You are on page 1of 207

‫" وﻗﻞ اﻋﻤﻠﻮا ﻓﺴﯿﺮى اﷲ ﻋﻤﻠﻜﻢ‬

‫ورﺳﻮﻟﮫ واﻟﻤﺆﻣﻨﻮن وﺳﺘﺮدون إﻟﻰ‬


‫ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻐﯿﺐ واﻟﺸﮭﺎدة ﻓﯿﻨﺒﺌﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﻨﺘﻢ‬
‫ﺗﻌﻤﻠﻮن "‬

‫ﺍﻟﺘﻭﺒﺔ ‪105 :‬‬

‫ﺃ‬
‫ﺇﻫــــــــــــــــــــــﺪﺍء‬

‫ﺇﱃ ﺭﻭﺡ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﻐﻤﺪﻩ ﺍﷲ ﲟﻐﻔﺮﺗﻪ‬

‫ﺇﱃ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ ﺍﻟﻜﺮﳝﺔ ﺣﻔﻈﻬﺎ ﺍﷲ ﻭﺭﻋﺎﻫﺎ‬

‫ﺇﱃ ﺃﺳﺮﺗﻲ ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ‬

‫ﺇﱃ ﺭﻓﺎﻕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ‬

‫ﺍﳌﺘﻮﺍﺿﻊ ‪.‬‬ ‫ﺇﱃ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء ﺃﻫﺪﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﻬﺪ‬

‫ﺏ‬
‫ﺷﻜﺮ ﻭﻋﺮﻓﺎﻥ‬
‫ﺃﺸﻜﺭ ﺍﷲ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ ﻭﺃﺤﻤﺩﻩ ‪ ،‬ﺍﻟﺫﻱ ﺃﻨﻌﻡ ﻋﻠﻲ ﱠ ﻨﻌﻤﺎﹰ ﻜﺜﻴﺭﺓ ﻻ ﺃﺤﺼﻲ ﺜﻨﺎﺀ‪ ‬ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ‪ ،‬ﺜﻡ ﺃﺘﻘﺩﻡ ﺒﺨﺎﻟﺹ ﺸﻜﺭﻱ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻤﺤﻤﺩ‬
‫ﻓﺭﺝ ﺩﻏﻴﻡ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻏﻤﺭﻨﻲ ﺒﻪ ﻤﻥ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ‪ ،‬ﻓﻘﺩ ﻜﺎﻥ ﻭﺍﺴﻊ ﺍﻟﺼﺩﺭ ﻟﻠﺒﺤﺙ ﻭﺼﺎﺤﺒﻪ ‪،‬‬
‫ﻜﺭﻴﻡ ﺍﻟﻌﻁﺎﺀ ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻨﺼﺎﺌﺢ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ ﻭﺇﺭﺸﺎﺩﺍﺘﻪ ﺴﻬﻠﺕ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﺃﻤﺎﻤﻲ ﻜﺜﻴﺭﺍﹰ ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻠﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ‬
‫ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ‪ ،‬ﻓﺄﺴﺄل ﺍﷲ ــــ ﻋﺯ‪ ‬ﻭﺠل ــــ ﺃﻥ ﻴﺒﺎﺭﻙ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﻋﻤﺭﻩ ‪،‬‬
‫ﻭﻴﺠﺯﻴﻪ ﻋﻨﺎ ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﻜﺭ ﻤﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ‪ ‬ﺍﻟﻔﺎﻀﻠﻴﻥ ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻭﻟﻬﻤﺎ ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺭﺴﺎﻟﺔ ﻭﺘﻘﻭﻴﻤﻬﺎ‬
‫‪ ،‬ﻓﺄﺴﺄل ﺍﷲ ﺃﻥ ﻴﺠﺯﻴﻬﻤﺎ ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ‪.‬‬
‫ﻜﻤﺎ ﺃﺘﻘﺩﻡ ﺒﺨﺎﻟﺹ ﺸﻜﺭﻱ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﻜل ﺃﺴﺎﺘﺫﺓ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺒﺠﺎﻤﻌﺔ ﺒﻨﻐﺎﺯﻱ ‪.‬‬

‫ﺝ‬
‫ﻓﮭـــــﺮس اﻟﻤﺤﺘــــــــــــــــﻮﯾﺎت‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ‬ ‫اﻟﻤـــــــــــﻮﺿــــــــﻮع‬ ‫ت‬

‫أ‬ ‫ـ اﻵﯾـــــــــــــــــــــــــــــــــﺔ‬ ‫‪1‬‬

‫ب‬ ‫ـ اﻹھــــــــــــــــــــــــــــﺪاء‬ ‫‪2‬‬

‫ج‬ ‫ــ اﻟﺸﻜـــــــــــــــــــﺮ واﻟﺘﻘﺪﯾـــــــــــــــــــــــﺮ‬ ‫‪3‬‬

‫د‬ ‫اﻟﻤﺤﺘﻮﯾﺎت‬ ‫‪4‬‬

‫‪1‬‬ ‫اﻟﻤﻘﺪﻣـــــﺔ‬ ‫‪5‬‬

‫اﻟﺘﻤــــﮭﯿــــﺪ‬ ‫‪6‬‬

‫‪4‬‬ ‫أوﻻ‪ :‬ﺳﺒﺐ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺸﻌﺮاء ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ‪ ،‬واﻟﺒﺤﺘﺮي ‪ ،‬واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ (‬ ‫‪7‬‬

‫‪6‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬ﺣﯿﺎة اﺑﻦ زﯾﺪون اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿــﺔ واﻟﺴﯿﺎﺳﯿـــــﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﯿــــﺔ‬ ‫‪8‬‬

‫‪13‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜـﺎً‪ :‬ﻃـــﺮق اﻻﺗﺼـــــــﺎل ﺑﯿــــﻦ اﻟﻤﺸــــــــــﺮق واﻷﻧـــــﺪﻟﺲ‬ ‫‪9‬‬

‫‪19‬‬ ‫راﺑﻌﺎً‪ :‬ﻗﻀـــــــﯿـــﺔ اﻟﺘـــــــﺄﺛــــــﺮ‬ ‫‪10‬‬

‫‪23‬‬ ‫ﺧﺎﻣﺴﺎً‪ :‬أﺑﻮ ﺗﻤــــﺎم واﻟﺒﺤﺘـــــﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒـــﻲ ﻓﻲ أدب اﺑﻦ زﯾﺪون‬ ‫‪11‬‬

‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪:‬أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ‬
‫‪12‬‬
‫ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻤﻀﻤﻮن‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ )أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ‪ ،‬واﻟﺒﺤﺘﺮي ‪ ،‬واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬
‫‪25‬‬ ‫‪13‬‬
‫( ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون‬

‫‪26‬‬ ‫أوﻻً ‪ :‬أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون‬ ‫‪14‬‬

‫‪31‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﺤﺘﺮي ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون‬ ‫‪15‬‬

‫‪42‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎً ‪ :‬أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون‬ ‫‪16‬‬

‫‪50‬‬ ‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ‪ ،‬واﻟﺒﺤﺘﺮي ‪ ،‬واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬ ‫‪17‬‬

‫‪54‬‬ ‫أوﻻً ‪ :‬ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم‬ ‫‪18‬‬

‫‪87‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺒﺤﺘﺮي‬ ‫‪19‬‬

‫‪104‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎً ‪ :‬ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬ ‫‪20‬‬

‫د‬
‫‪123‬‬ ‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬ﺗﻀﻤﯿﻦ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻷﺑﯿﺎت أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ‪ ،‬واﻟﺒﺤﺘﺮي ‪ ،‬واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬ ‫‪21‬‬

‫‪124‬‬ ‫أوﻻً ‪ :‬ﺗﻀﻤﯿﻦ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻷﺑﯿﺎت أﺑﻲ ﺗﻤﺎم‬ ‫‪22‬‬

‫‪125‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬ﺗﻀﻤﯿﻦ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻷﺑﯿﺎت واﻟﺒﺤﺘﺮي‬ ‫‪23‬‬

‫‪126‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎً ‪ :‬ﺗﻀﻤﯿﻦ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻷﺑﯿﺎت اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬ ‫‪24‬‬

‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ‬
‫‪25‬‬
‫ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺸﻜﻞ ‪:‬‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول ‪ :‬أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ‬
‫‪128‬‬ ‫‪26‬‬
‫ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﺼﯿﺪة‬

‫‪128‬‬ ‫أوﻻً ‪ :‬اﻟﻤﻄﻠــــــــــﻊ‬ ‫‪27‬‬

‫‪134‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬ﺣﺴـــــــﻦ اﻟﺘﺨﻠــــﺺ‬ ‫‪28‬‬

‫‪137‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎً ‪ :‬ﺧــﺎﺗﻤــــﺔ اﻟﻘﺼﯿــــــﺪة‬ ‫‪29‬‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ‬
‫‪140‬‬ ‫‪30‬‬
‫ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﺸﻌﺮي‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ‬
‫‪170‬‬ ‫‪31‬‬
‫ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺴﻨﺎت اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‬

‫‪170‬‬ ‫أوﻻً ‪ :‬اﻟﺠﻨـــــــــــــــﺎس‬ ‫‪32‬‬

‫‪175‬‬ ‫ﺛﺎﻧﯿﺎً ‪ :‬اﻟﻄﺒــــــــــﺎق‬ ‫‪33‬‬

‫‪177‬‬ ‫ﺛﺎﻟﺜﺎً ‪ :‬اﻟﺘﺼﺮﯾﻊ‬ ‫‪34‬‬

‫‪179‬‬ ‫راﺑﻌﺎً ‪ :‬اﻟﺘﺮﺻﯿﻊ‬ ‫‪32‬‬

‫‪183‬‬ ‫ﺧﺎﻣﺴﺎً ‪ :‬ﺣﺴﻦ اﻟﺘﻘﺴﯿﻢ‬ ‫‪33‬‬

‫‪189‬‬ ‫ﺧﺎﺗﻤﺔ اﻟﺒﺤﺚ‬ ‫‪34‬‬

‫‪193‬‬ ‫اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬ ‫‪35‬‬

‫د‬
‫المقــــــــدمة‬

‫الحمد لله ولي النعم ‪ ،‬الذي علم بالقلم ‪ ،‬علم اإلنسان ما لم يعلم ‪ ،‬وأسبغ عليه نعمه ظاهرة‬
‫وباطنة ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف الخلق سيدنا محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى‬
‫يوم الدين ‪ ،‬و بعد ؛‬

‫لقد عاش األدب العربي في أحضان األندلس نحو ثمانية قرون ‪ ،‬متأثرا ً بكل ما فيها من‬
‫مظاهر الحياة بجوانبها السياسية ‪ ،‬واالجتماعية ‪ ،‬والثقافية ‪ ،‬حيث جمعتهم وحدة الدين واللغة‬
‫والتراث ‪ ،‬وقد دلت الرحالت بين المشرق واألندلس ‪ ،‬ودخول المصنفات المشرقية إلى األندلس‬
‫في وقت مبكر على ذلك التواصل الثقافي بين المشرق والمغرب ‪.‬‬

‫وبوصول تلك المصنفات ‪ ،‬والدواوين إلى األندلس في وقت مبكر ‪ ،‬تلقفها األندلسيون دراسة‬
‫‪ ،‬وشرحا ً ‪ ،‬وتقليدا ً ‪ ،‬فحاكوهم واحتذوا حذوهم في شتى مجاالت المعرفة ‪ ،‬ومن ذلك الشعر الذي‬
‫ظهرت فيه التأثيرات المشرقية واضحة ‪ ،‬ساعين من وراء ذلك ‪ ،‬إلى المباهاة واالفتخار بأن‬
‫لديهم من الشعراء واألدباء من يفوق شعراء المشارقة وأدباءهم ‪ ،‬قال صاحب الجذوة ‪ " :‬سمعت‬
‫أبا محمد علي بن أحمد ‪ ،‬وكان عالما ً بنقد الشعر ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو لم يكن لنا من فحول الشعراء اإال‬
‫أحمد بن دراج لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي "‪1‬كما أطلقوا على شعرائهم كثيرا ً من األلقاب‬
‫المشرقية لتشابه أشعارهم ‪ ،‬فقالوا عن ابن خفاجة صنوبري األندلس ‪ ،‬وعن ابن زيدون بحتري‬
‫األندلس ‪ ،‬وعن حمدة بنت زياد خنساء األندلس ‪ ،‬وعن ابن دراج متنبي األندلس ‪ ،‬وقالوا عن‬
‫ابن دراج وابن هانئ إنهما نظيران لحبيب والمتنبي ‪ ،‬وإلى غير ذلك من الشعراء ‪.‬‬

‫يقتف آثار غيره من مشاهير‬


‫ِ‬ ‫وإذا كان ابن زيدون قد تسمى بالبحتري ‪ ،‬فهذا ال يعني أنه لم‬
‫شعراء العصر العباسي أمثال أبي تمام ‪ ،‬وأبي الطيب ‪ ،‬وإنما أخذ يحاكي الشعراء البارعين في‬
‫العصر العباسي ‪ ،‬ومن هنا آثرنا أن يكون موضوع دراستنا تحت هذا العنوان ـ أثر شعراء‬
‫العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر ابن زيدون ـ‬

‫وقد جاءت هذه الدراسة في تمهيد وفصلين ‪ ،‬وخاتمة ‪ ،‬خصص التمهيد لمناقشة سبب اختيار‬
‫الشعراء العباسيين ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) ‪ ،‬وتناول حياة ابن زيدون االجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية ‪ ،‬ودرس طرق االتصال بين المشرق واألندلس ‪ ،‬وذلك عن طريق الفتوحات‬

‫‪1‬ـ الحميدي ‪ ( ،‬أبو عبد الله محمد أبي النصر فتّوح بن عبد الله األزدي ) ‪ ،‬جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس ‪ ،‬الدار المصرية للتأليف‬
‫والترجمة ‪ ،‬إدارة إحياء التراث ‪ ، 1611 ،‬ص‪ 111‬ـ ‪ " . 111‬أبو محمد بن علي بن أحمد المعروف بابن حزم األندلسي " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫والرحالت ‪ ،‬كما ناقش قضية التأثر ‪ ،‬وتتبع المواضع التي أشار فيها ابن زيدون ألسماء أبي‬
‫تمام والبحتري والمتنبي في أدبه ‪.‬‬

‫وقد تناول الفصل األول ‪ :‬أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في‬
‫شعر ابن زيدون من حيث المضمون ‪ ،‬ويشمل ثالثة مباحث ‪ :‬تناول المبحث األول ‪ :‬أثر معاني‬
‫أبي تمام ‪ ،‬و البحتري ‪ ،‬والمتنبي في شعر ابن زيدون ‪ ،‬و عرض المبحث الثاني لمعارضة ابن‬
‫زيدون لقصائد أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪ ،‬وض ام المبحث الثالث تضمين ابن زيدون ألبيات‬
‫أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني ‪ :‬فعنون بأثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في‬
‫شعر ابن زيدون من حيث الشكل ‪ ،‬ويضم ثالثة مباحث ‪ :‬تتبع المبحث األول ‪ ،‬أثر شعراء‬
‫العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر ابن زيدون في بناء القصيدة ‪ ،‬وتناول‬
‫المبحث الثاني ‪ ،‬أثر شعراء العصر العباسي الثالثة في شعر ابن زيدون في المحسنات البديعية ‪،‬‬
‫وتناول المبحث الثالث ‪ ،‬أثر شعراء العصر العباسي الثالثة في شعر ابن زيدون في المعجم‬
‫الشعري ‪.‬‬

‫وقد اعت ُ ِمد في هذه الدراسة المنهج المقارن الذي يقوم على جمع المادة للكشف عن مدى أثر‬
‫شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون من الناحيتين المضمونية والشكلية ‪.‬‬

‫الدراسات السابقة ‪ :‬هناك بعض الدراسات السابقة ‪ ،‬أفاد منها الباحث ‪ ،‬أهمها ‪ :‬دراسة الدكتور‬
‫محمد ابن شريفة تحت عنوان " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " وكانت دراسته تدور‬
‫حول األسانيد والشروح واآلثار النقدية والمعارضات وغيرها من الموضوعات المتعلقة بأبي‬
‫تمام والمتنبي في األندلس والمغرب ‪ ،‬ومن الدراسات السابقة كذلك دراسة الباحث إبراهيم بن‬
‫موسى السهلي ( أثر شعراء المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ) ‪ ،‬ولعل هذه الدراسة ‪،‬‬
‫هي األقرب لموضوع بحثي ‪ ،‬وهي دراسة قيمة ‪ ،‬أفدت منها في بعض الجوانب ‪ ،‬حيث قسم‬
‫السهلي ‪ ،‬دراسته إلى خمسة فصول ‪ :‬درس في الفصل األول ‪ :‬عالقة األندلسيين بالمشرق ‪،‬‬
‫وفي الفصل الثاني ‪ :‬التأثر في غرض المديح ‪ ،‬وفي الفصل الثالث ‪ :‬التأثر في غرض الغزل ‪،‬‬
‫وفي الفصل الرابع ‪ :‬التأثر في شعر الطبيعة ‪ ،‬ودرس في الفصل الخامس ‪ :‬الخصائص الفنية‬
‫بين شعراء المحدثين العباسيين واألندلسيين ‪ ،‬فقد عالجت هذه الدراسة ‪ ،‬قضية التأثير والتأثر‬
‫بين المشرق واألندلس بصورة عامة ‪ ،‬ولم يقتصر في دراسته على نماذج معينة ؛ ولذلك حددت‬

‫‪2‬‬
‫في دراستي ثالثة شعراء عباسيين ‪ ،‬وشاعرا ً أندلسيا ً ‪ ،‬ودرست فيها ‪ :‬التأثر في المعاني ‪،‬‬
‫والمعارضات ‪ ،‬والتضمين ‪ ،‬وبناء القصيدة ‪ ،‬والمحسنات البديعية ‪.‬‬

‫أسباب اختيار الموضوع ‪ :‬لقد دعتني أسباب عديدة الختيار هذا الموضوع منها ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الرغبة في دراسة موضوع يدور في فلك التأثير والتأثر ‪ ،‬أو التضمين واالقتباس ‪ ،‬الذي‬
‫نجده واضحا ً جليا ً في أدب ابن زيدون ‪ ،‬فكانت تجول في فكري عدة موضوعات منها روافد‬
‫اإل بداع في شعر ابن زيدون ‪ ،‬المصادر الثقافية في رسائله ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬ومن ثم أقترح علي‬
‫( األستاذ الدكتور محمد فرج دغيم ) أن تكون الدراسة حول ( أثر شعر العصر العباسي في‬
‫شعر ابن زيدون ) ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ التسمية السائدة التي عرف بها ابن زيدون ‪ ،‬فقد عرف ابن زيدون عند معاصريه ببحتري‬
‫األندلس ألنه تأثر به وبمذهبه الشعري في سهولة األسلوب ‪ ،‬وروعة الموسيقى ‪ ،‬فالتساؤل الذي‬
‫يطرح ‪ ،‬هل تأثر ابن زيدون بالبحتري فقط أم تأثر بغيره من الشعراء ؟‬

‫‪ 3‬ـ محاولة كشف ظاهرة التأثير و التأثر بين الشعر العباسي والشعر األندلسي ‪ ،‬وكيف أفاد‬
‫الشاعر األندلسي من األدب العباسي ؟ وهل استطاع أن يحتفظ بشخصيته المتميزة في فنه‬
‫الشعري ‪ ،‬ومدى مساهمته في إثراء القصيدة العربية األندلسية ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ الرغبة األكيدة في المشاركة في ميدان الدراسات األندلسية ؛ لقلة الدراسات واألبحاث في‬
‫األدب األندلسي مقارنة بما حظي به المشرق من كثرةٍ في الدراسات ‪.‬‬

‫وأُرفِقَ ْ‬
‫ت هذه الدراسة بقائمة من المصادر والمراجع ‪ ،‬ت ام تقسيمها إلى أربع فقرات ‪ ،‬وهي‬
‫المصادر القديمة ‪ ،‬والمراجع الحديثة ‪ ،‬والرسائل الجامعية ‪ ،‬ثم البحوث والمجالت ‪.‬‬

‫ومهما قدمت هذه الدراسة من نتائج فهي ال تخلو من التقصير ‪ ،‬إذ الكمال لله وحده وما جاء‬
‫في هذه الدراسة من صواب فهو بتوفيق من الله ‪ ،‬والله ولي التوفيق ‪.‬‬

‫وفي النهاية ال يسعني إالا أن أتقدم بخالص شكري وامتناني إلى أستاذي ‪ ،‬األستاذ الدكتور‬
‫ي من نصائح غالية وتوجيهات سديدة ‪ ،‬فقد تعلمت منه الكثير‬
‫محمد فرج دغيم ‪ ،‬على ما قدمه إل ا‬
‫وما زلت أتعلم ‪ ،‬فأسأل الله أن يجزيه عني خير الجزاء ‪ ،‬واللهَ أسْأ ُل التوفيق والسداد ‪ ،‬فهو‬
‫ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫الباحث‬
‫‪1‬‬
‫أوالً ‪ :‬سبب اختيار الشعراء الثالثة‪" :‬أبي تمام و البحتري و المتنبي"‬
‫قارن بعض األدباء ‪ ،‬والنقاد بين هؤالء الشعراء العباسيين الذين برزوا في عصرهم ‪،‬‬
‫وفاقوا من سواهم شهرة ‪ ،‬وشعرا ً ‪ ،‬فوازن اآلمدي بين أبي تمام والبحتري ‪ ،‬وألف القاضي‬
‫الجرجاني كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه ‪ ،‬وقارن ابن األثير بين هؤالء الشعراء الثالثة‬
‫في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ‪ ،‬فرأى إنه لم يتميز أحد من هؤالء على قرينيه‬
‫ّ‬
‫وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فقال‪ ":‬وهؤالء هم الت الشعر‬
‫وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء ‪ ،‬وجمعت بين األمثال السائرة وحكمة‬
‫الحكماء"‪.1‬‬
‫فقد قال في أبي تمام ‪... " :‬أما أبو تمام فإنه ربُّ معان ‪ ،‬وصقيل ألباب و أذهان وقد شهد‬
‫يمش فيه على أَثر ‪ ...‬فمن حفظ شعر الرجل و كشف عن غامضه‬ ‫له بكل معنى مبتكر ‪ ،‬لم ِ‬
‫وراض فكره برائضه أطاعته أعناة الكالم ‪ ،‬وكان قوله في البالغة ما قالت حذام"‪. 2‬‬
‫وقال في البحتري ‪ " :‬وأ اما أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وأراد أن يشعر فغنى ‪ ،‬ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على اإلطالق"‬
‫وقال في المتنبي ‪ " :‬وأما أبو الطيب المتنبي فإنه أراد أن يسلك مسلك أبي تمام فقصرت‬
‫عنه خطاه ‪...‬لكنه حظي في شعره بالحكم واألمثال ‪ ،‬واختص باإلبداع في مواقف القتال"‪.4‬‬
‫وقد سئل أبو الطيب عن البحتري أبي تمام وعن نفسه فقال ‪ :‬أنا و أبو تمام حكيمان ‪ ،‬والشاعر‬
‫هو البحتري ‪ ، 5‬ولم ينت ِه المعري إلى هذا الحكم إالّ بعد أن خبر شعرهم خبرة عميقة ‪ ،‬وبعد أن‬
‫شرح دواوينهم شروحا ً مستقلة ‪ ،‬فأملى على شعر أبي تمام ذكرى الحبيب ‪ ،‬وأملى على شعر‬
‫البحتري عبث الوليد ‪ ،‬وعلى شعر المتنبي معجز أحمد ‪ .‬وقال ابن األثير‪ " :‬ولسائل ههنا يسأل‬
‫لما عدلت عن هؤالء الثالثة دون غيرهم؟ ‪ ،‬فأقول‪ :‬إني لم أعدل إليهم اتفاقا ‪ ،‬وإنما عدلت إليهم‬
‫نظرا ً واجتهاداً‪ ،‬وذلك إني وقفت على أشعار الشعراء قديمها و حديثها حتى لم أترك ديوانا ً‬
‫لشاعر مفلق يثبت شعره على المحك إال و عرضته على نظري ‪ ،‬فلم أجد أجمع من ديوان أبي‬
‫تمام و أبي الطيب المتنبي للمعاني الدقيقة ‪ ،‬و ال أكثر استخراجا ً منهما للطيف األغراض و‬
‫المقاصد ‪ ،‬و لم أجد تهذيبا ً لأللفاظ من أبي عبادة و ال أنقش ديباجة ‪ ،‬و ال أبهج سبكا ً ‪،‬فاخترت‬

‫‪1‬ـ ابن األثير ‪ ،‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ‪ ،‬تحقيق الدكتور أحمد الحوفي ‪ ،‬والدكتور بدوي طبانة ‪ ،‬دار نهضة مصر ـ‬
‫القاهرة ( د ـ ت ) ‪ 222/3 ،‬ـ ‪. 222‬‬
‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ المصدر نفسه والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬فهؤالء الشعراء عاشوا‬ ‫‪1‬‬
‫دواوينهم الشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني واأللفاظ"‬
‫أفضل حقبة ‪ ،‬وأزهى عصور األدب وهو العصر العباسي (‪ 133‬ــ ‪ ) 252‬هـ ‪ ،‬الحافل بشتى‬
‫التيارات الفكرية ‪ ،‬والعلمية ‪ ،‬واألدبية ‪ ،‬بل هو عصر النهضة واالزدهار في اآلداب العربية ‪،‬‬
‫وكانوا يمثلون ثالث مدارس مختلفة الرؤى تقريبا ً ‪ .‬فأبو تمام شاعر الصنعة ‪ ،‬والبحتري شاعر‬
‫الطبع والموسيقى ‪ ،‬والمتنبي شاعر الحكمة ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى أن هؤالء الشعراء العباسيين يمثلون حركة الشعر القديم المحدث ‪ ،‬وهي‬
‫حركة تزعمها أبو تمام والبحتري ‪ ،‬ووصلت غايتها ‪ ،‬وأوجها عند المتنبي ‪ ،‬وهو الوقت الذي‬
‫ظهر فيه شعر جدير بهذا االسم في األندلس ‪.2‬‬
‫وانطالقا ً من هذا التقديم الموجز لهؤالء الشعراء العباسيين ‪ ،‬سنبحث في مدى تأثر ابن‬
‫زيدون بهم ومدى ارتوائه من معينهم الجم ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق ص ‪. 226‬‬


‫‪ 2‬ـ ينظر ‪ ،‬هيكل ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪ ، 1692 ،‬ص ‪ . 161‬و جومث‬
‫‪ ،‬إميليو جارثيا ‪ ،‬الشعر األندلسي بحث في تطوره وخصائصه ‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪ ، 1616 ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪5‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬حياة ابن زيدون االجتماعية والثقافية والسياسية‬
‫أــ حياته االجتماعية ‪:‬‬
‫نسبه ومولده ‪ :‬هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي‬
‫‪ ،‬ولد بقرطبة سنة ‪ 493‬هـ لوالدين هو وحيدهما ‪ ،‬وهو سليل أسرة اشتهر أفرادها بالعلم‬
‫واألدب ‪ ،‬وكانت هذه األسرة تنتمي إلى أصل رفيع فهي تنتسب لمخزوم من قبيلة قريش ‪ ،‬وهي‬
‫من القبائل التي وفدت على األندلس ‪ ،‬وتوطنت في جهات قرطبة ‪.1‬‬
‫أسرته ‪ :‬أبوه ‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي ‪ ،‬كان فقيها ً ذا مكانة‬
‫علمية ‪ ،‬ودينية محترمة ‪ ،‬كما كان مستشارا ً لقاضي قرطبة ‪ ،‬اهتم هذا الفقيه بابنه الوحيد منذ‬
‫نعومة أظفاره ‪ ،‬فأحضر له األدباء ‪ ،‬والمثقفين ‪ ،‬ووصله بالعلماء والفقهاء من أصحابه ‪ ،‬حيث‬
‫كان هو نفسه أحد أساتذته ‪ ،‬إذ كان متفننا ً في ضروب العلم ‪ ،‬جم المعرفة باللغة واآلداب ‪ ،‬على‬
‫أن تلمذته له لم تطل ‪ ،‬فقد توفي وابنه في الحادية عشرة من عمره ‪ ،‬وذلك سنة ‪ 304‬هـ ‪ ،‬و‬
‫بعد ذلك كفله جده ألمه القاضي أبو بكر محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي ‪ ،‬فأخذ عن جده هذا‬
‫أيضا شيئا من العلم ‪ ،‬و قد كان من شيوخه ‪ :‬الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن عبد الله بن‬
‫ذكوان و أبو بكر مسلم بن أحمد القرطبي النحوي‪.2‬‬
‫أمه ‪ :‬لم تذكر ـ حسب علمي ـ كتب األدب والتاريخ شيئا ً عن حياتها ‪ ،‬ولكن يبدو " أنها‬
‫عاشت حتى سنة ‪ 324‬هـ وهي السنة التي فر فيها ابن زيدون من سجنه ‪ ،‬حيث خاطبها في‬
‫سجنه أثناء زيارتها له " ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬
‫ألم ت ُ ِر ِك األياا ُم نجما ً هوى قَب ِلـــــــــي ؟‬ ‫مالك والــها ً‬
‫ِ‬ ‫األجفان‬
‫ِ‬ ‫أَمــــــقتولة‬
‫مضض الثُّكـ ِل‬
‫ِ‬ ‫طوت باألسى كشحا ً على‬
‫ْ‬ ‫أقلّي بُكا ًء ‪ ،‬لس ِ‬
‫ت اأو َل حــــ ّر ٍة‬ ‫ِ‬
‫‪3‬‬
‫إلى الي ِ ّم في التابوت فاعتبري واســـــلي‬ ‫وفي أم موسى عبرة ٌ إذ رمت به‬
‫وذكرها مرة أخرى في إحدى رسائله ‪ ،‬فقال ‪ ... " :‬وقد هجرت الديار التي هي ظئري ‪،‬‬
‫واألرض التي هي مهادي ‪ ،‬وغبت عن أم أنا واحدها ‪ ،‬تمتد أنفاسها شوقا ً إل ا‬
‫ي ‪ ،‬وتغص أجفانها‬
‫حزنا ً عل ا‬
‫ي ‪ ،‬والله يرى بكاءها ‪ ،‬ويسمع لي على من ظلم نداءها "‪.4‬‬

