You are on page 1of 7

‫املطلب الثاين ‪ :‬احلجامة أثناء الصيام ‪.

‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف احلجامة لغةً و اصطالحاً ‪.‬‬


‫فالًن عن حاجته‪ :‬منعه‬
‫حجما ً‬‫احلجامة لغةً ‪ :‬أتيت مبعىن املنع وأتيت مبعىن املص‪ ,‬يقال «حجم‪ً -‬‬
‫‪1‬‬
‫وكفه‪ ,‬وحجم الصيب الثدي ‪ :‬مصه»‬
‫اْلِ ْس ِم‪َ ،‬م ًّ‬
‫صا أ َْو َش ْرطًا‪.2‬‬ ‫اج الدَِّم الْ ُم ْح َق ِن ِم َن ْ‬ ‫احلجامة اصطالحاً ‪ِ :‬‬
‫است ْخَر ُ‬
‫ْ‬

‫اثنياً ‪ :‬صورة املسألة ‪.‬‬


‫ما حكم احلجامة أثناء الصيام للحاجم و احملجوم ‪ ,‬وهل يفسد صيامهما ؟‬

‫اثلثاً‪ :‬حمل النزاع ‪.‬‬


‫‪ -‬ال يدخل يف هذه املسألة إن احتجم املكلف ليلة الصيام ‪.‬‬
‫ثقب للجلد وهي ما تسمى ابحلجامة‬
‫‪ -‬ال يدخل يف هذه املسألة احلجامة اليت ليس فيها إخراج للدم أو ٌ‬
‫اْلافة ‪.‬‬
‫اج للدم وإن اختلفت مسمياته ‪.‬‬
‫‪ -‬يدخل حتت هذه املسألة كل ما فيه استخر ٌ‬

‫رابعاً‪ :‬األقوال يف املسألة ‪.‬‬

‫‪« 1‬معجم منت اللغة» (‪:)35 /2‬‬


‫‪ 2‬املوسوعة الفقهية الكويتية ( ‪)69 / 28‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن احلجامة أثناء الصيام مكروهة ‪ ,‬وال تفسد الصيام ‪ ,‬وهو قول اْلمهور من احلنفية‪ 3‬و املالكية‪ 4‬و‬
‫الشافعية‪. 5‬‬

‫احلِجامةَ ِ ِ ِ‬
‫احتَ َج َم ََلْ أ ََرهُ‬
‫إَل‪َ ،‬ولَ ْو ْ‬
‫ب ََّ‬
‫َح َّ‬
‫صائ ًما للت ََّوقي َكا َن أ َ‬
‫«ولَ ْو تَ َرَك َر ُج ٌل ْ َ َ َ‬
‫قال اإلمام الشافعي رمحه هللا َ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫يُ ْفط ُرهُ»‬
‫القول الثاين ‪:‬‬

‫أن احلجامة تفسد صيام احلاجم و احملجوم ‪ ,‬وهو قول احلنابلة ‪ ,‬قال املرداوي رمحه هللا ( َوالَ نَ ْعلَ ُم أ َ‬
‫َح ًدا‬
‫ِ ‪7‬‬ ‫احل ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ْصح ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِم َوالْ َم ْح ُجوم)‬ ‫اب‪ ،‬فَ َّر َق ِيف الْفطْ ِر َو َع َدمه بَْ َ‬
‫ْي َْ‬ ‫م َن األ ْ َ‬

‫خامساً‪ :‬أدلة األقوال واملناقشة ‪.‬‬

‫استدل أصحاب القول األول مبا يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عن ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما ‪(-:‬أن النيب ﷺ احتجم وهو حمرم‪ ،‬واحتجم وهو صائم)‪ 8‬ويف‬
‫‪9‬‬
‫حمرم صائم )‬
‫رواية ( وهو ٌ‬

