Professional Documents
Culture Documents
المدرسة الكالسيكية الفرنسية ( النسق التقني )على الرغم من أن مذهب التمثيل الكالسيكي كما يقررـ كثير من
الباحثين كان هو السائد منذ ظهور التمثيل المسرحي على يد اليوناني ثيسـبس الذي كان هو أول ممثل عرفه التاريخ
المسرحي وأسخيلوس الذي يعتبر هو أول من استخدم ممثـل َين على المسرح في آن واحد وكذلك سوفوكليس الذي
يعتبر هو أول من استخدم ثالثة ممثلين ..وأن التغيرات التي طرأت على المذهب الكالسيكي منذ حينها كانت
مجرد تغييرات أسلوبية لم تؤثر في ذات أساسياته ..إال أن المنظر الحقيقي والذي وضع جل أساسياته بهذا النسق
تركيزه على لغة الجسم ومحاولةـ وجود الصيغة المناسبة ألداء الشخصية أكثر من تركيزه على الشعور بها واالنفعال
معها ..ولذلك فإن الممثل يجب عليه أن يجد الطريقة المناسبة التي يستطيع من خاللها أن يقدم شخصيته التي
تتطابق مع الصورة العامة لها في السيناريوـ ..من دون أن يشرك العامل الشعوري الذي يهيئ له معايشتها واإلحساس
بها ..فالكالسيكية تبتعد قدر اإلمكان عن ربط الشخصية بالممثل ..وإنما تحاول أن تجعل الممثل يبحث عن لغة
الجسم كالحركات واألصوات واإليماءات التي تكفل له الخروج بأداء مقاربـ لطبيعة الشخصية كما هي في السيناريوـ ..
كما أنها ال تعترف بأية دوافع خارجية أو محركات من خارج المشهد من شأنها أن تؤثر على الشخصية ..بل تجعلها
محصورة في إطار الرسم المحدد لها في السيناريو ..والمثال على ذلك ..كأن نجد شخصية مضطربة نفسياـ في مشهد
رومانسي ..والسيناريو قد رسم الشخصية في هذا المشهد بالتحديد بطريقة عذبة وسلسة وغير معقدة ..في المدرسة
الكالسيكية ال يعبأ الممثل بكون أن الشخصية مضطربة بشكل عام وإن كان هذا االضطراب ال يظهر في هذا المشهد
بالتحديد ولكنه واضح في خارجهـ ..ولذلك فهو يطبقها كما يجدها في السيناريوـ بعد أن يعتمد في ذلك على طريقته
الخاصة في كيفية تشكيل شخصيته بحركاتها وأسلوبها وطريقة كالمها ..من األخطاء الشائعة ..أن توصف الكالسيكية
على اعتبارـ أنها نقيض لما يسمى بـ ( الواقعية ) ..والخطأ في ذلك أن الكالسيكية هي أسلوب تمثيلي له طريقة
خاصة في إظهار الشخصية التي يؤديها الممثل ..وال تناقض بأي شكل من األشكال واقعيتها ..فالممثل الكالسيكي
كما سبق يعتمد في أدائهـ على الحرفية والتقنية في التركيز على لغة الجسم الخارجية أكثر من تركيزه على الحالة
الشعورية الداخلية ..وتأديته للدور بناء على ذلك ال ينتج تعارضا مع واقعية الشخصية ..وإنماـ هو أسلوب قد يقبله
البعض وقد يرفضه ..ونقدنا له يكون بناء على انتمائه لمذهبه ..ومن الممثلين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة :
لورانس أوليفييهـ في ( :ريبيكاـ ) و ( هاملت ) و ( عطيل ) فريدريك مارش في ( :الدكتور جايكل والسيد هايد ) و
( أفضل السنوات في حياتنا ) ..غريغوري بيك في ( :اتفاقية الشرف ) و ( إجازة روماـ ) ومن المتأخرين " نسبياـ " :
بيتر أوتول في ( :لورنس العربي ) و ( باكت ) و ( أسد الشتاء )بن كينجسلي في ( :غاندي ) و ( بوجسي ) و الحقا
في ( بيت الرمل والضباب )كلينت ايستوودـ في :أغلبية أفالمه التي مثلها ..جيرمي آيرونز في ( :المهمة ) و
( عكسية الثروة ) ويبقى من بين هؤالء جميعا ممثلون ينتمون إلى المدرسة الكالسيكية إال أنك تستشعر أن في
أدوارهم لمسة اندفاع شعوري وإحساسـ عميق بالشخصية ..لعل أبرزهم :سبينسر تريسي و جيمس ستيوارتـ و جاري
قسطنطين (
كوبر وغيرهم ..المدرسة األسلوبية ( النسق الخيالي ) يعتبر الممثل والمخرج المسرحي الروسي
– مسرح موسكو للفنون ( هو المؤسس الفعلي لهذه المدرسة عندما كان عضوا فعاال في ) 1938
وذلك بوضعه لألسس العامة لمدرسة التمثيل Moscow Arts Theatre ) ..
