You are on page 1of 30

‫آية ‪73-1‬‬

‫تفسري سورة التوبة‬

‫أنا فطرية لسمونو‪2-‬‬


‫‪444925520‬‬
‫‪ 7‬الشريعة‬
‫حتت اإلشراف‪ :‬األستاذ د‪ .‬حييى صاحل الطويان‬

‫العام الدراسي‪3444-3441 :‬هـ ـ‬ ‫‪1‬‬


‫سورة التوبة‬
‫هي مائة وثالثون آية‪.‬‬
‫‪ ‬ولها أسماء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬سورة التوبة؛ ألن فيها التوبة على المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -‬سورة الفاضحة؛ ألنه ما زال ينزل فيها‪ :‬ومنهم‪ ،‬ومنهم‪ ،‬حتى كادت أن ال تدع أحدا‪.‬‬
‫‪ -‬سورة البحوث؛ ألنها تبحث عن أسرار المنافقين‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫‪ ‬وهي مدنية باتفاق (قاله القرطبي)‪ ،‬وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال‪" :‬نزلت براءة بعد فتح مكة"‪.‬‬
‫‪ ‬وآخر آية نزلت ﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكاللة﴾‪ ،‬وآخر سورة نزلت تامة هو براءة‪.‬‬

‫اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال‪:‬‬

‫أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد‪ ،‬فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا‬ ‫عن املربد وغريه‬
‫ولم يكتبوا فيه بسملة؛ فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي ﷺ والمشركين‪،‬‬
‫بعث بها النبي ﷺ علي بن أبي طالب‪ ،‬فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت‬
‫به عادة العرب‪.‬‬
‫روي عن مالك بن أنها كانت تعدل سورة البقرة‪ ،‬أو قريبا منها‪ ،‬وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة‪.‬‬
‫أنس وابن عجالن‬

‫ْ ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫عاه ْدت ْم ِم َن ال ُمش ِر ِكين (‪)1‬‬ ‫َبر َاءة ِم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه ِإلى ال ِذين‬
‫برئت من الشيء‪ ،‬أبرأ براءة‪ ،‬وأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك‪ ،‬وقطعت سبب ما بينك‬
‫وبينه‪.‬‬ ‫براءة من الله‬
‫ِم ْن‪ :‬البتداء الغاية‪ ،‬متعلق بمحذوف وقع صفة‪ ،‬أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين‬ ‫ورسوله‬
‫عاهدتم‪.‬‬
‫العهد‪ :‬العقد الموثق باليمين‪،‬‬
‫إلى الذين‬
‫والخطاب في "عاهدتم" للمسلمين‪ ،‬وقد كانوا عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من الله‬
‫عاهدتم‬
‫ورسوله ﷺ‪.‬‬
‫اإلخبار بأن الله ورسوله ﷺ قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من‬
‫واملعنى‪:‬‬
‫النقض‪ ،‬فمعنى براءة الله سبحانه‪ :‬وقوع اإلذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين‪ ،‬لعهد‬

‫‪2‬‬
‫المشركين بعد وقوع النقض منهم‪ ،‬وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة‪ ،‬والتهويل لها‪،‬‬
‫والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما ال يخفى‪.‬‬

‫َّ َ َ َّ َّ‬
‫الل َه ُم ْخزي ْال َكافر َ‬ ‫اع َل ُموا َأ َّن ُك ْم َغ ْي ُر ُم ْ‬
‫اْل ْرض َأ ْرَب َع َة َأ ْش ُهر َو ْ‬
‫َْ‬ ‫َفس ُ‬
‫ين (‪)2‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫ج‬
‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫يح‬ ‫ِ‬
‫هذا أمر للمشركين من الله سبحانه بالسياحة بعد اإلخبار بالبراءة‪ ،‬والسياحة‪ :‬السير‪.‬‬
‫فسيحوا في‬
‫معنى اآلية‪ :‬بعد أن أذن الله بالنبذ إلى المشركين بعهدهم‪ ،‬أباح للمشركين الضرب في‬
‫األرض أربعة‬
‫األرض‪ ،‬والذهاب إلى حيث يريدون واالستعداد للحرب هذه األربعة األشهر؛ ليراجعوا من‬
‫أشهر‬
‫ذنوبهم ويتوبون‪ ،‬وليس المراد من األمر بالسياحة تكليفهم بها‪.‬‬
‫قال حممد بن إسحاق وغريه‪" :‬إن املشركني صنفان"‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬صنف مدة عهده أكثر من أربعة أشهر‬ ‫أوال‪ :‬صنف كانت مدة‬
‫فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه‪ ،‬وهو حرب بعد ذلك لله ورسوله ﷺ‬ ‫عهده أقل من أربعة أشهر‬
‫وللمؤمنين‪ ،‬يقتل حيث يوجد‪.‬‬ ‫فأمهل تمام أربعة أشهر‬
‫وابتداء هذا األجل يوم الحج األكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع اآلخر‪.‬‬
‫أما من لم يكن له عهد‬
‫فإنما أجله انسالخ األشهر الحرم‪ ،‬وذلك خمسون يوما‪ 02 ،‬من ذي الحجة وشهر محرم‪.‬‬
‫وقال الكليب‪" :‬إنما كانت األربعة األشهر لمن كان بينه وبين رسول الله ﷺ عهد دون أربعة أشهر‪ ،‬ومن كان‬
‫عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقوله‪ّ ﴿ :‬‬
‫فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾ ورجح‬
‫هذا ابن جرير وغيره‪.‬‬

‫اعلموا (من أمهل إلى أربعة أشهر) أن هذا اإلمهال ليس لعجز‪ ،‬ولكن لمصلحة‪،‬‬
‫واعلموا أنكم غير‬
‫ليتوب من تاب‪ ،‬وفي ذلك ضرب من التهديد‪ ،‬كأنه قيل‪" :‬افعلوا في هذه المدة كل‬
‫معجزي الله‬
‫ما أمكنكم من إعداد اآلالت واألدوات‪ ،‬فإنكم ال تفوتون الله وهو مخزيكم"‪.‬‬
‫أي‪ :‬مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل واألسر وفي اآلخرة بالعذاب‪ .‬وفي وضع‬ ‫وأن الله مخزي‬
‫الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا اإلخزاء هو الكفر‪.‬‬ ‫الكافرين‬

‫ُ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ َ ٌ َ َّ‬


‫اس َي ْو َم ال َح ِ ّج اْلك َب ِرأ َّن الل َه َب ِري ٌء ِم َن ال ُمش ِر ِكين َو َر ُسول ُه ف ِِن ت ُْْ ْم ف ُه َو‬ ‫الن‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫ِ ِ ِ َ َِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫الله َو َر ُ‬
‫وأذان ِمن ِ‬
‫َّ َ َ ّ َّ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َخ ْي ٌر َل ُك ْم َوإ ْن َت َول ْي ُُ ْم ف ْ‬
‫اعل ُموا أ َّنك ْم غ ْي ُر ُم ْ‬ ‫َّ‬
‫اب أ ِل ٍيم (‪)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ين‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ش‬‫ِ‬ ‫ب‬‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ج‬
‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫األذان بمعنى اإليذان وهو اإلعالم‪.‬‬ ‫َوأذ ٌان ِم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه‬
‫التعميم في هذا‪ ،‬أي‪ :‬أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون‬
‫قوم‪ ،‬فهذه الجملة متضمنة لإلخبار بوجوب اإلعالم لجميع الناس‪ ،‬والجملة األولى‬ ‫اس‬ ‫َ َّ‬
‫ِإلى الن ِ‬
‫متضمنة لإلخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة‪.‬‬
‫ووصفه باألكبر ألنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في اآلية إلى قولين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ذهب جمع منهم‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬ومجاهد أنه يوم‬ ‫ْ‬
‫َي ْو َم ال َح ِج‬
‫النحر‪ ،‬ورجحه ابن جرير‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ذهب آخرون منهم‪ :‬عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وطاوس أنه يوم عرفة‪،‬‬
‫واألول أرجح؛ ألن الني ﷺ أمر بعثه إلبالغ هذا إلى المشركين يوم النحر‪.‬‬
‫أيها المشركين من الكفر‪ ،‬وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب‪ ،‬قيل أن فائدته‬ ‫َ ُ‬
‫ف ِإ ْن ت ْب ُت ْم‬
‫هي‪ :‬زيادة التهديد‪.‬‬
‫َ َ َُ‬
‫فالتوبة خير لكم مما أنتم فيه من الكفر‪.‬‬ ‫ف ُه َو خ ْي ٌر لك ْم‬
‫َ َّ‬
‫أي‪ :‬أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر‪.‬‬ ‫َو ِإ ْن ت َول ْي ُت ْم‬
‫َ َْ َ ُ َ‬
‫أي‪ :‬غير فائتين عليه‪ ،‬بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫اعل ُموا أ َّنك ْم غ ْي ُر‬ ‫ف‬
‫ُ ْ ي َّ‬
‫مع ِج ِز الل ِه‬
‫َّ َ َ‬
‫هذا تهكم بهم‪ ،‬وفيه التهديد ما ال يخفى‪.‬‬ ‫ين ك َف ُروا‬ ‫َو َب ِش ِر ال ِذ‬
‫ََ َ‬
‫اب أ ِل ٍيم‬ ‫ِبعذ ٍ‬

‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ً َ َ ْ ُ َ‬


‫اه ُروا َعل ْيك ْم أ َح ًدا فأ ِت ّموا ِإل ْي ِه ْم َع ْه َد ُه ْم‬
‫ِإَّل ال ِذين عاهدتم ِمن المش ِر ِكين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظ ِ‬
‫ْ َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِإلى ُم َّد ِت ِه ْم ِإ َّن الل َه ُي ِح ّب ال ُمُ ِقين (‪)4‬‬
‫االختالف في عودة االستثناء‪:‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬أنه يعود إلى قوله ﴿براءة﴾‪ ،‬والتقدير‪ :‬براءة من الله ورسوله إلى‬
‫المعاهدين من المشركين إال الذين لم ينقضوا العهد منهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إ ََّّل َّالذ َ‬
‫ين َع َاه ْدت ْم‬ ‫ِ ِ‬

‫وقال في الكشاف‪ :‬أنه مستثنى من قوله ﴿فسيحوا﴾‪ ،‬والتقدير‪ :‬فقولوا لهم‪ :‬فسيحوا‬
‫إال الذين عاهدتم‪ ،‬ثم لم ينقصوكم‪ ،‬فأتموا إليهم عهدهم وال تجروهم مجراهم‪.‬‬
‫ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ‬
‫أي‪ :‬لم يقع منهم أي نقص من نقض العهد وإن كان يسيرا‪.‬‬ ‫صوك ْم‬ ‫ثم لم ينق‬

‫‪4‬‬
‫َ‬
‫ش ْي ًئا‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َول ْم ُيظ ِاه ُروا َعل ْيك ْم المظاهرة‪ :‬المعاونة‪ ،‬أي‪ :‬لم يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم‪ ،‬وذكرت المظاهرة هنا‬
‫َ‬
‫حتى يعلم أن المظاهرة داخلة في نقض العهد‪.‬‬ ‫أ َح ًدا‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫أي‪ :‬أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص‪.‬‬ ‫فأ ِت ُّموا ِإل ْي ِه ْم‬
‫َع ْه َد ُه ْم‬
‫التي عاهدتم إليها‪ ،‬وإن كانت أكبر من أربعة أشهر‪ ،‬وال تعاملوهم معاملة الناكثين من‬ ‫َ‬
‫ِإلى ُم َّد ِت ِه ْم‬
‫القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا‪.‬‬

‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وه ْم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫َ َ ْ ََ َ َْ‬


‫اْل ْش ُه ُر ْال ُح ُر ُم َف ْاق ُُ ُلوا ْال ُم ْشرك َين َح ْي ُث َو َج ْد ُت ُم ُ‬
‫وه ْم َو اق ُع ُدوا ل ُه ْم ُ َّ َّ‬‫ص ُر ُ‬ ‫اح ُ‬‫وه ْم َو ْ‬
‫ِِ‬ ‫ف ِِذا انسلخ‬
‫ٌ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يم (‪)5‬‬ ‫م ْرص ٍد ف ِِن تابوا و أقاموا الصَلة و آتوا الزُاة فخلوا س ِْيل ُهم ِإن الله غف ِ‬
‫انسالخ الشهر‪ :‬تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضي‪ ،‬كانسالخ الجلد عما يحويه‪.‬‬
‫اختلف العلماء في تعيين األشهر الحرم المذكورة ها هنا‪:‬‬
‫قيل‪ :‬هي األشهر الحرم المعروفة التي هي‪ :‬ذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،،‬ومحرم‪،‬‬
‫ورجب‪ ،‬ومعنى اآلية على هذا‪ :‬وجوب اإلمساك عن قتال من ال عهد له من‬
‫المشركين في هذه األشهر‪ ،‬أما الباقي من األشهر الحرم التي هي الثالثة المسرودة‬
‫خمسين يوما تنقضي بانقضاء شهر المحرم‪ ،‬فأمرهم الله بقتل المشركين حيث‬
‫يوجدون‪ ،‬وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك والباقر‪ ،‬وروي عن ابن‬
‫َ َ ْ َ َْْ‬
‫عباس واختاره ابن جرير‪.‬‬ ‫ف ِإذا ان َسل َخ األش ُه ُر‬
‫ْ‬
‫ال ُح ُر ُم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وقيل‪ :‬هي شهور العهد المشار إليه بقوله ﴿ فأ ِت ّموا ِإل ْي ِه ْم َع ْه َد ُه ْم ِإلى ُم َّد ِت ِه ْم ﴾‪،‬‬
‫وسميت حرما ألن الله سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض‬
‫لهم‪ ،‬وذهب بهذا القول جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد‬
‫وعمرو بن شعيب‪.‬‬

‫ْ َْ َ َ َ ْ‬ ‫وقيل‪ :‬هي األشهر المذكورة في قوله ﴿ َفس ُ‬


‫ض أ ْرَب َعة أش ُه ٍر﴾‪ ،‬وقد‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫اْل‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫يح‬ ‫ِ‬
‫روي ذلك عن ابن عباس وجماعة ورجحه ابن كثير‪.‬‬
‫في أي مكان وجدتموهم من حل أو حرم‪.‬‬ ‫َح ْي ُث َو َج ْد ُت ُم ُ‬
‫وه ْم‬
‫ص ُر ُ‬
‫وه ْم األسر‪ ،‬فإن األخيذ هو األسير‪.‬‬ ‫اح ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬‫َو ُخ ُذ ُ‬

‫‪5‬‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ومعنى الحصر‪ :‬منعهم من التصرف في بالد المسلمين إال بإذن منهم‪.‬‬ ‫َواق ُع ُدوا ل ُه ْم ك َّل‬
‫ص ٍد‬ ‫َم ْر َ‬
‫والمرصد‪ :‬الموضع الذي يرقب فيه العدو‪.‬‬
‫وهذه اآلية المتضمنة لألمر بقتل المشركين عند انسالخ األشهر الحرم عامة لكل مشرك ال يخرج عنها إال من‬
‫خصته السنة‪ ،‬وهو المرأة والصبي والعاجز الذي ال يقاتل‪ ،‬وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون‬
‫الجزية‪ .‬وهذه اآلية نسخت كل آية فيها ذكر اإلعراض عن المشركين والصبر على أذاهم‪.‬‬
‫أي‪ :‬تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل‪ ،‬وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ف ِإ ْن ت ُابوا َوأق ُاموا‬
‫اإلسالم‪ ،‬هو إقامة الصالة لكونها رأسها‪ ،‬واكتفى بالركن اآلخر المالي‪ ،‬وهو إيتاء‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ‬
‫الزكاة‬ ‫الصَلة وآتوا‬
‫الزكاة عن كل ما يتعلق باألموال من العبادات‪ ،‬ألنه أعظمها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫أي‪ :‬اتركوهم وشأنهم‪ ،‬فال تأسروهم‪ ،‬وال تحصروهم‪ ،‬وال تقتلوهم‪.‬‬ ‫فخلوا َس ِبيل ُه ْم‬
‫ور َر ِح ٌ‬ ‫َّ َّ‬
‫الل َه َغ ُف ٌ‬
‫غفور لهم رحيم بهم‪.‬‬ ‫يم‬ ‫ِإن‬

‫َ َ َ‬ ‫َّ ُ َ ْ ْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ َ َ ٌ َ ُْ ْ َ ْ َ‬


‫اسُ َجا َر َك فأ ِج ْر ُه َح َّتى َي ْس َم َع كَل َم الل ِه ث َّم أ ْب ِلغ ُه َمأ َمن ُه ذ ِل َك ِبأ َّن ُه ْم ق ْو ٌم َّل‬ ‫و ِإن أحد ِمن المش ِر ِكين‬
‫َ َْ ُ َ‬
‫يعلمون (‪)6‬‬
‫يقال‪ :‬استجرت فالنا‪ ،‬أي‪ :‬طلبت أن يكون جارا؛ أي‪ :‬محاميا ومحافظا من أن‬ ‫َ‬
‫َو ِإ ْن أ َح ٌد ِم َن‬
‫ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ يظلمني ظالم‪ ،‬أو يتعرض لي متعرض‪،‬‬
‫المش ِر ِكين استجارك‬
‫والمعنى‪ :‬إن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره‪ ،‬أي‪ :‬كن جارا‬ ‫ََ‬
‫فأ ِج ْر ُه‬
‫له مؤمنا محاميا‪.‬‬
‫َ َ َّ‬
‫َح َّتى َي ْس َم َع كَل َم الل ِه منك ويتدبره حق تدبره‪ ،‬ويقف على حقيقة ما تدعو إليه‪.‬‬
‫أي‪ :‬إلى الدار التي يأمن فيها بعد أن يسمع كالم الله‪ ،‬إن لم يسلم‪ ،‬ثم بعد أن تبلغه‬
‫ُ َ ْ ْ‬
‫مأمنه قاتله فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه‪ ،‬ووجوب قتله‬ ‫ث َّم أ ْب ِلغ ُه َمأ َم َن ُه‬
‫حيث يوجد‪.‬‬
‫َ‬
‫ذ ِل َك‬
‫اإلشارة إلى ما تقدم من األمر باإلجارة وما بعده‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫ِبأ َّن ُه ْم ق ْو ٌم َّل َي ْعل ُمون أي‪ :‬بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز‪ ،‬بين الخير والشر في الحال والمآل‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ ْ َ‬


