Professional Documents
Culture Documents
أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد ،فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا عن املربد وغريه
ولم يكتبوا فيه بسملة؛ فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي ﷺ والمشركين،
بعث بها النبي ﷺ علي بن أبي طالب ،فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت
به عادة العرب.
روي عن مالك بن أنها كانت تعدل سورة البقرة ،أو قريبا منها ،وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة.
أنس وابن عجالن
ْ ْ َ َ َّ َ َ ُ َّ ٌ
عاه ْدت ْم ِم َن ال ُمش ِر ِكين ()1 َبر َاءة ِم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه ِإلى ال ِذين
برئت من الشيء ،أبرأ براءة ،وأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك ،وقطعت سبب ما بينك
وبينه. براءة من الله
ِم ْن :البتداء الغاية ،متعلق بمحذوف وقع صفة ،أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين ورسوله
عاهدتم.
العهد :العقد الموثق باليمين،
إلى الذين
والخطاب في "عاهدتم" للمسلمين ،وقد كانوا عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من الله
عاهدتم
ورسوله ﷺ.
اإلخبار بأن الله ورسوله ﷺ قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من
واملعنى:
النقض ،فمعنى براءة الله سبحانه :وقوع اإلذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين ،لعهد
2
المشركين بعد وقوع النقض منهم ،وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة ،والتهويل لها،
والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما ال يخفى.
َّ َ َ َّ َّ
الل َه ُم ْخزي ْال َكافر َ اع َل ُموا َأ َّن ُك ْم َغ ْي ُر ُم ْ
اْل ْرض َأ ْرَب َع َة َأ ْش ُهر َو ْ
َْ َفس ُ
ين ()2 ِِ ِ ن أو هِ الل يز ج
ِ ِ ع ٍ ِ ي فِ وا يح ِ
هذا أمر للمشركين من الله سبحانه بالسياحة بعد اإلخبار بالبراءة ،والسياحة :السير.
فسيحوا في
معنى اآلية :بعد أن أذن الله بالنبذ إلى المشركين بعهدهم ،أباح للمشركين الضرب في
األرض أربعة
األرض ،والذهاب إلى حيث يريدون واالستعداد للحرب هذه األربعة األشهر؛ ليراجعوا من
أشهر
ذنوبهم ويتوبون ،وليس المراد من األمر بالسياحة تكليفهم بها.
قال حممد بن إسحاق وغريه" :إن املشركني صنفان" ،وهما:
ثانيا :صنف مدة عهده أكثر من أربعة أشهر أوال :صنف كانت مدة
فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه ،وهو حرب بعد ذلك لله ورسوله ﷺ عهده أقل من أربعة أشهر
وللمؤمنين ،يقتل حيث يوجد. فأمهل تمام أربعة أشهر
وابتداء هذا األجل يوم الحج األكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع اآلخر.
أما من لم يكن له عهد
فإنما أجله انسالخ األشهر الحرم ،وذلك خمسون يوما 02 ،من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكليب" :إنما كانت األربعة األشهر لمن كان بينه وبين رسول الله ﷺ عهد دون أربعة أشهر ،ومن كان
عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقولهّ ﴿ :
فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾ ورجح
هذا ابن جرير وغيره.
اعلموا (من أمهل إلى أربعة أشهر) أن هذا اإلمهال ليس لعجز ،ولكن لمصلحة،
واعلموا أنكم غير
ليتوب من تاب ،وفي ذلك ضرب من التهديد ،كأنه قيل" :افعلوا في هذه المدة كل
معجزي الله
ما أمكنكم من إعداد اآلالت واألدوات ،فإنكم ال تفوتون الله وهو مخزيكم".
أي :مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل واألسر وفي اآلخرة بالعذاب .وفي وضع وأن الله مخزي
الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا اإلخزاء هو الكفر. الكافرين
3
َّ ََ
األذان بمعنى اإليذان وهو اإلعالم. َوأذ ٌان ِم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه
التعميم في هذا ،أي :أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون
قوم ،فهذه الجملة متضمنة لإلخبار بوجوب اإلعالم لجميع الناس ،والجملة األولى اس َ َّ
ِإلى الن ِ
متضمنة لإلخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة.
ووصفه باألكبر ألنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في اآلية إلى قولين:
أوال :ذهب جمع منهم :علي بن أبي طالب ،وابن مسعود ،ومجاهد أنه يوم ْ
َي ْو َم ال َح ِج
النحر ،ورجحه ابن جرير.
ثانيا :ذهب آخرون منهم :عمر ،وابن عباس ،وطاوس أنه يوم عرفة،
واألول أرجح؛ ألن الني ﷺ أمر بعثه إلبالغ هذا إلى المشركين يوم النحر.
أيها المشركين من الكفر ،وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ،قيل أن فائدته َ ُ
ف ِإ ْن ت ْب ُت ْم
هي :زيادة التهديد.
َ َ َُ
فالتوبة خير لكم مما أنتم فيه من الكفر. ف ُه َو خ ْي ٌر لك ْم
َ َّ
أي :أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر. َو ِإ ْن ت َول ْي ُت ْم
َ َْ َ ُ َ
أي :غير فائتين عليه ،بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم. اعل ُموا أ َّنك ْم غ ْي ُر ف
ُ ْ ي َّ
مع ِج ِز الل ِه
َّ َ َ
هذا تهكم بهم ،وفيه التهديد ما ال يخفى. ين ك َف ُروا َو َب ِش ِر ال ِذ
ََ َ
اب أ ِل ٍيم ِبعذ ٍ
وقال في الكشاف :أنه مستثنى من قوله ﴿فسيحوا﴾ ،والتقدير :فقولوا لهم :فسيحوا
إال الذين عاهدتم ،ثم لم ينقصوكم ،فأتموا إليهم عهدهم وال تجروهم مجراهم.
ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ
أي :لم يقع منهم أي نقص من نقض العهد وإن كان يسيرا. صوك ْم ثم لم ينق
4
َ
ش ْي ًئا
َ ُ َ َ
َول ْم ُيظ ِاه ُروا َعل ْيك ْم المظاهرة :المعاونة ،أي :لم يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم ،وذكرت المظاهرة هنا
َ
حتى يعلم أن المظاهرة داخلة في نقض العهد. أ َح ًدا
َ ََ
أي :أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص. فأ ِت ُّموا ِإل ْي ِه ْم
َع ْه َد ُه ْم
التي عاهدتم إليها ،وإن كانت أكبر من أربعة أشهر ،وال تعاملوهم معاملة الناكثين من َ
ِإلى ُم َّد ِت ِه ْم
القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا.
5
َ ُ ْ
ومعنى الحصر :منعهم من التصرف في بالد المسلمين إال بإذن منهم. َواق ُع ُدوا ل ُه ْم ك َّل
ص ٍد َم ْر َ
والمرصد :الموضع الذي يرقب فيه العدو.
وهذه اآلية المتضمنة لألمر بقتل المشركين عند انسالخ األشهر الحرم عامة لكل مشرك ال يخرج عنها إال من
خصته السنة ،وهو المرأة والصبي والعاجز الذي ال يقاتل ،وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون
الجزية .وهذه اآلية نسخت كل آية فيها ذكر اإلعراض عن المشركين والصبر على أذاهم.
أي :تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل ،وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان ََ َ َ
ف ِإ ْن ت ُابوا َوأق ُاموا
اإلسالم ،هو إقامة الصالة لكونها رأسها ،واكتفى بالركن اآلخر المالي ،وهو إيتاء َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ
الزكاة الصَلة وآتوا
الزكاة عن كل ما يتعلق باألموال من العبادات ،ألنه أعظمها.
َ َ َ ُّ
أي :اتركوهم وشأنهم ،فال تأسروهم ،وال تحصروهم ،وال تقتلوهم. فخلوا َس ِبيل ُه ْم
ور َر ِح ٌ َّ َّ
الل َه َغ ُف ٌ
غفور لهم رحيم بهم. يم ِإن
6
َْ ْ ْ َ
ِلل ُمش ِر ِكين َع ْه ٌد ِعند ِعنْد اللَِّه ويأمنون به من عذابه.
َّ
الل ِه َو ِع ْن َد َر ُس ِول ِه
ين َع َاه ْد ُت ْم أي :لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ،ولم ينقضوا ،ولم ينكثوا ،فال تقاتلوهم، إ ََّّل َّالذ َ
ِ ِ
َ ْ ْ َْ ْ
ِعند ال َمس ِج ِد الح َر ِام فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم.
َ َف ْ
قيل :هم بنو بكر ،وقيل :بنو كنانة ،وبنو ضمرة اس َت ِق ُيموا ل ُه ْم
ْ َّ
ِإ َّن الل َه ُي ِح ُّب ال ُم َّت ِق َين إشارة إلى أن الوفاء بالعهد واالستقامة عليه من أعمال المتقين.
7
أي :فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الله وهو اإلسالم ،أو صرفوا غيرهم عنه. َف َ
ص ُّدوا َع ْن َس ِب ِيل ِه
ْ َ َ ً ُ َ ا َ ْ َ ُ َ
َّل َي ْرق ُبون ِفي ُمؤ ِم ٍن ِإَّل َوَّل ِذ َّمة َوأول ِئ َك ُه ُم ال ُم ْعُ ُدون ()11
قال النحاس :ليس هذا تكريرا ،ولكن األول :لجميع المشركين ،والثاني :لليهود
َّ َ ً َ ً َْ ْ َ
ات الل ِه ث َمنا ق ِليَل ﴾ يعني :اليهود.
خاصة ،والدليل على هذا ﴿ اشت َروا ِبآي ِ ْ ً َ ُ َ
َّل َي ْرق ُبون ِفي ُمؤ ِم ٍن ِإَّل
َ ً
َوَّل ِذ َّمة
وقيل :هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على اإلطالق ،وفي األول :المراعاة لحقوق
طائفة من المؤمنين خاصة.
َ ُ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ أي :المجاوزون للحالل إلى الحرام بنقض العهد ،أو البالغون في الشر والتمرد إلى
وأول ِئك هم المعتدون
الغاية القصوى.
