You are on page 1of 23

‫االستلزام احلواري‬

‫‪Conversational Implicature/ Implikatur Perbualan‬‬

‫إ ّن ظاهرة االستلزام التخاطيب حديثة املعاجلة‪ ،‬يرجع البحث فيها إىل احملاضرات اليت ألقاها‬
‫بول غرايس يف جامعة هارفرد سنة ‪ 1967‬بعنوان ‪-‬املنطق والتخاطب‪ ، -‬وحماضرات‬
‫‪ 1971‬بعنوان ‪-‬االفرتاض املسبق واالقتضاء التخاطيب‪-‬‬

‫››‪.‬غرايس مصطلح االقتضاء ‪IMPLICATURE‬والفعل‬ ‫وقد ابتكر‬


‫‪ ،IMPLICATE‬واشتقه من الفعل ‪IMPLY‬مبعىن يتضمن أو يستلزم‪ ،‬وقد اشتق‬
‫من الفعل الالتيين ‪ PLICARE‬وينطلق غرايس من فكرة أن مجل اللغة تدل يف أغلبها‬
‫على معان ابملعىن نفسه ‪.‬صرحية وأخرى ضمنية تتحدد داللتها داخل السياق الذي وردت‬
‫فيه‪.‬‬

‫احلواري ‪CONVERSATION OF THEORY‬‬ ‫هذه الظاهرة ‪ ،‬مساها غرايس االستلزام‬

‫التخاطب‪IMPLICATURE OF THEORY.‬‬ ‫‪ ،‬أو نظرية االقتضاء أو نظرية‬

‫وميكن أن نوجز مفهوم االستلزام التخاطيب يف أنه ‹‹عمل املعىن أو لزوم شيء عن طريق‬
‫قول شيء آخر‪ ،‬أو قل‪ :‬إنه شيء يعنيه املتكلم ويوحي به ويقرتحه وال يكون جزءا مما تعنيه‬
‫اجلملة بصورة حرفية ›› ‪ .‬وتقوم نظرية غرايس يف االستلزام التخاطيب على النظر إىل استعمال‬
‫اللغة ابعتبارها ضراب من الفاعلية العقلية اليت تستهدف حتقيق االتصال بني الناس‪ ،‬وهذا‬
‫االتصال حمكوم مببدأ التعاون الذي قوامه أربع مقوالت‬

‫‪104‬‬
‫االستلزام احلواري من أهم اجلوانب يف الدرس التداويل وترجع نشأة البحث إىل أحد‬
‫ الذي خيتص يف دراسة اللغة الطبيعية‬Grice ‫فالسفة أكسفورد‬
‫ ما يقال هو ما‬، "‫لقد عمل جرايس إىل إيضاح االختالف بني "ما يقال وما يعين‬
‫تعنيه الكلمات ظاهراي وغالبا ما ميكن شرحه وفق شروط احلقيقة أما ما يعين فهو‬
.‫التأثري الذي حياول املتكلم متعمدا إضفاءه على املستمع أو املخاطب‬

‫ومن أهم اخلصائص اليت متيز االستلزام احلواري هو أنه متصل ابملعىن الداليل ملا‬
‫ فالتعبري الواحد يؤدي إىل‬.‫يقال ال ابلصيغة اللغوية اليت قيل هبا كما أنه متغري‬
‫استلزامات خمتلفة يف سياقات خمتلفة ويف بعض األحيان جتد املتلقي يبحث عما‬
‫فهنا ال يكتف ابملعىن احلريف فقط‬.‫وراء الكالم من معىن إذا كان التعبري استعياراي‬

Implikatur Perbualan adalah konsep yang diutarakan oleh Grice untuk


menjelaskan tentang satu bentuk pentaksiran makna yang melawati batas-
batas makna tersurat sesebuah ayat.Dalam suatu tindak percakapan, setiap
bentuk tuturan (utterance) pada dasarnya mengisyaratkan adanya implikasi
tertentu yang tidak dinyatakan secara eksplisit. Walaupun implikasi tidak
dinyatakan secara nyata atau formal, tetapi kewujudannya berfungsi sebagai
pengikat komunikasi antara penutur.

Satu daripada keberhasilan perbualan ialah kemampuan menangkap dan


memahami implikasi perbualan. Kepelbagaian jenis implikatur menunjukkan
betapa rumit dan kompleksnya suatu perbualan. Untuk memahami implikatur
perbualan, pengalaman dan pengetahuan diperlukan tentang situasi
perbualan. Dengan kata lain, implikatur dapat difahami dengan mudah jika
para penutur dapat membahagikan pengalaman dan pengetahuan dalam
perbualan yang dilakukannya.

105
:‫ومييز جرايس بني نوعني من االستلزام‬
conventional implicature ‫ استلزام عريف‬

‫هو قائم على ما تعارف عليه أصحاب اللغة من استلزام بعض األلفاظ دالالت‬
‫بعينها ال تنفك عنها مما اختلفت هبا السياقات وتغريت الرتاكيب مثال كلمة يف‬
‫ ونظريهتا يف اللغة العربية ”لكن“ فهي تستلزم دائما أن يكون ما‬but ‫اإلجنليزية‬
‫بعدها خمالفا ملا يتوقعه السامع مثل ”زيد غين لكنه خبيل“ وأما االستلزام احلواري‬
‫فهو متغري دائما بتغري السياقات اليت يرد فيها‬

Implikatur konvensional merupakan implikatur yang dihasilkan dari


penalaran logika, ujaran yang mengandungi implikatur jenis ini, seperti
diungkap oleh Gunawan (2004:14), dapat dicontohkan dengan
penggunaan kata bahkan. Contoh ayat ialah :

Bahkan menteri pun menghadiri majlis pernikahan saya.

(Contoh ini bererti menteri biasanya tidak menghadiri perkahwinan


rakyat biasa.)

conversational implicature ‫ استلزام حواري‬


‫وتعتمد نظرية جرايس يف االستلزام احلواري بوصفه ضراب من الفاعلية العقلية‬
‫والتعاونية واليت تروم حتقيق هدف االتصال بني الناس‬
Implikatur konversional merupakan implikatur yang dihasilkan kerana
tuntutan konteks tertentu. Contohnya:

Saya ada mesyuarat pagi esok di Kuala Lumpur.

(Contoh ini pula bermakna “tidak” dan merupakan jawapan atas


pertanyaan adakah kamu ingin menyertai kami ke Kuantan esok?)

