Professional Documents
Culture Documents
من ابرز الروايات التي اشتهر بها الكاتب والتي سنتطرق لها في هذا الفصل هي :
تدور أحداث بعض روايات 1الكاتب الرملي في إحدى القرى التابعة لمحافظة الموصل ،وهذه القرية تكاد أن
تكون القرية نفسها التي تناولها في روايتيه( :أصابع التمر) و (الفتيت المبعثر) .ولعل تكرار وقوع 1أحداث
رواياته في قرى تتشابه بعضها مع البعض ،دليل واضح على أنه يستمد أحداث رواياته من واقع حياة قريته
(سدرة) التابعة لقضاء الشرقاط ،حيث تدور 1أحداثها حول ثالثة أصدقاء هم عبدهللا كافكا ،إبراهيم القسمة،
()١
وطارق 1المندهش ،الذين تجمع بينهم صداقة قوية منذ صغرهم 1،إذ ولدوا الثالثة في العام نفسه 1959م.
وهي الرواية الحائزة على جائزة اركنسا األمريكية ،وعلى الرغم من حجمها الصغير فإن القيمة الفنية لهذه
الرواية مهمة جدا ،والسرد 1فيها متشعب واال يوجد فيها بطل واحد ،لذلك يتصف المعمار السردي 1بالتشظي،
وهناك تهشيم في وحدة الحكاية ،لجل تبدو مجموعة من ،الحكايات لكن حيث تخلو من رابط قوي بين
الشخصيات واألحداث "الحكايات الحزينة مملومة في العراق لكثرتها 1حيث لكل إنسان هناك مصيبته التي
كف عن حكيها الن للسامع مصيبته أيضا" صفة السردية عند محسن الرملي عابرة للحدث حيث تندمج فيها
لغة التسجيل والتوثيق في البناء الفني للكتابة السردية "األبواب في القرية مفتوحة والكالب ال تنبح إال على
الغرباء .لألشياء هناك أسماء خاصة ،الحيوانات واألواني 1واألحجار والغيوم )٢( 1.للناس أسماء كثيرة ،منها ما
يطلق بعد حادثة ويشتهر ،أو يقال مزحة ويستم رمن الناس من ينسى الناس اسمه حين ينادي على مناداته بأبن
فالن أو فالنة أو زوج فالنة.
خطوط السرد عند السارد تبدو 1متشابكة وخضعت جميع الشخصيات لسلطة السارد لمعرفته لكل شيء رغم
تعدد مستويات السرد ،وهناك تالعب بالزمن يخلق المتعة لدى المتلقي ،فحكاية عجيل مع أبره القنفذ في
بلعوهم ،وقصص ولده "قاسم" 1وأحفاده "إبراهيم ،وإدريس وشيماء" 1وزوجته سليطة اللسان "حسيبة" أبنة
عمه وحكاية "بياض ذراعها" وال تخلو السردية من األثارة الجنسية "في تلك اللحظة اندفعت حسيبة من
مرحاضهم 1راكضة نحو باب الدار فطار شعرها 1في الهواء ،ترجرج صدرها ،التمعت ذراعها البيضاء
وأوصدت الباب خلفها بعنف ..أيعقل أن يكون لون اللحم أبيض إلى هذا الحد؟! بضا إلى هذا الحد؟! ..أيكون
()٣
الذي يجري تحت جلدها حليبا أو لبنا أو سما وليس دما؟.
الغرائبية في الشخصيات:
يركز الروائي 1على خلق شخصيات تملك روح الدعابة ،شخصيات غرائبية فهو يصف كل شيء يستحسنه
بهذه الكلمة ،وال يعجبه سلوك قاسم 1وسعدي "ليسا نشن ألنهما هربا من" الجيش عند اشتداد الحرب!! الن قاسم
فنان وخياله واسع فقد ) نسي نفسه يوما كآمال إث11ر رؤيت11ه ل11ذراع "حس11يبة " ول11ه موق11ف من الح11روب ل11ذلك
هرب من الجيش حتى تعرض الى اإلعدام "أنه يرفض الحروب جملة وتفصيال ،إنها ال تنسجم وميوله الفني11ة،
يري111د أن يقت111ل أو يقت111ل ،وم111ا يح111دث مهزل111ة ال .يوسف ،مسيرة الرملي ص((١) )١٤٢
محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ٢((.) ١٥٨
أن111111ه ال
()٤
يستسيغها1.
السرد لدى الرملي ال يتفصل فيه الشكل عن المضمون فه11و يجم11ع بين االث11نين في أس11لوب نس11تطيع أن نطل11ق
عليه المعمار الفني للرواية" وهو دائما يستخدم الجديد في عملية الس11رد ليش11د المتلقي مع1ه من دون اإلحس11اس
" بالملل" وإذا كان لكل فرد في العائلة ،بل وفي القرية ،كلمة ترتبط به بش11كل م11ا .كم11ا ان11ه اس11تخدم تص11ريف1
األفعال من اجل جعل المتلقي يركز على المواقف 1والشخصيات 1فتكون عبارته كما يلي :
.الزعبي ،التناص نظريا وتطبيقيا ص ((٣) )٤٢-٤١
المصدر السابق (ص ٤((.) ١٨
أما محمود ،فهذا الولد يحيره\ يحيرنا\ يحيركم 1..ألنه غالبا ما ينساه\ ننساه\ تنسونه\ وينسى 1نفسه ،ولعل أبلغ ما
يقال فيه ما قاله والده :إنه ال ش11يء ..ه11ذا الول11د ال ش11يء على االطالق ...إن11ه آدمي ب11ال ظ11ل ،ولكن11ه رقم في
تعداد السكان وكان يمكن ان يضع السارد كلمة واحدة تدل على الجميع حينما يستخدم الضمير لكنه متقص11د ان
يتالعب باللغة فهو ال يقول إنه باال أهمية الى هذا الحد ويكتفي بل يض11يف ،إن11ه بالنس11بة لهم\ لن11ا\ لكم لنفس11ه\
الهادي)3( . للجميع كأي سمكة صغيرة ال نعرفها في ظلمات قاع المحيط
الفن ليس للقائد هنا تتوقف 1الرواية عند مفصل مهم وخطير يمثل موقف المثقف أو الفنان من السلطة،
وبشخصية قاسم الرسام 1ي1دين ال11روائي ك11ل من ب1اع موهبت1ه وانتاج1ه للس1لطة في ظ11ل النظ11ام الس1ابق أو ك1ان
مضطرا بسبب الخوف قاسم الذي يستطيع ان يرسم اشياء كثيرة يرفض رسم صورة ص11دام حس11ين "كائن11ان..
فقط .من فكر في رسمهما ،حاول ولم يستطيع ،أثنان ال غيرهم11ا :ش11قيقه محم11ود و"القائ11د" ...محم11ود ألن11ه لم
يجد فيه ما يرسم ،أما القائد فألنه ال يعرف ..بل ال يطيق 1أن يرسم شيئا يشعر بالع11داء تجاه11ه ،فكي1ف 1إذا ك11انت
مشاعره تتفجر كراهية له؟ لذلك رفض طلب أبيه أن يرسم صورة كب11يرة للقائ11د؟ \ ه11ا ..م11تى س11تكملها؟ ألن11ني
أريد تعليقها هنا في واجهة غرفة الضيوف .أبتلع قاسم ريقه وتمتم-:أبي..ال..أستطيع\ صعدت الدهشة إلى وجه
األب -:ماذا..؟ طأطأ قاسم !رأسه وأعاد تمتمته -:أبي ال استطيع ...لقد ح1اولت ذل11ك أك11ثر من م11رة وفش1لت...
ابنك يا أم ..قاسم ..يكره الوطن فهبط قاسم 1إلى كف أبيه يقبلها – ال يا أبي ..ال تظلمني ،أقسم 1لك ..أن11ني أحب
بلدي مثل حبك ومثل حب جدي ..لكن11ني أك11ره ه11ذا الرج11ل .وحينم11ا أراد ان يرس11م ألبي11ه ش11يئا يع11بر عن حب11ه
للوطن رسم لوحة خارطة الوطن باألحمر ،أحطتها بدائرة قلب أخضر ،ثم رس11مت النه11رين ب11األبيض ...األب
قال له :لكنك قلبت األلوان ..كان المفروض أن تجعل ل11ون ال11وطن أخض11ر ،ول11ون القلب أحم11ر ،كم11ا هم11ا في
الحقيقة والواقع 1..وبعد حين عندما يلقي القبض على قاسم ويعدم 1أمام أه11الي القري11ة .يح11زن علي11ه األب كث11يرا،
وبعد أن يدفع ثمن الرصاصات .التي ُأعدم فيها ابنه قاسم ،أصبح يفهم ألوان اللوحة وطن أحمر وقلب أخضر.
زاوية الرؤية عند الرملي قدمت تحفة فنية ،أتقن فيها رسم الشخصيات وخلق 1عالقات بين الزمان والمكان
والحدث "الحرب" بحيث يمكن للمتلقي أن يستحضر تلك األحداث التي تم11ر ب11العراق ،إذا ك11ان ق11د ع11اش تل11ك
المرحلة ،ومن لم يكن موجودا ،فهو 1يستطيع أن يتخيلها تجسدها 1الصور المؤثرة واألسلوب الراقي للوصف1
بما .يملك من جواهر الكلمات المعبرة عن كل االنفعاالت اإلنسانية هنا في األص11قاع القريب11ة من غرن11ا نتقاس11م
مع الفلسطينيين النحيب ..نبكي كالنساء على أوطان لم نعرف المحافظة عليها كالرجال...ال نجي11د غ11ير تس11ويد
وط111ني( الصفحات بصرخات حزينة ،فيراودني 1الشك بأن مصانع تكرير 1الورق ستكفي لفيض آبار الحكايات في
)١
تمر األصابع
تعتبر الرواية الثانية للكاتب العراقي محسن الرملي .حيث صدرت رواية "تمر األص11ابع" باللغ11ة اإلس11بانية
أو الً في مدري11د س11نة 2008عن دار الترث11ير نوم11بره ثم ص11درت طبعته11ا العربي11ة األولى س11نة 2009م في
بيروت عن الدار العربية للعلوم -ناشرون ( , )2وايضا منش11ورات 1االختالف في الجزائ11ر ،وق11د ترش11حت ه11ذه
الرواية ضمن القائمة الطويلة ) ,العالمية للرواية العربية " البوكر " سنة 2010م(. )2
حيث تدور أحداثها بين العراق وإسبانيا 1وتتن1اول ج1وانب من طبيع1ة التح1ول في المجتم1ع الع1راقي 1على م1دى
ثالثة أجيال ،حيث تط11رقت إلى ثنائي11ات ومواض11يع ش11تى ك11الحب والح11رب والدكتاتوري11ة والحري11ة والهج11رة
والتقاليد والحداثة والشرق والغرب ..وغيرها)٢( .