‫‪ 1‬ـ ينظر ‪ ،‬الصفدي ‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك ‪ ،‬الوافي بالوفيات ‪ ،‬تحقيق أحمد األرناؤوط ـ و تركي مصطفى ‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2222 ،‬الجزء السابع ‪ ،‬ص ‪ . 51‬وينظر ـ أيضا ً ـ كتابه تمام المتون في شرح رسالة ابن‬
‫زيدون ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1616 ،‬ص ‪. 1‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد العظيم ‪ ،‬علي ‪ ،‬ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬ط ‪ ، 1655 /‬ص ‪ 69‬ــ ‪. 119‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬شرح وتحقيق علي عبد العظيم ‪ ،‬نهضة مصر ‪ ، 1659 ،‬ص‪ ، 211‬فالشاعر في هذه األبيات يناجي أمه‬
‫على كثب ‪ ،‬ويناشدها بأن تتحلّى بالصبر ‪ ،‬وتتأسّى بما أصاب أم موسى عليه السالم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن بسام ‪ ،‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪ ،‬دار الثقافة ـ بيروت ‪ ،‬ط ‪. 119 / 1 ، 1669 /‬‬
‫‪1‬‬
‫أبناؤه ‪ :‬البن زيدون ٌ‬
‫ابن يكنى بأبي بكر ‪ ،‬وقد تقلد وزارة المعتمد بن عباد بعد أبيه ‪ ،‬وكان قد‬
‫انتقم ألبيه من ذي الوزارتين ـ ابن عمارـ منافس ابن زيدون في دولة بني عباد ‪ ،‬وقد قتل أبو‬
‫بكر عندما استولى يوسف بن تاشفين على قرطبة سنة ‪ 383‬هـ ‪ .1‬والبن زيدون بنت ماتت‬
‫صغيرة ‪ ،‬فوقف ابن زيدون الستقبال المعزين ‪ ،‬وكان رغم حرج الموقف يرد على كل ٍ ّ‬
‫معز‬
‫بعبارة ‪ " 2‬فما سمع يجيب أحدا ً بما أجاب غيره ؛ لحضور جنانه و سعة ميدانه " ‪.3‬‬
‫أحفاده ‪ :‬قتل أبو بكر وترك ولدين هما ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أبو الوليد أحمد بن زيدون سمي الشاعر ‪ ،‬وهو صاحب كتاب في التاريخ عنوانه ( التبيين‬
‫في خلفاء بني أمية باألندلس ) نحا فيه منحى المسعودي في كتابه (التعيين في خلفاء المشرق ) ‪،‬‬
‫وقد أخطأ الباحثون ـ حسب ما قاله الدكتور جمعة شيخة ـ عندما نسبوا هذا الكتاب للشاعر الجد‬
‫‪ ،‬بينما هو لحفيده وسميه ‪.4‬‬
‫‪ 2‬ـ زيدون وهو االبن الثاني ألبي بكر ‪ ،‬ذكر بمناسبة إمالء أخيه عليه كتاب التبيين ‪.5‬‬
‫صفاته ‪ :‬وصف ابن زيدون بأنه فتى اآلداب وعمدة الظرف ‪ ،‬ذو األبوة النبيهة ‪ ،‬والوسامة ‪،‬‬
‫والدراية ‪ ،‬وقوة العارضة ‪ ،‬واالفتنان في المعرفة‪ ، 6‬قال عنه ابن بسام ‪ " :‬فأما سعة ذرعه ‪،‬‬
‫وتدفق طبعه ‪ ،‬وغزارة بيانه ‪ ،‬ورقة حاشية لسانه ‪ ،‬فالصبح الذي ال ينكر وال يرد ‪ ،‬والرمل‬
‫‪ ،‬و قال الصفدي ‪ :‬و" هذا من التوسع في العبارة ‪ ،‬والقدرة على‬ ‫‪7‬‬
‫الذي ال يحصر وال يعد "‬
‫التفنن في أساليب الكالم ‪ ،‬وهو أمر صعبٌ للغاية وأقل من كان في تلك الجنازة ـ وهو وزير ـ‬
‫ألف رئيس ممن يتعين عليه أن يشكر له ‪ ،‬فيحتاج إلى ألف عبارة للشكر ‪ ،‬وهو كثير السيما من‬
‫محزون مثله " ‪. 8‬‬
‫صة حبه‬ ‫حبه لوالدة ‪ :‬أحب ابن زيدون ـ أيام شبابه ـ األميرة والدة بنت المستكفي بالله ‪ ،‬و ّ‬
‫إن ق ّ‬
‫لها تعد واحدة من أجمل قصص الحب في تاريخ األندلس وفي تاريخ األدب العربي بصفة عامة‬
‫وقد اشتهرت والدة بجمالها ‪ ،‬وثقافتها العالية ‪ ،‬وكان لها مجلس بقرطبة يجتمع فيه أشهر‬
‫المثقفين والشعراء واألدباء‪ .‬وكان ابن زيدون من أولئك األدباء الذين يترددون على مجالسها‬
‫األدبية ‪ ،‬يقول ابن بسام ‪ " :‬وكانت من نساء أهل زمانها واحدة أقرانها ‪ ،‬حضور شاهد وحرارة‬

‫‪1‬ـ ينظر ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 116 / 1 ،‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ينظر ‪ ،‬شيخة ‪ ،‬جمعة ‪ ،‬عصر ابن زيدون ‪ ،،‬مؤسسة البابطين ‪ ،‬الكويت ‪ ، 2221 ،‬ص‪ . 221‬وكان المقري قد نسب هذا الكتاب البن‬
‫زيدون الجد ‪ .‬ينظر ‪ :‬المقري ‪ ،‬أحمد بن محمد ‪ ،‬نفح الطيب في غصن األندلس الرطيب ‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪ ،‬دار صادر ـ بيروت ‪،‬‬
‫‪ ، 1699‬ج‪. 192/ 1‬‬
‫‪5‬ـ شيخة ‪ ،‬جمعة ‪ ،‬عصر ابن زيدون ‪ ،‬ص‪. 221‬‬
‫‪ 6‬ـ ينظر الذخيرة ‪119 / 1 ،‬‬
‫‪7‬ـ المرجع نفسه ‪. 116 / 1 ،‬‬
‫‪ 8‬ـ المقري ‪ ،‬نفح الطيب في غصن األندلس الرطيب ‪ ،‬ج‪.515/ 1‬‬
‫‪9‬‬
‫أوابد ‪ ،‬وحسن منظر ومخبر ‪ ،‬وحالوة مورد ومصدر ‪ ،‬وكان مجلسها بقرطبة منتدى ألحرار‬
‫المصر ‪ ،‬وفناؤها ملعبا ً لجياد النظم والنثر ‪ ،‬يعشو أهل األدب إلى ضياء غرتها ‪ ،‬ويتهالك أفراد‬
‫الشعراء والكتاب على حالوة عشرتها إلى سهولة حجابها وكثرة منتابها ‪ ،‬وتخلط ذلك بعلو‬
‫نصاب ‪ ،‬وكرم أنساب ‪ ،‬وطهارة أثواب "‪ ، 1‬وقد نظم ابن زيدون فيها كل غزلياته ‪ ،‬ولم يعرف‬
‫ي‪:‬‬
‫أنه أحب سواها ‪ ،‬وقد وصف أول لقاء لهما بقوله ‪ " :‬فلما قدر اللقاء وساعد القضاء كتبت إل ا‬
‫فإ ِنّي رأيـــــتُ الالي َل أكتم لل ِ ّ‬
‫سر‬ ‫جن ا‬
‫الظال ُم زيارتـِـي‬ ‫ت َرقــاــــبْ إذا ا‬
‫وبالالي ِل ما أ ْد َجى وبالناجْ ِم لم يس ِْر‬ ‫وبِي منك ما لو كان بالبد ِْر ما بـــدا‬
‫فلما طوى النهار كافوره ‪ ،‬ونشر الليل عنبره ‪ ،‬أقبلت بقد كالقضيب ‪ ،‬وردف كالكثيب ‪... ،‬‬
‫فلما انفصلت عنا صباحا ً أنشدتها ارتياحا ً ‪:‬‬
‫ع ْك‬
‫ذائِ ٌع من ِس ِ ّره ما ا ْست َ ْو َد َ‬ ‫ع ْك‬
‫صب َْر ُمحبٌّ و اد َ‬ ‫و اد َ‬
‫ع ال ا‬
‫يكن زا َد في تِلكَ ال ُخطا إ ْذ شياعَ ْك‬
‫أن لم ْ‬
‫س ان على ْ‬
‫يقرعُ ال ّ‬
‫وتتابعت اللقاءات في حدائق قرطبة الظليلة أوقاتا ً هنيئة ‪ ،‬وحدث أن افترقا إلى حين ‪،‬‬
‫فكتبت إليه تقول ‪:‬‬
‫صبّ ٍ ِبما لَ ِقي ؟‬
‫سبي ٌل ؛ في ْش ُكو ُك ُّل َ‬
‫َ‬ ‫َـــــل لَنَا ِم ْن َب ْعــ ِد هَــــذَا التافَ ُّر ِ‬
‫ق‬ ‫أالَ ه ْ‬
‫ق‬
‫ق ُمحْ ِر ِ‬ ‫أ ِبيْتُ على ج ْم ٍر ِمنَ ال ا‬
‫شو ِ‬ ‫شتا ـ‬ ‫اور في ال ِ ّ‬ ‫َو َق ْد ُكنتُ ـ ْأوقاتَ التازَ ِ‬
‫فأجابها بقوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫فر ِ‬‫ااك من أجْ ِل الناوى والت ا ُّ‬ ‫ُم َحي ِ‬ ‫ل َحا اللهُ يومـا ً لَ ْستُ فيه ِب ُملت َـــــ ٍ‬
‫ق‬
‫ق؟‬‫ـــؤر ِ‬
‫ب ال ُم ا‬‫ور ِل ْل َكئي ِ‬
‫ـر ٍ‬
‫س ُ‬
‫ي ُ‬‫َوأ ّ ُّ‬ ‫س ار ٍة ؟‬
‫يش دُونَ َم َ‬
‫يب ال َع ُ‬
‫وكيف َي ِط ُ‬
‫َ‬
‫وعادا إلى اللقاء ولكن والدة لم تلبث أن تغيرت فتمنعت عليه وهجرته ‪ ،‬وال أحد يدري‬
‫سبب هذه القطيعة ‪ ،‬ولكن ابن بسام أشار إلى أن ابن زيدون قد طلب من ( عتبة ) أن تعيد‬
‫صوتا ً غنته ‪ ،‬فغضبت والدة غضبا ً شديدا ً إذ ظنت أنه يغازلها وسرعان ما أنشدت ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫جاريتِي ولـم تتـــخي ِار‬
‫َهو ِ‬
‫لم ت َ‬ ‫نصف في الهوى ما بيننا‬ ‫ُ‬ ‫لو كنتَ ت ُ‬
‫يثم ِر‬ ‫و َجنَحْتَ للغُ ِ‬
‫صن الذي لم ِ‬ ‫غصــــنا ً ُمثْ ِمرا ً بجـــما ِل ِه‬
‫وتركتَ ُ‬
‫ولكن ُدهِيتَ ل ِش ْقوتِي بالمشتري‬
‫ْ‬ ‫ولقــد علِمتَ بأناــنِي بـ َ ُ‬
‫ـــدر السما‬
‫وقد نافسه في حبها الوزير ابن عبدوس قال الصفدي ‪ " :‬وكانت والدة أوالً تهوى ابن زيدون‬
‫ثم مالت عنه إلى الوزير ابن عبدوس ‪ ،‬وكان يلقب بالفار ‪ ،‬فقال ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ الذخيرة ‪. 126 / 1 ،‬‬


‫‪2‬ـ الذخيرة ‪ 112 / 1،‬ـ ‪ . 112‬وكذلك ينظر ديوان ابن زيدون ‪ :‬ص ‪. 191 ، 119 ، 11‬‬
‫‪9‬‬
‫‪1‬‬
‫ار"‬ ‫ا‬
‫وعط ِ‬ ‫طار‬ ‫لو فَ ارقَ ْ‬
‫ت بين بَ ْي ٍ‬ ‫أ ْك ِر ْم بِ َوالادةٍ ذُ ْخرا ً ِل ُمد ِاخ ٍر‬
‫إلى أن قال ‪:‬‬
‫طايِبِ ِه بَ ْعضا ً ‪ ،‬وبَ ْعضا ً َ‬
‫صفَحْ نَا عنه ِللفَ ِ‬
‫ار‬ ‫ص ْبنَا من أ َ‬
‫يأ َ‬ ‫أ َ ْك ٌل َ‬
‫ش ِه ٌ‬
‫وقد كتب إليه على لسان والدة ‪ ،‬رسالته الهزلية ساخرا ً منه ‪ ،‬واصفا ً إياه بأقبح النعوت ‪،‬‬
‫قائالً له ‪ " :‬أيها المصاب بعقله المورط بجهله ‪ ،‬البين سقطه ‪ ،‬الفاحش غلطه ‪ ،‬العاثر في ذيل‬
‫اغتراره‪ ، 2"...‬ولعل هذه الرسالة أحد األسباب التي سجن على إثرها ‪.‬‬
‫ب ــ حياته الثقافية ‪:‬‬
‫آثاره وأدبه‪ :‬قال ابن بسام ‪ " :‬كان أبو الوليد صاحب منثور ومنظوم ‪ ،‬وخاتمة شعراء مخزوم‬
‫‪ ،‬أح ُد من جر األيام جرا ً ‪ ،‬وفاق األنام طرا ً ‪ ،‬وصرف السلطان نفعا ً وضرا ً ‪ ،‬ووسع البيان نظما ً‬
‫ونثرا‪ ،‬إلى أدب ليس للبحر تدفقه ‪ ،‬وال للبدر تألقه ‪ ،‬وشعر ليس للسحر بيانه ‪ ،‬وال للنجوم الزهر‬
‫‪3‬‬
‫اقترانه ‪ ،‬وحظ من النثر غريب المباني ‪ ،‬شعري األلفاظ والمعاني "‬
‫‪ 1‬ـ شعره ‪ ،‬البن زيدون ديوان شعر مطبوع ‪ ،‬يحوي العديد من األغراض تنوعت بين الغزل‪،‬‬
‫والمديح ‪ ،‬و اإلخوانيات ‪ ،‬والرثاء ‪ ،‬والوصف ‪ ،‬والخمريات ‪ ،‬والحنين إلى الوطن ‪،‬‬
‫والمطيّرات‪ ،4‬والهجاء ‪ ،‬والعتاب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نثره‪ ،‬ويتمثل في رسائله التي من أشهرها ‪ ،‬الرسالة الهزلية التي بعثها إلى الوزير ابن‬
‫عبدوس منافسه في حب والدة ساخرا ً منه ‪ ،‬وقد شرحها ابن نباته في كتابه ( سرح العيون في‬
‫شرح رسالة ابن زيدون ) ‪ ،‬والرسالة الجدية التي بعث بها إلى أبي الحزم بن جهور مستعطفا ً ‪،‬‬
‫وطالبا ً عف وه ‪ ،‬وقد شرحها الصفدي في كتابه ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ) ‪ ،‬وله‬
‫رسائل أخرى ‪ ،‬منها رسالة بعث بها إلى أستاذه أبي بكر مسلم بن أحمد ‪ ،‬بعد فراره من السجن‬
‫راجيا ً منه أن يبذل شفاعته لدى أبي الحزم بن جهور ‪ ،‬وهذه الرسالة هي أقوى رسائله جميعا ً‬
‫من الناحية الفنية ‪ .5‬وله رسالة بعث بها إلى المظفر بن األفطس ‪ ،‬ورسالة بعث بها إلى أبي‬
‫عامر بن مسلمة ‪ ،‬وله رسالتان بعث بهما إلى المعتضد‪.6‬‬

‫‪1‬ـ تمام المتون ‪ ،‬ص ‪ ، . 12‬واألبيات في ديوان ابن زيدون ص ‪ ، 161‬البيطار ‪ :‬طبيب الدواب ‪ .‬العطار ‪ :‬تاجر العطر ‪.‬الفار ‪ :‬لقب‬
‫البن عبدوس ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ابن نباته ‪ ،‬المصري ‪ ،‬سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ت محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ 1611،‬ص‪ 1‬ـ ‪. 6‬‬
‫‪3‬ـ الذخيرة ‪. 111 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬ـ المطيرات ‪ :‬نوع من المطارحات الشعرية ينهض على األحاجي واأللغاز وتدور كلها على أسماء الطيور ‪ ،‬ولكل طائر حرف يرمز‬
‫إليه وقد تتغير الرموز بتغير القصائد ‪ .‬وقد دارت هذه المطارحات بين الشاعر والمعتمد بن عباد إالَّ مطارحة واحدة دارت بين الشاعر‬
‫وأبي طالب بن مكي ‪.‬‬
‫‪5‬ـ عبد العظيم ‪ ،‬علي ‪ ،‬ابن زيدون عصره ـ حياته ـ وأدبه ‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪6‬ـ الذخيرة ‪ 169 / 1 ،‬ـ ‪. 119‬‬
‫‪6‬‬
‫والبن زيدون نثر وصفي تناثر بين ثنايا الكتب ‪ ،‬منه ما جاء في الذخيرة " كنت في أيام‬
‫الشباب ‪ ،‬وغرة التصابي ‪ ،‬هائما ً بغادة تدعى والدة "‪ ، 1‬إلى غير ذلك من النثر ‪.‬‬
‫ج ــ حياته السياسية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ في بالط أبي الحزم بن جهور‪ :‬كان ابن زيدون من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ‪ ،‬وقد‬
‫أسهم بدور رئيس في " نشأة الدولة ال َج ْه َو ِريّة "‪2‬بزعامة ابن جهور‪ ،‬وإن لم يشارك في ذلك‬
‫بالسيف والقتال ‪ ،‬إال أنه شارك بدور رئيس في توجيه السياسة وتحريك الجماهير‪ ،‬وذلك‬
‫شاعرا ذائع الصيت ‪ ،‬وأحد أعالم قرطبة ومن أبرز أدبائها المعروفين ‪ ،‬فسخر جاهه‬
‫ً‬ ‫باعتباره‬
‫وثراءه وبيانه في التأثير على الناس ‪ ،‬ولما ولي أبو الوليد األمر بعد أبيه قدمه في الذين‬
‫أصطنعهم لدولته وأوسع راتبه‪ ، 3‬وقد اقترب ابن زيدون من والدة بنت المستكفي وتولدت بينهما‬
‫عالقة حب وهيام ‪ " ،‬وأصبح ابن زيدون يلعب في مسرحين ال يخلوان من مزالق ومخاطر ‪:‬‬
‫مسرح الحب والشعر في مجلس والدة ومسرح المناورات السياسية في مجلس أبي الحزم ‪ .‬و ال‬
‫يخلو القصران من نقمة الحاسدين ودسائس المناوئين ‪ ،‬خاصة إذا اختلطت األهداف وتضاربت‬
‫المصالح بين المتنافسين والالعبين"‪ ، 4‬الذين أوقعوا بينه ‪ ،‬وبين ابن جهور ‪ ،‬حتى وصل به‬
‫األمر إلى السجن ‪ ،‬وقد حاول ابن زيدون جاهدا ً أن يبرئ نفسه مما نسب إليه ‪ ،‬فكان مثاله مثال‬
‫الذئب الذي اتهم زورا ً وبهتانا ً بدم يوسف عليه السالم ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ب و ُكنتُ الذيبا‬ ‫أسبَا َ‬
‫ط يعقُو ٍ‬ ‫كان الوشاة ُـ وقد ُمنِيتُ بإف ِك ِه ْم ـ‬
‫ويبدو أنه ‪ ،‬قضى في سجنه ما يقارب خمسمائة يوم ‪ ،‬وقد أفصح عن هذه المدة مرتين‬
‫المرة األولى ‪ :‬في قصيدته التي نظمها في أواخر أيام سجنه ‪ ،‬مادحا ً ومستعطفا ً بها أبا الحزم بن‬
‫جهور‪ ،‬يقول فيها ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫أليم‬
‫ب ٍ‬ ‫؟ ناهيكَ من عذا ٍ‬ ‫األيام‬
‫ِ‬ ‫أَفَ َ‬
‫ص ْب ٌر ِمئِينَ خمسا ً من‬
‫والمرة الثانية ‪ :‬في قصيدته التي قالها عقب فراره من السجن ‪ ،‬يتر ّجى بها صديقه أبا بكر بن‬
‫مسلم أن يشفع له عند أبي الحزم بن جهور ‪ ،‬والتي يقول فيها ‪:‬‬
‫‪7‬‬ ‫ش ٌّد والَ قَ ْم ُ‬
‫ط‬ ‫أ ِسيْراً؛ ْ‬
‫وإن لَ ْم يَ ْب ُد َ‬ ‫س قَ َ‬
‫ط ْعت ُ َها‬ ‫ِم ٌ‬
‫ئين مِنَ األي ِاام خ َْم ٌ‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 112‬‬


‫‪2‬ـ ابن خاقان ‪ ،‬أبي نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي اإلشبيلي‪ ،‬قالئد العقيان ومحاسن األعيان‪ ،‬تحقيق حسين يوسف خربوش ‪،‬‬
‫مكتبة المنار‪ ،‬ط‪226 / 1 ، 1696 1/‬‬
‫‪ 3‬ـ الذخيرة ‪. 119 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 112‬منيتُ ‪ :‬ابتليت ‪ ،‬اإلفك ‪ :‬الكذب ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬
‫ط ‪ :‬ربط يدي األسير ورجليه ‪.‬‬ ‫‪7‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 296‬القَ ْم ُ‬
‫‪12‬‬
‫قد نظم الشاعر خالل فترة السجن " عدة قصائد جميلة تغلب عليها رنة االستعطاف‬
‫والحنين والعتاب منها هذه القصيدة التي نقرأ فيها هذه األبيات فنعلم أن بياض الشيب قد وخط‬
‫عارضيه قبل أن يخلع برد الشباب وقبل أن يبلغ ثالثين ربيعا ً ‪ ، 1‬فيقول ‪:‬‬
‫يـــان الاذي يُ ْنبِي عن الخ ِ‬
‫َــبر‬ ‫ض ال ِع ِ‬
‫َمحْ ُ‬ ‫َم ْن يَسْأ ِل النا َ‬
‫اس عن حا ِلي فَشَا ِهدُها‬
‫‪2‬‬

‫عر‬
‫ش ِ‬‫عارض ال ا‬
‫ِ‬ ‫ب اعتلى في‬
‫بَرقَ المشي ِ‬ ‫بـــــرة ٌ وأرى‬
‫َ‬ ‫لم تط ِو بُر َد شبابي َك‬
‫َير ُمهت َصــ َ ِر‬ ‫ٌ‬
‫صــــــن غ ُ‬ ‫شبيبـــة ُ‬
‫غ‬ ‫ولل ّ‬ ‫صبا َكثَــــب ٌ‬‫قب َل الثّالثين إذ عه ُد ال ِ ّ‬
‫يكتف ُ‬
‫ابن زيدون باستعطاف قلب ابن جهور بأشعاره فحسب ؛ بل أرسل إليه‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬
‫رسالته الجدية ولكن هيهات لم تجد توسالته نفعا ً ‪ ،‬بل ازداد أبو الحزم بن جهور إعراضا ً‬
‫وصدودا ً ‪ ،‬فكأن في أذنيه وقرا ً مما يقول ‪ ،‬فاشتدت محنته ‪ ،‬وازداد ألمه ‪ ،‬فذهب يقول ‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫ُ‬
‫ــــجن منهُ ثوابِي‬‫س‬‫زمنا ً فكان ال ِ ّ‬ ‫بمدحـــ ِه‬
‫ِ‬ ‫زير وقد قَ َ‬
‫طعــــتُ‬ ‫قُ ْل َ‬
‫للو ِ‬
‫هكذا فشلت توسالت ابن زيدون في استعطاف األمير حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى‬
‫إشبيلية ‪ ،‬فلقي الشاعر بإشبيلية " صدرا ً رحبا ً حيث أدناه المعتضد منه وقربه إليه وغمره بعطفه‬
‫‪ .‬ولكن نفس الشاعر كانت تجذبه إلى قرطبة موطن صباه ومسرح هواه "‪ ، 4‬فاستخفى‬
‫بضاحيتها الزهراء ‪ ،‬وبعث إلى أستاذه أبي بكر مسلم بن أحمد ‪ ،‬برسالة راجيا ً منه أن يبذل‬
‫تمض‬
‫ِ‬ ‫شفاعته لدى أبي الحزم بن جهور‪ ،‬فما لبث األمير أن عفا عنه ‪ ،‬فعاد إلى قرطبة ‪ ،‬ولم‬
‫بضعة أشهر حتى توفي األمير‪ ،‬وتولى ابنه أبو الوليد بن جهور ـ صديق الشاعر الحميم ـ الحكم‬
‫فبدأت حينها صفحة جديدة من حياة الشاعر‪ ،‬ينعم فيها بالحرية والحظوة والمكانة الرفيعة ‪.‬ولكن‬
‫خصوم الشاعر ومنافسيه لم يكفوا عن مالحقته بالوشايات والفتن والدسائس حتى اضطر ـ في‬
‫النهاية ـ إلى مغادرة قرطبة إلى إشبيلية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في بالط بني عباد ‪ :‬في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة انتقل ابن زيدون عن قرطبة إلى‬
‫المعتضد صاحب إشبيلية ؛ فاحتفى به احتفا ًء رائعا ً وجعله من خواصه وجلسائه ‪ ،‬و واله‬
‫الوزارة‪ ، 5‬وقد أسبغ الشاعر على أميره أروع المدائح التي تذكرنا بمدائح المتنبي في سيف‬
‫الدولة الحمداني ‪ ،‬ومن أشهر مدائحه في المعتضد قصيدته التي مطلعها ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫ف‬
‫الوقف بالجزعِ مو ِق ُ‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫لنا هل ِلذا ِ‬ ‫ف‬
‫رف ُمعَ ِ ّر ُ‬
‫ع ٌ‬‫الريحِ َ‬
‫نسيم ّ‬
‫ِ‬ ‫أ َ َما في‬

‫‪ 1‬ـ الركابي ‪ ،‬جودت ‪ ،‬في األدب األندلسي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪، 1695 ،‬ص ‪ 191‬ـ ‪. 199‬‬
‫‪2‬ـ ديوانه ‪ ،‬ص ‪ ، 251 ، 251‬كثب ‪ :‬قريب ‪ ،‬غصن غير مهتصر ‪ :‬غير مكسور ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوانه ‪ ،‬ص‪. 561‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ينظر ‪ ،‬الذخيرة ‪ ، 116 / 1 ،‬والصفدي ‪ ،‬الوافي بالوفيات ‪. 51 / 9 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوانه ‪ ،‬ص‪ ، 196‬العرف ‪ :‬الريح الطيبة ‪ ،‬الوقف ‪ :‬سوار من العاج ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫" وقد بقي ابن زيدون وزير المعتضد وشاعره المفضل إلى أن توفي سنة ‪421‬هـ ‪ ،‬فلما‬
‫تولى الملك ابنه المعتمد حظي الشاعر بالمكانة نفسها التي كان يتمتع بها عند أبيه "‪ ، 1‬فكان‬
‫المعتمد تربطه بابن زيدون أوثق صالت المودة واأللفة والصداقة‪ ،‬وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه‬
‫طوال عشرين عا ًما‪ ،‬وكان بينهما كثير من المطارحات الشعرية العذبة التي تكشف عن ود‬
‫غامر وصداقة وطيدة ‪ ،‬وقد حاول أعداء الشاعر ومنافسوه أن يوقعوا بينه وبين األمير الجديد‪،‬‬
‫وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى المعتمد العرش خلفًا ألبيه‪ ،‬فدسوا إليه قصائد‬
‫يغرونه بالفتك بالشاعر‪ ،‬ويدعون أنه فرح بموت المعتضد‪ ،‬ولكن األمير أدرك المؤامرة‪،‬‬
‫فزجرهم وعنفهم‪ ،2‬حيث حفظ " الشاعر لمليكه هذا الموقف النبيل فمدحه بقصيدة عرض فيها‬
‫بحساده ونعتهم بالبغاة ومطلعها ‪:‬‬

‫يُعطي اعتباري ما جهلتُ فأعل ُم‬ ‫ّهر ــ إن أملى ــ فصي ٌح أعجم ُ‬


‫الد ُ‬
‫‪3‬‬
‫ساوى لديه الشهد منها العـــلق ُم "‬ ‫قدرهـــا‬ ‫َ‬
‫الحـوادث َ‬ ‫إن الّذي قَ َد َر‬