106
‫ولكي ينجح االتصال ال بد له من أن تتوافر له درجة معينة من التعاون والتقارب‬
‫يف األغراض بني املتخاطبني‪.‬‬

‫‪the cooperative‬‬ ‫ويتجلى ذلك يف مبدأ عام أطلق عليه جرايس اسم مبدأ التعاون‬
‫‪ . principle‬يرى أن املتخاطبني املسامهني يف حمادثة مشرتكة حيرتمون مبدأ التعاون‬
‫فاملشاركون يتوقعون أن يساهم كل واحد منهم يف احملادثة بكيفية عقالنية ومتعاونة‬
‫لتيسري أتويل أقاوله‪.‬‬

‫يشرح جرايس هذا املبدأ مقرتحا أربع مبادىء فرعية وهي‪:‬‬


‫‪ .1‬مبدأ الكم ‪maxim of quantity‬‬

‫‪ -‬عليك أن جتعل مشاركتك يف احلديث ابلقدر املطلوب أي أن يتضمن حديثك‬


‫املعلومات الضرورية دون زايدة عن املعرفة املطلوبة‬
‫‪ .2‬مبدأ الكيف ‪maxim of quality‬‬

‫‪ -‬ال تقل ما تعتقد أنه كاذب‬


‫‪ -‬ال تقل ما ال تستطيع الربهنه على صدقه‬
‫‪ .3‬مبدأ املناسبة ‪maxim of relation‬‬

‫‪ -‬اجعل مسامهتك ذات صلة (ابملوضوع)‬


‫‪ .4‬مبدأ األسلوب (الطريقة) ‪maxim of manner‬‬

‫‪ -‬كن واضحا (جتنب اإلهبام يف التعبري‪/‬جتنب اللبس‪ /‬أوجز‪-‬جتنب كل إطناب غري‬


‫مفيد)‬

‫فهذه هي املبادئ حتقق التعاون بني املتكلم واملخاطب للوصول إىل حوار انجح‬
‫ولكي نوضح ذلك نسوق احلوار اآليت بني زوج وزوجته‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ ‬الزوج‪ -‬أين مفاتيح السيارة؟‬
‫‪ ‬الزوجة – على املائدة‬
‫والظاهر أن مبادئ التعاون متحققة كلها يف هذه احملاورة القصرية‪ .‬لقد أجابت‬
‫الزوجة إجابة واضحة (الطريقة) وكانت صادقة (الكيف) واستخدمت القدر‬
‫املطلوب من الكلمات دون تزيد (الكم) وأجابت إجابة ذات صلة وثيقة بسؤال‬
‫زوجها (املناسبة) ولذلك لن يتولد عن قوهلا أي استلزم ألهنا قالت ما تقصده‬

‫كما أن انتهاك مبادئ احلوار هو الذي يولد االستلزام‪ .‬فإذا انتهك املتكلم مبدأ من‬
‫مبادئ احلوار أدرك املخاطب اليقظ ذلك وسعى إىل الوصول إىل هدف املتكلم من‬
‫هذا االنتهاك‪ .‬ولنضرب مثال يوضح ذلك يف حوار جيري بني أم وولدها‬
‫‪ ‬األم – هل اغتسلت ووضعت ثيابك يف الغسالة‬
‫‪ ‬االبن – اغتسلت‬

‫يف هذا احلوار خرق أو انتهاك مبدأ الكم ألن األم سألته عن أمرين فأجاب عن‬
‫واحد وسكت عن الثاين أي أن إجابته أقل من املطلوب ويستلزم هذا أن تفهم األم‬
‫أنه مل يضع ثيابه يف الغسالة وأنه مل يرد أن جييب بنعم حىت ال تشمل اإلجابة شيئا مل‬
‫يقم به ومل يرد أن يواجهها بتقاعسه عن وضع ثيابه يف الغسالة‬

‫‪108‬‬
‫ولالستلزام احلواري عند جرايس خواص متيزه‪:‬‬

‫‪ .1‬االستلزام ممكن إلغاؤه‪ ،‬ويكون إبضاافة قاول يساد الطرياق أماام االساتلزام أو حياول‬
‫دونااه‪ ،‬فااإذا قالاات قارئااة لكاتااب‪ :‬مل أقارأ كاال كتبااك‪ ،‬فقااد يسااتلزم ذلااك عنااده أهنااا‬
‫قرأت بعضها‪ ،‬فإذا أعقبت كالمها بقوهلا‪ ،‬احلق أين مل أقرأ أي كتاب منهاا ‪ ،‬فقاد‬
‫‪1‬‬
‫ألغت االستلزام‪.‬‬
‫‪Boleh terbatal..jika ada tambahan ayat selepasnya‬‬
‫‪ .2‬االستلزام ال يقبل االنفصال عن احملتوى الداليل‪ ،‬أي إن االستلزام احلواري‬
‫متصل ابملعىن الداليل ملا يقال‪ ،‬ال ابلصيغة اللغوية اليت قيل فيها هبا‪ ،‬فال ينقطع‬
‫مع استبدال مفردات أو عبارات أبخرى ترادفها‪.‬‬
‫فإذا قالت أخت ألختها‪:‬ال أريدك أن تصعدي لغرفيت على هذا النحو‪.‬‬
‫فتقول األخرى‪ :‬أان أمشي على أطراف أصابعي خشية‬
‫أن أحدث ضوضاء‪.‬‬
‫فعلى الرغم من تغري الصياغة يف قول الثانية‪ ،‬فإن ما يستلزم القول من‬
‫‪2‬‬
‫عدم الرضا عن هذا السلوك ال يزال قائماً‪.‬‬
‫‪Pentafsiran tak boleh dipisah dari makna‬‬
‫‪semantik‬‬
‫‪ .3‬االستلزام متغري‪ ،‬واملقصود ابلتغري أن التعبري الواحد ميكن أن يؤدي إىل‬
‫استلزامات خمتلفة يف سياقات خمتلفة‪ 3.‬فإذا قال شخص‪ :‬كم يد يل‪ ،‬فقد يكون‬
‫سؤاال حني يوجه لطفل مثالً‪ ،‬وقد يكون هذا السؤال يستلزم استنكار ملا يوجه‬
‫له من عمل‪ .‬فيختلف االستلزام حسب السياق الوارد‪.‬‬
‫‪Pentafsiran boleh berubah ikut konteks‬‬

