You are on page 1of 20

1

‫اآليات ‪381 - 381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ‬
‫[البقرة‪]381-381 :‬‬

‫‪2‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﮊ‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫قة ِمن قَبلِكم؛‬
‫السابِ ِ‬
‫أيضا على األُم ِم َّ‬
‫ض ً‬ ‫يام عليكم َكما فُِر َ‬
‫الص ُ‬
‫ض ِّ‬‫الذين َآمنوا قد فُِر َ‬
‫يا أيُّها َ‬
‫‪1‬‬ ‫لِتجعلوا بينكم وبني سخ ِط اللِ وعذابِه ِ‬
‫حاجًزا يقيكم ذلك( )‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫الفج ِر إىل‬
‫لوع َ‬
‫ماع من طُ ِ‬ ‫ُّرب واجلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫باإلمساك عن األ ْك ِل والش ِ‬ ‫يام‪ :‬هو التعبُّ ُد لل تعاىل‬
‫الص ُ‬
‫و ِّ‬
‫‪2‬‬
‫الش ِ‬
‫مس( )‪.‬‬ ‫ُغ ِ‬
‫روب َّ‬
‫من فوائد اآلية‪:‬‬

‫‪ -1‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﮊ إشارةٌ إىل َّ‬


‫أن اإلميا َن‬
‫ِ‬
‫اإلميان(‪.)3‬‬ ‫الصيام؛ فقد افتتِحت اآلية بالنِّ ِ‬
‫داء باس ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫نني ِّ َ‬
‫يقتَضي من املؤم َ‬
‫كمة الل ُسبحانَه وتعاىل أ ْن َّنوع‬ ‫املؤمنني ِح َكم إهليَّةٌ؛ ف ِمن ِح ِ‬
‫يام على ِ‬ ‫الص ِ‬
‫رض ِّ‬‫‪ -2‬يف فَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫كالصالةِ‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫حمض َّ‬ ‫مايل حمض َّ ِ‬
‫كالزكاة‪ ،‬ومنها ما هو بَ َدينٌّ ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫العبادات؛ فمنها ما هو ٌّ ٌ‬
‫ترك األ ْك ِل‬‫يام؛ ففيه ُ‬ ‫كالص ِ‬
‫الَّتك‪ِّ :‬‬ ‫كاحلج‪ ،‬ومنها ما هو ِمن قَبيل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ومايل‬
‫بدينٌّ ٌّ‬‫ب منهما‪َ :‬‬ ‫ُمرَّك ٌ‬
‫ين‬
‫الع َم ُل البَ َد ُّ‬ ‫ف؛ َّ ِ‬
‫ألن من النَّاس َمن يَ ُهو ُن عليه َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّرب وغ ِريمها؛ وذلك لِ َّ‬
‫يتم اختبار املكلَّ ِ‬ ‫والش ِ‬
‫ِ‬
‫بعكس ذلك‪ ،‬وهكذا( )‪.‬‬ ‫املايل‪ ،‬ومنهم َمن يكو ُن‬
‫دو َن ِّ‬
‫ِ‬
‫‪ -3‬يف قَوله تعاىل‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ تَسليةُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫يام‬
‫الص َ‬
‫القيام به‪ ،‬وهنا قد فَ َرض اللُ ِّ‬ ‫املكلِّف ل َمن كلفه َبع َمل وتَ ُ‬
‫طييب نَفسه؛ ليَ ُهو َن عليه ُ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)155-152/3‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،) 94/1‬نظم الدرر)) للبقاعي‬
‫(‪(( ،) /3‬تفسري السعدي)) (ص‪(( ،)68 :‬تفسري ابن عثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)316-318/2‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)152/3‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،) 94/1‬جمموع فتاوى ابن تيميَّة))‬
‫(‪.)222/25‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬الرسالة التبوكية)) البن القيم (ص‪.)39 :‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)319/2‬‬

‫‪3‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫األمور‬ ‫األم ِة اإلسالميَّ ِة‪ ،‬وب َّني هلم أنَّه كان مفروضا أيضا على األُم ِم َّ ِ‬
‫السابقة؛ ف ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ً ً‬ ‫ََ‬ ‫على هذه َّ‬
‫‪1‬‬
‫أداؤها( )‪.‬‬
‫وس ُهل ُ‬ ‫الشاقَّةُ إذا َع َّمت َخ َّفت َ‬
‫َّ‬

‫َّشبيه املذكوِر يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ‪:‬‬ ‫ائد الت ِ‬‫‪ِ -‬من فو ِ‬
‫مني فيه أُسوةٌ‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األم ِة‬
‫للمسل َ‬ ‫السابقةُ‪ ،‬وليَكو َن ُ‬
‫للفضائل اليت َسبَقت إليها األَُم ُم َّ‬ ‫استكمال هذه َّ‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫غيب فيه( )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تأكيد احلُكم وال ََّّت ُ‬
‫فعله َمن سبَقهم‪ ،‬و ُ‬ ‫رض بأك َم َل ممَّا َ‬ ‫وليَجتَ ِهدوا يف أداء هذا َ‬
‫الف ِ‬
‫الصي َام هلذه‬
‫أوجب ِّ‬ ‫وجل َ‬ ‫عز َّ‬‫ألن اللَ َّ‬ ‫املوص ِلة إىل ِ‬
‫حتقيق التَّقوى؛ َّ‬ ‫األسباب ِ‬
‫ِ‬ ‫سلوك‬
‫‪ -5‬يَنبغي ُ‬
‫الغاية يف قولِه تعاىل‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ِ‬
‫‪3‬‬
‫ﭰﮊ( )‪.‬‬
‫من األوجه البالغية في اآلية‪:‬‬

‫قال‬
‫ناية مبا سيُ ُ‬ ‫‪ -1‬افتتِحت هذه اآلية ب ﮋﭣ ﭤ ﭥﮊ؛ لِما يف الن ِ‬
‫ِّداء ِمن إظها ِر العِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫األحكام الشَّرعيَّ ِة َ‬
‫بعد ما‬ ‫ِ‬ ‫آخَر ِمن‬ ‫ِ‬
‫بعده‪ ،‬وُكِّرر النِّداءُ إلظها ِر َمزيد االعتناء‪ ،‬ولبيان ُحكْم َ‬
‫َ‬
‫( )‬
‫صاص ‪.‬‬ ‫اآليات املاضي ِة عن ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ِ‬ ‫سبَق تَفصيلُه يف‬
‫َ‬
‫ف‬‫وح ِذ َ‬ ‫ناء لِ ِ‬ ‫‪ -2‬يف قولِه تعاىل‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨﮊ عبِّر ب ﮋﭦﮊ بالبِ ِ‬
‫لمفعول‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ب إىل‬ ‫نس َ‬
‫ف‪َّ َ ،‬‬
‫فناسب أال تُ َ‬
‫شاق صعبةٌ على املكلَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ألَّنا َم ُّ‬ ‫الفاع ُل؛ للعِل ِم به‪ ،‬إ ْذ هو اللُ َ‬
‫تعاىل؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ف فيه راح ٌة‬ ‫وحني يكو ُن املكتوب للمكلَّ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وإ ْن كان اللُ تعاىل هو الذي كتَبها‪َ َ ،‬‬ ‫اللِ َ‬
‫للفاع ِل‪ ،‬كما يف قولِه تعاىل‪ :‬ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ‬ ‫الفعل ِ‬
‫ُ‬
‫واستِبشار يبىن ِ‬
‫ٌ ُ‬
‫[األنعام‪ ،]5 :‬وقولِه‪ :‬ﮋﰓ ﰔﰕﰖﰗﮊ [اجملادلة‪ ،]21 :‬و ِ‬
‫أمثاهلا(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري الرازي)) (‪(( ،)2 3/5‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)316/2‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،) 94/1‬تفسري أيب السعود)) (‪(( ،)196 / 1‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة‬
‫والبقرة)) (‪.)314/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)316/2‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري أيب السعود)) (‪(( ،)196/1‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)15 / 2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)144/2‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫َّم ﮋﭧﮊ عل ى‬
‫‪ -3‬قولُ ه‪ :‬ﮋﭧ ﭨﮊ في ه تَق ديٌ وت أخريٌ؛ حي ُ قَ د َ‬
‫ِ‬
‫املكتوب(‪.)1‬‬ ‫كتوب عليه آ َك ُد ِمن ِذ ْك ِر‬ ‫ألن البداءةَ ِ‬
‫بذ ْك ِر امل ِ‬
‫َ‬ ‫ﮋﭨﮊ؛ َّ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬الدر املصون)) للسمني احلليب (‪.)288/2‬‬

