You are on page 1of 26

‫الفصــل الثانــي‬

‫الروايات االدبية للكاتب‬

‫المبحث األول‪ :‬ابرز روايات الكاتب الرملي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األغراض التي تضمنتهاـ روايات الكاتب‪.‬‬


‫المبحث األول‪ :‬ابرز روايات الكاتب الرملي‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫من ابرز الروايات التي اشتهر بها الكاتب والتي سنتطرق لها في هذا الفصل هي ‪:‬‬

‫الفتيت ال ُمبَعثَر سنة ‪ ٢٠٠٠‬م‪.‬‬ ‫–‬


‫تمر األصابع سنة ‪ ٢٠٠٩‬م‪.‬‬ ‫–‬
‫حدائق الرئيس سنة ‪ ٢٠١٢‬م‪.‬‬ ‫–‬
‫ذئبة الحب والكتب سنة ‪2015‬م‬ ‫–‬
‫رواية بنت دجلة سنة ‪2020‬م‬ ‫–‬

‫تدور أحداث بعض روايات‪ 1‬الكاتب الرملي في إحدى القرى التابعة لمحافظة الموصل‪ ،‬وهذه القرية تكاد أن‬
‫تكون القرية نفسها التي تناولها في روايتيه‪( :‬أصابع التمر) و (الفتيت المبعثر)‪ .‬ولعل تكرار وقوع‪ 1‬أحداث‬
‫رواياته في قرى تتشابه بعضها مع البعض‪ ،‬دليل واضح على أنه يستمد أحداث رواياته من واقع حياة قريته‬
‫(سدرة) التابعة لقضاء الشرقاط‪ ،‬حيث تدور‪ 1‬أحداثها حول ثالثة أصدقاء هم عبدهللا كافكا ‪ ،‬إبراهيم القسمة‪،‬‬
‫(‪)١‬‬
‫وطارق‪ 1‬المندهش‪ ،‬الذين تجمع بينهم صداقة قوية منذ صغرهم‪ 1،‬إذ ولدوا الثالثة في العام نفسه ‪1959‬م‪.‬‬

‫رواية الفتيت المبعثر‬

‫وهي الرواية الحائزة على جائزة اركنسا األمريكية‪ ،‬وعلى الرغم من حجمها الصغير فإن القيمة الفنية لهذه‬
‫الرواية مهمة جدا‪ ،‬والسرد‪ 1‬فيها متشعب واال يوجد فيها بطل واحد‪ ،‬لذلك يتصف المعمار السردي‪ 1‬بالتشظي‪،‬‬
‫وهناك تهشيم في وحدة الحكاية‪ ،‬لجل تبدو مجموعة من ‪،‬الحكايات لكن حيث تخلو من رابط قوي بين‬
‫الشخصيات واألحداث "الحكايات الحزينة مملومة في العراق لكثرتها‪ 1‬حيث لكل إنسان هناك مصيبته التي‬
‫كف عن حكيها الن للسامع مصيبته أيضا" صفة السردية عند محسن الرملي عابرة للحدث حيث تندمج فيها‬
‫لغة التسجيل والتوثيق في البناء الفني للكتابة السردية "األبواب في القرية مفتوحة والكالب ال تنبح إال على‬
‫الغرباء‪ .‬لألشياء هناك أسماء خاصة‪ ،‬الحيوانات واألواني‪ 1‬واألحجار والغيوم‪ )٢( 1.‬للناس أسماء كثيرة‪ ،‬منها ما‬

‫يطلق بعد حادثة ويشتهر‪ ،‬أو يقال مزحة ويستم رمن الناس من ينسى الناس اسمه حين ينادي على مناداته بأبن‬
‫فالن أو فالنة أو زوج فالنة‪.‬‬

‫‪.‬يوسف‪ ،‬مسيرة الرملي ص(‪(١) )١٤٢‬‬


‫محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ‪٢((.) ١٥٨‬‬
‫الحبكة السردية‪:‬‬

‫خطوط السرد عند السارد تبدو‪ 1‬متشابكة وخضعت جميع الشخصيات لسلطة السارد لمعرفته لكل شيء رغم‬
‫تعدد مستويات السرد‪ ،‬وهناك تالعب بالزمن يخلق المتعة لدى المتلقي‪ ،‬فحكاية عجيل مع أبره القنفذ في‬
‫بلعوهم‪ ،‬وقصص ولده "قاسم"‪ 1‬وأحفاده "إبراهيم‪ ،‬وإدريس وشيماء"‪ 1‬وزوجته سليطة اللسان "حسيبة" أبنة‬

‫عمه وحكاية "بياض ذراعها" وال تخلو السردية من األثارة الجنسية "في تلك اللحظة اندفعت حسيبة من‬
‫مرحاضهم‪ 1‬راكضة نحو باب الدار فطار شعرها‪ 1‬في الهواء‪ ،‬ترجرج صدرها‪ ،‬التمعت ذراعها البيضاء‬
‫وأوصدت الباب خلفها بعنف‪ ..‬أيعقل أن يكون لون اللحم أبيض إلى هذا الحد؟! بضا إلى هذا الحد؟!‪ ..‬أيكون‬
‫(‪)٣‬‬
‫الذي يجري تحت جلدها حليبا أو لبنا أو سما وليس دما؟‪.‬‬

‫الغرائبية في الشخصيات‪:‬‬

‫يركز الروائي‪ 1‬على خلق شخصيات تملك روح الدعابة‪ ،‬شخصيات غرائبية فهو يصف كل شيء يستحسنه‬
‫بهذه الكلمة‪ ،‬وال يعجبه سلوك قاسم‪ 1‬وسعدي "ليسا نشن ألنهما هربا من" الجيش عند اشتداد الحرب!! الن قاسم‬
‫فنان وخياله واسع فقد ) نسي نفسه يوما كآمال إث‪11‬ر رؤيت‪11‬ه ل‪11‬ذراع "حس‪11‬يبة " ول‪11‬ه موق‪11‬ف من الح‪11‬روب ل‪11‬ذلك‬
‫هرب من الجيش حتى تعرض الى اإلعدام "أنه يرفض الحروب جملة وتفصيال‪ ،‬إنها ال تنسجم وميوله الفني‪11‬ة‪،‬‬
‫يري‪111‬د أن يقت‪111‬ل أو يقت‪111‬ل‪ ،‬وم‪111‬ا يح‪111‬دث مهزل‪111‬ة ال‬ ‫‪.‬يوسف‪ ،‬مسيرة الرملي ص(‪(١) )١٤٢‬‬
‫محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ‪٢((.) ١٥٨‬‬
‫أن‪111111‬ه ال‬
‫(‪)٤‬‬
‫يستسيغها‪1.‬‬

‫أساليب جديدة في السرد ‪:‬‬

‫السرد لدى الرملي ال يتفصل فيه الشكل عن المضمون فه‪11‬و يجم‪11‬ع بين االث‪11‬نين في أس‪11‬لوب نس‪11‬تطيع أن نطل‪11‬ق‬
‫عليه المعمار الفني للرواية" وهو دائما يستخدم الجديد في عملية الس‪11‬رد ليش‪11‬د المتلقي مع‪1‬ه من دون اإلحس‪11‬اس‬
‫" بالملل" وإذا كان لكل فرد في العائلة‪ ،‬بل وفي القرية‪ ،‬كلمة ترتبط به بش‪11‬كل م‪11‬ا‪ .‬كم‪11‬ا ان‪11‬ه اس‪11‬تخدم تص‪11‬ريف‪1‬‬
‫األفعال من اجل جعل المتلقي يركز على المواقف‪ 1‬والشخصيات‪ 1‬فتكون عبارته كما يلي ‪:‬‬
‫‪.‬الزعبي‪ ،‬التناص نظريا وتطبيقيا ص (‪(٣) )٤٢-٤١‬‬
‫المصدر السابق (ص ‪٤((.) ١٨‬‬

‫أما محمود‪ ،‬فهذا الولد يحيره\ يحيرنا\ يحيركم‪ 1..‬ألنه غالبا ما ينساه\ ننساه\ تنسونه\ وينسى‪ 1‬نفسه‪ ،‬ولعل أبلغ ما‬
‫يقال فيه ما قاله والده‪ :‬إنه ال ش‪11‬يء‪ ..‬ه‪11‬ذا الول‪11‬د ال ش‪11‬يء على االطالق‪ ...‬إن‪11‬ه آدمي ب‪11‬ال ظ‪11‬ل‪ ،‬ولكن‪11‬ه رقم في‬
‫تعداد السكان وكان يمكن ان يضع السارد كلمة واحدة تدل على الجميع حينما يستخدم الضمير لكنه متقص‪11‬د ان‬
‫يتالعب باللغة فهو ال يقول إنه باال أهمية الى هذا الحد ويكتفي بل يض‪11‬يف‪ ،‬إن‪11‬ه بالنس‪11‬بة لهم\ لن‪11‬ا\ لكم لنفس‪11‬ه\‬
‫الهادي‪)3( .‬‬ ‫للجميع كأي سمكة صغيرة ال نعرفها في ظلمات قاع المحيط‬

‫الفن ليس للقائد هنا تتوقف‪ 1‬الرواية عند مفصل مهم وخطير يمثل موقف المثقف أو الفنان من السلطة‪،‬‬
‫وبشخصية قاسم الرسام‪ 1‬ي‪1‬دين ال‪11‬روائي ك‪11‬ل من ب‪1‬اع موهبت‪1‬ه وانتاج‪1‬ه للس‪1‬لطة في ظ‪11‬ل النظ‪11‬ام الس‪1‬ابق أو ك‪1‬ان‬
‫مضطرا بسبب الخوف قاسم الذي يستطيع ان يرسم اشياء كثيرة يرفض رسم صورة ص‪11‬دام حس‪11‬ين "كائن‪11‬ان‪..‬‬
‫فقط‪ .‬من فكر في رسمهما‪ ،‬حاول ولم يستطيع‪ ،‬أثنان ال غيرهم‪11‬ا‪ :‬ش‪11‬قيقه محم‪11‬ود و"القائ‪11‬د"‪ ...‬محم‪11‬ود ألن‪11‬ه لم‬
‫يجد فيه ما يرسم‪ ،‬أما القائد فألنه ال يعرف‪ ..‬بل ال يطيق‪ 1‬أن يرسم شيئا يشعر بالع‪11‬داء تجاه‪11‬ه‪ ،‬فكي‪1‬ف‪ 1‬إذا ك‪11‬انت‬
‫مشاعره تتفجر كراهية له؟ لذلك رفض طلب أبيه أن يرسم صورة كب‪11‬يرة للقائ‪11‬د؟ \ ه‪11‬ا‪ ..‬م‪11‬تى س‪11‬تكملها؟ ألن‪11‬ني‬
‫أريد تعليقها هنا في واجهة غرفة الضيوف‪ .‬أبتلع قاسم ريقه وتمتم‪-:‬أبي‪..‬ال‪..‬أستطيع\ صعدت الدهشة إلى وجه‬
‫األب‪ -:‬ماذا‪..‬؟ طأطأ قاسم !رأسه وأعاد تمتمته‪ -:‬أبي ال استطيع‪ ...‬لقد ح‪1‬اولت ذل‪11‬ك أك‪11‬ثر من م‪11‬رة وفش‪1‬لت‪...‬‬
‫ابنك يا أم ‪ ..‬قاسم‪ ..‬يكره الوطن فهبط قاسم‪ 1‬إلى كف أبيه يقبلها – ال يا أبي‪ ..‬ال تظلمني‪ ،‬أقسم‪ 1‬لك‪ ..‬أن‪11‬ني أحب‬
‫بلدي مثل حبك ومثل حب جدي‪ ..‬لكن‪11‬ني أك‪11‬ره ه‪11‬ذا الرج‪11‬ل‪ .‬وحينم‪11‬ا أراد ان يرس‪11‬م ألبي‪11‬ه ش‪11‬يئا يع‪11‬بر عن حب‪11‬ه‬
‫للوطن رسم لوحة خارطة الوطن باألحمر‪ ،‬أحطتها بدائرة قلب أخضر‪ ،‬ثم رس‪11‬مت النه‪11‬رين ب‪11‬األبيض‪ ...‬األب‬
‫قال له ‪:‬لكنك قلبت األلوان‪ ..‬كان المفروض أن تجعل ل‪11‬ون ال‪11‬وطن أخض‪11‬ر‪ ،‬ول‪11‬ون القلب أحم‪11‬ر‪ ،‬كم‪11‬ا هم‪11‬ا في‬
‫الحقيقة والواقع‪ 1..‬وبعد حين عندما يلقي القبض على قاسم ويعدم‪ 1‬أمام أه‪11‬الي القري‪11‬ة‪ .‬يح‪11‬زن علي‪11‬ه األب كث‪11‬يرا‪،‬‬
‫وبعد أن يدفع ثمن الرصاصات‪ .‬التي ُأعدم فيها ابنه قاسم‪ ،‬أصبح يفهم ألوان اللوحة وطن أحمر وقلب أخضر‪.‬‬

‫غنيم‪ ،‬مشكالت السرد في رواية عكا والملوك ص ‪١((١٥١‬‬

‫محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ‪٢((.) ١٥٨‬‬


‫‪1‬الخاتمة‬

‫زاوية الرؤية عند الرملي قدمت تحفة فنية‪ ،‬أتقن فيها رسم الشخصيات وخلق‪ 1‬عالقات بين الزمان والمكان‬
‫والحدث "الحرب" بحيث يمكن للمتلقي أن يستحضر تلك األحداث التي تم‪11‬ر ب‪11‬العراق‪ ،‬إذا ك‪11‬ان ق‪11‬د ع‪11‬اش تل‪11‬ك‬
‫المرحلة‪ ،‬ومن لم يكن موجودا‪ ،‬فهو‪ 1‬يستطيع أن يتخيلها تجسدها‪ 1‬الصور المؤثرة واألسلوب الراقي للوصف‪1‬‬

‫‪.‬الزعبي‪ ،‬التناص نظريا وتطبيقيا ص (‪(٣) )٤٢-٤١‬‬


‫المصدر السابق (ص ‪٤((.) ١٨‬‬

‫بما ‪.‬يملك من جواهر الكلمات المعبرة عن كل االنفعاالت اإلنسانية هنا في األص‪11‬قاع القريب‪11‬ة من غرن‪11‬ا نتقاس‪11‬م‬
‫مع الفلسطينيين النحيب‪ ..‬نبكي كالنساء على أوطان لم نعرف المحافظة عليها كالرجال‪...‬ال نجي‪11‬د غ‪11‬ير تس‪11‬ويد‬
‫وط‪111‬ني(‬ ‫الصفحات بصرخات حزينة‪ ،‬فيراودني‪ 1‬الشك بأن مصانع تكرير‪ 1‬الورق ستكفي لفيض آبار الحكايات في‬
‫‪)١‬‬

