Professional Documents
Culture Documents
الموضوعي
المفهوم والمنهج
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
التفسير
3
الموضوعي
المفهوم والمنهج
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
4
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الفهرس
المقدّمة9................................................................................................
الفصل األ ّول 11........................................................................................
الدرس األ ّول :المبادئ التص ّوريّةـ للتفسير الموضوع ّي 13....................................
تمهيد15..............................................................................................
التفسير في اللّغة واالصطالح15.................................................................
تعريف التفسير الموضوع ّي 18..................................................................
الفرق بين التفسير التجزيئ ّـي (الترتيب ّي)ـ والتفسير الموضوع ّي في التطبيق21.........
الدرس الثاني :تاريخ التفسير الموضوع ّي 23............................................- 1 -
تمهيد25..............................................................................................
التفسير الموضوع ّي في أحاديث المعصومين(عليهم السالم)25..........................
الدراسات الموضوعيّة في علوم القرآن 30....................................................
5 الدراسات اللّغويّة في القرآن الكريم 32.........................................................
تفسير آيات األحكام33.............................................................................
تفسير القرآن بالقرآن34..........................................................................
الدرس الثالث :تاريخ التفسير الموضوع ّي37............................................ - 2 -
تمهيد39..............................................................................................
الدّراسات الموضوعيّة للمستشرقين 39........................................................
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
مدرسة األمناء (أمين الخول ّي) 45...............................................................
الدراسات الموضوعيّة في األزهر 48...........................................................
االتّجاه االجتماع ّي في التفسير الموضوع ّي50................................................
الدرس الرابع :التفسير الموضوع ّي الدّوافع واألقسام53......................................
تمهيد55..............................................................................................
التوجه نحو التفسير الموضوع ّي 55..................................
ّ األسباب الداعية إلى
أقسام التفسير الموضوع ّي60....................................................................
الفصل الثاني 65.......................................................................................
الدرس الخامس :مقدّمات تأسيسيّةـ في التفسير الموضوع ّي للسورة67...................
تمهيد69..............................................................................................
علم المناسبات والتفسير الموضوع ّي للسورة 69............................................
وحدة السورة القرآنيّةـ 71.........................................................................
وحدة السورة القرآنيّةـ بين اإلثبات والنّفي 73.................................................
6
آثار القول بوحدة السورة القرآنيّة74...........................................................
مفهوم التفسير الموضوع ّي للسورة 76........................................................
الدرس السادس :معالم منهج التفسير الموضوع ّي للسورة القرآنيّة79....................
تمهيد81..............................................................................................
معالم منهج التفسير الموضوع ّي للسورة 81..................................................
نموذج للخطوات في منهجـ التفسير الموضوع ّي للسورة 86...............................
الدرس السابع :نموذج تطبيق ّي للتفسير الموضوع ّي للسورة (المحور العا ّم لسورة
ضحى)89.............................................................................................
ال ّ
ضحى(91..............................)123
صة في سورة ال ّ
المحور العا ّم والمحاور الخا ّ
العالقة بين محاور السورة93....................................................................
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الفصل الثالث97.......................................................................................
الدرس الثامن :منهجـ التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي (99......................)1
تمهيد101............................................................................................
الوحدة الموضوعيّة 101..........................................................................
معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآن ّي 103..................................
الدرس التاسع :منهج التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي (109...................)2
ثانياً :تصنيف اآليات وترتيبها111..............................................................
خطوات منهج التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي120................................
الدرس العاشر( :الذكورة واألنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات اإللهيّة)ـ....
123
الداللة المعنويّة في القرآن(125......................................................... )176
لغة القرآن ،لغة ثقافة الحوار125...............................................................
الداللة اللّفظيّة في القرآن126....................................................................
7 حاالت من التساوي في االستفادات الما ّديّة والمعنويّة128.................................
الدرس الحادي عشر :السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (135.............)1
نماذج من السنن التاريخيّة في القرآن الكريم(137.......................................)1
قواعد السنن التاريخيّةـ في القرآن الكريم 138................................................
ربّانيّة السنن التاريخيّة 140......................................................................
الدرس الثاني عشر( :السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم) (145............)2
الدّين سنّة تاريخيّة(147.....................................................................)16
عناصر المجتمع في القرآن الكريم 148........................................................
الصيغة الرباعيّة هي صيغة الدّين وسنّة من سنن التاريخ151............................
قائمة المصادر والمراجع 155......................................................................
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
8
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المقدّمة
الحمد هّلل ربّ العالمين ،وصلّى هللا على سيّدنا مح ّمد وآله الطاهرين ،وبعد...
لق د اعت اد علم اء التفس ير -في البحث -طريق ةَ تفس ير اآلي ات القرآنيّ ة بحس ب تسلس ل
عرضها في القرآن الكريم ،والتي تنتهي عن د تحدي د الم دلول التفص يل ّي لآلي ة موض وع
البحث مع مالحظة بعض ظروف السياق أو بعض اآلي ات األخ رى المش تركة معه ا في
الموضوع نفسه؛ وهذا المنهج هو ما نس ّميه بالتفسير التجزيئ ّي أو الترتيب ّي للقرآن الكريم.
وفي اآلونة األخيرة ،وتحديداً في القرن الرابع عشر الهج ريّ ،أخ ذت تنم و ب وادر منهج
جديد في البحث القرآن ّي يقوم على أساس محاول ة استكش اف النظري ة القرآنيّ ة في جمي ع
المجاالت؛ العقائديّ ة والفكريّ ة والثقافيّ ة والتش ريعيّة والس لوكيّة ،من خالل عرض ها في
مواضعها المختلفة من القرآن الكريم فكان ما س ّمي بالتفسير الموضوع ّي للق رآن الك ريم؛
وهو ما يعتبر نسبيًّا ظاهرة جديدة في عالم التفسير.
هذا الكتاب «التفسير الموضوع ّي للقرآن المفهوم والمنهج» يجم ع بين ال دروس النظريّ ة
التأسيسيّة والنماذج التطبيقيّة عليها ،فيتض ّمن الكتاب في المجم وع ثماني ة دروس نظريّ ة
9 وأربعة تطبيقية ،بإمكان المدرّس أن يعتمد عليه ا في التطبيق ات الص فّيّة وتك اليف الم ا ّدة
للطالّب ،أو يستفيد من غيرها ،وق د أدرجناه ا في الكت اب حرص ا ً على ع دم الوق وع في
إشكاليّة اإلغراق في البحث النظر ّ
ي ،وإهمال الجانب التطبيق ّي.
والحمد هّلل ّ
رب العالمين
10
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
12
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
13
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
14
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
األسئلة الرئيسة التي سنجيب عنها في هذا الدرس هي:
ق من جذر (فسْر) التي تعني اإلبان ة ،والفص ل ،واإليض اح ،وكش ف التفسير :تفعيل مشت ّ
المغطّى ،وإظهار المعنى المعقول .وقد ورد لفظ التفسير مرّة واح دة في قول ه -تع الى:-
1
1األصفهان ّي ،الراغب الحسين بن محمد ،الحسين بن محم د ،المف ردات في غ ريب الق رآن ،ال.م ،دف تر نش ر الكت اب،
1404هـ.ق ،ط ،2ص.636
2سورة الفرقان ،اآلية .33
3الطبرس ّي ،الشيخ الفضل بن الحس ن ،مجم ع البي ان في تفس ير الق رآن ،تحقي ق وتعلي ق :لجن ة من العلم اء والمحقّقين
األخصّائيّين ،مؤسّسة األعلم ّي للمطبوعات ،لبنان -بيروت1415 ،هـ.ق 1995 -م ،ط ،1ج ،7ص.296
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ويمكن أن يكون التفسير مقلوبا ً من السفر -بتقديم السين -ومعناه أيضا ً اإلظه ار واإلبان ة،
يُقال :سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها.
الفسر والسفر يتقارب معناهما كتق ارب لفظيهم اّ ،
لكن الفس ر إلظه ار المع نى المعق ول،
والسفر إلبراز األعيان لألبصار.
المختص ة ،نص ل إلى نتيج ة مفاده اّ :
أن أك ثر علم اء ّ ومن خالل مراجعة الكتب اللّغويّة
اللّغة استق ّر رأيهم بالنسبة إلى معنى «فسر» هو كشف المغطّى وتوض يح مع اني األلف اظ
والعبارات .1والتفسير على وزن تفعيل فهو يستبطن معنى المبالغة؛ وعلي ه ،فه و بمع نى
كشف معاني األلفاظ والحقائق المستورة.
عبر استقراء التعاريف التي أوردها العلماء في كتبهم ،نجد تقاربا ً بين مع نى التفس ير في
االص طالح ومعن اه في اللّغ ة ،فمض مون ِكال التع ريفين ي دور ح ول التوض يح واإلبان ة
والظهور بعد الخفاء .وث ّمة تعاريف متع ّددة للتفس ير نكتفي ب ذكر تع ريفَين منه ا« :كش ف
المراد عن اللفظ المش كل» ،2واآلخ ر« :ه و بي ان مع اني اآلي ات القرآنيّ ة والكش ف عن
16 مقاصدها ومداليلها».3
1ينظ ر على س بيل المث ال :ابن منظ ور ،محم د بن مك رم ،لس ان الع رب ،نش ر أدب الح وزة ،إي ران -قم المش رّفة،
1405هـ.ق ،ال.ط ،ج ،5ص55؛ الطريحي ،الشيخ فخر الدين ،مجمع البح رين ،تحقي ق :الس يّد أحم د الحس ين ّي ،نش ر
مرتضوي ،ال.م1362 ،هـ.ش ،ط ،2ج ،3ص438؛ الزبيدي ،السيد محمد مرتضى الحس يني ،ت اج الع روس ،تحقي ق:
علي شيري ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان -بيروت1414 ،هـ.ق 1994 -م ،ال.ط ،ج ،7ص.21
2الشيخ الطبرس ّي ،مجمع البيان ،مصدر سابق ،ج ،1ص.39
3الطباطبائ ّي ،السيد محمد حسين ،الميزان في تفسير القرآن ،مؤسّسة النش ر اإلس الم ّي التابع ة لجماع ة المدرّس ين بقم
المشرّفة ،إيران -قم المشرّفة ،ال.ت ،ال.ط ،ج ،1ص.4
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
محورها الق رآن الك ريم ،بال ف رق بين أن تك ون ه ذه العل وم أدوات ووس ائل لفهم النصّ
القرآن ّي -كبعض عل وم اللّغ ة من النح و والص رف وغيره ا ،وعل وم الق رآن من الناس خ
والمنسوخ وأسباب النزول ،-أو يك ون ارتباطه ا ب القرآن من جه ٍة أخ رى ،كعلم الق راءة
وعلم التجويد.
وبهذا االتّجاه ،عرّف أبو حيّان األندلس ّي التفسير بقوله« :هو علم يبحث عن كيفيّة النط ق
بألفاظ القرآن ومدلوالتها ،وأحكامها اإلفراديّة والتركيبيّة ،ومعانيها التي تحمل عليها حالة
التركيب وتت ّمات ذلك».1
وع ّرفه بدر الدين الزركش ّي موضحا ً لما يحتاج إليه علم التفسير ،فق ال إنّ ه« :علم يُع رف
به فهم كتاب هَّللا المنزل على نبيّه محمد(صلى هللا عليه وآله) ،وبيان معاني ه ،واس تخراج
أحكامه وحكمه ،واستمداد ذل ك من علم اللّغ ة والنح و والتص ريف وعلم البي ان وأص ول
الفقه والقراءات ،ويحتاج إلى معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ».2
فهو علم ن زول اآلي ة وس ورتها وقصص ها ،واإلش ارات النازل ة فيه ا ،ث ّم ت رتيب م ّكيّه ا
وخاص ها وعا ّمته ا ،ومطلقه ا ّ وم دنيّها ،ومحكمه ا ومتش ابهها ،وناس خها ومنس وخها،
ومفس رها .وزاد فيه ا ق وم ،فق الوا :علم حالله ا وحرامه ا ،ووع دها ّ ومقيّ دها ،ومجمله ا
17 ووعيدها ،وأمرها ونهيها ،وعبرها وأمثالها .
3
االتّج اه الث اني :ينظ ر إلى التفس ير من جه ة مقص ده النه ائ ّي ،وه و الكش ف عن الم راد
اإلله ّي من اآليات القرآنيّة.
1األندلس ّي ،أبو حيّان محمد بن يوسف ،تفسير البحر المحيط ،تحقيق :الش يخ ع ادل أحم د عب د الموج ود -الش يخ عل ّي
مح ّمد مع ّوض ،شارك في التحقيق :د .زكريّا عبد المجيد النوق ّي -د .أحمد النجول ّي الجمل ،دار الكتب العلميّ ة ،لبن ان -
بيروت1422 ،هـ.ق 2001 -م ،ط ،1ج ،1ص.121
2الزركشي ،محمد بن عبد هَّللا ،البرهان في علوم القرآن ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،دار إحياء الكتب العربية -
عيسى البابي الحلبي وشركاءه ،ال.م1376 ،هـ.ق 1957 -م ،ط ،1ج ،1ص.13
3المصدر نفسه ،ج ،2ص.148
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وه ذا االتّج اه ي بيّن الماهيّ ة الحقيقيّ ة للتفس ير ،وهي عمليّ ة الكش ف دون أن يُ دخل في
المنهج أو العلو َم التي يحتاج إليها المفسر.
َ التعريف وفي مفهوم التفسير
وعليه ،يمكن ع ّد التفس ير الموض وع ّي نوع ا ً من التفس ير؛ النطب اق الض ابطة المتق ّدم ة
عليه.
ي علم بمجرّد أن يكون مح وره الق رآن الك ريم وعلى هذا أيضاً ،ال ينطبق التفسير على أ ّ
إن لم يكن يُبحث في ه عن م راد هَّللا -تع الى -من كالم ،فتخ رج عل وم اللّغ ة والق راءات
ْ
وأسباب ال نزول والناس خ والمنس وخ وغيره ا ،وإن ع ّدت أدوات لفهم الم داليل القرآنيّ ة
ومعينات للمفسّر.
األ ّول :التعري ف باعتب ار المنهج والخط وات المتّبع ة :وه ذا االتّج اه أدخ ل في تعري ف
التفسير الموضوع ّي الطريقة واألسلوب المطل وب اتّباعهم ا للوص ول إلى غاي ة التفس ير
الموضوع ّي.
ُّ 1
الزرْ ق ان ّي ،مح ّم د عب د العظيم ،مناه ل العرف ان في عل وم الق رآن ،مطبع ة عيس ى الب ابي الحل بي وش ركاه ،مص ر -
القاهرة1326 ،هـ.ق 1943 -م ،ال.ط ،ج ،2ص.3
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ومن أمثلة هذه التعريفات عند الباحثين السنّة ،تعريف عب د المتع ال الج بريّّ :
«أن تُجم ع
اآليات التي في الموضوع الواحد ،ولو كانت في سور شتّى ،وتؤخذ منها العبرة» ،1وعند
الباحثين الشيعة ،تعريف الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ« :جم ع اآلي ات المختلف ة ،ح ول
موضوع معيّن ،من جميع القرآن ،والتي ورد ذكرها في حوادث مختلفة ،والخروج برأي
القرآن حول هذا الموضوع من مجموع هذه اآليات».2
وهذا النمط من التعريفات ،وإن ميّز مع نى التفس ير الموض وع ّي ،غ ير أنّ ه تمي يز ب أمر
خارج عن هويّة هذا النوع من التفسير ،ويبقى السؤال عن ماهيّته معه قائماً.
الث اني :التعري ف باعتب ار المفه وم :وه ذا االتّج اه ر ّك ز على تحدي د ماهيّ ة التفس ير
الموضوع ّي .وانقسم بدوره إلى اتّجاهين آخرين:
أن الموضوع في التفسير الموضوع ّي يبدأ من خارج النصّ الق رآن ّي .ومن .1اتّجاه يرى ّ
أبرز ر ّواد هذا االتّجاه السيّد الشهيد مح ّمد ب اقر الص در ،ال ذي ي رى في تعريف ه للتفس ير
أن« :الدراسة الموض وعيّة هي ال تي الموضوع ّي أو ما يس ّميه بـ«الدراسة الموضوعيّة» ّ
تطرح موضوعا ً من موضوعات الحياة العقائديّ ة أو االجتماعيّ ة أو الكونيّ ة ،وتتّج ه إلى
درسه وتقييمه من زاوية قرآنيّة للخروج بنظريّة قرآنيّة بصدده».3
19
فالمفسّر -بنا ًء على هذه النظرة -ينطلق من واقع الحياة ،وير ّكز نظ ره على موض وع من
الموضوعات العقائديّ ة أو االجتماعيّ ة أو الكونيّ ة ،ويس توعب م ا أثارت ه تج ارب الفك ر
اإلنسان ّي حول ذل ك الموض وع من مش اكل ،وم ا ق ّدم ه الفك ر اإلنس ان ّي من حل ول ،وم ا
طرحه التطبيق التاريخ ّي من أسئلة ومن نقاط فراغ ،ث ّم يأخذ النصّ
ي ،عبد المتعال ،الضالّون كما ص َّورهم القرآن الكريم ،مكتبة وهبة ،مصر -القاهرة1984 ،م ،ط ،2ص.286 1الجبر ّ
ي ،الشيخ ناصر مكارم ،نفحات القرآن ،مؤسّسة أبي صالح للنش ر والثقاف ة ،ال.م ،ال.ت ،ال.ط ،ج ،1ص- 9 2الشيراز ّ
(10بتصرّف).
3الصدر ،الشهيد السيّد مح ّمد باقر ،المدرسة القرآنيّ ة ،دار الكت اب اإلس المي ،ال.م1434 ،هـ.ق 2013 -م ،ط ،2ص
( 11بتصرّف).
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
حوار سؤا ٍل وجواب؛ وهو يستهدف من ذلك استكشاف موقف الق رآن
َ القرآن ّي ،ويبدأ معه
الكريم من الموضوع المطروح.
ويمكن إعادة صياغة التعريف على النحو اآلتي :الكشف الكلّ ّي عن مراد هَّللا -ع ّز وج لّ-
في قضيّة قرآنيّة بحسب الطاقة البشريّة.
1الدغامين ،زياد خليل مح ّمد ،منهجيّة البحث في التفسير الموضوعي ،دار البشير ،األردن-عمان1995 ،م ،ط ،1ص
.13
2انظ ر :رش وان ّي ،س امر ،منهج التفس ير الموض وع ّي للق رآن الك ريم -دراس ة نقديّ ة ،دار الملتقى ،س وريا -حلب،
2009م ،ط ،1ص.45
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
أن التفس ير الموض وع ّي ن وع من التفاس ير ،كالتفس ير الترتي ب ّي أو يتّض ح م ّم ا تق ّدمّ ،
اإلجمال ّي أو المق ارن ،يُميَّز بينه ا بحس ب المقص د والغاي ة في ك ّل تفس ير .فالمقص د في
التفسير الموض وع ّي ه و الحص ول على النظ رة الكلّيّ ة في قض يّة قرآنيّ ة مطروح ة في
القرآن الكريم ،بينما المقصد في التفسير الترتيب ّي -مثالً -هو معرفة م راد هَّللا -تع الى -في
اآليات (مح ّل النظر للمفسّر) ضمن سياقها.
أن مثل تفسير القرآن بالقرآن والتفسير بالمأثور أو غ ير ذل ك من المن اهج وعليه ،يتّضح ّ
هي أدوات ووسائل لمعرفة مضامين اآليات ،وليست نوع ا ً مس تقاّل ً من التفس ير ،متميّ زاً
بنفسه.
.1يقوم المفسّر في التفسير الموضوع ّي باالستعانة باآليات كلّها التي لها صلة بموض وع
البحث لفظا ً ومعن ًى ،أ ّما المفسّر في التفسير الترتيب ّي ،فإنّه ال يلتفت إلى اآليات األخرى -
يفس رها -إاّل بم ا يخ دم فهم ه لأللف اظ المف ردة
ولو كانت ذات صلة معنويّة باآليات ال تي ّ
21 والتراكيب في اآليات التي يفسّرها كما جاءت في سياقها في السورة.
.2يقوم المفسّر في التفسير الترتيب ّي -في تفسيره لآليات والسور -عادةً بااللتزام بالترتيب
التوقيف ّي لآليات والس ور كم ا ه و موج ود في المص حف ،إاّل إذا ص رّح ب التزام ت رتيب
آخر ،كترتيب النزول أو ما شابه.
.3قد تتن ّوع معالجة المفسّر الترتيب ّي للمواضيع حسب وروده ا في اآلي ات مح ّل البحث،
بينما يلتزم المفسّر بالتفسير الموضوع ّي وحدة الموضوع الذي يعالجه على ضوء اآلي ات
المختلفة.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
-التفسير اصطالحا ً عل ٌم يُفهم به كتاب هَّللا المنزل على نبيّه محم د(ص لى هللا علي ه وآل ه)
بقدر الطاقة البشريّة.
-التفسير الموضوع ّي هو الكشف الكلّ ّي عن مراد هَّللا -ع ّز وجلّ -في قضيّة قرآنيّ ة بق در
الطاقة البشريّة.
.5كيف يمكن التمييز بين مفهوم التفسير الموضوع ّي واآلخر الترتيب ّي؟
23
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
24
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
ا ُّدعي ارتباط التفسير الموضوع ّي -ضمن محاوالت التأريخ له -بأصول معرفيّ ة وجه ود
فكريّة متع ّددة في التاريخ الثقاف ّي لأل ّمة .سنناقش م دى ارتب اط ك ّل منه ا بمفه وم التفس ير
الموضوع ّي وغايت ه ،ون بيّن ه ذا المس ار الت اريخ ّي المف ترض ض من العن اوين في ه ذا
الدرس.
.1قد طبّق اإلمام أمير المؤمنين( عليه السالم) هذا الل ون من التفس ير إلثب ات إمك ان أن
يولد الطفل لستّة أشهر ،وذلك من خالل ترتيب اآليات وض ّم بعضها إلى بعض.
أن عمر ُأتي بامرأة وضعت لستّة أشهر فَهَ َّم برجمها ،فبل غ ذل ك عليّ ا ً( علي ه ففي الرواية ّ
السالم) فقال« :ليس عليه ا رجم ،فبل غ ذل ك عم ر فأرس ل إلي ه يس أله ،فق ال عل ّي( علي ه
25
ين لِ َمن َأ َرا َد َأن يُتِ َّم ٱل َّر َ ٰ ٱلولِ ٰ َدتُ يُر ِ
ضــا َعةَ﴾ ،1وقال: ضعنَ َأولَ َدهُنَّ َحولَ ِ
ين َكــا ِملَ ِ ﴿و ٰ َ السالم)َ :
شـه ًرا﴾ ،فستّة أش هر حمل ه وح والن تم ام [الرض اعة] ،ال ح َّد 2 ٰ
صلُهُۥ ثَلَثُــونَ َ ﴿ َو َحملُهُۥ َوفِ ٰ َ
عليها وال رجم عليها ،قال :فخلّى عنها».3
.2في الرواية المعروفة بعنوان وصيّة النب ّي(صلى هللا عليه وآله) وموعظته لعب د هَّللا بن
مسعود- 1وهي رواية طويلة وكثيرة المضامين ،وفيها أمثلة كث يرة بنح و يمكن الق ول ّ
إن
الرواية تدور حول محور التفسير الموضوع ّي ،-عن دما يتكلّم(ص لى هللا علي ه وآل ه) عن
طلب دني ا زائل ة» ،ث ّم يس تدلّ(ص لى هللا
َ إن األحم ق منذ ّم الدنيا يقول« :يا ابن مس عودّ ،
هوان الدنيا وزخارف هذا العالم باآليات التالية :سورة الحديد ،اآلية ،20
ِ عليه وآله) على
سورة الزخرف ،اآليتان 33و ،34سورة اإلسراء ،اآلية .18
وفي مح ٍّل آخر ،يتح ّدث(ص لى هللا علي ه وآل ه) عن «الق ول بغ ير علم» ،ق ائالً« :ي ا ابن
مسعود ،ال تقل شيئا ً بغير علم ،وال تتف ّوه بشيء ما لم تسمعه وت راه» ،ث ّم ي ذكر(ص لى هللا
عليه وآله) آيات عديدة حول هذا الموضوع :سورة اإلسراء ،اآلية ،36سورة الزخ رف،
اآلية ،19سورة ق ،اآلية ،16سورة ق ،اآلية .18
وك ذلك ذك رت الرواي ة أبحاث ا ً ح ول ال ذكر واإلنف اق فی س بيل هَّللا ،ومك ارم األخالق
وغيرها ،اعتماداً على جمع اآليات وتبويبها.
- 3بيَّن اإلمام الصادق(عليه السالم) ّ
أن وجوه الكفر في القرآن الكريم «خمسة»:
26 ت لَ هَ :أ ْخبِ رْ نِي ع َْن الزبَي ِْريِّ ع َْن َأبِي َع ْب ِد هللا( عليه السالم) قَ ا َل :قُ ْل ُ روي ع َْن َأبِي َع ْم ٍرو ُّ
ب هَّللا َعلَى َخ ْم َس ِة َأوْ جُه :فَ ِم ْنهَا الْ :
«ال ُك ْف ُر ِفي ِكتَا ِ ب هَّللا -ع ّز وجلّ-؟ قَ َ ُوجُوه ْال ُك ْف ِر ِفي ِكتَا ِ
ك َما َأ َم َر هللا ،و ُك ْف ُر ْالبَ َرا َء ِة ،و ُك ْف ُر النِّ َع ِم. وال ُجحُو ُد َعلَى َوجْ هَ ْي ِنْ ،
وال ُك ْف ُر بِتَرْ ِ ُك ْف ُر ْال ُجحُو ُدْ ،
فأ ّما كفر الجحود ،فهو الجحود بالربوبيّة ،وهو قول من يق ول :ال ربّ وال جنّ ة وال ن ار،
وهو قول ص نفَين من الزنادق ة يُق ال لهم :ال ّدهريّ ة ،وهم ال ذين يقول ونَ ﴿ :و َمــا يُهلِ ُكنَــا ِإاَّل
ٱلدَّه ُر﴾ ،2وهو دين وضعوه ألنفسهم باالستحسان على غير تثبّت منهم ،وال تحقيق لش يء
م ّما يقولون ،قال هَّللا -ع ّز وجلِّ﴿ :-إن هُم ِإاَّل يَظُنُّونَ ﴾ّ 3
أن
ســ َوا ٌء َعلَي ِهم َءَأنــ َذرتَ ُهم َأم لَم تُنــ ِذرهُم اَل
ذل ك كم ا يقول ون ،وق الِ﴿ :إنَّ ٱلَّ ِذينَ َكفَــ ُرو ْا َ
يُؤ ِمنُونَ ﴾ ،1يعني بتوحيد هَّللا -تعالى ،-فهذا أحد وجوه الكفر.
ققد وأ ّما الوجه اآلخر من الجحود على معرفة :وهو أن يجحد الجاحد وه و يعلم أنّ ه ح ّ
سـ ُهم ظُ ٗلمـ ا َو ُعلُـ ٗ ّوا﴾ ،
2
﴿و َج َحدُو ْا بِ َها َوٱستَيقَنَت َها َأنفُ ُ استق ّر عنده ،وقد قال هَّللا -ع ّز وجلَّ :-
وقال هَّللا -ع ّز وجلِّ ﴿ :-من قَب ُل َستَفتِ ُحونَ َكفَ ُرو ْا فَلَ َّما َجـ ا َءهُم َّما َع َرفُــو ْا َكفَـ ُرو ْا بِ ِهۦ فَلَعنَـةُ
ٱهَّلل ِ َعلَى ٱل ٰ َكفِ ِرينَ ﴾ ،3فهذا تفسير وجهَي الجحود.
والوج ه الث الث من الكف ر :كف ر النعم ،وذل ك قول ه -تع الى -يحكي ق ول س ليمان( علي ه
ش َك َر فَِإنَّ َما يَشـ ُك ُر لِنَ ِ
فسـ ِهۦ َو َمن السالم)َ ٰ ﴿ :ه َذا ِمن فَ ِ
ضل َربِّي لِيَبلُ َونِي َءَأش ُك ُر َأم َأكفُ ُر َو َمن َ
ش َكرتُم َأَل ِزي َدنَّ ُكم َولَِئن َكفَرتُم ِإنَّ َع َذابِي لَ َ
شـ ِد ٞيد﴾،5 َكفَ َر فَِإنَّ َربِّي َغنِ ّ ٞي َك ِر ٞيم﴾ ،4وقال﴿ :لَِئن َ
وقالَ ﴿ :أذ ُكر ُكم َوٱش ُك ُرو ْا َواَل تَكفُ ُرو ِن﴾.6
والوجه الرابع من الكفر :ترك ما أمر هللا -ع ّز وجلّ -به ،وهو قول هللا -ع ّز وج لَّ ﴿ :وِإذ
ســ ُكم ِّمن ِد ٰيَــ ِر ُكم ثُ َّم َأقــ َررتُم َوَأنتُم ٰ
َأ َخــ ذنَا ِميثَقَ ُكم اَل تَســفِ ُكونَ ِد َمــا َء ُكم َواَل تُخ ِر ُجــ ونَ َأنفُ َ
س ُكم َوتُخ ِر ُجونَ فَ ِر ٗيقـ ا ِّمن ُكم ِّمن ِد ٰيَـ ِر ِهم تَ ٰظَ َهـ ُرونَ تَش َهدُونَ ٨٤ثُ َّم َأنتُم ٰ َهُؤ اَل ِء تَقتُلُونَ َأنفُ َ
اج ُهم َأفَتُؤ ِمنُــونَ ٰ دو ِن وَِإن يَأتُو ُكم ُأ ٰ َ
خر ُ س َر ٰى تُفَدُوهُم َوه َُو ُم َح َّر ٌم َعلَي ُكم ِإ َ ثم َوٱل ُع ٰ َ َعلَي ِهم بِٱِإل ِ
ٰ
27 عض فَ َما َجزَا ُء َمن يَف َع ُل َذلِكَ ِمن ُكم﴾ ،فكفرهم بترك ما أم ر هللا
7
ب َوتَكفُ ُرونَ بِبَ ٖ ض ٱل ِك ٰتَ ِ
بِبَع ِ
-ع ّز وج ّل -به ،ونسبهم إلى اإليمان ولم يقبل ه منهم ،ولم ينفعهم عن ده ،فق ال﴿ :فَ َمــا َجـ َزا ُء
َمن يَف َع ُل ٰ َذلِكَ ِمن ُكم ِإاَّل ِخ ٞ
زي
ب َو َما ٱهَّلل ُ بِ ٰ َغفِ ٍل َع َّما تَع َملُونَ ﴾.1 ٱلحيَ ٰو ِة ٱلدُّنيَا َويَو َم ٱلقِ ٰيَ َم ِة يُ َردُّونَ ِإلَ ٰى َأ َ
ش ِّد ٱل َع َذا ِ فِي َ
والوجه الخامس من الكفر :كفر البراءة ،وذلك قوله -ع ّز وجلّ -يحكي قول إبراهيم ( عليه
السالم)َ ﴿ :كفَرنَا بِ ُكم َوبَدَا بَينَنَا َوبَينَ ُك ُم ٱل َع ٰ َد َوةُ َوٱلبَ َ
غضا ُء َأبَ ـدًا َحتَّ ٰى تُؤ ِمنُــو ْا بِٱهَّلل ِ َوح ـ َدهُۥ﴾،2
يع ني تبرّأن ا منكم ،وق ال ي ذكر إبليس وتبرئت ه من أوليائ ه من اإلنس ي وم القيام ةِ﴿ :إنِّي
ٰ
ُون ٱهَّلل ِ َأوثَ ٗنـ ا َّم َو َّدةَ بَينِ ُكم فِي َ
ٱلحيَـ ٰـو ِة ون ِمن قَب ُل﴾ ،وقالِ﴿ :إنَّ َمــا ِّمن د ِ
3
شركتُ ُم ِ َكفَرتُ بِ َما َأ َ
عضا﴾ ،4يعني يت برّأ بعض كم من ض ُكم بَ ٗ عض َويَل َعنُ بَع ُ ض ُكم بِبَ ٖ ٱلدُّنيَا ثُ َّم يَو َم ٱلقِ ٰيَ َم ِة يَكفُ ُر بَع ُ
بعض».5
- 4النموذج اآلخر هو ما ورد في كالم اإلمام موسى بن جعفر( عليه الس الم) م ع هش ام
بن الحكم ،فاإلمام( عليه الس الم) وفي مق ام بي ان منزل ة العق ل ،ي ذكر اآلي ات المرتبط ة
بـ«ُأولي األلباب» ،ويجمعها كلّها ،ويقول لهشام« :انظ ر كي ف ّ
أن هَّللا -س بحانه -وص ف
ُأولي األلباب على أحسن وجه ،وزيّنهم بأفضل لباس» ،ث ّم يذكر سبع آيات 6من
28
فالقيام بجمع هذه اآليات ،والنظر إليها منض ّمة بعضها إلى اآلخر ،يعطيان لإلنسان رؤي ة
عميقة يستطيع معها فهم معنى «ُأولي األلباب» ومقامهم ومنزلتهم؛ وه ذا عم ل ال يت ّم إاّل
عن طريق التفسير الموضوع ّي.2
إن المقصود األصل ّي من هذه الروايات الشريفة هو توضيح اآليةفي مقابل هذا ،قد يقالّ :
المشكلة بآية أخرى تح ّل إشكالها ،وهذا ال عالقة له بالتفسير الموضوع ّي.