حيث تتقاطع أحداث ه11ذه الرواي11ة وأح11داث حاض11ر ت11دور 1في إس11بانيا ،أي بين م11ا "،مه11د الحض11ارات " بين
الماضي وذكريات العراق مهد طفولة الكاتب حيث يربط اإلنس11ان بم11وطن األج11داد ،وحيات11ه في بل11د الهج11رة
1
.يوسف ،مسيرة الرملي ص((١) )١٤٢
محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ٢((.) ١٥٨
المحتض11ن للق11ادمين أو اله11اربين من واق11ع بالدهم األليم .حيث قاب11ل الك11اتب المش11اهد والص11ور 1ال11تي ت11برز1
المواضيع األساسية لحياتين مختلفتين تعودان للشخص نفسه
.إحداهما كونت الك11اتب وم11ا زالت تس11كنه حنين11ا ،واألخ11رى 1مكتس11بة يعيش11ها بإرادت11ه ،ويفرض11ها الت11أقلم م11ع
يوميات حاضر عملي وفي محاولة للوصل بين خارج أقواس العراق قبل عشرة أع11وام " وطنت نفس11ي على
النسيان حتى توطنت " الحياتين ،قص الراوي 1صورا من الجرائد لموطن11ه األص11لي ،تنق11ا منه11ا األق11ل قس11وة،
ويعلقها على جدران غرفته".هويتي 1األولى ،حنيني ،شوقي 1إلى احتضان أمي وإخوتي ،إلى زيارة قبر" 1ينظ11ر
إليها ويمارس 1بحسب ما يقول وعالية هي ابنة عمه ".عالية ،إلى الس11باحة في نه11ر دجل11ة ،إلى أص11دقائي ،إلى
))٣
أبقارنا وحميرنا ودجاجاتنا والجبل وحبيبته األولى التي قضت غرقا في النهر
حيث تتناول الرواية اإلحساس بالوطن الذي لم يكن وطنا آمنا ،إال أنه يظل ساكنا بداخل المغترب ،يعيش
.معه وفي أجواءه حتى وهو في بلد آخر استقر فيه
الشخصيات
سليم :البطل ،شاب في الثالثينات من عمره ،يعيش في إسبانيا ،لكنه يظل دوما مشدودا 1إلى وطنه العراق،
يعلق صوره على الحائط ويعيش في شقته الصغيرة حنينه الكامل لوطنه ،يجد أبوه بالمصادفة في إسبانيا
.ويتكشف 1له األمر تدريجيا
نوح :أبو البطل ،وهو بطل في الرواية أيضا ،فقد بدأت محنة العائلة به ،حيث ثار لفعل تحرش قام به أبناء
أحد المسئولين تجاه ابنته الصغيرة ،ومن هذه الثورة بدأت محنة عائلة “نوح” التي سوف تكبر وتظل تعذبه
هو ابنه سنوات طويلة ،هو ثري يحمل في داخله شخصيتان متناقضتان تماما ،شخصية مطيعة شديدة التدين
والتمسك بالشريعة والطاعة المقدسة لوالده ،في حين أن شخصيته األخرى تميل الى التمتع بالحياة وبالحب
وبصحبة البشر من مختلف الجنسيات و بالمرحوم 1الصخب ،لكنه في النهاية ينحاز للشخصية األقرب إليه.
الجد :رجل صارم ،قوي حازم ،كان يحكم عائلته ويزرع 1فيهم دوما منطق الثأر ألنفسهم ممن يعتدي عليهم،
لذا فقد قاد عائلته لمعاداة الحكومة حين قبض على “نوح” بعد أن ضرب الفتي الذي تحرش بابنته ،وقد 1قاد
هذا التمرد إلى محنة كبيرة عانت منها العائلة ،لكن الجد كان قويا وقائدا 1وحمل عائلته إلى أن تبني قرية جديدة
بعد أن هجروا قريتهم1.
عالية :ابنه عم “سليم” ،أول حب في حياته ،كان يحبها وقت أن كان طفال ،وتقرب من خالله لعالم األنثى
.علي ،روايات الرملي ص()١٢
محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر ١٥
ظلت مالزمة له تسكن خياله سنوات حياته رغم أنها وفت وهي مراهقة غرقا في النهر استبرق >:أخت
“سليم” ،فتاة كانت تعاني من مرض طويل ،وكانت تحب ابن عمها “صراط” ،لكنه قتل في حرب العراق مع
إيران ،ونجت هي من مرضها المزمن وتزوجت وأنجبت ثالثة أطفال ،كانت قريبة من البطل يصارحها
.بحبه ل ”عالية ”وتساعده في التواصل معها
فاطمة :فتاة مغربية تعمل في مرقص يديره “نوح” وصاحبته اإلسبانية ،تعرف عليها “سليم” ثم تزوج منها،
بسبب أنها تتفق معه في أشياء كثيرة ،هربت من فقر عائلتها إلى إسبانيا وأيضا 1لكي تعولهم.
روسا :سيدة إسبانية ،وقعت في غرام “نوح” وساعدته على الوصول إلى إسبانيا واالستقرار 1فيها ،وهي ال
تعرف أنه ذهب إلى إسبانيا فقط ألنه يريد الثأر لنفسه ولعائلته.
آزاد :صديق 1كردي لـ”نوح” ،يقوم باالنتقام من رجال السلطة بسبب أنهم قتلوا عائلته وهدموا قريته ،ساعد
“نوح” وعمال سويا ألجل االنتقام.
الراوي
هو البطل “سليم” ،يحكي عن نفسه ومشاعره الداخلية وإحساسه بوطنه وبعائلته وبجده وأبيه ،ويحكي 1عن
الشخصيات من خالل وجهة نظره هو ورؤيته لهم.
السرد
السرد محكم البناء يعتمد على التداعي في ذهن الراوي ،يحكي عن نفسه وهو يعيش في إسبانيا ليعود إلى
طفولته وقريته ،ثم يعود مرة أخرى إلى اسبانيا وهكذا ،الرواية تقع في حوالي 174صفحة من القطع
المتوسط ،ال تعتمد على التشويق 1بقدر ما تعتمد على أحداث ثرية.اختيار وطن..
وتكشف لنا مما نجهله عن أنفسنا نحن األس11بان ،وهي في ال11وقت نفس11ه بمثاب11ة رحل11ة للتع11رف على ال11ذات من
خالل التعرف على األب.
ووصفها الشاعر والناقد مانويل 1رينا في مقال له عنها في صحيفة اآل بي ثي بأنها :رواية مش11حونة بالعاطف11ة،
بديعة باستحضاراتها 1وحنانها وتمتاز 1بقدرة كبيرة على رسم التناقضات 1ونق11اط االختالف والتالقي 1بين ثقاف11ات
الغرب والشرق 1..إنها بحق هدية للفكر والحواس1.
فيما كتب عنها المسرحي والشاعر فرانثيسكو 1ثينامور 1يقول بأنها :جميلة ،جميلة جداً هذه المشاهد والحكاي11ات
التي يبدعها لنا محسن الرملي والتي تتعلق بالحب وبالتراجيديا 1وبالثنائي11ات 1وب11التحول والص11راع 1بين التقلي11دي
والحديث.
بينما اعتبر الملحق الثقافي لصحيفة "الموندو" محسن الرملي بأنه واحد من أهم األصوات في النثر العراقي1
المعاصر.هي 1ثورة األنا بين إرث الماضي وثأر الحاضر ،وهي من األعمال األدبية ذات الحضور 1الس11ردي "
تمر األصابع ".االستثنائي واللغة الفنية متع11ددة المس11تويات ،مفتوح11ة الع11والم ،ق11ادرة على خل11ق ج11ادات أدبي11ة
وفكرية جديدة ،تحرك الساكن والساكت فينا حول مشهد العالم أمامنا".
يقول فهد توفيق 1الهندال في صحيفة "القبس" الكويتية ،العدد" 13217ان هذه الرواية قد تمكنت من الوق11وف
عند تقاطع عالمي الشرق والغرب عبر هذه البراعة اللغوية ،وإن تداخل الماضي بالحاضر ،وما يتعلق بال11ذات
الساردة ،واآلخر وهي تتشكل عبر سرديتها 1المتوترة وحيويتها 1التصويرية في أبعاده11ا التراجيدي11ة والكوميدي11ة
تجعل النص حافال "
د.محمد المسعودي 1في صحيفة "القدس العربي" العدد 6386لندن يصف الرواية بالمتع11ة ومفي11دا لك11ل مت11دبر
في عالقة الغرب بالشرق ،وفي حقيقة الشرق والغرب على السواء محسن الرملي ينثر خيوط الحكاية ببراع11ة
واضحة وأن تلحس " تمره " وي11ترك 1ل11ك تلمس11ها ونس11ج الش11بكة الروائي11ة .و "تم11ر األص11ابع " نص روائي
يمكنك أن تأكل " أصابعك" بعد األكل او القراءة.
يق11ول د .س11لمان زين ال11دين في ص11حيفة الحي11اة 02س11بتمبر 2009م لن11دن " بين اإلحس11اس العمي11ق بمف11اهيم
الشرق ،وبين ما يقدم1ه الغ1رب من مف1اهيم وأط1ر ثقافي1ة مختلف1ة ،تتط1رق 1ه1ذه الرواي1ة إلى مواض1يع 1متع1ددة
كالهجرة واالغتراب والحنين والحب ،ومفهوم الوطن ،عبر ص11ور م11ع بّ11رة ومش11اهد 1قوي11ة وم11ؤثرة ،لكن في
إطار من الحنان الذي يشذب القسوة ،ومن خالل نظرة إنسانية هادئة ،تبحث عن الرفعة.
اختيار وطن.
أهم ما تتناوله الرواية فكرة الوطن ،والصراع بين أناس متمردون 1يعتزون بأنفسهم وبين السلطة الغاشمة التي
تريد إخضاع الناس وتسير 1وفق مصالحها ،فهي سلطة ظالمة طبقية تحابي من ينتمي لها وتشجع الفوارق
الطبقية ،وفي 1حين أنها تتيح كل شيء للقريبين منها تتعامل بأشد درجات العنف والقسوة مع باقي المواطنين،
خاصة الذين يتمردون عليها أو يواجهونها ،فقد تم التنكيل بـ”نوح” ألنه ثار عندما تحرش أحد الشبان بابنته،
وقد قوبل غضبه هذا ببطش شديد من السلطة وتعذيب بالكهرباء حتى أنه تأثر جسديا وأصبح أعرجا ،وعائلته
التي قررت مناصرته ومهاجمة المحافظة في المدينة التي سجن فيها نكل بهم أيضا وغيرت الحكومة لقبهم من
“المطلق” إلى “القشامر”.
ورغم أنهم استمروا 1في تمردهم وهاجروا 1إلى مكان جديد بنوا فيه قريتهم 1بمعزل عن الحكومة وسلطتها ،إال
أن السلطة قررت أن يخضعوا لها وأخذت أبناء القرية إلى الحرب مع إيران ،ليموت عددمن الشباب ويرفض
الجد دفنهم 1دون الثأر لهم ،وهنا تتفاقم المحنة ويصبح موت الجد مخرجا لها ،فقد تعفنت الجثث واألهالي1
يريدون دفن أبنائهم و ”نوح” يقر بأنه
ضعيف في مواجهة السلطة الغاشمة ،و ”سليم” يترك القرية هربا من احتدام األزمة ،ويترك 1بلده ويظل يتنقل
في البلدان إال أن يستقر في إسبانيا.
