Professional Documents
Culture Documents
جرائم الأحدات
جرائم الأحدات
في التش ريع المغ ربي لم يعام ل الح دث الج انح معامل ة المج رم الب الغ ،حيث أن ه يعت بر ض حية
لمجموع ة من الظ روف ال تي دفعت ه إلى اإلنح راف ،ومن هن ا ك ان من ال واجب ب دال من عقاب ه محاول ة
إصالحه وتقويمه ،مما أدى إلى نشوء هيئات قضائية مختصة بقضايا األحداث ،تتب ع إج راءات خاص ة في
مختلف مراحل المحاكمة الجنائية لألحداث .فرغم أن المش رع لم يخص ص نظام ا إجرائي ا مس تقال خاص ا
باألح داث على عكس م ا ذهبت إلي ه مجموع ة من التش ريعات ،إال أن ه ح رص على خصوص ية ه ذه
اإلجراءات في قانون المسطرة الجنائية ،وتظهر هذه الخصوص ية من خالل الض مانات الممنوح ة للح دث
في مرحلة ما قب ل المحاكم ة ،حيث أن له ذه األخ يرة ت أثير كب ير على س ير ال دعوى الجنائي ة ،فق د ق ادت
السلطات المكلفة الى إتخاذ إجراءات قد تض ع ح دا لس ير ال دعوى إذا ك ان ذل ك يخ دم المص لحة الفض لى
للحدث ،أو أنها قد تساعد في استمرار هذه الدعوى الى حين صدور الحكم النهائي.
إن مرحلة م ا قب ل المحاكم ة تم ر بمرحل تين ،تش مل األولى مجموع ة التحري ات ال تي تنج ز قب ل
التحقيق والمحاكمة لض بط وجم ع األدل ة عن وق ائع الجريم ة وه و م ا يس مى ب البحث التمهي دي (المبحث
األول) ،ليتم في المرحلة الثانية تدخل الهيئات القضائية إلحداث مجموعة من الضمانات للحدث في مرحل ة
التحقيق اإلعدادي (المبحث الثاني) التخاذ اإلجراءات للحسم في أمر الدعوى (المبحث الثالث).
أولى المشرع المغ ربي أهمي ة قص وى لمرحل ة البحث التمهي دي م ع الح دث الج انح حفاظ ا على
حقوقه وحمايته ،حيث يأخذ هذا البحث صبغة خاصة لينسجم مع خصوصية ظاهرة جنوح األحداث ذاتها ،
وان يكون شامال لعدة جوانب للتسهيل على األجهزة القضائية المتدخلة ومنها جهاز النيابة العام ة اإلختي ار
األنسب المتاح لها قانونا لتقويم سلوك الحدث الجانح و إعادة إدماجه تربويا في المجتمع.
إن البحث التمهيدي يسبق مرحلة إثارة الدعوى ومرحلتي التحقيق والمحاكمة ،ويكتس ي أهمي ة في
الكشف عن الجرائم ومرتكبيها لكن بالمقابل ينطوي على خطورة حقيقية ب النظر لطبيع ة اإلج راءات ال تي
تتخلله والسرية التي تطبعها .وتتمثل خصوصية البحث التمهي دي في قض ايا االح داث الج انحين من خالل
طبيعة البحث التي تتسم بها هذه القضايا التي يكون فيها مرتكب الفعل اإلجرامي حدثا كما انها تتجلى أيضا
من خالل إختالف الجهة اللتي تت ولى البحث م ع األح داث الج انحين من ش رطة قض ائية (المطلب األول)
ونيابة عامة (مطلب ثاني).
المطلب األول :اإلجراءات المعتمدة للحدث الجانح أمام الشرطة القضائية
لق د نص المش رع المغ ربي على الفئ ات ال تي تض طلع بمه ام الش رطة القض ائية في قض ايا
األح داث وذل ك من خالل الم ادة 19من ق انون المس طرة الجنائي ة كم ا يلي " :تض م الش رطة القض ائية
باإلضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق بوصفهم ض باط س اميين للش رطة
القضائية :
تعت بر الش رطة القض ائية أولى األجه زة الجنائي ة ال تي يواجهه ا الح دث حيث تتبل وى فيه ا مع الم
شخصية الحدث المستقبلية ،بالنظر لحجم اإلجراءات التي تطبق عليه .1وللشرطة صور مختلفة للتعامل مع
األحداث وال يمكن ان يتم هذا التعامل بأسلوب محقق للغرض منه ،إال اذا كان جهاز الش رطة ال ذي يت واله
2
متخصصا في هذا العمل.
تعتبر الشرطة القضائية نقطة اإلتصال األولى بالحدث وأول من يتعامل مع ه ف إذا ك انت طريق ة
معاملة الشرطة مع الحدث غيىر الئقة ،أدى ذلك إلى ع زوف الح دث عن االس تجابة أو االنص ياع للنص ح
واإلرشاد ونفور الحدث من كل جهاز أخر يلييه .3فقد وضع المشرع المغربي خاص ة باألح داث الج انحين
وذلك من أجل حم ايتهم ،واعت بر ان ك ل اإلج راءات الماس ة بحري ة الح دث إج راءات إس تثنائية ال تي يتم
تمهيدها في مرحلة البحث التمهيدي الذي يعد الخطوة األولى لمسار محاكمة الحدث والتي تبتدئ من لحظة
إيقافه من طرف الشرطة القضائية .وقد كان المغرب من ال دول العربي ة الس ابقة إلنش اء ش رطة األح داث
4وال تي تش كل فرع ا من ف روع أقس ام الش رطة القض ائية على مس توى مديري ة الش رطة القض ائية لألمن
الوطني.
1محمد العمراني :حماية خصوصية الحدث الجانح من الوصم الجنائي واالجتماعي -دراسة على ضوء قانون المسطرة
الجنائية المغربية ،المجلة المغربية للطفل واالسرة ،العدد األول2010، ،ص.169
2محمد نيازي :حتاتة دور الشرطة في معاملة االحداث الجانحين ،جنوح االحداث سلسلة الدفاع االجتماعي ،العدد الثالث
،1981ص 155.
3أسماء العلوي :الحماية الجنائية للحقوق والحريات الفردية للحدث الجانح ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
وحدة العدالة الجنائية لألحداث ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -فاس -السنة
الجامعية ، 2013 /2012ص. 15
4قام المكتب العربي لمكافحة الجريمة بإنجاز صحيفة استبيان سنة 1972بخصوص جنوح االحداث فأجابت كل من مصر
والمغرب بوجود شرطة متخصصة لألحداث فيها .