ومن الممكن أن يقال في جواب ذلكّ :
إن توضيح اآلية بأخرى له صورتان:
األولى :تفسير آية بآية أخرى أو بآيات ،وهذا ال يجع ل ه ذه العملي ة التفس يريّة ت دخل في
أن هدف المفسّر توض يح اآلي ة أو مص طلح خ اصّ التفسير الموضوع ّي للقرآن ،باعتبار ّ
بآية أخرى ،كما فعل اإلم ام الج واد( علي ه الس الم) في توض يح «الي د» ال تي هي م ورد
29
للقطع.
ق
ٱلس ـا ِر ُ
﴿و َّفق د ُس ئل اإلم ام الج واد( علي ه الس الم) عن ح ِّد القط ع في قول ه -تع الىَ :-
سا ِرقَةُ فَٱقطَ ُعو ْا َأي ِديَ ُه َما﴾ ،3وذلك بعد أن اختلف الفقهاء في مجلس المعتص م العبّاس ّي، َوٱل َّ
س ُحو ْا بِ ُو ُجو ِه ُكم َوَأيــ ِدي ُكم﴾ ،
5
فقال بعضهم :القطع من الكرسوع ؛ لقول هَّللا في التي ّمم﴿ :فَٱم َ
4
1الحرّان ّي ،ابن شعبة الحسن بن علي ،تحف العقول عن آل الرسول ،Pتصحيح وتعليق :عل ّي أك بر الغفّ اريّ ،مؤسّس ة
النشر اإلسالم ّي التابعة لجماعة المدرّس ين بقم المش رّفة ،إي ران -قم المش رّفة1404 ،هـ.ق 1363 -هـ.ش ،ط ،2ص
.383
ّ
2راجع :الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ،نفحات القرآن ،مصدر سابق ،ج ،1ص.13 - 11
3سورة المائدة ،اآلية .38
4طرف الزند الذي يلي الخنصر ،وهو الناتئ عند الرّسغ.
5سورة النساء ،اآلية .43
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
قال اإلمام الجواد( عليه الس الم)« :القط ع يجب أن يك ون من مفص ل أص ول األص ابع،
ّ
الكف» .وعندما سُئل عن الحجّة في ذلك؟ فتُترك
قال( عليه السالم)« :قول رسول هَّللا (صلى هللا عليه وآله) :الس جود على س بعة أعض اء:
ق له
الوجه ،واليدين ،والركبتين ،والرجلين ،فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يب َ
يد يسجد عليها .وقال هَّللا -تبارك وتعالىَ ﴿ :-وَأنَّ ٱل َم ٰ َ
س ِج َد هَّلِل ِ﴾ ،يعني هذه األعضاء السبعة
التي يسجد عليها ﴿فَاَل تَدعُو ْا َم َع ٱهَّلل ِ َأ َحدٗ ا﴾.3»2
الثانية :ض ّم آية إلى أخرى بهدف الوصول إلى رأي القرآن في موضوع ما أو مسألة م ا،
وهذا يدخل ضمن التفسير الموضوع ّي حتّى ل و لم يكن في الق رآن الك ريم إاّل آي ة واح دة
كما هي الحال في رواية اإلم ام أم ير المؤم نين( علي ه الس الم) ،باعتب ار أنّن ا ميّزن ا بين
أنواع التفاسير بالهدف والغاية.
والكالم نفسه يقال في باقي الروايات ،فالنب ّي(صلى هللا عليه وآل ه) أراد في بعض مق اطع
الوصيّة أن يُ بيّن مع نى ال دنيا المذموم ة في الق رآن ،وهك ذا ف ّ
إن اإلم ام الص ادق( علي ه
30 السالم) أراد أن يُبيّن رأي القرآن في الكفر ،ومثلهما فعل اإلمام الكاظم( عليه السالم) من
خالل بيانه معنى «أولي األلباب» في القرآن.
مع ّمر بن المثنى (ت 210هـ) ،فكتب «مجاز القرآن» ،ث ّم أب و عبي د القاس م بن س الم (ت
224هـ) في كتاب ه «الناس خ والمنس وخ» أيض اً ،وعل ّي ابن الم دين ّي (ت 234هـ) في
«أسباب النزول» ،والسجستان ّي (ت 330هـ) في «غ ريب الق رآن» ،و«أمث ال الق رآن»
ي (ت 540هـ) ،و«مج از الق رآن» للع ّز بن عب د س الم (ت 660هـ) ،و«أقس ام للماورد ّ
القرآن» و«أمث ال الق رآن» البن قيّم الجوزيّ ة (ت 751هـ) ،ث ّم خلفهم علم اء ك ثر كتب وا
على هذا النهج والمنوال .1هذا على صعيد مدرسة أهل السنّة والصحابة.
ص نّفت العدي د من الكتب في ه ذا المج ال أ ّما في مدرسة أهل البيت (عليهم السالم) ،فق د ُ
ي (ت 141هـ)، ألعالم كبار ،ككتاب «غ ريب الق رآن» ألب ان بن تغلب بن رب اح البك ر ّ
وه و من أص حاب األئ ّم ة زين العاب دين والب اقر والص ادق (عليهم الس الم) ،و«الناس خ
والمنسوخ» لعب د هَّللا بن عب د الرحم ان األص ّم المس مع ّي(ت 262هـ) ،و«محكم الق رآن
ي الق ّم ّي (ت 301هـ) ،و«الناس خ ومتش ابهه» لس عد بن عب د هَّللا بن أبي خل ف األش عر ّ
والمنس وخ» للش يخ الص دوق(ت 381هـ) ،و«أمث ال الق رآن» ألبي عل ّي بن أحم د بن
الجني د(ت381 هـ) ،والش ريف الرض ّي(ت 406هـ) في كتاب ه «تلخيص البي ان في
مج ازات الق رآن» ،و«أس باب ال نزول» لقطب ال دين س عيد بن هب ة هَّللا
الراونديّ(ت573 هـ).2
31 ويمكن تقسيم هذه الدراسات بشكل عا ّم إلى قس َمين:
األ ّول :دراسات حول النصّ القرآن ّي :ث ّمة مجموعة من هذه الدراسات تدور حول الق رآن
الك ريم ،مث ل علم أس باب ال نزول ،الم ّك ّي والم دن ّي ،...وه ذه العل وم ال يص ّح ع ّدها من
أص ناف التفس ير الموض وع ّي أو مص اديقه؛ ألنّه ا دراس ات تنطل ق من خ ارج النصّ
القرآن ّي ،وإن كانت تدور حوله.
1راجع :رشوان ّي ،منهج التفسير الموضوع ّي للقرآن -دراسة نقدية ،مصدر سابق ،ص.78 - 77
2راجع :الطوس ّي ،الشيخ مح ّمد بن الحسن ،التبيان في تفسير القرآن ،تحقيق ونشر :مؤسّس ة النش ر اإلس الم ّي التابع ة
لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة ،إيران -قم المشرّفة ،محرّم الحرام 1413هـ.ق ،ط ،1ص( 180 - 153مق ّدمة الشيخ
جعفر السبحان ّي).
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الث اني :دراس ات له ا ارتب اط عمي ق ب النصّ الق رآن ّي :وهي دراس ات تنطل ق من النصّ
القرآن ّي ،ولها عالقة مباشرة بالقرآن الك ريم ،كالناس خ والمنس وخ ،والمحكم والمتش ابه...
غير أنّها ال تستهدف استنباط نظريّة قرآنيّة.1
ومن أمثلة هذه الدراس ات ،م ا كتب ه مقات ل بن س ليمان البلخ ّي(ت 150هـ) في «األش باه
والنظ ائر في الق رآن» ،ويح يى بن س الم(ت 200هـ) في «التص اريف» ،وال راغب
األصفهان ّي(ت 502هـ) في «المفردات» ،وغيرهم من العلماء والباحثين.
وإذا راجعن ا تع اريف التفس ير الموض وع ّي المتق ّدم ة ،س نجدها ال تنطب ق على ه ذه
المصنّفات مع أه ّميّتها في مج ال تحدي د الدالل ة اللّغويّ ة؛ وعلي ه ،يمكن ع ّدها من أدوات
التفسير الموضوع ّي والتفسير التجزي ئ ّي أيض اً ،ولكن ال يص ّح اعتباره ا أص الً للتفس ير
الموض وع ّي ،وإن اعتم دت طريق ة االس تقراء .فمج رّد وج ود ه ذا التش ابه الج زئ ّي في
المنهج ال يكفي للتأسيس للتفسير الموضوع ّي مع وجود هذه اله ّوة الكبيرة
1انظر :رشوان ّي ،منهج التفسير الموضوع ّي للقرآن -دراسة نقدية ،مصدر سابق ،ص( 78 - 77بتصرّف).
2الشهيد الصدر ،المدرسة القرآنيّة ،مصدر سابق ،ص.24
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
في المقص د بالمقارن ة م ع التفس ير الموض وع ّي ال ذي يس عى الب احث في ه إلى الخ روج
بنظريّة القرآن الكريم في موضوع من الموضوعات.
لكن ال ب ّد لنا ،قب ل ال ذهاب إلى ه ذا االس تنتاج ،من التمي يز بين ن وعين من تفس ير آي ات
األحكام أو التفسير الفقه ّي:
األ ّول :التفسير الفقه ّي التسلسل ّي :ونقصد بالتفس ير الفقه ّي التسلس ل ّي الس ير َوف ق تسلس ل
ّ
المفس ر يس ير َوف ق ت رتيب الس ور في الق رآن الك ريم، السور في القرآن الك ريم؛ أي ّ
إن
وينتخب من ك ّل سورة اآليات ذات الصلة باألحكام الفقهيّ ة ،ويق وم بش رحها ،وهك ذا إلى
نهاية السور القرآنيّة.
33
ومن راجع التفاسير الفقهيّة السنّيّة ،يدرك أنهم اتّبعوا هذه الطريقة .وه ذا ال يص ّح نس بته
إلى التفسير الموضوع ّي بوجه؛ لما م ّر في تعريف ه ،ب ل هي ألص ق بالتفس ير التجزي ئ ّي.
صاص ،نراه اعتمد طريقة الترتيب ه ذه ولو أخذنا على سبيل المثال «أحكام القرآن» للج ّ
في تفسير آيات األحكام.
الثاني :التفسير الفقه ّي الموضوع ّي :ونقصد بالتفسير الفقه ّي الموضوع ّي استقراء اآلي ات
الدالّ ة على الحكم في الق رآن الك ريم كلّ ه مب ّوب ةً حس ب الف روع الفقهيّ ة ،ب دءاً بالطه ارة
وانتها ًء بالديات.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
في المقلب اآلخر ،اتّبع أصحاب التفاسير الفقهيّ ة الش يعيّة الطريق ة الثاني ة ،وال تي يص ّح
جعلها من أقسام التفسير الموضوع ّي .ومن ه ذه الكتب «فق ه الق رآن» للقطب الراون ديّ،
ي« ،زبدة البيان في أحكام القرآن» «كنز العرفان في فقه القرآن» للفاضل المقداد السيور ّ
للمولى أحمد األردبيل ّي« ،مسالك األفهام إلى آيات األحكام» للكاظم ّي.
1جعفر ،عبد المقصود عبد الهادي ،تفسير القرآن بالقرآن أصوله ومنهجه ،المعهد العالي للتربي ة الرياض ية1985 ،م،
ال.ط ،ص.75
2المصدر نفسه ،ص.77
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
والتفسير الموضوع ّي ه و ال ذي دف ع بعض الب احثين في الش ؤون القرآنيّ ة إلى الق ول ّ
إن
التفس ير الموض وع ّي -على ال رّغم من انفص اله عن تفس ير الق رآن ب القرآن -ه و نت اج
ّ
المفس ر اس تعمال تفس ير الق رآن ب القرآن كمنهج ،إلى أن تط ّور وأنتج رؤي ة كلّيّ ة ل دى
لموضوع من الموضوعات القرآنيّة ،فولّد مفهوم التفسير الموضوع ّي.1
وإن كان رهن دراسات أعمق ،غ ير ّ
أن مراقب ة والحكم على ص ّحة هذه الدعاوى ودقّتهاْ ،
السياق التاريخ ّي لنشوء مفهوم التفسير الموضوع ّي وتميّ زه كن وع جدي د من التفس ير في
الفترة المعاصرة بعد ازدياد استخدام تفسير القرآن بالقرآن كمنهج متّبع لدى المفسّرين في
العصر الحديث ،يؤيّد صحّة هذه الدعاوى.
35
المفاهيم الرئيسةـ
-ال يمكن ع ّد (الدراسات الموضوعيّة في علوم القرآن) و(الدراس ات اللّغويّ ة في الق رآن
الك ريم) من مص اديق التفس ير الموض وع ّي؛ الفتراقهم ا في الغاي ة عن التفس ير
الموضوع ّي ،فهما ال يستهدفان الخروج بالنظرة الكلّيّ ة للق رآن الك ريم في قض يّة قرآنيّ ة
ما؛ وعلى ذلك ،فال يمكن اعتبارهما أصالً أو جذراً تاريخيّا ً للتفسير الموضوع ّي.
-يمكن ع ّد التفاسير الفقهيّة ذات التبويب الموضوع ّي من الجذور التاريخيّ ة لعلم التفس ير
الموضوع ّي ،بينما ال يص ّح هذا الوصف في ح ّ
ق التفاسير الفقهيّة ذات الترتيب التسلس ل ّي
لآليات.
-ي ّدعي بعض الب احثين ّ
أن نش وء التفس ير الموض وع ّي كعلم مس تق ّل يرج ع إلى ازدي اد
استعمال منهج تفسير القرآن بالقرآن.
36
ُأجيب عن األسئلة اآلتية
.1أوضح الوجه في ع ِّد بعض رواي ات المعص ومين (عليهم الس الم) في مج ال التفس ير
أساسا ً للتفسير الموضوع ّي.
.2ه ل يمكن ع ّد (الدراس ات الموض وعيّة في عل وم الق رآن) و(الدراس ات اللّغويّ ة في
القرآن الكريم) أصالً أو جذراً تاريخيّا ً للتفسير الموضوع ّي كعلم مستقلّ؟ ولماذا؟
.1يتعرّف إلى حركة تط ّور منهج التفسير الموضوع ّي من خالل ال ّدراسات الموض وعيّة
للمستشرقين.
.2يتع ّرف إلى مدرسة األمناء ودورها في تط ّور منهج التفسير الموضوعي.
37
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
38
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
تق ّدم في الدرس السابق بيان المسار التاريخ ّي للتفسير الموضوع ّي عبر دراس ة األص ول
والجذور التاريخيّة المفترضة للتفسير الموضوع ّي .وقد حفل النص ف األخ ير من الق رن
الماضي بكثير من الدراسات الموض وعيّة التفس يريّة ،غ ير ّ
أن أه ّم م ا يالح ظ على ه ذه
الدراس ات ه و غي اب الدراس ات ال تي تُع نى بالتأس يس والتأص يل المنهج ّي للتفس ير
الموض وع ّي ،واقتص ارها على الج انب التط بيق ّي في التفس ير الموض وع ّي من خالل
اختيار موضوع والبحث عن الرؤية القرآنيّة اتّجاهه؛ ّ
فإن هذا -على أه ّميّته -ال يساهم في
حركة تط ّور التفسير الموضوع ّي بقدر بحث األسس واألصول والخطوات المنهجيّة التي
يجب على المفسّر في التفسير الموض وع ّي االل تزام به ا وتطبيقه ا للوص ول إلى النظ رة
األقرب لنظرة القرآن الكريم حول الموضوع المبحوث.
ونحن -في هذا الدرس -سنتناول هذه الدراسات (سواء المنهجيّة منها أو التطبيقيّة) ،ال تي
كان لها األثر في العصر الحديث على منهج التفسير الموضوع ّي ،ونرصد حركة تط ّور
المنهج فيها.
ي فت 5ع ام 1845م دراس ة بعن وان« :مح ّم د والق رآن» .وق د ر ّك ز في .1نشر الهولن د ّ
دراسته على العالقة بين الديانات كما تبدو في القرآن.
ي فان ج نيب «إب راهيم في الق رآن» ض من مجلّ ة الع الم اإلس الم ّي ع ام
.2نشر الهولند ّ
1912م.
40
1وضعه بالفرنسيّة المستش رق «ج ول الب وم» ويلي ه المس تدرك ،وه و فه رس م وا ّد الق رآن الك ريم ،وض عه «إدوار
مونتيه» ،تض ّمن 158بابا ً آخر ،ونقلهما إلى العربيّة األستاذ مح ّمد فؤاد عبد الباقي .رتّب واض عه موض وعات الق رآن
الكريم في ثمانية عشر باباً ،ث ّم حاول توزيع آيات القرآن على هذه األب واب ،وجع ل تحت ك ّل ب اب فروع اً .وق د بلغت
هذه الفروع نحو 350فرعاً ،ويذكر بجوار ك ّل آية رقمها ورقم السورة في المصحف .ومع ذلك ،فق د غ اب الكث ير من
المقاصد عن فهم هؤالء الدارسين.
2نجوم الفرقان في أطراف القرآن :وهو فهرس مرتّب على حروف المعجم للكلمات الواردة في الق رآن الك ريم ،جم ع
فيه ألفاظ الكتاب العزيز كلمة كلمة ،وأشار إلى جميع مواضع ك ّل كلم ة في جمي ع الس ور باألرق ام ال تي وض عها على
رؤوس اآلي في المصحف المذكور ،هو للمستشرق غوستاف فلوغ ل ( ،)1870-1802طب ع في ليبس يك س نة 1842
وسنة 1875وسنة .1898وقد وقع في الكتاب أخطاء علميّة ،أظهرها عدم استناده إلى ترقيم معتم د في ع ّد اآلي ،ب ل
اعتمد على المصحف الذي رقّمه وطبعه لنفسه .وقد استدرك عليه الباحثون كثيراً هذه األخطاء فيما بعد.
ويقول األستاذ مح ّم د فؤاد عبد الباقي عن الكتاب في كتابه (المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم) :وإذا ك ان خ ير م ا
الفن ،دون منازع وال مع ارض ،ه و كت اب (نج وم الفرق ان في أط راف الق رآن) لمؤلّف ه ألّف ،وأكثره استيعابا ً في هذا ّ
ُ
المستشرق فلوجل األلمان ّي ،الذي طبع أوّل مرّة عام 1842م ،فقد اعتضدت به وجعلته أساسا ً لمعجمي).
3للمستشرق األلمان ّي مالير ،طُبع مرّتين ،الطبعة الثانية ،باريس 1925م.
4مستشرق ألمان ّي (1945 - 1857م).
ي بيتريوه انس فت (1899 - 1814م) .اش تهر بكتابات ه عن الهن د والمس تعمرات الهولنديّ ة. 5هو المستشرق الهولند ّ
ترجم معاني القرآن إلى الهنديّة.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.3نشر األلمان ّي أدولف جروهمان« 1عيس ى في الق رآن» ض من الجري دة الش رقيّة ع ام
1914م.
.6نش ر الفرنس ّي جوزي ف ه اليفي1837( 3م1917 -م) «الس امريّون في الق رآن» في
المجلّة اآلسيويّة عام 1908م.
.7نش ر ال دانمارك ّي بدرس ين1883( 4م) «ال دليل على الي وم اآلخ ر في الق رآن» ع ام
1912م.
.8كتب األلمان ّي بومشتارك 5مجموع ة أبح اث عن عالق ة اإلس الم بغ يره من ال ديانات،
منه ا« :النص رانيّة واليهوديّ ة» ،مجلّ ة اإلس الم 1927م ،و«م ذهب الطبيع ة الواح دة
النصران ّي في القرآن» ،مجلّة الشرق المسيح ّي عام 1953م.
41
1يُع ّد أدولف جروهمان العالم األلمان ّي المولود في عام 1887م االسم األشهر بين المستشرقين ال ذين عن وا بالدراس ات
العربيّة .عاش متنقّالً بين دول ع ّدة ،أه ّمها :النمسا والتشيك ،ث ّم مصر ،قب ل أن يختتم حيات ه في النمس ا ال تي ت وفّي به ا
عام 1977م.
ي من أصل مجريّ ،ولكنّه ُولد في بافاريا 2شلومو دوف جويتين ( 3أبريل 6 - 1900فبراير ،)1985مستشرق يهود ّ
بألمانيا .مؤرّخ ومختصّ بالتاريخ العرب ّي ،عُرف بأبحاثه التاريخيّ ة عن اليه ود والمجتمع ات اليهوديّ ة في ظ ّل الدول ة
اإلسالميّة في القرون الوسطى.
3مستشرق فرنس ّي يهوديّ ،ومستكشف ،وعالم آث ار ،وأس تاذ ج امع ّي ،كتب عن رحلت ه في اليمن كت ابين «تقري ر عن
بعثة أثرية في اليمن (سنة 1872م)» ،وكتاب «رحلة في نجران (سنة .»)1873
4المستشرق الدانمارک ّي ج .بدرسين المولود عام 1883م في ال دنمارك .التح ق بالجامع ة لدراس ة علم الاّل ه وت ع ام
1902م ،وكان من قبل قد اهت ّم بالتوراة اهتماما ً تجاوز العبريّة إلى سائر اللّغ ات الس اميّة .ومن س نة 1930 - 1913
ساعد في وضع المعجم العرب ّي الذي باشره فيشر في ليبزيج ،وذلك بتهيئة ش واهد عربيّ ة قديم ة ،وال س يّما من الش عر
الجاهل ّي .وفي عام 1916انتدبته جامعة كوبنهاغن محاضراً ،فترجم القرآن الكريم إلى اللّغة الدانماركيّة .له العدي د من
المؤلّفات ،منها« :الدليل على اليوم اآلخر في القرآن» ،و«جزيرة العرب والوهابيّون» ،وصنّف كتاب ا ً ح ول التص وّف
ض ّمنه بابا ً حول التصوّف اإلسالم ّي.
ُ 5ولد عام .1871ترجم آثار أرسطو السريانيّة إلى العربيّة.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.9ذك ر بروكلم ان 1ثالث دراس ات موض وعيّة في ه ذا المج ال« :ط ابع اإلنجي ل في
الق رآن» بقلم ولكر 2ع ام 1931م ،3و«عناص ر نص رانيّة في الق رآن» بقلم أري نز،4
و«مجادلة المشركين في القرآن» بقلم آلتنجهانسن عام 1943م.
.10نشر المستشرق األلمان ّي هوروفيتش )1931-1874( 5عدداً من البحوث ،تن اول في
جانب منها النصوص القصصيّة في القرآن ،وقسَّمها إلى :عموميّات وشكليّات،
42 ُ 1ولد كارل بروكلمان في 17سبتمبر عام 1868في مدينة روستوك األلمانيّة .وفي مدرس تها ب دأت تظه ر ميول ه إلى
الدراسات الشرقيّة .وفي الصفوف العليا من ثانويّة روستوك تجلّت هذه الميول كما يص ف نفس ه .حض ر دروس اللّغ ة
العربيّة في الثانوية ذاتها على األستاذ نرجر ،وأتقن اللّغة العبريّة إلى درجة أنّه استطاع أن يترجم في امتح ان العبريّ ة
نص ا ً عبريّ اً .التح ق بجامع ة روس توك في ربي ع 1886م .أش هر مص نّفاته« :ت اريخ األدب الع رب ّي» 5 في البكالوريا ّ
أجزاء ،وهو يُع ّد من أه ّم المراجع في ك ّل ما يتعلّق بالمخطوطات العربيّة وإمكان وجوده ا .ت وفي بروكلم ان في مدين ة
هال في ألمانيا عام 1956م.
2اسمه توماس وولكر آرنولد .ولد عام 1864م .وهو مستشرق بريطان ّي .بدأ حياته العلميّ ة في جامع ة كم بردج ،حيث
أظه ر حبّ ه للّغ ات ،فتعلّم العربيّ ة ،وانتق ل للعم ل باحث ا ً في جامع ة عليك رة اإلس الميّة في الهن د ،حيث أمض ى هن اك
عشرات السنوات ،ألّف خاللها كتابه المش هور (ال دعوة إلى اإلس الم) .ك ان عض واً في هيئ ة تحري ر دائ رة المع ارف
اإلسالميّة التي صدرت في لي دن بهولن دا في طبعته ا األولى .عم ل أس تاذاً زائ راً في الجامع ة المص ريّة ع ام .1930
ويُذكر أنّه كان معلّما ً للمفكر اإلسالم ّي مح ّمد إقبال .توفي في 09حزيران عام 1930في لندن.
3نُشرت بعد وفاته.
4مستشرق ألمان ّي .من آثاره« :عناصر نصرانيّة في القرآن الكريم» ،نشره في المجلّة الشرقيّة ع ام 1930م؛ ودراس ة
عن النب ّي نشرها عام 1935م.
ّ
ُ 5ولد جوزيف هوروفيتش (هوروفيتس) في ألماني ا ع ام 1874م ،وتعلم في جامع ة ب رلين ،حيث حض ر دروس أدور
سخاوُ .عيّن مدرّس ا ً في جامع ة ب رلين ع ام 1902م ،واش تغل في الهن د من ع ام 1907إلى ،1914حيث ك ان يعم ل
مدرّسا ً للّغة العربيّة في كلّيّة عليكرة اإلسالميّة ،كما اش تغل أمين ا ً للنف وس اإلس الميّة في الحكوم ة الهنديّ ة البريطانيّ ة.
كانت رسالته للدكتوراه في عام 1898م عن كتاب «المغازي» للواقديّ .تولّى تحقي ق ج زأين من أج زاء «طبق ات ابن
سعد» ،وهما يتعلّقان بغزوات النب ّي مح ّمد .Pعهد إليه «ليوني كايتاني» بالبحث في مكتبات القاهرة ودمشق وإس تانبول
عن المخطوطات العربيّة المتعلّقة بتاريخ اإلسالم.
تَر ّكز اهتمامه في فترة أستاذيّته في جامعة فرنكفورت ( )1931-1914على الدراسات المتعلّقة بالقرآن الكريم والسيرة
النبويّة .وأه ّم إنتاجه في هذا الباب كتابه« :مباحث قرآنيّة» 1926م .وفي مجال العالقات بين اإلس الم واليهوديّ ة ،كتب
بحثا ً بعنوان «أسماء األعالم اليهوديّة ومشتقّاتها في القرآن الكريم» عام 1925م ،وأعيد طبعه عام 1964م .كذلك كتب
بحثا ً بعنوان «الجنّة في القرآن الكريم» ،مضافا ً إلى العديد من الدراسات واألبحاث والكتب .توفي عام 1931م.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
أس اطير رادع ة ،قص ص األنبي اء والص الحين ،النب ّوة في الق رآن؛ وتن اول في الج انب
اآلخر منها أسماء األعالم في القرآن.
« .13مص ادر القص ص اإلس الميّة في الق رآن وقص ص األنبي اء» :بقلم س ليدر س كاي،
باريس عام 1932م.
« .14القصص الكتاب ّي في القرآن» :بقلم سباير جريفنا ينخن ،عام 1939م.2
إن ما تق ّدم كلّه يصبّ في دائ رة الجه ود واألعم ال التطبيقيّ ة لمنهج التفس ير
يمكن القولّ :
الموضوع ّي للقرآن ،ولكن لم يلحظ في ه ذه الدراس ات كلّه ا دراس ة ح ول منهج التفس ير
ي في ه ذا المج ال إلى أن ج اء المستش رق ي والتنظ ير ّالموض وع ّي؛ أي البُع د النظ ر ّ
43
األلمان ّي رودي باريت 3في عشرينيّات القرن الماضي.
وق د عك ف ه ذا المستش رق على دراس ة وض ع الم رأة في الع الم الع رب ّي اإلس الم ّي،
مستخلصا ً من القرآن الكريم ك ّل م ا يتعلّ ق به ذا الموض وع من النص وص ،ووص ل في
أن اإلنسان عند محاولته الشرح ال ب ّد من أن
نهاية بحثه هذا إلى نتيج ٍة مفادهاّ :
1هو مستشرق مجريّ .ولد عام 1857م .تخ ّرج من جامعة بودابست ،وعنى بالعلوم اإلسالميّة واليهوديّة .نش ر أعم ال
جولد صيهر .تناول مباحثه اإلسالميّة واليهوديّ ة ،ص در عنه ا كتب ومق االت في دائ رة المع ارف والمجاّل ت العلميّ ة.
توفّي عام 1943م.
ّ
2راجع :الصغير ،الدكتور محمد حسين ،المستش رقون والدراس ات القرآني ة ،دار الم ؤرخ الع ربي ،لبن ان -ب يروت،
1420هـ.ق 1999 -م ،ط ،1ص .75 - 72
3مستشرق ألمان ّي ( )1983-1901متخصّص في الدراسات القرآنيّة .له أعمال ع ّدة ،منها :اكتشاف ألفاظ موض وعات
القرآن وترجمته ،حدود استكشاف القرآن الكريم ،حول استكشاف القرآن ،القرآن كمصدر من مصادر التاريخ.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
يستجمع المعلومات الموض وعيّة كلّه ا والص يغ اللّغويّ ة ال واردة في مواض ع أخ رى من
القرآن ،وأن ينظّمها ويراعيها في التفسير.
وعن د ترجم ة ب اريت للق رآن -والترجم ة تفس ير للق رآن ،-ق ام بتط بيق ه ذا المنهج
الموضوع ّي الذي دعا إليه .فقد استعان بالقرآن نفسه على فهم نصوصه ،حيث جم ع لك ّل
آية وفقرة ما يتعلّق بها أو يجاريها وورد ذك ره في مواض ع أخ رى ،ث ّم ق ارن التعب يرات
المتشابهة والمتباينة بعضها ببعض.
ولذا ،يُع ّد باريت أ ّول من طبّق طريقة جمع الحجج القرآنيّة ،ث ّم استفاد منها ليس في شرح
بعض المواضع فقط ،بل بانتظام في ترجمة القرآن كلّه.
وت ّوج عمل المستشرقين -ح ديثاً -في ه ذا المج ال بص دور «دائ رة مع ارف الق رآن» أو
«موسوعة القرآن» .وعلى خالف دائرة المعارف اإلسالميّة ،والتي صنّفها المستش رقون
في بداية القرن العشرين ،لم يقصد محرّرو الموسوعة القرآنيّة أن يجمع وا ك ّل م ا يتعل ق
بالقرآن مهما كانت درجة صلته به ،كالحديث عن المفسّرين أو الق ّراء في مداخل مستقلّة،
بل كان الهدف األساس دراسة النصّ القرآن ّي نفسه ،بك ّل ما في ه من مف اهيم وقيم وت اريخ
إن الموس وعة تتض ّمن الكث ير من الم داخل ال تي وأشخاص ورموز وأم اكن...؛ له ذا ،ف ّ
44 تعالج َوفق المنهج الموضوع ّي عدداً من القضايا أو المواضيع القرآنيّة.
