You are on page 1of 32

‫االعتراض على الحكم الغيابي‬

‫االعتراض على الحكم الغيابي‬


‫ملخص‬
‫هدفت الدراسة الحالية إلى تعريف عام باالعتراض والطعن والحكم وأصول المحاكمات‪ ،‬وبيان آراء‬
‫الفقهاء في الحكم على الغائب‪ ،‬وبيان التطبيقات العملية لالعتراض على الحكم الغيابي في أصول المحاكمات‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪The present study aimed at defining a general objection and appeal,‬‬
‫‪governance and due process, and the statement of the views of scholars in‬‬
‫‪judgment on the absent, and the statement of the practical applications of‬‬
‫‪objection to the judgment in the Procedural legitimacy.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫الحمد هلل رب الع المين‪ ،‬ال ذي ال معقب لحكمه وال راد لقض ائه‪ ،‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده‬
‫ال شريك له‪ ،‬منصف المظلومين‪ ،‬وقاهر الظالمين‪ ،‬وهو اآلمر بالعدل والقسط واهلل يحب المقسطين‪.‬‬
‫وأشهد أن محمداً رسول اهلل‪ ،‬الذي أرسل رحمة للعالمين‪ ،‬ونصرة للمظلومين‪ ،‬وإ مام اً للمتقين‪ ،‬فصالة‬
‫اهلل وسالمه عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫أستاذ مساعد‪ ،‬كلية الشريعة‪ ،‬جامعة‪ :‬اليرموك‪.‬‬ ‫*‬


‫ف إن علم القض اء من أج ّل العل وم ق دراً‪ ،‬وأش رفها ذك راً‪ ،‬وأعزها مكان اً؛ ألنه مق ام علي‪،‬‬
‫ومنصب نب وي‪ ،‬وتعلم علم القض اء ش رف لص احبه؛ ألنه أش رف العل وم ال تي رس خت بها دع ائم‬
‫اإلس الم‪ ،‬وعلت بها ش ريعة س يدنا محمد ‪ ،‬وإ ن أهم ما ي درس في علم القض اء ال دعوى واإلدع اء‪،‬‬
‫فش ريعتنا حين ش رعت لنا التح اكم جعلت ذلك ه دفاً وغايته الع دل‪ ،‬ووس يلته ال دعوى‪ ،‬واإلنس ان ال‬
‫يصل لحقه إال من خالل هذا النهج السوي الذي رسمته تلك الشريعة التي ال يأتيها الباطل أبداً‪.‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)391‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫كما أن تحقق العدل في األحكام غاية مقصودة في تشريع اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬قال تعالى‪ِ :‬إ َّن‬
‫اس َأ ْن تَحْ ُك ُموا بِ ْال َع ْد ِل ۚ ِإ َّن هَّللا َ نِ ِع َّما يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه ۗ ِإ َّن هَّللا َ‬ ‫هَّللا َ يَْأ ُم ُر ُك ْم َأ ْن تَُؤ ُّدوا اَأْل َمانَا ِ‬
‫ت ِإلَ ٰى َأ ْهلِهَا َوِإ َذا َح َك ْمتُ ْم بَ ْينَ النَّ ِ‬
‫ص‪:‬يرًا‪ ،)1(  ‬ف إذا رأى القاضي أن حكمه جانبه الص واب ف إن الرج وع إلى الحق خ ير من‬
‫َكانَ َس‪ِ :‬ميعًا بَ ِ‬
‫التم ادي في الباط ل‪ ،‬وهو ما أرشد إليه عمر بن الخط اب في رس الته المش هورة ألبي موسى‬
‫األشعري‪.‬‬
‫ومن أبسط الحق وق للم دعى عليه أن ُيبلغ بال دعوى ال تي أقيمت بحق ه؛ لكي يتمكن من ال دفاع‬
‫عن نفسه‪ ،‬وإ ننا نجد في وقتنا الحاضر كثيراً من الناس يحكم بالدعوى وال يبلغ بشيء يذكر وال يك ون‬
‫لديه أي معرفة بما يح اك ض ده‪ ،‬وه ذا ال يس تغرب إذا علمنا أننا في زمن ض عفت فيه ذمم الن اس‪،‬‬
‫وفس دت أخالقهم‪ ،‬وب ات كث ير من الن اس يس تغلون القض اء من أجل الحص ول على حق وق دون وجه‬
‫ح ق‪ ،‬وقد يس اعدون في بعض األحي ان من قبل من فق دوا ال وازع ال ديني في وظ ائفهم ممن يعمل ون‬
‫داخل المحاكم‪.‬‬
‫وقد جاء هذا البحث ليعالج مسألة مهمة جداً‪ ،‬وهي كيفية االعتراض على الحكم الغيابي‪ ،‬وهو‬
‫من الطع ون العادية ال تي أخ ذت به المح اكم الش رعية‪ ،‬ولم تأخذ به المح اكم النظامي ة‪ ،‬ونظ راً لقلة‬
‫المؤلف ات في ه ذا الموض وع‪ ،‬ج اء ه ذا المبحث لي بين رأي العلم اء في الحكم الغي ابي‪ ،‬وكيفية‬
‫االع تراض علي ه‪ ،‬واإلج راءات ال تي تُتبع عند االع تراض‪ ،‬وإ ن ني ومن خالل مهن تي كمح ٍام في‬
‫المح اكم الش رعية‪ ،‬أرى أن بعض الن اس يفقد حقه في ال دفاع عن نفس ه‪ ،‬أو الوص ول إلى حقه بس بب‬
‫جهله بإجراءات االعتراض على الحكم الغيابي‪ ،‬وقد يصبح الحكم قطعي بسبب هذا الجهل‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫إن الوص ول للحق هو الغاية ال تي يس عى اإلس الم لنيلها من خالل تش ريعاته‪ ،‬وال دعاوى ال تي‬
‫تث ار قد يك ون من بين أص حابها من هو ص احب ح ق‪ ،‬ومن هو على باط ل‪ ،‬وقد يفقد اإلنس ان حقه‬
‫بسبب جهله بأصول التقاضي‪ ،‬وكيفية االعتراض على األحكام‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ :‬آية (‪.)٥٨‬‬ ‫‪1‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)392‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫كما أن اإلنس ان قد ال يبلغ بال دعوى المرفوعة ض ده‪ ،‬وقد يعلم من اآلخ رين بطريق الص دفة‪،‬‬
‫أو أن يبلغ بالحكم األخير في الدعوى المرفوعة ضده‪ ،‬فال يعرف كيف يدافع عن نفسه‪ ،‬لذلك جاء هذا‬
‫البحث يجيب عن األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫ما معنى االعتراض على الحكم الغيابي‪ ،‬وما هي وآراء الفقهاء في الحكم على الغائب؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي اإلج راءات المتبعة في ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية لالع تراض على الحكم‬ ‫‪‬‬
‫الغيابي‪ ،‬وآثار هذا االعتراض وشروطه؟‬
‫ما هي اآلثار القانونية المترتبة على االعتراض على الحكم الغيابي؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي ق رارات محكمة االس تئناف الش رعية األردنية في موض وع االع تراض على الحكم‬ ‫‪‬‬
‫الغيابي؟‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تكمن أهمية ه ذا البحث في أنها تق دم معالجة متخصصة لموض وع االع تراض على الحكم‬
‫الغيابي بشكل عام‪ ،‬وستبين تطبيقاته في المحاكم الشرعية األردنية‪ ،‬وتأتي أهميته أيض اً من الحاجة‬
‫الملحة لتوجيه الناس لحقوقهم؛ ليستطيعوا الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬بمعرفة اإلجراءات الضرورية‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫أراد الب احث من ه ذا البحث معالجة موض وع االع تراض على الحكم الغي ابي‪ ،‬بدراسة متخصصة‬
‫لموض وع االع تراض على الحكم الغي ابي بش كل ع ام‪ ،‬وتطبيقاته في المحاكم الشرعية األردنية‪ .‬كما‬
‫حرص هذا البحث على االهتمام باالعتراض وتطبيقاته‪ ،‬وإ ن غياب الدراسة في هذا الموضوع يوقع‬
‫في الحرج لعدم وجود دراسة متخصصة فيه‪.‬‬

‫مسوغات الدراسة‪:‬‬
‫لم يجد الب احث دراسة متخصصة في ه ذا الموض وع‪ ،‬تجمع ما بين الفق ه‪ ،‬والق انون‪ ،‬وأص ول‬
‫المحاكم ات الش رعية‪ ،‬والق رارات الص ادرة عن محكمة االس تئناف الش رعية‪ ،‬فج اء ه ذا البحث ليسد‬
‫فجوة صغيرة في هذا المجال‪.‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)393‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫وجد الب احث بعض الدراس ات ال تي تعرضت للموض وع بش كل ع ام دون الخ وض في‬
‫التفاصيل‪ ،‬وفيها‪:‬‬
‫‪ .1‬شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية ونظام القضاء الشرعي"‪ ،‬عبد الناصر أو البصر‬
‫وه ذا كت اب جيد تح دث عن أص ول المحاكم ات بش كل ع ام وش رح بعض ح واره‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يفصل موضوع االعتراض على المحكم الغيابي وهذا ما تناوله هذا البحث‪.‬‬
‫‪" .2‬أص ول المحاكم ات الش رعية"‪ ،‬أحمد محمد علي الداود‪ ،‬وهو دراسة متخصصة في أص ول‬
‫المحاكمات بشكل عام وهذا ما يجعله مختلفاً عن موضوع البحث‪.‬‬
‫‪" .3‬أص ول المحاكم ات الش رعية اإلس المية"‪ ،‬حس ين عبد الس ميع إب راهيم‪ ،‬وهو دراسة‬
‫متخصصة في أص ول المحاكم ات بش كل ع ام‪ ،‬وه ذا يجعل دراسة الب احث مختلفة نظ راً‬
‫لتركيزها على موضوع االعتراض بشكل خاص‪.‬‬
‫‪ .4‬األص ول القض ائية في المرافق ات الش رعية‪ ،‬علي قراعه ‪ ،‬تن اول المؤلف اإلج راءات‬
‫القض ائية بش كل م وجز‪ ،‬ورغم مكانته العلمية إال أنه لم يتع رض لالع تراض على الحكم‬
‫الغيابي كإجراءات نظرية وعملية‪ ،‬وهذا ما يميز البحث عن غيره‪.‬‬
‫‪ .5‬أص ول المرافق ات الش رعية في مس ائل األص ول الشخص ية‪ ،‬أن ور العمروس ي‪ ،‬حيث تن اول‬
‫الب احث األص ول القض ائية للمرافق ات الش رعية من تس جيل ال دعوى ولغاية الفصل بينه ا‪،‬‬
‫ولكنه لم يتعرض للحكم الغيابي بطريقة تجمع بين اإلجراءات النظرية العلمية‪ ،‬وهي ميزة‬
‫هذا البحث‪.‬‬
‫‪ .6‬نظرية ال دعوى بين الش ريعة اإلس المية والق انون‪ ،‬ومجد نعيم ياس ين‪ ،‬فقد تع رض ه ذا‬
‫الكت اب للمحكم الغي ابي واختالف ات الفقه اء فيه‪ ،‬ولكنه لم يتع رض لإلج راءات التطبيقية في‬
‫الحكم الشرعية فيما يخص الحكم الغيابي وهو موضوع البحث‪.‬‬
‫‪ .7‬وإ ن جميع المراجع السابقة رغم قيمتها العلمية إال أنها لم تتعرض إلجراءات الحكم الغي ابي‬
‫وكيفته االعتراض عليه‪.‬‬
‫خطة الدراسة‪:‬‬
‫وقد كانت خطة الدراسة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫مقدمـ ــة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)394‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫مشكلة الدراسة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أهميــة الدراسـة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مسوغـات الدراسة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الدراسـات السابقة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف ع ام ب االعتراض‪ ،‬والطعن‪ ،‬والحكم‪ ،‬وأص ول المحاكم ات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وآراء الفقهاء في الحكم على الغائب‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف عام باالعتراض‪ ،‬والطعن‪ ،‬والحكم‪ ،‬وأصول المحاكمات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف الحكم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف أصول المحاكمات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬مشروعية الطعن ومنه االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬آراء الفقهاء في الحكم على الغائب‬ ‫‪‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المانعون من الحكم على الغائب‬ ‫‪‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مجيزو الحكم على الغائب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬القضاء على الغائب في المحاكم الشرعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التطبيقات العملية لالعتراض على الحكم الغيابي في أصول المحاكمات‬ ‫‪‬‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الشروط العامة لالعتراض على الحكم الغيابي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المحكمة المختصة بنظر االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مهل الطعن‪ /‬المدة التي يجوز بها االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أثر تقديم االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬اإلجراءات التي تحكم االعتراض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬األثر المترتب على عدم تبليغ الحكم الغيابي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الخاتمة والتوصيات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المراجع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)395‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫وأخيراً فإنني أعلم أن كل جهد بشري ال يخلو من األخطاء‪ ،‬والهفوات‪ ،‬والزالت‪ ،‬فإن وفقت‬
‫فمن اهلل وإ ن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان واهلل من وراء القصد‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫ي رى العلم اء أن األصل في الحكم القض ائي الص حة وتحقيق العدالة إذا ص در وفق الش روط‬
‫الشرعية‪ ،‬ومن ثم استحقاق التنفيذ‪ ،‬كما ال يلبى طلب أحد بإعادة النظر في القضية‪ ،‬وال بتأجيل تنفيذ‬
‫الحكم أو نقضه‪ ،‬إذا كان هذا الطلب مبني اً على مجرد احتمال‪ ،‬ولم يقترن بدليل مقبول يقتضي فائدة‬
‫جدي دة من اإلع ادة (‪ ،)2‬أي أن الحكم القض ائي يح وز حجية ذات ق وة مح ددة من أول األم ر‪ ،‬وهي‬
‫اعتب اره محق اً وع ادالً من حيث الظ اهر‪ ،‬وه ذه الق وة تجعله مس تحق التنفي ذ‪ ،‬وه ذه الحجية يجب على‬
‫كل القضاة احترامها(‪.)3‬‬
‫ق ال العلم اء أن الحكم القض ائي ُيحمل على الص حة ما لم يثبت الج ور(‪ ،)4‬فالص ورة العامة أن‬
‫توى واحد من التقاض ي‪ ،‬ومع ذلك نجد في بعض األحي ان أن عملية‬
‫عملية التقاضي تج ري على مس ً‬
‫التقاضي تج ري على أك ثر من مرحل ة‪ ،‬وهو ما يوافق ما ذهبت إليه الق وانين الحديثة حين جعلت‬
‫ط رق الطعن في األحك ام إلبط ال الحكم‪ ،‬أو إلص الح خطأ يش وبه في تط بيق الق انون‪ ،‬أو لتقرير‬
‫الوق ائع‪ .‬ومن ه ذه الط رق‪ :‬االع تراض على الحكم الغي ابي ال ذي أخذ به ق انون أص ول المحاكم ات‬
‫الشرعية األردنية ‪-‬بخالف المدني‪ -‬وجعل هذا من طرق الطعن العادية في األحكام‪ ،‬وعليه يحاول‬
‫الباحث من خالل بحثه معالجة هذا الموضوع فقه اً‪ ،‬وقانون اً‪ ،‬وبيان كيفية إجراء وتطبيق هذا الطعن‬
‫في القانون‪ ،‬وعلى مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف ع‪BBBBBBB‬ام ب‪BBBBBBB‬االعتراض‪ ،‬والطعن‪ ،‬والحكم‪ ،‬وأص‪BBBBBBB‬ول‬