وقد اسند ألول م رة بص ريح الفق رة 3من الم ادة 19من ق انون المس طرة الجنائي ة مهم ة إج راء
األبحاث التمهيدية في األحداث إلى صنف خاص من ضباط الشرطة القضائية .غير أن المشرع س كت عن
مسطرة اختيارهم والمعايير الالزم توفرها فيهم الض طالعهم به ذه المهم ة ،وإن إح داث ه ذا الص نف من
الش رطة ك ان متواج دا وظيفي ا في ك ل مص الح الش رطة القض ائية قب ل ص دور ق انون 22.01المتعل ق
بالمسطرة الجنائية 5وك انت من بين المه ام ال تي تض طلع به ا إلى ج انب التحري ات في ج رائم األح داث،
البحث عن األحداث الفارين من مراكز إعادة التربية وكذا المتغيبين عن أسرهم ،وفتح أبحاث عن ظ روف
إختفائهم إن ك ان األم ر يتعل ق بعم ل إج رامي وك ذا مراقب ة األم اكن غ ير المس موح ارتياده ا من ط رف
القاصرين.
غير أن مهمة اختيار ضباط الشرطة القضائية المكلفين باألحداث موك ول إلى جه ة إداري ة خ ارج
إطار الجهاز القضائي 6وهذا اإلختي ار ق د ال يتناس ب أحيان ا م ع طبيع ة المه ام المنوط ة بض باط الش رطة
القضائية بحكم عدم إلزام هؤالء بالخضوع لتكوين متخص ص و اإلطالع على اآللي ات القانوني ة و العملي ة
للتعامل مع فئ ة خاص ة من الج انحين ،حيث يتم تعينهم غالب ا من بين ض باط الش رطة القض ائية الع اديين،
ويكلفون بالبحث مع األحداث دون مراعاة مدى اس تعدادهم النفس ي و المع رفي في معالج ة ه ذا الن وع من
القضايا .حيث اعتبر المشرع هذد الفئة فرع أساسي من مكونات الش رطة أدرجه ا في مرتب ة منفص لة عن
ضباط الشرطة القضائية العاديين ،اعترافا لها بمهمة جس يمة تتج اوز األدوار التقليدي ة للش رطة القض ائية
وتستحضر القيم األخالقية والتربوية قبل اآلليات القانونية في التعامل مع األحداث.
ونج د أن المش رع لم ي رتب أي أث ر ق انوني عن د قي ام ض باط الش رطة القض ائية غ ير المكلفين
باألحداث بإنجاز هذه المهمة .7ويمكن القول على أن المحضر تبقى له حجيته القانونية ول و تم تحري ره من
طرف ضابط غير مكلف بقضايا األحداث ،وس ندنا في ذل ك الم ادة 23من ق انون المس طرة الجنائي ة ال تي
تشترط في صحة المحاضر الصفة الضبطية لمحررها ال غير.
ومراعاة لمبدأ التخصص وحماية األحداث يجب على المشرع أن يرتب نفس األثر الق انوني ال ذي
يس ري على قض اة األح داث ،حيث جلس ات مح اكم األح داث باطل ة ،عن د ترأس ها من ط رف قاض ي أو
مستشار غير مكلف باألحداث .8وهذا الغموض التش ريعي للنص الق انوني يس تجيب لع دة تفس يرات تجع ل
9
ضباط الشرطة القضائية العاديين مؤهلين أيضا للبحث والتحري في جرائم األحداث
5الشرطة وحماية الطفولة مقال منشور بمجلة الشرطة عدد 17 2006ص 20.
6هذه الجهة متمثلة في اإلدارة العامة لألمن الوطني التابعة إداريا الى وزارة الداخلية .
7هذه اإلشكالية طرحت في ندوة السياسة الجنائية بمكناس ،انظر :بوشعيب ارميل الشرطة القضائية وعالقتها بالقضاء
رهانات المستقبل ،ص 413.
8المواد 477و 488و 489و 490من قانون المسطرة الجنائية.
9وزارة العدل :شرح قانون المسطرة الجنائية ،الجزء األول مطبعة فضالة المحمدية ،الطبعة ، ،2006 5ص 89.
تباشر الضابطة القضائية لألحداث إجراءات البحث التمهيدي ،حيث نصت المادة 460من ق انون
المسطرة الجنائية على أنه يمكن لضابط الشرطة القضائية المكلف باألحداث ،أن يحتفظ بالح دث المنس وب
إليه الجرم في مكان مخصص لألحداث لمدة ال يمكن أن تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية وعلي ه أن
يتخذ كل التدابير لتفادي إيذائه .ويقومون بالتثبت من وقوع الجريمة المنسوبة للح دث ،وجم ع األدل ة عنه ا
والقيام بالتحريات الالزمة ،غ ير أن ه ال يجب أن يك ون اله دف من جم ع المعلوم ات ه و اثب ات التهم ة أو
10
تقيمها فقط ،،بل يجب أن يستهدف في المرتبة األولى العوامل والظروف ذات الصلة بالجنوح
وعند اإلنته اء من اإلس تماع للح دث يتم تحري ر محض ر بم ا أنج ز من عملي ات ويتم توجيه ه إلى
النيابة العامة التي ستقرر بناءا عليه إما متابعة الحدث أو حفظ الملف أو إجراء الصلح في القضية.