األسلوبي واعتماده على تمارينـ خاصة تهيئ الممثل ألداء دوره وفق الطريقة الواقعية والغير متكلفة والمستمدة من
ذات الممثل ..ومن هذه التمارين نجد مبادئ تمثيلية كثيرة منها ( تحليل الشخصية ) و ( الحوار مع الذات ) و
( االرتجال ) ...ولكن األهم منها جميعا هما مبدأ ( الذاكرة الشعورية أو االنفعالية ) و مبدأ ( االفتراضية ) ..وسيأتي
الحديث عن كليهما ألهميتهما على غيرهما ..غيَّـر ستانيسالفسكي بأسلوبه الجديد مالمح التمثيل المسرحي
الروسي إلى األبد ..وذلك عندما ساهم في تغيير أسلوب التمثيل من الكالسيكي المعهود إلى ما يسمى أو يطلق
عليه ( األسلوبي ) حيث شعر ستانيسالفسكي أن المسرح األوروبي – في حوالي منعطف القرن التاسع عشر – (
كان شديد االهتمام بالمظاهر الخارجية للشخصية ..ومنـ هذه المظاهر مثال :الوضع الجسمي واإليماءاتـ واإلبرازـ
الصوتي أو التجسيد ..ولذلك حاول ستانيسالفسكي أن يعيد توجيه االنتباه الى العمليات الداخلية " الشعورية " لدى
– الممثلين ..وفي كتابهـ الشهير " ممثل يستعد الذي كتبه في " An Actor Prepares
عام 1936لخص ستانيسالفسكي بشكل عام الوسائل التي يستطيع الممثلون من خاللها أن يستحضروا إلى مجال
خبراتهم المواقف واالنفعاالت التي يمر بها الكاتب المسرحي ويحاول أن يجعل الشخصيات المسرحية تشعر بها )
لتنتقل حينها الشخصية من كونها نصية الكتابة إلى كونها وليدة أحاسيس وانفعاالت الممثل ..إال أن هذا التأثير كان
محصورا في نطاق ضيق ولم يتعدى حدود المسرح الروسي ..وهنا يبرز دور المسرحي الهنغاري الشهير لي (
– ستراسبيرغ الذي ساهم Lee Strasberg ) ( 1901 – 1982 ) ..
باعتناقه ألسلوب ستانيسالفسكي في تطوير المذهب األسلوبي ونشره بين اآلالف من الممثلين المسرحيينـ الذين
نقلوه تلقائياـ إلى السينما ..وذلك عندما شارك في إنشاء الفرقة المسرحية التي يطلق عليها ( مسرح الجماعة ) في
عام ..1931والتي انحلت في أواخرـ األربعينيات ليجد ستراسبيرغ نفسه في طائرة متجهة إلى نيويوركـ ..لينضم
حينها إلى الذي يضع جل اهتمامه على تدريب ) – Actor's Studioأستوديو الممثلين (
الممثلين وصقل مهاراتهم ..وهناك نشر ستراسبيرغ أفكاره التي استمدها من ستانيسالفسكي وساهم في تطويرها ..
وحولها من كونها تدريبات تطبيقية بحتة إلى نظريات علمية تدرس ..ليتغذى بها كثير من ممثلي هوليوود الذين
أصبحوا فيما بعد أعالما سينمائيةـ شهيرة ..ويأتي من ضمنهم األسطورة ( مارلون براندو ) و ( جيمس دين ) اللذان
كانا من أوائلـ تالميذه ..ليأتي من بعدهم آخرونـ كـ ( آل باتشينو ) و ( روبرتوـ دي نيرو ) و ( داستن هوفمان ) و ( جاك
نيكلسون ) وغيرهم الكثير ..ولذلك فإن ستراسبيرغ ال يقل شأنا عن ستانيسالفسكي ..فاألخير له فضل االبتكارـ ..