‫إلى غير ذلك من المدائح الكثيرة التي مألت ديوانه ‪ ،‬هكذا كانت حياة الشاعر في ظالل‬
‫المعتمد " مفعمة بالمسرة والهناءة "‪ 4‬ولم تستطع هذه المسرة والهناءة " أن تنسيه قرطبة أو أن‬
‫تحد من شوقه إليها ‪ ،‬ولعل الشاعر كان يغري مليكه باالستيالء عليها ‪ ،‬وفي سنة ‪ 264‬هـ هاجم‬
‫المأمون بن ذي النون ملك طليطلة قرطبة رغبة منه في احتاللها فاستنجد ملكها أبو الوليد ابن‬
‫جهور بالمعتمد فأرسل إليه جيشا ً بقيادة أحد أبنائه ‪ ،‬فانسحب جيش المأمون ‪ ،‬و نزل جيش بني‬
‫عباد في ضاحية المدينة وأخذ يتصل بأهل قرطبة حتى ثار هؤالء على ابن جهور واستولى‬
‫الجيش اإلشبيلي على قرطبة ونادى أهلها بالمعتمد ملكا ً عليها "‪ 5‬هكذا عاد الشاعر إلى قرطبة‬
‫مع المعتمد قرير العين و كان الشاعر عند ظن أميره به‪ ،‬فبذل جهده في خدمته‪ ،‬وأخلص له‪،‬‬
‫فكان خير عون له في فتح قرطبة ‪ ،‬ثم وقعت الفتنة في إشبيلية ‪ ،‬فسعى المعتمد إلخمادها‬
‫بتسيير جيش ضخم بقيادة أحد أبنائه ‪ ،‬وأمر ابن زيدون أن يسافر مع الجيش ‪ ،‬لما كان يعهده فيه‬
‫من ذكاء وفطنة ‪ ،‬وما كان يعرفه من حب أهل إشبيلية له ‪ ،‬فنجح الجيش في اخماد الفتنة هناك ؛‬

‫‪ 1‬ـ الركابي ‪ ،‬في األدب األندلسي ‪. 195 ،‬‬


‫‪2‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ 195‬ـ ‪. 191‬‬
‫‪3‬ـ المرجع نفسه ص ‪ . 191‬واالبيات في ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬االعتبار ‪ :‬االتعاظ أو القياس العقلي ‪.‬‬
‫‪4‬ـ في األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪5‬ـ المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪12‬‬
‫ّإال ّ‬
‫أن ابن زيدون قد أصابه المرض وأوهنته الشيخوخة‪ ،‬فما لبث أن توفي بعد أن أت ّم مهمته في‬
‫‪1‬‬
‫الخامس عشر من رجب سنة ‪ 423‬هـ عن عمر بلغ نحو ثمانية وستين عا ًما‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪:‬طرق االتصال بين المشرق واألندلس‬


‫‪ ،‬فدخلها اإلسالم‬ ‫‪2‬‬
‫أ ـ الفتوحات ‪ :‬فتح المسلمون األندلس سنه ‪ 22‬هـ بقيادة طارق بن زياد‬
‫و انتشر " بسرعة فائقة بين سكان الجزيرة ‪ ،‬ولعل من أسباب ذلك أن األرقاء كانوا يرزحون‬
‫تحت نير األشراف في العهد القوطي ‪ ،‬قد وجدوا اإلسالم طريقهم إلى الحرية فاقبلوا عليه ؛‬
‫ليفك أغاللهم ويعيد كرامتهم "‪ 3‬وكانت فتوحات المسلمين لألندلس هي بدايات اتصال األندلسيين‬
‫بالمشرق فبدأ التأثير والتأثر بين القطرين في المشرق والمغرب ‪ ،‬ففي فترة اإلمارة عرفت‬
‫األندلس " نوعا ً من الثقافة كانت بمثابة خيوط الفجر األولى التي تؤذن بصبح مشرق ‪ ،‬فقد دخل‬
‫في األندلس فترة الوالة نفر من التابعين الذين كانوا على حظ من المعرفة الدينية ‪ ،‬وكانوا‬
‫يصحبون الجند أو يفدون بعد الفتح لإلفتاء فيما يعن للمسلمين من أمور الدين كتقسيم المغانم ‪،‬‬
‫وتحديد الضرائب ‪ ،‬وتخطيط المساجد ‪ ،‬وتفقيه الناس ‪ ،‬وأغلب الظن أن هؤالء قد أسسوا أوائل‬
‫المدارس األندلسية حين أنشئت أوائل المساجد في أشبيليه وقرطبة وغيرها "‬
‫‪4‬‬

‫و كانت عناية هؤالء الوافدين تدريس كتاب الله وسنة رسوله وعلم الحديث ‪ ،‬فالحياة‬
‫‪5‬‬
‫الثقافية في بدايت ها " متواضعة أشد التواضع وأنها لم تكن تتجاوز حلقات في بعض المساجد "‬
‫وكان موسى ابن نصير إبان فتح األندلس ‪ ،‬يرسل مع الجيوش اإلسالمية " فقهاء يعلمون أهل‬
‫الديار المفتوحة اإلسالم وتعاليمه ‪ ،‬ويحفظونهم القرآن ‪ ،‬ويبصرونهم بالدين الحنيف وتعاليمه‬
‫"‪ 6‬فأخذت األندلس بهذا التعليم وافتتحت له الكتاتيب منذ عصر الوالة واطرد ذلك طوال الحقب‬
‫التالية ‪ ،‬وبعد أن استقر اإلسالم في األندلس بدأت قوافل الهجرة نحو األندلس ‪ ،‬يقول جودت‬
‫الركابي إن " العرب الذين تحدروا إلى األندلس جاءوا بطوائفهم الكثيرة ‪ ،‬وقبائلهم المختلفة‬
‫ومواليهم الذين ينتمون إلى شتى الجنسيات في المشرق ‪ ،‬والبربر ‪ ،‬إنما نزلوها فاتحين"‪ ،7‬وقد‬
‫وفد مع هؤالء الفاتحين نفر من األدباء كونوا الخيوط األولى لفجر الثقافة األندلسية ‪ ،‬وكان هذا‬
‫الحظ الضئيل من األدب بمثابة بذور األدب األندلسي ‪ ،‬و منهم من شارك في فتوحات المسلمين‬

‫‪ 1‬ـ ينظر ‪ ،‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪،‬ابن زيدون ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ( ،‬د ‪ /‬ت ) ‪ ،‬ص ‪ ، 26‬وعناني ‪ ،‬محمد زكريا ‪ ،‬تاريخ‬
‫األدب األندلسي ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1666 ،‬ص‪. 122‬‬
‫‪ 2‬ـ ينظر ـ المقري ‪ ،‬نفح الطيب ‪ ، 226 / 1 ،‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ هيكل ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪ ، 1692 ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪4‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ " . 12‬قيل إنه دخل األندلس رجل واحد من أصاغر الصحابة ‪ ،‬وهو المنيذر ‪ ،‬ومن النابعين ‪ :‬موسى األمير ‪،‬‬
‫وعلي بن رباح اللخمي ‪ ،‬وحيوة بن رجاء التميمي " ‪ .‬ينظر نفح الطيب ‪ 299 / 1‬ـ ‪. 299‬‬
‫‪5‬ـ هيكل ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬ص‪. 11‬‬
‫‪ 6‬ـ ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬عصر الدول واإلمارات ـ األندلس ـ دار المعارف ‪ ، 1696 ،‬ص‪. 11‬‬
‫‪7‬ـ في األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪11‬‬
‫كالشاعر أبي الخطارـ حسام بن ضرارـ الذي شهد فتوحات المسلمين " بإفريقيا وأبلوا فيها ‪ ،‬وقد‬
‫وفد على األندلس واليا ً سنة ‪ 125‬هـ أيام هشام بن عبد الملك ‪ ،‬وكان شاعرا ً فارسا ً ‪ ،‬ولذا لقب‬
‫بعنترة األندلس " ‪ ، 1‬ومن شعره في هشام بن عبد الملك هذا البيت ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وفي الله ـ إن لم تُنصفوا ـ َح َك ٌم َ‬
‫ع ْد ُل‬ ‫أَفَأ َ ْنتُم بني مروان قيْسا ً دِماءنا‬
‫وليس لهذا الشعر شي ٌء من الصفات األندلسية ‪ " ،‬إال أنه قيل في األندلس فقائلوه في الحقيقة‬
‫مشارقة وفدوا على األندلس فيمن وفد مع الفتح وبعده " ‪.3‬‬
‫ومن خالل تتبعنا ألدب تلك المرحلة نرى أن النثر أوفر حظا ً من الشعر ‪ " ،‬ألن أكثر‬
‫العرب الفاتحين لألندلس كانوا يمنية ‪ ،‬والشعر إنما نشط على ألسنة العدنانيين "‪ ، 4‬هذا من ناحية‬
‫ومن ناحية أخرى نشط النثر لدواعي تقتضيها المرحلة ‪ ،‬كإبرام المعاهدات ‪ ،‬والمراسالت ‪ ،‬أو‬
‫تحميس المقاتلين وتثبيتهم ‪ ،‬فظهرت الخطابة وكانت " ضرورة تقتضيها ظروف الحرب‬
‫والنزاع القبلي ‪ ،‬وتطلبها مناسبات سياسية ‪ ،‬ودينية مختلفة ‪ ،‬وال يمكن أن نتصور المسلمين في‬
‫األندلس ‪ ،‬قد عاشوا فترة الوالة دون أن يصغوا إلى الخطباء فهم على األقل كانوا يستمعون إلى‬
‫هؤالء الوعاظ ‪ ،‬والدعاة الذين كانوا يصحبون الجند ويفدون على األقاليم الجديدة ‪ ،‬ليثبتوا‬
‫المقاتلين ‪ ،‬ويدعوا للنظام الجديد " ‪ ، 5‬فمن نثر هذه الفترة ‪ ،‬ما نسب لطارق بن زياد ‪ ،‬في خطبته‬
‫المشهورة " أيها الناس أين المفر ؟ البحر وراءكم والعدو أمامكم "‪ ، 6‬وكان من كتاب تلك الفترة ‪،‬‬
‫أمية بن زيد " الذي دخل األندلس مع جنود بلج بن بشر‪ ،‬واتصل بخالد بن زيد فجعله كاتبا ً معه ‪،‬‬
‫"‪.7‬‬
‫وقد اشتغل بالكتابة حتى أيام عبدالرحمن الداخل‬
‫وفي خالل إمارة عبدالرحمن الداخل ‪ ،‬شهد المجتمع نوعا من التقدم " وفتح الطريق‬
‫لألندلسية الحقة ‪ ،‬ثم كان المجتمع في تلك المرحلة يفتح عينيه على بواكير حضارة أراد‬
‫‪8‬‬
‫األمويون أن يعيدوا بها حضارة في األندلس حضارة فقدوها في المشرق "‬
‫وهكذا استقرت األندلس خالل إمارة عبدالرحمن الداخل ‪ ،‬الذى يعتبر المؤسس األول‬
‫لهذه الدولة التي استقلت عن الدولة العباسية ‪ ،‬واعتبرت امتدادا ً لدولة بنى أمية حيث وفد على‬
‫األندلس الكثير من األمويين إما " فرارا ً من العباسيين ‪ ،‬وأما رغبة في الحياة باإلقليم اإلسالمي‬
‫الجديد المعروف بكثرة الخيرات ‪ ،‬وال شك أن كثيرا ً من هؤالء الوافدين على األندلس كانوا على‬

‫‪1‬ـ هيكل ‪ ،‬األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬


‫‪2‬ـ ابن األبار ‪ ( ،‬أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ) ‪ ،‬الحلة السيراء ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬تحقيق د ‪ .‬حسين مؤنس ‪ ،‬دار‬
‫المعارف ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية ‪. 11 / 1 ، 1695 ،‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪4‬ـ تاريخ األدب العربي عصر الدول واإلمارات ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪5‬ـ هيكل ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪6‬ـ المرجع نفسه ص ‪. 19‬‬
‫‪7‬ـ المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪8‬ـ المرجع نفسه ص ‪. 99‬‬
‫‪11‬‬
‫حظ كبير من الثقافة ‪ ،‬وقدر عظيم من المعرفة ‪ ،‬وال شك أن حياتهم باألندلس ستشيع ثقافتهم ‪،‬‬
‫"‪1‬‬
‫وتشيع معارفهم ‪ ،‬وتساعد البالد على أن تخطو في طريق الثقافة‬
‫ب ـ الرحالت ‪ :‬تحدثنا سابقا ً عن كيفية تأثر االندلسيين بالثقافة المشرقية عن طريق الفتوحات‬
‫اإلسالمية وسنتحدث هنا عن نقطة أخرى تبين الصالت الثقافية ‪ ،‬والعلمية بين األندلس‬
‫والمشرق ‪،‬أال وهي الرحالت من وإلى األندلس ‪ ،‬وتعتبر هذه النقطة أعمق أثرا ً من سابقتها ‪،‬‬
‫أثر واض ٌح في نشر‬
‫والحديث عنها يطول ‪ ،‬ولكننا سنقتصر الحديث على أهم الرحالت التي لها ٌ‬
‫الثقافة المشرقية في األندلس ‪.‬‬
‫وفادة المشارقة على األندلس ‪ :‬ذكر المقاري في ( نفح الطيب ) الكثير من الوافدين على‬
‫األندلس من أهل المشرق فقال‪ ":‬اعلم أن الداخلين لألندلس من المشرق قوم كثيرون ال تحصر‬
‫األعيان منهم ‪ ،‬فضالً عن غيرهم ‪ ،‬ومنهم من اتخذها وطنا ً وصيّرها سكنا ً إلى أن وافته منيته‪،‬‬
‫ومنهم من عاد إلى المشرق بعد أن قضى باألندلس أمنيته"‪ 2‬فمن هؤالء الداخلين تابعون وأدباء‬
‫وغيرهم وفي مقدمة الداخلين مؤسس دولة األندلس عبدالرحمن الداخل ‪122-131‬هـ وكان‬
‫عبدالرحمن بن معاوية " شاعرا ً جيد النظم ناثرا ً فصيح البيان ‪ ،‬قوي الترسل ‪،‬عالما ً بالشريعة‬
‫"‪ 3‬يروى أنه رأى بروض الرصافة – وهي الضاحية الجديدة التي أنشأها – نخلة منفردة فأثار‬
‫منظرها في نفسه ذكرى وشجنا ً فأنشد ‪:‬‬
‫تناءت بأرض الغرب عن بلد النخــــل‬ ‫تبدت لنا وسط الر صافة نخـلـة‬
‫وطول التنائي عن بنيي وعن أهــــلي‬ ‫فقلت شبيهي في التغرب والنوى‬
‫‪4‬‬
‫فمثلك في اإلقصــــــاء والمنتأى مثلي‬ ‫نشأت بـــأرض أنت فيها غريبة‬
‫ومن الوافدين على األندلس األديب البارز والمغني المشهور زرياب ‪ ،‬قال المقّري ‪:‬‬
‫"‪....‬ومن الواردين على األندلس من المشرق رئيس المغنين أبو الحسن علي بن نافع الملقب‬
‫بزرياب مولى أمير المؤمنين المهدي العباسي"‪ 5‬وكان زرياب تلميذا ً إلسحق الموصلي البغدادي‬
‫فعندما ساءت العالقة بينه وبين أستاذه ذهب إلى األندلس في بداية عهد عبدالرحمن الثاني حيث‬
‫أحله مكانة مرموقة ‪ ،‬ألنه لم يكن مغنيا ً فحسب ؛ بل كان شاعرا ً مجيدا ً ‪ ،‬ويرى جوميث ( أن‬
‫التأثير المشرقي قد بلغ أوجه بوفود علي بن نافع الملقب بزرياب على األندلس فقد خرج من‬
‫بغداد ناجيا ً بنفسه من غيرة أستاذه إسحاق الموصلي ‪ ،‬حيث حمل زرياب إلى األندلس فيضا ً من‬

‫‪1‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬


‫‪2‬ـ نفح الطيب في غصن األندلس الرطيب ‪. 5 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ عنان ‪ ،‬محمد عبدالله ‪ ،‬دولة اإلسالم في األندلس ‪ ،‬مكتبة األسرة برعاية السيدة سوزان مبارك ‪. 221 / 1 ، 2221 ،‬‬
‫‪4‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬
‫‪5‬ـ المقري ‪ ،‬نفح الطيب ‪. 122 / 1 ،‬‬
‫‪15‬‬
‫األنغام المشرقية التي ترجع في مناشئها البعيدة إلى أصول يونانية وفارسية فأصبحت هذه‬
‫‪1‬‬
‫األغاني األصل النغمي للموسيقى األندلسية ‪.‬‬
‫ومن الوافدين على األندلس أيضا ً "أبو علي القالي" ‪ :‬وهو من أبرز الشخصيات األدبية‬
‫واللغوية التي وفدت على األندلس أيام أمير المؤمنين عبدالرحمن الناصر‪ ،2‬وكان لقدومه على‬
‫األندلس في فترة كان للعلماء الوافدين من المشرق مكانة ال تعدلها مكانة " فالناصر قد أحسن‬
‫استقبال أبي علي القالي‪ ،‬وأسند إليه تأديب ابنه الحكم ‪ ،‬وم ّكن له ليعلم األندلسيين في قرطبة ‪،‬‬
‫وقد حمل القالي إلى األندلس كثيرا ً من علم المشرق وأدبه"‪ .3‬حيث نقل مجموعة ضخمة من‬
‫دواوين الشعراء الجاهليين واإلسالميين والمحدثين‪ ،‬ومما جلبه القالي معه من شعر المحدثين‬
‫شعر المتنبي وجزء من شعر أبي تمام‪ ، 4‬وغيرهما من مشاهير المحدثين‪.‬‬
‫الرحالت إلى المشرق ‪ :‬بدخول عبدالرحمن الداخل إلى األندلس أتيح لألندلس الظروف‬
‫المواتية لالتصال بالثقافة اإلسالمية المشرقية ‪ ،‬والبد كذلك أن نفرا ً منهم ذهب إلى مكة حاجا ً‬
‫وعرف ‪ -‬عن طريق الحج ـ المراكز الشرقية‪ 5‬وقد ترجم ابن الفرضي في كتابه ( تاريخ علماء‬
‫األندلس ) للعديد من هؤالء الراحلين إلى المشرق ‪ ،‬ح ّجاجا ً وطالبا ً للعلم ‪ ،‬منهم ‪:‬‬
‫بقى بن مخلد ‪" :‬من أهل قرطبة يكنى أبا عبدالرحمن رحل إلى المشرق فلقي جماعة من أئِمة‬
‫المح ِ ّدثِين ‪ ،‬وكبار المسندين ‪ ،‬منهم إبراهيم بن محمد الشافعي ‪ ،‬صاحب ابن عيينة ‪ ،‬وأبو‬
‫المصعب ُّ‬
‫الزهري ‪ ،...‬وأحمد بن محمد بن حنبل ‪ ،...‬وسمع بإفريقية من سحنون بن سعد ‪ ...‬ثم‬
‫‪6‬‬
‫عاد إلى األندلس ‪ ،‬فنشر حديثه ‪ ،‬وقرأ للناس روايته ‪ ،‬فمن يومئ ٍذ انتشر الحديث باألندلس "‪.‬‬
‫كما ترجم الزبيدي في طبقاته لعد ٍد من علماء األندلس الذين تكبدوا مشاق السفر إلى المشرق‬
‫بغية التحصيل ‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬منهم ‪ :‬عثمان بن المثنى الذي" رحل إلى المشرق ولقي حبيب بن‬
‫أوس فقرأ عليه شعره وأدخله األندلس ‪ ، 7"...‬وقال ابن األبّار‪ :‬أن عثمان بن المثنى ‪ ":‬جمعه‬
‫مركب في بحر القلزم مع حبيب بن أوس أبي تمام الطائي فأنشده شعره ‪ .‬الذي يقول فيه ‪:‬‬
‫ت في ُك ْن ِه ِه ْ‬
‫األو َها ُم‬ ‫فَت َ َحيا َر ْ‬ ‫ت‬ ‫اللهُ أ ْكبَ ُر َجا َء ُ‬
‫أكبر َم ْن َج َر ْ‬
‫وكان هذا البيت مبتدأ الشعر فقال ابن المثنى ‪ :‬شعر حسن لوال أنه ال ابتداء له ‪ ،‬فوقدت في‬
‫نفس حبيب ‪ ،‬وابتدأ الشعر بقوله ‪:‬‬

‫‪1‬جوميث ‪ ،‬إميليو جارثيا ‪ ،‬الشعر األندلسي ‪ ،‬بحث في تطوره وخصائصه ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حسين مؤنس ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪2‬ـ ينظر نفح الطيب ‪ 92 / 1 ،‬ـ ‪. 95‬‬
‫‪3‬ـ األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬ص ‪. 195‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن خير ‪ ،‬الفهرسة ‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري ‪ ،‬دار الكتاب المصري القاهرة ‪ ، 1696 ،‬جـ ‪. 526 ، 529 / 2‬‬
‫‪5‬ـ ينظر ‪ :‬بالنثيا ‪ ،‬آنجل جنتالت ‪ ، ،‬تاريخ الفكر األندلسي ‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ‪ ، 1655 ،‬ص‪. 2‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪. 111 ، 111 /1 ،‬‬
‫‪7‬ـ طبقات النحويين واللغويين ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬ط ‪ ( ، 2 /‬د ‪ /‬ت ) ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪11‬‬
‫ص ْب ِر ِه ْ‬
‫اإلل َما ُم ؟‬ ‫كم َح ال ع ْق َدة َ َ‬ ‫دمن أل ام بها فقَا َل َ‬
‫سال ُم‬ ‫ٌ‬
‫ثم أنشده في اليوم الثاني بهذا االبتداء إلى تمامه فقال له ابن المثنى ‪ :‬أنت أشعر الناس ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فعظم في نفس حبيب "‪.‬‬
‫وممن تج ّ‬
‫شم الصعاب ورحل إلى المشرق "زكريا بن أحمد الغساني ‪ ،‬المعروف بابن األشج‬
‫س ْلم بن الفضل ‪،‬‬
‫حيث " رحل إلى المشرق فسمع بمصر من أبي محمد بن الورد ‪ ،‬وأبي قتيبة َ‬
‫ويعقوب بن المبارك ‪ ،‬وابن ألون ‪ ،‬وأبي محمد الحسن بن رشيق ‪ ،‬وابن أبي الموت ‪ ،‬ولقي‬
‫بمصر الشاعر أبا الطيب أحمد بن الحسين المتنبي‪ ،‬فأخذ عنه ديوان شعره رواية ‪ ...‬وانصرف‬
‫إلى األندلس فلم يزل مقيما ً بقرطبة إلى أن توفى بها "‪ ، 2‬وذكر المقّري في نفح الطيب ّ‬
‫أن من‬
‫رحل من األندلسيين إلى بالد المشرق أكثر من أن يحصوا فقال ‪ ":‬اعلم – جعلني الله وإياك‬
‫ممن له للمذهب الحق انتحال – أن حصر أهل االرتحال ‪ ،‬ال يمكن بوجه وال بحال ‪ ،‬ولو أطلقنا‬
‫عنان األقالم فيمن عرفنا فقط من هؤالء األعالم ‪ ،‬لطال الكتاب وكثر الكالم"‪ 3‬ثم أخذ بعد هذا‬
‫النص في ترجمته‪ ،‬لهؤالء األندلسيين في رحلتهم إلى المشرق لالطالع على ثقافتهم وعلومهم ثم‬
‫العودة بها ونشرها في األندلس ‪ ،‬وقد كان لهؤالء الراحلين إلى المشرق والوافدين منه أثر‬
‫عميق في نشر الثقافة المشرقية في األندلس ‪ ،‬ومما ساعد على نشر الثقافة في األندلس ما كان‬
‫يتحلى به حكام األندلس من الحرص والتشجيع على العلم ‪ ،‬واالقبال على العلوم المشرقية‬
‫وخاصة مؤلفات العصر العباسي ‪ ،‬فمن الخلفاء الذين اهتموا بالعلم الحكم الربضي ‪212-111‬‬
‫هـ فقد قيل أنه كان يقرب " الندماء والشعراء" وقد بعث عباس بن ناصح إلى العراق طلبا ً للعلم‬
‫‪ ،‬ول ّما رجع والّه قضاء الجزيرة الخضراء ‪ 4،‬باإلضافة إلى ذلك " كان شاعرا ً باسالً ‪ ،‬وأديبا ً‬
‫مجودا ً ‪ ،‬تُحْ ذر صوالته ‪ ،‬وت ُ ْست َ ْن َد ُر أبياته "‪ 5‬و بعد أن خلفه‬
‫ا‬ ‫مفوها ً ‪ ،‬وشاعرا ً‬
‫مفتناا ً ‪ ،‬خطيبا ً ا‬
‫عبدالرحمن المعروف باألوسط ‪231-212‬هـ أهتم بالثقافة فتطلع إلى بالد العراق ‪ ،‬األمر الذي‬
‫لم يفعله اسالفه األمراء ؛ نظرا ً للعداء الشديد بين األمويين والعباسيين ‪ ،‬وأدرك " أنه ال يمكن‬
‫تنمية بالده حضاريا ً ّإال بفتح الباب على مصراعيه ألهل العراق وثقافة أهل العراق"‪ ، 6‬التي‬
‫بلغت في العصر العباسي شأنا ً كبيرا ً في مضمار الحضارة بفضل االتصال بالثقافات األخرى‪،‬‬

‫‪1‬ـ عبد الرحيم ‪ ،‬مصطفى عليان ‪ ،‬ـ تيارات النقد األدبي في األندلس في القرن الخامس الهجري ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ـ بيروت ط‪/1‬‬
‫‪ ، 1691‬ص ‪ . 19‬نقالً عن ابن األبار ‪ ،‬أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ‪ ،‬التكملة لكتاب الصلة ‪ ،‬نشر عزت‬
‫العطار الحسيني ـ القاهرة ‪ ، 1655‬ص ‪ . 11 ، 12‬واألبيات في ديوان أبي تمام ‪ ، ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ‬
‫بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 91 ، 92 / 2، 1661 ،‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن الفرضي ‪ ( ،‬أبو الوليد عبد الله بن محمد ) تاريخ علماء األندلس ‪ ،‬دار الكتاب المصري ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1، 1696 ،‬‬
‫‪. 215 ، 211 /‬‬
‫‪ 3‬ـ المقري ‪ ،‬نفح الطيب ‪. 5 / 1،‬‬
‫‪4‬ـ ينظر األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪ 122‬ـ ‪. 125‬‬
‫‪5‬ـ ابن األبار ‪،‬الحلة السيراء ‪. 11 / 1 ،‬‬
‫‪ 6‬ـ الفقي ‪،‬عصام عبد الرؤوف ‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس مكتبة نهضة الشرق ‪ /‬القاهرة ‪ ، 1691 ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪19‬‬
‫وتشجيع الخلفاء على الحركة العلمية والثقافية ‪ ،‬فانتشرت المكتبات‪ ،‬وترجمت الكتب األجنبية‬
‫إلى العربية ‪ ،‬ونشطت حركة التأليف في شتى العلوم فنبغ في بغداد الكثير من األدباء والشعراء‬
‫عبدالرحمن األوس ُ‬
‫ط العلما َء على االنتقال والهجرة إلى بالده ليساهموا في‬ ‫ُ‬ ‫والعلماء مما " شجع‬
‫ازدهار الحركة الثقافية"‪ ،1‬وبعد أن أسندت الخالفة البنه محمد بن عبدالرحمن أسهم في نشر‬
‫الثقافة المشرقية ‪ ،‬فكان "محبا ً للعلم مؤثرا ً ألهل الحديث ‪ ،‬عارفا ً حسن السيرة "‪ . 2‬ثم جاء بعده‬
‫عبدالرحمن الناصر ‪ ،‬أشهر ملوك بني أمية باألندلس فكان مغرما ً بالكتب والمكتبات فأنشأ مكتبة‬
‫بقرطبة وهي أج ّل مكتبة كانت في عهدها على ظهر األرض ‪ ،‬وأودعها ستمائة ألف مجل ٍد ‪ ،‬ولذا‬
‫كانت األندلس في زمانه زاهية بالمعارف والعلوم ‪ ،‬وقد وفد إليه إمام اللغة واألدب أبو علي‬
‫القالي صاحب األمالي وقيل إنه طرز هذا الكتاب ‪ ،‬وت ّوجه باسم الناصر‪.3‬‬
‫كما كان الحكم المستنصر من بعده مياالً إلى العلوم واآلداب محبا ً لها مكرما ً ألهلها ج ّماعا ً‬
‫للكتب بأنواعها ‪ ،‬وقد قيل أن عدد الفهارس في خزانة العلوم والكتب في عهده بلغت أربعا ً‬
‫وأربعين فهرسة في كل فهرسة خمسون ورقة ليس فيها إال ذكر الدواوين‪ 4‬وكان الحكم يرسل‬
‫رجاالً من التجار ويمدهم باألموال لشراء الكتب وجلبها من بغداد ومصر والمغرب ‪ ،‬فقد ذكر‬
‫ابن األبار أن الحكم كان له وراقون بأقطار البالد ينتخبون له غرائب التواليف ‪ ،‬ورجال يوجههم‬
‫إلى اآلفاق باحثين عنها ومن وراقه ببغداد محمد بن طرخان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنه بعث إلى أبي الفرج‬
‫األصفهاني ألف دينار عينا ً ذهبا ً ‪ ،‬وخاطبه يلتمس منه نسخة منقحه من كتاب األغاني قبل أن‬
‫يظهر الكتاب ألهل العراق أو ينسخه أحد منهم ‪ ،‬وألف للحكم أنساب قومه من بني أمية موشحة‬
‫بمناقبهم وأسماء رجالهم ‪ ،‬فأحسن فيهم جدا ً ‪ ،‬وخلد فيهم مجدا ً‪ 5‬هكذا أهتم خلفاء األندلس بالعلم‬
‫والعلوم وإنشاء المكتبات واقتناء الكتب والشغف بكل ما هو مشرقي ‪.‬‬