إن النه وض بحق وق األح داث وص يانة مص الحهم رهين بتص رف رج ال الش رطة بطريق ة
مستنيرة والئقة ،وإقامة وحدات شرطة متخصصة مؤهلة لمنع جرائم األحداث ومكافحتها ،والحصول على
تعليم وتدريب خاص غي مجال معالجة القضايا المتعلقة بصغار السن ،لكي يتسنى لهم القيام ب واجبهم على
11
أفضل وجه
ال شك أن تخصيص الشرطة القضائية لألح داث للقي ام ب اإلجراءات الالزم ة قب ل المحاكم ة
يهيء قدرا من الرعاية ويوفر الضمانات الكفيلة التي قد تنجم جراء تعامل جه ات أخ رى غ ير متخصص ة
له ذا الن وع من القض ايا ،حيث تس تحق االهتم ام وحس ن التص رف .12حيث أن المش رع المغ ربي ح دد
بوضوح إطار تدخل ضباط الشرطة القضائية المكلفين باألحداث في نطاق مبدأ أساسي يقوم على مص لحة
الحدث الفضلى وقيد أعمالهم صراحة بإتخاذ كل التدابير المانعة إليذائه خصوصا تدبير االحتفاظ ،غ ير أن
باقي اإلجراءات األخرى ال تقل أهمية عن هذا التدبير الم اس بالحري ة ليالح ظ ع دم إيالء المش رع عناي ة
بالمىاحل السابقة إلجراء االحتفاظ رغم ارتباطها بخصوصية المشتبه فيه الحدث ،حيث لم ينظم الض مانات
الخاصة بمرحلة االنتقال و ايقاف الحدث و إجراءات المطاردة و والتفتيش و التص فيد و رف ع البص مات
13
واالقتياد إلى مقرات الشرطة القضائية أو إلى المحاكم المختصة لتقديم األحداث أمام النيابة العامة أو مس ك
سجال تضمن فيها جرائم األحداث.
10محمد نيازي حتاتة :دور الشرطة في معاملة االحداث الجانحين جنوح االحداث سلسة الدفاع االجتماعي ،العدد الثالث،
، 1981ص . 174
11جالل ثروة ،الظاهرة االجرامية ،دراسة في علم العقاب القاهرة، 1987 ،ص . 285
12إبراهيم حرب محسن ،إجراءات مالحقة االحداث الجانحين في مرحلة ما قبل االستدالل والتحقيق ،مكتبة دار الثقافة للنشر
والتوزيع الطبعة األولى ،عمان األردن ، ،1999ص . 30
13حسن محمد ربيع ،الجوانب اإلجرائية لمعاملة االحداث المنحرفين والمعرضين لالنحراف ،م س ،ص 545.
إن البحث التمهيدي ينطوي على عدة مخاطر فيم ا ل و أس يء اس تعمال الس لطة التقديري ة المخول ة
لضباط الشرطة القضائية ،لذلك أحاط المشرع المغربي هذه المرحلة بمجموعة من الضمانات تتمثل أساسا
في إشعار ولي الحدث وتخويله الحق في اإلتصال بالمحامي باالضافة الى حماية الحدث إذا ما تم االحتفاظ
به.
استلزم المشرع المغربي ضرورة إشعار ولي الحدث بخصوص االجراءات المتخ ذة بش أنه وذل ك
من خالل ما نص علي ه في الفق رة الرابع ة من الم ادة 460من ق انون المس طرة الجنائي ة حيث ج اء فيه ا:
"يجب ،في كافة األحوال ،إشعار ولي الحدث أو المقدم عليه أو وصيه أو كافل ه أو حاض نه أو الش خص أو
المؤسسة المعهود إليها برعايته باإلجراء المتخذ وذل ك وفق ا لمقتض يات الفق رة األخ يرة من الم ادة 67من
هذا الق انون ".و تج در اإلش ارة أن ه دف المش رع المغ ربي من ه ذا اإلج راء ه و تجنب الح دث الهل ع و
االضطراب أثناء المثول أمام ضباط الشرطة القضائية وهو م ا جعل ه ينص على ض رورة حض ور ال ولي
إلى جانب ه ،فالتنص يص على ه ذا الح ق أو الض مانة ي أتي في إط ار اقتن اع المش رع بخصوص ية مرحل ة
الطفولة لكونها تشكل عماد باقي المراحل األخرى في عمر الحدث وهو توجه ينسجم مع قواع د بكين ال تي
تنص على هذا االطار من خالل المادة 15منها ,14باعتباره أساسية بالنسبة للحدث .ل ذلك ح ق الوال دين أو
الوصي في االشتراك في اإلجراءات مرتهن بمشيئة السلطة المختص ة ،لكن يبقى بع د ذل ك االص ل في أن
هذه السلطة سوف تقدر مدى مالئمة اشتراك هؤالء في اإلجراءات على ضوء ما تفرضه مص لحة الح دث
نفسه ،على أساس أن تلك المصلحة هي موضع اعتب ار الس لطات ال تي تتعام ل م ع األح داث الج انحين,15
اضافة إلى اإلشعار فقد سمح المشرع المغربي بمقتضى المادة 460من قانون المسطرة الجنائية أن يؤازر
الحدث بمحام وهذا ينسجم مع المبدأ 17من المبادئ المتعلقة بحماية جميع األشخاص الذين يتعرضون ألي
شكل من أشكال االحتجاز أو السجن 16والتي جاء فيها ":ويحق للشخص المحتجز أن يحصل على مس اعدة
محام وتقوم السلطة المختصة بإبالغه بحقه هذا فور إلقاء القبض عليه " ...وقد أجازت الفقرة الخامس ة من
نفس المادة لمحامي الحدث اإلتصال به أثناء فترة البحث التمهيدي ويعد حض وره إلى جانب ه ذو أهمي ة في
14تنص المادة 15في فقرتها الثانية من قواعد بكين المكررة على أنه للوالدين أو للوصي حق االشتراك في اإلجراءات،
ويجوز للسلطة المختصة أن ترفض اشراكهم في اإلجراءات إذا كانت هناك أسباب تدعو الى اعتبار هذا االستبعاد ضروري
لصالح الحدث .
15سمية ايت عمران ،الجوانب اإلجرائية لمحاكمة االحداث ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة عبد
المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية -طنجة -السنة الجامعية، 2010/2009 ،ص . 50
16اعتمدت هذه االتفاقية من طرف الجمعية العامة لألمم المتحدة بقرار 173/43بتاريخ 9دجنبر 1988.