َ َ َ
ات ِلق ْو ٍم َي ْعل ُمون ()11 الز َُ َاة َفِ ْخ َو ُان ُك ْم في ّ َ ُ َ ّ ْ َ َفِ ْن َت ُابوا َو َأ َق ُاموا َّ
الص ََل َة َو َآت ُوا َّ
الد ِين ونف ِص ُ َّ اْلي ِ
ِ ِ ِ ِ
َ َ
عن الشرك والتزموا أحكام اإلسالم. ف ِإ ْن ت ُابوا
اإلسالم. الد ِين
ِفي ِ
ْ َ ََُ
أي :نبينها ونوضحها من اآليات المتعلقة بأحوال المشركين على اختالف أنواعهم. اتونف ِص ُل اْلي ِ
َ
بما فيها من األحكام ويفهمونه ،وخص أهل العلم ألنهم المنتفعون بها، ِل َق ْو ٍم َي ْعل ُمو َن
8
عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين اإلسالم ،والمعنى :أن قتالهم يكون إلى الغاية هي َ
ل َع َّل ُه ْم َي ْن َت ُهو َن
االنتهاء عن ذلك.
َ َّ َ َ ْ ََ ْ َ ُ َ َأ ََّل ُت َق ِات ُلو َن َق ْو ًما َن َك ُثوا َأ ْي َم َان ُه ْم َو َه ّموا بِ ْخ َراج َّ
الر ُسو ِل َو ُه ْم َب َد ُءوك ْم أ َّو َل َم َّر ٍة أتخش ْو َن ُه ْم فالل ُه أ َح ّق أن ِِ
َ ْ َ ْ ُ ِْ ُ ُْ ْ ُ ْ َ
تخشوه ِإن كنُم مؤ ِم ِنين ()13
َ ُ َ ََ
أَّل ُت َقا ِتلو َن ق ْو ًما َنك ُثوا الهمزة :لالستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التخصيص على القتال لهؤالء
َ
من نقض العهد. أ ْي َم َان ُه ْم
الر ُسو ِل ولمن له الهم بإخراج الرسول من مكة ،والبداءة بالقتال ،ثم زاد في التوبيخ بقول الله َو َه ُّموا بإ ْخ َراج َّ
َّ َ َ َّ َ ُ ْ َ َِ ِ ُ ُ ِْ َ
وهم بدءوكم أول مر ٍة بعده،
الهمزة :االستفهام للتوبيخ والتقريع ،أي :تخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون ََ ْ َ
أتخش ْو َن ُه ْم
قتالهم لهذه الخشية ،ثم بين ما يجب أن يكون األمر عليه،
َ َّ ُ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ْ ُ هو الله أحق بالخشية منكم ،فإنه الضار النافع بالحقيقة ،ومن خشيتكم له أن تقاتلوا
فالله أحق أن تخشوه
من أمركم بقتاله؛ فإن قضية اإليمان توجب ذلك عليكم ،ثم زاد في تأكيد األمر ْ ُ
ِإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِم ِن َين
بالقتال في اآلية التالية،
َ َ ْ ْ َ َ
ص ُدو َرق ْو ٍم ُمؤ ِم ِنين (َ )14و ُيذ ِه ْب غ ْيظص ْر ُك ْم َع َل ْيه ْم َو َي ْشف ُ الل ُه ب َأ ْيد ُيك ْم َو ُي ْخزه ْم َو َي ْن ُ
َ ُ ُ ْ ُ َ ّ ْ ُ ُ َّ
ق ِاتلوهم يع ِذبهم
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم حك ٌَ َ ُ َّ َ َ َ ْ
وب الله على َمن يش ُاء والله عل ٌ َ َ ُ َّ ُ َ َ
قلوبه ْم ويُ ُ ُ ُ
يم ()15 ِ ِ ِِ
رتّب على هذا األمر فوائد ،منها:
األولى :تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل واألسر.
الثانية :إخزاءهم بالهزيمة ،قيل :باألسر ،وقيل :بما نزل بهم من الذل والهوان.
الثالثة :نصر المسلمين عليهم ،وغلبتهم لهم.
الرابعة :أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن آذاهم المشركون كبالل بن رباح ،وعمار بن ياسر.
الخامسة :أن الله يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين ،الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من األمور الجالبة
للغيظ وحرج الصدر.
المالحظة :أن ذكر القلوب والصدر هنا ليس تكرارا ،بل القلب أخص من الصدر ،وقيل :أن ذكر شفاء
الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح ،وأما إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح.
9
وهو ابتداء كالم يتضمن اإلخبار بما سيكون ،وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما
وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح ،فإنهم أسلموا وحسن إسالمهم.
َ َ ُ ُ َّ َ
الل ُه َعلى فإن قيل" :كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟" ،أجيب بأن القتال قد يكون سببا لها ،إذا ويتوب
َ
كانت من جهة الكفار ،أي لما انهزموا وأسروا ثم سمعوا القرآن ففتح الله لهم الهداية َم ْن َيش ُاء
فعلموا الحق ثم تابوا من كفرهم .أما من جهة المسلمين ،فوجهه أن النصر والظفر من جهة
الله تعالى يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب.
َ ْ َ ُ ُْ ْ ُ َ َ َ َْ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َ
ين َعلى أنف ِس ِه ْم ِبالكف ِر أول ِئ َك َح ِبطت أ ْع َمال ُه ْم َو ِفي اه ِد
اجد الل ِه ِ
ش ما ُان ِللمش ِر ِكين أن يعمروا مس ِ
َّ ُ ْ َ ُ َ
الن ِارهم خ ِالدون ()17
است قام أ ْن يفعلوا ذلك. ام و م هل ح ص ام ان ل ْل ُم ْشرك َ
ين َما َك َ
ْ ْ َّ ِ ِ ِ
ق رأ الْجمهور ي عمروا بِفْت ِح حر ِ
ف الْمضارع ِة وض ِم الْ ِمي ِم ِم ْن عمر ي ْعمر، ْ ُُْ ُ ْ وا َأ ْن َي ْع ُم ُ
ر
ِ ِِ ِ
َي :ي ْجعلون لها م ْن وق رأ ابْ ُن السميقع بِض ِم ح ْرف الْمضارعة م ْن أ ْعمر ي ْعمر ،أ ْ
10
ي ْعمرها.
اد بِال ِْع َم َارِة :إِ َّما الْم ْعنى الْح ِق ِيقي ،أ ِو الْم ْعنى الْمجا ِزي ،وهو مالزمته ،والتَّعبد فِ ِيه، َوال ُْم َر ُ
وكِالهما لْيس لِلْم ْش ِركِين ،أ َّما ْاأل َّول فِألنَّه ي ْست لْ ِزم الْ ِمنَّة على الْم ْسلِ ِمين بِعِمارِة
ان الْم ْس ِج ِد
اج ِد ِهم ،وأ َّما الثَّانِي فلِكو ِن الْكفَّا ِر ال ِعبادة لهم مع ن هيِ ِهم عن ق رب ِ
ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ
مس ِ
الْحرِام.
اح ومج ِ
اه ٌد َوابْ ُن َكثِي ٍر َوأَبُو َع ْم ٍرو ق رأ اب ُن َعبَّ ٍ ِ
اس َو َسعي ُد بْ ُن ُجبَ ْي ٍر َو َعطَاءُ بْ ُن أَبِي َربَ ٍ َ ُ َ ْ
وب مس ِجد اللَِّه بِ ِْ
اإلفْ ر ِاد، ِ
َوابْ ُن ُم َح ْيص ٍن َو َس ْه ٌم َويَ ْع ُق ُ ْ
اسِ :ألنَّها أعم ،والْخاص َّح ُاختارها أبو عب ْيدة ،قال الن َّ ِ
وق رأ الْبَاقُو َن مساجد بِالْج ْم ِع ،و ْ
ي ْدخل ت ْحت الْع ِام،
اص ًة ،وهذا جائٌِز فِيما كان ِم ْن أ ْسم ِاء وق ْد ي ْحتمل أ ْن ي راد بِالْج ْم ِع الْم ْس ِجد الْحرام خ َّ
َّ
ب إَِّال ف ر ًسا، ِ
اس كما ي قال فال ٌن ي ْركب الْخْيل وإ ْن ل ْم ي ْرك ْ ْاأل ْجن ِ َم َس ِاج َد الل ِه
ِ ِ ِ ِِ
قال :وق ْد أ ْجمعوا على الْج ْم ِع في ق ْوله :إِنَّما ي ْعمر مساجد اللَّه ،ورِوي ع ِن ال َ
ْح َس ِن
اج ِد كلِها
ساجد والْمراد الْمس ِجد الْحرام ِألنَّه قِب لة الْمس ِ
ْ ْ
الْبص ِر ِي أنَّه ت عالى إِنَّما قال م ِ
َ ْ ّ
اج ِد،
وإِمامها ،ف ع ِامره كع ِام ِر ج ِم ِيع الْمس ِ
قال الْ َف َّراءُ :الْعرب ق ْد تضع الْوا ِحد مكان الْج ْم ِع.
حَالٌ،
اه ِدين على أنْف ِس ِه ْم بِالْك ْف ِر ،بِِإظْها ٍر ما هو ك ْفٌر
أَي :ما كان لهم ذلِك حال كونِ ِهم ش ِ
ْ ْ ْ ْ
ان ،والْعِبادةِ لها ،وج ْعلِها آلِه ًة ،فِإ َّن هذا شهادةٌ ِمْن ه ْم على أنْف ِس ِه ْم
ب ْاألوث ِ
صِ ْ
ِ
م ْن ن ْ
بِالْك ْف ِر ،وإِ ْن أب ْوا ذلِك بِألْ ِسنتِ ِه ْم ،فكْيف ي ْجمعون ب ْين أ ْمريْ ِن مت نافِي ْي ِن :عمارة المسجد
ت ِم ْن شأْ ِن م ْن ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
الَّتي هي م ْن شأْ ِن الْم ْؤمنين ،والشَّهادة على أنْفس ِه ْم بِالْك ْف ِر الَّتي لْيس ْ َ َ َ
ين َعلى ش ِاه ِد
اج ِد ِه.
ي ت قَّرب إِلى اللَِّه بِعِمارِة مس ِ ُْ َْ
أن ُف ِس ِه ْم ِبالك ْف ِر
يل :الْمراد بِه ِذ ِه الشَّهاد ِة ق ْوله ْم فِي طوافِ ِه ْم :لبَّ ْيك ال ش ِريك لك ،إَِّال ش ِريك هوِ
َوق َ
لك ،ت ْملِكه وما ملك.