‫‪ 1‬نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪.38 ،‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪.38،‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.39،‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ .4‬االسااتلزام ميكاان تقااديره‪ ،‬واملاراد بااه أن املخاطااب يقااوم خبطاوات حمسااوبة يتجااه هبااا‬
‫خطوة خطوة إىل الوصول إىل ما يستلزمه الكالم‪ .‬فإذا قيل مثالً‪ :‬امللكة فكتوراي‬
‫صاانعت ماان حديااد‪ ،‬فااإن القرينااة تبعااد السااامع عاان قبااول املعااىن اللفظااي‪ ،‬فيبحااث‬
‫عمااا وراء الكااالم ماان معااىن فيقااول لنفسااه‪ :‬املااتكلم يريااد أن يلقااي إيل خارباً باادليل‬
‫أنه ذكر يل مجلة خربية‪ ،‬واملفروض أن املاتكلم ملتازم مببادأ التعااون أي أناه ال يرياد‬
‫يب خداعاً وال تضاليالً‪ ،‬فمااذا يرياد أن يقاول؟ الباد أناه يرياد أن خيلاع علاى امللكاة‬
‫بعض صفات احلديد كالصالبة‪ ،‬واملتانة وقاوة التحمال‪ ،‬وهاو يعارف أناين أساتطيع‬
‫أن أفهم املعىن غري احلريف ‪ ،‬فلجأ هلذا التعبري‪ 4.‬وهذه العمليات االستداللية مان‬
‫أجل الوصول إىل املعىن املطلوب من األمور اليت تركز عليها التداولية‪.‬‬
‫‪Pentafsiran mesti sesuatu yg boleh diteka/agak/ramal‬‬

‫‪ 4‬نفسه‪39 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫املبادئ احلوارية بعد مبدأ التعاون جلرايس‬

‫لقد فتحت جهود جرايس يف كالمه عن مبدأ التعاون واالستلزام احلواري شهية‬
‫الباحثني لبذل مزيد من اجلهود للوصول لفهم أعمق لطرائق احلوار البشري واستنباط‬
‫املعاين من خالهلا وحماولة وضع قواعد منظمة هلا‪ ،‬وحاولت تلك اجلهود استدراك ما‬
‫فات جرايس عند وضعه ملبدأ التعاون‪ ،‬وإعطاء مزيد من االهتمام جلوانب أخرى‬
‫أمهلها يف قواعده‪ ،‬وحناول أن نعرض هلذه اجلهود بصورة خمتصرة ‪.‬‬

‫‪1-‬مبدأ التأدب لروبني الكوف ‪: 1973‬‬


‫أملح جرايس إىل وجوب اعتبار بعض القواعد والتوصيات األخرى‪ ،‬اليت ي ّدعي أهنا مل‬
‫تغب عنه‪ ،‬وإن كان مل يقعد هلا‪ ،‬أو يفصل األمر فيها‪ ،‬وذلك بقوله ‪":‬هناك ‪-‬‬
‫ابلطبع‪ -‬أنواع لكافة القواعد األخرى (مجالية‪ ،‬أخالقية‪ ،‬اجتماعية)‪ ،‬مثل (لتكن‬
‫مؤداب)‪ ،‬اليت يراعيها املشاركون عادة‪ ،‬يف تبادالهتم التخاطبية‪ ،‬واليت قد تولد معاين‬
‫ً‬
‫مستلزمة غري عرفية"؛ فالتعامل األخالقي‪ ،‬ومراعاة مراتب طريف اخلطاب‪ ،‬داعية إىل‬
‫خرق هذه القواعد‪ ،‬ابستعمال لغة التأدب مثال؛ وبلورهتا من خالل انتقاء‬
‫اسرتاتيجية خطابية تربز مبدأ التعامل األخالقي يف اخلطاب‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫صاغت روبني الكوف هذا املبدأ يف مقاهلا‪":‬منطق التأدب"‪ ،‬وترمي يف هذا املقال‬
‫الباحثني بتهمة التقصري واجلمود‪ ،‬ملا يكتفي به أحدهم من الوقوف يف الدراسة‬
‫اللغوية عند حد الشكل اللغوي واالكتفاء به للحكم على صحة اجلمل‪ ،‬واختاذه‬
‫املعيار الوحيد؛ فاالقتصار على صحة املعيار الرتكييب وحده ال يفضي إىل تفسري‬
‫مقبول لبعض الرتاكيب؛ ولذلك تدعو إىل ضرورة االهتمام بسياق التلفظ‪ ،‬مبا فيه‬
‫من افرتاضات منطقية وأخرى تداولية‪.‬‬
‫مؤداب"‪ ،‬ويقضي هذا املبدأ أبن يلتزم املتكلم واملخاطب‪ ،‬يف‬
‫وصيغة املبدأ هي‪":‬لتكن ً‬
‫تعاوهنما على حتقيق الغاية اليت من أجلها دخال يف الكالم‪ ،‬من ضوابط التهذيب ما‬
‫ال يقل عما يلتزمان به من ضوابط التبليغ‪.‬‬

‫‪1- .1‬القواعد التهذيبة ملبدأ التأدب‪:‬‬


‫تفرع من هذا املبدأ القواعد التهذيبية الثالث اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬ال تفرض شيئًا‬
‫‪ .2‬اعط املتلق اختيارات‬
‫‪ .3‬اجعل املتلق يشعر بشعور جيد‬

‫‪1-‬قاعدة التعفف ‪ : don’t impose‬ومقتضاها هو "ال تفرض‬


‫نفسك على املخاطب ‪".‬‬
‫وتوجب على املتكلم أال يستعمل من العبارات إال ما ممي ِّّكنه من حفظ‬
‫مسافة بينه وبني املخاطَب‪ ،‬فال يفاحته مبا يكشف أحوال أحدمها لآلخر‪،‬‬
‫متجنبًا الصيغ اليت حتمل داللة وجدانية مثل أفعال القلوب‪ ،‬وال حيمله على‬

‫‪112‬‬
‫حمرتزا من استعمال عبارات الطلب املباشرة‪ ،‬وال يقتحم عليه‬
‫فعل ما يكره‪ً ،‬‬
‫شؤونه اخلاصة إال ابالستئذان قبل الكالم فيها واالعتذار بعده‪.‬‬

