع بعبثية على التعميمات الواسعة عن األشخاص املنتمني إىل جمموعات ثقافية معينة" ( ‪Phillips‬‬
‫‪ .)2007: 81 & 99‬ويكمن اخلطر الذي ميثله القبول غي املشروط للدفاع الثقايف يف معاملة الثقافة‬
‫ابعتبارها شاملة حبيث أهنا تعامل أفرادها على أهنم غي قادرين على اختاذ قرارات مستقلة‪ .‬ولكن يعتقد‬
‫منتقدي الدفاع الثقايف بعدم صحته إذ أنه من املمكن للثقافة ‪ -‬جبانب العديد من العوامل األخرى ‪-‬‬
‫أن تشكل جزءاً من تفسي ممارسة األعمال اخلاطئة‪ ،‬ولكن جيب عليها "أال ختطئ أبداً يف احلقيقة‬
‫الكاملة" (‪.)Phillips 2007: 98‬‬

‫‪ ٨.٢‬حقوق االستخدام الثقايف احلصري (أو حقوق ضد االستيالء الثقايف)‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪35‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫مثة حق ثقايف أخي يطالب به البعض وهو احلق يف التحكم يف القطع األثرية الثقافية أو أشكال التعبي‬
‫الثقايف أو استخدام احملتوى الثقايف بشكل عام (‪ .)Matthes 2016‬ويعترب هذا احلق هو احلق‬
‫املطروح يف اخلالفات األخية اليت تركز على االستيالء الثقايف‪ ،‬ويعرف على أنه قيام طرف من غي‬
‫األعضاء ابستخدام "شيء ذا قيمة ثقافية‪ ،‬وعادة ما يكون رمزاً أو ممارسة لآلخرين" ( & ‪Lenard‬‬
‫‪ .)Balint 2020‬ومن بني األمثلة الشائعة على األفعال املتهمة ابالستيالء على الثقافة هي جتديل‬
‫البيض لشعرهم وارتداء مالبس السكان األصليني لعيد القديسني (اهلالوين) وارتداء العمائم يف األزايء‬
‫راقية وقيام مدربني ال ينتمون جلنوب آسيا بتعليم اليوغا‪ .‬ويتهم غي األعضاء يف مجيع هذه احلاالت بـ‬
‫"االستيالء" على ممارسة أو رمز ثقايف معني ليس هلم‪ .‬وبناء على هذا الرأي‪ ،‬فإن للثقافات حقوقاً حصرية‬
‫يف استخدام "منتجاهتا" الثقافية حسبما تراها مناسبة‪ ،‬وذلك ألنه يف كثي من األحيان يعتقد أن هذه‬
‫املمارسة حمورية ابلنسبة هلويتها‪ .‬وتعترب وجهة النظر هذه مثية للجدل‪ ،‬وكثياً ما يسخر منها أولئك الذين‬
‫يرون أن التاريخ هو جمرد اختالط ومشاركة للممارسات والرموز الثقافية مبا يف ذلك يف املأكوالت والفنون‬
‫واللباس واملمارسات الروحية؛ وتعامل سخريتهم هذه املطالبة ابحلقوق على أهنا تعتمد على فهم الثقافة‬
‫أبهنا اثبتة وال تتغي مبرور الزمن‪ ،‬وهو أمر غي دقيق اترخيياً وأيضاً غي مرغوب فيه‪ .‬ومن األفضل ابملثل‬
‫فهم القطع األثرية الثقافية الرئيسية أهنا تنتمي إىل "اإلنسانية"‪" :‬ليست الشعوب هي اليت جترب الفن‬
‫وتقدره‪ :‬بل إهنم الرجال والنساء" (‪.)Appiah 2009‬‬

‫ورمبا ال تنفذ الدولة احلق املطالب به ‪ -‬وهو االستخدام الكامل أو احلصري للممارسات أو الرموز املعرفة‬
‫للثقافة ‪ -‬على أفضل وجه‪ ،‬على الرغم من أن الدول ميكن أن تشارك يف ممارسات هتتم ابألضرار اليت‬
‫يزعم أهنا انجتة عن االستيالء الثقايف‪ .‬فعلى سبيل املثال ميكن للدعم املركزي للفنون على هيئة منح إلنتاج‬
‫أعمال فنية أن يكون حساساً جتاه من يطلب الدعم وماذا سينتج‪ ،‬وميكن أن يوجه التمويل إىل الفنانني‬
‫ينتمون لتقاليد معينة ويهدفون إىل إنتاج منتجات حمددة ثقافياً ويرفض ابلتايل (ما مل يقدم سبباً وجيهاً‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪36‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫جداً لذلك) دعم اجلهود اليت تبذهلا جهات ثقافية خارجية إلنتاج فن "داخلي" ( ;‪Rowell 1995‬‬
‫‪ .)J. O. Young 2008‬ويكون احلق املطالب به أقوى نسبياً عندما يكون جمتمع ثقايف معني‬
‫ضحية الختالل موازين القوة عندما يكون اجملتمع الثقايف قد طلب صراحة أن "ترتك" مجاعة األغلبية‬
‫ممارسة ما أو رمزاً معيناً‪ ،‬وعندما يستفيد أفراد جمتمع األغلبية من استخدام هذا الرمز أو املمارسة‬
‫(‪ .)Lenard & Balint 2020‬وكما هو احلال يف حاالت أخرى‪ ،‬يكون احلق الذي تطالب به‬
‫مجاعة ثقافية ما أقوى عندما يكون هناك استمرار لعدم املساواة بني األقليات صاحبة املطالبة وجمموعة‬
‫األغلبية‪.‬‬