‫المحاكمات‪ ،‬وآراء الفقهاء في الحكم على الغائب‬

‫(?) العق بى (محمد حس ين)‪ ،‬تكملة المجم وع‪ ،‬نشر المكتبة الس لفية–المدينة المن ورة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪،283‬‬ ‫‪2‬‬

‫وياس ين‪ ،‬محمد نعيم‪ ،‬حجية الحكم القض ائي بين الش ريعة اإلس المية والق وانين الوض عية‪ ،‬دار الفرق ان‪-‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ‪1984-‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(?) ياسين‪ ،‬حجية الحكم القضائي‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن فرح ون‪ ،‬بره ان ال دين أبي الوف اء إب راهيم ابن اإلم ام ش مس ال دين‪ ،‬تبص رة الحك ام في أص ول‬ ‫‪4‬‬

‫األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت سنة ‪1422‬هـ‪2001-‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.83‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)396‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫يع نى ه ذا المبحث ببي ان مفه وم االع تراض‪ ،‬والطعن‪ ،‬والحكم‪ ،‬وأص ول المحاكم ات‪ ،‬وبي ان‬
‫آراء الفقهاء في الحكم على الغائب‪ ،‬ونبين ذلك في المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف عام باالعتراض‪ ،‬والطعن‪ ،‬والحكم‪ ،‬وأصول المحاكمات‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬تعريف االعتراض‬
‫يع رف االع تراض بأن ه‪ ":‬تظلم يتق دم بموجبه المحك وم عليه غيابي اً إلى نفس المحكمة ال تي‬
‫أصدرت الحكم بحقه‪ ،‬وذلك بقصد إلغائه وسحبه"‪ ،‬وجاء تعريفه ويعرف بأنه‪" :‬إعادة طرح القضية‬
‫من جديد على المحكمة التي أصدرت الحكم‪ ،‬والتي لم تستنفذ واليتها بعد عن نظر القضية"(‪.)5‬‬

‫فه ذا الطريق للطعن في األحك ام‪ُ ،‬يتَّبع في ح ال ك ون الحكم الم راد الطعن فيه من األحك ام‬
‫الغيابي ة‪ ،‬فال يج وز االع تراض على الحكم الوج اهي‪ ،‬فثمة وس ائل أخ رى للطعن في تلك األحك ام‪،‬‬
‫وأج از الق انون للمحك وم عليه في المحاكمة الغيابية أن يطعن فيه بطريق االع تراض على الحكم‬
‫الغيابي‪ ،‬وأجاز له كذلك الطعن بالحكم الغيابي أمام محكمة االستئناف الشرعية(‪.)6‬‬
‫ومن المناسب هنا تعريف الطعن في األحك ام‪ ،‬ألن االع تراض ن وع من أن واع الطع ون‬
‫العادي ة‪ .‬ف الطعن في الق انون‪" :‬أن يرفع المحك وم عليه الحكم إلى س لطة عليا طالب اً نقض ه؛ ألس باب‬
‫ترجع إلى القانون ال إلى الوقائع‪ ،‬وطرق الطعن" هي وسائل قانونية وضعت لمصلحة الخصم الذي‬
‫يتظلم من ص دور حكم معيب‪ ،‬أو ال يتفق مع العدال ة؛ لع دم انطباقه على الوق ائع أو الق انون‪ ،‬لتمكينه‬
‫من إبطال هذا الحكم‪ ،‬أو إصالحه‪ ،‬وتفادي الضرر الناتج عنه"(‪.)7‬‬
‫ويتس اءل الب احث هنا عن الس بب ال ذي جعل المحكم الدنية ال تأخذ ب االعتراض على المحكم‬
‫الغي ابي‪ ،‬رغم أنه طريق من ط رق الطعن في األحك ام‪ -‬الط رق العادي ة‪ ،‬ورغم أخ ذها بط رق الطعن‬
‫األخرى‪.‬‬

‫(?) ص بحي‪ ،‬محم د‪ ،‬أص ول المحاكم ات الجزائية األردني رقم ‪ 9‬لس نة ‪ ،1961‬أحك ام تطبيقي ة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪5‬‬

‫سنة ‪ ،1998‬ص ‪.503‬‬


‫(?) االع تراض على الحكم الغي ابي معم ول به في المح اكم الش رعية بخالف المح اكم النظامي ة‪ ،‬إال في‬ ‫‪6‬‬

‫األحكام الجزائية فقط؛ أبو البصل‪ ،‬عبد الناصر‪ ،‬شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية ونظام القضاء‬
‫الشرعي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫(?) عيد‪ ،‬ادوارد‪ ،‬موسوعة أصول المحاكمات واإلثبات والتنفيذ‪ ،‬سنة ‪ ،1986‬ج‪ ،5‬ص ‪.5‬‬ ‫‪7‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)397‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف الحكم‬


‫ع رفت مجلة األحك ام العدلية الحكم القض ائي في الم ادة (‪ )1786‬ب القول "الحكم عب ارة عن‬
‫قطع القاضي المخاصمة وحسمه إياها"(‪ ،)8‬وعرفه بعض الفقهاء بقولهم‪" :‬فصل الخصومة"(‪ ،)9‬وهذا‬
‫تعريف ق ريب لمجلة األحك ام العدلي ة‪ ،‬وعرفه ال دكتور محمد نعيم ياس ين بقول ه‪" :‬فصل الخص ومة‬
‫بقول‪ ،‬أو فعل يصدر عن القاضي‪ ،‬ومن في حكمه بطريق اإللزام"(‪.)10‬‬
‫وعرفه بعض علم اء الق انون بأن ه‪ :‬ما يص دره القاضي ويك ون خاتمة المط اف بالنس بة لنظ ره‬
‫ال في الخصومة وفي موضوع الدعوى‪ ،‬ويقال له الحكم القطعي الذي يحسم به‬
‫للدعوى‪ ،‬ويكون فص ً‬
‫النزاع في الخصومة كلها‪ ،‬أو في شق منها(‪.)11‬‬
‫ويختلف الحكم القض ائي عن الق رار القض ائي ال ذي تص دره المحكمة أثن اء نظرها في القض ية‬
‫وح تى ص دور الحكم فيه ا‪ ،‬فيك ون الحكم هو الق رار األخ ير في ال دعوى"(‪ .)12‬وي رى الب احث أنه من‬
‫الممكن تعريفه بأنه‪" :‬القرار الصادر من هيئة قاضية معينة فاصالً في النزاع"‪.‬‬
‫وهنا ال بد من األخذ بعين االعتبار أن الحكم القضائي هو الذي يأتي بنهاية المحكمة المنظورة‬
‫في المحكمة االبتدائية‪.‬‬
‫وعليه فإنه يمكننا أن نعرف الحكم الوجاهي بالقول‪ :‬هو الحكم الذي يصدر بمواجهة الطرفين‬
‫وحض ورهما لجلس ات الدعوى‪ ،‬ويعت بر الحكم وجاهي ًا فيما لو حضر المدعى عليه جلسة من جلس ات‬
‫المحاكمة أو أكثر‪ ،‬وتخلف بعد ذلك عن الحضور‪ .‬أي أن القانون اعتبر المحاكمة الوجاهية بحضور‬
‫الم دعى عليه جلسة واح دة فق ط‪ ،‬ح تى لو غ اب بعد ذل ك‪ ،‬وه ذا ما اس تقر عليه العمل في المح اكم‬
‫الشرعية األردنية‪ ،‬ومحكمة االستئناف الشرعية‪.‬‬
‫أما الحكم الغي ابي يك ون ع دا الحكم الوج اهي؛ أي أن الم دعى عليه يص در بحقه الحكم دون‬
‫ات المحاكمة(‪.)13‬‬ ‫وره أي جلسة من جلس‬ ‫حض‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف أصول المحاكمات الشرعية‬

‫مسلم‪ ،‬أحمد‪ ،‬أصول المرافعات‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص ‪.678‬‬ ‫(?)‬ ‫‪11‬‬

‫أبو البصل‪ ،‬شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫(?)‬ ‫‪12‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)398‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫تع رف أص ول المحاكم ات بتعريف ات عدي دة ش املة ومنه ا‪" :‬القواعد ال تي تبحث وتنظم‬
‫اإلجراءات الواجب إتباعها؛ لتطبيق أحكام القانون"(‪ .)14‬ومن الممكن أن تعرف بأنها‪" :‬القواعد التي‬
‫تنظم القض اء والتقاض ي"(‪ .)15‬ومن الممكن أن نعرفها بأنها "القواعد واإلج راءات ال تي تتخذ من قبل‬
‫القاضي‪ ،‬إلعطاء كل ذي حق حقه"‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬مشروعية الطعن ومنه االعتراض‬
‫الطعن باألحك ام له ارتب اط بمس ألة نقض قض اء القاض ي‪ ،‬ولم ينقل لنا أن القض اء ك ان على‬
‫درجتين أو أكثر في الشريعة اإلسالمية قديماً‪ ،‬فالقضاء كان بسيطاً في تركيبه‪ ،‬سهالً في إجراءاته‪،‬‬
‫وك ان اله دف منه إقامة الع دل‪ .‬ومن ط رق إقامة الع دل والحث علي ه‪ ،‬أن الش ريعة ال تح رم ع رض‬
‫األحكام القضائية على سلطة أعلى‪ ،‬كما أن اكتساب الحكم الدرجة القطعية‪ ،‬وتمتعه بالحجية‪ ،‬وحظر‬
‫الطعن في ه‪ ،‬قرينة على أن الحكم قد ص در ص حيحاً ال تش وبه ش ائبة‪ ،‬ش ريطة أن يك ون الحكم متمتع ًا‬
‫بالش روط ال تي تجعله حجة فيما قضى ب ه‪ ،‬ب أن يك ون موافق ًا للش ريعة‪ ،‬وال يخ الف الق رآن‪ ،‬والس نة‬
‫النبوية‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬وال يخالف ما فرضته الشريعة‪ ،‬ويسعى إلى تحقيق العدل‪ ،‬فإن كان بخالف ذلك‪،‬‬
‫فإنه يعت بر بنظر الش ريعة ب اطالً‪ ،‬وال يس تحق التنفي ذ‪ ،‬ويس توجب النقض(‪ ،)16‬ويس تدل على ذلك بأدلة‬
‫منها‪:‬‬
‫ما رواه اإلم ام أحمد وال بيهقي وغيرهما عن علي بن أبي ط الب‪ ،‬ق ال‪" :‬بعث ني رس ول اهلل ‪‬‬
‫إلى اليمن‪ ،‬فانتهينا إلى ق وم قد بن وا زبيه لألس د‪ ،‬فبينما هم يت دافعون‪ ،‬إذ س قط رج ل‪ ،‬فتعلق ب آخر‪ ،‬ثم‬
‫تعلق الرجل ب آخر ح تى ص اروا فيها أربع ة‪ ،‬فج رحهم األسد فانت دب له رجل بحربة فقتله وم اتوا من‬
‫ج راحهم كلهم‪ ،‬فق ام أولي اء األول إلى أولي اء اآلخ ر‪ ،‬ف أخرجوا الس الح ليقتتل وا‪ ،‬فأت اهم علي ‪ ‬على‬
‫تفيئة‪ ،‬فقال‪ :‬تريدون أن تتقاتلوا ورسول اهلل ‪ ‬حي؟‪ ،‬إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء‬
‫وإ ال حجز بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي ‪ ،‬فيكون هو الذي يقضي بينكم‪ ،‬فمن عدا بعد ذلك فال‬
‫حق ل ه‪ ،‬ف أبوا أن يرض وا‪ ،‬ف أتوا الن بي ‪ ‬وهو عند مق ام إب راهيم‪ ،‬فقص وا عليه القصة فق ال‪ :‬أنا أقضي‬
‫إن علياً قضى فينا‪ ،‬فقصوا عليه القصة‪ ،‬فأجازه رسول اهلل ‪.)17(‬‬
‫بينكم واجتبي‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ّ :‬‬