يحتفظ “سليم” 1بالوطن داخله ،يستسلم للحنين وكأنه يعيش فيه في شقته الصغيرة ،في حين أن والده يتحين
الفرص لألخذ بالثأر وتنفيذ وعدا قطعه لوالده أن يثأر من ذلك الشاب ،ويترك“ 1نوح” شخصيته األخرى
لتتحرر تماما ،ويهجر قريته هو أيضا سعيا وراء االنتقام ويذهب إلى إسبانيا 1ليستقر فيها بصحبة “روسا”،
ويدير مرقصا هناك يشرب فيه كثيرا ويتعامل 1كقائد ذكي ،وحين يرى الصور التي يعلقها ابنه للعراق حتى
وإن كانت صور 1لمذابح أو مجازر 1يسخر من تعلقه الشديد بالوطن ،مؤكدا له أن الوطن هو الذي نختاره وليس
الوطن الذي نولد فيه ونعيش بال أمان ،ليشتعل الصراع بين البطلين ويصل إلى ذروته ،ويكون الحل مرضيا
لـ”سليم” وهو أن يترك والده فكرة الثأر ويواصل 1حياته ،ألن الثأر عنف موازي 1ويستجيب “نوح” البنه
ويترك الثأر ويقرر مواصلة حياته في ألمانيا مع حبيبته “روسا” 1،ويحاول عمل تصالح بين شخصيتيه
المتناقضتين في حين أن “سليم” يقرر االستقرار بصحبة “فاطمة” والعيش بسالم .تتميز الرواية بأنها تحكي
عن العراق في الفترة ما قبل الحرب مع إيران أي في الثمانينيات 1وحتى فترة الحصار 1عليها قبل غزو أمريكا،
وكيفية تعامل السلطة مع الناس ،وجرها للشباب إلى حرب ال طائل لها ،كما أنها ترصد 1كيف تتعامل مع من
يتمردون على السلطة ،وكيف أن هناك أناس كانوا يفضلون مقاومة السلطة رغم بطشها بعزيمة وقوة.
كما تحكي عن إسبانيا من خالل معايشة “سليم” لها وكيف 1أن العجائز يعاملونه بتوجس ويرفضون وجود1
الجئين ،في حين أن شخصية مثل “روسا” 1تتعامل بحب واهتمام ،وأناس آخرون يتقبلون الالجئين بترحاب
وفضول 1للتعرف عليهم وعلى تميزهم ،الرواية محملة بأحاسيس كثيرة ثرية ،حنين إلى الوطن والعائلة والجد،
وإلى الحب األول الذي شكل الوجدان وأيام الطفولة التي تنحفر عميقا في ذات اإلنسان ،كما ترصد مشاعر
النقمة والسخط 1كرد فعل على الظلم الفاحش.
وأهم ما تناقشه الرواية أن التمرد على سلطة غاشمة والذي كان يمثله الجد ،واألخذ بالثأر قد يكون أمرا صائبا
رغم ما له من عواقب وخيمة ،لكن أيضا رفض العنف الموازي 1والتسامح قد يكون أمرا صائبا وهذا الرأي
يمثل “سليم”.
رواية حدائق الرئيس
تعتبر رواية "حدائق 1الرئيس " ثالث عمل روائي 1في مسيرة محسن الرملي ،الكاتب والمترجم والباحث
العراقي المعروف 1،المقيم في مدريد ،فقد نشر سنة 2000روايته االولى " الفتيت المبعثر " التي ترجمت إلى
االنجليزية تحت عنوان " , "Scatteredونشر بعدها سنة 2009روايته الثانية " تمر األصابع " التي
صدرت " "Crumbsباإلسبانية أوال ثم بالعربية ثانيا ،وهي رواية لقيت الكثير من االستحسان من القراء
والنقاد على حد سواء ،كما كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ,2010رواية "حدائق
الرئيس" الصادرة مؤخراً عن دار ثقافة في أبو ظبي والدار العربية للعلوم في بيروت رواية لها طابع خاص،
فهي تختلف كل االختالف عما هو متعارف 1عليه في التقاليد الروائية العربية .صحيح أن الكثيرين ممن كتبوا
عنها صنفوها ضمن الرواية التاريخية أو رواية الديكتاتورية المعروفة بأمريكا الجنوبية ،وال نكاد نشك في
ذلك حالما نعلم أن كاتبها دكتور 1في األدب والفلسفة وعارف جيد باألدب العالمي تاريخه ومذاهبه ومدارسه.
لكن النظر إلى الرواية من هذه الزاوية فحسب من شأنه أن يشنج قراءتنا ويكبل تفكيرنا ،مما سيفوت علينا
فرصة االستمتاع بعوالم أدب عظيم ،يمتد خارج التاريخ والجغرافيا متجاوزا 1إياها إلى ما هو إنساني كوني
وإلى هم وجودي 1أعمق.
لعل المتصفح لما كتب ،إلى حدود الساعة حول الرواية ،سيجد ،بدون شك ،أن أغلبها يتخذ المقطع األول من
النص منطلقا له .وهي بداية الحكي حيث يقول الراوي" :في بلد ال موز فيه ،استيقظت القرية على تسعة
صناديق موز ،في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد أبنائها "…،وهي الصيغة نفسها التي سنجدها في الفصل
، 27ما قبل األخير ،حيث يكرر" :في هذا البلد الذي ال يزرع فيه الموز ،استيقظت القرية على تسعة رؤوس1
من رؤوس أبنائها في صناديق موز…"1.
تشكل هذه العبارة ،بداية النص ونهايته في الوقت ذاته .فالقارئ المتأني سيالحظ كيف أن الكاتب ابتدأ الرواية
من نهايتها تقريبا ،حيث توقف 1عند مرحلة أخرى من تاريخ بلده العراق ،أال وهي تاريخ االمبريالية األمريكية
وهم السيطرة على الشرق 1األوسط والصراع 1على الثروة النفطية ..ولعل هذا ما يشير إليه بالموز وصناديق1
الموز،إذا ما عدنا إلى الوراء قليال ،وتأملنا في سياسة الواليات المتحدة بأمريكا 1الجنوبية وتاريخ شركاتها
األسود هناك من أمثال يونيتد فروي 1كنبني.
لست هنا بصدد التحليل التاريخي للرواية ،فكل همي هنا هو توضيح كيف أن الديكتاتورية ليست الثيمة
الرئيسية في النص ،بل هي أداة أو فرض من فروض السياق التاريخي 1الذي تدور 1فيه األحداث .فال يمكن
الحديث عن تاريخ العراق الحديث دون المرور بفترة حكم صدام حسين وما عرفته من مد وجزر 1.إذا ما عدنا
إلى نقطة البداية /النهاية ،ودققنا قليال في العبارة " :في بلد ال موز فيه ،استيقظت القرية على تسعة صناديق1
موز ،في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد أبنائها "…،فإن الثمية التي تسترعي انتباهنا بعد مسألة الموز التي
تحدثنا عنها ،هي الموت ،والطريقة البشعة التي انتهت بها حياة تسعة أشخاص من سكان القرية.
لعل هذه الثيمة هي المنفذ السليم إلى عمق رواية محسن الرملي ،خاصة عندما نتأمل الكم الهائل من
الشخصيات التي لقيت الحتف نفسه ،وإذا ما محصنا 1ودققنا في طباعها وطرق عيشها وتفكيرها ومواقفها،
فسنجد حتما أن القاسم المشترك بينها هو :العبث ،الرغبة ،التحدي ،التمرد ،الموت ،وهي مواصفات تتقاسمها
أيضا الشخصيات التي لم تلق حتفها في النص.
هي الكينونة إذن في شموليتها ،أو فلسفة العبث المتمثلة في الصراع القائم بين الوجود والعالم 1المشترك.
الالمنطقي يجر الشخصيات 1ومن ثم القارئ إلى التساؤل عن جدوى الحياة أو فيما إذا كانت الحياة تستحق أن
تعاش؟ أسئلة تكرسها 1الرغبة في الوضوح والصفاء ،كما يكرسها 1السأم والضجر من التكرار والنمطية ،غير
أن النهاية "الموت "المجهولة ،والذهول الذي تخلفه في النفوس ،غالبا ما يفضحان عبثية الحياة.
تبدأ الرواية من حيث تنتهي ،والقرية تستيقظ على تسعة صناديق 1موز ،في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد
أبنائها ،ومن بينها رأس إبراهيم .لتذكرنا هذه الصناديق 1بصناديق 1االحذية .في روايته (أبناء وأحذية ) ،وأول
من يراها ،خال عبدهللا كافكا ،الراعي األبله إسماعيل ( ليتخلص من شعوره بالذنب الذي ظل يالحقه في
الكوابيس ،بسبب قطعه للسان عنزة أزعجته.
تنبني حبكة الرواية ،لسعي معظم شخصيات الرواي11ة في تخلص11ها من (الش11عور بال11ذنب) ،على ه11ذه الجمل11ة،
والس11يما 1األص11دقاء 1الثالث11ة ال11ذين ف11رقتهم الح11رب عن بعض11هم البعض ،أو ت11أنيب الض11مير ال11تي رافقت بقي11ة
شخصيات الرواية في حياتها ،لسوء تصرف بدر منها ،وتتكرر ست مرات .في المرة األولى كم1ا ه1و واض1ح
من قبل إسماعيل الراعي ،لقطعه لسان الماعز ،وفي 1المرة الثانية من قب1ل إب1راهيم تج11اه ص1ديقه أحم1د النجفي
الذي أستشهد 1في الحرب ،ألنه ترك جثته في الصحراء ولم يأخذها الى أهله ،وفي المرة الثالثة من قب11ل قس11مة،
لتعاملها بشكل ج11اف وس11يء م11ع وال11دها ،والرابع11ة لم11ا س11يتركه جالل من س11معة س11يئة لوال11ده ،نتيج11ة طيش11ه
وتهوره بممارسة الجنس مع (زكية )أم عبد هللا كافكا ،األمر الذي يؤدي 1بها الى الحم1ل من1ه .والخامس1ة أثن1اء
ذهاب عبدهللا مع طارق 1وقسمة ،بحثا عن جثة أبراهيم ،والسادسة ،لتكرار 1ندم إب11راهيم ثاني11ة وش11عوره بت11أنيب
الضمير ،جراء تركه لجثة صديقه في العراء لم يأت شعور الشخصيات 1بالذنب أو ت11أنيب الض11مير عن ف11راغ،
بقدر ما جاء عن التحول الذي طرأ عليها من فعل الشر الى فعل الخ11ير ،واص11طدامها 1بمفاج11آت لم تكن تخط1ر1
ببالها ،فقد أدى بإسماعيل ال11راعي الى تج11اوز حال1ة الخ11رس ال1تي أص1ابته أول رؤيت1ه لل11رؤوس في ص1ناديق
الم11وز ،ربم11ا لع11دم توقع11ه لم11ا ي11راه ب11أم عيني11ه ،وأغلب الظن أن11ه ألول م11رة ي11رى رؤوس11ا بش11رية ب11الجثث،
وبإبراهيم 1الى مصرعه ،وسقوطه شهيدا ،لقيامه بتوثيق 1الضحايا في القبور التي دفنت فيه1ا ،إخالص11ا لص11ديقه
أحمد النجفي الذي لم يستطع دفن جثته .وقسمة من نفوره11ا من .وال11دها الى البحث عن جثت11ه به11دف دفنه11ا في
مكان يليق بتضحيته بوصفه بطال تفتخر به ،مثلها مث11ل موق11ف أنت يجون11ا في دفن جث11ة ش11قيقها ،وبجالل الى
االعت11ذار من أبي11ه وإذا ك11انت ه11ذه التقني11ة ق11د أدت الى التح11ول في معظم شخص11يات 1الرواي11ة من الس11لب الى
اإليجابي ،ما عدا شخصية طارق 1،فإن أود زكي11ة رجم11ا بالحج11ارة وهي موثوق11ة الي11دين وال11رجلين في حف11رة،
حفاظا على سمعة المختار لحملها من أبنه ،ال تقل شأنا عن تقنية ماركيز 1في مائة ع11ام من العزل11ة في أس11لوبه
المع1روف 1بالواقعي11ة الس1حرية ،وهي تنش11ر المالبس ف11وق س11طح الم1نزل .ويتط11ابق 1ك1ال النم11وذجين ،نم1وذج
الرملي مع نموذج ماركيز ،بتهمة الزنا التي ألصقت ببطليهما 1ريمي11ديوس 1وزكي11ة ،ولكن بقت11ل .بطل11ة ال11رملي،
وصعود 1بطلة ماركيز الى الس1ماء ،حفاظ1ا على س1معة ك1ال الفت1اتين واألس1رتين .وبالم1آل ص1عود 1كليهم1ا الى
السماء مائة عام من العزلة في اللحظة التي بدأت فيها ريميديوس 1الجميلة ترتفع في الجو.