ي ي قول هو يهودي ،والنصراني يقول وقِيل :شهادت هم على أنْف ِس ِهم بِالْك ْف ِر :إِ َّن الْي ه ِ
ود َّ ْ ْ َ َ
هو نصراني ،والصابئ ،والْم ْش ِرك ي قول هو م ْش ِرٌك.
11
َ ُ
َي :بطل ْ
ت ،ول ْم ي ْبق لها أث ٌر. ِ ِ ِ ِ
الَّتي ي ْفتخرون بِها ويظنون أنَّها م ْن أ ْعمال الْخْي ِر ،أ ْ ولئ َك َح ِبط ْت أ ِ
َ ُ
أ ْعمال ُه ْم
الن ِار ُه ْمَوفي َّ
ف الْمت علِ ِق بِالْخب ِر تَأْكِي ٌد لِ َم ْ
ض ُمونِ َها. وفِي ه ِذ ِه الْجمل ِة ِاالس ِميَِّة مع ت ْق ِدي ِم الظَّر ِ
ْ ْ ْ ِ
ُ نَ
خالدو ِ
َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ َّ َ
ش ِإَّل الل َه ف َع َس ى اجد الل ِه من آمن ِبالل ِه واليو ِم اْل ِخ ِرو أقام الصَلة و آتى الزُاة ولم يخ
ِإنما يعمر مس ِ
َ ْ ُ ُ َ َ
أولئ َك أ ْن َيكونوا م َن ال ُم ْهُد َُ
ين ()18 ِ ِ ِ
يق بعمارة المساجد في هذه اآلية وهو الذي يؤمن بالله واليوم اآلخر وفعل ما هو من ِ ِِ
ب ْين سْبحانه م ْن هو حق ٌ
اج ِد ،ال م ْن كان
اف ف هو الْح ِقيق بِعِمارِة الْمس ِ لوازم اإليمان مما ذكر في اآلية ،فمن كان ج ِامعا ب ين ه ِذهِ ْاألوص ِ
ْ ً ْ ْ
ِ ِ ِ ِ
الزكاة والْخ ْشية ت ْنبِ ًيها بِما هو م ْن أ ْعظ ِم أموِر الدي ِن على ما ِ
الصالة و َّ ِ
ضها ،واقْ تصر على ذ ْك ِر َّ خالِيا ِمْن ها أو ِمن ب ع ِ
ْ ْ ْ ً
ِ
اإليمان. ِ ِ ِ ِ ِ ِ
عداه م َّما افْ ت رضه اللَّه على عباده ،أل َّن ك َّل ذلك م ْن لوا ِزم ِْ ِ
ات إِذا كان حسم ِألطْم ِاع الْكفَّا ِر فِي ِاالنْتِف ِاع بِأ ْعمالِ ِهم ،فِإ َّن الْموصوفِين بِتِلْك ِ
الصف ِ
ْ ْ ٌْ
ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
ْاهتِداؤه ْم م ْرج اوا ف ق ْط ،فكْيف بِالْكفَّا ِر الَّذين ل ْم ي تَّصفوا بِش ْيء م ْن ت ْلك الصفات؟
ِ
َف َعس ى ُأولئ َك َأ ْ
ن
ِ ِ
يل :عسى ِمن اللَِّه و ِاجبةٌ. ين َوق َ َي ُك ُونوا م َن ْال ُم ْه َتد َ
وقِيلِ :هي بِمعنى خلِ ٍيق ،أَي :فخلِ ِ ِ
يق أ ْن يكونوا ِمن الْم ْهت ِدين. ٌ ْ ْ َ َ
الرجاء ر ِاج ٌع إِلى الْعِب ِاد.يل :إِ َّن َّ ِ
َوق َ
َّ َ
ي َّ الل ِه َّل ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َأ َج َع ْل ُُ ْم س َق َاي َة ْال َح ّ َ َ َ َ ْ َ ْ
اج و ِعمارة المس ِج ِد الحر ِام كمن آمن ِبالل ِه واليو ِم اْل ِخ ِر وجاهد ِفي س ِْ ِ ِ ِ
ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ َّ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ َ
يسُوون ِعند الل ِه والله َّل ي ْه ِدي القوم الظ ِال ِمين ()19
و ِاال ْستِ ْفهام لِ ِْإلنْكا ِر.
فَ ،والتَّ ْق ِد ُير :أجعلْت ْمالسعاي ِة والْ ِحماي ِة ،وفِي الْكالِم ح ْذ ٌ السقاية والْعِمارة :مصدر ِان ك ِ
ْ
وِ َ َ ْ
أ َج َعل ُت ْم ِس َق َاية
اج و ِعمارِة الْم ْس ِج ِد ،أ ْو أ ْهلهما كم ْن آمن حتَّى ي ت َِّفق الْم ْوضوع صحاب ِسقاي ِة الْح ِ َ ْ
أْ ال َح ِاج َو ِع َما َرة
ْ ْ
ال َم ْس ِج ِد ال َح َر ِام والْم ْحمول.
َّ َ
اج و ِعمارة الْم ْس ِج ِد الْحرِام كعم ِل أ َْو يَ ُكو ُن التَّ ْق ِد ُير فِي الْخب ِر ،أ ْي :جعلْت ْم ِسقاية الْح ِ ك َم ْن َآم َن ِبالل ِه
ْ ْ
ان م ْن آمن. َوال َي ْو ِم اْل ِخ ِر َو َج َاه َد من آمن ،أو كِإيم ِ
ْ ْ َّ
ِفي َس ِب ِيل الله
الزب ي ِر وس ِعيد بن جب ي ٍر « َأ َج َع ْل ُُ ْم ُس َق َاة ْال َح ّ
اجِ ي َوابْ ُن ُّ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ َ ْ الس ْع ِد ُّ
وقرأ ابن أبي وجرة َّ
12
اق وع ِام ٍر ،وعلى ه ِذ ِه الْ ِقراء ِة ال ي ْحتاج إِلى َو َع َم َر َة ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام» ،جمع س ٍ
ْ
وف،ت ْق ِدي ِر محذ ٍ
ْ
اهلِيَّة ِمن ْاأل ْعم ِال الَّتِي والْمعنى :أ َّن اللَّه أنْكر علي ِهم التَّس ِوية ب ين ما كان ت عمله الْج ِ
ْ ْ ْ ْ َ َ َْ
ان الْم ْؤِمنِين وِجه ِاد ِه ْم فِي سبِ ِيل اللَِّه، ص َّورتْها صورة الْخي ِر ،وإِ ْن لم ي نْ ت ِفعوا بِها وب ين إِيم ِ
ْ ْ ْ
ضلون هما على عم ِل الْم ْسلِ ِمين، السقاي ِة والْعِمارِة وي ف ِ
وق ْد كان الْم ْش ِركون ي ْفت ِخرون بِ ِ
فأنْكر اللَّه علْي ِه ْم ذلِك.
استِوائِ ِه ْم، ِ ِ
ث َّم صَّرح سْبحانه بِالْمفاضلة ب ْين الْف ِريقْي ِن وت فاوت ِه ْم ،وعدِم ْ
يج الْع ِامرة لِلْم ْس ِج ِد الْحرِام ه ِذ ِه الساقِية لِلْح ِج ِ
َي:ال تسا ِوي تِلْك الطَّائِفة الْكافِرة َّ أْ
اهدة فِي سبِيلِ ِه. الطَّائِفة الْمؤِمنة بِاللَِّه والْي وِم ْاآل ِخ ِر الْمج ِ
ْ ْ َّ ََّل َي ْس َت ُو َ
ون ِع ْن َد الل ِه
ِِ ِ ِ
ف تَ ُكو ُن ال الْ ُك َّفا ِر إِلَى أَ ْن تَ ُكو َن ُم َسا ِويَةً ألَ ْع َمال ال ُْم ْسلم َ
ين ،فَ َك ْي َ إِذَا لَ ْم تَ ْب لُ ْغ أَ ْع َم ُ
اضلَ ًة َعلَْي َها َك َما يَ ْزعُ ُمو َن. فَ ِ
الش ْرِك ،ال ي ْست ِحقون الْ ِهدايةالل ُه ََّل َي ْه ِدي ْال َق ْو َم ث َّم حكم علي ِهم بِالظ ْل ِم وأنَّهم مع ظ ْل ِم ِهم بِما هم فِ ِيه ِمن ِ َ َّ
و
ْ ْ ْ ْ ْ
َّ
ِمن اللَِّه سْبحانه. الظ ِال ِم َين
َ ٌ
يم ُمق ٌ ضوان َو َج َّن ٍ َ ْ
ُ َ ّ ُ ُ ْ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ ْ
يم ()21 ات ل ُهم ِفيها ن ِع ِ يْ ِشرهم ربهم ِبرحم ٍة ِمنه و ِر ٍ
صِ َّات لِلت ِ
ضو ِان والْجن ِ ثم فسر الفوز بهذه اآلية ،والتَّ ْن ِكير فِي َّ
الر ْحم ِة و ِ
ف َّعظي ِمَ ،وال َْم ْعنَى :أنَّها ف ْوق و ْ
ْ الر ْ
اص ِفين ،وتصوِر الْمتص ِوِرين. الْو ِ
يم الدَّائِم الْمست ِمر الَّ ِذي ال ي فا ِرق ص ِ
احبه. ِفيها َن ِع ٌ
يم ُم ِق ٌ
ْ
الل َه ع ْن َد ُه َأ ْج ٌر َعظ ٌ
يم ()22
َ َ ً َّ َّ خالد َ
ين ِفيها أبدا ِإن
ِ ِ ِِ
13
دا وِذ ْكر ْاألب ِد ب عد الْخل ِ ََ ً خالد َ
ود تأْكِي ٌد له. ْ ين ِفيها أب ِِ
َ َّ َّ
الل َه ِع ْن َد ُه أ ْج ٌر م َؤّكِ َدةٌ لِما قَ ب لَها مع تضمنِها لِلت ِ