‫‪5‬‬
‫اآلية ‪384‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫املؤمنو َن‪ -‬يف أيَّام قليلة ُحمصاة ساعا ُُتا‪ ،‬وهي أيَّ ُام شه ِر‬ ‫الصيام مفروض عليكم ‪-‬أيُّها ِ‬
‫ٌ‬ ‫هذا ِّ ُ‬
‫صيام األيَّ ِام اليت‬ ‫رمضا َن‪ ،‬فمن كان منكم يف ِ‬
‫قضي َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫فعليه‬ ‫ر‪،‬‬‫َ‬‫ط‬ ‫فأف‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫أو‬ ‫مرض‬ ‫حال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل‬
‫ِّم عن ِّ‬ ‫ص ْم أ ْن يُقد َ‬
‫يام ومل ي ُ‬ ‫الص َ‬
‫جيب على َمن استطاع ِّ‬ ‫صومها يف أيَّام أخرى‪ ،‬و ُ‬ ‫أفطَرها‪ ،‬فيَ َ‬
‫خري‬ ‫يوم أفطَره‪ :‬طعاما ملِسكني واحد‪ ،‬فمن أطعم أكثر ِ‬
‫يام ٌ‬ ‫الص ُ‬ ‫أفضل‪ ،‬و ِّ‬‫ُ‬ ‫فذلك‬ ‫مسكني‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫الص ِوم ِمن اخل ِري له فإنَّه لن يتهاو َن فيه( )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫عرف املرءُ ما يف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من اإلفطار مع اإلطعام‪ ،‬وإذا َ‬
‫وم يف ص ْد ِر ا ِإلسالم كان‬ ‫ِ‬
‫الص َ‬
‫نسوخ؛ إذ لَ َّما َفرض اللُ تعاىل َّ‬ ‫املذكور يف اآلية َم ٌ‬
‫ُ‬ ‫كم‬
‫وهذا احلُ ُ‬
‫خريا له‪،‬‬
‫يام كان ً‬ ‫الص َ‬
‫فإن اختار ِّ‬ ‫كل يوم أفطَره‪ِ ،‬‬ ‫وإطعام مسكني عن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِوم‬
‫املسلِ ُم خميَّ ًرا بني َّ‬
‫يام َبقولِه تعاىل‪ :‬ﮋﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫الص ِ‬
‫القاد ِر على ِّ‬ ‫حق ِ‬‫التخيري يف ِّ‬
‫َ‬ ‫وجل هذا‬
‫عز َّ‬ ‫مثَّ نَ َسخ اللُ َّ‬
‫‪2‬‬ ‫وبقي الفطر واإلطعام ِ‬
‫للعاج ِز عنه( )‪.‬‬ ‫الصوم‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب عليه َّ َ‬ ‫ﮨ ﮩﮊ َ‬
‫فأوج َ‬
‫من فوائد اآلية‪:‬‬

‫ف الفديةِ طائفةُ‬
‫ص ِر َ‬ ‫‪ -1‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮄ ﮅ ﮆﮊ فيه الت‬
‫َّنصيص على َّ‬
‫أن َم ْ‬ ‫ُ‬
‫الزكاةِ(‪.)3‬‬
‫أهل َّ‬ ‫ِ‬
‫خبالف غ ِريهم ِمن ِ‬ ‫املساك ِ‬
‫ني‪،‬‬
‫ِ‬
‫األعمال‬ ‫وتفاض ُل‬
‫ُ‬ ‫األعمال؛ لَِقولِه تعاىل‪ :‬ﮋﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ‬
‫ِ‬ ‫تفاض ِل‬
‫ثبوت ُ‬
‫‪ُ -2‬‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)168-158/3‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،)522- 96/1‬جمموع فتاوى ابن‬
‫تيميَّة)) (‪(( ،)252/31‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)32 -322/2‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬الناسخ واملنسوخ)) البن حزم (ص‪(( ،)28 :‬شرح عمدة الفقه‪ -‬كتاب الصيام)) البن تيمية (‪-282/1‬‬
‫‪(( ،)28‬جمموع فتاوى ابن تيميَّة)) (‪(( ،)252/31‬تفسري ابن كثري)) (‪.)522- 99/1‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.)39 :‬‬

‫‪8‬‬
‫اآلية ‪384‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫‪1‬‬
‫يستل ِزم تفاضل ِ‬
‫العام ِل( )‪.‬‬ ‫ُ َُ‬
‫من األوجه البالغية في اآلية‪:‬‬

‫ت ب ( َمعدودات)‪،‬‬ ‫‪ -‬يف قولِه‪ :‬ﮋﭲ ﭳﮊ ع ِِّّب ب (أيَّام)‪ ،‬وهي مجْع قِلَّة‪ِ ،‬‬
‫ووص َف ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وُتوينًا ِأل ْم ِر ِّ‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُرها‬
‫بأن هذه األيَّ َام َصح ُ‬ ‫يام فيها على املكلَّ َ‬
‫فني؛ َّ‬ ‫سهيال َ‬
‫أيضا؛ تَ ً‬‫وهي مجْ ُع قلَّة ً‬
‫العد(‪.)2‬‬
‫فوت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ت بالكثرية اليت تَ ُ‬‫ليس ْ‬
‫العد َ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)332/2‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪(( ،)162/2‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)181/2‬‬