حدائق الرئيس وقفها في وسط 1الحفرة وتناول من تحت أبطه قطعة قماش بيضاء ،وحين فتحها كانت على
شكل كيس كبير .كانت كفن .ألبسه في رأسها فبدت كشبح واقف 1في وسط 1الحفرة . .ف1ارتعبت هي حين احس1ت
بقوة الشد والربط 1على جسدها ،تململت محاولة التملص لكن المختار صرخ بأذنها عاليا أن تتوقف ،فيما ظاهر
يقول لها :هذا من أجلك انت ومن أجل روحك . .ما هي لحظات قليلة وينتهي كل شيء فتجدين نفسك في ع11الم
أكثر راحة . . .ثم رأيتهما يتناوالن حجارة ويشرعان برجمها 1وهي تصيح حتى سقطت ،أو. . .أسقطوها ممددة
في الحفرة ،وهذا المشهد ،مشهد رجم الحجارة ،ليس جديدا ال على الرواي1ة العالمي1ة وال العربي1ة ،وبه1ذا 1ف1إن
هذه الرواية الى جانب تناصها مع مائة عام من العزلة ،فهي تتاخم بالتناصب مع هاتين الروايتين أيضا.
قراءة في الرواية
هذه الرواية الوجع هو بطلها ،ولكن الحوارات الهادفة فيها تدور بين ثالث شخصيات رئيسية ،حيث انعكست
من خالل حواراتهم 1وسردياتهم وطباعهم 1وأفكارهم ،طبيعة الذهنية العراقية ،وطبيعة المجتمع الحاضن لكل
تلك الظروف.
وبرز وصف 1المكان في الرواية من خالل طبيعة القرية الريفية النائية التي يعيش على أرضها 1األبطال
الثالثة ،وكذلك سرد مطول ومفصل لقصور الرئيس الفخمة وحدائقه ،تلك القصور التي أحاطت بها مظاهر
األبهة والفخامة ،واألكثر رعبا هو مظاهر التفنن بالقتل كأداة هذه الرواية الوجع هو بطلها ،ولكن الحوارات
الهادفة فيها تدور 1بين ثالث شخصيات رئيسية ،حيث انعكست من للضحك والتسلية ثم التصفية ،القصر الذي
تحولت حدائقه إلى مقابر جماعية بجثث كانت تدفن بالعشرات ثم بالمئات ،مظهرة الوجه المرعب والبشع
والمتخفي للدكتاتورية ،تلك الحدائق المنسقة بانتظام 1والتي تعكس ترف العيش ورغدة ،كانت مكانا للرعب
والموت والتمثيل بالجثث.
من الطبيعي في ظل ظروف 1كهذه حيث االستهتار 1بقيمة و حياة اإلنسان أن يرجع مثل الً بطل بال قدم ،ويرجع1
رأس بال جسد في صندوق 1موز ،ويدفن أخر كجثة مشوهة في حديقة رئاسية ،وأخر غارق بعبثية حياتية وال
ميتة ،حيث ال فائدة مرجوة من أي شيء.
استطاع الكاتب محسن الرملي بوعي ومعلومات 1مرتبة ومنظمة ،وبقدرة أدبية ورؤية مهنية في السرد ،من
توثيق الوجع العراقي ،والتوغل بعمق في البيئة العراقية ،وهو ابن تلك البيئة ،مخلفا سردية حزن ،ولوحة
تاريخية غنية بمشاعر شتى ،وكما بدأت الرواية بمشهد صناديق الموز التسعة التي احتوت رؤوس األبناء
الذاهبين لبغداد للبحث عن الضحايا ،فقد انتهت الرواية بنفس المشهد في حركة دائرية مغلقة ،قد تزرع بعض
اليأس فينا وكأننا ندور 1في حلقة مفرغة مكررة ،بحركات وخطوات متماثلة حيث األحداث تتشابه واألوجاع
تتكرر .أسلوب سردي جميل ،ولغة جمعت بين الفكاهة حينا والحزن حينا آخر ،لنتمثل المشهد كما هو ونتخيله
بتفاصيله ،حتى قصر الرئيس الذي مورس فيه كل العنف والبطش ،حملتنا تقنية الوصف في الرواية ،وكأننا
إحدى تلك المرايا الصامتة المعلقة فيه والتي تعكس تلك الممارسات 1المرعبة .
وما تلك النهاية المفتوحة عندما كانت قسمة تمسح على رأس طفلها النائم في حضنها ،متسائلة ترى من أي
نطفة هو؟ ترى مثل من سيكون؟ مثل أبيه؟ مثل الرئيس المخلوع ،أم مثل طارق الذي يعتبر نموذجا 1للعراقي
الذي يحاول التمسك بتالبيب الحياة مع االحتفاظ ببعض القيم ،هذه التساؤالت تفضي وترمز إلى ضبابية
مستقبل الشباب العراقي ،الذي امتزجت في مخيلته أطياف القتل والبطش والدكتاتورية والطائفية ،فإن قلبت
عصا الساحر هذه اللوحة هل سيتوازن هذا الجيل ،ليعيش بسالم بعد كل ما اختمر في ذهنه من حكايا ،وما
اترسب في وجدانه من وجع ،وما تنازع فكره من قضايا 1،وما اعترى دماغه من عمليات غسل وسلخ .
صفوة القول الروائي 1محسن الرملي استطاع بتقنيات سرده وشاعريته ،وامتدادات شخصياته الروائية ،تمكن
من رسم خارطة ولوحة تراجيدية لتاريخ العراق السياسي ،طوال نصف قرن .و هنا تكمن المسؤولية الملقاة
على عاتق األدب ،أن يكون مرآة ناصعة للوجع وللفرح أيضاً ،بكل ما يمتلكه األديب من أدوات إبداعية .
الشخصيات :
ال تقتصر على الشخصيات الرئيسة الثالث عبد هللا كافكا ،طارق " حدائق الرئيس " تتوفر 1الرواية الثالثة
لمحسن الرملي على أنساق سردية واضحة ودقيقة تتوزع على ثالثة أجيال ،فالمندهش 1وإبراهيم قسمة ،بل
تتوغل زمن مكانيا في تاريخ اآلباء واألجداد من جهة ،كما أنها تمتد إلى أبنائهم وأحفادهم من جهة أخرى،
وأخص بالذكر منهم ابن قسمة التي ستطلب من هي " الفتيت المبعثر " وإذا كانت روايته األولى ".ألقوه في
النار فكانت عليه بردا وسالما " 1طارق أن يغير اسم ابنها من صدام إلى إبراهيم ،نسبة إلى نبينا إبراهيم عليه
السالم الذي هي رواية مدينية تدور أحداثها في عدد من المدن العراقية ،وتتجاوزها إلى الفضاء
الكوزموبوليتاني " حدائق الرئيس " رواية قروية بامتياز ،أي أنها تتخذ من القرية مكانا لها ،فإن رواية حيث
تمتد إلى الكويت وإيران ،بينما يتوارى المغتصب جالل في أكثر من دولة محتملة قد تكون روسيا 1أو إيران أو
البرازيل أو هولندا .تتوفر هذه الرواية على ثيمات وأفكار 1كثيرة ال وكأن محسن الرملي ".هذه هي الحياة،
كل شيء فيها قسمة ونصيب " :يمكن حصرها ،غير أن الثيمة المهيمنة فيها بامتياز 1هي الجملة التي كانت
تتردد على لساني قسمة وأبيها 1إبراهيم يحاول أن يغلف روايته بوشاح قدري ،غير أن هذه المحاولة ال تمنعه
من البوح بأسئلته الفلسفية والوجودية حينما يتناول 1فكرة الموت في الحياة أو يناقش غريزتي الحب والموت أو
يتطرق إلى أدب السجون والمعتقالت وما يتخللهما من ألم وعذاب حقيقيين.
المشهد االستهاللي
ابتدأ الرملي روايته بمشهد الرؤوس 1التسعة المقطوعة التي وضعت في صناديق 1الموز وبينهم رأس إبراهيم
قسمة ،وسوف 1ينهي الرواية بالبحث عن جثة هذه الضحية التي لم تأخذ التحذيرات على محمل الجد فأصبحت
هدفا لإلرهاب األسود الذي كان يجتاح العراق عام 2006على وجه التحديد .إذن ،يمكننا القول إن هيكل
الرواية العام يقوم في جوهره على لكن قسمة ،البنت الوحيدة إلبراهيم سوف تلعب دورا محوريا يحرف1
الرواية إلى مسارات لم يكن يتوقعها 1القارئ حتى إنها »،عبد هللا ،طارق وإبراهيم « 1ثالث شخصيات رئيسة
وهم تنازع الشخصيات الرئيسة الثالث على دور البطولة ألنها سوف تلعب الحقا دورا صيانيا تحاول فيه أن
تجمع أشالء األب المبعثرة الذي بدأ يمثل لها العراق برمته ألسباب كثيرة لعل أبرزها أنه كان يوثق أسماء
الضحايا الذين كان يفتك بهم النظام السابق ،ويعذبهم ،ويشوه مالمحهم قبل أن يضع حدا لحياتهم 1.فيما كان
أزالم النظام القمعي يمارسون 1دورا تدميريا ال يختلف كثيرا عما يمارسه اإلرهاب وبعض المجموعات
المسلحة التي روعت العراقيين منذ عام 2003وحتى الوقت الراهن .وهنا تكمن أهمية البنيتين الصيانية
والتدميرية اللتين تتوزعان على مدار النص.
الشخصيات اإلشكالية
الذي لحق به ،لذلك أحب كافكا ،وتعلق برواياته ،وتماهى حتى مع عالمه الشخصي الذي يشترك » العار « لم
يستطع عبد هللا أن يتستر 1على مجهولية أبيه ،ولم يفلح في أن يتخلص من البلهاء فأنجبت منه عبد هللا كافكا
الذي سيتحول 1إلى إنسان » زكية « معه في األقل بمجهولية األب على الرغم من أننا ،كقراء ،سنكتشف الحقا
أن جالال ،ابن المختار هو الذي اغتصب كئيب ومتشائم وكسول 1وال يحب العمل ،لكنه سيكرس 1نفسه للقراءة
فتتعزز 1عالقته بطارق المندهش وإبراهيم قسمة ،لكنه يساق إلى الخدمة فيقع في األسر عام 1982ولم يعد
منه التي أحبها ،لكنهم زوجوها عنوة ألحد أبناء عمومتها فهربت منه " سميحة " إال بعد عشرين عاما فيشعر1
أنه ميت في الحياة ،خصوصا 1بعد أن رفض صديقه طارق أن يزوجه من أخته بعد أربعين يوما من الزواج.
