You are on page 1of 5

‫المحاضرة الثانية‪ :‬معايير النصية‬

‫يع د كت اب "النص والخط اب واإلج راء" لروب رت دي بوغران د مرحل ة متقدم ة من‬
‫النض ج في البحث اللس اني النص ي الس يما في معالج ة مع ايير التنص يص‪ ،‬وأص بح النص‬
‫نصا بتوفر سبعة معايير محددة ال يمكن االستغناء عن أي منها‪ ،‬وكلما تخلف عنصر منها‬
‫لم يتمكن النت اج اللغ وي من ال دخول في مرتب ة النص النم وذج اإلنس اني للتواص ل‪ ،‬ونظ را‬
‫ألهميتها نوردها موجزة فيما يلي مع تفصيل في معيار االنسجام في الفصول الالحقة ألنه‬
‫المحور الذي تدور حوله الدراسة برمتها‪.‬‬
‫‪-2-1‬التماسك الشكلي أو االتساق ‪:Cohesion‬‬
‫ويترجم ه بعض الب احثين التض ام‪ ،‬وه و ي ترتب على إج راءات يب دو به ا الش كل‬
‫الخ ارجي للنص مترابط ا كبن اء العب ارات والجم ل‪ ،‬واس تعمال الض مائر‪ ،‬واإلحال ة‪ ،‬وغ ير‬
‫ذلك مما يجعل النص متماسكا من الوجهة العامة اللفظية أو الشكلية (‪ ،)1‬يدخل في دراسة‬
‫السبك إذن عملية السبك اللفظي المتصلة بالترادف والتقابل واألشكال البديلة‪ ،‬والضمائر‪،‬‬
‫واإلحالة‪ ،‬وأدوات الربط‪ ،‬والحذف‪.‬‬
‫‪-2-2‬االنسجام‪Coherence :‬‬
‫وه و يش تمل على اإلج راءات المس تعملة في إث ارة عناص ر المعرف ة من مف اهيم وعالق ات‪،‬‬
‫منها عالقات منطقية كالسببية (‪ ،)2‬ومنها معرفة كيفية تنظيم الحوادث‪ ،‬ومنها أيضا محاولة‬
‫توف ير االس تمرارية في الخ برة البش رية‪ ،‬وتق ديم معلوم ات عن األح داث واألعم ال‬
‫(‪)3‬‬
‫وب ذلك يع ني الحب ك الرب ط المعن وي‪ ،‬وتنظيم العالق ات بين‬ ‫والموض وعات والمواقف‬
‫المعاني التي يريد المبدع التعبير عنها‪ ،‬وإ ثارة المعرفة والخبرة اإلنسانية لدى المتلقي‪.‬‬
‫هن اك ش بكة من المف اهيم والعالق ات اللغوي ة تش كل ع الم النص‪ ،‬تتمث ل العالق ات‬
‫اللغوي ة في التفس ير‪ ،‬والتعلي ل‪ ،‬والتوكي د‪ ،‬والتعلي ق الش رطي‪ ،‬والتع اقب‪ ،‬والمعي ة‪ ،‬والتت ابع‬
‫الزمني‪ ،‬والجمع بين األشياء واالستدراك واإلضراب وا‬