‫تمر األصابع‬

‫تعتبر الرواية الثانية للكاتب العراقي محسن الرملي ‪ .‬حيث صدرت رواية "تمر األص‪11‬ابع" باللغ‪11‬ة اإلس‪11‬بانية‬
‫أو الً في مدري‪11‬د س‪11‬نة ‪ 2008‬عن دار الترث‪11‬ير نوم‪11‬بره ثم ص‪11‬درت طبعته‪11‬ا العربي‪11‬ة األولى س‪11‬نة ‪2009‬م في‬
‫بيروت عن الدار العربية للعلوم ‪ -‬ناشرون (‪ , )2‬وايضا منش‪11‬ورات‪ 1‬االختالف في الجزائ‪11‬ر‪ ،‬وق‪11‬د ترش‪11‬حت ه‪11‬ذه‬
‫الرواية ضمن القائمة الطويلة ‪ ) ,‬العالمية للرواية العربية " البوكر " سنة ‪ 2010‬م(‪. )2‬‬

‫حيث تدور أحداثها بين العراق وإسبانيا‪ 1‬وتتن‪1‬اول ج‪1‬وانب من طبيع‪1‬ة التح‪1‬ول في المجتم‪1‬ع الع‪1‬راقي‪ 1‬على م‪1‬دى‬
‫ثالثة أجيال‪ ،‬حيث تط‪11‬رقت إلى ثنائي‪11‬ات ومواض‪11‬يع ش‪11‬تى ك‪11‬الحب والح‪11‬رب والدكتاتوري‪11‬ة والحري‪11‬ة والهج‪11‬رة‬
‫والتقاليد والحداثة والشرق والغرب‪ ..‬وغيرها‪)٢( .‬‬

‫حيث تتقاطع أحداث ه‪11‬ذه الرواي‪11‬ة وأح‪11‬داث حاض‪11‬ر ت‪11‬دور‪ 1‬في إس‪11‬بانيا‪ ،‬أي بين م‪11‬ا ‪ "،‬مه‪11‬د الحض‪11‬ارات " بين‬
‫الماضي وذكريات العراق مهد طفولة الكاتب حيث يربط اإلنس‪11‬ان بم‪11‬وطن األج‪11‬داد‪ ،‬وحيات‪11‬ه في بل‪11‬د الهج‪11‬رة‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬يوسف‪ ،‬مسيرة الرملي ص(‪(١) )١٤٢‬‬
‫محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر (ص ‪٢((.) ١٥٨‬‬
‫المحتض‪11‬ن للق‪11‬ادمين أو اله‪11‬اربين من واق‪11‬ع بالدهم األليم‪ .‬حيث قاب‪11‬ل الك‪11‬اتب المش‪11‬اهد والص‪11‬ور‪ 1‬ال‪11‬تي ت‪11‬برز‪1‬‬
‫المواضيع األساسية لحياتين مختلفتين تعودان للشخص نفسه‬

‫‪ .‬إحداهما كونت الك‪11‬اتب وم‪11‬ا زالت تس‪11‬كنه حنين‪11‬ا‪ ،‬واألخ‪11‬رى‪ 1‬مكتس‪11‬بة يعيش‪11‬ها بإرادت‪11‬ه‪ ،‬ويفرض‪11‬ها الت‪11‬أقلم م‪11‬ع‬
‫يوميات حاضر عملي وفي محاولة للوصل بين خارج أقواس العراق قبل عشرة أع‪11‬وام " وطنت نفس‪11‬ي على‬
‫النسيان حتى توطنت " الحياتين‪ ،‬قص الراوي‪ 1‬صورا من الجرائد لموطن‪11‬ه األص‪11‬لي‪ ،‬تنق‪11‬ا منه‪11‬ا األق‪11‬ل قس‪11‬وة‪،‬‬
‫ويعلقها على جدران غرفته‪".‬هويتي‪ 1‬األولى‪ ،‬حنيني‪ ،‬شوقي‪ 1‬إلى احتضان أمي وإخوتي‪ ،‬إلى زيارة قبر"‪ 1‬ينظ‪11‬ر‬
‫إليها ويمارس‪ 1‬بحسب ما يقول وعالية هي ابنة عمه ‪ ".‬عالية‪ ،‬إلى الس‪11‬باحة في نه‪11‬ر دجل‪11‬ة‪ ،‬إلى أص‪11‬دقائي‪ ،‬إلى‬
‫)‪)٣‬‬
‫أبقارنا وحميرنا ودجاجاتنا والجبل وحبيبته األولى التي قضت غرقا في النهر‬

‫حيث تتناول الرواية اإلحساس بالوطن الذي لم يكن وطنا آمنا‪ ،‬إال أنه يظل ساكنا بداخل المغترب‪ ،‬يعيش‬
‫‪.‬معه وفي أجواءه حتى وهو في بلد آخر استقر فيه‬

‫الشخصيات‬

‫سليم‪ :‬البطل‪ ،‬شاب في الثالثينات من عمره‪ ،‬يعيش في إسبانيا‪ ،‬لكنه يظل دوما مشدودا‪ 1‬إلى وطنه العراق‪،‬‬
‫يعلق صوره على الحائط ويعيش في شقته الصغيرة حنينه الكامل لوطنه‪ ،‬يجد أبوه بالمصادفة في إسبانيا‬
‫‪.‬ويتكشف‪ 1‬له األمر تدريجيا‬

‫نوح‪ :‬أبو البطل‪ ،‬وهو بطل في الرواية أيضا‪ ،‬فقد بدأت محنة العائلة به‪ ،‬حيث ثار لفعل تحرش قام به أبناء‬
‫أحد المسئولين تجاه ابنته الصغيرة‪ ،‬ومن هذه الثورة بدأت محنة عائلة “نوح” التي سوف تكبر وتظل تعذبه‬
‫هو ابنه سنوات طويلة‪ ،‬هو ثري يحمل في داخله شخصيتان متناقضتان تماما‪ ،‬شخصية مطيعة شديدة التدين‬
‫والتمسك بالشريعة والطاعة المقدسة لوالده‪ ،‬في حين أن شخصيته األخرى تميل الى التمتع بالحياة وبالحب‬
‫وبصحبة البشر من مختلف الجنسيات و بالمرحوم‪ 1‬الصخب‪ ،‬لكنه في النهاية ينحاز للشخصية األقرب إليه‪.‬‬

‫الجد‪ :‬رجل صارم‪ ،‬قوي حازم‪ ،‬كان يحكم عائلته ويزرع‪ 1‬فيهم دوما منطق الثأر ألنفسهم ممن يعتدي عليهم‪،‬‬
‫لذا فقد قاد عائلته لمعاداة الحكومة حين قبض على “نوح” بعد أن ضرب الفتي الذي تحرش بابنته‪ ،‬وقد‪ 1‬قاد‬
‫هذا التمرد إلى محنة كبيرة عانت منها العائلة‪ ،‬لكن الجد كان قويا وقائدا‪ 1‬وحمل عائلته إلى أن تبني قرية جديدة‬
‫بعد أن هجروا قريتهم‪1.‬‬

‫عالية‪ :‬ابنه عم “سليم”‪ ،‬أول حب في حياته‪ ،‬كان يحبها وقت أن كان طفال‪ ،‬وتقرب من خالله لعالم األنثى‬
‫‪.‬علي ‪ ،‬روايات الرملي ص(‪)١٢‬‬
‫محسن الرملي – رواية الفتيت المبعثر ‪١٥‬‬

‫ظلت مالزمة له تسكن خياله سنوات حياته رغم أنها وفت وهي مراهقة غرقا في النهر استبرق‪ >:‬أخت‬
‫“سليم”‪ ،‬فتاة كانت تعاني من مرض طويل‪ ،‬وكانت تحب ابن عمها “صراط”‪ ،‬لكنه قتل في حرب العراق مع‬
‫إيران‪ ،‬ونجت هي من مرضها المزمن وتزوجت وأنجبت ثالثة أطفال‪ ،‬كانت قريبة من البطل يصارحها‬
‫‪.‬بحبه ل ”عالية ”وتساعده في التواصل معها‬

‫فاطمة‪ :‬فتاة مغربية تعمل في مرقص يديره “نوح” وصاحبته اإلسبانية‪ ،‬تعرف عليها “سليم” ثم تزوج منها‪،‬‬
‫بسبب أنها تتفق معه في أشياء كثيرة‪ ،‬هربت من فقر عائلتها إلى إسبانيا وأيضا‪ 1‬لكي تعولهم‪.‬‬

‫روسا‪ :‬سيدة إسبانية‪ ،‬وقعت في غرام “نوح” وساعدته على الوصول إلى إسبانيا واالستقرار‪ 1‬فيها‪ ،‬وهي ال‬

‫تعرف أنه ذهب إلى إسبانيا فقط ألنه يريد الثأر لنفسه ولعائلته‪.‬‬

‫آزاد‪ :‬صديق‪ 1‬كردي لـ”نوح”‪ ،‬يقوم باالنتقام من رجال السلطة بسبب أنهم قتلوا عائلته وهدموا قريته‪ ،‬ساعد‬
‫“نوح” وعمال سويا ألجل االنتقام‪.‬‬

‫الراوي‬

‫هو البطل “سليم”‪ ،‬يحكي عن نفسه ومشاعره الداخلية وإحساسه بوطنه وبعائلته وبجده وأبيه‪ ،‬ويحكي‪ 1‬عن‬
‫الشخصيات من خالل وجهة نظره هو ورؤيته لهم‪.‬‬

‫السرد‬

‫السرد محكم البناء يعتمد على التداعي في ذهن الراوي‪ ،‬يحكي عن نفسه وهو يعيش في إسبانيا ليعود إلى‬
‫طفولته وقريته‪ ،‬ثم يعود مرة أخرى إلى اسبانيا وهكذا‪ ،‬الرواية تقع في حوالي ‪ 174‬صفحة من القطع‬
‫المتوسط‪ ،‬ال تعتمد على التشويق‪ 1‬بقدر ما تعتمد على أحداث ثرية‪.‬اختيار وطن‪..‬‬

‫مما قيل عن هذه الرواية‬


‫يقول عنها الكاتب اإلسباني المعروف‪ 1‬رافائيل ريج بأنها ‪ :‬رواية تطرح علينا أسئلة نخشى طرحها‪ 1‬على أنفسنا‬

‫وتكشف لنا مما نجهله عن أنفسنا نحن األس‪11‬بان‪ ،‬وهي في ال‪11‬وقت نفس‪11‬ه بمثاب‪11‬ة رحل‪11‬ة للتع‪11‬رف على ال‪11‬ذات من‬
‫خالل التعرف على األب‪.‬‬

‫ووصفها الشاعر والناقد مانويل‪ 1‬رينا في مقال له عنها في صحيفة اآل بي ثي بأنها‪ :‬رواية مش‪11‬حونة بالعاطف‪11‬ة‪،‬‬
‫بديعة باستحضاراتها‪ 1‬وحنانها وتمتاز‪ 1‬بقدرة كبيرة على رسم التناقضات‪ 1‬ونق‪11‬اط االختالف والتالقي‪ 1‬بين ثقاف‪11‬ات‬
‫الغرب والشرق‪ 1..‬إنها بحق هدية للفكر والحواس‪1.‬‬

‫فيما كتب عنها المسرحي والشاعر فرانثيسكو‪ 1‬ثينامور‪ 1‬يقول بأنها‪ :‬جميلة‪ ،‬جميلة جداً هذه المشاهد والحكاي‪11‬ات‬
‫التي يبدعها لنا محسن الرملي والتي تتعلق بالحب وبالتراجيديا‪ 1‬وبالثنائي‪11‬ات‪ 1‬وب‪11‬التحول والص‪11‬راع‪ 1‬بين التقلي‪11‬دي‬
‫والحديث‪.‬‬

‫بينما اعتبر الملحق الثقافي لصحيفة "الموندو" محسن الرملي بأنه واحد من أهم األصوات في النثر العراقي‪1‬‬
‫المعاصر‪.‬هي‪ 1‬ثورة األنا بين إرث الماضي وثأر الحاضر‪ ،‬وهي من األعمال األدبية ذات الحضور‪ 1‬الس‪11‬ردي "‬
‫تمر األصابع "‪.‬االستثنائي واللغة الفنية متع‪11‬ددة المس‪11‬تويات‪ ،‬مفتوح‪11‬ة الع‪11‬والم‪ ،‬ق‪11‬ادرة على خل‪11‬ق ج‪11‬ادات أدبي‪11‬ة‬
‫وفكرية جديدة‪ ،‬تحرك الساكن والساكت فينا حول مشهد العالم أمامنا"‪.‬‬

‫يقول فهد توفيق‪ 1‬الهندال في صحيفة "القبس" الكويتية‪ ،‬العدد‪" 13217‬ان هذه الرواية قد تمكنت من الوق‪11‬وف‬
‫عند تقاطع عالمي الشرق والغرب عبر هذه البراعة اللغوية‪ ،‬وإن تداخل الماضي بالحاضر‪ ،‬وما يتعلق بال‪11‬ذات‬
‫الساردة‪ ،‬واآلخر وهي تتشكل عبر سرديتها‪ 1‬المتوترة وحيويتها‪ 1‬التصويرية في أبعاده‪11‬ا التراجيدي‪11‬ة والكوميدي‪11‬ة‬
‫تجعل النص حافال "‬

‫د‪.‬محمد المسعودي‪ 1‬في صحيفة "القدس العربي" العدد ‪ 6386‬لندن يصف الرواية بالمتع‪11‬ة ومفي‪11‬دا لك‪11‬ل مت‪11‬دبر‬
‫في عالقة الغرب بالشرق‪ ،‬وفي حقيقة الشرق والغرب على السواء محسن الرملي ينثر خيوط الحكاية ببراع‪11‬ة‬
‫واضحة وأن تلحس " تمره " وي‪11‬ترك‪ 1‬ل‪11‬ك تلمس‪11‬ها ونس‪11‬ج الش‪11‬بكة الروائي‪11‬ة ‪ .‬و "تم‪11‬ر األص‪11‬ابع " نص روائي‬
‫يمكنك أن تأكل " أصابعك" بعد األكل او القراءة‪.‬‬

‫يق‪11‬ول د‪ .‬س‪11‬لمان زين ال‪11‬دين في ص‪11‬حيفة الحي‪11‬اة ‪ 02‬س‪11‬بتمبر ‪ 2009‬م لن‪11‬دن " بين اإلحس‪11‬اس العمي‪11‬ق بمف‪11‬اهيم‬
‫الشرق‪ ،‬وبين ما يقدم‪1‬ه الغ‪1‬رب من مف‪1‬اهيم وأط‪1‬ر ثقافي‪1‬ة مختلف‪1‬ة‪ ،‬تتط‪1‬رق‪ 1‬ه‪1‬ذه الرواي‪1‬ة إلى مواض‪1‬يع‪ 1‬متع‪1‬ددة‬
‫كالهجرة واالغتراب والحنين والحب‪ ،‬ومفهوم الوطن‪ ،‬عبر ص‪11‬ور م‪11‬ع بّ‪11‬رة ومش‪11‬اهد‪ 1‬قوي‪11‬ة وم‪11‬ؤثرة‪ ،‬لكن في‬
‫إطار من الحنان الذي يشذب القسوة‪ ،‬ومن خالل نظرة إنسانية هادئة‪ ،‬تبحث عن الرفعة‪.‬‬