‫‪ 3‬الفتاوى اهلندية ( ‪)199 /1‬‬


‫‪ 4‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري للدردير ( ‪)518 / 1‬‬
‫‪ 5‬شرح احمللى على املنهاج ( ‪)59 / 2‬‬
‫‪« 6‬األم للشافعي» (‪:)106 /2‬‬
‫‪ 7‬اإلنصاف للمرداوي ( ‪)272 / 3‬‬
‫‪ 8‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ ,‬كتاب الصوم ‪ ,‬ابب‪ :‬احلجامة والقيئ لِ َّ‬
‫لصائِِم ( ‪)1938 / 33 / 3‬‬
‫‪ 9‬أخرجه أبو داود (‪ )٧٧٣/ ٢‬و الرتمذي (‪ )١٤٧/ ٣‬وابن ماجة (‪)537/1‬‬
‫نوقش‪:‬‬
‫النيب صلَّى هللا عليه‬
‫أن َّ‬ ‫ابن القيِم رمحه هللا ‪« :‬الثابت َّ‬
‫أبن زايدة وهو صائم منكرة ال تصح قال ُ‬
‫وبْي‬
‫تصح هذه اللفظةُ» َّ‬ ‫فإن اإلمام أمحد قال‪« :‬ال ُّ‬ ‫وسلَّم احتجم وهو ُْحم ِرٌم‪ ،‬و َّأما قولُه‪« :‬وهو ٌ‬
‫صائم» َّ‬
‫‪10‬‬
‫وهم‪ ،‬ووافقه غريُه على ذلك)‬ ‫أهنا ٌ‬

‫يرد عليه ‪:‬‬


‫عدد من األئمة منهم الرتمذي ‪ ,‬و ابن حجر وابن عبد الرب ‪,11‬‬ ‫الرواية اليت ذكرها البخاري صححها ٌ‬
‫صحيح ال ِم ْريةَ فيه" ‪ , , 12‬فال نسلم بعدم ثبوت هذه الزايدة ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يقول ابن حجر رمحه هللا " واحلديث‬

‫ونوقش أيضاً ‪:‬‬


‫ِ‬
‫حبديث شداد بن أوس ( أفطر احلاجم و احملجوم) وذلك ألنه قد ثبت أبن حديث‬ ‫منسوخ‬
‫ٌ‬ ‫ابن احلديث‬
‫شداد قاله النيب صلى هللا عليه وسلم يف السنة الثامنة ‪ ,‬وحيتمل أن حديث ابن عباس كان يف عمرة‬
‫احلديبية سنة ست أو يف عمرة القضية سنة سبع من اهلجرة ‪ ,‬فنقول بنسخ احلديث املتأخر للحديث‬
‫املتقدم ‪.‬‬

‫يرد عليه‬
‫ٍ‬
‫احتمال ال دليل عليه‪.‬‬ ‫نسخ احلديث جملرد‬
‫النسخ ال يثبت مع اإلحتمال كما قال أهل العلم ‪ ,‬فال يصح ُ‬

‫‪« 10‬هتذيب السنن» البن القيِم مع «العون» (‪.)٥٠٣ /٦‬‬


‫‪« 11‬االستذكار» (‪ , )324 /3‬سنن الرتمذي ( ة‪)776/138/ 2‬‬
‫‪ 12‬فتح الباري ( ‪)178 / 4‬‬
‫اَّللُ عْنه‪ :‬أ ُكْن تُ ْم تَكَْرُهو َن احلِ َج َامةَ لِ َّ‬
‫لصائِِم؟ ‪-‬ويف‬ ‫قال‪ :‬سئِل أنَس بن مالِ ٍ‬
‫ك َر ِض َي َّ‬ ‫‪ََِ -2‬س ْع ُ ِ‬
‫ت ََثبتًا البُنَ ِاِنَّ‪َ ُ ُ َ ُ َ ،‬‬
‫ف‪.13‬‬ ‫أج ِل الض َّْع ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ :‬ال‪َّ ،‬إال من ْ‬‫صلَّى هللاُ عليه وسلَّ َم‪َ -‬‬ ‫اية‪ :‬علَى َع ْه ِد الن ِ‬
‫َّيب َ‬
‫ِرو ٍ‬

‫يناقش‪:‬‬
‫قول‬
‫عدد من الصحابة َ‬
‫أبن قول الصحايب إذا خالفه غريه َل يعد حجة ‪ ,‬ويف هذه املسألة خالف فيها ٌ‬
‫أنس بن مالك رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫أدلة القول الثاين ‪.‬‬