‫‪2-‬قاعدة التشكك (التخيري) ‪ : give option‬ومقتضاها هو "لتجعل‬


‫املخاطَب خيتار بنفسه ‪".‬‬
‫وفيها يتجنب املتكلم أساليب التقرير وأيخذ أبساليب االستفهام كما لو‬
‫كان متشك ًكا يف مقاصده‪ ،‬حبيث يرتك للمخاطب مبادرة اختاذ القرارات‪،‬‬
‫كأن يقول له‪":‬رمبا ترغب يف حتصيل ما يف هذا الكتاب"‪ ،‬أو يقول‪":‬قد‬
‫يكون من املفيد حتصيل ما يف هذا الكتاب"‪ ،‬بدل أن يقول‪":‬ينبغي عليك‬
‫حتصيل ما يف هذا الكتاب"‪ ،‬وال يضريه إذ ذاك أن يتجاهل املخاطب‬
‫اعتقاده أو إرادته‪ ،‬إذ ال يدل هذا التجاهل ابلضرورة على أنه يرد قول‬
‫املتكلم‪ ،‬ما دام هذا األخري مل جيزم مبضمون قوله‪.‬‬

‫‪3-‬قاعدة التودد ‪ : be friendly‬ومقتضاها هو "لتظهر الود‬


‫للمخاطب ‪".‬‬
‫وتوجب على املتكلم أن يعامل املخاطب معاملة الند للند؛ وال تفيد هذه‬
‫املعاملة إال إذا كان املتكلم أعلى مرتبة من املستمع أو يف مرتبة مساوية‬
‫مستعمال لذلك األدوات‬
‫ً‬ ‫ملرتبته؛ ومىت قام املتكلم بشرط املعاملة ابملثل‪،‬‬
‫واألساليب والصيغ اليت تقوي عالقات التضامن والصداقة بينهما‪ ،‬حنو‬
‫أنسا واطمأن‬
‫ضمري املخاطب واالسم والكنية واللقب‪ ،‬أنس به املخاطب ً‬
‫اطمئناان إىل ما يبديه له املتكلم من ثقة وعناية‪.‬‬
‫ً‬
‫وتدعي الكوف أن لقواعدها الصبغة الكلية‪ ،‬وما االختالف الناتج بني‬
‫الثقافات إال يف ترتيب أولوايهتا‪ ،‬وعليه فهي ترى أن هناك قواعد تداولية‬
‫‪113‬‬
‫جيب اتباعها‪ ،‬كما يتبع اإلنسان قواعد النحو والداللة‪ ،‬وتستنتج أن هناك‬
‫عالقة بني مبدأي التعاون والتأدب؛ وذلك من انحيتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬انحية اتفاق‪ :‬فتجسد قاعدة التعفف خصيصة االتفاق‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل إنتاج اخلطاب بصورة رمسية‪ ،‬مما يقتضي وضوحه‪ ،‬وهذا ما يفضي إىل‬
‫إدراج مبدأ التعاون بقواعده حتت قاعدة التعفف‪ ،‬انطالقًا من اعتماد املرسل‬
‫على أقصر الطرق يف تبليغ املعلومات إىل املرسل إليه‪ ،‬إذ يتجنب إهدار‬
‫وقته‪ ،‬مما يبعد عن املرسل هتمة الفضول عليه أو إحراجه‪.‬‬
‫ب‪ -‬انحية اختالف‪ :‬ميكن يف أن إنتاج اخلطاب وفق مقتضى قاعديت‬
‫التخيري والتودد هو خرق لقواعد مبدأ التعاون‪.‬‬

‫‪1. 2-‬نقد مبدأ التأدب‪:‬‬


‫يرى طه عبد الرمحن أن قواعد التأدب (التعفف‪ ،‬التشكك‪ ،‬التودد) تتدرج‬
‫يف القوة‪ ،‬فقاعدة التشكك أقوى من قاعدة التعفف‪ ،‬وقاعدة التودد أقوى‬
‫من قاعدة التشكك‪ ،‬ولذلك فالقيام ببعضها قد يسقط العمل ببعضها‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬وحيث‬‫فحيث تصلح قاعدة التودد فقد ال تصلح قاعدة التشكك ً‬
‫وقع اتباع قاعدتني يف خماطبة واحدة‪ ،‬لزم التسليم أبن العالقات بني املتكلم‬
‫واملخاطَب قد انتقلت من مستوى ختاطيب إىل مستوى ختاطيب غريه ‪.‬‬
‫ويعترب طه عبد الرمحن أن مبدأ التأدب يفضل مبدأ التعاون جلرايس من‬
‫فضال عن أخذه‬‫حيث وقوفه على اجلانب التهذييب من جوانب التخاطب‪ً ،‬‬
‫ابجلانب التبليغي منها‪ ،‬ولكن وجه التقصري الذي حلق هذا املبدأ يتمثل يف‬
‫إمهاله ما يسميه هو باا"املقاصد اإلصالحية"‪ ،‬وأنه قد مجد على اجلانب‬
‫التجريدي من عنصر التهذيب املقوم للتخاطب‪ ،‬وأمهل اجلانب العملي‬
‫واإلصالحي منه‪( ).‬‬
‫‪114‬‬
‫‪2-‬مبدأ التواجه لرباون وليفنسون ‪:1978‬‬