‫اختيار وطن‪.‬‬

‫أهم ما تتناوله الرواية فكرة الوطن‪ ،‬والصراع بين أناس متمردون‪ 1‬يعتزون بأنفسهم وبين السلطة الغاشمة التي‬
‫تريد إخضاع الناس وتسير‪ 1‬وفق مصالحها‪ ،‬فهي سلطة ظالمة طبقية تحابي من ينتمي لها وتشجع الفوارق‬
‫الطبقية‪ ،‬وفي‪ 1‬حين أنها تتيح كل شيء للقريبين منها تتعامل بأشد درجات العنف والقسوة مع باقي المواطنين‪،‬‬
‫خاصة الذين يتمردون عليها أو يواجهونها‪ ،‬فقد تم التنكيل بـ”نوح” ألنه ثار عندما تحرش أحد الشبان بابنته‪،‬‬
‫وقد قوبل غضبه هذا ببطش شديد من السلطة وتعذيب بالكهرباء حتى أنه تأثر جسديا وأصبح أعرجا‪ ،‬وعائلته‬
‫التي قررت مناصرته ومهاجمة المحافظة في المدينة التي سجن فيها نكل بهم أيضا وغيرت الحكومة لقبهم من‬
‫“المطلق” إلى “القشامر”‪.‬‬

‫ورغم أنهم استمروا‪ 1‬في تمردهم وهاجروا‪ 1‬إلى مكان جديد بنوا فيه قريتهم‪ 1‬بمعزل عن الحكومة وسلطتها‪ ،‬إال‬
‫أن السلطة قررت أن يخضعوا لها وأخذت أبناء القرية إلى الحرب مع إيران‪ ،‬ليموت عددمن الشباب ويرفض‬
‫الجد دفنهم‪ 1‬دون الثأر لهم‪ ،‬وهنا تتفاقم المحنة ويصبح موت الجد مخرجا لها‪ ،‬فقد تعفنت الجثث واألهالي‪1‬‬
‫يريدون دفن أبنائهم و ”نوح” يقر بأنه‬

‫ضعيف في مواجهة السلطة الغاشمة‪ ،‬و ”سليم” يترك القرية هربا من احتدام األزمة‪ ،‬ويترك‪ 1‬بلده ويظل يتنقل‬
‫في البلدان إال أن يستقر في إسبانيا‪.‬‬

‫يحتفظ “سليم”‪ 1‬بالوطن داخله‪ ،‬يستسلم للحنين وكأنه يعيش فيه في شقته الصغيرة‪ ،‬في حين أن والده يتحين‬
‫الفرص لألخذ بالثأر وتنفيذ وعدا قطعه لوالده أن يثأر من ذلك الشاب‪ ،‬ويترك‪“ 1‬نوح” شخصيته األخرى‬
‫لتتحرر تماما‪ ،‬ويهجر قريته هو أيضا سعيا وراء االنتقام ويذهب إلى إسبانيا‪ 1‬ليستقر فيها بصحبة “روسا”‪،‬‬
‫ويدير مرقصا هناك يشرب فيه كثيرا ويتعامل‪ 1‬كقائد ذكي‪ ،‬وحين يرى الصور التي يعلقها ابنه للعراق حتى‬
‫وإن كانت صور‪ 1‬لمذابح أو مجازر‪ 1‬يسخر من تعلقه الشديد بالوطن‪ ،‬مؤكدا له أن الوطن هو الذي نختاره وليس‬
‫الوطن الذي نولد فيه ونعيش بال أمان‪ ،‬ليشتعل الصراع بين البطلين ويصل إلى ذروته‪ ،‬ويكون الحل مرضيا‬
‫لـ”سليم” وهو أن يترك والده فكرة الثأر ويواصل‪ 1‬حياته‪ ،‬ألن الثأر عنف موازي‪ 1‬ويستجيب “نوح” البنه‬
‫ويترك الثأر ويقرر مواصلة حياته في ألمانيا مع حبيبته “روسا”‪ 1،‬ويحاول عمل تصالح بين شخصيتيه‬
‫المتناقضتين في حين أن “سليم” يقرر االستقرار بصحبة “فاطمة” والعيش بسالم‪ .‬تتميز الرواية بأنها تحكي‬
‫عن العراق في الفترة ما قبل الحرب مع إيران أي في الثمانينيات‪ 1‬وحتى فترة الحصار‪ 1‬عليها قبل غزو أمريكا‪،‬‬
‫وكيفية تعامل السلطة مع الناس‪ ،‬وجرها للشباب إلى حرب ال طائل لها‪ ،‬كما أنها ترصد‪ 1‬كيف تتعامل مع من‬
‫يتمردون على السلطة‪ ،‬وكيف أن هناك أناس كانوا يفضلون مقاومة السلطة رغم بطشها بعزيمة وقوة‪.‬‬

‫كما تحكي عن إسبانيا من خالل معايشة “سليم” لها وكيف‪ 1‬أن العجائز يعاملونه بتوجس ويرفضون وجود‪1‬‬
‫الجئين‪ ،‬في حين أن شخصية مثل “روسا”‪ 1‬تتعامل بحب واهتمام‪ ،‬وأناس آخرون يتقبلون الالجئين بترحاب‬
‫وفضول‪ 1‬للتعرف عليهم وعلى تميزهم‪ ،‬الرواية محملة بأحاسيس كثيرة ثرية‪ ،‬حنين إلى الوطن والعائلة والجد‪،‬‬
‫وإلى الحب األول الذي شكل الوجدان وأيام الطفولة التي تنحفر عميقا في ذات اإلنسان‪ ،‬كما ترصد مشاعر‬
‫النقمة والسخط‪ 1‬كرد فعل على الظلم الفاحش‪.‬‬

‫وأهم ما تناقشه الرواية أن التمرد على سلطة غاشمة والذي كان يمثله الجد‪ ،‬واألخذ بالثأر قد يكون أمرا صائبا‬
‫رغم ما له من عواقب وخيمة‪ ،‬لكن أيضا رفض العنف الموازي‪ 1‬والتسامح قد يكون أمرا صائبا وهذا الرأي‬
‫يمثل “سليم”‪.‬‬
‫رواية حدائق الرئيس‬

‫تعتبر رواية "حدائق‪ 1‬الرئيس " ثالث عمل روائي‪ 1‬في مسيرة محسن الرملي‪ ،‬الكاتب والمترجم والباحث‬
‫العراقي المعروف‪ 1،‬المقيم في مدريد‪ ،‬فقد نشر سنة ‪ 2000‬روايته االولى " الفتيت المبعثر " التي ترجمت إلى‬
‫االنجليزية تحت عنوان " ‪ , "Scattered‬ونشر بعدها سنة ‪ 2009‬روايته الثانية " تمر األصابع " التي‬
‫صدرت "‪ "Crumbs‬باإلسبانية أوال ثم بالعربية ثانيا‪ ،‬وهي رواية لقيت الكثير من االستحسان من القراء‬
‫والنقاد على حد سواء‪ ،‬كما كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية ‪ ,2010‬رواية "حدائق‬
‫الرئيس" الصادرة مؤخراً عن دار ثقافة في أبو ظبي والدار العربية للعلوم في بيروت رواية لها طابع خاص‪،‬‬
‫فهي تختلف كل االختالف عما هو متعارف‪ 1‬عليه في التقاليد الروائية العربية‪ .‬صحيح أن الكثيرين ممن كتبوا‬
‫عنها صنفوها ضمن الرواية التاريخية أو رواية الديكتاتورية المعروفة بأمريكا الجنوبية‪ ،‬وال نكاد نشك في‬

‫ذلك حالما نعلم أن كاتبها دكتور‪ 1‬في األدب والفلسفة وعارف جيد باألدب العالمي تاريخه ومذاهبه ومدارسه‪.‬‬
‫لكن النظر إلى الرواية من هذه الزاوية فحسب من شأنه أن يشنج قراءتنا ويكبل تفكيرنا‪ ،‬مما سيفوت علينا‬
‫فرصة االستمتاع بعوالم أدب عظيم‪ ،‬يمتد خارج التاريخ والجغرافيا متجاوزا‪ 1‬إياها إلى ما هو إنساني كوني‬
‫وإلى هم وجودي‪ 1‬أعمق‪.‬‬

‫لعل المتصفح لما كتب‪ ،‬إلى حدود الساعة حول الرواية‪ ،‬سيجد‪ ،‬بدون شك‪ ،‬أن أغلبها يتخذ المقطع األول من‬
‫النص منطلقا له‪ .‬وهي بداية الحكي حيث يقول الراوي‪" :‬في بلد ال موز فيه‪ ،‬استيقظت القرية على تسعة‬
‫صناديق موز‪ ،‬في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد أبنائها‪ "…،‬وهي الصيغة نفسها التي سنجدها في الفصل‬
‫‪ ، 27‬ما قبل األخير‪ ،‬حيث يكرر‪" :‬في هذا البلد الذي ال يزرع فيه الموز‪ ،‬استيقظت القرية على تسعة رؤوس‪1‬‬
‫من رؤوس أبنائها في صناديق موز…"‪1.‬‬

‫تشكل هذه العبارة‪ ،‬بداية النص ونهايته في الوقت ذاته‪ .‬فالقارئ المتأني سيالحظ كيف أن الكاتب ابتدأ الرواية‬
‫من نهايتها تقريبا‪ ،‬حيث توقف‪ 1‬عند مرحلة أخرى من تاريخ بلده العراق‪ ،‬أال وهي تاريخ االمبريالية األمريكية‬
‫وهم السيطرة على الشرق‪ 1‬األوسط والصراع‪ 1‬على الثروة النفطية‪ ..‬ولعل هذا ما يشير إليه بالموز وصناديق‪1‬‬
‫الموز‪،‬إذا ما عدنا إلى الوراء قليال‪ ،‬وتأملنا في سياسة الواليات المتحدة بأمريكا‪ 1‬الجنوبية وتاريخ شركاتها‬
‫األسود هناك من أمثال يونيتد فروي‪ 1‬كنبني‪.‬‬
‫لست هنا بصدد التحليل التاريخي للرواية‪ ،‬فكل همي هنا هو توضيح كيف أن الديكتاتورية ليست الثيمة‬
‫الرئيسية في النص‪ ،‬بل هي أداة أو فرض من فروض السياق التاريخي‪ 1‬الذي تدور‪ 1‬فيه األحداث‪ .‬فال يمكن‬
‫الحديث عن تاريخ العراق الحديث دون المرور بفترة حكم صدام حسين وما عرفته من مد وجزر‪ 1.‬إذا ما عدنا‬
‫إلى نقطة البداية‪ /‬النهاية‪ ،‬ودققنا قليال في العبارة ‪" :‬في بلد ال موز فيه‪ ،‬استيقظت القرية على تسعة صناديق‪1‬‬
‫موز‪ ،‬في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد أبنائها‪ "…،‬فإن الثمية التي تسترعي انتباهنا بعد مسألة الموز التي‬
‫تحدثنا عنها‪ ،‬هي الموت‪ ،‬والطريقة البشعة التي انتهت بها حياة تسعة أشخاص من سكان القرية‪.‬‬

‫لعل هذه الثيمة هي المنفذ السليم إلى عمق رواية محسن الرملي‪ ،‬خاصة عندما نتأمل الكم الهائل من‬
‫الشخصيات التي لقيت الحتف نفسه‪ ،‬وإذا ما محصنا‪ 1‬ودققنا في طباعها وطرق عيشها وتفكيرها ومواقفها‪،‬‬
‫فسنجد حتما أن القاسم المشترك بينها هو‪ :‬العبث‪ ،‬الرغبة‪ ،‬التحدي‪ ،‬التمرد‪ ،‬الموت‪ ،‬وهي مواصفات تتقاسمها‬
‫أيضا الشخصيات التي لم تلق حتفها في النص‪.‬‬

‫هي الكينونة إذن في شموليتها‪ ،‬أو فلسفة العبث المتمثلة في الصراع القائم بين الوجود والعالم‪ 1‬المشترك‪.‬‬
‫الالمنطقي يجر الشخصيات‪ 1‬ومن ثم القارئ إلى التساؤل عن جدوى الحياة أو فيما إذا كانت الحياة تستحق أن‬
‫تعاش؟ أسئلة تكرسها‪ 1‬الرغبة في الوضوح والصفاء‪ ،‬كما يكرسها‪ 1‬السأم والضجر من التكرار والنمطية‪ ،‬غير‬
‫أن النهاية "الموت "المجهولة‪ ،‬والذهول الذي تخلفه في النفوس‪ ،‬غالبا ما يفضحان عبثية الحياة‪.‬‬

‫تبدأ الرواية من حيث تنتهي‪ ،‬والقرية تستيقظ على تسعة صناديق‪ 1‬موز‪ ،‬في كل واحد منها رأس مقطوع ألحد‬
‫أبنائها‪ ،‬ومن بينها رأس إبراهيم‪ .‬لتذكرنا هذه الصناديق‪ 1‬بصناديق‪ 1‬االحذية ‪.‬في روايته (أبناء وأحذية )‪ ،‬وأول‬
‫من يراها‪ ،‬خال عبدهللا كافكا‪ ،‬الراعي األبله إسماعيل ( ليتخلص من شعوره بالذنب الذي ظل يالحقه في‬
‫الكوابيس‪ ،‬بسبب قطعه للسان عنزة أزعجته‪.‬‬