‫ال بيهقي‪ ،‬للحافظ أبي بكر بن الحس ين بن علي‪ ،‬الس نن الك برى‪ ،‬وفي ذيله الج وهر النقي‬ ‫(?)‬ ‫‪17‬‬

‫لعالء ال دين علي بن عثم ان الم ارديني (ابن التركم اني)‪ ،‬دار المعرف ة‪ ،‬طبعة مص ورة عن الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1347‬هـ‪ ،‬حيدر آباد‪ ،‬الركن الهند‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.112 ،111‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)399‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫ويستدل كذلك بما جاء في كتاب عمر بن الخطاب ‪ ‬إلى أبي موسى األشعري في قوله‪" :‬وال‬
‫يمنعنك قضاء قضيته باألمس‪ ،‬ثم راجعت فيه نفسك‪ ،‬وهديت لرشدك‪ ،‬أن ترجع إلى الحق‪ ،‬ألن الحق‬
‫قديم‪ ،‬والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"(‪.)18‬‬
‫ال خطأ فإنه يرجع عنه‬
‫ووجه الداللة أنه إذا ت بين للقاضي أن الحكم ال ذي ص در منه أو ً‬
‫وينقضه‪ ،‬ويقضي بالحق ألن الحق هو األصل والمعول عليه(‪.)19‬‬
‫وي رى الب احث المص لحة تقتضي أن ت راقب أحك ام القض اة في ه ذا ال زمن ال ذي ض عفت فيه‬
‫الذمم‪ ،‬وفسدت األخالق‪ ،‬فال بد من مراقبة أحكامهم‪ ،‬حتى ال يقعوا في الجور والظلم‪ ،‬وال يتمادوا فيه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آراء الفقهاء في الحكم على الغائب‬


‫انقسم الفقهاء في جواز القضاء على الغائب إلى رأيين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المانعون من الحكم على الغائب‬
‫وقد منعه بعض هم مطلق اً‪ ،‬ومنهم من أج ازه في ح االت معينة كالحنفي ة‪ ،‬وروي عن اإلم ام أبو‬
‫حنيفة أنه منع القضاء على الغ ائب مطلق اً‪ ،‬حتى لو ك ان حاضراً‪ ،‬وامتنع عن الحضور‪ ،‬ولو لم يقدر‬
‫عليه ال والي(‪ ،)20‬وأخذ بهذا الرأي الشافعي في قوله القديم(‪ ،)21‬فاشترطوا في المقضي عليه أن يكون‬
‫حاضراً وقت القضاء بنفسه‪ ،‬أو نائبه كوكيله‪ ،‬ووصيه‪ ،‬ومتولي الوقف‪ ،‬فإذا لم يكن حاضراً بنفسه‪،‬‬
‫أو بنائبه لم يجز القضاء عليه(‪.)22‬‬
‫وقد استدل المانعون بأدلة كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أما من الس نة‪ :‬فما روي عن أبي داود‪ ،‬والترم ذي عن علي بن أبي ط الب ك ّرم اهلل وجه ه‪،‬‬
‫قال‪" :‬بعثني رسول اهلل ‪ ‬إلى اليمن قاضياً‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ترسلني وأنا حديث السن‪ ،‬وال علم لي‬
‫بالقض اء‪ .‬فق ال‪ :‬إن اهلل س يهدي قلب ك‪ ،‬ويثبت لس انك‪ ،‬ف إذا جلس بين ي ديك الخص مان فال تقضي ح تى‬
‫تسمع من اآلخر كما سمعت من األول‪ ،‬فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء‪ ،‬قال‪ :‬فما زلت قاضياً‪ ،‬أو ما‬
‫شككت في قضاء بعده"(‪.)23‬‬
‫ووجه الداللة في هذا الحديث على منع القضاء على الغائب‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ ‬منع علي اً من أن‬
‫يقضي ألحد الخص مين وهما حاض ران ح تى يس مع كالم اآلخ ر‪ ،‬فإنه ي دل على أن الغ ائب ال ذي لم‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)400‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫يحضر التخاص م‪ ،‬ولم ي ذكر ص حته أولى ب المنع‪ ،‬وذلك من قبيل أنه قد يك ون معه حجة تبطل معها‬
‫حجة اآلخر(‪.)24‬‬
‫جاء في المبسوط‪ :‬فبين في الحديث المذكور أن الجهالة تمنعه من القضاء‪ ،‬وأنها ال ترتفع إال‬
‫بسماع كالمهما"(‪.)25‬‬
‫وقد اعترض على هذا الحديث من وجهين‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬من ناحية السند‪ ،‬حيث جاء عن ابن حزم" أما الخبر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فساقط‬
‫ألن شريكاً مدلس‪ ،‬وسماك بن حرب يضل التلقين وحنش بن المقمر ساقط مطرح(‪.)26‬‬
‫ثانياً‪ :‬وكذلك أن هذا الحديث وإ ذا سلمنا بصحته ال يدل على منفع الحكم على الغائب‪ ،‬وأقصى ما يدل‬
‫(‪.)27‬‬
‫عليه أنه يتناول الحالة التي يحضر الحضان فيها مجلس الحكم والحاضر حكمه خالف الغائب‬
‫واستدلوا بقوله ‪" :‬إنما أنا بشر‪ ،‬وإ نكم تختصمون إلي‪ ،‬فلعل بعضكم أن يكون الحسنة بحجته‬
‫من بعض‪ ،‬فاقضي له على نحو ما اسمع منه‪ ،‬فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فال يأخذ منه شيئاً‪،‬‬
‫فإنما أقطع له قطعة من الن ار(‪ ،)28‬ووجه الداللة من الح ديث قوله ‪" :‬فإنما أقضي له على نحو ما‬
‫أسمع" فهذا يدل على أن الخصمين حاضران مجلس الحكم‪ ،‬فيسمع الرسول من األول‪ ،‬ومن الثاني‪،‬‬
‫ولهذا حذرهم من أخذ ما ليس بحق إذا حكم له‪ ،‬بناء على طالقة لسانه‪ ،‬وقدراته على إيراد الحج وهو‬
‫مبطل(‪.)29‬‬
‫وقد أورد ال دكتور عبد الناصر أبو البصل االع تراض على ه ذا الح ديث بقول ه‪ :‬ب أن ه ذا‬
‫الحديث يصدق على حالة حضور الخصمين‪ ،‬وليس فيه داللة على وجوب الحضور‪ ،‬كما أنه ال يدل‬
‫على عدم جواز الحكم على الغائب‪ ،‬فليس االستدالل به محل النزاع(‪.)30‬‬
‫وأما من أق وال الص حابة ما روى ابن ح زم من طريق عم رو بن عثم ان بن عف ان ق ال‪ :‬أتى‬
‫عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه‪ ،‬فقال له عمر‪ ،‬تحضر خصمك‪ ،‬فقال له يا أمير المؤمنين أما بك‬
‫من الغضب إال ما أرى‪ ،‬فق ال له عم ر‪ :‬فلعلك قد فق أت عي ني خص مك مع ا‪ ،‬فحضر خص مه قد فقئت‬
‫عيناه مع اً‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إذا سمعت حجة اآلخر بآن لك القضاء‪ ،‬قالوا! وال يعلم لعمر في ذلك مخالف‬
‫من الصحابة(‪.)31‬‬

‫أبو البص ل‪ ،‬عبد الناصر موس ى‪ ،‬نظرية الحكم القض ائي في الش ريعة والق انون‪ ،‬دار‬ ‫(?)‬ ‫‪30‬‬

‫النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.211-210‬‬


‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)401‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫ووجه الداللة في ذلك أن عمر بن الخطاب رفض الحكم على الغائب حتى يحضر‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على عدم جواز الحكم على الغائب‪.‬‬
‫وقد اع ترض على ه ذا االس تدالل من ناحية الس ند‪ ،‬حيث ج اء في اآلتي راوي ان هما محمد‬
‫الغف اري عن ابن أبي ذئب الحمضي وذكر أنه م روري عن عم رو بن عثم ان بن عف ان بن عمر بن‬
‫الخط اب وعثم ان بن عف ان لم ي درك س يدنا عمر ألنه ولد ي وم م وت عمر بن الخط اب فه ذا األثر‬
‫منقطع‪ ،‬وأما بخصوص محمد الغفاري فقال ابن حزم" وال يدري من هما في خلق اهلل تعالى"(‪.)32‬‬

‫(?) مجلة األحكام العدلية‪ ،‬مادة ‪.1786‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس‪ ،‬كشاف القناع على متن اإلقناع‪ ،‬المطبعة العامرة الشرقية‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫طبعة أولى‪1319 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.266‬‬


‫ياس ين‪ ،‬محمد نعيم‪ ،‬نظرية ال دعوى بين الش ريعة اإلس المية وق انون المرافع ات المدنية‬ ‫(?)‬ ‫‪10‬‬

‫والتجارية‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪1425 ،3‬هـ‪2005-‬م‪ ،‬ص ‪.643‬‬


‫م ادة ‪ 102‬تنص الم ادة" يعت بر الحكم وجاهي اً إذا ص در بمواجهة الط رفين أو إذا حضر‬ ‫(?)‬ ‫‪13‬‬

‫الم دعى عليه جلسه من جلسات المحاكمة أو أكثر وتختلف بعد ذلك عن الحض ور وفيما عدا ذلك يكون‬
‫الحكم غيابي اً ويشترط في ذلك أنه إذا صدر الحكم على شخص أو أشخاص لم يكونوا حاضرين جلسه‬
‫الحكم فيجب تبليغ أعالم الحكم إليه أو إليهم حتى تبدأ من االستئناف من تاريخ التبليغ" من قانون أصول‬
‫المحاكمات الشرعية رقم ‪ 31‬سنة ‪ 1959‬وتعديالته‪ ،‬وقرار محكمة االستئناف الشرعية رقم ‪،20020‬‬
‫داؤود‪ ،‬القرارات االستئنافية في أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪.257‬‬
‫ال زحيلي‪ ،‬محم د‪ ،‬أص ول المحاكم ات الش رعية والمدني ة‪ ،‬مؤسسة الوح دة‪1402 ،‬هـ‪-‬‬ ‫(?)‬ ‫‪14‬‬

‫‪1982‬م‪ ،‬ص ‪.98‬‬


‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫(?)‬ ‫‪15‬‬

‫ياس ين‪ ،‬حجية الحكم القض ائي‪ ،‬ص ‪ ،75‬وش رف‪ ،‬عبد الحكيم أحم د‪ ،‬اس تئناف األحك ام‬ ‫(?)‬ ‫‪16‬‬

‫الباطلة والمبنية على إجراءات باطلة‪ ،‬بحث في مجلة الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة صنعاء‪ ،1979 ،‬عدد‬
‫‪.2‬‬
‫البيهقي‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬ج‪ ،10‬ص ‪.156 ،155 ،550‬‬ ‫(?)‬ ‫‪18‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)402‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫واستدلوا بقول ابن التركم اني‪ ،‬أن عمر بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪" :‬إذا جاءك الرجل وقد س قطت‬
‫عيناه في يده فال تقضي له حتى يأتي خصمه"(‪.)33‬‬
‫واعترض على هذا اآلتي بقولهم إنما منعوا إذا كان حاضراً في البلد يتمكن من الحضور(‪.)34‬‬

‫االستدالل بالمعقول‪:‬‬
‫‪ .1‬أن القض اء وجد لقطع المنازع ة‪ ،‬وال منازعة هنا لع دم اإلنك ار‪ ،‬فال يصح القض اء على‬
‫الغائب‪ ،‬لعدم تحقق إنكاره(‪.)35‬‬

‫أبو البصل‪ ،‬شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.207‬‬ ‫(?)‬ ‫‪19‬‬

‫المرغيناني‪ ،‬برهان الدين أبو الحسن علي بن عبد الجليل (‪593‬هـ)‪ ،‬الهداية‪ ،‬شرح بداية‬ ‫(?)‬ ‫‪20‬‬

‫المبتدى‪ ،‬مطبوع مع فتح القدير‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،400‬وابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.281-280‬‬
‫ابن أبي الدم‪ ،‬شهاب الدين أبو اسحاق إبراهيم بن عبد اهلل (‪642‬هـ)‪ ،‬أدب القضاء (الدرر‬ ‫(?)‬ ‫‪21‬‬

‫المنظم ات في األقض ية والحكوم ات)‪ ،‬تحقيق د‪ .‬محمد ال زحيلي‪ ،‬دار الفكر–دمش ق‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪-‬‬
‫‪1402‬هـ‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫الكاساني‪ ،‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫(?)‬ ‫‪22‬‬

‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1402 ،2‬هـ‪1982/‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.222‬‬


‫أبو داود‪ ،‬س ليمان بن األش عث‪ ،‬س نن أبي داود‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محمد مح يي ال دين عبد الحمي د‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪23‬‬

‫دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ ،301‬الحديث رقم (‪ .)3582‬وابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني (‬
‫‪275‬هـ)‪ ،‬س نن ابن ماج ه‪ ،‬تحقيق محمد ف ؤاد عبد الب اقي‪ ،‬طبعـة اس تانبول (الكتب الس تة)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‬
‫‪.774‬‬
‫ابن نجم‪ ،‬البحر الرائ ق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ .7‬والسرخس ي‪ ،‬محمد بن أحم د‪ ،‬المبس وط‪ ،‬دار‬ ‫(?)‬ ‫‪24‬‬