وعلى الرّغم من عدم كون هذه ال ّدراسة دراسةً منهجيّةً ،غير أنّ ه يمكن اس تخراج المنهج
المتّبع فيها عبر مالحظة الخطوات المشتركة المتّبعة خالل عمليّة التفس ير لموض وع من
الموضوعات القرآنيّة .وهذه الخطوات المشتركة يمكن صياغتها كاآلتي:
تبدأ بإحصاء دقيق للكلمات المف اتيح ال تي تخصّ الموض وع الم دروس ،يتلوه ا نظ ر في
االستعماالت اللّغويّة لهذه الكلمات ،واشتقاقاتها المختلفة ،ث ّم استعمالها القرآن ّي .بعد ذل ك،
تُصنَّف اآليات التي تندرج تحت الموضوع أو الكلمات المفتاحيّة المدروسة
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وبالجملة ،وعند مالحظة المنهج العا ّم لدى المستشرقين الذين كتبوا دراس ات موض وعيّة
في القرآن الكريم ،نجد أنّه ارتكز على عنصرين أساسيّين:
األ ّول :هو الجمع الموضوع ّي ،واستقصاء ك ّل ما ّ
يمت بصلة للموضوع المدروس.
الثاني :الفهم الت اريخ ّي لنص وص الق رآن؛ أي وض ع اآلي ات في س ياقها الت اريخ ّي ال ذي
ووفق معطياته.1
جاءت فيه ،وفهمها ضمن هذا السياق َ
أن منهجيّة تفسير النصّ الق رآن ّي طبق ا ً للمنحى األدب ّي ،تق وم على
كان أمين الخول ّي يرى ّ
45
«النظرة الموضوعاتيّة للقرآن» .فقد أوض ح في معالجت ه لض وابط التفس ير األدب ّي ال ذي
أن ت رتيب الق رآن في المص حف لم يل تزم بوح دة الموض وع ،يق ول« :فيب دو دع ا إلي هّ ،
للناظر أن تفسيره (الق رآن) س وراً وأج زا ًء ال يُم ِّكن من الفهم ال دقيق واإلدراك الص حيح
لمعانيه وأغراضه ،إاّل إن وقف المفسّر عند الموضوع ليستكمله في القرآن ويستقصيه
1راجع :رشوان ّي ،منهج التفسير الموضوع ّي للقرآن -دراسة نقدية ،مصدر سابق ،ص.109 - 103
ي من کبار حماة اللّغة العربيّة، 2الشيخ أمين الخول ّي (1313هـ.ق 1895 -م 1385 /هـ.ق 1966 -م) .هو أديب مصر ّ
ومناضل ش ارك في ث ورة 1919م .نُفي م ع س عد زغل ول إلى السيش يلُ .ع رف الش يخ أمين الخ ول ّي بزيّ ه األزه ر ّ
ي
المميَّزُ .عيّن مدرّس ا ً في مدرس ة القض اء الش رع ّي في 10م ايو ع ام .1920انتق ل إلى قس م اللّغ ة بكلّيّ ة اآلداب ع ام
،1928وأصبح رئيسا ً لقسم اللّغة العربيّة ،ث ّم وكيالً لكلّيّة اآلداب في .1946عمل م ديراً عا ّم ا ً للثقاف ة حتّى خ رج إلى
أس س جماع ة األمن اء ع ام 1944ومجلّ ة اآلداب ع ام .1956عض و مجم ع اللّغ ة العربيّ ة التقاعد أوّل مايو ّ .1955
بالقاهرة عام .1966توفّي الشيخ أمين في التاسع من مارس عام ،1966ودُفن في قريته شوشاي.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
إحصا ًء ،فير ّد أ ّوله إلى آخره ،ويفهم الحقه بسابقه ،...فجملة الق ول أن ت رتيب الق رآن في
المصحف قد ترك وحدة الموضوع ولم يلتزمها مطلقًا ،وقد ترك الترتيب الزمني لظه ور
اآليات ولم يحتفظ به أبدًا ،وقد فرّق الح ديث عن الش يء الواح د والموض وع الواح د في
ت متعددة ،ومقام ات مختلف ة ،ظه رت في ظ روف مختلف ة ،وذل ك كل ه يقض ي في سياقا ٍ
ّ
الخاص ة بالموض وع وضوح بأن يفسّر القرآن موضوعًا موضوعًا وأن تجم ع (اآلي ات)
الواحد جمعًا إحصائيًّا مستقصيًا ،ويعرف ترتيبها الزم ني ومناس باتها ومالبس اتها الحاف ة
بها ،ثم ينظر فيها بعد ذلك لتُفسر وتُفهم فيكون ذلك التفسير أه دى إلى المع نى وأوث ق في
تحديده».1
46
.3ف رّق الح ديث عن الش يء الواح د في س ياقات متع ّددة ومقام ات مختلف ة ظه رت في
ظروف مختلفة.
ولهذه األسباب ،خلص الخــول ّي إلى أنّ الطريقــة المثلى لفهم معــاني القــرآن الكــريم هي
في تفسيره موضوعيّاً .وبرأيه ،إنّ الخطوات المنهجيّة للتفسير الموضوع ّي هي:
1الخول ّي ،الشيخ أمين ،دراسات إسالمية ،مطبعة دار الكتب المصرية ،ال.م1996 ،م ،ال.ط ،ص.40 - 39
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ي ،وكانوا أوفياء لمنهجه في توظيف علوم البالغة وتابع تالمذة الخول ّي مشروعه التفسير ّ
واألدب والنقد في دراسة القرآن المجيد .وأبرز أبن اء ه ذه (المدرس ة) ،ال دكتورة عائش ة
عبد الرحمن (بنت الشاطئ) (ت 1998م) ،والتي ك انت وفيّ ة لش يخها وزوجه ا األس تاذ
أمين الخول ّي ،وحريصة على حمل لواء منهجه ،تأصيالً وتطبيقا ً في آن .وفي ذلك تق ول:
« ...واألصل في منهج التفسير األدب ّي -كما تلقّيته عن شيخي -هو التن اول الموض وع ّي،
الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه ،ليجمع ك ّل ما في القرآن عنه ،ويهتدي بم ألوف
استعماله لأللفاظ واألساليب ،بعد تحديد الداللة اللّغويّة لك ّل ذاك .وهو منهج يختلف تمام ا ً
عن الطريقة المعروف ة في تفس ير الق رآن س ورة س ورة ،حيث يؤخ ذ اللّف ظ أو اآلي ة في ه
مقتطعا ً من سياقه العا ّم في القرآن كلّه ،م ّما ال سبيل معه إلى االهتداء إلى الداللة القرآنيّ ة
أللفاظه ،أو استجالء ظواهره األسلوبيّة وخصائصه البيانيّة.
وق د طبّ ق بعض ال زمالء ه ذا المنهج تطبيق ا ً ناجح ا ً في موض وعات قرآنيّ ة اختاروه ا
لرسائل الدكتوراه والماجستير ،وأتّجه بمحاولتي اليوم إلى تطبيق المنهج في تفسير بعض
سور قصار ،ملحوظ فيها وحدة الموضوع ،فضالً عن كونه ا جميع ا ً من الس ور المكيّ ة،
حيث العناي ة باألص ول الك برى لل دعوة اإلس الميّة .وقص دت به ذا االتّج اه إلى توض يح
الف رق بين الطريق ة المعه ودة في التفس ير ،وبين منهجن ا الح ديث ال ذي يتن اول النصّ
القرآن ّي في ج ّوه اإلعجازيّ ،ويلتزم -في دقّة بالغة -قوله الس لف الص الح( :الق رآن ّ
يفس ر
47
المفس رون ،ث ّم لم يبلغ وا منه ا مبلغ اً ،-ويح رّر مفهوم ه من
ّ بعض ه بعض اً) -وق د قاله ا
العناصر الدخيلة كلّها ،والشوائب المقحمة على أصالته البيانيّة».1
تقول عائشة عبد الرحمن في مق ّدمة التفسير البيان ّي« :وما أعرضه هن ا ،ليس إاّل محاول ة
في هذا التفسير البيان ّي للمعجزة الخالدة ،حرصت فيها -ما استطعت -على
1عبد الرحمن ،عائشة ،التفسير البيان ّي للقرآن الكريم ،دار المعارف ،ال.م1990 ،م ،ط ،7ص.18 - 17
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
أن أخلص لفهم النصّ القرآن ّي فهما ً مستشفّا ً روح العربيّة ومزاجها ،مستأنسة في ك ّل لفظ،
بل في ك ّل حرك ة ون برة ،بأس لوب الق رآن نفس ه ،ومحتكم ة إلي ه وح ده ،عن دما يش تجر
الخالف ،على هدى التتبّع الدقيق لمعجم ألفاظه ،والتدبّر الواعي لداللة سياقه ،واإلص غاء
المتأ ّمل إلى إيحاء التعبير في البيان المعجز ،...وهو منهج يختلف والطريقة المعروفة في
تفسير القرآن سورة سورة ،يؤخذ اللّفظ أو اآلية فيه ،مقتطع ا ً من س ياقه الع ام في الق رآن
كلّ ه ،م ّم ا ال س بيل مع ه إلى االهت داء إلى الدالل ة القرآنيّ ة أللفاظ ه ،أو لمح ظ واهره
األسلوبيّة وخصائصه البيانيّة».1
ومن خالل كالمهاَّ ،
لخصتْ منهجها الموضوع ّي ،وجعلته في النقاط اآلتية:ـ
.2االستقراء والحصر الكامل لآليات القرآنيّة التي للموضوع المبحوث بها صلة أو وجه
تعلّق.
.3تصنيف اآليات إلى م ّكيّة ومدنيّة ،وتصنيفها َوفق الترتيب الزم ن ّي لل نزول؛ لالس تفادة
من السّياق واألسلوب لفهم المراد من اآليات.
48
.4فهم دالالت األلفاظ َوفق استعماالتها المألوفة في القرآن الكريم.
1عائشة عبد الرحمن ،التفسير البيان ّي للقرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.18
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
األص وات ال تي اتّهمت الق رآن الك ريم بافتق اد التراب ط بين اآلي ات والس ور ،وتَك رار
أن نتيجة هذا البحث ،وهي إثبات الوحدة الموضوعيّة للقرآن الموضوعات فيه .وال يخفى ّ
الكريم ،تع ّد األصل الذي ترتكز عليه جمي ع الدراس ات الموض وعيّة في الق رآن الك ريم،
كما أوضحنا س ابقاً .وم ا يه ّمن ا هن ا ه و المنهج ال ذي تبنّ اه في التفس ير الموض وع ّي في
رسالته تلك ،وقد أوضحه في مق ّدمة رسالته بذكر العناصر اآلتية:
.4بحث تسلسل الموضوع في السور التي ذك ر فيه ا حتّى نص ل إلى الغاي ة المقص ودة،
وهي الوحدة الموضوعيّة في القرآن.1
وتتالت بعده الدراسات الموض وعيّة ،فج اء أزهريّ ون آخ رون وكتب وا في ه ذا المج ال،
واش ترك معظمهم م ع حج ازي في خط وات المنهج م ع بعض الزي ادة والتفص يل ،ومن
49
ه ؤالء -مثالً -عب د الحي الفرم اويّ ،ال ذي أش ار في كتاب ه «البداي ة في التفس ير
الموضوع ّي» إلى المنهج الموضوع ّي المعتمد لديه .ويمكن عرضه عبر النقاط اآلتية:
.2حصر اآليات التي تدور حول هذا الغرض القرآن ّي ،وجمعها كلّها م ّكيّها ومدنيّها.
.3ترتيب هذه اآليات حسب نزولها على الن ب ّي(ص لى هللا علي ه وآل ه) م ع الوق وف على
أسباب نزولها.
.5تك وين الموض وع بجعل ه في إط ار متناس ب ،وهيك ل متناس ق ،ت ا ّم البن اء ،متكام ل
األجزاء.
1حجازي ،الدكتور مح ّمد ،الوحدة الموضوعيّة في القرآن الكريم ،دار الكتب الحديثة1970 ،م ،ط ،1ص.34 - 33
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.6تكميل الموضوع من حديث رسول هللا(ص لى هللا علي ه وآل ه) إن احت اج األم ر؛ حتّى
يكمل له هيكله ويزداد وضوحاً.
.7دراس ة ه ذه اآلي ات دراس ةً موض وعيّةً متكامل ةً ،تج انس بينه ا ،وتواف ق بين عا ّمه ا
وخاصّها ،مطلقه ا ومقيّ دها ،وت ؤاخي بين متعارض ها ،وتحكم بناس خها على منس وخها؛
حتّى تلتقي جميع هذه النصوص في مصبّ واحد دون تب اين أو اختالف أو إك راه لبعض
اآليات على معا ٍن ال تحتملها.1
وعند مراجع ة الدراس ات واألبح اث والتج ارب التفس يريّة للس يّد الش هيد ومن تابع ه في
االتّجاه االجتماع ّي؛ كاألستاذ زياد خليل الدغامين ،واألستاذ عبد الباسط الرض ّي ،نج د ّ
أن
أبرز معالم المنهج لدى هذا االتّجاه -وهو النظر خارج النصّ القرآن ّي أو النّظر الواقع ّي،-
50 يمكن ترتيبها َوفق خطوتين زمنيّتين:
إن فهم طبيعة المرحل ة ال تي تم ّر النص القرآن ّي :فهم الواقعّ :
ّ .1مرحلة قبل الدخول إلى
بها األ ّمة اإلسالميّة من النواحي الثقافيّ ة واالجتماعيّ ة والسياس يّة ،مطلب أساس ّي مس بّق
لدى هذا االتّجاه؛ لما له من أث ر في انتخ اب الموض وعات األه ّم ال تي تمسّ واق ع األ ّم ة،
وتساعده في إيجاد الحلول له بعد إرج اع ه ذه المواض يع إلى الق رآن الك ريم واس تخراج
المفس ر في ع رض م ا استخلص ه من الق رآن ّ أن ذل ك يس اعدنظرته إليه ا ،مض افا ً إلى ّ
الكريم بأسلوب يناسب هذا الواقع.
51
1راجع :الرض ّي ،عبد الباسط ،المنهج الموضوع ّي في تفسير القرآن :دراسة تحليلي ة ونقدي ة ،رس الة دبل وم دراس ات
عليا ،آداب ابن مسيك :جامعة الحسن الثاني المحمدية2000 ،م ،ص 273بتصرّف.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
-يمكن تأريخ بداية الدراسات الموضوعيّة ذات البُع د المنهج ّي بب دايات الق رن العش رين
على يد بعض المستشرقين.
-ظهر أ ّول منهج متكامل للتفسير الموضوع ّي على يد أمين الخول ّي رائ د االتّج اه األدب ّي
في التفس ير ،واس تم ّر تالمذت ه على الطري ق نفس ه ،وأب رزهم تلميذت ه وزوجت ه (بنت
الشاطئ).
-تت ابعت -بع د أمين الخ ول ّي -الدراس ات ال تي ع نيت بوض ع أس س لمنهج التفس ير
الموضوع ّي ،فكتب في ذلك علم اء أزهريّ ون ع ّدة ،أمث ال :مح ّم د حج از ّ
ي وعب د الح ّي
الفرماويّ.
-يُع ّد النظر خارج النصّ الق رآن ّي أح د أب رز مع الم المنهج ل دى االتّج اه االجتم اع ّي في
التفسير الموضوع ّي.
.2قارن بين المناهج المطروحة ،واستخرج اإلضافات النوعيّة للمناهج الاّل حق ة إلى تل ك
السابقة.
.3م ا هم ا مرحلت ا النظ ر خ ارج النصّ الق رآن ّي ل دى االتّج اه االجتم اع ّي في التفس ير
الموضوع ّي؟
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1يل ّخص األسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوع ّي.
53
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
54
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
بيّنّا في الدروس الس ابقة مفه وم التفس ير الموض وع ّي ،وميّزن اه عن التفس ير التجزي ئ ّي،
وتعرّفنا إلى المس ار الت اريخ ّي له ذا الن وع من التفس ير .وفي ه ذا ال درس نري د سنس لّط
الضوء على العناوين اآلتية:
-ما هي األسباب والعوامل التي دعت الباحثين في مجال الدراسات القرآنيّ ة إلى التو ّج ه
نحو الدراسات الموضوعيّة؟
55 أنيرى مجموعة من المفسّرين والب احثين المتخصّص ين في مج ال الدراس ات القرآنيّ ةّ ،
القرآن الك ريم ع رض لك ّل موض وع من موض وعاته بص يغة متفرّق ة ،وبثّه ا في س ور
مختلفة ،فتكفَّل ببيان بُعد من أبعاد ذلك الموضوع في ك ّل موضع من مواضع ه ذه الس ور
الكريمة ،ومن ثَ ّم تتمثّل الطريقة الوحيدة التي تفضي إلى اإلحاط ة الكامل ة برؤي ة الق رآن
تج اه موض وع م ا ،باستقص اء جمي ع اآلي ات ذات الص لة بالموض وع ،وتبويبه ا ،ث ّم
دراستها ،واستخراج النظريّة القرآنيّة في هذا المجال.
وقد عزا هؤالء المفسّرون هذا األسلوب القرآن ّي في نشر أجزاء الموضوع في سور
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
مختلف ة ،إلى ال نزول الت دريج ّي للق رآن ،وتن ّوع المخ اطبين ب القرآن الك ريم في عص ر
وخاص ةً في
ّ البعثة ،وكذلك تن ّوع الموضوعات المطروح ة في الق رآن الك ريم وتكثّره ا،
السور الطوال.
ولذا نرى العلماء يسعون لجمع اآليات القرآنيّ ة المتعلّق ة بالموض وع ،ث ّم بيانه ا وش رحها
بطريقة موضوعيّة تتناسب مع استخراج النظريّة القرآنيّة حيال الموض وع المح ّدد .ومن
الر ّواد األوائل لهذا النمط من التفسير العاّل مة المجلس ّي ،ف نراه ق د تص ّدى لجم ع اآلي ات
كلّها ذات العالقة بالموضوع عند دخوله فی ك ّل فصل من فصول بح ار األن وار ،ث ّم يلقي
عليها نظرة شاملة ،وينقل أحيانا ً آراء المفسّرين ،ويسعى لتوضيح ما يذكره من اآليات.1
وقد ربط علماء آخ رون التن ّوع والت درّج باله دف األس اس ال ذي من أجل ه ن زل الق رآن
أن اله دف ال رئيس من ن زول الق رآن ه و إيج اد عمليّ ة التغي ير الك ريم؛ وذل ك باعتب ار ّ
االجتم اع ّي الج ذريّ ،وخل ق القاع دة الثوريّ ة المناس بة لحم ل الرس الة م ع بي ان المنهج
الصحيح لهذه العمليّة.
وقد انعكس هذا الهدف بآثاره وظالله على القرآن الك ريم ،وأثّ ر في أس لوبه ومنهج ه في
عرض األفكار والمفاهيم.
56
وح من قب ل هللا -تع الى -إلى الن ب ّي(ص لى هللا علي ه ومن هنا ،نجد ّ
أن القرآن الك ريم لم ي َ
وآله) مصنّفاً ،كما هو متّبع في الكتب العلميّة المص نّفة إلى فص ول وأب واب ،ولك ّل ب اب
موضوعه الخاصّ به ،وهكذا...
1راجع على سبيل المثال :العاّل مة المجلسي ،بحار األنوار ،مصدر سابق ،ج 68من بحار األن وار حينم ا تكلّم العاّل م ة
عن القلب ،والسمع ،والبصر ،ومعنى ک ٍّل منها فی القرآن .وفي الجزء 58في ب اب حقيق ة الرؤي ا .وفي الج زء 22فی
الباب األ ّو ل عندما بحث عن ما جرى لليهود والنصارى والمشرکين بعد الهجرة .وقد اتّبع هذا المحقّق الكبير األس لوب
نفسه في الفصول اُألخرى من الکتاب.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
فلم يتناول القرآن -مثالً -مسألة التوحيد في سورة ،والنب ّوة في أخرى ،وهكذا ،...بل طرح
الموضوعات والمفاهيم طرحا ً متداخالً ومزدوجاً ،فنج ده في مقط ع من الس ورة ،ب ل في
آية واحدة أحياناً ،يتع ّرض إلى مسألة التوحيد وال وحي وخ بر ن ب ّي م ا ،وتهدي د ق وم م ا،
وبشارة آخرين...
وفي أحيان كثيرة يك ّرر القرآن الكريم هذه المفاهيم كلّها أو بعضها ،وفي مواضع متع ّددة،
وبأشكال مختلفة.
وقد ش ّكلت هذه الطريقة في عرض المفاهيم واألفكار ِسمة من سمات القرآن الك ريم ،ولم
تكن مسألة عاديّة ،بل هو منهج استهدف القرآن من خالله هدفا ً معيّناً ،وهو هدف التغي ير
ألن طرح األفكار والمف اهيم على اإلنس ان به ذا الش كل ي ؤثّر االجتماع ّي الجذريّ؛ وذلك ّ
صاً ،ويب ني روح ه ونفس ه بن ا ًء محكم ا ً مت داخالً من خالل عمليّ ة تربويّ ة
عليه تأثيراً خا ّ
موضوعيّة يعيشها اإلنسان أثناء تفاعله مع القرآن الكريم ومفاهيمه.
وقد كان للقرآن الكريم -مضافا ً إلى هذه الطريقة العا ّم ة في الع رض -أس لوب خ اصّ في
العرض أيضاً .هذا األسلوب الذي جعل اآليات مقطّعة وبهذا الش كل ،وذات بداي ة ونهاي ة
معيّنتين.1
57
.2نم ّو العلوم اإلنسانيّة:
إن نم ّو العلوم اإلنسانيّة والتجريبيّة وتط ّورهما بشكل هائل ،ولّ دا فروع ا ً معرفيّ ة متع ّددة
ّ
له ذه العل وم ،وأح دثا نظريّ ات علميّ ة جدي دة في مج الي العل وم اإلنس انيّة والتجريبيّ ة.
وبتوافر هذه األبحاث والكفاءات العلميّة ،تحقّقت المق ّوم ات لظه ور جمل ة من النظريّ ات
والمسائل القرآنيّة لم تكن قد خطرت على أذهان الباحثين
1الحكيم ،السيد محمد باقر ،تفسير سورة الحمد ،مجمع الفكر اإلس المي ،إي ران -قم المش رّفة1420 ،هـ.ق ،ط ،1ص
.106
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
حين انحس ر اإلس الم عن التط بيق في مجتم ع المس لمين ،وواج ه النظريّ ات العقائديّ ة
المختلفة (سواء منها ما تعلّق بالنّظرة الكونيّة كدعاوى اإللحاد والما ّديّ ة ،أو تل ك المتعلّق ة
بالمذاهب االقتصاديّة واالجتماعيّة كالرأسماليّة واالشتراكيّة) ،ظهرت الحاجة الملحّة إلى
58 ألن اإلسالم أصبح البحث الموضوع ّي القرآن ّي في المجاالت المختلفة؛ وذلك ّ
1الصدر ،الشهيد السيد محمد باقر ،الحري ة في الق رآن الك ريم ،مجلّ ة األض واءّ ،
الس نة الثاني ة -الع دد األوّل ،النج ف
األشرف ،ربيع األول 1381هـ.ق.
2حلس ،مح ّمد عثمان ،اإلرداة اإلنسانيّة في ضوء القرآن الكريم(دراسة موضوعية) -رسالة ماجس تير ق ّدمت للجامع ة
اإلسالميّة في غ ّزة2009 ،م1430 -هـ.
ق ،الح رب النفس ية في ض وء الق رآن الك ريم ،الس عودية-الري اض2007 ،م - 3ع ارف ،ال دكتور معن بن عب د الح ّ
1428هـ.
4طه حمد ،ط ه عاب دين ،الص لح في ض وء الق رآن الك ريم ،مجل ة الجامع ة اإلس المية ،الس عودية -المدين ة المن ورة،
1430هـ.ق 2009 -م ،ال.ط.
ي في مجال الدراسات الموضوعيّة. 5هذه الكتب هي من المؤلّفات القيّمة للشيخ مح ّمد تقي مصباح اليزد ّ
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
بحاجة إلى أن يُعرض كـ(نظريّة) عقديّة سماويّة لها نظرتها المستقلّة في مختل ف ش ؤون
الحياة؛ وذلك من أجل مواجهة النظريّات األخرى ،ولكي يتّضح م دى ص الحيّته ،نظريّ ا ً
أ ّوالً ث ّم عمليّاً ،لمعالجة مشاكل الحياة المعاصرة.
إن سعي جملة من المف ّكرين والباحثين وعنايتهم بر ّد الشبهات الغربيّة واالستعماريّة علىّ
اإلسالم عا ّمة وعلى القرآن الكريم خاصّة ،جعالهم يهت ّمون بالتفسير الموضوع ّي؛ وذل ك
الس تخراج النظريّ ات اإلس الميّة ،وبل ورة ال رؤى التربويّ ة ،واالجتماعيّ ة ،والسياس يّة
بطريقة تُبعد عن الدين اإلسالم ّي شبهة العزلة عن المجتمع والطقوسيّة والفرديّة.
فالحاجة إلى التفسير الموض وع ّي ،في ه ذا العص ر ،تنب ع -في الحقيق ة -من الحاج ة إلى
عرض اإلسالم ومفاهيم القرآن عرضا ً نظريّاً ،يتكفّل بناء األساس الذي تنبثق من ه جمي ع
التفصيالت األخرى ،ومنها األحكام الشرعيّة.1
أن الق رآن ه و بيان ات متفرّق ة ومش تّتة وال يجمعه ا ج امع
يرى فريق من المستش رقينّ ،
منطق ّي وال وح دة في النظم .ويرج ع بعض ه ؤالء الب احثين ه ذا التش تّت واالض طراب
59 المزعوم في مطالب القرآن ،إلى قصد رف ع المل ل والتعب عن ق ارئ الق رآن ،والح ّد من
تنفّره عند القراءة ،و َع َز ْته مجموع ةٌ أخ رى إلى العيب والنقص في طريق ة الص حابة في
ترتيب آيات ك ّل سورة من سور القرآن.2
1راج ع :الحكيم ،الس يد محم د ب اقر ،عل وم الق رآن ،مجم ع الفك ر اإلس المي ،إي ران -قم المش رّفة ،ربي ع الث اني
1417هـ.ق ،ط ،3ص.348
2راجع :أجنتس ،غولدتسهير ،مذاهب التفسير اإلسالم ّي ،ترجمة :عبد الحليم النجّار ،مكتب ة الخ انجي -مص ر؛ مكتب ة
المثنى -بغداد1374 ،هـ.ق 1955 -م ،ال.ط ،ص.4
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ولرفع هذه الشبهات وغيرها ،لجأ علماء المسلمين من الفريقين إلى التفس ير الموض وع ّي
كأداة تظهر النظرة المنسجمة للقرآن الكريم تجاه الموضوع الواح د ،وإن تع ّدد التع رّض
له في س ور مختلف ة ب اختالف المناس بات ،ومن ثَ َّم ظه رت نظريّ ة الوح دة الموض وعيّة
لسور القرآن الكريم؛ من أجل التأليف بين الموض وعات المختلف ة الم ذكورة في الس ورة
الواحدة ،وبيان هدف ومقصد عا ّم تتّجه اآليات المتع ّددة على اختالف موضوعاتها نح وه.
وفي السياق نفسه ،تنامى االتّجاه القائل بالوحدة الموضوعيّة للقرآن الك ريم كلّ ه ر ّداً على
هذه المزاعم المذكورة.
ّ
خاص ة .والوح دة هن ا أ ّما التفسير الموضوع ّي الخاصّ ،فهو الذي يكون بين أفراده وحدة
أخصّ وأقرب من تلك التي في التفسير الموض وع ّي الع ا ّم ،فإط ار البحث في ه ذا القس م
يُح َّدد بالحدود الدقيقة للمفهوم والمعنى؛ ومثال هذا القسم« :اليهود
1راجع :معرفت ،الشيخ مح ّمد هادي ،التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب ،الجامعة الرضوية للعلوم اإلسالمية ،إيران
-مشهد1426 ،هـ.ق 1384 -هـ.ش ،ط ،2ج ،2ص.1043 - 1042
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وث ّمة لحاظ ثالث للتقسيم ،هو األه ّم ،وهو التقسيم بلحاظ نوع الموضوع .وأه ّميّته تنبع من
ت أثيره على المنهج المتّب ع في التفس ير الموض وع ّي؛ إذ بتغيّ ر الموض وع تتغيّ ر طبيع ة
المنهج المستعمل والنتائج المتوقّعة.
ويقسّم الموضوع عادة إلى ثالثة أقسام ،فقد يكون الموضوع المبحوث مصطلحا ً قرآنيّا ً أو
مفردة قرآنيّة ،2وقد يكون هو الهدف من السورة الواحدة أو المحور العا ّم لها ،وق د يك ون
موضوعا ً قرآنيّاً ،سواء كان مطروحا ً في سورة واحدة أو سور مختلفة من القرآن الكريم.
1راجع :سعيد ،عبد الستّار فتح هللا ،المدخل إلى التفسير الموضوع ّي ،دار التوزيع والنشر اإلسالمية ،مصر -القاهرة،
ال.ت ،ال.ط ،ص.25 - 24
2بنا ًء على دخول مباحث المفردة القرآنيّة في التفسير الموضوع ّي ،وق د يش كل على دخوله ا في التفس ير الموض وع ّي
لعدم انطباق مفهومه عليها.
ي ،نفحات القرآن ،مصدر سابق ،ج ،1ص6؛ الرضائ ّي األصفهان ّي ،مح ّمد عل ّي، 3راجع :الشيخ ناصر مكارم الشيراز ّ
مناهج التّفسير واتّجاهاته -دراسة مقارنة في مناهج تفسير القرآن ،تع ريب :قاس م البيض ائي ،مرك ز الحض ارة لتنمي ة
الفكر اإلسالمي ،لبنان -بيروت2008 ،م ،ط ،1ص.395
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
هو نوع االرتباط (بعد الفراغ من وجود أصل االرتباط) بين المواضيع القرآنيّة المبحوثة
فإن التفسير الموضوع ّي االرتباط ّي م ترتّب على االتّح اديّ،
في التفسير االتّحاديّ .ولذاّ ،
ومتأ ّخر رتبةً عنه.
62
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
· نم ّو العلوم اإلنسانيّة.
· ما كان موضوعه معروضا ً على القرآن الكريم الستنباط نظرة القرآن الكريم حوله.
63
-يقسّم التفسير الموضوع ّي بلحاظ نوع الوحدة بين مصاديق الموضوع في القرآن الكريم
إلى:
· ما يكون الموضوع المبحوث فيه هو الهدف من السورة الواحدة أو المحور العا ّم لها.
-يقسّم التفسير الموض وع ّي بلح اظ ن وع التفس ير إلى :التفس ير الموض وعي االتح ادي،
والتفسير الموضوعي االرتباطي.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1ع ّدد أه ّم األسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوع ّي ،مع توضيح ك ٍّل منه ا
باختصار.
.4ما هي أقسام التفسير الموضوع ّي الذي يك ون الموض وع المبح وث في ه موض وعا ً أو
قضيّة قرآنيّة؟
64
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الفصل الثاني
مناهج التفسير الموضوع ّـي
منهج التفسير الموضوع ّـي للسورة القرآنيّة (الكشف ّي)
65
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
66
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.2يشرح مفهوم وحدة السورة القرآنيّة وآثارها والقائلين بها ،والمنكرين لها.
67
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
68
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
تق ّدم في أقسام التفسير الموضوع ّي ،تن ّوع مناهجه باختالف نوع الموضوع المبحوث عنه
في القرآن الكريم .ومقصد السورة أو محورها العا ّم هو أحد نوعَي الموض وع المبح وث
في الدراس ات الموض وعيّة ،خصوص ا ً الحديث ة منه ا .وقب ل الخ وض في منهج التفس ير
الموض وع ّي للس ورة ،ال ب ّد من بي ان األص ل النظ ر ّ
ي ال ذي يرتك ز علي ه التفس ير
الموضوع ّي للسورة ،أال وهو وحدة السورة القرآنيّة.