واألول له فضل التطوير واالنتشارـ ..تعتمد المدرسة األسلوبية على ذات الممثل كمرجع أساسي في تمثيل الشخصية
بشكل قد يتعدى ما يوجد في السيناريو من رسم خاص لها ..معتمدا في ذلك على ما يسمى ( بالذاكرة االنفعالية او
الشعورية ) وكذلك ( االفتراضية ) التي ابتكرهاـ ستانيسالفسكي ..و( الذاكرة الشعوريةـ ) هي نوع من االعتماد على
المصادر الداخلية التي من شأنها أن تغذي الحالة الشعورية واالنفعاليةـ لدى الممثل ومن ثم تقديم األداء بناء على ذلك
..وإذا كان المذهب الكالسيكي ال يعترف بأي دافع أو محرك خارج المشهد أو خارج النص المقرر فإن المذهب
األسلوبي يناقضه أتم المناقضة ..ويجعل من الحالة الذهنية والشعوريةـ للممثل هي الخط الذي يسير عليه أداء
الشخصية ..فيعتمد الممثل على ذاكرته الشعورية ليستمد منها ما يغذي انفعاالته ومشاعره تجاه الشخصية التي
يؤديها ..ولذلك فإن ستانيسالفسكي يضع التصرف في أداء الشخصية في يد الممثل ويخرجها من السيناريو ..حيث
يرى أن أداء الشخصية يتطلب الغوص في مشاعرها وانفعاالتها وهو امر ال يستطيع السيناريو أن يصل إليه ..بينما
يتمكن الممثل من الوصول إليها ..وهو االمر الذي يقود إلى الطريقة الثانيةـ التي يعتمدها في تدريب طالبه وهي
( االفتراضية ) وهي أسلوب يـُشترط فيه أن يعايش الممثل نفس الحالة التي كتبت في النص وكأنها تحدث حقيقة ..
ومن خالل ذلك فإن اتحاد كل من ( الذاكرة الشعوريةـ واالنفعالية ) وكذلك ( االفتراضية ) يولد اإلحساس المطلوب
بالشخصية ..وتنتفي حينها الصورة المرسومة في السيناريوـ ليحل محلها الممثل الذي يعتمد الصيغة التي سيقدم من
خاللها الشخصية ..والجل الوصول إلى هذه المرحلة من االندماج الكامل مع الشخصية فإن كثيرا من ممثلي
األسلوبية يعمدون إلى تغيير كثير من خصائصهم الجسمية كإنقاص الوزن أو زيادته والعمل ليل نهار على محاولة
الغوص في مكنون شخصيته التي يمثلها ..مما قد يؤثر عليه عكسيا في بعض األحيان ..ويعتبر كثير من الكتاب
والمؤرخين السينمائيين أن ( المدرسة األسلوبية ) تتكون من ثالث مراحل مرت بها ..المرحلة األولى هي مرحلة
ستانيسالفسكي الذي وضع أسسها ..والمرحلة الثانيةـ هي مرحلة ستراسبيرغ الذي ساهم في تطوير تدريباتـ وأفكار
ستانيسالفسكي وأخرجها من إطار المسرح الروسي لينشرها في المسارح العالمية األخرى ..والمرحلة الثانية هي
مرحلة نقل مذهب التمثيل األسلوبي من المسرح إلى السينما ..والتي كانت على يد كل من الممثلـَين الكبيرينـ
( مارلون براندو ) في أفالمه ( عربة اسمها الرغبة ) و ( الواجهة البحرية ) و كذلك ( جيمس دين ) الذي ال يقل عن
مارلون براندوـ في تدعيم ثورة األسلوبية التمثيلية التي أحدثها في أفالمه ( شرق عدن ) و ( العمالق ) ..إال أن ذات
النقاد يقفونـ كثيرا بين الفروق التي سيطرت على أفكار ستانيسالفسكي و اقتباسات ستراسبيرغ ..حيث يرى البعض
أن نظريات ستانيسالفسكي اعتمدت على دمج المذهب الكالسيكي بالمذهب األسلوبي الذي ابتكره ..ومن ثم
جمعهم في بوتقة واحدة ..وذلك عبر تحضير الممثل للدور وحضوره الذهني حال مراجعته لتفاصيل شخصيته
واالستعداد التدريبي البحت ألدائها بحركاتها المفترضة وفي ذات الوقت فإنه يعايش الشخصية عبر مالمسته
الشعوريةـ النفعاالتها وأن يضع نفسهـ في مكانها ..أي بمعنى أنه يوازنـ بين معايشة الشخصية وبين التدرب الفعلي