َي :أ ْعطاهم اللَّه سْبحانه ه ِذ ِه ْاألجور الْع ِظيمة
َّعل ِيل ،أ ْ
ْ َ ْ َ ُ ِإن
َع ِظ ٌ
لِك ْو ِن ْاأل ْج ِر الَّ ِذي ِعْنده ع ِظ ٌيم ،ي هب ِمْنه ما يشاء لِم ْن يشاء ،وهو ذو الْف ْ
ض ِل الْع ِظي ِم. يم
َ َّ
يمان َو َم ْن َيُ َول ُه ْم
ْ َ َ ّ ْ ُ ْ َ ََ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َْ َ َ َ ّ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ
اْل ِيا أيها ال ِذين آمنوا َّل تُ ِخذوا آباءكم و ِإ ُخوانكم أو ِلياء ِإ ِن اسُحبوا الكفرعلى ِ
َ َّ ُْ ْ َ
ولئ َك ُه ُم الظ ِال ُمون ()23 ِمنكم ِ
أف
الْ ِخطاب لِلْم ْؤِمنِين كافَّ ًة. َيا َأ ُّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا ِ
اق إِلى ي ْوِم الْ ِقيام ِة ،يدل على قطْ ِع الْ ِوالي ِة ب ْين الْم ْؤِمنِين والْكافِ ِرين، وهو ح ْكم ب ٍ
ٌ
َُ َ َ ُ
ِ آباءك ْم َّل ت َّت ِخذوا
ض بِال ِد
ض على الْ ِه ْجرِة ورفْ ِت فِي الْح ِ ت طَائَِفةٌ م ْن أ َْه ِل الْعِل ِْم :إِنَّها ن زل ْ
َوقَالَ ْ وان ُك ْم َأ ْوِل َ
َ ْ َ
ياء و ِإخ
الْك ْف ِر ،ف يكون الْ ِخطاب لِم ْن كان ِمن الْم ْؤِمنِين بِم َّكة وغْي ِرها من بالد العرب ،نهوا
اإل ْخوة ف يكونون له ْم ت ب ًعا فِي سكنى بالد الكفر. بأن ي والوا ْاآلباء و ِْ
ص ِل طلب الْمحبَِّة. ِ
استجاب بِم ْعنى أجاب ،وهو في ْاأل ْ َي :أحبوا ،كما ي قال ْ أْ اس َت َح ُّبوا
إن ْ
ِِ
َ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ْ ُْ
وب وأش ِدها. فد َّل ذلِك على أ َّن ت ولِي من كان كذلِك ِمن أ ْعظ ِم الذن ِ
ْ ْ ومن يتولهم ِمنكم
َّ ُ
َفأول ِئ َك ُه ُم الظ ِال ُمو َن
َ ُ ْ ْ َ ُ ُ ْ َ َْ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َُ ُ ْ َ َ ْ ٌ ْ َ ْ
وال اقت َرف ُُ ُموها َو ِتجا َر ٌة َت ْخ َش ْون ق َّ ِإن ُان آباؤكم و أبناؤكم و ِإخوانكم وأزواجكم وع ِشيرتكم وأم
َ َ َ َّ ُ َ َّ َ ْ َ َّ ُ َْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ُ َ َ ََ
هاد ِفي َس ِْ ِيل ِه فتربصوا حتى يأ ِتي الله ِبأم ِر ِه َ
ساكن ت ْرضونها أح َّب ِإليك ْم ِمن الل ِه و َرس ِول ِه و ِج ٍ
كسادها وم ِ
َ َْ ْ َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ
فاس ِقين ()24 والله َّل يه ِدي القوم ال ِ
الرج ِل ق راب ته ْاأل ْدن ْون ،وهم َوال َْع ِش َيرةُ :الْجماعة الَّتِي ت ْرِجع إِلى ع ْق ٍد و ِاح ٍد ،وع ِشيرة َّ ُُ
ِ ِ ِ َو َع ِش َيرتك ْم
الَّذين ي عاشرونه وهي ْ
اسم ج ْم ٍع.
ْاأل ْمتِعة الَّتِي ي ْشت رون ها لِي ْربحوا فِيها.
اد بِالتِّ َج َارِة فِي َوِم ْن غَ َرائِ ِ
ب التَّ ْف ِسي ِر ما رِوي ع ِن ابْ ِن ال ُْمبَ َار ِك أنَّه قال :إِ َّن ال ُْم َر َ
ٌ
ِ ِ ِ ِ
هذه ْاآلية :الْب نات و ْاألخوات إِذا كس ْدن في الْب ْيت ال يج ْدن له َّن خاطبًا ،و ْ
است ْشهد ِِ ِ َو ِتجا َرة
لِذلِك بِقوِل الش ِ
َّاع ِر: ْ
ِ
كس ْدن ِمن الْف ْق ِر في ق ْوِم ِه َّن … وق ْد زاده َّن مق ِامي كس ًادا
ت ب يعِها بِالْ ِهجرِة ومفارق ِة ْاألوط ِ ِ ِ ِ ِ َك َ
ان. ْ ْ اد :عدم النَّفاق لفوات وقْ ْ َوالْ َك َس ُ سادها
14
اإلقامة فِيها أح َّ
ب إِلْي ِه ْم ِمن الْمنا ِزل الَّتِي ت ْع ِجب ه ْم وت ِميل إِلْي ها أنْفسه ْم وي رْون ِْ َو َمساك ُن َت ْر َ
ض ْو َنها ِ
الْمهاجرِة إِلى اللَِّه ورسولِِه.
َي :انْت ِظروا.
أِ َف َت َرَّب ُ
صوا
ض ِيه م ِشيئ ته ِم ْن عقوبتِك ْم، فِيكم وما ت ْقت ِ
ْ
يل :الْمراد بِأ ْم ِر اللَِّه سْبحانه :الْ ِقتال، ِ
َوق َ
يل :ف ْتح م َّكة وفِ ِيه ب ْع ٌد. ِ
َوق َ ْ َّ َ
َح َّتى َيأ ِت َي الل ُه ِبأ ْم ِر ِه
ت ب ْعد الْفْت ِح .وفِي هذا َو ِعي ٌد َش ِدي ٌد وي ؤكِده إِبْهام ِِ
ف ق ْد رِوي أ َّن هذه السورة ن زل ْ
ب وت ت رَّدد ب ين أنْو ِاع الْعقوب ِ
ات. ْ يح بِِه لِت ْذهب أنْفسه ْم ك َّل م ْذه ٍ َّص ِر ِ
ْاأل ْم ِر وعدم الت ْ
ْ َّ َ
َي :الْخا ِرِجين ع ْن طاعتِ ِه ،النَّافِ ِرين ع ِن ْامتِث ِال أو ِام ِرِه ون و ِاهيِ ِه.أِ َوالل ُه َّل َي ْه ِدي ال َق ْو َم
ْ
فاس ِق َين
ال ِ
َ ْ َ ُ ْ ُ َْ ُ ُ ََ ُ ْ ْ ُ َ ً َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ ُ َ
واط َن ك ِث َير ٍة َو َي ْو َم ُحن ْي ٍن ِإذ أ ْع َج َبُك ْم كث َرتك ْم فل ْم تغ ِن َعنك ْم ش ْيئا َوضاقت َعل ْيك ُم
لقد نص َركم الله ِفي م ِ
ض بما َر ُح َب ْت ُث َّم َو َّل ْي ُُ ْم ُم ْدبر َ َْ
اْل ْر ُ
ين ()25 ِِ ِ
اطن الْح ْر ِبَ :م َق َاماتُ َها،اطن :جمع مو ِط ٍن ،ومو ِ ِ
ال َْم َو ُ ْ ْ
اط ِن الَّتِي نصر اللَّه
اطن الَّتِي نصر اللَّه المسلمين فيها :هي يوم بدر وما بعدِ ،من الْمو ِ واط َن َك ِث َير ٍة والْمو ِِفي م ِ
َ
الْم ْسلِ ِمين على الْكفَّا ِر فِيها ،ق ْبل ي ْوِم حن ْي ٍن.
ف، وحن ْين :و ٍاد ب ْين م َّكة والطَّائِ ِ
ٌ
اطن ،أ ْو فِياف ،إِ َّما فِي ْاأل َّوِل وت ْق ِديره فِي أيَّ ِام مو ِ اطن بِت ْق ِدي ِر مض ٍ ِ
وف َعلَى ُم َو َ وهو َم ْعطُ ٌ
استِْب عاد فِي ِ
الزمان على الْمكان ،ورَّد بِأنَّه ال ْ الثَّانِي وت ْق ِديره وم ْو ِط ِن ي ْوِم حن ْي ٍن ،لِئ َّال ي ْع ِطف َّ
ان ،فال ي ْحتاج إِلى ت ْق ِدي ٍر. ان على الْمك ِ الزم ِ
ف َّ عطْ ِ َو َي ْو َم ُح َن ْي ٍن
15
وإِنَّما أ ْعجب م ْن أ ْع ِجب ِمن الْم ْسلِ ِمين بِكثْرتِ ِه ْم ِألنَّه ْم كانوا اثْن ْي عشر ألْ ًفا،
يل :أحد عشر ألْ ًفا، ِ
َوق َ
يلِ :ستَّة عشر ألْ ًفا .ف قال ب ْعضه ْم :ل ْن ن ْغلب الْي ْوم ِم ْن قِلٍَّة. ِ
َوق َ
ف وكِلوا إِلى ه ِذ ِه الْكلِم ِة ف ل ْم ت ْغ ِن الْكثْرة شْي ئًا عْن ه ْم ،ب ِل انْهزموا وث بت رسول اللَِّه صلَّى اللَّه
ُ َ
َفل ْم ُت ْغ ِن َع ْنك ْم علْي ِه وسلَّم ،وث بت معه طائِفةٌ ي ِسيرةٌ ِمْن ه ْم :عمه الْعبَّاس وأبو س ْفيان بْن الْحا ِر ِث ،ث َّم ت راجع
الْمسلِ َْ ً
َّصر والظَّفر.