إن مه ّم ة الب احث ،في تفس ير الس ورة الواح دة ،تتجلّى في الكش ف عن المقص د الع ا ّم ّ
69 للسورة ،بعد الوق وف على مجموع ة من األم ور .وه ذا الن وع من التفس ير الموض وع ّي
وثيق الصلة بعلم المناسبة ،كون التسليم -أ ّوالً -بوجود مناسبة بين اآليات في الجملة
1ابن فارس ،أحمد بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،مكتبة اإلعالم اإلس المي ،إي ران
-قم المشرّفة1404 ،هـ.ق ،ط ،1ج ،5ص.423
2انظ ر :ب ازمول ،محم د بن عم ر بن س الم ،علم المناس بات في الس ور واآلي ات ،المكتب ة المكي ة ،الس عودية -مك ة
المكرمة1423 ،هـ.ق 2002 -م ،ط ،1ص.27
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
مق ّدمة تصديقيّة ضروريّة للقول بوح دة الس ورة القرآنيّة1؛ لبداه ة اس تحالة الق ول بوح دة
السورة م ع ع دم وج ود مناس بة بين اآلي ات (مهم ا ك ان نوعه ا) تخ دم ه دف أو مح ور
ّ
المفس ر للكش ف عن السورة الرئيس ،وهو في المق ام الث اني من األدوات ال تي يس تعملها
محور السورة األس اس .ول ذا ،ذهب بعض الب احثين إلى أنّ ه ال ب ّد عن د تفس ير السـورة
تفسيراً موضوعيّا ً من اإللمام -أ ّوالً -بعلم المناسبات بين اآليات في السورة الواحدة .2وم ا
الس ورّ ،3
وإن يعني المفسّر للسورة موضوعيّا ً هو المناس بة بين اآلي ات ال تل ك ال تي بين ّ
ربط بعض الباحثين بين المناسبة بين السورة المبحوث فيها وسابقتها في منهجه.
وقد ظهر علم المناسبات على يد أبي بكر النيس ابوريّ(ت324هـ) في بغ داد ،وك ان أب و
بك ر ابن الع رب ّي(543هـ) يش ير إلى المناس بات في تفس يره «أحك ام الق رآن» ،ومن
المهت ّمين بها كذلك الرازيّ(626هـ) في تفسيره «مفاتيح الغيب» .وعندما جاء الزركش ّي
لجمع علوم القرآن في مؤلَّف واح د ،خصَّ علم المناس بات بال درس ،وض رب أمثل ة عن
المناسبات بين السور وبين اآليات في السورة الواحدة ،إلى أن قام برهان ال ّدين البقاع ّي (
885هـ) بتفسير القرآن كلّه على أساس فكرة المناسبات في عمله الضخم «نظم الدرر في
تناسب اآليات والسور».4
وفي مقاب ل ه ذا االتّج اه ،ظه ر اتّج اه من اوئ ينك ر الق ول بالتناس ب ،وك ان على رأس ه
70 «إن من محاس ن الكالم أن يرتب طتاريخيّا ً الع ّز بن عبد الس الم(ت 660هـ) ،ال ذي ق الّ :
بعضه ببعض ،ويتشبّث بعضه ببعض ،لئاّل يكون مقطّعا ً مبتّراً ،وهذا شرط أن يقع الكالم
في أمر متّحد ،فيرتبط أ ّوله بآخره ،فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط
فيه ارتباط أحد الكال َمين باآلخر ،ومن ربط ذلك فهو متكلّ ف لِم ا لم يق در علي ه إاّل برب ط
إن الق رآن ن زل على ركي ك يص ان من مثل ه حس ن الح ديث ،فض الً عن أحس نه ،ف ّ
الرسول( صلى هللا عليه وآله) في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ش رّعت ألس باب
مختلفة غير مؤتلفة ،وما كان كذلك ال يتأتّى ربط بعضه ببعض؛ إذ ليس بحسن أن يرتب ط
تص ّرف اإلله في خلقه وأحكامه بعضه ببعض ،مع اختالف العلل واألسباب».1
وبنا ًء على ذلك ،فال مناصّ من إثبات وحدة م ا تجم ع متف رّق آي ات الس ورة الواح دة ،أو
التسليم بذلك كأصل موضوع ّي قبل خوض غمار هذا القسم من التفسير الموضوع ّي.
وق د عرّفه ا بعض الب احثين بقول ه« :هي أم ر كلّ ّي تتع انق حول ه موض وعات الس ورة
71 القرآنيّة الواحدة ،وتنش ّد إليه ،وتجتمع حوله اآليات».2
وبذلك يظهر الفرق بين القول بوحدة السور القرآنيّة والقول بوجود التناس ب بين اآلي ات،
فعلى الرغم من ّ
أن القول بوحدة الس ور القرآنيّ ة يس تلزم في رتب ة أس بق التس ليم بوج ود
أن العكس غير صحيح ،فال المناسبة بين آيات السورة الواحدة ،غير ّ
1عبد السالم ،أبو مح ّمد ع ّز الدين عبد العزيز ،اإلشارة على اإليجاز في بعض أنواع المجاز ،دار الكتب العلميّة ،لبنان
-بيروت1995 ،م ،ط ،1ص.338
2عالن ،عل ّي عبد هللا عل ّي ،منهج التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي -عرض ونقد وتجديد ،مجلة جامع ة الق دس
المفتوحة لألبحاث والدراسات ،األردن -عمان1433 ،هـ.ق 2012 -م ،ال.ط ،ص.227
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وعلى الرغم من اتّفاق كثير من علماء التفسير (على مستوى النظريّة والتط بيق) بتحقّ ق
وحدة معيّنة للسورة الواحدة ،غير أنّهم اختلفوا في طبيعة هذه الوحدة ،فمنهم من رآها في
موضوع السورة فس ّماها وحدة موضوعيّة ،ومنهم من رآه ا في مقاص دها أو أه دافها،...
ومنهم من رآها ِمن خالل اتّساقها وانسجام قضاياها وموضوعاتها فس ّماها وح دة نس قيّة.
ويمكن استخالص قاسم مشترك عا ّم بينهم يقوم على عنصرين رئيسين:
.1تماسك مك ّونات السورة وتناسقها وتناسبها ،وهذا الذي يساعد فيه علم المناسبة.
.2وج ود المعطى الع ا ّم الكلّ ّي الم راد من النّظم الخ اصّ للس ورة ،بص رف النظ ر عن
طبيعة هذا المعطى ،فقد يكون هو المقصد أو الهدف العا ّم للسورة ،كما قد يقال في س ورة
(اإلخالص) من أنّها تهدف إلى تقرير الوحدانيّة هلل سبحانه ،أو المحور العا ّم لها ،كما في
سورتي (الزلزلة) و(القارعة) اللّ تين ت دوران ح ول أح داث الحش ر والقيام ة ،أو س ورة
(الغاشية) التي تتناول أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيام ة ،وتس تد ّل على حكم ة هللا -
72 تعالى -وقدرته من خالل تدبّر المخلوقات .أو غير ذلك من محاور الوحدة المتص ّورة.1
1راجع :رشوان ّي ،منهج التفس ير الموض وع ّي -دراس ة نقديّ ة ،مص در س ابق ،ص242؛ مس لم ،مب احث في التفس ير
الموضوع ّي ،مصدر سابق ،ص.47
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وحدة السورة القرآنيّة بين اإلثبات والنّفي
أن إنكار التناسب بين اآليات يستلزم إنكار وحدة السور القرآنيّة ،وك ان اتّضح م ّما سبقّ ،
الداعي إليه ،كما نقلنا آنفا ً عن الع ّز بن عبد السّالم ،هو النزول الت دريج ّي للق رآن الك ريم.
وفي ما يلي بقيّة األدلّة التي استد ّل بها منكرو وحدة السورة:
.1تحدي د موض وعات الس ور أم ر اجته اديّ :ذهب بعض الب احثين إلى إخ راج بحث
التفسير الموض وع ّي للس ورة عن مب احث التفس ير الموض وع ّي؛ وذل ك لك ون موض وع
ّ
والمفس رون ،1وذهب السورة المبح وث فيه ا أم راً اجتهاديّ ا ً ظنّيّ ا ً يختل ف في ه الب احثون
لمفس رين ح ول اإلط ار الع ا ّم لس ورة الحج ر -إلى ّ بعضهم -بعد استعراض عش رة آراء
إنكار الوحدة الموضوعيّة للسورة ،فقال« :الناظر في هذه ﺍﻷقوﺍﻝ جميع ا ً يس عه ﺃﻥ ينك ر
ما يس ّمى بـ(الوحدة الموضوعيّة) ﻓـﻲ سور القرآن الكريم؛ نظراً إلى تب اين ه ذه األق وال،
وتباعدها ،وطريقة تقسيمها».2
أن انطالق الب احث .2إغفال بعض موضوعات الس ورة :يعتق د ال دكتور رجب ال بيوم ّي ّ
من مبدأ الوحدة الموضوعيّة للسورة سوف يؤ ّدي به -عن قصد أو غير قصد -إلى إغف ال
بعض المواضيع الموج ودة في الس ورة ليس قط الموض وع ال ذي في ذهن ه (ال ذي يعتق ده
73
موضوع السورة األس اس) على نس ق آي ات الس ورة وس ياقها ،فيك ون الب احث ب ذلك ق د
انطلق في بحثه العلم ّي من موقع متحيّز.3
1راجع :سعيد ،المدخل إلى التفسير الموضوع ّي ،مصدر سابق ،ص.25
2ﺍﻟﺪﻏﺎﻣﻴﻦ ،ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮع ّي ،مصدر سابق ،ص.150
3راجع :البيوم ّي ،مح ّمد رجب ،البيان القرآن ّي ،الدار المصرية اللبنانية2005 ،م ،ط ،2ص.195
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1الشتات الموضوع ّي ال يالئم أس لوب الق رآن الك ريم؛ حيث إن تش تّت المواض يع دون
إطار واحد يجمعها أمر مستهجن في أساليب التعبير لدى الحكماء ،ويش ّوش ذهن القارئ؛
لذا يجب تنزيه كالم سيّد الحكماء عنه.1
.2توزيع اآليات في السور ت ّم وفقا ً لوحدة الموضوع ،فالنب ّي(ص لى هللا علي ه وآل ه) أم ر
بتوزيعها على خالف ترتيب نزولها؛ لمراعاة ك ون آي ات الس ورة ت دور ح ول موض وع
واحد.2
.1التأثير على تفسير آيات السورة نفسها بطريقة تتّسق مع المحور العا ّم لوحدة الس ورة،
ي في تفسيره الكبير حول تفسير قوله -تع الى﴿ :-قُــل ُهـ َ
ـو لِلَّ ِذينَ ومثال ذلك ما ذكره الراز ّ
شفَاء ،3﴾ ٞفبعد أن شرح المقصد العا ّم من السورة بنظره بقوله« :وقد ظه ر َءا َمنُو ْا هُدٗ ى َو ِ
أن المقص ود في ه ذه الس ورة ه و ذك ر األجوب ة عن من كالمنا في تفس ير ه ذه الس ورة ّ
74 قر َو ِمن بَينِنَا َوبَينِ َك ِح َج ٞ
اب ﴿وقَالُو ْا قُلُوبُنَا فِي َأ ِكنَّ ٖة ِّم َّما تَدعُونَا ِإلَي ِه َوفِي َءا َذانِنَا َو ٞ
قولهمَ :
ّ
شفَاء ﴾ ٞمتعل ق
5 ُ
أن قوله -تعالى﴿ :-قل ه َُو ِللَّ ِذينَ َءا َمنُو ْا هُدٗ ى َو ِ 4 ٰ
فَٱع َمل ِإنَّنَا َع ِملُونَ ﴾ ،ذكر ّ
يتعس ف ّ بقولهمَ ﴿ :وقَالُو ْا قُلُوبُنَا َأ ِكنَّ ٖة ِّم َّما تَدعُونَا ِإلَي ِه﴾ ،حيث قال« :وك ّل من أنص ف ولم
َعلِم أنّا إذا
1راجع :آل موس ى ،عل ّي ،الت دبّر الموض وع ّي في الق رآن الك ريم -ق راءة في المنهجين :التجميعي والكش في ،دروس
ألقاها :الشيخ علي آل موسى ،كتبها :عبد العزيز حسن آل زاي د -محم د حس ن آل زاي د -موس ى س عيد البحارن ة ،دار
كميل للطباعة والنشر ،لبنان -بيروت1430 ،هـ.ق 2099 -م ،ط ،1ص.218
2راجع :آل موسى ،التدبّر الموضوع ّي في القرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.218
3سورة فصّلت ،اآلية .44
4السورة نفسها ،اآلية .5
5السورة نفسها ،اآلية .44
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
فسّرنا هذه اآلية على الوجه الذي ذكرناه صارت هذه السورة من أ ّولها إلى آخرها واح داً
منتظما ً مسوقا ً نحو غرض واحد».1
ّ
المفس ر بالتفس ير الموض وع ّي الق رآن ّي أن .2ذهب بعض الب احثين 2إلى االش تراط على
يعرف عالقة موضوع بحثه بمحور السورة أو مقصدها العا ّم (أو مقاص دها) ،أو بعب ارة
أخرى بناء التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي في المنهج على التفس ير الموض وع ّي
للسور المرتبط ة بموض وع البحث ،كم ا ب ني التفس ير الموض وع ّي للموض وع الق رآن ّي
منهجيّا ً على التفسير الترتيب ّي لآليات المرتبطة بموضوع البحث ،وعلى معرفة مناس باتها
ّ
المفس ر على إن معرف ة مح ور الس ورة ومقص دها يعين بما سبق ولح ق من اآلي ات؛ إذ ّ
معرفة معلومات حول موض وعه مختلف ة عن تل ك ال تي يحص ل عليه ا بمج رّد اس تقراء
اآليات المرتبطة بموضوعه دون النّظر في موقعها من مح اور الس ور ال تي وقعت فيه ا
تلك اآليات أو مقاصدها ،فلو أخذنا محور سورة البقرة -مثالً -بافتراض أنّه «االستخالف
في األرض» ،قد يظهر للمفسّر الموضوع ّي الباحث عن «ال ّربا في القرآن الك ريم» -بع د
ربطه آليات الرّب ا بمح ور الس ورة وباآلي ات ال تي تح ّدثت عن س بب زوال خالف ة ب ني
أن أثر ال ّربا ال يقتصر في الدنيا على ما ذكرته اآليات بش كل مباش ر من مح ق إسرائيلّ -
المال والتع ّرض لحرب هللا ورسوله ،بل هو من أسباب زوال الخالفة اإللهيّة.
75 أن السورة تبقى تؤ ّدي الغرض والهدف العا ّمويذهب بعض آخر إلى أبعد من ذلك ،ليرى ّ
منها ما روعي الترتيب النسق ّي التوقيف ّي لآليات الذي يخ دم ه ذا الغ رض ،ف إذا ت ّم تقطي ع
أنالسورة إلى وحدات موضوعيّة قضي على الهدف المرج ّو من السورة؛ ولذا فإنّه يرى ّ
التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي عمل نافع من
1الرازي ،فخر الدين محمد بن عمر ،تفسير الرازي ،ال.م ،ال.ن ،ال.ت ،ط ،3ج ،27ص.134
2انظر :عالن ،منهج التفسير الموضوع ّي للموضوع القرآن ّي ،مصدر سابق ،ص.22
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الحيثيّة العلميّة ،غير أنّه ليس كذلك من الناحي ة اإلرش اديّة1؛ ألنّ ه مب ن ّي على إغف ال ه ذا
الترتيب النسق ّي للسورة.
.3بيان وجه جديد لإلعجاز وللر ّد على شبهات المستشرقين بعدم وجود الترابط بين آيات
أن جمع الق رآن الك ريم لموض وعات ع ّدة تص بّ في مح ور واح د، القرآن الكريم ،ذلك ّ
وتؤ ّدي إلى هدف واحد في سورة مع تباعد زمن نزول ه ذه الموض وعات أم ر عجيب ،
2
ومصداق ظاهر لقوله -تعالى ﴿ :-يَتَ َدبَّ ُرونَ ٱلقُر َءانَ َولَــو َكــانَ ِمن ِعنـ ِد َغــي ِر ٱهَّلل ِ لَ َو َجـ دُو ْا
فِي ِه ٱختِ ٰلَ ٗفا َكثِ ٗيرا﴾.3
1راجع :كسّار ،جواد عل ّي ،المنهج ال ترابط ّي ونظريّ ة التأوي ل :دراس ة في تجرب ة التفس ير الكاش ف ،دار الص ادقين،
إيران -قم المشرّفة1420 ،هـ.ق 2000 -م ،ط ،1ص.62 - 61
2راج ع :عب د المطّلب ،ف وزي ،الوح دة الموض وعيّة للس ور القرآني ة ،كلي ة التربي ة ،الس عودية -المدين ة المن ورة،
1402هـ.ق 1982 -م ،ط ،2ص.5
3سورة النساء ،اآلية .82
4راجع :مسلم ،مباحث في التفسير الموضوع ّي ،مصدر سابق ،ص.28
5رشوان ّي ،منهج التفسير الموضوع ّي ،مصدر سابق ،ص.243
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
ّ
والس ور) بعض ها -علم المناسبة هو العلم بعلل ترتيب أجزاء القرآن الك ريم (من اآلي ات
ببعض.
-يرتب ط علم المناس بة بالتفس ير الموض وع ّي للس ورة عن طري قّ :
أن التس ليم بوج ود
المناسبة بين اآليات مق ّدمة تصديقيّة للقول بوحدة السورة موضوعيّاً ،وكون ه أداة للكش ف
عن محور السورة أو مقصدها.
-وحدة السورة القرآنيّة هي انشدادها نح و أم ر كلّ ّي تتع انق حول ه موض وعات الس ورة
القرآنيّة الواحدة ،وتجتمع حوله اآليات.
-القاسم المش ترك بين األق وال المختلف ة في طبيع ة وح دة الس ورة يرتك ز على :تماس ك
مك ّونات السورة وتناسقها وتناسبها ،ووجود المعطى العا ّم الكلّ ّي المراد من النّظم الخاصّ
بأن :الشتات الموضوع ّي ال يالئم أسلوب الق رآن للسورة ،واستد ّل القائلون بوحدة السورة ّ
الكريم ،وتوزيع اآليات في السور ت ّم وفقا ً لوحدة الموضوع.
-استد ّل النافون لوحدة السورة ب ّ
أن :تحدي د موض وعات الس ور أم ر اجته اديّ ،والعم ل
77
َوفق مبدأ وحدة السورة يو ّدي إلى إغفال بعض موضوعات السورة.
-تعريف التفسير الموضوع ّي للسورة هو« :النظر الخاصّ في السورة القرآنيّ ة من حيث
كليّتها ونظمها ،ال من حيث الداللة التفصيليّة آلياتها».
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1كيف يرتبط علم المناسبة بوحدة السورة وبالتفسير الموضوع ّي للسورة بالنتيجة؟
.6ﻣﺎ الفرق بين (الهدف ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ) للسورة وبين (ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ) ﻟﻬﺎ؟
78
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
79
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
80
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
تق ّدم في الدرس السابق ،بيان أه ّم األسس التي يقوم عليه ا التفس ير الموض وع ّي للس ورة،
وح ان ال وقت اآلن التّب اع ذل ك بع رض أه ّم المع الم المش تركة في المنهج بين الب احثين
والمفسّرين المنظّرين لمنهج التفسير الموضوع ّي للسورة القرآنيّة.
أ ّوالً :جمع معلومات عا ّمة حول السورة (اسم الســورة ،تــاريخ الــنزول ،ســبب النّــزول،
خصائصها ،فضائلها):
والسالم ،ومقصود ك ّل سورة ها ٍد إلى تناس بها ،ف أذكر المقص ود من ك ّل س ورة ،وأطبّ ق
بينه وبين اسمها».1
وخالف البقاع ّي في ه ذا النّظ ر من المعاص رين الش يخ الغ زال ّي ،فق ال« :أس ماء الس ور
ش يء غ ير موض وعاتها ،فالموض وعات غالب ا ً متش عّبة مستفيض ة ،أ ّم ا األس ماء ف ذات
الس ور ،وع دم دالالت جزئيّ ة» ،2فض الً ع ّم ا ي رد على ه ذه الطريق ة من تن ّوع أس ماء ّ
توقيفيّتها بأجمعها .وفي هذا الصدد يقول العاّل مة الطباطب ائ ّي« :وتس مية الس ور تتناس ب
مع موضوع ذك ر فيه ا أو ج اء اإلس الم نفس ه فيه ا ،كس ورة البق رة وس ورة آل عم ران
وسورة اإلسراء وسورة التوحيد ،وفي نسخ القرآن القديمة كثيراً ما ك انوا يكتب ون س ورة
تذكر فيها البقرة وسورة يذكر فيها آل عمران .وربّما تكون جملة من س ورة معرّف ة له ا،
كسورة اق رأ باس م رب ك ،وس ورة إنّ ا أنزلن اه ،وس ورة لم يكن وأش باهها .وأحيان ا ً يك ون
وصف السورة معرّفا ً لها ،كسورة فاتحة الكتاب وسورة أ ّم الكتاب والسبع المثاني وسورة
اإلخالص وأمثالهما.
إن ه ذه األس ماء والنع وت ك انت موج ودة في الص در األ ّول؛ بش هادة اآلث ار والت اريخ، ّ
وحتّى أسماء بعض السور جاءت في األحاديث النبويّة ،كسورة البقرة وسورة آل عمران
إن كثيراً من هذه األسماء تعيينيّة (كذا في
وسورة هود وسورة الواقعة .ولهذا يمكن القول ّ
82 المصدر ،ولع ّل الصحيح تعيّنيّة) من زمن الرسول نتيجة لك ثرة االس تعمال ،وليس ش يء
منها توقيفيّا ً شرعيّاً».3
1البق اع ّي ،إب راهيم بن عم ر ،نظم ال درر في تناس ب اآلي ات والس ور ،دار الكت اب اإلس المي ،مص ر -الق اهرة،
1404هـ.ق 1984 -م ،ال.ط ،ج ،1ص.19 - 18
2الغزالي ،الشيخ مح ّمد ،نحو تفسير موضوع ّي لسور القرآن الكريم ،دار الشروق1420 ،هـ2000 ،م ،ط ،4ج ،1ص
.71
3الطباطبائ ّي ،العالمة السيّد محمد حسين ،القرآن في اإلسالم ،تعريب :السيّد أحمد الحسين ّي ،ال.ن ،ال.م ،ال.ت ،ال.ط،
ص.154 - 153
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.2بيئة النزول :كان للنّظر في تاريخ نزول السورة (ولو إجم االً بتحدي د كونه ا م ّكيّ ة أو
مدنيّة) دور مه ّم لدى باحثين ك ثر في معرف ة أعم ق لبيئ ة النّ زول ومالبس اتها المحيط ة
المفس ر ،تعبّ د ل ه
ّ عقائديّا ً واجتماعيّاً ،التي بدورها تس اعد في تش كيل خلفيّ ة فكريّ ة ل دى
الطري ق لتحدي د مح ور الس ورة أو مقص دها الع ا ّم ،وتك ّون ميزان ا ً عا ّم ا ً لقي اس األ ّدل ة
يظن الباحث كونها مؤ ّشراً نحو ه دف الس ورة؛ وذل ك من خالل دراس ة األخرى التي قد ّ
مالءمتها لبيئة النزول من عدمها ،ﻓﺎلسوﺭ الم ّكيّة ﺗﺮ ّﻛﺰ ﻋﻠﻰ موضوعات العقيدة (ﺍﻹيماﻥ
ب اﻪﻠﻟ ،ﺍﻹيم اﻥ بالرس اﻻﺕ ﺍﻟﺴـﻤﺎﻭيّة ،ﺍﻹيم اﻥ ب البعث ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩ) ،وال دعوة ﺇﻟﻰ ﺃ ّمه اﺕ
ﺍﻷخالﻕ؛ ﻭﻣﻦ ثَ ّم ،ﻓﺈﻥ كانت السورة م ّكيّة ،فلن تخلو -ﻏﺎﻟﺒﺎً -ﻣﻦ أحد هذه الموضوعات.
والسور المدنيّة ﻏﺎﻟﺒـﺎ ً ما تستهدف بن اء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹس الم ّي ﻋﻠﻰ أس س ﺍﻹيم اﻥ والطاع ة
ﻭﺍﻟﺘﺸـﺮيعاﺕ التفصيليّة ﻓﻲ شؤﻭﻥ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ،ﻭحماية ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹسالم ّي ﻣﻦ األخطار
الداخليّة والخارجيّة؛ بكشف مخطّطات المنافقين والكفّار ،مضافا ً ﺇﻟﻰ ح ديثها ﻋﻦ ش ؤون
ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻤﺆمنين) ،وشؤون الدولة اإلسالميّة .فكون سورة (الكافرون) م ّكيّة،
يضعنا ﻓﻲ صورة المواجهة العقديّة التي ت ّمت بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك القرشيّة،
وحملت عنصر (البراء /البراءة) من عقيدة الشرك .وكون (سورة األنفال) -مثالً -مدنيّ ة،
يضعنا أمام صورة ما يحتاج إليه ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ المسلم ﻓـﻲ المدين ة ﻣﻦ حاج اﺕ تناس ب الدول ة
ورعاياه ا وتش ريعاتها الض ابطة ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻊ القس م األك بر منه ا ﻓﻲ ه ذه الس ورة ح ول
83 الحرب ،وما يتف ّرع عنها من الغنائم واألنفال واألسرى.1
ق إلى بيئة النزول اإلحاطة بـ«س بب النّ زول» ،فه و من وم ّما يساعد في تكوين نظرة أد ّ
ق لوقت نزول السورة -بدالً من التقسيم اإلجم ال ّي المرتك زجه ٍة يعين على تحديد زمن أد ّ
ي فترة زمنيّة من هاتين المرحلتين نزلتعلى المدن ّي والم ّك ّي فقط ،فيح ّدد في أ ّ
1راجع :آل موسى ،التدبّر الموضوع ّي في القرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.450
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
السورة ،-ومن جه ٍة أخرى يساعد على معرفة وجه نظم اآليات في السورة بالطريقة التي
أن سبب النّزول قد يكون للسورة بكامله ا أو لمق اطع معيّن ة منه ا،
نظمت فيها .وال يخفى ّ
فيختلف ربط سبب النّزول حينها بوجه النظم َوفق ه ذا االختالف .فس بب النّ زول لمقط ع
من السورة له داللة جزئيّة تربط وجه نظم ه ذه المجموع ة من اآلي ات بم ا س بقها أو م ا
تالها على نحو ك ون األحك ام أو الوق ائع واألح داث ال واردة في ه ذه اآلي ات ص غريات
لكليّات سابقة في السورة أو أمثلة تق ّرب إلى الذهن مضامين ومقاصد الس ورة إلخ ،...أ ّم ا
سبب نزول السورة بكاملها فه و أق رب وأد ّل على مقص ود الس ورة ومحوره ا الع ا ّم من
ذلك الذي لمقاطع من السورة.
.3خصائص السورة وفضائلها :قد يشير بعض خصائص السورة وفض ائلها ال واردة في
الروايات إلى معا ٍن ومعلومات تفيد الباحث في تحديد موضوع السورة أو محورها العا ّم.
والمثال على ذلك ،ما ورد عن الن ب ّي(ص لى هللا علي ه وآل ه) واإلم ام الص ادق(ص لى هللا
عليه وآله) في فضل سورة النّصر ،فقد روي عن الن ب ّي(ص لى هللا علي ه وآل ه) أنّ ه ق ال:
«من قرأ هذه السورة ُأعطي ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ من األجر كمن شهد ﻣﻊ النب ّي(صلى هللا علي ه وآل ه)
يوم ﻓﺘﺢ م ّكة ،ومن قرأها في صالة وصلّى بها الحمد ،قبلت منه ص الته أحس ن قب ول».1
تح﴾ ﻭﺭﻭﻱ ﻋـﻦ ﺍﻹماﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ( عليه السالم) أنّه قالَ « :م ْن قَ َرَأ ﴿ِإ َذا َجا َء نَص ُر ٱهَّلل ِ َوٱلفَ ُ
ق، يع َأ ْعدَاِئ ِهَ ،و َجا َء يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة َو َم َع هُ ِكتَ ابٌ يَ ْن ِط ُ
َص َرهُ هللاُ َعلَى َج ِم ِ يض ٍة ،ن َ فِي نَافِلَ ٍة َأوْ فَ ِر َ
84
ير َجهَنَّ َم ،فَالَارَ ،و ِم ْن َزفِ ِ ان ِم ْن جسر َجهَنَّ َم َو ِمنَ النَّ ِ ف قَب ِْر ِه ،فِي ِه َأ َم ٌقَ ْد َأ ْخ َر َجهُ هللاُ ِم ْن َجوْ ِ
يَ ُمرُّ َعلَى َش ْي ٍء يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة ِإالَّ بَ َّش َرهُ َوَأ ْخبَ َرهُ بِ ُك ِّل َخ ْي ٍر َحتَّى يَ ْد ُخ َل ْال َجنَّةََ ،ويُ ْفتَ ُح لَ هُ فِي
ب ْالخَ ي ِْر َما لَ ْم يَتَ َم َّن َولَ ْم يَ ْخطُرْ َعلَى قَ ْلبِ ِه».2ال ُّد ْنيَا ِم ْن َأ ْسبَا ِ
1السيد هاشم البحراني ،البرهان في تفسير القرآن ،مصدر سابق ،ج ،5ص.783
2الصدوق ،الشيخ محمد بن علي بن بابويه ،ثواب األعمال ،تقديم :السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان ،منشورات
الشريف الرضي ،إيران -قم المشرّفة1368 ،ه.ش ،ط ،2ج ،1ص.155
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ﻭهذه ﺍﻷحاديث ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍلسوﺭﺓ تتفاﻋﻞ مع مجموعة ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎئق ﺍﻟﺘﻲ حفّت ﺍﻟﻨصّ
ﺃﻥ جملة «ﻣﻦ ﻗﺮﺃ هذﻩ ﺍلسوﺭﺓ ﺃُعطي ﻣﻦ ﺍلقران ّي ،ﺃﻭ انتظمت ضمن آياته .ﻭﻣﻦ ﺫلكّ :
ﺍﻷﺟﺮ كمن شهد ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺒ ّﻲ(صلى هللا عليه وآله) ﻳﻮﻡ ﻓﺘﺢ م ّكة» ،تشير -ﺑﺪﻻﻟﺔ خفيّة
ضمنيّة -ﺇﻟﻰ ﻇﺮﻑ حصوﻝ هذﻩ ﺍلسوﺭﺓ ،ﻭﺃنّها عند ﻓﺘﺢ م ّكة ﺍﻟﻤﻜﺮمة ،ﻭﻣﻦ ﺛَﻢ كاﻥ ﻓﻀﻞ
ﻣﻦ ﻗﺮﺃﻫﺎ كمن شهد مع ﺍﻟﻨﺒ ّﻲ(صلى هللا عليه وآله) يوم ﻓﺘﺢ م ّكة ،ﻻ ﻓﺘﺢ ﺍلطاﺋﻒ ﺃﻭ
ﻏﻴﺮﻫﺎ...
تح﴾ ﻓﻲ ناﻓﻠﺔ ﺃﻭ ﻓﺮيضة نصرﻩ هللﺍ ﻋﻠﻰ وكذلك جملة «ﻣﻦ ﻗﺮﺃ ﴿ِإ َذا َجا َء نَص ُر ٱهَّلل ِ َوٱلفَ ُ
جميع ﺃعدائه ،ﻭجاء ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎمة ﻭمعه كتاﺏ ينطق» ،تشير ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺼـﺮ ﺍلظاﻓﺮ ﺍلذﻱ تحقّق
بفتح م ّكة ،ﻭيع ّمم ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻻنتصاﺭ ﺇﻟﻰ ﺍلدنيا حيث النّصر ﻋﻠﻰ ﺍﻷعدﺍﺀ ،ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ حيث
يربح في ساحة ﺍﻟﻤﺤﺸﺮ ،ﻭينعم بالجنة ،ﻭقد شهد ﻟﻪ كتابه ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ.1
يش ّكل ما م ّر من النّظر في األمور العا ّمة ح ول الس ورة -على أهميّت ه -ممهّ داً للنّظ ر في
نصّ السورة ،حيث يتر ّكز البحث األساس الستخراج محور الس ورة وموض وعها الع ا ّم.