ال يختلف مصير إبراهيم قسمة عن عبد هللا كافكا كثيرا ،فلقد فقد ساقه في الحرب ،وأصيب بالعقم ،ورأى1
الفظائع واألهوال في حدائق الرئيس ،ومات في الحياة أيضا ،لكنه انتهى نهاية مفجعة على يد اإلرهابيين الذين
فصلوا رأسه عن جسده ،حيث وصل الرأس المقطوع إلى قريته ،فيما ظل الجسد ضائعا في بغداد .أما طارق1
المندهش البدوية من جهة ،ولديه عالقات عاطفية مع أكثر من امرأة » فهدة « فلقد أفلت من خدمة العلم ألنه
كان معلما وإماما 1بأحد الجوامع ،كما أنه األوفر 1حظا بين أصدقائه الثالثة ،فهو يحب من جهة أخرى ،وفي1
خاتمة المطاف يعقد قرانه على قسمة ويذهب معها للبحث عن جثة أبيها المغدورة في بغداد .نخلص إلى القول
إن هذه الشخصيات الثالث هي شخصيات إشكالية وينطوي بعضها 1على جوانب إيجابية على الرغم من يأسها
وقنوطها نتيجة للظروف الشاذة التي تحيط بها.
الشخصية الصيانية
هي الشخصية الصيانية في هذا النص الروائي 1،فهي التي كانت تحاول دائما أن تلملم أطراف 1عائلتها
المبعثرة .فقد ولدت في أسرة فقيرة ،لكنها كانت » قسمة « أشرنا قبل قليل إلى أن طموحة جدا ،وقد بدأ تباشير
هذا الطموح يلوح في مخيلتها منذ كانت صبية يافعة حيث كانت تتطلع إلى طارق المندهش بمحبة وإعجاب
كبيرين ،وحينما انتقلت إلى بغداد أحبت ضابطا طموحا 1جدا ،لكن طموحه سيقتله على الرغم من أنه كان يحب
رأس النظام السابق حيث وشم اسمه على ذراعه األيسر ،ومع ذلك عذب وقتل ودفن في حدائق الرئيس التي
كان كانت تشعر بنوع من البرود تجاه والدها بعد أن فقد ساقه في الحرب ،إال أنها أعادت " قسمة " يعمل فيها
إبراهيم قسمة ويوثق كل المعلومات المتاحة عن المغدورين .وعلى الرغم من أن" قسمة " له اعتباره ومكانته
الحقيقية التي تليق به حينما قررت البحث عنه ألنه أصبح رمزا للعراق ،بل إنها أحيته من جديد حينما غيرت
اسم ابنها من صدام إلى إبراهيم .لقد تغيرتتغيرا جذريا 1بعد المحن التي عاشتها ،والفجائع التي حلت عليها من
حيث ال تحتسب ،فال غرابة أن تفهم الدنيا بطريقة أعمق من ذي قبل ألن الحياة قد علمتها أشياء كثيرة وجعلتها
في خاتمة المطاف تطرح كثيرا من التساؤالت المؤرقة بصدد ابنها إبراهيم الذي ال تدري إن كان سيحمل
مالمح أبيه المغدور ،أم سيكون مثل الرئيس المخلوع الذي اغتصب قسمة ،أم مثل أبيها إبراهيم الذي تحول
إلى رمز كبير ،أم مثل طارق 1المندهش الذي يتوفر 1على روح إيجابية على الرغم من تصيده للفرص ،وترتيب
أوضاعه المستقبلية مع النظام 1الجديد .ال شك في
أن تساؤالت 1قسمة المقلقة قد تحولت إلى خليط غير متجانس في جوفها ،األمر الذي جعلها تشعر بالقرف
والغثيان فأحست برغبة عارمة في التقيؤ والتخلص من هذا القيح الساخن
الذي يغلي في داخلها لتترك القارئ في مواجهة النص المفتوح على مصير إبراهيم االبن الذي سيمشي على
أرض الرافدين ويطأها كما وطأها مئات اآلالف من األشخاص الذين يحملون هذا االسم الذي ينطوي 1على
داللة مجازية واضحة.
تنطوي هذه الرواية على ثيمات فرعية كثيرة من بينها الحب ،والحرب ،واالغتصاب ،والرجم ،والسجون،
والمعتقالت ،ومعسكرات 1األسر ،والمقابر الجماعية ،والتعذيب الوحشي في
العراق وإيران .كما أنها تسلط الضوء على حياة الرئيس السابق وعوالمه الخاصة التي لم نطلع عليها بهذه
الدقة ،حيث يأخذنا الرملي في جولة مثيرة ومرعبة في قصوره وحدائقه
وسبعة كتب أخرى تتوزع بين القصة » تمر األصابع « و » الفتيت المبعثر « ويخوته الرئاسية التي تقذف
المتلقي في عالم عجائبي غريب ومدهش حقا .أصدر الرملي روايتين أخريين وهما والمسرحية والشعر ترجم
معظمها إلى اإلسبانية وبعضها 1إلى اإلنجليزية.
اما في رواية " ذئبة الحب والكتب" يخرج الرملي عن إطار اختالف الشخصيات الذي أتخذه نهجا لرواياته
األربع السابقة ،متبعا نهجا معاكسا له تماما ،أال وهو نهج تقارب الشخصيات مع بعضها البعض ،وذلك عبر
التقارب القائم بين شخصيتي هيام والمعلم الرفاعي ،من حيث رغبة األثنين بكتابة رسائل على شكل رواية
لقراءتها من قبل الشخص الذي تحبه والفتاة التي يحبها .وهذا التقارب ال يقتصر بين هاتين الشخصيتين فقط
وإنما يمتد الى الرملي والمرأة السريالنكية ،وذلك من خالل هجرة األثنين من بلدهما والسكن في مكان أقرب
الى السجن اإلنفرادي ،كما أن شخصية بشعة تكاد أن تكون نسخة مطابقة لشخصية هيام ،ليس ألن جمالها
يفوق الوصف بل ألن كلتيهما يشتركان معا في أكثر من صفة
رواية ( ذئبة الحب والكتب ) للكاتب العراقي “محسن الرملي” 1ترصد ببراعة سعى المرأة إليجاد حب حقيقي
يخلص روحها من أسرها ،وإن لم تجده تصنعه بيديها ،ترسم 1مالمحه كما تريده ،تغوص الرواية في أعماق
()١
المرأة وتنقل أدق خصوصياتها 1بعين كاتب واعي.
الشخصيات
البطل :الكاتب “محسن مطلك” ،الذي سافر 1من العراق هربا من الحصار الذي فرض عليه بسبب كون أخيه
واحد من المعارضين للنظام ،يعمل في األردن لمدة عامين أعماال شاقة يقترب فيها من الكادحين ويصبح
واحدا منهم ،لكنه رغم ذلك ال ينسى أخيه ويحاول بكل الطرق 1إحياء ذكراه ونشر 1كتاباته المتميزة ،كما يحقق
()٢
حلمه في أن يصبح كاتبا رغم أعباءه الكثيرة ويسافر إلى اسبانيا لتكملة دراسته.
البطلة :هيام ،سيدة من العراق ،تعيش حياة خالية من الحب والحنان ،مجرد زوجة لرجل ال يهتم بها ،وأم
أطفال تراعاهم ،لكنها رغم ذلك في حاجة للحب وفي أن تشعر بإنسانيتها وأنوثتها ،وهذا الحرمان يؤدي بها
إلى مراجعة طبيب نفسي تلجأ إلى حل يفتح نافذة لروحها لتتنفس وهي أن ترسل رسائل الكترونية لحبيب
متخيل ،ايميل ترسل إليه رسائل حب .
يقرأها أحد ،لكنها تتخيل فيه مالمح حبيب تستلهمها من شخصية الكاتب الشهيد “حسن مطلك” ،ومن كتاباته،
وتسميه حسن ،حبيب يتفق وتصورها عن الرجل ،وتظل تحكي عن حياتها من البداية ،كانت شابة نشيطة
وقارئة نهمة تسعى إلى .التعرف 1على ذاتها وعلى اآلخرين بصدق ،لكن خيبات العراق تحول حياتها إلى حياة
بائسة حسن مطلك :يمكن اعتبار الكاتب الشهيد “حسن مطلك” أحد شخصيات الرواية ألنه حاضر وبقوة،
تستلهمه “هيام” دوما في رسائلها 1وتستعين بجمل من رواياته وكتبه ،ويشعر 1القارئ أن مالمح حبيبها المتخيل
تشبه مالمحه وصفاته ،ويتشوق القارئ لمعرفة المزيد عنه وعن حياته ،كما أن البطل نفسه يشيد دوما بأخيه
وبمواقفه الشجاعة والجريئة ويظل محمال به .طوال حياته رفاعي :رجل صعيدي 1مصري ،يعمل في البناء،
يعيش مع البطل “محسن” في غرفة صغيرة بصحبه كثير من المصريين ،يقع في غرام سيدة من الجيران
ويقابلها بشكل يومي ،لكن ال تجري بينهما عالقة حميمة فقط مجرد لمسات حانية ،يعرف أنها تحب القراءة
وتحب الروايات 1فيحث “محسن” على كتابة رسائل له مقابل مبلغ من المال ،ثم يطلب منه كتابة قصة حياته
في رواية ليهديها لحبيبته خالد المصري 1:صديق “محسن” ،طالب أردني يحضر دراسات عليا ويتعرف 1على
“محسن” بالمصادفة ،ويصبح صديق 1مقرب .له بسبب شغفه باألدب العراقي 1ودراسته له ،يساعد “محسن”
في حياته ويشجعه على مواصلة دراسته في اسبانيا الخادمة السير النقية :فتاة تخدم في بيت مجاور للبيت الذي
يعمل فيه “محسن” ،قامت بينهما عالقة حميمة رغم حاجز اللغة ،كانا يتقابلون في المساء ويتالمسان من وراء
قضبان نافذة المطبخ ،وكانت تلك األوقات 1هي التي تمنح االثنين طاقة .لالستمرار 1في عمل شاق ومجهد1
عبود :زوج “هيام” ،حاصل على الدكتوراه وينتمي 1لحزب السلطة في العراق ،تزوجته وهو يكبرها ب17
عاما ولديه طفلين ،وعاملها منذ البداية بشكل سيء ،ال يهتم بها ويسعى 1دوما إلخضاعها ،ويرفض 1كل ما
تسعى إلى فعله من قراءة أو كتابة أو تكملة لدراستها 1أو أن تعمل ،يعاملها كخادمة في المنزل وآلة للجنس،
ولكنها تعترف في نهاية خطاباته أنه طيب.
لكنه ليس الزوج المناسب لها زكريا :أول رجل يقترب من “هيام” بشكل حميمي وتحبه بعمق ،لكن يتضح
أنه متزوج 1ولديه طفل مريض ،وال يطلب منها .أبدا الزواج ،رغم أنه ليس مثقفا كما تحب أن يكون رجلها إال
أنه استطاع 1أن يشعرها 1بحب قوي وعميق سعيد الخاطر :شاعر وصولي ،مدعي ،وهو نموذج لفئة من
المثقفين الذين يتخذون موهبتهم 1مطية للوصول ،يتقلبون في مواقفهم 1بحسب السلطة الموجودة ليحصدوا
المكاسب ،وهم مع ذلك يتعاملون مع المرأة بشكل سيء ويرون أنها مجرد.