‫‪1‬ـ المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 62‬‬


‫‪2‬ـ الضبي ‪ ( ،‬أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة ت ‪ 566 /‬هـ ) ‪ ،‬بغية المتلمس في تاريخ رجال األندلس ‪،‬أعتنى به إدارة إحياء التراث‬
‫‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ، 1619،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ 3‬ـ ينظر ‪ ،‬خوليان ربيرا ‪ ،‬مقال بعنوان المكتبات وهواة الكتب في إسبانيا اإلسالمية ‪ ،‬ترجمة جمال محمد محرز ‪ ،‬مجلة معهد‬
‫المخطوطات العربية ‪ ،‬المجلد الرابع ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مايو ‪ ، 1659‬ص ‪. 99 ، 91‬‬
‫‪4‬ـ ينظر ‪ :‬ابن حزم األندلسي ‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ( ‪ 191‬ـ ‪ 151‬هـ ) جمهرة أنساب العرب ‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد‬
‫هارون ‪ ،‬دار المعارف ـ مصر ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪. 122 / 1 ، 1692 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ ينظر ـ الحلة السيراء ‪ ،‬تحقيق حسين مؤنس ‪ . 221، 222 / 2،‬وينظر ـ خوليان ربيرا ‪ ،‬مقال بعنوان المكتبات وهواة الكتب في‬
‫إسبانيا اإلسالمية ‪ ،‬ترجمة جمال محمد محرز ‪ ،‬مجلة معهد المخطوطات العربية ‪ ،‬المجلد الرابع ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪، . 99 ، 92‬‬
‫وينظر ـ الفق ي ‪ ،‬د ‪ .‬عصام الدين عبد الرؤوف ‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس ‪. 229 ،‬‬
‫‪19‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬قضيـــة التأثـــــر‬
‫وصلت البذور األولى للشعر المشرقي إلى األندلس أثناء الفتوحات ‪ ،‬وبعد ذلك نشطت‬
‫حركة الوافدين على األندلس كأبي علي القالي الذي كان له دور بارز في نقل جزء كبير من‬
‫أدب المشرق ‪ ،‬وخاصة دواوين كبار الشعراء العباسيين من أمثال أبي تمام والمتنبي وغيرهما ‪،‬‬
‫ولعل أبرز وثبة شهدتها األندلس هي " تعلق بعض األمراء بالمعرفة ومشاركتهم في ميادين‬
‫الثقافة ‪ ،‬فقد كان عبد الرحمن األوسط محبا ً لمطالعة الكتب ‪ ...‬ومقربا ً للعلماء مؤثرا ً للباحثين‬
‫باعثا ً في طلب الكتب من يجلبها له من األمصار "‪ 1‬ومن هنا نشطت حركة الرحالت إلى‬
‫المشرق طلبا ً للعلم والتحصيل ‪ ،‬كما رأينا مع عثمان بن المثنى الذي لقي أبا تمام ‪ ،‬والبحتري ‪،‬‬
‫وغيرهما من الشعراء ‪ ،‬وأدخل دواوينهم إلى األندلس ‪ ،‬وما فعله ابن األشج الذي قابل المتنبي‬
‫‪ ،‬ففتح األندلسيون عيونهم على هذه الدواوين ‪،‬‬ ‫في مصر وأدخل ديوانه إلى األندلس‬
‫وتعاوروها بالشرح والتدريس ‪ ،‬فقد ذكر الزبيدي أن ‪ " :‬محمد بن عبد الله المعروف بابن‬
‫األصفر كان له بصر بمعاني شعر حبيب ‪ ،‬وغيره من أشعار المحدثين "‪ ، 2‬وقد تركت عناية‬
‫األندلسيين بشعر أبي تمام واإلقبال على حماسته أثرا ً لدى شعراء األندلس ‪ ،‬يقول محمد بن‬
‫شريفة ‪ " :‬إن العناية برواية شعر أبي تمام ‪ ،‬وحفظه وتدريسه وشرحه ونقده أدت في آخر األمر‬
‫إلى تأثيره في الحركة األدبية والشعرية باألندلس "‪ ، 3‬ومن هنا جعل األندلسيون شعره نصب‬
‫أعينهم ‪ ،‬نظرا ً ‪ ،‬ومعارضةً ‪ ،‬واقتباسا ً وهذا ما أكده مصطفى عليان عبد الرحيم بقوله ‪ " :‬وقد‬
‫طغى تأثير أبي تمام في الذوق األدبي األندلسي ‪ ،‬فانبرى لمعارضته عدد من الشعراء "‪. 4‬‬
‫أما المتنبي ‪ ،‬فقد وصل ديوانه ــ فيما وصل من الدواوين ــ إلى األندلس فكان أول من‬
‫أدخله إلى األندلس ابن األشج الذي التقى بأبي الطيب خالل إقامته بمصر ‪ ،‬ودرس عليه ديوانه ‪،‬‬
‫ثم عاد إلى األندلس فأذاعه هناك ‪ ،‬فحظي هذا الديوان بعناية كبيرة عند األندلسيين حيث عكفوا‬
‫على دراسته وشرحه ‪ ،‬وقد كان لهذا الديوان الذي تعاوره الشراح األندلسيون من مثل ابن‬
‫سيد البطليوسي ‪ ،‬وابن سيدة قوة تأثيرية في الشعراء األندلسيين لم تحدد‬
‫اإلفليلي ‪ ،‬وابن ال ّ‬
‫معالمها إال في القرن الخامس الهجري ‪ ،5‬فشاعت طريقته في الشعر بين األندلسيين ‪ ،‬وصارت‬
‫معارضته مجاالً للجودة والبراعة ‪ ،‬ومن كبار األندلسيين الذين كان شعر المتنبي ملهما ً وحافزا ً‬

‫‪1‬ـ الركابي ‪ ،‬جودت ‪ ،‬في األدب األندلسي ‪ ،‬ص‪. 121‬‬


‫‪2‬ـ طبقات النحويين واللغويين ‪ ،‬ص‪. 121‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن شريفة ‪ ،‬محمد ‪ ،‬أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة ‪،‬دار العرب اإلسالمي بيروت ‪ ،‬ط ‪ ، 1691 ، 1/‬ص ‪. 51‬‬
‫‪4‬ـ تيارات النقد األدبي ‪. 11 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ ينظر أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬
‫‪16‬‬
‫لهم ‪ " :‬أحمد بن دراج القسطلي ‪ ،‬والرمادي ‪ ،‬وابن زيدون الذي تذكر قصائده المدحية في أبي‬
‫‪1‬‬
‫الحزم بن جهور ‪ ،‬وابنه أبي الوليد ‪ ،‬والمعتمد بن عباد بأبي الطيب المتنبي"‪.‬‬
‫هكذا وصلت أشعار أبي تمام والمتنبي والبحتري إلى األندلس ‪ ،‬وظلت مصدرا ً لهم‬
‫يرجعون إليه كلما أرادوا نظم قصائدهم ‪ ،‬يقول ابن بسام ‪ " :‬إن أهل هذا األفق ( األندلس ) أبوا‬
‫إال متابعة أهل المشرق يرجعون إلى أخبارهم المعتادة رجوع الحديث إلى قتادة ‪ 2"...‬فهو يقرر‬
‫أنهم يتبعون شعراء المشرق ويقلدونهم ‪ ،‬وينظرون إليهم على أنهم المثل األعلى لهم في الشعر ‪،‬‬
‫وكان لهذه المتابعة ‪ ،‬وهذا التقليد ‪ ،‬والشغف بالشعر المشرقي وخاصة في العصر العباسي ردة‬
‫فعل عند بعض أدباء األندلس وجد صداها ‪ ،‬عند أحمد بن طلحة الشقري الذي قال في محفل ‪" :‬‬
‫تقيمون القيامة بحبيب والبحتري والمتنبي و في عصركم من أهتدى إلى ما لم يهتدوا إليه "‪ 3‬فهو‬
‫يلومهم على المتابعة و االلتفات إليهم في كل شيء ‪ ،‬ولكن ال ضير في أنهم يفعلون ذلك من تقليد‬
‫ومحاذاة ‪ ،‬فالحياة الفكرية واألدبية قد بدأت في األندلس حين كانت الدولة العباسية في المشرق‬
‫مستقرة ‪ ،‬وكانت بغداد زاخرة بالعلم والحضارة هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى أن الشعر‬
‫األندلسي لم يبدأ في النضج والظهور إال في حدود سنة ‪ 211‬هجرية ‪ ،‬في حين كان الشعر‬
‫المشرقي في تلك الفترة " يشهد تجديد بشار ‪ ،‬وأبي نواس ‪ ،‬ويقف على مفترق الطرق بين‬
‫مذهبي أبي تمام والبحتري ‪ ،‬ولما كان األندلسيون حينئذ يلتفتون في كل شيء إلى المشرق ‪ ،‬فقد‬
‫اتخذوا شعر المحدثين مثاالً يقلدونه ‪ ،‬ومنارا ً يهتدون به ‪ ،‬أي أن الشعر المحدث ال شعر العرب‬
‫األوائل هو األنموذج الكبير الذي استوحوه في أشعارهم ‪ ،‬وليس معنى هذا أنهم لم يعرفوا شعر‬
‫العرب األوائل ‪ ،‬ولكن نماذج الشعر المحدث نالت القسط األكبر من أعجابهم "‪ 4‬ألن الشعر‬
‫العباسي هو ذروة الشعر العربي ‪ ،‬ومن أجل ذلك بقي األندلسيون ينظرون إلى عباراتهم ‪،‬‬
‫وأساليبهم وحياتهم الفكرية " نظرة مثالية ‪ ،‬فيها الشوق ‪ ،‬وكثير من العز ‪ ،‬وكثير من الرغبة‬
‫في عدم االبتعاد عن تقاليدهم المرسومة "‪ 5‬ومن هنا ظل الشعراء األندلسيون يقتفون آثار الشعر‬
‫العباسي لمكانته المرموقة في قلوبهم ‪ ،‬ألنه مهبط الوحي ومهد الفكر العربي المبدع وهذا ما‬
‫يفسر استشراف كبار الشعراء األندلسيين ‪ ،‬وتطلعهم للتمثل بزمالئهم العباسيين ومحاكاتهم‪، 6‬‬
‫والتكني بكناهم ‪ ،‬وقد ظهرت آثار التقليد والمحاكاة جلية عند كبار الشعراء األندلسيين ‪ ،‬من‬
‫بينهم ابن زيدون الذي حبس نفسه داخل إطار الشعر العباسي ‪ ،‬وعكف على أغراضهم ومعانيهم‬

‫‪ 1‬ـ تيارات النقد األدبي ‪ ،‬ص‪. 11‬‬


‫‪2‬ـ الذخيرة ‪. 196 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ نفح الطيب ‪. 129 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬ـ عباس ‪ ،‬إحسان ‪ ،‬تاريخ األدب األندلسي " عصر سيادة قرطبة " دار الثقافة بيروت ‪ ،‬الطبعة السابعة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪. 19 ، 19 ،‬‬
‫‪5‬ـ في األدب األندلسي ‪ ،‬ص‪. 15‬‬
‫‪ 6‬ـ ينظر‪،‬هيكل ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح حتى سقوط الخالفة ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫‪22‬‬
‫وألفاظهم ‪ ،‬وخاصة البحتري الذي تأثر به و تسمى باسمه في األندلس ‪ ،‬ربما اللتقائه معه في‬
‫مجال العناية الفائقة بالموسيقا والصياغة اللفظيّة ‪ ،‬يقول علي محمد سالمة ‪ " :‬وأفاد شعراء‬
‫األندلس كثيرا من مذهب البحتري وعلي رأسهم ابن زيدون في سهولة األسلوب وإشراق‬
‫‪1‬‬
‫الديباجة حتى لقبه النقاد ببحتري األندلس "‬
‫و يقول ابن بسام ‪ " :‬قال بعض أدبائنا أن ابن زيدون بحتري زماننا " ‪ 2‬وهو حقا ً يشبهه‬
‫في أفكاره ومعانيه وأساليبه ‪ ،‬ولكنه كان يتتبع غيره من الشعراء ويحتذي على أمثلتهم ‪ ،‬غير‬
‫إننا إذا تتبعنا شعر ابن زيدون فإننا نجده " يتصف إجماالً بالتقليد ‪ ،‬تقليد المشارقة بدون تمييز ‪،‬‬
‫فلم يؤثر عنه في هذا المجال التزام بتقليد نموذج شعري دون آخر ‪ ،‬قلّد البحتري خاصةً وأبا‬
‫تمام ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬والمعري ‪ ،‬وسواهم "‪ . 3‬وهذا ما جعل شوقي ضيف يقول ‪ " :‬والحق أن‬
‫اإلنسان ال يتابع ابن زيدون في شعره حتى يحس بأن هذا الشعر يوشك أن يسقط من ديوانه‬
‫فيرتد إلى أمكنته من شعر العباسيين "‪ 4‬وذلك لشدة إعجابه بشعرهم‪ ،‬ويضيف شوقي ضيف ‪،‬‬
‫قائالً ‪ :‬و إذا تتبعنا " معانيه ‪ ،‬وأخيلته ‪ ،‬وأساليبه ‪ ،‬وجدنا صورتها العامة هي الصورة العباسية‬
‫‪ ،‬وقد عني صاحب الذخيرة ببيان هذا الجانب في شعره فرأيناه يرجع عشرات من أبياته‬
‫وأشعاره إلى دواوين العباسيين وخاصة البحتري وأبي تمام والمتنبي والمعري "‪ ، 5‬ونظرا ً‬
‫لشهرة هؤالء الشعراء ومكانتهم في العصر العباسي " هيمنت مكانتهم على نفوس األندلسيين‬
‫حتى سموا شعراءهم بأسمائهم إثباتا ً لمكانتهم فكانوا يقولون في ابن زيدون بحتري األندلس ‪،‬‬
‫وكانوا يقولون في ابن دراج متنبي األندلس ‪ ،‬وكانوا يقولون في ابن دراج وابن هانئ إنهما‬
‫نظيران لحبيب والمتنبي "‪ ، 6‬يقول الدكتور حسن جاد حسن ‪ " :‬فالشاعر األندلسي حينما أراد‬
‫أن ينظم شعرا ً فهو يحاول أن يكون " شعره كشعر البحتري ‪ ،‬أو أبي تمام ‪ ،‬أو ابن المعتز ‪ ،‬أو‬
‫المتنبي "‪ ، 7‬و يقول ‪ " :‬ونحن إذا رجعنا إلى نماذج الشعر نفسها وجدنا كثيرا ً منها يصاغ على‬
‫أنماط مشرقية خالصة ‪ ،‬ال تقتصر على المشابهة في الوزن والروي ‪ ،‬بل في كثير من المعاني‬
‫واألساليب ‪ ،‬وكأنما القصيدة كلها ليست إال تلفيقا للمواد الفنية التي تركها العباسيون"‪ ، 8‬وقد‬
‫علل شوقي ضيف سبب إعجاب األندلسيين بشعراء العصر العباسي ‪ ،‬بقوله ‪ :‬ألنه استقر في‬
‫أذهانهم " ّ‬
‫أن خير عصور الشعر وأزهاها هو العصر العباسي ‪ ،‬وما ينطوي فيه من شعراء‬

‫‪ 1‬ـ األدب العربي في األندلس تطوره موضوعاته وأشهر أعالمه ‪ ،‬الدار العربية للموسوعات ‪ 1696‬ص‪. 111‬‬
‫‪2‬ـ الذخيرة ‪. 196 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ عاصي ‪ ،‬د‪ .‬ميشال ‪ ،‬الشعر والبيئة في األندلس ‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة والنشر ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 96 ، 1692 ،‬‬
‫‪4‬ـ الفن ومذاهبه في الشعر العربي ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪ ،‬ط ‪ ، 1612‬ص ‪. 111‬‬
‫‪5‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ 6‬ـ السهلي ‪ ،‬إبراهيم بن موسى أثر شعر المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة أم القرى ‪ ،‬سنة ‪، 1661‬‬
‫ص‪.121‬‬
‫‪ 7‬ـ ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ‪ ،‬المطبعة المنيرية باألزهر ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1655 ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ 8‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫عظام أمثال أبي نواس ‪ ،‬وأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬وابن الرومي ‪ ،‬وابن المعتز والمتنبي "‪ 1‬و‬
‫خالصة القول إن الشعر العباسي وخاصة شعر أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي قد وصل إلى‬
‫األندلس وعرف عندهم ‪ ،‬وترك أثرا ً جليا ً في أدبهم ؛ نثرا ً وشعرا ً ‪ ،‬لذا فإن كبار الشعراء‬
‫األندلسيين ـ وخاصةً ابن زيدون ـ قد تأثروا بهؤالء الشعراء ‪ ،‬ولم يظهر هذا التأثر في الشعر‬
‫فقط ‪ ،‬بل ظهر في النثر أيضا ً ‪ ،‬كما هو واض ٌح في رسالتي ابن زيدون الهزلية والجدية ‪ .‬وإذا‬
‫بدا البن زيدون سمات التقليد للشعر المشرقي وخاصة في العصر العباسي فليس ذلك لعجزه عن‬
‫االبتكار ــ وإن كان قد ابتكر وجدد ــ بل كانت له شخصيته التي تميزه عن غيره من الشعراء ‪،‬‬
‫يقول الدكتور شوقي ضيف ‪ " :‬كان ابن زيدون يحسن ضرب الخواطر والمعاني القديمة ‪ ،‬أو‬
‫الموروثة في عملة أندلسية جديدة ‪ ،‬فيها الفن و بهجة الشعر ‪ ،‬وما يفصح عن أصالته وشخصيته‬
‫"‪ ، 2‬ومن أشهر قصائده ‪ " ،‬القصيدة النونية "‬
‫‪3‬‬
‫ب لُ ْقيَانَا ت َجافِينا‬
‫وناب عن ِطي ِ‬
‫َ‬ ‫ض َحى الت انائِي ب ِديالً من ت َ َدانَينَا‬
‫أ ْ‬
‫قال ـ عنها ـ حسن جاد حسن ‪ " :‬فهي أعظم قصائد ابن زيدون حظا ً من الذيوع والشهرة ‪،‬‬
‫وبعد الصيت ‪ .‬ولو لم يكن له سواها ألغنته بهذا الدوي الذي أحدثته في البيئات األدبية ‪ ،‬وتلك‬
‫‪4‬‬
‫المدرسة التي خلقتها من الشعراء الكثيرين في كل عصر ‪ ،‬الذين أعجبوا بها وعارضوها ‪".‬‬
‫وقال الصفدي ‪ :‬في حديثه عن قصائده " ‪ ...‬ومن ذلك قصيدته النونية التي سارت في‬
‫البالد وطارت في العباد ‪ 5"...‬و يقول ابن خاقان ‪ " :‬وهي قصيدة ضربت في اإلبداع بسهم‬
‫وطلعت في كل خاطر ووهم ‪ ،‬ونزعت منزعا ً قصر عنه حبيب وابن الجهم "‪. 6‬‬
‫حقا ً لقد كان ابن زيدون من أشهر الشعراء البارزين في القرن الخامس الذي يعد من أفضل‬
‫عصور األندلس ‪ ،‬يقول بالنثيا ‪ :‬فقد كان " عصر الطوائف من أكثر عصور الحضارة اإلسالمية‬
‫في األندلس تقدما ً وازدهارا ً في ذلك المجال ـ يعني مجال العلوم واألدب ـ نظرا ً ؛ لتعدد مراكز‬
‫الحكم ‪ ،‬واختالف أهواء الحكام وميولهم "‪ ، 7‬وهو من الشعراء الذين قال فيهم أبو جعفر أحمد‬
‫ابن طلحة ‪ ،‬في أحد المجالس ‪ " :‬تقيمون القيامة لحبيب ‪ ،‬والبحتري والمتنبي ‪ ،‬وفي عصركم‬
‫من يهتدي إلى ما لم يهتدوا إليه "‪.8‬‬

‫‪1‬ـ ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬الفن ومذاهبه ‪ ،‬صـ ‪. 119‬‬


‫‪ 2‬ـ الفن ومذاهبه ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوانه ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ‪ ،‬ص ‪. 252 ، 216‬‬
‫‪5‬ـ تمام المتون ‪ ،‬ص‪. 12‬‬
‫‪ 6‬ـ ابن خاقان ‪ ،‬أبي نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي اإلشبيلي ‪ ،‬قالئد العقيان ومحاسن األعيان ‪ ،‬تحقيق حسين يوسف خربوش‬
‫‪ ،‬مكتبة المنار ‪ ،‬ط‪. 215 / 1 ، 1696 1/‬‬
‫‪ 7‬ـ بالنثيا ‪ ،‬آنجل جنثالث ‪ ،‬تاريخ الفكر األندلسي ‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1655 ،‬ص ‪. 99‬‬
‫‪8‬ـ نفح الطيب ‪. 129 / 1 ،‬‬
‫‪22‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬أبو تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬في أدب ابن زيدون‬

‫ذكر ابن زيدون أسماء ك ّل من أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬في أدبه وأشار إلى‬
‫مذاهبهم ‪ ،‬كما أشار إلى أشعارهم في أدبه ‪ ،‬وضمن بعضها ‪ .‬يقول ابن زيدون في رسالته‬
‫الهزلية ‪ " :‬والمعني بقول أبي تمام ‪،‬‬

‫‪1‬‬ ‫على ما فِيكَ من َك َر ِم ِ ّ‬


‫الطباع ِ"‬ ‫تزدْها‬ ‫صو ْرتَ نَ ْف َ‬
‫سكَ لم ِ‬ ‫فَلَو َّ‬

‫وقد ضمن ابن زيدون في إحدى قصائده شطرا ً ألبي تمام ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫غض َّ‬


‫والزمان ُ ُ‬
‫غال ُم "‬ ‫ُّ‬ ‫العيش‬
‫ُ‬ ‫إذ "‬ ‫فكم َرفَلَ ْ‬
‫ت فيها الخرائدُ كالدُّمى‬

‫فالشطر الثاني ألبي تمام في قصيدته التي مدح بها المأمون ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫فكم ح َّل عقدة َ صبره اإللما ُم‬ ‫ِد َم ٌن أل َّم بها فقال سالم‬

‫إلى أن قال ‪:‬‬

‫غض والزمان غال ُم ؟‬


‫ُّ‬ ‫العيش‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫اك ‪ ،‬فَ َه ْل أ َ َر ِ‬
‫اك ِبغبطة‬ ‫َولَقَ ْد َ‬
‫أر ِ‬

‫وجاء في الرسالة الهزلية أيضا ً ‪ " :‬والمراد بقول أبي الطيب ‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫ُك ْنتَ البَدِي َع الفَ ْردَ من أبْياتِها "‬ ‫ذُ ِك َر األنا ُم لَنَا فكانَ قصيدة ً‬

‫وقال ابن زيدون في إحدى قصائده ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫مر الل َيا ِلي يُ ْعلَــــ ُم‬ ‫َبيْتا ً َ‬
‫علَى ِ ّ‬ ‫قَ ْد قَا َل " شَا ِع ُر ِك ْندَة " فِي َما َمضــَى‬

‫‪6‬‬
‫" ال يسلم الشرف الرفيع من األذى حتى يراق على جوانبه الدّ ُم"‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬تحقيق علي عبد العظيم ‪ ،‬ص ‪ ، 15‬والبيت في ديوان أبي تمام ‪. 129 / 1‬‬
‫‪ 2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪، 129‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪. 92 / 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 152‬والبيت في ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح العكبري ‪ ،‬ضبطه مصطفى السقا ‪ ،‬وإبراهيم األبياري ‪،‬‬
‫عبد الحفيظ شلبي ‪ ،‬دار المعرفة ـ بيروت ‪. 215 / 1 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 112‬فقوله شاعر كندة ‪ :‬يعني بذلك أبا الطيب المتنبي ‪ ،‬وكندة نسبة إلى المحلة التي ولد بها‬
‫‪ 6‬ـ ينظر المرجع السابق ‪ ،‬في الصفحة نفسها ‪ ،‬والبيت مقتبس من قصيدة للمتنبي ‪ ،‬في هجاء ابن كيغلغ ‪ ،‬ومدح أبي العشائر ‪ ،‬ينظر‬
‫ديوان المتنبي ‪. 125 / 1 ،‬‬
‫‪21‬‬
‫ويقول ابن شريفة ‪ ... " :‬وكان ابن زيدون ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ‪،‬‬
‫ويقتبس منه في شعره " وقد عارض قصيدة المتنبي التي مطلعها ‪: 1‬‬

‫ُ‪2‬‬
‫كأس ‪ ،‬وال سكن‬
‫وال ندي ٌم ‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ُ‬
‫وطن‬ ‫َبم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ٌهل وال‬

‫وذلك في قصيدته التي أولها ‪:‬‬

‫ُ‪3‬‬
‫سن‬ ‫ش َج ُن ـ ِم ْن ِذ ْك ِر ُك ْم ـ َو َجفا أجْ فَانَهُ َ‬
‫الو َ‬ ‫ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريْبا ً َ‬
‫عادَهُ َ‬

‫فضمن آخرها مطلع المتنبي السابق ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫ُ‪4‬‬ ‫فَ َباتَ يُ ْن ِشدُهَا ِم َّما َجنَى َّ‬


‫الز َمـــن‬ ‫َوأ َ ْف َردتْهُ اللَّيا ِلي ِم ْن ِ‬
‫أحـــــبَّتِ ِه‬

‫ُ‬
‫سكن"‬ ‫كأس ‪ ،‬وال‬
‫وال ندي ٌم ‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ُ‬
‫وطن‬ ‫" بَم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ٌهل وال‬

‫كما أشار ابن زيدون في رسالته المظفرية لمذهبي الطبع والصنعة فقال ‪ " :‬وأمددت في النظم‬
‫‪5‬‬
‫بطبع البحتري ‪ ،‬وبصناعة الطائي "‬

‫هكذا كان ابن زيدون كثير اإلشارة ألشعار أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬ومضمنا ً لها ‪،‬‬
‫وذاكرا ً ألسمائهم في أدبه ‪ ،‬ولع ّل من الطريف ّ‬
‫أن ابن زيدون لم يذكر ـ في أدبه ـ اسم شاعر‬
‫عبّاسي سواهم ‪ ،‬فقد ذكر اسم أبي تمام ‪ ،‬والمتنبي مرتين ‪ ،‬والبحتري مرة واحدة ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ينظر " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫َّ‬
‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح العكبري ‪ ، 211 / 1 ،‬وقد قال هذه القصيدة وهو بمصر عندما حن إلى مجلس سيف الدولة بحلب ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ‪. 112‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 111‬والبيت هو مطلع قصيدة المتنبي المذكورة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 911‬‬
‫‪21‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أثر معاني شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر‬
‫ابن زيدون ‪:‬‬

‫تأثر ابن زيدون بالكثير من معاني الشعراء العباسيين كأبي تمام والبحتري والمتنبي ‪،‬‬
‫وهذا التأثر واألخذ في المعاني أمر مألوف ومعروف عند الشعراء منذ القدم فقد قال عنترة ‪" :‬هل‬
‫غادر الشعراء من متردم " غير أن أخذ معاني السابقين تبدو ظاهرة عامة عند أغلب شعراء‬
‫األندلس ‪ ،‬وقد تتبع ابن بسام في ذخيرته هذه المعاني كاشفا ً النقاب عنها ‪ ،‬حيث وقف طويالً عند‬
‫جوانب احتذاء األندلسيين بشعراء العصر العباسي ‪ ،‬وال شك في أن ابن زيدون من أولئك‬
‫الشعراء الذين وقف ابن بسام ‪ ،‬على معانيهم في ذخيرته ‪ ،‬فكان ـ كما يقول ـ شوقي ضيف ‪ " :‬ال‬
‫يترك بيتا ً له ألتقط معناه أو لفظه من شعر غيره إال نبه إليه ‪ ،‬وهو في العادة يعرض القصيدة‬
‫معنى أو لفظا ً مشتركا ً بينه وبين من سبقوه‬
‫ً‬ ‫الجيدة من قصائده ‪ ،‬ثم يعود إليها بالتصفح فكلما وجد‬
‫‪ ،‬د ّل على موضع أخذه وموطن استعارته " ‪ ، 1‬وهو أمر ـ وإن كان مألوفا ً عند الشعراء ‪ ،‬إال أنه‬
‫عابه على شعراء عصره ووصفه بالتقليد ‪ ،‬واالحتذاء ‪ ،‬والمتابعة لشعراء المشرق ناسيا ً أ ن‬
‫ذخيرته تقليدٌ ليتيمة الثعالبي ‪ ،‬يقول ابن بسام ‪ " :‬إن أهل هذا األفق ( األندلس ) أبوا إال متابعة‬
‫"‪.2‬‬ ‫لقتادة‬ ‫الحديث‬ ‫رجوع‬ ‫المعتادة‬ ‫أخبارهم‬ ‫إلى‬ ‫يرجعون‬ ‫‪،‬‬ ‫المشرق‬ ‫أهل‬
‫وبتتبعنا لمعاني ابن زيدون في ديوانه وجدنا أنه كان ذا شغف بأشعار العباسيين ‪ ،‬واسع‬
‫االطالع عليها ‪ ،‬كثير اإلعجاب بها خبيرا ً بمعانيها ‪ ،‬فال يكاد يقول قصيدة إال ويشير فيها إلى‬
‫معانيهم آخذا ً بعضها ‪ ،‬وهو أسلوب ال يمكننا وصفه بالعي ‪ ،‬أو الضعف ‪ ،‬وإنما ؛ ليدل على سعة‬
‫اطالعه ‪ ،‬وغزارة ثقافته ‪ ،‬وإلمامه بمعاني سابقيه من شعراء المشرق ‪ ،‬متمثالً لها أيما تمثيل من‬
‫ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى يريد أن يظهر مقدرته على منافستهم " فقد كانت فيه غيرة القول‬
‫ونخوة المنافسة "‪ ، 3‬وعالوة ً على ذلك أنه عاش في " عصر و لع باالقتباس ‪ ،‬والتضمين "‪ 4‬وفي‬
‫هذا المبحث سنتتبع بعض المعاني التي تأثر بها ابن زيدون بأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ؛‬
‫وذلك لصعوبة االستقصاء ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬ابن زيدون ص ‪. 19‬‬