‫اه ْدت ْم ِعن َد ال َم ْس ِج ِد ال َح َر ِام ف َما‬ ‫ك ْيف َيكون ِلل ُمش ِر ِكين َع ْه ٌد ِعن َد الل ِه َو ِعن َد َر ُس ِول ِه ِإَّل ال ِذين ع‬
‫ْ َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ََ ُ َُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫يموا ل ُه ْم ِإ َّن الل َه ُي ِح ّب ال ُمُ ِقين (‪)7‬‬ ‫اسُقاموا لكم فاسُ ِق‬
‫َْ َ ُ‬
‫االستفهام هنا للتعجب المتضمن لإلنكار‪ ،‬والمعنى‪ :‬كْيف يكون لِلْم ْش ِركِين ع ْه ٌد‬ ‫ف َيكو ُن‬‫كي‬

‫‪6‬‬
‫َْ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ِلل ُمش ِر ِكين َع ْه ٌد ِعند ِعنْد اللَِّه ويأمنون به من عذابه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الل ِه َو ِع ْن َد َر ُس ِول ِه‬
‫ين َع َاه ْد ُت ْم أي‪ :‬لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام‪ ،‬ولم ينقضوا‪ ،‬ولم ينكثوا‪ ،‬فال تقاتلوهم‪،‬‬ ‫إ ََّّل َّالذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫ِعند ال َمس ِج ِد الح َر ِام فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َف ْ‬
‫قيل‪ :‬هم بنو بكر‪ ،‬وقيل‪ :‬بنو كنانة‪ ،‬وبنو ضمرة‬ ‫اس َت ِق ُيموا ل ُه ْم‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِإ َّن الل َه ُي ِح ُّب ال ُم َّت ِق َين إشارة إلى أن الوفاء بالعهد واالستقامة عليه من أعمال المتقين‪.‬‬

‫ََْ‬ ‫َْ ُُ‬ ‫ُ ْ ا َ َ َّ ً ُ ْ ُ َ ُ َ ْ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫َ َ ْ ْ‬


‫ضونك ْم ِبأف َو ِاه ِه ْم َوتأ َبى قل ُوب ُه ْم َو أكث ُر ُه ْم‬ ‫ك ْيف َو ِإن َيظ َه ُروا َعل ْيك ْم َّل َي ْرق ُبوا ِفيكم ِإَّل وَّل ِذمة ير‬
‫َ ُ َ‬
‫اسقون (‪)8‬‬ ‫ف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ك ْيف َو ِإ ْن َيظ َه ُروا أعاد االستفهام التعجبي للتأكيد والتقرير‪ ،‬والتقدير‪ :‬كيف يكون لهم عهد عند الله وعند‬
‫َ ُ‬
‫رسوله؟؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم‪.‬‬ ‫َعل ْيك ْم‬
‫َ ُ‬
‫أي‪ :‬ال يراعوا فيكم‪.‬‬ ‫َّل َي ْرق ُبوا‬
‫ً‬
‫أي‪ :‬عهدا‪.‬‬ ‫ِإَّل‬
‫قال يف الصحاح‪ :‬اإلل العهد والقرابة‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬اإلل العهد‪ ،‬والذمة والنديم‪.‬‬
‫َ ً‬
‫وقال األزهري‪ :‬هو اسم لله بالعبرانية‪ ،‬وأصله من األليل‪ ،‬وهو البريق‪ ،‬يقال‪ :‬أل لونه ي ؤل‬ ‫َوَّل ِذ َّمة‬
‫اأال؛ أي صفا ولمع‪ ،‬والذمة‪ :‬العهد‪ ،‬وجمعها ذمم‪ ،‬فمن فسر اإلل بالعهد كان التكرير‬
‫للتأكيد مع اختالف اللفظين‪.‬‬
‫ُْ ُ َُ‬
‫أي‪ :‬يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتكم وتطييب قلوبكم‪،‬‬ ‫ضونك ْم‬ ‫ير‬
‫َْ‬
‫ِبأف َو ِاه ِه ْم‬
‫َْ ُُ‬
‫ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم‪ ،‬كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين‪.‬‬ ‫َوتأ َبى قل ُوب ُه ْم‬
‫والتجري‪ ،‬والخروج عن الحق لنقضهم العهود‪ ،‬وعدم‬
‫ّ‬ ‫التمرد‬
‫َو َأ ْك َث ُر ُه ْم َفاس ُقو َن حكم عليهم بالفسق‪ ،‬وهو ّ‬
‫ِ‬
‫مراعاتهم للعقود‪.‬‬

‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الله َث َم ًنا َقل ًيَل َف َ‬


‫ص ّدوا َع ْن َس ِْ ِيل ِه ِإ َّن ُه ْم َس َاء َما ُانوا َي ْع َملون (‪)9‬‬
‫َّ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ات ِ‬ ‫اشت َروا ِبآي ِ‬
‫َّ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ات الل ِه أي‪ :‬استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه األمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليال‬ ‫اشت َروا ِبآي ِ‬
‫َ َ ً‬
‫حقيرا‪ ،‬وهو ما آثروه من حطام الدنيا‪.‬‬ ‫ث َم ًنا ق ِليَل‬

‫‪7‬‬
‫أي‪ :‬فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الله وهو اإلسالم‪ ،‬أو صرفوا غيرهم عنه‪.‬‬ ‫َف َ‬
‫ص ُّدوا َع ْن َس ِب ِيل ِه‬

‫ْ َ َ‬ ‫ً ُ َ‬ ‫ا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َّل َي ْرق ُبون ِفي ُمؤ ِم ٍن ِإَّل َوَّل ِذ َّمة َوأول ِئ َك ُه ُم ال ُم ْعُ ُدون (‪)11‬‬
‫قال النحاس‪ :‬ليس هذا تكريرا‪ ،‬ولكن األول‪ :‬لجميع المشركين‪ ،‬والثاني‪ :‬لليهود‬
‫َّ َ ً َ ً‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ات الل ِه ث َمنا ق ِليَل ﴾ يعني‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬والدليل على هذا ﴿ اشت َروا ِبآي ِ‬ ‫ْ ً‬ ‫َ ُ َ‬
‫َّل َي ْرق ُبون ِفي ُمؤ ِم ٍن ِإَّل‬
‫َ ً‬
‫َوَّل ِذ َّمة‬
‫وقيل‪ :‬هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على اإلطالق‪ ،‬وفي األول‪ :‬المراعاة لحقوق‬
‫طائفة من المؤمنين خاصة‪.‬‬
‫َ ُ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ أي‪ :‬المجاوزون للحالل إلى الحرام بنقض العهد‪ ،‬أو البالغون في الشر والتمرد إلى‬
‫وأول ِئك هم المعتدون‬
‫الغاية القصوى‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ات ِلق ْو ٍم َي ْعل ُمون (‪)11‬‬ ‫الز َُ َاة َفِ ْخ َو ُان ُك ْم في ّ َ ُ َ ّ ْ َ‬ ‫َفِ ْن َت ُابوا َو َأ َق ُاموا َّ‬
‫الص ََل َة َو َآت ُوا َّ‬
‫الد ِين ونف ِص ُ َّ اْلي ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫عن الشرك والتزموا أحكام اإلسالم‪.‬‬ ‫ف ِإ ْن ت ُابوا‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫الد ِين‬
‫ِفي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ََُ‬
‫أي‪ :‬نبينها ونوضحها من اآليات المتعلقة بأحوال المشركين على اختالف أنواعهم‪.‬‬ ‫ات‬‫ونف ِص ُل اْلي ِ‬
‫َ‬
‫بما فيها من األحكام ويفهمونه‪ ،‬وخص أهل العلم ألنهم المنتفعون بها‪،‬‬ ‫ِل َق ْو ٍم َي ْعل ُمو َن‬

‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ُ َ َّ َ ْ ُ ْ َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ََُ َ‬


‫ان ل ُه ْم ل َعل ُه ْم َي ْن َت ُهون‬‫َو ِإن نكثوا أ ْي َم َان ُه ْم ِم ْن َب ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم َوط َعنوا ِفي ِد ِينكم فقا ِتلوا أ ِئمة الكف ِر ِإنهم َّل أيم‬
‫(‪)12‬‬
‫ََُ‬
‫النكث‪ :‬النقض‬ ‫َو ِإ ْن نكثوا‬
‫ِم ْن َب ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم أي‪ :‬من بعد أن عاهدوكم‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوط َع ُنوا ِفي ِد ِينك ْم المسلمين‪ ،‬ووثقوا لهم بها‪ ،‬وضموا إلى ذلك الطعن في دين اإلسالم‪ ،‬والقدح فيه‪ ،‬فقد‬
‫َ ُ‬
‫وجب على المسليمن قتالهم‪.‬‬ ‫ف َق ِاتلوا‬
‫َ َ ُْ‬
‫المراد هنا‪ :‬صناديد المشركين وأهل الرئاسة فيهم على العموم‪.‬‬ ‫أ ِئ َّمة الك ْف ِر‬
‫َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ هذه الجملة تعليل لما قبلها‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن أيمان الكافرين‪ ،‬وإن كانت في الصورة‬
‫ِإنهم َّل أيمان لهم‬
‫يمينا‪ ،‬فهي في الحقيقة ليست بيمين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين اإلسالم‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن قتالهم يكون إلى الغاية هي‬ ‫َ‬
‫ل َع َّل ُه ْم َي ْن َت ُهو َن‬
‫االنتهاء عن ذلك‪.‬‬

‫َ َّ َ َ ْ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َأ ََّل ُت َق ِات ُلو َن َق ْو ًما َن َك ُثوا َأ ْي َم َان ُه ْم َو َه ّموا بِ ْخ َراج َّ‬
‫الر ُسو ِل َو ُه ْم َب َد ُءوك ْم أ َّو َل َم َّر ٍة أتخش ْو َن ُه ْم فالل ُه أ َح ّق أن‬ ‫ِِ‬
‫َ ْ َ ْ ُ ِْ ُ ُْ ْ ُ ْ َ‬
‫تخشوه ِإن كنُم مؤ ِم ِنين (‪)13‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬
‫أَّل ُت َقا ِتلو َن ق ْو ًما َنك ُثوا الهمزة‪ :‬لالستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التخصيص على القتال لهؤالء‬
‫َ‬
‫من نقض العهد‪.‬‬ ‫أ ْي َم َان ُه ْم‬
‫الر ُسو ِل ولمن له الهم بإخراج الرسول من مكة‪ ،‬والبداءة بالقتال‪ ،‬ثم زاد في التوبيخ بقول الله‬ ‫َو َه ُّموا بإ ْخ َراج َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ْ َ َِ ِ ُ ُ ِْ َ‬
‫وهم بدءوكم أول مر ٍة بعده‪،‬‬
‫الهمزة‪ :‬االستفهام للتوبيخ والتقريع‪ ،‬أي‪ :‬تخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون‬ ‫ََ ْ َ‬
‫أتخش ْو َن ُه ْم‬
‫قتالهم لهذه الخشية‪ ،‬ثم بين ما يجب أن يكون األمر عليه‪،‬‬
‫َ َّ ُ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ْ ُ هو الله أحق بالخشية منكم‪ ،‬فإنه الضار النافع بالحقيقة‪ ،‬ومن خشيتكم له أن تقاتلوا‬
‫فالله أحق أن تخشوه‬
‫من أمركم بقتاله؛ فإن قضية اإليمان توجب ذلك عليكم‪ ،‬ثم زاد في تأكيد األمر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِم ِن َين‬
‫بالقتال في اآلية التالية‪،‬‬

‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ص ُدو َرق ْو ٍم ُمؤ ِم ِنين (‪َ )14‬و ُيذ ِه ْب غ ْيظ‬‫ص ْر ُك ْم َع َل ْيه ْم َو َي ْشف ُ‬ ‫الل ُه ب َأ ْيد ُيك ْم َو ُي ْخزه ْم َو َي ْن ُ‬
‫َ ُ ُ ْ ُ َ ّ ْ ُ ُ َّ‬
‫ق ِاتلوهم يع ِذبهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم حك ٌ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وب الله على َمن يش ُاء والله عل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قلوبه ْم ويُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يم (‪)15‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫رتّب على هذا األمر فوائد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل واألسر‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إخزاءهم بالهزيمة‪ ،‬قيل‪ :‬باألسر‪ ،‬وقيل‪ :‬بما نزل بهم من الذل والهوان‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬نصر المسلمين عليهم‪ ،‬وغلبتهم لهم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن آذاهم المشركون كبالل بن رباح‪ ،‬وعمار بن ياسر‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أن الله يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين‪ ،‬الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من األمور الجالبة‬
‫للغيظ وحرج الصدر‪.‬‬

‫المالحظة‪ :‬أن ذكر القلوب والصدر هنا ليس تكرارا‪ ،‬بل القلب أخص من الصدر‪ ،‬وقيل‪ :‬أن ذكر شفاء‬
‫الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح‪ ،‬وأما إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وهو ابتداء كالم يتضمن اإلخبار بما سيكون‪ ،‬وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما‬
‫وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح‪ ،‬فإنهم أسلموا وحسن إسالمهم‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ َّ َ‬
‫الل ُه َعلى فإن قيل‪" :‬كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟"‪ ،‬أجيب بأن القتال قد يكون سببا لها‪ ،‬إذا‬ ‫ويتوب‬
‫َ‬
‫كانت من جهة الكفار‪ ،‬أي لما انهزموا وأسروا ثم سمعوا القرآن ففتح الله لهم الهداية‬ ‫َم ْن َيش ُاء‬
‫فعلموا الحق ثم تابوا من كفرهم‪ .‬أما من جهة المسلمين‪ ،‬فوجهه أن النصر والظفر من جهة‬
‫الله تعالى يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ ُ َ َّ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ َّ‬


‫الل ُه َّالذ َ‬
‫اه ُدوا ِمنك ْم َول ْم َيُ ِخذوا ِم ْن ُدو ِن الل ِه َوَّل َر ُس ِول ِه َوَّل‬
‫ين َج َ‬
‫ِ‬ ‫أم ح ِسُْم أن تتركوا ولما يعل ِم‬
‫ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َّ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫المؤ ِم ِنين و ِليجة والله خ ِبير ِبما تعملون (‪)16‬‬
‫أم هذه المنقطعة التي بمعى بل‪ ،‬والهمزة واالستفهام للتوبيخ‪ ،‬والمعنى‪ :‬كيف يقع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أ ْم َح ِس ْب ُت ْم أ ْن‬
‫الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه بغير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق‬ ‫ُْ ُ‬
‫تت َركوا‬
‫الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫المراد من نفي العلم نفي المعلوم‪ ،‬والمعنى‪ :‬كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين‬ ‫َول َّما َي ْعل ِم الل ُه‬
‫ين َج َاه ُدوا‬ ‫َّالذ َ‬
‫المخلص منكم في جهاده من غير المخلص‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُكمْ‬
‫ِ‬
‫َ َ ْ َ َّ ُ‬
‫معطوفة على جاهدوا داخلة معه في حكم النفي‬ ‫ولم يت ِخذوا‬
‫َ ً‬
‫َوالوليجة من الولوج وهو الدخول‪ ،‬وقال الفراء‪ :‬الوليجة هي البطانة من المشركين‪،‬‬ ‫يجة‬ ‫ِول‬
‫والمعنى واحد‪ ،‬أي‪ :‬كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم‪،‬‬
‫وتعلمون أموركم من دون الله‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫أي‪ :‬بجميع أعمالكم‪.‬‬ ‫َوالل ُه خ ِب ٌير ِب َما‬
‫ُ‬
‫َت ْع َملو َن‬

‫َ ْ َ ُ‬ ‫ُْ ْ ُ َ‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َ‬
‫ين َعلى أنف ِس ِه ْم ِبالكف ِر أول ِئ َك َح ِبطت أ ْع َمال ُه ْم َو ِفي‬ ‫اه ِد‬
‫اجد الل ِه ِ‬
‫ش‬ ‫ما ُان ِللمش ِر ِكين أن يعمروا مس ِ‬
‫َّ ُ ْ َ ُ َ‬
‫الن ِارهم خ ِالدون (‪)17‬‬
‫است قام أ ْن يفعلوا ذلك‪.‬‬ ‫ا‬‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ان ل ْل ُم ْشرك َ‬
‫ين‬ ‫َما َك َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق رأ الْجمهور ي عمروا بِفْت ِح حر ِ‬
‫ف الْمضارع ِة وض ِم الْ ِمي ِم ِم ْن عمر ي ْعمر‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُُْ ُ ْ‬ ‫وا‬ ‫َأ ْن َي ْع ُم ُ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َي‪ :‬ي ْجعلون لها م ْن‬ ‫وق رأ ابْ ُن السميقع بِض ِم ح ْرف الْمضارعة م ْن أ ْعمر ي ْعمر‪ ،‬أ ْ‬