‫ورد مضمون هذا املبدأ عند براون ‪ Brown‬وليفنسون ‪ Levinson‬يف دراستهما‬


‫املشرتكة‪":‬الكليات يف االستعمال اللغوي؛ ظاهرة التأدب"‪ ،‬وميكن صياغته كما‬
‫يلي‪":‬لتصن وجه غريك ‪".‬‬
‫وينبين هذا املبدأ على مفهومني أساسيني‪:‬‬
‫‪1-‬املفهوم األول "الوجه ‪ :" face‬فهو عبارة عن الذات اليت يدعيها املرء لنفسه‪،‬‬
‫واليت يريد أن تتحدد هبا قيمته االجتماعية‪ ،‬وهو على ضربني ‪:‬‬
‫أ‪ -‬وجه دافع (سليب) ‪ : Negative face‬وهو أن يريد املرء أن ال يعرتض غريه‬
‫سبيل أفعاله‪ ،‬أو قل هو "إرادة دفع االعرتاض‪".‬‬
‫ب‪ -‬وجه جالب (إجيايب)‪ : Positive face‬وهو أن يريد املرء أن يعرتف غريه‬
‫أبفعاله‪ ،‬أو قل هو "إرادة جلب االعرتاف‪".‬‬
‫‪2-‬املفهوم الثاين "التهديد"‪ Face-Threatening Act (FTA) :‬الذي هو‬
‫نقيض الصيانة‪ ،‬فإن من األقوال اليت تنزل يف التداوليات منزلة األعمال‪ ،‬ما يهدد‬
‫هتديدا ذاتيًّا‪ ،‬وهي األقوال اليت تعوق بطبيعتها إرادات املستمع أو املتكلم يف‬
‫الوجه ً‬
‫دفع االعرتاض (الوجه الدافع) وجلب االعرتاف (الوجه اجلالب‪).‬‬
‫ومن أمثلة ذلك التهديد للمستمع واملتكلم‪:‬‬
‫‪1-‬املستمع (املرسل إليه ‪):‬‬
‫أ‪ -‬من األقوال اليت هتدد وجهه الدافع‪ :‬قد تكون أقو ًاال حتمله على أداء شيء حنو‬
‫األمر والطلب والنصح والتذكري واإلنذار والتحذير والوعيد‪ ،‬وقد تكون أقو ًاال حتمل‬
‫املتكلم على القيام بشيء يلزم املستمع قبوله أو رده مثل العرض والوعد‪ ،‬وقد تكون‬
‫أقو ًاال تعرب عن رغبة للمتكلم تدعو املستمع إىل حفظها كالتهنئة واإلعجاب‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫ب‪ -‬من األقوال اليت هتدد وجهه اجلالب‪ :‬قد تكون أقو ًاال تعرب عن التقومي السليب‬
‫مثل الذم والسخرية‪ ،‬أو تكون أقو ًاال تعرب عن عدم االكرتاث مثل التعرض لكالم‬
‫املخاطب قبل أن يام ْف ِّهم مراده أو قطع كالمه قبل أن يتمه ‪.‬‬
‫‪2-‬املتكلم (املرسل ‪):‬‬
‫أ‪ -‬من األقوال اليت هتدد وجهه الدافع‪ :‬الشكر وقبول الشكر ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ومن األقوال اليت هتدد وجهه اجلالب‪ :‬االعتذار واإلقرار والندم‪.‬‬

‫‪1- .2‬إسرتاتيجيات اخلطاب يف مبدأ الوجه‪:‬‬


‫جتنبًا ملا قد تسببه تلك األفعال من هتديد للوجه‪ ،‬فقد اقرتح براون وليفنسون‬
‫عددا من اإلسرتاتيجيات املناسبة‪ ،‬اليت تضمن التواصل والتفاعل دون إراقة‬
‫ً‬
‫ماء الوجه‪ ،‬أو تسهم على األقل يف تقليص نسبة التهديد؛ ألن أي فاعل‬
‫عاقل سوف يبحث ليتجنب هذه األفعال اليت هتدد الوجه‪ ،‬أو سوف‬
‫يوظف إسرتاتيجيات معينة للتقليل منها‪.‬‬
‫سلما‬
‫وقد مت تصنيف اإلسرتاتيجيات إىل مخس درجات‪ ،‬لتمثل يف جمملها ً‬
‫لدرجات التأدب‪ ،‬وهذه األصناف اخلمسة هي‪:‬‬
‫‪1-‬اإلسرتاتيجيات التصرحيية ‪ : bald on record‬أن يصرح املتكلم ابلقول‬
‫امله ِّّدد من غري تعديل خيفف من جانبه التهديدي‪ ،‬وهي تقابل مبدأ التعاون‬
‫عند جرايس‪ ،‬وقاعدة التعفف عند الكوف‪.‬‬
‫‪2-‬إسرتاتيجيات التأدب اإلجيايب‪ : , positive politeness‬أن يصرح‬
‫املتكلم ابلقول امله ِّّدد مع تعديل يدفع عن املستمع اإلضرار بوجهه اجلالب‪،‬‬
‫وهي تقابل قاعدة التودد عند الكوف‪.‬‬
‫‪3-‬إسرتاتيجيات التأدب السليب‪ : negative politeness‬أن يصرح‬
‫املتكلم ابلقول امله ِّّدد مع تعديل يدفع عن املستمع اإلضرار بوجهه الدافع‪،‬‬
‫‪116‬‬
‫وهي تقابل قاعدة التشكك (التخيري) عند الكوف‪.‬‬
‫‪4-‬إسرتاتيجيات التلميح‪ : , off-record‬أن يؤدي املتكلم القول بطريق‬
‫التعريض‪ ،‬اترًكا للمستمع أن يتخري أحد معانيه احملتملة‪ ،‬وهي تقابل قاعدة‬
‫التشكك (التخيري) عند الكوف‪.‬‬
‫‪5-‬إسرتاتيجيات الصمت‪ : don't do face threatening act‬أن ميتنع‬
‫املتكلم عن إيراد القول امله ِّّدد‪.‬‬

‫وينتج املتكلم (املرسل) خطابه وف ًقا إلحدى هذه اإلسرتاتيجيات دون‬


‫غريها‪ ،‬إذ يتحدد االختيار من بني هذه اإلسرتاتيجيات يف السياق من‬
‫خالل ثالث متغريات سياقية‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬البعد االجتماعي بني املتكلم والسامع (العالقة التماثيلية ‪Symmetric‬‬
‫‪relation).‬‬
‫ب‪ -‬عالقة السلطة بينهما‪(Assymetric relation).‬‬
‫ج‪ -‬القيود اليت تفرضها ثقافة معينة على املتكلم (املرسل)‪ ،‬ونوعية تلك‬
‫القيود‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك نذكر املثال اآليت‪:‬‬