‫‪2‬ـ الذخيرة القسم األول ـ المجلد األول ص‪. 12‬‬
‫‪3‬ـ حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ص‪. 199‬‬
‫‪4‬ـ عبد العظيم ‪ ،‬علي ‪ ،‬ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ص ‪. 162‬‬
‫‪25‬‬
‫أوالً ‪ :‬أثر معاني أبي تمام في شعر ابن زيدون‪:‬‬

‫إن المتتبع لديوان ابن زيدون يجد كثيرا ً من أبياته قد أخذ معناها من أبيات ألبي تمام ‪ ،‬ومن‬
‫َّ‬
‫ذلك أن ابن زيدون كتب في أواخر سجنه رسالته الجدية ‪ ،‬وضمنها قصيدة ميمية ختمها بقوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صا ِل بِالتَّتْ ِمي ِْم‬ ‫ـــكَ ت َ َمام ِ‬
‫ُالخ َ‬ ‫صنِيعَةَ يُو ِل ْعــ‬
‫َومت َى تبدإ ال َّ‬

‫متأثر بأبي تمام في‬


‫ٌ‬ ‫قائالً بعدها ‪" :‬هاكها أعزك الله يبسطها األمل "‪ ، 2‬وهو ـ كما يبدو ـ‬
‫مدحه لقصائده ‪ ،‬والثناء عليها ‪ ،‬ومعنى البيت مشهور ‪ ،‬يتحدث عن إتمام المعروف ‪ ،‬وقد أخذه‬
‫من بيت أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫وال َمجْ دُ ك ُّل ال َمجْ ِد في استِتْ ِ‬
‫مامه‬ ‫ف َمجدٌ با ِس ٌق‬ ‫ّ‬
‫إن ابتدا َء العُ ْر ِ‬

‫ومن المعاني التي أخذها ابن زيدون من أبي تمام ‪ ،‬قوله مستعطفا ً أبا الحزم بن جهور‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫والقمر ؟‬
‫ِ‬ ‫الشمس‬
‫ِ‬ ‫الكسوف لغير‬
‫ُ‬ ‫أم‬ ‫هل الريا ُح بنجم األرض عاصفةٌ ؟‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬أن الحوادث ال تعصف إالَّ بالعظماء ‪ ،‬كما أن الرياح تتجاوز النبات‬
‫الالصق باألرض وتحطم األشجار الضخمة ‪ ،‬والكسوف يعتري الشمس والقمر ‪ ،‬وال يعتري‬
‫النجوم ‪ ،‬وال شك أن هذا المعنى من قول أبي تمام ‪ ،‬في مدح أبي بشر عبد الحميد بن غالب ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ع ْيدانَ نجد لم يَ ْع َبأْنَ َّ‬
‫بالر ِتم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قصفت‬ ‫ت‬ ‫ّ‬
‫إن الريا َح إذا ما أعصف ْ‬

‫الر ِقم‬
‫ّهر في ّ‬
‫والبدر منه الد َ‬
‫ُ‬ ‫والشمس‬
‫ُ‬ ‫وف لها‬
‫س َ‬‫ونعش ال ُك ُ‬
‫ٌ‬ ‫بناتُ نعش‬

‫وإذا نظرنا إلى معاني نونية ابن زيدون الغزلية ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ب لُقيانا ت َ َجــافِينا‬
‫وناب عن ِط ْي ِ‬
‫َ‬ ‫ض َحى التَّنَائِي بَدِيالً ِم ْن ت َدانِيـــــــنا‬
‫أ ْ‬

‫ين دَا ِعيــــــنا‬


‫للح ِ‬
‫ٌفقام ِبنَا ِ‬
‫حين َ‬ ‫أالّ ـ وقَ ْد َحانَ ُ‬
‫صبح ُالبَي ِْن ـ صبّحنا‬

‫حزنا ً مع الدَّ ْه ِر ال يَبلى ويُبلينا‬ ‫زاح ِهم ُ‬


‫من ُمبلغ ال ُملبِسِينا بانــــــــتِ ِ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 291‬الصنيعة ‪ :‬اإلحسان ‪.‬‬


‫‪2‬ـ الصفدي ‪ ،‬تمام المتون ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬تقديم راجي األسمر ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 1661/‬جـ ‪ ، 111/2‬باسق ‪ :‬سام‬
‫عال ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪. 251‬‬
‫‪5‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 112 /2 ،‬عيدان ‪ :‬جمع عيدانة وهي النخلة الطويلة ‪ ،‬وتستعمل في السدر ‪ ،‬والرتم ‪ :‬نوع من الشجر ‪ .‬الرقم ‪:‬‬
‫الداهية ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪. 112 ، 111‬‬
‫‪21‬‬
‫أنسا ً بقربهم قد عاد يبكيــــــنا؟‬ ‫يضحكنا‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫أن الزمانَ الذي ما زال‬

‫نرى أنه يتالقى وقصيدة ألبي تمام في معاني الهجر ‪ ،‬وطول الفراق ‪ ،‬وألَ ْم البين ‪ ،‬وتقلب‬
‫األحوال وتبدلها ‪ ،‬وهي قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ِذ ْك ُر النَّـــــوى فكأنها أيّـــــا ُم‬ ‫أعوام وصل كان يُ ْن ِسي ُ‬
‫طولَها‬ ‫َ‬

‫أسى فكأنّها أعــــوا ُم‬


‫ً‬ ‫ى‬
‫ِب َجو ً‬ ‫رت أيّا ُم هجْ ر أ َ ْردَفـ َ ْ‬
‫ــت‬ ‫ث ّم ا ْن َب ْ‬

‫فكأنَّها وكأنَّهـم أحـــــــــال ُم‬ ‫ون وأهلُها‬


‫سن ُ ُ‬ ‫ث ّم انقَ ْ‬
‫ضت تلك ال ُّ‬

‫ومن الصور الفنية التي تأثر فيها ابن زيدون بأبي تمام ‪ ،‬قوله في بني جهور‪:‬‬

‫ُ‪2‬‬
‫ضميري فما با ُل المدائح ت َعبق‬ ‫بني جهور أحرقتُم ُبجفائـــــكم‬

‫ُحر ُق‬
‫سهُ حين ي َ‬
‫يب لكم أنفا ُ‬
‫ت َِط ُ‬ ‫تَعُدُّونَ ِني كال َم ْندَ ِل الَّرطب إنّما‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬يا بني جهور لقد قابلتم مودتي بالجفاء ‪ ،‬وأحرقتم فؤادي بإعراضكم عني‬
‫على الرغم مما خلعته عليكم من عاطر الحمد وطيب الثناء ‪ ،‬فحالي كحال عود البخور ال تفوح‬
‫رائحته الطيبة إالَّ إذا أحرق ‪ ،‬يقول أبو تمام في وصف مكانته التي بعثت على إثارة األحقاد في‬
‫نفوس حساده ‪:‬‬

‫ع ْرف العُو ِد‬


‫ُعرف طيب َ‬
‫ما كانَ ي ُ‬ ‫ْ‬
‫اورت‬ ‫لَ ْوالَ اشتعا ُل النَّ ِ‬
‫ار فيما َج‬
‫‪3‬‬

‫ْللحاسد النُّ ْعــــمى على المح ُ‬


‫ســـو ِد‬ ‫ف للعَواقِب لَ ْم ت َــزَ ْل‬
‫لَ ْوالَ التَّخ َُّو ُ‬

‫يقر أبو تمام بأن حسد هؤالء أدى إلى نشر فضائله التي صورها برائحة العود الطيبة التي ال‬
‫تمأل المكان إالَّ إذا اشتعلت فيها النار فكأن حسد هؤالء يدعوه إلى التمسك بخصاله واالستزادة من‬
‫الفضائل واكتساب المكارم ‪.‬و قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ف‬
‫األيك ت َه ِت ُ‬
‫ِ‬ ‫ُم ِرنّاتُ ُو ْرق في ذُرا‬ ‫وتُذ ِك ُرنِي ال ِع ْقدَ ال ُم ِر ّن ُج َمانُهُ‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬ج‪. 91 / 2‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ . 562‬تعبق ‪ :‬الرائحة الطيبة ‪ ،‬المندل ‪ :‬عود طيب الرائحة يستعمل في البخور ‪ ،‬يقال أنه منسوب إلى‬
‫مندل بالهند ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪. 211/ 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص ‪. 195‬المرن ‪ :‬المحدث صوتا ً فيه امتداد ‪ ،‬الورق ‪ :‬جمع ورقاء وهي الحمامة التي في لونها غبرة ‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫يقول الشاعر ‪ :‬يذكرني رنات عقدها بأصوات الطيور المغردة في األشجار الملتفة ‪ ،‬وهومن قول‬
‫أبي تمام ‪ ،‬الذي شبه فيه رنات العقد بهديل الحمام ‪:‬‬

‫حماما ً إذا القى حماما ً َ‬


‫ترنَّما‬ ‫قامت ت َ َرنَّ َم فَوقَها‬
‫ْ‬ ‫وبالحلي أن‬
‫‪1‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ط َبع ُ‬ ‫في َّأو ِل ّ‬
‫الطبع ِلم َيعلق بها َ‬ ‫جوهرها‬
‫ُ‬ ‫طاب‬
‫َ‬ ‫يوف إذا ما‬
‫س َ‬ ‫ّ‬
‫إن ال ّ‬

‫يشير إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫صقا ِل‬
‫نتفع ِب ِ‬
‫من طب ِعه ِلم َي ْ‬ ‫صيقَ ٌل‬
‫ُلف فيه َ‬
‫سيف ُما لم ي َ‬
‫وال ّ‬

‫حيث يشبه ابن زيدون ابن جهور في كرمه ونسبه بالسيف النقي العنصر ‪ ،‬أما أبو تمام‬
‫فإنه يشيد بتدبير المعتصم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إذا لم يكن في السيف جودة حديد تحتمل الصقال لم ينتفع‬
‫بصقاله ‪ ،‬وكذلك هذه الغزوة لو لم يكن فيها جودة تدبيرك ‪ ،‬لم ينتفع فيها بتدبير الوزراء ‪.‬‬

‫وكذلك أخذ ابن زيدون قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫لقد قدّ َم ْ‬


‫ت منه المخايل َمو ِعدا‬ ‫لئن انجزت منه الشمائل آخرا ً‬

‫يريد ابن زيدون ‪ :‬أن األمير تام الخلق ‪ ،‬والشمائل ‪ ،‬وقد رأينا فيه هذه الفضائل مذ كان طفالً ‪.‬‬
‫وهو من قول أبي تمام ‪ ،‬في رثائه البنين صغيرين لعبد الله بن طاهر ‪ ،‬وقد ماتا في يوم واحد ‪:‬‬

‫ً‪5‬‬
‫لو أ ُ ْمهلَت حتى تكون شمائال‬ ‫لَ ْهفي على تلك المخاي ِل منهما‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫لدهري إال به موعدا‬ ‫وأخلف موعدَ َم ْن ال أرى‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام شرح التبريزي ‪. 111 / 2‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 122‬الطبْع ‪ :‬الصنع ‪ .‬الطبَع ‪ :‬الصدأ أو العيب والشين ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 16 / 2‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ص‪ ، 199‬الشمائل ‪ :‬جمع شمال وهو الخلق ‪ ،‬المخايل ‪ :‬جمع مخيلة وهو المظهر ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 522 /2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪29‬‬
‫‪1‬‬
‫أخلفت ُ ُموهُ َم ْو ِعدَا‬
‫إن أنت ُم ْ‬
‫ْ‬ ‫ت ال ُه ُمو ُم فٌؤادَهُ‬ ‫صب ت َوا َ‬
‫عد ِ‬ ‫َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬ال أكون على موعد إالَّ مع من ال أرى موعدا ً إالَّ معه مدى الدهر ‪،‬‬
‫ويقول أبو تمام ‪ :‬إن أنتم اخلفتم موعدي ‪ ،‬فإن الهموم اجتمعت فيه وصدقت في وعدها ‪ ،‬وقول‬
‫ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫جاب‬
‫ب ِح ُ‬ ‫َم َهابَت ُهُ دون ِ‬
‫الحجا ِ‬ ‫رف منهُ آل ِذن‬ ‫َم ِهيبٌ يغض َّ‬
‫الط َ‬

‫قريب من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫حجاب‬
‫ُ‬ ‫ما بَا ُل ال شيء عليه‬ ‫هَبْ َم ْن له شي ٌء يُريدُ حجابَه‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لألمير هيبة ووقار يغض الطرف عن عيوب جالسيه ‪ ،‬واألمير بدون‬
‫حجاب ‪ ،‬ألن مهابته تغنيه عن الحراس والحجاب ‪ ،‬وهو من قول أبي تمام ‪ :‬الذي نفى الحجب‬
‫لممدوحه ‪ ،‬ويقول ابن زيدون ‪ ،‬في مدح ابن جهور ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫أنام ُل‬
‫ت ِ‬ ‫ت َ َهلَّ َل وجْ هٌ ‪ ،‬وا ْست َ َهلَّ ْ‬ ‫ب ُجو ِد ِه‬
‫أغر ‪ ،‬إذا ِش ْمنا سحائِ َ‬

‫يشيد ابن زيدون بكرم ممدوحه ‪ ،‬فيصفه بأنه ذو وجه مشرق ‪ ،‬وإذا ترقَّبْنا سحائب كرمه‬
‫نراه قد تهلَّل وجهه ‪ ،‬وانهلَّ ْ‬
‫ت أنامله ‪ ،‬ولعله نظر فيه لقول أبي تمام ‪ ،‬في مدح المعتصم ‪ ،‬في‬
‫سياق الكرم والسخاء ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫أناملُ ْه‬
‫ثناها ِلقبْض لم ت ُ ِج ْبهُ ِ‬ ‫الكف حتَّى لو أنه‬
‫ِّ‬ ‫َعود َب ْس َ‬
‫ط‬ ‫ت َّ‬

‫و قول ابن زيدون ‪ ،‬في مدح ابن جهور مشيدا ً بفضائله عليه ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫تزين ‪ ،‬ولكن انطقتْني الفواض ُل‬
‫ُ‬ ‫الشعر م َّما أدَّعيه فضيلةً‬
‫ُ‬ ‫وما‬

‫ي ‪ ،‬ولكن هباتك السامية ومننك العظيمة هي‬


‫المعنى ‪ :‬ال أدّعي أن الشعر فضيلة طبيعية ف َّ‬
‫ي بهذا الشعر الرائع ‪ ،‬ولعله استوحى هذا المعنى الرائع من قول أبي تمام ‪ ،‬في مدح‬
‫التي أوحت إل ّ‬
‫المعتصم ـ وإن كان أبو تمام في هذا المعنى يفخر بشعره ‪ ،‬أكثر من حديثه عن فضائل الممدوح ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 291 / 1‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 195‬آذنٌ ‪ :‬مستمع ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 119 / 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬تحقيق علي عبد العظيم ‪ ،‬ص ‪ ، 162‬شام البرق ‪ :‬تتبعه حتى لينظر أين يمطر ‪ .‬تهلل ‪ :‬اشتد انصبابه ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح التبريزي ‪ ،‬تحقيق راجي األسمر ‪. 15 / 2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 169‬الفواضل ‪ :‬األيادي الجسيمة والمنن العظيمة ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪1‬‬
‫ست َ ْقتَتِ ُل‬
‫حتى ظنَ ْنتُ قوافيه َ‬ ‫ِعر فيه إ ْذ َ‬
‫س ِه ْرتُ له‬ ‫تَغَا َي َر ال ّ‬
‫ش ُ‬

‫ويقول ابن زيدون في مطلع فائيته التي مدح فيها المعتضد ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الج ْزعِ َم ْوقِ ُ‬
‫ف؟‬ ‫الو ْق ِ‬
‫ف ِب ِ‬ ‫ت َ‬ ‫لَنَا ‪َ :‬ه ْل ِلذَا ِ‬ ‫ف‬
‫ف ُمعَ ِ ّر ُ‬
‫ع ْر ٌ‬
‫الريحِ َ‬
‫سيم ّ‬
‫أ َما في نَ ِ‬

‫لعله نظر فيه إلى مطلع قصيدة ألبي تمام في مدح محمد بن عبد الملك الزيات ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫لوال نَسِي ُم تُرا ِبها ل ْم يُ ْع َر ِ‬
‫ف‬ ‫َف‬ ‫ف َب َكى آيا ِ‬
‫ت َربْع ُم ْدن ِ‬ ‫دَ ِن ٌ‬

‫يشترك البيتان في الحنين آلثار الحبيبة ‪ ،‬فابن زيدون ‪ ،‬يتساءل قائالً ‪ :‬هل تستطيع نفحات‬
‫الريح أن تعرفنا بالحبيبة ‪ ،‬وهل السوار العاجي لمنعطف الوادي وجود ‪ ،‬أما أبو تمام فإنه يقف‬
‫على أطالل الحبيبة ‪ ،‬التي كادت أن تغيب آثارها ‪ ،‬فلوال نسيم ترابها لم تعرف ‪ .‬كما أخذ ابن‬
‫زيدون قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ف‬ ‫اوز غايةَ القَ ْ‬
‫ص ِد ُمس ِْر ُ‬ ‫ص َر ُم ْ‬
‫طنِبٌ ‪َ ،‬ولَ ْم يَت َ َج ْ‬ ‫إذا نَحْ ُن قَ ّر ْ‬
‫ظنَاهُ قَ ّ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫عيْن ال ُمسْرف‬ ‫فم َح َّمدٌ في النَّ ْ‬
‫صح ِ َ‬ ‫َصي َحتِه لها‬ ‫َم ْن كانَ يَ ْق ِ‬
‫صدُ في ن ِ‬

‫يقول ابن زيدون إذا مدحنا األمير لم نستطع أن نفيه حقه من الثناء مهما أسرفنا في‬
‫المبالغة واإلطناب ‪ ،‬أما أبو تمام فيقول إن محمد بن عبد الملك الزيات ‪ ،‬يسرف في نصيحته‬
‫للخالفة حينما كان يصد غيره عن النصيحة ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح التبريزي ‪ ،‬تحقيق راجي األسمر ‪. 9 / 2 ،‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 196‬العرف ‪ :‬الريح طيبة أو خبيثة واألشهر الطيبة ‪ .‬القف ‪ :‬سوار من عاج ‪ ،‬ووقفها ألبسها‬
‫السوار ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 111 / 1‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 199‬‬
‫‪5‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 119 /1‬‬
‫‪12‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أثر معاني البحتري في شعر ابن زيدون‪:‬‬

‫سمي ابن زيدون ببحتري األندلس الشتراكه مع البحتري في الكثير من المعاني والصور‬
‫واألساليب ‪ ،‬ومن ذلك ‪ ،‬أنه نظم فائية طويلة تتكون من خمسة وثمانين بيتا ً ‪،‬مهنئا ً بها المعتضد‬
‫بعيد األضحى ‪ ،‬ومشيدا ً بفتكه بأمراء األقاليم المجاورة ‪ ،‬حيث تأثر فيها بكثير من معاني وصور‬
‫البحتري ‪ ،‬وقد استهلها بحنين إلى والدة ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الج ْزعِ َم ْوقِ ُ‬
‫ف؟‬ ‫الو ْق ِ‬
‫ف بِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫لَنَا ‪:‬ه َْل ِلذَا ِ‬ ‫ف‬
‫ف ُمعَ ِ ّر ُ‬
‫ع ْر ٌ‬
‫الريحِ َ‬
‫َسيم ّ‬
‫أ َما في ن ِ‬

‫ومن أبيات القصيدة ‪ ،‬قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ف‬
‫صر ُ‬ ‫تُ ُ‬
‫شير فيمضي والقضا ُء ُم ِ ّ‬ ‫ّهر خاد ٌم‬
‫ول ّما حضرنا اإلذن والد ُ‬

‫ف الما ُل الجسي ُم وي ُْخلَ ُ‬


‫ف‬ ‫بها يُتْلَ ُ‬ ‫وصلنا فقب ّْلنا الندى منكَ في يـــد‬

‫وهو من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ب الَّ ِذي أنا ِ‬
‫داخلُ ْه‬ ‫ِر َجا ٌل عن البَا ِ‬ ‫سدَّة َ اإل ْذ ِن أ ُ ِ ّخ َر ْ‬
‫ت‬ ‫ض ْرنَا ُ‬
‫ول َّما َح َ‬
‫‪4‬‬
‫َج ِميل ُم َحيَّاهُ ِسبَاط أ َ ِ‬
‫ناملُهُ‬ ‫دَنُ ْوتُ فَقَبَّ ْلتُ النَّدَى في يَ ِد ْام ِرئ‬

‫يشترك ابن زيدون مع البحتري ‪ ،‬في المعنى العام ؛ لتوافق موقفهما ‪ ،‬وهو موقف الدخول‬
‫على السلطان ‪ ،‬والمثول بين يديه ؛ فالواقف في حضرة الملك يبدأ بتقبيل يده ‪ ،‬ويدنو منه ‪،‬‬
‫ويتوسل إليه ‪ .‬ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ف‬ ‫ِّ‬
‫وبالحظ في ني ِل ال ُمنى متــــــك ِنّ ُ‬ ‫ظــــــــــلّ ُل‬
‫ور ُم َ‬
‫ــر ِ‬
‫س ُ‬‫وبُشراك ِعيدٌ بال َّ‬
‫ف‬
‫ص ُ‬ ‫س ُق النّ َ‬
‫ظم ال ُموالي وير ُ‬ ‫كما ين ُ‬ ‫بشير بأعيـــاد توافـــــــــيك بعــــــدَهُ‬
‫ٌ‬
‫ف‬ ‫غــربيه ت ُ ْ‬
‫ظـــلَ ُ‬ ‫دما ُء ال ِعدا دأبا ً بِ ْ‬ ‫ــيف دولتِـــــــكَ الذي‬ ‫ت ُ َج ِ ّ‬
‫ــــردُ فيه ســـ َ‬
‫وح ْليَتُهُ بـــــ َ ْذ ُل النّـدى والتّعـــفـ ُّ ُ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫العضب الذي العز ُم حدُّهُ‬
‫ُ‬ ‫هو الصار ُم‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 196‬العرف ‪ :‬الريح طيبة أو خبيثة واألشهر الطيبة ‪ .‬القف ‪ :‬سوار من عاج ‪ ،‬ووقفها ألبسها‬
‫السوار ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان البحتري شرح وتعليق حسن كامل الصيرفي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 1/‬م‪ ، 1‬ص‪ ، 1111‬السُّدة ‪ :‬باب الدار ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬ص ‪ ، 1111‬سبط اليدين وسبط البنان ‪ :‬أي كريم ‪ .‬وروي في الذخيرة القسم األول ـ المجلد األول ‪،‬‬
‫ص ‪ " 199‬من يد امرئ كريم محياه " ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ينظر ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ 161‬ـ‪ ، 161‬متكنف ‪ :‬محاط به ‪ ،‬ينسق ‪ :‬ينظم في جمال واتقان ‪ ،‬يرصف ‪ :‬يحكم ‪ ،‬الموالي‬
‫‪ :‬المناصر ‪ .‬ـ تظلف ‪ :‬تباح وتهدر ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ألحْ ف ُل منه ُم ْكفَ ِه ّرا ً وأكـــــــــنف‬ ‫الغيـــــم إنه‬
‫َ‬ ‫غدا بخميس يُقــــــــس ُم‬

‫ف‬
‫مــــــــطو ُ‬
‫ِّ‬ ‫ناظر أو‬
‫ٌ‬ ‫يُغاديه منّا‬ ‫عدنا إلى القصر الذي هو كــــعبة ٌ‬
‫و ُ‬
‫ف‬
‫ُواألرض بالخي ِل تر ُج ُ‬
‫ُ‬ ‫ع َجاجت َه‬
‫َ‬ ‫نحن طالعنا ه ُواألُفُ ُق البـــــس‬
‫فإ ْذ ُ‬

‫ف‬
‫س ُ‬
‫داودَ يُو ُ‬
‫ب ُ‬ ‫تطلّع من محـــرا ِ‬ ‫رأيناك في أعلى المصلّى كأنّـــــما‬

‫فهي صورة رائعة لوصف جيش األمير في كره على األعداء ‪ ،‬والبطش بهم ‪ ،‬وهي‬
‫صورة مستوحاة من صور البحتري في مدح المتوكل ‪ ،‬وتهنئته بيوم الفطر‪ ،‬يقول البحتري ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ش َّهــــ ُر‬
‫مان ُم َ‬ ‫يَ ْو ٌم أغر ‪ِ ،‬م ْن َّ‬
‫الز ِ‬ ‫عيْنا ً ! إنَّــــــه‬ ‫وم ال ِف ْ‬
‫ط ِر َ‬ ‫فا ْنعَ ْم بِيَ ِ‬

‫ِّين فيه ويُ ْنــــ َ‬


‫ص ُر‬ ‫لَ ِجب يُحا ُ‬
‫ط الــد ُ‬ ‫أظهرتَ ِع َّز ال ُم ْل ِك في ِه بِ َجــــحْ فَل‬
‫ْ‬

‫ـــثر‬ ‫عدَدا ً يَس ُ‬


‫ِير ِب َها ال َعـــدِيدُ األ ْك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِير في ِه وقَ ْد غَـــدَ ْ‬
‫ت‬ ‫ِخ ْلنَا ِ‬
‫الجبَا َل تَس ُ‬
‫يض ت َْل َم ُع ‪ ،‬واأل ِسنّـَةُ ت َْزهــ َ ُر‬
‫وال ِب ُ‬ ‫س تُد ّ ِعي ؛‬
‫ص َه ُل والفَ َو ِار ُ‬
‫فال َخ ْي ُل ت َ ْ‬

‫ب أ ْغ َب ُ‬
‫ــــر‬ ‫والجو ُم ْعت َ ِك ُر ال َج َوانِ ِ‬
‫ُّ‬ ‫واألرض خا ِشعةٌ ت َِميدُ بِثِــــــــ ْق ِل َها‬
‫ُ‬
‫ط ْورا ً ‪ ،‬وي ْ‬
‫ُط ِفئُها ال َع َجا ُج األ ْكـدَ ُر‬ ‫َ‬ ‫س َما ِتعةٌ ت َوقّدُ في الضُّــحى‬ ‫وال َّ‬
‫ش ْم ُ‬
‫ذَاك الدُّ َجى ‪ ،‬وا ْن َجاب ذاك ال ِعثْ َي ُر‬ ‫وء وجْ ِهكَ فا ْن َجلَى‬
‫ض ِ‬ ‫حتَّى َ‬
‫طلعْتَ بِ َ‬
‫عي ٌْن ت َ ْنــــــ ُ‬
‫ظ ُر‬ ‫يُو َما إلَيْك بِ َها ‪ ،‬و َ‬ ‫صــــــبَ ٌع‬ ‫وا ْفت ََّن فِيكَ النَّ ِ‬
‫اظ ُرون فإ ْ‬

