You are on page 1of 38

‫معاين األذكار‬

‫ثالث� ًا ومعنى «يلبس�ها» أي خيلطها ويش�كّكني فيها ومعنى «حال‬


‫بين�ي وبينه�ا) أي نكّدين فيها‪ ،‬ومنعن�ي ّ‬
‫لذتا‪ ،‬والفراغ للخش�و ِع‬
‫فيها»)‪.(1‬‬

‫«أس�تغفر‬ ‫ِ‬
‫صالته قال‪:‬‬ ‫ان�رصف م�ن‬
‫َ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫السال ُم‪،‬‬ ‫َ‬
‫ومنك ىّ‬ ‫السال ُم‪،‬‬
‫أنت ىّ‬
‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫أس�تغفر اهللَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أس�تغفر اهللَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اهللَ‪،‬‬
‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرامِ»(()‪.‬‬ ‫تباركت ذا‬
‫َ‬

‫وإن�ام ُرشع لإلنس�ان س�ؤال المغف�رة بع�د أداء ه�ذه العب�ادة‬


‫فرط‬
‫وكثري من الناس ُي ِّ‬
‫ٌ‬ ‫العظيمة؛ ألهنا جديرة باالعتناء واالهتامم‪،‬‬
‫فيه�ا‪ ،‬إما يف المرشوع�ات ال ّظاهرة‪ ،‬أو يف المرشوع�ات الباطنة‪.‬‬
‫الوس�واس‬
‫ُ‬ ‫يفرط تفريط ًا كثري ًا فيس�تويل‬
‫ففي المرشوعات الباطنة ِّ‬
‫ع�ىل صالت�ه أو أكثره�ا‪ ،‬ويف المرشوعات ال ّظاه�رة أيض ًا ال خيلو‬
‫قر يف َوض� ِع اليدين‪ ،‬وربام‬
‫اإلنس�ان من تقص�ري أو تاوز‪ ،‬ربام ُي ِّ ُ‬
‫التفت يف صالته‪ ،‬ور َّبام أكثر من احلركة يف الصالة لغري حاجة‪ ،‬كام‬
‫يشاهد ِمن بعض المص ِّلني‪.‬‬

‫وهذا ك ُّله ِمن الش�يطان‪ ،‬يريد أن يش�غل المص�يل ويلهيه وهو‬


‫الصالة‬
‫ب�ني ي�دي ربه‪ ،‬ويذكّره اليشء فيش�غله به‪ ،‬فإذا انته�ى من َّ‬
‫أنساه إ ّياه‪ ،‬حتى تأيت الصالة الثانية ثم يذكّره فيشغله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وق�د ذكر ابن اجلوزي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن رجال جا َء إىل أيب حنيفة‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)190/14‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)591‬‬

‫‪116‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فش�كا ل� ُه أنه دفن ماال يف موضع وال يذك�ر الموضع‪ ،‬فقال له أبو‬
‫فصل ال ّليلة إىل الغداة فإنّك س�تذكره إن ش�ا َء اهلل‬
‫حنيف�ة‪ :‬اذه�ب ِّ‬
‫تع�اىل‪ .‬ففعل الرج�ل ذلك‪ ،‬فلم يمض ّإال أقل من ربع ال ّليل حتّى‬
‫ذك�ر الموضع‪ ،‬فج�اء إىل أيب حنيفة فأخر ُه‪ ،‬فق�ال‪ :‬قد علمت أن‬
‫الش�يطان ال يدعك تصيل حتّى تذكره‪ّ ،‬‬
‫فهال أمتمت ليلتك ش�كرا‬ ‫ّ‬
‫هلل عز وجل!)‪.(1‬‬

‫الس�الم له مناسب ٌة‬


‫والمقصود اإلش�ارة إىل أن االس�تغفار بعد َّ‬
‫ر التقصري واخلل�ل الذي حص�ل يف الصالة‪،‬‬
‫واضح�ة‪ ،‬وه�ي َج� ُ‬
‫نسأل اهلل المغفرةَ‪.‬‬

‫الس�ال ُم‪،‬‬
‫الس�الم ومنك َّ‬
‫«اللهم أنت َّ‬
‫َّ‬ ‫ثم يقول بعد الس�تغفار‪:‬‬
‫تباركت يا ذا اجلالل واإلكرام»‪.‬‬

‫الس�الم‪،‬‬
‫اللهم أنت َّ‬
‫َّ‬ ‫والمناس�بة يف هذا ظاه�رة‪ ،‬كأنك تقول‪:‬‬
‫ال�ر ِّد والن ِ‬ ‫ِ‬
‫الص�ال َة قد تُقبل وقد ال‬
‫َّقص؛ ألن َّ‬ ‫فس� ِّلم يل صاليت من َّ‬
‫تُقبل‪ ،‬وقد ُيكتب له بعضها و ُي َر ّد عليه بعضها‪.‬‬

‫قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ي�ارس‬ ‫ع�امر بن‬
‫ك�ام روى اإلم�ام أمح�د )‪ (18415‬عن ّ‬
‫يكتب‬
‫ُ‬ ‫الصال َة ما‬ ‫ّ‬
‫ليصيل ّ‬ ‫«إن العبدَ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫س�معت‬
‫ُ‬
‫ل ُه منها ّإال عرشها تس�عها ثمنها سبعها سدسها مخسها ربعها ثلثها‬
‫نصفها»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬األذكياء (ص‪.)76‬‬


‫)‪ (2‬حسنه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)1626‬‬

‫‪117‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ثم يقول بعد ذلك أذكار التسبيح والتحميد والتكبري والتهليل‪:‬‬

‫يتضمن نفي النّقائص عن‬


‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ّس�بيح أل ّن ُه‬
‫قال احلافظ‪« :‬البداءة بالت‬
‫الباري سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫يتضمن إثبات الكامل ل� ُه إذ ال يلزم من نفي‬


‫ّ‬ ‫ث�م التّحمي�د أل ّن ُه‬
‫َّ‬
‫النّقائص إثبات الكامل‪.‬‬

‫ث�م التّكب�ري إذ ال يلزم من نفي النّقائص وإثب�ات الكامل أن ال‬


‫َّ‬
‫يكون هناك كبري آخر‪.‬‬
‫ِ‬
‫ّهلي�ل الدّ ّال عىل انفراده س�بحانه وتع�اىل بجمي ِع‬
‫ثم خيت�م بالت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ذلك»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫الستخارة‪:‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ يع ّلمنا‬
‫ُ‬ ‫عب�د اهللِ ق�ال‪َ :‬‬
‫كان‬ ‫ب�ن ِ‬ ‫ِ‬
‫جاب�ر ِ‬ ‫ع�ن‬
‫القرآن‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫األمور ك ّلها كام يع ّلمنا ّ‬
‫الس�ور َة من‬ ‫االس�تخار َة يف‬
‫ثم ليقل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ركعتني من ِ‬ ‫ِ‬
‫غري الفريضة َّ‬ ‫باألمر فلريكع‬ ‫هم أحدكم‬ ‫«إذا َّ‬
‫َ‬
‫وأسألك من‬ ‫َ‬
‫بقدرتك‪،‬‬ ‫َ‬
‫وأس�تقدرك‬ ‫َ‬
‫بعلمك‪،‬‬ ‫َ‬
‫أس�تخريك‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬
‫وأنت‬
‫أعلم‪َ ،‬‬ ‫وتعل�م ول ُ‬
‫ُ‬ ‫أقدر‪،‬‬
‫تق�در ول ُ‬‫ُ‬ ‫فضل�ك العظي�مِ‪ ،‬فإن َ‬
‫ىّك‬ ‫َ‬
‫خري يل يف ديني‬
‫األمر ٌ‬
‫أن ه�ذا َ‬ ‫تعلم َّ‬
‫كنت ُ‬‫اللهم إن َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الغي�وب‪،‬‬ ‫ىّ‬
‫ع�ال ُم‬
‫ِ‬
‫وآجل�ه‪ -‬فاقدر ُه يل‬ ‫ِ‬
‫عاجل أمري‬ ‫ِ‬
‫وعاقبة أم�ري ‪-‬أو قال‬ ‫ومع�ايش‬

‫)‪ (1‬فتح الباري (‪.)328/2‬‬

‫‪118‬‬
‫معاين األذكار‬

‫رش يل يف‬ ‫وي�رسه يل ث�م ب�ارك يل ِ‬


‫األمر ٌّ‬
‫أن ه�ذا َ‬
‫تعلم َّ‬
‫كنت ُ‬ ‫فيه‪ ،‬وإن َ‬ ‫َّ‬ ‫ىّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاجل أم�ري وآجله‪-‬‬ ‫ِ‬
‫دين�ي ومع�ايش وعاقبة أم�ري ‪-‬أو ق�ال يف‬
‫ث�م‬
‫كان‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫حي�ث َ‬ ‫اخل�ري‬
‫َ‬ ‫فارصف� ُه عنىّ�ي وارصفن�ي عن� ُه‪ ،‬واق�در يل‬
‫ويسمي حاجت ُه»)‪.(1‬‬
‫ىّ‬ ‫أرضني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫األم�ور ك ّله�ا ك�ام يع ّلمنا‬ ‫«كان يع ّلمن�ا االس�تخار َة يف‬
‫قول�ه‪َ :‬‬
‫السورة من القرآن»‪.‬‬
‫ّ‬
‫«فيه إش�ارة إىل االعتناء التّا ّم البال�غ هبذا الدّ عاء‬ ‫ق�ال ال ّطيب�ي‪ِ :‬‬
‫ُّ‬
‫للفريضة والقرآن»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تلوين‬ ‫الصالة؛ جلعلهام‬ ‫ِ‬
‫وهذه ّ‬
‫الة عىل الدّ ِ‬
‫عاء َّ‬
‫أن‬ ‫وق�ال ابن أيب جرةَ‪« :‬احلكم ُة يف تقدي� ِم الص ِ‬
‫ّ‬
‫خريي الدّ ني�ا واآلخرة‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫حصول اجلم ِع َ‬
‫ب�ني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باالس�تخارة‬ ‫الم�را َد‬
‫أنجح‬ ‫أنج�ع وال‬ ‫َ‬
‫لذلك‬ ‫المل�ك‪ ،‬وال يش َء‬‫ِ‬ ‫فيحت�اج إىل ق�ر ِع ِ‬
‫باب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واالفتقار ِ‬
‫إليه مآالً‬ ‫ِ‬ ‫عليه‬ ‫الة؛ ملا فيها من تعظي ِم اهللِ وال ّث ِ‬
‫ناء ِ‬ ‫م�ن الص ِ‬
‫َ ّ‬
‫وحاالً»)‪.(2‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫«فع�و َض‬


‫ّ‬ ‫وق�ال اب�ن القي�م ‪-‬رمح�ه اهلل‪:-‬‬
‫زج�ر ال ّط ِري‬
‫ِ‬ ‫أهل اجلاهلي ِ‬
‫�ة من‬ ‫ِ‬
‫علي�ه ُ‬ ‫ع�ام َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫أ ّمت� ُه هب�ذا الدّ ع�اء‪ّ ،‬‬
‫كان يفعلها‬ ‫هذه القرع ُة ا ّلت�ي َ‬‫واالستقس�ا ِم باألزال ِم ا ّلذي نظ�ريه ِ‬
‫ُ‬
‫الغيب‪ ،‬وهلذا‬ ‫ِ‬ ‫قس�م هلم يف‬
‫َ‬ ‫علم ما‬ ‫َ‬
‫يطلبون هبا َ‬ ‫المرشكني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫إخ�وان‬
‫ِ‬
‫هو توحيدٌ‬ ‫وعوضهم هب�ذا الدّ عاء ا ّل�ذي َ‬‫ذلك استقس�ام ًا‪ّ ،‬‬ ‫س�م َي َ‬
‫ّ‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪.)1166‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)185186/11‬‬