‫يف سياق اخلالف بني الزوج وزوجته‪ ،‬جلس الزوج مع أخيها‪ ،‬فكل منهما‬
‫يكن لآلخر االحرتام‪ ،‬وليس ألحدمها سلطة على اآلخر‪ ،‬وينتميان إىل‬
‫الثقافة العربية واإلسالمية‪ ،‬مبا يتيح للقريب أن يشفع حلل اخلالفات بني‬
‫حرجا لالستفسار عن‬‫الناس‪ ،‬ومن ابب أوىل بني األقرابء‪ ،‬دون أن جيد ً‬
‫مكامن املشكلة‪ ،‬ومن البدهي يف أول األمر أن يسأل األخ صهره عن‬
‫سبب اخلالف‪ ،‬ولذلك فله اخليار يف أن يتلفظ بسؤاله طب ًقا ملقتضى إحدى‬
‫‪117‬‬
‫اإلسرتاتيجيات‪ ،‬مما يتيح له مخس خيارات ممكنة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫مستفسرا بقوله‪ :‬ما‬
‫ً‬ ‫‪1-‬اإلسرتاتيجية الصرحية‪ :‬وفيها يبادر األخ صهره‬
‫سبب اخلالف؟‬
‫‪2-‬إسرتاتيجية التأدب اإلجيايب‪ :‬أبن يقول األخ مثال‪ :‬من عاداتك اليت‬
‫دائما‪ ،‬حىت يف أدق خصوصياتك‪ ،‬ومنها‬ ‫كثريا قول الصراحة معي ً‬
‫أحرتمها ً‬
‫اختالفكم يف وجهات النظر‪.‬‬
‫‪3-‬إسرتاتيجية التأدب السليب‪ :‬وذلك خبطابه‪ :‬املعذرة‪ ،‬فأان أود منك أن‬
‫ختربين عن سبب اخلالف بينكما‪.‬‬
‫مثال‪ :‬من الصعب إجياد احللول دون‬ ‫‪4-‬إسرتاتيجية التلميح‪ :‬أبن يقول ً‬
‫معرفة أسباب املشاكل‪.‬‬
‫‪5-‬إسرتاتيجية الصمت‪.‬‬

‫‪2- .3‬نقد مبدأ التواجه‪:‬‬


‫يفوق مبدأ التواجه مبدأ التأدب من جهة عنايته ابجلانب العملي من‬
‫التهذيب‪ ،‬ولكن مبدأ التواجه جيعل التهديد هو السمة املميزة لألقوال‪،‬‬
‫مقصورا على التقليل من هذا التهديد‪ ،‬وفيه قصور يف‬
‫ً‬ ‫وجيعل العمل التهذييب‬
‫االهتمام ابلبعد التقريب من العمل التهذييب؛ أي ال يطلب التقرب من‬
‫اآلخرين وحتقيق األلفة املتبادلة‪ ،‬بقدر ما يبذل اجلهد يف البعد عن التهديد‪.‬‬
‫‪3-‬مبدأ التأدب األقصى لليتش ‪:1983‬‬
‫مكمال ملبدأ التعاون‪،‬‬
‫ذكره ليتش ‪ leech‬يف كتابه "مبادئ التداوليات" ويعده ً‬
‫ويصوغ مبدأه يف صورتني‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫أ‪ -‬سلبية‪ :‬قلل من الكالم غري املؤدب ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إجيابية‪ :‬أكثر من الكالم املؤدب‪.‬‬

‫‪1- .4‬قواعد مبدأ التأدب األقصى‪:‬‬


‫وتتفرع من هذا املبدأ قواعد ذات صورتني‪ :‬سلبية وإجيابية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1-‬قاعدة اللباقة ‪ : Maxim of Tact‬قلل من خسارة غريك‪ ،‬أكثر من ربح‬
‫غريك‪.‬‬
‫‪2-‬قاعدة السخاء ‪ : Maxim of generosity‬قلل من ربح الذات‪ ،‬أكثر‬
‫من خسارة الذات‪.‬‬
‫‪3-‬قاعدة االستحسان‪ : Maxim of approbation‬قلل من ذم غريك‪ ،‬أكثر‬
‫من مدح غريك‪.‬‬
‫‪4-‬قاعدة التواضع‪ : Maxim of Modesty‬قلل من مدح الذات‪ ،‬أكثر من‬
‫ذم الذات‪.‬‬
‫‪5-‬قاعدة االتفاق‪ : Maxim of Agreement‬قلل من اختالف الذات‬
‫وغريها‪ ،‬أكثر من اتفاق الذات وغريها‪.‬‬
‫‪6-‬قاعدة التعاطف‪ : Maxim of Sympathy‬قلل من تنافر الذات وغريها‪،‬‬
‫أكثر من تعاطف الذات وغريها‪.‬‬

‫أعاد ليتش تصنيف األفعال اللغوية عند سريل حسب الوظيفة اإلجنازية‪،‬‬
‫وصنف األفعال اللغوية يف درجات سلمية‪ ،‬وف ًقا لوظيفة كل صنف وعالقته‬
‫هبدف اخلطاب االجتماعي األساس‪ ،‬وهو أتسيس اجملاملة واحملافظة عليها‪،‬‬
‫من خالل استحضار مبدأ التأدب يف أثناء أدائها لوظيفتها اإلجنازية‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫فاستقرت األفعال يف أربع درجات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1-‬التنافس ‪ Competitive:‬يغلب فيها اهلدف اإلجنازي اهلدف‬
‫االجتماعي‪ ،‬مثل األمر والسؤال‪.‬‬
‫‪2-‬املناسبات ‪ Convivial:‬يتطابق فيها اهلدفان‪ ،‬مثل التهنئة والدعوة‬
‫والشكر والتحية‪.‬‬
‫‪3-‬التعاون ‪ Collaborative:‬ال تتأثر أهدافها ابألهداف االجتماعية‪،‬‬
‫مثل التبليغ والتعليمات‪.‬‬
‫‪4-‬التعارض ‪ Conflictive:‬تتعارض أهدافها مع األهداف االجتماعية‪،‬‬
‫مثل التهديد واالهتام‪.‬‬