‫تنبني حبكة الرواية‪ ،‬لسعي معظم شخصيات الرواي‪11‬ة في تخلص‪11‬ها من (الش‪11‬عور بال‪11‬ذنب)‪ ،‬على ه‪11‬ذه الجمل‪11‬ة‪،‬‬
‫والس‪11‬يما‪ 1‬األص‪11‬دقاء‪ 1‬الثالث‪11‬ة ال‪11‬ذين ف‪11‬رقتهم الح‪11‬رب عن بعض‪11‬هم البعض‪ ،‬أو ت‪11‬أنيب الض‪11‬مير ال‪11‬تي رافقت بقي‪11‬ة‬
‫شخصيات الرواية في حياتها‪ ،‬لسوء تصرف بدر منها‪ ،‬وتتكرر ست مرات‪ .‬في المرة األولى كم‪1‬ا ه‪1‬و واض‪1‬ح‬
‫من قبل إسماعيل الراعي‪ ،‬لقطعه لسان الماعز‪ ،‬وفي‪ 1‬المرة الثانية من قب‪1‬ل إب‪1‬راهيم تج‪11‬اه ص‪1‬ديقه أحم‪1‬د النجفي‬
‫الذي أستشهد‪ 1‬في الحرب‪ ،‬ألنه ترك جثته في الصحراء ولم يأخذها الى أهله‪ ،‬وفي المرة الثالثة من قب‪11‬ل قس‪11‬مة‪،‬‬
‫لتعاملها بشكل ج‪11‬اف وس‪11‬يء م‪11‬ع وال‪11‬دها‪ ،‬والرابع‪11‬ة لم‪11‬ا س‪11‬يتركه جالل من س‪11‬معة س‪11‬يئة لوال‪11‬ده‪ ،‬نتيج‪11‬ة طيش‪11‬ه‬
‫وتهوره بممارسة الجنس مع (زكية )أم عبد هللا كافكا‪ ،‬األمر الذي يؤدي‪ 1‬بها الى الحم‪1‬ل من‪1‬ه‪ .‬والخامس‪1‬ة أثن‪1‬اء‬
‫ذهاب عبدهللا مع طارق‪ 1‬وقسمة‪ ،‬بحثا عن جثة أبراهيم‪ ،‬والسادسة‪ ،‬لتكرار‪ 1‬ندم إب‪11‬راهيم ثاني‪11‬ة وش‪11‬عوره بت‪11‬أنيب‬
‫الضمير‪ ،‬جراء تركه لجثة صديقه في العراء لم يأت شعور الشخصيات‪ 1‬بالذنب أو ت‪11‬أنيب الض‪11‬مير عن ف‪11‬راغ‪،‬‬
‫بقدر ما جاء عن التحول الذي طرأ عليها من فعل الشر الى فعل الخ‪11‬ير‪ ،‬واص‪11‬طدامها‪ 1‬بمفاج‪11‬آت لم تكن تخط‪1‬ر‪1‬‬
‫ببالها‪ ،‬فقد أدى بإسماعيل ال‪11‬راعي الى تج‪11‬اوز حال‪1‬ة الخ‪11‬رس ال‪1‬تي أص‪1‬ابته أول رؤيت‪1‬ه لل‪11‬رؤوس في ص‪1‬ناديق‬
‫الم‪11‬وز‪ ،‬ربم‪11‬ا لع‪11‬دم توقع‪11‬ه لم‪11‬ا ي‪11‬راه ب‪11‬أم عيني‪11‬ه‪ ،‬وأغلب الظن أن‪11‬ه ألول م‪11‬رة ي‪11‬رى رؤوس‪11‬ا بش‪11‬رية ب‪11‬الجثث‪،‬‬
‫وبإبراهيم‪ 1‬الى مصرعه‪ ،‬وسقوطه شهيدا‪ ،‬لقيامه بتوثيق‪ 1‬الضحايا في القبور التي دفنت فيه‪1‬ا‪ ،‬إخالص‪11‬ا لص‪11‬ديقه‬
‫أحمد النجفي الذي لم يستطع دفن جثته‪ .‬وقسمة من نفوره‪11‬ا من‪ .‬وال‪11‬دها الى البحث عن جثت‪11‬ه به‪11‬دف دفنه‪11‬ا في‬
‫مكان يليق بتضحيته بوصفه بطال تفتخر به‪ ،‬مثلها مث‪11‬ل موق‪11‬ف أنت يجون‪11‬ا في دفن جث‪11‬ة ش‪11‬قيقها‪ ،‬وبجالل الى‬
‫االعت‪11‬ذار من أبي‪11‬ه وإذا ك‪11‬انت ه‪11‬ذه التقني‪11‬ة ق‪11‬د أدت الى التح‪11‬ول في معظم شخص‪11‬يات‪ 1‬الرواي‪11‬ة من الس‪11‬لب الى‬
‫اإليجابي‪ ،‬ما عدا شخصية طارق‪ 1،‬فإن أود زكي‪11‬ة رجم‪11‬ا بالحج‪11‬ارة وهي موثوق‪11‬ة الي‪11‬دين وال‪11‬رجلين في حف‪11‬رة‪،‬‬
‫حفاظا على سمعة المختار لحملها من أبنه‪ ،‬ال تقل شأنا عن تقنية ماركيز‪ 1‬في مائة ع‪11‬ام من العزل‪11‬ة في أس‪11‬لوبه‬
‫المع‪1‬روف‪ 1‬بالواقعي‪11‬ة الس‪1‬حرية‪ ،‬وهي تنش‪11‬ر المالبس ف‪11‬وق س‪11‬طح الم‪1‬نزل‪ .‬ويتط‪11‬ابق‪ 1‬ك‪1‬ال النم‪11‬وذجين‪ ،‬نم‪1‬وذج‬
‫الرملي مع نموذج ماركيز‪ ،‬بتهمة الزنا التي ألصقت ببطليهما‪ 1‬ريمي‪11‬ديوس‪ 1‬وزكي‪11‬ة‪ ،‬ولكن بقت‪11‬ل ‪.‬بطل‪11‬ة ال‪11‬رملي‪،‬‬
‫وصعود‪ 1‬بطلة ماركيز الى الس‪1‬ماء‪ ،‬حفاظ‪1‬ا على س‪1‬معة ك‪1‬ال الفت‪1‬اتين واألس‪1‬رتين‪ .‬وبالم‪1‬آل ص‪1‬عود‪ 1‬كليهم‪1‬ا الى‬
‫السماء مائة عام من العزلة في اللحظة التي بدأت فيها ريميديوس‪ 1‬الجميلة ترتفع في الجو‪.‬‬

‫حدائق الرئيس وقفها في وسط‪ 1‬الحفرة وتناول من تحت أبطه قطعة قماش بيضاء‪ ،‬وحين فتحها كانت على‬
‫شكل كيس كبير‪ .‬كانت كفن‪ .‬ألبسه في رأسها فبدت كشبح واقف‪ 1‬في وسط‪ 1‬الحفرة‪ . .‬ف‪1‬ارتعبت هي حين احس‪1‬ت‬
‫بقوة الشد والربط‪ 1‬على جسدها‪ ،‬تململت محاولة التملص لكن المختار صرخ بأذنها عاليا أن تتوقف‪ ،‬فيما ظاهر‬
‫يقول لها‪ :‬هذا من أجلك انت ومن أجل روحك‪ . .‬ما هي لحظات قليلة وينتهي كل شيء فتجدين نفسك في ع‪11‬الم‬
‫أكثر راحة‪ . . .‬ثم رأيتهما يتناوالن حجارة ويشرعان برجمها‪ 1‬وهي تصيح حتى سقطت‪ ،‬أو‪. . .‬أسقطوها ممددة‬
‫في الحفرة ‪،‬وهذا المشهد‪ ،‬مشهد رجم الحجارة‪ ،‬ليس جديدا ال على الرواي‪1‬ة العالمي‪1‬ة وال العربي‪1‬ة‪ ،‬وبه‪1‬ذا‪ 1‬ف‪1‬إن‬
‫هذه الرواية الى جانب تناصها مع مائة عام من العزلة‪ ،‬فهي تتاخم بالتناصب مع هاتين الروايتين أيضا‪.‬‬

‫قراءة في الرواية‬
‫هذه الرواية الوجع هو بطلها‪ ،‬ولكن الحوارات الهادفة فيها تدور بين ثالث شخصيات رئيسية‪ ،‬حيث انعكست‬
‫من خالل حواراتهم‪ 1‬وسردياتهم وطباعهم‪ 1‬وأفكارهم‪ ،‬طبيعة الذهنية العراقية‪ ،‬وطبيعة المجتمع الحاضن لكل‬
‫تلك الظروف‪.‬‬

‫وبرز وصف‪ 1‬المكان في الرواية من خالل طبيعة القرية الريفية النائية التي يعيش على أرضها‪ 1‬األبطال‬
‫الثالثة‪ ،‬وكذلك سرد مطول ومفصل لقصور الرئيس الفخمة وحدائقه‪ ،‬تلك القصور التي أحاطت بها مظاهر‬
‫األبهة والفخامة‪ ،‬واألكثر رعبا هو مظاهر التفنن بالقتل كأداة هذه الرواية الوجع هو بطلها‪ ،‬ولكن الحوارات‬
‫الهادفة فيها تدور‪ 1‬بين ثالث شخصيات رئيسية‪ ،‬حيث انعكست من للضحك والتسلية ثم التصفية‪ ،‬القصر الذي‬
‫تحولت حدائقه إلى مقابر جماعية بجثث كانت تدفن بالعشرات ثم بالمئات‪ ،‬مظهرة الوجه المرعب والبشع‬
‫والمتخفي للدكتاتورية‪ ،‬تلك الحدائق المنسقة بانتظام‪ 1‬والتي تعكس ترف العيش ورغدة‪ ،‬كانت مكانا للرعب‬
‫والموت والتمثيل بالجثث‪.‬‬

‫من الطبيعي في ظل ظروف‪ 1‬كهذه حيث االستهتار‪ 1‬بقيمة و حياة اإلنسان أن يرجع مثل الً بطل بال قدم‪ ،‬ويرجع‪1‬‬
‫رأس بال جسد في صندوق‪ 1‬موز‪ ،‬ويدفن أخر كجثة مشوهة في حديقة رئاسية‪ ،‬وأخر غارق بعبثية حياتية وال‬
‫ميتة ‪ ،‬حيث ال فائدة مرجوة من أي شيء‪.‬‬

‫استطاع الكاتب محسن الرملي بوعي ومعلومات‪ 1‬مرتبة ومنظمة‪ ،‬وبقدرة أدبية ورؤية مهنية في السرد‪ ،‬من‬
‫توثيق الوجع العراقي‪ ،‬والتوغل بعمق في البيئة العراقية‪ ،‬وهو ابن تلك البيئة‪ ،‬مخلفا سردية حزن‪ ،‬ولوحة‬
‫تاريخية غنية بمشاعر شتى‪ ،‬وكما بدأت الرواية بمشهد صناديق الموز التسعة التي احتوت رؤوس األبناء‬
‫الذاهبين لبغداد للبحث عن الضحايا‪ ،‬فقد انتهت الرواية بنفس المشهد في حركة دائرية مغلقة‪ ،‬قد تزرع بعض‬
‫اليأس فينا وكأننا ندور‪ 1‬في حلقة مفرغة مكررة‪ ،‬بحركات وخطوات متماثلة حيث األحداث تتشابه واألوجاع‬
‫تتكرر‪ .‬أسلوب سردي جميل‪ ،‬ولغة جمعت بين الفكاهة حينا والحزن حينا آخر‪ ،‬لنتمثل المشهد كما هو ونتخيله‬
‫بتفاصيله‪ ،‬حتى قصر الرئيس الذي مورس فيه كل العنف والبطش‪ ،‬حملتنا تقنية الوصف في الرواية‪ ،‬وكأننا‬
‫إحدى تلك المرايا الصامتة المعلقة فيه والتي تعكس تلك الممارسات‪ 1‬المرعبة ‪.‬‬

‫وما تلك النهاية المفتوحة عندما كانت قسمة تمسح على رأس طفلها النائم في حضنها‪ ،‬متسائلة ترى من أي‬
‫نطفة هو؟ ترى مثل من سيكون؟ مثل أبيه؟ مثل الرئيس المخلوع‪ ،‬أم مثل طارق الذي يعتبر نموذجا‪ 1‬للعراقي‬
‫الذي يحاول التمسك بتالبيب الحياة مع االحتفاظ ببعض القيم‪ ،‬هذه التساؤالت تفضي وترمز إلى ضبابية‬
‫مستقبل الشباب العراقي‪ ،‬الذي امتزجت في مخيلته أطياف القتل والبطش والدكتاتورية والطائفية‪ ،‬فإن قلبت‬
‫عصا الساحر هذه اللوحة هل سيتوازن هذا الجيل‪ ،‬ليعيش بسالم بعد كل ما اختمر في ذهنه من حكايا‪ ،‬وما‬
‫اترسب في وجدانه من وجع‪ ،‬وما تنازع فكره من قضايا‪ 1،‬وما اعترى دماغه من عمليات غسل وسلخ ‪.‬‬

‫صفوة القول الروائي‪ 1‬محسن الرملي استطاع بتقنيات سرده وشاعريته‪ ،‬وامتدادات شخصياته الروائية‪ ،‬تمكن‬
‫من رسم خارطة ولوحة تراجيدية لتاريخ العراق السياسي‪ ،‬طوال نصف قرن‪ .‬و هنا تكمن المسؤولية الملقاة‬
‫على عاتق األدب‪ ،‬أن يكون مرآة ناصعة للوجع وللفرح أيضاً‪ ،‬بكل ما يمتلكه األديب من أدوات إبداعية ‪.‬‬
‫الشخصيات ‪:‬‬

‫ال تقتصر على الشخصيات الرئيسة الثالث عبد هللا كافكا‪ ،‬طارق " حدائق الرئيس " تتوفر‪ 1‬الرواية الثالثة‬
‫لمحسن الرملي على أنساق سردية واضحة ودقيقة تتوزع على ثالثة أجيال‪ ،‬فالمندهش‪ 1‬وإبراهيم قسمة‪ ،‬بل‬
‫تتوغل زمن مكانيا في تاريخ اآلباء واألجداد من جهة‪ ،‬كما أنها تمتد إلى أبنائهم وأحفادهم من جهة أخرى‪،‬‬
‫وأخص بالذكر منهم ابن قسمة التي ستطلب من هي " الفتيت المبعثر " وإذا كانت روايته األولى ‪ ".‬ألقوه في‬
‫النار فكانت عليه بردا وسالما‪ " 1‬طارق أن يغير اسم ابنها من صدام إلى إبراهيم‪ ،‬نسبة إلى نبينا إبراهيم عليه‬
‫السالم الذي هي رواية مدينية تدور أحداثها في عدد من المدن العراقية‪ ،‬وتتجاوزها إلى الفضاء‬
‫الكوزموبوليتاني " حدائق الرئيس " رواية قروية بامتياز‪ ،‬أي أنها تتخذ من القرية مكانا لها‪ ،‬فإن رواية حيث‬
‫تمتد إلى الكويت وإيران‪ ،‬بينما يتوارى المغتصب جالل في أكثر من دولة محتملة قد تكون روسيا‪ 1‬أو إيران أو‬
‫البرازيل أو هولندا‪ .‬تتوفر هذه الرواية على ثيمات وأفكار‪ 1‬كثيرة ال وكأن محسن الرملي ‪ ".‬هذه هي الحياة‪،‬‬
‫كل شيء فيها قسمة ونصيب " ‪ :‬يمكن حصرها‪ ،‬غير أن الثيمة المهيمنة فيها بامتياز‪ 1‬هي الجملة التي كانت‬
‫تتردد على لساني قسمة وأبيها‪ 1‬إبراهيم يحاول أن يغلف روايته بوشاح قدري‪ ،‬غير أن هذه المحاولة ال تمنعه‬
‫من البوح بأسئلته الفلسفية والوجودية حينما يتناول‪ 1‬فكرة الموت في الحياة أو يناقش غريزتي الحب والموت أو‬
‫يتطرق إلى أدب السجون والمعتقالت وما يتخللهما من ألم وعذاب حقيقيين‪.‬‬