‫المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪.39‬‬


‫السرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪.39‬‬ ‫(?)‬ ‫‪25‬‬

‫(‪ )26‬ابن حزم‪ ،‬الممل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.368‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪ )27(27‬ابن قدامى‪ ،‬المضني‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.485‬‬


‫البخ اري‪ :‬محمد بن إس ماعيل (‪256‬هـ)‪ ،‬الج امع الص حيح‪ ،‬تحقي ق‪ :‬محمد ف ؤاد عبد‬ ‫(?)‬ ‫‪28‬‬

‫الباقي‪ ،‬مطبوع مع فتح الباري (الطبعة السلفية)‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪.339‬‬


‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)403‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫‪ .2‬أن القضاء على الغائب حكم ًا على غير ميؤوس من إقراره فوجب أن ال يحكم عليه بالبينة‬
‫قبل إنكاره كالحاضر(‪.)36‬‬
‫‪ .3‬إذا حضر الم دعى عليه في مجلس الحكم فإما أن يقر أو ينك ر‪ ،‬ف إذا أقر ثبتت ال دعوى‬
‫باإلقرار‪ ،‬وحكم القاضي بموجب ذلك‪ ،‬وإ ذا أنكر طلبت البينة من المدعي‪ ،‬فإذا أثبت دع واه‬
‫بالبينة حكم بموجب ذلك‪ ،‬والحكم باإلقرار غير الحكم بالبينة‪ ،‬لما يترتب على كل منهما من‬
‫أث ر‪ ،‬إذ الحكم ب اإلقرار يقتصر على الم دعى عليه المق ر‪ ،‬أما الحكم بالبينة يتع دى غ ير‬
‫المقر‪ ،‬فال يقضي على الغائب‪ ،‬لعدم إقراره أو إنكاره(‪.)37‬‬
‫‪ .4‬أن الحكم قد يك ون للغ ائب‪ ،‬وقد يك ون عليه فلما لم يجز الحكم ل ه‪ ،‬ك ان األولى أن ال يج وز‬
‫الحكم عليه(‪.)38‬‬
‫‪ .5‬وقالوا إن شهادة الشهود ال تكون حجة إال إذا لم يطعن فيها الخصم المدعى عليه‪ ،‬وال يأتي‬
‫الطعن مع الغيبة‪ ،‬فال يجوز القضاء بالبينة مع الغيبة(‪.)39‬‬

‫ابن رشد‪ ،‬محمد بن رشد القرطبي (الحفيد)‪595( ،‬هـ)‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬ط‬ ‫(?)‬ ‫‪29‬‬

‫‪1985 ،7‬م‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.472‬‬


‫ابن ح زم‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن س عيد بن ح زم (‪456‬هـ)‪ ،‬المحلى‪ ،‬طب ع‪ ،‬إدارة‬ ‫(?)‬ ‫‪31‬‬

‫الطباعة المنبرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪1351‬هـ‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.368‬‬


‫ابن حزم‪ ،‬الممل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.369‬‬ ‫‪32‬‬

‫ابن التركم اني‪ ،‬عالء ال دين الم ارديني‪ ،‬الج وهر النقي على س نن ال بيهقي‪ ،‬حي در أب اد–‬ ‫(?)‬ ‫‪33‬‬

‫الهند‪1316 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ ،140‬وابن حزم‪ ،‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ )34‬أبو البصل‪ ،‬عبد الناصر‪ ،‬نظرية الحكم القضائي‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪34‬‬

‫ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،18‬والسرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،‬ج‪ ،17‬ص ‪.39‬‬ ‫(?)‬ ‫‪35‬‬

‫حسني‪ ،‬عبد السميع‪ ،‬أصول المحاكمات في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص ‪.209‬‬ ‫(?)‬ ‫‪36‬‬

‫ابن الهم ام‪ ،‬كم ال ال دين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد (‪861‬هـ)‪ ،‬فتح الق دير في‬ ‫(?)‬ ‫‪37‬‬

‫شرح الهداية‪ ،‬مطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،‬سنة ‪1356‬هـ وبهامشه‬
‫شرح الهداية للبابرتي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.289-288‬‬
‫حسني‪ ،‬أصول المحاكمات في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.209‬‬ ‫(?)‬ ‫‪38‬‬

‫ابن الهمام‪ ،‬فتح القدير في شرح الهداية‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ ،494‬طبعة أخرى‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪39‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)404‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫وقد اعترض على االستدالل بالعقول بأن الغائب ال يحكم عليه إال بشروط ولضمانات تحمي‬
‫حق ه‪ ،‬وله الطعن في الحكم أن ك ان ثمة مطعن‪ ،‬وإ ذا ك ان الغ ائب بخاصة لحفظ حقه فالحاضر أيض اً‬
‫بحاجة لحفظ حق ه‪ ،‬وربما يك ون الش هود حاض رين اآلن ويخشى من س فرهم أو ص وتهم إلى حيث‬
‫حض ور الغ ائب‪ ،‬ولئال يتخذ الغي اب ذريعة لتفص يل األحك ام وض ياع الحق وق تس مع ال دعوى على‬
‫الغائب(‪.)40‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مجيزو الحكم على الغائب‬


‫(‪)41‬‬
‫ومن ال ذين ق الوا ب ذلك جمه ور الفقه اء من المالكي ة‪ ،‬والش افعية‪ ،‬والحنابل ة‪ ،‬وغ يرهم ‪ ،‬وقد‬
‫استدل أصحاب هذا الرأي بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وأفعال الصحابة‪ ،‬والقياس‪.‬‬
‫ال‪ :‬من الكتاب‪ :‬استدلوا بعموم النصوص التي توجب الحكم بالعدل‪ ،‬وليس فيها تخصيص‬
‫أو ً‬
‫ذلك بحاضر‪ ،‬أو غائب‪.‬‬
‫ْط ُشهَدَا َء هَّلِل ِ َولَ ْو َعلَ ٰى َأ ْنفُ ِس ُك ْم َأ ِو ْال َوالِ َد ْي ِن َواَأْل ْق‪َ :‬ربِينَ‬
‫ِين آ َمنُوا ُكونُوا قَوَّا ِمينَ بِ ْالقِس ِ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬يا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ض‪:‬وا َف ِإنَّ هَّللا َ َك َ‬
‫ان ِب َما‬ ‫ْر ُ‬ ‫‪:‬و ٰى َأنْ تَ ْع‪ِ :‬دلُوا ۚ َوِإنْ ت َْل‪ُ :‬ووا َأ ْو تُع ِ‬ ‫ۚ ِإنْ يَ ُك ْن َغنِيًّا َأ ْو فَقِيرًا فَاهَّلل ُ َأوْ لَ ٰى ِب ِه َما ۖ َفاَل تَتَّبِ ُع‪::‬وا ْالهَ‪َ :‬‬
‫ق هَّللا َ يَجْ َعلْ لَهُ َم ْخ َرجًا ‪.‬‬
‫(‪)43‬‬ ‫‪42‬‬
‫تَ ْع َملُونَ َخ ِبيرً ا ( )‪ ،‬وقوله تعالى‪َ :‬و َم ْن يَتَّ ِ‬
‫ففي هاتين اآليتين الكريمتين لم يخص اهلل تعالى حاضراً من غائب‪ ،‬لذلك يجوز الحكم على‬
‫الغائب كما يجوز الحكم على الحاضر(‪.)44‬‬
‫واع ترض على ه ذا االس تدالل أنه اس تدالل المفه وم اآلي ة‪ ،‬وال نص فيها على ج واز الحكم‬
‫على الغ ائب‪ ،‬إض افةً إلى أن س ياق اآلي ات هو حث الش اهد على أداء الش هادة ولو ك انت على نفسه أو‬
‫أبيه أو أمه‪ ،‬وأن ال يأتي بالعاطفة والحقوق ولم يذكر أحد من المفسرين والعلماء أن هذه اآليات تدل‬
‫على جواز الحكم على الغائب(‪.)45‬‬
‫ثاني اً‪ :‬من الس نة‪ :‬ما ورد في الص حيح من أن هند بنت عتبة ‪-‬ام رأة أبي س فيان‪ -‬دخلت على‬
‫رس ول اهلل ‪ ،‬فق الت‪ :‬يا رس ول اهلل إن أبا س فيان رجل ش حيح ال يعطي ني من النفقة ما يكفي ني ويكفي‬

‫النساء‪ :‬آية (‪.)١٣٥‬‬ ‫(?)‬ ‫‪42‬‬

‫الطالق‪ :‬آية (‪.)٢‬‬ ‫(?)‬ ‫‪43‬‬

‫ابن حزم‪ ،‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.369‬‬ ‫(?)‬ ‫‪44‬‬

‫(‪ )45‬ابن العربي أبو بكر محمد عبد اهلل‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.507‬‬ ‫‪45‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)405‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫ب ني‪ ،‬إال ما أخ ذت من ماله بغ ير علم ه‪ ،‬فهل علي في ذلك من جن اح؟‪ ،‬فق ال رس ول اهلل ‪" :‬خ ذي من‬
‫ماله بالمعروف ما يكفيك‪ ،‬ويكفي بنيك"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬خذي ما يكفيك‪ ،‬وولدك بالمعروف"(‪.)46‬‬
‫ووجه الداللة في ه ذا الح ديث أن الرس ول ‪ ‬قضى لهند على أبي س فيان وهو غ ائب‪ ،‬وقد‬
‫استنتج من هذا الحديث جواز الحكم على الغائب كثير من العلماء‪ ،‬ومنهم اإلمام البخاري‪ ،‬وقد رجح‬
‫رأيه في كتاب األحكام "جواز الحكم على الغائب" ثم ذكر حديث هند المتقدم(‪.)47‬‬
‫وقد اع ترض على ه ذا االس تدالل بق ولهم أن أذن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم لهند ك ان‬
‫قضاء لها بذلك‪ ،‬بدليل أن المقضي عليه وهو أبو سفيان كان حاضراً في البلد ولم يكن‬
‫ً‬ ‫إفتاء ولم يكن‬
‫ً‬
‫متواري اً فه ذه الحادثة ك انت في فتح مكة لما ص غرت هند للمبايعة وك ان أبو س فيان موج وداً به ا‪،‬‬
‫وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائباً عن البلد أو مستتراً ال يقدر عليه‪ ،‬ولم يكن هذا الشرط في‬
‫أبي سفيان موجوداً فال يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء(‪.)48‬‬
‫ك ذلك ق الوا إن ه ذه حادثة ولم تكن فيها دع وى مس تكملة األرك ان فش روط وأرك ان ال دعوى‬
‫غائبة عن هذه الحادثة‪ ،‬فإن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لم ُيلفها قبل القضاء على الغائب ولم يقدر‬
‫المحكوم به لها‪ ،‬ولم يذكر أنه طلب إقامة البينة على وعولها(‪.)49‬‬
‫ثالثاً‪ :‬االستدالل بأفعال الصحابة وأقوالهم‬
‫حكم عمر على أبي موسى األشعري الذي ضرب رجالً عشرين سوطاً وحلق شعره‪ ،‬فكتب‬
‫إليه عمر "أن فالن اً ق دم علي فأخ ذني بك ذا وك ذا‪ ،‬ف إن كنت قد فعلت ذلك ب ه‪ ،‬فع زمت عليك إن كنت‬
‫فعلت به ذلك في مأل من الناس‪ ،‬فعزمت عليك لما جلست له في مأل من الناس حتى يقتص منك‪ ،‬وإ ن‬
‫كنت فعلت به ذلك في خالء لما جلست له في خالء حتى يقتص منك ‪ ...‬الخ"(‪.)50‬‬
‫وه ذا ي دل على ج واز الحكم على الغ ائب‪ ،‬ألن عمر قَبِ َل ال دعوى عليه وهو غ ائب‪ ،‬ونطق‬
‫بالحكم عليه وهو غائب‪ ،‬كما استدل بحكم عمر بن الخطاب‪ ،‬وعثمان بن عفان في المفقود أن امرأته‬
‫تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشراً‪ ،‬ثم تتزوج‪ ،‬وهذا يدخل ضمن القضاء على الغائب(‪.)51‬‬
‫رابعاً‪ :‬القياس‪:‬‬

‫ابن حزم‪ ،‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.370‬‬ ‫(?)‬ ‫‪50‬‬

‫ابن حزم‪ ،‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.371‬‬ ‫(?)‬ ‫‪51‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)406‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫‪ .1‬يق اس الحكم على الغ ائب‪ ،‬ب الحكم على الميت والص غير‪ ،‬مع أنهما أعجز عن ال دفع من‬
‫الغائب‪ ،‬فالحكم على الغائب يجوز من باب أولى(‪.)52‬‬
‫‪ .2‬بالقياس على المفقود‪ ،‬فالحنفية يرون أن الفتوى على النفاذ فيها إذا قضى على مفقود ال في‬
‫مطلق الغائب(‪.)53‬‬
‫‪ .3‬وي دل على ذلك ب أن ه ذا قي اس مع الف ارق فالص غير والمفق ود لها أحك ام خاصة في الفقه‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬المعقول‬
‫‪ .1‬أن وجوب دفع الباطل على الفور يقتضي تلبية المدعي إذا كان معه حجة شرعية تشهد له‪،‬‬
‫ولو كان خصمه غائباً‪ ،‬وتأجيل القضاء إلى وقت حضور الغائب فيه إقرار للباطل إلى فترة‬
‫معينة‪ ،‬وهو محرم(‪.)54‬‬
‫‪ .2‬أن جميع الفقه اء متفق ون على س ماع البينة على الغ ائب‪ ،‬فلم اذا ال يجب الحكم بها كالبينة‬
‫على الحاضر الساكت؟!!(‪.)55‬‬
‫‪ .3‬أن المفس دة المترتبة لمنع الحكم على الغ ائب أك بر بكث ير من المفس دة المترتبة بس بب الحكم‬
‫علي ه‪ ،‬ألن ذلك ي ؤدي إلى ض ياع حق وق الن اس‪ ،‬فكل إنس ان يس تطيع أكل حق وق اآلخ رين‪،‬‬
‫والتواري عن مجلس القاضي(‪.)56‬‬