‫‪10‬‬
‫لعموم والخصوص والمناسبة والتخطيط على مستوى البنى الصغرى والبنية الكبرى‪ .‬هذه‬
‫العالقات يكون لها وجود في نفس المبدع‪ ،‬ويحاول نقل هذا الوجود إلى المتلقي‪ ،‬والمتلقي‬
‫يشارك المبدع في تكوين شبكة العالقات هذه بصورة أخرى تنطبق مع خبراته المرتبطة‬
‫بموضوع النص‪.‬‬
‫فما يقدمه الناص المبدع نص لغوي‪ ،‬يثير قضايا ومفاهيم في ضوء عالقات معين ة ه ذه‬
‫العالق ات ال وج ود له ا على مس توى األلف اظ‪ ،‬ب ل يتح دد وجوده ا على أس اس من إدراك‬
‫عوالم النص‪ ،‬ولذا المتلقي النموذجي إذا كان تفكيره‪ ،‬وكانت ثقافته مغايرة للمبدع المنتج؛‬
‫فإن فهمه وتقبله للنص سوف يختلف عما يقصد إليه المنتج‪.‬‬
‫‪-2-3‬القصدية ‪-Intentionality2-4‬المقبولية ‪:Acceptability‬‬
‫وقد جمعت المعيارين معا؛ ألن كال منهما مرتبط باآلخر‪ ،‬فكالهما يتحدث عن الهدف الذي‬
‫من أجل ه تم إنش اء الرس الة (النص) وم دى احتوائه ا على التماس ك والتراب ط‪ ،‬أو التماس ك‬
‫والحب ك‪ ،‬فالقص دية ‪ Intentionality‬في أق رب تعريفاته ا تع ني قص دية المنتج توف ير‬
‫التض ام والتق ارن في النص‪ ،‬وأن يك ون أداة لخط ة موجه ة إلى ه دف‪ .‬والتقبلية‬
‫‪ Acceptability‬تع ني تقبلي ة المس تقبل للنص باعتب اره متض اما ذا نف ع للمس تقبل‪ ،‬أو ذا‬
‫صلة ما به(‪.)4‬‬
‫القص دية إذن تتن اول ثالث ة أم ور‪ ،‬هي اله دف من إنش اء الرس الة‪ ،‬وتوف ير الس بك‬
‫والحبك‪ ،‬توجيه النص بما يحويه من السبك والحبك لتحقيق الهدف من إنشاء الرسالة‪.‬‬
‫والتقبلية أو المقبولية أيضا تتناول ثالثة أمور‪ ،‬هي ارتباط الهدف بالمستقبل‪ ،‬كون الرسالة‬
‫مسبوكة محبوكة‪ ،‬تفسير الرسالة بما تتضمنه من السبك والحبك بأنها تتضمن شيئا ذا صلة‬
‫بالمستقبل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن ثم فهناك عنصران مشتركان بين القصدية والتقبلية‪ ،‬هما كون الرسالة مسبوكة‬
‫محبوك ة‪ ،‬وك ون الرس الة ذات ه دف‪ ،‬وبقي أن تنف رد القص دية برغب ة المب دع في تحقي ق‬
‫الهدف لدى المتلقي‪ ،‬وتفسير المتلقي لهذا الهدف بما يرتبط به‪.‬‬

‫‪-2-5‬التناص‪Intertextualite :‬‬
‫ُع ّرف التن اص اص طالحا بأن ه‪« :‬الوق وف على حقيق ة التفاع ل الواق ع في النص في‬
‫(‪.)5‬‬
‫استعادتها أو محاكاتها لنصوص –أو األجزاء‪-‬من نصوص سابقة عليها»‬
‫وع ّرف هذا المفهوم أيضا بأنه‪« :‬تفاعل النص في نص بعينه» (‪.)6‬‬
‫ُ‬
‫التن اص به ذين التع ريفين يتض من العالق ة بين نص م ا ونص وص أخ رى ذات ص لة‪ ،‬تم‬
‫التعرف إليها في خبرة سابقة‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه في النقد العربي التأثر‪ ،‬أو التضمين‪ ،‬أو‬
‫االقتب اس‪ ،‬كم ا يق ترب من ه مفه وم المعارض ات الش عرية‪ ،‬واله دف من ه الس يطرة الحجاجي ة‬
‫على ذهن المتلقي بم ا س بق من نص وص وبن اء النص الجدي د ال ذي يخ رق أف ق توق ع ذل ك‬
‫المتلقي‪.‬‬
‫‪-2-6‬اإلعالمية< ‪:Informativity‬‬
‫تعني اإلعالمية الجدة في الخبر المطروح‪ ،‬وعدم توقع المتلقي استقبال هذا الخبر‬
‫به ذا الش كل‪ ،‬أو بتل ك النس بة (‪ ،)7‬ومن ثم تتش كل درج ة اإلعالمي ة وتختل ف ب اختالف ثقاف ة‬
‫المتلقي ومدى استعداده لتوقع الخبر‪ ،‬كما تعتمد على مستوى الغموض التوقعي في تفسير‬
‫النص‪.‬‬
‫وانطالق ا من إس تراتيجية بن اء الخط ط المعلومي ة ب النظر إلى المتلقي المس تهدف من العملي ة‬
‫(‪)8‬‬
‫هي العليا والدنيا‬ ‫النصية رصدت اللسانيات النصية ثالثة أنواع على األقل من اإلعالمية‬
‫والخارجية‪ ،‬فالعليا يكون توقع الخبر فيها ضئيال‪ ،‬والدنيا يكون توقع الخبر فيها كبيرا‪ ،‬أما‬