‫‪3. 2-‬نقد مبدأ التأدب األقصى‪:‬‬


‫يفضل مبدأ التأدب األقصى مبدأ التواجه من جهة اعتباره للبعد التقريب من العمل‬
‫التهذييب اخلاص ابملخاطبة‪ ،‬ولكن هذا التقارب يشوبه امليل إىل التظاهر والنزعة إىل‬
‫الغرضية مبقتضى أمرين اثنني‪:‬‬
‫مؤداب ابلنسبة‬
‫أ‪ -‬اخلاصية الالتناظرية ملفهوم التأدب األقصى‪ ،‬وذلك أن كل ما كان ً‬
‫للمخاطب فهو غري مؤدب ابلنسبة للمتكلم‪ ،‬وما حسن يف حق أحدمها قبح يف‬
‫حق اآلخر‪ ،‬وهذا جيعل من التأدب حمل تنازع بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬والتأدب‬
‫الصادق من شأنه أن ينتفع به الطرفان وال يتضرر به أي منهما‪.‬‬
‫ب‪ -‬خاصية الربح واخلسارة ملفهوم اللباقة والسخاء‪ ،‬وذلك أن األقوال واألفعال اليت‬
‫أييت هبا املتكلم واملخاطب تقدر حبسب الفائدة اليت تدرها‪ ،‬وهذا التصور جيعل من‬
‫عمال أشبه ابملعامالت التجارية منه ابلتعامل األخالقي‪،‬‬‫العمل التهذييب للتخاطب ً‬
‫واملفرتض أن العمل التهذييب اخلالص من شأنه أن يقوم على القيم واملعايري املعنوية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪4-‬مبدأ التصديق لطه عبد الرمحن‪:‬‬
‫أسهم طه عبد الرمحن املغريب يف نقد املبادئ احلوارية الغربية وإضافة مبدأ حواري‬
‫جديد إىل مبادئ احلوار السابقة‪ ،‬وأطلق عليه (مبدأ التصديق) وصاغ هذا املبدأ يف‬
‫قوال ال يصدقه فعلك"‪ ،‬وأشار إىل أن هذا املبدأ الراسخ يف‬‫عبارة‪" :‬ال تقول لغريك ً‬
‫صورا خمتلفة منها "مطابقة القول للفعل" و"تصديق العمل‬ ‫الرتاث اإلسالمي اختذ ً‬
‫للكالم"‪،‬‬
‫وذكر أن هذا املبدأ ينبين على عنصرين اثنني‪:‬‬
‫‪1-‬العنصر األول (نقل القول) ويتعلق مبا أمساه اجلانب التبليغي من املخاطبة‪.‬‬
‫‪2-‬العنصر الثاين (تطبيق القول) ويتعلق مبا أمساه اجلانب التهذييب من املخاطبة‪.‬‬
‫وفرع على مبدأ التصديق يف جانبه التبليغي قواعد مستمدة من املاوردي (‪450‬ها)‬ ‫ّ‬
‫يف كتابه أدب الدنيا والدين‪ ،‬وأطلق عليها (قواعد التواصل) وتتمثل يف‪:‬‬
‫أ‪ -‬ينبغي للكالم أن يكون لداع يدعو إليه‪ ،‬إما يف اجتالب نفع أو دفع ضرر‪.‬‬
‫ب‪ -‬ينبغي أن أييت املتكلم به يف موضعه ويتوخى به إصابة فرصته‪.‬‬
‫ج‪ -‬ينبغي أن يقتصر من الكالم على قدر حاجته‪.‬‬
‫د‪ -‬جيب أن يتخري اللفظ الذي به يتكلم‪.‬‬

‫احملدثني‪ ،‬فذكر أن القاعدة األوىل‬


‫وربط طه عبد الرمحن بني هذه القواعد وقواعد َ‬
‫تقوم مقام مبدأ التعاون‪ ،‬والقاعدة الثانية تنزل منزلة قاعدة العالقة‪ ،‬والقاعدة الثالثة‬
‫تقوم مقام قاعدة الكم‪ ،‬والقاعدة الرابعة تنزل منزلة قاعدة اجلهة‪.‬‬
‫أيضا جبانب ذلك قواعد أخرى تتفرع على مبدأ التصديق وهي ما أطلق عليه‬ ‫وذكر ً‬
‫(قواعد التعامل) وتتعلق ابجلانب التهذييب ملبدأ التصديق‪ ،‬وهذه القواعد من نتاج‬
‫استقرائه لكتب الرتاث اإلسالمي العريب ومنها مثال إحياء علوم الدين للغزايل‪،‬‬
‫وتتمثل هذه القواعد يف‪:‬‬
‫‪121‬‬
‫أ‪ -‬قاعدة القصد‪ :‬لتتفقد قصدك يف كل قول تلقي به إىل الغري‪.‬‬
‫ب‪ -‬قاعدة الصدق‪ :‬لتكن صادقًا فيما تنقله إىل غريك‪.‬‬
‫متجردا من أغراضك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ج‪ -‬قاعدة اإلخالص‪ :‬لتكن يف توددك للغري‬

‫ويشري طه عبد الرمحن إىل أن هذه القواعد التهذيبية تتضمن ما تقرر يف قواعد‬
‫التأدب وقواعد التواجه‪ ،‬مع احرتازها من الوقوع فيما وقعت فيه من قصور‪.‬‬

‫فقاعدة القصد يرتتب عليها أمران أساسيان ‪:‬‬


‫‪1-‬وصل املستوى التبليغي ابملستوى التهذييب للمخاطبة‪ :‬فإن املتكلم مىت تبني‬
‫حقيقة قصده من قوله‪ ،‬أمثر عنده هذا التبني نتيجتني تقوم أحدمها يف تعني وظيفته‬
‫العملية أو قل حتدد مسؤوليته األخالقية‪ ،‬وتقوم النتيجة الثانية يف صيانة قوله عن‬
‫اللغو جبعله يعمل عمله يف إفادة املخاطب املعىن املقصود منه‪ ،‬وواضح أن النتيجة‬
‫األوىل متعلقة ابجلانب التهذييب والنتيجة الثانية متعلقة ابجلانب التبليغي‪.‬‬

‫‪2-‬إمكان اخلروج عن الداللة الظاهرة للقول‪ :‬فإذا كان التعويل على القصد جاز‬
‫أن يتفاوت مقصود القول مع مضمونه‪ ،‬فال يتسارع إىل فهم املخاطب‪ ،‬فيحتاج‬
‫املخاطب إىل الدخول يف العمل وحتمل مسؤولية املراد من القول كما حتمله املتكلم‬
‫نظرا ألن املتكلم قد بلغه إليه بطريق التلميح ال بطريق التصريح‪،‬‬ ‫يف تفقده ملقصده؛ ً‬
‫فيكون املخاطب مطالَبًا بتعقبه مبعونة القرائن املقالية واملقامية اليت تتعلق ابلقول‪ ،‬من‬
‫غري أن حيصل له اليقني أبنه عني مقصود املتكلم‪ ،‬وال أيمن رد املتكلم له‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن قاعدة القصد أتخذ بعنصر العمل من اجلانب التهذييب‪ ،‬سواء من‬
‫جهة املتكلم أو من جهة املخاطب‪ ،‬فتكون بذلك متميزة عن مبدأ التأدب لا‬