عليها ..إال أن ستراسبيرغ بالغ كثيرا في فرض هذه النظرية وشدد كثيرا على طغيان األسلوبية في األداء ..ليجعل
الحالة الشعورية التي يعيشها الممثل حال قيامه بالشخصية هي الصورة المعتبرة لها ..ومن الممثلين الذين ينتمون
إلى هذه المدرسة :مارلون براندو في ( :عربة اسمها الرغبة ) و ( على الواجهة المائية ) و ( العراب ) ..جيمس دين
في ( :ثائر بدون قضية ) و ( شرق عدن ) و ( العمالق )داستن هوفمان في ( :الخريج ) و ( كاوبوي منتصف الليل ) و
( رجل المارثون ) آل باتشينو في ( :العراب ) بجزأيهـ ..و ( سيربيكو ) و ( عصر يوم حار )روبرتـ دي نيرو في :
( العراب ) 2و ( سائق التاكسي ) و ( الثور الهائج )جاك نيكلسون في ( :خمس قطع سهلة ) و ( الحي الصيني ) و
( طار فوق عش الوقواق ) ميرل ستريب في ( :صائد الغزالن ) و ( كرايمر ضد كريمر ) و ( اختيارـ صوفيا ) ديان كيتون
في ( :آني هيل ) و ( ُح ُمر ) المدرسة الحديثة ( المتوسطة أو األسلوبية الحديثة ) ظهرت هذه المدرسة التمثيلية
فيما بين أواخرـ السبعينيات وأواسط الثمانينياتـ الميالدية من القرن الماضي ..وال يتضح من خالل النظرة التاريخيةـ
من هو الذي ساهم في ظهورها ..بل هي كانت مجموعة من األدوارـ المتفرقة التي جمعت بين أسلوب المدرستين
السابقتينـ ( الكالسيكية ) و ( األسلوبية ) ..والتي فرضت نفسها مع الوقت واستطاعت أن تستقطب أغلبية ممثلي
جيل الثمانينياتـ والتسعينيات ..وهي تتبع في عمومها لمدرسة ( األسلوبية ) ..ولكن بتوسع أكبر ..والسبب
الرئيسي وراء ظهور مثل هذا النوع من األسلوب التمثيلي يتمثل في احتياج الممثل إلى كل من الركائز األسلوبية
لمدرستي ( الكالسيكية ) و ( األسلوبية ) ..والجمع بينهما كي يوفر التوازنـ المطلوب في أدائهـ ..ليكون أداء الممثل
مكوناـ من التركيز على العوامل الخارجية كلغة الجسم والتقنيةـ في األداء وكذلك اإلحساس بالشخصية والغوص في
مكامنها الشعوريةـ ومحاولة االقتراب من انفعاالتها وتغيراتها النفسية ..كل ذلك وفق ما جاء في السيناريوـ من رسم
دقيق للشخصية ..ال اقل ..وال أكثر ..وحينما نفهم أساليب وخصائص المدرستين السابقتينـ ( الكالسيكية ) و
( األسلوبية ) ..فإننا سنفهم تلقائيا المدرسة الحديثة على اعتبار أنها ليست إال جمعا بينهما ..وعلى الرغم من أن
أغلبية الكتاب ال يثبت أن هذه المدرسة منفردة ..ويعتبرها امتدادا لألسلوبية ..ورغم االتفاق الجزئي على نقطة أنها
مجرد امتداد لألسلوبية إال أنها في رأيي تظل منفردة عنها نسبيا على اعتبارـ تطويرها لكثير من خصائصها واالتساع
في بعض مفاهيمها ..ومن الممثلين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة :ميري أبراهام في ( :أماديوس )توم هانكس في :
( فيالدلفيا ) و ( فوريست غامب ) و ( الناجي )دينزل واشنطن في ( :مالكوم إكس ) و ( اإلعصار ) و ( يوم التدريب )
المتهمون ) و ( صمت الحمالن ) روسل كرو في ( :الداخلي ) و ( عقل جميل ) ويليام هارت
جودي فوستر في ُ ( :
في ( :قبلة المرأة العنكبوت ) و ( األخبار المذاعة ) شون بين في ( :رجل ميت يمشي ) و ( أنا سام ) و ( النهر
الغامض ) يقول الكاتب والدكتور الشهير جلين ويلسون في كتابه الرائع < سيكولوجية فنون األداء > ( بتصرف ) :
( يجب أن نفكر في هذه المناحي أو المدارس باعتبارها متكاملة ..أكثر من كونها متعارضة ..أو متنافسة مع بعضها
البعض ..ويقتربـ أفضل الممثلين من كل نسق من هذه األنساق بما يتفق مع متطلبات الدور الخاص الذي يقوم به ) ..