والنّظر في نصّ السورة وموضوعاتها الجزئيّة يحتاج -بنظر فريق أساس ّي من الب احثين-
85 إلى استعمال علم المناسبة2؛ وذلك بغية اكتشاف الروابط الفرعيّة بين اآليات؛ لم ا يش ّكله
من خطوة كبيرة تجاه تحديد محور السورة أو هدفها .وه ذه الموض وعات الجزئيّ ة تنتظم
خاص ة داخ ل الس ورة ترتب ط ب المحور الع ا ّم للس ورة ،وهن ا ي أتي دور علمّ في مح اور
المناسبة الكتشاف تناسب اآليات داخل المحور الخاصّ مع بعضها ،وم ع ه دف المح ور
الخاصّ نفسه ،ث ّم التناسب بين المحاور الخاصّة وبينها
1راجع :آل موسى ،التدبّر الموضوع ّي في القرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.446
2بينما يرى فريق آخر على رأسه البقاع ّي ّ
أن معرفة مقصود السورة ج زء من علم المناس بة وأداة من أدوات ه .راج ع:
البقاع ّي ،إبراهيم بن عمر ،مصاعد النظر لإلش راف على مقاص د الس ور ،تحقي ق :ال دكتور عب د الس ميع محم د أحم د
حسنين ،مكتبة المعارف ،السعودية -الرياض1408 ،هـ.ق 1987 -م ،ط ،1ج ،1ص.149
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
وبين المح ور الع ا ّم ،مض افا ً إلى بعض التناس بات االس تطراديّة ال تي تس اعد في إكم ال
صورة النظم العا ّم للسورة ،كالتناسب بين مطلع السورة وختامها .وبنا ًء على هذا المنهج،
يستلزم البحث في موضوع السورة من الباحث تقسيم ﺍلسوﺭﺓ ﺇﻟﻰ محاﻭﺭ خاصّة تتن اﻭﻟﻪ،
ّ
الخاص ة يس تلزم تقس يم ﺍلس وﺭﺓ ﺇﻟﻰ مق اطع ،بغي ة ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ المنطق ّي واكتشاف المح اور
ﻟﻶياﺕ ،ﻭتسهيل العمليّة الدراسيّة ،حيث يوضع ﻓﻲ ﻛﻞ مقطع ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺘﻲ تجتمع ﻓﻲ
ﻓﻜﺮﺓ ﻭجاﻧﺐ ﻭﺍحد ،ث ّم تت ّم عمليّة ﺍﻟﺮﺑﻂ بين ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﻭﺍﻵياﺕ ،فتربط المقاطع بهدف
ﺍلسّوﺭﺓ ،ﻭباﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ،ﻭتربط ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ببعضها ،وﺁياﺕ ﺍلمحوﺭ ﺍلوﺍﺣﺪ
ببعضها.1
.5محاولة استخالص الرابط أو النّظم العا ّم أو المحور العا ّم الذي يجمع بين المقاطع.
.6استخالص غرض السورة (لمن يقول بوج وده وراء المح ور الع ا ّم للس ورة) ،ورب ط
هذا الغرض بأغراض القرآن الكريم األساس ،وهي الهداي ة والرحم ة ب المؤمنين ،ورف ع
االختالف والموعظة.2
1راجع :آل موسى ،التدبّر الموضوع ّي في القرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.470
ٰ
ب لَهُ ُم ٱلَّ ِذي ٱخۡتَلَفُ ْ
وا ﴿و َم ٓا َأن َز ۡلنَ ا َعلَيۡ َ
ك ٱلۡ ِكتَ َ ﴿ ٰهَ َذا بَيَ ٞان لِّلنَّ ِ
اس َوه ُٗدى َو َموۡ ِعظَ ٞة لِّ ۡل ُمتَّقِينَ ﴾ سورة آل عمران ،اآلي ة َ ،138 2
فِي ِه َوه ُٗدى َو َرحۡ َم ٗة لِّقَ ۡو ٖم يُؤۡ ِمنُونَ ﴾ سورة النحل ،اآلية .64
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
-المعلوم ات العا ّم ة ح ول الس ورة (من خارجه ا) ال تي يمكن أن تعين الب احث على
استخالص محورها العا ّم هي :اسم السورة ،سبب النزول ،بيئة ال نزول ،ت اريخ ال نزول،
خصائص السورة وفضائلها.
-يحت اج النظ ر ال داخل ّي في الس ورة ض من أش ياء أخ رى إلى اس تعمال علم المناس بة،
واكتش اف المح اور الجزئيّ ة للس ورة ،ورب ط ه ذه المح اور بالمقص د أو المح ور الع ا ّم
للسورة.
.1هل يمكن االرتكاز على اسم الس ورة في تحدي د محوره ا الع ا ّم أو مقص دها م ع العلم
بعدم توقيفيّة تلك األسماء؟ لماذا؟
.2ﻟدينا ﺳﻮﺭ ﻧﺰلت ﺃﺟﺰﺍﺅﻫﺎ ﻓﻲ ﺃكثر ﻣﻦ حدث ،ﻭبعضها ﻧﺰﻝ ﻣﺮتين ،فكيف يمكن
األخذ بسبب النزول كممهّد؟
87
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
88
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الدرس السابع :نموذج تطبيق ّي للتفسير الموضوع ّي للسورة (المحور العا ّم
ضحى)
لسورة ال ّ
على المتعلّم ،في نهاية الدرس ،أن:
89
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
90
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
1
ضحى
صة في سورة ال ّ
المحور العا ّم والمحاور الخا ّ
سـ َج ٰى َ ٢مــا َو َّد َعــكَ يل ِإ َذا َ
ٱلض َح ٰى َ ١وٱلَّ ِ
﴿و ُّيقوﻝ ﻪﻠﻟﺍ -تباﺭﻙ ﻭتعاﻟﻰ -ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻀﺤﻰَ :
َرضــ ٰى َ ٥ألَم عطيــ َك َر ُّب َك فَت َ
ســوفَ يُ ِ ــرةُ َخــ ٞير لَّ َك ِمنَ ٱُألولَ ٰى َ ٤ولَ َ ألخ ََر ُّبكَ َو َمــا قَلَ ٰى َ ٣ولَ ِ
ضااّٗل فَ َهد َٰى َ ٧و َو َجدَكَ عَاِئاٗل فََأغنَ ٰى ٨فََأ َّما ٱليَتِي َم فَاَل تَق َهــر يما َٔفَ َ
او ٰى َ ٦و َو َج َد َك َ يَ ِجد َك يَتِ ٗ
ساِئ َل فَاَل تَن َهرـ َ ١٠وَأ َّما بِنِع َم ِة َربِّكَ فَ َحدِّث﴾.َ ٩وَأ َّما ٱل َّ
ّ
الخاص ة ،يواجهن ا عندما نقرأ هذه السورة به دف استكش اف محوره ا الع ا ّم ومحاوره ا
احتم االن؛ ﻗﺪ يك وﻥ مح وﺭﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ ه و :التغيّ ر ،أو التغيّ ر ﺍﻟﺬﻱ حص ل ﻓﻲ حي اﺓ
ﺍﻟﺮسوﻝ(صلى هللا عليه وآله) بانقطاﻉ ﺍﻟﻮحي.
ﻭﻟﻮ ﺃخذنا ﺍﻷ ّﻭﻝ (التغيّر) ﺑﻮصفه ﺍلمحوﺭ ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ للسوﺭﺓ ،فسنجد ﺃﻥ لهذا المحوﺭ ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ
محوﺭﻳﻦ خاصيّن ،ﻫﻤﺎ :ﺃﻧﻮﺍﻉ التغيّر ،ﻭالدوﺭ تجاﻩ التغيّر ﺍﻻجتماﻋ ّﻲ.
في المحور الخاص األ ّول (أنواع التغيّر) ،ذكرﺕ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ثالثة ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ التغيّر:
1راجع :آل موسى ،التدبّر الموضوع ّي في القرآن الكريم ،مصدر سابق ،ص.470 - 466
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ﻭﺍﻟﻮﺍﻗـﻊ ﺍﻟﺘﻜﻮين ّي ال جمود فيه ،ﻓﺎﻟﻀﺤﻰ ﺍﻟﻮضّاﺀ ﺍﻟﻤـﺰﺩﺍﻥ باﻟﺤﺮكة ﻭﺍلحيويّة ﻭﺍﻟﻨﺸـﺎﻁ،
يتلوﻩ ﻟﻴـﻞ مظلم يتم ّدد ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺴـﻜﻮﻥ ﻭﺍلخدﺭ ﻭﺍلنوﻡ ﻭﺍﻟﺮﺍحة .ﻭه ذﺍ ﺍللي ل ﺍﻟﺴـﺎﻛﻦ ﻻ يبعث
على ﺍلحزﻥ ﻭﺍﻟﻴﺄﺱ ،ﻓﺴـﻮﻑ يعقب ه ﻋﻮﺩﺓ ﻟﻠﻀﺤﻰ بحيويت ه ونش اطه م رّﺓ ﺃﺧﺮى .ﻭتل ك
ﺍلحيويّة ﻭما ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ جهد ﻭضجيج يقترنان باﻟﻨﻬﺎﺭ لن تكون مدعاةً لالضطراب والقلق؛
ﻷنّها ستزﻭﻝ بمجيء ﻟﻴﻞ يحمل الهدﻭﺀ ﻭﺍﻟﺮﺍحة ﻟﻺنساﻥ ،ﻭهكذﺍ ﺩﻭﺍليك...
ﻓﺎﻵيتان قَ َسمان :ﺃ ّﻭﻟﻬﻤﺎ باﻟﻨﻬـﺎﺭ ﻭالنوﺭ ،ﻭثانيهما :باﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍلظلمة ،ﻭﻫﻤﺎ يناسباﻥ محتوى
ﺍلسوﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱّ ،فالنّهار مثل نزول الوحي على قلب النب ّي(صلى هللا عليه وآله) ،والليل
كانقطاع الوحي المؤقّت.
ﻭﺫﺍﻙ ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮين ّي ﺍلذﻱ نقرﺅﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍلطبيعة ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،ﻫﻮ مق ّدمة ﻟﻠﻨﻔﺎﺫ ﺇﻟﻰ
بأﻥ ﺣﺮكة ﺍﻟﻮحي قد ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيع ّي ،ﻭﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﺮسوﻝ ﺍﻷﻛﺮﻡ(صلى هللا عليه وآله) ّ
يتخلّله ا ﺍنقط اع ﺟﺰئ ّي ،وذاك االنقط اع ليس دلي ل مقت من هللا المحبّ ال رحيم ،وليس
للش مس ﺍﻟﺬﻱ س يعقبه ﺑﺰﻭﻍ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺍﻟﻤﺸﺮﻕ انقطاعا ً دائماً ،وإنّما ه و كالغي اب الم ؤقّت ّ
﴿ َما َو َّد َع َك َربُّكَ َو َما قَلَ ٰى﴾.
92
ﻭﻻ يقتصر التغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيع ّي ﻋﻠـﻰ ﺍنقطاﻉ ﺍﻟﻮحي ،ﺑﻞ يشمل تغيّر ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ﺍلدنيا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﺍﻵﺧﺮﺓ ،ﻭتبدﻝ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ تشريع ﻭﻓﻌﻞ ،ﺇﻟﻰ ﻋﺎلم ﺭﺿﻮﺍﻥ ﻭﺟﺰﺍﺀ .ﻭﺍنتقاﻝ
ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى هللا عليه وآله) من هذه ال ّدنيا الفانية سيكون تغيّراً نحو األفضل ،حيث
ـرةُ َخـ ٞير لَّكَ ِمنَ ٱُألولَ ٰى َ ٤ولَ َ
س ـوفَ يُع ِطي ـ َك َربُّكَ وعده ربّه أن ينال حتّى يرضىَ :
﴿ولَ ِ
ألخـ َ
فَت َ
َرض ٰى﴾.
ﻭث ّمة ﻧﻮﻉ ثالث ﻣﻦ ﺍلتغيّر ﻫﻮ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋ ّﻲ؛ ﺇﺫ تتغيّر ﺍلصوﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ
(ﻓﺮﺩ /جماعة) وال تستق ّر ﻋﻠﻰ حاﻝ ،ﻭﻗﺪ حصل هذﺍ ﺍلتغيّر ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍلشخصيّة
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ضااّٗل فَ َهد َٰى ٧ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺒ ّﻲ ﺍﻷﻛﺮﻡ(صلى هللا عليه وآله) ﴿َألَم يَ ِجد َك يَتِ ٗيما فََٔا َو ٰى َ ٦و َو َج َد َك َ
َو َو َجدَكَ عَاِئاٗل فََأغنَ ٰى﴾ ،كما يحصل ﻓـﻲ حي اﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ،ففيهم ﺍلي تيم ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﴿فََأ َّما ٱليَتِي َم فَاَل
تَق َهر َ ٩وَأ َّما ٱل َّ
ساِئ َل فَاَل تَن َهر﴾ـ.
ﻭﺍلمحوﺭ ﺍﻟﺨﺎصّ ﺍﻟﺜﺎني ﻓﻲ ﺍلتغيّر هو :ﺍلدﻭﺭ تجاﻩ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋـ ّﻲ ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ،
ٱلسـاِئ َل فَاَل تَن َهــر َ ١٠وَأ َّما
التي ﻗﺎلت ﻋﻨﻪ ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﻜﺮيم ة﴿ :فََأ َّما ٱليَتِي َم فَاَل تَق َهــر َ ٩وَأ َّما َّ
بِنِع َم ِة َربِّكَ فَ َحدِّث﴾.
ﻭﺍﻵيتاﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﻥ ﻫﻨﺎ تتح ّدثاﻥ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى هللا عليه وآله) ﻭقد ﺃمرﻩ هللﺍ ﺃاّل
ﻱ ﺍل ذﻱ ﺍفتق دﻩ ﺑﻮﻓﺎﺓ ﻭﺍل دﻩ ،ﻭﺃاّل ينه ر ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﺍل ذﻱ
يقهر ﺍليتيم ﺍﻟﻤﺤﺘـﺎﺝ إلى الحنان ﺍﻷﺑﻮ ّ
غصّته ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ،ﻭﺃﻟﺠﺄته ﺍﻟﻔﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻭجعلته يسألهم بعض حاجيّاته.
ﻭﺍﻵية ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ هذﻩ ﺍﻵياﺕ (ﺍﻷخيرﺓ ﻓﻲ ﺍلسوﺭﺓ) ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى هللا
عليه وآله) تجاﻩ ﺍلتغيّر الشخص ّي ﺍل ذﻱ حص ل ﻓﻲ حيات ه ،حيث تغيّ ر ﺍلي تيم ﺇﻟﻰ ﺇي وﺍﺀ،
ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ ﺇﻟﻰ هدى ،ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻨﻰ .ﻭيكمن ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻨﺒ ّﻲ(صلى هللا عليه وآله) تجاﻩ هذﻩ
ﺍلتغيّرﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼثة ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺮﺕ ﻓـﻲ حياته ﻓﻲ شكر تلك ﺍلنعم ﺍﻹلهيّة المسبَغة ﻋﻠﻴﻪ ،ﻭﺍلتح ّدﺙ
بفضل هَّللا ﻋﻠﻴﻪ ﴿َ وَأ َّما بِنِع َم ِة َربِّكَ فَ َحدِّث﴾.
93
العالقة بين محاور السورة
ﻭﻓﻲ سعينا ﻻكتشاﻑ محوﺭ ﺍلسوﺭﺓ ،ينبغي ﺃﻥ نكتشف ﺍﻵتي:
الخاص:
ّ أ ّوالً :تناسب اآليات داخل المحور
ﻓﺎﻵياﺕ ﺩﺍﺧﻞ سياﺝ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺫﺍﺕ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻮﺍشجيّة متالحمة ،ﻓﺂياﺕ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻷ ّوﻝ:
ﻛﻞ مجموﻋﺔ منها ﺫﻛﺮﺕ ﻧﻮﻋﺎ ً ﻣﻦ ﺍلتغيّر ،ﺑﻞ ﻭﺍﻵياﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍلنوﻉ ﺍلوﺍﺣﺪ -ﻭﻫﻮ محطّ
ﺍﻟﺸﺎهد -متالحمة ،ﻓﺎلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮين ّي نفسه تح ّدثت ﻋﻨﻪ ﺍﻵيتاﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﻥ ﻟﺒﻴﺎﻥ انتقاﻝ
ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﻞ ،ﻭهكذا...
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الخاص:
ّ ثانياً :تناسب اآليات مع المحور
ﻭﺍﻵياﺕ ﻓـﻲ ﺍﻟﻤﺤـﻮﺭ ﺍﻟﻮﺍحد (ﺍﻟﺨـﺎصّ /ﺍﻟﺘﻔﺮيع ّي) ليست ﺭكاما ً متناثرﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼحظاﺕ
ﺍﻟﺠﺰئيّة ،ﺑﻞ بينها خيط ناظم يجعل آيات المقطع الواحد ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﻓﻜﺮﺓ جامعة ،ﻓﻤﺤـﻮﺭ
(ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلتغيّر) ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺁيتيه ﺍﻷﻭﻟﻴﻴﻦ ( )2 - 1ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮين ّي ،حيث ينتقل ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺇﻟﻰ
ﻟﻴﻞ ساج ،ﻭﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻘﺒﺘﻬﺎ ( )5 - 3تح ّدثت ﻋﻦ ﻧﻮﻉ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍلتغيّر ﻫﻮ
التغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيع ّي ،ﻭﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻘﺒﺘﻬـﺎ ( )8 - 6ﺫﻛﺮﺕ التغيّر ﺍﻻجتماﻋ ّﻲ ﻓﻲ
حياﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ بعدﻫﺎ ( )10 - 9ﺫﻛﺮﺕ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋ ّﻲ ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻭهكذﺍ
ننفذ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﺜﺎني ﻭﺁياته؛ ﺃﻱ ما يتناﻭﻝ (ﺍلدﻭﺭ اتجاﻩ ﺍلتغيّر االجتماع ّي).
ﻭﺍﻟﻤﺤـﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ﻓﻲ ﺍلسوﺭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁنيّة بينها تكامل ،ﻭﻓﻲ سوﺭﺓ ﺍﻟﻀﺤﻰ تكلّم ﺃﺣﺪﻫﺎ ﻋﻦ
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلتغيّر ،ﻭﺍﻟﺜﺎني ﺣﻮﻝ ﺍلدور ﺍلمطلوﺏ تجاﻫﻪ.
ﻭبهذﺍ تكوﻥ ﺍﻵياﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺴـﻮﺭﺓ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌـﺎ ّﻡ ،ﻭﺇنّما تأﺧﺬ مكانها ﻓﻲ محوﺭﻫﺎ
ﻖ ﻣﻦ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎ ّﻡ ،كما تأخذ النافذة ﻭﺍﻟﺒﺎﺏ ،ﻭﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ،ﻭ ...مكانها ﺍﻟﺨﺎﺹّ ﺍﻟﻤﺸﺘ ّ
ﻓـﻲ ﺍلغرﻓﺔ ،ﺛ ّﻢ تأﺧﺬ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ مكانها ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨـﺰﻝ ،حيث تجاﻭﺭﻫﺎ ﻏﺮﻑ ﺃﺧﺮى ﻭﻏﻴﺮ ﺫلك،
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ تنشأ ﺍﻟﻬﻮيّة ﺍﻟﻌﺎ ّمة ﺍلمعبّرﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻞ.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
استلزم اكتشاف المحور العام تقسيم السورة إلى محاور خاصة تتناوله ،واستلزم اكتش اف
المحاور الخاص ة تقس يم الس ورة إلى مق اطع ،بغي ة التفص يل المنطقي لآلي ات ،وتس هيل
حيث وضع في كل مقطع اآليات التي تجتم ع في فك رة وج انب واح د، ُ العملية الدراسية،
ثّم تمت عملية الربط بين المح اور واآلي ات ،ف رُبطت المق اطع به دف الس ورة ،وربطت
المقاطع بالمحور العام ،وربطت المقاطع بالمحاور الخاصة ،وربطت المح اور الخاص ة
ببعضها ،وربطت آيات المحور الواحد ببعضها.
اخ تر س ورة من الق رآن الك ريم وح اول تط بيق خط وات التفس ير الموض وعي للس ورة
ّ
الخاص ة والعالق ة بينه ا كم ا ظه ر في التط بيق على الكتشاف المحور الع ام والمح اور
سورة الضحى.
95
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
96
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الفصل الثالث
مناهج التفسير الموضوع ّـي
منهج التفسير الموضوع ّـي للموضوع القرآن ّي
97
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
98
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
99
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
100
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تمهيد
ّ
إن التفسير الموضوع ّي للموضوع الق رآن ّي ه و المتب ادر عن د اإلطالق (وع دم ذك ر قي د
يعيّن نوع التفسير الموضوع ّي المقصود) من أنواع التفسير الموضوع ّي ،وهذا ق د ّ
يفس ر
إعراض بعض الباحثين ،كالشهيد الصدر في كت اب «المدرس ة القرآنيّ ة» ،عن التع رّض
لألقسام األخرى التي ذكرت للتفسير الموضوع ّي ،وإخراج بعضهم اآلخ ر لمث ل التفس ير
الموضوع ّي للسورة القرآنيّة من أقسام التفسير الموضوع ّي.
وقد م ّر معنا في درس «الدراسات الموضوعيّة في العص ر الح ديث وأثره ا على تط ّور
منهج التفسير الموضوع ّي» استعراض إجمال ّي ألب رز مع الم منهج التفس ير الموض وع ّي
للموض وع الق رآن ّي ،وس نتناول في ه ذا ال درس بالتفص يل م ا تناولن اه هن اك باإلجم ال،
ي في موض وع ونع رض لنم وذج مع ّدل من الخط وات المطلوب ة إلنج از بحث تفس ير ّ
قرآن ّي ،وقبل ذلك ال ب ّد من عرض المبدأ التصديق ّي الذي تقوم عليه الدراسة الموض وعيّة
للموضوع القرآن ّي وهو الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم.
الوحدة الموضوعيّة
101
أوض حنا س ابقاً ،وفي ال دروس األولى من ه ذا المتن ،المب ادئ التص ّوريّة للتفس ير
الموضوع ّي ،واآلن نشرع في بيان المبدأ التصديق ّي الذي يُبنى عليه التفسير الموض وع ّي
للموضوع القرآن ّي ،أال وه و الوح دة الموض وعيّة للق رآن الك ريم .ومن دون إثب ات ه ذا
المبدأ أو التسليم بصحّته ال يمكن للمفسّر البن اء على النت ائج ال تي يستخلص ها من النظ ر
الموضوع ّي في القرآن الكريم كما سيتّضح.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
إن الموضوع الواحد ن ادراً م ا يس توفى .1ذكر الموضوع غير تا ّم في السورة الواحدةّ :
في السورة الواحدة ،فلو لم توجد وحدة موضوعيّة لما أمكن التدبّر والعمل بما يرش د إلي ه
القرآن في الموضوعات التي يطرحها ،وهذا ال ينسجم مع األم ر بالعم ل ب القرآن الك ريم
في القرآن نفسه وفي السنّة الشريفة ،ويعارض كونه كتاب هداية.
102 .2االســتفادة من القــرآن الكــريم أنّ آياتــه نــاظرة إلى بعضــها :لق د اس تفاد العاّل م ة
الطباطبائ ّي وكذلك العاّل مة جوادي اآلمل ّي من مفه وم كلم ة «مث اني» في قول ه -تع الى:-
ث ِك ٰتَ ٗبا ُّمتَ ٰ َ
شبِ ٗها ٱلح ِدي ِ ﴿ٱهَّلل ُ نَ َّز َل َأح َ
سنَ َ
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
والمثاني جمع مثنية ،اسم مفعول من الثني بمعنى اللّ وي والعط ف واإلع ادة ،كم ا ق ال -
ّ
يوض ح ح ال ألن بعض ها تعالى﴿ :-يَثنُونَ ُ
صدُو َرهُم﴾ ،2وس ّميت اآلي ات القرآنيّ ة مث اني؛ ّ
بعضها اآلخر ويلوي وينعطف عليه ،كما يش عر ب ه قول ه كتاب ا ً ﴿ ُّمت ٰ َ
َش ـبِ ٗها َّمثَــانِ َي﴾ ،حيث
جمع بين كون الكتاب متشابها ً يشبه بعض آياته بعضا ً وبين كون آياته مثاني.3
.3استفادة ذلك من الروايات الشريفة :يستفاد من بعض الروايات نظر آيات القرآن إلى
بعضها م ّما يشير إلى ارتباطها موضوعيّاً ،فعن اإلمام أمير المؤمنين( علي ه الس الم) أنّ ه
ْض ،ويَ ْش هَ ُد صرُونَ بِه ،وتَ ْن ِطقُونَ بِه ،وتَ ْس َمعُونَ بِه ،ويَ ْن ِط ُ
ق بَ ْعضُه بِبَع ٍ قالِ « :كتَابُ هللا تُ ْب ِ
بَ ْعضُه َعلَى بَع ٍ
ْض. »...
4
يق وم منهج التفس ير الموض وع ّي في موض وع ق رآن ّي -بع د اختي ار الموض وع -على
103 استقراء اآليات والمعاني -المستخدمة في القرآن الكريم -المرتبطة بالموض وع المخت ار،
ولكن في النصّ الق رآن ّي عقب ات تح ول دون ذل ك وعناص ر معين ة تس اعد علي ه ،وعلى
الباحث تخطّي األولى واالستعانة بالثانية ،وسنناقش ذلك ضمن النقاط اآلتية:
.1ألفاظ البحث :لقد استخدم القرآن الكريم اللغة العربيّة ﴿ ِك ٰتَ ٞب فُ ِّ
صلَت َءا ٰيَتُهُۥ قُر َءانًا َع َربِ ٗيّا
لكن أسلوبه الخاصّ وتط ّور اللّغة في م ّدة أربعة عشر قرن ا ً يح والن بين لِّقَ ٖ
وم يَعلَ ُمونَ ﴾ّ ،6
الب احث وط رح الموض وع على الق رآن الك ريم للبحث بص يغته البدويّ ة؛ وذل ك ّ
ألن
المصطلح القرآن ّي بالمضمون نفسه لموضوع الباحث قد يختلف
-الكلمات القريبة في المعنى (أو المرادفة)؛ ليكون بحثه عن اآليات شامالً لك ّل ما يحتمل
اتّصاله بالموضوع ،فال يكفي للب احث في موض وع (اإلنس ان) -مثالً -البحث في اآلي ات
التي تحت وي على لف ظ اإلنس ان فق ط ،ب ل علي ه االس تعانة بمرادفاته ا من الكلم ات ال تي
وردت في القرآن الكريم كـ(النّاس ،البشر ،بني آدم.)...
ّ
لتخطي ع ائق تط ّور اللّغ ة -اس تخراج بعض الكلم ات المفتاحيّ ة من النصّ الق رآن ّي؛
والمصطلحات الغربيّة والمستحدثة ،فالمصطلح المطروح ص نفان؛ ص نف يت داول الي وم
ويوجد في القرآن الكريم بالمعنى نفسه ،كلفظَي الحديد وال ّذهب ،1وه ذا يكفي في ه البحث
اللفظ ّي المصطلح ّي في المراح ل األولى من جم ع اآلي ات؛ وص نف يحت اج إلى التع ديل
المذكور ،كلفظ (المجتمع) مثالً ،ففي هذه الحالة يقوم الباحث باس تخراج كلم ة أو كلم ات
من القرآن الكريم توازي ه ذا المص طلح المس تحدث ،وفي المث ال الم ذكور تك ون ألف اظ
كـ(أ ّمة ،قرية ،قوم )...هي المر ّشحة لذلك.
-الكلمات المقابلة؛ فإنّها تساعد في جالء كثير من الصور لمفاهيم قرآنيّة ،ومثال ذلك:
104
ـاء ـاء َوَأنـ َز َل ِمنَ َّ
ٱلسـ َما ِء َمـ ٗ رض فِ ٰ َر ٗشـا َو َّ
ٱلسـ َما َء بِنَـ ٗ األرض /السماء﴿ :ٱلَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ُم ٱَأل َ
زقا لَّ ُكم فَاَل تَج َعلُو ْا هَّلِل ِ َأندَادٗ ا َوَأنتُم تَعلَ ُمونَ ﴾.2
ت ِر ٗ فََأ َ
خر َج بِ ِهۦ ِمنَ ٱلثَّ َم ٰ َر ِ
-التطبيقات القرآنيّة (المصاديق)؛ فإنّها مفيدة ج ّداً في الوصول إلى كلّيّات الق رآن الك ريم
واستجالء جوانبه ا الغامض ة ،فل و ك ان البحث الموض وع ّي في (الج زاء ال دنيو ّ
ي لألمم
إن دراس ة نم اذج ق وم ع اد وق وم ل وط وغيرهم ا من الكافرة في القرآن الك ريم) مثالً ،ف ّ
األقوام ،ستعين الباحث على استخراج السنن اإللهيّة في التعامل مع التكذيب والجحود من
اإلنسان أو المجتمع.
-مع اجم الموض وعات؛ فهي ت وفّر الجه د على الب احث في إيج اد اآلي ات المرتبط ة
بموضوع بحثه .وال يخفى أنّه يجب على الباحث عدم االقتص ار على العن وان المط روح
كموضوع لبحثه ،بل علي ه البحث تحت المف ردات األخ رى المرتبط ة بالموض وع بأح د
االرتباطات التي ذكرناها ،ومن المعاجم الموض وعيّة م ا أش رنا إلي ه س ابقا ً في ال دروس
األولى ،وهو تفصيل آيات القرآن الحكيم للمستشرق الفرنس ّي جول البوم.2
صلها الباحث من المعاجم الموضوعيّة ،غير ّ
أن وعلى الرغم من الفائدة الج ّمة التي قد يح ّ
105 ذلك يجب أن ال يدفعه إلى إهمال الروابط األخ رى بين اآلي ات ،وال تي ق د تك ون رواب ط
غير لفظيّة ،فيضيع قسم من اآليات التي قد يكون لها دور رئيس في توضيح نظر الق رآن
الكريم تجاه الموضوع المبحوث.
.2دراسة المفردة القرآنيّة:ـ يبدأ عصر االهتمام بدراس ة االس تعماالت القرآنيّ ة للمف ردة
ي عن د مقات ل بن س ليمان البلخ ّي (ت 150هـ) في كتاب ه القرآنيّة من القرن الثاني الهجر ّ
«قاموس القرآن» أو «إصالح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم» ،ويم ّر
ي (ت 320هـ) في بتط ّورات مه ّمة عبر علماء كثر وتصانيف ع ّدة ،منهم الحكيم الترم ذ ّ
«تحصيل نظائر القرآن» ،وليس آخرهم الراغب األصفهان ّي (ت 502هـ) في «المفردات
في غريب القرآن».
وفي العصر الحديث ،أبرز بعض الباحثين اهتمامهم بهذا النّوع من ال ّدراسات إلى درج ٍة
ع ّده من ض من أن واع التفس ير الموض وع ّي للق رآن الك ريم ،1تحت عن وان «التّفس ير
الموضوع ّي للمصطلح القرآن ّي».
وما يه ّم الباحث من الدراسة االستقرائيّة الستعمال المفردة القرآنيّ ة -بع د معرف ة المع نى
المختص ة -ه و أنّه ا تم ّكن من مالحظ ة التن ّوع ات الدالليّ ة الدقيق ة
ّ اللّغ وي من المع اجم
للمفردة القرآنيّة ،وتساعد على تكوين خلفيّة لدى الباحث حول الكلمات المفتاحيّة المحتملة
في موضوع بحثه ،وحول تن ّوع أساليب القرآن الكريم واس تعماله للمف ردات المناس بة في
إن المف ردات ذات الج ذر الواح د أو المع نى الج وهر ّ
ي التعبير عن المطالب المختلف ة؛ ف ّ
ّ
-المحص لة عن المشترك ،وإن عادت إلى أصل مشترك ،غير ّ
أن ه ذه الفروق ات الزائ دة
طري ق اس تقراء االس تعماالت القرآنيّ ة -ال يمكن تحص يلها من مج رّد مطالع ة المع اجم
صة باأللفاظ القرآنيّة ،مثل اللغويّة .ويستعين الباحث لتحصيل هذا الغرض بالمعاجم المخت ّ
«المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم» لمح ّمد فؤاد عب د الب اقي ،وب الكتب ال تي ع نيت
106 بالدراس ة ال ّدالليّ ة للمف ردة القرآنيّ ة ،مث ل كت اب ال راغب األص فهان ّي الم ذكور آنف ا ً
«المفردات في غريب القرآن».