‫‪122‬‬
‫(الكوف ‪).‬‬
‫أما قاعدة الصدق فتقضي مبمارسة الصدق يف مستوايت ثالثة‪:‬‬
‫‪1-‬الصدق يف اخلرب‪ :‬أن حيفظ املتكلم لسانه عن إخبار املخاطب أبشياء على‬
‫خالف ما هي عليه‪.‬‬
‫‪2-‬الصدق يف العمل‪ :‬أن يصون سلوكه عن إشعار املخاطب أبوصاف هي على‬
‫خالف ما يتصف به‪.‬‬
‫‪3-‬مطابقة القول للفعل‪ :‬أن حيفظ لسانه وسلوكه عن إشعار املخاطب بوجود‬
‫تفاوت بينهما‪.‬‬

‫ويرتتب على هذه األصناف من الصدق أفضليات ثالثة‪:‬‬


‫أ‪ -‬أن يفعل املتكلم ما مل يقل أفضل له من أن يقول ما مل يفعل‪.‬‬
‫فعل املتكلم قولَه أفضل له من أن يسبق قولمه فعلَه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يسبق م‬
‫ج‪ -‬أن يكون املتكلم أعمل مبا يقول أفضل له من أن يكون غريه أعمل به‪.‬‬

‫وملا كانت قاعدة الصدق شاملة للجوانب الثالثة‪ :‬القول والفعل والصلة بينهما‪،‬‬
‫فإهنا أتيت يف مبدأ التصديق اإلسالمي متفرعة على اجلانب التهذييب منه‪ ،‬بينما أتيت‬
‫يف غريه متفرعة على اجلانب التبليغي‪ ،‬كما هو الشأن ابلنسبة لاا(قاعدة الكيف)‬
‫املشتقة من مبدأ التعاون لا (جرايس)‪ ،‬واليت اقتصرت على ضبط جانب الصدق يف‬
‫اخلرب وحده؛ مث إن مشول قاعدة الصدق هو الذي حذا ابملاوردي (‪450‬ها) إىل‬
‫إسقاطها من قواعده التبليغية وإيرادها يف ابب التهذيب‪ .‬ومىت حتقق املتكلم‬
‫ابلصدق يف اخلرب والصدق يف العمل والصدق يف مطابقة قوله لفعله‪ ،‬انفتح ابب‬
‫التواصل الصادق بينه وبني املخاطب وتزايدت أسباب التقارب بينهما‪.‬‬
‫وهكذا يظهر أن قاعدة الصدق تدخل عنصر التقرب بوجه ال يستقيم ملبدأ التواجه‪،‬‬
‫‪123‬‬
‫ذلك أن املبدأ األخري يقوم على طلب التقرب من جهة احلد من وعيد األقوال‬
‫وهتديد األفعال‪ ،‬بينما قاعدة الصدق تنبين على طلب التقرب من جهة الزايدة من‬
‫صدق األقوال واألفعال وصدق املطابقة بينهما‪.‬‬
‫أما قاعدة اإلخالص فتقضي أبن يقدم املتكلم حقوق املخاطب على حقوقه‪ ،‬وتنبين‬
‫هذه احلقوق على التجرد املتبادل عن أسباب التنازع كاألغراض وغريها‪ ،‬كما تنبين‬
‫على التأدب املتبادل‪ ،‬ويتجلى التبادل يف التجرد عن األغراض والتبادل يف التأدب‬
‫يف استعداد كل منهما ألن ينسب إىل اآلخر الوصفني التاليني‪:‬‬
‫أ‪ -‬إنه أكرب قدرة على االنفكاك عن موانع التقرب‪.‬‬
‫اتباعا للمعايري األخالقية‪.‬‬
‫ب‪ -‬إنه أكثر ً‬

‫فيؤدي الوصف األول إىل التنافس يف التجرد‪ ،‬ويؤدي الوصف الثاين إىل التنافس يف‬
‫قدما إىل حتقيق معىن اإلخالص يف‬‫التخلق‪ ،‬فيسري بفضلهما املتكلم واملخاطب ً‬
‫خماطباهتما‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن قاعدة اإلخالص ابنبنائها على التنافس يف التخلق‪ ،‬تورث تقارًاب‬
‫وخالصا‪ ،‬بينما التأدب األقصى ابنبنائه على التنازع يف احلقوق والتنازع يف‬
‫ً‬ ‫صادقًا‬
‫ومشواب ‪.‬‬
‫ً‬ ‫مشتبها‬
‫ً‬ ‫التأدب يورث تقرًاب‬

‫وخيلص طه عبد الرمحن من دراسته ملبادئ احلوار إىل نتائج تتمثل يف‪:‬‬
‫‪1-‬التخاطب بنية تفاعلية تقوم على ضربني من املبادئ‪ :‬مبادئ تواصلية وأخرى‬
‫تعاملية‪.‬‬
‫‪2-‬أهم املبادئ اليت تقررت عند املشتغلني ابلنظر يف الكالم اإلنساين مخسة‪( :‬مبدأ‬
‫التعاون) و(مبدأ التأدب) و(مبدأ التواجه) و(مبدأ التأدب األقصى) و(مبدأ‬
‫التصديق) وتتفاضل هذه املبادئ فيما بينها‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫‪3-‬مبدأ التأدب يفضل مبدأ التعاون بتقعيده للجانب التهذييب‪.‬‬
‫‪4-‬مبدأ التواجه يفضل مبدأ التأدب بتعرضه لعنصر العمل من اجلانب التهذييب‪.‬‬
‫‪5-‬مبدأ التأدب األقصى يفضل مبدأ التواجه؛ لوقوفه على وظيفة التقرب من الغري‬
‫اليت يؤديها العمل‪.‬‬
‫‪6-‬مبدأ التصديق يفضل مبدأ التأدب األقصى؛ ألنه يقوم بشرطي التقرب من‬
‫الغري‪ ،‬ومها الصدق واإلخالص‪.‬‬
‫مجيعا (مبدأ التصديق) وهو األصل الذي تقرر يف‬
‫‪7-‬أفضل املبادئ وأكملها ً‬
‫املمارسة الرتاثية اإلسالمية العربية‪.‬‬

‫جمدي عمارة‬
‫‪https://www.facebook.com/groups/PRAMGM/permalink/2276462229235082/‬‬

‫‪125‬‬
126

You might also like