‫‪119‬‬
‫معاين األذكار‬

‫اخل�ري ك ّل ُه ا ّلذي ال‬ ‫وس�ؤال ملن ِ‬


‫بيده‬ ‫ٌ‬ ‫وافتق�ار‪ ،‬وعبود ّي� ٌة‪ ،‬وتوك ٌّل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هو‪ ،‬ا ّلذي إذا َ‬
‫فتح‬ ‫الس ّيئات ّإال َ‬‫يرف ّ‬
‫ُ‬ ‫هو‪ ،‬وال‬ ‫يأيت باحلسنات ّإال َ‬
‫لعبده رمح ًة مل يستطع أحدٌ حبسها عن ُه‪ ،‬وإذا أمسكها مل يستطع أحدٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ونحوه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واختيار ال ّطال ِع‬ ‫إرساهلا ِ‬
‫إليه‪ ،‬م َن الت ّ ِ‬
‫ّطري والتّنجي ِم‬
‫أهل الس ِ‬
‫عادة‬ ‫طالع ِ ّ‬‫الس�عيدُ ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الميمون ّ‬ ‫هو ال ّط ُ‬
‫الع‬ ‫فهذا الدّ عا ُء‪َ ،‬‬
‫الرش ِك‬ ‫طالع ِ‬
‫أهل ّ‬ ‫ِ‬
‫ّوفيق‪ ،‬ا ّلذي َن س�بقت هلم م َن اهلل احلسنى‪ ،‬ال ُ‬ ‫والت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واخل�ذالن‪ ،‬ا ّلذي� َن‬ ‫والش ِ‬
‫فس�وف‬
‫َ‬ ‫م�ع اهلل إهل� ًا َ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫َ‬
‫جيعل�ون َ‬ ‫�قاء‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫يعلمون‪.‬‬

‫واإلق�رار‬ ‫ِ‬
‫بوج�وده س�بحان ُه‪،‬‬ ‫اإلق�رار‬ ‫فتضم� َن ه�ذا الدّ ع�ا ُء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫واإلرادة‪ ،‬واإلقرار بربوبيته‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫كامل العل ِم والقدرةِ‬ ‫بصفات كامله من ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫واخلروج من‬ ‫إليه‪ ،‬واالس�تعان َة ِبه‪ ،‬والتّوك َّل ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫األمر ِ‬ ‫وتفويض ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫واع�رتاف ِ‬
‫العبد‬ ‫والقو ِة ّإال ِبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احل�ول‬ ‫ري م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عه�دة نفس�ه‪ ،‬وال ّت ّ‬
‫ِ‬
‫وإرادته هلا‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫وقدرته عليها‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس�ه‬ ‫ِ‬
‫بمصلحة‬ ‫ِ‬
‫علمه‬ ‫بعجزه عن‬ ‫ِ‬
‫وفاطره ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيد ول ّي ِه‬‫ذلك ك ّله ِ‬
‫احلق»)‪.(1‬‬
‫وإهله ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫***‬

‫صالة اجلنازة‪:‬‬
‫رشعت صالة اجلنازة للدعاء للميت والش�فاعة فيه‪ ،‬وقد روى‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫اس قال‪:‬‬ ‫مسلم )‪ (948‬عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫بن ع ّب ٍ‬

‫)‪ (1‬زاد المعاد (‪.)405/2‬‬

‫‪120‬‬
‫معاين األذكار‬

‫أربعون رج ً‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫جنازته‬ ‫يموت فيقو ُم عل‬
‫ُ‬ ‫رجل مس�ل ٍم‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪« :‬ما من‬
‫يرشكون باهللِ شيئ ًا ىّإل ش ىّفعهم اهلل ِ‬
‫فيه»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا ّ‬


‫ص�ىل ع�ىل‬ ‫ُ‬ ‫ق�ال‪َ :‬‬
‫كان‬ ‫وع�ن أيب هري�ر َة‬
‫«اللهم اغفر حل ىّينا وم ىّيتنا وش�اهدنا وغائبنا وصغرينا‬ ‫جنازة ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫فأحيه عل اإلس�ال ِم‬ ‫اللهم من أحييت ُه منىّا‬ ‫وكبرين�ا وذكرنا وأنثان�ا‪،‬‬
‫َّ‬
‫اللهم ل حترمنا أجر ُه ول تض ىّلنا‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫وم�ن تو ىّفيت ُه منىّا فتو ىّف ُه عل‬
‫بعد ُه»)‪.(1‬‬

‫«اللهم اغفر حل ّينا وم ّيتنا‪ :»...‬أي جلميع أحيائنا وأمواتنا معرش‬


‫َّ‬
‫المسلمني؛ ألن المفرد المضاف ‪-‬حيث ال عهد‪ -‬للعموم)‪.(2‬‬

‫وسئل الطحاوي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن معنى االستغفار للصغار مع‬


‫أنه ال ذنب هلم‪ ،‬فقال‪ :‬إن النبي ﷺ سأل ربه أن يغفر هلم الذنوب‬
‫التي قضيت هلم أن يصيبوها بعد االنتهاء إىل حال الكر‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬بل المراد بالصغار الشبان‪ ،‬وبالكبار الشيوخ‪.‬‬

‫وق�ال ابن حج�ر‪ :‬هذا اإلش�كال يف غري حمله‪ ،‬ألن�ه مبني عىل‬
‫مقدمة ُمت َّ َ‬
‫َومهة وهي أن طلب المغفرة تستدعي سبق ذنب‪ ،‬وليس‬
‫«ليغفر َ‬
‫ل�ك اهلل ما تقدّ َم من‬ ‫َ‬ ‫كذل�ك‪ ،‬ف�إن اهلل تعاىل قال لنبي�ه ﷺ‪:‬‬
‫ذنبك وما ّ‬
‫تأخ َر» مع أنه ﷺ معصوم‪.‬‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )3201‬والرتم�ذي (‪ )1024‬وابن ماجة (‪ ،)1498‬وصححه‬


‫األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬دليل الفاحلني (‪.)240/6‬‬

‫‪121‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فالص�واب‪ :‬أن طلبه�ا ال يس�تدعي ذنب�ا‪ ،‬ب�ل قد يك�ون لنيل‬


‫الدرجات وحمو التقصريات)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫فأحيه عىل اإلس�ال ِم وم�ن تو ّفيت ُه منّا‬ ‫وقول�ه‪« :‬من أحييت� ُه منّا‬
‫اإل ِ‬
‫يامن»‪.‬‬ ‫َفت ََو َّف ُه َع َىل ِ‬
‫ِ‬
‫باألركان‬ ‫ّمسك‬ ‫ففر َق بني احلياة والموت؛ َّ‬
‫هو الت ّ‬
‫ألن اإلسالم َ‬ ‫ّ‬
‫ال ّظاهر ّي�ة‪ ،‬وه�ذا ال يتأتّ�ى ّإال يف حال�ة احلي�اة وأ ّم�ا اإلي�امن َ‬
‫فهو‬
‫حال الوفاة)‪.(2‬‬‫وهو ا ّلذي ال ينفع غريه َ‬ ‫الباطني‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫التّصديق‬

‫والقاعدة‪ :‬أن اإلسالم إذا ُقرن باإليامن يراد به الرشائع العملية‬


‫الظاهرة‪ ،‬ويراد باإليامن االعتقادات الباطنة‪ ،‬وهلذا ناسب يف احلياة‬
‫أن يذكر اإلس�الم‪ ،‬ألن اإلنس�ان ما دام ح ّي ًا‪ ،‬فلديه جمال وفس�حة‬
‫للعم�ل والتعبد‪ ،‬وأما عند المامت فال جمال لذلك‪ ،‬بل ال جمال إال‬
‫للموت عىل االعتقاد الصحيح واإليامن السليم)‪.(3‬‬

‫(اللهم ال َت ِرمنا َأ َ‬
‫جر ُه) أي ال ترمنا أجر الصالة عليه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫أو أج�ر المصيبة به‪ ،‬فإن المس�لمني يف المصيبة كاليشء الواحد‪،‬‬
‫ؤمن َف َموته ُم ِصي َبة َع َل ِيه َيط ُلب فِيها األَجر‪.‬‬
‫ؤمن َأ ُخو الم ِ‬
‫ُ‬
‫والم ِ‬
‫ُ‬
‫(وال تض ّلنا بعد ُه) أي ال تعلنا ضا ّل َ‬
‫ني بعدَ اإليامن‪.‬‬

‫فالمسلم يف صالة اجلنازة يدعو إلخوانه المسلمني‪:‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)173/4‬‬


‫)‪ (2‬انظر‪ :‬تفة األحوذي (‪.)90/4‬‬
‫)‪ (3‬فقه األدعية واألذكار (‪.)232/3‬‬

‫‪122‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪ -‬لألحياء بالثبات عىل اإلسالم‪.‬‬


‫‪ -‬وملن يموت منهم بالوفاة عىل اإليامن‪.‬‬
‫‪ -‬وملن مات منهم بالمغفرة والرمحة‪.‬‬
‫ويرشع له أن يدعو بام ثبت يف السنة‪ ،‬فإن كان ال حيفظ شيئا من‬
‫ذلك ودعا بالرمحة والمغفرة فال حرج‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفقه‬ ‫وقع يف ِ‬
‫كتب‬ ‫وقال الش�وكاين ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬اعلم أ ّن ُه قد َ‬
‫المأثورة عنه ﷺ والتّمس ُك بال ّث ِ‬
‫ابت عن ُه أوىل»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أدعية ِ‬
‫غري‬ ‫ذكر‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال الش�يخ ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬يدعو بالدعاء المأثور‬
‫ع�ن النب�ي ﷺ إن كان يعرف�ه‪ ،‬ف�إن مل يكن يعرفه فب�أي دعاء دعا‬
‫جاز‪ ،‬إال أنه خيلص الدعاء للميت‪ ،‬أي‪ :‬خيصه بالدعاء»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬نيل األوطار (‪.)78/4‬‬


‫)‪ (2‬الرشح الممتع (‪.)154/5‬‬

‫‪123‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:¿ÉµŸÉH ó«≤ŸG ôcòdG‬‬

‫فمن ذلك‪:‬‬

‫دعاء الدخول واخلروج من المسجد‪:‬‬


‫«اللهم افتح‬
‫َّ‬ ‫يس�تحب لإلنس�ان إذا دخل المس�جد أن يق�ول‬
‫َ‬
‫أس�ألك من‬ ‫«اللهم ّإين‬
‫َّ‬ ‫خ�رج أن يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫أب�واب رمحت�ك»‪ ،‬وإذا‬
‫َ‬ ‫يل‬
‫محيد أو عن أيب ٍ‬
‫أسيد قال‪:‬‬ ‫فضلك»؛ ملا رواه مس�لم )‪ (713‬عن أيب ٍ‬
‫َ‬
‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫دخ�ل أحدكم المس�جدَ فليق�ل‪:‬‬‫َ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‬
‫َ‬
‫أس�ألك من‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫خرج فليقل‪:‬‬ ‫َ‬
‫رمحت�ك‪ ،‬وإذا َ‬ ‫أب�واب‬
‫َ‬ ‫افت�ح يل‬
‫َ‬
‫فضلك»‪.‬‬
‫محة بالدّ ِ‬ ‫ختصيص الر ِ‬
‫باخلروج َّ‬
‫أن من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفضل‬ ‫خول‬ ‫ِ ّ‬ ‫وال�رس يف‬
‫ّ ُّ‬
‫ثوابه وجن ِّته فيناسب ذكر الر ِ‬
‫محة‪.‬‬ ‫اشتغل بام يز ّلفه إىل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دخل‬
‫ُ َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفضل؛ كام‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بابتغاء الر ِ‬ ‫َ‬
‫فناس�ب َ‬
‫َ‬ ‫احلالل‬ ‫زق‬ ‫ّ‬ ‫اش�تغل‬ ‫خرج‬
‫وإذا َ‬
‫ق�ال اهلل تع�اىل (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)‪ ،‬قال�ه‬
‫ال ّط ُّ‬
‫يبي)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)215/2‬‬

‫‪124‬‬
‫معاين األذكار‬

‫فقلت ل ُه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫لقيت عقب َة ب َن مس�ل ٍم‬
‫رشيح ق�ال‪ُ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫وع�ن حي�و َة ِ‬
‫بن‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫بن عمرو ِ‬ ‫ثت عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫بلغني أن َ‬
‫العاص عن الن ِّ‬ ‫بن‬ ‫ّك حدّ َ‬
‫ِ‬
‫وبوجهه الكري ِم‬ ‫دخل المسجدَ قال‪« :‬أعو ُذ باهللِ العظي ِم‬ ‫كان إذا َ‬ ‫أ ّن ُه َ‬
‫الرجيمِ» قال‪ :‬أقط؟)‪ُ (1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس�لطانه القدي ِم من ىّ‬
‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫�يطان ىّ‬ ‫الش‬
‫سائر اليو ِم)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫حفظ منّي َ‬ ‫الش ُ‬
‫يطان‪:‬‬ ‫قال‪ :‬فإذا قال َ‬
‫ذلك قال ّ‬