جسد للتناول وال يهتمون بالحب خلف موريس :مثقف آخر وصولي 1وانتهازي ،يدعي الجنون ويتقرب من
“هيام” ،وهي بعد سنوات من الزواج تكون قد وصلت إلى حالة من اليأس اإلحباط ،تقبل معها الدخول في
عالقة حب لتتخلص منها ،لكنه يتعامل معها بدناءة ويغتصبها 1في ليلة احتالل العراق ،وتكتشف 1بعد سنوات أنه
كان عميال لالستخبارات في العراق ووشى 1بزوج أخته وأوالدها 1،وكان .سببا في إعدامهم وبعد الحرب وغزو
العراق يعمل مع نفس الحزب الذي كان ينتمي إليه زوج أخته المغدور1
الراوي
الراوي هو “محسن مطلك” الذي يحكي عن نفسه بضمير 1المتكلم ،ويحكي عن باقي الشخصيات من خالل
وجهة نظره وعينيه ،ما عدا “هيام” التي تحكي عن نفسها في رسائل الكترونية بضمير المتكلم أيضا ،وتحكي1
عن شخصيات أخرى تقابلت معهم في حياتها من وجهة نظرها ،وتأخذ رسائل “هيام” مساحة كبيرة
السرد
السرد متميز يعتمد على البوح ،وحكي المشاعر واالنفعاالت الداخلية ،كما أنه في مجملة عبارة عن قصة
حب مشوقة ،لكنه يرصد 1تفاصيل أخرى هامة ،تقع الرواية في 21فصال يبدأ كل فصل بعنوان معبر عن ما
يوحيه الفصل ،وتقع الرواية في حوالي 424صفحة من القطع المتوسط ،وتأتي النهاية مفاجئة وصادمة
للقارئ ،رغم أن البطل يحكي عن نهايات متعددة للرواية بما يعطي مساحة للقارئ أن يختار 1نهاية بنفسه
أهم ما يميز الرواية أنها ترصد 1بعمق ووعي شخصية امرأة مثقفة تعاني من الحرمان من الحب والحنان،
ينجح الكاتب في ،رسم شخصية “هيام” وتقمص شخصيتها وتمثلها ،فيرصد هواجس المرأة ومخاوفها،
وأحاسيسها 1المعقدة والمتشابكة كما يستطيع 1أن يقدم على لسانها فهمها للشخصيات الذكورية األخرى
وإحساسها 1بهم ،فتصور كيف تفكر المرأة وكيف 1تحس أمر يصعب على كثير من الكتاب ،و كتاب قليلون هم
من استطاعوا تقديم شخصيات 1نسائية حية كأنها من لحم ودم.
تحكي “هيام” عن حياتها منذ أن كانت طفلة ،وبداية اكتشافها 1للعالم وللذة وللحياة ونهمها 1لقراءة الكتب ،تبوح
بكل ما مرت به ربما ألنها تعلم أنها رسائل لن يقرأها أحد ،أو سوف يقرأها فقط من اختارت أن تحبه
وتنتظره ،لكنه ليس شخصا محددا إنما هو من رسم خيالها ،رجل كما تمنت تماما أن يكون ليقاسمها حياتها
ومشاعرها مرت بعالقات عدة لم تعرف 1فيها معنى الحب الحقيقي ،وما يميز الرواية أن “هيام” لم تبدو في
صورة المرأة النادمة التي تشعر أن تجاربها 1السابقة وصمة عار تلحق بها ،وإنما تعتبرها 1تجارب ،حتى وإن
كان بعضها فاشال ،إال أنها أغنت تجربتها الحياتية وساهمت في فهمها 1لذاتها وللعالم ،حتى عندما تعرضت
لتجربة اغتصاب لم تدن نفسها وتزيد 1من الشعور باألسى كونها ضحية ،مثل بعض النساء الشرقيات 1االلتي
يولدن بإحساس ذنب مبهم ،يتضخم مع استمرارهن في الحياة ،وإنما هي
سيدة واعية متحررة من داخلها من كثير من عقد المرأة الشرقية وأمراضها النفسية ،رغم اقتناع زوجها1
“عبود” أنها تحتاج .لطبيب نفسي لم تعرف “هيام” رغم ذلك معنى اللذة الجسدية الحقيقي ،رغم أنها تزوجت
من سنوات كثيرة ،ورغم أنها اقتربت بشكل حميمي من “زكريا” 1ومن “خلف موريس” لكنها رغم ذلك
محرومة ،مثل نساء كثيرات شرقيات ،من اختبار معنى اللذة
.الجسدية الحقيقيـ
تعيش حلم الحب في رسائلها اإللكترونية ،حبا كامال وعميقا تشتهي 1فيه حبيبها وال تخجل من التعبير عن
اشتهائها ،تتخيله حنونا وصادقا قويا 1وحاسب ،ترصد 1حالتها المزاجية بدقة وترصد آالمها الجسدية والنفسية،
تحلم برجل أشبه بحلم وردي قد ال يكون موجودا 1على أرض الواقع ،رغم أن البطل “محسن” حاول أن
يقترب من صورته وأن يصبح مثله ،لكنه يبقى في النهاية الرجل الحلم الذي يتميز بكل الصفات الجميلة التي
تتمناها أية امرأة ،صوته جميل وحنون ،متفهم ومشارك ،يحبها بشغف ولهفة ،ويعطيها الكثير من وقته
واهتمامه ،يشعله شغفه بها ويتلهف عليها قدر تلهفها عليه ،ال يدينها 1بسب عالقاتها السابقة ،وإنما يتفهمها
وتستطيع 1أن تبوح له بها دون خجل أو شعور بالعار ،حتى أنها تحكي له أدق التفاصيل الجسدية.التي مرت بها
من رجل آخر
الحب بديل عن الحرب
تردد “هيام” دوما في رسائلها أن الحب كفيل بإنهاء حالة النزاع والصراعات في العالم وفي 1وطنها الحبيب
العراق ،لو أن الناس استبدلوا الحب بكل تلك األحقاد والغضب لكان العالم يسوده السالم محسن” أيضا سعى
إلى الحب وبحث عنه ،وكان هو السبب في أن يتخلص من إحساسه بالضياع ،بعد أن أصبح عامال“ يعيش
يوما بيوم ،استطاع أن يجد ذاته رغم وضعه الذي جعله ينساها ،وقرر 1أن يواصل 1حياته وأن يكافح باستئناف
،كما رصدت الرواية كيف هي حال المغتربين العراقيين والمصريين ومن جنسيات أخرى سواء ،في األردن
أو في اسبانيا .وكيف 1يعاني المغتربون ليجدوا لهم موطئ 1قدم بعد أن لفظتهم بالمهمهم ب هم وتحكي 1عن
العراق بدء من السبعينات بعيون فتاة ينتمي والداها للحزب الحاكم وتعيش في غنى ،وترصد العراق في أثناء
حب إيران وغزو الكويت والحصار وحتى 1لحظة الغزو األمريكي ورعبه ،وكيف أن الحياة انقلبت حتى على
الذين كانوا جزء من السلطة ،فوالد “هيام” أعدم بعد تعذيبه لمجرد أنه خالف الحزب وأعلن رفضه لممارسات
السلطة ،وعبود” رغم أنه لم يتنكر لحزب السلطة إال ألنه عاني أيضا ،وأصبح يتنقل في البالد بحثا عن عمل
مناسب ،رصدت الرواية أزمة العراق من .السبعينات وحتى وقت قريب بعد أن تنازعت األحزاب على سلبه
ونهبه ومألته الفتن الطائفية الرواية تتميز بالبراعة وتعتمد 1على لغة عذبة وآسرة خاصة في رسائل “هيام”
التي تنبض بالحياة ،تستعين بجمل ساحرة للكاتب الشهيد “حسن مطلك” ،وترسم 1مشاهد حب تعتمد بشكل
أساسي على اإلنسانية ال على فعل الجسد المجرد ،مثلما حدث بين “هيام” ورفاعي” 1،حيث كان كل ما بينهما
لمسات حانية تشبع إنسانيتهما ،وبين “محسن” والخادمة” التي كانا .يتالمسان دون كالم من وراء نافذة
ويقبالن بعضهما في عذوبة.
حيث بدأت رواية "بنت دجلة " لمؤلفها محسن الرملي ،من حيث تنتهي رواية " حدائق الرئيس" ،وطارق1
المندهش ،وقسمة مع طفلها ،في طريقهم الى بغداد ،بحثا عن جثة والد قسمة "إبراهيم " 1الذي أعدم في األول
من رمضان عام . 2006بينما تبدأ "حدائق الرئيس " ،من حيث تستيقظ أبناء القرية على تسعة صناديق في
كل واحد منها رأس مقطوع .وأول من راي هذه الصناديق 1هو الراعي إسماعيل .وتنتهي بنت دجلة ،كما لو
كان التأريخ يعيد نفسه ،كما بدأت حدائق الرئيس في استيقاظ أبناء القرية على صندوق 1موز ال يحتوي على
تسعة رؤوس مقطوعة كالمرة السابقة ،وإنما على صندوق واحد فيه رأس مقطوع ،هو رأس قسمة ،وأول من
رآه ثانية ،هو الراعي إسماعيل وفي الموضع نفسه .أي أن الجزء الثاني من الرواية ،ينتهي ،كما بدأ الجزء
األول منها .بتدوير 1الحدث عكسيا ،من نقطة الختام الى نقطة االنطالق ،بدال من أن يسير 1بإتجاه أفقي.
تقع هذه الرواية في ثلثمائة صفحة من الحجم المتوسط ،موزعة على تسع وعشرين وحدة رقمية ،يتصدر كل
وحدة رقمية عنوانا ،ال يتجاوز 1عدد كل وحدة منها على عشر صفحات .وهي بذلك وزعت بشكل متساوي1
على وحداتها .ومثل هذا التوزيع ،في الوقت الذي ينأي المتلقي عن الملل والشرود 1الذهني لعدم طوله وقصره
ووقوعه في المعدل النسبي للمتوسط 1،في الوقت ذاته يمنحه فرصة أكبر على قدرة اإلستمتاع في قراءة
الرواية بأريحية ودون ضغوط.1
قراءة في الرواية
يمكن قراءة هذه الرواية من زاويتين مختلفتين ،تتمثل الزاوية األولى بالجانب اإليجابي في رفض تعاون قسمة
وطارق 1مع جالل الدين الرامز للنظام الحالي ،والجنرال 1آدم للغزو األمريكي ،والزاوية الثانية بالجانب السلبي
في تعاونهما معهما .وبعبارة أوضح قراءتها من خالل اشتراك قسمة وطارق في تقسيم الكعكة العراقية ،أسوة
باألحزاب العراقية ،وبين عدم اشتراكهما ،ورفضهما للمحاصصة .تشرع رواية " بنت دجلة" بجملة" :بعد أن
تقيأت قسمة في منتصف 1الطريق الذاهب الى بغداد ،وأحست بالجوع ،قررت أن تأكل العراق .".وهذه الجملة
هي عصارة الرواية وحبكتها الرئيسة .وإمتداد لنهاية حدائق الرئيس ،عندما ترى قسمة الخراب الشامل الذي
ألحقه الجيش األمريكي بالعراق ،وأثر ذلك تتقيأ .تتقيأ البسبب جوعها الفيزيولوجي ،وإنما لجوعها النفسي
الذي صبرت عليه وتحملته لسنين خلت ،وبفعل ما عانته من قهر وظلم 1في عهد الرئيس المخلوع الذي أعدم
زوجها الضابط ،وفي هذا العهد والدها ،وما تكابده اآلن من الغزو األمريكي من جهة ،وفساد السياسيين الجدد
الوافدين من الخارج من جهة أخرى ،ما عدا هيمنة شيوخ العشائر 1بوصليتهم 1وانتهازيهم على كل مفاصل
الدولة ،وهذا هو ديدنهم في زمن كل الحكومات المتعاقبة ،لتقرر اآلن ،في هذه اللحظة ،ألنها فقدت صبرها،
ولم تعد تحتمل ،وهي ترى بأم عينيها األرتال العسكرية األمريكية الخراب الذي ألحقتها بالعراق ،والذعر
الذي تدبه في نفوس المواطنين ،وتدمر 1كل ما يصادف 1في طريقها ،وتقلب الصالح الى طالح واألبيض الى
أسود ،تقرر ،أن تتقيأ كل العذابات التي القتها ،بعد أن توصلت الى قناعة لعدم معرفتها 1،مثل من سيكون أبنها
النائم في حضنها؟ :مثل أبيه زوجها؟ مثل الرأس المخلوع؟ مثلها هي؟ مثل أبيها؟ مثل هذ الطارق الذي
سيترعرع هذا الصغير 1في كنفه؟ بعد أن دارت كل هذه األسئلة في رأسها ،وعرفت حجم النهب والسلب الذي
يتعرض عليه العراق على أيدي المتسلطين على زمام الحكم ،قررت أال تمتثل الى الواقع فحسب ،بل وتأكل
العراق ،أو كما يقول السارد العليم هو :وتسعى 1للنهش من هذا الواقع ما تستطيع ،دون اإللتفات الى الذين أقل
قدرة على التمسك بحصتهم ،فليس األمر ذنبها هي .من حقها أن تسعى إلنقاذ أبنها ونفسها كي ال تكون مجرد
ضحية أخرى.