هذه المرحلة ،حيث يبعث االطمئنان في نفسه أثناء سؤاله ،وحتى ال يدلي بأقواال قد تضر بمص لحته نتيج ة
إحساسه بالخوف. 17
وفقا للمادة 460من قانون المسطرة الجنائية فإن الحدث من حقه اإلتصال بمحامي ه عن د االحتف اظ
به لدى الشرطة القضائية لمدة ال تتجاوز مدة الحراسة النظرية ،والمشرع لم يحدد الوقت الذي يتم في ه ه ذا
اإلتصال بخالف ما ح دده بالنس بة للرش داء ،باعتب ار أن ه ال يس مح ل ه ب ه إال عن د الوض ع تحت الحراس ة
النظرية وفق أحكام المادة 66من قانون المسطرة الجنائية .ونظ را الغف ال المش رع تقيي د اتص ال الح دث
بمحاميه فإنه يحق له مباشرة اإلتصال بمجرظ تقري ر االحتف اظ ب ه ،ويح ق ك ذلك للح دث المتخ ذ في حق ه
إحدى تدابير الحراسة المؤقت ة من ط رف وكي ل المل ك أن يتص ل بمحامي ه ب إذن من النياب ة العام ة وتحت
مراقبة ضباط الشرطة القضائية.18
ولحضور المحامي خالل فترة البحث التمهيدي ضمانة قوية الحترام خصوص ية الح دث ،ذل ك أن
وجوده مع الحدث أثناء سماع أقواله يبعد عنه الخوف ،لكون وج وده بمف رده ودون دف اع ق د ي دلي بأقوال ه
نتيجة الخوف فتضر مصلحته ،كما يمنع على رجال الش رطة إس تعمال وس ائل اإلك راه الم ادي والمعن وي
للحصول على االعتراف .كما أن وجود المحامي م ع الح دث أش ناء البحث التمهي دي ال ي ؤثر على س رية
اإلجراءات وال يعرقلها ،وييعد كل ش بهة محاض ر الض ابطة القض ائية وعن مظن ة ال تزوير ،خاص ة عن د
إنكار المتهم اعترفاته أمام التحقيق أو المحكمة المختصة بحجة تعرضه لإلكراه المادي أو المعنوي.19
وفي حالة عجز الحدث المتهم اختيار اختيار من يتولى الدفاع عنه يجب على الشرطة تأجيل سؤاله
إلى حين حضور المحامي وعلى الجهات الرسمية المختصة أن توفر له في هذه الحالة من يدافع عنه مجانا
في إطار المساعدة القضائية .وبذلك يخول المشرع المغربي للح دث ح ق االتص ال بمحامي ه واتص ال ه ذا
األخير به منذ لحظة اعتقاله ،قد كرس حقا أساسيا من الحق وق المتفرع ة عن المحاكم ة العادل ة ،وض مانة
مهمة للحدث تجنيه الهلع و اإلضطراب خالل المثول أمام الضابطة القضائية ،كما من ه ذا اإلج راء أيض ا
تمكين محاميه في وقت مبكر من معلومات و معطي ات عن القض ية تس اعده في تهيء دفاع ه عن ه مبك را،
ويساعد الحدث على إسترجاع احساسه بتوفره على قرينة البراءة ،من جراء توفىه على المساعدة القانوني ة
17مراد د ودوش ،حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي ،جانحا و ضحية دراسة مقارنة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -بفاس-
السنة الجامعية ، 2003/2002ص . 71
18الفقرة الرابعة من المادة 460من قانون المسطرة الجنائية .
19محمد األمين ولد محمد ،إشكالية البحث التمهيدي لدى االحداث الجانحين ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
وحدة الطفولة وقضاء االحداث ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة عبد المالك السعدي -طنجة -السنة
الجامعية ، 2013/2012ص . 42
والمحافظة على حقوقه خالل إج راءات البحث ،إذ أن وج ود المح امي يس اعد على تقوي ة غ رض إح ترام
الضمانات ومراقبة سالمة اإلجراءات .20
من بين أخط ر اإلج راءات ال تي يمارس ها ض باط الش رطة القض ائية المكلفين باألح داث بمناس بة
البحث التمهيدي والتي تشكل مساسا بالحرية وهي إجراء االحتفاظ بالح دث 21مم ا يفي د أن الح دث ال يمكن
وضعه تحت الحراسة النظرية .22حيث سمح المشرع المغربي لضباط الشرطة القضائية االحتفاظ بالح دث
لمدة ال يمكن أن تتجواوز المدة المحددة للحراسة النظرية وهي ثمانية وأربعون ساعة حسب الم ادة 80من
قانون المسطرة الجنائية وذلك إستثناءا وفي الحاالت التالية فقط ،إذا تعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته،
إذا كانت ضرورة البحث وسالمة الحدث تقتضي ذلك ،وذلك بعد الحصول على موافقة النياب ة العام ة .ولم
يبين المشرع المغربي في المادة 460ما إذا أمكن تمديد هذه المدة كما ه و األم ر بالنس بة للراش دين ،حيث
يمكن تمديد الحراسة النظرية مرة واحدة لمدة 24ساعة بإذن كتابي من وكيل الملك أو الوكيل العام للمل ك،
وقد أشارت هذه المادة إلى أن مدة االحتفاظ بالحدث هي " ...ال يمكن ان تتج اوز الم دة المح ددة للحراس ة
النظرية " فعدم تمديدها يحقق مصلحة الحدث ألنه كلما قصرت المدة التي يحتفظ فيها كلما كان ذلك أفضل
23
بالنظر إلى خصوصية وضعه وصغر سنه ،ل ذلك ينبغي إح ترام الم دة المح ددة قانون ا للحراس ة النظرية
والتي لم يرتب المشرع المغربي أيضا أي جزاء في حالة االخالل بها .هذا االجراء كما يظهر واضحا هو
س لب للحري ة ،واعتق ال فعلي ،فه و إج راء مخي ف وخط ير ويش كل ض غطا ال مثي ل له 24على الح دث
الموضوع رهنه .وفي هذا الصدد نرى أن التمييز بين االحداث أق ل من 16س نة ،حيث يس توجب اي داعهم
في احدى المراكز الشبه مغلقة ،حيث يتم إعداد الحدث نفسيا لهذه المرحلة من طرف مختص ين في التربي ة
وعلم النفس ،وبالتالي نتجنب تدبير االحتفاظ مطلق ا وبين األح داث الم تراوح أعم ارهم بين 16و 18س نة
والذين أش رفوا على س ن الرش د الجن ائي ،حيث يحتف ظ بهم ل دى أقس ام الش رطة في أم اكن تكف ل إح ترام
خصوصيتهم.
20سعاد التايلي ،دور القضاء في حماية االحداث ،أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص ،كلية العلوم االقتصادية
واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -فاس -السنة الجامعية ، 2010/2009ص . 33
21محمد علي سويلم :ضمانات الحبس االحتياطي ،منشاة المعارف اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،سنة ، 2007ص 75.