‫المشهد االستهاللي‬

‫ابتدأ الرملي روايته بمشهد الرؤوس‪ 1‬التسعة المقطوعة التي وضعت في صناديق‪ 1‬الموز وبينهم رأس إبراهيم‬
‫قسمة‪ ،‬وسوف‪ 1‬ينهي الرواية بالبحث عن جثة هذه الضحية التي لم تأخذ التحذيرات على محمل الجد فأصبحت‬
‫هدفا لإلرهاب األسود الذي كان يجتاح العراق عام ‪ 2006‬على وجه التحديد‪ .‬إذن‪ ،‬يمكننا القول إن هيكل‬
‫الرواية العام يقوم في جوهره على لكن قسمة‪ ،‬البنت الوحيدة إلبراهيم سوف تلعب دورا محوريا يحرف‪1‬‬
‫الرواية إلى مسارات لم يكن يتوقعها‪ 1‬القارئ حتى إنها ‪ »،‬عبد هللا‪ ،‬طارق وإبراهيم‪ « 1‬ثالث شخصيات رئيسة‬
‫وهم تنازع الشخصيات الرئيسة الثالث على دور البطولة ألنها سوف تلعب الحقا دورا صيانيا تحاول فيه أن‬
‫تجمع أشالء األب المبعثرة الذي بدأ يمثل لها العراق برمته ألسباب كثيرة لعل أبرزها أنه كان يوثق أسماء‬
‫الضحايا الذين كان يفتك بهم النظام السابق‪ ،‬ويعذبهم‪ ،‬ويشوه مالمحهم قبل أن يضع حدا لحياتهم‪ 1.‬فيما كان‬
‫أزالم النظام القمعي يمارسون‪ 1‬دورا تدميريا ال يختلف كثيرا عما يمارسه اإلرهاب وبعض المجموعات‬
‫المسلحة التي روعت العراقيين منذ عام ‪ 2003‬وحتى الوقت الراهن‪ .‬وهنا تكمن أهمية البنيتين الصيانية‬
‫والتدميرية اللتين تتوزعان على مدار النص‪.‬‬

‫الشخصيات اإلشكالية‬

‫الذي لحق به‪ ،‬لذلك أحب كافكا‪ ،‬وتعلق برواياته‪ ،‬وتماهى حتى مع عالمه الشخصي الذي يشترك » العار « لم‬
‫يستطع عبد هللا أن يتستر‪ 1‬على مجهولية أبيه‪ ،‬ولم يفلح في أن يتخلص من البلهاء فأنجبت منه عبد هللا كافكا‬
‫الذي سيتحول‪ 1‬إلى إنسان » زكية « معه في األقل بمجهولية األب على الرغم من أننا‪ ،‬كقراء‪ ،‬سنكتشف الحقا‬
‫أن جالال‪ ،‬ابن المختار هو الذي اغتصب كئيب ومتشائم وكسول‪ 1‬وال يحب العمل‪ ،‬لكنه سيكرس‪ 1‬نفسه للقراءة‬
‫فتتعزز‪ 1‬عالقته بطارق المندهش وإبراهيم قسمة‪ ،‬لكنه يساق إلى الخدمة فيقع في األسر عام ‪ 1982‬ولم يعد‬
‫منه التي أحبها‪ ،‬لكنهم زوجوها عنوة ألحد أبناء عمومتها فهربت منه " سميحة " إال بعد عشرين عاما فيشعر‪1‬‬
‫أنه ميت في الحياة‪ ،‬خصوصا‪ 1‬بعد أن رفض صديقه طارق أن يزوجه من أخته بعد أربعين يوما من الزواج‪.‬‬
‫ال يختلف مصير إبراهيم قسمة عن عبد هللا كافكا كثيرا‪ ،‬فلقد فقد ساقه في الحرب‪ ،‬وأصيب بالعقم‪ ،‬ورأى‪1‬‬
‫الفظائع واألهوال في حدائق الرئيس‪ ،‬ومات في الحياة أيضا‪ ،‬لكنه انتهى نهاية مفجعة على يد اإلرهابيين الذين‬
‫فصلوا رأسه عن جسده‪ ،‬حيث وصل الرأس المقطوع إلى قريته‪ ،‬فيما ظل الجسد ضائعا في بغداد‪ .‬أما طارق‪1‬‬
‫المندهش البدوية من جهة‪ ،‬ولديه عالقات عاطفية مع أكثر من امرأة » فهدة « فلقد أفلت من خدمة العلم ألنه‬
‫كان معلما وإماما‪ 1‬بأحد الجوامع‪ ،‬كما أنه األوفر‪ 1‬حظا بين أصدقائه الثالثة‪ ،‬فهو يحب من جهة أخرى‪ ،‬وفي‪1‬‬
‫خاتمة المطاف يعقد قرانه على قسمة ويذهب معها للبحث عن جثة أبيها المغدورة في بغداد‪ .‬نخلص إلى القول‬
‫إن هذه الشخصيات الثالث هي شخصيات إشكالية وينطوي بعضها‪ 1‬على جوانب إيجابية على الرغم من يأسها‬
‫وقنوطها نتيجة للظروف الشاذة التي تحيط بها‪.‬‬

‫الشخصية الصيانية‬

‫هي الشخصية الصيانية في هذا النص الروائي‪ 1،‬فهي التي كانت تحاول دائما أن تلملم أطراف‪ 1‬عائلتها‬
‫المبعثرة‪ .‬فقد ولدت في أسرة فقيرة‪ ،‬لكنها كانت » قسمة « أشرنا قبل قليل إلى أن طموحة جدا‪ ،‬وقد بدأ تباشير‬
‫هذا الطموح يلوح في مخيلتها منذ كانت صبية يافعة حيث كانت تتطلع إلى طارق المندهش بمحبة وإعجاب‬
‫كبيرين‪ ،‬وحينما انتقلت إلى بغداد أحبت ضابطا طموحا‪ 1‬جدا‪ ،‬لكن طموحه سيقتله على الرغم من أنه كان يحب‬
‫رأس النظام السابق حيث وشم اسمه على ذراعه األيسر‪ ،‬ومع ذلك عذب وقتل ودفن في حدائق الرئيس التي‬
‫كان كانت تشعر بنوع من البرود تجاه والدها بعد أن فقد ساقه في الحرب‪ ،‬إال أنها أعادت " قسمة " يعمل فيها‬
‫إبراهيم قسمة ويوثق كل المعلومات المتاحة عن المغدورين‪ .‬وعلى الرغم من أن" قسمة " له اعتباره ومكانته‬
‫الحقيقية التي تليق به حينما قررت البحث عنه ألنه أصبح رمزا للعراق‪ ،‬بل إنها أحيته من جديد حينما غيرت‬
‫اسم ابنها من صدام إلى إبراهيم‪ .‬لقد تغيرتتغيرا جذريا‪ 1‬بعد المحن التي عاشتها‪ ،‬والفجائع التي حلت عليها من‬
‫حيث ال تحتسب‪ ،‬فال غرابة أن تفهم الدنيا بطريقة أعمق من ذي قبل ألن الحياة قد علمتها أشياء كثيرة وجعلتها‬
‫في خاتمة المطاف تطرح كثيرا من التساؤالت المؤرقة بصدد ابنها إبراهيم الذي ال تدري إن كان سيحمل‬
‫مالمح أبيه المغدور‪ ،‬أم سيكون مثل الرئيس المخلوع الذي اغتصب قسمة‪ ،‬أم مثل أبيها إبراهيم الذي تحول‬
‫إلى رمز كبير‪ ،‬أم مثل طارق‪ 1‬المندهش الذي يتوفر‪ 1‬على روح إيجابية على الرغم من تصيده للفرص‪ ،‬وترتيب‬
‫أوضاعه المستقبلية مع النظام‪ 1‬الجديد‪ .‬ال شك في‬

‫أن تساؤالت‪ 1‬قسمة المقلقة قد تحولت إلى خليط غير متجانس في جوفها‪ ،‬األمر الذي جعلها تشعر بالقرف‬
‫والغثيان فأحست برغبة عارمة في التقيؤ والتخلص من هذا القيح الساخن‬
‫الذي يغلي في داخلها لتترك القارئ في مواجهة النص المفتوح على مصير إبراهيم االبن الذي سيمشي على‬
‫أرض الرافدين ويطأها كما وطأها مئات اآلالف من األشخاص الذين يحملون هذا االسم الذي ينطوي‪ 1‬على‬
‫داللة مجازية واضحة‪.‬‬

‫تنطوي هذه الرواية على ثيمات فرعية كثيرة من بينها الحب‪ ،‬والحرب‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬والرجم‪ ،‬والسجون‪،‬‬
‫والمعتقالت‪ ،‬ومعسكرات‪ 1‬األسر‪ ،‬والمقابر الجماعية‪ ،‬والتعذيب الوحشي في‬

‫العراق وإيران‪ .‬كما أنها تسلط الضوء على حياة الرئيس السابق وعوالمه الخاصة التي لم نطلع عليها بهذه‬
‫الدقة‪ ،‬حيث يأخذنا الرملي في جولة مثيرة ومرعبة في قصوره وحدائقه‬

‫وسبعة كتب أخرى تتوزع بين القصة » تمر األصابع « و » الفتيت المبعثر « ويخوته الرئاسية التي تقذف‬
‫المتلقي في عالم عجائبي غريب ومدهش حقا‪ .‬أصدر الرملي روايتين أخريين وهما والمسرحية والشعر ترجم‬
‫معظمها إلى اإلسبانية وبعضها‪ 1‬إلى اإلنجليزية‪.‬‬

‫ذائبةـ الحب والكتب‬

‫اما في رواية " ذئبة الحب والكتب" يخرج الرملي عن إطار اختالف الشخصيات الذي أتخذه نهجا لرواياته‬
‫األربع السابقة‪ ،‬متبعا نهجا معاكسا له تماما‪ ،‬أال وهو نهج تقارب الشخصيات مع بعضها البعض‪ ،‬وذلك عبر‬
‫التقارب القائم بين شخصيتي هيام والمعلم الرفاعي‪ ،‬من حيث رغبة األثنين بكتابة رسائل على شكل رواية‬
‫لقراءتها من قبل الشخص الذي تحبه والفتاة التي يحبها‪ .‬وهذا التقارب ال يقتصر بين هاتين الشخصيتين فقط‬
‫وإنما يمتد الى الرملي والمرأة السريالنكية‪ ،‬وذلك من خالل هجرة األثنين من بلدهما والسكن في مكان أقرب‬
‫الى السجن اإلنفرادي‪ ،‬كما أن شخصية بشعة تكاد أن تكون نسخة مطابقة لشخصية هيام‪ ،‬ليس ألن جمالها‬
‫يفوق الوصف بل ألن كلتيهما يشتركان معا في أكثر من صفة‬

‫رواية ( ذئبة الحب والكتب ) للكاتب العراقي “محسن الرملي”‪ 1‬ترصد ببراعة سعى المرأة إليجاد حب حقيقي‬
‫يخلص روحها من أسرها‪ ،‬وإن لم تجده تصنعه بيديها‪ ،‬ترسم‪ 1‬مالمحه كما تريده‪ ،‬تغوص الرواية في أعماق‬
‫(‪)١‬‬
‫المرأة وتنقل أدق خصوصياتها‪ 1‬بعين كاتب واعي‪.‬‬

‫الشخصيات‬

‫البطل‪ :‬الكاتب “محسن مطلك”‪ ،‬الذي سافر‪ 1‬من العراق هربا من الحصار الذي فرض عليه بسبب كون أخيه‬
‫واحد من المعارضين للنظام‪ ،‬يعمل في األردن لمدة عامين أعماال شاقة يقترب فيها من الكادحين ويصبح‬
‫واحدا منهم‪ ،‬لكنه رغم ذلك ال ينسى أخيه ويحاول بكل الطرق‪ 1‬إحياء ذكراه ونشر‪ 1‬كتاباته المتميزة‪ ،‬كما يحقق‬
‫(‪)٢‬‬
‫حلمه في أن يصبح كاتبا رغم أعباءه الكثيرة ويسافر إلى اسبانيا لتكملة دراسته‪.‬‬

‫البطلة ‪ :‬هيام‪ ،‬سيدة من العراق‪ ،‬تعيش حياة خالية من الحب والحنان‪ ،‬مجرد زوجة لرجل ال يهتم بها‪ ،‬وأم‬
‫أطفال تراعاهم ‪،‬لكنها رغم ذلك في حاجة للحب وفي أن تشعر بإنسانيتها وأنوثتها‪ ،‬وهذا الحرمان يؤدي بها‬
‫إلى مراجعة طبيب نفسي تلجأ إلى حل يفتح نافذة لروحها لتتنفس وهي أن ترسل رسائل الكترونية لحبيب‬
‫متخيل‪ ،‬ايميل ترسل إليه رسائل حب ‪.‬‬

‫يقرأها أحد‪ ،‬لكنها تتخيل فيه مالمح حبيب تستلهمها من شخصية الكاتب الشهيد “حسن مطلك”‪ ،‬ومن كتاباته‪،‬‬
‫وتسميه حسن‪ ،‬حبيب يتفق وتصورها عن الرجل‪ ،‬وتظل تحكي عن حياتها من البداية‪ ،‬كانت شابة نشيطة‬
‫وقارئة نهمة تسعى إلى ‪.‬التعرف‪ 1‬على ذاتها وعلى اآلخرين بصدق‪ ،‬لكن خيبات العراق تحول حياتها إلى حياة‬
‫بائسة حسن مطلك‪ :‬يمكن اعتبار الكاتب الشهيد “حسن مطلك” أحد شخصيات الرواية ألنه حاضر وبقوة‪،‬‬
‫تستلهمه “هيام” دوما في رسائلها‪ 1‬وتستعين بجمل من رواياته وكتبه‪ ،‬ويشعر‪ 1‬القارئ أن مالمح حبيبها المتخيل‬
‫تشبه مالمحه وصفاته‪ ،‬ويتشوق القارئ لمعرفة المزيد عنه وعن حياته‪ ،‬كما أن البطل نفسه يشيد دوما بأخيه‬
‫وبمواقفه الشجاعة والجريئة ويظل محمال به ‪.‬طوال حياته رفاعي‪ :‬رجل صعيدي‪ 1‬مصري‪ ،‬يعمل في البناء‪،‬‬
‫يعيش مع البطل “محسن” في غرفة صغيرة بصحبه كثير من المصريين‪ ،‬يقع في غرام سيدة من الجيران‬
‫ويقابلها بشكل يومي‪ ،‬لكن ال تجري بينهما عالقة حميمة فقط مجرد لمسات حانية‪ ،‬يعرف أنها تحب القراءة‬
‫وتحب الروايات‪ 1‬فيحث “محسن” على كتابة رسائل له مقابل مبلغ من المال‪ ،‬ثم يطلب منه كتابة قصة حياته‬
‫في رواية ليهديها لحبيبته خالد المصري‪ 1:‬صديق “محسن”‪ ،‬طالب أردني يحضر دراسات عليا ويتعرف‪ 1‬على‬
‫“محسن” بالمصادفة‪ ،‬ويصبح صديق‪ 1‬مقرب ‪.‬له بسبب شغفه باألدب العراقي‪ 1‬ودراسته له‪ ،‬يساعد “محسن”‬
‫في حياته ويشجعه على مواصلة دراسته في اسبانيا الخادمة السير النقية‪ :‬فتاة تخدم في بيت مجاور للبيت الذي‬
‫يعمل فيه “محسن”‪ ،‬قامت بينهما عالقة حميمة رغم حاجز اللغة‪ ،‬كانا يتقابلون في المساء ويتالمسان من وراء‬
‫قضبان نافذة المطبخ‪ ،‬وكانت تلك األوقات‪ 1‬هي التي تمنح االثنين طاقة ‪.‬لالستمرار‪ 1‬في عمل شاق ومجهد‪1‬‬
‫عبود‪ :‬زوج “هيام”‪ ،‬حاصل على الدكتوراه وينتمي‪ 1‬لحزب السلطة في العراق‪ ،‬تزوجته وهو يكبرها ب‪17‬‬
‫عاما ولديه طفلين‪ ،‬وعاملها منذ البداية بشكل سيء‪ ،‬ال يهتم بها ويسعى‪ 1‬دوما إلخضاعها‪ ،‬ويرفض‪ 1‬كل ما‬
‫تسعى إلى فعله من قراءة أو كتابة أو تكملة لدراستها‪ 1‬أو أن تعمل‪ ،‬يعاملها كخادمة في المنزل وآلة للجنس‪،‬‬
‫ولكنها تعترف في نهاية خطاباته أنه طيب‪.‬‬
‫لكنه ليس الزوج المناسب لها زكريا‪ :‬أول رجل يقترب من “هيام” بشكل حميمي وتحبه بعمق‪ ،‬لكن يتضح‬
‫أنه متزوج‪ 1‬ولديه طفل مريض‪ ،‬وال يطلب منها ‪.‬أبدا الزواج‪ ،‬رغم أنه ليس مثقفا كما تحب أن يكون رجلها إال‬
‫أنه استطاع‪ 1‬أن يشعرها‪ 1‬بحب قوي وعميق سعيد الخاطر‪ :‬شاعر وصولي‪ ،‬مدعي‪ ،‬وهو نموذج لفئة من‬
‫المثقفين الذين يتخذون موهبتهم‪ 1‬مطية للوصول‪ ،‬يتقلبون في مواقفهم‪ 1‬بحسب السلطة الموجودة ليحصدوا‬
‫المكاسب‪ ،‬وهم مع ذلك يتعاملون مع المرأة بشكل سيء ويرون أنها مجرد‪.‬‬