ْ ن ال ان ك ف ، ون م ْ ئا شي
اإل ْغناء :إِ ْعطاء ما ي ْدفع الْحاجة أ ْي :ل ْم ت ْع ِطكم الْكثْرة شْي ئًا ي ْدفع حاجتك ْم ،ول ْم ت ِف ْدك ْم و ِْ
الر ْحب بِفْت ِح ا َّلر ِاء :الْمكان الْو ِاسع،
السعة ،و َّ الر ِاءِ :
بِض ِم َّ
ِ ِ
َي :على ر ْحبِها. يل :بِم ْعنى على ،أ ْ والْباء ب َم ْعنَى معَ ،وق َ
َّصب على الْح ِال. َ ُ َ ْ ُّ ْ ُ
ار والْم ْجروِر الن ْصد ِريَّةٌ ،ومحل الْج ِ ِبما رحبت الرحب وما م ْ
ب ما ح َّل بِ ِه ْم ِمنت علْي ِهم بِسب ِ ِ ِ ِ
ْ َوال َْم ْعنَى :أ َّن ْاأل ْرض مع ك ْونها واسعة ْاألطْراف ضاق ْ
ف والْوج ِل، الْخو ِ
ْ
ِ ِ ِ ِ
َي :مولين أ ْدبارك ْم ،جاعلين لها إِلى جهة عد ِوك ْم. ِ أ ،ين ِ
ر ِ
ب د م مك ِ
نو ك ال ح م ت مزه ان : ِ
َي أ ثم َو َّل ْي ُت ْم ُم ْدبر َ
ين َّ
ْ ْ ْ ْ ْْ ْ ِِ
َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ٌ
ور َرح ٌ
يم ()27 ُ َّ َ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ
ثم يُوب الله ِمن بع ِد ِذلك على من يشاء والله غف ِ
يب.َّع ِذ ِ أ ِ ِ
َي :م ْن ب ْعد هذا الت ْْ ِم ْن َب ْع ِد ِذل َك
َ َ
ِم َّم ْن هداه ِمنْ ه ْم إِلى ِْ
اإل ْسالِم. َعلى َم ْن َيش ُاء
ِ ِ ِ الل ُه َغ ُف ٌَ َّ
يم بِعِب ِادهِ ي ت فضَّل علْي ِه ْم بِالْمغْ ِفرِة لِما اقْ ت رفوه.
يَغْف ُر لم ْن أ ْذنب ف تابَ ،رح ٌ ور رحيم و
ًَ َ ْ ُْ
عام ِه ْم َهذا َو ِإن ِخفُ ْم َع ْيلة د س َفَل َي ْق َرُبوا ْال َم ْسج َد ْال َحر َ
ام َب ْع َ ٌ ج َيا َأ ّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا إ َّن َما ْال ُم ْشر ُكو َن َن َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ٌ َ ٌ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ ْ َ َّ َّ
فسوف يغ ِنيكم الله ِمن فض ِل ِه ِإن شاء ِإن الله ع ِليم ح ِكيم ()28
ص ِف ِه ْم بِذلِك حتَّى كأنَّه ْم عْين النَّجاس ِة ،أ ْو على ِ
صدر مبالغ ًة في و ْ مْب تدأٌ ،وخب ره الْم ْ
ادةُ
س .وقال قَ تَ َ سِ ،أل َّن معهم ِ
الش ْرك وهو بِمْن ِزل ِة النَّج ِ اف :أ ْي ذوو نج ٍ ت ْق ِدي ِر مض ٍ
َوَم ْع َم ٌر َوغَْي ُر ُه َما :إِنَّه ْم و ِصفوا بِذلِك ِألنَّه ْم ال ي تط َّهرون ،وال ي ْغت ِسلون ،وال ي تجنَّبون
ات، النَّجاس ِ
ُ ْ
ات ،كما ذهب إِلي ِه ب عض الظَّ ِ
اه ِريَِّة ْ َْ ُ است ِد َّل بِ ْاآلي ِة م ْن قال :بِأ َّن الْم ْش ِرك نجس َّ
الذ ِ
وقد ْ
ِ ال ُم ْش ِركو َن
الزيْ ِديَِّة.
َو َّ
ب ْاأل ْرب ع ِة إِلى أ َّن الْكافِر لْيس ف وِمْن ه ْم أ ْهل الْمذ ِاه ِ
ف والْخل ِ ور ِمن َّ
السل ِ
ْج ْم ُه ُ
ب ال ُ َو َذ َه َ
اتِ ،أل َّن اللَّه سْبحانه أح َّل طعامه ْم ،وث بت ع ِن النَّبِ ِي ﷺ فِي ذلِك ِم ْن فِ ْعلِ ِه الذ ِ س َّ بِنج ِ
وق ْولِِه ما ي ِفيد عدم نجاس ِة ذواتِ ِه ْم ،فأكل فِي آنِيتِ ِه ْم ،وش ِرب ِمْن ها ،وت وضَّأ فِيها ،وأنْزله ْم
فِي م ْس ِج ِد ِه.
صد ٌر ال ي ث نَّى وال ي ْجمع. م : س َّجن ال س َن َج ٌ
ْ
ْ َ
فَل َي ْق َرُبوا ال َم ْس ِج َد الْفاء لِلتَّ ْف ِر ِيع ،ف عدم ق ْربان ِه ْم للْم ْسجد الْحرِام مت ف ِرعٌ على نجاست ِه ْم.
ِ ِ ِ ِ ِ
17
ْ
ْح َر ِام ج ِميع الْحرِم ،رِوي ذلِك ع ْن َعطَ ٍاء ،ف ي ْمن عون ِعنْده ِم ْن ج ِم ِيع ِِ
اد بِال َْم ْسجد ال َ َوال ُْم َر ُ ال َحر َام
الْحرِم،
وذهب غْي ره ِم ْن أ ْه ِل الْعِلْ ِم إِلى أ َّن الْمراد الْم ْس ِجد الْحرام ن ْفسه فال ي ْمنع الْم ْش ِرك ِم ْن
ول سائِِر الْحرِم. دخ ِ
اج ِد:
ول الْم ْش ِرِك غي ر الْمس ِج ِد الْحرِام ِمن الْمس ِ
ْ ْ
اخت لف أ ْهل الْعِلْ ِم فِي دخ ِ ِ
وقد ْ
فذهب أ َْه ُل ال َْم ِدينَ ِة إِلى منْ ِع ك ِل م ْش ِرٍك ع ْن ك ِل م ْس ِج ٍد.
اصةٌ فِي الْم ْس ِج ِد الْحرِام ،فال ي ْمن عون الشافِ ِع ُّيْ :اآلية ع َّامةٌ فِي سائِِر الْم ْش ِركِين خ َّ وقال َّ
اه ِرِ ،أل َّن ق ْوله
اج ِد .قال ابن الْعربِ ِي :وهذا جمود ِمْنه على الظَّ ِ
ٌ ْ ُ ََ ّ
ول غي ِرِه ِمن الْمس ِ ِ
م ْن دخ ْ
ِ
الش ْرِك والنَّجاس ِة ،ويجاب عْنه بِأ َّن هذا ت عالى :إِنَّما الْم ْش ِركون نجس ت ْنبِيه على الْعِلَِّة بِ ِ
ٌ ٌ
يف فِ ِيه.
ود بِربْ ِط ِه ﷺ لِثمامة بْ ِن أث ٍال فِي مس ِج ِد ِه ،وإِنْز ِال وفْ ِد ث ِق ٍ
ْ
ِ
الْقياس م ْرد ٌ
اج ِد
الذ ِم ِي سائِر الْمس ِ ورِوي عن أَبِي حنِي َف َة ِمثْل ق وِل الشَّافِعِ ِي ،وزاد أنَّه يجوز دخول ِ
ْ َ َْ
ِم ْن غْي ِر حاج ٍة ،وق يَّده الشَّافِعِي بِالْحاج ِة.
لذ ِم ِي دون الْم ْش ِرِك. وقال قَ تادةُ :إِنَّه يجوز ذلِك لِ ِ
ََ
فِ ِيه ق ْوال ِن:
َح ُد ُه َما :أنَّه سنة تِ ْس ٍع ،وِهي الَّتِي ح َّج فيها أبو بكر على الموسم. أَ
الص ِحيح الَّ ِذي ي ْع ِط ِيه م ْقتضى
ادةُ ،قال ابْ ُن ال َْع َربِ ِّي :وهو َّ
والثاني :أنَّه سنة ع ْش ٍر ،قاله قَ تَ َ
اللَّ ْف ِظ،
ب أ ْن ي قال :إِنَّه سنة تِ ْس ٍع ،وهو العام الذي وقع في ْاألذان. وِمن الْعج ِ
َ ََْ
عام ِه ْم َهذا
بعد ِ
اج ِد
وق ِد استد َّل من قال بِأنَّه يجوز لِْلم ْش ِركِين دخول الْمس ِج ِد الْحرِام وغي ِرِه ِمن الْمس ِ
ْ ْ ْ ْ
َ َ ْ َ ْ َ ِ
ت الْح ِج والْع ْمرِة، ص بِوقْ َِّهي م ْخت ٌّ ِ بِهذا الْقْيد ،أَ ْعنِي قَ ْولَهُ :بعد ِ
عام ِهم هذا قائ ًال إِ َّن الن ْ
ول .ويجاب عنْه بِأ َّن ظ ِ
اهر ف ه ْم م ْمنوعون ع ِن الْح ِج والْع ْمرِة ف ق ْط ال ع ْن مطْل ِق الدخ ِ َ ُ َ ُ َ ُ
ات الْكائِن ِة ت ِمن ْاألوق ِ ان فِي ك ِل وقْ ٍان ب عد هذا الْع ِام ي ِفيد الْمنْع ِمن الْقرب ِِ
ْ ْ َّه ِي ع ِن الْق ْرب ْ
الن ْ
ص.ص ٍ ضها بِالْجوا ِز يحتاج إِلى مخ ِ صيص ب ع ِ ب عده ،وتخ ِ
ْ ْ ْ ْ
ًَ
الرجل يعِيل :إِذا افْ ت قر،
ال َْع ْي لَةُ :الْف ْقر ،ي قال :عال َّ َو ِإ ْن ِخ ْف ُت ْم َع ْيلة
َ ْ ُ َ
ِ ِ
صلةٌ شاقَّةٌ ،ي قال عالني ْاأل ْمر ي عولني :أ ْ
َي ش َّق عل َّي وا ْشت َّد، يل م ْعناه :خ ْ
ِ
َوق َ ف َس ْوف ُيغ ِنيك ُم
18
الل ُه م ْن َف ْ
ض ِل ِه
َّ
ِ
وكان الْم ْسلِمون ل َّما من عوا الْم ْش ِركِين ِمن الْم ْو ِس ِم وه ْم كانوا ي ْجلِبون إِلْي ِه ْاألطْعِمة
ات ،قذف الشَّْيطان فِي ق لوبِ ِهم الْخ ْوف ِمن الْف ْق ِر وقالوا :م ْن أيْن نعِيش؟ ف وعدهم والتِجار ِ
ضلِ ِه.