22سميرة السباح ،الضمانات التشريعية والقضائية لمحاكمة الحدث ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،وحدة
الطفولة وقضاء االحداث ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة عبد المالك السعدي -طنجة -السنة الجامعية
، 2011/2010ص .75
23المختار العايدي ،وضعية الطفل في القانون المغربي والمواثيق الدولية ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،عدد 10/9
، 2004ص .70
24عبد الواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجزء األول ،مطبعة النجاح الجديدة الدار
البيضاء ،الطبعة األولى ، 2006 ،ص .402/401
إن مصالح الشرطة القضائية تمسك سجالت االحتفاظ وتض من فيه ا هوي ة الح دث المحتف ظ ب ه و
السبب الم برر ل ذلك وس اعة بداي ة االحتف اظ وانتهائه ا وم دة االس تجواب وأوق ات الراح ة ،وك ذا الحال ة
الصحية للمعني باألمر والتغذية المقدمة له وتوقيع الح دث أو إبص امه أو رفض ه القي ام ب ذلك ،وي ذيل ه ذا
السجل بتوقيع الملك الذي يع رض علي ه قص د مراقبت ه و التأش ير عليه.25ويل زم المش رع ض باط الش رطة
القض ائية المكلفين باألح داث بتوجي ه الئح ة باس ماء األح داث المحتف ظ بهم خالل 24س اعة إلى النياب ة
العامة 26على اعتبار أن قرار االحتفاظ ال يتم إال بإذن من هذه االخيرة.
ومراع اة لخصوص ية الح دث فالمش رع المغ ربي تب نى إج راءا جدي دا يمكن االس تعانة ب ه عن د
االحتفاظ بالحدث خالل مرحل ة البحث التمهي دي ،يتعل ق األم ر بإمكاني ة إخض اع الح دث لنظ ام الحراس ة
المؤقتة المنصوص عليها في الم ادة 471من ق انون المس طرة الجنائي ة ،إذ يعت بر ه ذا المقتض ى من أهم
مستجدات قانون المس طرة الجنائي ة ،الن نظ ام الحراس ة المؤقت ة ك ان من إختص اص قاض ي التحقي ق أو
قضاء الحكم فقط ،وال يلجأ إليه إال بعد تحريك المتابعة ،وألول مرة يستعمل هذا الت دبير في مرحل ة البحث
التمهيدي بأمر من النيابة العامة إذا ك انت ض رورة البحث وس المة الح دث تقتض ي ذل ك لم دة ال تتج اوز
خمسة عشر يوما .ويالحظ أن المشرع تبنى هذا اإلجراء ليس بغرض ترب وي ت أهيلي بق در م ا ه و ت دبير
وقائي للحد من اآلثار النفسية التي قد تضر بالحدث إذا بقي في مركز الشرطة ،ويمكن استغالل ه ذه الم دة
في دراسة الوضعية االجتماعية والنفسية للحدث وتهيئ تقرير أولي قد يساعد القاضي عند اتخ اذ الحراس ة
المؤقتة.27
إن م يزة االحتف اظ تتجلى في ع زل األح داث عن زن ازين الرش داء 28اس تجابة لمقتض يات الفق رة
األولى من المادة 460من قانون المس طرة الجنائي ة ،حيث يحتف ظ ض باط الش رطة القض ائية بالح دث في
مكان مخصص له ،وتحت أنظاره وإلى حين إنتهاء األبحاث وعرض الحدث على النيابة العامة .وعادة م ا
تكون الغرفة األمنية المخصصة لالحتفاظ بداخل مقرات الوالية أو المناطق األمنية.
إن االحتفاظ بالحدث كإجراء متاح للنيابة العامة ال يجب ربطه بخطورة الفعل المرتكب بل بسالمة
الحدث بمفهومها الواسع أي سالمته الجسدية ز النفسية وكذا حمايته من السقوط في اإلجرام.
25أصدرت المديرية العامة لألمن الوطني بتنسيق مع وزارة العدل مذكرة تبين المعطيات الواجب اعتمادها لملء سجل
االحتفاظ باألحداث ويتضمن الخانات التالية :الرقم الترتيبي -الهوية الكاملة -هوية ولي الحدث -سبب االحتفاظ بالحدث-
مكان االحتفاظ بالحدث -تاريخ وساعة نهاية المراقبة -اإلجراءات المتخذة -الوثائق المقدمة -مالحظات ،ويتم ترقيم صفحات
هذا السجل ويؤشر عليه وكيل الملك طبقا للشروط والشكليات المطبقة على سجل الحراسة النظرية بالنسبة للرشداء .
26هذا يقوم به ضباط الشرطة القضائية العاديون فور اتخاذ قرار وضع شخص تحت الحراسة النظرية ،وأوجبته الفقرة
األخيرة من المادة 67من قانون المسطرة الجنائية .
27وزارة العدل ،شرح قانون المسطرة الجنائية ،الجزء األول ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ،عدد 6
ابريل ، 2007ص .228
28حميد الوالي ،دور المراقبة الحقوقية في تطوير العمل التربوي ،المجلة المغربية للطفل واألسرة ،العدد ، 2010ص .