‫‪4‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﮊ‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بني العِلَّ َة هلذا الت‬
‫َّخصيص‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن الل سبحانَه‬ ‫ِ‬
‫َّهر هبذه العبادة َّ َ‬
‫خص الل تعاىل هذا الش َ‬ ‫لَ َّما َّ‬
‫الق ِ‬
‫رآن فيه(‪.)1‬‬ ‫صه بإنز ِال ُ‬
‫َخ َّ‬
‫أن القرآ َن‬‫القرآ ُن (قيل معناه‪َّ :‬‬‫شهر رمضا َن الذي نزل فيه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ومعىن ِ‬
‫اآلية‪َّ :‬‬
‫أن األيَّ َام املعدودات هي ُ‬
‫القد ِر ِمن َشه ِر رمضا َن‪ .‬وقيل‪ :‬املر ُاد َّ‬
‫أن‬ ‫ماء الدُّنيا يف ِ‬‫الس ِ‬ ‫وح احمل ِ‬ ‫كامال ِمن اللَّ ِ‬
‫ليلة َ‬ ‫فوِ إىل َّ‬ ‫َنزل ً‬
‫القد ِر ِمن َشه ِر َرمضا َن)‪ .‬وهذا‬ ‫رآن على النَّيب صلَّى الل عليه وسلَّم كان يف ِ‬
‫ليلة َ‬ ‫ِّ‬
‫الق ِ‬ ‫ابتداء ِ‬
‫نزول ُ‬ ‫َ‬
‫الئل‬ ‫ِ‬ ‫ودال هلم على طر ِيق ِّ‬ ‫القرآ َن مرش ٌد للنَّاس‪ٌّ ،‬‬
‫ود َ‬ ‫احلق‪ ،‬وهو ُمشتم ٌل على آيات واضحة‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجب عليه‬ ‫يما يف بلده فقد َ‬ ‫حاضرا ُمق ً‬
‫ً‬ ‫فمن كان‬ ‫احلق‪ ،‬وتَفص ُل بينه وبني الباط ِل؛ َ‬ ‫جليَّة تُ ِّبني َّ‬
‫أن‬
‫حال َمَرض أو َس َفر فأفطَر‪ ،‬فعليه ْ‬ ‫حضره من أيَّ ِام هذا الشَّه ِر‪ ،‬ومن كان يف ِ‬
‫َ‬ ‫صيام ما َ َ‬ ‫ُ‬
‫رخص اللُ تعاىل يف اإلفطا ِر لِ َمن‬ ‫بعدد األيَّ ِام اليت أفطَرها‪َّ ،‬‬
‫وإَّنا َّ‬ ‫َ‬ ‫يام يف أيَّام أخرى‪َ ،‬‬ ‫الص َ‬
‫يقضي ِّ‬‫َ‬
‫سه َل‬ ‫ِ‬
‫ِّف عن عباده‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ع قضاءَ ما أفطَره؛ ألنَّه ُصح ُّ‬
‫ب أ ْن ُُيف َ‬ ‫وشر َ‬
‫سافرا‪َ ،‬‬ ‫يضا أو ُم ً‬ ‫كان مر ً‬
‫ضاء األيَّ ِام اليت‬ ‫عد َة شه ِر رمضا َن بق ِ‬ ‫كملوا َّ‬ ‫ب من ِ‬
‫عباده أ ْن ي ِ‬ ‫وألن اللَ ُِصح ُّ‬
‫أحكامه‪َّ ،‬‬ ‫عليهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنعم به عليهم من‬ ‫كِّبوه ب َقول‪ :‬اللُ أكبَ ُر‪ ،‬بعد انقضاء شه ِر رمضا َن؛ ل َما َ‬ ‫أفطَروها منه‪ ،‬وليُ ِّ‬
‫ومن‬ ‫وإمتامه‪ِ ،‬‬
‫صيامه ِ‬ ‫لتحقيق ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتوفيقهم‬ ‫ومه و ِ‬
‫أحكامه‪،‬‬ ‫إرشادهم إىل هذا الشَّه ِر‪ ،‬وتشري ِع ص ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫أحكامه‬ ‫يام َشه ِر رمضا َن‪ ،‬وتيس ِريه‬‫بص ِ‬ ‫أجل أ ْن يكونوا ِمن الشَّاكرين لنِعمة اللِ تعاىل عليهم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري الرازي)) (‪.)251/5‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)222-164/3‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،)525-521/1‬تفسري ابن عُثيمني ‪-‬‬
‫الفاحتة والبقرة)) (‪.)338-332/2‬‬

‫‪6‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫من فوائد اآلية‪:‬‬

‫‪ -1‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮊ مع قولِه سبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ‬


‫أن ليلةَ القد ِر واقِعةٌ يف رمضا َن ال يف َغ ِريه(‪.)1‬‬
‫ﭓ ﭔ ﭕﮊ [القدر‪ ]1 :‬فيه َّ‬
‫اآلية الكر ِ‬
‫مية‪ :‬ﮋﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫‪ -2‬جاء ِذكر "رمضان" مق َِّتنًا ب َكلِ ِ‬
‫مة "شهر" يف هذه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عض‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ‪ ،‬وجاء يف بَ ِ‬
‫كقولِه صلَّى اللُ عليه وسلَّم‪(( :‬من قام‬ ‫بدون َكلِ ِ‬
‫مة " َش ْهر"‪َ ،‬‬ ‫األحادي ِ ِذكر "رمضان" ِ‬
‫ُ‬
‫إن ما ذُكَِر ُمضافًا للشَّه ِر فاملر ُاد‬ ‫الف ِ‬
‫رق بني األمري ِن‪َّ :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫َرَمضا َن إميانًا‪ ))...‬احلدي ‪ .‬فقيل يف َ‬
‫عض ليايل رمضا َن‪،‬‬ ‫به بعضه‪ ،‬وما ذُكِر بدون لَ ِ‬
‫فظ الشَّه ِر فاملر ُاد به ُكلُّه؛ فالقرآ ُن نزل يف بَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪3‬‬
‫مجيع الشَّه ِر( )‪.‬‬
‫طلوب يف ِ‬‫وقيام رمضا َن م ٌ‬ ‫وليس يف مجي ِع الشَّه ِر‪ُ ،‬‬
‫إثبات ِصفة ِّ‬ ‫ِ‬
‫العلو لل تعاىل؛ ألنَّه أ َ‬
‫َنزل‬ ‫‪ -3‬يف قَوله تعاىل‪ :‬ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮊ ُ‬
‫القرآ َن‪ ،‬واإلنز ُال َّإَّنا يكو ُن ِمن ُعْلو( )‪.‬‬

‫‪ -‬قولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ فيه َّ‬


‫أن املشقَّةَ‬
‫‪5‬‬
‫السفر م ِظنَّةُ املشق ِ‬
‫َّة( )‪.‬‬ ‫ب التَّيسريَ؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ض و َّ َ َ‬
‫املر َ‬
‫ألن َ‬ ‫ََتل ُ‬
‫الفوِر(‪.)8‬‬ ‫‪ -5‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ استُ ِد َّل به على َّ‬
‫أن القضاءَ ليس على َ‬
‫ِ‬
‫صوم يوم قصري‬
‫ئ ُ‬ ‫‪ -8‬يف قَوله تعاىل‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ استُ ِد َّل به على أنَّه ُْجي ِز ُ‬
‫مكا َن يوم طويل(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 2 :‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)2229‬ومسلم (‪.)459‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬نتائج الفكر يف النحو)) للسهيلي (ص‪(( ،)294 ،29 :‬إحتاف السادة املتقني)) للزبيدي ( ‪.)144/‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)332/2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)32 /2‬‬
‫(‪ )8‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.)39 :‬‬
‫(‪ )4‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.)39 :‬‬

‫‪9‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫‪ -4‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ أنَّه ال فدية مع الق ِ‬


‫ضاء(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ُخَر)؛‬ ‫‪ -6‬جاء قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ هبذه العبارِة دو َن قَول‪ُ ( :‬‬
‫فصيام أيَّام أ َ‬
‫الع َد ُد ال يكو ُن َّإال‬ ‫وجوب ِ‬
‫صوم أيام بعد ِد أيَّ ِام ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َف ِر؛ إذ َ‬ ‫الفط ِر يف املَر ِ‬
‫ض و َّ‬
‫َ‬
‫ََ‬ ‫تنصيصا على‬
‫ً‬
‫على ِمقدار مماثل(‪.)2‬‬

‫أخَر القضاءَ حىت دخل‬ ‫ول الل تعاىل‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ َّ‬


‫أن من َّ‬ ‫ظاهر قَ ِ‬‫‪ِ -9‬‬
‫ُ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫األول ‪.‬‬ ‫ب عليه َّإال َ‬
‫القضاءُ فَقط عن َّ‬ ‫آخ ُر‪ :‬أنَّه ال جي ُ‬
‫رمضا ٌن َ‬
‫‪ -12‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﮊ إثبات ِصفة اإلرادةِ‬
‫ُ‬
‫لل تعاىل‪ ،‬واملر ُاد هبا هنا‪ :‬اإلرادةُ الشَّرعيَّةُ‪ ،‬وهي مبعىن احملبَّ ِة( )‪.‬‬

‫العدد إذا مل يكن يُرى‬‫‪ -11‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﯟ ﯠﮊ دليل على اعتبا ِر ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫ول احل َّس ِ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫اب واملُنَ ِّجم َ‬ ‫اهلالل‪ ،‬وأنَّه ال يُ َ‬
‫رج ُع فيه إىل قَ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -12‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢﮊ مشروعيةُ التَّكب ِري ِ‬
‫لعيد الفط ِر‪،‬‬ ‫َ‬
‫مشس آخ ِر يوم ِمن َرمضا َن ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫روب ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َّ‬
‫أن وقتَه من إكمال العدَّة‪ ،‬وهو ُغ ُ‬
‫من األوجه البالغية في اآلية‪:‬‬
‫نات)؛ فيطابِق ِ‬
‫آخ ُره أولَه‬ ‫ان} ومل َيقل‪ِ ( :‬من اهل َدى والبيِّ ِ‬ ‫‪ -1‬عبَّ ر عن (البيِّنات) ب {الْ ُفرقَ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫احلق‬
‫فر ُق به ْبني ِّ‬ ‫نات‪ ،‬وهو كونُه يُ َّ‬‫ﮋﮞ ﮟ ﮠ‪...‬ﮊ؛ لزيادةِ معىن الزم للبيِّ ِ‬
‫ً‬
‫لفظ‪{ :‬الْ ُفرقَ ِ‬ ‫وألن يف ِ‬ ‫ِ‬
‫ان} ُمؤاخا ًة‬ ‫ْ‬ ‫رق‪َّ ،‬‬ ‫حصل به ال َف ُ‬‫اضحا َ‬
‫فمىت كان الشَّيءُ َجليًّا و ً‬ ‫والباط ِل؛ َ‬
‫للفاص ِلة ْقب لَه‪ ،‬وهو قولُه‪ :‬ﮋﮘ ﮙﮊ‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮊ‪ ،‬مثَّ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.)39 :‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)18 /2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)164/2‬‬
‫( ) يُنظر‪( :‬تفسري ابن عثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)339 ،335/2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 1 :‬‬
‫(‪ )8‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 1 :‬‬