‫وذل�ك ألن الش�يطان حري�ص غاي�ة احل�رص ع�ىل أن يص�د‬


‫اإلنس�ان عن دخول المس�جد وعن الصالة‪ ،‬فناس�ب أن يستعيذ‬
‫«الله�م احفظني من وسوس�ته‬
‫َّ‬ ‫ب�اهلل العظي�م منه‪ ،‬فكأن�ه يق�ول‪:‬‬
‫ِ‬
‫وإغوائه وخطواته وخطراته وتسويله وإضالله»‪.‬‬
‫وعند خروجه من المس�جد حيرص الش�يطان عىل أن يسوقه إىل‬
‫أماك�ن احل�رام ليوقع�ه يف مواطن الري�ب والعصي�ان‪ ،‬لذلك كانت‬
‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫«اللهم اعصمني من ّ‬ ‫السنة أن يقول إذا خرج من المسجد‪:‬‬
‫َّ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫الرجي ِم»؛ ملا روى ابن ماجه )‪ (773‬عن أيب هرير َة َّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫دخ�ل أحدكم المس�جدَ فليس� ىّلم عل الن ِّ‬
‫ىّب�ي ﷺ وليقل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ق�ال‪« :‬إذا‬
‫خرج فليس� ىّلم ع�ل الن ِّ‬
‫ىّبي ﷺ‬ ‫َ‬
‫رمحت�ك‪ ،‬وإذا َ‬ ‫أب�واب‬
‫َ‬ ‫الله�م افت�ح يل‬
‫َّ‬
‫الرجيمِ» ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫الش ِ‬
‫يطان ىّ‬ ‫اللهم اعصمني من ىّ‬
‫َّ‬ ‫وليقل‪:‬‬
‫ِ‬
‫«وس�لطانه القدي ِم»‪ :‬فالس�لطان صفة من‬ ‫وقول�ه يف احلديث‪:‬‬
‫صف�ات اهلل‪ ،‬وهي صفة س�لطته وملكوته وعظمت�ه وغلبته؛ ألنه‬

‫)‪ (1‬يعني‪ :‬أهذا الذي بلغك فقط؟‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ ،)466‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬صححه األلباين يف صحيح ابن ماجة وغريه‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ال يس�تعاذ بمخلوق‪ ،‬واحلديث جاء فيه االس�تعاذة باهلل عز وجل‬


‫وبصفاته‪.‬‬

‫وأما كلمة «القديم» فالمقصود هبا األزيل‪ ،‬يعني‪ :‬الذي صفاته‬


‫ّص�ف بذلك أزالً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وقدرت�ه وغلبت�ه وقهره ليس هل�ا بداية‪ ،‬فهو مت‬
‫وصف لقهره وغلبته‬
‫ٌ‬ ‫ولكن ليس من أسامء اهلل القديم‪ ،‬ولكن هذا‬
‫بأهنا أزلية)‪.(1‬‬

‫***‬

‫ذكر اهلل عند دخول البيت‪:‬‬


‫يق�ول‪« :‬إذا َ‬
‫دخل‬ ‫ُ‬ ‫ّب�ي ﷺ‬ ‫بن ِ‬
‫عب�د اهللِ أ ّن ُه‬ ‫ِ‬
‫جاب�ر ِ‬
‫س�مع الن َّ‬
‫َ‬ ‫ع�ن‬
‫�يطان‪ :‬ل‬
‫ُ‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫طعامه قال ىّ‬ ‫ِ‬
‫دخوله وعندَ‬ ‫فذكر اهللَ عن�دَ‬ ‫الر ُ‬
‫ج�ل بيت� ُه‬
‫َ‬ ‫ىّ‬
‫ِ‬
‫دخ�ل فلم يذكر اهللَ عن�دَ دخوله قال‬ ‫َ‬ ‫عش�اء‪ .‬وإذا‬ ‫مبي�ت لكم ول‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫طعام�ه ق�ال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يذك�ر اهللَ عن�دَ‬ ‫المبي�ت‪ .‬وإذا مل‬
‫َ‬ ‫�يطان‪ :‬أدركت�م‬‫ُ‬ ‫ىّ‬
‫الش‬
‫والعشاء»‪.‬‬
‫َ‬ ‫المبيت‬
‫َ‬ ‫أدركتم‬
‫ِ‬
‫إلخوانه‬ ‫ق�ال الن�ووي ‪-‬رمح�ه اهلل‪« :-‬معن�ا ُه‪ :‬ق�ال ّ‬
‫الش�يطان‬
‫وأعوان�ه ورفقت�ه‪ .‬ويف هذا اس�تحباب ذكر اهلل تع�اىل عند دخول‬
‫البيت وعند ال ّطعام»)‪.(2‬‬

‫وقال ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬يف هذا‪ :‬حث عىل أن اإلنسان‬

‫)‪ (1‬رشح سنن أيب داود ‪ -‬عبد املحسن العباد (‪ - )255256/3‬ترقيم الشاملة‪.‬‬
‫)‪ (2‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)190/13‬‬

‫‪126‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ينبغ�ي له إذا دخل بيته أن يذكر اس�م اهلل‪ ،‬والذكر الوارد يف ذلك‪:‬‬
‫«بس�م اهلل وجلنا وبس�م اهلل خرجنا وعىل اهلل ربنا توكلنا‪ ،‬اللهم إين‬
‫أس�ألك خري المولج وخري المخرج»)‪ (1‬ثم يستاك؛ ألن النبي ﷺ‬
‫إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك)‪ .(2‬ثم يسلم عىل أهله‪.‬‬
‫أما عند العش�اء فيقول‪« :‬بسم اهلل» وبذلك حيرتز من الشيطان‬
‫الرجيم مبيت ًا وعشاء‪.‬‬
‫فإن ذكر اس�م اهلل عند الدخول دون العش�اء ش�اركه الشيطان‬
‫يف عشائه‪.‬‬
‫وإن ذكر اسم اهلل عند العشاء دون الدخول شاركه الشيطان يف‬
‫المبيت دون العشاء‪ .‬وإن ذكر اسم اهلل عند الدخول وعند العشاء‬
‫فإن الشيطان ال يكون له مبيت وال عشاء»)‪.(3‬‬

‫***‬

‫دعاء دخول اخلالء‪:‬‬


‫َ‬
‫دخ�ل اخلال َء قال‪:‬‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ إذا‬
‫ُ‬ ‫ع�ن أن�س قال‪َ :‬‬
‫كان‬
‫ِ‬
‫اخلبث واخلبائث»)‪.(4‬‬ ‫«اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من‬ ‫َّ‬
‫)‪ (1‬رواه أب�و داود (‪ )5096‬وصحح�ه األلب�اين يف الصحيح�ة (‪ )225‬وصحي�ح‬
‫اجلام�ع (‪ ،)839‬ث�م تراجع وضعف�ه يف الضعيف�ة (‪ )5832‬وضعيف أيب داود‬
‫)‪ )1091‬والثمر املستطاب (ص‪ ،)613‬وأعله باالنقطاع‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)253‬‬
‫)‪ (3‬رشح رياض الصاحلني (ص‪.)809‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قوله‪« :‬إذا َ‬
‫دخل» يعني‪ :‬إذا أرا َد الدّ خول‪.‬‬
‫«إِ ِّين َأ ُعو ُذ بِك» َأي‪َ :‬أ ُلو ُذ َو َألت ِ‬
‫َج ُئ‪.‬‬
‫«اخلب�ث» َجع َخبِيث «واخل ِ‬
‫بائث» َجع َخبِي َثة‪ ،‬والمراد‪ُ :‬ذكران‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشياطِني َوإِناثهم‪.‬‬
‫َّ‬

‫ال�رش أو المذم�وم أو الض�ار‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ك�روه أو‬ ‫الم ُ‬
‫وقي�ل‪ :‬اخلُب�ث‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫المعاص َأو ُمط َلق األَفعال َ‬
‫المذ ُمو َمة‪.‬‬ ‫واخلَبائث‪َ :‬‬
‫وقيل اخلبائث‪ :‬الشياطني)‪. (1‬‬

‫ّبي ﷺ‬
‫أرقم عن الن ّ‬
‫ّعوذ ما رواه زيد بن َ‬
‫وور َد يف س�بب هذا الت ّ‬
‫هذه احلش�وش حمترضة‪ ،‬فإذا َ‬
‫دخل أحدكم اخلالء فليقل‬ ‫«إن ِ‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫اللهم ّإين أعوذ بك من اخلبث واخلبائث»)‪.(2‬‬
‫َّ‬
‫***‬

‫دعاء اخلروج من اخلالء‪:‬‬


‫كان النَّبِي ﷺ إِذا َخرج ِمن اخل ِ‬
‫الء قال‪:‬‬ ‫عائ َش َة قالت‪َ :‬‬ ‫َعن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫َك»)‪َ .(3‬أي َأ َ‬
‫سأ ُلك ُغفرانَك‪.‬‬ ‫«غُفران َ‬

‫ِ‬
‫اخل�روج م�ن‬ ‫عق�ب‬
‫َ‬ ‫ّ�ووي‪« :‬وج�ا َء يف ا ّل�ذي ُ‬
‫يق�ال‬ ‫ُّ‬ ‫ق�ال الن‬

‫)‪ (1‬راجع‪ :‬رشح النووي عىل مس�لم (‪ - )71/4‬فتح الباري (‪ - )110/1‬كشف‬


‫المشكل (‪.)271/3‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )6‬وابن ماجة (‪ )296‬وأمحد (‪ ،)18800‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود (‪ )30‬والرتمذي (‪ )7‬وابن ماجة (‪ )300‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫معاين األذكار‬

‫حديث عائش� َة‬


‫ُ‬ ‫ثابت ّإال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لي�س فيه�ا يش ٌء ٌ‬
‫أحادي�ث كثري ٌة َ‬ ‫اخل�الء‬
‫المذكور»)‪.(1‬‬
‫ُ‬
‫ومناس�بة س�ؤال المغفرة بعد خروجه من اخلالء أن اإلنس�ان‬
‫ملا ختفف من أذية اجلس�م تذكر أذية اإلثم‪ ،‬فدعا اهلل أن خيفف عنه‬
‫أذية اإلثم كام م ّن عليه بتخفيف أذية اجلس�م‪ ،‬وهذا معنى مناسب‬
‫من باب تذكّر اليشء باليشء‪.‬‬
‫أنعم اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق�و َة البرش ّي َة قارص ٌة عن‬ ‫وقي�ل‪َّ :‬‬
‫بش�كر ما َ‬ ‫الوفاء‬ ‫إن ّ‬
‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫ِ‬
‫الغذاء ع�ىل‬ ‫ِ‬
‫وترتي�ب‬ ‫اب‬‫وال�رش ِ‬ ‫ِ‬
‫علي�ه من تس�وي ِغ ال ّطعا ِم‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫االس�تغفار‬ ‫َ‬
‫فلجأ إىل‬ ‫ِ‬
‫اخلروج‪،‬‬ ‫الب�دن إىل ِ‬
‫أوان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫ِ‬
‫المناس�ب‬
‫تلك النّع ِم)‪.(2‬‬
‫حق َ‬ ‫ِ‬
‫بالقصور عن بلو ِغ ِّ‬ ‫اعرتاف ًا‬
‫***‬

‫إذا نزل منزلً‪:‬‬


‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫َ‬ ‫ّأهنا سمعت‬ ‫السلم ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫عن خول َة بنت حكي ٍم ّ‬
‫بكل�امت اهللِ التىّام ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫نزل أحدك�م منزلً فليقل‪ :‬أعو ُذ‬ ‫يق�ول‪« :‬إذا َ‬
‫ُ‬
‫ىّ‬
‫َ‬
‫يرحتل من ُه»)‪.(3‬‬ ‫يشء حتىّى‬
‫يرض ُه ٌ‬ ‫خلق؛ فإ ىّن ُه ل ىّ‬
‫رش ما َ‬‫من ِّ‬
‫ق�ال القرطبي‪« :‬وهذا خر صحيح وقول صادق علمنا صدقه‬
‫دليال وتربة؛ فإين منذ س�معت هذا اخل�ر عملت به‪ ،‬فلم يرضين‬