‫‪ .٣‬مطالبات احلقوق الثقافية لألغلبية‬

‫حبث القسم الثاين يف مطالبات احلقوق الثقافية اليت تقدمها األقليات عادة‪ .‬كما تقدم جمموعات األغلبية‬
‫مطالبات ثقافية ال سيما فيما يتعلق ابستبعاد اآلخرين من أراضيها وكذلك فيما يتعلق مبا ميكن أن‬
‫يطالب به أولئك الذين مت قبوهلم‪.‬‬

‫‪ ١.٣‬حقوق االستمرارية الثقافية واالستبعاد‬

‫وأحد اجملاالت اليت تطالب فيها مجاعات األغلبية حبق ثقايف هو جمال اهلجرة‪ .‬وابلنسبة للبعض‪ ،‬ميكن‬
‫أن يكون حق الدول يف تشكيل ثقافتها سبباً مشروعاً الستبعاد اآلخرين بشكل عام وجمموعات حمددة‬
‫منهم أحياانً‪ .‬وكثياً ما يعزى هذا الرأي إىل مايكل والزر الذي يقول إن حق الدولة يف السيطرة على‬
‫حدودها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرهتا على‬

‫الدفاع عن احلرية والرفاهية وسياسة وثقافة جمموعة من الناس امللتزمني ببعضهم‬


‫البعض وحبياهتم املشرتكة (‪.)Walzer 1983: 39‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪37‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وهلذا فإن حق الدولة يف السيطرة على ثقافتها هو حق أساسي حلماية "وعيها اجلمعي"‪ ،‬كما جاء يف‬
‫القسم األول‪.‬‬

‫وقد واجه هذا االدعاء معارضةً من الكثي من الباحثني ألسباب متعددة‪ .‬ويتمثل أحد األسباب يف أن‬
‫االدعاء أبن الدولة قد تستبعد املهاجرين احملتملني ألسباب ثقافية كثياً ما كان ‪ -‬يف الواقع ‪ -‬حماولة‬
‫لسن تشريع متييزي يهدف إىل استبعاد املهاجرين الذين يقال إن معتقداهتم وممارساهتم تتعارض مع القيم‬
‫واألعراف املعرفة لثقافة األغلبية أو حىت تقوضها‪ .‬وكثياً ما كان االستبعاد القائم على ما يسمى ابألسباب‬
‫الثقافية هو مطالبة مفادها أبن الدولة تفضل أن تظل متجانسة ثقافياً ودينياً وطائفياً وعرقياً‪ .‬واترخيياً‬
‫اخنرطت الدول اخنراطاً صرحياً يف هذه املمارسات التمييزية املنبوذة حالياً‪ ،‬مبا يف ذلك على سبيل املثال‬
‫صيغ قوانني االستبعاد اآلسيوي اليت كانت سارية يف أمريكا الشمالية يف أوائل القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫وأيضاً تستحق العديد من القضااي اليت حدثت مؤخراً نفس االهتام مثل تنفيذ ما يسمى حبظر املسلمني‬
‫يف الوالايت املتحدة أو فيما يتصل ابلطلبات املقدمة أثناء ذروة األزمة يف سوراي (‪ )2015‬يف بعض‬
‫البلدان إبعطاء األولوية لالجئني املسيحيني على املسلمني (‪ .)Song 2018‬ولكن هناك رفض واسع‬
‫النطاق ‪ -‬سواء صراحةً أو ضمناً ‪ -‬بني املنظرين السياسيني للهجرة للسياسات التمييزية يف جمال اهلجرة‪،‬‬
‫حىت بني أولئك الذين يدافعون عن احلق العام للدول يف استبعاد املهاجرين والالجئني ألسباب عديدة‬
‫من بينها احلفاظ على الثقافة (‪.)Miller 2005‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪38‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وينبثق املصدر الثاين للمعارضة من شك أعم يف أن ثقافة األغلبية ‪ -‬حىت ولو كانت قيمة حقاً ألعضائها‬
‫‪ -‬جيب أن تعامل مبا يكفي على أهنا تستوجب استبعاد املهاجرين وخاصة احملتاجني منهم (استعيت‬
‫صيغة الضرورة من ‪ .)Song2018‬وحىت لو مت التسليم أبن الثقافة قيمة ابلنسبة لألغلبية‪ ،‬فإن العديد‬
‫من العلماء يعتقدون أن محايتها ال ميكن أن تستوجب استبعاد من هم يف أمس احلاجة لألمن أو العيش‪.‬‬