117
اتخاذ كافة التدابير لمنع إيذاء الحدث:
لقد أوجب المشرع المغربي الشرطة القضائية بإعتبارها أول من يتعامل م ع الح دث بع د وقوع ه
في االنحراف وأول عامل مؤثر في نفسيته الهشة ،أن تتخذ كل التدابير لتفادي ايذائه وهو بذلك يتمش ى م ع
مقتضيات االتفاقيات الدولية .29حيث أوجب المشرع حماية سالمة االحداث البدنية و النفسية من كل أشكال
االعتداءات والتأثيرات الضارة بصحتهم العقلية و الجسدية ومنع تعريضهم ألي شكل من أشكال الخطر أو
التهديدات المعنوية ،وص يانة ك رامتهم من ك ل أس اليب اإلهان ة أو التحق ير أو االي ذاء ال ذي ينط وي على
المعاملة القاسية أو المهنية أو اإلنسانية .30
إن هاجس الخوف والقلق الذي يالزم الحدث في هذه المرحلة ،قد يتطور إلى فقدان الثقة في ضباط
الشرطة القضائية إذ لم يتخذ هذا األخير التدابير المانعة إليذاء الح دث ،باس تعمال العن ف في حق ة وتعنيف ه
بالضرب أو إهانته وتحقيره ونعته بالمنحرف أو المجرم حيث يتول د لدي ه ش عور ب التهميش واإلقص اء من
لدن رجال إنفاذ القوانين ،حيث يؤسس ذلك لمرحلة قد يتح ول فيه ا االنح راف الث انوي للح دث إلى إج رام
فعلي ناتج طبيعة المعاملة خالل مرحلة البحث.31
إن عدم تعريض الحدث ألي إيذاء عند البحث مع ه من ط رف ض باط الش رطة القض ائية المكلفين
باألحداث يعد ضمانة أساسية استهدف المشرع من خاللها ليس فقط حماية الحدث في جسمه ونفس ه ،وإنم ا
أيضا السعي وراء عدم جعل هذه المعاملة السيئة لفائدته عائق ا يح ول دون إص الحه .فالح دث المحتف ظ ب ه
يكون غي وضعية إيقاف أو احتجاز قانوني تجعله غير ق ادر على ض مان أمن ه وس المته الخاص ة ،وعلى
ضباط الشرطة القضائية المكلفين باألحداث على وجه الخص وص أن يتخ ذوا كاف ة الت دابير واالحتياط ات
الالزمة لوقايته من عنف وغضب األط راف األخ رى في القض ية أو الجمه ور .32وق د اس توجب المش رع
إجراء فحص طبي على الحدث إذا ما اشتكى من وقوع عنف عليه خالل فترة البحث التمهي دي من ط رف
ضباط الشرطة القضائية وذلك بتعليم ات من النياب ة العام ة قب ل الش روع في اس تنطاقه .33وأل زم المش رع
29من بين هذه االتفاقيات الدولية ،قواعد األمم المتحدة النموذجية الدنيا لإلدارة ،شؤون قضاء االحداث (قواعد بكين) واتفاقية
حقوق الطفل لسنة 1989.
30تنص المادة 10في فقرتها الثالثة من قواعد بكين النموذجية ،على أنه تجري االتصاالت بين الجهات المنوط بها انفاذ
القوانين والمجرم الحدث على نحو يكفل احترام المركز القانوني للحدث وييسر رفاهته ويتفادى ايذائه ،مع إيالء االعتبار
الواجب لمالبسات القضية .
31أكد جل األحداث المستجوبين في مركز حماية الطفولة تمارة ،على تعرضهم للتعنيف والتحقير من طرف رجال الشرطة
عند ايقافهم واستجوابهم بأقسام الشرطة .
32يبوري عبد اإلاله ،الحماية اإلجرائية للحدث الجانح في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
وحدة العدالة الجنائية لألحداث ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -بفاس -السنة
الجامعية ، 2013/2102ص .23
33الفقرة األولى والثانية من المادة 73من قانون المسطرة الجنائية .
ضباط الشرطة القضائية بالسرية خالل مراحل البحث منذ لحظ ة إلق اء القبض علي ه ،واالمتن اع عن نش ر
معلومات قد تأثر على مستقبله فيما بعد.
خالصة القول أن مثل هذه اإلجراءات المتخذة لمنع إيذاء الحدث من شأنها أن ت بين وتكش ف م دى
اخالل ضباط الشرطة القضائية بواجبهم وغي نفس الوقت تعزيز من حجم الضمانات التي أقره ا المش رع
المغربي لفائدة الحدث في هذه المرحلة.
المطلب الثاني :المهام االجرائية للنيابة العامة خالل مرحلة البحث التمهيدي
تق وم النياب ة العام ة ب دور أساس ي في س ير العدال ة الجنائي ة لألح داث نظ را لمهامه ا المتع ددة،
فباإلضافة إلى كونها المختصة في تحريك ال دعوى العمومي ة (الفق رة األولى) ،فإنه ا تض طلع ب دور أك ثر
حداثة وايجابية حيث تق وم باالش راف على إب رام الص لح بين أط راف ال دعوى كلم ا أمكنه ا ذل ك (الفق رة
الثانية).
تعت بر النياب ة العام ة الجه ة الوحي دة المخ ول له ا تحري ك ال دعوى العمومي ة بالنس بة للح دث،
ويمارسهاحس ب الفق رة األولى من الم ادة 463من ق انون المس طرة الجنائي ة وكي ل المل ك ل دى المحكم ة
االبتدائية المنتصب بدائرتها قاض االحداث المختص و يمارسها الوكيل الع ام للمل ك في الجناي ات و الجنح
المرتبطة بها ،حيث ال يمكن متابعته بشكاية مباشرة من المتض رر حس ب الفق رة األخ يرة من نفس الم ادة
زالتي جاء فيها ":ال يمكن متابعة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني " وإن كان يح ق
له المطالبة بالحق الم دني حس ب الم ادة 464من ق انون المس طرة الجنائية 34ويتم إدخ ال الممثل الق انوني
للحدث في الدعوى المدنية باعتباره المسؤول مدنيا عنه (المادة 465من قانون المسطرة الجنائية) ،وح تى
االدارات التي أعطى لها القانون صالحية تحريك ال دعوى ك إدارة الجم ارك وإدارة المي اه و الغاب ات فهي
ملزمة بدورها بتقديم شكاية للنيابة العامة بالرغم مما تتطلبه المخالفات القانونية في هذه المجاالت من تقنية
وتخصص ،وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 463من قانون المس طرة الجنائي ة":في حال ة ارتك اب
جريمة يخول القانون فيها إلدارات عمومية الح ق في متابع ة مرتكبيه ا ف إن النياب ة العام ة مؤهل ة وح دها
لممارسة هذه المتابعة استنادا على شكاية س ابقة تق دمها اإلدارة ال تي يهمه ا األم ر " ،وق د أعطى المش رع
34تنص على أنه ":يمكن أن يطالب بالحق المدني كل شخص متضرر من جريمة ينسب اقترافها لحدث لم يبلغ من العمر
ثمان عشر سنة ".