‫استدل احلنابلة مبا يلي ‪:‬‬

‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أَتَى َعلَى َر ُج ٍل ِابلبَ ِقي ِع‬ ‫َن رس َ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫أوس رضي هللا عنهما‪ " :‬أ َّ َ ُ‬ ‫‪ -1‬عن شدَّاد ب ِن ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وم‪" 14‬‬ ‫ضا َن‪ ،‬فَ َقال أَفْطََر احلَاج ُم َواملَ ْح ُج ُ‬ ‫ت ِم ْن َرَم َ‬‫َوُه َو َْحيتَج ُم َوُه َو آخ ٌذ بِيَدي لثَ َم ِاِنَ َع ْشَرةَ َخلَ ْ‬

‫نوقش ‪:‬‬
‫منسوخ حبديث ابن عباس السابق ذكره ‪ ,‬ألن ابن عباس َل ُحيرم مع النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫ٌ‬ ‫احلديث‬
‫إال يف حجة الوداع سنة تسع من اهلجرة ‪ ,‬وحديث شداد كان يف السنة الثامنة من اهلجرة ‪ ,‬فاحلديث‬
‫املتأخر نسخ املتقدم‬

‫ب ا ْحلِ َج َام ِة َوالْ َق ْي ِء لِ َّ‬


‫لصائِِم ( ‪)1940 33/3/‬‬ ‫أخرجه البخاري ‪ ,‬كتاب الصوم ‪َ ,‬اب ُ‬
‫‪13‬‬

‫ابب ما جاء يف احلجامة للصائم‬


‫ابن ماجه يف «الصيام» (‪ُ )٥٣٧ /١‬‬
‫ابب يف الصائم حيتجم‪ ،‬و ُ‬
‫‪ 14‬أخرجه أبو داود يف «الصوم» (‪ٌ )٧٧٢ /٢‬‬
‫جياب عنه ‪:‬‬
‫القول أبن حديث ابن عباس كان يف حجة الوداع غريُ صحيح ألن النيب صلى هللا عليه وسلم َل يثبت‬
‫عنه أنه صام يف حجة الوداع ‪ ,‬والنسخ مع اإلحتمال أو الشك ال يصح ‪ ,‬و النسخ ال يثبت َّإال بتعارض‬
‫حديث اب ِن عبَّاس رضي هللا عنهما ُم ً‬
‫عارضا‬ ‫ُ‬ ‫صائم) منكرةٌ َل يَعُ ْد‬
‫أن زايدةَ‪( :‬وهو ٌ‬‫الدليلْي‪ ،‬فإذا تقرر َّ‬
‫ِ‬
‫حلديث شدَّاد ب ِن ٍ‬
‫أوس رضي هللا عنهما‪،‬‬

‫ونوقش أيضاً ‪:‬‬


‫ذهاب أجر صومهما ابحلجامة ال حكم‬ ‫أبن احلديث ليس على ظاهرة ‪ ,‬بل املراد ابإلفطار يف احلديث‪ُ :‬‬
‫س لَهُ ِيف ُُجُ َعتِ ِه تِْل َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪15‬‬
‫ك َش ْيءٌ)‬ ‫ببطالن صومهما ‪ ,‬ونظري هذا قوله صلى هللا عليه وسلم ( َوَم ْن لَغَا فَلَْي َ‬
‫ذهاب أج ِر ُجعتِه‬ ‫ِ‬
‫وقوله صلَّى هللا عليه وسلَّم‪َ (:‬وَم ْن لَغَا َوََتَطَّى ِرقَ َ‬
‫اب الن ِ‬
‫‪16‬‬
‫َ‬ ‫يد‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫فإمنا‬ ‫ت لَهُ ظُ ْهًرا)‬‫َّاس َكانَ ْ‬
‫وإال فهي صحيحةٌ ُُْم ِزئةٌ عنه ‪.‬‬ ‫التخطي‪ ،‬أي‪ :‬ليس له ثو ُاُبا‪َّ ،‬‬ ‫ابللغو و ِ‬

‫ونوقش ‪:‬‬
‫على فرض عدم نسخ احلديث ‪ ,‬وبقاءه على ظاهره ‪ ,‬فقد ذكر احملققْي من أهل العلم أن حديث ابن‬
‫عباس أصح إسناداً من حديث شداد‪ , 17‬فنرجح حديث ابن عباس على حديث شداد ابن أوس ‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫‪ 15‬أخرجه أبو داود يف كتاب الصالة ‪ ,‬ابب‪ :‬تفريغ أبواب اْلمعة‪ ,‬ابب‪ :‬فضل اْلمعة (‪)٦٣٨ ٦٣٧ /١‬‬