‫)‪ (1‬المجموع (‪.)76/2‬‬


‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح (‪.)387/1‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم (‪.)2708‬‬

‫‪129‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يشء إىل أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليال‪ ،‬فتفكرت يف نفس‬


‫فإذا يب قد نس�يت أن أتعوذ بتل�ك الكلامت فقلت لنفس ‪-‬ذا ّم ًا هلا‬
‫ومو ّبخ ًا‪ -‬ما قاله عليه الس�الم للرجل الملدوغ‪ :‬أما إنك لو قلت‬
‫حني أمسيت أعوذ بكلامت اهلل التامات مل يرضك يشء»)‪.(1‬‬
‫***‬

‫الذكر عند المشعر احلرام‪:‬‬


‫ق�ال تع�اىل‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة‪.[198 :‬‬
‫فيس�تحب اإلكث�ار من الذك�ر والدع�اء يف مزدلفة‪ ،‬ومناس�بة‬
‫ذل�ك‪ :‬أهنا ليلة عظيمة اجتمع فيها رشف المكان والزمان‪ ،‬وكونه‬
‫حمرم�ا‪ ،‬وهي جممع احلجي�ج وقد جاءت بعد عب�ادة عظيمة وهي‬
‫يوم عرفة)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)94/3‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)12/5‬‬

‫‪130‬‬
‫معاين األذكار‬

‫‪:∫GƒMC’ÉH ó«≤ŸG ôcòdG‬‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫أذكار النوم‪:‬‬
‫أموت‬
‫ُ‬ ‫الله�م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫«باس�مك‬ ‫ّب�ي ﷺ إذا أرا َد أن ين�ا َم ق�ال‪:‬‬ ‫َ‬
‫كان الن ُّ‬
‫ِ‬
‫منامه قال‪« :‬احلمدُ هللِ ا ىّلذي أحيانا بعدَ ما‬ ‫َ‬
‫اس�تيقظ من‬ ‫وأحيا» وإذا‬
‫ىّشور»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫أماتنا وإليه الن ُ‬
‫واحلكم�ة من الذك�ر والدعاء عند النوم وبعد االس�تيقاظ‪ :‬أن‬
‫يك�ون خامتة عمل�ه يف اليوم وأوله بعد االس�تيقاظ ذك�ر التوحيد‬
‫والكلم الطيب‪ ،‬كام قيل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جع�ة‬ ‫وآخ�ر يشء أن�ت يف ِّ‬
‫كل َه‬ ‫ُ‬
‫وأول يشء أن�ت ِعن�د ُه ُب�ويب‬
‫ُ‬

‫ف�إذا ابتدأ العبد يوم�ه بذكر اهلل‪ ،‬وختمه بذك�ر اهلل‪ُ ،‬فريجى أن‬
‫ُيغفر له ما بني أول اليوم وهنايته من الذنوب‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الر ُ‬
‫جل بيت ُه‬ ‫َ‬
‫دخ�ل ىّ‬ ‫وع�ن جابر أن رس�ول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا‬
‫ُ‬
‫الملك‪ :‬اختم‬ ‫وش�يطان‪ ،‬فق�ال‬
‫ٌ‬ ‫ملك‬ ‫ِ‬
‫فراش�ه ابت�در ُه(() ٌ‬ ‫أو أوى إىل‬
‫برش؛ فإن مح�دَ اهللَ وذكر ُه‪ ،‬أطرد ُه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بخري(()‪ ،‬وقال ىّ‬
‫�يطان‪ :‬اختم ٍّ‬
‫ُ‬ ‫الش‬
‫وبات يكلؤ ُه(()«)‪.(4‬‬
‫َ‬

‫أم�وت وأحي�ا» قي�ل المعن�ى‪ :‬بذكر‬


‫ُ‬ ‫الله�م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫«باس�مك‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫اس�مك أحيا ما حييت وعليه أموت أي‪ :‬أن�ا مداوم عىل ذكرك ما‬
‫حييت وعليه أموت‪.‬‬

‫وحيتمل أن االس�م هنا بمعنى المس�مى فيك�ون المعنى‪ :‬بك‬


‫أحيا وبك أموت‪.‬‬

‫وحيتم�ل أن المراد باحلياة‪ :‬احلياة بع�د الموت وحيتمل‪ :‬احلياة‬


‫بعد النوم‪.‬‬

‫وحيتمل أن المراد بالموت الموت احلقيقي وحيتمل أنه النوم؛‬


‫فإن النوم أخو الموت‪.‬‬
‫ِ‬
‫«احلمدُ هللِ ا ّلذي أحيانا بعدَ ما أماتنا وإليه الن ُ‬
‫ّش�ور» أي‪ :‬أحيانا‬
‫باالستيقاظ بعد أن أماتنا بالنوم‪.‬‬

‫ووج�ه احلمد عىل االس�تيقاظ بع�د النوم أن ذل�ك من أفضل‬

‫)‪ (1‬تسارع إليه‪.‬‬


‫)‪ (2‬أي‪ :‬اختم عمل يومك بخري‪.‬‬
‫)‪ (3‬حيفظه وحيرسه‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري يف األدب المفرد (‪ ،)1214‬وحسنه ابن حجر‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫معاين األذكار‬

‫النع�م؛ ليكتس�ب ثم�رة احلي�اة الدنيا م�ن العل�م الناف�ع والعمل‬


‫الصالح‪ ،‬ويف ذلك أيضا إمهال اإلنسان ليتوب‪ ،‬ويرجع إىل اهلل‪.‬‬
‫ّشور» هو احلياة بعد الموت‪ ،‬فالمعنى‪ :‬إىل اهلل رجوع‬ ‫ِ‬
‫«وإليه الن ُ‬
‫اخلالئ�ق بع�د بعثه�م وحياتم بع�د ممات�م؛ ليحاس�ب ك ّ‬
‫ال منهم‬
‫حسب عمله‪.‬‬
‫وحكم�ة ذكر ذل�ك‪ :‬أن يكون ح�ارض القل�ب يف اليقظة‪ ،‬فال‬
‫يفيض به تي ّقظه إىل الغفلة عام ُطلب منه‪.‬‬
‫وحكمة ذكر الموت عند النوم‪ :‬كأنه ُي َذكِّر نفسه بالموت حتى‬
‫ِ‬
‫التكاسل أو التباطؤ عام ُطلب منه)‪.(1‬‬ ‫ال ُيفيض به نو ُمه إىل‬
‫***‬

‫قراءة خواتيم سورة البقرة‬


‫ٍ‬
‫مس�عود‬ ‫روى البخ�اري )‪ (4008‬ومس�لم )‪ (807‬ع�ن أيب‬
‫ِ‬
‫س�ورة‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬
‫«اآليتان من ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الب�دري قال‪ :‬قال‬
‫ِّ‬
‫البقرة من قرأمها يف ٍ‬
‫ليلة كفتا ُه»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ومه�ا قول�ه تع�اىل‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬


‫ﮞ‪ )...‬إىل آخر السورة‪.‬‬
‫قي�ل‪ :‬كفت�ا ُه من قي�ام ال ّليل وقي�ل‪ :‬كفتا ُه من ّ‬
‫الش�يطان وقيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلنس واجل ِّن‪.‬‬ ‫رش‬ ‫كل سوء‪َ ،‬‬
‫وقيل‪ :‬دفعتا عن ُه َّ‬ ‫كفتا ُه َّ‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)286/1‬‬

‫‪133‬‬
‫معاين األذكار‬

‫واسع‪.‬‬ ‫وفضل اهللِ‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األمور جيعها‪،‬‬ ‫إرادة ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مانع من‬
‫ٌ‬ ‫وال َ‬
‫«قي�ل‪ :‬معنا ُه كفتا ُه م�ن قيام ال ّليل‪،‬‬
‫ق�ال النووي ‪-‬رمحه اهلل‪َ :-‬‬
‫وقيل‪ :‬من اآلفات وحيتمل من اجلميع»)‪.(1‬‬ ‫الشيطان َ‬ ‫َ‬
‫وقيل‪ :‬من ّ‬
‫تضمنتا ُه م َن‬ ‫اختصتا َ‬
‫بذلك ملا ّ‬ ‫ّ‬ ‫«وكأهنام‬
‫ّ‬ ‫قال احلافظ ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫بجميل انقيادهم إىل اهللِ وابتهاهلم ورجوعهم‬
‫ِ‬ ‫حابة‬ ‫ال ّث ِ‬
‫ناء ع�ىل الص ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اإلجابة إىل مطلوهبم»)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫حصل هلم م َن‬ ‫ِ‬
‫إليه‪ ،‬وما‬
‫يعقل ينا ُم حتّى يقر َأ‬
‫أن أحد ًا ُ‬
‫كنت أرى َّ‬
‫عيل قال‪« :‬ما ُ‬‫وعن ّ‬
‫ِ‬
‫البقرة»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫ِ‬
‫اآليات من ِ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬
‫فضم إليهام اآلية الثالثة‪( :‬ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‪ )...‬اآلية‪.‬‬
‫ملا فيها من إثبات علم اهلل المحيط بكل يشء‪ ،‬ومشيئته النافذة‪،‬‬
‫وقدرته الغلبة لكل يشء‪.‬‬
‫***‬

‫قراءة ( ﭑ ﭒ ﭓ)‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫نوفل عن ِ‬
‫أبيه َّ‬ ‫بن ٍ‬ ‫روى أبو داود )‪ (5055‬عن فرو َة ِ‬
‫أن الن َّ‬
‫فإنا براء ٌة‬
‫ثم نم عل خامتتها ىّ‬
‫الكافرون َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لنوفل‪« :‬اقرأ قل يا ىّأيا‬ ‫قال‬
‫الرش ِك»)‪.(4‬‬
‫من ىّ‬

‫)‪ (1‬رشح النووي عىل مسلم (‪ .)9192/6‬وانظر‪ :‬فتح الباري (‪.)56/9‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)56/9‬‬
‫)‪ (3‬رواه الدارم�ي (‪ )3384‬واب�ن الرضيس يف فضائل الق�رآن (‪ ،)176‬وصححه‬
‫النووي وابن حجر‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (4‬حسنه احلافظ ابن حجر‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ال�رش ِك»‪ :‬يعني أهنا توج�ب لقارئها األمن‬


‫وكوهن�ا « َبرا َء ٌة ِمن ِّ‬
‫والنجاة من اإلرشاك باهلل‪ ،‬ملا اش�تملت عليه من نفي األلوهية عام‬
‫سوى اهلل‪ ،‬وإثباتا له وحده‪ ،‬مع التزام ذلك والمداومة عليه‪.‬‬
‫فهل َيفهم قارئ هذه السورة هذا المعنى أنه يتربأ من الرشك باهلل؟‬
‫لألس�ف يفهم بعض المس�لمني من قول�ه‪( :‬ﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ) خ�الف ما أراد اهلل منها؛ حيث يفهم أهنا إقرار للرشك‪ ،‬وأن‬
‫كل إنسان ال حرج عليه أن يعبد ما شاء!!‬
‫وه�ذا فهم خاطئ‪ ،‬بل باطل‪ ،‬وهو من فس�اد االعتقاد‪ ،‬وعدم‬
‫الفهم عن اهلل ورسوله‪.‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬قال يل‬ ‫ٍ‬
‫عازب‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫ال�راء ِ‬ ‫وع�ن‬
‫ك‬ ‫ثم اضطجع عل ش� ىّق َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مضجعك ىّ‬
‫للصالة َّ‬
‫وضوءك ىّ‬ ‫فتوضأ‬ ‫أتي�ت‬
‫َ‬
‫ض�ت أمري َ‬
‫إليك‬ ‫ُ‬ ‫وفو‬ ‫أس�لمت نف�يس َ‬
‫إليك ىّ‬ ‫ُ‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األيم�ن وقل‪:‬‬
‫منك ىّإل‬ ‫َ‬
‫ملجأ ول منجا َ‬ ‫إليك رهب ًة ورغب ًة َ‬
‫إليك ل‬ ‫وأجلأت ظهري َ‬
‫ُ‬
‫مت‬
‫أرسلت‪ .‬فإن َّ‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬‫أنزلت وبنب ىّي َ‬
‫َ‬ ‫بكتابك ا ىّلذي‬
‫َ‬ ‫آمنت‬
‫إليك‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫تقول»‪ .‬ق�ال الرباء‪« :‬فر ىّددهتا‬‫آخر ما ُ‬ ‫ِ‬
‫فاجعلهن َ‬
‫َّ‬ ‫الفط�رة‪،‬‬ ‫م�ت عل‬ ‫َّ‬
‫قلت‬‫أنزلت ُ‬
‫َ‬ ‫بكتاب�ك ا ىّلذي‬
‫َ‬ ‫آمنت‬
‫اللهم ُ‬‫َّ‬ ‫بلغت‬
‫ُ‬ ‫فل�ام‬
‫ىّبي ﷺ ىّ‬‫ع�ل الن ِّ‬
‫أرسلت»)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬
‫ورسولك قال ل ونب ىّي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫إلي�ك» أي رضي�ت بأن تك�ون تت‬ ‫«أس�لمت نف�س‬
‫ُ‬ ‫قول�ه‪:‬‬
‫مشيئتك‪ ،‬تترف فيها بام شئت من إمساكها أو إرساهلا‪.‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ففيه إش�ارة إىل أنه ينبغي لإلنس�ان أن يت�وب إىل اهلل تعاىل قبل‬
‫النوم لينام مطيع ًا‪.‬‬