للنيابة العامة إمكانية إيق اف س ير ال دعوى بتق ديم ملتمس إلى المحكم ة في حال ة س حب الش كاية أو تن ازل
المشتكي عن شكايته و ذلك قبل صدور حكم نهائي في جوهر القضية ،وهذا ينسم مع ما جاءت ب ه القاع دة
الخامسة من قوع د طوكيو 35ال تي تنص على" ...تخوي ل الش رطة أو النياب ة العام ة وغيره ا من األجه زة
المعنية بمعالجة القضايا الجنائية سلطة إسقاط الدعوى العمومي ة المقام ة على الج اني م تى رأت أن الس ير
فيها غير ضروري لحماية المجتمع أو منع الجريم ة أو تعزي ز اح ترام الق انون و حق وق المج ني عليهم"،
وك ذا الفق رة الرابع ة من الم ادة 17من قواع د بكين ال تي تنص على أن ه":للس لطة المختص ة ح ق وق ف
إجراءات الدعوى في أي وقت ".وييقى للنيابة العامة الحق في مواصلة النظر في القضية متى ظهرت له ا
عناصر جديدة تمس هذه الدعوى ،وذلك بتقديم طلب إلى المحكمة ما لم تكن قد سقطت بأحد أسباب السقوط
الواردة في المادة 4من قانون المسطرة الجنائية.
تعتبر النياب ة العام ة ط رف أص يل في ال دعوى العمومي ة وإذا ك انت تنعت بالخص م الش ريف في
الدعوى الجنائية ،فإنها سند حامي للح دث ،ال ذي ك ان ب دوره ض حية لعوام ل نفس ية واجتماعي ة في اتي ان
السلوك اإلجرامي .هذا التوجه الحمائي في معالجة قضايا األحداث الج انحين ،تجس د من الناحي ة القانوني ة
في تكليف أحد قضاة النيابة العامة بقضايا األحداث ،سيرا على نهج التخص ص ،وتن اول قض ايا ه ذه الفئ ة
أشخاص مؤهلين لمواكبة الحدث ،منذ ايقافة إلى حين استنفاذ التدابير المحكوم بها عليه.
وإذا تبين للنيابة العامة أن الح دث ه و من ارتكب الفع ل المنس وب إلي ه ،فإنه ا تحيل ه على قاض ي
االحداث أو المستشار المكلف باألحداث ،وذل ك بع د أن تفص ل قض يته عن قض ية الرش داء المس اهمين أو
الشاركين معه في الجريمة في حالة وجودهم ،وقد تتخذ قرار حفظ القضية 36حتى ولو كانت األفعال الثابت ة
في حق الحدث ثبوتا يقينيا ،فالهدف هو سالمة الحدث وحمايته وتقويمه وتربيته ال إيالمه وردعه .37وتتخ ذ
النيابة العامة قرار الحفظ إذا كانت الجريمة ال تنطوي على خطورة حقيقية أو لضآلة الضرر المترتب على
الجريمة أو حرصا على الروابط العائلية ،كأن يتصالح المجني عليه م ع ولي أم ر الطف ل ،أو ك ون الطغ ل
35قواعد األمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير االحترازية ،و تعرف باسم قواعد طوكيو ،والتي اعتمدتها الجمعية
العامة بقرار ، 110/45في .1990/12/14
36األمر بالحفظ هو أمر اداري من أوامر التصرف في االستدالالت تصدره النيابة العامة لتصرف به النظر مؤقتا عن إقامة
الدعوى أمام محكمة الموضوع بغير أن يحوز حجية تقيدها) ذكره حمدي رجب عطية في اإلجراءات الجنائية بشأن األطفال
الجانحين و المعرضين للخطر في تشريعات الدول العربية طبعة 2013ص(109
37مصطفى منديل ،الخصوصيات اإلجرائية لمعاملة األحداث الجانحين ،بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء2013 ،
ص . 21
المنسوب إليه الفعل قريب للمجني علي ه أو مراع اة لص غر س ن المتهم .38وبحفظه ا لمل ف القض ية تالمس
النيابة العامة السياسة التشريعية غي مجال جنوح االحداث المبنية على سالمة الحدث وتقويم سلوكه.39
وفي األخير أود أن أشير إلى أن النيابة العامة مدعوة إلى البحث والتحري بدق ة ح زل م ا إذا ك ان
الحدث مجرد أداة في يد شخص أخر راشد يستغل صغر سنه الرتكاب أفعال اجرامية وهوما يجعل ه ف اعال
معنويا ،وأن تبحث أيضا مع ذوي الحدث حول مدى تقصيرهم في تربيته وطبيعة معاملتهم له وما إذا ك انو
قد مارسو في حقه عنفا من أي نوع كان وذلك إذا اتضح من مالبسات وظروف القضية أو من تص ريحات
الحدث أن جنوحه مرتبط بتقصير عائلته.40
من أجل تلطيف حجم التدابير المتخ ذة في ح ق األح داث خالل مرحل ة البحث التمهي دي ،الب د من
تمديد نطاق العدالة التصالحية ليشمل اختصاصات الشرطة القضائية والعم ل على تطبيقه ا أثن اء التح ري
في جرائم األحداث التي يكون الضرر فيها بسيطا ،أو ال يبدي الضحية بشأنها رغبة في إج راء أي ة متابع ة
قضائية ،وهذا التدبير يساهم في إيجاد ص يغ لتقليص ع دد القض ايا ال تي تص ل إلى النياب ة العام ة وقض اء
الحكم ويكون مالها الحفظ أو ع دم المتابع ة ،حيث يس اهم إج راء الص لح ل دى مص الح الش رطة القض ائية
لألحداث في وضع حد لمجموعة من القضايا المرتبط ة بالقاص رين في مه دها ،ب النظر النع دام الخط ورة
اإلجرامية للوقائع المسجلة ،أو بعد إبداء األطراف رغبتهم في عدم مواصلة اإلجراءات الالحق ة وال تي ق د
يكون تأثيرها بارزا في نفسية الحدث ومصالحه المستقبلية ،ولضمان مصداقية إجراء الصلح خالل مرحل ة
البحث والتحري نرى ضرورة انجاز محاضر في هذا الشأن وتض مينها تص ريحات األط راف ،واإلش ارة
إليها في سجل معد لذلك تؤشر عليه النيابة العامة وتراقب ه بص فة دوري ة ،م ع إش عارها بك ل الوق ائع ال تي
تكون موضوعا إلجراء الصلح وتنفيذ تعليماتها المخالفة لذلك.
وقد عمل المشرع المغربي على تبني مبدأ الصلح بين أطراف النزاع وذلك بمقتضى المادة 41من
قانون المسطرة الجنائية ،ذلك لفض النزاع قبل تحريك الدعوة العمومية .وتعتبر مس طرة الص لح اختياري ة
38حمدي رجب عطية ،اإلجراءات الجنائية بشأن األطفال الجانحين والمعرضين للخطر في تشريعات الدول العربية ،طبعة
، 2013ص 111.