‫جسد للتناول وال يهتمون بالحب خلف موريس‪ :‬مثقف آخر وصولي‪ 1‬وانتهازي‪ ،‬يدعي الجنون ويتقرب من‬
‫“هيام”‪ ،‬وهي بعد سنوات من الزواج تكون قد وصلت إلى حالة من اليأس اإلحباط‪ ،‬تقبل معها الدخول في‬
‫عالقة حب لتتخلص منها‪ ،‬لكنه يتعامل معها بدناءة ويغتصبها‪ 1‬في ليلة احتالل العراق‪ ،‬وتكتشف‪ 1‬بعد سنوات أنه‬
‫كان عميال لالستخبارات في العراق ووشى‪ 1‬بزوج أخته وأوالدها‪ 1،‬وكان ‪.‬سببا في إعدامهم وبعد الحرب وغزو‬
‫العراق يعمل مع نفس الحزب الذي كان ينتمي إليه زوج أخته المغدور‪1‬‬

‫الراوي‬

‫الراوي هو “محسن مطلك” الذي يحكي عن نفسه بضمير‪ 1‬المتكلم‪ ،‬ويحكي عن باقي الشخصيات من خالل‬
‫وجهة نظره وعينيه‪ ،‬ما عدا “هيام” التي تحكي عن نفسها في رسائل الكترونية بضمير المتكلم أيضا‪ ،‬وتحكي‪1‬‬
‫عن شخصيات أخرى تقابلت معهم في حياتها من وجهة نظرها‪ ،‬وتأخذ رسائل “هيام” مساحة كبيرة‬

‫السرد‬

‫السرد متميز يعتمد على البوح‪ ،‬وحكي المشاعر واالنفعاالت الداخلية‪ ،‬كما أنه في مجملة عبارة عن قصة‬
‫حب مشوقة‪ ،‬لكنه يرصد‪ 1‬تفاصيل أخرى هامة‪ ،‬تقع الرواية في ‪ 21‬فصال يبدأ كل فصل بعنوان معبر عن ما‬
‫يوحيه الفصل‪ ،‬وتقع الرواية في حوالي ‪ 424‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬وتأتي النهاية مفاجئة وصادمة‬
‫للقارئ‪ ،‬رغم أن البطل يحكي عن نهايات متعددة للرواية بما يعطي مساحة للقارئ أن يختار‪ 1‬نهاية بنفسه‬

‫حبيب مرسوم بدقة‬

‫أهم ما يميز الرواية أنها ترصد‪ 1‬بعمق ووعي شخصية امرأة مثقفة تعاني من الحرمان من الحب والحنان‪،‬‬
‫ينجح الكاتب في ‪،‬رسم شخصية “هيام” وتقمص شخصيتها وتمثلها‪ ،‬فيرصد هواجس المرأة ومخاوفها‪،‬‬
‫وأحاسيسها‪ 1‬المعقدة والمتشابكة كما يستطيع‪ 1‬أن يقدم على لسانها فهمها للشخصيات الذكورية األخرى‬
‫وإحساسها‪ 1‬بهم‪ ،‬فتصور كيف تفكر المرأة وكيف‪ 1‬تحس أمر يصعب على كثير من الكتاب‪ ،‬و كتاب قليلون هم‬
‫من استطاعوا تقديم شخصيات‪ 1‬نسائية حية كأنها من لحم ودم‪.‬‬

‫‪.‬تنبض داخل الرواية‬

‫تحكي “هيام” عن حياتها منذ أن كانت طفلة‪ ،‬وبداية اكتشافها‪ 1‬للعالم وللذة وللحياة ونهمها‪ 1‬لقراءة الكتب‪ ،‬تبوح‬
‫بكل ما مرت به ربما ألنها تعلم أنها رسائل لن يقرأها أحد‪ ،‬أو سوف يقرأها فقط من اختارت أن تحبه‬
‫وتنتظره‪ ،‬لكنه ليس شخصا محددا إنما هو من رسم خيالها‪ ،‬رجل كما تمنت تماما أن يكون ليقاسمها حياتها‬
‫ومشاعرها مرت بعالقات عدة لم تعرف‪ 1‬فيها معنى الحب الحقيقي‪ ،‬وما يميز الرواية أن “هيام” لم تبدو في‬
‫صورة المرأة النادمة التي تشعر أن تجاربها‪ 1‬السابقة وصمة عار تلحق بها‪ ،‬وإنما تعتبرها‪ 1‬تجارب‪ ،‬حتى وإن‬
‫كان بعضها فاشال‪ ،‬إال أنها أغنت تجربتها الحياتية وساهمت في فهمها‪ 1‬لذاتها وللعالم‪ ،‬حتى عندما تعرضت‬
‫لتجربة اغتصاب لم تدن نفسها وتزيد‪ 1‬من الشعور باألسى كونها ضحية‪ ،‬مثل بعض النساء الشرقيات‪ 1‬االلتي‬
‫يولدن بإحساس ذنب مبهم‪ ،‬يتضخم مع استمرارهن في الحياة‪ ،‬وإنما هي‬

‫سيدة واعية متحررة من داخلها من كثير من عقد المرأة الشرقية وأمراضها النفسية‪ ،‬رغم اقتناع زوجها‪1‬‬
‫“عبود” أنها تحتاج ‪.‬لطبيب نفسي لم تعرف “هيام” رغم ذلك معنى اللذة الجسدية الحقيقي‪ ،‬رغم أنها تزوجت‬
‫من سنوات كثيرة‪ ،‬ورغم أنها اقتربت بشكل حميمي من “زكريا”‪ 1‬ومن “خلف موريس” لكنها رغم ذلك‬
‫محرومة‪ ،‬مثل نساء كثيرات شرقيات‪ ،‬من اختبار معنى اللذة‬

‫‪.‬الجسدية الحقيقيـ‬

‫تعيش حلم الحب في رسائلها اإللكترونية‪ ،‬حبا كامال وعميقا تشتهي‪ 1‬فيه حبيبها وال تخجل من التعبير عن‬
‫اشتهائها‪ ،‬تتخيله حنونا وصادقا قويا‪ 1‬وحاسب‪ ،‬ترصد‪ 1‬حالتها المزاجية بدقة وترصد آالمها الجسدية والنفسية‪،‬‬
‫تحلم برجل أشبه بحلم وردي قد ال يكون موجودا‪ 1‬على أرض الواقع‪ ،‬رغم أن البطل “محسن” حاول أن‬
‫يقترب من صورته وأن يصبح مثله‪ ،‬لكنه يبقى في النهاية الرجل الحلم الذي يتميز بكل الصفات الجميلة التي‬
‫تتمناها أية امرأة‪ ،‬صوته جميل وحنون‪ ،‬متفهم ومشارك‪ ،‬يحبها بشغف ولهفة‪ ،‬ويعطيها الكثير من وقته‬
‫واهتمامه‪ ،‬يشعله شغفه بها ويتلهف عليها قدر تلهفها عليه‪ ،‬ال يدينها‪ 1‬بسب عالقاتها السابقة‪ ،‬وإنما يتفهمها‬
‫وتستطيع‪ 1‬أن تبوح له بها دون خجل أو شعور بالعار‪ ،‬حتى أنها تحكي له أدق التفاصيل الجسدية‪.‬التي مرت بها‬
‫من رجل آخر‬
‫الحب بديل عن الحرب‬

‫تردد “هيام” دوما في رسائلها أن الحب كفيل بإنهاء حالة النزاع والصراعات في العالم وفي‪ 1‬وطنها الحبيب‬
‫العراق‪ ،‬لو أن الناس استبدلوا الحب بكل تلك األحقاد والغضب لكان العالم يسوده السالم محسن” أيضا سعى‬
‫إلى الحب وبحث عنه‪ ،‬وكان هو السبب في أن يتخلص من إحساسه بالضياع‪ ،‬بعد أن أصبح عامال“ يعيش‬
‫يوما بيوم‪ ،‬استطاع أن يجد ذاته رغم وضعه الذي جعله ينساها‪ ،‬وقرر‪ 1‬أن يواصل‪ 1‬حياته وأن يكافح باستئناف‬

‫‪.‬دراسته والتركيز في كتابة األدب‬

‫‪،‬كما رصدت الرواية كيف هي حال المغتربين العراقيين والمصريين ومن جنسيات أخرى سواء‪ ،‬في األردن‬
‫أو في اسبانيا ‪.‬وكيف‪ 1‬يعاني المغتربون ليجدوا لهم موطئ‪ 1‬قدم بعد أن لفظتهم بالمهمهم ب هم وتحكي‪ 1‬عن‬
‫العراق بدء من السبعينات بعيون فتاة ينتمي والداها للحزب الحاكم وتعيش في غنى‪ ،‬وترصد العراق في أثناء‬

‫حب إيران وغزو الكويت والحصار وحتى‪ 1‬لحظة الغزو األمريكي ورعبه‪ ،‬وكيف أن الحياة انقلبت حتى على‬
‫الذين كانوا جزء من السلطة‪ ،‬فوالد “هيام” أعدم بعد تعذيبه لمجرد أنه خالف الحزب وأعلن رفضه لممارسات‬
‫السلطة‪ ،‬وعبود” رغم أنه لم يتنكر لحزب السلطة إال ألنه عاني أيضا‪ ،‬وأصبح يتنقل في البالد بحثا عن عمل‬
‫مناسب‪ ،‬رصدت الرواية أزمة العراق من ‪.‬السبعينات وحتى وقت قريب بعد أن تنازعت األحزاب على سلبه‬
‫ونهبه ومألته الفتن الطائفية الرواية تتميز بالبراعة وتعتمد‪ 1‬على لغة عذبة وآسرة خاصة في رسائل “هيام”‬
‫التي تنبض بالحياة‪ ،‬تستعين بجمل ساحرة للكاتب الشهيد “حسن مطلك”‪ ،‬وترسم‪ 1‬مشاهد حب تعتمد بشكل‬
‫أساسي على اإلنسانية ال على فعل الجسد المجرد‪ ،‬مثلما حدث بين “هيام” ورفاعي”‪ 1،‬حيث كان كل ما بينهما‬
‫لمسات حانية تشبع إنسانيتهما‪ ،‬وبين “محسن” والخادمة” التي كانا ‪.‬يتالمسان دون كالم من وراء نافذة‬
‫ويقبالن بعضهما في عذوبة‪.‬‬

‫رواية بنت دجلة‬

‫حيث بدأت رواية "بنت دجلة " لمؤلفها محسن الرملي‪ ،‬من حيث تنتهي رواية " حدائق الرئيس"‪ ،‬وطارق‪1‬‬
‫المندهش‪ ،‬وقسمة مع طفلها‪ ،‬في طريقهم الى بغداد‪ ،‬بحثا عن جثة والد قسمة "إبراهيم‪ " 1‬الذي أعدم في األول‬
‫من رمضان عام ‪ . 2006‬بينما تبدأ "حدائق الرئيس "‪ ،‬من حيث تستيقظ أبناء القرية على تسعة صناديق في‬
‫كل واحد منها رأس مقطوع‪ .‬وأول من راي هذه الصناديق‪ 1‬هو الراعي إسماعيل‪ .‬وتنتهي بنت دجلة‪ ،‬كما لو‬
‫كان التأريخ يعيد نفسه‪ ،‬كما بدأت حدائق الرئيس في استيقاظ أبناء القرية على صندوق‪ 1‬موز ال يحتوي على‬
‫تسعة رؤوس مقطوعة كالمرة السابقة‪ ،‬وإنما على صندوق واحد فيه رأس مقطوع‪ ،‬هو رأس قسمة‪ ،‬وأول من‬
‫رآه ثانية‪ ،‬هو الراعي إسماعيل وفي الموضع نفسه‪ .‬أي أن الجزء الثاني من الرواية‪ ،‬ينتهي‪ ،‬كما بدأ الجزء‬
‫األول منها‪ .‬بتدوير‪ 1‬الحدث عكسيا‪ ،‬من نقطة الختام الى نقطة االنطالق‪ ،‬بدال من أن يسير‪ 1‬بإتجاه أفقي‪.‬‬

‫تقع هذه الرواية في ثلثمائة صفحة من الحجم المتوسط‪ ،‬موزعة على تسع وعشرين وحدة رقمية‪ ،‬يتصدر كل‬
‫وحدة رقمية عنوانا‪ ،‬ال يتجاوز‪ 1‬عدد كل وحدة منها على عشر صفحات‪ .‬وهي بذلك وزعت بشكل متساوي‪1‬‬
‫على وحداتها‪ .‬ومثل هذا التوزيع‪ ،‬في الوقت الذي ينأي المتلقي عن الملل والشرود‪ 1‬الذهني لعدم طوله وقصره‬
‫ووقوعه في المعدل النسبي للمتوسط‪ 1،‬في الوقت ذاته يمنحه فرصة أكبر على قدرة اإلستمتاع في قراءة‬
‫الرواية بأريحية ودون ضغوط‪.1‬‬