‫َ‬
‫إلي�ك» والم�راد بالوجه الذات‪،‬‬ ‫«أس�لمت وجهي‬
‫ُ‬ ‫ويف لف�ظ‪:‬‬
‫فهو بمعنى «أسلمت نفس إليك»‪.‬‬

‫ضت أمري َ‬
‫إليك» أي‪ :‬توكلت عليك يف جيع شأين‪.‬‬ ‫«وفو ُ‬
‫ّ‬
‫«وأجلأت ظهري َ‬
‫إليك» أي أس�ندته إىل حفظك ويف التعبري ب�‬ ‫ُ‬
‫«أجلأت» إش�ارة إىل أنه مضطر إىل حفظ اهلل حيث ال حافظ له إال‬
‫هو وال ُيتقوى بأحد سواه‪.‬‬

‫إليك» ِع ّلة ملا سبق‪.‬‬


‫«رغب ًة ورهب ًة َ‬

‫ف�«أس�لمت وجهي» و«فوضت أم�ري»‪ ،‬و«أجلأت ظهري»‪:‬‬


‫«رغب ًة ورهبة» طمع ًا يف ثوابك وخمافة عذابك‪.‬‬

‫منك ّإال َ‬
‫إليك» أي‪:‬ال مهرب وال‬ ‫َ‬
‫ملج�أ وال منجا َ‬ ‫وقول�ه‪« :‬ال‬
‫خم ّل�ص من عقوبتك إال بالفرار إليك‪ ،‬ففيه إش�ارة إىل قوله تعاىل‪:‬‬
‫(ﰃ ﰄ ﰅ) [الذاريات‪.[50 :‬‬

‫أنزلت»‪ :‬وهو القرآن الكريم‪.‬‬


‫َ‬ ‫بكتابك ا ّلذي‬
‫َ‬ ‫«آمنت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفطرة»‪ :‬أي اإلسالم‪.‬‬ ‫مت عىل‬
‫مت َّ‬
‫«فإن َّ‬
‫آخر ما ُ‬
‫تقول»‪ :‬أي من الدعوات)‪.(1‬‬ ‫«فاجعله َّن َ‬
‫)‪ (1‬دليل الفاحلني (‪.)281/2‬‬

‫‪136‬‬
‫معاين األذكار‬

‫قال ابن بطال‪« :‬أي ال تتكلم بعدهن بيشء من أحاديث الدنيا‪،‬‬


‫وليكن هذا الذكر خامتة عملك»)‪.(1‬‬

‫تبني أ ّن ُه‬
‫وهي ّ ُ‬ ‫الكشميهني‪« :‬من ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر» َ‬ ‫ِّ‬ ‫رواية‬ ‫وقال احلافظ‪« :‬يف‬
‫الذ ِ‬
‫كر عندَ النّو ِم»)‪.(2‬‬ ‫رشع م َن ّ‬ ‫يمتنع أن َ‬
‫يقول بعده َّن شيئ ًا ممّا َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬

‫أرسلت»‪،‬‬
‫َ‬ ‫«وبرسولك ا ّلذي‬
‫َ‬ ‫فرددها الراء ليس�تذكرها فقال‪:‬‬
‫أرسلت»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك ا ىّلذي‬
‫فقال له النبي ﷺ‪« :‬ل‪ ،‬وبنب ىّي َ‬

‫«اختلف العلامء يف سبب إنكاره ﷺ ور ّده ال ّلفظ‪:‬‬


‫َ‬ ‫قال النووي‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‬
‫ألن قوله‪« :‬آمنت برس�ولك» حيتمل غري الن ّ‬ ‫َ‬
‫فقي�ل‪ :‬إنّام ر ّد ُه َّ‬
‫حيث ال ّلفظ‪.‬‬
‫من ُ‬

‫أن هذا ذكر ودعاء‪،‬‬ ‫أن س�بب اإلنكار َّ‬‫المازري وغريه َّ‬
‫ُّ‬ ‫واختار‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بحروفه‪ ،‬وقد يتع ّلق اجلزاء‬ ‫فينبغي ِ‬
‫فيه االقتصار عىل ال ّلفظ الوارد‬
‫فيتعني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بتل�ك احل�روف‪ ،‬ولع ّل� ُه‬
‫َ‬
‫أوحي إلي�ه ﷺ هب�ذه الكل�امت‪ّ ،‬‬‫َ‬
‫ألن قوله‪« :‬ونب ّيك‬ ‫َ‬
‫وقي�ل‪َّ :‬‬ ‫أداؤها بحروفها‪ ،‬وهذا القول حس�ن‪.‬‬
‫حيث صنعة الكالم‪ِ ،‬‬
‫وفيه جع الن ّّبوة‬ ‫فيه جزالة من ُ‬ ‫ا ّلذي أرسلت» ِ‬

‫مع‬
‫فإن هذا األمر َ‬ ‫والرس�الة‪ ،‬فإذا قال‪ :‬رس�ولك ا ّلذي أرس�لت‪َّ ،‬‬‫ّ‬
‫فيه من تكرير لفظ «رس�ول» َو«أرسلت» أهل البالغة يعيبون ُه‪،‬‬ ‫ما ِ‬

‫الرسالة الن ّّبوة وال عكسه»)‪.(3‬‬


‫وقد قدّ منا أ ّن ُه ال يلزم من ّ‬
‫)‪ (1‬رشح صحيح البخاري (‪.)84/10‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)358/1‬‬
‫)‪ (3‬رشح النووي عىل مسلم (‪ ،)33/17‬وانظر‪ :‬فتح الباري (‪.)112/11‬‬

‫‪137‬‬
‫معاين األذكار‬

‫وق�ال عل�امء اللجن�ة الدائم�ة‪« :‬األص�ل يف األذكار وس�ائر‬


‫العب�ادات الوقوف عند ما ورد من عباراتا وكيفياتا يف كتاب اهلل‬
‫وسنة رسوله ﷺ»)‪.(1‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا أرا َد أن‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫ّبي ﷺ َّ‬ ‫وعن حفص َة ِ‬
‫زوج الن ِّ‬
‫َ‬
‫عذابك‬ ‫«الله�م قني‬ ‫ثم ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ت�ت خدّ ه َّ‬
‫وضع يد ُه اليمنى َ‬
‫َ‬ ‫يرق�دَ‬
‫َ‬
‫عبادك»)‪.(2‬‬ ‫ُ‬
‫تبعث‬ ‫يو َم‬
‫ِ‬
‫الموت‬ ‫قال المباركفوري ‪-‬رمحه اهلل‪ّ « :-‬ملا َ‬
‫كان النّو ُم يف حك ِم‬
‫ِ‬
‫احلالة»)‪.(3‬‬ ‫عاء؛ تذكّر ًا َ‬
‫لتلك‬ ‫كالبعث دعا هبذا الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستيقاظ‬

‫وأراد أن يكون آخر عمله ذكر اهلل‪.‬‬


‫ِ‬
‫فراش�ه قال‪:‬‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا أوى إىل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫وعن ٍ‬
‫أنس‬
‫«احلمدُ هللِ ا ّلذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا‪ ،‬فكم ممّن ال َ‬
‫كايف ل ُه‬
‫مؤوي»)‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫وال‬

‫«كَفانا» أي دفع عنا رش المؤذيات‪.‬‬

‫«وآوانا» أي رزقنا مساكن نأوي إليها‪ ،‬ونسكن فيها‪ ،‬ومل جيعلنا‬


‫َ‬
‫رشدين‪.‬‬
‫الم َ َّ‬
‫من ُ‬
‫مؤوي» أي‪ :‬فكم شخص ال يكفيهم‬
‫َ‬ ‫كايف ل ُه وال‬
‫«فكم ممّن ال َ‬
‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة (‪.)87/6‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ ،)5045‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفة األحوذي (‪.)241/9‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم (‪.)2715‬‬

‫‪138‬‬
‫معاين األذكار‬

‫اهلل رش األرشار حتى غلب عليهم أعداؤهم‪ ،‬وال هييئ هلم مأوى‪،‬‬
‫بل تركهم هييمون يف البوادي ويتأذون باحلر والرد‪.‬‬

‫ومناس�بة ذلك للنوم‪ :‬أن اإلنسان إذا ُدفع عنه اجلوع والعطش‬
‫ب�األكل وال�رشب‪ ،‬وأمن م�ن ال�رشور والمكاره طاب ل�ه نومه‪،‬‬
‫َفت ََذك َ‬
‫َّ�ر ه�ذه النعم التي هي س�بب لطيب الن�وم‪ ،‬فحمد اهلل تعاىل‬
‫عليها‪.‬‬

‫***‬

‫الكريس‪:‬‬
‫ىّ‬ ‫قراءة آية‬
‫بحف�ظ ِ‬
‫زكاة‬ ‫ِ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬وكّلني‬ ‫ع�ن أيب هري�ر َة‬
‫فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فجع�ل حيث�و م�ن ال ّطع�ا ِم‪ ،‬فأخذت� ُه‬ ‫رمض�ان‪ ،‬فأت�اين ٍ‬
‫آت‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫احلدي�ث‪ ،‬إىل أن ق�ال‪ :‬إذا‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪ ...‬فذك�ر‬
‫ِ‬ ‫ألرفعن َ‬
‫ّ�ك إىل‬
‫ٌ‬
‫حافظ‬ ‫معك من اهللِ‬ ‫الكريس ل�ن َ‬
‫يزال َ‬ ‫فراش�ك فاقرأ آي َة‬
‫َ‬ ‫أويت إىل‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫وهو‬ ‫َ‬
‫«صدقك َ‬ ‫ّب�ي ﷺ‪:‬‬
‫تصبح‪ .‬فقال الن ُّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ش�يطان حتّى‬ ‫َ‬
‫يقربك‬ ‫وال‬
‫شيطان»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬ ‫كذوب‪َ ،‬‬
‫ذاك‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫حافظ»‪ :‬الم�راد بذلك اجلنس‪،‬‬ ‫معك من اهللِ‬ ‫قول�ه‪« :‬لن َ‬
‫ي�زال َ‬
‫فيحتمل أن يكون مل�ك ًا واحد ًا أو أكثر‪ ،‬حيفظك يف بدنك ومالك‬
‫ودينك وسائر ما يتعلق بك‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخ�اري تعليق� ًا (‪ )3275‬ووصل�ه البغ�وي يف رشح الس�نة (‪)1196‬‬


‫والبيهقي يف الشعب (‪ )2170‬وغريمها‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٌ‬
‫ش�يطان»‪ :‬ه�و تأكي�د للحف�ظ‪ ،‬فإن�ه إذا حفظ�ه‬ ‫َ‬
‫يقرب�ك‬ ‫«وال‬
‫الملك‪ ،‬فال يقربه الشيطان‪ ،‬وال يؤذيه يف دينه وال دنياه‪.‬‬

‫ق�ال‪« :‬ما أرى أح�د ًا ُ‬


‫يعقل‬ ‫عيل‬
‫وروى اب�ن أيب ش�يبة ع�ن ٍّ‬
‫الكريس» )‪.(1‬‬
‫ِّ‬ ‫دخل يف اإلسال ِم ينا ُم حتّى يقر َأ آي َة‬
‫َ‬