‫ولكن على افرتاض أن هناك من يدافع عن وجهة النظر القائلة أبن الثقافة من املمكن أن تساهم ‪ -‬على‬
‫األقل يف بعض احلاالت ‪ -‬يف استبعاد املهاجرين‪ ،‬فهناك ما يدعو ألن تعامل الدولة على أهنا متتلك‬
‫احلق يف االستمرارية الثقافية (‪ .)Miller 2005‬ويبدو هذا احلق املطالب به إىل حد ما يشبه احلق‬
‫يف احلفاظ على الثقافة (أو عدم خسارة الثقافة) املشار إليها أعاله‪ ،‬وهو ال يربز األبعاد العاطفية لتعلق‬
‫األغلبية بثقافتها بقدر ما يربز تفسيها العملي‪ .‬وبناءً على هذا الرأي‪ ،‬فإن أي دولة بعينها واليت تعرفها‬
‫"ثقافة عامة مشرتكة"‪ ،‬وألهنا مشرتكة فهي تعزز الثقة اليت تعتمد عليها الدول الدميقراطية يف السعي إىل‬
‫حتقيق أهداف سياسية واجتماعية مشرتكة‪ .‬ليس هناك قيمة خاصة يف حد ذاهتا تشكل ثقافة عامة‬
‫مشرتكة‪ ،‬بل إن املزج بني جمموعة من القيم واألعراف واملمارسات اليت تنتج "ثقافتنا" هو القيم‪ ،‬ويف‬
‫وجودها تكون الثقة أعلى؛ وكذلك ابلتايل االستعداد للتعاون لدعم السياسات اليت تتطلب بعض‬
‫التضحية‪ ،‬منها على سبيل املثال االلتزام إبعادة توزيع السياسات االجتماعية اليت تعود ابلنفع خاصةً‬
‫على من هم أشد حاجةً (انظر على سبيل املثال مقاالت ‪.)Gustavsson & Miller 2019‬‬
‫ولذلك ‪ -‬وفقاً ملن يدافعون عن هذه اآلراء – ال تعترب الدولة اليت تسعى إىل فرض السيطرة على القبول‬
‫متذرعةً أبسباب "ثقافية" عنصرية وال متييزية‪ ،‬بل تسعى إىل قبول خاضع للرقابة (بدال من احلدود املغلقة)‬
‫حىت يتمكن الوافدون اجلدد ‪ -‬خالل فرتة زمنية كافية ‪ -‬من تبن ما يكفي من جمموعة القيم واألعراف‬
‫واملمارسات املعرفة‪ ،‬ليتمكنوا من تربير وتوسيع نطاق الثقة اليت تقوم عليها السياسات اليت متثل هذه‬
‫السلع ذات القيمة املوضوعية‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪39‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ ٢.٣‬حقوق االستمرارية الثقافية وفرض االندماج‬

‫وعادة ما تستخدم الدول اليت تدافع عن حق االستمرارية الثقافية على مستوى القبول يف الدولة احلق يف‬
‫اعتماد وفرض سياسات "االندماج" اليت تشجع الوافدين اجلدد على تبن أعراف وقيم األغلبية‪ ،‬حبجة‬
‫أنه كلما تسارعت وتية هذا التبن‪ ،‬كلما زاد القبول نفسه‪ .‬وتطلب سياسات االندماج من الوافدين‬
‫اجلدد تبن أعراف وممارسات األغلبية‪ ،‬بينما تطلب سياسات االستيعاب من األغلبية استيعاب‬
‫املمارسات املميزة عن تلك اليت تعرف ثقافة األغلبية‪ .‬وبناءً على هذه النظرة التقليدية املتعددة الثقافات‪،‬‬
‫فإن العملية اليت يتم من خالهلا قبول املهاجرين يف أراضي الدولة مث انضمامهم إىل العضوية عبارة عن‬
‫شارع "ذو اجتاهني"‪ ،‬يتطلب تكيف كالً من الوافدين اجلدد والدولة املضيفة هلم مع بعضهم البعض‬
‫)‪.(Kymlicka 1998‬‬