39سفيان ادريوش ،الدور االجرائي للنيابة العامة في معالجة ظاهرة جنوح األحداث الخيارات واإلشكاالت ،مجلة محاكمة،
العدد الثالث ،أكتوبر ، 2007ص 78.
40في هذا الصدد ينص الفصل 482من القانون الجنائي على ما يلي ":اذا تسبب أحد األبوين في الحاق ضرر بالغ بأطفاله
أو بواحد أو أكثر منهم وذلك نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في الكر أو سوء السلوك أو عدم العناية او التقصير
في االشراف الضروري منة ناحية الصحة أو األمن أو األخالق يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنة وغرامة من 200
الى 500درهم سواء حكم عليه بالحرمان من السلطة األبوية أم ال ويجوز عالوة على ذلك أن يحكم على مرتكب الجريمة
بالحرمان من واحد أو اكثر من الحقوق المشار اليها في الفصل 40من 5سنوات الى عشر".
حيث لم يلزم المشرع االط راف بس لوكها ب ل جع ل المب ادرة بي د المتض رر المش تكى ب ه م ع األخ ذ بعين
االعتبار موافقة وكيل الملك في اطار سلطة المالئمة و التحقق من مدى توافر شروط المادة 41من ق انون
المسطرة الجنائية لتطبيق مسطرة الص لح ،ويعتم د في ذل ك على مع ايير متع ددة منه ا م ا ه و موض وعي
يتعلق بحجم االضرار الحاص لة ووقعه ا على المجتم ع ،ومنه ا م ا ه و ذاتي يتعل ق بش خص المش تكى ب ه
ووضعيته الجزائية وظروفه االجتماعية 41وليس لزاما على النياب ة العام ة أن تت دخل في موض وع الص لح
42
وهذا اهم ما يميز هذه المسطرة
وفيما يخص إمكانية تطبيق مسطرة الصلح في قضايا األحداث تنص الفقرة الثالثة من الم ادة 461
من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":يمكن للنيابة العام ة في حال ة ارتك اب جنح ه ،إذا واف ق الح دث
ووليه القانوني وكذلك ضحية الفعل الجرمي ،تطبيق مسطرة الص لح المنص وص عليه ا في الم ادة 41من
هذا القانون".
وتحقق هذه المسطرة مصلحة الحدث الجانح لعدم استمرار المتابعة في حقه ،واالخد بها ينسجم مع
المواثيق الدوليه في الماده 12من قواعد بكين تنص على أنه ":حيثم ا ك ان ذل ك مناس با ينظ ر في امكاني ة
معالجه قضايا المجرمين األحداث دون اللجوء الى محاكمة رسمية من قبل السلطة المختصة."..وإن نط اق
تطبق مسطرة الصلح في قضايا األحداث الجانحين من طرف النيابة العامة هو أوسع من نطاق تطبيقها في
قضايا الرشداء المج رمين مم ا يخ ول النياب ة العام ة دورا إجرائي ا موس عا من حيث الجنح الممكن إج راء
الصلح بشأنها ،ففي قضايا الرشداء ال تطبق مسطرة الصلح إال في الجرائم المعاقب عليها بسنتين حبس ا أو
أقل أو بغرامة ال يتج اوز ح دها االقص ى 5000درهم ،43في حين ن رى أن ك ل فع ل ج رمي م رتكب من
طرف ح دث ج انح س واء ك ان جنح ة ض بطية أم تأديبي ة فإن ه يج وز للنياب ة العام ة إن ت وافرت الش روط
القانونية أن تختار إجراء الصلح بدل المتابعة ،وس ندنا في ذل ك أن ق انون المس طرة الجنائي ة اس تعمل في
مس طرة الص لح المتعلق ة بقض ايا الرش داء عب ارة عن "الجريم ة" م ع تقيي دها من حيث العقوب ة لتحدي د
المسطرة المذكورة في نطاق محدد ،أما بالنسبة لمس طرة الص لح في قض ايا األح داث فق د اس تعمل عب ارة
"جنحة" دون أي شرط أو قيد ،ودون أي تمييز بين الجنحة الضبطية والجنحة التأديبية .
و حتى يصير الصلح تاما ونهائيا ينبغي إحالته على رئيس المحكمة اإلبتدائية ليقوم بالتصديق عليه
،بحضور ممثل النيابة العامة و الط رفين أو دفاعهم ا بغرف ة المش وره بمقتض ى أم ر قض ائي ال يقب ل أي
41عبد الرحيم المودن ،الصلح كإجراء جديد داخل قانون المسطرة الجنائية ،مجلة أنفاس حقوقية ،عدد ،3/2دجنبر
، 2003ص 132.
42رشيد مشقاقة ،دليل النيابة العامة في مسطرة الصلح الزجري ،دراسة تحليلية نقدية لقانون رقم 22/01المتعلق بالمسطرة
الجنائية ،دار السالم ،الرباط، 2004 ،ص .17
43المادة 41من قانون المسطرة الجنائية.
طعن متضمنا لم اتفق عليه الطرفان مع تحديد أجل لتنفيذ الصلح ،فإذا تمت المص ادقة تتأك د النياب ة العام ة
من تنفيذ االلتزامات المتفق عليها ،ويوقف إج راء الص لح ال دعوى العمومي ة بحيث ال يمكن لوكي ل المل ك
إقامتها إال في حالة عدم المصادقة على محض ر الص لح ،أو ع دم تنفي ذ االلتزام ات المتف ق بش أنها داخ ل
األجل المحدد ،أو إذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوه العمومية م ا لم تتق ادم ،كم ا يمكن للص لح أن
يسقط هذه األخيرة حسب الفقرة الثانية من المادة 4من قانون المس طرة الجنائي ة ":وتس قط بالص لح عن دما
ينص القانون صراحة على ذلك"
وفي األخير يمكن القول أن إجراء الص لح في ح د ذات ه يبقى مكس با ينض اف إلى حق وق المتهمين
والضحايا على حد سواء ألن تحقيق العدالة الجنائية بصفة عامة والعدالة الجنائي ة لألح داث بص فة خاص ة
لن يحقق النتائج المرجوة منه إال إذا تم تحقيقها ب الموازاة م ع ني ل رض ا الض حايا المباش رين من الج رائم
المرتكبة من قبلهم.