‫‪10‬‬
‫ي ْعمرها‪.‬‬

‫اد بِال ِْع َم َارِة‪ :‬إِ َّما الْم ْعنى الْح ِق ِيقي‪ ،‬أ ِو الْم ْعنى الْمجا ِزي‪ ،‬وهو مالزمته‪ ،‬والتَّعبد فِ ِيه‪،‬‬ ‫َوال ُْم َر ُ‬
‫وكِالهما لْيس لِلْم ْش ِركِين‪ ،‬أ َّما ْاأل َّول فِألنَّه ي ْست لْ ِزم الْ ِمنَّة على الْم ْسلِ ِمين بِعِمارِة‬
‫ان الْم ْس ِج ِد‬
‫اج ِد ِهم‪ ،‬وأ َّما الثَّانِي فلِكو ِن الْكفَّا ِر ال ِعبادة لهم مع ن هيِ ِهم عن ق رب ِ‬
‫ْ ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مس ِ‬
‫الْحرِام‪.‬‬
‫اح ومج ِ‬
‫اه ٌد َوابْ ُن َكثِي ٍر َوأَبُو َع ْم ٍرو‬ ‫ق رأ اب ُن َعبَّ ٍ ِ‬
‫اس َو َسعي ُد بْ ُن ُجبَ ْي ٍر َو َعطَاءُ بْ ُن أَبِي َربَ ٍ َ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫وب مس ِجد اللَِّه بِ ِْ‬
‫اإلفْ ر ِاد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوابْ ُن ُم َح ْيص ٍن َو َس ْه ٌم َويَ ْع ُق ُ ْ‬
‫اس‪ِ :‬ألنَّها أعم‪ ،‬والْخاص‬ ‫َّح ُ‬‫اختارها أبو عب ْيدة‪ ،‬قال الن َّ‬ ‫ِ‬
‫وق رأ الْبَاقُو َن مساجد بِالْج ْم ِع‪ ،‬و ْ‬
‫ي ْدخل ت ْحت الْع ِام‪،‬‬
‫اص ًة‪ ،‬وهذا جائٌِز فِيما كان ِم ْن أ ْسم ِاء‬ ‫وق ْد ي ْحتمل أ ْن ي راد بِالْج ْم ِع الْم ْس ِجد الْحرام خ َّ‬
‫َّ‬
‫ب إَِّال ف ر ًسا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اس كما ي قال فال ٌن ي ْركب الْخْيل وإ ْن ل ْم ي ْرك ْ‬ ‫ْاأل ْجن ِ‬ ‫َم َس ِاج َد الل ِه‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫قال‪ :‬وق ْد أ ْجمعوا على الْج ْم ِع في ق ْوله‪ :‬إِنَّما ي ْعمر مساجد اللَّه‪ ،‬ورِوي ع ِن ال َ‬
‫ْح َس ِن‬
‫اج ِد كلِها‬
‫ساجد والْمراد الْمس ِجد الْحرام ِألنَّه قِب لة الْمس ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الْبص ِر ِي أنَّه ت عالى إِنَّما قال م ِ‬
‫َ ْ ّ‬
‫اج ِد‪،‬‬
‫وإِمامها‪ ،‬ف ع ِامره كع ِام ِر ج ِم ِيع الْمس ِ‬
‫قال الْ َف َّراءُ‪ :‬الْعرب ق ْد تضع الْوا ِحد مكان الْج ْم ِع‪.‬‬
‫حَالٌ‪،‬‬
‫اه ِدين على أنْف ِس ِه ْم بِالْك ْف ِر‪ ،‬بِِإظْها ٍر ما هو ك ْفٌر‬
‫أَي‪ :‬ما كان لهم ذلِك حال كونِ ِهم ش ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ان‪ ،‬والْعِبادةِ لها‪ ،‬وج ْعلِها آلِه ًة‪ ،‬فِإ َّن هذا شهادةٌ ِمْن ه ْم على أنْف ِس ِه ْم‬
‫ب ْاألوث ِ‬
‫صِ ْ‬
‫ِ‬
‫م ْن ن ْ‬
‫بِالْك ْف ِر‪ ،‬وإِ ْن أب ْوا ذلِك بِألْ ِسنتِ ِه ْم‪ ،‬فكْيف ي ْجمعون ب ْين أ ْمريْ ِن مت نافِي ْي ِن‪ :‬عمارة المسجد‬
‫ت ِم ْن شأْ ِن م ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الَّتي هي م ْن شأْ ِن الْم ْؤمنين‪ ،‬والشَّهادة على أنْفس ِه ْم بِالْك ْف ِر الَّتي لْيس ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ين َعلى‬ ‫ش ِاه ِد‬
‫اج ِد ِه‪.‬‬
‫ي ت قَّرب إِلى اللَِّه بِعِمارِة مس ِ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬
‫أن ُف ِس ِه ْم ِبالك ْف ِر‬

‫يل‪ :‬الْمراد بِه ِذ ِه الشَّهاد ِة ق ْوله ْم فِي طوافِ ِه ْم‪ :‬لبَّ ْيك ال ش ِريك لك‪ ،‬إَِّال ش ِريك هو‬‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫لك‪ ،‬ت ْملِكه وما ملك‪.‬‬
‫ي ي قول هو يهودي‪ ،‬والنصراني يقول‬ ‫وقِيل‪ :‬شهادت هم على أنْف ِس ِهم بِالْك ْف ِر‪ :‬إِ َّن الْي ه ِ‬
‫ود َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫هو نصراني‪ ،‬والصابئ‪ ،‬والْم ْش ِرك ي قول هو م ْش ِرٌك‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َي‪ :‬بطل ْ‬
‫ت‪ ،‬ول ْم ي ْبق لها أث ٌر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّتي ي ْفتخرون بِها ويظنون أنَّها م ْن أ ْعمال الْخْي ِر‪ ،‬أ ْ‬ ‫ولئ َك َح ِبط ْت‬ ‫أ ِ‬
‫َ ُ‬
‫أ ْعمال ُه ْم‬
‫الن ِار ُه ْم‬‫َوفي َّ‬
‫ف الْمت علِ ِق بِالْخب ِر تَأْكِي ٌد لِ َم ْ‬
‫ض ُمونِ َها‪.‬‬ ‫وفِي ه ِذ ِه الْجمل ِة ِاالس ِميَِّة مع ت ْق ِدي ِم الظَّر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ نَ‬
‫خالدو‬ ‫ِ‬

‫َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ َّ َ‬
‫ش ِإَّل الل َه ف َع َس ى‬ ‫اجد الل ِه من آمن ِبالل ِه واليو ِم اْل ِخ ِرو أقام الصَلة و آتى الزُاة ولم يخ‬
‫ِإنما يعمر مس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أولئ َك أ ْن َيكونوا م َن ال ُم ْهُد َ‬‫ُ‬
‫ين (‪)18‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يق بعمارة المساجد في هذه اآلية وهو الذي يؤمن بالله واليوم اآلخر وفعل ما هو من‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب ْين سْبحانه م ْن هو حق ٌ‬
‫اج ِد‪ ،‬ال م ْن كان‬
‫اف ف هو الْح ِقيق بِعِمارِة الْمس ِ‬ ‫لوازم اإليمان مما ذكر في اآلية‪ ،‬فمن كان ج ِامعا ب ين ه ِذهِ ْاألوص ِ‬
‫ْ‬ ‫ً ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزكاة والْخ ْشية ت ْنبِ ًيها بِما هو م ْن أ ْعظ ِم أموِر الدي ِن على ما‬ ‫ِ‬
‫الصالة و َّ‬ ‫ِ‬
‫ضها‪ ،‬واقْ تصر على ذ ْك ِر َّ‬ ‫خالِيا ِمْن ها أو ِمن ب ع ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عداه م َّما افْ ت رضه اللَّه على عباده‪ ،‬أل َّن ك َّل ذلك م ْن لوا ِزم ِْ‬ ‫ِ‬
‫ات إِذا كان‬ ‫حسم ِألطْم ِاع الْكفَّا ِر فِي ِاالنْتِف ِاع بِأ ْعمالِ ِهم‪ ،‬فِإ َّن الْموصوفِين بِتِلْك ِ‬
‫الصف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاهتِداؤه ْم م ْرج اوا ف ق ْط‪ ،‬فكْيف بِالْكفَّا ِر الَّذين ل ْم ي تَّصفوا بِش ْيء م ْن ت ْلك الصفات؟‬
‫ِ‬
‫َف َعس ى ُأولئ َك َأ ْ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‪ :‬عسى ِمن اللَِّه و ِاجبةٌ‪.‬‬ ‫ين َوق َ‬ ‫َي ُك ُونوا م َن ْال ُم ْه َتد َ‬
‫وقِيل‪ِ :‬هي بِمعنى خلِ ٍيق‪ ،‬أَي‪ :‬فخلِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يق أ ْن يكونوا ِمن الْم ْهت ِدين‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الرجاء ر ِاج ٌع إِلى الْعِب ِاد‪.‬‬‫يل‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬

‫َّ َ‬
‫ي َّ الل ِه َّل‬ ‫ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َأ َج َع ْل ُُ ْم س َق َاي َة ْال َح ّ َ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫اج و ِعمارة المس ِج ِد الحر ِام كمن آمن ِبالل ِه واليو ِم اْل ِخ ِر وجاهد ِفي س ِْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يسُوون ِعند الل ِه والله َّل ي ْه ِدي القوم الظ ِال ِمين (‪)19‬‬
‫و ِاال ْستِ ْفهام لِ ِْإلنْكا ِر‪.‬‬
‫ف‪َ ،‬والتَّ ْق ِد ُير‪ :‬أجعلْت ْم‬‫السعاي ِة والْ ِحماي ِة‪ ،‬وفِي الْكالِم ح ْذ ٌ‬ ‫السقاية والْعِمارة‪ :‬مصدر ِان ك ِ‬
‫ْ‬
‫وِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫أ َج َعل ُت ْم ِس َق َاية‬
‫اج و ِعمارِة الْم ْس ِج ِد‪ ،‬أ ْو أ ْهلهما كم ْن آمن حتَّى ي ت َِّفق الْم ْوضوع‬ ‫صحاب ِسقاي ِة الْح ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫أْ‬ ‫ال َح ِاج َو ِع َما َرة‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َم ْس ِج ِد ال َح َر ِام والْم ْحمول‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اج و ِعمارة الْم ْس ِج ِد الْحرِام كعم ِل‬ ‫أ َْو يَ ُكو ُن التَّ ْق ِد ُير فِي الْخب ِر‪ ،‬أ ْي‪ :‬جعلْت ْم ِسقاية الْح ِ‬ ‫ك َم ْن َآم َن ِبالل ِه‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ان م ْن آمن‪.‬‬ ‫َوال َي ْو ِم اْل ِخ ِر َو َج َاه َد من آمن‪ ،‬أو كِإيم ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِفي َس ِب ِيل الله‬
‫الزب ي ِر وس ِعيد بن جب ي ٍر « َأ َج َع ْل ُُ ْم ُس َق َاة ْال َح ّ‬
‫اج‬‫ِ‬ ‫ي َوابْ ُن ُّ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫الس ْع ِد ُّ‬
‫وقرأ ابن أبي وجرة َّ‬

‫‪12‬‬
‫اق وع ِام ٍر‪ ،‬وعلى ه ِذ ِه الْ ِقراء ِة ال ي ْحتاج إِلى‬ ‫َو َع َم َر َة ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام» ‪ ،‬جمع س ٍ‬
‫ْ‬
‫وف‪،‬‬‫ت ْق ِدي ِر محذ ٍ‬
‫ْ‬
‫اهلِيَّة ِمن ْاأل ْعم ِال الَّتِي‬ ‫والْمعنى‪ :‬أ َّن اللَّه أنْكر علي ِهم التَّس ِوية ب ين ما كان ت عمله الْج ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ان الْم ْؤِمنِين وِجه ِاد ِه ْم فِي سبِ ِيل اللَِّه‪،‬‬ ‫ص َّورتْها صورة الْخي ِر‪ ،‬وإِ ْن لم ي نْ ت ِفعوا بِها وب ين إِيم ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ضلون هما على عم ِل الْم ْسلِ ِمين‪،‬‬ ‫السقاي ِة والْعِمارِة وي ف ِ‬
‫وق ْد كان الْم ْش ِركون ي ْفت ِخرون بِ ِ‬
‫فأنْكر اللَّه علْي ِه ْم ذلِك‪.‬‬
‫استِوائِ ِه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث َّم صَّرح سْبحانه بِالْمفاضلة ب ْين الْف ِريقْي ِن وت فاوت ِه ْم‪ ،‬وعدِم ْ‬
‫يج الْع ِامرة لِلْم ْس ِج ِد الْحرِام ه ِذ ِه‬ ‫الساقِية لِلْح ِج ِ‬
‫َي‪:‬ال تسا ِوي تِلْك الطَّائِفة الْكافِرة َّ‬ ‫أْ‬
‫اهدة فِي سبِيلِ ِه‪.‬‬ ‫الطَّائِفة الْمؤِمنة بِاللَِّه والْي وِم ْاآل ِخ ِر الْمج ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ََّل َي ْس َت ُو َ‬
‫ون ِع ْن َد الل ِه‬

‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف تَ ُكو ُن‬ ‫ال الْ ُك َّفا ِر إِلَى أَ ْن تَ ُكو َن ُم َسا ِويَةً ألَ ْع َمال ال ُْم ْسلم َ‬
‫ين‪ ،‬فَ َك ْي َ‬ ‫إِذَا لَ ْم تَ ْب لُ ْغ أَ ْع َم ُ‬
‫اضلَ ًة َعلَْي َها َك َما يَ ْزعُ ُمو َن‪.‬‬ ‫فَ ِ‬
‫الش ْرِك‪ ،‬ال ي ْست ِحقون الْ ِهداية‬‫الل ُه ََّل َي ْه ِدي ْال َق ْو َم ث َّم حكم علي ِهم بِالظ ْل ِم وأنَّهم مع ظ ْل ِم ِهم بِما هم فِ ِيه ِمن ِ‬ ‫َ َّ‬
‫و‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫ِمن اللَِّه سْبحانه‪.‬‬ ‫الظ ِال ِم َين‬

‫ً ْ َّ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّالذ َ‬


‫ين َآم ُنوا َو َه َ‬
‫ي َّ الل ِه ِبأ ْم َو ِال ِه ْم َو أنف ِس ِه ْم أ ْعظ ُم َد َر َجة ِعن َد الل ِه َوأول ِئ َك ُه ُم‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اه ُدوا في َ‬
‫س‬ ‫اج ُروا َو َج َ‬
‫ِ‬
‫َْ ُ َ‬
‫الف ِائزون (‪)21‬‬
‫أشار الله تعالى باآلية السابقة إلى الفريق المفضول‪ ،‬ث َّم صَّرح بِهذه اآلية الْف ِريق الْف ِ‬
‫اضل بالصفات المذكورة‪.‬‬
‫َّ‬
‫يف ع ِظ ٌيم لِْلم ْؤِمنِين‪.‬‬
‫ت ْش ِر ٌ‬ ‫ِع ْن َد الل ِه‬
‫َي‪ :‬الْم ْختصون بِالْف ْوِز عِنْد اللَِّه‪.‬‬ ‫َو ُأ َولئ َك ُه ُم ْال َفائ ُز َ‬
‫ون أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َ ٌ‬
‫يم ُمق ٌ‬ ‫ضوان َو َج َّن ٍ َ ْ‬
‫ُ َ ّ ُ ُ ْ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ ْ‬
‫يم (‪)21‬‬ ‫ات ل ُهم ِفيها ن ِع ِ‬ ‫يْ ِشرهم ربهم ِبرحم ٍة ِمنه و ِر ٍ‬
‫صِ‬ ‫َّات لِلت ِ‬
‫ضو ِان والْجن ِ‬ ‫ثم فسر الفوز بهذه اآلية‪ ،‬والتَّ ْن ِكير فِي َّ‬
‫الر ْحم ِة و ِ‬
‫ف‬ ‫َّعظي ِم‪َ ،‬وال َْم ْعنَى‪ :‬أنَّها ف ْوق و ْ‬
‫ْ‬ ‫الر ْ‬
‫اص ِفين‪ ،‬وتصوِر الْمتص ِوِرين‪.‬‬ ‫الْو ِ‬
‫يم الدَّائِم الْمست ِمر الَّ ِذي ال ي فا ِرق ص ِ‬
‫احبه‪.‬‬ ‫ِفيها َن ِع ٌ‬
‫يم ُم ِق ٌ‬
‫ْ‬

‫الل َه ع ْن َد ُه َأ ْج ٌر َعظ ٌ‬
‫يم (‪)22‬‬
‫َ َ ً َّ َّ‬ ‫خالد َ‬
‫ين ِفيها أبدا ِإن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬

‫‪13‬‬
‫دا وِذ ْكر ْاألب ِد ب عد الْخل ِ‬ ‫ََ ً‬ ‫خالد َ‬
‫ود تأْكِي ٌد له‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ين ِفيها أب‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬
‫الل َه ِع ْن َد ُه أ ْج ٌر م َؤّكِ َدةٌ لِما قَ ب لَها مع تضمنِها لِلت ِ‬
‫َي‪ :‬أ ْعطاهم اللَّه سْبحانه ه ِذ ِه ْاألجور الْع ِظيمة‬
‫َّعل ِيل‪ ،‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِإن‬
‫َع ِظ ٌ‬
‫لِك ْو ِن ْاأل ْج ِر الَّ ِذي ِعْنده ع ِظ ٌيم‪ ،‬ي هب ِمْنه ما يشاء لِم ْن يشاء‪ ،‬وهو ذو الْف ْ‬
‫ض ِل الْع ِظي ِم‪.‬‬ ‫يم‬