‫هل طلب اندماج الوافدين اجلدد ثقافياً يعد طلباً معقوالً؟ هل من املعقول أن نطلب من املهاجرين تبن‬
‫األعراف والقيم واملمارسات املركزية للثقافة اليت انضموا إليها (سنغض النظر هنا عن االندماج االقتصادي‬
‫والسياسي)؟ نالحظ أنه يف أدبيات السياسة وعلم االجتماع يف جمال دمج اهلجرة يتم التمييز عادة بني‬
‫االندماج (ثقافياً) عن االستيعاب‪ ،‬حيث يركز األول على الرتحيب ابلوافدين اجلدد مبجموعات مميزة من‬
‫األعراف والقيم اليت تنتقل معهم (وابلتايل استيعاهبم حيثما أمكن)‪ ،‬ويطلب األخي املهاجرين أبن يتبنوا‬
‫أكرب قدر ممكن من جمموعة األعراف والقيم املركزية للمجتمع املضيف (‪Brubaker 2001‬؛ انظر‬
‫أيضاً ‪ .)Modood 2007‬ولكن يف أدبيات النظرية السياسية بشأن التعددية الثقافية من املقبول‬
‫على نطاق واسع أن الطلب على االستيعاب الكامل يعد معيارايً إشكالية (فهو يتطلب أن يتخلى قدر‬
‫كبي من املهاجرين عن اترخيهم وهويتهم‪ ،‬على أنه جزء من االنضمام إىل جمتمع جديد)‪ ،‬ولكن من‬
‫املسموح به تقدمي شكل من أشكال التشجيع على االندماج‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪40‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ولكن ما إذا كانت طلبات االندماج مسموح هبا فيستند ذلك على أمرين مرتابطني على األقل‪ :‬األول‬
‫يتعلق مبضمون الثقافة العامة املشرتكة‪ ،‬والثاين يتعلق إبمكانية الوصول إىل األماكن اليت يتم فيها تداول‬
‫مضمون هذه الثقافة العامة‪ .‬يعترب احليز الذي جيري فيه التداول بشأن ثقافة ما غي متبلور وواسع‪ .‬يتسم‬
‫مصدر األعراف واملمارسات والقيم الرئيسية بتعدد جوانبه‪ :‬فبعضها اترخيي‪ ،‬وبعضها يتبىن عمداً من‬
‫خالل العمليات السياسية‪ ،‬وبعضها يتبىن عرضياً استجابة للظروف الطارئة‪ .‬واملطالبة أبن يدمج الوافدون‬
‫اجلدد ‪ -‬مبعىن اعتماد أعراف وممارسات ثقافة األغلبية بدرجة معقولة على األقل ‪ -‬هي مطالبة ميكن‬
‫الدفاع عنها دفاعاً أكرب يف احلاالت اليت تكون فيها إمكانية الوصول إىل األماكن اليت يتداولون فيها‬
‫عمومية وابلتايل تكون مفتوحة لكثي من األصوات‪ .‬ويشكل املعىن الدقيق لـ "إمكانية الوصول" إىل‬
‫أماكن غي واضحة املعامل‪ ،‬والدخول إليها ال يتم رصده أو مراقبته بشكل رمسي‪ ،‬حتدايً يف حتديد ماهيته‪.‬‬
‫ولكن النقطة الرئيسية هنا هي أنه ميكن وصف الثقافات أبهنا متاحة للجمهور بقدر ما ترحب أبصوات‬
‫جديدة ـ يف وسائل اإلعالم العامة ويف اجملاالت السياسية وما إىل ذلك ــ‪ .‬فهناك ابلتايل صلة بني شرعية‬
‫الطلب اباللتزام أبعراف وممارسات ثقافة األغلبية – ابعتبارها جزء من عملية االندماج – وبني الوصول‬
‫احلقيقي للوافدين اجلدد إىل اجملاالت اليت يتداولون فيها‪.‬‬

‫وأستعي عند النظر يف السؤال الثاين ‪ -‬فيما يتصل مبضمون الثقافة العامة املشرتكة لألغلبية ‪ -‬من أدبيات‬
‫النظرية السياسية للقومية (رغم أنن ال أعتقد أن لغة القومية يف حد ذاهتا ضرورية لتقدير أمهيتها يف‬
‫املناقشة هنا)‪ .‬وميكن تعريف الثقافة من خالل مسات شاملة بشكل أو آبخر‪ .‬وحيثما تكون الثقافات‬
‫حمددة بسمات تستخدم عادة لوصف األمم اإلثنية مبا يف ذلك التاريخ والدين واإلثنية‪/‬العرق املشرتكة‪،‬‬
‫فلن يكون من السهل على الوافدين اجلدد االنضمام إليها واالعرتاف هبم أعضاء كاملي العضوية‪ .‬ومن‬
‫عرف الثقافات من خالل مسات تستخدم عادة لوصف األمم املدنية مبا يف ذلك‬
‫جهة أخرى عندما ت َّ‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪41‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫االلتزام املشرتك ابملؤسسات السياسية وااللتزام عادة ابملبادئ الدميقراطية الليربالية‪ ،‬فإهنا تكون أكثر ترحيباً‬
‫ابلوافدين اجلدد‪ .‬ويف اللغة اليت سبق اعتمادها يف هذا املدخل‪ ،‬من األرجح أن الثقافات اليت تعرفها‬
‫مسات حصرية تعامل الثقافة على أهنا شاملة‪ ،‬يف حني أن الثقافات اليت تتبىن مسات شاملة وتشدد على‬
‫إمكانية الوصول إىل املنتدايت اليت يتم فيها تداول حمتواها تعامل الثقافة من منظور احلوار أو اهلوية‪ .‬ومع‬
‫ذلك فإنه ليس من الضروري أن يكون هذا هو احلال‪ ،‬ألن أولئك الذين يتعاملون مع الثقافة من منظور‬
‫احلوار قد يعتقدون مع ذلك أن العناصر الرئيسية من اتريخ أو دين تشكل أمهية مركزية هلا (مع أهنم‬
‫مستعدون للتداول حول مدى مالءمة هذه العناصر ابعتبارها عناصر مركزية)‪ ،‬وابملثل ميكن صياغة‬
‫اهلوايت على أساس السمات االستبعادية‪.‬‬