‫ِم ْن أنــــــعُ ِم الل ِه الّتي ال تُك َف ُ‬


‫ـــــر‬ ‫يَ ِجدُونَ ُرؤيَت َك الّتِي فَ ُ‬
‫ازوا بِهــــــَا‬

‫طلَعْتَ ِمن ال ُّ‬


‫صف ُ ِ‬
‫وف و َكب َُّروا‬ ‫ل َّما َ‬ ‫ط ْلعَتِك النّــــــبِ َّ‬
‫ي فَهلَّلُوا‬ ‫ذَ َك ُروا بِ َ‬
‫علَيْكَ ويَ ْ‬
‫ظـــ َه ُر‬ ‫نُ َ‬
‫ور ال ُهدى يَ ْبدُو َ‬ ‫صلّى البِسا ً‬
‫حتى ا ْنت َ َهيْتَ إلى ال ُم َ‬
‫المعنى في النصين يتمحور حول التهنئة بالعيد ‪ ،‬والنصر الذي يحققه الممدوح ‪ ،‬يقول ابن‬
‫زيدون ‪ :‬هنيئا ً لك العيد الذي أقبل عليك يظلله السرور ‪ ،‬ويحيط به الحظ السعيد ‪ ،‬وهذا العيد‬
‫مبشر بأعياد متوالية ‪ ،‬متناسقة كما نسق فيك المادحون ‪ ،‬آيات الثناء ‪ ،‬وإنك تجرد سيفك لتهدر به‬
‫دماء األعداء ‪ ،‬وتهاجمهم بجيش كبير متالحم كالغيم ‪ ،‬برقه لمعان السيوف ‪ ،‬ورعده أصوات‬
‫الطبول ‪ ،‬ول َّما حقق هذا الجيش النصر ‪ ،‬عدنا إلى القصر الذي هو كالكعبة ‪ ،‬يطوف حولها‬
‫الجنود على خيولهم ؛ مثيرة للنقع ‪ ،‬مبتهجةً بالنصر العظيم ‪ ،‬ورأيناك في أعلى شرفة القصر‬
‫متهلالً بجمالك ‪ ،‬وكأنك يوسف عليه السالم ‪ .‬وكذلك يهنئ البحتري ممدوحه بيوم الفطر ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬تحقيق حسن كامل الصيرفي ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬ص ‪ ، 1292، 1291‬الجحفل ‪ :‬الجيش الكثير ‪ .‬اللجب ‪ :‬ذو الصياح‬
‫والجلبة ‪ .‬تدَّعى ‪ :‬أي تعتز بأنسابها ‪ .‬البيض ‪ :‬السيوف ‪ .‬تزهر ‪ .‬ماتعة ‪ :‬مرتفعة ‪ .‬العجاج ‪ ،‬أو الدخان ‪ .‬العثير ‪ :‬الغبار ‪ .‬يوما ‪ :‬يومأ‬
‫مخففة الهمز ‪ ،‬أي يشار ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫لقد مكنت لملكك بجحفل من الجيش الكبير ‪ ،‬يحاط به الدين وينصر‪ ،‬فيصف الشاعر ذلك الجيش‬
‫في مواجهة األعداء بأنه يثير النقع حتى يغبر الجو ‪ ،‬ويحجب الشمس ‪ ،‬فتلمع فيه السيوف ‪،‬‬
‫والرماح ‪ ،‬ثم يصف خروج الخليفة الذي يجلي الظالم ؛ فيفتن الناظرون إليه إعجابا ً بجماله ‪،‬‬
‫وإشراقه فيقولون ‪ :‬إن وجودك من نعم الله التي تستحق الحمد والشكر ‪ .‬وإذا كان النَّصان في‬
‫ظاهرهما متفقين ‪ ،‬فإن هناك اختالفا ً في بعض الصور ‪ ،‬التي تفوق فيها ابن زيدون على البحتري‬
‫‪ ،‬من ذلك أن ابن زيدون شبه كثافة الجيش وإثارته للنقع بالغيم ‪ ،‬الذي رعده الطبل ‪ ،‬وبرقه لمعان‬
‫السيوف ‪ ،‬أما البحتري فيجعل السيوف تلمع في ذلك الجو المغبر ‪ ،‬وقد شبه ابن زيدون جمال‬
‫ممدوحه على شرفة القصر بيوسف وقد طل من محراب داوود ‪ ،‬بينما يكتفي البحتري بخروج‬
‫ممدوحه الذي يجلي الظالم ‪ .‬ومن تلك الصور أن البحتري يهني بيوم الفطر فقط ‪ ،‬بينما ابن‬
‫زيدون يدعو لممدوحه بأعياد متتالية ‪.‬‬

‫ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري ‪ ،‬قوله ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫تُحْ ذَ ُر ال َعي ُْن إذا الف ْ‬
‫ض ُل َك ُم َل‬ ‫َم ْن لَنَا فيكَ ِبعَيْب ِ‬
‫واحد‬

‫ِمثْلَ َما يَ ْغنَى ِ‬


‫عن ال ُكحْ ِل ال َك َح ْل‬ ‫َرف ت َ ْغنى ِ‬
‫عن المدحِ به‬ ‫ش ٌ‬
‫فهو كقول البحتري ‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫إلى المديحِ فَ َما يَحْ َ‬
‫ظى بِي الغَزَ ُل‬ ‫أقو ُل فيك بِو ِدّ َ‬
‫ظ ّل يج ِذبُني‬

‫تشترك األبيات في الفكرة العامة ‪ ،‬فال َكحل يغني عن ال ُكحل ‪ ،‬والمديح يغني عن الغزل ‪ ،‬يقول‬
‫ابن زيدون ‪ :‬هذه المكارم التي اتسم بها الممدوح اكتملت في شخصه ‪ ،‬حتى تمنى الشاعر أن يجد‬
‫في ممدوحه عيبا ً واحدا ً يقيه حسد العيون ‪ ، ،‬ألن الكمال مجلبة للحسد ‪ ،‬كما أن كل ما تحلى به‬
‫الممدوح من فضائل ‪ ،‬وما أحرزه من مجد يغنيه عن المدح والثناء ‪ ،‬مثلما يغني الجمال الطبيعي‬
‫عن الجمال المصنوع ‪ .‬أما البحتري ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إذا كان الغزل ينساب على شفاه الشعراء ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬جعلتني ال أطرق إالَّ المدح فيك ‪ ،‬واستغنيت عن الغزل‬
‫وتستهويه األسماع ‪ ،‬فإن فضائلك عل َّ‬
‫المحبب للنفوس ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 112‬الكَحل ‪ :‬سواد طبيعي في العين يغنيها عن التزين بال ُكحل ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬ص ‪. 1915‬‬
‫‪11‬‬
‫ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معانيها من البحتري ‪ ،‬قوله ـ أعني ابن زيدون ـ ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫للرياح ِ‪ ،‬ال للغُيُوم ِ‬
‫ب ال َح َيا ّ‬
‫ِ‬ ‫شفيعِ الثّناء والحمدُ في صو‬
‫لل ّ‬

‫من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الغيث مث ُل حم ِد الغُيُوم‬
‫َ‬ ‫تجلُ ُ‬
‫ب‬ ‫لرياح ِاللّواتي‬
‫حازَ َحمدِي ‪ ،‬و ِل ّ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن شفعت لي ‪ ،‬فأنت جدير بالحمد والثناء ‪ ،‬فالشافع هو أصل النعمة ‪ ،‬كما‬
‫أن الرياح ‪ ،‬هي باعثة السحاب ‪ ،‬وحاملته من مكان إلى مكان ‪ ،‬وهذا المعنى هو ما أراده‬
‫البحتري ‪ ،‬من أن الرياح هي الجالبة للغيوم الممطرة ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫زمن ما ِذ َما ُمه ُبالذّ ِم ِيم‬
‫ٌ‬ ‫ضى إلى ْ‬
‫أن تقَضّى‬ ‫َو َ‬
‫ط ٌر َما انقَ َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لم نظفر بآمالنا ‪ ،‬حتى انطوى عهدنا السعيد ‪ ،‬وخلفه زمن ذميم ‪ ،‬والشاعر‬
‫يشير إلى قول البحتري ‪ ،‬الذي ال يمل فيه من ذم الزمان ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ذميم‬ ‫شغُالً ْ‬
‫أن ذَ َم ْمتُ كل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال أ ُ ِم ُّل َّ‬
‫الزمانَ ذَ ّما ًو َحسبِي‬

‫ويقول ابن زيدون ‪ ،‬في رثاء أبي الحزم ‪ ،‬وتهنئة أبي الوليد ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الردى ـ قَد ُْر‬
‫فما لنفيس ـ ُمذ طواكَ ّ‬ ‫يفجع بالذّخائِر أهلهُ‬
‫ْ‬ ‫دَع ِالدّهَر‬

‫ويُ ْعرف ُـ ُمذ فارقَتْنا ـ الحادِث ُالنُّ ْك ُر‬ ‫الرزايا بَ ْعدُ وهي َجليلةٌ‬ ‫ُ‬
‫تهون ّ‬

‫إليها التّناهي طا َل أو ق ُ‬
‫ص َر العُ ْم ُر‬ ‫إن المنيةَ غــايةٌ‬
‫فال ت َ ْبعَدَ ْن ّ‬

‫وهي صورة لما سيؤول إليه المرء من نهاية طال أو قصر العمر ‪ ،‬ويبدو أنه أخذها من‬
‫البحتري ‪ ،‬في رثائه ألبي سعيد محمد بن يوسف ‪ ،‬يقول البحتري ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ث َ َوى اليَ ْوم َ َم ْن تُخشى عليه الغَوائِ ُل‬ ‫دع ِالموتَ يَ ْغت َ ْل مــن أرادَ فإنّــــــهُ‬

‫ض ٌل تُر َجى لَدَ ْي ِه الفَ ِ‬


‫واضـــــ ُل‬ ‫وال ُم ْف ِ‬ ‫خاف شـ َــــذَاتُـه ُ‬
‫ولم يبقَ مر ُهوبٌ ت ُ ُ‬
‫راحـــــــ ُل‬
‫وأيّـــــا ُمهُ دُونَ ال َممات ِ َم ِ‬ ‫الردَى‬
‫س ْوقا ًإلى ّ‬ ‫وكانت حياة ُ الح ّ‬
‫ي َ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪. 291‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 2291‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 299‬وطر ‪ :‬أمل مرتقب ‪ .‬الذمام ‪ :‬العهد ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الرابع ‪ ،‬ص ‪. 2292‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 529 ، 521‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬ص‪ ، 1911‬يغتال ‪ :‬يهلك ويقتل على غرة ‪ .‬الغوائل ‪ :‬المهلكات ‪ ،‬الشرور ‪ ،‬الدواهي ‪ .‬الشذاة ‪:‬‬
‫واحدة الشذا وهو األذى والشر ‪ .‬الفواضل ‪ :‬النعم ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫غدٌ وسْط َعام ما لَهُ الد َ‬
‫ّهـــر قابـــــ ِ ُل‬ ‫و ِل ْل ِ‬
‫مرء يَو ُم ـ ال َم َحــــــــالةَ ـ َما لَهُ‬

‫فالمعنى المشترك بين النصين ‪ ،‬الرثاء ‪ ،‬والحسرة على الفقيد ‪ ،‬فبدأ ابن زيدون نصه ‪ ،‬بقوله ‪:‬‬
‫ع الموتَ ي ْغتل ) ‪ ،‬فابن زيدون ‪ ،‬تهون عليه كل‬
‫ع الد ْه َر يفجع ) ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ ( :‬د ْ‬
‫(د ْ‬
‫مصيبة ‪ ،‬وإن عظمت بعد فقده لممدوحه ؛ ألن األمر جلل ‪ ،‬والخطب ال يدانيه خطب ‪ ،‬ثم يقر في‬
‫البيت األخير متص ِبّرا ً بأن الموت نهاية كل حي طال أو قصر العمر ‪ .‬والبحتري ‪ ،‬يترك للموت‬
‫العنان ؛ ليقتل من أراد مهما كانت معزته عند الشاعر ‪ ،‬فهان لديه كل شيء بعد أن ثوى ممدوحه‬
‫ق له من ترجى فضائله ‪ ،‬ثم يقر في البيت األخير ‪ ،‬بأن للمرء يوما ً لم يكن ليخطئه‬
‫‪ ،‬فالموت لم يب ِ‬
‫‪ ،‬فهو مصير كل إنسان ‪ .‬ومن معاني ابن زيدون ‪،‬التي تأثر بها بالبحتري ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صبا ال ُم ْقتَبِل‬
‫روض ال ّ‬
‫ِ‬ ‫بيانع‬ ‫الربا‬
‫مشيْنَ يُباهينَ روض ُّ‬
‫ومن قضب تتثنى بـــــد ّل‬ ‫فمن قُ ُ‬
‫ضب تتثنّى بريــــح‬ ‫ِ‬
‫ومن زهرات تندّى بطـــ ّل‬ ‫ومن زهرات تندّى بمسك‬
‫وهي صورة جميلة مستوحاة من جمال ّ‬
‫الطبيعة ‪ ،‬يمزج فيها ابن زيدون الغزل بوصف‬
‫الطبيعة ‪ ،‬وهو نهج نالحظه عند شعراء العصر العباسي ‪ ،‬يقول ابن زيدون هذه النسوة يمشين‬
‫ويمرحن في ذلك الروض ‪ ،‬وامتزجت القضب التي تتثنى بالريح ‪ ،‬وهي الزهور ‪ ،‬بالقضب التي‬
‫تتثنى بالدالل وهي النسوة ‪ ،‬وأن هذه الزهور تتندى بالطل فتفوح رائحتها الطيبة ‪ ،‬وهذه النسوة‬
‫تتندي ‪ ،‬وتتطيب بالمسك فتفوح رائحتها ‪ ،‬فتمتزج الرائحة الطيبة في ذلك الروض ‪ .‬ولعلّه نظر‬
‫فيها إلى البحتري في أبيات يتغنّى بها بجمال الطبيعة الخالب ‪ ،‬يقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ضبان به وقُــــــدُود‬
‫ِ‬ ‫أعطاف قُ‬
‫ُ‬ ‫األراك تشابَــــ َه ْ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ش ْينَ ب ِذي‬
‫ل ّما َم َ‬

‫ُــرود‬
‫ووشي ب ُ‬
‫ُ‬ ‫يِ‬ ‫شيان و ْش ُ‬
‫ي ُرب ّ‬ ‫و ِ‬ ‫في ُحلّت َْي ‪ِ :‬حبَر وروض ‪ ،‬فالتقى‬

‫ووردُ ُخدُود‬
‫جنى ْ‬
‫ً‬ ‫دان ‪َ :‬و ْردُ‬
‫َو ْر ِ‬ ‫ُون راقَـها‬
‫عي ٌ‬‫سفَ ْرنَ ‪ ،‬فامتألت ُ‬
‫و َ‬
‫فالبحتري ‪ ،‬يصف النسوة يمشين بوادي األراك ‪ ،‬فتختلط األغصان الناعمة اللينة بقدود‬
‫النسوة ‪ ،‬وتشابه وشيهن المزخرف باأللوان ‪ ،‬بألوان ذلك الروض المتمثل في شتى صنوف‬
‫األزهار ‪ ،‬واختلط ورد الروض بورد الخدود ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬ص ‪ ، 169 ، 169‬ذو األراك ‪ :‬واد قرب مكة ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪1‬‬ ‫ِريض ّ‬
‫الزمان فذ ّل منه قياد‬ ‫يا أيها الملك الذي ـ في ظلّ ِه ـ‬

‫من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ِم ْن دَ ْه ِرنَا ما لم يَ ُك ْن يُت َ َ‬
‫س َّه ُل‬ ‫اللهُ س ّهل بالخَليف ِة َج ْعفَر‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن األمير راض لنا الدهر الجموح ‪ ،‬حتى الن ‪ ،‬وسهل قياده ‪ ،‬وال تخفى‬
‫عالقة بيته ببيت البحتري ‪ ،‬واشتراكهما في المعنى ‪.‬‬

‫ويقول ابن زيدون في قصيدته إلى الزهراء ‪:‬‬

‫س َّراقَا‬ ‫بتْنَا لها ـ ِحيْنَ ن َ‬


‫َام الدَّ ْه ُر ـ ُ‬ ‫َيو ٌم كأي َِّام لَذات لنا ا ْن َ‬
‫صر ْ‬
‫مت ‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫فهذا المعنى من قول البحتري في مدح محمد بن علي القُ ِ ّمي ‪:‬‬

‫ُ‪4‬‬
‫ب َم ْف ِرق‬ ‫صباحٍ من ال ا‬
‫ش ْي ِ‬ ‫ضا َء بإ ْ‬
‫أ َ‬ ‫س َر ْقناها من ال اد ْه ِر بَ ْع َد َما‬
‫ليَا ٍل َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬يوم لنا كأيام مضت ‪ ،‬رحنا فيها نسرق اللذات في غفلة من رقابة الدهر ‪،‬‬
‫أما البحتري ‪ ،‬فيقول ‪ :‬كنا نسرق لذاتنا ‪ ،‬بعد أن تقدم بنا العمر ‪ ،‬وعال عارض الرأس الشيب ‪.‬‬
‫ويلتقي البيتان في األلفاظ ( سرقنا ‪ ،‬سراقا ـ نام الدهر ـ أضاء الدهر بتنا ‪ ،‬ليال )‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫هُ من ُك ِّل ُم ْفت ََرض أوكدَا‬ ‫ـــــرض أرا‬
‫ٌ‬ ‫أمــرك فـــ‬
‫ِ‬ ‫طاعةُ‬

‫صاكَ لَقَد أل َحدا‬ ‫فَلَو قد َ‬


‫ع َ‬ ‫صبح َ ِديْنَ الض ِّمير‬ ‫هو ال َّ‬
‫ش ْرع ُأ ْ‬
‫بعث ابن زيدون إلى المعتمد بن عباد ‪ ،‬بقصيدة في هيئة مطارحة بينه وبين المعتمد بن عباد‬
‫ـ بعد أن بعث األخير إليه بقصيدة مثلها رويَّا ً ‪ ،‬وقافيةً ـ جاعالً من طاعته فرضا ً ‪ ،‬ومعصيته‬
‫إلحادا ً وهو أمر في غاية المبالغة في إظهار والئه له ‪ ،‬وهذا معنى قول البحتري في مدح‬
‫المتوكل ‪:‬‬

‫ْ‪6‬‬ ‫من أعظم ال ُك ْف ِر وأعلى ال ّ‬


‫شِقاق‬ ‫صيانُهُ‬ ‫عتُهُ فَ ْر ٌ‬
‫ض ‪ ،‬و ِع ْ‬ ‫طا َ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬راض الفارس جواده ‪ :‬ذلَّ َله وس َّهل قياده ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬ص ‪. 1951‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1423 / 3،‬المفرق ‪ :‬وسط الرأس وهو من الشعر موضع افتراقه ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪. 1511 / 1 ،‬‬
‫‪11‬‬
‫وكقوله أيضا ً ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫َمقَا ُم إمام ت َْركُ طاعتِ ِه ُك ْف ُر‬ ‫فَقُ ْمتَ َمقاما ً ي ْعلَ ُم اللهُ أنَّهُ‬

‫من المعروف إن ابن زيدون ‪ ،‬وكذلك شعراء العصر العباسي ‪ ،‬كـ أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪،‬‬
‫والمتنبي ‪ ،‬في مدائحهم يصفون كرم الممدوح وسخاءه ‪ ،‬بالبحر والمطر وغيرهما ‪ ،‬غير أن‬
‫ابن زيدون قد يبالغ في وصف كرم ممدوحه عندما يصف تدفق المطر بالبخل أمام كرم الممدوح‬
‫‪ ،‬وهو ما يعرف بالتشبيه المقلوب ‪ ،‬يقول في مدح صديقه األمير أبي الوليد بن جهور ‪:‬‬

‫ْ‪2‬‬
‫فالبحر َوشَل‬
‫ُ‬ ‫بالنّدى ي ُْمنَاهُ‬ ‫س‬
‫البحر الذي مهما ت ِق ْ‬
‫ُ‬ ‫أيُّها‬

‫فالشاعر يبالغ في سخاء ممدوحه ‪ ،‬مستصغرا ً البحر أمام عطاء ممدوحه ‪ ،‬فيقول له ‪:‬‬
‫لقد بلغت الغاية في السخاء ‪ ،‬فالبحر ضحل صغير إذا قسناه إلى فيضك الغزير ‪ ،‬وهذه المبالغة‬
‫في وصف كرم الممدوح نجدها في شعر البحتري في وصفه للمعتز بالله يقول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ـــوافي وفي نائِ ِل ِه الغ َْمــــ ِر‬ ‫أر كال ُم ْعت ِ َّز في ِ‬
‫حلمـــــ ِه الــ‬ ‫ل ْم َ‬

‫يدٌ لهُ تُر ِبي على البحـــــ ِر‬ ‫صغ َُر البَحْ ُر إذا است ُ ْم ِط َر ْ‬
‫ت‬ ‫يُ ْست َ ْ‬

‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫حر فِ ْي ِه ّن َي ْغ َر ُق‬
‫ــ َخ ِليفَ ِة كادَ ال َب ُ‬ ‫ض ُّم بأنعُ ِم الــ‬ ‫إذا قُ ِرن َالبحْ ُر ِ‬
‫الخ َ‬

‫يقول البحتري في البيتين األولين ‪ :‬إذا استمطرت يد المعتز بالعطايا ‪ ،‬فهي تربي على البحر ‪،‬‬
‫فيكون البحر صغيرا ً أمام جود األمير ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫فَنُ ْب ِ‬
‫ت عن الصباح إلى الصباح‬ ‫ظالم ليل ّ‬
‫جن فوقي‬ ‫ِ‬ ‫وربّ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن كنت أقاسي اآلن من هجرك ما أقاسيه ‪ ،‬فكم ليال طويتها معك في أنس‬
‫ونعيم ‪ ،‬أضاءت لنا الظالم حتى الصباح ‪ ،‬و لعله نظر فيه إلى قول البحتري ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪. 661 / 2 ،‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬الندى ‪ :‬الكرم ‪ ،‬وشل ماء قليل ينحدر من صخرة أو جبل ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬شرح وتحقيق حسن كامل الصيرفي ‪. 1212 / 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ، 1515 / 1 ،‬الخضم ‪ :‬البحر الواسع لكثرة مائه وخيره ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ص ‪ ، 112‬جن الليل ‪ :‬ستر وأظلم ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫ع ُمودا‬ ‫فأقَ ْمنَ ال َّ‬
‫صبا َح فيه َ‬ ‫ُرحْ نَ واللَّ ْي ُل قد َ‬
‫قام ُرواقــا ً‬
‫‪1‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ْ‪2‬‬
‫س َرى ‪ ،‬ورقِيبٌ غفَل‬
‫حبيبٌ َ‬ ‫ور‬
‫س ُر َ‬ ‫لَيَا ِلي ما ا ْن ا‬
‫فك يُ ْهدِي ال ُّ‬

‫من قول البحتري ‪:‬‬

‫وب ال ُّد َجى حتى الت َقَ ْينَا على قد ِْر‬


‫يَ ُج ُ‬ ‫سرى في خ ْفي ٍة و على ذُ ِ‬
‫عر‬ ‫حبيبٌ َ‬
‫‪3‬‬

‫َخيَاالً أَت َى في النا ِ‬


‫وم من طيفه يس ِْري‬ ‫س ُرور ‪ْ ،‬‬
‫وخلتُهُ‬ ‫ش اك ْكتُ في ِه من ُ‬
‫تَ َ‬

‫فابن زيدون يتذكر تلك الليالي الحافالت باألنس واللذات عندما كان يسري إليه الحبيب في‬
‫غفلة الرقيب ‪ ،‬أما البحتري فيقول ‪ :‬إن الحبيب أتاني في دجى الليل ففاجأني حتى خلته خياالً‬
‫أتاني في النوم ‪ .‬ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري ‪ ،‬مطلع رائيته في‬
‫تهنئة المعتمد بعودته من السفر ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اهر‬ ‫طلَ َع ال ا‬
‫صبا ُح ا‬
‫الز ُ‬ ‫ْ‬
‫واطلَ ْع كما َ‬ ‫ا ْق ِد ْم كما قَد َِم ا‬
‫الربي ُع البا ِك ُر‬

‫وقد نظر فيه إلى بيت البحتري ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الربيعِ البَا ِك ُر‬ ‫ْ‬
‫يطلُ ْعنَ من َخلَ ِل ا‬ ‫ب في ال َخابِطينَ َكأناما‬
‫و َم َوا ِه ٍ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬أيها األمير أقدم علينا كما يقدم الربيع الباكر ‪ ،‬وكالصباح المشرق ‪ ،‬الذي‬
‫يجلي الظالم ‪ ،‬أما البحتري فقد جعل مواهب ممدوحه بينة كالربيع الباكر ‪ ،‬وقد تفنن ابن زيدون‬
‫في بيته حيث جعل كل كلمة في الشطر ‪ ،‬تقابل أختها في العجز على هذا النحو ( أقدم ‪ ،‬اطلع ـ‬
‫كما ‪ ،‬كما ـ قدم ‪ ،‬طلع ‪ ،‬الربيع ‪ ،‬الصباح ـ الباكر ‪ ،‬الزاهر ) ‪ ،‬ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ص ْب ُح أَحْ دَاقا‬
‫نان نَبَّهَ ِم ْنهُ ال ُّ‬
‫س ُ‬ ‫و َ‬ ‫س َرى يُنافِ ُحهُ نَ ْيلُوفَ ٌر َ‬
‫ع ِب ٌق‬ ‫َ‬

‫هو من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪561 / 1 ،‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 1252 / 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 521‬‬
‫‪5‬ـ ديوان البحتري ‪. 1219 / 2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬النيلوفر ‪ :‬زهر كبير ينبت في المياه الراكدة تنطبق أوراقه بالليل وتتفتح بالنهار ‪. .‬‬
‫‪19‬‬
‫‪1‬‬
‫باألم ِس نُ َّوما‬
‫ْ‬ ‫أوائ َل َو ْرد ُك َّن‬ ‫َلس الدُّجى‬ ‫وقد نبَّهَ النَّي ُ‬
‫ْروز في غ ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬انتشرت رائحة النيلوفر ‪ ،‬وعبقت مزاحمة الورد ‪ ،‬وكان النيلوفر ناعسا ً‬
‫إلى أن أقبل الصباح ففتح أعينه ‪ ،‬أما البحتري ‪ :‬فجعل النيروز في ظلمة آخر الليل ينبه وردا ً ال‬
‫زال نائما ً ‪ ،‬لم تتفتح أزهاره بعد ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ للتَّصا ِفي ـ وقَ ْرعِ ث ْغر بث َ ْغ ِر‬ ‫لف جسْم ِبجسْم‬
‫ونع ْمنا ِب ّ ِ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫قضيبا‬
‫بقضيب ِ‬
‫صبا ِ‬
‫لف ال َّ‬
‫ق َّ‬
‫ِ‬ ‫س ل ْيلَتَنَا في ال ِعنا‬
‫ولم أن َ‬

‫والبن زيدون رائية في رثاء المعتضد ‪ ،‬وتهنئة ابنه المعتمد بوالية الحكم ‪ ،‬يختمها بقوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ش ْك ُر‬
‫علَيْنا ؛ فَ ِمنَّا ال َح ْمدُ لل ِه وال ُّ‬
‫َ‬ ‫ت النَّ ْعما ُء فيْكَ تما َمها‬
‫قَ ِد ا ْست َوف ِ‬

‫وهذ ا البيت معنى قول البحتري في ختام قصيدته في مدح المتوكل على الله عند سيره إلى‬
‫دمشق ويهنئه بالفطر ‪ ،‬يقول الشاعر ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ش ْك ُر‬
‫علينا ال َح ْمدُ لل ِه وال ُّ‬
‫لنا ‪ ،‬و َ‬ ‫علَى الل ِه إتْما ُم ال ُمنى فيك َ ُك ِلّها‬
‫َ‬

‫لقد أشاد الشاعران بإتمام فضائل ممدوحيهما ‪ ،‬فاستحقا الحمد والشكر ‪.‬‬

‫ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري قوله ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫والبصر‬
‫ِ‬ ‫س َوا َد القَ ْل ِ‬
‫ب‬ ‫ار َ‬
‫ل ِو اسْتعَ َ‬ ‫فَلَيْتَ َذاكَ ال ا‬
‫سوا َد ال َج ْونَ ُمت ا ِ‬
‫ص ٌل‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬ليت ذلك السواد متصل ‪ ،‬ولو أمده بسواد قلبه ‪ ،‬وسواد عينه ‪ ،‬وهو‬
‫كقول قول البحتري ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2262 / 1 ،‬النيروز ‪ :‬أكبر أعياد الفرس ‪ ،‬ومعناه اليوم الجديد‪ ،‬وهو أول يوم من السنة الشمسية اإليرانية ‪،‬‬
‫ويوافق اليوم الحادي والعشرين من شهر مارس ‪.،‬الغلس ‪ :‬ظلمة آخر الليل ‪ ،‬وورد في بعض الروايات " غسق الدجى " ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 152 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 591‬‬
‫‪5‬ديوان البحتري ‪. 661 / 2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 251‬الجون ‪ :‬األبيض أو األسود وهو من األضداد ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪1‬‬
‫ط ْرفٍ أ َ ْ‬
‫صيَ ِد‬ ‫ص َمتْهُ بِ َ‬
‫ع َج ٍل فأ ْ‬
‫َ‬ ‫علَى‬ ‫ب ِحينَ َرن ْ‬
‫َت َ‬ ‫س َوا َد القل ِ‬ ‫ور َم ْ‬
‫ت َ‬ ‫َ‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ُ‪2‬‬ ‫عد ٍْن ت ا‬


‫بِ َمرأى يَ ِزي ُد العُ ْم َر ـ طيبا ً ـ ويَ ْن َ‬
‫سأ‬ ‫َطبيكَ و َكوث َ ِر‬ ‫َو َجنا ِة َ‬

‫من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫أن " القا ُ‬


‫طو َل " " َك ْوث َ ُرها "‬ ‫شَه ْدتَ ا‬ ‫" َجناةُ َ‬
‫عد ٍْن " َمت َى َحلَلَتَ بها‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لممدوح جنة عدن بكوثرها تدعوه ‪ ،‬ويطول له العمر ‪ ،‬ويؤخر ‪ .‬أما‬
‫البحتري ‪ :‬فيصف جنة الخالفة ببغداد وما جاورها ‪ ،‬ويجعل نهر القاطول كوثرا ً لتلك الجنة ‪ ،‬فابن‬
‫زيدون يدعو لممدوحه بالجنة في اآلخرة ‪ ،‬والبحتري يصف جنة ممدوحه في الدنيا ‪.‬‬

‫والبن زيدون قصيدة غزلية قالها في والدة ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫األرض قد راقا‬
‫ِ‬ ‫واأل ْف ُق ْ‬
‫طل ٌق ومرأى‬ ‫راء ُمشتاقـــا ً‬ ‫إني ذكرتُك ِ َّ‬
‫بالز ْه ِ‬
‫كأنَّــــــهُ َّ‬
‫رق لي ‪ ،‬فاعتــل إشفـــــاقا‬ ‫وللنّ ِ‬
‫سيم اعتال ٌل في أصائ ِلـــــــ ِه‬