اللَّه أ ْن ي غْنِي ه ْم ِم ْن ف ْ
ُ َّ َ َ
ين َّل الذ َّم ِة بِق ْولِِه :قا ِتلوا ال ِذ
اك :ف فتح اللَّه علي ِهم باب الْ ِجزي ِة ِمن أه ِل ِ
ْ ْ ْ ْ ْ َّح ُ
قال الض َّ
ُ ْ ُ َ َّ
يؤ ِمنون ِبالل ِه ْاآلية،
ض ،وأسلم ِ ِ ِ
ت الْعرب فحملوا ب ْاأل ْر ِ ْ صِوقال ع ْك ِرَمةُ :أ ْغناه ْم بِِإ ْدرا ِر الْمط ِر والنَّبات وخ ْ
إِلى م َّكة ما أ ْغناهم اللَّه بِِه.
يل :أ ْغناه ْم بِالْف ْي ِء، ِ
َوق َ
َّعلِيم لِلْعِب ِاد بِأ ْن ي قولوا ذلِك فِي ك ِل ما ي تكلَّمون بِِه ِم َّما له ِ ِ ِ ِ
َوفَائ َدةُ التَّ ْقيِيد بِال َْمشيئَة الت ْ
الزم ِن الْم ْست ْقب ِل ،ولِئ َّال ي ْفت روا ع ِن الدع ِاء والتَّضرِع.
ت عل ٌق بِ َّ
يم فِي إِ ْعطائِِه ومْنعِ ِه ،ما شاء كان وما ل ْم يشأْ ل ْم يك ْن. ِ ِ َّ َّ َ َ ٌ َ ٌ ِ
يم بِأ ْحوالك ْمَ ،حك ٌ ِإن الله ع ِليم ح ِكيم َعل ٌ
ُ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ َ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َ ْ
ين ال َح ِ ّق قاتلوا ال ِذين َّل يؤ ِمنون ِبالل ِه وَّل ِباليو ِم اْل ِخ ِر وَّل يح ِرمون ما حرم الله ورسوله وَّل ي ِدينون ِد
ِ
ُ َ َ
َْ َ ْ َ َ ُ ْ ْ ُ َ َ ُ ْ َّ ْ ُ ُ َ َّ َ
صاغرون ()29 ِمن ال ِذين أوتوا ال ِكُاب حتى يعطوا ال ِجزية عن ي ٍد وهم ِ
اف ،قال أَبُو ال َْوفَ ِاء بْ ُن َع ِق ٍ
يل :إِ َّن ق ْوله: فِ ِيه ْاألمر بِِقت ِال من جمع ب ين ه ِذ ِه ْاألوص ِ
ْ ْ ْ ْ ُ
قاتلوا
ِ
قاتِلوا أَمر بِالْع ُقوبةِ.
ٌْ ُ َ
َّ َ َ ْ َ َّ
ب الَّ ِذي ت ِ
وجبه الْعقوبة. الذنْ ِ
بيان َّ ين َّل ُيؤ ِم ُنون ِبالل ِه ال ِذ
َ َْْ ْ
ب ِاال ْعتِق ِاد،
الذنْب فِي جانِ ِ فأ َّكد َّ وَّل ِباليو ِم اْل ِخ ِر
َ ُ َ ُ َن َ َ َّ َ َُّ
ب فِي مخالف ِة ْاأل ْعم ِال فِ ِيه ِزيادةٌ لِ َّ
لذنْ ِ وَّل يح ِرمو ما حرم الله
ُ
َو َر ُسول ُه
َ َ ُ َ َ ْ
اف والْمعاندةِ و ْاألن ف ِة ع ِن ِاال ْستِ ْسالِم صي ِة بِ ِاالنْ ِحر ِ
ْ
فِ ِيه إِشارةٌ إِلى تأْكِ ِ
يد الْمع ِ ين ال َح ِق وَّل ي ِدينون ِد
تَأْكِي ٌد لِْلح َّج ِة علْي ِه ْم ِألنَّه ْم كانوا ي ِجدونه م ْكتوبًا عِْنده ْم فِي الت َّْور ِاة و ِْ
اإلنْ ِج ِيل ين ُأ ُوتوا ْالك َ
تاب م َن َّالذ َ
ِ ِ ِ
ف ب يَّن الْغاية الَّتِي ت ْمتد إِلْي ها الْعقوبة.
وْزن ها فِ ْعلةٌ م ْن جزى ي ْج ِزي :إِذا كافأ ع َّما أ ْس ِدي إِلْي ِه ،فكأنَّه ْم أ ْعط ْوها جزاءً ع َّما ُ ْ َ
َح َّتى ُي ْعطوا ال ِج ْزَية
منِحوا ِمن ْاأل ْم ِن،
ِِ ِ ِ وقِيل :س ِمي ِ ِ
َي :ي ْقضوه، ت ج ْزيةً ألنَّها طائفةٌ م َّما على أ ْه ِل الذ َّمة أ ْن ي ْجزوه ،أ ْ ْ َ َ
19
الشرِع :ما ي ع ِط ِيه الْمع ِ ِ ِ
اهد على عهده. ْ َوه َي في َّ ْ
ب على الْح ِال. صٍ ِ
في مح ِل ن ْ
َوال َْم ْعنَى :ع ْن ي ٍد مواتِي ٍة ،غْي ِر م ْمتنِع ٍة،
يل :م ْعناه ي ْعطون ها بِأيْ ِدي ِه ْم غْي ر م ْستنِيبِين فِيها أح ًدا، ِ
َوق َ
يل :م ْعناه :ن ْق ٍد غْي ِر ن ِسيئ ٍة، ِ
َوق َ
يل :ع ْن ق ْه ٍر، ِ
َوق َ
َوقِيل :م ْعناه ع ْن إِنْع ٍام ِمْنك ْم علْي ِه ْمِ ،أل َّن أ ْخذها ِمْن ه ْم ن ْوعٌ ِم ْن أنْو ِاع ِْ
اإلنْع ِام علْي ِه ْم َ
يل م ْعناه م ْذمومون. ِ
َوق َ
الشافِعِي وأ ْحمد وأبو حنِيفة وأصحابه اعةٌ ِم ْن أ َْه ِل الْعِل ِْم ِمنْ هم َّ
وق ْد ذهب َج َم َ
اب.الثوري وأبو ث وٍر إِلى أنَّها ال ت ْقبل الْ ِج ْزية إَِّال ِمن أ ْه ِل الْ ِكت ِ
ْ ْ
اس الْكفرِة كائِنًا م ْن كان، ك :إِ َّن الْ ِج ْزية ت ْؤخذ ِم ْن ج ِمي ِع أ ْجن ِ وقال ْاألَوَز ِ
اع ُّي َوَمالِ ٌ ْ
اب على الْق ْوِل ْاأل َّوِل الْمجوس ،قال ابْ ُن ال ُْم ْن ِذ ِر :ال أ ْعلم وي ْدخل فِي أ ْه ِل الْ ِكت ِ
َع ْن َي ٍد
ِخالفًا فِي أ َّن الْ ِج ْزية ت ْؤخذ منهم.
20
ض لِلْ ِجزي ِة أ ْن يجعل الْمسلِم لها حال ق ب ِ
ضها ص ِ ِ ِ ِ ِ
اغًرا ْ ْ قاع ٌد .وبِالْج ْملة ي نْ بغي للْقابِ ِ ْ
ذلِ ًيال.
َ َ
ضاه ُؤن ق ْو َل الله ذل َك َق ْو ُل ُه ْم ب َأ ْفواهه ْم ُ
ْ َ ُ ْ ُ َّ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ُ َ ْ ْ ُ َّ َ َ
ِ ي ِِ ِ وقال ِت اليهود عزي ٌرابن الل ِه وقال ِت النصارى الم ِسيح ابن ِ ِ
َّ َ َّ ْ َ ُ َ ََ َ َّ َ َ َ
ين كف ُروا ِم ْن ق ْب ُ َّ قاتل ُه ُم الل ُه أنى ُيؤفكون ()31 ال ِذ
قالوا هذا ل َّما رأ ْوا ِم ْن إِ ْحيائِِه الْم ْوتى مع ك ْونِِه ِم ْن غْي ِر أ ٍب،
صفه تارةً بِابْ ِن اللَِّه، و ْاألُولَى أن يقال :إنهم قالوا هذه المقالة لكونه فِي ِْ ِ
اإلنْج ِيل و ْ َ
اإلنْ ِج ِيل ،ول ْم ي ْفهموا اضع مت ع ِدد ٍة ِمن ِْ ان ،كما رأي نا ذلِك فِي مو ِ اإلنْس ِِْ نِ ابِ
ب ة
ًارتو النصارى ْال َمس ُ
يح
َ َ
قالت َّو
ْ ْ ِ ِ
يف سل ِف ِه ْم يف والتَّ ْك ِري ِم ،أو لم يظْهر لهم أ َّن ذلِك ِمن ت ْح ِر ِ
ْ ْ ْ ْ ْ ص ِد الت ْ
َّش ِر ِ ِ ِ
أ َّن ذلك لق ْ ْاب ُن الله
اسد ِة،اض الْف ِ ض ِمن ْاأل ْغر ِ لِغر ٍ
ض النَّصارى ال لِكلِ ِه ْم. يل :وه ِذ ِه الْمقالة إِنَّما ِهي لِب ْع ِ ِ
ق َ
اإلشارة إِلى ما صدر عْن ه ْم ِم ْن هذه المقالة الباطلة. ِْ
ووجه قوله بِأَفْ َو ِاه ِه ْم مع الْعِلْ ِم بِأ َّن الْق ْول ال يكون إَِّال بِالْف ِم ،بِأ َّن هذا الْق ْول ل َّما
ضده بِ ِرها ٌن ،كان مجَّرد د ْعوى ال م ْعنى ت ْحت ها، كان ساذ ًجا لْيس فِ ِيه ب يا ٌن ،وال ع َّ
غْي ر م ِفيد ٍة لِفائِد ٍة ي ْعتد بِها، َ َ ُُْ ْ َ ْ
ِ واه ِه ْم
ِذلك قولهم ِبأ ِ
ف
يل :إِ َّن ِذ ْكر ْاألفْ و ِاه لقصد التأكيد. َوق َ
ض أ َْه ِل ال ِْعل ِْم :إِ َّن اللَّه سْبحانه ل ْم ي ْذك ْر ق ْوًال م ْقرونًا بِ ِذ ْك ِر ْاألفْ و ِاه ،و ْاأللْس ِن
وقال بَ ْع ُ
ْ َْ َ ُُ َ
َُ ُ َ ْ
س ِفي قل ِوب ِه ْم. واه ِهم ما لي ورا كق ْولِِه :يقولون ِبأف ِ إَّال وكان ق ْوًال ز ً
ِ
اهاةُ :الْمشابِهة، ضَ ال ُْم َ
الرجال. ت ِ قِيل :وِمنْه ق ول الْعر ِب :امرأةٌ ضهياء :وِهي الَّتِي ال ت ِحيض ِألنَّها شاب ه ِ
ْ ْ ْ َ
وم ْعنى مضاهاتِ ِه ْم لِق ْوِل الَّ ِذين كفروا فِ ِيه أقْ و ٌال ِأل ْه ِل الْعِلْ ِم: ُيضاه ُؤ َن َق ْو َل َّالذ َ
ين ِ ِ
َ َ
ْاأل ََّو ُل :أنَّه ْم شاب هوا بِه ِذ ِه الْمقال ِة عبدة األوثان في قولهم :الالت والْعَّزى ومناة ُ
كفروا
ب نات اللَِّه.