‫الرأي الراجح‪:‬‬
‫بعد اس تعراض آراء الفقه اء المج يزين للقض اء على الغ ائب‪ ،‬والم انعين ل ه‪ ،‬واس تعراض‬
‫أدلتهم‪ ،‬فإن الباحث يرى أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز القضاء على الغائب هو األقوى‪،‬‬
‫لق وة أدلتهم‪ ،‬ألن في ذلك محافظة على حق وق الن اس من الض ياع‪ ،‬فلو منع القض اء على الغ ائب‬
‫الستهتر أصحاب النفوس الضعيفة بحقوق الناس‪ ،‬ولتهرب كثير من الناس من الحكم عليه بالغياب‪،‬‬
‫وأن حق الغائب محفوظ وذلك بتكليف المدعي اليمين الشرعية بما يوافق دعواه‪ ،‬بعد أن يثبت دعواه‬
‫بالبينة؛ وذلك بقوله أن الحق ما زال في ذمة المدعى عليه‪.‬‬
‫كما أن القضاء على الغائب لم يمنع بالكلية عند الحنفية‪ ،‬فقد ذكر العالمة ابن قاضي سماونة‪:‬‬
‫فالظ اهر عن دي أنه يتأمل في الوق ائع‪ ،‬ويالحظ الح رج والض رورات‪ ،‬فيقضي بحس بها‪ ،‬ج وازاً‬
‫وفس اداً"‪ ،‬وقد أورد أمثل ة‪ ،‬وأوضح بع دها أنه في مثل ه ذه المواضع لو ب رهن على الغ ائب‪ ،‬بحيث‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)407‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫اطمأن قلب القاضي‪ ،‬وغلب على ظنه أنه حق‪ ،‬ال تزوير‪ ،‬وال حيلة فيه‪ ،‬فينبغي أن يحكم على الغائب‬
‫وله‪ ،‬دفعاً للحرج‪ ،‬وللضرورات‪ ،‬وصيانة للحقوق من الضياع(‪.)57‬‬
‫وإ ن اس تعراض الب احث لجميع اآلراء الفقهية ت دل على أنه لم يقل أحد من أهل العلم بمنع‬
‫القض اء على الغ ائب مطلق اً من غ ير اس تثناء‪ ،‬ولكل ما س بق ف ان الب احث يميل الى ما اخذ به جمه ور‬
‫الفقهاء‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬القضاء على الغائب في المحاكم الشرعية‬


‫أجاز قانون أصول المحاكمات الشرعية األردني القضاء على الغائب‪ ،‬مهما كان سبب غيابه‬
‫س واء في البلد‪ ،‬أو خارج ه‪ ،‬واشترط الق انون أن يتم تبليغ المدعى عليه الدعوى حسب األص ول‪ ،‬كما‬
‫أوجب القانون تبليغ نسخة من الئحة الدعوى إلى المدعى عليه(‪.)58‬‬
‫كما بين القانون أن المدعى عليه إذا كان معلوم محل اإلقامة‪ ،‬يبلغ في مكان إقامته‪ ،‬وإ ذا كان‬
‫مجه ول محل اإلقام ة‪ ،‬يبلغ بالنشر في إح دى الص حف المحلي ة‪ ،‬ف إذا تم التبليغ وحضر الطرف ان ي وم‬
‫الجلسة تك ون المحاكمة وجاهي ة‪ ،‬وإ ذا حضر الم دعي ولم يحضر الم دعى عليه بعد تبليغه الموعد‬
‫بناء‬
‫المعين حسب األص ول‪ ،‬فتقرر المحكمة سماع الدعوى‪ ،‬واالستمرار في المحاكمة بحقه غيابي اً‪ً ،‬‬
‫على طلب المدعي‪ ،‬كما يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقرر محاكمة المدعى عليه غيابي اً‪ ،‬وذلك‬
‫إذا ك ان موض وع ال دعوى مما تقبل الش هادة فيه حس به‪ :‬ك الطالق‪ ،‬وإ ذا حضر الم دعى عليه ال ذي‬
‫تج ري بحقه المحاكمة غيابي اً جلسة من الجلس ات بعد ب دء المحاكم ة‪ ،‬وق دم ع ذراً عن تغيب ه‪ ،‬تق رر‬
‫المحكمة قبول ه‪ ،‬وتعلمه ب اإلجراءات الس ابقة ال تي ج رت بغياب ه‪ ،‬ولها أن تك رر ه ذه اإلج راءات في‬
‫حضوره إذا رأت ذلك ضرورياً لتأمين العدالة‪ ،‬ويعتبر الحكم وجاهياً إذا صدر بمواجهة الطرفين‪ ،‬أو‬
‫إذا حضر الم دعى عليه جلسة من جلس ات المحاكمة أو أك ثر‪ ،‬وتخلف بعد ذلك عن الحض ور‪ ،‬وفيما‬
‫ع دا ذلك يك ون الحكم غيابي اً‪ ،‬ويش ترط في ذلك أنه إذا ص در الحكم على ش خص‪ ،‬أو أش خاص لم‬
‫يكونوا حاضري جلسة الحكم‪ ،‬فيجب تبليغ الحكم إليه أو إليهم‪.‬‬
‫وللمحكوم عليه غيابياً (أي لم يحضر أي جلسة) أن يعترض على الحكم الغيابي لدى المحكمة‬
‫التي أصدرت الحكم خالل مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه‪ ،‬وللمحكوم عليه الذي صدر الحكم‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)408‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫بحقه وجاهي ًا أو غيابياً بالصورة الوجاهية‪ ،‬كأن يكون حضر جلسة أو أكثر وتغيب قبل صدور الحكم‪،‬‬
‫أن يس تأنف الحكم ل دى محكمة االس تئناف الش رعية‪ ،‬خالل م دة ثالثين يوم اً من ت اريخ تفهيمه الحكم‪،‬‬
‫إذا كان وجاهي اً صدر بحضوره أو من تاريخ تبليغه‪ ،‬إذا كان قد صدر غيابي اً بالصفة الوجاهية‪ ،‬أي‬
‫حال كونه قد حضر جلسة أو أكثر وتغيب‪ ،‬ولم يكن حاضراً جلسة النطق بالحكم‪.‬‬
‫كما يج وز لمن حكم غيابي اً إذا لم ي رغب ب االعتراض على الوجه الم ذكور‪ ،‬يج وز له‬
‫االس تئناف مباش رة ل دى محكمة االس تئناف الش رعية خالل ثالثين يوم اً من ت اريخ تبليغه الحكم‬
‫الغيابي‪ ،‬مع األخذ بعين االعتب ار أن المحكمة التي قدم إليها االع تراض تسقط الدعوى إذا لم يحضر‬
‫أحد من الفرقاء‪ ،‬أو لم يحضر المعترض‪ ،‬وحضر المعترض عليه وطلب اإلسقاط‪ ،‬ما لم تكن الدعوى‬
‫فيها حق اهلل؛ ك الطالق فال تس قط‪ ،‬وإ ذا لم يحضر الطرف ان أو المع ترض ي رد االع تراض‪ ،‬وال يقبل‬
‫م رة أخ رى‪ ،‬أما الحكم الص ادر ب رده يك ون ق ابالً لالس تئناف‪ ،‬ش ريطة تبليغه للمع ترض‪ ،‬وفي ه ذه‬
‫الحالة تنظر محكمة االستئناف الحكم األصلي‪ ،‬والحكم المعترض عليه معاً(‪.)59‬‬

‫المبحث الث‪BB‬اني‪ :‬تطبيق‪BB‬ات العملية لالع‪BB‬تراض على الحكم الغي‪BB‬ابي في ق‪BB‬انون‬


‫أصول المحاكمات الشرعية‬
‫يع نى ه ذا المبحث ببي ان التطبيق ات العملية لالع تراض على الحكم الغي ابي في أص ول‬
‫المحاكمات الشرعية؛ من خالل توضيح الشروط العامة لالعتراض على الحكم الغيابي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشروط العامة لالعتراض على الحكم الغيابي‬


‫حتى يقبل االعتراض المقدم إلى المحكمة ال بد أن تتوافر فيه الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يقدم االعتراض بالئحة مكتوبة‪ ،‬وعليها البيانات الالزمة التي تشترط في كل الئحة تقدم إلى‬
‫المحكمة(‪.)60‬‬
‫(‪)61‬‬
‫ه ذا التق ديم‪ ،‬ك المحكوم علي ه‪ ،‬أو من يق وم مقام ه‪،‬‬ ‫ثاني اً‪ :‬أن يك ون لمق دم الئحة االع تراض ص فة‬
‫كالوصي‪ ،‬أو الولي‪.‬‬
‫وبوجه عام لكل من كان خصماً في المحاكمة الغيابية وحكم عليه غيابي اً‪ ،‬يحق له االعتراض‬
‫على الحكم‪ ،‬وأما من لم يكن خص ماً في ال دعوى‪ ،‬وك ان الحكم الص ادر م ؤثراً على حقوق ه‪ ،‬فيحق له‬
‫اعتراض الغير‪ ،‬كما يجب عليه أن يختصم بنفس الصفة التي اعتد بها قبل صدور الحكم(‪.)62‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)409‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫ثالث اً‪ :‬أن يق دم االع تراض ض من الم دة القانوني ة‪ :‬ج اء في الق رار االس تئنافي أنه على المحكمة بعد‬
‫تالوة الالئحة االعتراضية‪ ،‬وتكرار مضمونها‪ ،‬وقبل أن تخوض في موضوعه‪ ،‬أن تتحقق أنه قد قدم‬
‫ضمن المدة القانونية‪ ،‬وإ ال قررت رده شكالً(‪.)63‬‬
‫رابعاً‪ :‬أن يذكر في الالئحة أسباب االعتراض(‪.)64‬‬
‫خامس اً‪ :‬أن يرفق المع ترض ص ورة عن إعالم الحكم المع ترض عليه إذا ق دم قبل تبليغ المع ترض‬
‫الحكم المعترض عليه(‪.)65‬‬

‫(‪ )40‬أو البصل‪ ،‬نظرية الحكم القضائي‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫‪40‬‬

‫ابن رشد القرط بي (‪595‬هـ)‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتص د‪ ،‬ط‪ ،1985 ،7‬دار‬ ‫(?)‬ ‫‪41‬‬

‫المعرفة‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،472‬وابن فرح ون‪ ،‬بره ان ال دين أبي الوف اء إب راهيم محمد بن فرح ون‬
‫الم الكي‪ ،‬تبص رة الحك ام في أص ول األقض ية ومن اهج األحك ام‪ ،‬دار الكتب العلمي ة‪ ،‬ب يروت‪ ،‬نس خة‬
‫مص ورة عن الطبعة األولى بالمطبعة الع امرة بمصر س نة ‪1301‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،107‬وابن أبي ال دم‪،‬‬
‫القاضي ش هاب ال دين أبي إس حاق إب راهيم عبد اهلل المع روف ب ابن أبي ال دم الحم وي الش افعي‪ ،‬أدب‬
‫القضاء (الدرر المنظومات في األقضية والحكومات) تحقيق محمد مصطفى الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1982 ،2‬دمش ق‪ ،‬ص ‪ ،180‬والن ووي‪ ،‬مح يي ال دين يح يى بن ش رف (‪676‬هـ)‪ ،‬روضة الط البين‬
‫وعم دة المف تين‪ ،‬بإش راف زهيـر الش اويش‪ ،‬المكتـب اإلس المي‪ ،‬ب يروت‪ ،‬ط‪ ،1985 ،2‬ج‪ ،11‬ص‬
‫‪ ،175‬وال رملي‪ ،‬ش مس ال دين محمد بن أبي العب اس أحمد بن ش هاب (‪1004‬هـ)‪ ،‬نهاية المحت اج إلى‬
‫شرح المنهاج‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،255‬وابن قدامة‪ ،‬المغني‪،‬‬
‫ج‪ ،11‬ص ‪ ،485‬وابن حزم‪ ،‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.366‬‬
‫البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل (‪256‬هـ)‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‬ ‫(?)‬ ‫‪46‬‬

‫مطبوع مع فتح الباري‪( ،‬الطبعة السلفية)‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪ ،507‬ومسلم‪ ،‬اإلمام مسلم بن الحجاج القشيري‬
‫النيسابوري (‪261‬هـ)‪ ،‬صحيح اإلمام مسلم مع شرح النووي‪ ،‬مؤسسة مناهل العرفان‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪،12‬‬
‫ص ‪.7‬‬
‫أبو البصل‪ ،‬حجية الحكم القضائي‪ ،‬ص‪.203-202‬‬ ‫(?)‬ ‫‪47‬‬