‫كما ش َق ْقتَ ـ عن اللبَّـــــات ـ أطواقـــا‬ ‫ي ِ مبت ِس ٌم‬


‫ض ّ‬
‫والروض عن مائِ ِه ال ِف ِ ّ‬
‫ُ‬
‫يمزج ابن زيدون في هذه القصيدة بين جمال والدة ‪ ،‬وبين جمال الطبيعة حيث المكان‬
‫المليء بالهواء الطلق ‪ ،‬والماء العذب الجاري ‪ ،‬ويبدو واضحا ً ربط الشاعر جمال الطبيعة‬
‫بعواطفه التي يذكيها الحنين ‪ ،‬وهذا الربط الجميل بين الطبيعة والمحبوبة و حنينه إليها وإلى‬
‫أماكنها ‪ ،‬يذكرنا بحب البحتري للطبيعة " في شعر الحنين ‪ ،‬وذلك من خالل وصف كل مكان‬
‫محبب إلى نفسه ‪ ،‬سواء أكان ذلك المكان موطنه األول الشام ‪ ،‬أم حيث تسكن ( علوة) بجوار‬
‫حلب "‪ ، 5‬يقول البحتري في مطلع قصيدته التي مدح فيها المتوكل ‪ ،‬معبرا ً عن حنينه إلى دمشق‬
‫وشوقه إلى طبيعتها الجميلة وهوائها العذب إبان إقامته بالعراق ‪:‬‬

‫ْ‪6‬‬
‫عذَاة َ البِ َراق‬
‫وض َ‬ ‫مخضرة َ َّ‬
‫الر ِ‬ ‫إن دِمشقا ً أصبحت جنةً‬
‫َّ‬

‫ْ‬
‫قـــاق‬‫ْش فيها ذُو حواش ِر‬
‫والعَي ُ‬ ‫ط ْل ٌق بين أ ْفيَائِها‬
‫والدهر َ‬
‫ُ‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 515 / 1 ،‬أصمت ‪ :‬أصابته فقتلته في مكانه ‪.‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 115‬تطبيك ‪ :‬تدعوك ‪ ،‬ينسأ ‪ :‬يؤخر ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1291 / 2 ،‬القاطول ‪ :‬نهر كأنه مقطوع من دجلة كان في موضع سامراء قبل أن تعمر ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪ 5‬ـ الماء في شعر البحتري وابن زيدون ‪ " ،‬دراسة موازنة " رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة النجاح ـ فلسطين ‪ ، 2112 ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1515 ، 1511 / 1 ،‬العذاة ‪ :‬األرض الطيبة التربة ‪ .‬البراق ‪ :‬واحدتها برقة وهي األرض الغليظة المختلطة‬
‫بحجارة ورمل ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ص ْيفُها مث ُل ِشت َِاء ال ِع َ‬
‫ــــر ْ‬
‫اق ؟!‬ ‫و َ‬ ‫وكيف ال تُؤثِ ُرها بالهوى‬

‫فالشاعر يتذكر ويتشوق إلى دمشق وإلى طبيعتها الجميلة وهو في العراق ‪ ،‬حيث يشتد‬
‫حر الصيف ‪ ،‬مما جعل خياله يسبح في اآلفاق بعيدا ً ‪ ،‬فيعود إلى زمن انقضى وهو زمن ربيع‬
‫الشام فيتداعى إليه أنضر ما في الكون من معالم تنبض بالحياة وتشف بالصفاء ‪ ،‬وقد اتفق‬
‫الشاعران ‪ ،‬في الحنين إلى أماكن الحبيبة ‪ ،‬فمزجا بين الغزل ووصف الطبيعة ‪.‬‬

‫و يتالقى ابن زيدون في نونيته الشهيرة ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ب لُقيانا تجافينا‬
‫وناب عن ِطي ِ‬ ‫أضحى التنائي بديال ً من تدانينا‬

‫ين دَا ِعيــــــنا‬


‫ٌفقام بِنَا للح ِ‬
‫حين َ‬ ‫أالّ ـ وقَ ْد َحانَ ُ‬
‫صبح ُالبَي ِْن ـ صبّحنا‬

‫حزنا ً مع الدَّ ْه ِر ال يَبلى ويُبلينا‬ ‫زاح ِهم ُ‬


‫من ُمبلغ ال ُمل ِبسِينا بانــــــــتِ ِ‬

‫أنسا ً بقربهم قد عاد يبكيــــــنا؟‬ ‫يضحكنا‬


‫ِ‬ ‫ّ‬
‫أن الزمانَ الذي ما زال‬

‫مع البحتري في قصيدته التي يقول فيها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اك أ ُ ْ‬
‫ض ِم ُر َهــــا‬ ‫ولَ ْو َ‬
‫عة في َه َو ِ‬ ‫ت أ َ ْسهـ َ ُ‬
‫ـــرها‬ ‫َك ْم لَ ْيلَة فِ ْي ِ‬
‫ــــك بِ ُّ‬
‫ث ُ َّم َيعُودُ ال َجوى فَيُ ْس ِع ُرهـ َــــا‬ ‫ع تُ ْ‬
‫ط ِفئ ُــــها‬ ‫و ُح ْرقَة والدُّمـــــو ُ‬
‫صل نَ َ‬
‫ظ ُّل نَ ْش ُكرهـ َـــا‬ ‫ام َو ْ‬‫أيَّ َ‬ ‫ــــان يُ ْع ِقبُنَـا‬
‫الز َم ِ‬ ‫ع ْل ُو" َ‬
‫ع َّل َّ‬ ‫يا " َ‬
‫في َخ َجل دائب يُ َع ْ‬
‫ص ِف ُر َهــــا‬ ‫س ْ‬
‫ت‬ ‫ب قد ُ‬
‫غ ِم َ‬ ‫ضا ُء ُر ْودُ ال َّ‬
‫ش َبا ِ‬ ‫َب ْي َ‬
‫ظ ُرهــــــا‬ ‫قَ ْلبَك َم ْس ُمو ُ‬
‫ع َها و َم ْن َ‬ ‫َمجْ دُولَةٌ َه َّز َها ال ِ ّ‬
‫صبَـا فَ َ‬
‫شفَى‬
‫في معاني الهجر ‪ ،‬وطول الفراق ‪ ،‬وألَ ِم البين ‪ ،‬وتقلب األحوال ‪ ،‬والحنين إلى أيام الوصال ‪،‬‬
‫فابن زيدون في نونيته " أضحى التنائي ‪ :‬يتغزل بمحبوبته والدة التي هجرته وتركته ‪ ،‬فقال تلك‬
‫القصيدة الغزلية حانا ً إلى أيام الوصال ‪ ،‬واللقاء في زمن مضى ‪ ،‬بعد أن تحول هذا اللقاء ‪ ،‬وهذا‬
‫والوصال إلى تنائي وتجافي ‪ ،‬وكذلك كان البحتري في هذه القصيدة ‪ ،‬يتغزل بمحبوبته ( علوة‬
‫الحلبية ) بعد أن فارقها إلى العراق ‪ ،‬ولقد صور كثيرا ً من عواطف الحب في هذه القصيدة ‪،‬‬
‫حانا ً إلى أيام كانت حافلة باللقاء والوصال ‪ ،‬وقد غدت اآلن أيام هجر وجفاء ‪ ،‬تجرع فيها مرارة‬
‫البين والفراق ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوانه ورسائله تحقيق علي عبدالعظيم ‪ ،‬صـــ ‪. 111‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1291 / 2 ،‬الرود ‪ :‬الشابة الحسناء ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أثر معاني المتنبي في شعر ابن زيدون‪:‬‬

‫يعد القرن الخامس الهجري القرن الذي شغلت فيه البيئات األدبية في المغرب واألندلس‬
‫بالمتنبي ‪ ،‬ومن بينهم ابن زيدون ‪ ،‬الذي اتفق مع المتنبي في االعتداد بالنفس ‪ ،‬وطلب الجاه‬
‫والشهرة ‪ ،‬وكذلك تنقالته بين بالطات الملوك واألمراء مادحا ً لهم ؛ وألجل ذلك قلّده في كثير من‬
‫معاني شعره وطرائقه ‪ ،‬فكان ابن زيدون " ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ‪ ،‬ويقتبس‬
‫منه في شعره "‪ 1‬وقد تتبع ابن بسام الشعراء الذين تأثروا بمعاني المتنبي مشيرا ً إلى معاني ابن‬
‫زيدون التي أخذها من المتنبي ‪ ،‬ومنها قوله ‪:‬‬

‫ش ْك ِل‬
‫ص َها ِله ِ َما نَالَه ُ ِم ْن أذَى ال َّ‬
‫بِت َ ْ‬ ‫صافِنًا ً في مربط ِال ُه ِ‬
‫ون يَ ْشت َ ِكي‬ ‫ث َ َوى َ‬
‫‪2‬‬

‫وقد أخذ ابن زيدون هذا البيت من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫ّ‬
‫فيهن ت َصها ُل‬ ‫ظهور َج ْري فلي‬
‫َ‬ ‫وإن ت ُك ْن ُمحكماتُ ال ّ‬
‫شك ِل تمنعُني‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إنني مثل الجواد المربوط ‪ ،‬وقد شدت قوائمه باألغالل ‪ ،‬فشكا ذلك األلم‬
‫بصهيله ‪ ،‬ويقول المتنبي ‪ :‬أمدحك حتى تنتصر على كافور ‪ ،‬فإن الجواد إذا شكل على الحركة ‪،‬‬
‫صهل شوقا ً إليها ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ُ‪4‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأن الجوادَ الفائِتَ ال ّ‬


‫ّ‬
‫تخونه شك ٌل وأزرى به َر ْبط‬
‫ِّ‬ ‫صافن‬ ‫شأ ِو‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ض ّر بجسم ِه ُ‬
‫طو ُل الج َمام ِ‬ ‫أ َ‬ ‫وما في طبِّ ِه أ ِنّي َجوادٌ‬

‫المعنى مشترك بين الشاعرين ‪ ،‬يريد ابن زيدون ‪ :‬إن الجواد السبَّاق قد كبلته القيود ‪ ،‬فعجز‬
‫عن الجري ‪ ،‬ومراد المتنبي من بيته ‪ :‬أن الذي ضر بجسمه ليس في طب الطبيب ‪ ،‬وإنما طول‬
‫القعود عن السفر ‪ ،‬فهو كالفرس الذي أنهكه طول القيام ‪ ،‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ابن شريفة ‪ ،‬محمد ‪ ،‬أبو تمام و أبو الطيب في أدب المغاربة ‪. 111 ،‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 219‬الصافن ‪ :‬القائم على ثالث قوائم وقد قام الرابعة على طرف حافر ‪ ،‬الهون الذل ‪ ،‬شكل الدابة‬
‫‪ :‬شدَّ قوائمها بالحبل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح أبي البقاء العكبري ‪،‬الجزء الثالث ‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا ‪ ،‬وإبراهيم األبياري ‪ ،‬وعبد الحفيظ شلبي ‪ ،‬دار‬
‫المعرفة ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪ ،‬ص‪ ، 299‬احكم شكاله ‪ :‬عجز عن الجري ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 299‬صافنٌ ‪ :‬قائ ٌم على ثالث قوائم ‪ ،‬والمس بحوف الرابعة على األرض ‪ّ ،‬‬
‫تخونه ‪ :‬ذمه وعابه‬
‫‪،‬الشكل ‪ :‬القيد ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 119 / 1 ،‬الجمام ‪ :‬أن يترك الفرس فال يركب ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ُ‪1‬‬‫ب ال َه ِ ّم في َكبِدِي ْ‬
‫وخط‬ ‫ش ْي ِ‬ ‫ولَ ّ‬
‫كن ل َ‬ ‫ب َو ْخ ٌ‬
‫ط بِ َم ْف ِرقِي‬ ‫ه َِر ْمتُ و َما ِللشي ِ‬

‫من قول المتنبي في مدح سعيد بن عبد الله المنبجي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫س ْلوة ٌ نَ َ‬
‫صال‬ ‫شيبا ً إذا خ ّ‬
‫ضبَتْهُ َ‬ ‫إالّ يَشب فلقد شابَت لهُ َكبِدٌ‬

‫المعنى المشترك بين البيتين ‪ ( ،‬شاب الفؤاد قبل شيب الرأس ) يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد ضعفت‬
‫ولحق الشيب قلبي ‪ ،‬وإن لم يلحق برأسي ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬شاب فؤاده من حرارة الشوق ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫صبح يفشينا‬
‫حتى يكاد لسان ال ّ‬ ‫الظلماء ي ْكتمنا‬
‫ِ‬ ‫ِس ّران في خاطر‬

‫كقول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ص ْبحِ يُ ْغ ِري ِبي "‬ ‫وأ ْنث َ ِني وبِ ُ‬
‫ياض ال ُّ‬ ‫س َوادُ اللَّ ْي ِل َي ْشفَ ُع لي‬
‫ور ُهم و َ‬ ‫ُ‬
‫أز ُ‬

‫لم يزد المتنبي في معنى بيته على أن يقول أن الليل يسترني ‪ ،‬والصبح يفضحني في زيارتي‬
‫لمحبوبتي ‪ ،‬ولكن ابن زيدون لم " يقنع من الظالم بأن يكون ساتر ا ً ‪ ،‬حتى يكون إنسانا ً يكتم في‬
‫خاطره هذين السرين الحبيبين ‪ :‬هو ووالدة ‪ ،‬وال يقنع من الصباح بأن يكون فاضحا ً ‪ ،‬حتى يكون‬
‫إنسانا ً يفشي لسانه هذين السرين "‪ ، 5‬فقد عمد ابن زيدون إلى المبالغة والتشخيص ‪ ،‬عندما اختار‬
‫الخاطر للظلماء ‪ ،‬واللسان للصبح ‪ ،‬وكان بإمكانه أن يقول ‪ " :‬سران في الظلماء تكتمنا حتى يكاد‬
‫الصبح يفشينا ‪ ،‬أال تشعر حينئذ بالفراغ الذي كانت تشغله كلمة ( خاطر) ‪ ،‬وأنها بالذات أدل على‬
‫خفاء السر ‪ ،‬كما أن (اللسان) أدل على افتضاحه ؟ وال تنس شدة ارتباط يكتمنا بخاطر ‪ ،‬ويفشينا‬
‫باللسان ‪ .‬وهكذا يكون الجمال في االستعارة المكنية "‪.6‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫بفتى أضناه ما القى‬
‫ً‬ ‫صبح ـ حين سرى ـ وافاكم‬
‫لو شاء حملي نسي ُم ال ّ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 296 ،‬‬


‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 111 /1‬النصول ‪ :‬ذهاب الخضاب ‪ .‬السلوة ‪ :‬ذهاب المحبة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 111‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 111 / 1‬‬
‫‪5‬ـحسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ‪ ،‬ص ‪. 196‬‬
‫‪6‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪7‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪11‬‬
‫‪1‬‬ ‫ْلو َال ُم َخا َ‬
‫طبَتِي إيّاكَ ل ْم ت َ َرنِي‬ ‫َكفى بِ ِج ْس ِمي ن ُحوالً أنّنِي َرج ٌل‬

‫يصف المتنبي جسمه الذي أنهكه النحول بسبب هجران الحبيب ‪ ،‬حتى ال يستدل برؤيته‬
‫إالَّ بصوته ‪ ،‬بينما ابن زيدون راح يفتن افتنانا ً بعدما أضناه الشوق لحبيبه حتى أن نسيم الصبح ـ‬
‫وليس الريح ـ يستطيع حمله إلى حبيبه ليرى ما أصابه من نحول وتعب ‪ ،‬بسبب غيبته الطويلة ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫مضي ٌء ُمظ ِلم ُ‬ ‫ُ‬


‫فالحسن بين ُهما ِ‬ ‫ونهاره ُ‬
‫ُ‬ ‫يا َم ْن تألَّ َ‬
‫ف ليلُهُ‬
‫‪2‬‬

‫من المتنبي ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ي ط ِيّ ُع‬
‫ص ٌ‬
‫ع ِ‬
‫والد َّْم ُع بينَ ُه َما َ‬ ‫ال ُح ْز ُن يُ ْق ِل ُق والت ّ َج ُّم ُل ِي ْردَ ُ‬
‫ع‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬يا َم ْن اجتمع عنده الليل والنهار ‪ ،‬فالجمال بينهما مضيء للعيون ‪،‬‬
‫ومظلم للغير ‪ ،‬و يقول المتنبي ‪ :‬الحزن ألجل هذه المصيبة ‪ ،‬يقلقني ‪ ،‬والصبر يمنعني عن الجزع‬
‫والتهالك ‪ ،‬والدمع عاص للتحمل ‪ ،‬مطيع للقلق ‪ ،‬واتفق الشاعران في توظيف الطباق في آخر‬
‫ي طيِّ ُع ) ‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫ص ٌ‬
‫ع ِ‬
‫مضي ٌء ُمظ ِلم ) ‪ ،‬وعند المتنبي ( َ‬
‫البيت ‪ ،‬فالطباق عند ابن زيدون ( ِ‬
‫هذا الت قابل الذي نراه في الشطر الثاني من كل بيت ‪ ( ،‬فحرف العطف يقابل حرف العطف ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الحسن يقابل المبتدأ الدم ُع ‪ ،‬وكلمة بينهما تقابل بينهما ‪ ،‬والخبر مضي ٌء مظلم يقابل الخبر‬ ‫والمبتدأ‬
‫عصي طيع ) ‪.‬‬

‫ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من المتنبي ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ّام ِه ال ُج َم ُع‬ ‫لذلك ال ّ‬
‫ش ْه ُر من أي ِ‬ ‫الورى ‪،‬إن يفُوقُو ُه ْم فال عجبٌ‬
‫َ‬ ‫ِمنَ‬

‫فهو كقول المتنبي ‪:‬‬

‫ض دَ ِم الغَزَ ال‬
‫المسْكَ ب ْع ُ‬ ‫ّ‬
‫فإن ِ‬ ‫َام وأنتَ ِم ْن ُه ْم‬ ‫فإن تَفُ ِ‬
‫ق األن َ‬ ‫ْ‬
‫‪5‬‬

‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪. 191 / 1‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 191‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪. 219 / 2‬‬
‫‪4‬ـ ديون ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص ‪. 269‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪. 22/ 1‬‬
‫‪11‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد فاق الممدوح البشر ‪ ،‬وإن كان منهم ‪ ،‬كما تفوق أيام الجمع باقي أيام‬
‫األسبوع ‪ ،‬ويقول المتنبي ‪ :‬إن فضلت الناس وأنت من جملتهم ‪ ،‬فقد يفضل بعض الشيء الكل ‪،‬‬
‫كالمسك وهو بعض دم الغزال وهو أفضل منه ‪ ،‬فاالتفاق في البيتين بعض الشيء يفضل كله ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ْمع ‪ ،‬و ُم ْر أ ُ ِط ْع‬
‫وو ِّل أُقبِ ْل أس ْ‬ ‫ع َّز وأ ُه ْن ‪،‬‬ ‫استط ْل أ ْ‬
‫صبِ ْر ‪ ،‬و َ‬ ‫تِ ْه أحْ ت َِم ْل ‪َ ،‬و ِ‬

‫أخذه من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ص ِل‬ ‫ش تفض ّْل أُد ِْن ُ‬
‫س ّر ِ‬ ‫ِز ْد ه َّ‬
‫َش بَ ّ‬ ‫س ّل أ ِع ْد‬ ‫أقِ ْل أنِ ْل أ ْق ِط ْع أحمل َ‬
‫ع ّل َ‬

‫يشترك البيتان في تكرار أفعال األمر ‪ ،‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ف‬
‫ش ُ‬ ‫ظ ْلم به َّ‬
‫كالراح ‪ ،‬لو يتر َّ‬ ‫ِل َ‬ ‫بالراحِ إالَّ تو ُه ٌم‬
‫وما ولعي َّ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫ب ُ‬
‫نزو ُل‬ ‫لماء ِب ِه أ ْه ُل ال َحبي ِ‬ ‫شرقي بالماء إالّ تذ ُّكرا ً‬
‫وما َ‬

‫يبدو واضحا ً أخذ ابن زيدون معنى بيت المتنبي ‪ ،‬فبيت ابن زيدون يقابل بيت المتنبي من‬
‫حيث تقسيماته ‪ ،‬فكل كلمة من بيته تقابلها أختها في بيت المتنبي ‪ ،‬فالمتنبي " يشرق بالماء لتذكره‬
‫الماء الذي نزل به األحباب ‪ ،‬ولكن ابن زيدون ال يولع بالراح هذا الولوع إالَّ ألنه يتمثل فيها ظلم‬
‫الحبيب ‪...‬ال مذكرة به فقط "‪ . 5‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ِليلك الغربيبا‬
‫ص ِلي بفر ِعك ِ‬
‫ف َ‬ ‫راك رقيبا‬
‫س ِ‬ ‫صبا ُح على ُ‬
‫هذا ال ّ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫أر َبعا "‬


‫ي ْ‬ ‫فأر ْ‬
‫ت ليا ِل َ‬ ‫في ليلة َ‬ ‫ت ثَالث َذوائب من ِ‬
‫شعرها‬ ‫شفَ ْ‬
‫َك َ‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ،192‬ته ‪ :‬تكبر ‪ .‬استطل ‪ :‬ترفع ‪ .‬و ِّل ‪ :‬ابتعد ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 95/ 1 ،‬أمر الشاعر سيف الدولة بأربعة عشر أمرا ً في بيت واحد وهي ‪ :‬أقل ‪ :‬من اإلقالة ‪ .‬أنل ‪ :‬من اإلنالة ‪ .‬أقطع ‪:‬‬
‫السلو ‪ .‬وأعد ‪ :‬من اإلعادة ‪ .‬وزد ‪ :‬من الزيادة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من اإلقطاع ‪ .‬احمل ‪ :‬من قولهم حملته على فرس ‪ .‬ع ّل ‪ :‬من العلو والرفعة ‪ .‬وس ّل ‪ :‬من‬
‫سر‬
‫هش ‪ :‬من قوله هششت إلى كذا وهو التهلل نحو الشيء ‪ .‬وبش ‪ :‬من البشاشة وهي الطالقة ‪ .‬تفضل ‪ :‬من اإلفضال ‪ .‬أدن ‪ :‬من الدنو ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫‪ :‬من السرور صل ‪ :‬من الصلة وهي العطية ‪.‬‬
‫الظ ْل ُم ‪ :‬ماء األسنان ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديون ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪َّ ، 195‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 69 / 1‬الشرق ‪ :‬االختناق بالماء أو بالريق أو بالنفس ‪.‬‬
‫‪5‬حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ‪ ،‬ص‪. 162‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 121‬السرى ‪ :‬السير ليالً ‪ ،‬الفرع ‪ :‬الشعر ‪ ،‬الغربيب ‪ :‬الشديد السواد ‪.‬‬
‫‪7‬ـ ديوان المتنبي ‪. 212 / 2‬‬
‫‪15‬‬
‫فابن زيدون ‪ ،‬يقول ‪ :‬كاد الصباح يفضح سراك بالليل فصلي الليل ‪ ،‬بسواد شعرك ‪ ،‬فهو‬
‫يشبه سواد شعرها بظالم الليل ‪ ،‬وهو كقول المتنبي ‪ ،‬الذي جعل ذوائبها الثالث ‪ ،‬أربعا ً مع ظلمة‬
‫الليل الكالحة ‪ ،‬فالمتنبي بالغ في التشبيه ‪ ،‬عندما جعل ‪ ،‬الليل جز ًءا من شعرها ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فلم يَ ْعدُ أ ْن أمسى ظليما ً ّ‬
‫مشردا‬ ‫رأى أنّهُ أضحى ِهزَ بْرا ً ُمص ِ ّمما ً‬

‫هذا البيت منقول عن قول أبي الطيب ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ض ْيتَ ُم ْن َه ِزما ً وال و ِع ُل‬
‫و َم َ‬ ‫فَأ َت َ ْيتَ ُم ْعت َ ِزما ً وال أ َ‬
‫سدُ‬

‫جرت حروب طاحنة بين المعتضد بن عباد والمظفر بن األفطس انتهت بانتصار المعتضد ‪،‬‬
‫فسجل ابن زيدون هذا االنتصار ‪ ،‬فيقول إن العدو أقبل كاألسد المقدام زاعما ً النصر حليفه فلم‬
‫يلبث أن فر مشردا ً كالنعام ‪ ،‬وهو كقول المتنبي حينما وصف جيوش العدو التي أقبلت على‬
‫الحرب راغبة فيه كاألسد ‪ ،‬ولكنها انهزمت خائبة اآلمال كالوعل الفار من العراك ‪ ،‬بسبب براعة‬
‫جيوش عضد الدولة في القتال ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫باط ُل‬ ‫َو ُك ُّل مدِيح ـ لم ْ‬
‫يكن فِيكَ ـ ِ‬ ‫عاللةٌ‬
‫أالَ ُك ُّل َرجْ و ـ في سِواكَ ـ ُ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫س فِي ِه ِك َذ ُ‬
‫اب‬ ‫َو َم ْد ُحكَ َح ٌّق ل ْي َ‬ ‫و ِإ ان َم ِدي َح النا ِ‬
‫اس َح ٌّق و َب ِ‬
‫اط ٌل‬

‫يقول ابن زيدون لممدوحه ‪ :‬إن المديح في سواك باطل ‪ ،‬ومدحك حق ‪ ،‬فاقتصر الشاعر‬
‫االخالص في المدح على ممدوحه ‪ ،‬أما المتنبي يقول ‪ :‬إن الناس يمدحون بالحق والباطل ‪،‬‬
‫ومدحك حق ليس فيه كذب ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ذاك يُ ْغنينا‬
‫َوقَد ُْر ِك ال ُم ْعتلي عن ِ‬ ‫يك إجْ الالً وت ْك ِرمةً‬
‫لَسْنا نُس ِ ّم ِ‬

‫أخذه من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 191‬الهزبر ‪ :‬األسد القوي ‪ .‬المصمم ‪ :‬الماضي في عزمه إلى غايته ‪ .‬الظليم ‪ :‬ذكر النعام ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 129/ 1‬الوعل ‪ :‬التيس البري ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 169‬الرجو والرجاة ‪ :‬الرجاء ‪ ،‬عاللة ‪ :‬ما يتعلل اإلنسان ويتشاغل به عن أمر داهم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 222 /1،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪11‬‬
‫‪1‬‬
‫اك ْللعَ َر ِ‬
‫ب‬ ‫ص ْف ِك فَقَ ْد س ام ِ‬
‫َو َم ْن يَ ِ‬ ‫أ ُ ِج ُّل قَد َْر ِك أن تُس َمى ُم َؤبانَة‬

‫قدرك العالي ‪ ،‬يغنيني على أن نسميك الحبيبة ‪ ،‬وهو من معنى بيت‬


‫ِ‬ ‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن‬
‫المتنبي ـ وإن كان المتنبي قد أجاد في المبالغة في الوصف ـ فيرى أن قدرها أعظم من أن‬
‫تسمى باسمها ‪ ،‬فإذا وصف محاسنها التي ليست في غيرها ‪ ،‬عرفت عند كل الناس ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ص ٍر‬
‫ف َه ْ‬ ‫يب ْأل َ‬
‫ط َ‬ ‫ض َ‬‫ص ْرتُ القَ ِ‬
‫َو َه َ‬ ‫ضاب أع َذ َ‬
‫ب َر ْشفٍ‬ ‫َ‬ ‫ش ْفتُ ُّ‬
‫الر‬ ‫فَ َر َ‬

‫قريب من قول المتنبي ‪:‬‬

‫ب‬
‫ضا ِ‬
‫الر َ‬
‫ف ُّ‬‫ف ما َءهُ َر ْش َ‬ ‫وت َْر ُ‬
‫ش ُ‬ ‫غ ْيبَتهُ إليه ِ‬
‫األرض َ‬
‫ُ‬ ‫ت َ ْشت َكي‬
‫‪3‬‬

‫لقد استوحى ابن زيدون قوله ‪ " :‬رشفت الرضاب " ‪ ،‬من قول المتنبي ‪ " :‬رشف الرضاب "‬
‫والرشف أن تستقي ما في اإلناء حتى ال تدع فيه شيئا ً ‪ ،‬يقول المتنبي ‪ :‬أن األرض من عطشها‬
‫وتمص ماءه كما يمص الحبيب ريق المحبوب ‪ ،‬أما ابن زيدون‬
‫ّ‬ ‫تشكو إلى السحاب غيبته عنها ‪،‬‬
‫فهو يصف ما جناه من محبوبته في تلك الليلة التي قضياها معا ً ‪ ،‬من ارتشافٍ لريق المحبوبة ‪،‬‬
‫وتأمل لقامتها ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫َار ت ُ ْل ِهينَا‬
‫ارتِياحٍ ‪َ ،‬والَ األ َ ْوت ُ‬
‫ِسي َما ْ‬ ‫الراحِ ت ُ ْبدِي ِم ْن َ‬
‫ش َمائِ ِلنَا‬ ‫س ا‬ ‫الَ أ ْكؤُ ُ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫هذي ال ُم َدا ُم والَ هَذي األَغ ِ‬


‫َاري ُد !‬ ‫ص ْخ َرة ُ أنَا ؟ مالي ال تُغَ ِيّ ُرنِي‬
‫أ َ‬
‫‪5‬‬

‫التأثر في البيتين واضح ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬إن الخمر ال تؤثر في طباعنا ‪ ،‬واألوتار الشجية‬
‫ال تلهينا عنك ‪ ،‬والمتنبي يقول ‪ :‬هل أنا صخرة صلبة ؟ ال أتأثر بشراب الخمر ‪ ،‬وال بسماع‬
‫األغاني ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 91 / 1 ،‬المؤبنة ‪ :‬من التأبين ‪ ،‬وهو مدح الميت ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪. 115 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬الراح ‪ :‬الخمرة ‪ .‬شمائلنا ‪ :‬طباعنا ‪ .‬سيما ارتياح ‪ :‬عالمات ارتياح ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 12 / 2 ،‬ال ُمدام ‪ :‬الخمرة ‪ .‬األغاريد ‪ :‬صوت الغناء ‪ .‬الغ ََرد ‪ :‬التطريب بالصوت والغناء ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪1‬‬
‫ان يَ ْرفُ ُل في ِوشاحِ‬ ‫َو ُ‬
‫غصْنَ البَ ِ‬ ‫س ْ‬
‫تطلُ ُع ِم ْن نِقاب ‪،‬‬ ‫َرأيْتُ ال َّ‬
‫ش ْم َ‬