‫‪12‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫قال‪ :‬ﮋﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ؛ فحصل بذلك تَو ِ‬


‫اخي هذه‬ ‫َ‬
‫ظ ِ‬
‫ومن حي ُ املعىن(‪.)1‬‬ ‫نات ِمن حي ُ اللَّف ُ‬
‫اص ِل؛ فصار (الفرقا ُن) هنا أم َكن ِمن البيِّ ِ‬
‫الفو ِ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫‪ -2‬يف قَولِه‪ :‬ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ دو َن قَولِ‬
‫فمن َش ِهده من ُكم فْليَ ُ‬
‫ص ْمه)‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫عظيم لشأنِه(‪.)2‬‬
‫إظهار له‪ ،‬وت ٌ‬
‫تنويهٌ بَرمضا َن‪ ،‬و ٌ‬
‫السف ِر؛‬ ‫‪ -‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋ ﮮ ﮯ ﮰﮊ دو َن قَول‪( :‬أو مسافِرا) إشعار باالستِ ِ‬
‫عالء على َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ً‬
‫أخ ُذ اإلنسا َن ِمن غ ِري اختيار‪ ،‬فهو‬ ‫املر ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض؛ فإنَّه يَ ُ‬ ‫للمسافر‪ ،‬خبالف َ‬ ‫لما فيه من االختيار ُ‬
‫كوب واإلنسا َن يَستعلي عليه(‪.)3‬‬
‫فر َمر ٌ‬
‫الس َ‬ ‫ري‪َّ ،‬‬
‫فكأن َّ‬ ‫قَ ْه ٌّ‬
‫‪ -3‬جاء بعد قَولِه‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ ُمجلةُ النَّف ِي ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞﮊ‬
‫تأكيدا هلا( )‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬قولُه‪ :‬ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﮊ فيه تَعديةُ فِ ِ‬
‫عل التَّكب ِري ب ﮋﯣﮊ‬
‫دين على ما َهداكم)(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫مد‪ ،‬كأنَّه قال‪( :‬ولِتُ ِّ‬
‫كِّبوا اللَ حام َ‬
‫ضمنِه معىن احل ِ‬
‫َ‬ ‫لِتَ ُّ‬
‫للمر ِ‬
‫يض‬ ‫رخيصا َ‬ ‫ت هذه اآليةُ بقولِه‪ :‬ﮋﯦ ﯧﮊ؛ َّ‬
‫ألن قَبلَه تَ ً‬
‫ِ‬
‫‪ُ -5‬خت َم ْ‬
‫عد قولِه‪ :‬ﮋﭦ ﭧ‬ ‫واملساف ِر يف الفط ِر‪ ،‬وقولَه‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ‪ .‬وجاء بَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ﭨﮊ قولُه‪ :‬ﮋﭯ ﭰﮊ‪ ،‬وقبلَه‪ :‬ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ‪ ،‬مثَّ قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ُسلوب‬ ‫ِ‬
‫أش ِّق التَّكاليف‪ ،‬وكذا َجييءُ أ ُ‬ ‫صاص ِمن َ‬
‫يام والق َ‬ ‫الص َ‬
‫ألن ِّ‬‫ﮋﯚ ﯛﮊ؛ َّ‬
‫العظي ِم(‪.)8‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬
‫ترخيص أو ترقيةٌ‪ ،‬وهذا من َحماس ِن بَيان القرآن َ‬
‫ٌ‬ ‫رآن فيما هو ٌّ‬
‫شاق وفيما فيه‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)198/2‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)194/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪(( ،)16 /2‬الدر املصون)) للسمني احلليب (‪.)242/2‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)145/2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب السعود)) (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )8‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)225-22 /2‬‬

‫‪11‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﮊ‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫ب‬‫تض َّم َن قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﮊ طَلَ َ‬ ‫لَ َّما َ‬
‫يب‬ ‫وجي‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نداء‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫يسم‬
‫َ‬ ‫ره‪،‬‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫وش ِ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ره‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫م‬‫َ‬ ‫بني أنَّه ُمطَّلِ ٌع على ِذك ِ‬
‫ر‬ ‫وشك ِره‪َ َّ ،‬‬‫تكب ِريه ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُدعاءَه(‪.)3‬‬
‫لدعاء َمن‬ ‫ِ‬ ‫أستجيب‬ ‫يب منهم‪ ،‬و‬
‫ُ‬ ‫حمم ُد‪ -‬فأنا قر ٌ‬ ‫واملعىن‪ :‬إذا سأَلك املؤمنو َن عن قُ ْريب ‪-‬يا َّ‬
‫بأين أُثيبهم على ِ‬
‫انقيادهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهي‪ ،‬وليُؤمنوا ِّ ُ‬ ‫بني نو َّ‬
‫لني أوامري وجمتَن َ‬‫ينقادوا يل ممتث َ‬ ‫دعاين منهم؛ فْل ُ‬
‫َّوفيق للعِل ِم النَّافِ ِع‬ ‫احلق‪ِ ُ ،‬‬
‫وصحال ُفهم الت ُ‬ ‫وتضر َعهم يل؛ َلعلَّهم بذلك يُصيبو َن َّ‬ ‫يب دعاءَهم ُّ‬ ‫ِ‬
‫يل‪ ،‬وأُج ُ‬
‫الصالِ ِح(‪.)2‬‬
‫الع َم ِل َّ‬
‫وَ‬
‫من فوائد اآلية‪:‬‬
‫ول الل تعاىل‪ :‬ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﮊ‬
‫‪ -1‬قَ ُ‬
‫دعواتُه‪ ،‬وإىل َمشروعيَّ ِة‬
‫رجوةٌ َ‬
‫شهر َرمضا َن َم َّ‬
‫أن َ‬
‫ِ‬
‫اإلجابة‪ ،‬وإىل َّ‬ ‫رج ُّو‬ ‫أن َّ ِ‬
‫الصائ َم َم ُ‬ ‫فيه إشارةٌ إىل َّ‬
‫كل يوم ِمن َرمضا َن(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند انتِهاء ِّ‬
‫الدُّعاء َ‬
‫ول الل تعاىل‪ :‬ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﮊ‬
‫‪ -2‬قَ ُ‬
‫فإَّنم عن هذا‬‫وت؛ َّ‬ ‫الص ِ‬
‫فع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُّ‬
‫للمناجاة يف الدُّعاء‪ ،‬ال للنداء الذي هو َر ُ‬ ‫يدل على إرشادهم ُ‬
‫بأن رَّهبم تبارك وتعاىل قريب ال صحتاج يف دعائِه وسؤالِه إىل النِّ ِ‬
‫سأل‬
‫داء‪ ،‬وإَّنا يُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َسألوا‪ ،‬فأُجيبوا َّ َ‬
‫خاص‪،‬‬
‫رب ٌّ‬ ‫رب ِمن َّ‬ ‫يب املناجى‪ ،‬ال مسألةَ ِ‬ ‫القر ِ‬
‫الداعي هو قُ ٌ‬ ‫الق ُ‬
‫البعيد املنادى‪ ،‬وهذا ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مسألةَ َ‬
‫يب ِمن داعيه( )‪.‬‬
‫كل أحد؛ فهو ُسبحانَه قر ٌ‬ ‫عاما ِمن ِّ‬‫ليس قُربًا ًّ‬
‫إكمال العدَّةِ‪ ،‬بل وعند‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعاء عند‬ ‫ِ‬
‫االجتهاد يف‬ ‫الص ِ‬
‫يام؛ إشارًة إىل‬ ‫أحكام ِّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬ختلل الدُّعاءُ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري الرازي)) (‪(( ،)282/5‬تفسري أيب حيان)) (‪.)225/2‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)226-222/3‬تفسري السعدي)) (ص‪(( ،)64 :‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة‬
‫والبقرة)) (‪.)3 3-3 2/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)149/2‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬بدائع الفوائد)) البن القيم (‪.)4/3‬‬