‫(‪ )48‬ياسين‪ ،‬محمد نعيم‪ ،‬نظرية الدعوى‪ ،‬ص ‪.544‬‬ ‫‪48‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)410‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫وج اء في الق رار االس تئنافي رقم (‪ )9678‬أنه إذا لم يس تند المع ترض في دع واه على حكم‬
‫غيابي صدر بحقه ممثالً‪ ،‬يرد االعتراض على إبطال حجة الطالق المسجلة لدى محكمة شرعية‪.‬‬
‫سادس اً‪ :‬أن ي دفع رسم االع تراض‪ ،‬حيث يأخذ االع تراض طريقه من ت اريخ دفع الرس م‪ ،‬وتنقطع‬
‫المدد(‪.)66‬‬
‫س ابعاً‪ :‬أض اف بعض العلم اء أنه يش ترط أال يك ون الط اعن قد قبل الحكم المطع ون فيه ص راحة أو‬
‫ض مناً‪ ،‬وقب ول الحكم هو الرضى به ص راحة أو ضمناً‪ ،‬وج اء في الق رار االستئنافي رقم (‪)10613‬‬

‫(‪ )49‬الشربيني‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد‪ ،‬ففي المنهاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج‪ ،‬مطبعة مصطفى‬ ‫‪49‬‬

‫الحلبي‪ ،‬سنة ‪1933‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.406‬‬


‫الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.255‬‬ ‫(?)‬ ‫‪52‬‬

‫ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.18‬‬ ‫(?)‬ ‫‪53‬‬

‫ياس ين‪ ،‬نظرية ال دعوى بين الش ريعة اإلس المية وق انون المرافع ات المدنية والتجاري ة‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪54‬‬

‫دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،2005 ،3‬ص ‪.548‬‬


‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.549‬‬ ‫(?)‬ ‫‪55‬‬

‫أبو البصل‪ ،‬نظرية الحكم القضائي‪ ،‬بتصرف‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫(?)‬ ‫‪56‬‬

‫ابن قاضي سماونة‪ ،‬محم ود بن إسماعيل‪ ،‬جامع الفصولين‪ ،‬المطبعة الك برى األميرية‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪57‬‬

‫‪1987‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.44-43‬‬


‫نصت الم ادة ‪ 11‬من ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية "يجب أن تق دم الئحة ال دعوى‬ ‫(?)‬ ‫‪58‬‬

‫مش تملة على اسم كل من الفرق اء وش هرته‪ ،‬ومحل إقامت ه‪ ،‬وعلى االدع اء‪ ،‬والبين ات ال تي يس تند إليه ا‪،‬‬
‫وتبلغ صورة عن الالئحة إلى كل من المدعى عليهم"‪ ،‬قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم‪ 31‬لسنة‬
‫‪ 1959‬والمعدل بالقانون رقم ‪ 50‬لسنة ‪ 2007‬المادة ‪.11‬‬
‫انظر ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية رقم ‪ 31‬لس نة ‪ 1959‬والمع دل بالق انون رقم‬ ‫(?)‬ ‫‪59‬‬

‫‪ 50‬لسنة ‪ 2007‬في المواد الخاصة بالتبليغ (‪ )31-18‬والمواد ‪،112 ،110 ،106 ،102 ،53 ،50‬‬
‫‪.136 ،135‬‬
‫عي د‪ ،‬ادوارد‪ ،‬موس وعة أص ول المحاكم ات‪ ،‬اإلثب ات والتنفي ذ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ ،66‬وانظر‬ ‫(?)‬ ‫‪60‬‬

‫الم ادة ‪ 38‬الم ادة ‪ 108‬من أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬وال تي تنص على " جميع الل وائح ال تي تق دم‬
‫المحكمة ينبغي أن تك ون مكتوبة ب الحبر وبحط واضح أو باآللة الكاتب ة‪ ،‬وعلى ال ورق ابيض من القطع‬
‫الكامل وان ال يستعمل من الورقة إال صفحة واحدة مع ترك هامش فيه‪.‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)411‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫أنه إذا نفذ المحك وم عليه الحكم الغي ابي على نفس ه‪ ،‬ف يرد االع تراض‪ ،‬ألنه يعت بر رضا منه ب ذلك‬
‫الحكم‪ ،‬فالحق له باالعتراض عليه(‪.)67‬‬
‫وي رى الب احث أن ه ذه الش روط مهمة ج داً لقب ول االع تراض لتنظر به المحكمة وتعيد النظر‬
‫بالدعوى المعترض عليها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المحكمة المختصة بنظر االعتراض‬


‫يقدم االعتراض على الحكم الغيابي من حيث األصل إلى المحكمة التي أصدرت الحكم‪ ،‬ألنها‬
‫األق در على معرفة جميع اإلج راءات القانونية ال تي اتخ ذت في ال دعوى‪ ،‬وه ذا األصل ي وفر على‬

‫المرجع الس ابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ ،16‬وأبو البص ل‪ ،‬ش رح أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ص‬ ‫(?)‬ ‫‪61‬‬

‫‪ ،213‬وف ارس‪ ،‬أص ول المحاكم ات الحقوقي ة‪ ،‬ص ‪ ،532‬والم ادة ‪ 115‬من أص ول المحاكم ات‬
‫الشرعية‪ ،‬ومحمود عبد السالم محمد‪ ،‬شرح أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪ ،293‬وجاء في القرار‬
‫االستئنافي رقم (‪ 30016‬و‪ 40421‬و‪ )25304‬بأنه ترد الدعوى االعتراضية إذا قدمت ممن ال يملك‬
‫حق تق ديمها كما لو ق دمها وكيل منف رد خلت وكالته من قيد مجتمعين ومنف ردين‪ ،‬عبابن ة‪ ،‬علي إب راهيم‬
‫مص طفى‪ ،‬إيض احات في ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية بق رارات محكمة االس تئناف الش رعية‬
‫األردنية‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪ ،2000‬ص ‪.182‬‬
‫أبو الوفا‪ ،‬أصول المحاكمات المدنية‪ ،‬ص ‪.683‬‬ ‫(?)‬ ‫‪62‬‬

‫المادة ‪ 107‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬وتنص على" يسقط يوم التبليغ وأيام‬ ‫(?)‬ ‫‪63‬‬

‫الفصل الرس مية من ض من م دة االع تراض إذا وقعت في نهاية الم دة"‪ ،‬وعبابن ة‪ ،‬إيض احات في ق انون‬
‫أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫أبو البص ل‪ ،‬أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ص‪ ،213‬وعبابن ة‪ ،‬إيض احات في ق انون‬ ‫(?)‬ ‫‪64‬‬

‫أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪ ،182‬قرارات رقم (‪.)25288 ،2216 ،21351‬‬


‫المادة ‪ 107‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬وتنص على " يجوز للمحكوم عليه‬ ‫(?)‬ ‫‪65‬‬

‫أن يع ترض على الحكم الغي ابي قبل تبليغه ويعت بر ذلك قائما مق ام التبليغ عن أن يرفق أعالم الحكم‬
‫المع ترض عليه بالئحة اع تراض"‪ ،‬وعبابن ه‪ ،‬إيض احات في ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ص‬
‫‪.181‬‬
‫المادة ‪ 110‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪" .‬وتنص المادة على انه يجوز تقديم‬ ‫(?)‬ ‫‪66‬‬

‫االع تراض الى أية محكمة من مح اكم المملكة وعلى المحكمة ال تي ق دم إليها االع تراض أن تس توفي‬
‫الرسم وتبادر بإرساله فورا الى المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه"‪.‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)412‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫صاحب المصلحة عناء االنتقال من محكمة إلى أخرى‪ ،‬بهدف عدولها عن حكمها السابق الذي سبق‬
‫أن أصدرته(‪.)68‬‬
‫وعليه ف إن االع تراض ه و‪ :‬طعن ع ادي‪ ،‬ي رمي إلى رج وع المحكمة عن حكم ص ادر عنها‬
‫بالصورة الغيابية(‪.)69‬‬
‫ومن الج دير ذك ره أنه ينبغي التفريق بين المحكمة المختصة ب النظر في االع تراض‪،‬‬
‫والمحكمة ال تي يج وز تق ديم االع تراض إليه ا‪ ،‬ف األولى هي ال تي أص درت ه ذا الحكم الغي ابي‪ ،‬فهي‬
‫األق در على الفصل في الموض وع‪ ،‬واألق در على فصل ه ذا االع تراض على الحكم ال ذي أص درته‪،‬‬
‫لعلمها بوق ائع ال دعوى ال تي فص لت فيها منذ تق ديمها‪ ،‬ل ذا فإنها تك ون األق در على نظر االع تراض‪،‬‬
‫والبت في ه‪ ،‬إما بقبوله أو رده‪ .‬أما المحكمة ال تي يج وز أن يق دم االع تراض إليه ا‪ ،‬ف إن المع ترض‬
‫يس تطيع تق ديم االع تراض إلى أي محكمة من مح اكم المملكة الش رعية‪ ،‬وإ ذا ق دم االع تراض إلى‬
‫محكمة غ ير ال تي أص درت الحكم‪ ،‬فإنها تس توفي الرس وم القانونية على طلب االع تراض‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تق وم بإرس اله إلى المحكمة ال تي أص درت الحكم المع ترض علي ه‪ ،‬لكي تق وم ه ذه المحكمة بالفصل‬
‫فيه(‪.)70‬‬
‫وج اء في الم ادة (‪ )259‬من ق انون أص ول المحاكم ات‪ :‬أنه يج وز االع تراض على الحكم‬
‫الغي ابي الص ادر عن المحكمة البدائية بص فتها االس تئنافية‪ ،‬إذا ج رت المحاكمة أمامها مرافعة وفق اً‬

‫أبو الوفا‪ ،‬أصول المحاكمات المدنية‪ ،‬ص ‪ ،387‬وعبابنة‪ ،‬إيضاحات في قانون أصول‬ ‫(?)‬ ‫‪67‬‬

‫المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.183‬‬


‫جريج‪ ،‬جليل‪ ،‬أصول المحاكمات المدنية‪ ،‬ص ‪ .361‬وذكر القانون المصري أنه‪" :‬تقبل‬ ‫(?)‬ ‫‪69‬‬

‫المعارضة في كل حكم ص ادر في الغيبة ما ع دا األحك ام المعت برة ص ادرة في مواجهة الخص وم‬
‫بمقتضى ه ذه الالئحة فإنه ال يج وز الطعن فيها إال بطريق االس تئناف"‪ ،‬انظ ر‪ :‬مص طفى‪ ،‬مرافع ات‬
‫األحوال الشخصية‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫انظ ر‪ :‬أبو البص ل‪ ،‬أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ص‪ ،212‬وانظ ر‪ :‬الم ادة ‪ 110‬من‬ ‫(?)‬ ‫‪70‬‬

‫قانون أصول المحاكمات الشرعية‪.‬‬


‫محمود‪ ،‬محمد‪ ،‬شرح أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬المؤسسة الحديثة‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪68‬‬

‫ط ‪ ،2008‬ص ‪ ،289‬ومص طفى‪ ،‬فتحي حس ن‪ ،‬مرافع ات األص ول الش رعية‪ ،‬مكتبة المع ارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)413‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫لألص ول‪ ،‬وفي الميع اد المنص وص عليه لالع تراض على الحكم الغي ابي الص ادر عن المحكمة‬
‫البدائية(‪ ،)71‬كما يجوز للمحكوم عليه المعارض أن يدفع عند نظر المعارضة التي يرفعها بكل الدفوع‬
‫التي خولها له الشارع(‪ .)72‬وذلك يشمل الدفوع الشكلية والموضوعية وعدم القبول كما يرى الباحث‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مهل الطعن‪ ،‬المدة التي يجوز بها االعتراض‬


‫ح دد الق انون مهالً للطعن في األحك ام تختلف م دتها ب اختالف ط رق ه ذا الطعن‪ ،‬وقد أخذ‬
‫المشرع في االعتبار عند تحديد هذه المهل من جهة مصلحة الخصم الخاسر الذي يجب أن يعطى مدة‬
‫كافية لتمكينه من تمحيص القض ية في ض وء الحكم الص ادر‪ ،‬ومن موازاته احتم ال ال ربح والخس ارة‬
‫في الطعن الذي ال يستطيع رفعه(‪.)73‬‬
‫وقد جاء في المادة (‪ )106‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪" :‬للمحكوم عليه غيابي اً أن‬
‫يعترض على الحكم الغيابي خالل خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه"(‪.)74‬‬
‫ويرى الباحث أن مواعيد الطعن بطريقة االعتراض‪ :‬هي اآلجال التي بانقضائها يسقط الحق‬
‫في الطعن بالحكم‪.‬‬
‫وحرصاً على استقرار األحكام وعدم جعلها عرضة للنقض والتغير‪ ،‬شرعت مسألة الرد في‬
‫اإلجراءات القضائية‪ ،‬فالحكم الذي يصدر حدد له القانون فترة بعد صدوره‪ ،‬وتبليغه للمحكوم عليه‪،‬‬
‫لكي يطعن في ه ذا الحكم إن ك ان له مطعن‪ ،‬فيع ترض على ذلك الحكم خالل ف ترة خمسة عشر يوم اً‬
‫من ت اريخ التبلي غ‪ ،‬وج اء في ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية أنه يس قط ي وم التبليغ وأي ام العطل‬
‫الرسمية من ضمن مدة االعتراض إذا وقعت في نهاية المدة(‪.)75‬‬
‫وذكر الق انون اللبن اني أن مهلة االع تراض هي خمسة عشر يوم اً من ت اريخ تبليغ الحكم‬
‫تض اف إليها مهلة المس افة‪ ،‬وإ ذا ص ادف انته اء ي وم عطلة‪ ،‬امتدت حتم اً إلى أول عمل يليه‪ ،‬دون أن‬
‫ي دخل في حس اب ه ذه المهلة الس اعة أو الي وم ال ذي يج ري فيه التبلي غ‪ ،‬والمب دأ أن مس ألة مهلة‬