الْ َق ْو ُل الثَّانِي :أنَّه ْم شاب هوا ق ْول م ْن ي قول ِمن الْكافِ ِرين :إِ َّن المالئكة بنات الله،
الثالث :أنهم شابهوا أسالفهم القائلين بأن عزيز ابْن اللَِّه وأ َّن الْم ِسيح ابْن اللَِّه.
21
دعاءٌ علْي ِه ْم بِالْهال ِكِ ،أل َّن م ْن قات له اللَّه هلك،
َّ ََ
ب ِم ْن شناع ِة ق ْولِ ِه ْم،
يل :هو ت عج ٌ
ِ
َوق َ قاتل ُه ُم الل ُه
يل :م ْعنى قات لهم اللَّه :لعن هم الله، ِ
َوق َ
ُ َ
أَي :كيف يصرفون ع ِن الْح ِق إِلى الْب ِ
اط ِل. ْ ْ ْ أ َّنى ُي ْؤ َفكو َن
دا ََّل إ َ
ً ً يح ْاب َن َم ْرَي َم َوما ُأم ُروا إ َ َّّل ل َي ْع ُب ُ
الله َو ْال َمس َ
َّ
ن
َّ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً
بابا م ْن ُ
له ِ اح
ِ و لهاإِ واد ِ ِ ِ ِ ِ ِ ود اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أر ِ
ْ ُ َ َ ّ َ
ِإَّل ُه َو ُس ْبحان ُه َع َّما ُيش ِركون ()31
ار :جمع حْب ٌر ،وهو الَّ ِذي ي ْح ِسن الْق ْول،
َحبَ ُ
ْاأل ْ
الحبر بالكسر :المداد،
َُ َ
والْحْب ر بِالْ َف ْت ِح الْعالِم. َّاتخذوا أ ْحبا َر ُه ْم
ِ بابا م ْن َُ ُ ْ َُ ْ َْ ً
الرْهب ِة ،وه ْم علماء النَّصارى ،كما أ َّن ْاأل ْحبار َّ ن ِ
م ذ
ٌ وخْأم ،ب ٍ اهر ع مج : ن
ِ َ ُّ ْ َ ُ ْا به الرو نو د ورهبانهم أر ِ
علماء الْي ه ِ َّ
ود. الل ِه
َوَم ْعنَى ْاآليَِة :أنَّه ْم ل َّما أطاعوه ْم فِيما يأْمرون ه ْم بِِه وي ْن ه ْون ه ْم عْنه كانوا بِمْن ِزل ِة
َّخ ِذين له ْم أ ْربابًاِ ،ألنَّه ْم أطاعوه ْم كما تطاع ْاأل ْرباب. الْمت ِ
ودا ،وفِ ِيه إِشارةٌ إِلى أ َّن الْي هود َي :اتَّخذه النَّصارى رباا م ْعب ً ف على رْهبان ه ْم ،أ ِ م ْعطو ٌ
ودا. ِ
ل ْم ي تَّخذوا عزير رباا م ْعب ً
22
ان إَِّال بِذلِك ،فكْيف
وحده ،أو ما أ ِمر الَّ ِذين اتَّخذوهم أربابا ِمن ْاألحبا ِر والرْهب ِ
ْ ْ ْ ً
صلحون لِما أ َّهلوه ْم له ِمن اتِخ ِاذ ِه ْم أ ْربابًا؟ يْ
َّ َ
ِصفةٌ ثانِيةٌ لِق ْولِِه إِل ًها َّل ِإ َله ِإَّل ُه َو
ُ
اإل ْشر ِاك فِي طاعته وعبادته. أي :ت ْن ِز ًيها له ع ِن ِْ حان ُه َع َّما ُي ْش ِركو َن
ُ ْ َ
سب
َ ْ َ َ ْ َ َّ ُ َ ّ َ ْ ُ َّ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َّ َ ْ
ور ُه َول ْو ك ِر َه الكا ِف ُرون ()32 واه ِهم ويأبى الله ِإَّل أن ي ُِم ن ي ِريدون أن يط ِفؤا نورالل ِه ِبأف ِ
ور هذا كال ٌم ي تض َّمن ِذ ْكر ن ْوٍع آخر ِم ْن أنْو ِاع ضاللِ ِه ْم وب ْع ِد ِه ْم ع ِن الْح ِق، ُير ُيدو َن َأ ْن ُي ْطف ُؤا ُن َ
ِ ِ
الله ب َأ ْفواههمْ َّ
ِ ِ ِِ
َيِ :دينه الْق ِويم،
أْ
ضت إَِّال ت إَِّال ِاال ْستِثْنائِيَّة على يأْبى؟ وال يجوز ك ِرْهت أ ْو ب غ ْ ِ
يل :كْيف دخل ْ َوقَ ْد ق َ
َ َ ْ َ َّ ُ َّ َ ْ ُ َّ زيْ ًدا .قال الْ َف َّراءُ :إِنَّما دخلْت ِأل َّن فِي الْكالِم طرفًا ِمن الْج ْح ِد.
ويأبى الله ِإَّل أن ي ِتم
اج :إِ َّن الْعرب ت ْح ِذف مع «أبى» ،والتَّ ْق ِدير :ويأْبى اللَّه ك َّل ش ْي ٍء إَِّال أ ْن ج
َّ ُ الز
َّ ال ق و ُن َ
ور ُه
يتِ َّم نوره،
توقال َعلِ ُّي بن سلَْيما َن :إِنَّما جاز هذا فِي «أبى» ِألنَّها مْنع أ ِو امتِناعٌ فضارع ِ
ٌ ْ ُْ ُ َ
اس :وهذا أ ْحسن. َّح ُ النَّ ْفي .قال الن َّ
َي :أبى اللَّه إَِّال أ ْن ي ت َّم نوره ول ْو ل ْم ي ْكرِه الْكافِرون ٍ
وف على ج ْملة ق ْب له مقدَّرٍة ،أ ْ م ْعط ٌ َو َل ْو َكر َه ْالكاف ُر َ
ون ِ ِ
ذلِك ول ْو ك ِرهوا.
23
الناس ب ْالباط َّ َو َي ُ
ص ّدو َن َع ْن َ َ ّ َ َّ َ َ ُ َّ َ ً َ ْ َ ْ َ ّ ْ َ َ ْ ُ ُ َن َ ْ َ َّ
ي َّ
ِ ِْ س ِ ِ ِ ِ بان ليأُلو أموال باروالره ِ يا أيها ال ِذين آمنوا ِإن ك ِثيرا ِمن اْلح ِ
َ َ َّ
الله ف َْ ّش ْر ُه ْم ب َ الذ َه َب َو ْالف َّ
ض َة َوَّل ُي ْنف ُق َونها في َ َّ َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ
ذاب أ ِل ٍيم ()34
ٍ ع ِ ِ ِ ِ ِ ِ ي َّ ْ س ِ ِ الل ِه وال ِذين يك ِنزون
الر ْشوِة ،وأثْبت هذا لِلْكثِي ِر ِمْن ه ْمِ ،أل َّن فِي ِه ْم م ْن ل ْماطل ِة ك ِ أنَّهم يأْخذون ها بِالْوج ِ
وه الْب ِ
ْ
يف ،وال ت ْب ِد ٍيل ،وال مْي ٍل إِلى وجبه ِدينه ِمن غْي ِر ت ْح ِر ٍ
ْ
ي ت لبَّس بِذلِك ،بل ب ِقي على ما ي ِ
ْ ْ َل َي ْأ ُك ُلو َن َأ ْم َ
وال َّ
اس
ِ الن
حط ِام الدنْيا، ْ
باط ِل
ِبال ِ
صر فِي ِ ِ
اإل ْسالِم م ْن ال يأْتي علْيه الْح ْ ان ِم ْن علم ِاء ِْ
ولق ِد اقْ تدى بِهؤال ِء ْاألحبا ِر والرْهب ِ
ْ
ك ِل زمان ،فالله المستعان.
اإل ْسالِم ،أ ْو ع ْن ما كان حقاا فِي ش ِريعتِ ِه ْم ق ْبل ن ْس ِخها، ََ ُ َ
ع ِن الطَِّر ِيق إِلْي ِه ،وهو ِدين ِْ ص ُّدون َع ْن َس ِب ِيلوي
َّ
اط ِل. ب أ ْكلِ ِه ْم ِأل ْمو ِال الن ِ
َّاس بِالْب ِ بِسب ِ الل ِه
ِ ِ ِ ِ ِ
صن عون هذا الصْنع، يل :هم الْمت قدم ذ ْكره ْم من ْاأل ْحبا ِر والرْهبان ،وإِنَّه ْم كانوا ي ْ ق َ
يل :ه ْم م ْن ي ْفعل ذلِك ِمن الْم ْسلِ ِمين، ِ
َوق َ
و ْاأل ْولى :ح ْمل ْاآلي ِة على عم ِوم اللَّ ْف ِظ ،ف هو أ ْوسع ِم ْن ذلِك.
ب والْ ِفض َِّة. الذه ِ َصل الْ َك ْن ِز فِي اللغ ِة :الضَّم والْج ْمع ،وال ي ْختص بِ َّ
َوأ ْ ُ
ض كان أ ْو ض فِي بطْ ِن ْاأل ْر ِ وع ب ْعضه إِلى ب ْع ٍ قال ابْ ُن َج ِري ٍر :الْكْن ز كل ش ْي ٍء م ْجم ٍ
ِ َّ الذ َه َب على ظه ِرها انْت هى .وِمْنه ناقةٌ كِن ٌاز :أي م ْكتنِ َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ
اجتمع.