‫‪12‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫كل فِطر( )‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ِّ‬
‫يقول‪ :‬ﮋﭟ ﭠ ﭡﮊ‬ ‫الدعاء فقد أُِر َ‬
‫يد به اإلجابةُ؛ َّ‬
‫فإن اللَ سبحانه ُ‬ ‫َ‬ ‫‪َ -‬من أُْهلِ َم‬
‫[غافر‪ ،]82 :‬وقال هنا‪ :‬ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﮊ(‪.)2‬‬

‫‪ -5‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﮊ‬


‫باملشيئة يف قَولِه‪ :‬ﮋﯓﯔ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باملشيئة‪ ،‬يف ح ِ‬
‫ني قُيِّ َدت‬ ‫أطلِ َقت فيه إجابةُ الدَّعوةِ دو َن تقييد‬
‫املؤمنني فلم تُقيَّ ْد‬
‫َ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ [األنعام‪] 1 :‬؛ وذلك َّ‬
‫ألن اآليةَ األُوىل يف ُدعاء‬
‫ألن دعاء ِ‬
‫املؤم ِن ال يَُرُّد َّإال إذا كان بإمث أو قطيعة وما جرى جمرى ذلك‪َّ ،‬أما اآليةُ‬ ‫ِ‬
‫باملشيئة؛ َّ ُ َ‬
‫‪3‬‬ ‫الثانية اليت قُيِّدت فقد جاءت يف د ِ‬
‫عاء الكفَّا ِر( )‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ -8‬إن قيل‪ :‬ما فائد ُة قوله تعاىل‪ :‬ﮋﯳ ﯴﮊ بعد قَوله تعاىل‪ :‬ﮋﯲﮊ مع أن الد َ‬
‫َّاعي‬ ‫َّ‬
‫ف بأنَّه داع َّإال إذا دعا؟‬ ‫وص ُ‬
‫ال يُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شعر بأنَّه يف‬ ‫ألن املر َاد َبقوله تعاىل‪ :‬ﮋﯳ ﯴﮊ‪ :‬إذا َ‬
‫ص َدق يف ُدعائه إيَّاي؛ بأ ْن َ‬ ‫فقيل‪َّ :‬‬
‫وجل حبي‬
‫عز َّ‬ ‫عاء لل َّ‬ ‫قادر على إجابتِه‪ ،‬وأخلص ُّ‬
‫الد َ‬ ‫الل تعاىل‪ ،‬و َّ‬
‫أن الل ُسبحانَه ٌ‬
‫حاجة إىل ِ‬

‫ال يتعلَّ ُق قلبُه بغ ِريه( )‪.‬‬


‫الكالم عن‬ ‫َّب‬
‫ق‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫َّ‬
‫ن‬ ‫أل‬ ‫؛‬ ‫ِ‬
‫الطاعة‬ ‫كمال‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد‪ ،‬وعن ِ‬ ‫ة‬ ‫الد ِ‬
‫عاء تكو ُن عن ِص َّح ِ‬ ‫‪َّ -4‬‬
‫أن إجابةَ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عاء بقولِه‪ :‬ﮋﯶ ﯷﯸ ﯹﮊ(‪.)5‬‬ ‫الد ِ‬
‫ُّ‬
‫من األوجه البالغية في اآلية‪:‬‬

‫الل صلَّى اللُ عليه وسلَّ َم يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﯩ ﯪ‬


‫سول ِ‬ ‫وجيه اخلِ ِ‬
‫طاب إىل ر ِ‬
‫َ‬
‫‪ -1‬يف تَ ِ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،)529/1‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)149/2‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬اجلواب الكايف)) البن القيم (ص‪.)14 :‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬العذب النمري)) للشنقيطي (‪.)239/1‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)3 2/2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬جمموع الفتاوى)) البن تيمية ( ‪.)33/1‬‬

‫‪13‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ ما ال َُي ْفى ِمن تَشر ِيفه َورْف ِع َحملِّه(‪.)1‬‬


‫ب ِ‬
‫العبد ِمن ربِّه يف م ِ‬
‫قام‬ ‫اب‪ ،‬وتَنبيهٌ على ِشدَّةِ قُر ِ‬
‫‪ -2‬قولُه‪ :‬ﮋﯭ ﯮﮊ فيه تَقريب اجلو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الشر َيف ِ‬ ‫الد ِ‬
‫ُّعاء‪ ،‬وإخباره سبحانه وتعاىل بنَ ْف ِ‬
‫وحضوِره مع ِّ‬
‫كل‬ ‫إشعارا ُبقربِه ُ‬
‫ً‬ ‫؛‬ ‫اسطة‬
‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دو‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املقام‬
‫عدا‪ ،‬وليس ُ‬ ‫َوهم بُ ً‬
‫ت (قُل)‪ ،‬أل َ‬ ‫سائل‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋﯭﮊ دو َن‪ُ ( :‬فق ْل‪ِّ :‬‬
‫إين)؛ فإنَّه لو أثبَ َ‬
‫قال‪:‬‬
‫حتاج إىل أن يُ َ‬ ‫في‬ ‫؛‬ ‫الل‬ ‫غري‬ ‫ِّث‬‫د‬ ‫املتح‬ ‫ن‬ ‫يكو‬ ‫ألن‬ ‫ا‬ ‫كذلك‪ ،‬ولكان قولُه‪ :‬ﮋﯭﮊ م ِ‬
‫ومه‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫حنوه(‪.)2‬‬ ‫( َّ‬
‫إن اللَ) أو َ‬
‫كيد َكونِه تعاىل قَريبًا ِمنهم‪ ،‬مع َكوَِّنم ال‬
‫إن)؛ لِتأْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬يف قوله‪ :‬ﮋﯭ ﯮﮊ الت ُ‬
‫َّأكيد ب ( َّ َ‬
‫يََرونَه(‪.)3‬‬

‫شد َبقولِه‪ :‬ﮋﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ‬


‫الر ِ‬ ‫اآلية بر ِ‬
‫جاء ُّ‬‫َ‬
‫‪ -‬خْتم هذه ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫وباإلميان به؛ نبَّه على َّ‬
‫أن هذا‬ ‫جابة له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األشياء؛ ألنَّه تعاىل لَ َّما أمرهم باالستِ ِ‬ ‫أحس ِن‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫من َ‬
‫نفسه‪ ،‬فال ي ِ‬
‫ص ُل إليه تعاىل‬ ‫العبد بامتِثالِه إىل ر ِ‬
‫شاده يف ِ‬ ‫صول ِ‬ ‫صد ِمنه َّإال ُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الق ُ‬
‫َّكليف ليس َ‬‫الت َ‬
‫ص به( )‪.‬‬ ‫ِمنه َشيءٌ ِمن َمنافِعِه‪َّ ،‬‬
‫وإَّنا ذلك ُخمتَ ٌّ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب السعود)) (‪.)222/1‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬نظم الدرر)) للبقاعي (‪(( ،)41/3‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)149/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عاشور)) (‪.)149/2‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)212/2‬‬