‫محمود‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬شرح أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪ ،292‬وأبو البصل‪ ،‬شرح‬ ‫(?)‬ ‫‪73‬‬

‫قانون أصول المحاكمات‪ ،‬ص ‪.212‬‬


‫الم ادة ‪ 106‬من ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪ .‬وتنص على أن ‪ :‬للمحك وم عليه‬ ‫(?)‬ ‫‪74‬‬

‫غيابياً أن يعترض على الحكم الغيابي خالل خمسة عشر يوماً من تاريخ تبلغه"‪.‬‬
‫انظر المادة ‪ 107‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪( .‬سبق ذكرها)‬ ‫(?)‬ ‫‪75‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)414‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫االع تراض هي من النظ ام الع ام‪ ،‬فيع ود للمحكمة إثارته ا‪ ،‬ولكن تس تثنى حالة جهل ت اريخ الحكم‬
‫الغيابي‪ ،‬فإن مهلة االعتراض تبقى مفتوحة لمصلحة المعترض(‪.)76‬‬
‫كما ي دخل في األع ذار ال تي توقف س ريان مهلة االع تراض‪ ،‬تع رض المحك وم عليه غيابي اً‬
‫إلح دى ح االت الق وة الق اهرة‪ ،‬مما يح ول بينه وبين تق ديم اع تراض ض من المهلة المح ددة‪ ،‬ويع ود‬
‫التق دير لمحكمة األس اس‪ ،‬وال يخضع لرقابة محكمة التمي يز‪ ،‬ألنه إثب ات لحالة مادي ة‪ ،‬كما اش ترط أن‬
‫تتض من م ذكرة التبليغ تنبيه اً إلى س قوط حق االع تراض بعد انقض اء المهلة القانوني ة‪ ،‬وع دم تبليغ‬
‫االعتراض رسمياً يجعل مهلته غير سارية بحق المعترض(‪.)77‬‬
‫أما القانون المصري فقد جعل المدة ثالثة أيام كاملة من تاريخ إعالن الصورة التنفيذية‪ ،‬كما‬
‫أجاز عدم احتساب يوم اإلعالن‪ ،‬واحتساب يوم تقديم المعارضة‪ ،‬فهو ميعاد ناقص تقدم المعارضة‬
‫خالله أي في اليوم الثالث على األكثر من األيام التالية لتاريخ اإلعالن بالصورة التنفيذية(‪.)78‬‬
‫أما في ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ف إن ميع اد الطعن عن طريق االع تراض تق وم‬
‫بتحديده المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي(‪ ،)79‬وذلك بعكس االستئناف‪ ،‬فقد حدد موعد االستئناف‬
‫بحيث يزيل الشبهة‪ ،‬والحيرة منه‪.‬‬
‫وس ريان الطعن باألحك ام ال يب دأ إال من ت اريخ تبليغ الحكم‪ ،‬ويالحظ أن حق الخصم في رفع‬
‫الطعن ال ينشأ عن تبلغه الحكم‪ ،‬بل عن مج رد ص دور ه ذا الحكم علي ه‪ ،‬وليس من ش أن التبليغ س وى‬
‫جعل مهلة الطعن سارية في حقه‪ ،‬فإذا انقضت سقط حقه به‪ ،‬ويكون رفع الطعن ممكن فور صدور‬
‫الحكم‪ ،‬ما لم يمنع القانون الطعن بهذا الحكم استقالالً كما قدمنا(‪.)80‬‬
‫وي رى الب احثين أن ه ذا ال رأي في الق انون المص ري يتفق إلى حد كب ير مع ما ذهب إليه‬
‫المش رع األردني في األص ول الش رعية‪ ،‬فيس تطيع المع ترض االع تراض على الحكم الغي ابي قبل‬

‫مصطفى‪ ،‬فتحي حسن‪ ،‬مرافعات األحوال الشخصية‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪ ،‬ص‬ ‫(?)‬ ‫‪78‬‬

‫‪.164-163‬‬
‫الم ادة ‪ 259‬من ق انون أص ول المحاكم ات الجزائية وفق تع ديل رقم ‪ 6‬لس نة ‪.2001‬‬ ‫(?)‬ ‫‪79‬‬

‫وتنص الم ادة على "يج وز االع تراض على الحكم الغي ابي الص ادر عن المحكمة البدائية بص فتها‬
‫االستئنافية إذا جرت المحاكمة أمامها مرافعة وفقا لألصول وفي الميعاد المنصوص عليه لالعتراض‬
‫على الحكم الغيابي الصادر عن المحكمة البدائية"‬
‫عيد‪ ،‬ادوارد‪ ،‬موسوعة أصول المحاكمات واإلثبات والتنفيذ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.66‬‬ ‫(?)‬ ‫‪80‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)415‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫تبلغه في الق انون األردني ش ريطة إرف اق ص ورة عن إعالم الحكم الص ادر وتقديمه ض من الم دة‬
‫القانونية‪.‬‬
‫وقد ذكرت المادة (‪ )300‬من مرافعات األحوال الشخصية للمصريين واألجانب‪ ،‬إذا قدمت‬
‫المعارضة بعد الموعد المحدد بنص المادة (‪ )293‬من الالئحة وجب رفضها‪ :‬أي الحكم بعدم قبولها‬
‫ش كالً‪ ،‬وال ذي يح دد ب دء الميع اد لمعرفة ما إذا ك انت المعارضة مقدمة في خالله من عدمه هو ت اريخ‬
‫دفع رسم المعارضة(‪.)81‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أثر تقديم االعتراض‬


‫ج اء في الم ادة (‪ )111‬من ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ال تق ديم االع تراض بوقف‬
‫تنفيذ الحكم المعترض عليه‪ ،‬إال إذا كان معجل التنفيذ أو حكماً ينفقه"(‪.)82‬‬
‫فمن خالل ه ذه الم ادة نجد أن االع تراض على الحكم الغي ابي ال ي ؤثر مب دئياً على الحكم‬
‫الص ادر‪ ،‬وال يبطل ه‪ ،‬واألثر الم ترتب هو وقف العمل ب الحكم ال ذي اع ترض علي ه‪ ،‬إال في ح التين‬
‫استثنيتا وفقاً للمادة السابعة وهما‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون الحكم معجل التنفيذ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪)83‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون حكماً بنفقة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ف االعتراض مب دئياً يوقف تنفيذ الحكم‪ ،‬وينشر ال دعوى مج دداً أم ام المحكم ة‪ ،‬مما يع رض‬
‫مص ير االع تراض‪ ،‬نتيجة المحاكم ة‪ ،‬إما إلى رده أو قبول ه‪ ،‬أو إلى إس قاطه في ح ال قبول ه‪ ،‬مما يمنع‬
‫مبدئياً تنفيذ الحكم‪ ،‬إال في الحالتين التي أشارت لها المادة السابقة‪ ،‬ألنها لهما صفة االستعجال(‪.)84‬‬
‫وقد ميز قانون المرافعات الشرعية المصري بين حالتين من حيث األثر‪ ،‬فأشار في المادة (‬
‫‪ )297‬بالقول ما يلي‪:‬‬
‫يترتب على المعارضة إيقاف التنفيذ إال في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫أبو البصل‪ ،‬شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫(?)‬ ‫‪83‬‬

‫محمود‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬شرح أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.293‬‬ ‫(?)‬ ‫‪84‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)416‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫ال‪ :‬إذا كان الحكم صادراً بالنفقة‪ ،‬أو بأجرة الرضاعة‪ ،‬أو المسكن‪ ،‬أو الحضانة‪ ،‬أو تسليم الصغير‬
‫أو ً‬
‫إلى أمه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إذا كان مأموراً بالنفاذ المؤقت في الحكم في األحوال المستوجبة االستعمال‪ ،‬أو التي يخشى من‬
‫تأخيرها حص ول ض رر‪ ،‬ف إذا ك ان الحكم ص ادراً بالنفقة وما أش ير إليه س ابقاً فإنه واجب التنفي ذ‪ ،‬ولو‬
‫كان غيابياً‪ ،‬وال يترتب على تقديم معارضة فيه إيقاف تنفيذه‪ ،‬وقد احتاط القانون وذكر أنه إذا نفذ حكم‬
‫النفقة‪ ،‬ولم يدفع المعترض‪ ،‬وحكم بالحبس‪ ،‬فال يجوز حبسه‪ ،‬حتى يصبح هذا الحكم قطعياً‪.‬‬
‫وج اء في الق رار االس تئنافي رقم (‪ )19669‬أن ه‪( :‬إذا ثبتت جهة االع تراض‪ ،‬ف إن الحكم المع ترض‬
‫عليه يفسخ‪ ،‬وال يلغى)(‪.)85‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬اإلجراءات التي تحكم االعتراض‬