نفهم من هذا الطرح .أن قسمة بالرغم مما تتمتع به من روح التمرد ،وموقفها الرافض للغزو والنظام 1الذي
جاءت به أمريكا ،نفهم أنها تتخلى عن كل تلك القيم والمبادئ التي كانت قد تبنتها وتؤمن بها ،من أجل الحفاظ
على مستقبل أبنها؟! يقول غوتيه أن األغراض النبيلة ال تؤخذ بالوسائل 1الخسيسة.
أسوق مقولة غوتيه ،ألنه يخطأ من يظن أن هذه الرواية سهلة ،إآل أنه ليس كذلك ،فهي أصعب روايات
الرملي ،ذلك أن شخصيات 1الرواية ليست نمطية ،أي أنها ال تستقر على موقف 1معين ،وإنما تتغير مواقفها
بسرعة ،كما أنها ال تخلو من االحداث المفاجئة .ولعل هذه القراءات المتعددة لها هي السبيل الوحيد لنفي مبدأ
الميكافيلي الذي تبنته قسمة في توجهها األخير الذي مؤداه " الغاية تبرر الوسيلة" .أي أنها دخلت هذ المعترك
الصعب ،ال من أجل ما تدعي فيه ظاهرا ،وهو تأمين مستقبل أبنها ،إنما إنتقاما من الذين أعدموا زوجها
ووالدها في العهد البائد وهذا العهد ،والكشف 1عن زيف ودجل وسرقة الحكام الجدد الذين سوقتهم 1أمريكا
للعراق .وتفيض الرواية بالجمل التي تأتي لى لسان قسمة ،وهي تعبر عن هذا المعنى ،وال سيما أثر إنتهاء
جالل الدين من تعداد الغنائم التي سيجعل من الحكومة أن تغدقها على الحزب المزمع تشكيله من قبلها وقبل
طارق ،وهو يقول( :وأنا شخصيا سأتبنى تسجيل طلباتكم للحماية مثال على حساب الدولة من حرس ورواتبهم
وسياراتهم وأسلحتهم ،فأختاروهم ،وأختاروا أتباعكم المقربين ،ومساعديكم منذ اآلن ،ولكم أن تغروا البعض
بالتوظيف ،وبأمكاني أن أوظف وأتوسط لتوظيف 1عشرات بل مئات ولو مجرد أسماء دون عمل فعل.(.
إذ ما أن ينتهي جالل الدين من توزيع ثروات البالد بدون رحمة وال واعز ضمير 1عليهما ،على قسمة
وطارق ،حتى تدرك قسمة لحظتها بمدى وقاحة المسؤولين من هذا البلد وحجم ظلمهم 1ومدى نهبهم ،أو كما
تقول " الذين أمضوا حياتهم 1بأمان وحرية في بلدان أخرى يتقاضون تعويضات 1وأمتيازات هائلة ،بينما الذين
بقوا في الداخل تحت قمع الدكتاتورية وعصف الحروب ومرارة الحصار ،ال يحصلون على شيء . ".أو كما
تقول في مكان آخر" وأمر كهذا ال يحدث إآل في العراق ،فقد يتغير كل شيء في يوم واحد ،الفقير يصبح غنيا
والغني فقيرا .الرئيس يصبح سجينا والسجين رئيسا .الجاهل يصبح مديرا والمدير عاطال .والحي يصبح ميتا
والميت يتم تقديسه ،ولو كان ثمة عودة لميت الى الحياة ،لما كان ذلك إآل في العراق أيضا ،وهكذا..
إن هذا التحول في شخصية قسمة من التمرد على أبيها وعلى عهد الرئيس المخلوع من جهة ،وهذا العهد
بالتعاون معه من جهة أخرى ،يدل أن المؤلف يسير على النهج الذي أختطه في في رواياته السابقة ،من حيث
التعويل على تناقض الشخصيات 1مع نفسها ومع اآلخرين ،وال سيما في روايتيه" 1تمر األصابع" و "أبناء
وأحذية" .متمثال هذا التناقض مع نفسها بتخليها عن تمردها 1السابق على أبيها ،وتناقضها مع اآلخرين ،في
عدم قناعتها بالمشروع 1المزمع اإلقدام عليه .وهذا التناقض ال ينطبق على شخصية قسمة فقط ،وإنما يمتد الى
طارق المندهش المعروف بتدينه وطيبته ،وبالمقابل تعاونه مع سراق ولصوص 1العراق ،وكذلك الى شخصية
عبدهللا كافكا المعروف 1بسوداويته وعزلته ورفضه لآلخرين ،باعتباره لقيطا ،وولد 1يتيما بدون أب وال أم،
يتخلى في النهاية عن تمرده هذا ،بالتعاون مع طارق 1إلطالق سراحه من العصابة التي رهنته .أقول إن
هذا التحول الذي يحدث في شخصيات الرواية ،والتي يجد لها المؤلف المسوغات التي يسعى من خاللها إقناع
المتلقي بمصداقيتها أو صحتها ،إنما أفرزتها الظروف 1السياسية المتقلبة وغير المستقرة التي شهدها العراق،
لتنعكس بشكل أو بآخر في نفسية الشعب العراقي ،مرة باإليجاب ،ومرة بالسلب ،وهكذا الى أن تؤول
الشخصية في النهاية على حال ،كما انتهت شخصية طارق الى الصالة والصوم والعزلة في المسجد ،وقسمة
الى األغتيال ،وكافكا 1الى الزواج من الفتاة التي أحبها منذ شبابه" ،سميحة" وحرمه طارق اإلقتران بها،
بإعتبارها شقيقته ومسوغ عدم قدرته على إعالتها بما يجعلها تعيش بسعادة معه ،لميله الى العزلة والتأمل،
أكثر من حبه للعمل والتفرغ الى تكوين أسرة.
وإذا كانت من شخصية بين الشخصيات الثالث الرئيسة تناقض مع نفسها أكثر من الشخصيتين األخريين،
فهي شخصية قسمة .ال لكونها داينامو 1األحداث ومحركها 1األساس ،وشخصيتها أقوى 1من شخصيتي طارق
وكافكا ،بل ألنها أكثر وعيا منهما ،وتعرف ماذا تفعل ،وأين تقودها تصرفاتها 1وأفعالها الغريبة .فهي في الوقت
الذي تقرر فيه التعاون مع الشيخ "طافر" 1والجنرال األمريكي ،تتحدى األول في دخولها في منافسة معه،
للبرهنة على أن المرأة تتساوى مع الرجل في كل شيء ،وبوسعها 1مثله أن تبول واقفة ،وليس كما يدعي الشيخ
طافر بأنها ال تستطيع 1فعل ذلك .بل أن تقذف بسائلها الى مسافة أبعد من المسافة التي يقذف هو به ،وتفوز
عليه .وتتهجم 1على الثاني عبر وصفها لدخول األمريكان للعراق بالغزو واحتالله هو خطأ قاتل.
إن اقتحام 1المرأة لمجلس الضيافة بحد ذاته يعد تحديا ،فأنى وهي تدخل في منافسة مع شيخ العشيرة ،واألشد1
أن تكون هذه المنافسة معيبة ،ليس لدى العشائر فحسب ،بل لدى العامة أيضا .واألكثر 1شدة أن تفوز عليه
وتحرجه .وال تكتفي بإهانة الشيخ طفار ،وإنما تكمل ما بدأت به بالجنرال آدم.
غير أن شعور قسمة برغبة في رمي نفسها على صدر الجنرال آدم ،أثناء ما يأمر جنوده بعدم تفتيش
سيارتهما ،يوحي الى عكس تصرفها السابق ،يوحي الى رغبتها بالعمل معه ،ولعل هذا اإليحاء يزداد أكثر،
عندما أنصرف ،وظلت واقفة هي تنظر اليه من بعيد .وتتناقض رغبتها هذه في الوقت ذاته ،وهي تحاور
الشيخ طافر في مضيف المجلس ،مع جملة ( :كانت ترمقه وتنظر 1في عينيه متعمدة كأنها تتحداه مثل ما تحدت
الشيخ طافر ،أو كأنها تقول له بأنه هو المقصود مما يؤجج حرائق التحدي في وجهها أكثر.(.
وهنا يطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح ،ترى هل كانت قد خططت قسمة لهذه الخطوة أم جاءت بشكل عفوي،
خطوة إقتحامها 1لمجلس المضيف؟ لإلجابة على هذا السؤال ،من وجهة نظري كل الدالئل تشير الى أنها كانت
تفكر بعمل شيء ما ،يجلب األنظار 1اليها ،وال سيما آدم لكي تتقرب اليه ،أو هو يبادر ،ال فرق .وفي 1الوقت
نفسه تتمسك بما تؤمن به ،وتطلق ما بداخلها من معاناة بجرأة ودون تحفظ ،ذلك ألن هذه الخطوة التي أقدمت
عليها .أو األصح القول هذا الفعل الذي أقدمت عليه ،كان سببا لردود األفعال التي تأتي الحقا ،إبتداء من
التهديد األول الذي تتعرض اليه ،ومرورا 1بالتهديد الثاني ،وإنتهاء بإختطاف طارق 1.إذ يقوم بدفع األحداث ،أثر
إيجاد المسوغات إلنتقالها من فعل الى آخر عن طريق هذه المنافسة المبنية على التحدي المغلفة ظاهرها
بالتعاون وباطنها بروح اإلنتقام.