‫قراءة في الرواية‬

‫يمكن قراءة هذه الرواية من زاويتين مختلفتين‪ ،‬تتمثل الزاوية األولى بالجانب اإليجابي في رفض تعاون قسمة‬
‫وطارق‪ 1‬مع جالل الدين الرامز للنظام الحالي‪ ،‬والجنرال‪ 1‬آدم للغزو األمريكي‪ ،‬والزاوية الثانية بالجانب السلبي‬
‫في تعاونهما معهما‪ .‬وبعبارة أوضح قراءتها من خالل اشتراك قسمة وطارق في تقسيم الكعكة العراقية‪ ،‬أسوة‬
‫باألحزاب العراقية‪ ،‬وبين عدم اشتراكهما‪ ،‬ورفضهما للمحاصصة‪ .‬تشرع رواية " بنت دجلة" بجملة‪" :‬بعد أن‬
‫تقيأت قسمة في منتصف‪ 1‬الطريق الذاهب الى بغداد‪ ،‬وأحست بالجوع‪ ،‬قررت أن تأكل العراق‪ .".‬وهذه الجملة‬
‫هي عصارة الرواية وحبكتها الرئيسة‪ .‬وإمتداد لنهاية حدائق الرئيس‪ ،‬عندما ترى قسمة الخراب الشامل الذي‬
‫ألحقه الجيش األمريكي بالعراق‪ ،‬وأثر ذلك تتقيأ‪ .‬تتقيأ البسبب جوعها الفيزيولوجي‪ ،‬وإنما لجوعها النفسي‬
‫الذي صبرت عليه وتحملته لسنين خلت‪ ،‬وبفعل ما عانته من قهر وظلم‪ 1‬في عهد الرئيس المخلوع الذي أعدم‬
‫زوجها الضابط‪ ،‬وفي هذا العهد والدها‪ ،‬وما تكابده اآلن من الغزو األمريكي من جهة‪ ،‬وفساد السياسيين الجدد‬
‫الوافدين من الخارج من جهة أخرى‪ ،‬ما عدا هيمنة شيوخ العشائر‪ 1‬بوصليتهم‪ 1‬وانتهازيهم على كل مفاصل‬
‫الدولة‪ ،‬وهذا هو ديدنهم في زمن كل الحكومات المتعاقبة‪ ،‬لتقرر اآلن‪ ،‬في هذه اللحظة‪ ،‬ألنها فقدت صبرها‪،‬‬
‫ولم تعد تحتمل‪ ،‬وهي ترى بأم عينيها األرتال العسكرية األمريكية الخراب الذي ألحقتها بالعراق‪ ،‬والذعر‬
‫الذي تدبه في نفوس المواطنين‪ ،‬وتدمر‪ 1‬كل ما يصادف‪ 1‬في طريقها‪ ،‬وتقلب الصالح الى طالح واألبيض الى‬
‫أسود‪ ،‬تقرر‪ ،‬أن تتقيأ كل العذابات التي القتها‪ ،‬بعد أن توصلت الى قناعة لعدم معرفتها‪ 1،‬مثل من سيكون أبنها‬
‫النائم في حضنها؟‪ :‬مثل أبيه زوجها؟ مثل الرأس المخلوع؟ مثلها هي؟ مثل أبيها؟ مثل هذ الطارق الذي‬
‫سيترعرع هذا الصغير‪ 1‬في كنفه؟ بعد أن دارت كل هذه األسئلة في رأسها‪ ،‬وعرفت حجم النهب والسلب الذي‬
‫يتعرض عليه العراق على أيدي المتسلطين على زمام الحكم‪ ،‬قررت أال تمتثل الى الواقع فحسب‪ ،‬بل وتأكل‬
‫العراق‪ ،‬أو كما يقول السارد العليم هو‪ :‬وتسعى‪ 1‬للنهش من هذا الواقع ما تستطيع‪ ،‬دون اإللتفات الى الذين أقل‬
‫قدرة على التمسك بحصتهم‪ ،‬فليس األمر ذنبها هي‪ .‬من حقها أن تسعى إلنقاذ أبنها ونفسها كي ال تكون مجرد‬
‫ضحية أخرى‪.‬‬

‫نفهم من هذا الطرح‪ .‬أن قسمة بالرغم مما تتمتع به من روح التمرد‪ ،‬وموقفها الرافض للغزو والنظام‪ 1‬الذي‬
‫جاءت به أمريكا‪ ،‬نفهم أنها تتخلى عن كل تلك القيم والمبادئ التي كانت قد تبنتها وتؤمن بها‪ ،‬من أجل الحفاظ‬
‫على مستقبل أبنها؟! يقول غوتيه أن األغراض النبيلة ال تؤخذ بالوسائل‪ 1‬الخسيسة‪.‬‬
‫أسوق مقولة غوتيه‪ ،‬ألنه يخطأ من يظن أن هذه الرواية سهلة‪ ،‬إآل أنه ليس كذلك‪ ،‬فهي أصعب روايات‬
‫الرملي‪ ،‬ذلك أن شخصيات‪ 1‬الرواية ليست نمطية‪ ،‬أي أنها ال تستقر على موقف‪ 1‬معين‪ ،‬وإنما تتغير مواقفها‬
‫بسرعة‪ ،‬كما أنها ال تخلو من االحداث المفاجئة‪ .‬ولعل هذه القراءات المتعددة لها هي السبيل الوحيد لنفي مبدأ‬
‫الميكافيلي الذي تبنته قسمة في توجهها األخير الذي مؤداه " الغاية تبرر الوسيلة"‪ .‬أي أنها دخلت هذ المعترك‬
‫الصعب‪ ،‬ال من أجل ما تدعي فيه ظاهرا‪ ،‬وهو تأمين مستقبل أبنها‪ ،‬إنما إنتقاما من الذين أعدموا زوجها‬
‫ووالدها في العهد البائد وهذا العهد‪ ،‬والكشف‪ 1‬عن زيف ودجل وسرقة الحكام الجدد الذين سوقتهم‪ 1‬أمريكا‬
‫للعراق‪ .‬وتفيض الرواية بالجمل التي تأتي لى لسان قسمة‪ ،‬وهي تعبر عن هذا المعنى‪ ،‬وال سيما أثر إنتهاء‬
‫جالل الدين من تعداد الغنائم التي سيجعل من الحكومة أن تغدقها على الحزب المزمع تشكيله من قبلها وقبل‬
‫طارق‪ ،‬وهو يقول‪( :‬وأنا شخصيا سأتبنى تسجيل طلباتكم للحماية مثال على حساب الدولة من حرس ورواتبهم‬
‫وسياراتهم وأسلحتهم‪ ،‬فأختاروهم‪ ،‬وأختاروا أتباعكم المقربين‪ ،‬ومساعديكم منذ اآلن‪ ،‬ولكم أن تغروا البعض‬
‫بالتوظيف‪ ،‬وبأمكاني أن أوظف وأتوسط لتوظيف‪ 1‬عشرات بل مئات ولو مجرد أسماء دون عمل فعل‪.(.‬‬

‫إذ ما أن ينتهي جالل الدين من توزيع ثروات البالد بدون رحمة وال واعز ضمير‪ 1‬عليهما‪ ،‬على قسمة‬
‫وطارق‪ ،‬حتى تدرك قسمة لحظتها بمدى وقاحة المسؤولين من هذا البلد وحجم ظلمهم‪ 1‬ومدى نهبهم‪ ،‬أو كما‬
‫تقول " الذين أمضوا حياتهم‪ 1‬بأمان وحرية في بلدان أخرى يتقاضون تعويضات‪ 1‬وأمتيازات هائلة‪ ،‬بينما الذين‬
‫بقوا في الداخل تحت قمع الدكتاتورية وعصف الحروب ومرارة الحصار‪ ،‬ال يحصلون على شيء‪ . ".‬أو كما‬
‫تقول في مكان آخر" وأمر كهذا ال يحدث إآل في العراق‪ ،‬فقد يتغير كل شيء في يوم واحد‪ ،‬الفقير يصبح غنيا‬
‫والغني فقيرا‪ .‬الرئيس يصبح سجينا والسجين رئيسا‪ .‬الجاهل يصبح مديرا والمدير عاطال‪ .‬والحي يصبح ميتا‬
‫والميت يتم تقديسه‪ ،‬ولو كان ثمة عودة لميت الى الحياة‪ ،‬لما كان ذلك إآل في العراق أيضا‪ ،‬وهكذا‪..‬‬

‫إن هذا التحول في شخصية قسمة من التمرد على أبيها وعلى عهد الرئيس المخلوع من جهة‪ ،‬وهذا العهد‬
‫بالتعاون معه من جهة أخرى‪ ،‬يدل أن المؤلف يسير على النهج الذي أختطه في في رواياته السابقة‪ ،‬من حيث‬
‫التعويل على تناقض الشخصيات‪ 1‬مع نفسها ومع اآلخرين‪ ،‬وال سيما في روايتيه"‪ 1‬تمر األصابع" و "أبناء‬
‫وأحذية"‪ .‬متمثال هذا التناقض مع نفسها بتخليها عن تمردها‪ 1‬السابق على أبيها‪ ،‬وتناقضها مع اآلخرين‪ ،‬في‬
‫عدم قناعتها بالمشروع‪ 1‬المزمع اإلقدام عليه‪ .‬وهذا التناقض ال ينطبق على شخصية قسمة فقط‪ ،‬وإنما يمتد الى‬
‫طارق المندهش المعروف بتدينه وطيبته‪ ،‬وبالمقابل تعاونه مع سراق ولصوص‪ 1‬العراق‪ ،‬وكذلك الى شخصية‬
‫عبدهللا كافكا المعروف‪ 1‬بسوداويته وعزلته ورفضه لآلخرين‪ ،‬باعتباره لقيطا‪ ،‬وولد‪ 1‬يتيما بدون أب وال أم‪،‬‬
‫يتخلى في النهاية عن تمرده هذا‪ ،‬بالتعاون مع طارق‪ 1‬إلطالق سراحه من العصابة التي رهنته‪ .‬أقول إن‬

‫هذا التحول الذي يحدث في شخصيات الرواية‪ ،‬والتي يجد لها المؤلف المسوغات التي يسعى من خاللها إقناع‬
‫المتلقي بمصداقيتها أو صحتها‪ ،‬إنما أفرزتها الظروف‪ 1‬السياسية المتقلبة وغير المستقرة التي شهدها العراق‪،‬‬
‫لتنعكس بشكل أو بآخر في نفسية الشعب العراقي‪ ،‬مرة باإليجاب‪ ،‬ومرة بالسلب‪ ،‬وهكذا الى أن تؤول‬
‫الشخصية في النهاية على حال‪ ،‬كما انتهت شخصية طارق الى الصالة والصوم والعزلة في المسجد‪ ،‬وقسمة‬
‫الى األغتيال‪ ،‬وكافكا‪ 1‬الى الزواج من الفتاة التي أحبها منذ شبابه‪" ،‬سميحة" وحرمه طارق اإلقتران بها‪،‬‬
‫بإعتبارها شقيقته ومسوغ عدم قدرته على إعالتها بما يجعلها تعيش بسعادة معه‪ ،‬لميله الى العزلة والتأمل‪،‬‬
‫أكثر من حبه للعمل والتفرغ الى تكوين أسرة‪.‬‬

‫وإذا كانت من شخصية بين الشخصيات الثالث الرئيسة تناقض مع نفسها أكثر من الشخصيتين األخريين‪،‬‬
‫فهي شخصية قسمة‪ .‬ال لكونها داينامو‪ 1‬األحداث ومحركها‪ 1‬األساس‪ ،‬وشخصيتها أقوى‪ 1‬من شخصيتي طارق‬
‫وكافكا‪ ،‬بل ألنها أكثر وعيا منهما‪ ،‬وتعرف ماذا تفعل‪ ،‬وأين تقودها تصرفاتها‪ 1‬وأفعالها الغريبة‪ .‬فهي في الوقت‬
‫الذي تقرر فيه التعاون مع الشيخ "طافر"‪ 1‬والجنرال األمريكي‪ ،‬تتحدى األول في دخولها في منافسة معه‪،‬‬
‫للبرهنة على أن المرأة تتساوى مع الرجل في كل شيء‪ ،‬وبوسعها‪ 1‬مثله أن تبول واقفة‪ ،‬وليس كما يدعي الشيخ‬
‫طافر بأنها ال تستطيع‪ 1‬فعل ذلك‪ .‬بل أن تقذف بسائلها الى مسافة أبعد من المسافة التي يقذف هو به‪ ،‬وتفوز‬
‫عليه‪ .‬وتتهجم‪ 1‬على الثاني عبر وصفها لدخول األمريكان للعراق بالغزو واحتالله هو خطأ قاتل‪.‬‬

‫إن اقتحام‪ 1‬المرأة لمجلس الضيافة بحد ذاته يعد تحديا‪ ،‬فأنى وهي تدخل في منافسة مع شيخ العشيرة‪ ،‬واألشد‪1‬‬
‫أن تكون هذه المنافسة معيبة‪ ،‬ليس لدى العشائر فحسب‪ ،‬بل لدى العامة أيضا‪ .‬واألكثر‪ 1‬شدة أن تفوز عليه‬
‫وتحرجه‪ .‬وال تكتفي بإهانة الشيخ طفار‪ ،‬وإنما تكمل ما بدأت به بالجنرال آدم‪.‬‬

‫غير أن شعور قسمة برغبة في رمي نفسها على صدر الجنرال آدم‪ ،‬أثناء ما يأمر جنوده بعدم تفتيش‬
‫سيارتهما‪ ،‬يوحي الى عكس تصرفها السابق‪ ،‬يوحي الى رغبتها بالعمل معه‪ ،‬ولعل هذا اإليحاء يزداد أكثر‪،‬‬
‫عندما أنصرف‪ ،‬وظلت واقفة هي تنظر اليه من بعيد‪ .‬وتتناقض رغبتها هذه في الوقت ذاته‪ ،‬وهي تحاور‬
‫الشيخ طافر في مضيف المجلس‪ ،‬مع جملة‪ ( :‬كانت ترمقه وتنظر‪ 1‬في عينيه متعمدة كأنها تتحداه مثل ما تحدت‬
‫الشيخ طافر‪ ،‬أو كأنها تقول له بأنه هو المقصود مما يؤجج حرائق التحدي في وجهها أكثر‪.(.‬‬

‫وهنا يطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح‪ ،‬ترى هل كانت قد خططت قسمة لهذه الخطوة أم جاءت بشكل عفوي‪،‬‬
‫خطوة إقتحامها‪ 1‬لمجلس المضيف؟ لإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬من وجهة نظري كل الدالئل تشير الى أنها كانت‬
‫تفكر بعمل شيء ما‪ ،‬يجلب األنظار‪ 1‬اليها‪ ،‬وال سيما آدم لكي تتقرب اليه‪ ،‬أو هو يبادر‪ ،‬ال فرق‪ .‬وفي‪ 1‬الوقت‬
‫نفسه تتمسك بما تؤمن به‪ ،‬وتطلق ما بداخلها من معاناة بجرأة ودون تحفظ‪ ،‬ذلك ألن هذه الخطوة التي أقدمت‬
‫عليها‪ .‬أو األصح القول هذا الفعل الذي أقدمت عليه‪ ،‬كان سببا لردود األفعال التي تأتي الحقا‪ ،‬إبتداء من‬
‫التهديد األول الذي تتعرض اليه‪ ،‬ومرورا‪ 1‬بالتهديد الثاني‪ ،‬وإنتهاء بإختطاف طارق‪ 1.‬إذ يقوم بدفع األحداث‪ ،‬أثر‬
‫إيجاد المسوغات إلنتقالها من فعل الى آخر عن طريق هذه المنافسة المبنية على التحدي المغلفة ظاهرها‬
‫بالتعاون وباطنها بروح اإلنتقام‪.‬‬