1راج ع :مس لم ،مب احث في التّفس ير الموض وع ّي ،مص در س ابق ،ص23؛ الخال ديّ ،ص الح عب د الفتّ اح ،التفس ير
الموضوع ّي بين النّظرية والتطبيق ،دار النفائس ،األردن -عمان1433 ،هـ.ق 2012 -م ،ط ،3ص.59
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
.3استفادة نظر اآليات إلى بعضها وشهادتها على بعض من الروايات الشريفة.
108
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1يتعرّف إلى بقيّة معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآن ّي.
109
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
110
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ثانياً :تصنيف اآليات وترتيبها
عقب جمع اآليات والدراسة الدالليّة لها ،ال ب ّد من ف رز اآلي ات وتص نيفها َوف ق مح اور
وتصنيفات (سنشير إلى أه ّمها في ه ذه الفق رة)؛ ليس هل على الب احث اس تخالص النظ ر
إن ال ترتيب الموج ود في المص حف الش ريف ه و ال ترتيب الت وقيف ّي الكلّ ّي منها .وحيث ّ
المملى من قِبَ ل رس ول هللا(ص لى هللا علي ه وآل ه) ،س واء في ذل ك ت رتيب اآلي ات أو
المواضيع داخل اآلية الواحدة (لخدم ة غ رض الق رآن الك ريم وه و الهداي ة ،فتج د اآلي ة
إن الب احث الموض وع ّي الواحدة والسورة الواحدة تتناول العقائد واألخالق واألحك ام) ،ف ّ
عليه أن يحاول االستفادة من ثالثة أمور على األقلّ ،هي:
.1أسباب النّزول ومالبسات اآلية :ضرورة نظر الباحث الموضوع ّي في أسباب النّزول
ال تنبع من األضواء التي تلقيها على اآلية نفس ها -كمعرف ة الحكم ة الباعث ة على تش ريع
حكم أو فهم الع برة بش كل أفض ل في حادث ة رواه ا الق رآن الك ريم ،أو كتخص يص حكم
(فإن ذلك كلّه يرجع إلى فهم ال ّداللة الجزئيّة لآلي ات بقضيّة خارجيّة أو تعميمه إلى سواها ّ
وإيضاحها ،وال ميزة منهجيّة فيه للتفسير الموضوع ّي ،بل يقع في سياق مق ّدماته كما تق ع
سائر لواحق التفسير التجزيئ ّي) ،-بل من األضواء التي يمكن أن تلقيها على السياق الكلّ ّي
لآليات عبر فهم حركة تد ّرج نزول الوحي في موضوع ما باالستعانة -أيضاً -بما س يأتي
111 الكالم عنه في الترتيب النّزول ّي ،أو المساعدة في فهم عالق ة اآلي ات في م ا بينه ا ض من
إن معرف ة س بب النّ زول في مث ل قول ه -تع الى:- هذا السياق الكلّ ّي في القرآن الك ريم؛ ف ّ
سو ُل بَلِّغ َما ُأن ِز َل ِإلَيــكَ ِمن َّربِّ َك َوِإن لَّم تَف َعـل فَ َمــا بَلَّغتَ ِر َ
سـالَتَهُۥ َوٱهَّلل ُ يَ ِ
عصـ ُمكَ ﴿ ٰيََأيُّ َها ٱل َّر ُ
ِمنَ ٱلنَّا ِ
س ِإنَّ
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ٱهَّلل َ اَل يَه ِدي ٱلقَو َم ٱل ٰ َكفِ ِرينَ ﴾ 1يبني للباحث الخلفيّ ة التاريخيّ ة ح ول األج واء ال تي ك انت
موجودة عشيّة نزول آيات اإلمامة والخالفة على رسول هللا(صلى هللا عليه وآله) ،ويفسّر
خوف النب ّي(صلى هللا عليه وآله) المب ّرر على الرسالة من أثر تبليغ ه ذا األم ر الخط ير؛
وهذا كلّه يساعد في فهم أسلوب آيات اإلمامة وعدم تصريحها بأس ماء ُأولي األم ر ال ذين
فرضت طاعتهم وقرنتها بطاع ة رس ول هللا(ص لى هللا علي ه وآل ه) ﴿ ٰيََأيُّ َهــا ٱلَّ ِذينَ َءا َمنُــو ْا
سو َل َوُأ ْولِي ٱَألم ِر ِمن ُكم﴾.2
َأ ِطي ُعو ْا ٱهَّلل َ َوَأ ِطي ُعو ْا ٱل َّر ُ
إن تحديد تاريخ دقيق لنزول آية أو مجموعة آي ات له و .2الترتيب النّزولي (التاريخ ّي)ّ :
من عويصات العلم ،وال طريق يقين ّي إليه في م ا بين أي دينا من رواي ات ت أريخ النّ زول،
لكن اإللمام بتاريخ النّزول ،على الرغم من ذلك ،ول و إجم االً (بتمي يز الم ّك ّي عن الم دن ّي
ّ
مثالً) ،يعطي الب احث في موض وع ق رآن ّي أداة إض افيّة بين يدي ه تس اعده على ت رتيب
اآليات وتقديم بعضها على اآلخر في النتائج ،وال سيّما في آيات األحكام ،يقول الس يوط ّي
في هذا الصدد« :ومن فوائد معرفة ذلك العلم بالمت أ ّخر فيك ون ناس خا ً أو مخصّص ا ً على
رأي من يرى تأخير المخصّص».3
يضاف إلى م ا ذكرن اه من الفائ دة في مج ال آي ات األحك ام ،معرف ة الب احث للج ّو الع ا ّم
لنزول اآلية أو اآليات ،والحالة التي كان عليها المسلمون حينه ا من الظ روف الخارجيّ ة
112 والمرحل ة ال تي ك ان عليه ا ال ّدين في مراح ل تط ّور تبليغ ه ع بر نزول ه الت دريج ّي في
المجاالت المختلف ة؛ من عقائ د وش ريعة وأخالق وتوجيه ات خارجيّ ة تج اه العالق ة م ع
ّ
تحث المشركين وأهل الكتاب وغيرهم ،فالباحث في آيات الجهاد -مثالً -لن يجد آية م ّكيّ ة
أن الجهاد الدفاع ّي ُشرِّ ع في أوائل الهجرة الشريفة بقوله
عليه؛ ذلك ّ
-تعالىُ﴿ :-أ ِذنَ لِلَّ ِذينَ يُ ٰقَتَلُونَ بَِأنَّ ُهم ظُلِ ُمــو ْا َوِإنَّ ٱهَّلل َ َعلَ ٰى نَص ـ ِر ِهم لَقَ ـ ِدي ٌر﴾ ،1وكذلك المهت ّم
ألن م ا ُأن زل بم ّك ة ك ان في األع ّم األغلب يتعلّ ق بأس س عا ّم ة غ ير بتفاصيل الشريعة؛ ّ
مح ّددة الج وانب ،ك األمر باإلنف اق أو الزك اة أو اإلحس ان ،بينم ا ح ّددت مع الم ه ذه
التشريعات في المرحلة المدنيّة.2
.3الــترتيب الموضــوع ّي :يع ّد ال ترتيب الموض وع ّي لآلي ات الممهّ د ال رئيس في منهج
الموض وع الق رآن ّي الس تفادة نظ ر الق رآن الكلّ ّي .فعلى الب احث ت رتيب اآلي ات َوف ق
موضوعات جزئيّة لتسهيل مه ّمته ،فينظّمها -مثالً -ضمن مجموعة التعاريف أو المفاهيم،
ومجموعة األسباب ،ومجموع ة النت ائح إلخ ...وبع د ت رتيب اآلي ات موض وعيّا ً كمحطّ ة
تمهيديّة ،يحاول الباحث الخروج بنظام منطق ّي يجمع بين عالقاتها المختلفة دون تضارب
أو تنافر ،سوا ٌء في ذلك العالقات بين هذه اآليات المرتبطة بالموض وع ،أو العالق ات بين
كلٍّ من هذه اآليات مع اآليات األخرى في السورة ذاتها ض من إط ار المح ور الع ا ّم لك ّل
بالس ياق الكلّ ّي
ق ّ األقرب واألوف َ
َ سورة .وبهذه الطريقة يكون النّظام المنطق ّي المستنتج هو
لآليات المرتبطة بموضوع البحث.
والعالقة بين اآليات بعد ترتيبها -هذه العالقة التي تح ّدد طبيع ة النّظ ام المنطق ّي -تُتص ّور
على أنحا ٍء ،أه ّمها:
113
ب ِمن ـهُ َءا ٰيَ ٞت -المحكم والمتشــابه:ـ يق ول هللا -ع ّز وج لُّ ﴿ :-ه ـ َو ٱلَّ ِذي َأن ـ َز َل َعلَي ـ َك ٱل ِك ٰتَ َ
َشـبَهَ ِمنـهُزَيغ فَيَتَّبِ ُعــونَ َمـا ت ٰ َ
شبِ ٰ َه ٞـت فََأ َّما ٱلَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِهم ٞ ب َوُأ َخ ُر ُمتَ ٰ َ ُّمح َك ٰ َمتٌ هُنَّ ُأ ُّم ٱل ِك ٰتَ ِ
س ـ ُخونَ فِي ٱل ِع ِلم يَقُولُــونَ َءا َمنَّا ٱبتِ َغا َء ٱلفِتنَ ِة َوٱبتِ َغا َء تَأ ِويلِ ِهۦ َو َما يَعلَ ُم تَأ ِويلَهُۥ ِإاَّل ٱهَّلل ُ َوٱل ٰ َّر ِ
ب﴾.3 بِ ِهۦ ُك ّ ٞل ِّمن ِعن ِد َربِّنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر ِإاَّل ُأ ْولُو ْا ٱَألل ٰبَ ِ
قال الراغب األصفهان ّي« :المحكم ما ال يع رض في ه ش بهة من حيث اللف ظ وال من حيث
1
المعنى».
وقال« :والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ،إ ّم ا من حيث اللّف ظ أو من
حيث المعنى ،فقال الفقهاء :المتشابه ما ال ينبئ ظاهره عن مراده» .2والمثال على العالقة
بين اآليات المحكمة والمتشابهة إرجاع بعض آيات الصفات المتش ابهة ،كقول ه -تع الى:-
ق بسـوطَت ِ
َان يُنفِـ ُ ت ٱليَ ُهو ُد يَ ُد ٱهَّلل ِ َمغلُولَةٌ ُغلَّت َأيـ ِدي ِهم َولُ ِعنُـو ْا بِ َمـا قَـالُو ْاۘ بَـل يَـدَاهُ َم ُ
﴿ َوقَالَ ِ
شـيءَ ٞو ُهـ َو َّ
ٱلسـ ِمي ُع يس َك ِمثلِ ِهۦ ََكيفَ يَشَا ُء﴾ إلى اآلي ة المحكم ة في ص فاته -تع الى﴿ :-لَ َ 3
صي ُر﴾.4ٱلبَ ِ
ووظيفة الب احث الموض وع ّي (بم ا ه و موض وع ّي) -بع د ف رض جمع ه لجمي ع اآلي ات
المتعلّقة بالموضوع -ليست إرجاع المتشابه منها إلى المحكم وفهم ه على ض وء المحكم؛
فإن ذلك مق ّدمة ضروريّة خالل تفسيره التجزيئ ّي أو التحليلي لك ّل آية منها على ح دة وفي
ّ
سياقها الخاصّ ،بل تحديد موقعيّة ك ّل منها في السياق الكلّي للقرآن الك ريم ال ذي س تكون
فيه اآليات المتشابهة محكومة ألمومة اآليات المحكمة.
-الناسخ والمنسوخ :عرّف النسخ في االص طالح بأنّ ه« :رف ع أم ر ث ابت في الش ريعة
114 المق ّدسة بارتفاع أمده وزمان ه ،س واء أك ان ذل ك األم ر المرتف ع من األحك ام التكليفيّ ة أم
الوضعيّة ،وسواء أكان من المناصب اإللهيّة أم من غيرها من األمور التي ترج ع إلى هللا
أن الحكم المنس وخ المجع ول مقيّ ٌد تعالى بما أنّه شارع» .5والنسخ بهذا المعنى يؤول إلى ّ
بزمان خاصّ معلوم عند هللا ،فهو في الحقيقة تقييد إلطالق الحكم من حيث
فإن المصلحة قد تقتضي بيان الحكم على جهة العموم أو اإلطالق ،مع ّ
أن المراد الزمان؛ ّ
الواقع ّي هو الخاصّ أو المقيّد ،ويكون بيان التخصيص أو التقييد بدليل منفصل يكون ه و
المعبّر عن الناسخ.1
والنس خ به ذا المع نى ممكن قطع اً ،ويختصّ بالتش ريع ،س واء في األحك ام الوالئيّ ة أو
الشرعيّة .ومثال ه (آي ة النج وى) ال تي أم رت المس لمين ب دفع الص دقة قب ل لق اء رس ول
هللا(صلى هللا عليه وآله) ،قال -ع ّز وجلّٰ ﴿ :-يََأ ُّي َها ٱلَّ ِذينَ َءا َمنُو ْا ِإ َذا ٰنَ َجيتُ ُم ٱل َّر ُ
سو َل فَقَ ِّد ُمو ْا
ور َّر ِحي ٌم﴾ .2وبع د ص َدقَ ٗة ٰ َذلِ َك َخ ٞير لَّ ُكم َوَأط َه ُر فَِإن لَّم تَ ِجدُو ْا فَِإنَّ ٱهَّلل َ َغفُ ٞ جو ٰى ُكم َ بَينَ يَدَي نَ َ
أن انقط ع الص حابة كلّهم أو أغلبهم عن رس ول هللا(ص لى هللا علي ه وآل ه) خال أم ير
المؤمنين عل ّي بن أبي طالب( عليه السالم) نس خت حك َمه ا اآلي ةُ ال تي تلته ا ،فق ال -ع ّز
ٰ
ت فَـِإذ لَم تَف َعلُــو ْا َوتَـ َ
ـاب ٱهَّلل ُ َعلَي ُكم وجلَّ ﴿ :-ءَأشـفَقتُم َأن تُقَـ ِّد ُمو ْا بَينَ يَـدَي نَجـ َو ٰى ُكم َ
صـ َدقَ ٖ
سولَهُۥ َوٱهَّلل ُ َخبِي ُر بِ َما تَع َملُونَ ﴾.3 صلَ ٰوةَ َو َءاتُو ْا ٱل َّز َك ٰوةَ َوَأ ِطي ُعو ْا ٱهَّلل َ َو َر ُ
فََأقِي ُمو ْا ٱل َّ
والمع ّول في معرفة النّاسخ والمنسوخ ،بعد تحقّق نظر اآلية النّاسخة إلى إبطال حكم اآلية
المنسوخة ،هو الترتيب النزول ّي لآليتين ،كما سبقت اإلشارة إليه ،فال يمكن لآلية الم ّكيّة -
مثالً -نسخ حكم اآلية المدنيّة.
115 ي الع ا ّم اص طالحا ً في كتاب ه «المحص ول» بقول ه:والخاص :عرّف الفخر الراز ّ
ّ -العا ّم
المستغرق لجميع ما يصلح له بحس ب وض ع واح د؛ كقولن ا( :الرج ال)؛ فإنّ هِ ّ
«هو اللفظ
مستغرق لجميع ما يصلح له ،وال تدخل عليه النكرات؛ كقولهم :رج ل؛ ألنّ ه يص لح لك ّل
ألن لفظَي (رجالن ورج ال) واحد من رجال الدنيا وال يستغرقهم ،وال التثنية وال الجمع؛ ّ
يصلحان لك ّل اثنين وثالثة وال يفيدان االستغراق ،وال ألفاظ الع دد؛ كقولن ا :خمس ة؛ ألنّ ه
يصلح لك ّل خمسة وال يستغرقه .وقولنا :بح َسب وضع واحد،
راجع :السيد الخوئي ،البيان في تفسير القرآن ،مصدر سابق ،ص.280 1
وع ّرف الشهيد الصدر العموم في الحلقة الثالثة بأنّه« :االستيعاب المدلول عليه باللّف ظ».2
وقيّده بقوله (باللّفظ) ليخرج اإلطالق الشمول ّي الذي يفيد االستيعاب أيض اً ،ولكن بمعون ة
قرينة الحكمة.
و ُعرّف التخصيص بأنّه« :إخراج بعض األفراد عن شمول الحكم العا ّم بعد أن كان اللّفظ
في نفسه شامالً له لوال التخصيص».3
فإن الخاصّ يتق ّوم بعنصرين؛ اللّفظ ،وال ّداللة على االستثناء من حكم العم وم. وعلى هذاّ ،
س ـ ِهنَّصص في القرآن الكريم ،قوله -تعالىَ ﴿ :-وٱل ُمطَلَّ ٰقَتُ يَت ََربَّصــنَ بَِأنفُ ِ ومثال العا ّم المخ ّ
ٰ
ص وصُ فِي ْال َم ْد ُخ ِ
ول بِ ِه َّن، وم َ ،و ْال ُم َرا ُد بِ ِه ْال ُخ ُ «ال ُمطَلَّقَ ُ
ات لَ ْف ظُ ُع ُم ٍ فإن ْ وء﴾ّ ،4 ثَلَثَةَ قُ ُر ٖ
5
ب ﴿فَ َما لَ ُكم َعلَي ِهنَّ ِمن ِعـ د َّٖة تَعتَ ـدُّونَ َها﴾َ ،6و َك َذلِ َ
ك ت ْال ُمطَلَّقَةُ قَب َْل ْالبِنَا ِء بِآيَة اَأْلحْ زَا ِخَر َج ِ
َو َ
ضعنَ . » ﴾
8 7 ٰ
ْال َحا ِم ُل بِقَوْ لِ ِهَ ﴿ :وُأ ْولَتُ َأ َجلُ ُهنَّ َأن يَ َ
المطلق والمقيّد :نقل الشوكان ّي في تعريف المطلق اصطالحا ً أنّه« :ما د َّل على
116
1الرازي ،فخر الدين محمد بن عمر ،المحصول ،تحقيق :الدكتور طه جابر فياض العلواني ،مؤسسة الرسالة ،لبن ان -
بيروت1412 ،هـ.ق ،ط ،2ج ،2ص.310 - 309
2الصدر ،الشهيد السيد محمد ب اقر ،دروس في علم األص ول (الحلق ة الثالث ة) ،دار الكت اب اللبن اني ،لبن ان -ب يروت،
1406هـ.ق 1986 -م ،ط ،2ج ،2ص.93
3المظفّر ،مح ّمد رضا ،أصول الفقه ،ج ،1ص.190
4سورة البقرة ،اآلية .228
ّ ّ
أن ع ّد لفظ (المطلقات) لفظ عموم إنّما هو بناء على كون الجمع المحلى باأللف والاّل م من أدوات العموم. 5ال يخفى ّ
6سورة األحزاب ،اآلية .49
7سورة الطالق ،اآلية .4
8القرطب ّي ،محمد بن أحمد ،الجامع ألحكام القرآن ،تحقي ق :أحم د ال بردون ّي -إب راهيم أطفيش ،دار الكتب المص ريّة،
مصر -القاهرة1384 ،هـ.ق 1964 -م ،ط ،2ج ،3ص.112
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الماهيّة بال قيد من حيث هي هي ،من غير أن تكون له داللة على شيء من قيوده».1
والمقيَّد اصطالحاً« :هو ما د ّل على الماهيّ ة بقي د من قيوده ا ،أو م ا ك ان ل ه دالل ة على
شيء من القيود».2
وبعبارة أوضح ،وبنحو شرح االسم نقول« :المراد بالمطلق في القرآن الكريم ،ه و اللّف ظ
ار على إطالق ه .والمقيّ د الذي ال يقيّده قيد ،وال تمنعه حدود ،وال تحتجزه شروط ،فهو ج ٍ
بعكسه تمام اً ،فه و :ال ذي يقيّ د بقرين ة لفظيّ ة دالّ ة على مع نى معيّن بذات ه ال تتع ّداه إلى
سواه» .3مثال ذلك عتق الرقبة في كفّ ارة اليمين وكفّ ارة الظه ار ،فق د وردت مطلق ة في
ٰ
ُطع ُمــونَ
وسـ ِط َمــا ت ِسـ ِكينَ ِمن َأ َ َشـ َر ِة َم ٰ َ كفّارة اليمين في قوله -تعالى﴿ :-فَ َكفَّـ َ
ـرتُهُۥ ِإط َعــا ُم ع َ
ــة﴾ ،4وك ذلك في كفّ ارة الظه ار في قول ه -تع الى:- ســوتُ ُهم َأو تَح ِريــ ُر َرقَبَ َٖأهلِي ُكم َأو ِك َ
ٰ ٰ
بل َأن يَتَ َم َّ
اسـا َذلِ ُكم ساِئ ِهم ثُ َّم يَ ُعودُونَ ِل َما قَالُو ْا فَتَح ِري ُـر َرقَبَ ٖة ِّمن قَ ِ
﴿ َوٱلَّ ِذينَ يُظَ ِه ُرونَ ِمن نِّ َ
تُو َعظُونَ بِ ِهۦ َوٱهَّلل ُ بِ َما تَع َملُونَ َخبِ ٞير﴾ـ.5
أ ّما في كفّارة قتل الخطأ ،فقد وردت مقيّدة في قوله -تعالىَ ﴿ :-و َمــا َكــانَ لِ ُمــؤ ِم ٍن َأن يَقتُ ـ َل
ُمؤ ِمنًا ِإاَّل َخ ٗطَٔا َو َمن قَتَ َل ُمؤ ِمنًا َخ ٗطَٔا فَتَح ِريـ ُر َرقَبَ ٖـة ُّمؤ ِمنَـ ٖـة َو ِديَ ٞـة ُّم َ
سـلَّ َمةٌ ِإلَ ٰى َأهلِ ِهۦ ِإاَّل َأن
وم َع ُد ٖ ّو لَّ ُكم َوه َُو ُمؤ ِم ٞن فَتَح ِريـ ُر َرقَبَـ ٖـة ُّمؤ ِمنَـ ٖــة وَِإن َكــانَ ِمن قَـ ِ
ـوم ص َّدقُو ْا فَِإن َكانَ ِمن قَ ٍ يَ َّ
ٰ
117 بَينَ ُكم َوبَينَ ُهمـ ِّميثَ ٞق فَ ِديَ ٞة ُّم َ
سلَّ َمةٌ ِإلَ ٰى َأهلِ ِهۦ َوتَح ِري ُر َرقَبَ ٖة ُّمؤ ِمنَ ٖـة
1الشوكاني ،محمد بن علي ،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول ،مصطفى البابي الحلبي وأوالده ،مصر،
1356هـ.ق 1937 -م ،ط ،1ص.164
2المصدر نفسه ،ص.164
3الحجار ،الدكتور عدي جواد ،األسس المنهجيّ ة في تفس ير النصّ الق رآن ّي ،ك ربالء-العتب ة الحس ينية المق ّدس ة ،قس م
الشؤون الفكرية والثقافية ،تقديم اللجنة العلمية :محم د علي الحل و1433 ،هـ2012 ،م ،ط ،1ص ،145 - 144نقل ه
عن :الصّغير ،مح ّمد حسين عل ّي( ،مصطلحات أساسيّة في عل وم الق رآن ،)5/محاض رات ُألقيت على طلب ة الدراس ات
العليا 2006-م -جامعة الكوفة.
4سورة المائدة ،اآلية .89
5سورة المجادية ،اآلية .3
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ومن الواض ح ابتن اء البحث في المطل ق والمقيّ د ،كم ا في الع ا ّم والخ اصّ والنّاس خ
والمنسوخ ،على متبنّيات الباحث في علم أصول الفق ه ،وإن لم يختصّ البحث في الق رآن
الكريم باألحكام؛ لعدم اختصاص كثير من قواعد علم األصول باألحكام الش رعيّة كم ا ال
يخفى.
والمفص ل ه و ّ للمفص ل ه و «الم وجز المختص ر، ّ والمفصـل :المجمل المقاب ل َّ المجمــل
صصـنَا َعلَيـ َك ِمن قَبـ ُل ﴿و َعلَى ٱلَّ ِذينَ هَادُو ْا َح َّرمنَــا َمــا قَ َ
المسهب الموسّع ،فقوله -تعالىَ :-
صص ـنَا َعلَي ـ َك ﴿ح َّرمنَا َما قَ َ س ُهم يَظلِ ُمونَ ﴾ يحتوي على جملة َ
4
َو َما ظَلَم ٰنَ ُهم َو ٰلَ ِكن َكانُو ْا َأنفُ َ
فص لت م ا أجملت ه ه ذه اآلي ة ،وهي قول ه تع الى: ِمن قَب ُل﴾ ،وهي إحالة على آية أخ رى ّ
﴿ َو َعلَى ٱلَّ ِذينَ هَادُو ْا َح َّرمنَا ُك َّل ِذي ظُفُ ٖر َو ِمنَ ٱلبَقَ ِر َوٱل َغنَ ِم َح َّرمنَا َعلَي ِهم ش ُُحو َم ُه َما ِإاَّل َما
حملَت ظُهور ُهمــا َأو ٱلحوايــا َأو مــا ٱختَلَ ـطَ بع ٰ
ص ـ ِدقُونَ ﴾.5 ظم َذلِــكَ َجـ زَي ٰنَ ُهم بِبَغيِ ِهم َوِإنَّا لَ ٰ َ
َِ ٖ َ ُ ُ َ ِ َ َ َ َ َ
ك ﺍﻟﻤﺴـﺘﻐﻠﻖ ﻣـﻦ وتحتوي ﺍﻵيتاﻥ ﻋﻠﻰ كلمة مفتاﺡ ﻭﺍﺣﺪﺓ تصلح ﻟﻠﺮﺑﻂ بين اآلي تين ،وف ّ
118 ﺍﻹجماﻝ ،ﻭﻫﻲ قوﻟﻪ -تعالىَ ﴿ :-و َعلَى ٱلَّ ِذينَ هَادُو ْا َح َّرمنَا﴾ ،التي جاءت بالنصّ ﺫﺍته ﻓﻲ
ﺍﻵيتين».6
المجمــل والمــبيّن :عرّف وا المجم ل -المقاب ل للم بيّن -اص طالحا ً بـ« :أنّ ه م ا لم تتّض ح
داللته» ،ويقابله المبيّن .والمقصود من المجمل على ك ّل حال :ما جه ل في ه م راد المتكلّم
ومقصوده إذا كان لفظاً ،وما جهل فيه مراد الفاعل ومقصوده إذا كان فعالً .ومرج ع ذل ك
أن المجمل هو اللّفظ أو الفعل ال ذي ال ظ اهر ل ه؛ وعلي ه ،يك ون الم بيّن م ا ك ان ل ه إلى ّ
ّ
الظن أو اليقين ،ف المبيّن يش مل الظ اهر ظاهر يد ّل على مقصود قائله أو فاعله على وجه
والنصّ معاً».1
والمجمل أنواع ،منها :اللّفظ المشترك ،وهو م ا وض ع ألك ثر من مع نى ،ك القرء للطه ر
والحيض ،وكالعين للباصرة والجارية ،...ومنها مرجع الض مير إذا احتم ل رجوع ه إلى
أكثر من معنى ،كما في قول هللا -تعالى﴿ :-فَاَل تَع ُ
ضلُوهُنَّ ﴾ ،2فيحتم ل رجوع ه إلى األه ل
واألولياء ،ويحتمل رجوعه إلى األزواج السابقين...إلخ.
1المظفر ،الشيخ محمد رضا ،أصول الفقه ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماع ة المدرس ين بقم المش رّفة ،إي ران -
قم المشرّفة ،ال.ت ،ال.ط ،ج ،1ص.248
2سورة البقرة ،اآلية .232
3سورة النحل ،اآلية .44
4سورة األنبياء ،اآلية .47
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
الجواب لدى المفسّر الموضوع ّي أنّه :إذا دقّقنا النظ ر في أحك ام ي وم القيام ة يص بح ه ذا
ـوزنُ ق ،فق الَ ﴿ :وٱلـ َ المعنى غير وارد ،فاهلل -تع الى -ق د وص ف الم يزان هن اك بأنّ ه الح ّ
ٱلحقُّ﴾ ،1وجعل الثق ل في الم يزان للحس نات والخفّ ة للس يّئات ،فق ال ﴿ :فَ َمن ثَقُلَت يَو َمِئ ٍذ َ
س ُهم فِي ٰ ٰ
َم ٰ َو ِزينُهُـۥ فَُأ ْولَِئكَ ُه ُم ٱل ُمفلِ ُحونَ َ ١٠٢و َمن َخفَّت َم ٰ َو ِزينُهُۥ فَُأ ْولَِئ َك ٱلَّ ِذينَ َخ ِ
س ُرو ْا َأنفُ َ
إن الم يزان إذا ثق ل بغلب ة الحس نات ك ان َج َهنَّ َم ٰ َخلِدُونَ ﴾ ،2فال معنى للتس اوي عندئ ٍذ؛ إذ ّ
ف بغلب ة الس يّئات ك ان ص احب األعم ال م ّمن خس ر اإلنسان في ع داد الن اجين ،وإن خ ّ
نفس ه ،واف تراض تس اوي الم يزان -بتش بيهه ب الموازين في ع الم ال دنيا من ذي الكفّ تين
وغيره -وه ٌم ناشئ من قياس ما هنا على ما هنالك على خالف ما تقتض يه ظ واهر آي ات
الموازين3؛ وهذا كلّه على ف رض إقام ة ال وزن للعم ل ،أ ّم ا الطوائ ف ال تي ال يُق ام وزن
ألعم الهم ،كالكفّ ار مثالً ،فإنّه ا خارج ة تخصّص ا ً (ال تخصيص اً) عن أحك ام موق ف
الميزان؛ وذلك لقوله -تعالىُ﴿ :-أ ْو ٰلَِئكَ ٱلَّ ِذينَ َكفَ ُرو ْا بَِٔا ٰيَ ِ
ت َربِّ ِهم َولِقَاِئ ِهۦ فَ َحبِطَت َأع ٰ َملُ ُهم فَاَل
نُقِي ُم لَ ُهم يَو َم ٱلقِ ٰيَ َم ِة َو ٗ
زنا﴾.4
.3تصنيف اآليات بتصنيفَي الترتيب النّ زولي والموض وع ّي ،واس تخراج الموض وعات
الجزئيّة.
.4تفسير اآليات تفسيراً تجزيئيّاً ،ث ّم االستفادة من عالقتها مع اآلي ات المحيط ة من خالل
علم المناس بة ،وم ع مح اور الس ورة ومحوره ا الع ا ّم من خالل االس تعانة بالتّفس ير
الموضوع ّي للسورة التي تقع فيها.
.5وضع الفرضيّات للنّظ ام المنطق ّي األوف ق بالس ياق الكلّ ّي لآلي ات وبترتيبيه ا ال نزول ّي
والموضوع ّي وبأسباب النّزول ومالبسات اآليات.
.6دراسة الروايات المرتبطة بالموضوع وبتفسير اآليات دراسة موضوعيّة حسب منهج
الباحث المتّبع لديه في دراسة الروايات.
.7اختبار ث ّم اختيار النظام المنطق ّي األوف ق بالس ياق الكلّ ّي لآلي ات ،ع بر دراس ة تواف ق
المحور العا ّم للنّظام مع السياق للموضوعات الجزئيّة ،ودراسة توافقه مع مب ادئ الق رآن
الكلّيّة ونظيراتها في السنّة الشريفة.
121
.8الخروج بالنّظريّة العا ّمة التي يعتقد الباحث أنّها األقرب إلى نظر القرآن الك ريم تج اه
الموضوع.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
المفاهيم الرئيسةـ
-مرحلة االستقراء :في هذه المرحلة يهدف الب احث إلى تجمي ع ك ّل م ا يمسّ موض وعه
من القرآن الكريم ،وذلك عبر تحديد ألفاظ البحث والكلمات المفتاحيّ ة أ ّوالً ب الطرق ال تي
أوضحناها ،ودراسة استعماالتها في القرآن الكريم ،ث ّم جمع اآليات.
-تصنيف اآليات وترتيبها :في هذه المرحلة يهت ّم الباحث بتصنيف اآليات وترتيبه ا َوف ق
ترتيبها النزول ّي والموضوع ّي ،ث ّم االستعانة بأس باب ال نزول وغ ير ذل ك م ّم ا ت وافر من
الممهّدات تمهيداً الكتشاف السياق الكلّ ّي لآليات الذي ينظّم عالقة اآليات في ما بينها من:
إحكام وتشابه ،وعموم وخصوص ،وإطالق وتقييد ،وإجم ال وتفص يل وتب يين ،وأولويّ ة
بعضها على اآلخر.