ْ ْ :ء َّي الش ز ن ت ك
ْ ا
و ،م ح
ْ ل ال ة
ز ْ ْ وال ِذين يك ِنزون
َ ْ َّ َ
ضة وال ِف
ِ ِ ِ ِ
ت زكاته ه ْل يس َّمى كْن ًزا أ ْم ال؟ اخت لف أ ْهل الْع ْل ِم في الْم ِال الَّذي أدي ْ وْ
ال قَ ْوٌم :هو كْن ٌز ،وِمن الْقائِلِين بهذا القول هو أَبُو َذ ٍّر .وق يَّده بِما فضل ع ِن فَ َق َ
الْحاج ِة.
ال آ َخرو َن :لْيس بِكْن ٍز .وِمن الْقائِلِين بِهذا القول هو عُ َمر ابن الْ َخطَّ ِ
اب َوابْ ُن ُ َوقَ َ ُ
اس َو َجابٌِر َوأَبُو ُه َريْ َرةَ َوعُ َم ُر بْ ُن َع ْب ِد ال َْع ِزي ِز َوغَْي ُر ُه ْم ،وهو الْحق لِما عُ َم َر َوابْ ُن َعبَّ ٍ
ت زكاته ف لْيس بِكنْ ٍز. ِ ِ ِ ِ ِِ
سيأْتي من ْاألدلَّة الْمص ِرحة بِأ َّن ما أدي ْ
الذهب والْ ِفضَّة، َّمي ِر مع ك ْو ِن الْم ْذكوِر ق ْب له شْي ئ ْي ِن ،ه َّما َّ اخت لف فِي وج ِه إفراد الض ِ
ْ ْ
ب وهو الْ ِفضَّة قال :وِمثْله ق ْولِِه ت عالى ص ٌد إِلى ْاألع ِم ْاأل ْغل ِ
ي :إِنَّه ق ْ ف قال ابْ ُن ْاألَنْ بَا ِر ِّ َوَّل ُي ْنف ُق َونها في َ
ٌ َ َ َّ َ َّ َ ْ َّ ُ َ ْ َ يل
ِ ب س ِ ِ
الصال ِة ِألنَّها أعم،
َلة و ِإنها لك ِب َيرة} رَّد الْ ِكناية إِلى َّ {واسُ ِعينوا ِبالصب ِروالص ِ
ِ
َّ
الل ِه
24
وتذكِره،
ول علْي ها بِق ْولِِه ي ْكنِزون،الض ِمير ر ِاجع إِلى الْكنوِز الْم ْدل ِ
ٌ يل :إِ َّن َّ ِ
َوق َ
يل :إِلى ْاأل ْمو ِال، ِ
َوق َ
يل :لِ َّلزك ِاة، ِ
َوق َ
يل :إِنَّه ا ْكت فى بِض ِمي ِر أح ِد ِهما ع ْن ض ِمي ِر ْاآلخ ِر مع ف ْه ِم الْم ْعنى ،وهو كثِ ٌير فِي ِ
َوق َ
كالِم الْعر ِب ،وأنْشد ِسيب ويِْه:
الرأْي م ْختلِف ن ْحن بِما ِعْندنا وأنْت بِما … ِعْندك ر ٍ
اض و َّ
ول ْم ي ق ْل راضون.
اب إِلى الْم ْعنى دون اللَّ ْف ِظِ ،أل َّن ك َّل و ِاح ٍد ِمن الذه ِ َّمي ِر ِمن ب ِ
اب َّ وقِيل :إِ َّن إِفْ راد الض ِ
ْ َ َ
ِِ َ ْ
ب والْ ِفض َِّة ج ْملةٌ وافِيةٌ ،و ِع َّدةٌ كثِيرةٌ ،ودنانِير ودر ِاهم ،ف هو كق ْوله {و ِإن ال َّذه ِ
الذهب والْ ِفضَّة بِ ِ َ ْ ْ َ ْ ََُ َ
الذ ْك ِر دون سائِِر ص َّ ُان ِمن ال ُمؤ ِم ِنين اقُُلوا} وإِنَّما خ َّ طائف ِ ِ
األموال لكونهما أثمن ْاأل ْشي ِاء ،وغالِب ما ي ْكن ز ،وإِ ْن كان غْي رهما له ح ْكمهما فِي
ت ْح ِري ِم الْكْن ِز.
يع، اب التَّهك ِم بِ ِهم ،كما فِي ق ولِِه :ت ِحيَّةٌ ب ينِ ِهم ضر ِ ول ،وهو ِمن ب ِ خب ر الْموص ِ
ب وج ٌ ْ ْ ٌْ ْ ْ ْ ْ َ ََ ُْ ْ َ
ب ،سواءٌ كان َوقِيل :إِ َّن الْبِشارة هي الْخب ر الَّذي ي ت غيَّر له ل ْون الْبشرِة لتأْثي ِرِه في الْق ْل ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ذاب أ ِل ٍيم
فب ِشرهم ِبع ٍ
َ
من الفرح أو من الْغ ِم.
25
ف. وقِيل :غْي ر ذلِكِ ،م َّما ال ي ْخلو عن تكل ٍ
ْ َ َ
َي :كن ْزتموه لِت ْن ت ِفعوا بِِه ،ف هذا ن ْفعه على ط ِريق ِة ِ ِ
َه َذا َما َك َن ْزُت ْم َأل ْن ُفس ُك ْم أي :يقال لهم ما كن ْزت ْم ألنْفسك ْم ،أ ْ
ِ ِ
التَّهك ِم ،والت َّْوبِ ِ
يخ.
ُ َُ ُ
ذوقوا وباله ،وسوء عاقِبتِ ِه ،وق ْبح مغبَّتِ ِه ،وشؤم فائدته. فذوقوا َما ك ْن ُت ْم
ونَت ْكن ُز َ
ِ
26
الص ِحيح ،والْعدد الْم ْست ْوفى. َّ
ك لِح ْرمتِها، أَي :فِي ه ِذ ِه ْاأل ْشه ِر الْحرِم ،بِِإيق ِاع الْ ِقت ِال فِيها ،والْهْت ِ
ْ
ِ
َّمير ي ْرِجع إِلى الشهوِر كلِها الْحرم وغْي ِرها ،وإِ َّن اللَّه ن هى ع ِن الظلْ ِم فِيها، وقِيل :إِ َّن الض ِ
َ َ
و ْاأل َّول أ ْولى.
27
ُْ
ي قال :نسأ ي نْسأ :إِذا زاد ،قال :وال يكون بِت رِك الْهمزِة إَِّال ِمن النِسي ِ
ان كما قال ت عالى ْ ْ ْ الك ْف ِر
َّ َ َ َ
{ن ُسوا الل َه فن ِس َي ُه ْم} ،وردَّ على نافِ ٍع قِراءته.
َّسيء ِزيادةً فِي الْك ْف ِر ِألنَّه ن وعٌ ِمن أنْو ِاع ك ْف ِرِهم ،ومع ِ
صيةٌ ِم ْن وس َّمى اللَّه سبحانه الن ِ
ْ ْ ْ ْ ْ
ِ
اصي ِهم الْمنْض َّم ِة إِلى ك ْف ِرِه ْم بِاللَِّه وكتبِ ِه ورسلِ ِه والْي ْوم ْاآل ِخ ِر. مع ِ
يء،َّس ِ َّمير ر ِاجع إِلى الن ِ الض ِ
ٌ
َّه ِر الَّ ِذي ي ؤِخرونه وي قاتِلون فِ ِيه، ُّ َ
َي :يحلون النَّسيء ع ًاما ويح ِرمونه ع ًاما ،أ ْو إِلى الش ْ
ِ أ ِ
ْ ُي ِحلون ُه َع ًاما
َ
َي :ي ِحلونه ع ًاما بِِإبْدالِِه بِش ْه ٍر آخر من شهور الحل ،ويحرمونه ع ًاما، أْ َو ُي َح ِر ُمون ُه َع ًاما
َي :يحافِظون علْي ِه فال ي ِحلون فِ ِيه القتال ،بل يبقونه على حرمته. أْ
اطئواَ ،وال ُْم َواطَأَةُ :الْمواف قة، لِكي ي و ِ
ْ
ِ
اجتمعوا. َي :ت واف قوا علْيه و ْ ال :ت واطأ الْق ْوم على كذا :أ ْ ُ ُ َّ َ َ َ َ يُ َق ُ
ِ ِ واطؤا ِعدة ما ح َّرم ِلي ِ
َّ ِ ِ
َوال َْم ْعنَى :إنَّه ْم ل ْم يحلوا ش ْهًرا إال حَّرموا ش ْهًرا لت ْب قى ْاأل ْشهر الْحرم أ ْرب عةً. َُّ
ِ ِ الله
ِ ِ ِ ِ ٍ
بَ :م ْعنَاهُ :عمدوا إلى صفر ف زادوه في ْاأل ْشهر الْحرم وق رنوه بالْمحَّرم في ِ قال قُط ُْر ٌ
ي. َّح ِري ِم .وكذا قال الطَّبَ َر ُّ الت ْ
َّ َ ُّ
ف ُي ِحلوا َما َح َّر َم الل ُه ِمن ْاأل ْشه ِر الْحرِم الَّتِي أبْدلوها بِغْي ِرها.
َّسيء.السيِئة الَّتِي ي عملون ها .وِمن جملتِها الن ِ ال م ع األ
ْ ان ط َّي
الش م ه ل ن ي
ز : َي أ ُزي َن َل ُه ْم ُس ُ
وء
ْ ْ ْ َّ ْ ْ َّ ْ ِ
َأ ْعمالهمْ
ِِ
ص ِرين على ك ْف ِرِهم ،الْم ْست ِم ِرين علْي ِه ،فال ي ْه ِدي ِه ْم ِهدايةً ت و ِصله ْم إِلى َي :الْم ِ أِ
وب.الل ُه ََّل َي ْه ِدي ْال َق ْو َم الْمطْل ِ َ َّ
و
الكافر َ ْ
اإل ْرش ِاد إِلْي ِه ف ق ْد نصب ها اللَّه سْبحانه لِج ِم ِيعوأ َّما الْ ِهداية بِم ْعنى الدَّالل ِة على الْح ِق و ِْ ين ِِ
ِعب ِاد ِه.
28
23
24