‫وتركز الطريقة أخرى يف تعريف الشمولية على مدى قدرة الوافدين اجلدد على تبن األعراف واملمارسات‬
‫والقيم الرئيسية للثقافة من دون التخلي عما يقدرونه (‪ .)Lenard 2019‬واألمر األساسي هنا هو‬
‫أن حتديد اخلطوط العامة املسموح هبا لثقافة شاملة ميكن أن يفيد ‪ -‬يف الوقت نفسه ‪ -‬يف متييزها عن‬
‫الثقافات األخرى بطرق تعاجل ما أمساه الفالسفة مبشكلة "اخلصوصية"‪ .‬وإذا مل يتم تعريف الثقافات إال‬
‫اباللتزام ابملبادئ الدميقراطية الليربالية واملؤسسات اليت متثلها‪ ،‬فإن أي شخص سيلتزم ابلضرورة أبي دولة‬
‫يتم تعريفها على هذا النحو‪ .‬ولكن هذا االستنتاج ال يوضح حقيقة مفادها أن العديد من املواطنني‬
‫مرتبطون بتفسي دولتهم هلذه القيم ـ حيث يتم تبن واحرتام ودعم املبادئ الدميقراطية الليربالية األساسية‬
‫واجملردة‪ ،‬ومبعىن آخر بطريقة حمددة ثقافياً‪ .‬ومن املهم إذاَ ترسيم حدود احملتوى الثقايف املسموح به واليت‬
‫ميكن أن تشمل االعرتاف ابللحظات التارخيية الرئيسية أو احملاداثت السياسية أو الرموز الثقافية‪ .‬وال‬
‫تستطيع أي دولة أن تطلب من الوافدين اجلدد بتوجيه التزامهم العاطفي نو دولتهم اجلديدة؛ ولكنها‬
‫ميكن أن تنقل نقالً معقوالً معلومات عن العالمات الثقافية الرئيسية اليت ميكن تعلمها‪ ،‬وتشجع الوافدين‬
‫اجلدد على تبن املمارسات واألعراف املرتبطة هبا‪ ،‬وأتمل أن يتحول تعريفهم العاطفي مع مرور الوقت‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪42‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫إىل الدولة املضيفة ‪ -‬جزئياً على األقل ‪ .)Carens 2005( -‬ميكن للدولة املضيفة أن تشجع على‬
‫اندماج الوافدين اجلدد شريطة أن يكون احملتوى الثقايف العام للدولة املضيفة متاحاً بقدر معقول‪ ،‬وأن‬
‫تكون املنتدايت اليت جيري فيها التداول متاحة بقدر معقول أيضاً‪ .‬وقد يكون أمثل وجه لفهم هذا احلق‬
‫هو فهمه على أنه مشتق من احلق يف االستمرارية الثقافية الذي تطالب به الدول فيما يتعلق ابهلجرة‪،‬‬
‫والذي جيوز املطالبة به فقط إذا ما استوفيت شروط إمكانية الوصول املذكورة أعاله‪.‬‬

‫وبطبيعة احلال ال يتفق مجيع العلماء على هذه النقطة‪ ،‬ويرفض بعضهم رفضاً قاطعاً االقرتاح القائل أبنه‬
‫ميكن أن يطلب من الوافدين اجلدد تقدمي تنازالت لثقافة الدولة اليت انضموا إليها‪ .‬إن هؤالء الذين يتبنون‬
‫متغيات بشأن وجهة النظر هذه يتعاملون مع ثقافة األغلبية ابعتبارها دائماً متجانسة وقمعية على نو‬
‫ال حيرتم الوافدين اجلدد‪ ،‬ويتعاملون مع طلب االندماج جبانب بعض األبعاد على األقل ابعتبارها أشكال‬
‫"تنظيف" متنوعة من سياسات اهلجرة التمييزية والعنصرية اليت انتهجت يف املاضي ‪(Abizadeh‬‬
‫)‪ .2002‬ويشكل هذا قلقاً حقيقياً‪ .‬عندما طلبت هولندا من املهاجرين احملتملني القادمني من دول‬
‫ذات غالبية إسالمية مشاهدة شريط فيديو واجتياز اختبار جملرد الدخول إىل أراضيها ـ وهو فيديو أظهر‬
‫رجال مثليني يقبلون بعضهم وامرأة عارية الصدر ـ ومت شجب هذا الفيديو على نطاق واسع لقصده‬
‫التمييزي‪ ،‬بدالً من أن يكون (كما زعم) حماولة لضمان قدرة املهاجرين على تبن القيم الليربالية اليت‬
‫يفرتض أن تتسم هبا ثقافة البلد‪ .‬وعموماً جيب إنعام النظر يف مدى معقولية آليات تشجيع تعلم وتبن‬
‫قيم األغلبية الثقافية‪ ،‬ابإلضافة إىل حمتواها الفعلي كما هو مبني أعاله‪ ،‬والعواقب املرتتبة على عدم القيام‬
‫بذلك‪ .‬ومن املؤكد أن هذا التقييم يعد أمراً معقداً‪ ،‬وما جيعله أكثر تعقيداً هو بسبب أن يف العديد من‬
‫حاالت اهلجرة (إن مل يكن أغلبها) يكون الوافدين اجلدد احملتملني يف حالة ضعف أمام الدولة املضيفة‪:‬‬
‫واهتمامهم ابحلصول على إذن للدخول إىل الدولة قوي جداً‪ ،‬ولذلك فإهنم يف كثي من احلاالت سيقبلون‬
‫احملاوالت اجلائرة اليت جتربهم على االندماج دون شكوى‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪43‬‬