‫‪1‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮊ‬
‫سبب النُّزول‪:‬‬
‫أصحاب‬ ‫مية‪(( :‬كان‬ ‫اآلية الكر ِ‬
‫زول هذه ِ‬ ‫ب نُ ِ‬‫الِّب ِاء ر ِضي اللُ عنه أنَّه قال يف َسبَ ِ‬
‫ُ‬ ‫جاء عن َ َ َ‬
‫اإلفطار‪ ،‬فنام قبل أ ْن‬
‫ُ‬ ‫فحضر‬
‫صائما‪َ ،‬‬ ‫الرجل ً‬
‫ُ‬ ‫حممد صلَّى الل عليه وعلى آله وسلَّم إذا كان‬ ‫َّ‬
‫فلما‬
‫صائما‪َّ ،‬‬ ‫بن ِص ْرَمةَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنصاري كان ً‬
‫َّ‬ ‫قيس َ‬‫يومه حىت ُميس َي‪ ،‬وإن َ‬ ‫يُفطَر‪َ ،‬مل يأ ُك ْل ليلتَه وال َ‬
‫ب لك‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طعام؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬ولك ْن أنطل ُق فأطلُ ُ‬ ‫اإلفطار أتى امرأتَه فقال هلا‪ :‬أعندك ٌ‬‫ُ‬ ‫حضر‬
‫َ‬
‫َّهار غُ ِش َي عليه‪ ،‬ف ُذكَِر ذلك‬
‫انتصف الن ُ‬ ‫فلما َ‬ ‫لك! َّ‬ ‫يعم ُل فغَلَ ْبته عيناه‪ ،‬فقالت‪َ :‬خيبةً َ‬
‫يومه َ‬ ‫َ‬
‫ت هذه اآليةُ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫للنيب صلَّى الل عليه وعلى آله وسلَّم‪َ ،‬‬
‫فنزلَ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ﭖ ﭗﮊ فف ِرحوا هبا َفر ًحا ً‬
‫شديدا‪ ،‬ونزلت‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫‪1‬‬
‫ﭻ ﭼﮊ))( )‪.‬‬
‫يقربون النِّساءَ رمضا َن‬ ‫الِّب ِاء َر ِضي الل عنه‪ ،‬قال‪(( :‬لَ َّما َنزل ُ ِ‬
‫صوم َشهر َرَمضا َن كانوا ال َ‬ ‫َ‬ ‫وعن َ‬
‫فأنزل اللُ‪ :‬ﮋﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫كلَّه‪ ،‬فكان ٌ‬
‫رجال ُيُونون أن ُف َسهم‪َ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﮊ اآلية))َ( )‪.‬‬
‫ِ‬
‫ضي الل عنه‪ ،‬قال‪(( :‬أُن ِزلت‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ِ‬
‫وعن َس ْهل بن سعد َر َ‬
‫أحدهم‬
‫الصوم ربَط ُ‬
‫َ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ ومل يَن ِزْل‪ :‬ﮋﭽ ﭾﮊ فكان ِر ٌ‬
‫جال إذا أرادوا‬
‫فأنزل‬
‫يتبني له رؤيتُهما‪َ ،‬‬
‫ب حىت َّ َ‬ ‫ويشر ُ‬
‫األسود‪ ،‬فال يزال يأ ُك ُل َ‬
‫َ‬ ‫ط‬
‫األبيض واخلي َ‬
‫َ‬ ‫يف ِر ْجلَيه اخلي َ‬
‫ط‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)1915‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.) 526‬‬

‫‪15‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫‪1‬‬
‫َّهار))( )‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الل بعد‪ :‬ﮋﭽ ﭾﮊ‪ِ ،‬‬
‫فعلموا أنَّه إَّنا يعين الل َ‬
‫يل والن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫معنى اآلية‪:‬‬
‫اج‪،-‬‬ ‫يام جمامعةُ نِسائِكم؛ فزوجاتُكم ِ‬
‫مبثابة اللِّ ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫باس لكم ‪-‬أيُّها األزو ُ‬ ‫َ‬ ‫يح لكم يف ليايل ِّ‬ ‫أُب َ‬
‫وجل أنَّكم كنتم‪ -‬أيُّها‬ ‫عز َّ‬ ‫هن‪ ،‬وقد َعلِم اللُ َّ‬ ‫حال ِمج ِ‬
‫اع َّ‬ ‫باس لزوجاتِكم َ‬ ‫وأنتم أيضا ِ‬
‫مبثابة اللِّ ِ‬ ‫ً‬
‫باالمتناع عن‬
‫ِ‬ ‫أنفسكم مبعص ِية الل ُسبحانَه‪ ،‬فال تَ ُفو َن بأم ِر الل تعاىل لكم‬ ‫املؤمنو َن‪ -‬ختُونون َ‬
‫قبل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحل لكم هذا الَّذي َّ‬ ‫يام‪َّ ،‬إال أنَّه قد تاب عليكم بأ ْن َّ‬‫الص ِ‬ ‫اجلِ ِ‬
‫حرمه عليكم من ُ‬ ‫ليايل ِّ‬‫ماع َ‬
‫بإباحة ِمج ِاع نسائِكم‪ -‬لكم أ ْن‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫عة‬ ‫التخو ِن‪ ،‬فاآل َن ‪-‬بعد هذه َّ‬
‫وَتاوز عنكم ما سلَف من ُّ‬ ‫َ‬
‫الولَ َد‪ .‬وقيل‪ :‬املر ُاد‬ ‫عوهن‪ ،‬واطلُبوا ما قدَّر الل تعاىل لكم (قيل‪ :‬املراد‪ :‬اطلُبوا ِجب ِ‬ ‫َُت ِام َّ‬
‫هن َ‬ ‫ماع َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيفوت‬
‫َ‬ ‫ماع عنها؛‬ ‫بلذةِ اجلِ ِ‬ ‫غال َّ‬ ‫الق ْد ِر ِمن ليايل َشه ِر رمضا َن‪ ،‬فال ينبغي ِ‬
‫االنش ُ‬ ‫ليلة َ‬ ‫ابتغاء ِ‬
‫ُ‬
‫ُّرب يف‬ ‫ِ‬ ‫أجرها‪ .‬وقيل‪ :‬املراد ابتِغاء ُّ ِ‬
‫األكل والش ُ‬
‫ُ‬ ‫أبيح لكم‬‫الرخصة والتَّوسعة‪ .‬وقيل غريُ ذلك)‪ ،‬و َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بياض النَّهار من سواد الل ِيل‪ ،‬وحينها ُ‬
‫جيب‬ ‫يظهر ويتميَّ َز ُ‬‫أي وقت شئتُموه من اللَّ ِيل حىت َ‬ ‫ِّ‬
‫اليوم التايل‪ ،‬وال َُت ِامعوا‬ ‫مشس ِ‬ ‫روب ِ‬ ‫ماع إىل ُغ ِ‬ ‫ُّرب واجلِ ِ‬
‫األكل والش ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلمساك عن‬
‫ُ‬ ‫عليكم‬
‫يوت اللِ تعاىل‪ ،‬وهذا الَّذي بيَّنه اللُ سبحانه ِمن‬ ‫ِ‬
‫للعبادة يف ب ِ‬
‫ُ‬ ‫حال اعتكافِكم‬ ‫نساءَكم َ‬
‫يام‪ ،‬وغ ِري ذلك ِمن‬ ‫الص ِ‬ ‫ماع يف َّنا ِر ِّ‬ ‫ُّرب‪ ،‬واجلِ ِ‬
‫األكل‪ ،‬والش ِ‬
‫كتحري ِ‬‫ِ‬ ‫األحكام يف هذه ِ‬
‫اآلية ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫فصلَها عن احل ِ‬
‫الل‪ ،‬وُميَيِّ َزها لكم‪،‬‬ ‫عرفها الل تعاىل وبيَّنها لكم ‪-‬أيُّها العِباد‪ -‬لِي ِ‬ ‫حمرمات‪ -‬قد َّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الص ِ‬
‫يام أمتَّ تبيني‬ ‫أحكام ِّ‬ ‫أنف َسكم بعيد ًة عنها‪ ،‬وكما َّبني اللُ تعاىل للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫وعليكم أ ْن تُبقوا ُ‬
‫َ‬
‫الصالةُ‬‫لسان َرسولِه عليه َّ‬ ‫األحكام األُخرى يف كتابِه‪ ،‬أو على ِ‬ ‫ِ‬ ‫سائر‬
‫أيضا َ‬ ‫بني ً‬ ‫فكذلك يُ ِّ ُ‬
‫عال لِما َأمر واجتنابًا لِما َّنى( )‪.‬‬ ‫أكمل إيضاح؛ كي يقوموا هبا فِ ً‬
‫‪2‬‬
‫ويوض ُحها هلم َ‬ ‫الم‪ِّ ،‬‬ ‫الس ُ‬‫و َّ‬
‫من فوائد اآلية‪:‬‬
‫نفسه‪ ،‬وذلك إذا أوقَعها يف معاصي اللِ؛ َّ‬
‫فإن هذا‬ ‫غريه قد َُيو ُن َ‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫أن اإلنسا َن كما َُيو ُن َ‬
‫اإلنسان أمانةٌ عنده؛ لَِقولِه تعاىل‪ :‬ﮋﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ِ‬ ‫فس‬
‫خيانةٌ‪ ،‬وعلى هذا فنَ ُ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1914‬ومسلم (‪.)1291‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن جرير)) (‪(( ،)245-229/3‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،)522-512/1‬تفسري السعدي))‬
‫(ص‪(( ،)66-64 :‬تفسري ابن عُثيمني ‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)352-3 8/2‬‬