‫َ َّ‬
‫يمان َو َم ْن َيُ َول ُه ْم‬
‫ْ َ َ ّ ْ ُ ْ َ ََ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َْ َ‬ ‫َ َ ّ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ‬
‫اْل ِ‬‫يا أيها ال ِذين آمنوا َّل تُ ِخذوا آباءكم و ِإ ُخوانكم أو ِلياء ِإ ِن اسُحبوا الكفرعلى ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ ْ َ‬
‫ولئ َك ُه ُم الظ ِال ُمون (‪)23‬‬ ‫ِمنكم ِ‬
‫أ‬‫ف‬
‫الْ ِخطاب لِلْم ْؤِمنِين كافَّ ًة‪.‬‬ ‫َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا‬ ‫ِ‬
‫اق إِلى ي ْوِم الْ ِقيام ِة‪ ،‬يدل على قطْ ِع الْ ِوالي ِة ب ْين الْم ْؤِمنِين والْكافِ ِرين‪،‬‬ ‫وهو ح ْكم ب ٍ‬
‫ٌ‬
‫َُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫آباءك ْم‬ ‫َّل ت َّت ِخذوا‬
‫ض بِال ِد‬
‫ض على الْ ِه ْجرِة ورفْ ِ‬‫ت فِي الْح ِ‬ ‫ت طَائَِفةٌ م ْن أ َْه ِل الْعِل ِْم‪ :‬إِنَّها ن زل ْ‬
‫َوقَالَ ْ‬ ‫وان ُك ْم َأ ْوِل َ‬
‫َ ْ َ‬
‫ياء‬ ‫و ِإخ‬
‫الْك ْف ِر‪ ،‬ف يكون الْ ِخطاب لِم ْن كان ِمن الْم ْؤِمنِين بِم َّكة وغْي ِرها من بالد العرب‪ ،‬نهوا‬
‫اإل ْخوة ف يكونون له ْم ت ب ًعا فِي سكنى بالد الكفر‪.‬‬ ‫بأن ي والوا ْاآلباء و ِْ‬
‫ص ِل طلب الْمحبَِّة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫استجاب بِم ْعنى أجاب‪ ،‬وهو في ْاأل ْ‬ ‫َي‪ :‬أحبوا‪ ،‬كما ي قال ْ‬ ‫أْ‬ ‫اس َت َح ُّبوا‬
‫إن ْ‬
‫ِِ‬
‫َ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ْ ُْ‬
‫وب وأش ِدها‪.‬‬ ‫فد َّل ذلِك على أ َّن ت ولِي من كان كذلِك ِمن أ ْعظ ِم الذن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ومن يتولهم ِمنكم‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َفأول ِئ َك ُه ُم الظ ِال ُمو َن‬

‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َ ُ ُ ْ َ َْ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َُ ُ ْ َ َ ْ ٌ ْ َ ْ‬
‫وال اقت َرف ُُ ُموها َو ِتجا َر ٌة َت ْخ َش ْون‬ ‫ق َّ ِإن ُان آباؤكم و أبناؤكم و ِإخوانكم وأزواجكم وع ِشيرتكم وأم‬
‫َ َ َ َّ ُ َ َّ َ ْ َ َّ ُ َْ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ َ ََ‬
‫هاد ِفي َس ِْ ِيل ِه فتربصوا حتى يأ ِتي الله ِبأم ِر ِه‬ ‫َ‬
‫ساكن ت ْرضونها أح َّب ِإليك ْم ِمن الل ِه و َرس ِول ِه و ِج ٍ‬
‫كسادها وم ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ْ َ ْ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ْ‬
‫فاس ِقين (‪)24‬‬ ‫والله َّل يه ِدي القوم ال ِ‬
‫الرج ِل ق راب ته ْاأل ْدن ْون‪ ،‬وهم‬ ‫َوال َْع ِش َيرةُ‪ :‬الْجماعة الَّتِي ت ْرِجع إِلى ع ْق ٍد و ِاح ٍد‪ ،‬وع ِشيرة َّ‬ ‫ُُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َع ِش َيرتك ْم‬
‫الَّذين ي عاشرونه وهي ْ‬
‫اسم ج ْم ٍع‪.‬‬
‫ْاأل ْمتِعة الَّتِي ي ْشت رون ها لِي ْربحوا فِيها‪.‬‬
‫اد بِالتِّ َج َارِة فِي‬ ‫َوِم ْن غَ َرائِ ِ‬
‫ب التَّ ْف ِسي ِر ما رِوي ع ِن ابْ ِن ال ُْمبَ َار ِك أنَّه قال‪ :‬إِ َّن ال ُْم َر َ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه ْاآلية‪ :‬الْب نات و ْاألخوات إِذا كس ْدن في الْب ْيت ال يج ْدن له َّن خاطبًا‪ ،‬و ْ‬
‫است ْشهد‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َو ِتجا َرة‬
‫لِذلِك بِقوِل الش ِ‬
‫َّاع ِر‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫كس ْدن ِمن الْف ْق ِر في ق ْوِم ِه َّن … وق ْد زاده َّن مق ِامي كس ًادا‬
‫ت ب يعِها بِالْ ِهجرِة ومفارق ِة ْاألوط ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫َك َ‬
‫ان‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اد‪ :‬عدم النَّفاق لفوات وقْ ْ‬ ‫َوالْ َك َس ُ‬ ‫سادها‬

‫‪14‬‬
‫اإلقامة فِيها أح َّ‬
‫ب إِلْي ِه ْم ِمن‬ ‫الْمنا ِزل الَّتِي ت ْع ِجب ه ْم وت ِميل إِلْي ها أنْفسه ْم وي رْون ِْ‬ ‫َو َمساك ُن َت ْر َ‬
‫ض ْو َنها‬ ‫ِ‬
‫الْمهاجرِة إِلى اللَِّه ورسولِِه‪.‬‬
‫َي‪ :‬انْت ِظروا‪.‬‬
‫أِ‬ ‫َف َت َرَّب ُ‬
‫صوا‬
‫ض ِيه م ِشيئ ته ِم ْن عقوبتِك ْم‪،‬‬ ‫فِيكم وما ت ْقت ِ‬
‫ْ‬
‫يل‪ :‬الْمراد بِأ ْم ِر اللَِّه سْبحانه‪ :‬الْ ِقتال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬ف ْتح م َّكة وفِ ِيه ب ْع ٌد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬ ‫ْ َّ َ‬
‫َح َّتى َيأ ِت َي الل ُه ِبأ ْم ِر ِه‬

‫ت ب ْعد الْفْت ِح‪ .‬وفِي هذا َو ِعي ٌد َش ِدي ٌد وي ؤكِده إِبْهام‬ ‫ِِ‬
‫ف ق ْد رِوي أ َّن هذه السورة ن زل ْ‬
‫ب وت ت رَّدد ب ين أنْو ِاع الْعقوب ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫يح بِِه لِت ْذهب أنْفسه ْم ك َّل م ْذه ٍ‬ ‫َّص ِر ِ‬
‫ْاأل ْم ِر وعدم الت ْ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫َي‪ :‬الْخا ِرِجين ع ْن طاعتِ ِه‪ ،‬النَّافِ ِرين ع ِن ْامتِث ِال أو ِام ِرِه ون و ِاهيِ ِه‪.‬‬‫أِ‬ ‫َوالل ُه َّل َي ْه ِدي ال َق ْو َم‬
‫ْ‬
‫فاس ِق َين‬
‫ال ِ‬

‫َ ْ َ ُ‬ ‫ْ ُ َْ ُ ُ ََ ُ ْ ْ ُ َ ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ ُ َ‬
‫واط َن ك ِث َير ٍة َو َي ْو َم ُحن ْي ٍن ِإذ أ ْع َج َبُك ْم كث َرتك ْم فل ْم تغ ِن َعنك ْم ش ْيئا َوضاقت َعل ْيك ُم‬
‫لقد نص َركم الله ِفي م ِ‬
‫ض بما َر ُح َب ْت ُث َّم َو َّل ْي ُُ ْم ُم ْدبر َ‬ ‫َْ‬
‫اْل ْر ُ‬
‫ين (‪)25‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اطن الْح ْر ِب‪َ :‬م َق َاماتُ َها‪،‬‬‫اطن‪ :‬جمع مو ِط ٍن‪ ،‬ومو ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َْم َو ُ ْ ْ‬
‫اط ِن الَّتِي نصر اللَّه‬
‫اطن الَّتِي نصر اللَّه المسلمين فيها‪ :‬هي يوم بدر وما بعد‪ِ ،‬من الْمو ِ‬ ‫واط َن َك ِث َير ٍة والْمو ِ‬‫ِفي م ِ‬
‫َ‬
‫الْم ْسلِ ِمين على الْكفَّا ِر فِيها‪ ،‬ق ْبل ي ْوِم حن ْي ٍن‪.‬‬
‫ف‪،‬‬ ‫وحن ْين‪ :‬و ٍاد ب ْين م َّكة والطَّائِ ِ‬
‫ٌ‬
‫اطن‪ ،‬أ ْو فِي‬‫اف‪ ،‬إِ َّما فِي ْاأل َّوِل وت ْق ِديره فِي أيَّ ِام مو ِ‬ ‫اطن بِت ْق ِدي ِر مض ٍ‬ ‫ِ‬
‫وف َعلَى ُم َو َ‬ ‫وهو َم ْعطُ ٌ‬
‫استِْب عاد فِي‬ ‫ِ‬
‫الزمان على الْمكان‪ ،‬ورَّد بِأنَّه ال ْ‬ ‫الثَّانِي وت ْق ِديره وم ْو ِط ِن ي ْوِم حن ْي ٍن‪ ،‬لِئ َّال ي ْع ِطف َّ‬
‫ان‪ ،‬فال ي ْحتاج إِلى ت ْق ِدي ٍر‪.‬‬ ‫ان على الْمك ِ‬ ‫الزم ِ‬
‫ف َّ‬ ‫عطْ ِ‬ ‫َو َي ْو َم ُح َن ْي ٍن‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وب بِف ْع ٍل ُم َق َّد ٍر م ْعطوف على نصركم أ ْ‬
‫َي‪ :‬ونصرك ْم ي ْوم حن ْي ٍن‪،‬‬ ‫ص ٌ‬‫يل‪ :‬إِ َّن ي ْوم حن ْي ٍن‪َ :‬م ْن ُ‬
‫َوق َ‬
‫احب الْكش ِ‬
‫َّاف‪.‬‬ ‫ور َّجح هذا ص ِ‬
‫بد ٌل ِم ْن ي ْوم حن ْي ٍن‪،‬‬
‫وب بِِف ْع ٍل مق َّد ٍر‪ ،‬أ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي‪:‬‬ ‫يل‪ :‬إِ َّن إِ ْذ أ ْعجب ْتك ْم كثْرتك ْم لْيس بِبدل م ْن ي ْوم حن ْي ٍن‪ ،‬ب ْل مْنص ٌ‬
‫َوق َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ِإذ أ ْع َج َب ْتك ْم‬
‫اذْكروا إِ ْذ أ ْعجب ْتك ْم كثْرتك ْم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وإِنَّما أ ْعجب م ْن أ ْع ِجب ِمن الْم ْسلِ ِمين بِكثْرتِ ِه ْم ِألنَّه ْم كانوا اثْن ْي عشر ألْ ًفا‪،‬‬
‫يل‪ :‬أحد عشر ألْ ًفا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ِ :‬ستَّة عشر ألْ ًفا‪ .‬ف قال ب ْعضه ْم‪ :‬ل ْن ن ْغلب الْي ْوم ِم ْن قِلٍَّة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫ف وكِلوا إِلى ه ِذ ِه الْكلِم ِة ف ل ْم ت ْغ ِن الْكثْرة شْي ئًا عْن ه ْم‪ ،‬ب ِل انْهزموا وث بت رسول اللَِّه صلَّى اللَّه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َفل ْم ُت ْغ ِن َع ْنك ْم علْي ِه وسلَّم‪ ،‬وث بت معه طائِفةٌ ي ِسيرةٌ ِمْن ه ْم‪ :‬عمه الْعبَّاس وأبو س ْفيان بْن الْحا ِر ِث‪ ،‬ث َّم ت راجع‬
‫الْمسلِ‬ ‫َْ ً‬
‫َّصر والظَّفر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ون‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ئا‬ ‫شي‬
‫اإل ْغناء‪ :‬إِ ْعطاء ما ي ْدفع الْحاجة أ ْي‪ :‬ل ْم ت ْع ِطكم الْكثْرة شْي ئًا ي ْدفع حاجتك ْم‪ ،‬ول ْم ت ِف ْدك ْم‬ ‫و ِْ‬
‫الر ْحب بِفْت ِح ا َّلر ِاء‪ :‬الْمكان الْو ِاسع‪،‬‬
‫السعة‪ ،‬و َّ‬ ‫الر ِاء‪ِ :‬‬
‫بِض ِم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي‪ :‬على ر ْحبِها‪.‬‬ ‫يل‪ :‬بِم ْعنى على‪ ،‬أ ْ‬ ‫والْباء ب َم ْعنَى مع‪َ ،‬وق َ‬
‫َّصب على الْح ِال‪.‬‬ ‫َ ُ َ ْ ُّ ْ ُ‬
‫ار والْم ْجروِر الن ْ‬‫صد ِريَّةٌ‪ ،‬ومحل الْج ِ‬ ‫ِبما رحبت الرحب وما م ْ‬
‫ب ما ح َّل بِ ِه ْم ِمن‬‫ت علْي ِهم بِسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َوال َْم ْعنَى‪ :‬أ َّن ْاأل ْرض مع ك ْونها واسعة ْاألطْراف ضاق ْ‬
‫ف والْوج ِل‪،‬‬ ‫الْخو ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي‪ :‬مولين أ ْدبارك ْم‪ ،‬جاعلين لها إِلى جهة عد ِوك ْم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬‫ين‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫و‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ز‬‫ه‬ ‫ان‬ ‫‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َي‬ ‫أ‬ ‫ثم َو َّل ْي ُت ْم ُم ْدبر َ‬
‫ين‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْْ‬ ‫ْ‬ ‫ِِ‬

‫َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َل ُ ُ ً َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َْ‬


‫ين كف ُروا َو ِذل َك‬ ‫ث َّم أن َز َل الل ُه َس ِكينُ ُه َعلى َر ُس ِول ِه وعلى المؤ ِم ِنين و أنز جنودا لم تروها وعذب ال ِذ‬
‫ين (‪)26‬‬ ‫زاء ْالكافر َ‬
‫َج ُ‬
‫ِِ‬
‫أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم االجتراء على قتال المشركين بعد أن‬
‫ُ َّ َ ْ َ َل َّ‬
‫الل ُه َس ِك َين َت ُه ولوا مدبرين‪،‬‬ ‫ثم أنز‬
‫َ‬
‫َعلى َر ُس ِول ِه َو َعلى والمراد بالمؤمنين‪ :‬هم الَّ ِذين ل ْم ي نْ ه ِزموا‪،‬‬
‫وقِيل‪ :‬الَّ ِذين انْهزموا‪ ،‬والظَّ ِ‬ ‫ْال ُم ْؤمن َ‬
‫اهر ج ِميع م ْن حضر ِمنْ ه ْم ِألنَّه ْم ث ب توا ب ْعد ذلِك‪ ،‬وقات لوا‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ين‬ ‫ِِ‬
‫وانْتصروا‪.‬‬
‫هم الْمالئِكة‪.‬‬
‫ف‪،‬‬ ‫وق ِد اختلِف فِي عد ِد ِهم على أقْ و ٍال‪ :‬قِيل‪ :‬خمسة آال ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ف‪،‬‬ ‫وقِيل‪ :‬ثمانِية آال ٍ‬
‫ودا َل ْم َ َ‬ ‫ََْ َ َ ُ ُ ً‬
‫وقِ‬ ‫وأنزل جن‬
‫يل‪ِ :‬ستَّة عشر ألْ ًفا‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ت َر ْوها‬
‫يل‪ :‬غْي ر ذلِك‪ ،‬وهذا ال ي ْعرف إَِّال ِم ْن ط ِر ِيق الن ب َّوِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬

‫ت الْمالئِكة فِي هذا الْي ْوِم أ ْم ال؟ َوقَ ْد تَ َق َّد َم أ َّ‬


‫َن ال َْم َالئِ َكةَ لَ ْم‬ ‫ضا هل قات ل ِ‬
‫اخت لفوا أيْ ً ْ‬
‫وْ‬
‫‪16‬‬
‫تُ َقاتِل إَِّال يَ ْوَم بَ ْد ٍر‪ ،‬وأنهم إنما حضروا في غير يوم ب ْد ٍر‪ ،‬لِت ْق ِوي ِة ق ل ِ‬
‫وب الْم ْؤِمنِين‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وب الْم ْش ِركِين‪.‬‬ ‫ب فِي ق ل ِ‬ ‫وإِ ْدخ ِال الر ْع ِ‬
‫َ َ َّ َ َّ َ َ‬
‫ين ك َف ُروا ما وقع علْي ِه ْم ِمن الْقْت ِل و ْاأل ْس ِر‪ ،‬وأ ْخ ِذ ْاأل ْمو ِال‪ ،‬وسبِي الذ ِريَِّة‬ ‫وعذب ال ِذ‬
‫اب فِي هذا الْي ْوِم‬ ‫يب الْم ْفه ِوم ِمن ع َّذب‪ ،‬وس ِمي ما ح َّل بِ ِهم ِمن الْعذ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّع ِذ ِ‬
‫اإلشارة إِلى الت ْ‬ ‫ِْ‬
‫ف ما وقع علْي ِه ْم‪،‬‬ ‫صِ‬ ‫ِ‬ ‫اف بل ال ب َّد ِمن عذ ِ ِ‬ ‫ين جزاء مع أنَّه غي ر ك ٍ‬ ‫َوذل َك َجز ُاء ْالكافر َ‬
‫اب ْاآلخرِة مبالغ ًة في و ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وت ْع ِظ ًيما له‪.‬‬

‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ٌ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫يم (‪)27‬‬ ‫ُ َّ َ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ‬
‫ثم يُوب الله ِمن بع ِد ِذلك على من يشاء والله غف ِ‬
‫يب‪.‬‬‫َّع ِذ ِ‬ ‫أ ِ ِ‬
‫َي‪ :‬م ْن ب ْعد هذا الت ْ‬‫ْ‬ ‫ِم ْن َب ْع ِد ِذل َك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِم َّم ْن هداه ِمنْ ه ْم إِلى ِْ‬
‫اإل ْسالِم‪.‬‬ ‫َعلى َم ْن َيش ُاء‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الل ُه َغ ُف ٌ‬‫َ َّ‬
‫يم بِعِب ِادهِ ي ت فضَّل علْي ِه ْم بِالْمغْ ِفرِة لِما اقْ ت رفوه‪.‬‬
‫يَغْف ُر لم ْن أ ْذنب ف تاب‪َ ،‬رح ٌ‬ ‫ور رحيم‬ ‫و‬

‫ًَ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫عام ِه ْم َهذا َو ِإن ِخفُ ْم َع ْيلة‬ ‫د‬ ‫س َفَل َي ْق َرُبوا ْال َم ْسج َد ْال َحر َ‬
‫ام َب ْع َ‬ ‫ٌ‬ ‫ج‬ ‫َيا َأ ّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا إ َّن َما ْال ُم ْشر ُكو َن َن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ ْ َ َّ َّ‬
‫فسوف يغ ِنيكم الله ِمن فض ِل ِه ِإن شاء ِإن الله ع ِليم ح ِكيم (‪)28‬‬
‫ص ِف ِه ْم بِذلِك حتَّى كأنَّه ْم عْين النَّجاس ِة‪ ،‬أ ْو على‬ ‫ِ‬
‫صدر مبالغ ًة في و ْ‬ ‫مْب تدأٌ‪ ،‬وخب ره الْم ْ‬
‫ادةُ‬
‫س‪ .‬وقال قَ تَ َ‬ ‫س‪ِ ،‬أل َّن معهم ِ‬
‫الش ْرك وهو بِمْن ِزل ِة النَّج ِ‬ ‫اف‪ :‬أ ْي ذوو نج ٍ‬ ‫ت ْق ِدي ِر مض ٍ‬
‫َوَم ْع َم ٌر َوغَْي ُر ُه َما‪ :‬إِنَّه ْم و ِصفوا بِذلِك ِألنَّه ْم ال ي تط َّهرون‪ ،‬وال ي ْغت ِسلون‪ ،‬وال ي تجنَّبون‬
‫ات‪،‬‬ ‫النَّجاس ِ‬

‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ات‪ ،‬كما ذهب إِلي ِه ب عض الظَّ ِ‬
‫اه ِريَِّة‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫است ِد َّل بِ ْاآلي ِة م ْن قال‪ :‬بِأ َّن الْم ْش ِرك نجس َّ‬
‫الذ ِ‬
‫وقد ْ‬
‫ِ‬ ‫ال ُم ْش ِركو َن‬
‫الزيْ ِديَِّة‪.‬‬
‫َو َّ‬
‫ب ْاأل ْرب ع ِة إِلى أ َّن الْكافِر لْيس‬ ‫ف وِمْن ه ْم أ ْهل الْمذ ِاه ِ‬
‫ف والْخل ِ‬ ‫ور ِمن َّ‬
‫السل ِ‬
‫ْج ْم ُه ُ‬
‫ب ال ُ‬ ‫َو َذ َه َ‬
‫ات‪ِ ،‬أل َّن اللَّه سْبحانه أح َّل طعامه ْم‪ ،‬وث بت ع ِن النَّبِ ِي ﷺ فِي ذلِك ِم ْن فِ ْعلِ ِه‬ ‫الذ ِ‬ ‫س َّ‬ ‫بِنج ِ‬
‫وق ْولِِه ما ي ِفيد عدم نجاس ِة ذواتِ ِه ْم‪ ،‬فأكل فِي آنِيتِ ِه ْم‪ ،‬وش ِرب ِمْن ها‪ ،‬وت وضَّأ فِيها‪ ،‬وأنْزله ْم‬
‫فِي م ْس ِج ِد ِه‪.‬‬
‫صد ٌر ال ي ث نَّى وال ي ْجمع‪.‬‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫س‬ ‫َّج‬‫ن‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫َن َج ٌ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فَل َي ْق َرُبوا ال َم ْس ِج َد الْفاء لِلتَّ ْف ِر ِيع‪ ،‬ف عدم ق ْربان ِه ْم للْم ْسجد الْحرِام مت ف ِرعٌ على نجاست ِه ْم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪17‬‬
‫ْ‬
‫ْح َر ِام ج ِميع الْحرِم‪ ،‬رِوي ذلِك ع ْن َعطَ ٍاء‪ ،‬ف ي ْمن عون ِعنْده ِم ْن ج ِم ِيع‬ ‫ِِ‬
‫اد بِال َْم ْسجد ال َ‬ ‫َوال ُْم َر ُ‬ ‫ال َحر َام‬
‫الْحرِم‪،‬‬
‫وذهب غْي ره ِم ْن أ ْه ِل الْعِلْ ِم إِلى أ َّن الْمراد الْم ْس ِجد الْحرام ن ْفسه فال ي ْمنع الْم ْش ِرك ِم ْن‬
‫ول سائِِر الْحرِم‪.‬‬ ‫دخ ِ‬

‫اج ِد‪:‬‬
‫ول الْم ْش ِرِك غي ر الْمس ِج ِد الْحرِام ِمن الْمس ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اخت لف أ ْهل الْعِلْ ِم فِي دخ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقد ْ‬
‫فذهب أ َْه ُل ال َْم ِدينَ ِة إِلى منْ ِع ك ِل م ْش ِرٍك ع ْن ك ِل م ْس ِج ٍد‪.‬‬
‫اصةٌ فِي الْم ْس ِج ِد الْحرِام‪ ،‬فال ي ْمن عون‬ ‫الشافِ ِع ُّي‪ْ :‬اآلية ع َّامةٌ فِي سائِِر الْم ْش ِركِين خ َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫اه ِر‪ِ ،‬أل َّن ق ْوله‬
‫اج ِد‪ .‬قال ابن الْعربِ ِي‪ :‬وهذا جمود ِمْنه على الظَّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ ُ ََ ّ‬
‫ول غي ِرِه ِمن الْمس ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن دخ ْ‬
‫ِ‬
‫الش ْرِك والنَّجاس ِة‪ ،‬ويجاب عْنه بِأ َّن هذا‬ ‫ت عالى‪ :‬إِنَّما الْم ْش ِركون نجس ت ْنبِيه على الْعِلَِّة بِ ِ‬
‫ٌ ٌ‬
‫يف فِ ِيه‪.‬‬
‫ود بِربْ ِط ِه ﷺ لِثمامة بْ ِن أث ٍال فِي مس ِج ِد ِه‪ ،‬وإِنْز ِال وفْ ِد ث ِق ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الْقياس م ْرد ٌ‬

‫اج ِد‬
‫الذ ِم ِي سائِر الْمس ِ‬ ‫ورِوي عن أَبِي حنِي َف َة ِمثْل ق وِل الشَّافِعِ ِي‪ ،‬وزاد أنَّه يجوز دخول ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِم ْن غْي ِر حاج ٍة‪ ،‬وق يَّده الشَّافِعِي بِالْحاج ِة‪.‬‬
‫لذ ِم ِي دون الْم ْش ِرِك‪.‬‬ ‫وقال قَ تادةُ‪ :‬إِنَّه يجوز ذلِك لِ ِ‬
‫ََ‬
‫فِ ِيه ق ْوال ِن‪:‬‬
‫َح ُد ُه َما‪ :‬أنَّه سنة تِ ْس ٍع‪ ،‬وِهي الَّتِي ح َّج فيها أبو بكر على الموسم‪.‬‬ ‫أَ‬
‫الص ِحيح الَّ ِذي ي ْع ِط ِيه م ْقتضى‬
‫ادةُ‪ ،‬قال ابْ ُن ال َْع َربِ ِّي‪ :‬وهو َّ‬
‫والثاني‪ :‬أنَّه سنة ع ْش ٍر‪ ،‬قاله قَ تَ َ‬
‫اللَّ ْف ِظ‪،‬‬
‫ب أ ْن ي قال‪ :‬إِنَّه سنة تِ ْس ٍع‪ ،‬وهو العام الذي وقع في ْاألذان‪.‬‬ ‫وِمن الْعج ِ‬
‫َ‬ ‫ََْ‬
‫عام ِه ْم َهذا‬
‫بعد ِ‬
‫اج ِد‬
‫وق ِد استد َّل من قال بِأنَّه يجوز لِْلم ْش ِركِين دخول الْمس ِج ِد الْحرِام وغي ِرِه ِمن الْمس ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ت الْح ِج والْع ْمرِة‪،‬‬ ‫ص بِوقْ ِ‬‫َّهي م ْخت ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫بِهذا الْقْيد‪ ،‬أَ ْعنِي قَ ْولَهُ‪ :‬بعد ِ‬
‫عام ِهم هذا قائ ًال إِ َّن الن ْ‬
‫ول‪ .‬ويجاب عنْه بِأ َّن ظ ِ‬
‫اهر‬ ‫ف ه ْم م ْمنوعون ع ِن الْح ِج والْع ْمرِة ف ق ْط ال ع ْن مطْل ِق الدخ ِ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫ات الْكائِن ِة‬ ‫ت ِمن ْاألوق ِ‬ ‫ان فِي ك ِل وقْ ٍ‬‫ان ب عد هذا الْع ِام ي ِفيد الْمنْع ِمن الْقرب ِ‬‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّه ِي ع ِن الْق ْرب ْ‬
‫الن ْ‬
‫ص‪.‬‬‫ص ٍ‬ ‫ضها بِالْجوا ِز يحتاج إِلى مخ ِ‬ ‫صيص ب ع ِ‬ ‫ب عده‪ ،‬وتخ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ًَ‬
‫الرجل يعِيل‪ :‬إِذا افْ ت قر‪،‬‬
‫ال َْع ْي لَةُ‪ :‬الْف ْقر‪ ،‬ي قال‪ :‬عال َّ‬ ‫َو ِإ ْن ِخ ْف ُت ْم َع ْيلة‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلةٌ شاقَّةٌ‪ ،‬ي قال عالني ْاأل ْمر ي عولني‪ :‬أ ْ‬
‫َي ش َّق عل َّي وا ْشت َّد‪،‬‬ ‫يل م ْعناه‪ :‬خ ْ‬
‫ِ‬
‫َوق َ‬ ‫ف َس ْوف ُيغ ِنيك ُم‬

‫‪18‬‬
‫الل ُه م ْن َف ْ‬
‫ض ِل ِه‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وكان الْم ْسلِمون ل َّما من عوا الْم ْش ِركِين ِمن الْم ْو ِس ِم وه ْم كانوا ي ْجلِبون إِلْي ِه ْاألطْعِمة‬
‫ات‪ ،‬قذف الشَّْيطان فِي ق لوبِ ِهم الْخ ْوف ِمن الْف ْق ِر وقالوا‪ :‬م ْن أيْن نعِيش؟ ف وعدهم‬ ‫والتِجار ِ‬
‫ضلِ ِه‪.‬‬
‫اللَّه أ ْن ي غْنِي ه ْم ِم ْن ف ْ‬
‫ُ َّ َ َ‬
‫ين َّل‬ ‫الذ َّم ِة بِق ْولِِه‪ :‬قا ِتلوا ال ِذ‬
‫اك‪ :‬ف فتح اللَّه علي ِهم باب الْ ِجزي ِة ِمن أه ِل ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّح ُ‬
‫قال الض َّ‬
‫ُ ْ ُ َ َّ‬
‫يؤ ِمنون ِبالل ِه ْاآلية‪،‬‬
‫ض‪ ،‬وأسلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت الْعرب فحملوا‬ ‫ب ْاأل ْر ِ ْ‬ ‫صِ‬‫وقال ع ْك ِرَمةُ‪ :‬أ ْغناه ْم بِِإ ْدرا ِر الْمط ِر والنَّبات وخ ْ‬
‫إِلى م َّكة ما أ ْغناهم اللَّه بِِه‪.‬‬
‫يل‪ :‬أ ْغناه ْم بِالْف ْي ِء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬

‫َّعلِيم لِلْعِب ِاد بِأ ْن ي قولوا ذلِك فِي ك ِل ما ي تكلَّمون بِِه ِم َّما له‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوفَائ َدةُ التَّ ْقيِيد بِال َْمشيئَة الت ْ‬
‫الزم ِن الْم ْست ْقب ِل‪ ،‬ولِئ َّال ي ْفت روا ع ِن الدع ِاء والتَّضرِع‪.‬‬
‫ت عل ٌق بِ َّ‬
‫يم فِي إِ ْعطائِِه ومْنعِ ِه‪ ،‬ما شاء كان وما ل ْم يشأْ ل ْم يك ْن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ َ َ ٌ َ ٌ ِ‬
‫يم بِأ ْحوالك ْم‪َ ،‬حك ٌ‬ ‫ِإن الله ع ِليم ح ِكيم َعل ٌ‬

‫ُ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ َ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َ ْ‬
‫ين ال َح ِ ّق‬ ‫قاتلوا ال ِذين َّل يؤ ِمنون ِبالل ِه وَّل ِباليو ِم اْل ِخ ِر وَّل يح ِرمون ما حرم الله ورسوله وَّل ي ِدينون ِد‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َْ َ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫صاغرون (‪)29‬‬ ‫ِمن ال ِذين أوتوا ال ِكُاب حتى يعطوا ال ِجزية عن ي ٍد وهم ِ‬
‫اف‪ ،‬قال أَبُو ال َْوفَ ِاء بْ ُن َع ِق ٍ‬
‫يل‪ :‬إِ َّن ق ْوله‪:‬‬ ‫فِ ِيه ْاألمر بِِقت ِال من جمع ب ين ه ِذ ِه ْاألوص ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قاتلوا‬
‫ِ‬
‫قاتِلوا أَمر بِالْع ُقوبة‪ِ.‬‬
‫ٌْ ُ َ‬
‫َّ َ َ ْ َ َّ‬
‫ب الَّ ِذي ت ِ‬
‫وجبه الْعقوبة‪.‬‬ ‫الذنْ ِ‬
‫بيان َّ‬ ‫ين َّل ُيؤ ِم ُنون ِبالل ِه‬ ‫ال ِذ‬
‫َ َْْ ْ‬
‫ب ِاال ْعتِق ِاد‪،‬‬
‫الذنْب فِي جانِ ِ‬ ‫فأ َّكد َّ‬ ‫وَّل ِباليو ِم اْل ِخ ِر‬
‫َ ُ َ ُ َن َ َ َّ َ َُّ‬
‫ب فِي مخالف ِة ْاأل ْعم ِال‬ ‫فِ ِيه ِزيادةٌ لِ َّ‬
‫لذنْ ِ‬ ‫وَّل يح ِرمو ما حرم الله‬
‫ُ‬
‫َو َر ُسول ُه‬
‫َ َ ُ َ َ ْ‬
‫اف والْمعاندةِ و ْاألن ف ِة ع ِن ِاال ْستِ ْسالِم‬ ‫صي ِة بِ ِاالنْ ِحر ِ‬
‫ْ‬
‫فِ ِيه إِشارةٌ إِلى تأْكِ ِ‬
‫يد الْمع ِ‬ ‫ين ال َح ِق‬ ‫وَّل ي ِدينون ِد‬
‫تَأْكِي ٌد لِْلح َّج ِة علْي ِه ْم ِألنَّه ْم كانوا ي ِجدونه م ْكتوبًا عِْنده ْم فِي الت َّْور ِاة و ِْ‬
‫اإلنْ ِج ِيل‬ ‫ين ُأ ُوتوا ْالك َ‬
‫تاب‬ ‫م َن َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف ب يَّن الْغاية الَّتِي ت ْمتد إِلْي ها الْعقوبة‪.‬‬
‫وْزن ها فِ ْعلةٌ م ْن جزى ي ْج ِزي‪ :‬إِذا كافأ ع َّما أ ْس ِدي إِلْي ِه‪ ،‬فكأنَّه ْم أ ْعط ْوها جزاءً ع َّما‬ ‫ُ ْ َ‬
‫َح َّتى ُي ْعطوا ال ِج ْزَية‬
‫منِحوا ِمن ْاأل ْم ِن‪،‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقِيل‪ :‬س ِمي ِ ِ‬
‫َي‪ :‬ي ْقضوه‪،‬‬ ‫ت ج ْزيةً ألنَّها طائفةٌ م َّما على أ ْه ِل الذ َّمة أ ْن ي ْجزوه‪ ،‬أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪19‬‬
‫الشرِع‪ :‬ما ي ع ِط ِيه الْمع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهد على عهده‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َوه َي في َّ ْ‬
‫ب على الْح ِال‪.‬‬ ‫صٍ‬ ‫ِ‬
‫في مح ِل ن ْ‬
‫َوال َْم ْعنَى‪ :‬ع ْن ي ٍد مواتِي ٍة‪ ،‬غْي ِر م ْمتنِع ٍة‪،‬‬
‫يل‪ :‬م ْعناه ي ْعطون ها بِأيْ ِدي ِه ْم غْي ر م ْستنِيبِين فِيها أح ًدا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬م ْعناه‪ :‬ن ْق ٍد غْي ِر ن ِسيئ ٍة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬ع ْن ق ْه ٍر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫َوقِيل‪ :‬م ْعناه ع ْن إِنْع ٍام ِمْنك ْم علْي ِه ْم‪ِ ،‬أل َّن أ ْخذها ِمْن ه ْم ن ْوعٌ ِم ْن أنْو ِاع ِْ‬
‫اإلنْع ِام علْي ِه ْم‬ ‫َ‬
‫يل م ْعناه م ْذمومون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬

‫الشافِعِي وأ ْحمد وأبو حنِيفة وأصحابه‬ ‫اعةٌ ِم ْن أ َْه ِل الْعِل ِْم ِمنْ هم َّ‬
‫وق ْد ذهب َج َم َ‬
‫اب‪.‬‬‫الثوري وأبو ث وٍر إِلى أنَّها ال ت ْقبل الْ ِج ْزية إَِّال ِمن أ ْه ِل الْ ِكت ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اس الْكفرِة كائِنًا م ْن كان‪،‬‬ ‫ك‪ :‬إِ َّن الْ ِج ْزية ت ْؤخذ ِم ْن ج ِمي ِع أ ْجن ِ‬ ‫وقال ْاألَوَز ِ‬
‫اع ُّي َوَمالِ ٌ‬ ‫ْ‬
‫اب على الْق ْوِل ْاأل َّوِل الْمجوس‪ ،‬قال ابْ ُن ال ُْم ْن ِذ ِر‪ :‬ال أ ْعلم‬ ‫وي ْدخل فِي أ ْه ِل الْ ِكت ِ‬
‫َع ْن َي ٍد‬
‫ِخالفًا فِي أ َّن الْ ِج ْزية ت ْؤخذ منهم‪.‬‬

‫واختلف أ ْهل الْعِلْ ِم فِي ِم ْقدا ِر الْ ِج ْزي ِة‪،‬‬


‫ف قال َعطَاءٌ‪ :‬ال ِم ْقدار لها‪ ،‬وإِنَّما ت ْؤخذ على ما صولِحوا علْي ِه‪ ،‬وبِِه قال يَ ْحيَى بْ ُن‬
‫آد َم َوأَبُو عُبَ ْي ٍد َوابْ ُن َج ِري ٍر إَِّال أنَّه قال‪ :‬أق لها ِدين ٌار وأ ْكث رها ال ح َّد له‪.‬‬ ‫َ‬
‫الشافِ ِع ُّي‪ِ :‬دين ٌار على الْغنِ ِي والْف ِقي ِر ِمن ْاأل ْحرا ِر الْبالِغِين ال ي ْن قص ِمْنه ش ْيءٌ‪،‬‬ ‫وقال َّ‬
‫وبِِه قال أَبُو ثَ ْوٍر‪ .‬قال الشَّافِعِي‪ :‬وإِ ْن صولِحوا على أ ْكث ِر ِم ْن ِدينا ٍر جاز‪ ،‬وإِذا زادوا‬
‫ت بِذلِك أنْفسه ْم قبِل ِمْن ه ْم‪.‬‬ ‫وطاب ْ‬
‫ب‪ ،‬وأ ْرب عون ِد ْره ًما على أ ْه ِل الْوِرِق‪،‬‬ ‫الذه ِ‬‫ك‪ :‬إِنَّها أ ْرب عة دنانِير على أ ْه ِل َّ‬ ‫وقال َمالِ ٌ‬
‫وسياا‪ ،‬ال ي ِزيد وال ي نْ قص‪.‬‬ ‫الْغنِي والْف ِقير سواء‪ ،‬ولو كان مج ِ‬
‫ٌ ْ‬
‫َح َم ُد بْ ُن َحنْ بَ ٍل‪ :‬اثْنا عشر وأ ْرب عةٌ‬
‫ْح َس ِن َوأ ْ‬ ‫وقال أبو َحنِي َفةَ َوأ ْ‬
‫َص َحابُهُ َوُم َح َّم ُد بْ ُن ال َ‬
‫و ِع ْشرون وثمانِيةٌ وأ ْرب عون‪.‬‬
‫ب على الْح ِال‪،‬‬ ‫صٍ‬ ‫ِ‬
‫في مح ِل ن ْ‬
‫الذ ِمي ي ع ِطي الْ ِجزية حال كونِِه ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُه ْم صاغ ُر َ‬
‫اغًرا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ار‪ :‬الذل‪َ .‬وال َْم ْعنَى‪ :‬إِ َّن َّ ْ‬ ‫الصغَ ُ‬
‫َو َّ‬ ‫ون‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬ويسلِمها وهو قائِ ٌم‪ ،‬والْمتسلِم‬ ‫اشيًا غْي ر راكِ ٍ‬ ‫قِيل‪ :‬وهو أ ْن يأْتِي بِها بِن ْف ِس ِه م ِ‬
‫َ‬

‫‪20‬‬
‫ض لِلْ ِجزي ِة أ ْن يجعل الْمسلِم لها حال ق ب ِ‬
‫ضها ص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اغًرا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قاع ٌد‪ .‬وبِالْج ْملة ي نْ بغي للْقابِ ِ ْ‬
‫ذلِ ًيال‪.‬‬

‫َ َ‬
‫ضاه ُؤن ق ْو َل‬ ‫الله ذل َك َق ْو ُل ُه ْم ب َأ ْفواهه ْم ُ‬
‫ْ َ ُ ْ ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ُ ُ َ ْ ْ ُ َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال ِت اليهود عزي ٌرابن الل ِه وقال ِت النصارى الم ِسيح ابن ِ ِ‬
‫َّ َ َّ ْ َ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫ين كف ُروا ِم ْن ق ْب ُ َّ قاتل ُه ُم الل ُه أنى ُيؤفكون (‪)31‬‬ ‫ال ِذ‬
‫قالوا هذا ل َّما رأ ْوا ِم ْن إِ ْحيائِِه الْم ْوتى مع ك ْونِِه ِم ْن غْي ِر أ ٍب‪،‬‬
‫صفه تارةً بِابْ ِن اللَِّه‪،‬‬ ‫و ْاألُولَى أن يقال‪ :‬إنهم قالوا هذه المقالة لكونه فِي ِْ ِ‬
‫اإلنْج ِيل و ْ‬ ‫َ‬
‫اإلنْ ِج ِيل‪ ،‬ول ْم ي ْفهموا‬ ‫اضع مت ع ِدد ٍة ِمن ِْ‬ ‫ان‪ ،‬كما رأي نا ذلِك فِي مو ِ‬ ‫اإلنْس ِ‬‫ِ‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫اب‬‫ِ‬
‫ب‬ ‫ة‬
‫ً‬‫ار‬‫ت‬‫و‬ ‫النصارى ْال َمس ُ‬
‫يح‬
‫َ َ‬
‫قالت َّ‬‫و‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف سل ِف ِه ْم‬ ‫يف والتَّ ْك ِري ِم‪ ،‬أو لم يظْهر لهم أ َّن ذلِك ِمن ت ْح ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ ْ‬ ‫ص ِد الت ْ‬
‫َّش ِر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أ َّن ذلك لق ْ‬ ‫ْاب ُن الله‬
‫اسد ِة‪،‬‬‫اض الْف ِ‬ ‫ض ِمن ْاأل ْغر ِ‬ ‫لِغر ٍ‬
‫ض النَّصارى ال لِكلِ ِه ْم‪.‬‬ ‫يل‪ :‬وه ِذ ِه الْمقالة إِنَّما ِهي لِب ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ق َ‬
‫اإلشارة إِلى ما صدر عْن ه ْم ِم ْن هذه المقالة الباطلة‪.‬‬ ‫ِْ‬
‫ووجه قوله بِأَفْ َو ِاه ِه ْم مع الْعِلْ ِم بِأ َّن الْق ْول ال يكون إَِّال بِالْف ِم‪ ،‬بِأ َّن هذا الْق ْول ل َّما‬
‫ضده بِ ِرها ٌن‪ ،‬كان مجَّرد د ْعوى ال م ْعنى ت ْحت ها‪،‬‬ ‫كان ساذ ًجا لْيس فِ ِيه ب يا ٌن‪ ،‬وال ع َّ‬
‫غْي ر م ِفيد ٍة لِفائِد ٍة ي ْعتد بِها‪،‬‬ ‫َ َ ُُْ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫واه ِه ْم‬
‫ِذلك قولهم ِبأ ِ‬
‫ف‬
‫يل‪ :‬إِ َّن ِذ ْكر ْاألفْ و ِاه لقصد التأكيد‪.‬‬ ‫َوق َ‬

‫ض أ َْه ِل ال ِْعل ِْم‪ :‬إِ َّن اللَّه سْبحانه ل ْم ي ْذك ْر ق ْوًال م ْقرونًا بِ ِذ ْك ِر ْاألفْ و ِاه‪ ،‬و ْاأللْس ِن‬
‫وقال بَ ْع ُ‬
‫ْ َْ َ ُُ‬ ‫َ‬
‫َُ ُ َ ْ‬
‫س ِفي قل ِوب ِه ْم‪.‬‬ ‫واه ِهم ما لي‬ ‫ورا كق ْولِِه‪ :‬يقولون ِبأف ِ‬ ‫إَّال وكان ق ْوًال ز ً‬
‫ِ‬
‫اهاةُ‪ :‬الْمشابِهة‪،‬‬ ‫ضَ‬ ‫ال ُْم َ‬
‫الرجال‪.‬‬ ‫ت ِ‬ ‫قِيل‪ :‬وِمنْه ق ول الْعر ِب‪ :‬امرأةٌ ضهياء‪ :‬وِهي الَّتِي ال ت ِحيض ِألنَّها شاب ه ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫وم ْعنى مضاهاتِ ِه ْم لِق ْوِل الَّ ِذين كفروا فِ ِيه أقْ و ٌال ِأل ْه ِل الْعِلْ ِم‪:‬‬ ‫ُيضاه ُؤ َن َق ْو َل َّالذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْاأل ََّو ُل‪ :‬أنَّه ْم شاب هوا بِه ِذ ِه الْمقال ِة عبدة األوثان في قولهم‪ :‬الالت والْعَّزى ومناة‬ ‫ُ‬
‫كفروا‬
‫ب نات اللَِّه‪.‬‬
‫الْ َق ْو ُل الثَّانِي‪ :‬أنَّه ْم شاب هوا ق ْول م ْن ي قول ِمن الْكافِ ِرين‪ :‬إِ َّن المالئكة بنات الله‪،‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم شابهوا أسالفهم القائلين بأن عزيز ابْن اللَِّه وأ َّن الْم ِسيح ابْن اللَِّه‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫دعاءٌ علْي ِه ْم بِالْهال ِك‪ِ ،‬أل َّن م ْن قات له اللَّه هلك‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫ب ِم ْن شناع ِة ق ْولِ ِه ْم‪،‬‬
‫يل‪ :‬هو ت عج ٌ‬
‫ِ‬
‫َوق َ‬ ‫قاتل ُه ُم الل ُه‬
‫يل‪ :‬م ْعنى قات لهم اللَّه‪ :‬لعن هم الله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أَي‪ :‬كيف يصرفون ع ِن الْح ِق إِلى الْب ِ‬
‫اط ِل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫أ َّنى ُي ْؤ َفكو َن‬

‫دا ََّل إ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫يح ْاب َن َم ْرَي َم َوما ُأم ُروا إ َ َّّل ل َي ْع ُب ُ‬
‫الله َو ْال َمس َ‬
‫َّ‬
‫ن‬
‫َّ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً‬
‫بابا م ْن ُ‬
‫له‬ ‫ِ‬ ‫اح‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫لها‬‫إ‬‫ِ‬ ‫وا‬‫د‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫و‬‫د‬ ‫اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أر ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِإَّل ُه َو ُس ْبحان ُه َع َّما ُيش ِركون (‪)31‬‬

‫ار‪ :‬جمع حْب ٌر‪ ،‬وهو الَّ ِذي ي ْح ِسن الْق ْول‪،‬‬
‫َحبَ ُ‬
‫ْاأل ْ‬
‫الحبر بالكسر‪ :‬المداد‪،‬‬
‫َُ َ‬
‫والْحْب ر بِالْ َف ْت ِح الْعالِم‪.‬‬ ‫َّاتخذوا أ ْحبا َر ُه ْم‬
‫ِ‬ ‫بابا م ْن ُ‬‫َ ُ ْ َُ ْ َْ ً‬
‫الرْهب ِة‪ ،‬وه ْم علماء النَّصارى‪ ،‬كما أ َّن ْاأل ْحبار‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ذ‬
‫ٌ‬ ‫و‬‫خ‬‫ْ‬‫أ‬‫م‬ ‫‪،‬‬‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫اه‬‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ج‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬
‫ِ َ ُّ ْ َ ُ ْ‬‫ا‬ ‫ب‬‫ه‬ ‫الر‬‫و‬ ‫ن‬‫و‬ ‫د‬ ‫ورهبانهم أر ِ‬
‫علماء الْي ه ِ‬ ‫َّ‬
‫ود‪.‬‬ ‫الل ِه‬
‫َوَم ْعنَى ْاآليَِة‪ :‬أنَّه ْم ل َّما أطاعوه ْم فِيما يأْمرون ه ْم بِِه وي ْن ه ْون ه ْم عْنه كانوا بِمْن ِزل ِة‬
‫َّخ ِذين له ْم أ ْربابًا‪ِ ،‬ألنَّه ْم أطاعوه ْم كما تطاع ْاأل ْرباب‪.‬‬ ‫الْمت ِ‬
‫ودا‪ ،‬وفِ ِيه إِشارةٌ إِلى أ َّن الْي هود‬ ‫َي‪ :‬اتَّخذه النَّصارى رباا م ْعب ً‬ ‫ف على رْهبان ه ْم‪ ،‬أ ِ‬ ‫م ْعطو ٌ‬
‫ودا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ل ْم ي تَّخذوا عزير رباا م ْعب ً‬

‫يد فِي‬‫السمع وهو ش ِهي ٌد ع ِن التَّ ْقلِ ِ‬


‫ب أ ْو ألْقى َّ ْ‬ ‫وفي هذه ْاآلية ما ي ْزجر م ْن كان له ق لْ ٌ‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫اب الْع ِزي ِز والسن َِّة الْمط َّهرِة‪،‬‬ ‫ِدي ِن اللَِّه‪ ،‬وتأْثِير ما ي قوله ْاأل ْسالف على ما فِي الْ ِكت ِ‬
‫سنَّتِ ِه ِم ْن عُلَ َم ِاء َه ِذ ِه ْاأل َُّم ِة َم َع‬‫ب لِم ْن يَ ْقتَ ِدي بَِق ْولِ ِه ويَستَ ُّن بِ‬ ‫ِ‬ ‫اعةَ الْمتم ْذ ِ‬
‫ه‬ ‫ط‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬‫َ‬‫ف‬ ‫يح ْاب َن َم ْرَي َ‬
‫م‬ ‫َو ْال َمس َ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ت بِِه‬ ‫ت بِ ِه ُح َج ُج اللَّ ِه َوبَ َر ِاهينُهُ‪َ ،‬ونَطََق ْ‬‫وص‪َ ،‬وقَ َام ْ‬ ‫ُّص ُ‬
‫م َخالََفتِ ِه لِما جاء ْ ِ‬
‫ت بِه الن ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ان أَربابا ِمن ُد ِ‬ ‫َحبا ِر و ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون‬ ‫الر ْهبَ َْ ً ْ‬ ‫َّص َارى ل ْْل ْ َ َ‬ ‫ُكتُ بُهُ َوأَنْبِيَا ُؤهُ‪ُ ،‬ه َو َكاتّ َخاذ الْيَ ُهود َوالن َ‬
‫ِ ِ‬
‫وه ْم‪َ ،‬و َح َّرُموا َما َح َّرُموا‪َ ،‬و َحلَّلُوا َما‬ ‫وه ْم‪ ،‬بَ ْل أَطَاعُ ُ‬ ‫اللَّه‪ ،‬للْ َقط ِْع بِأَنَّ ُه ْم لَ ْم يَ ْعبُ ُد ُ‬
‫َحلَّلُوا‪ .‬وهذا هو صنِيع الْمقلِ ِدين ِم ْن ه ِذهِ ْاأل َّم ِة‪ ،‬وهو أ ْشبه بِِه من شبه البيضة‬
‫بالبيضة‪.‬‬
‫ب على الْح ِال‪،‬‬ ‫صٍ‬ ‫ِ‬ ‫ً ِِ‬ ‫َ ُ ُ َّ َ ْ ُ ُ‬
‫وما أ ِمروا ِإَّل ِليعبدوا ِإلها هذه الْج ْملة في مح ِل ن ْ‬
‫ً‬
‫ال أَنَّ ُه ْم َما أمروا إال بعبادة الله‬ ‫ْح ُ‬
‫أي‪ :‬اتَّخذوا أ ْحباره ْم ورْهبان ه ْم أ ْربابًا‪َ ،‬وال َ‬ ‫واحدا‬‫ِ‬

‫‪22‬‬
‫ان إَِّال بِذلِك‪ ،‬فكْيف‬
‫وحده‪ ،‬أو ما أ ِمر الَّ ِذين اتَّخذوهم أربابا ِمن ْاألحبا ِر والرْهب ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ً‬
‫صلحون لِما أ َّهلوه ْم له ِمن اتِخ ِاذ ِه ْم أ ْربابًا؟‬ ‫يْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِصفةٌ ثانِيةٌ لِق ْولِِه إِل ًها‬ ‫َّل ِإ َله ِإَّل ُه َو‬
‫ُ‬
‫اإل ْشر ِاك فِي طاعته وعبادته‪.‬‬ ‫أي‪ :‬ت ْن ِز ًيها له ع ِن ِْ‬ ‫حان ُه َع َّما ُي ْش ِركو َن‬
‫ُ ْ َ‬
‫سب‬

‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َّ ُ َ ّ َ ْ ُ َّ ُ َ َ َ ْ‬ ‫ُ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َّ َ ْ‬
‫ور ُه َول ْو ك ِر َه الكا ِف ُرون (‪)32‬‬ ‫واه ِهم ويأبى الله ِإَّل أن ي ُِم ن‬ ‫ي ِريدون أن يط ِفؤا نورالل ِه ِبأف ِ‬
‫ور هذا كال ٌم ي تض َّمن ِذ ْكر ن ْوٍع آخر ِم ْن أنْو ِاع ضاللِ ِه ْم وب ْع ِد ِه ْم ع ِن الْح ِق‪،‬‬ ‫ُير ُيدو َن َأ ْن ُي ْطف ُؤا ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الله ب َأ ْفواههمْ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫َي‪ِ :‬دينه الْق ِويم‪،‬‬
‫أْ‬
‫ضت إَِّال‬ ‫ت إَِّال ِاال ْستِثْنائِيَّة على يأْبى؟ وال يجوز ك ِرْهت أ ْو ب غ ْ‬ ‫ِ‬
‫يل‪ :‬كْيف دخل ْ‬ ‫َوقَ ْد ق َ‬
‫َ َ ْ َ َّ ُ َّ َ ْ ُ َّ زيْ ًدا‪ .‬قال الْ َف َّراءُ‪ :‬إِنَّما دخلْت ِأل َّن فِي الْكالِم طرفًا ِمن الْج ْح ِد‪.‬‬
‫ويأبى الله ِإَّل أن ي ِتم‬
‫اج‪ :‬إِ َّن الْعرب ت ْح ِذف مع «أبى» ‪ ،‬والتَّ ْق ِدير‪ :‬ويأْبى اللَّه ك َّل ش ْي ٍء إَِّال أ ْن‬ ‫ج‬
‫َّ ُ‬ ‫الز‬
‫َّ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ُن َ‬
‫ور ُه‬
‫يتِ َّم نوره‪،‬‬
‫ت‬‫وقال َعلِ ُّي بن سلَْيما َن‪ :‬إِنَّما جاز هذا فِي «أبى» ِألنَّها مْنع أ ِو امتِناعٌ فضارع ِ‬
‫ٌ ْ‬ ‫ُْ ُ َ‬
‫اس‪ :‬وهذا أ ْحسن‪.‬‬ ‫َّح ُ‬ ‫النَّ ْفي‪ .‬قال الن َّ‬
‫َي‪ :‬أبى اللَّه إَِّال أ ْن ي ت َّم نوره ول ْو ل ْم ي ْكرِه الْكافِرون‬ ‫ٍ‬
‫وف على ج ْملة ق ْب له مقدَّرٍة‪ ،‬أ ْ‬ ‫م ْعط ٌ‬ ‫َو َل ْو َكر َه ْالكاف ُر َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلِك ول ْو ك ِرهوا‪.‬‬

‫ْ َ ّ ُ ْ َُ ََ ّ ُّ َ َ ْ ْ ُ َ‬ ‫ول ُه ب ْال ُهدى َ‬‫ُ َ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ‬


‫الد ِين ُ ِل ِه َول ْو ك ِر َه ال ُمش ِركون (‪)33‬‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫ظ‬
‫ِ ِ ِ‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ين‬ ‫د‬
‫ِ ِ‬ ‫و‬ ‫هو ال ِذي أرس َّ رس ِ‬
‫أكد اآلية السابقة بهذه اآلية‪ ،‬أَي‪ :‬بِما ي ه ِدي بِِه النَّاس ِمن الْب ر ِاهي ِن والْمع ِجز ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫ه‬‫ُه َو َّالذي َأ ْ َس َل َ ُس َول ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ر ر‬
‫ْ‬
‫و ْاأل ْحك ِام الَّتِي شرعها اللَّه لِعِب ِاد ِه‪.‬‬ ‫ِبال ُهدى‬
‫ْ‬
‫اإل ْسالم‬ ‫وهو ِْ‬ ‫َو ِد ِين ال َح ِق‬
‫َي‪ :‬لِيظْ ِهر رسوله‪ ،‬أ ْو ِدين الْح ِق بِما ا ْشتمل علْي ِه ِمن الْحج ِج والْب ر ِاهي ِن‪ ،‬وق ْد وقع‬ ‫أْ‬ ‫ل ُي ْظه َر ُ‬
‫ه‬ ‫ِ ِ‬
‫ذلِك ولِلَِّه الْح ْمد‪.‬‬
‫َّمنا ذلِك‪.‬‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫م‬‫ك‬ ‫ون‬ ‫ر‬‫َو َل ْو َكر َه ْال ُم ْشر ُكو َن الْكالم فِ ِيه كالْكالِم فِي ولو ك ِره الْكافِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪23‬‬
‫الناس ب ْالباط َّ َو َي ُ‬
‫ص ّدو َن َع ْن َ‬ ‫َ ّ َ َّ َ َ ُ َّ َ ً َ ْ َ ْ َ ّ ْ َ َ ْ ُ ُ َن َ ْ َ َّ‬
‫ي َّ‬
‫ِ ِ‬‫ْ‬ ‫س‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫بان ليأُلو أموال‬ ‫باروالره ِ‬ ‫يا أيها ال ِذين آمنوا ِإن ك ِثيرا ِمن اْلح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الله ف َْ ّش ْر ُه ْم ب َ‬ ‫الذ َه َب َو ْالف َّ‬
‫ض َة َوَّل ُي ْنف ُق َونها في َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫ذاب أ ِل ٍيم (‪)34‬‬
‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ي َّ‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الل ِه وال ِذين يك ِنزون‬
‫الر ْشوِة‪ ،‬وأثْبت هذا لِلْكثِي ِر ِمْن ه ْم‪ِ ،‬أل َّن فِي ِه ْم م ْن ل ْم‬‫اطل ِة ك ِ‬ ‫أنَّهم يأْخذون ها بِالْوج ِ‬
‫وه الْب ِ‬
‫ْ‬
‫يف‪ ،‬وال ت ْب ِد ٍيل‪ ،‬وال مْي ٍل إِلى‬ ‫وجبه ِدينه ِمن غْي ِر ت ْح ِر ٍ‬
‫ْ‬
‫ي ت لبَّس بِذلِك‪ ،‬بل ب ِقي على ما ي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َل َي ْأ ُك ُلو َن َأ ْم َ‬
‫وال َّ‬
‫اس‬
‫ِ‬ ‫الن‬
‫حط ِام الدنْيا‪،‬‬ ‫ْ‬
‫باط ِل‬
‫ِبال ِ‬
‫صر فِي‬ ‫ِ ِ‬
‫اإل ْسالِم م ْن ال يأْتي علْيه الْح ْ‬ ‫ان ِم ْن علم ِاء ِْ‬
‫ولق ِد اقْ تدى بِهؤال ِء ْاألحبا ِر والرْهب ِ‬
‫ْ‬
‫ك ِل زمان‪ ،‬فالله المستعان‪.‬‬
‫اإل ْسالِم‪ ،‬أ ْو ع ْن ما كان حقاا فِي ش ِريعتِ ِه ْم ق ْبل ن ْس ِخها‪،‬‬ ‫ََ ُ َ‬
‫ع ِن الطَِّر ِيق إِلْي ِه‪ ،‬وهو ِدين ِْ‬ ‫ص ُّدون َع ْن َس ِب ِيل‬‫وي‬
‫َّ‬
‫اط ِل‪.‬‬ ‫ب أ ْكلِ ِه ْم ِأل ْمو ِال الن ِ‬
‫َّاس بِالْب ِ‬ ‫بِسب ِ‬ ‫الل ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صن عون هذا الصْنع‪،‬‬ ‫يل‪ :‬هم الْمت قدم ذ ْكره ْم من ْاأل ْحبا ِر والرْهبان‪ ،‬وإِنَّه ْم كانوا ي ْ‬ ‫ق َ‬
‫يل‪ :‬ه ْم م ْن ي ْفعل ذلِك ِمن الْم ْسلِ ِمين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫و ْاأل ْولى‪ :‬ح ْمل ْاآلي ِة على عم ِوم اللَّ ْف ِظ‪ ،‬ف هو أ ْوسع ِم ْن ذلِك‪.‬‬

‫ب والْ ِفض َِّة‪.‬‬ ‫الذه ِ‬ ‫َصل الْ َك ْن ِز فِي اللغ ِة‪ :‬الضَّم والْج ْمع‪ ،‬وال ي ْختص بِ َّ‬
‫َوأ ْ ُ‬
‫ض كان أ ْو‬ ‫ض فِي بطْ ِن ْاأل ْر ِ‬ ‫وع ب ْعضه إِلى ب ْع ٍ‬ ‫قال ابْ ُن َج ِري ٍر‪ :‬الْكْن ز كل ش ْي ٍء م ْجم ٍ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الذ َه َب على ظه ِرها انْت هى‪ .‬وِمْنه ناقةٌ كِن ٌاز‪ :‬أي م ْكتنِ‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫اجتمع‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫‪:‬‬‫ء‬ ‫َّي‬ ‫الش‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫‪،‬‬‫م‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وال ِذين يك ِنزون‬
‫َ ْ َّ َ‬
‫ضة‬ ‫وال ِف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت زكاته ه ْل يس َّمى كْن ًزا أ ْم ال؟‬ ‫اخت لف أ ْهل الْع ْل ِم في الْم ِال الَّذي أدي ْ‬ ‫وْ‬
‫ال قَ ْوٌم‪ :‬هو كْن ٌز‪ ،‬وِمن الْقائِلِين بهذا القول هو أَبُو َذ ٍّر‪ .‬وق يَّده بِما فضل ع ِن‬ ‫فَ َق َ‬
‫الْحاج ِة‪.‬‬
‫ال آ َخرو َن‪ :‬لْيس بِكْن ٍز‪ .‬وِمن الْقائِلِين بِهذا القول هو عُ َمر ابن الْ َخطَّ ِ‬
‫اب َوابْ ُن‬ ‫ُ‬ ‫َوقَ َ ُ‬
‫اس َو َجابٌِر َوأَبُو ُه َريْ َرةَ َوعُ َم ُر بْ ُن َع ْب ِد ال َْع ِزي ِز َوغَْي ُر ُه ْم‪ ،‬وهو الْحق لِما‬ ‫عُ َم َر َوابْ ُن َعبَّ ٍ‬
‫ت زكاته ف لْيس بِكنْ ٍز‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫سيأْتي من ْاألدلَّة الْمص ِرحة بِأ َّن ما أدي ْ‬
‫الذهب والْ ِفضَّة‪،‬‬ ‫َّمي ِر مع ك ْو ِن الْم ْذكوِر ق ْب له شْي ئ ْي ِن‪ ،‬ه َّما َّ‬ ‫اخت لف فِي وج ِه إفراد الض ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب وهو الْ ِفضَّة قال‪ :‬وِمثْله ق ْولِِه ت عالى‬ ‫ص ٌد إِلى ْاألع ِم ْاأل ْغل ِ‬
‫ي‪ :‬إِنَّه ق ْ‬ ‫ف قال ابْ ُن ْاألَنْ بَا ِر ِّ‬ ‫َوَّل ُي ْنف ُق َونها في َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال ِة ِألنَّها أعم‪،‬‬
‫َلة و ِإنها لك ِب َيرة} رَّد الْ ِكناية إِلى َّ‬ ‫{واسُ ِعينوا ِبالصب ِروالص ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫الل ِه‬

‫ب والْ ِفض َِّة م ْعطوفةٌ علْي ِه‪ ،‬والْعرب ت ؤنِث َّ‬


‫الذهب‬ ‫وقِيل‪ :‬إِ َّن الض ِ‬
‫َّمير ر ِاج ٌع إِلى َّ‬
‫الذه ِ‬
‫َ َ‬

‫‪24‬‬
‫وتذكِره‪،‬‬
‫ول علْي ها بِق ْولِِه ي ْكنِزون‪،‬‬‫الض ِمير ر ِاجع إِلى الْكنوِز الْم ْدل ِ‬
‫ٌ‬ ‫يل‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬إِلى ْاأل ْمو ِال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬لِ َّلزك ِاة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫يل‪ :‬إِنَّه ا ْكت فى بِض ِمي ِر أح ِد ِهما ع ْن ض ِمي ِر ْاآلخ ِر مع ف ْه ِم الْم ْعنى‪ ،‬وهو كثِ ٌير فِي‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫كالِم الْعر ِب‪ ،‬وأنْشد ِسيب ويِْه‪:‬‬
‫الرأْي م ْختلِف‬ ‫ن ْحن بِما ِعْندنا وأنْت بِما … ِعْندك ر ٍ‬
‫اض و َّ‬
‫ول ْم ي ق ْل راضون‪.‬‬
‫اب إِلى الْم ْعنى دون اللَّ ْف ِظ‪ِ ،‬أل َّن ك َّل و ِاح ٍد ِمن‬ ‫الذه ِ‬ ‫َّمي ِر ِمن ب ِ‬
‫اب َّ‬ ‫وقِيل‪ :‬إِ َّن إِفْ راد الض ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِِ َ ْ‬
‫ب والْ ِفض َِّة ج ْملةٌ وافِيةٌ‪ ،‬و ِع َّدةٌ كثِيرةٌ‪ ،‬ودنانِير ودر ِاهم‪ ،‬ف هو كق ْوله {و ِإن‬ ‫ال َّذه ِ‬
‫الذهب والْ ِفضَّة بِ ِ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ ََُ‬ ‫َ‬
‫الذ ْك ِر دون سائِِر‬ ‫ص َّ‬ ‫ُان ِمن ال ُمؤ ِم ِنين اقُُلوا} وإِنَّما خ َّ‬ ‫طائف ِ‬ ‫ِ‬
‫األموال لكونهما أثمن ْاأل ْشي ِاء‪ ،‬وغالِب ما ي ْكن ز‪ ،‬وإِ ْن كان غْي رهما له ح ْكمهما فِي‬
‫ت ْح ِري ِم الْكْن ِز‪.‬‬
‫يع‪،‬‬ ‫اب التَّهك ِم بِ ِهم‪ ،‬كما فِي ق ولِِه‪ :‬ت ِحيَّةٌ ب ينِ ِهم ضر ِ‬ ‫ول‪ ،‬وهو ِمن ب ِ‬ ‫خب ر الْموص ِ‬
‫ب وج ٌ‬ ‫ْ ْ ٌْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُْ ْ َ‬
‫ب‪ ،‬سواءٌ كان‬ ‫َوقِيل‪ :‬إِ َّن الْبِشارة هي الْخب ر الَّذي ي ت غيَّر له ل ْون الْبشرِة لتأْثي ِرِه في الْق ْل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذاب أ ِل ٍيم‬
‫فب ِشرهم ِبع ٍ‬
‫َ‬
‫من الفرح أو من الْغ ِم‪.‬‬

‫َ َ ُْ َْ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َي ْو َم ُي ْحمى َع َل ْيها في نار َج َه َّن َم َف ُُ ْكوى بها ج ُ‬


‫باه ُه ْم َو ُج ُن ُوب ُه ْم َو ُظ ُه ُ‬
‫ور ُه ْم َهذا َما كنزت ْم ِْلنف ِسك ْم فذوقوا َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُُْ ْ َ ْ ُ َ‬
‫كنُم تك ِنزون (‪)35‬‬
‫أ َّن النَّار توقد علي ها وِهي ذات ِحمى وح ٍر ش ِد ٍ‬
‫يد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اإل ْحماء للنَّا ِر مبالغ ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نار ول ْو قال ي ْوم ت ْحمى‪ :‬أ ِي الْكنوز‪ ،‬ل ْم ي ْعط هذا الْم ْعنى‪ ،‬فجعل ِْ‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ها‬‫ي‬‫َي ْو َم ُي ْحمى َع َل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫صة إِلى ْاألمي ِر‪ ،‬فِإ ْن ل ْم‬ ‫ِ‬
‫ار كما ت قول‪ :‬رف ْعت الْق َّ‬ ‫ِ‬
‫ث َّم حذف النَّار وأ ْسند الْف ْعل إِلى الْج ِ‬ ‫َج َه َّن َم‬
‫صة ق ْلت رفِع إِلى ْاأل ِمي ِر‪.‬‬ ‫ت ْذك ِر الْ ِق َّ‬
‫ص الْ ِجباه والْجنوب والظهور‪ ،‬لِ َك ْو ِن التَّأَلُِّم بِ َكيِّ َها أَ َش َّد‪ ،‬لِما فِي د ِاخلِها ِمن‬ ‫وخ َّ‬
‫ْاأل ْعض ِاء َّ‬
‫الش ِريف ِة‪،‬‬ ‫َف ُت ْكوى بها ج ُ‬
‫باه ُه ْ‬
‫وقِيل‪ :‬ليكون الْكي في الْجه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ ِ‬
‫ف‪ ،‬وع ْن ي ِمي ٍن‪ ،‬وع ْن يسا ٍر‪،‬‬ ‫َّام‪ ،‬وخلْ ٍ‬ ‫ات ْاألرب ِع‪ِ :‬من قد ٍ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ور ُه ْم َ َ‬ ‫َو ُج ُن ُوب ُه ْم َوظ ُه ُ‬
‫اإلنْسان إِنَّما يطْلب‬ ‫وقِيل‪ِ :‬أل َّن الْجمال فِي الْو ْج ِه‪ ،‬والْق َّوة فِي الظَّ ْه ِر والْجنْ ب ْي ِن‪ ،‬و ِْ‬
‫الْمال لِلْجم ِال والْق َّوِة‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫ف‪.‬‬ ‫وقِيل‪ :‬غْي ر ذلِك‪ِ ،‬م َّما ال ي ْخلو عن تكل ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َي‪ :‬كن ْزتموه لِت ْن ت ِفعوا بِِه‪ ،‬ف هذا ن ْفعه على ط ِريق ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫َه َذا َما َك َن ْزُت ْم َأل ْن ُفس ُك ْم أي‪ :‬يقال لهم ما كن ْزت ْم ألنْفسك ْم‪ ،‬أ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫التَّهك ِم‪ ،‬والت َّْوبِ ِ‬
‫يخ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫ذوقوا وباله‪ ،‬وسوء عاقِبتِ ِه‪ ،‬وق ْبح مغبَّتِ ِه‪ ،‬وشؤم فائدته‪.‬‬ ‫فذوقوا َما ك ْن ُت ْم‬
‫ون‬‫َت ْكن ُز َ‬
‫ِ‬