.2ما ﺍﻟﻔﺮﻕ بين ﺃﻥ نجمع آيات تدور ﺣﻮﻝ العنصريّة ﻭبين جمع ﺁياﺕ ﺃﺧﺮﻯ تتح ّدث ﻋﻦ
الربوبيّة ﻣﻦ حيث:
أ .عدد ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺮجة .ب .صعوبة البحث .ج .ال ِجدة والحداثة.
.3م ا ﺍﻟﻔــﺮﻕ بين ﻓﺮﺯ أو تص نيف ﺍﻵي اﺕ ﻭبين ترتيبه ا؟ ﻭﻫﻞ يس بق أح دهما ﺍﻵﺧﺮ
بالضرورة؟
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.2يتع ّرف إلى موضوع الذكورة واألنوثة بطريقة تفسير الموضوع القرآني.
.3يخت ار موض وع من الق رآن الك ريم ويطب ق علي ه المنهج الموض وعي للموض وع
القرآني.
123
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
124
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
1
الداللة المعنويّة في القرآن
يرى القرآن -من حيث المحتوىّ -
أن الكماالت اإلنس انيّة تكمن في معرف ة المب دأ والمع اد
إن الكمال هو في الرؤية الكونيّة اإللهيّة .وهذه المعرفة هي بمعنى والوحي والرسالة؛ أي ّ
أن للعالم بداي ة باس م (هللا وأس مائه الحس نى) ،ول ه نهاي ة باس م (المع اد) والقيام ة وجهنّم
ّ
والجنّة و ،...وبين هذه البداية والنهاية صراط مستقيمّ ،
وإن مسألة الوحي والنب ّوة هي هذا
الصراط المستقيم.
وألنّه -في العالم كلّ ه -ال يوج د س وى المب دأ والمع اد والعالق ة بين المب دأ والمع اد .ل ذا،
فأصول الدين ليس ت غ ير ه ذه األص ول الثالث ة :األ ّول ،معرف ة المب دأ؛ الث اني ،معرف ة
المعاد؛ الثالث ،معرفة النّب ّي.
1هذا الدرس منقول بتص ّرف من :جوادي آملي ،الشيخ عبد هللا ،جمال المرأة وجالله ا ،دار اله ادي ،لبن ان -ب يروت،
1415هـ.ق 1994 -م ،ط ،1ص.80 - 71
2سورة الطور ،اآلية .21
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
إن هذا المع نى بيّن ه -تع الى -في آي ة ين﴾ هو الرجل في مقابل المرأة ،حيث ّ ب َر ِه ٞ بِ َما َك َ
س َ
سبَت َر ِهينَـةٌ﴾ـ .وأحيان ا ً يعبّ ر بـ(اإلنس ان)،
1
أخرى بتعبير (نفس) ،وقالُ ﴿ :ك ُّل نَف ِ
س بِ َما َك َ
سوفَ يُ َر ٰى ٤٠ثُ َّم يُج َز ٰىهُـ َ
ٱلجزَ ا َء س َع ٰى َ ٣٩وَأنَّ َ
سعيَهُۥ َ س ِن ِإاَّل َما َ ويقولَ ﴿ :وَأن لَّ َ
يس لِِإل ن ٰ َ
ّ
وألن ّ
خاص ة، إن مس ألة الج زاء ومس ألة المع اد ال تختصّ بمجموع ة ٱَألوفَ ٰى﴾ .2ول ذا ،ف ّ
المعاد ه و ع ودة إلى المب دأ فك ّل إنس ان مس ؤول تج اه عمل ه ،وهن ا ال مدخليّ ة لل ذكورة
واألنوثة ،وكذلك في معرفة المبدأ والتقرّب إليه .هذه تعابير معنويّة في القرآن الكريم.
هذه ،بيان المقصود من كلمتَي (عامل) و(منكم)؛ إذ لو كان المراد بهما خصوص العام ل
الذكر في مقابل العاملة ال يص ّح الق ول( :عام ل من ذك ر أو أن ثى) .وإذا ك ان (منكم) في
(منكن) فعند ذلك ال يص ّح القول( :من ذكر أو أنثى) ،فيتّضح أنّه يجب ع دم تفس ير
ّ مقابل
ّ
(منكن) .وه ذا ش اهد جيّ د على (عامل) بأنّه في مقابل (عاملة) ،وكذلك (منكم) في مقابل
هذا اال ّدعاء ،وهو أنّ ه إذا ج اءت التع ابير القرآنيّ ة بص ورة م ذ ّكر فهي على أس اس لغ ة
الحوار ،وليس على أساس األدبيّات الكتابيّة.
أن هللا -تعالى -يري د أن يفهمن ا هن ا أنّ ه عبّ ر بص ورة م ذ ّكر على
فالجواب الصحيح هو ّ
صا ً بالرجل .وبنا ًء على ذلك ،يجب أن العمل يكون خا ّ أساس لغة الحوار ،ال ّ
عدم الوقوع في مشقّة تفسير قول رسول هللا(صلى هللا علي ه وآل ه)« :طلب العلم فريض ة
أن في بعض الرواي ات أض يفت كلم ة على ك ّل مسلم» ،1وأنّه لماذا لم يقل (مس لمة) ،م ع ّ
أن بعض المح ّدثين روى (مسلمة أيضاً). (مسلمة) ،أو ّ
إن القرآن الكريم ،في الوقت نفسه الذي يعرّفنا بعظمة ذلك المع نى ،يرش دنا -أيض اً -إلىّ
إن الكالم إذا ك ان عن الم ذ ّكر ،فه و ليس من أج ل ّ
أن ه ذا خاصيّة لغة الح وار ،ويق ولّ :
الوصف هو وصف للمذ ّكر ،بل من أجل أنّه يعبّر هكذا في مقام اللفظ.
إن تلك الشواهد المعنويّة ،وه ذه الش واهد اللّفظيّ ة تثبت ّ
أن م ا يع ود إلى العلم الخالصةّ :
وإلى العمل في المعارف والكماالت ليس الكالم فيه عن الذكورة واألنوثة .
128 ﴿سـ َوا ًء ٱل ٰ َع ِكــفُ إن أهل المدينة قِس ٌمّ ،
وإن أهل (البدو) والبادية قِس ٌم آخر .هنا يص ّح القولَ : ّ
ألن السكن في المدينة أو البادية ال يع ود إلى روح ألن هذا يعود إلى الجسم؛ ّفِي ِه َوٱلبَا ِد﴾؛ ّ
إقليم جغراف ّي أو إلى الخص ائص المدنيّ ة أو القرويّ ة يتعلّ ق اإلنسان .التقسيم إلى قارّة أو ٍ
بجسم اإلنسان وليس بروح اإلنسان ،فروح اإلنسان ليست مدنيّة وال قرويّة ،ال هي عرب
وال عجم ،وال فارسيّة وال تركيّة ،وال عبريّة وال عربيّة؛ ألنّها ج اءت من ع الم ليس في ه
حديث عن العبرّية والعربيّة ،أو الفارسيّة والسريانيّة ،أو الروميّة والتركيّة وأمث ال ذل ك.
في الروح ال يكون الكالم قطعا ً على العاكف والباد،
ولكن جسم اإلنسان يقطن أحيانا ً في المدينة وأحيانا ً في القرية .لذا ،قال هللا -س بحانهّ :-
إن ّ
الشخص الذي جاء من البادية له استفادة من الحرم ،والشخص الساكن في المدينة ويقطن
س َوا ًء ٱل ٰ َع ِكفُ فِي ِه َوٱلبَا ِد﴾.
في م ّكة ،له أيضا ً استفادة ﴿ َ
في قسم آخر ،حكم القرآن الكريم -أيضاً -بالتساوي ،وهذا الحكم بالتساوي إذا كان متعلّق ا ً
فإن األب دان متس اوية ،وإذا ك ان متعلّق ا ً بالمس ائل المعنويّ ة ،ف األرواح بالمسائل الماديّةّ ،
قوتَ َهــا فِي َأربَ َعـ ِة َأيَّ ٖام﴾ ،1ث ّم ق الَ :
﴿سـ َو ٗاء ﴿وقَ َّد َر فِي َهــا َأ ٰ َ
متساوية ،فقال بشأن الرزق مثالًَ :
إن المقصود من الس ؤال هن ا ه و الس ؤال العمل ّي واالس تيعاب ّي .ك ّل من لدي ه ساِئلِينَ ﴾ّ . لِّل َّ
قابليّة كسب وقدرة على االستفادة من المص ادر األرض يّة يمكن ه االس تفادة ب دون امتي از
س َو ٗاء لِّل َّ
ساِئلِينَ ﴾. ﴿ َ
إن ك ّل من سأل أخذ الجواب .وعلى الرغم واألمر كذلك في ما يتعلّق بالمعارف أيضاً؛ إذ ّ
قوتَ َها فِي َأربَ َع ِة َأيَّ ٖام﴾ ،لكنّه قال في سورة
﴿وقَد ََّر فِي َها َأ ٰ َ
من أنّه -تعالى -قال في هذه اآليةَ :
عبس:
نسـنُ ِإلَ ٰى طَ َعــا ِم ِهۦ﴾ .2ه ذا الطع ام قُ ِّس م إلى مص داقين وطُبّ ق على مص داقين؛ ﴿فَليَنظُ ِر ٱِإل ٰ َ
أحدهما هو الطعام المصطلح ،واآلخر هو طعام الروح ،حيث روى المرحوم الكلي ن ّي في
129 ذيل هذه اآلية عن اإلمام الصادق (عليه السالم) قال :آي ة ﴿فَليَنظُ ـ ِر ٱِإل ٰ َ
نس ـنُ ِإلَ ٰى طَ َعــا ِم ِهۦ﴾؛
أي« :علمه الذي يأخذه ع ّمن يأخذه».3
أن القرآن يث ّمن الذكور أكثر ،ويرى الغلبة للذكور ،وعن دما يم دح يمكن -أحياناً -أن يُفهم ّ
امرأة بمقام فضيلة يع ّدها في زمرة الرجال ،ال أن يفتح للم رأة حس ابا ً منفص الً ،والش اهد
صــ َّدقَت بِ َكلِ ٰ َم ِ
ت َربِّ َهــا َو ُكتُبِ ِـهۦ َو َكــانَت ِمنَ على ه ذا ه و أنّ ه ق ال في ش أن م ريم َ ﴿ :Oو َ
ٱل ٰقَنِتِينَ ﴾ ،1ولم يقل« :وكانت من القانتات» .لقد وصفت م ريم O بأنّه ا تص ّدق بالكلم ات
فإن هللا -س بحانه- اإللهيّة ،وتؤمن بالكتب اإللهيّة ،ومن أهل القنوت والخضوع ،ومع هذا ّ
يعطي الرج ال اس تقالالً ،وي ذكر م ريم تحت غط اء اس م الرج ال ،ويق ولَ :
﴿و َكــانَت ِمنَ
ٱل ٰقَنِتِينَ ﴾ ال (من القانتات).
أن لغة الحوار غير لغة األدبيّات الدراسيّة والكتابيّة .القرآن الك ريم جواب هذا التوهّم هو ّ
أن المرأة والرجل متساويان في ه ذه الفض ائل ،ويع ّد كث يراً يش ّخص في سورة األحزاب ّ
من الفضائل األخالقيّة ،ويعطي لك ّل من هذين الصنفين استقالالً ،على الرغم من أنّه ق ال
130 ٱلصــــ ِدقِينَ َوٱل ٰقَنِتِينَ َوٱل ُمنفِقِينَ َوٱل ُمســــتَغفِ ِرينَ ين َو ٰ َّ ٰ َّ
﴿ٱلصــــبِ ِر َـ في س ورة آل عم ران:
مذكر ،لكنّه يقول في سورة األح زابِ﴿ :إنَّ ٱل ُمسـلِ ِمينَ سحا ِر﴾ .2ويبيّن الجميع بصورة ّ بِٱَأل َ
ٰ
ت َو ٰ َّ
ٱلصـبِ ِرينَ ٱلصـ ِدقَ ِٱلصـ ِدقِينَ َو ٰ ٰ َّ ت َو ٰ َّ ت َوٱل ٰقَنِتِينَ َوٱل ٰ ٰقَنِ ٰتَ ِت َوٱل ُمــؤ ِمنِينَ َوٱل ُمــؤ ِم ٰنَ ِ َوٱل ُمسـلِ ٰ َم ِ
ت َأ َعـ َّد ٱهَّلل ُ لَ ُهم
ـذ ِك ٰ َر ِ ـيرا َوٱلـ َّ
ٱلذ ِك ِرينَ ٱهَّلل َ َكثِـ ٗ﴿و َّ ت﴾ ،ث ّم يقولَ : ش ٰ َع ِ ٰ
ش ِعينَ َو َ
ٱلخ ِ ٰ
ت َو َ
ٱلخ ِ َوٱل ٰ َّ
صبِ ٰ َر ِ
َّمغفِ َر ٗة َوَأج ًرا َع ِظ ٗيما﴾.3
إن هللا -تعالى -يعبّر بطريقة تفهّمنا المعنى ،وتفهّمنا أنّه يتكلّم بثقافة الحوار وليس بالثقاف ة ّ
ت﴾ـ ،ولكنّ ه ٰ األدبيّة ،ومع أنّه صرّح وقالِ﴿ :إنَّ ٱل ُمسلِ ِمينَ َوٱل ُمسلِ ٰ َم ِ
ت َوٱل ُمــؤ ِمنِينَ َوٱل ُمــؤ ِمنَ ِ
ولهن) ،بل يقول( :أع ّد لهم)؛ أي ال تف ّكروا أنّه كلّما ورد ّ حين يخبر ال يقول( :أع ّد هللا لهم
كالم عن (كم) و(هم) فالمقص ود ه و الرج ل (إاّل بقرين ة التقاب ل)؛ وعلي ه ،فالش خص
العارف بثقاف ة الق رآن ال يخط ر في ذهن ه أنّ ه لم اذا ورد في تل ك الرواي ة« :طلب العلم
فريضة على ك ّل مسلم» ،حتّى يكون في فكر الجواب م ا دام مستأنس ا ً ب القرآن ،ويفهم ّ
أن
هللا يذكر بصراحة الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات بشكل مشروح في آية واحدة.
الطائفة الثانية:ـ هي اآليات التي تتكلّم على الرجل ،مثل اآليات التي استعمل فيها ض مير
جمع المذ ّكر السالم ،واآليات التي استفيد المذ ّكر فيها من لفظ (ناس) ،وأمث ال ذل ك ،ك أن
يقول( :يعلّمكم ،يعلّمهم).
الطائفة الثالثة :هي اآليات التي استعمل فيها لفظ الرجل والمرأة ،وهي تص رّح بأنّ ه في
هذه الناحية ليس في األمر ام رأة ورج ل أو أنّهم ا ال يختلف ان ،مث ل قول ه -تع الىَ ﴿ :-من
صلِ ٗحا ِّمن َذ َك ٍر َأو ُأنثَ ٰى َو ُه َو ُمؤ ِم ٞن فَلَنُحيِيَنَّهُـۥ َحيَ ٰو ٗة طَيِّبَ ٗة﴾.1
َع ِم َل ٰ َ
أن ه ذه األص ناف ليس له ا دور في المن اهج التعليميّ ة ومن اهج التزكي ة في اتّضح -إذاًّ -
إن ب دنكم ه ذا (البش ر األ ّول ّي) من ال تراب ﴿ِإنِّي ٰ َخلِـ ُ
ق القرآن الكريم؛ ولذا يقول -تع الىّ -
ون﴾ ،وأخرى ﴿ِ من ين﴾ .تارةً يقول من التراب ،وطوراً يقولِّ ﴿ :من َح َم ٖإ َّمسنُ ٖ بَش َٗرا ِّمن ِط ٖ
2
إن ام رأة ورجالً دخيالن في لصـ ٖل﴾ ،وأحيان ا ً من (طين) وأمث ال ذل ك ،وأحيان ا ً يق ول ّ ص َٰ َ
إنظهوركم (البشر الثانويّ) .بنا ًء على ذلك ،بم اذا تفخ رون؟ وإذا أردتم أن تتف اخروا ،ف ّ
فخركم هو في عدم الفخر .عامل الفخر هي التقوى فقط ،وهي تراف ق ع دم الفخ ر وع دم
132 التفاخر .هذه اآلية المعروفة في سورة الحجرات تتولّى قسم البدن وقسم الروح أيض اًّ .
إن
اس﴾؛ أي الن اس ال ذين ج اء الق رآن له دايتهمٰ ﴿ ،يََأ ُّي َهــا ٱلنَّ ُ
اس ِإنَّا قوله -تعالىٰ ﴿ :-يََأ ُّي َهــا ٱلنَّ ُ
ـر َوُأنثَ ٰى﴾3؛ أي إنّكم إذا أردتم الفخ ر بالب دن ،ف ّ ٰ
إن الرج ل خل ق من ام رأة َخلَقنَ ُكم ِّمن َذ َكـ ٖ
أن خلق بدن الرج ل أفض ل من خل ق ورجل ،والمرأة -أيضاً -ولدت من امرأة ورجل ،ال ّ
بدن المرأة وال العكس ،حيث إنّه إذا أراد شخص أو صنف أو ع رق التف اخر على ع رق
إن ك ّل فريق منكم هو من امرأة ورجل. آخر ،يُقال له أيضاًّ :
واألمر كذلك من حيث مسألة العرق واللّغة أيضاً ،حيث قال :إنّها عامل للتعارف والهويّة
ي مك ان ي ذهب .الوج وه، الطبيعيّة ،فاإلنسان ال يستطيع أن يحم ل مع ه هويّ ة بل ده إلى أ ّ
الهياكل ،اللّغات واللّهجات هي هويّة طبيعيّة لإلنس ان ،وهي تع ود إلى الب دن أيض اً ،وإاّل
وبا َوقَبَاِئ َل ف الروح ال ش رقيّة وال غربيّ ة ،ال ع رب وال عجم وَ ﴿ ...و َج َعل ٰنَ ُكم ُ
شــــ ُع ٗ
ِلتَ َعا َرفُو ْا﴾.1
133
المفاهيم الرئيسةـ
-بيّن القرآن الكريم أنّه يخاطب أرواح الناس ،واألرواح ليست مذ ّكرة وال مؤنّثة.
ّ -
إن موض ع ال ذكورة واألنوث ة ه و ب دن اإلنس ان ،والب دن ليس ل ه عالق ة بالفض ائل
والمعارف.
إن آي ات الق رآن وكالم هللا يجب حمل ه على أس اس لغ ة الح وار إذا لم تكن ث ّم ة قرين ة ّ -
تقتض القوانين األدبيّة غير ذلك.
ِ خا ّ
صة في الكالم أو لم
س ِلم َكافَّ ٗة﴾.1 ٰ ﴿ .1يََأيُّ َها ٱلَّ ِذينَ َءا َمنُو ْا ُ
ٱدخلُو ْا فِي ٱل ِّ
سـنَ ٖة ِّم َّما ب َولَن يُخلِــفَ ٱهَّلل ُ َوعـ َدهُۥ َوِإنَّ يَو ًمــا ِعنـ َد َربِّكَ َكـ َأ ِ
لف َ َعجلُونَكَ بِٱل َعـ َذا ِ
﴿ويَسـت َِ .5
تَ ُعدُّونَ ﴾ .
5
.1يطبّق منهج التفسير الموضوع للموض وع الق رآني على الس نن التاريخي ة في الق رآن
الكريم.
135
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
136
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
1
نماذج من السنن التاريخيّة في القرآن الكريم
ّ
إن حقيقة وجود سنن وقوانين للتاريخ حقيقة واضحة لمن يتتبّع اآليات القرآنيّة ،فقد ذكر -
تعالى -ذلك بأساليب وألسنة مختلفة ،وسنعرض هنا لنم اذج من تل ك اآلي ات م ع إيض اح
مختصر.
فمن اآليات الكريمة التي ظهرت فيها ه ذه الفك رة كق انون كلّ ّي هم ا اآليت ان المباركت ان:
ساع َٗة َواَل يَستَق ِد ُمونَ ﴾2؛ ﴿لِ ُك ِّل ُأ َّم ٍة َأ َجـ ٌل ِإ َذاَأخ ُرونَ َ ﴿ َولِ ُك ِّل ُأ َّم ٍة َأ َج ٞل فَِإ َذا َجا َء َأ َجلُ ُهم اَل يَست ِ
ساع َٗة َواَل يَستَق ِد ُمونَ ﴾.3
ٔخ ُرونَ َ َجا َء َأ َجلُ ُهم فَاَل يَستَ ِ
أن األجل ُأضيف إلى األ ّم ة ،أو الوج ود المجم وع ّي نالحظ في هاتين اآليتين الكريمتينّ ،
للناس ،ال إلى هذا الفرد أو ذاك الفرد بال ذات .إذاً ،يوج د وراء األج ل المح دود المحت وم
لك ّل إنسان بوصفه الف رديّ ،أج ٌل وميق ات آخ ر للوج ود االجتم اع ّي لألف راد؛ أي لأل ّم ة
بوصفها مجتمعا ً ينشئ ما بين أفراده العالقات والصالت القائمة على أساس مجموعة من
األفكار والمبادئ المسندة بمجموعة من القوى والقابليّات .ه ذا المجتم ع ال ذي يعبّ ر عن ه
القرآن الكريم باأل ّمة موجود تاريخ ّي ح ّي ،له أجل ،ل ه م وت ،ل ه حي اة ،ل ه حرك ة .ه ذه
أن الفرد يتحرّك فيكون حيّا ً ث ّم يموت، الحياة شبيهة بحياة الفرد في مظاهرها العا ّمة .فكما ّ
ألجل وقانون ،كذلك األمم - ٍ أن موت الفرد يخضع كذلك األ ّمة تكون حيّة ث ّم تموت ،وكما ّ
137
أيضاً -لها آجالها المضبوطة وقوانينها .وث ّمة نواميس تح ّدد لك ّل أ ّمة هذا األجل.
1هذا الدرس منقول بتص ّرف من :الشهيد الصدر ،المدرسة القرآنية ،مصدر سابق ،ص.65 - 41
2سورة األعراف ،اآلية .34
3سورة يونس ،اآلية .49
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
تؤ ّك د ه ذه اآلي ة على الس نن ،وتؤ ّك د على ض رورة التتبّ ع ألح داث الت اريخ من أج ل
صبَ ُرو ْا َعلَ ٰى َما ُك ِّذبُو ْا
س ٞل ِّمن قَبلِكَ فَ َ استكشاف هذه السنن ،ث ّم االعتبار بهاَ ﴿ :ولَقَد ُك ِّذبَت ُر ُ
سلِينَ ﴾.2
ي ٱل ُمر َ ت ٱهَّلل ِ َولَقَد َجا َء َك ِمن نَّبَِإ ْ َوُأ ُ
وذو ْا َحتَّ ٰى َأت َٰى ُهم نَص ُرنَا َواَل ُمبَ ِّد َل لِ َكلِ ٰ َم ِ
ه ذه اآلي ة تثبّت قلب رس ول هللا(ص لى هللا علي ه وآل ه) ،وتح ّدث ه عن التج ارب الس ابقة،
أن ث ّم ة س نّة تج ري علي ه وتج ري على األنبي اء ال ذين
وتربط ه بقانونه ا ،وتوض ح ل ه ّ
وأن النص ر س وف يأتي ه ،ولكن للنص ر ش روطه مارس وا ه ذه التجرب ة من قبل هّ ،
ُأ
فص لته آي ات خ ر .ه ذا ه و طري ق الموض وعيّة؛ كالص بر ،والثب ات ،وغ ير ذل ك م ّم ا ّ
الحصول على هذا النصر؛ ولهذا تقول اآلية:
ـذبُو ْا َوُأو ُذو ْا َأتَ ٰى ُهم نَصـ ُرنَا َواَل ُمبَـ ِّد َل ِل َكلِ ٰ َم ِ
ت ٱهَّلل ِ﴾ .3فالنتيج ة ّ
أن ث ّم ة صـبَ ُرو ْا َعلَ ٰى َمــا ُكـ ِّ
﴿ف َ َ
كلم ة هلل ال تتب ّدل على م ّر الت اريخ ،هي عالق ة قائم ة بين النص ر وبين مجموع ة من
ضحت من خالل اآليات المتفرّق ة ،وجُمعت على وج ه الشروط والقضايا والمواصفات ُو ّ
اإلجمال هنا .إذاً ،هذه سنّة من سنن التاريخ.
138
قواعد السنن التاريخيّة في القرآن الكريم
ث ّمة نماذج أخرى من اآلي ات تؤ ّك د على ثالث قواع د عا ّم ة في الس نن التاريخيّ ة ،وه ذه
القواعد هي:
.1االطّراد :بمعنى ّ
أن السنّة التاريخيّة ليست عالقة عشوائيّة ،وليست رابطة قائمة
على أس اس الص دفة واالتّف اق ،وإنّم ا هي عالق ة ذات ط ابع موض وع ّي ال تتخلّ ف في
الحاالت االعتياديّة التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العا ّمة .وكان التأكيد على
طابع االطّراد في السنّة تأكي داً على الط ابع العلم ّي للق انون الت اريخ ّي؛ ّ
ألن أه ّم م ا يميّ ز
القانون العلم ّي عن بقية المعادالت والفروض هو االطّراد والتتابع وع دم التخلّ ف .ولع ّل
هدف القرآن الكريم من خالل التأكيد على طابع االطّراد في السنة التاريخيّة هو أن يؤ ّك د
وأن يخلق في اإلنسان المسلم شعوراً تجاه جريان أح داث على الطابع العلم ّي لهذه السنّةْ ،
التاريخ ،متصبِّراً ال عشوائيّاً ،وال مستسلِما ً وال سا َذجاً.
يمكن استنباط هذه القاعدة العا ّمة اإللهيّة التاريخيّة من خالل آيات ع ّدة ،نذكر منه اَ ﴿ :وِإن
ض لِيُخ ِر ُجوكَ ِمن َها َوِإ ٗذا اَّل يَلبَثُونَ ِخ ٰلَفَ َك ِإاَّل قَلِياٗل ُ ٧٦
سنَّةَ َمن َكادُو ْا لَيَستَفِ ُّزونَ َك ِمنَ ٱَألر ِ
سنَّتِنَا تَح ِوياًل ﴾.1
سلِنَا َواَل ت َِج ُد لِ ُ قَد َأر َ
سلنَا قَبلَكَ ِمن ُّر ُ
سنَّتِنَا تَح ِوياًل ﴾ ،فهذه ُسنّة َس لَ ْكناها م ع تؤ ّكد اآلية الكريمة الثانية القاعدة العا ّمة َ
﴿واَل ت َِج ُد لِ ُ
األنبياء من قبلك ،وسوف تستمرّْ ،
ولن تتغيّر.
من﴿ :اَّل يَلبَثُونَ ِخ ٰلَفَ َك ِإاَّل قَلِياٗل ﴾ أنّه سوف يَنزل عليهم عذاب هللا -س بحانه
وليس المقصود ْ
ألن أهل م ّكة أخرجوا النب َّ
ي(ص لى هللا علي ه وآل ه) بع د ن زول ه ذه وتعالى -من السماء؛ ّ
139 السورة ،فخرج(صلى هللا علي ه وآل ه) من م ّك ة إلى المدين ة ولم ي نزل ع ذاب من الس ماء
على أهل م ّكة.
وما يه ّمنا من اآليتين موضع الشاهد على اطّراد السنن التاريخيّة ،وه و ﴿ َواَل تَ ِجـ ُد لِ ُ
سـنَّتِنَا
تَح ِوياًل ﴾.
وألن ه ذه الس نن والق وانين هي إرادة هللا ،وهي ُممثِّلَ ةٌ لحكم ة هللا
ّ الس نن،
خالل ه ذه ُ
وتدبيره في الكون.
أن يؤ ّك د ّ
أن ه ذه إن القرآن الكريم حينما يسبغ الطابع الربّان ّي على السنّة التاريخيّة ،يريد ْ
ّ
السنن ليست خارجةً عن قدرة هللا -سبحانه وتع الى ،-وإنّم ا هي تعب ير وتجس يد وتحقي ق
لقدرة هللا ،هي كلماته وسننه وإرادته وحكمته في الكون؛ لكي يبقى اإلنسان دائما ً مش دوداً
إلى هللا ،لكي تبقى الصلة الوثيقة بين ال ِعلم واإليمان ،فهو في الوقت نفسه الذي ينظ ر في ه
إلى هذه السنن نظرةً علميّة ،ينظر أيضا ً إليها نظرةً إيمانيّة.
وقد بلغ القرآن الكريم في حرصه على تأكيد الطابع الموضوع ّي للسنن التاريخيّ ة ،وع دم
ير من الح االت أن العمليّات الغيبيّة نفسها أناطها الق رآن في كث ٍ جعلها مرتبطة بالصُّ دفّ ،
بالسنّة التاريخيّة نفسها ،وذلك مثل عمليّة اإلمداد اإلله ّي الغيب ّي بالنص ر ال ذي يس اهم في
كس ب النص ر .ه ذا اإلم داد جعل ه الق رآن الك ريم مش روطا ً بالس نّة التاريخيّ ة ،مرتبِط ا ً
تفس ر الت اريخ على أس اس ك عنها ،وهذه الروح أ ْب َعد ما تك ون روح ا ً ِّ
بظروفها ،غير ُم ْنفَ ٍّ
الغيب فحسب ،وإنّما هي روح تفسّر التاريخ على أساس المنطق والعقل والعلم.
ص يَغ الس نن التاريخيّ ة للنص ر ،وهي قول ه -س بحانه وتع الىَ﴿ :-أم تق ّدم معنا صيغةٌ من ِ
141 ٱلضـ َّرا ُء
أسـا ُء َو َّ ٱلجنَّةَ َولَ َّما يَأتِ ُكم َّمثَ ُل ٱلَّ ِذينَ َخلَو ْا ِمن قَبلِ ُكم َّم َّ
سـت ُه ُم ٱلبَ َ َدخلُو ْا َسبتُم َأن ت ُ َح ِ
يب﴾ .
1 َأ
سو ُل َوٱلَّ ِذينَ َءا َمنُو ْا َم َعهُۥ َمت َٰى نَص ُر ٱهَّلل ِ اَل ِإنَّ نَص َر ٱهَّلل ِ قَ ِر ٞ َو ُزل ِزلُو ْا َحتَّ ٰى يَقُو َل ٱل َّر ُ
ْ
ربطت هذا اإلمداد اإلله ّي الغيب ّي بتل ك أن هذه اآليات وث ّمة صيغ أخرى نالحظ فيها كيف ّ
السنّة نفسها أيضاًِ﴿ :إذ تَقُو ُل لِل ُمؤ ِمنِينَ َألَن يَكفِيَ ُكم َأن يُ ِم َّد ُكم
ف ِّمنَ ٱل َم ٰلَِئ َك ِة ُمن َزلِينَ ١٢٤بَلَ ٰى ِإن تَصبِ ُرو ْا َوتَتَّقُــو ْا َويَــأتُو ُكم ِّمن فَــو ِر ِهم ٰ ٰ
َربُّ ُكم بِثَلَثَ ِة َءالَ ٖ
س ِّو ِمينَ َ ١٢٥و َما َج َعلَـهُ ٱهَّلل ُ ِإاَّل بُشـ َر ٰـى لَ ُكم ف ِّمنَ ٱل َم ٰلَِئ َك ِة ُم َ ٰ ٰ َه َذا يُم ِدد ُكم َر ُّب ُكم بِ َخم َ
س ِة َءالَ ٖ
يم﴾.1 َولِتَط َمِئنَّ قُلُوبُ ُكم بِ ِهۦ َو َما ٱلنَّص ُر ِإاَّل ِمن ِعن ِد ٱهَّلل ِ ٱل َع ِزي ِز َ
ٱلح ِك ِ
ث ّمة إم داد غي ب ّي ،ولكنّ ه ُش رط بس نّة الت اريخُ ،ش رط بقول ه -تع الى﴿ :-بَلَ ٰى ِإن تَصـبِ ُرو ْا
َوتَتَّقُو ْا﴾.