‫تب دأ إج راءات نظر االع تراض بتق ديم عريضة االع تراض إلى المحكمة ال تي ص در منها‬
‫الحكم‪ ،‬أو أي محكمة ش رعية(‪ ،)86‬وبعد اس تيفاء الرسم خالل الم دة القانونية المش ار إليها س ابقاً‪ ،‬كما‬
‫تنظر في األسباب التي أبداها المعترض وفق نص المادة (‪.)87()109‬‬
‫وهنا ال بد للمحكمة من التأك د‪ ،‬أن االع تراض قد اس توفى جميع الش روط الش كلية‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تنظر األم ور األخ رى من اس تيفاء الرس م‪ ،‬وتقديمه في الم دة المح ددة‪ ،‬وبعد ذلك تح دد موعد لنظر‬
‫االع تراض والفصل في ه‪ ،،‬باعتب ار أنه دع وى جدي دة‪ ،‬وتص در حكمها إما بقب ول االع تراض وفسخ‬
‫الحكم الغي ابي‪ ،‬أو تع ديل الحكم الغي ابي‪ ،‬أو رده‪ ،‬وإ ذا رد االع تراض ال يج وز إال اس تئنافية فق ط‪.‬‬
‫ف الحكم ال ذي يطعن فيه عن طريق االع تراض ال يج وز االع تراض عليه مج دداً‪ ،‬منع اً لتأبيد ال نزاع‬
‫من قبل سيء النية‪ ،‬ولكن يشترط وحدة الموضوع(‪.)88‬‬
‫وإ ذا لم يحضر المع ترض‪ ،‬أو الطرف ان في الت اريخ ال ذي حددته المحكمة لهما من أجل نظر‬
‫االع تراض‪ ،‬فإنه ي رد‪ ،‬وال يقبل االع تراض م رة أخ رى(‪ ،)89‬وفي حالة تخلف المع ترض عليه رغم‬
‫تبلغه الموعد حسب األصول‪ ،‬فتجري محاكمته غيابي اً‪ ،‬وذلك بناء على رغبة المعترض‪ ،‬شريطة أن‬
‫تتأكد من اإلجراءات الشكلية لالعتراض‪ ،‬وبعد ذلك تصدر الحكم بفسخ الحكم‪ ،‬أو تعديله‪ ،‬أو رده‪.‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)417‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫يش ار إلى أن الحكم المع ترض عليه إذا رد االع تراض يعت بر الحكم الغي ابي بمنزلة الحكم‬
‫الوجاهي‪ ،‬ال يقبل االعتراض عليه مرة أخرى‪ ،‬بمعنى أنه من أجل إمكان رد االعتراض يتعين توافر‬
‫الشروط اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكون المعترض قد ُبلّغ بموعد المحاكمة االعتراضية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن التغيب قد تم دون عذر شرعي(‪.)90‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وه ذا ما نج ده في أص ول المحاكم ات الجزائي ة‪ ،‬أما أص ول المحاكم ات الش رعية اعت بر ع دم‬
‫حض ور المع ترض في موعد االع تراض ي رد على أثرها االع تراض وال يقبل م رة أخ رى‪ ،‬كما أن‬
‫الحكم الصادر برد االعتراض هو قابل لالستئناف‪ ،‬شريطة تبليغه للمعترض‪ ،‬وفي هذه الحالة تنظر‬
‫محكمة االس تئناف في الحكم األص لي المع ترض علي ه‪ ،‬وه ذا ما يم يز األص ول الش رعية عن‬
‫غيرها(‪.)91‬‬
‫وي ترتب على قب ول االع تراض على الحكم الغي ابي إع ادة ال دعوى المع ترض عليها إلى‬
‫أدوارها األولى‪ ،‬حيث تقوم المحكمة بالسير فيها من جديد‪.‬‬
‫وج اء في الق رار االس تئنافي رقم (‪ )22678‬بأن ه‪" :‬يفسخ الحكم ب رد االع تراض إذا ذكر‬
‫المع ترض في الئحته االعتراض ية على ق رار ال رد المس تأنف ب أن تبليغه في ال دعوى األص لية غ ير‬
‫صحيح‪ ،‬وثبت ذلك بالفعل‪ ،‬وجاء القرار رقم (‪ 35144‬و‪ 23135‬و‪ 27884‬و‪ )27902‬أنه إذا رد‬
‫االعتراض للغياب‪ ،‬وكان الرد حسب األصول فإن الحكم يصدق من قبل محكمة االستئناف‪ ،‬وأشار‬
‫القرار رقم (‪ 10351‬و‪ 23135‬و‪ )39489‬أن الدعوى االعتراضية ترد‪ ،‬وال تسقط(‪.)92‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬األثر المترتب على عدم تبليغ الحكم الغيابي‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)418‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫إذا ص در الحكم الغي ابي فيجب أن يبلغ الحكم إلى المحك وم عليه خالل س نة من ت اريخ‬
‫صدوره‪ ،‬وإ ال أصبح هذا الحكم ملغي‪ ،‬وقد استثنى القانون حالتين‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا راجع المحك وم له المحكمة دفع الرسم للتبليغ خالل م دة الس نة‪ ،‬ومضت الم دة قبل أن‬
‫تنتهي معاملة التبليغ‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان الحكم مما يتعلق به حق اهلل تعالى(‪.)93‬‬
‫وج اء في الق رار االس تئنافي "ال يصح االع تراض على حكم باطل كما لو ص در حكم غي ابي‪،‬‬
‫ولم يبلغ خالل سنة من تاريخ صدوره"(‪.)94‬‬
‫وجاء في القرار االستئنافي رقم (‪" )28749‬أن الحكم يصبح مجمداً وال أثر له قضاء إذا مر‬
‫عليه مدة مرور الزمن‪ ،‬ولم ينفذ ألي سبب من األسباب"(‪.)95‬‬
‫وي رى الب احث إن تبليغ الحكم الغي ابي له اثر مباشر على الحكم الص ادر‪ ،‬فال ذي ص در‬
‫لمص لحته حكم غي ابي يجب عليه متابعته وتبليغه حسب األص ول القض ائية وفيه محافظة على حق وق‬
‫الغائب‪.‬‬
‫النتائج والتوصيات‬
‫النتائج‬
‫يعرف االعتراض بأنه‪ :‬عبارة عن تظلم يتقدم بموجبه المحكوم عليه غيابياً إلى نفس المحكمة‬ ‫‪‬‬
‫التي أصدرت الحكم بحقه‪ ،‬وذلك بقصد إلغائه وسحبه‪.‬‬
‫الحكم الوج اهي ب القول‪ :‬هو الحكم ال ذي يص در بمواجهة الط رفين وحض ورهما لجلس ات‬ ‫‪‬‬
‫ال دعوى‪ ،‬ويعت بر الحكم وجاهي اً فيما لو حضر الم دعى عليه جلسة من جلس ات المحاكمة أو‬
‫أك ثر‪ ،‬وتخلف بعد ذلك عن الحض ور‪ ،‬أي أن الق انون اعت بر المحاكمة الوجاهية بحض ور‬
‫الم دعى عليه جلسة واح دة فق ط‪ ،‬ح تى لو غ اب بعد ذل ك‪ ،‬وه ذا ما اس تقر عليه العمل في‬
‫المحاكم الشرعية األردنية‪ ،‬ومحكمة االستئناف الشرعية‪.‬‬
‫تعرف أصول المحاكمات بأنها القواعد واإلجراءات التي تتخذ من قبل القاضي‪ ،‬إلعطاء كل‬ ‫‪‬‬
‫ذي حق حقه"‪.‬‬
‫يرى الباحث أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز القضاء على الغائب هو األقوى؛ لقوة‬ ‫‪‬‬
‫أدلتهم‪ ،‬ألن في ذلك محافظة على حق وق الن اس من الض ياع‪ ،‬فلو منع القض اء على الغ ائب‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)419‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫الستهتر أصحاب النف وس الضعيفة بحقوق الن اس‪ ،‬ولته رب كثير من الناس من الحكم عليه‬
‫بالغي اب‪ ،‬وأن حق الغ ائب محف وظ وذلك بتكليف الم دعي اليمين الش رعية بما يوافق دع واه‪،‬‬
‫بعد أن يثبت دعواه بالبينة؛ وذلك بقوله أن الحق ما زال في ذمة المدعى عليه‪.‬‬
‫أجاز قانون أصول المحاكمات الشرعية األردني القضاء على الغائب‪ ،‬مهما كان سبب غيابه‬ ‫‪‬‬
‫س واء في البل د‪ ،‬أو خارج ه‪ ،‬واش ترط الق انون أن يتم تبليغ الم دعى عليه ال دعوى حسب‬
‫األصول‪ ،‬كما أوجب القانون تبليغ نسخة من الئحة الدعوى إلى المدعى عليه‪.‬‬
‫من الش روط العامة لالع تراض على الحكم الغي ابي‪ ،‬أن يق دم االع تراض بالئحة مكتوب ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وعليها البيان ات الالزمة ال تي تشترط في كل الئحة تقدم إلى المحكم ة‪ ،‬وأن يقدم االع تراض‬
‫ضمن المدة القانونية‪ ،‬و أن يرفق المعترض صورة عن إعالم الحكم المعترض عليه إذا قدم‬
‫قبل تبليغ المعترض الحكم المعترض عليه‪.‬‬
‫يق دم االع تراض على الحكم الغي ابي من حيث األصل إلى المحكمة ال تي أص درت الحكم؛‬ ‫‪‬‬
‫ألنها األق در على معرفة جميع اإلج راءات القانونية ال تي اتخ ذت في ال دعوى‪ ،‬وه ذا األصل‬

‫الم ادة ‪ 259‬من ق انون أص ول المحاكم ات الجزائية القانونية المع دل رقم (‪ )16‬لس نة‬ ‫(?)‬ ‫‪71‬‬

‫‪.2001‬‬
‫مصطفى‪ ،‬فتحي حسن‪ ،‬مرافعات األحوال الشخصية‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫(?)‬ ‫‪72‬‬

‫محمود‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬شرح أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.292‬‬ ‫(?)‬ ‫‪76‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.292‬‬ ‫(?)‬ ‫‪77‬‬

‫مص طفى‪ ،‬فتحي حس ن‪ ،‬مرافع ات األح وال الشخص ية للمص ريين واألج انب‪ ،‬الناشر‬ ‫(?)‬ ‫‪81‬‬

‫منش أة المع ارف‪ ،‬اإلس كندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬م ادة ‪ 300‬الئحة ص ‪ .168‬وج اء في الق رار االس تئنافي رقم (‬
‫‪ )25360 ،25288‬الع برة بقب ول االع تراض ش كالً هي أن يق دم ض من الم دة القانونية لالع تراض‬
‫بغض النظر عن علم ومعرفة المع ترض في ال دعوى األص لية‪ ،‬عبابن ة‪ ،‬إيض احات في ق انون أص ول‬
‫المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫المادة ‪ 111‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم ‪ 31‬سنة ‪ 1959‬والمعدل بق انون‬ ‫(?)‬ ‫‪82‬‬

‫رقم ‪ 50‬سنة ‪.2007‬‬


‫مصطفى‪ ،‬فتحي‪ ،‬مرافعات األحوال الشخصية‪ ،‬ص ‪ ،166-165‬وعبابنة‪ ،‬إيضاحات‬ ‫(?)‬ ‫‪85‬‬

‫في قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪.183‬‬


‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)420‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫يوفر على صاحب المصلحة عناء االنتقال من محكمة إلى أخرى‪ ،‬بهدف عدولها عن حكمها‬
‫السابق الذي سبق أن أصدرته‪.‬‬
‫ح دد الق انون مهالً للطعن في األحك ام تختلف م دتها ب اختالف ط رق ه ذا الطعن‪ ،‬وقد أخذ‬ ‫‪‬‬
‫المش رع في االعتب ار عند تحديد ه ذه المهل من جهة مص لحة الخصم الخاسر ال ذي يجب أن‬
‫يعطى مدة كافية لتمكينه من تمحيص القضية في ضوء الحكم الصادر‪ ،‬ومن موازاته احتمال‬
‫الربح والخسارة في الطعن الذي ال يستطيع رفعه‪.‬‬
‫إذا ص در الحكم الغي ابي فيجب أن يبلغ الحكم إلى المحك وم عليه خالل س نة من ت اريخ‬ ‫‪‬‬
‫ص دوره‪ ،‬وإ ال أص بح ه ذا الحكم ملغي‪ ،‬وقد اس تثنى الق انون ح التين‪ :‬إذا راجع المحك وم له‬

‫محم ود‪ ،‬عبد الس الم‪ ،‬ش رح أص ول المحاكم ات الش رعية‪ ،‬ص ‪ 291‬والم ادة ‪ 112‬من‬ ‫(?)‬ ‫‪88‬‬

‫قانون أصول المحاكمات الشرعية‪.‬‬


‫ج اء في الم ادة ‪ 112‬من ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪" :‬إذا لم يحضر المع ترض‬ ‫(?)‬ ‫‪89‬‬

‫أو الطرفان في اليوم المعين للنظر في االعتراض يرد االعتراض وال يقبل مرة أخرى والحكم الصادر‬
‫ي رد االع تراض يك ون ق ابالً لالس تئناف ش ريطة تبليغه للمع ترض وفي ه ذه الحالة تنظر محكمة‬
‫االستئناف في الحكم األصلي المعترض عليه"‪ ،‬مادة ‪ 112‬من فانون أصول المحاكمات الشرعية‪.‬‬
‫النصراوي‪ ،‬سامي‪ ،‬دراسة في أصول المحاكمات الجزائية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.226‬‬ ‫(?)‬ ‫‪90‬‬

‫أص ول المحاكم ات الش رعية م ادة ‪ 112‬و ‪ .119‬وقد س بق ذكر الم ادة ‪ 112‬أما نص‬ ‫(?)‬ ‫‪91‬‬

‫الم ادة ‪ 111‬ينص " الحكم ال ذي تص دره المحكمة ال يبطل من الحكم المع ترض عليه إال الجهة ال تي‬
‫تخص المعترض ما لم تكن مادة الحكم المذكورة ال تقبل التجزئة فحينئذ يبطل الحكم بأجمعه"‪.‬‬
‫عبابنة‪ ،‬إيضاحات في قانون أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص ‪ 183‬و‪.185‬‬ ‫(?)‬ ‫‪92‬‬

‫الم ادة ‪ 114‬من أص ول المحاكم ات الش رعية‪ .‬وتنص على" إذا لم يبلغ الحكم أو الق رار‬ ‫(?)‬ ‫‪93‬‬

‫الغيابيان الى المحكوم عليه خالل سنة من تاريخ صدوره يصبح ملغي إال في األحوال اآلتية ‪ -1 :‬إذا‬
‫راجع المحك وم له المحكمة ودفع الرسم للتبليغ خالل م ده الس نة ومضت الس نة قبل أن تنتهي معاملة‬
‫التبليغ‪ -2 .‬إذا كان الحكم مما يتعلق به حق اهلل تعالى‪.‬‬
‫القرار االستئنافي (‪ ،)9090‬عبابنة‪ ،‬علي إبراهيم مصطفى‪ ،‬إيضاحات في قانون أصول‬ ‫(?)‬ ‫‪94‬‬

‫المحاكمات الشرعية بقرارات محكمة االستئناف الشرعية األردنية‪ ،‬ط‪2000-1421 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬ ‫(?)‬ ‫‪95‬‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬


‫(‪)421‬‬
‫االعتراض على الحكم الغيابي‬
‫المحكمة دفع الرسم للتبليغ خالل مدة السنة‪ ،‬ومضت المدة قبل أن تنتهي معاملة التبليغ‪ .‬وإ ذا‬
‫كان الحكم مما يتعلق به حق اهلل تعالى‪.‬‬

‫التوصيات‬
‫يوصي الباحث بعد دراسته لموضوع االعتراض على الحكم الغيابي بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يق وم من يتول ون مهمة التبليغ في المح اكم (المحض رين) باالهتم ام ب واجبهم أك ثر‪،‬‬
‫ومحاولة التبليغ للشخص المدعي عليه مباشرة‪ ،‬وهذا من شأنه التقليل من األحكام الغيابية‪،‬‬
‫ويفسح المجال لحل الخصومات بين األطراف المتقابلة‪.‬‬
‫‪ .2‬إعطاء المحضرين مبلغ مالي يساوي الجهد المبذول من قبلهم للتبليغ؛ حتى ال يكون التبليغ‬
‫وحقوق الناس عرضة للضياع بسبب تقصيرهم‪ ،‬لعدم وجود مبلغ يتناسب مع الجهد الذي‬
‫بذلوه من أجل تبليغ المدعى عليه في أي قضية كانت‪.‬‬
‫‪ .3‬إع ادة تبليغ بعض الدعاوى أكثر من م رة‪ ،‬وخاصة إذا ك ان ثمة شبهة في التبليغ واستشعر‬
‫القاضي أن هذا التبليغ قد يشوبه شائبة‪.‬‬
‫واهلل من وراء القصد‬

‫الهوامش‬

‫نصت المادة ‪ 110‬من قانون أصول المحاكمات الشرعية‪" :‬أنه يجوز تقديم االعتراض‬ ‫(?)‬ ‫‪86‬‬

‫إلى أية محكمة من مح اكم المملكة وعلى المحكمة ال تي ق دم إليها االع تراض أن تس توفي الرسم وتب ادر‬
‫بإرس اله ف وراً إلى المحكمة ال تي أص درت الحكم المع ترض علي ه"‪ ،‬انظر ق انون أص ول المحاكم ات‬
‫الشرعية‪ ،‬مادة ‪.110‬‬
‫نصت الم ادة ‪ 109‬من ق انون أص ول المحاكم ات الش رعية‪" :‬إذا ق دم االع تراض ض من‬ ‫(?)‬ ‫‪87‬‬

‫المدة القانونية تق رر المحكمة قبوله وتنظر في أس باب االع تراض وتص در حكمها بعد ذلك بفسخ الحكم‬
‫الغيابي أو تعديله أو رد االعتراض"‪ ،‬المادة ‪ 109‬من قانون أصـول المحاكمــات الشرعية‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫المنارة‪ ،‬المجلد ‪ ،21‬العدد‪/4 :‬ب‪2015،‬‬
‫(‪)422‬‬

You might also like