‫َ ٌ‬ ‫َ َْ‬ ‫الله َي ْو َم َخ َل َق َّ‬


‫َّ‬ ‫ْ َ َّ ْ َ َ َ َ ْ ً‬ ‫َ ّ‬
‫ض ِم ْنها أ ْرَب َعة ُح ُر ٌم‬
‫اْل ْر َ‬‫ماوات و‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ُاب ِ‬‫ِ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ور ِعند الل ِه اثنا عشرشهر‬
‫ِ‬ ‫ِإ َّن ِع َّدة الش ُه‬
‫َّ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َّ ً َ ُ ُ َ ُ ْ َ َّ ً َ ْ َ َ‬ ‫ذل َك ّ ُ ْ َ ّ ُ َ َ ْ ُ‬
‫اعل ُموا أ َّن‬ ‫قاتلوا المش ِر ِكين ُافة كما يقا ِتلونكم ُافة و‬ ‫الدين الق ِيم فَل تظ ِلموا ِف ِيهن أنفسكم و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ َ َ ْ ُ َّ َ‬
‫الله مع المُ ِقين (‪)36‬‬
‫هذا كال ٌم مْب تدأٌ‪ ،‬ي تض َّمن ِذ ْكر ن ْوٍع آخر ِم ْن ق بائِ ِح الْكفَّا ِر‪،‬‬
‫اص غيَّروا تِلْك ْاأل ْوقات‬‫ت بِح ْك ٍم خ ٍ‬ ‫الش ُهور ِع ْن َد وذلِك أ َّن اللَّه سبحانه ل َّما حكم فِي ك ِل وقْ ٍ‬ ‫إ َّن ع َّد َة ُّ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫يء والْكبِيس ِة‪ ،‬فأ ْخب رنا اللَّه بِما هو ح ْكمه‪ ،‬ف قال إِ َّن ِع َّدةَ ُّ‬
‫الش ُهوِر أ ْي‪ :‬عد ِد‬ ‫َّس ِ‬‫الل ِه اثنا عشر شهرا بِالن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫السن ِة ِعْند اللَِّه فِي ح ْك ِم ِه وقضائِِه وِح ْكمتِ ِه اثْنا عشر ش ْهًرا‪.‬‬ ‫شهوِر َّ‬
‫َي‪ :‬فِيما أثْب ته فِي كِتابِِه‪.‬‬
‫أْ‬
‫اب اللَّ ِه‪ِ :‬صفة اثْنا عشر‪ :‬أ ِي‪ :‬اثْنا عشر مثْب تةٌ فِي كِت ِ‬ ‫وز أَ ْن يَ ُكو َن فِي كِتَ ِ‬ ‫َّ‬
‫اب اللَِّه‬ ‫َويَ ُج ُ‬ ‫تاب الل ِه‬ ‫ِفي ِك ِ‬
‫وهو اللَّ ْوح الْم ْحفوظ‪.‬‬
‫اب اللَِّه يوم خلق‬ ‫بد ٌل ِمن ق ولِِه‪ِ :‬عنْد اللَِّه‪ ،‬والتَّ ْق ِدير‪ :‬إِ َّن ِعدَّة الشهوِر عِنْد اللَِّه فِي كِت ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫السموات و ْاأل ْرض‪.‬‬
‫ب ِعنْد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوفَائِ َدةُ ِْ‬
‫اإلبْ َدالَْي ِن‪ :‬ت ْق ِرير الْكالم في ْاألذْهان ألنَّه ي ْعلم منْه أ َّن ذلك الْعدد واج ٌ‬
‫ت فِي ِعلْ ِم ِه فِي أ َّوِل ما خلْق اللَّه الْعالم‪.‬‬ ‫اللَِّه فِي كِت ِ ِ‬
‫اب اللَّه‪ ،‬وثابِ ٌ‬
‫ََ‬
‫َي ْو َم خل َق‬
‫وفِي ه ِذ ِه ْاآلي ِة ب يان أ َّن اللَّه سْبحانه وضع ه ِذ ِه الشهور وس َّماها بِأ ْسمائِها على هذا‬
‫ت بِِه ْاألنْبِياء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت َّْرتِ ِ‬
‫يب الْم ْعروف يوم خلق السموات و ْاأل ْرض‪ ،‬وأ َّن هذا هو الَّذي جاء ْ‬
‫ت بِِه الْكتب‪ ،‬وأنَّه ال ْاعتِبار بِما عِنْد الْعج ِم والر ِوم والْ ِقْب ِط ِمن الشهوِر الَّتِي‬ ‫ون زل ْ‬
‫صطلِحون علْي ها وي ْجعلون ب ْعضها ثالثِين ي ْوًما‪ ،‬وب ْعضها أ ْكث ر‪ ،‬وب ْعضها أق َّل‪.‬‬ ‫يْ‬
‫ب‪ ،‬ثالثةٌ س ْرٌد‪ ،‬وو ِاح ٌد ف ْرٌد‪ ،‬كما ورد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هي‪ :‬ذي الْق ْعدة‪ ،‬وذو الْح َّجة‪ ،‬والْمحَّرم‪ ،‬ورج ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِم ْنها أ ْرَب َعة ُح ُر ٌم‬
‫ب يان ذلِك فِي السن َِّة الْمط َّهرِة‪.‬‬
‫ُ ْ‬
‫الدين الْم ْست ِقيم‪ ،‬والْ ِحساب‬‫كون ه ِذ ِه الشهوِر كذلِك‪ ،‬وِمْن ها أرب عةٌ حرم‪ ،‬هو ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ين ال َق ِي ُم‬‫الد‬ ‫َ‬
‫ِذلك ِ‬

‫‪26‬‬
‫الص ِحيح‪ ،‬والْعدد الْم ْست ْوفى‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ك لِح ْرمتِها‪،‬‬ ‫أَي‪ :‬فِي ه ِذ ِه ْاأل ْشه ِر الْحرِم‪ ،‬بِِإيق ِاع الْ ِقت ِال فِيها‪ ،‬والْهْت ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َّمير ي ْرِجع إِلى الشهوِر كلِها الْحرم وغْي ِرها‪ ،‬وإِ َّن اللَّه ن هى ع ِن الظلْ ِم فِيها‪،‬‬ ‫وقِيل‪ :‬إِ َّن الض ِ‬
‫َ َ‬
‫و ْاأل َّول أ ْولى‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وق ْد ذَهب جم ِ‬


‫ت م ْحك ٌم‬ ‫اعةٌ م ْن أ َْه ِل ال ِْعل ِْم إِلى أ َّن ت ْح ِريم الْقت ِال في ْاأل ْشه ِر الْحرم ثابِ ٌ‬
‫َ َ ََ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ل ْم ي ْنس ْخ لهذه اآلية‪ ،‬ولقوله‪َ { :‬يا أ ّي َها ال ِذين َآمنوا َّل ت ِحلوا شعا ِئ َرالل ِه َوَّل الش ْه َر‬
‫َ ْ ُُ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َْْ ْ‬ ‫ْال َحر َ‬
‫ام}‪ ،‬ولِق ْولِِه‪{ :‬ف ِِذا ان َسلخ اْلش ُه ُرال ُح ُر ُم فاقُلوا ال ُمش ِر ِكين} ْاآلية‪.‬‬
‫َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فَل تظ ِل ُموا ِف ِيه َّن‬
‫وخ بِآي ِة‬‫آخ ُرو َن إِلى أ َّن ت ْح ِريم الْقت ِال في ْاأل ْشه ِر الْحرم مْنس ٌ‬ ‫اعةٌ َ‬ ‫ب َج َم َ‬ ‫وق ْد َذ َه َ‬ ‫َْ ُ‬
‫أن ُف َسك ْم‬
‫السيف‪ .‬ويجاب عنه بأن األمر بِقتْ ِل الْم ْش ِركِين ومقات لتِ ِه ْم مقيَّ ٌد بِانْ ِسال ِخ ْاأل ْشه ِر‬
‫ات الْمتض ِمن ِة لِ ْأل ْم ِر بِالْ ِقت ِال مقيَّدةً بِما‬ ‫الْحرِم كما فِي ْاآلي ِة الْم ْذكورِة‪ ،‬ف تكون سائِر ْاآلي ِ‬
‫ورد فِي ت ْح ِري ِم الْ ِقت ِال فِي ْاأل ْشه ِر الْحرِم‪ ،‬كما ِهي مقيَّدةٌ بِت ْح ِري ِم الْ ِقت ِال فِي الْحرِم لِ ْأل ِدلَِّة‬
‫الْوا ِرد ِة فِي ت ْح ِري ِم الْ ِقت ِال فِ ِيه‪،‬‬
‫ف فِي ش ْه ٍر حرٍام وهو ذو‬ ‫استدلوا بِِه ِمن أنَّه ﷺحاصر أ ْهل الطَّائِ ِ‬
‫ْ‬ ‫‪ ‬وأ َّما ما ْ‬
‫يب َعنْهُ أنَّه ل ْم ي ْب ت ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحيحْي ِن وغْي ِرهما‪ ،‬فَ َق ْد أُج َ‬
‫الْ ِقعد ِة كما ث بت فِي َّ ِ‬
‫ْ‬
‫محاصرت ه ْم فِي ِذي الْ ِق ْعدةِ ب ْل فِي ش َّو ٍال‪ ،‬والْمحَّرم إِنَّما هو ابْتِداء الْ ِقت ِال فِي‬
‫ْاأل ْشه ِر الْحرِم ال إِتْمامه‪ ،‬وبِهذا ي ْحصل الْج ْمع‪.‬‬
‫صد ٌر فِي م ْو ِض ِع الْح ِال‪.‬‬ ‫َي‪ :‬جم ًيعا‪ ،‬وهو م ْ‬
‫ِ‬
‫أْ‬
‫ُ ْ ْ‬
‫اص ٍة‪ ،‬ال ي ث نَّى وال ي ْجمع كما‬ ‫اج‪ِ :‬مثْل هذا ِمن الْمص ِاد ِر‪ :‬كع َّام ٍة‪ ،‬وخ َّ‬ ‫الز َّج ُ‬
‫قال َّ‬ ‫َوقا ِتلوا ال ُمش ِر ِك َين‬
‫ِ‬ ‫َ َّ ً‬
‫َي‪ :‬ج ِم ًيعا‪.‬‬ ‫يقاتلونك ْم كافَّ ًة أ ْ‬ ‫كافة‬
‫ان إِ ْن ل ْم ي ق ْم بِِه الْب ْعض‪.‬‬ ‫ض على ْاأل ْعي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفِ ِيه دلِيل على وج ِ ِ‬
‫وب قت ِال الْم ْش ِركين‪ ،‬وأنَّه ف ْر ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َ ْ َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ْي‪ :‬ي ْنصره ْم وي ث بِت ه ْم‪ ،‬وم ْن كان اللَّه معه ف هو الْغالب‪ ،‬وله الْعاقبة والْغلبة‪.‬‬ ‫اعل ُموا أ َّن الل َه َم َع‬ ‫و‬
‫ْ‬
‫ال ُم َّت ِق َين‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َّ َ َّ ُ َ ٌ ْ ُ ْ ُ َ ّ َّ َ َ َ‬


‫ين كف ُروا ُي ِحلون ُه َع ًاما َو ُي َح ِّر ُمون ُه َع ًاما ِل ُيوا ِطؤا ِع َّدة َما َح َّر َم‬ ‫ِإنما الن ِس يء ِزيادة ِفي الكف ِريض َّ ِب ِه ال ِذ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وء أ ْعماله ْم َوالل ُه َّل َي ْهدي الق ْو َم الكافر َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُ ّ َ َ َّ َ َّ‬
‫الل ُه ُزّي َن َل ُه ْم ُس ُ‬
‫ين (‪)37‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الله في ِحلوا ما حرم‬
‫َّس ِ‬‫ياد ٌة ِفي قال ابن ج ِري ٍر‪ :‬فِي الن ِ‬ ‫َّ َ َّ‬
‫النس ُيء ز َ‬
‫الزياد ِة‪،‬‬‫يء بِالْه ْمزِة َم ْعنَى‪ِ :‬‬ ‫ُْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإنما‬

‫‪27‬‬
‫ُْ‬
‫ي قال‪ :‬نسأ ي نْسأ‪ :‬إِذا زاد‪ ،‬قال‪ :‬وال يكون بِت رِك الْهمزِة إَِّال ِمن النِسي ِ‬
‫ان كما قال ت عالى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الك ْف ِر‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫{ن ُسوا الل َه فن ِس َي ُه ْم}‪ ،‬وردَّ على نافِ ٍع قِراءته‪.‬‬
‫َّسيء ِزيادةً فِي الْك ْف ِر ِألنَّه ن وعٌ ِمن أنْو ِاع ك ْف ِرِهم‪ ،‬ومع ِ‬
‫صيةٌ ِم ْن‬ ‫وس َّمى اللَّه سبحانه الن ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اصي ِهم الْمنْض َّم ِة إِلى ك ْف ِرِه ْم بِاللَِّه وكتبِ ِه ورسلِ ِه والْي ْوم ْاآل ِخ ِر‪.‬‬ ‫مع ِ‬
‫يء‪،‬‬‫َّس ِ‬ ‫َّمير ر ِاجع إِلى الن ِ‬ ‫الض ِ‬
‫ٌ‬
‫َّه ِر الَّ ِذي ي ؤِخرونه وي قاتِلون فِ ِيه‪،‬‬ ‫ُّ َ‬
‫َي‪ :‬يحلون النَّسيء ع ًاما ويح ِرمونه ع ًاما‪ ،‬أ ْو إِلى الش ْ‬
‫ِ‬ ‫أ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُي ِحلون ُه َع ًاما‬
‫َ‬
‫َي‪ :‬ي ِحلونه ع ًاما بِِإبْدالِِه بِش ْه ٍر آخر من شهور الحل‪ ،‬ويحرمونه ع ًاما‪،‬‬ ‫أْ‬ ‫َو ُي َح ِر ُمون ُه َع ًاما‬
‫َي‪ :‬يحافِظون علْي ِه فال ي ِحلون فِ ِيه القتال‪ ،‬بل يبقونه على حرمته‪.‬‬ ‫أْ‬
‫اطئوا‪َ ،‬وال ُْم َواطَأَةُ‪ :‬الْمواف قة‪،‬‬ ‫لِكي ي و ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫اجتمعوا‪.‬‬ ‫َي‪ :‬ت واف قوا علْيه و ْ‬ ‫ال‪ :‬ت واطأ الْق ْوم على كذا‪ :‬أ ْ‬ ‫ُ ُ َّ َ َ َ َ يُ َق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واطؤا ِعدة ما ح َّرم‬ ‫ِلي ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َْم ْعنَى‪ :‬إنَّه ْم ل ْم يحلوا ش ْهًرا إال حَّرموا ش ْهًرا لت ْب قى ْاأل ْشهر الْحرم أ ْرب عةً‪.‬‬ ‫َُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الله‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب‪َ :‬م ْعنَاهُ‪ :‬عمدوا إلى صفر ف زادوه في ْاأل ْشهر الْحرم وق رنوه بالْمحَّرم في‬ ‫ِ‬ ‫قال قُط ُْر ٌ‬
‫ي‪.‬‬ ‫َّح ِري ِم‪ .‬وكذا قال الطَّبَ َر ُّ‬ ‫الت ْ‬
‫َّ‬ ‫َ ُّ‬
‫ف ُي ِحلوا َما َح َّر َم الل ُه ِمن ْاأل ْشه ِر الْحرِم الَّتِي أبْدلوها بِغْي ِرها‪.‬‬
‫َّسيء‪.‬‬‫السيِئة الَّتِي ي عملون ها‪ .‬وِمن جملتِها الن ِ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫األ‬
‫ْ‬ ‫ان‬ ‫ط‬ ‫َّي‬
‫الش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫‪:‬‬ ‫َي‬ ‫أ‬ ‫ُزي َن َل ُه ْم ُس ُ‬
‫وء‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْعمالهمْ‬
‫ِِ‬
‫ص ِرين على ك ْف ِرِهم‪ ،‬الْم ْست ِم ِرين علْي ِه‪ ،‬فال ي ْه ِدي ِه ْم ِهدايةً ت و ِصله ْم إِلى‬ ‫َي‪ :‬الْم ِ‬ ‫أِ‬
‫وب‪.‬‬‫الل ُه ََّل َي ْه ِدي ْال َق ْو َم الْمطْل ِ‬ ‫َ َّ‬
‫و‬
‫الكافر َ‬ ‫ْ‬
‫اإل ْرش ِاد إِلْي ِه ف ق ْد نصب ها اللَّه سْبحانه لِج ِم ِيع‬‫وأ َّما الْ ِهداية بِم ْعنى الدَّالل ِة على الْح ِق و ِْ‬ ‫ين‬ ‫ِِ‬
‫ِعب ِاد ِه‪.‬‬

‫تم بحمد الله‪،‬‬


‫والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‬

‫‪28‬‬
23
24

You might also like