‫‪18‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫‪1‬‬
‫ﭥﮊ( )‪.‬‬

‫الق ْد ِر ‪-‬وهذا على‬ ‫ب ِ‬‫حباب طَلَ ِ‬ ‫ِ‬


‫ليلة َ‬ ‫‪ -2‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﮊ فيه است ُ‬
‫ينوي باجلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬
‫ماع‬ ‫أيضا أ ْن َ‬ ‫القد ِر‪ ،-‬وفيه ً‬‫أن املر َاد َبقوله‪ :‬ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱﮊ ليلةُ َ‬ ‫ول ب َّ‬ ‫َ‬
‫أن املر َاد بَِقولِه‪ :‬ﮋﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ول ب َّ‬ ‫السن َِّة دو َن ُجمََّرِد اللَّ َّذةِ ‪-‬وهذا على َ‬
‫الق ِ‬ ‫َّسل وإقامةَ ُّ‬
‫الن َ‬
‫ﭱﮊ الولَ ُد(‪.)2‬‬

‫ول الل تعاىل‪ :‬ﮋﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬


‫‪ -3‬قَ ُ‬
‫لوع‬
‫ني طُ ِ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ فيه داللةٌ على جوا ِز املباشرِة إىل تبَ ُّ ِ‬
‫الفج ِر؛ ألنَّه إذا كانت‬ ‫قبل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفج ِر؛ َّ‬
‫االغتسال منه َ‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫ماع إىل ذلك‪ ،‬وال جي ُ‬ ‫ألن اللَ أباح اجل َ‬ ‫َ‬
‫فمن أصبَح ُجنُبًا فْليغتَ ِس ْل ولْيُتِ َّم‬ ‫الفج ِر مل ُمي ِكْنه االغتِ ُ‬
‫سال َّإال بَ َ‬
‫عده؛ َ‬ ‫املباشرةُ مأذونًا فيها إىل َ‬
‫سول صلَّى الل عليه وسلَّ َم أنَّه كان يُصبِ ُح ُجنُبًا ِمن‬ ‫الر ِ‬
‫صومه‪ ،‬وال َحَر َج عليه‪ ،‬وقد ثبَت عن َّ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫صوم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجاع أهله‪ ،‬مثَّ يَ ُ‬
‫‪ -‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ استُ ِد َّل به على‬
‫َّك( )‪.‬‬ ‫الفج ِر؛ ألنَّه تعاىل أباح األكل إىل التَّبَ ُّ ِ‬
‫ني مع الش ِّ‬ ‫َ‬ ‫لوع َ‬ ‫األكل لِ َمن َّ‬
‫شك يف طُ ِ‬ ‫جوا ِز ِ‬

‫ول الل تعاىل‪ :‬ﮋﭫ‬ ‫للصائِ ِم يف قَ ِ‬ ‫الفج ِر َّ‬


‫ني َ‬ ‫األكل والش ِ‬
‫ُّرب بتبَ ُّ ِ‬ ‫ني ِ‬
‫إباحة املباشرِة و ِ‬ ‫‪ -5‬يف تعي ِ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ف له‬ ‫وفع َل َشيئًا من تلك األموِر‪ ،‬مثَّ َ‬
‫انكش َ‬ ‫ك يف ُّ ِ‬
‫التبني َ‬ ‫ﭽ ﭾﮊ َداللةٌ على َّ‬
‫أن َمن َش َّ‬
‫الفج ِر‪ ،‬وصام‪ :‬أنَّه ال قضاءَ عليه(‪.)5‬‬
‫طُلوعُ َ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)352/2‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 2 :‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪(( ،)214/2‬تفسري ابن كثري)) (‪(( ،)518/1‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة))‬
‫(‪.)35 /2‬‬
‫واحلدي أخرجه البخاري (‪ )1931‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪ ،)1129‬من حدي عائشة رضي الل عنها‪.‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 2 :‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)214-218/2‬‬

‫‪14‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫جر هنا؛‬ ‫‪ -8‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ ذُكَِر َ‬


‫الف ُ‬
‫كثريا‬ ‫القم ِر يف ليايل َ ِ‬ ‫أل َّن طلوع الفج ِر م ِظنَّة االشتباهِ‪ ،‬ال سيما إذا اشتبه ضوءه ِ‬
‫الق َمر‪ ،‬و ً‬ ‫بضوء َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الصحابة‬ ‫الفجر مل يَطْلُ ْع‪ ،‬وقد َوقَ َع ذلك لعدد ِمن‬ ‫ني هلم َّ‬
‫أن‬ ‫ما قد يُصلَّى َ‬
‫َ‬ ‫جر مث يَتَبَ َّ ُ‬‫الف ُ‬
‫األكل باللَّ ِيل إىل ْ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫خبالف زو ِال َّ‬ ‫وغ ِريهم‪،‬‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫أعلم‪َ -‬م َّد اللُ‬
‫مس و ُغروهبا؛ وهلذا ‪-‬واللُ ُ‬
‫الفج ِر ُم َتعلِّ ًقا بتَبَ يُّنِه وظُهوِره‪،‬‬
‫وقت َ‬ ‫جر‪ ،‬وقال‪ :‬ﮋﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ‪َ .‬‬
‫فج َع َل َ‬ ‫الف ُ‬
‫ني َ‬‫يَتَبَ َّ َ‬
‫ني‬
‫يام حىت يَتَبَ َّ َ‬
‫الص َ‬‫َّيب صلَّى الل عليه وسلَّم به‪ ،‬ومل يَ ُق ْل‪" :‬مث أَِمتُّوا ِّ‬
‫اإلسفار الذي أَقَ َّر الن ُّ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫خول اللَّ ِيل ال ُشبهةَ فيه(‪.)1‬‬
‫يل"؛ ألن ُد َ‬ ‫َّ‬
‫لكم الل ُ‬
‫ك يف‬ ‫األكل لِ َمن َش َّ‬
‫ُ‬ ‫جيوز‬ ‫ِ‬
‫‪ -4‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ استُد َّل به على أنَّه ال ُ‬
‫الغُ ِ‬
‫روب(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮊ است ِد َّل به على اشَّت ِ‬
‫اط‬ ‫ُ‬
‫الصوم ِمن ِ‬
‫شرط‬ ‫ائمني‪ ،‬فلو مل يك ِن َّ ُ‬
‫الص َ‬ ‫اب على َّ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫االعتكاف؛ ألنه قَصر اخلِط ِ‬ ‫الص ِوم يف‬
‫َّ‬
‫أقل‬ ‫دل به على أنَّه ال يكفي يف االعتِ ِ‬
‫كاف أن يكو َن َّ‬ ‫معىن‪ ،‬واستُ َّ‬ ‫ِ‬
‫االعتكاف مل ي ُك ْن لذلك ً‬
‫أقل ِمن يوم(‪.)3‬‬
‫وم ال يكو ُن َّ‬
‫الص َ‬ ‫ِمن يوم‪ ،‬كما َّ‬
‫أن َّ‬
‫دل بع ِ‬
‫كل‬
‫شروع يف ِّ‬
‫تكاف َم ٌ‬ ‫مومه على َّ‬
‫أن االع َ‬ ‫‪ -9‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋﮉ ﮊ ﮋﮊ استُ َّ ُ‬
‫َمسجد( )‪.‬‬