إذاً ،فمن الواضح ّ
أن الطابع الربّان ّي الذي يُسبِغه القرآن الكريم على السنن التاريخيّة ليس
بديالً عن التفسير الموضوع ّي لها ،وإنّما هو ربْط لهذا التفسير الموضوع ّي باهلل -س بحانه
وتعالى-؛ من أجل إتمام اتّجاه اإلسالم نحو التوحيد بين العلم واإليم ان في تربي ة اإلنس ان
المسلم.
.2اختيار اإلنسان ضمن عوامل السنن التاريخيّة:ـ الحقيقة الثالثة التي أ ّكد عليه ا الق رآن
الكريم من خالل النصوص المتقدِّمة هي حقيقة اختيار اإلنسان ،وإرادة اإلنسان .فق د أ ّك د
أن المح ور في تسلس ل األح داث والقض ايا إنّم ا ه و إرادة هللا -س بحانه وتع الى -على ّ
اإلنسان.
142 ومن نماذج اآليات التي جعلت إرادة اإلنسان محور السنن التاريخيّ ةِ﴿ :إنَّ ٱهَّلل َ اَل يُ َغيِّ ُر َمــا
وم َحتَّ ٰى يُ َغيِّ ُرو ْا َما بَِأنفُ ِ
س ِهم﴾.2 بِقَ ٍ
التغي ير هن ا ُأس نِد إلى المجتم ع ،فه و فِعْلهم ،إب داعهم وإرادتهم .والنتيج ة لتغي يرهم م ا
بأنفسهم هو التغيير في بناء المجتمع بأكمله .والسنّة التاريخيّ ة هن ا ص يغت بِلُغ ة القض يّة
الشرطيّة ،ويُمثِّل إبداع اإلنس ان واختي اره موض وع الش رط في ه ذه القض ية الش رطيّة.
وعليه ،ففي مثل هذه الحالة تصبح هذه السنّة متالئمةً تماما ً مع اختيار
إن السنّة حينئ ٍذ تقضي اختي ار اإلنس ان ،وتزي ده اختي اراً وق درةً وتم ُّكن ا ً من
اإلنسان ،بل ّ
أن ذلك القانون الطبيع ّي لغلي ان الم اء يَزي د ِمن قُ درة اإلنس ان؛ التصرّف في موقفه ،كما ّ
أن يتح َّكم في الغليان ،بع د الطّراده وقدرة اإلنسان على االستفادة منه؛ ألنّه يستطيع حينئ ٍذ ْ
الص يَغ الش رطيّة ،فهي في أن َع ِرفَ ش روطه وظروف ه .ك ذلك الس نن التاريخيّ ة ذات ِ ْ
وليست نقيضا ً الختيار اإلنسان ،ب ل هي مؤ ِّكدةْ الحقيقة ليست على حساب إرادة اإلنسان،
أن يقتبِس م ا يري ده من ه ذه وتوض ح لإلنس ان نت ائج؛ لكي يس تطيع ِّْ الختي ار اإلنس ان،
النتائج.
﴿وَألَّ ِو ٱسـتَ ٰقَ ُمو ْا َعلَى ٱلطَّ ِريقَـ ِة َأَلسـقَي ٰنَ ُهم َّما ًء
وكذا الحال في آيات ُأخر ،كقول ه -تع الىَ :-
َغد َٗقا﴾.1
وقوله -تعالىَ ﴿ :-وتِل َك ٱلقُ َر ٰى َأهلَك ٰنَ ُهم لَ َّما ظَلَ ُمو ْا َو َج َعلنَا لِ َمهلِ ِك ِهم َّمو ِعدٗ ا﴾.2
إنفإن السنن التاريخيّة ال تجري من فوق يد اإلنسان ،بل تجري من تحت ي ده ،ف ّ وهكذاّ ،
ٰ
س ـ ِهم﴾َ ﴿ ،وَألَّ ِو ٱس ـتَقَ ُمو ْا َعلَى ٱلطَّ ِريقَــ ِة
ــوم َحتَّ ٰى يُ َغيِّ ُرو ْا َمــا بَِأنفُ ِ
هللا ﴿ِإنَّ ٱهَّلل َ اَل يُ َغيِّ ُر َمــا بِقَ ٍ
َأَلسقَي ٰنَ ُهم َّما ًء َغد َٗقا﴾.
143 إذاً ،ث ّمة مواقف إيجابيّة لإلنسان تمثِّل حريّته واختياره وتصميمه ،وهذه المواق ف تس تتبع
ضمن عالقات السنن التاريخيّة جزاءاتها ومعلوالته ا المناس بة .وعلى ه ذا ،ف ّ
إن اختي ار
اإلنسان له موضعه الرئيس في التص ّور القرآن ّي لسنن التاريخ.
المفاهيم الرئيسةـ
-تبنّى القرآن الكريم فكرة وجود سنن للتاريخ وذكر نماذج منها.
االطّراد.
ربّانيّة السنن التاريخيّة.
كون اختيار اإلنسان ضمن عوامل السنن التاريخيّة.
اذكر نموذجا أو اثنين من السنن التاريخيّة التي ذكرت في الق رآن الك ريم غ ير الم ذكورة
في المتن.
144
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.1يش رح كيفي ة تط بيق المنهج الموض وعي للموض وع الق رآني على الس نن والق وانين
التاريخيّة في القرآن الكريم.
.2يتعرّف إلى دور ال دين كس نّة تاريخيّ ة في الص يغة االجتماعيّ ة كم ا طرحه ا الق رآن
الكريم.
145
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
146
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
1
الدّين سنّة تاريخيّة
147
إن الدين ليس مقولةً من المقوالت التي اصطنعها اإلنسان ،بل ال ّدين أن يقول ّ القرآن يريد ْ
خلق هللا ،فطرة هللا التي فطر الناس عليها .و (ال) الواردة في ﴿اَل تَب ِدي َل
1هذا الدرس منقول بتص ّرف من :الشهيد الصدر ،المدرسة القرآنية ،مصدر سابق ،ص.103 - 93
2سورة الروم ،اآلية .30
3سورة الشورى ،اآلية .13
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ونحن ،حينما نالح ظ المجتمع ات البش ريّة ،نج د أنّه ا جميع ا ً تش ترك في العنص ر األ ّول
والعنص ر الث اني ،فال يوج د مجتم ع من بال إنس ان يعيش م ع أخي ه اإلنس ان ،وال يوج د
مجتم ع بال أرض أو طبيع ة يم ارس اإلنس ان عليه ا دوره االجتم اع ّي .وفي ه ذين
العنصرين تتّفق المجتمعات التاريخيّة والبشريّة.
ّ
ولكن المجتمع ات مجتمع عالق ةٌ كم ا ذكرن ا،
ٍ وأ ّما العنصر الثالث ،وهو العالقة ،ففي كلِّ
تختلف في طبيعة هذه العالقة ،وفي كيفيّة صياغتها .فالعنصر الثالث هو العنص ر ال َم ِرن
والمتح ِّرك من عناصر المجتمع ،وك ّل مجتمع يبني هذه العالقة بشكل قد يتّفق وقد يختلف
مع طريقة بناء المجتمع اآلخر لها.
إحداهما :صيغة رباعيّة :هي الصيغة التي ترتبط بموجبها الطبيعة واإلنسان م ع اإلنس ان
-هذه أطراف ثالثة ،-ولكن مع افتراض طرف راب ع -أيض اً -للعالق ة االجتماعيّ ة .وه ذا
الطرف الرابع ليس داخالً في إطار المجتمع ،وإنّما خ ارج عن إط اره ،م ع كون ه مق ِّوم ا ً
المقومات األساسيّة للعالقة االجتماعيّة .هذه الصيغة الرباعيّة للعالقة االجتماعيّة ذات
ِّ من
األبعاد األربعة هي التي طرحها القرآن الكريم تحت اسم« :االستخالف».
149
االستخالف إذاً( :هو العالقة االجتماعيّ ة من زاوي ة نظ ر الق رآن الك ريم) .وعن د تحلي ل
ف علي ه،ف ،ومس ت َْخلَ ٍ
االس تخالف ،نج د أنّ ه ذو أربع ة أط راف؛ ال ب ّد من مس تخلِ ٍ
رف راب ع في ومستخلَف .إذاً ،مض افا ً إلى اإلنس ان وأخي ه اإلنس ان والطبيع ة ،يوج د ط ٌ
طبيع ة وتك وين عالق ة االس تخالف وه و المس تخلِف؛ إذ ال اس تخالف ب دون مس تخلِف،
فالمس تخلِف ه و هللا س بحانه وتع الى ،والمس تخلَف ه و اإلنس ان وأخ وه اإلنس ان؛ أي
اإلنسانيّة كك ّل أو الجماعة البشريّة ،والمستخلَف عليه هي األرض وما عليها و َمن عليها.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
ه ذه الص يغة االجتماعيّ ة الرباعيّ ة األط راف ،ال تي ص اغها الق رآن الك ريم تحت اس م
نظر تقول :إنّه ال س يّد
ٍ نظر معيّنة نحو الحياة والكون ،بوجهة
ٍ االستخالف ،ترتبط بوجهة
وإن دور اإلنسان في ممارسة حياته إنّم ا وال إلهَ للكون وللحياة إاّل هللا -سبحانه وتعالىّ ،-
ي عالق ة تنش أ بين اإلنس ان والطبيع ة فهي في ه و دور االس تخالف واالس تئمان .وأ ّ
َجوهرها ليست عالقة مالك بممل وك ،وإنّم ا هي عالق ة أمين على أمان ة اس تُؤ ِمنَ عليه ا.
ي عالقة تنشأ بين اإلنسان وأخيه اإلنسان -مهما كان المركز االجتماع ّي لهذا أو ل ذاك- وأ ّ
فهي عالقة استخالف وتفاعل بقدر م ا يك ون ه ذا اإلنس ان مؤدِّي ا ً ل واجب ه ذه الخالف ة،
وليست عالقة ِسيَادَة أو ألُو ِهيَّة أو مالكيّة.
في مقابل هذه الصيغة ،يوجد للعالقة االجتماعيّة ص يغة ثالثيّ ة األط راف ،ص يغة ترب ط
بين اإلنسان واإلنس ان وبين اإلنس ان والطبيع ة ،ولكنّه ا تقط ع ص لة ه ذه األط راف م ع
الط رف الراب ع .تُج رّد ت ركيب العالق ة االجتماعيّ ة عن البُع د الراب ع ،عن هللا س بحانه
وتعالى ،وبهذا تتح ّول نظرة ك ّل جزء إلى الجزء اآلخر داخ ل ه ذا ال تركيب وداخ ل ه ذه
الصيغة.
أن البداي ة هي اإلنس ان وج دت األل وان وبعد أن ُعطّ ل البُع د الراب ع ،وبَ ْع د ْ
أن افتُ رض ّ
المختلف ة لل ِم ْلكي ة والس يادة ،س يادة اإلنس ان على أخي ه اإلنس ان بأش كالها المختلف ة ال تي
150 عت على مسرح الص يغة الثالثي ة أش كال ال ِملكي ة وأش كال استعرضها التاريخ .حينئ ٍذ تن ّو ْ
السيادة ،سيادة اإلنسان على أخيه اإلنسان.
وبالت دقيق في المقارن ة بين الص يغتين ،الص يغة الرباعيّ ة والص يغة الثالثيّ ة ،يتّض ح ّ
أن
إضافة الطرف الرابع للصيغة الرباعيّة ليس مج رّد إض افة عدديّ ة ،وليس مج رّد ط رف
إن ه ذه اإلض افة تُح ِدث تغي يراً نوعيّ ا ً في بُ ْني ة
جديد يُضاف إلى األطراف األخرى ،بل ّ
العالقة االجتماعيّ ة ،وفي ت ركيب األط راف الثالث ة األخ رى نفس ها .ليس األم ر مج رّد
عمليّة جمع لثالثة بإضافة واحد ،بل هذا الواحد الذي يُضاف إلى الثالثة سوف
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
يُعطي للثالثة روحا ً ُأخ رى ومفهوم ا ً آخ ر ،س وف يُح دث تغي يراً أساس يّا ً في بُ ْني ة ه ذه
العالقة ذات األطراف األربعة كما رأينا؛ إذ يعود اإلنسان مع أخيه اإلنسان مجرّد شركاء
في حمل هذه األمانة واالستخالف ،وتع ود الطبيع ة -بك ّل م ا فيه ا ِمن ث روات وبك ّل م ا
عليها و َمن عليها -مجرّد أمانة ،ال ب ّد من رعاية واجبها وأداء حقّها .ه ذا الط رف الراب ع
هو في الحقيقة ُمغيِّر نوع ّي لتركيب العالقة.
النحو األ ّول :عرضها تارةً بوصفها فاعليّة ربّانيّة ِمن زاوية دَور هللا س بحانه وتع الى في
ـل ِفي ٱَألر ِ
ض َخلِيفَـ ٗـة﴾. العطاء .وهذا هو العرض ال ذي نق رأه في قول ه تع الىِ﴿ :إنِّي َج ِ
اعـ ٞ
وهذه العالق ة الرُباعيّ ة معروض ة في ه ذا النصّ الش ريف باعتباره ا َج ْعالً من هللا يُمثِّل
الدور اإليجاب ّي والتكريم ّي من ربِّ العالمين لإلنسان.
151 النحو الثاني :وعرض الصيغة الرباعيّة نفسها تارةً أخرى بنحو ارتباطها مع اإلنسان بم ا
هي أمر يتقبّله اإلنسان؛ أي عرضها من زاوية تقبّل اإلنسان لهذه ال ِخالفة ،وذلك في قول ه
ـال فَـَأبَينَ َأن يَح ِملنَ َهــا ت َوٱَألر ِ
ض َوٱل ِجبَـ ِ سبحانه وتعالىِ﴿ :إنَّا ع ََرضنَا ٱَأل َمانَةَ َعلَى ٱل َّ
س ٰ َم ٰ َو ِ
وما َج ُهواٗل ﴾.1 ظلُ ٗ َوَأشفَقنَ ِمن َها َو َح َملَ َها ٱِإل ن ٰ َ
سنُ ِإنَّهُۥ َكانَ َ
اإلنسان وتح َّملها حينما ُعرضت عليه ،لم تُعرض علي ه بوص فها
ُ وهذه األمانة التي تقبَّلها
تكليفا ً أو طلباً ،وليس المقصود من تقبّل هذه األمانة هو تقبّل هذه الخالفة
أن هذا العرض كان معروضا ً على الجب ال أيض اً، على مستوى االمتثال والطاعة بقرينة ّ
وعلى السماوات واألرض أيضاً ،ومن الواضح أنّه ال مع نى لتكلي ف الس ماوات والجب ال
أن هذا العرض ع رض تكوي ن ّي وليس عرض ا ً تش ريعيّاً .ه ذا واألرض .نعرف من ذلك ّ
أن هذه ال َعطيّة الربّانيّة كانت تبحث عن الموض ع المنس ِجم معه ا بطبيعت ه العرض معناه ّ
وبفطرته .الجب ال ال تنس جم م ع ه ذه الخالف ة ،والس ماوات واألرض ال تنس جم م ع ه ذه
العالقة االجتماعيّة الرباعيّة ،أ ّما اإلنسان فهو الكائن الوحيد ال ذي -بحكم تركيب ه ،وبحكم
بُ ْنيته ،وبحكم فطرة هللا التي تق ّدمت في اآلية السابقة -ينس ِجم مع ه ذه العالق ة االجتماعيّ ة
وخالفة.
ذات األطراف األربعة ،وبهذا تصبح أمانة ِ
أن ه ذه العالق ة الرباعيّ ة بين اإلنس ان أن العرض والقبول تكوينيّان ،فهذا يد ّل على ّ وبما ّ
وأخيه والطبيعة والخالق هي سنّة تاريخيّ ة مرك وزة في فط رة اإلنس ان .ونس تخلص من
طرتَ ٱهَّلل ِ ٱلَّتِي فَطَ َر ٱلنَّ َ
اس َعلَي َهــا اَل تَبـ ِدي َل لِ َخلـ ِ
ـق اآلية السابقة ﴿فََأقِم َوج َه َك ِللد ِ
ِّين َحنِ ٗيفا فِ َ
ٰ ٰ
أن ال دين س نّة من س نن الحي اة ،ومن س اَل يَعلَ ُمــونَ ﴾ّ 1 ٱهَّلل ِ َذلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّ ُم َولَ ِكنَّ َأكثَ َر ٱلنَّا ِ
سنن التاريخ بحسب منطق القرآن الكريم.
بنا ًء عليه ،تكون اآلية األولى (الروم ،)30واآلية الثانية (األحزاب )72متطابقتين تماما ً
في مفادهما؛ ألنّه في اآلية األولى قال﴿ :فَـَأقِم َوج َهـ َك ِللـدِّي ِن َحنِ ٗيفـ ا فِطـ َرتَ ٱهَّلل ِ ٱلَّتِي فَطَـ َر
152 أن م ا لق ٱهَّلل ِ ٰ َذلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّ ُم﴾؛ إذ التعبي ُر بال ّدين القيِّم تأكي ٌد على ّ اس َعلَي َها اَل تَب ِدي َل لِ َخ ِ ٱلنَّ َ
هو الفطرة ،وما هو داخل في تكوين اإلنسان وتركيبه وفي مسار تاريخه ،هو الدين القيِّم؛
وأن يكون ُمهَ ْي ِمنا ً عليها .هذه القيموم ة في ال ّدين أن يكون هذا الدِّين قيِّما ً على الحياةْ ، أي ْ
ت في هي التعبير المج َمل في اآلية األولى عن العالق ة االجتماعيّ ة الرباعيّ ة ال تي طُ ِر َح ْ
ــة﴾ ،وآي ة ﴿ِإنَّا ع ََرضــنَا ٱَأل َمانَــةَ َعلَى ض َخلِيفَ ٗــل فِي ٱَألر ِاآلي تين؛ أي في آي ة ﴿ِإنِّي َجا ِع ٞ
ض﴾ .ت َوٱَألر ِ س ٰ َم ٰ َو ِ
ٱل َّ
المفاهيم الرئيسةـ
الدين سنّة من سنن الحياة والتاريخ ،وال ّدين هو ال ّدين القيّم ،وال ّدين القيّم ه و التعب ير عن
العالقة االجتماعيّة الرباعيّة األطراف التي يدخل هللا فيها بُعْداً رابِعاً؛ لكي يح دث تغي يراً
في بُ ْنيَة هذه العالقة ،ال لكي يكون مجرّد إضافة عدديّة.
اخ تر موض وعا ً قرآني ا ً وعالج ه حس ب المنهج ال ذي ذكرن اه في التفس ير الموض وعي
للموضوع القرآني.
153
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
154
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.2ابن فارس ،أحمد بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد الس الم محم د ه ارون،
مكتبة اإلعالم اإلسالمي ،إيران -قم المشرّفة1404 ،هـ.ق ،ط .1
.3ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،نشر أدب الح وزة ،إي ران -قم المش رّفة،
1405هـ.ق ،ال.ط.
.4أجنتس ،غولدتسهير ،مذاهب التفسير اإلس الم ّي ،ترجم ة :عب د الحليم الن ّج ار ،مكتب ة
الخانجي -مصر؛ مكتبة المثنى -بغداد1374 ،هـ.ق 1955 -م ،ال.ط.
.5األص فهان ّي ،ال راغب الحس ين بن محم د ،الحس ين بن محم د ،المف ردات في غ ريب
القرآن ،ال.م ،دفتر نشر الكتاب1404 ،هـ.ق ،ط.2
.6آل موس ى ،عل ّي ،الت دبّر الموض وع ّي في الق رآن الك ريم -ق راءة في المنهجين:
التجميعي والكشفي ،دروس ألقاها :الشيخ علي آل موس ى ،كتبه ا :عب د العزي ز حس ن آل
155
زايد -محمد حسن آل زايد -موسى سعيد البحارنة ،دار كميل للطباع ة والنش ر ،لبن ان -
بيروت1430 ،هـ.ق 2099 -م ،ط.1
.7األندلس ّي ،أبو حيّان محمد بن يوسف ،تفسير البحر المحيط ،تحقيق :الشيخ عادل أحمد
عبد الموج ود -الش يخ عل ّي مح ّم د مع ّوض ،ش ارك في التحقي ق :د.زكريّ ا عب د المجي د
الن وق ّي -د.أحم د النج ول ّي الجم ل ،دار الكتب العلميّ ة ،لبن ان -ب يروت1422 ،هـ.ق -
2001م ،ط.1
.8بازمول ،محمد بن عمر بن سالم ،علم المناسبات في السور واآليات ،المكتب ة المكي ة،
السعودية -مكة المكرمة1423 ،هـ.ق 2002 -م ،ط.1
.9البقاع ّي ،إبراهيم بن عم ر ،مص اعد النظ ر لإلش راف على مقاص د الس ور ،تحقي ق:
ال دكتور عب د الس ميع محم د أحم د حس نين ،مكتب ة المع ارف ،الس عودية -الري اض،
1408هـ.ق 1987 -م ،ط.1
.10البق اع ّي ،إب راهيم بن عم ر ،نظم ال درر في تناس ب اآلي ات والس ور ،دار الكت اب
اإلسالمي ،مصر -
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
156
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.11البيوم ّي ،مح ّمد رجب ،البيان القرآن ّي ،الدار المصرية اللبنانية2005 ،م ،ط.2
.12الجبريّ ،عبد المتعال ،الضالّون كما ص َّورهم القرآن الكريم ،مكتب ة وهب ة ،مص ر -
القاهرة1984 ،م ،ط.2
.13الجصاص ،أحمد بن علي ،أحكام القرآن ،تحقي ق :عب د الس الم محم د علي ش اهين،
دار الكتب العلمية ،لبنان -بيروت1415 ،هـ.ق 1995 -م ،ط.1
.14جعفر ،عبد المقصود عبد الهادي ،تفس ير الق رآن ب القرآن أص وله ومنهج ه ،المعه د
العالي للتربية الرياضية1985 ،م ،ال.ط.
.15جوادي آملي ،الشيخ عبد هللا ،جمال الم رأة وجالله ا ،دار اله ادي ،لبن ان -ب يروت،
1415هـ.ق 1994 -م ،ط.1
.16الحجار ،الدكتور عدي جواد ،األسس المنهجيّة في تفس ير النصّ الق رآن ّي ،ك ربالء-
العتبة الحسينية المق ّدسة ،قسم الشؤون الفكرية والثقافية ،تقديم اللجنة العلمي ة :محم د علي
157 الحلو1433 ،هـ2012 ،م ،ط.1
.17حجازي ،الدكتور مح ّمد ،الوحدة الموضوعيّة في القرآن الكريم ،دار الكتب الحديثة،
1970م ،ط.1
.18الحكيم ،السيد محمد باقر ،تفسير سورة الحمد ،مجم ع الفك ر اإلس المي ،إي ران -قم
المشرّفة1420 ،هـ.ق ،ط.1
.19الحكيم ،السيد محمد باقر ،علوم القرآن ،مجمع الفكر اإلسالمي،إيران -قم المشرّفة،
ربيع الثاني 1417هـ.ق ،ط.3
.20حلس ،مح ّمد عثمان ،اإلرداة اإلنسانيّة في ضوء القرآن الكريم(دراسة موض وعية)-
رسالة ماجستير ق ّدمت للجامعة اإلسالميّة في غ ّزة2009 ،م1430 -هـ.
.21الخال ديّ ،ص الح عب د الفتّ اح ،التفس ير الموض وع ّي بين النّظري ة والتط بيق ،دار
النفائس ،األردن -عمان1433 ،هـ.ق 2012 -م ،ط.3
.22الخ ول ّي ،الش يخ أمين ،دراس ات إس المية ،مطبع ة دار الكتب المص رية ،ال.م،
1996م ،ال.ط.
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.23الخوئي ،السيد أبو القاسم الموسوي ،البيان في تفسير القرآن ،دار الزه راء للطباع ة
والنشر والتوزيع ،لبنان -بيروت1395 ،هـ.ق 1975 -م ،ط.4
.24الدغامين ،زياد خليل مح ّمد ،منهجيّ ة البحث في التفس ير الموض وعي ،دار البش ير،
األردن-عمان1995 ،م ،ط.1
.25الدكتور الفرماويّ ،عبد الحي ،البداي ة في التفس ير الموض وع ّي ،ب.ن1976 ،م ،ط
.1
.26الرازي ،فخر الدين محمد بن عمر ،المحصول ،تحقي ق :ال دكتور ط ه ج ابر في اض
العلواني ،مؤسسة الرسالة ،لبنان -بيروت1412 ،هـ.ق ،ط.2
.27الرازي ،فخر الدين محمد بن عمر ،تفسير الرازي ،ال.م ،ال.ن ،ال.ت ،ط.3
.28رش وان ّي ،س امر ،منهج التفس ير الموض وع ّي للق رآن الك ريم -دراس ة نقديّ ة ،دار
الملتقى ،سوريا -حلب2009 ،م ،ط.1
.29الرضائ ّي األصفهان ّي ،مح ّمد عل ّي ،من اهج التّفس ير واتّجاهات ه -دراس ة مقارن ة في
158
مناهج تفسير القرآن ،تعريب :قاسم البيضائي ،مركز الحضارة لتنمي ة الفك ر اإلس المي،
لبنان -بيروت2008 ،م ،ط.1
.30الرض ي ،الش ريف محم د بن الحس ن ،نهج البالغ ة (خطب اإلم ام علي (علي ه
الس الم)) ،تحقي ق وتص حيح :ص بحي الص الح ،ال .ن ،لبن ان -ب يروت1387 ،هـ.ق -
1967م ،ط.1
.31الرض ّي ،عبد الباسط ،المنهج الموضوع ّي في تفسير القرآن :دراسة تحليلية ونقدي ة،
رسالة دبلوم دراسات عليا ،آداب ابن مسيك :جامعة الحسن الثاني المحمدية2000 ،م.
.32الزبيدي ،السيد محمد مرتضى الحس يني ،ت اج الع روس ،تحقي ق :علي ش يري ،دار
الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان -بيروت1414 ،هـ.ق 1994 -م ،ال.ط.
ُّ .33
الزرْ قان ّي ،مح ّمد عبد العظيم ،مناهل العرفان في علوم القرآن ،مطبعة عيسى الب ابي
الحلبي وشركاه ،مصر -القاهرة1326 ،هـ.ق 1943 -م ،ال.ط.
.36السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،اإلتقان في عل وم الق رآن ،تحقي ق:
سعيد المندوب ،دار الفكر1416 ،هـ.ق 1996 -م ،ط.1
.37الش وكاني ،محم د بن علي ،إرش اد الفح ول إلى تحقي ق الح ق من علم األص ول،
مصطفى البابي الحلبي وأوالده ،مصر1356 ،هـ.ق 1937 -م ،ط.1
.38الشيراز ّ
ي ،الشيخ ناصر مكارم ،نفحات القرآن ،مؤسسة أبي صالح للنش ر والثقاف ة،
ال.م ،ال.ت ،ال.ط.
.39الصدر ،الشهيد السيّد مح ّمد باقر ،المدرسة القرآنيّة ،دار الكت اب اإلس المي ،ال.م1434 ،هـ.ق -
2013م ،ط.2
.40الصدر ،الشهيد السيد محمد باقر ،دروس في علم األصول ،دار الكتاب اللبناني ،لبنان -بيروت،
1406هـ.ق 1986 -م ،ط.2
.41الصدوق ،الشيخ محمد بن علي بن بابويه ،ثواب األعمال ،تقديم :السيد محمد مه دي
159 السيد حسن الخرسان ،منشورات الشريف الرضي ،إي ران -قم المش رّفة1368 ،هـ.ش،
ط.2
.42الصغير ،ال دكتور محم د حس ين ،المستش رقون والدراس ات القرآنيّ ة ،دار الم ؤرخ
العربي ،لبنان -بيروت1420 ،هـ.ق 1999 -م ،ط.1
.43الطباطبائ ّي ،السيد محمد حسين ،الميزان في تفسير القرآن ،مؤسّسة النشر اإلسالم ّي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المش ّرفة ،إيران -قم المش ّرفة ،ال.ت ،ال.ط.
.44الطباطبائ ّي ،العالمة السيّد محمد حسين ،الق رآن في اإلس الم ،تع ريب :الس يّد أحم د
الحسين ّي ،ال.ن ،ال.م ،ال.ت ،ال.ط.
.45الطبرس ّي ،الشيخ الفضل بن الحسن ،مجمع البيان في تفسير القرآن ،تحقيق وتعلي ق:
لجنة من العلماء والمحقّقين األخصّائيّين ،مؤسسة األعلم ّي للمطبوعات ،لبنان -ب يروت،
1415هـ.ق 1995 -م ،ط.1
.46الطريحي ،الشيخ فخر الدين ،مجمع البحرين ،تحقي ق :الس يّد أحم د الحس ين ّي ،نش ر
مرتضوي ،ال.م1362 ،هـ.ش ،ط.2
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.47طه حمد ،طه عابدين ،الصلح في ضوء الق رآن الك ريم ،مجل ة الجامع ة اإلس المية،
السعودية -المدينة المنورة1430 ،هـ.ق 2009 -م ،ال.ط.
.48الطوس ّي ،الشيخ مح ّمد بن الحسن ،التبيان في تفسير القرآن ،تحقيق ونش ر :مؤسّس ة
النشر اإلس الم ّي التابع ة لجماع ة المدرّس ين بقم المش رّفة ،إي ران -قم المش رّفة ،مح رّم
الحرام 1413هـ.ق ،ط.1
.49ع ارف ،لل دكتور معن بن عب د الح ّ
ق ،الح رب النفس ية في ض وء الق رآن الك ريم،
السعودية-الرياض2007 ،م 1428-هـ.
.50عبد الرحمن ،عائشة ،التفسير البيان ّي للقرآن الك ريم ،دار المع ارف ،ال.م1990 ،م،
ط.7
.51عبد السالم ،أبو مح ّمد ع ّز الدين عبد العزيز ،اإلشارة على اإليجاز في بعض أن واع
المجاز ،دار الكتب العلميّة ،لبنان -بيروت1995 ،م ،ط.1
.52عبد المطّلب ،فوزي ،الوحدة الموضوعيّة للسور القرآنية ،كلية التربي ة ،الس عودية -
المدينة المنورة1402 ،هـ.ق 1982 -م ،ط.2
160
.53عالن ،عل ّي عبد هللا عل ّي ،منهج التفسير الموض وع ّي للموض وع الق رآن ّي -ع رض
ونق د وتجدي د ،مجل ة جامع ة الق دس المفتوح ة لألبح اث والدراس ات ،األردن -عم ان،
1433هـ.ق 2012 -م ،ال.ط.
.54الغزالي ،الشيخ مح ّمد ،نحو تفسير موضوع ّي لس ور الق رآن الك ريم ،دار الش روق،
1420هـ2000 ،م ،ط.4
.55القرطب ّي ،محمد بن أحمد ،الجامع ألحكام القرآن ،تحقيق :أحمد ال بردون ّي -إب راهيم
أطفيش ،دار الكتب المصريّة ،مصر -القاهرة1384 ،هـ.ق 1964 -م ،ط.2
.56كسّار ،ج واد عل ّي ،المنهج ال ترابط ّي ونظريّ ة التأوي ل :دراس ة في تجرب ة التفس ير
الكاشف ،دار الصادقين ،إيران -قم المشرّفة1420 ،هـ.ق 2000 -م ،ط.1
.57الكلين ّي ،الشيخ مح ّمد بن يعقوب ،الكافي ،تحقيق وتصحيح :علي أكبر الغف اري ،دار
الكتب اإلسالميّة ،إيران -طهران1363 ،هـ.ش ،ط.5
علوم القرآن والتفسير
سلسلة المعارف التعليمية
.58المجلس ّي ،العاّل مة مح ّم د ب اقر بن مح ّم د تق ّي ،بح ار األن وار الجامع ة ل درر أخب ار
األئ ّمة األطهار (عليهم السالم) ،مؤسّسة الوفاء ،لبنان -ب يروت1403 ،هـ.ق 1983 -م،
ط.2
.59مس لم ،مص طفى ،مب احث في التفس ير الموض وع ّي ،دار القلم ،ال.م1426 ،هـ.ق -
2005م ،ط.4
.60المظفر ،الشيخ محمد رضا ،أصول الفقه ،مؤسسة النشر اإلس المي التابع ة لجماع ة
المدرسين بقم المش ّرفة ،إيران -قم المشرّفة ،ال.ت ،ال.ط.
161