‫كان إذا َ‬
‫أخذ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫األنامري‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األزهر‬ ‫وع�ن أيب‬
‫اللهم اغفر يل‬ ‫وضع�ت جنبي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يل قال‪« :‬بس� ِم اهللِ‬
‫مضجع� ُه من ال ّل ِ‬
‫َّ‬
‫ىّدي األعل»)‪.(2‬‬ ‫ذنبي وأخسئ شيطاين َّ‬
‫وفك رهاين واجعلني يف الن ِّ‬
‫«وأخسئ شيطاين» أي اطرده عني‪.‬‬

‫َّ‬
‫«وف�ك رهاين» الرهان هو ما يوضع لتوثيق الدين‪ ،‬أراد بذلك‬
‫نفس�ه ألهنا مرهونة بعملها‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﮔﮕﮖﮗﮘ)‬
‫َفس بِام ك ََس َبت َر ِهينَ ٌة) [املدثر‪.[38 :‬‬
‫[الطور‪ ،[21:‬وقال تعاىل‪( :‬ك ُُّل ن ٍ‬

‫�ك الرهان هو ختليص�ه من يد المرت�ن‪ .‬والمعنى‪َ :‬خ ِّلص‬


‫و َف ُّ‬
‫رقبت�ي م�ن حق�وق الناس‪ ،‬وم�ن حقك ي�ا رب العالم�ني‪ ،‬ومن‬
‫وخ ِّلصه�ا من التكالي�ف بالتوفيق لإلتيان‬
‫الذن�وب بالعفو عنها‪َ ،‬‬
‫هبا‪.‬‬

‫الندى هم القوم المجتمعون يف‬


‫ّ‬ ‫ّ�دي األعىل»‬
‫«واجعلني يف الن ِّ‬
‫جملس‪ ،‬والمراد هنا المأل األعىل من المالئكة‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصنف (‪.)40/6‬‬


‫)‪ (2‬رواه أبو داود (‪ )5054‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ومناس�بة ه�ذا الدع�اء للن�وم‪ :‬أنه مل�ا كان الن�وم وإراح�ة البدن‬
‫ُيس�تعان ب�ه عىل طاع�ة اهلل‪ ،‬واالبتعاد عن معاصيه‪ ،‬س�أله عند النوم‬
‫أن يعينه عىل طاعته وذلك بفك رهانه‪ ،‬وأن يبعده عن معصيته بطرد‬
‫شيطانه‪ ،‬ثم سأل القرب من اهلل تعاىل بأن جيعله مع المأل األعىل‪.‬‬
‫***‬

‫أذكار الستيقاظ‪:‬‬
‫َ‬
‫استيقظ أحدكم‬ ‫رسول اهللِ ﷺ قال‪« :‬إذا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عن أيب هرير َة‬
‫ِ‬
‫وأذن يل‬ ‫فليقل‪ :‬احلمدُ هلل ا ىّلذي عافاين يف جس�دي ور َّد َّ‬
‫عيل روحي َ‬
‫ِ‬
‫بذكره»)‪.(1‬‬
‫قوله‪« :‬عافاين يف جسدي» أي جعل جسدي ذا عافية‪.‬‬
‫ِ‬
‫العافية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بس�ؤال‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ُ‬
‫األحاديث يف‬ ‫ِ‬
‫كثرت‬ ‫قال النووي‪« :‬وقد‬
‫ِ‬
‫المكروهات يف‬ ‫ِ‬
‫المتناول�ة لدف ِع جي� ِع‬ ‫األلفاظ العام ِ‬
‫�ة‬ ‫ِ‬ ‫وه�ي م� َن‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ )‪(2‬‬ ‫والباطن يف الدّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين والدّ نيا واآلخرة» ‪.‬‬ ‫البدن‬
‫ع�يل روحي»؛ ألن الروح تفي�ض يف النوم‪ ،‬قال‬
‫وقول�ه‪« :‬ور َّد َّ‬
‫تع�اىل‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر‪.[42 :‬‬
‫***‬

‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3401‬وحسنه‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)46/12‬‬

‫‪141‬‬
‫معاين األذكار‬

‫دعاء السفر‪:‬‬
‫للر ِ‬
‫جل‬ ‫كان ُ‬ ‫عم�ر َ‬ ‫عمر َّ‬ ‫ب�ن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫عن س�ال ِم ِ‬
‫يقول ّ‬ ‫َ‬ ‫أن اب َن‬ ‫بن َ‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ يو ّدعنا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عك كام َ‬
‫كان‬ ‫إذا أرا َد س�فر ًا‪ُ :‬‬
‫ادن منّ�ي أو ّد َ‬
‫َ‬
‫عملك»)‪.(1‬‬ ‫وخواتيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأمانتك‬ ‫«أستودع اهللَ َ‬
‫دينك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬
‫َ‬
‫حف�ظ الدين ع�ىل حفظ األمان�ة اهتامما به‪ ،‬وألن الس�فر‬ ‫ق�دّ م‬
‫موض�ع خ�وف أو خطر وق�د يص�اب‪ ،‬وتصل له مش�قة وتعب‬
‫إلمهال�ه بع�ض األم�ور المتعلقة بالدي�ن من إخ�راج الصالة عن‬
‫وقتها ونحوه كام هو ُمشاهد)‪.(2‬‬
‫رس�ول اهللِ‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫ٌ‬ ‫وع�ن ٍ‬
‫رج�ل إىل الن ِّ‬ ‫أنس قال‪ :‬جا َء‬
‫«زو َ‬
‫دك اهلل التّقوى» قال‪ :‬زدين‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ّإين أريدُ سفر ًا ّ‬
‫فزودين‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫اخلري‬
‫لك َ‬ ‫«ويرس َ‬
‫أنت وأ ّم�ي‪ ،‬قال‪َ ّ :‬‬ ‫«وغف�ر َ‬
‫ذنبك» قال‪ :‬زدين بأيب َ‬ ‫َ‬
‫كنت»)‪.(3‬‬
‫حيثام َ‬
‫«زو َ‬
‫دك اهلل التّق�وى» أي جعله�ا زادك‪ ،‬فإن خري الزاد‬ ‫فقول�ه‪ّ :‬‬
‫التقوى‪ ،‬ألهنا زاد المعاد‪.‬‬
‫َ‬
‫ذنب�ك»‪ :‬أي جي�ع ذنوبك‪ ،‬وخاصة الذن�وب التي قد‬ ‫«وغف�ر‬
‫َ‬
‫تقع يف سفرك‪.‬‬

‫كن�ت»‪ :‬أي ي�رس لك اخل�ري الديني‬


‫َ‬ ‫اخل�ري حيث�ام‬
‫َ‬ ‫«وي�رس َ‬
‫ل�ك‬ ‫َّ‬
‫)‪ (1‬رواه الرتمذي (‪ )3443‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)116/5‬‬
‫)‪ (3‬رواه الرتمذي (‪ )3444‬وحسنه‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫معاين األذكار‬

‫والدني�وي من احلج والغ�زو والعلم وطلب احلالل وصلة الرحم‬


‫ونحوه‪ ،‬حيثام كنت متوجها إليه ومرشفا عليه‪.‬‬

‫وحيتم�ل أن الرجل طلب الزاد المتعارف عليه‪ ،‬فأجابه ﷺ بام‬


‫أج�اب عىل طريق أس�لوب احلكي�م‪ :‬أي إن زادك أن تتقي حمارمه‬
‫وتتنب معاصيه)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫بعريه‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان إذا استوى عىل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عمر‬
‫وعن اب َن َ‬
‫«س�بحان ا ىّلذي س�خىّ َر لنا هذا‬
‫َ‬ ‫كر ثالث ًا َّ‬
‫ثم قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫س�فر ّ َ‬ ‫خارج� ًا إىل‬
‫َ‬
‫نسألك يف سفرنا‬ ‫اللهم إنىّا‬
‫َّ‬ ‫ملنقلبون‪،‬‬
‫َ‬ ‫مقرنني وإنىّا إىل ر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫وما كنىّا ل ُه‬
‫هون علينا س�فرنا‬
‫اللهم ىّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العمل ما ترىض‪،‬‬ ‫الرب والتىّقوى‪ ،‬ومن‬ ‫هذا َّ‬
‫الس ِ‬
‫�فر‪ ،‬واخلليف ُة يف‬ ‫احب يف ىّ‬‫الص ُ‬ ‫أنت ىّ‬
‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واطو عنىّ�ا بعد ُه‪،‬‬ ‫ه�ذا‬
‫ِ‬
‫وس�وء‬ ‫ِ‬
‫المنظر‬ ‫ِ‬
‫وكآبة‬ ‫الس ِ‬
‫�فر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬
‫بك من وعثاء ىّ‬ ‫َّ‬ ‫األهل‪،‬‬
‫«آيبون‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واأله�ل»‪ ،‬وإذا َ‬
‫رجع قاهل َّن وزا َد فيه َّن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المال‬ ‫ِ‬
‫المنقل�ب يف‬
‫حامدون»)‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫عابدون لر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫تائبون‬
‫َ‬
‫مقرنني»‪:‬‬
‫َ‬ ‫«سبحان ا ّلذي ّ‬
‫سخ َر لنا هذا وما كنّا ل ُه‬ ‫َ‬ ‫قوله‪:‬‬

‫وج�ه مناس�بة اإلتي�ان هب�ذا الذك�ر وافتتاح�ه ب�� «س�بحان»‬


‫الموضوعة للتنزيه‪ :‬أن تس�خري الدواب لن�ا نعمة عظيمة ال يقدر‬
‫عليها غريه‪ ،‬فناسب شهود تنزهيه عن الرشيك حينئذ‪.‬‬
‫َ‬
‫ملنقلب�ون» ومناس�بة ذل�ك‪ :‬أنه مل�ا كان ركوب‬ ‫«وإنّ�ا إىل ر ّبن�ا‬

‫)‪ (1‬الفتوحات الربانية (‪.)120121/5‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم (‪.)1342‬‬

‫‪143‬‬
‫معاين األذكار‬

‫الس�فينة والداب�ة قد يف�يض إىل الموت يف بعض األح�وال؛ تذكر‬


‫معاده بس�ببه‪ ،‬فناس�ب ذكره؛ ألن الدابة سبب من أسباب التلف‪،‬‬
‫فيكون ذلك حامال له عىل تقوى اهلل يف ركوبه ومسريه‪.‬‬

‫والمع�ني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلاف�ظ‬ ‫�فر» ِ‬
‫أي‬ ‫الس ِ‬
‫اح�ب يف ّ‬
‫ُ‬ ‫الص‬‫أن�ت ّ‬ ‫«الله�م َ‬
‫َّ‬
‫األصل المالزم‪ ،‬والمراد‪ :‬مصاحب ُة اهللِ إياه بالعنايةِ‬ ‫ِ‬ ‫احب يف‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والص ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫واالكتفاء ِبه‬ ‫االعتامد ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول عىل‬ ‫واحلفظ والر ِ‬
‫عاي�ة‪ ،‬فن ّب َه هبذا‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مصاحب سوا ُه‪.‬‬ ‫كل‬‫عن ِّ‬
‫أحد يف إصالحِ ِ‬
‫أمره‪.‬‬ ‫األهل»‪ :‬اخلليف ُة من يقوم مقام ٍ‬
‫ِ‬ ‫«واخلليف ُة يف‬
‫ُ َ‬
‫أن�ت ا ّلذي أرجوه وأعتم�دُ ِ‬
‫عليه يف‬ ‫ّوربش�تي‪ :‬المعنى َ‬
‫ق�ال الت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تلم‬ ‫َ‬
‫يكون معين�ي وحافظي‪ ،‬ويف غيبتي ع�ن أهيل أن َّ‬ ‫س�فري ب�أن‬
‫َ‬
‫وتفظ عليهم دينهم وأمانتهم»)‪.(1‬‬ ‫وتداوي سقمهم‬
‫َ‬ ‫شعثهم‬
‫ِ‬
‫المنظر»‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وكآبة‬ ‫الس ِ‬
‫فر‬ ‫ِ‬ ‫«اللهم ّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من وعثاء ّ‬ ‫َّ‬
‫ب وال ّت َعب‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫فر» ُه َو الن ََّص ُ‬ ‫«وعثاء ّ‬
‫ينقلب إىل ما يقتيض كآب ًة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المنظر»‪ :‬يعني أعو ُذ َ‬
‫بك ممّا‬ ‫ِ‬
‫«وكآب�ة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلزن)‪.(2‬‬ ‫ظهور‬ ‫أحذر‪ ،‬والكآب ُة‬ ‫ِ‬
‫فوات ما أريدُ أو وقو ِع ما‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجو ِع بأن يصيبنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنقلب» أي‪ :‬أعو ُذ َ‬ ‫ِ‬
‫بك من سوء ّ‬ ‫«وس�وء‬
‫مرض‪.‬‬‫حزن أو ٌ‬ ‫ٌ‬