‫ب‬ ‫‪ -12‬قَولُه تعاىل‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮊ فيه َّ ِ‬


‫لم َسبَ ٌ‬
‫أن الع َ‬
‫فدل هذا‬‫ووجهه‪ :‬أنَّه ذ َكره بعد قولِه تعاىل‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ؛ َّ‬ ‫للتَّقوى‪ُ ،‬‬
‫حصلت التَّقوى‪ ،‬ويؤيِّ ُد ذلك قولُه تعاىل‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫أنَّه كلَّما تبيَّ ِ‬
‫اآليات َ‬
‫ُ‬ ‫نت‬
‫ﯣﮊ [فاطر‪ ،]26 :‬فكلَّما ازداد اإلنسا ُن ِعلما ِ‬
‫بآيات الل ازداد تُ ًقى؛ وهلذا يُقال‪َ :‬من‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬شرح العمدة ‪ -‬كتاب الصالة)) البن تيمية (ص‪.)222 :‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 2 :‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬اإلكليل)) للسيوطي (ص‪.) 3 :‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬اهلداية إىل بلوغ النهاية)) ملكي (‪.)824/1‬‬

‫‪16‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫‪1‬‬
‫ف( ) ‪.‬‬
‫أخو َ‬ ‫ِ‬
‫ف كان منه َ‬
‫أعر َ‬
‫كان بالل َ‬
‫‪ -11‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮊ إشارةٌ إىل ُعلُِّو‬
‫‪2‬‬
‫أجل الو ِ‬
‫صول إليها( )‪.‬‬ ‫اآليات تُ َّبني للنَّ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫تبة التَّقوى؛ ِ‬ ‫مر ِ‬
‫اس من ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لكون‬

‫شقةٌ‪ ،‬ف ُذكَِرت هذه العبارُة يف هذه‬ ‫‪ -12‬قولُه‪ :‬ﮋﮘ ﮙﮊ يأيت بعد ْأمر فيه َم َّ‬
‫ظيما‪ ،‬حبي هو ألَ ُّذ ما‬ ‫اإلنسان ِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالصيام من ْأمر ُم ْش ًتهى بالطَّب ِع اشتهاءً َع ً‬ ‫اآلية؛ َّ‬
‫ألن مْن َع‬
‫شاق عليه ذلك‪ ،‬وال َصح ُج ُزه عن ُمعاطاتِه َّإال التَّقوى؛ ف ُختِ َمت‬
‫لإلنسان من املالذِّ اجلسمانيَّ ِة‪ٌّ :‬‬
‫ِ‬
‫هذه اآليةُ هبا(‪.)3‬‬
‫من األوجه البالغية في اآلية‪:‬‬
‫ف الفاعل من ِ‬
‫الف ِ‬
‫عل‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬يف قَولِه تعاىل‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ ُح ِذ َ‬
‫يح ِ‬ ‫ألن يف ِذ ْك ِر َّ ِ‬ ‫ﮋﭑﮊ وب ِين للم ِ‬
‫بالفاع ِل( )‪.‬‬ ‫الرفَ ما َصح ُس ُن منه َّأال يَ َ‬
‫قَّت َن بالتَّصر ِ‬ ‫فعول؛ َّ‬ ‫َُ َ‬
‫‪ -2‬قولُه‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ قال‪ :‬ﮋﭖ ﭗﮊ ومل يَ ُق ْل‪:‬‬
‫جام َعها(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(بنِسائِ ُكم)؛ َّ‬
‫الرج ُل إىل املرأة‪ :‬إذا َ‬
‫َفضى ُ‬
‫قال‪ :‬أ َ‬
‫اإلفضاء؛ يُ ُ‬ ‫ضم ٌن معىن‬
‫الرفَ َ ُم َّ‬
‫ألن َّ‬
‫ماع يف‬‫إحالل اجلِ ِ‬
‫ئناف ي ِّبني سبب ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬قولُه‪ :‬ﮋﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﮊ قيل‪ :‬هو است ٌ ُ ُ َ َ‬
‫سة هبِ َّن(‪.)8‬‬
‫طة وَكثرةِ املالب ِ‬‫هن مع ِشدَّةِ املخالَ ِ‬
‫الص ِِّب عْن َّ‬
‫صعوبةُ َّ‬ ‫يام‪ ،‬وهو‬ ‫الص ِ‬
‫يلة ِّ‬‫لَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬يف قولِه‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ ُشبِّه‬
‫لوع َّأولِه يف‬
‫ستطريا؛ فبِطُ ِ‬ ‫ِ‬
‫قيقا مثَّ يَرتف ُع ُم ً‬ ‫بأوِل حالِه؛ ألنَّه يَْبدو َد ً‬
‫يط وذلك َّ‬ ‫الص ِاد ُق باخل ِ‬
‫َ‬ ‫الفجر َّ‬
‫ُ‬
‫تد معه عن ظُلمةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض يف األفُِق وما َمي ُّ َ‬ ‫الفج ِر املع َِّت ِ‬
‫فشبِّه َّأو ُل ما يَْبدو من َ‬
‫اإلمساك؛ ُ‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫األفُق َجي ُ‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)381/2‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري ابن عُثيمني‪ -‬الفاحتة والبقرة)) (‪.)381/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)223/2‬‬
‫( ) يُنظر‪(( :‬بدائع الفوائد)) البن القيم (‪.)19/2‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)212/2‬‬
‫(‪ )8‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب السعود)) (‪.)221/1‬‬

‫‪19‬‬
‫اآلية ‪381‬‬ ‫تفسري آيات الصوم من سورة البقرة‬

‫األسوِد(‪.)1‬‬
‫ضو َ‬
‫اللَّ ِيل باخلَيطَ ِ‬
‫ني األبيَ ِ‬
‫تعاىل يف قولِه‪ :‬ﮋﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ تَ ُد ُّل على املبالَ ِ‬
‫غة‬ ‫‪ -5‬إضافةُ احل ِ‬
‫دود إىل اللِ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ ِ (‪)2‬‬
‫ف والالم ‪.‬‬‫عرفةً باأللِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أت م َّ‬
‫نكرًة وال ُم َّ‬ ‫عدِم االلتِ ِ‬
‫باس هبا‪ ،‬ومل تَ ُ‬ ‫يف َ‬
‫ِ‬
‫ب أ ْن يُنهى‬
‫فناس َ‬
‫ب ُحمَّرمات؛ َ‬‫‪ -8‬جاء قولُه ُسبحانَه‪ :‬ﮋﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ َعق َ‬
‫السورِة‬
‫آخَر من ُّ‬ ‫ِِ‬ ‫باَّنا‪ ،‬والنَّهي عن قِر ِ‬
‫بان َشيء ُ ِ‬ ‫عن قِر ِ‬
‫أبلغ من النَّه ِي عن فعله‪ ،‬وجاء يف موضع َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب أن يُنهى عن‬ ‫فناس َ‬
‫ب أوامَر؛ َ‬‫ن ْفسها‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ [البقرة‪َ ]229 :‬عق َ‬
‫ُجماوزُِتا(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪(( ،)218/2‬تفسري أيب السعود)) (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪(( :‬تفسري أيب حيان)) (‪.)222/2‬‬
‫(‪ )3‬يُنظر‪(( :‬الدر املصون)) للحليب (‪(( ،)299/2‬تفسري السعدي)) (ص‪.)64 :‬‬

‫‪22‬‬

You might also like