إن تكرار 1جملة ):ستأكل هذا العراق( ،على لسان قسمة أكثر من مرة ،لم تأت إعتباطا أو عن فراغ ،بقدر ما
تأتي بعكس الى ما هي ذاهبة اليه ،أي ليس بهدف الحصول على المغانم ،وإنما إنتقاما من الذي" :أكل والدها
وزوجها 1وطفولتها ومستقبلها 1وحلمها ،لذا قررت أن تتخذه علفا لحلم جديد .".ولعل أبعاد هذه الجملة ،وإن ال
تأتي على لسان عبدهللا كافكا ،إآل أنها تمنح المعنى نفسه ،وهو يصارع مع نفسه في مونولوجاته الداخلية.
وبعبارة أوضح ،إذا كانت قسمة قد عزمت بمحاربة الذين أكلوا العراق ،عن طريق 1إهانتهم وإذاللهم بشكل
مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى ،فإن كافكا 1أختار طريق الوعيد بقتلهم عالنية ،أي بشكل مباشر:
"سأقتله ،سأمزقه الى قطع صغيرة وأطعمه للكالب . . .أمضيت قرابة العشرين عاما في سجون األسر
اإليرانية بأسم الدفاع عن هذا البلد ،ثم يأتي الهارب منه ،مغتصب أمي ليصبح سيدا عليه .سأقتله.".
والمعنى ذاته يعبر عنه طارق 1أيضا وهو يخاطب عباهلل قائال له ":كأن الجميع يدور 1في غابة ،ومن أجل شق
أحدهم دربه فيها ،هو مستعد لحرق كل شيء حوله .وألن الجميع يريد أن يصير 1رئيسا أو رأسا لشيء ما ،فهو
يسعى لقطع أي رأس يشعر بأنه سيكون أعلى من رأسه.".
إذا كانت القراءة األولى للرواية ،تنطلق من وجهة نظر إيجابية ،بوصفها 1تنشد التصدي 1لمثالب النظام الحالي،
والكشف عن مدى حجم النهب والسرقات 1التي يتعرض لها العراق ،فإن القراءة الثانية للرواية يمكن قراءتها1
من وجهة نظر سلبية ،أي من خالل مشاركة قسمة وطارق ،بالكعكة العراقية التي تقاسمتها األحزاب فيما
بينها .وهذه القراءة تعيدني الى السؤال الذي طرحته في القراءة األولى" :ترى هل كانت قسمة قد خططت
مسبقا إلقتحام 1مضيف المجلس ،أم جاءت مبادرتها هذه بشكل عفوي؟ كل الدالئل كما نوهت سابقا ،تشير بأنها
قد خططت لما أقدمت عليه" .بدليل أنها كان لديها" :إحساس مسبق بأنها سترى الجنرال آدم ثانية" .ما معناه
أنها كانت تتمنى اللقاء به ،لغرض التعاون معه للكسب المادي والنفع الذاتي ،ذلك أنها سرت في داخلها
وزادها قوة وثقة بالنفس ،وهي تسمع الجميع وال سيما الجنرال آدم يخاطبها 1بشيخة .وعزمت على التفكير
بذلك الحقا ،وربما 1تبني هذه التسمية الحقا ..أضع خطا تحت الجملة االخيرة ،وهي تعزم ،أي تقرر أن تبلغ
هذه الدرجة وأكثر ،كأن تصبح رئيسة وزراء كما يرد في مكان آخر ،وجالل الدين يقول لها إلغرائها" :ومن
يدري كيف ستكون تحالفات تشكيالت الحكومات القادمة فربما 1تصبحين فجأة رئيسة وزراء عراقية.
أبتسمت قسمة دون تعليق ،فعرف أن ذلك دغدغ أحالمها ".ويتجلى 1إنجذاب قسمة وحماسها للعمل مع النظام
الجديد ،وتقلدها للمناصب أكثر ،أثناء إبداء جالل الدين بعض النصائح لها ولطارق 1لألخذ بها لنجاحهما في
مهماتهما الجديدة ،أثناء إلتفات طارق 1الى قسمة ليتبين رأيها" :فوجدها 1متحمسة جدا ،ولقرب رأسها من رأس
السيد وهو يتحدث ،بدت وكأنها ستقبله او تأكله.".
كما أن مناقشة قسمة وطارق في كيفية إقناع عبدهللا كافكا لمقابلة جالل الدين بشتى السبل الممكنة لذلك ،بما
فيها إذا تطلب األمر تخويفه ،وحتى تهديده ،تدخل هذه المناقشة التي درسا وتمعنا 1في كل جوانبها بمنتهى
الجدية والحماس ،ضمن قراءة الزاوية الثانية للرواية لمنحى الشخصيتين الرئيسيتين ،قسمة وطارق .وأن
جملة" :تخيل طارق 1أنه سيمتلك بيتا فخما في بغداد ،وسيكون له اتباع وحماية وسلطة ومال" هذه الجملة
تدخل ضمن السياق نفسه أيضا .فضال عن إخبارهما 1كافكا ،بأن عليهم التعامل مع الظرف 1المعقد الذي يشهده
العراق بشكل ما ،الى أن يموتوا ،بشكل أفضل لهم وألوالدهم ذلك بمسوغ ،ان كل كائن حي فيه فطرة أو
غريزة الدفاع عن نفسه ،وهذا من حقه ،بل من واجبه.
وإذا كان األمر كذلك ،أي حسب ما يحاوال قسمة وطارق إقناع كافكا من منظور ،أن كل كائن حي له حق
الدفاع عن نفسه بحكم غريزته للبقاء ،عبر التعامل مع الظرف 1الراهن ،أقول إذا كان األمر كذلك ،إذن أن كل
ما يجري من فساد ودمار 1ونهب في العراق على مسؤوليه هم على حق وليسوا 1على باطل وال ذنب لهم لكل
ما يحدث! إن قراءة الرواية من منظورين مختلفين ،أحدهما سلبي واآلخر إيجابي ،جاء مقصودا ،ليس بهدف،
إبراز التناقضات القائمة لدى الشخصيات الرئيسة فحسب ،وإنما وهذا األهم ،لما أفرزته هذه التناقضات 1من
قراءات تمنح معنيين في آن .أي يمكن قراءتها من المنظورين نفسيهما .كأن على سبيل المثال ال الحصر ،إن
إقتحام قسمة لمضيف المجلس ،في الوقت الذي فيه يمكن قراءته ،أنه قد جاء بهدف فضح األساليب الخاطئة
التي يستخدمها 1الجيش األمريكي 1في العراق مع عامة الناس من جهة وإحراج الشيخ طافر أمام أفراد قبيلته من
جهة أخرى .في الوقت ذاته يمكن قراءته على انه كان بهدف تعارف قسمة مع الجنرال آدم والشيخ طافر،
للتعاون معهما ،أو مع رموز السلطة التي يمثالنهما.
كما أن الجملة التي تنطقها قسمة في بداية الرواية ،بعد أن تقيأت ،وهي تقول" :قررت أن آكل العراق" ،قابلة
للتفسيرين أيضا ،فهي من جهة تعني أنها بعد معاناتها 1الطويلة مع الظلم الذي تعرضت له لسنين خلت على
أيدي الحكومات المتعاقبة على الحكم ،آن لها أن تاكل من خيراته .ومن جهة أخرى تعني أنها ستعادي تلك
الحكومات .ستعادي الذين يقلدون مناصب الحكم في العراق ،نتيجة فسادهم وسرقتهم 1ألموال الشعب العراقي،
ولهذا فهي تدعو الى إنشاء قوة مسلحة ،ذلك ألن العراق قد تحول الى غابة ،أو كما هي تقول" :إن لم تكن ذئبا
فقد أكلتك الذئاب .".مناوئا 1طارق دعوتها هذه ":ألن من يحمل السالح سينتهي بإستخدامه حتما.".
تقوم بنية الرواية على تقنيتي اإليحاء ،والتناص في شخصياتها مع شخصيات 1في روايات 1أخرى .تبدأ
إيحاءاتها من جملة " :وعلى الرغم من طول قامته ،شعرت بأنها أطول منه" ،في إشارة الى الحوار الذي
يجري بين قسمة والجنرال آدم في مضيف طافر 1وتتغلب عليه .كما أن جملتي" :شعرت برغبة في رمي نفسها
على صدره وإحتضانه" .وظلت هي واقفة تنظر اليه من بعيد توحي 1الى أنها ستتعاون معه .أما الجملة التي
يطلقها طارق 1بصدد ترويضه لقسمة ،فإنها تأتي بعكس توقعاته ،إذ يهرب من الجحيم الذي كان محاصرا فيه
ببغداد ،قبل قسمة .بينما توحي 1جملة :ورأت الشخص الذي يجلس ملثما في المقعد الخلفي من السيارة . . .ثم
يمرر إصبعه السبابة على رقبته عالمة الذبح ،توحي 1الى اغتيالها في نهاية الرواية .في الوقت الذي يوحي
فيه ،في اإلنفجار الذي يحدث في المطبخ الى إختطاف طارق 1.وتوحي جملة :ثم تحول االمر الى رغبة داخلية
في أن تذبح أحدا أو كائنا وتمنت أكثر أن يذبحها أحد ،الى تأنيب الضمير 1تجاه والدها الذي تمردت عليه،
لتشعر بما شعر به أثناء جز رقبته عن جسمه .كما أن الجملة التي تأتي بعدها :تحسست رقبتها .صارت تفعل
ذلك بكثرة مؤخرا .توحي الى أغتيالها للمرة الثانية في نهاية الرواية .وتكرار لثالث مرات للجهاز المصنوع
من البالستيك ،وردي اللون ،يوحي الى إستخدام 1هذ الجهاز من قبل إحدى الشخصيات ،وأستخدمته قسمة في
بزها للشيخ طافر .وجملة كلما أقتربوا 1من القرية شعر طارق 1بإنشراح روحه كطفل في أيامه االولى في
المدرسة( ،توحي الى التخلي عن مشروعه المزمع في التعاون بسرقة العراق مع الذين أحكموا قبضتهم 1عليه،
بالعودة الى قريته.
كما ان ممارسة طارق الجنس مع زوجته األولى بعد عودته الى القرية ،هذه الممارسة التي شعر فيها بإستعادة
قوته ورجولته ،أو كما يقول الساردبل وكرامته ،أو هيبته وسلطته التي ضعضعتها 1قسمة( ،توحي الى إنشقاقه
عن الحزب الذي أسسه مع قسمة والعودة نهائيا الى القرية .وهذه الجملة التي يطلقها طارق 1بوجه قسمة ) :ال
اريد أن نتورط 1أكثر ،فمن يحمل السالح سينتهي 1بإستخدامه حتما .أخشى أن نكون قد بدأنا بنية البحث عن جثة
والدك فننتهي مثله رؤوسا 1مقطوعة ،نجهل قاطعها . 1.وجثة ضائعة.
توحي الى قطع رأس قسمة .وجملة " جربت دشداشة والدها فوجدتها 1على قياسها تماما ،الى إختطافها 1وقطع
رأسها مثله .تكشف ثخصية " رهيب " عن تناصها 1مع شخصية "الزين"في 1رواية "عرس الزين" ل الطيب
الصالح ،من حيث حب الناس له وتعاونه معهم والرقص 1في أفراحهم ،والمشاركة في أتراحهم ،وعدم
إعتراض أحد على تسلله الى البيوت وتواجده وسط الصاالت واإلختالط 1بهن .كما أن تركيبة جسمه تشبه الى
حد ما بتركيبة جسم الزين ،من حيث كبر رأسه أكثر من جسمه ،واطرافه صغيرة بطول األصابع.