‫)‪ (1‬تفة األحوذي (‪.)280/9‬‬


‫)‪ (2‬المنتقى رشح الموطأ (‪.)303/7‬‬

‫‪144‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ٍ‬
‫لنائبة‬ ‫ِ‬
‫احلاجة أو‬ ‫مق�يض‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫واألهل» َ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫مثل أن يعو َد َ‬ ‫الم�ال‬ ‫«يف‬
‫ُ‬
‫واألهل‬ ‫ِ‬
‫بعضه‪،‬‬ ‫كرسقة ك ّل ِه أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المال‬ ‫كمرض‪ِ ،‬‬
‫أو‬ ‫ٍ‬ ‫أصابت ُه يف الن ِ‬
‫ّفس‬
‫كمرض أحدهم أو ِ‬
‫فقده‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واألقارب‬ ‫الزوج ُة واخلد ُم‬
‫أي‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكتئب‬ ‫وطنه فيلقى ما‬‫ِ‬ ‫ينقلب إىل‬ ‫ِ‬
‫المنقلب أن‬ ‫ِ‬
‫الفائق‪ :‬كآب ُة‬ ‫ويف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سفره أو فيام يقدم ِ‬
‫عليه)‪.(1‬‬ ‫ِ‬ ‫من ُه من ٍ‬
‫أمر أصاب ُه يف‬
‫ُ‬
‫***‬

‫ذكر الرجوع من السفر‪:‬‬


‫قفل)‪ (2‬من ٍ‬
‫غزو‬ ‫كان إذا َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫عمر‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬
‫بن َ‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫األرض َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يكر عىل ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ثالث تكبريات َّ‬ ‫رشف من‬ ‫كل‬ ‫ح�ج أو عمرة ّ ُ‬ ‫أو ٍّ‬
‫وهو عل‬ ‫الملك ول ُه احلمدُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رشيك ل ُه ل ُه‬ ‫يقول‪« :‬ل إل َه ىّإل اهلل وحد ُه ل‬
‫ُ‬
‫حامدون‪،‬‬
‫َ‬ ‫س�اجدون لر ىّبنا‬
‫َ‬ ‫عابدون‬
‫َ‬ ‫تائب�ون‬
‫َ‬ ‫(()‬
‫آيبون‬
‫َ‬ ‫قدي�ر‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫األحزاب وحد ُه»)‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫ونرص عبد ُه وهز َم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صدق اهلل وعد ُه‬

‫مناسبة جميء التهليل بعد التكبري‪:‬‬

‫قال احلافظ يف الفتح (‪« :)189 /11‬قال القرطبي‪ :‬ويف تعقيب‬


‫التكبري بالتهليل إش�ارة إىل أنه المتفرد بإجي�اد جيع الموجودات‪،‬‬
‫وأنه المعبود يف جيع األماكن»‪.‬‬

‫)‪ (1‬مرقاة املفاتيح (‪.)305/8‬‬


‫)‪ (2‬القفول‪ :‬الرجوع‪.‬‬
‫)‪ (3‬اإلياب‪ :‬الرجوع والعودة‪.‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫معاين األذكار‬

‫ُش ُ‬
‫كر اهلل تعاىل عل نعمه‪:‬‬

‫ق�ال ابن عبد ال�ر ‪-‬رمح�ه اهلل‪« : -‬وليس يف ه�ذا احلديث إال‬
‫احلض عىل شكر اهلل للمسافر عىل أوبته ورجعته‪ ،‬وشكر اهلل تعاىل‬
‫والثن�اء علي�ه ب�ام هو أهل�ه واجب ع�ىل كل مؤمن الزم ل�ه بدليل‬
‫قوله تع�اىل‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)‪ ،‬ومن‬
‫الشكر االعرتاف بالنعمة‪ ،‬فنعمة اهلل عظيمة‪.‬‬

‫ومعنى آيبون راجعون‪ ،‬ومعنى تائبون‪ :‬أي من الرشك والكفر‪،‬‬


‫عائ�دون بام افرتض�ه عليهم ورضي�ه منهم‪ ،‬س�اجدون لوجهه ال‬
‫لغريه‪ ،‬حامدون عىل ذلك كله‪.‬‬

‫وقول�ه‪« :‬ص�دق اهلل وعده» في�ام كان َوعَ�دَ ه من ظه�ور دينه‪،‬‬


‫وذلك كله اعرتاف بالنعمة وشكر هلا»)‪.(1‬‬

‫***‬

‫حال اهلم واحلزن‪:‬‬


‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬ما‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬ق�ال‬ ‫ع�ن ِ‬
‫عب�د اهللِ بن مس�عود‬
‫َ‬
‫عبدك‬ ‫وابن‬ ‫َ‬
‫عبدك ُ‬ ‫اللهم ىّإين‬
‫َّ‬ ‫ح�زن فقال‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫هم ول‬ ‫أص�اب أحد ًا ُّ‬
‫قط ٌّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫قضاؤك‪،‬‬ ‫حكمك ٌ‬
‫ع�دل َّيف‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ماض َّيف‬ ‫َ (()‬
‫واب�ن َ‬
‫أمتك ناصيت�ي بيدك‬ ‫ُ‬
‫نفس�ك أو ع ىّلمت ُه أحد ًا من‬
‫َ‬ ‫يت ِبه‬ ‫س�م َ‬
‫لك ىّ‬ ‫هو َ‬ ‫أس�ألك ِّ‬
‫بكل اس� ٍم َ‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬االستذكار (‪.)397/4‬‬


‫)‪ (2‬الناصية‪ :‬مقدم الرأس‪ ،‬وهي هنا إشارة إىل أن إحاطته كاملة للعبد‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫معاين األذكار‬

‫َ‬
‫عندك‪ :‬أن‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫استأثرت ِبه يف عل ِم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كتابك أو‬ ‫َ‬
‫خلقك أو أنزلت ُه يف‬
‫مهي‪،‬‬ ‫وذهاب ىّ‬
‫َ‬ ‫وجالء حزين‬
‫َ‬ ‫ونور صدري‬ ‫ربيع قلبي َ‬ ‫القرآن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جتع�ل‬
‫رس�ول اهللِ‬
‫َ‬ ‫مه ُه وحزن ُه وأبدل ُه مكان ُه فرج ًا» َ‬
‫فقيل‪ :‬يا‬ ‫ىّإل‬
‫أذهب اهلل ىّ‬
‫َ‬
‫أل نتع ىّلمها؟ فقال‪« :‬بل ينبغي ملن سمعها أن يتع ىّلمها»)‪.(1‬‬

‫وه�ذا احلديث يتضم�ن أربعة أصول‪ ،‬ال س�بيل للعبد إىل نيل‬
‫السعادة وزوال اهلم والغم إال باإلتيان هبا وتقيقها‪:‬‬
‫(‪ .‬األصل األول‪ :‬هو تقيق العبادة هلل ومتام االنكسار بني يديه‪،‬‬
‫واع�رتاف العبد بأنه خملوق هلل ممل�وك له هو وآباؤه وأمهاتُه‪،‬‬
‫َ‬
‫عبدك واب ُن َ‬
‫أمتك»‬ ‫َ‬
‫عبدك واب ُن‬ ‫«اللهم ّإين‬
‫َّ‬ ‫وذلك يف قوله‪:‬‬
‫يكتف بقوله‪« :‬إين عب�دك» بل زاد «وابن عبدك وابن‬‫ِ‬ ‫فل�م‬
‫أمت�ك» إلظهار التذلل واخلضوع‪ ،‬واالعرتاف بالعبودية‪،‬‬
‫فهذا أبلغ وآكد يف إظهار التذلل والعبودية‪ ،‬ألن َمن َملك‬
‫رجال ليس مثل من ملكه مع أبويه‪.‬‬
‫(‪ .‬األص�ل الث�اين‪ :‬أن يؤمن العبد بقض�اء اهلل و َقدَ ره‪ ،‬وأن ما‬
‫شاء كان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬وأنه ال معقب حلكمه‪ ،‬وال را ّد‬
‫كم َك‬‫ماض ِ َّيف ُح ُ‬
‫ٍ‬ ‫«ناص َيتِي بِ َي ِد َك‬
‫لقضائه‪ ،‬وذلك يف قوله‪ِ :‬‬

‫دل ِ َّيف َق ُ‬
‫ضاؤ َك»‪.‬‬ ‫َع ٌ‬
‫(‪ .‬األصل الثالث‪ :‬أن يؤمن العبد بأسامء اهلل احلسنى وصفاته‬
‫العظيم�ة الواردة يف الكتاب والس�نة‪ ،‬ويتوس�ل هبا إىل اهلل‬

‫)‪ (1‬رواه أمحد (‪ ،)3704‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪.)199‬‬

‫‪147‬‬
‫معاين األذكار‬

‫يت‬
‫سم َ‬ ‫هو َ‬
‫لك ّ‬ ‫بكل اس ٍم َ‬ ‫«أس�ألك ِّ‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وذلك يف قوله‪:‬‬
‫َ‬
‫كتابك أو‬ ‫َ‬
‫خلقك أو أنزلت ُه يف‬ ‫نفسك أو ع ّلمت ُه أحد ًا من‬
‫َ‬ ‫ِبه‬
‫َ‬
‫عندك»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫استأثرت ِبه يف عل ِم‬
‫َ‬
‫ ‪ .‬األص�ل الرابع‪ :‬ه�و العناية بالقرآن الكري�م‪ ،‬كالم اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬المش�تمل عىل اهلداية والش�فاء والكفاية والعافية‪،‬‬
‫والعب�د كل�ام كان عظيم العناي�ة بالقرآن نال من الس�عادة‬
‫والطمأنين�ة وراح�ة الص�در وزوال اهل�م والغم بحس�ب‬
‫ربيع قلبي‬ ‫َ‬
‫الق�رآن َ‬ ‫ذل�ك‪ ،‬وهلذا ق�ال يف الدعاء‪« :‬أن َ‬
‫تعل‬
‫مهي»‪.‬‬
‫وذهاب ّ‬
‫َ‬ ‫ونور صدري وجال َء حزين‬
‫َ‬
‫فهذه أربع ُة أصول عظيمة مس�تفادة من ه�ذا الدعاء المبارك‪،‬‬
‫ينبغ�ي علين�ا أن نتأ َّم َلها ونَس� َعى يف تقيقها؛ َ‬
‫لننال ه�ذا الموعو َد‬
‫مه ُه‬
‫أذه�ب اهلل ىّ‬
‫َ‬ ‫والفض�ل العظي�م‪ ،‬وه�و قول�ه ﷺ‪ :‬ىّ‬
‫«إل‬ ‫َ‬ ‫الكري�م‬
‫َ‬
‫وحزن ُه وأبدل ُه مكان ُه فرج ًا»)‪.(1‬‬
‫رس�ول اهللِ ﷺ كثري ًا ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أس�مع‬
‫ُ‬ ‫أنس قال‪ُ :‬‬
‫كنت‬ ‫وع�ن ِ‬
‫ِ‬
‫والبخل‬ ‫ِ‬
‫والكس�ل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعجز‬ ‫ِ‬
‫واحلزن‪،‬‬ ‫اهلم‬ ‫«اللهم ىّإين أعو ُذ َ‬
‫بك من ِّ‬ ‫َّ‬
‫جال»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫وغلبة الر ِ‬ ‫واجلبن‪ ،‬وضل ِع الدىّ ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ىّ‬
‫اهلم يف المتو ّقع‪ ،‬واحلزن‬ ‫اهلم واحلزن» قال ال ّط ُّ‬
‫يبي‪ّ :‬‬ ‫قوله‪« :‬من ّ‬
‫فات‪.‬‬
‫فيام َ‬

‫)‪ (1‬فقه األدعية واألذكار (‪.)186188/3‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري (‪- )2893‬واللفظ له ‪ -‬ومسلم (‪.)2706‬‬