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .٤‬اخلامتة‬

‫وتزعم كل من جمموعات األقليات (اليت يكون العديد منها جمموعات مهاجرة) وجمموعات األغلبية أن‬
‫"الثقافة" مهمة وتستحق االستيعاب بطرق شىت‪ .‬وقد بدأ هذا املدخل بدراسة الطرق املتعددة اليت تفهم‬
‫هبا الثقافة‪ ،‬وذلك لتفكيك الطرق اليت يتم استخدامها عند املطالبة حبقوق ثقافية حمددة‪ .‬ومن اجلدير‬
‫مالحظة أن هذه املطالبات الثقافية ‪ -‬من كال اجلانبني ‪ -‬كثياً ما تكون مرتبطة ببعضها البعض‪ :‬تطلب‬
‫أقلية ما حبق ثقايف معني وتتجاوب األغلبية مع هذا الطلب من خالل املطالبة حبق ثقايف خمتلف‪ .‬ويف‬
‫كثي من احلاالت‪ ،‬فإن اختيار احرتام احلقوق الثقافية املطالب هبا أو جتاهلها يصاغ يف إطار األثر الذي‬
‫سيخلفه ذلك على ثقافة األغلبية‪ ،‬مثل القول أبن ممارسة معينة يطلب استيعاهبا تتعارض مع ثقافة‬
‫األغلبية بشكل عام‪ ،‬أو أحياانً على وجه التحديد مع ممارسة أو عرف معني يعتقد أنه ذا أمهية خاصة‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال قدمت هذه املطالبة األخية يف فرنسا أثناء "قضية غطاء الرأس" ـ منع حق الفرد يف‬
‫تغطية رأسه ابعتباره مظهراً من مظاهر االلتزام الدين اإلسالمي (أو اليهودي) إذ اعترب أنه خيرتق االلتزام‬
‫الفرنسي ابلعلمانية (‪.)Laborde 2008; Benhabib 2004‬‬

‫وقد حاول هذا املدخل توفي املصادر الضرورية للفصل يف هذه الصراعات بطرق أتخذ على حممل اجلد‬
‫أولئك الذين يطالبون ابحلقوق الثقافية وأولئك الذين يقاومون احرتامها‪ .‬وأنمل أن تستفيد النظرية‬
‫السياسية يف املستقبل من هذا التصنيف لتحديد االستنتاجات املرضية عند نشأة هذه الصراعات‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪44‬‬


12/12/2021
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫المراجع‬
• Abizadeh, Arash, 2002, “Does Liberal Democracy Presuppose a Cultural
Nation? Four Arguments”, American Political Science Review, 96(3): 495–509.
doi:10.1017/S000305540200028X
• Appiah, Kwame Anthony, 2009, “Whose Culture Is It, Anyway?”, in Cultural
Heritage Issues: The Legacy of Conquest, Colonization and Commerce, edited
by James A. R. Nafziger and Ann Nicgorski, Leiden: Brill, 207–21.
• Bakht, Natasha, 2007, “Religious Arbitration in Canada: Protecting Women by
Protecting Them from Religion”, Canadian Journal of Women and the Law,
19(1): 119–144.
• Barry, Brian, 2001, Culture and Equality: An Egalitarian Critique of
Multiculturalism, Cambridge, MA: Harvard University Press.
• Benhabib, Seyla, 2002, The Claims of Culture: Equality and Diversity in the
Global Era, Princeton, NJ: Princeton University Press.
• –––, 2004, The Rights of Others: Aliens, Residents, and Citizens, Cambridge,
UK: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511790799
• Borchers, Dagmar and Annamari Vitikainen (eds.), 2012, On Exit:
Interdisciplinary Perspectives on the Right of Exit in Liberal Multicultural
Societies, Berlin, Boston: De Gruyter. doi:10.1515/9783110270860
• Brubaker, Rogers, 2001, “The Return of Assimilation? Changing Perspectives
on Immigration and Its Sequels in France, Germany, and the United
States”, Ethnic and Racial Studies, 24(4): 531–548.
doi:10.1080/01419870120049770
• Burtt, Shelley, 1994, “Religious Parents, Secular Schools: A Liberal Defense of
an Illiberal Education”, The Review of Politics, 56(1): 51–70.
doi:10.1017/S0034670500049500
• Carens, Joseph, 2005, “The Integration of Immigrants”, Journal of Moral
Philosophy, 2(1): 29–46. doi:10.1177/1740468105052582
• Casals, Neus Torbisco, 2006, Group Rights as Human Rights: A Liberal
Approach to Multiculturalism, (Law and Philosophy Library 75), Dordrecht:
Kluwer Academic Publishers. doi:10.1007/1-4020-4209-4