‫إن تكرار‪ 1‬جملة‪ ):‬ستأكل هذا العراق(‪ ،‬على لسان قسمة أكثر من مرة‪ ،‬لم تأت إعتباطا أو عن فراغ‪ ،‬بقدر ما‬
‫تأتي بعكس الى ما هي ذاهبة اليه‪ ،‬أي ليس بهدف الحصول على المغانم‪ ،‬وإنما إنتقاما من الذي‪" :‬أكل والدها‬
‫وزوجها‪ 1‬وطفولتها ومستقبلها‪ 1‬وحلمها‪ ،‬لذا قررت أن تتخذه علفا لحلم جديد‪ .".‬ولعل أبعاد هذه الجملة‪ ،‬وإن ال‬
‫تأتي على لسان عبدهللا كافكا‪ ،‬إآل أنها تمنح المعنى نفسه‪ ،‬وهو يصارع مع نفسه في مونولوجاته الداخلية‪.‬‬
‫وبعبارة أوضح‪ ،‬إذا كانت قسمة قد عزمت بمحاربة الذين أكلوا العراق‪ ،‬عن طريق‪ 1‬إهانتهم وإذاللهم بشكل‬
‫مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى‪ ،‬فإن كافكا‪ 1‬أختار طريق الوعيد بقتلهم عالنية‪ ،‬أي بشكل مباشر‪:‬‬
‫"سأقتله‪ ،‬سأمزقه الى قطع صغيرة وأطعمه للكالب‪ . . .‬أمضيت قرابة العشرين عاما في سجون األسر‬
‫اإليرانية بأسم الدفاع عن هذا البلد‪ ،‬ثم يأتي الهارب منه‪ ،‬مغتصب أمي ليصبح سيدا عليه‪ .‬سأقتله‪.".‬‬

‫والمعنى ذاته يعبر عنه طارق‪ 1‬أيضا وهو يخاطب عباهلل قائال له ‪ ":‬كأن الجميع يدور‪ 1‬في غابة‪ ،‬ومن أجل شق‬
‫أحدهم دربه فيها‪ ،‬هو مستعد لحرق كل شيء حوله‪ .‬وألن الجميع يريد أن يصير‪ 1‬رئيسا أو رأسا لشيء ما‪ ،‬فهو‬
‫يسعى لقطع أي رأس يشعر بأنه سيكون أعلى من رأسه‪.".‬‬

‫إذا كانت القراءة األولى للرواية‪ ،‬تنطلق من وجهة نظر إيجابية‪ ،‬بوصفها‪ 1‬تنشد التصدي‪ 1‬لمثالب النظام الحالي‪،‬‬
‫والكشف عن مدى حجم النهب والسرقات‪ 1‬التي يتعرض لها العراق‪ ،‬فإن القراءة الثانية للرواية يمكن قراءتها‪1‬‬
‫من وجهة نظر سلبية‪ ،‬أي من خالل مشاركة قسمة وطارق‪ ،‬بالكعكة العراقية التي تقاسمتها األحزاب فيما‬
‫بينها‪ .‬وهذه القراءة تعيدني الى السؤال الذي طرحته في القراءة األولى‪" :‬ترى هل كانت قسمة قد خططت‬
‫مسبقا إلقتحام‪ 1‬مضيف المجلس‪ ،‬أم جاءت مبادرتها هذه بشكل عفوي؟ كل الدالئل كما نوهت سابقا‪ ،‬تشير بأنها‬
‫قد خططت لما أقدمت عليه" ‪ .‬بدليل أنها كان لديها‪" :‬إحساس مسبق بأنها سترى الجنرال آدم ثانية"‪ .‬ما معناه‬
‫أنها كانت تتمنى اللقاء به‪ ،‬لغرض التعاون معه للكسب المادي والنفع الذاتي‪ ،‬ذلك أنها سرت في داخلها‬
‫وزادها قوة وثقة بالنفس‪ ،‬وهي تسمع الجميع وال سيما الجنرال آدم يخاطبها‪ 1‬بشيخة‪ .‬وعزمت على التفكير‬
‫بذلك الحقا‪ ،‬وربما‪ 1‬تبني هذه التسمية الحقا‪ ..‬أضع خطا تحت الجملة االخيرة‪ ،‬وهي تعزم‪ ،‬أي تقرر أن تبلغ‬
‫هذه الدرجة وأكثر‪ ،‬كأن تصبح رئيسة وزراء كما يرد في مكان آخر‪ ،‬وجالل الدين يقول لها إلغرائها‪" :‬ومن‬
‫يدري كيف ستكون تحالفات تشكيالت الحكومات القادمة فربما‪ 1‬تصبحين فجأة رئيسة وزراء عراقية‪.‬‬

‫أبتسمت قسمة دون تعليق‪ ،‬فعرف أن ذلك دغدغ أحالمها‪ ".‬ويتجلى‪ 1‬إنجذاب قسمة وحماسها للعمل مع النظام‬
‫الجديد‪ ،‬وتقلدها للمناصب أكثر‪ ،‬أثناء إبداء جالل الدين بعض النصائح لها ولطارق‪ 1‬لألخذ بها لنجاحهما في‬
‫مهماتهما الجديدة‪ ،‬أثناء إلتفات طارق‪ 1‬الى قسمة ليتبين رأيها‪" :‬فوجدها‪ 1‬متحمسة جدا‪ ،‬ولقرب رأسها من رأس‬
‫السيد وهو يتحدث‪ ،‬بدت وكأنها ستقبله او تأكله‪.".‬‬

‫كما أن مناقشة قسمة وطارق في كيفية إقناع عبدهللا كافكا لمقابلة جالل الدين بشتى السبل الممكنة لذلك‪ ،‬بما‬
‫فيها إذا تطلب األمر تخويفه‪ ،‬وحتى تهديده‪ ،‬تدخل هذه المناقشة التي درسا وتمعنا‪ 1‬في كل جوانبها بمنتهى‬
‫الجدية والحماس‪ ،‬ضمن قراءة الزاوية الثانية للرواية لمنحى الشخصيتين الرئيسيتين‪ ،‬قسمة وطارق‪ .‬وأن‬
‫جملة‪" :‬تخيل طارق‪ 1‬أنه سيمتلك بيتا فخما في بغداد‪ ،‬وسيكون له اتباع وحماية وسلطة ومال" هذه الجملة‬
‫تدخل ضمن السياق نفسه أيضا‪ .‬فضال عن إخبارهما‪ 1‬كافكا‪ ،‬بأن عليهم التعامل مع الظرف‪ 1‬المعقد الذي يشهده‬
‫العراق بشكل ما‪ ،‬الى أن يموتوا‪ ،‬بشكل أفضل لهم وألوالدهم ذلك بمسوغ‪ ،‬ان كل كائن حي فيه فطرة أو‬
‫غريزة الدفاع عن نفسه‪ ،‬وهذا من حقه‪ ،‬بل من واجبه‪.‬‬

‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬أي حسب ما يحاوال قسمة وطارق إقناع كافكا من منظور‪ ،‬أن كل كائن حي له حق‬
‫الدفاع عن نفسه بحكم غريزته للبقاء‪ ،‬عبر التعامل مع الظرف‪ 1‬الراهن‪ ،‬أقول إذا كان األمر كذلك‪ ،‬إذن أن كل‬
‫ما يجري من فساد ودمار‪ 1‬ونهب في العراق على مسؤوليه هم على حق وليسوا‪ 1‬على باطل وال ذنب لهم لكل‬
‫ما يحدث! إن قراءة الرواية من منظورين مختلفين‪ ،‬أحدهما سلبي واآلخر إيجابي‪ ،‬جاء مقصودا‪ ،‬ليس بهدف‪،‬‬
‫إبراز التناقضات القائمة لدى الشخصيات الرئيسة فحسب‪ ،‬وإنما وهذا األهم‪ ،‬لما أفرزته هذه التناقضات‪ 1‬من‬
‫قراءات تمنح معنيين في آن‪ .‬أي يمكن قراءتها من المنظورين نفسيهما‪ .‬كأن على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬إن‬
‫إقتحام قسمة لمضيف المجلس‪ ،‬في الوقت الذي فيه يمكن قراءته‪ ،‬أنه قد جاء بهدف فضح األساليب الخاطئة‬
‫التي يستخدمها‪ 1‬الجيش األمريكي‪ 1‬في العراق مع عامة الناس من جهة وإحراج الشيخ طافر أمام أفراد قبيلته من‬
‫جهة أخرى‪ .‬في الوقت ذاته يمكن قراءته على انه كان بهدف تعارف قسمة مع الجنرال آدم والشيخ طافر‪،‬‬
‫للتعاون معهما‪ ،‬أو مع رموز السلطة التي يمثالنهما‪.‬‬

‫كما أن الجملة التي تنطقها قسمة في بداية الرواية‪ ،‬بعد أن تقيأت‪ ،‬وهي تقول‪" :‬قررت أن آكل العراق"‪ ،‬قابلة‬
‫للتفسيرين أيضا‪ ،‬فهي من جهة تعني أنها بعد معاناتها‪ 1‬الطويلة مع الظلم الذي تعرضت له لسنين خلت على‬
‫أيدي الحكومات المتعاقبة على الحكم‪ ،‬آن لها أن تاكل من خيراته‪ .‬ومن جهة أخرى تعني أنها ستعادي تلك‬
‫الحكومات‪ .‬ستعادي الذين يقلدون مناصب الحكم في العراق‪ ،‬نتيجة فسادهم وسرقتهم‪ 1‬ألموال الشعب العراقي‪،‬‬
‫ولهذا فهي تدعو الى إنشاء قوة مسلحة‪ ،‬ذلك ألن العراق قد تحول الى غابة‪ ،‬أو كما هي تقول‪" :‬إن لم تكن ذئبا‬
‫فقد أكلتك الذئاب‪ .".‬مناوئا‪ 1‬طارق دعوتها هذه‪ ":‬ألن من يحمل السالح سينتهي بإستخدامه حتما‪.".‬‬

‫تقوم بنية الرواية على تقنيتي اإليحاء‪ ،‬والتناص في شخصياتها مع شخصيات‪ 1‬في روايات‪ 1‬أخرى‪ .‬تبدأ‬
‫إيحاءاتها من جملة‪ " :‬وعلى الرغم من طول قامته‪ ،‬شعرت بأنها أطول منه" ‪ ،‬في إشارة الى الحوار الذي‬
‫يجري بين قسمة والجنرال آدم في مضيف طافر‪ 1‬وتتغلب عليه‪ .‬كما أن جملتي‪" :‬شعرت برغبة في رمي نفسها‬
‫على صدره وإحتضانه"‪ .‬وظلت هي واقفة تنظر اليه من بعيد توحي‪ 1‬الى أنها ستتعاون معه‪ .‬أما الجملة التي‬
‫يطلقها طارق‪ 1‬بصدد ترويضه لقسمة‪ ،‬فإنها تأتي بعكس توقعاته‪ ،‬إذ يهرب من الجحيم الذي كان محاصرا فيه‬
‫ببغداد‪ ،‬قبل قسمة‪ .‬بينما توحي‪ 1‬جملة‪ :‬ورأت الشخص الذي يجلس ملثما في المقعد الخلفي من السيارة‪ . . .‬ثم‬
‫يمرر إصبعه السبابة على رقبته عالمة الذبح‪ ،‬توحي‪ 1‬الى اغتيالها في نهاية الرواية‪ .‬في الوقت الذي يوحي‬
‫فيه‪ ،‬في اإلنفجار الذي يحدث في المطبخ الى إختطاف طارق‪ 1.‬وتوحي جملة‪ :‬ثم تحول االمر الى رغبة داخلية‬
‫في أن تذبح أحدا أو كائنا وتمنت أكثر أن يذبحها أحد‪ ،‬الى تأنيب الضمير‪ 1‬تجاه والدها الذي تمردت عليه‪،‬‬
‫لتشعر بما شعر به أثناء جز رقبته عن جسمه‪ .‬كما أن الجملة التي تأتي بعدها‪ :‬تحسست رقبتها‪ .‬صارت تفعل‬
‫ذلك بكثرة مؤخرا‪ .‬توحي الى أغتيالها للمرة الثانية في نهاية الرواية‪ .‬وتكرار لثالث مرات للجهاز المصنوع‬
‫من البالستيك‪ ،‬وردي اللون‪ ،‬يوحي الى إستخدام‪ 1‬هذ الجهاز من قبل إحدى الشخصيات‪ ،‬وأستخدمته قسمة في‬
‫بزها للشيخ طافر‪ .‬وجملة كلما أقتربوا‪ 1‬من القرية شعر طارق‪ 1‬بإنشراح روحه كطفل في أيامه االولى في‬
‫المدرسة(‪ ،‬توحي الى التخلي عن مشروعه المزمع في التعاون بسرقة العراق مع الذين أحكموا قبضتهم‪ 1‬عليه‪،‬‬
‫بالعودة الى قريته‪.‬‬

‫كما ان ممارسة طارق الجنس مع زوجته األولى بعد عودته الى القرية‪ ،‬هذه الممارسة التي شعر فيها بإستعادة‬
‫قوته ورجولته‪ ،‬أو كما يقول الساردبل وكرامته‪ ،‬أو هيبته وسلطته التي ضعضعتها‪ 1‬قسمة(‪ ،‬توحي الى إنشقاقه‬
‫عن الحزب الذي أسسه مع قسمة والعودة نهائيا الى القرية‪ .‬وهذه الجملة التي يطلقها طارق‪ 1‬بوجه قسمة‪ ) :‬ال‬
‫اريد أن نتورط‪ 1‬أكثر‪ ،‬فمن يحمل السالح سينتهي‪ 1‬بإستخدامه حتما‪ .‬أخشى أن نكون قد بدأنا بنية البحث عن جثة‬
‫والدك فننتهي مثله رؤوسا‪ 1‬مقطوعة‪ ،‬نجهل قاطعها‪ . 1.‬وجثة ضائعة‪.‬‬
‫توحي الى قطع رأس قسمة‪ .‬وجملة " جربت دشداشة والدها فوجدتها‪ 1‬على قياسها تماما‪ ،‬الى إختطافها‪ 1‬وقطع‬
‫رأسها مثله‪ .‬تكشف ثخصية " رهيب " عن تناصها‪ 1‬مع شخصية "الزين"في‪ 1‬رواية "عرس الزين" ل الطيب‬
‫الصالح‪ ،‬من حيث حب الناس له وتعاونه معهم والرقص‪ 1‬في أفراحهم‪ ،‬والمشاركة في أتراحهم‪ ،‬وعدم‬
‫إعتراض أحد على تسلله الى البيوت وتواجده وسط الصاالت واإلختالط‪ 1‬بهن‪ .‬كما أن تركيبة جسمه تشبه الى‬
‫حد ما بتركيبة جسم الزين‪ ،‬من حيث كبر رأسه أكثر من جسمه‪ ،‬واطرافه صغيرة بطول األصابع‪.‬‬

You might also like