‫‪12‬‬
‫الخارجي ة فتك ون نس بة توق ع الخ بر المط روح معدوم ة‪ ،‬ويمث ل ه ذا الخ بر ص دمة للمتلقي‪،‬‬
‫ويحاول تفسير هذا الخبر بالرجوع إلى الخلف أو بما يتلوه من بقية النص‪.‬‬
‫‪ -2-7‬الموقفية‪: Situationality‬‬
‫تش تمل الموقفي ة "الس ياق" على العوام ل ال تي تجع ل النص ذا ص لة بموق ف ح الي‪،‬‬
‫أو بموق ف قاب ل لالس ترجاع(‪ ،)9‬وهي في مفهومه ا الع ام تع ني الظ روف المحيط ة بعملي ة‬
‫اإلب داع وعملي ة التلقي‪ ،‬ف إذا ك ان الخط اب مباش را في مواجه ة المتلقي‪ ،‬فهن اك كث ير من‬
‫التوافق في الموقفية‪ ،‬إما إذا كان الخطاب غير مباشر؛ كأن يكون رسالة مكتوبة مثال كما‬
‫في ح ال قص يدتنا‪ ،‬ف إن الظ روف المحيط ة بعملي ة اإلب داع ق د تختل ف كث يرا أو قليال عن‬
‫الظ روف المحيط ة بعملي ة التلقي‪ ،‬وهن ا قد يتحول المتلقي إلى مبدع من ن وع خاص‪ ،‬فتقع‬
‫عليه مسئولية إعادة قراءة النص في ضوء تخيله للظروف المحيطة باإلبداع‪ ،‬كما أن عليه‬
‫أيضا أن يقوم بتخيل مالمح الوجه‪ ،‬والمصاحبات اللغوية األخرى‪ ،‬كما أن عليه أن يحاول‬
‫معرف ة ط رق تنغيم ه ذه الرس الة‪ ،‬وم واطن الوق ف أو الس كت‪ ،‬وعلي ه أن يتخي ل بعض‬
‫األس ئلة ال تي تجيب عنه ا الرس الة في بعض فقراته ا‪ ،‬وعلي ه أيض ا مالحظ ة درج ة انفع ال‬
‫المب دع في بعض المواق ف‪ ،‬وخف وت ه ذا االنفع ال في مواض ع أخ رى؛ ليتمكن من معرف ة‬
‫استراتيجيات الخطاب المستعملة في إنشاء النص‪.‬‬
‫إن العوام ل النفس ية واالجتماعي ة له ا دور كب ير في إب داع النص والت أثير في ه‪ ،‬وال‬
‫يمكن بحال إغفالها في تحليل النص‪ ،‬يقول دي بوجراند‪« :‬ينبغي للنص أن يتصل بموقف‬
‫يك ون في ه ‪ Situation of Occurrence‬تتفاع ل في ه مجموع ة من المرتك زات‬
‫‪ Strategies‬والتوقع ات ‪ Expectations‬والمع ارف‪ Knowledge‬وه ذه البيئ ة الش ائعة‬
‫تسمى سياق الموقف ‪.)10(»Context‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ،‬النص والخطاب واإلجراء‪ ،‬ص‪ ،103 :‬ص‪ ،11 :‬و حسام أحمد فرج‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪ ،‬نظرية علم النص رؤية منهجية في بناء النص‬ ‫‪1‬‬

‫النثري‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص‪.78 :‬‬


‫‪ -‬علم لغة النص النظرية والتطبيق ‪ ،‬ص‪.121 ،120 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مدخل إلى علم لغة النص تطبيقات لنظرية روبرت دي بوجراند و ولفجانجدرسلر‪ ،‬إلهام أبوغزالة وعلي خليل حمد ‪ ، ،‬إعداد مركز نابلس‬ ‫‪3‬‬

‫للكومبيوتر‪ ،‬مطبعة دار الكتاب‪ ،‬ط‪ ،1992 ،1‬ص‪ ،12 ،11 :‬والنص والخطاب واإلجراء‪ ،‬ص‪.103 :‬‬
‫‪ -4‬ينظر‪ ،‬مدخل إلى علم لغة النص‪ ،‬ص‪ ،12 :‬والنص والخطاب واإلجراء‪ ،‬ص ‪.104 ،103‬‬
‫‪ -‬التناص سبيال إلى دراسة النص الشعر بمجلة فصول‪ ،‬شربل داغر‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬المجلد ‪ ،16‬العدد ‪ ،01‬القاهرة‪،1997 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص‪.127 :‬‬
‫‪ -‬التناص سبيال إلى دراسة النص الشعر بمجلة فصول‪ ،‬شربل داغر‪ ،‬ص‪.128 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬ينظر ‪ ،‬مدخل إلى علم لغة النص‪ ،‬ص‪.184 ،12 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص‪.187 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ -9‬نفسه‪ ،‬ص‪ ،11 :‬و ينظر‪ ،‬النص والخطاب واإلجراء‪ ،‬ص‪.104 :‬‬
‫‪ -10‬النص والخطاب واإلجراء‪ ،‬ص‪.91 :‬‬

You might also like