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 45


12/12/2021
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Deveaux, Monique, 2007, Gender and Justice in Multicultural Liberal States,


Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/acprof:oso/9780199289790.001.0001
• Dhamoon, Rita, 2006, “Shifting From ‘Culture’ to ‘the Cultural’: Critical
Theorizing of Identity/Difference Politics”, Constellations, 13(3): 354–373.
doi:10.1111/j.1467-8675.2006.00406.x
• Eisenberg, Avigail, 2009, Reasons of Identity: A Normative Guide to the
Political and Legal Assessment of Identity Claims, Oxford: Oxford University
Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199291304.001.0001
• Fraser, Nancy, 1995, “Recognition or Redistribution? A Critical Reading of Iris
Young’s Justice and the Politics of Difference”, Journal of Political Philosophy,
3(2): 166–180. doi:10.1111/j.1467-9760.1995.tb00033.x
• Ghosh, Cyril, 2018, De-Moralizing Gay Rights: Some Queer Remarks on LGBT+
Rights Politics in the US, Cham, Switzerland: Palgrave Macmillan.
doi:10.1007/978-3-319-78840-1
• Gustavsson, Gina and David Miller (eds.), 2019, Liberal Nationalism and Its
Critics: Normative and Empirical Questions, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/oso/9780198842545.001.0001
• Gutmann, Amy, 2003, Identity in Democracy, Princeton, NJ: Princeton
University Press.
• Holzleithner, Elisabeth, 2012, “Interrogating Exit in Multiculturalist
Theorizing: Conditions and Limitations”, in Borchers and Vitikainen 2012: 13–
33. doi:10.1515/9783110270860.13
• Kukathas, Chandran, 1992, “Are There Any Cultural Rights?”, Political Theory,
20(1): 105–139. doi:10.1177/0090591792020001006
• –––, 2012, “Exit, Freedom and Gender”, in Borchers and Vitikainen 2012: 34–
56. doi:10.1515/9783110270860.34
• Kymlicka, Will, 1996, Multicultural Citizenship: A Liberal Theory of Minority
Rights, Oxford: Oxford University Press.
• –––, 1998, Finding Our Way: Rethinking Ethnocultural Relations in Canada,
Toronto: Oxford University Press.
• Laborde, Cecile, 2008, Critical Republicanism: The Hijab Controversy and
Political Philosophy, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/acprof:oso/9780199550210.001.0001
• Lenard, Patti Tamara.,2012, Trust, Democracy and Multicultural Challenges,
University Park, PA: Pennsylvania University State Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 46


12/12/2021
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• –––, 2019, “Inclusive Identities: The Foundation of Trust in Multicultural


Communities”, in Gustavsson and Miller 2019: 155–171.
doi:10.1093/oso/9780198842545.003.0009
• Lenard, Patti Tamara and Peter Balint, 2020, “What Is (the Wrong of) Cultural
Appropriation?”, Ethnicities, 20(2): 331–52. doi:10.1177/1468796819866498
• Levy, Jacob, 2000, Multiculturalism of Fear, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/0198297122.001.0001
• Margalit, Avishai and Moshe Halbertal, 1994, “Liberalism and the Right to
Culture”, Social Research: An International Quarterly, 61(3): 491–510.
• Margalit, Avishai and Joseph Raz, 1990, “National Self-
Determination”:, Journal of Philosophy, 87(9): 439–461. doi:10.2307/2026968
• Matthes, Erich Hatala, 2016, “Cultural Appropriation Without Cultural
Essentialism?”, Social Theory and Practice, 42(2): 343–366.
doi:10.5840/soctheorpract201642219
• Mcbride, Cillian, 2009, “Demanding Recognition: Equality, Respect, and
Esteem”, European Journal of Political Theory, 8(1): 96–108.
doi:10.1177/1474885108096962
• Miller, David, 2005, “Immigration: The Case for Limits”, in Contemporary
Debates in Applied Ethics, Andrew Cohen and Christopher Wellman (eds),
Malden: Blackwell Publishers, 193–207.
• –––, 2016, “Majorities and Minarets: Religious Freedom and Public
Space”, British Journal of Political Science, 46(2): 437–456.
doi:10.1017/S0007123414000131
• Modood, Tariq, 2007, Multiculturalism: A Civic Idea, Cambridge, UK: Polity
Press.
• Moore, Margaret, 1999, “Beyond the Cultural Argument for Liberal
Nationalism”, Critical Review of International Social and Political Philosophy,
2(3): 26–47. doi:10.1080/13698239908403282
• –––, 2019, “Liberal Nationalism and the Challenge of Essentialism”, in
Gustavsson and Miller 2019: 188–202.
doi:10.1093/oso/9780198842545.003.0011
• Okin, Susan Moller, 1999, Is Multiculturalism Bad for Women? Princeton, NJ:
Princeton University Press.
• Parekh, Bhikhu, 2000, Rethinking Multiculturalism: Cultural Diversity and
Political Theory, Basingstoke: Macmillan Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 47