‫‪148‬‬
‫معاين األذكار‬

‫هو ضدّ القدرة‪.‬‬


‫و«العجز»‪َ :‬‬
‫و«الكسل»‪ :‬هو التّثاقل عن األمر المحمود‪.‬‬
‫هو ترك أداء الواجبات المال ّية‪.‬‬
‫و«البخل»‪َ :‬‬
‫وهو اخلوف عند القتال)‪.(1‬‬ ‫و«اجلبن»‪ :‬ضدّ ّ‬
‫الشجاعة‪َ ،‬‬
‫الضلع‪ :‬االعوج�اج‪ ،‬والمراد ِبه‬ ‫قول�ه «وضل�ع الدّ ين»‪ :‬أصل ّ‬
‫ِ‬
‫علي�ه الدّ ين وفا ًء‬ ‫وذل�ك ُ‬
‫حيث ال جيد من‬ ‫َ‬ ‫هن�ا ثقل الدّ ين وش�دّ ته‬
‫مع المطالبة‪.‬‬‫وال س ّيام َ‬
‫أذهب من‬
‫َ‬ ‫ه�م الدّ ين قلب� ًا ّإال‬ ‫الس�لف‪ :‬ما َ‬
‫دخل ّ‬ ‫وق�ال بعض ّ‬
‫العقل ما ال يعود ِ‬
‫إليه‪.‬‬
‫الرجال»‪ :‬أي قهرهم وش�دّ ة تس� ّلطهم‪ ،‬فاستعا َذ‬
‫قوله «وغلبة ّ‬
‫الرجال ملا يف َ‬
‫ذلك من الوهن يف النّفس والمعاش‪.‬‬ ‫من أن يغلب ُه ّ‬
‫الرذائل‬ ‫الكرماين‪ :‬هذا الدّ عاء من جوامع الكلم‪َّ ،‬‬
‫ألن أنواع ّ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ثالثة‪ :‬نفسان ّية وبدن ّية وخارج ّية‪ ،‬والدّ عاء مشتمل عىل االستعاذة‬
‫من جيع َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يتص�ور ُه العقل م�ن المك�روه يف احلال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اهل�م مل�ا‬
‫أن ّ‬ ‫وحمصل�ه َّ‬
‫ّ‬
‫وقع يف المايض‪ ،‬والعجز ضدّ االقتدار‪ ،‬والكس�ل ضدّ‬
‫واحلزن ملا َ‬
‫النّشاط‪ ،‬والبخل ضدّ الكرم‪ ،‬واجلبن ضدّ ّ‬
‫الشجاعة)‪.(2‬‬

‫***‬

‫)‪ (1‬عون المعبود (‪.)280281/4‬‬


‫)‪ (2‬فتح الباري (‪.)174/11‬‬

‫‪149‬‬
‫معاين األذكار‬

‫دعاء الكرب‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكرب‬ ‫ّب�ي ﷺ يدعو عن�دَ‬ ‫اس ق�ال‪َ :‬‬
‫كان الن ُّ‬ ‫اب�ن ع ّب ٍ‬ ‫ع�ن ِ‬
‫ِ‬
‫العرش‬ ‫رب‬‫احللي�م‪ ،‬ل إل� َه ىّإل اهلل ُّ‬
‫ُ‬ ‫العظي�م‬
‫ُ‬ ‫يق�ول‪« :‬ل إل� َه ىّإل اهلل‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرش‬ ‫ورب‬ ‫األرض ُّ‬ ‫ورب‬
‫الس�موات ُّ‬ ‫العظيمِ‪ ،‬ل إل َه ىّإل اهلل ُّ‬
‫رب ىّ‬
‫الكريمِ»)‪.(1‬‬

‫العظيم»‪ :‬أنه ال يتعاظمه مسؤول‬


‫ُ‬ ‫ومناسبة قوله‪« :‬ال إل َه ّإال اهلل‬
‫وإن عظم‪ ،‬ومنه إزالة الكرب الذي ال يزيله غريه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الع�رش العظي� ِم»‪ :‬فم�ن وس�عت ربوبيت�ه الع�رش‬ ‫«ورب‬
‫ُّ‬
‫الذي وس�ع المخلوق�ات كلها‪ ،‬جدير بأن يزي�ل الكروب ويرفع‬
‫اللغوب)‪.(2‬‬

‫وك�رر ذكر الع�رش مرتني ألن الع�رش أعظ�م المخلوقات‪،‬‬


‫وأعىل الموجودات‪ ،‬تنبيه ًا عىل عظمة شأنه‪ ،‬وعىل عظم خالقه)‪.(3‬‬

‫قال ابن بطال ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬حدثني أبو بكر الرازي قال‪ :‬كنت‬
‫بأصبه�ان عند الش�يخ أبى نعي�م أكتب عنه احلدي�ث‪ ،‬وكان هناك‬
‫شيخ آخر ُيعرف بأيب بكر بن عيل‪ ،‬وكان عليه مدار الفتيا‪ ،‬فحسده‬
‫بعض أهل البلد فب ّغاه عند الس�لطان‪ ،‬فأمر َ‬
‫بسجنه‪ ،‬وكان ذلك يف‬
‫ش�هر رمضان‪ ،‬ق�ال أبو بكر‪ :‬فرأيت النب�ي ﷺ يف المنام وجريل‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري (‪ )6346‬ومسلم (‪.)2730‬‬


‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)5/4‬‬
‫)‪ (3‬ال َع َلم اهليب (‪.)336‬‬

‫‪150‬‬
‫معاين األذكار‬

‫عن يمينه حيرك ش�فتيه ال يفرت من التسبيح‪ ،‬فقال يل النبي ﷺ‪ :‬قل‬


‫أليب بك�ر بن عيل‪ :‬يدعو بدعاء الكرب الذي يف صحيح البخاري‬
‫حتى يفرج اهلل عنه‪.‬‬

‫فأصبح�ت فأتي�ت إليه وأخرت�ه بالرؤيا‪ ،‬فدعا ب�ه فام بقي إال‬
‫ال حتى ُأخرج من السجن‪.‬‬
‫قلي ً‬

‫ففي ه�ذه الرؤيا ش�هادة النبي ﷺ لكتاب البخ�اري بالصحة‬


‫بح�رضة جري�ل ﷺ‪ ،‬والش�يطان ال يتص�ور بص�ورة النب�ي يف‬
‫المنام»)‪.(1‬‬

‫ويف احلدي�ث فضل التوحي�د وأثره العظيم يف كش�ف الكرب‬


‫وزوال اهل�م والغ�م‪ ،‬وكام قال تع�اىل عن نبيه يونس عليه الس�الم‬
‫وهو يف أعظم ساعات الكرب‪( :‬ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ‬
‫ﮬﮭﮮ) [األنبياء‪.[88 -87 :‬‬

‫رس�ول اهللِ ﷺ‪« :‬دعو ُة‬


‫ُ‬ ‫س�عد بن أيب و ّقاص قال‪ :‬قال‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫َ‬
‫س�بحانك‬ ‫أنت‬ ‫ِ‬
‫احلوت‪ :‬ل إل َه ىّإل َ‬ ‫ِ‬
‫بط�ن‬ ‫وهو يف‬ ‫ذي الن ِ‬
‫ىّ�ون إذ دع�ا َ‬
‫قط ىّإل‬ ‫رجل مس�لم يف ٍ‬
‫يشء ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫يدع هبا ٌ‬ ‫كنت من ال ىّظ َ‬
‫المني‪ ،‬فإ ىّن ُه مل ُ‬ ‫ىّإين ُ‬
‫استجاب اهلل ل ُه»)‪.(2‬‬
‫َ‬

‫)‪ (1‬رشح صحيح البخاري (‪.)109110/10‬‬


‫)‪ (2‬رواه الرتمذي (‪ )3505‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫معاين األذكار‬

‫«دع�وات‬
‫ُ‬ ‫رس�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وع�ن أيب بك�رة ق�ال‪ :‬ق�ال‬
‫رمحتك أرجو فال تكلن�ي إىل نفس طرف َة ٍ‬
‫عني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المك�روب‪:‬‬
‫وأصلح يل شأين ك ّل ُه‪ ،‬ال إل َه ّإال َ‬
‫أنت»)‪.(1‬‬

‫َ�ك َأ ُ‬
‫رج�و»‪ :‬ق�دم الرمحة ع�ىل الطل�ب والرجاء‪،‬‬ ‫محت َ‬
‫«ر َ‬
‫قول�ه‪َ :‬‬
‫والتقديم يفيد القر‪ ،‬أي ال أرجو سوى رمحتك‪.‬‬
‫َكلنِي إِ َىل ن ِ‬
‫َفس» فض ً‬
‫ال عن غريها‪.‬‬ ‫« َفال ت ِ‬

‫فإن�ك إن تكلن�ي إىل نف�س تكلن�ي إىل ضعف وع�ورة وذنب‬


‫وخطيئة)‪.(2‬‬

‫وق�ال المناوي‪« :‬ختمه بكلم�ة التوحيد إش�ارة إىل أن الدعاء‬


‫إن�ام ينفع المكروب ويزي�ل كربه إذا كان مع حضور القلب‪ ،‬و َمن‬
‫ري‬
‫شهد هلل بالتوحيد واجلالل مع جع اهلمة وحضور البال فهو َح ّ‬
‫بزوال الكرب يف الدنيا والرمحة ورفع الدرجات يف العقبى»)‪.(3‬‬

‫ومناس�ب ُة الدع�اء بكلم�ة التوحي�د إلزال�ة الك�رب‪ :‬أن كلمة‬


‫الروح‪ ،‬وإذا اس�تنار القلب زال عنه‬
‫َ‬ ‫التوحيد تنري القلب‪ ،‬وت ِ‬
‫ُرش ُق‬
‫الكرب‪.‬‬

‫«سبحان ََك» أي ُأن َِّزهك عن أن ُي َ‬


‫عجزك يشء)‪.(4‬‬ ‫وقوله‪ُ :‬‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود (‪ )5090‬وأمحد (‪.)27898‬‬
‫)‪ (2‬الفتوحات الربانية (‪.)9/4‬‬
‫)‪ (3‬فيض القدير (‪.)526/3‬‬
‫)‪ (4‬الفتوحات الربانية (‪.)11/4‬‬

‫‪152‬‬
‫معاين األذكار‬

‫رسه أو يكرهه؟‬
‫أمر َي ُ ّ‬
‫ماذا يقول َمن أتاه ٌ‬
‫حيب‬ ‫ُ ِ‬ ‫ع�ن عائش� َة قال�ت‪َ :‬‬
‫رس�ول اهلل ﷺ إذا رأى م�ا ُّ‬ ‫كان‬
‫ِ‬
‫احل�ات‪ ،‬وإذا رأى ما يكر ُه‬
‫ُ‬ ‫الص‬ ‫ق�ال‪ :‬احلمدُ هللِ ا ّل�ذي بنعمته ُّ‬
‫تت�م ّ‬
‫كل ٍ‬
‫حال)‪.(1‬‬ ‫قال‪ :‬احلمدُ هللِ عىل ِّ‬

‫المناوي ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬أحوال المؤمن كلها خري‪ ،‬وقضاء‬


‫قال ُ‬
‫اهلل بال�رساء والرضاء رمحة ونعمة‪ ،‬ولو انكش�ف ل�ه الغطاء لفرح‬
‫بال�رضاء أكث�ر من فرحه بال�رساء‪ ،‬وهو أعلم بام يصل�ح به عبده‪.‬‬
‫ونب�ه هب�ذا احلدي�ث ع�ىل أن ع�ىل العبد أن حيم�د اهلل ع�ىل الرساء‬
‫خيصهم وهو احلمد هلل عىل كل‬
‫والرضاء‪ ،‬وعىل أن للصابرين محدا ّ‬
‫حال‪ ،‬وأن للشاكرين محدا خيصهم وهو احلمد هلل الذي بنعمته تتم‬
‫الصاحلات»)‪.(2‬‬

‫***‬

‫مناسبة ذكر اهلل عند القتال‪:‬‬


‫ق�ال تع�اىل‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [األنفال‪.[45 :‬‬

‫أم�ر اهلل عب�اده بذك�ره كث�ريا عن�د مصاب�رة الع�دو والتالحم‬


‫بالرماح والس�يوف‪ ،‬ألهنا حالة يقع فيه�ا الذهول يف هذا الموطن‬

‫)‪ (1‬رواه ابن ماجة (‪ )3803‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫)‪ (2‬فيض القدير (‪.)368/1‬‬

‫‪153‬‬

You might also like