‫ابن خزمية يف «صحيحه» (‪)١٥٦ /٣‬‬


‫‪ 16‬أخرجه أبو داود يف «الطهارة» (‪ ، )٢٤٧ /١‬و ُ‬
‫‪ 17‬انظر« ‪:‬اختالف احلديث» للشافعي (‪« ،)١٤٤‬اجملموع» للنووي (‪.)٣٥٢ /٦‬‬
‫صائٌِم‬ ‫ِ‬ ‫علي ب ِن أيب ٍ‬
‫)‪18‬‬ ‫مرفوعا‪َ( :‬ال َْحتتَج ْم َوأَنْ َ‬
‫ت َ‬ ‫طالب رضي هللا عنه ً‬ ‫عن ِ‬

‫نوقش ‪:‬‬
‫ال نسلم رفعه إىل النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬فقد رجح الدارقطين يف «العِلَل» (‪َ )١٧٦ ١٧٥ /٣‬وقْ َفه‬
‫وعلي رضي‬ ‫السبيعي ٍ‬
‫ِ‬ ‫ضعيف النقطاعه بْي أيب إسحاق‬
‫ٌ‬ ‫علي رضي هللا عنه ‪ ,‬وعلى فرض رفعه فهو‬ ‫على ٍ‬
‫هللا عنه؛ فهو َل يسمع منه ‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬الرتجيح ‪.‬‬

‫بعد عرض أقوال العلماء يف املسألة ‪ ,‬وسرد أدلتهم ومناقشتها‪ ,‬فقد ظهر َل أن األوىل يف هذه املسألة هو‬
‫اْلمع بْي احلديثْي ‪ ,‬وذلك حبمل النهي عن احلجامة على الكراهة ملن كانت تضعفه ‪ ,‬وإابحتها ملن ال‬
‫أنس رضي‬‫يضعف ُبا ‪ ,‬ويعضد هذا القول ُجلة اآلَثر اليت وردت عن الصحابة والتابعْي ‪ ,‬ومنها قول ٍ‬
‫ِ ‪19‬‬ ‫ِ‬ ‫هللا عنه قال‪( :‬ما ُكنَّا نَ َدع احلِجامةَ لِ َّ ِ‬
‫لصائ ِم إَِّال َكَراهيَةَ اْلَ ْهد) وما ورد عن أيب سعيد رضي هللا عنه (أَنَّهُ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َ‬
‫َج ِل الض َّْع ِ‬ ‫َك ِره احلِجامةَ لِ َّ ِ ِ‬
‫ف)‪. 20‬‬ ‫لصائ ِم م ْن أ ْ‬ ‫َ ََ‬

‫ذهاب أجر‬
‫وأما حديث شداد بن األوس ليس على ظاهره كما أسلفنا ‪ ,‬بل املراد ابإلفطار يف احلديث‪ُ :‬‬
‫س لَهُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صومهما ابحلجامة ال حكم ببطالن صومهما ‪ ,‬ونظري هذا قوله صلى هللا عليه وسلم ( َوَم ْن لَغَا فَلَْي َ‬

‫البيهقي يف «السنن الكربى» (‪)٢٨٥ /٤‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ 18‬أخرجه‬
‫‪ 19‬أخرجه أبو داود يف «الصوم» (‪)٧٧٤ /٢‬‬

‫ابن خزمية يف «صحيحه» (‪)٢٣٢ /٣‬‬


‫ابن أيب شيبة يف «مصنَّفه» (‪ ،)٣٠٨ /٢‬و ُ‬
‫‪ 20‬أخرجه ُ‬
‫ك َشيء) فإمنا يريد ذهاب أج ِر ُجعتِه ابللغو و ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫التخطي‪ ،‬أي‪ :‬ليس له ثو ُاُبا‪َّ ،‬‬
‫وإال فهي‬ ‫َ‬ ‫ِيف ُُجُ َعته ت ْل َ ْ ٌ‬
‫صحيحةٌ ُُْم ِزئةٌ عنه ‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم ‪ ,‬وصلى هللا على نبينا حممد ‪.‬‬

You might also like