12/12/2021
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Parvin, Phil, 2008, “What’s Special About Culture? Identity, Autonomy, and
Public Reason”, Critical Review of International Social and Political
Philosophy, 11(3): 315–233. doi:10.1080/13698230802276447
• Patten, Alan, 2014, Equal Recognition: The Moral Foundations of Minority
Rights, Princeton, NJ: Princeton University Press.
• Phillips, Anne, 2007, Multiculturalism without Culture, Princeton, NJ:
Princeton University Press.
• –––, 2010, “What’s Wrong with Essentialism?”, Distinktion: Journal of Social
Theory, 11(1): 47–60. doi:10.1080/1600910X.2010.9672755
• –––, 2018, “What Makes Culture Special?”, Political Theory, 46(1): 92–98.
doi:10.1177/0090591717696023
• Quong, Jonathan, 2006, “Cultural Exemptions, Expensive Tastes, and Equal
Opportunities”, Journal of Applied Philosophy, 23(1): 53–71.
doi:10.1111/j.1468-5930.2006.00320.x
• Rowell, John, 1995, “The Politics of Cultural Appropriation”, Journal of Value
Inquiry, 29(1): 137–142.
• Scheffler, Samuel, 2007, “Immigration and the Significance of
Culture”, Philosophy & Public Affairs, 35(2): 93–125. doi:10.1111/j.1088-
4963.2007.00101.x
• Shachar, Ayelet, 2001, Multicultural Jurisdictions: Cultural Differences and
Women’s Rights, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
doi:10.1017/CBO9780511490330
• Sniderman, Paul M. and Louk Hagendoorn, 2007, When Ways of Life Collide,
Princeton, NJ: Princeton University Press.
• Song, Sarah, 2005, “Majority Norms, Multiculturalism, and Gender
Equality”, American Political Science Review, 99(4): 473–489.
doi:10.1017/S0003055405051828
• –––, 2009, “The Subject of Multiculturalism: Culture, Religion, Language,
Ethnicity, Nationality, and Race?”, in New Waves in Political Philosophy,
Boudewijn de Bruin and Christopher F. Zurn (eds.), London: Palgrave
Macmillan UK, 177–197. doi:10.1057/9780230234994_10
• –––, 2018, Immigration and Democracy, Oxford: Oxford University Press.
doi:10.1093/oso/9780190909222.001.0001
• Spinner-Halev, Jeff, 2000, Surviving Diversity: Religion and Democratic
Citizenship, Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 48


12/12/2021
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Tully, James, 1995, Strange Multiplicity: Constitutionalism in the Age of


Diversity, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
• Vitikainen, Annamari, 2015, The Limits of Liberal Multiculturalism: Towards
an Individuated Approach to Cultural Diversity, London: Palgrave Macmillan
UK. doi:10.1057/9781137404626
• Walzer, Michael, 1983, Spheres of Justice: A Defense of Pluralism and
Equality, New York: Basic Books.
• Young, Iris Marion, 2004, “Two Concepts of Self-Determination”, in Ethnicity,
Nationalism, and Minority Rights, Stephen May, Tariq Modood, and Judith
Squires (eds.), Cambridge, UK: Cambridge University Press, 176–196.
doi:10.1017/CBO9780511489235.009
• Young, James O., 2008, Cultural Appropriation and the Arts, Malden, MA:
Blackwell.

‫أدوات أكاديمية‬
How to cite this entry.

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

‫مصادر أخرى على اإلنترنت‬


• Sikh Faith FAQs, World Sikh Organization of Canada.

‫مداخل ذات صلة‬


citizenship | cultural heritage, ethics of | culture: and cognitive
science | identity | multiculturalism | rights: group

Acknowledgments
I would like to thank Matthias Hoesch, Margaret Moore, and Stéfanie Morris for
comments on an earlier draft of this entry.

Copyright 2021© ‫حكمة‬ 49


‫‪12/12/2021‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ i‬على القارئ المسلم الرجوع لمصادر التشريع اإلسالمي لمعرفة شرعية القضايا المطروحة في هذا المقال (المترجمة)‪.‬‬

‫حكمة ©‪Copyright 2021‬‬ ‫‪50‬‬

You might also like