‫من قول المتنبي في مدح بدر بن عمار ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫قاب‬ ‫ب لل َّ‬
‫ش ْم ِس نِ ُ‬ ‫عجا ُج ال َح ْر ِ‬
‫َو َ‬ ‫ق ش َْزرا ً‬
‫رسان في األحْ دا ِ‬
‫ِ‬ ‫طا ِع ُن الفُ‬

‫يصف ابن زيدون وجه حبيبته المرتدية نقابا ً بأنه كالشمس الطالعة في جماله ‪ ،‬وقامتها‬
‫كالغصن المتمايل ‪ ،‬أما المتنبي ‪ :‬يريد أن ممدوحه حاذق بالطعن في األحداق إذا أظلم المكان ‪،‬‬
‫وصار الغبار نقابا ً للشمس ‪ ،‬فهو عارف بمواقع الطعن ‪ ،‬ورغم اختالف مواطن التشبيه في‬
‫البيتين ‪ ،‬إالّ َّ‬
‫أن ابن زيدون يستخدم في تشبيهاته ما يستخدمه المتنبي من مظاهر الطبيعة ‪،‬‬
‫كالشمس والبدر والكواكب وغيرها ‪ ،‬سوا ًء أكان ذلك في تشبيه الممدوح ‪ ،‬أو الحبيبة ‪.‬‬

‫ومن المعاني التي يتالقى فيها ابن زيدون مع المتنبي التغزل بالمرأة البدوية التي " تحول‬
‫دونها الحوائل ‪ ،‬وتحيا في منعة وحراسة ‪ ،‬وتنتمي إلى قبيلة محافظة مهيبة الجانب ‪ ،‬وقد أعدت‬
‫عدتها للحرب والقتال ‪ ،‬كما يغار فرسانها على حسنائهم حتى من الخياالت واألحالم الطائفة ‪،‬‬
‫ولذا فقد تأهبوا للنضال من أجلها استجابةً للهواجس والظنون "‪ ، 3‬يقول ابن زيدون في ثنايا إحدى‬
‫مدائحه ألبي الوليد بن جهور ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اب‬
‫ــر ُ‬
‫صــهي ِل ِع َ‬
‫تجاوب فيها بال َّ‬
‫ُ‬ ‫ب ِحلَّـــــــة‬
‫ت ِم ْن أعاري ِ‬
‫ع ُروبٌ أال َح ْ‬
‫َ‬
‫ضاب‬
‫ُ‬ ‫ُمشِي ُحونَ من َرجْ ِم ُّ‬
‫الظنُون ِغ‬ ‫يف ال ُمعَاو ِد في ال َك َرى‬ ‫ارى ِمنَ َّ‬
‫الط ِ‬ ‫غيَ َ‬
‫وكان المتنبي من الشعراء العباسيين الذين يتغزلون بالبدوية دون الحضرية ‪ ،‬ولعل ابن‬
‫زيدون نظر في أبياته السابقة إلى قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ب‬
‫ُح ْم ُر ال ُحلى والمطايا والجالبي ِ‬ ‫ب‬
‫ي ِ األعــــاري ِ‬
‫الجآذر في ِز ّ‬
‫ُ‬ ‫من‬

‫ب‬
‫ت الرعـابي ِ‬
‫كأو ُج ِه البدويَّــــــا ِ‬ ‫ض ِر المستحسناتُ به‬
‫ما أو ُجهُ ال َح َ‬
‫ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بالمتنبي في وصف الطبيعة ‪ ،‬قوله مهنئا ً المعتمد‬
‫بوالية الحكم ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬


‫شزر من الطعن ‪ :‬ما أدبر عن الصدر ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 111 / 1‬ال َّ‬
‫‪3‬ـ نجا ‪ ،‬أشرف محمود حنفي ‪ ،‬قصيدة المديح في األندلس عصر الطوائف " دراسة فنية " ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ‪،‬‬
‫اإلسكندرية ‪. 99 ، 1661 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬ال َعروب ‪ :‬المتحببة لزوجها المطيعة له ‪ .‬أالحت ‪ :‬ظهرت ‪ .‬األعاريب ‪ :‬البدو من األعراب ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 119 ، 156 / 1 ،‬الجآذر ‪ :‬جمع جؤذر ‪ ،‬وهو ولد البقر الوحشية ‪ .‬واألعاريب ‪ :‬جمع عرب ‪ .‬الرعابيب ‪ :‬جمع‬
‫رعبوبة وهي المرأة الممتلئة البيضاء ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪1‬‬
‫تطلّ َع من ُهم َح ْولَ َها أ َ ْن ُج ٌم ُز ْه ُر‬ ‫سماء رياسة ـ‬
‫ِ‬ ‫شمس ـ في‬
‫ٌ‬ ‫فإنَّك‬

‫حيث وصف ابن زيدون ممدوحه بالشمس في كبد السماء ‪ ،‬والملوك من حوله كأنّهم أنجم‬
‫‪ ،‬فإذا نظرنا إلى هذا المعنى الذي منحه ابن زيدون لممدوحه ‪ ،‬نجده قد استعاره من المعاني‬
‫التقليدية التي طرقها الشعراء العبّاسيون ‪ ،‬ومن ذلك ‪ ،‬قول المتنبي في مدح سيف الدولة ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫أُحاد ُ‬
‫ِث فيها بَد َْرها وال َكوا ِكبا‬ ‫وق ْد كانَ يُ ْدنِي َمجْ ِلسِي ِم ْن س َمائِ ِه‬

‫حيث جعل الشاعر مجلسه كالسماء لعلو مكانته وقدره ‪ ،‬وجعل من حوله كالكواكب ‪،‬‬
‫وجعل ممدوحه كالبدر بينهم ‪.‬‬

‫هذه بعض معاني األبيات التي أخذها ابن زيدون من أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪،‬‬
‫ومن خالل تتبعنا لهذه المعاني نالحظ أن معاني ابن زيدون التي تأثر فيها بأبي تمام ‪،‬‬
‫والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬جاءت بنسب متفاوتة ‪ ،‬فكان البحتري ‪ ،‬هو األكثر تأثيرا ً في معاني ابن‬
‫زيدون ‪ ،‬ثم المتنبي ‪ ،‬ثم أبي تمام ‪ ،‬ومن خالل تتبعنا إلى هذه األبيات تبيّن لنا أيضا ً ّ‬
‫أن ابن‬
‫زيدون لم يتأثر ببعض معاني أبياتهم فقط ؛ وإنما عارض بعض قصائدهم ‪ ،‬فرأيناه يأخذ من‬
‫قصائدهم الغرض ‪ ،‬والوزن ‪ ،‬والقافية وحركة الروي ‪ ،‬وينظم قصائده ناظرا ً إلى هذه األشياء‬
‫‪ ،‬ولذلك سوف أفرد لها مبحثا ً مستقالً تحت مسمى معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام‬
‫والبحتري والمتنبي ‪ ،‬بادئا ً بتعريف المعارضة في اللغة ‪ ،‬واالصطالح ‪ ،‬ومتتبعا ً لجذورها في‬
‫الشعر العربي ‪.‬‬

‫‪1‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 591‬‬


‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ / 1 ،‬ص ‪. 92‬‬
‫‪16‬‬
‫المبحث الثاني ‪ ،‬معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام والبحتري والمتنبي‪:‬‬

‫من الظواهر التي تسترعي نظر الباحث في الشعر األندلسي ظاهرة المعارضة للشعراء المشارقة‬
‫‪ ،‬ولعل ذلك راجع إلى إعجاب الشعراء األندلسيين بالشعراء المشارقة ‪ ،‬حيث بقي الشعراء‬
‫األندلسيون ينظرون إلي النتاج المشرقي نظرة إعجاب وإكبار ‪.‬‬

‫والبدً لنا ـ ونحن نتحدث عن المعارضة ـ من إلمامة سريعة بمفهوم المعارضة في اللغة ‪ ،‬و‬
‫االصطالح ‪ ،‬والبدّ لنا أيضا ً أن نشير في عجالة لتاريخ المعارضات الشعرية ‪.‬‬

‫جاء في لسان العرب البن منظور تحت مادة " عرض" عدة معان تتلخص في قوله ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫وفالن‬ ‫" عارض الشيء بالشيء معارضة ‪ :‬قابله ‪ ،‬وعارضتُ كتابِي بكتابِ ِه ‪ :‬أي قابلته ‪،‬‬
‫يعارضني ‪ :‬أي يباريني ‪ ،‬وعارض في السير ‪ :‬سار حياله وحاذاه ‪ ،‬وعارضته بمثل ما صنع ‪:‬‬
‫أي أتيت إليه بمثل ما أتى وفعلت مثل ما فعل ‪ ،‬ويقال ‪ :‬عارض فالن فالنا ً ‪ ،‬إذا أخذ في طريق‬
‫وأخذ في طريق آخر فالتقيا "‪. 1‬‬

‫وهذا التبيين يكاد تطابقه معظم معاجم اللغة األخرى ‪ ،‬إذ إنها تتفق معه على ما جاء به ‪،‬‬
‫ومما تقدم نخلص إلى أن المعنى اللغوي للمعارضة يعني المباراة والمحاذاة للشيء بشيء يشبهه ‪،‬‬
‫وذلك لدواعي أهمها اإلعجاب واالقتدار والتحدي والمباهاة ‪ ،‬وهذا القول مرتبط ارتباطا ً يكاد‬
‫يكون كليا ً بالمعنى االصطالحي للمعارضة ‪.‬‬

‫المعارضة اصطالحا ً ‪ّ :‬‬


‫عرفت المعارضة اصطالحا ً بتعريفات عدِّة ‪ ،‬ولعل من أشهرها تعريف‬
‫األستاذ أحمد الشايب ‪ ،‬وهو قوله ‪ " :‬المعارضة في الشعر أن يقول شاعر قصيدة في موضوع ما‬
‫من أي بحر وقافية ‪ ،‬فيأتي شاعر آخر فيعجب بهذه القصيدة بجانبها الفني وصياغتها الممتازة ‪،‬‬
‫فيقول قصيدة من بحر األولى وقافيتها ‪ ،‬وفي موضوعها ‪ ،‬أو مع انحراف عنه يسير أو كثير ‪،‬‬
‫حريصا ً على أن يتعلق باألول في درجته الفنية أو يفوقه ‪ ...‬فيأتي بمعان أو صور بإزاء األولى‬
‫تبلغها في الجمال الفني أو تسمو عليها بالعمق أو حسن التعليل ‪ ،‬أو جمال التمثيل ‪ ،‬أو فتح آفاق‬
‫‪2‬‬
‫جديدة في باب المعارضة "‪.‬‬

‫‪1‬ـ ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ‪ " :‬عرض " تحقيق عبد الله علي الكبير ‪ ،‬محمد أحمد حسب الله ‪ ،‬هاشم محمد الشاذلي ‪ ،‬الجزء‬
‫الرابع ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪ ،‬ص ‪. 2991 ، 2995‬‬
‫‪ -2‬الشايب ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬تاريخ النقائض في الشعر العربي ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬القاهرة ‪ 1669‬ص ‪. 9‬‬
‫‪52‬‬
‫وعرفها األستاذ محمد الهادي الطرابلسي بقوله ‪ " :‬المعارضة ضرب من ضروب‬
‫النظم يختص به األدب العربي ‪ ،‬نشأ منذ عصور الحضارة العربية األولى ‪ ،‬وكان له رواد يقل‬
‫عددهم من عصر إلى عصر آخر أو يكثر ‪ ،‬بحسب ظروف المنافسة المعنوية أو المادية التي‬
‫‪1‬‬
‫تحف بالشعراء وبحسب طبيعتها تكون المعارضة من باب الموافقة أو المناقضة " ‪.‬‬

‫ويسجل لنا التراث العربي كثيرا ً من أشكال المعارضة التي تتمثل في المواجهة بين‬
‫شاعرين حاضرين زمانا ً ومكانا ً ‪ ،‬عبر نصين شعريين شفهيين يتلقاهما المتلقي في لحظة إنتاج‬
‫النصين ‪ .‬ومن هذه المواجهة ما روته كتب األدب من أن امرأ القيس ‪ ،‬وعلقمة الفحل اختلفا في‬
‫الشعر‪ ،‬وادّعى كل منهما أنه األشعر ‪ ،‬فاحتكما إلى أم جندب – زوج امرئ القيس ـ أيهما أشعر‬
‫فقالت لهما ‪ " :‬قوال شعرا ً تصفان فيه فرسيكما على روي واحد ‪ ،‬وقافية واحدة ‪ ،‬فقال امرؤ القيس‬
‫قصيدته التي أولها ‪:‬‬

‫ض لُبانا ِ‬
‫ت الفُؤاد ال ُمعذَّب‬ ‫نُقَ ِ ّ‬ ‫ي ُمرا بي على أ ُ ِ ّم ُج ْندَ ِ‬
‫ب‬ ‫خَليلَ َّ‬

‫ب‬ ‫وللزجْ ِر منهُ و ْق ُع َ‬


‫أخر َج ِم ْنعَ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ق أُل ُهوبٌ ‪ ،‬ولل ّ‬
‫س ْو ِط ِد ّرة ٌ‬ ‫إلى أن قال ‪ :‬فللسا ِ‬

‫ثم أنشد علقمة بن عبدة التميمي قصيدته التي أولها ‪:‬‬

‫ولم يك حقا ً كل هذا التجنب‬ ‫ذهبت من الهجران في كل مذهب‬

‫يمر كمر الرائح المتحلّب‬ ‫إلى أن وصل إلى قوله ‪ :‬فأدركهن ثانيا ً من عنانه‬

‫فقالت المرئ القيس بعد أن سمعت منهما ‪ :‬علقمة أشعر منك ‪ ،‬قال ‪ :‬وكيف ذلك ؟ قالت ‪:‬‬
‫ألنك أجهدت فرسك بسوطك وضربته بساقك ‪ ،‬أما علقمة ‪ ،‬فقد أدرك طريدته وهو ثان من عنان‬
‫فرسه ‪ ،‬لم يضربه بسوط ‪ ،‬وال مراه بساق وال زجره ‪ ،‬قال امرؤ القيس ‪ :‬ما هو بأشعر مني ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ولكنك له واقعة ‪ ،‬فطلقها وخلفه عليها علقمة فسمى بذلك الفحل "‪.‬‬

‫وإن كانت هذه المناظرة تعد من أوليات النقد األدبي إال أنها تمثل نوعا ً من أنواع المعارضة‬
‫الشعرية ‪ ،‬فكال الشاعرين أجهد نفسه وأتعب فكره في أنه األشعر واألقدر ‪ ،‬ولم يكن هدف‬
‫الالحق اإلعجاب بنص السابق ‪ ،‬وإنما كان هدفهما أن يظهر كل منهما أنه األقدر واألجود في‬

‫‪ -1‬الطرابلسي ‪ ،‬محمد الهادي ‪ ،‬خصائص األسلوب في الشوقيات ‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية ‪ ،‬طبع بالمطابع الرسمية لجمهورية‬
‫تونس ‪ ، 1691 ،‬ص‪. 216‬‬
‫‪ ، 2‬ابن قتيبة ‪ (،‬أبي محمد عبد الله بن مسلم ) ‪ ،‬الشعر والشعراء ‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪.129 ، 1611 ،‬‬
‫وينظر امرؤ القيس ‪ ،‬الديوا ن ‪ ،‬اعتنى به وشرحه عبد الرحمن المصطاوي ‪ ،‬دار المعرفة ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 91 ، 2221 ،‬ـ ‪99‬‬
‫‪ .‬وينظر‪ ،‬الفحل ‪ ،‬علقمة بن عبدة ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬شرح األعلم الشنتمري ‪ ،‬قدم له ووضع هوامسه وفهارسه حنا نصر الحتي ‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1661 ،‬ص ‪ 52‬ـ ‪. 12‬‬
‫‪51‬‬
‫قو ل الشعر ‪ ،‬وبغض النظر عن صحة الرواية وهدفها إال أن قصيدة علقمة تعد معارضة تامة‬
‫لقصيدة امرئ القيس ‪ ،‬فكال القصيدتين من البحر الطويل ‪ ،‬والقافية البائية المكسورة ‪ ،‬ونفس‬
‫الغرض وهو الغزل والوصف ‪ ،‬وقد ض ّمن علقمة قصيدته بعض األبيات من قصيدة امرئ القيس‪.‬‬

‫أما عصر صدر اإلسالم ‪ ،‬فكان الشعراء فيه يذودون عن اإلسالم ‪ ،‬والدفاع عن الدعوة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬فلما كان شعراء الكفر يهاجمون اإلسالم بأشعار حماسية ‪ ،‬فتصدى لهم شعراء‬
‫‪1‬‬
‫المسلمين بمعارضات رادعة لهم ‪.‬‬

‫وفي العصر األموي ‪ ،‬ظهرت فكرة النقائض الشعرية – بغض النظر عن هدفها القائم‬
‫على فكرة الهدم والبناء ‪ ،‬ونفي اآلخر – لتشكل حلقة أخرى من حلقات المواجهة والمعارضة ‪،‬‬
‫وكان من رواد هذا الفن المثلث الشعري في ذلك العصر وهم " جرير ‪ ،‬والفرزدق ‪ ،‬واألخطل "‬
‫حيث " يقول أحدهم قصيدة – وغالبا ما يكون الفخر أو الهجاء – فيهبُّ اآلخر للرد على الشاعر‬
‫واألخذ بالثأر فينظم قصيدة على نمط القصيدة األولي وزنا ً وقافية غالبا ً ‪ ،‬يبطل فيها معاني‬
‫‪2‬‬
‫الشاعر األول وكل أفكاره ‪.‬‬

‫وما إن وصلنا إلى العصر األندلسي حتى اتضحت فكرة المعارضة وغدت ظاهرة عامة‬
‫بين الشعراء سواء بين األندلسيين أنفسهم أو بينهم وبين المشارقة التي ظهرت نتيجة التأثر‬
‫واإلعجاب أو المباهاة ‪ ،‬والمباراة ‪ ،‬فقد كان األندلسيون ينظرون إلى المشرق على أنه األساس‬
‫والمنبع ‪ ،‬فالمشارقة كانوا مهد الثقافة اإلسالمية ‪ ،‬وبالدهم منبع اللغة العربية ‪ ،‬فكل شيء يظهر‬
‫في المشرق أوالً ‪ ،‬ويأخذ منه المشارقة ما يشاؤون ‪ ،‬ثم يفد بعد ذلك على األندلس ‪ ،‬وكان‬
‫األندلسيون يحسون بنوع من التخلف عن المشارقة ‪ ،‬ويحاولون دائما ً أن يعوضوا ذلك بتأكيد‬
‫تفوقهم برغم بعدهم عنهم ‪ ،‬كما نراهم يتعصبون لألدب التقليدي تعصبا ً صوريا ً ‪ ،‬ويتسابقون‬
‫‪3‬‬
‫على مذاهبه واتجاهاته ‪ ،‬ويحاولون أن يقلدوها ‪.‬‬

‫وكان إلعجاب األندلسيين بالمشارقة أن قلدوهم في " جميع جوانب الحياة "‪ 4.‬وهذا‬
‫التقليد يعتبر ضربا ً من ضروب المعارضة والتحدي ‪ ،‬فمن ناحية التأليف ‪ :‬ألف األندلسيون‬
‫الكثير من الكتب معارضة لكتب المشارقة ككتاب العقد الفريد الذي عارض به صاحبه كتاب‬

‫‪ 1‬ـ ينظر ‪ ،‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬تاريخ األدب العربي ( العصر اإلسالمي ) ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة العشرون ‪ ،‬سنة ‪ ، 2222‬ص ‪. 52‬‬
‫‪ -2‬ابراهيم ‪ ،‬مصطفي عبدالرحيم ‪ ،‬في النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬دار المعارف القاهرة ‪ ، 1669 ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪ -3‬ينظر ـ هيكل ‪،‬أحمد ‪،‬األدب األندلسي من الفتح إلي سقوط الخالفة ‪ ،‬ص‪. 51‬‬
‫‪ -4‬ضيف شوقي ‪ ،‬الفن ومذاهبه ص‪. 112‬‬
‫‪52‬‬
‫عيون األخبار ‪ ،‬وجاء كتاب الحدائق ألبي فرج الجياني معارضة لكتاب الزهرة لألصفهاني ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وكتاب الذخيرة البن بسام جاء معارضة لكتاب اليتيمة للثعالبي وغيرها ‪.‬‬

‫وإذا كان الشعر المشرقي والشعر األندلسي ‪ ،‬يمثل – من الناحية الزمنية – السابق‬
‫والالحق أو المتقدم والمتأخر ‪ ،‬فإن المعارضة تكون أكثر وضوحا ً وظهورا ً ‪.‬‬

‫وإذ كانت األندلس أيضا تعيش في كنف الحضارة العباسية في المشرق فمن الطبيعي أن‬
‫وبحتري المغرب ومتنبي‬ ‫يتأثر شعراؤها بشعراء المشرق ‪ ،‬و يكون عندهم أبو تمام المغرب‬
‫المغرب ‪ ،‬وأن تعارض بعض قصائدهم ‪ ،‬وفي كتاب الذخيرة البن بسام معارضات كثيرة‬
‫للشعراء األندلسيين الذين بهرتهم روائع الشعر المشرقي ‪ ،‬وخاصة شعراء العصر العباسي كأبي‬
‫تمام والبحتري والمتنبي وأن دواوين هؤالء الثالثة هي " أكثر الدواوين الشعرية رواجا ً في‬
‫األندلس "‪ 2‬في عهد ابن زيدون ‪ .‬ويقول البستاني ‪ " :‬ولم يترك أهل األندلس بابا ً من أبواب‬
‫الشعر المعروفة إال قرعوه ونوعوا أغراضه وفنونه ‪ ،‬فمنه ما ترسموا به أهل المشرق فواطؤوهم‬
‫في معانيهم وشاركوهم في أساليبهم وعارضوهم في مشهورات قصائدهم "‪.3‬‬

‫ويرى ابن شريفة أن العناية بشعر هؤالء ‪ ،‬وحفظها وتدريسها ‪ ،‬ونقدها أدت في آخر‬
‫األمر إلى تأثيرها في الحركة األدبية والشعرية في األندلس ‪ ،‬ويتمثل هذا التأثير في المعارضة‬
‫التي أصبحت ظاهرة عامة في شعرهم ‪ 4.‬ومن خالل تتبعنا لمعارضة األندلسيين لقصائد المشارقة‬
‫رأينا أن القصائد المشهورة هي محط أنظار المعارضين ألنها قصائد جديرة باإلعجاب ‪.‬‬

‫‪ -1‬المرجع نفسة صــ ‪. 115‬‬


‫‪ -2‬عمايرة ‪ ،‬د ‪ .‬حنان إسماعيل أحمد ‪ ،‬األثر المشرقي في شعر ابن خفاجة األندلسي ‪ ،‬مجلة جامعة دمشق – المجلد ‪ ، 29‬العدد االول ‪+‬‬
‫الثاني ‪ – 2211‬ص ‪. 219‬‬
‫‪3‬ـ البستاني ‪ ،‬بطرس ‪ ،‬أدباء العرب في األندلس وعصر االنبعاث ‪،‬دار الثقافة ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪. 12 ،1619 ،‬‬
‫‪ -4‬ينظر أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغارية ص‪. 51‬‬
‫‪51‬‬
‫أوالً ‪ ،‬معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام ‪:‬‬
‫عارض ابن زيدون مجموعة من قصائد أبي تمام وأخذ كثيرا ً من معانيه ‪ ،‬ولعل نظرة‬
‫تشف عما نود قوله ‪ ،‬من أن‬
‫ُّ‬ ‫منا في كتاب الذخيرة البن بسام ‪ ،‬أو جولة منّا في ديوان ابن زيدون‬
‫ابن زيدون كان يقتبس من أشعار المشارقة ‪ ،‬ويعارض بعض قصائدهم ‪ ،‬ومن تلك القصائد التي‬
‫عارضها ابن زيدون قصيدته في رثاء محمد بن ُحميد الطوسي الطائي ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ــــــذر‬
‫ُ‬ ‫ع‬‫فض ماؤُ ها ُ‬
‫فليس ل ِعيْن لم يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ـــر‬ ‫َطب ولي ْفــدحِ ْ‬
‫األم ُ‬ ‫كذا فليج َّل الخ ُ‬
‫فــر‬
‫س ُ‬ ‫سفر ال ّ‬ ‫وأصب َح في ُ‬
‫شغل عن ال ّ‬ ‫تُو ِفّيــ ِ‬
‫ت اآلمــــا ُل بعــــد ُمحــــــ ّمد‬
‫حيث عارضها ابن زيدون بقصيدة رائية في رثاء والدة أبي الوليد بن جهور ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫فَ ِم ْن ِشيَم ْاألَب َْر ِار – في ِمثْ ِل َها – ال َّ‬
‫صب ُْر‬ ‫ص ِب ْر ِللَّذِي أحْ دَ َ‬
‫ث الدَّ ْه ُر‬ ‫ُه َو الدَّ ْه ُر !! فا ْ‬
‫الــــــوزر‬
‫ُ‬ ‫بالصبر الذي معه‬
‫ِ‬ ‫ترض‬
‫َ‬ ‫فال‬ ‫اليأس أو صب َْر ِحسْبة‬
‫ِ‬ ‫صبِ ُر صبْر‬
‫ست ْ‬
‫القصيدتان من البحر الطويل ‪ ،‬وقد اشتركت القصيدتان في القافية الرائية ‪ ،‬والروي‬
‫المضموم ‪ ،‬وكلتاهما في نفس الموضوع وهو الرثاء ‪ ،‬وإذا كان اتفاق القصيدتين ‪ ،‬في ( الغرض‬
‫‪ ،‬والبحر ‪ ،‬والروي ‪ ،‬وحركته ) فإننا نعدها معارضة تامة ؛ الشتراكهما في هذه األساسيات‬
‫األربع ‪ ،‬وقد بلغت قصيدة أبي تمام ثالثين بيتا ً ‪ ،‬بينما بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون ثالثة‬
‫وأربعين بيتا ً ‪.‬‬

‫بناء المعنى ‪ :‬الشك أن الرثاء من أصدق األغراض الشعرية ؛ ألنه يصور مرارة الفقد ‪ ،‬وحسرة‬
‫الفراق ‪ ،‬وإذا كان المديح يستدعي المبالغة في كثير من األحيان ؛ لكونه وسيلة الستجالب المنافع‬
‫‪ ،‬فإن الرثاء ال تحصل فيه هذه الوسيلة ‪ ،‬وإنما تذكر فيه محاسن الفقيد ‪ ،‬والناظر إلى هاتين‬
‫القصيدتين يرى اختالفا ً بينا ً بينهما ‪ ،‬من حيث القوة والضعف ‪ ،‬فانظر إلى مرثية أبي تمام التي‬
‫قالها في رثاء القائد الشجاع محمد الطوسي الذي استشهد في ميدان المعركة ‪ ،‬ولعل أول ما يلفت‬
‫االنتباه في هذه المرثية الحزينة هو ذلك االفتتاح الرائع التي تبدو فيه مالمح الفاجعة التي حطت ‪،‬‬
‫والمصيبة التي حلت ‪ ،‬فلفظة ( كذا ) توحي بالتسليم ألمر الله وقضائه في مقتل هذا القائد الشجاع‬
‫‪ ،‬ألن الخطب جلل ‪ ،‬واألمر فادح ‪ ،‬ولذلك ال يجد الشاعر عذرا ً ألي عين لم يفض دمعها على‬
‫مقتل هذا القائد العظيم ثم يعلن نعيه لجميع اآلمال التي رحلت بعد هذه الفاجعة ‪ ،‬وحلت بالشاعر‬
‫الروح ِ ) ‪ ،‬فظل أبو تمام يرثي فقيده إلى‬
‫ب ٌ‬ ‫ع ْذ َ‬
‫في مقتل هذا الشاب الذي وصفه بأنه ( فَت َى كانَ َ‬
‫آخر القصيدة مظهرا ً عاطفته الصادقة الحزينة الجياشة‪ ،‬حتى يحس القارئ بأنه في ساحات‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 219/2 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 516‬‬
‫‪51‬‬
‫الوغى يشاهد المعركة عيانا ً ويشارك فيها ثم يصدمه مقتل قائده المغوار ‪ ،‬فإبداع أبي تمام في‬
‫وصف هذا الفقيد ورثائه جعلت هذا القصيدة من أجود مراثي األدب العربي ‪ .1‬أما قصيدة ابن‬
‫زيدون فإنها تختفي فيها لوعة الحزن وألم الفاجعة ال سيما في هذا المطلع الذي يقول فيه أن‬
‫الصبر الجميل من شيم األبرار ‪ ،‬ففقيد الشاعر والدة ممدوحه ولذلك نجد في ثنايا القصيدة‬
‫ومضات في المديح ‪ ،‬أما الرثاء فيدور حول التذكير بالصبر ‪ ،‬حيث تدور أغلب أبيات القصيدة‬
‫حول الصبر والثواب التي يشير إليها في مطلع قصيدته ‪ ،‬فيقول أن الذي يفقد ليس هو الميت‬
‫وإنما الذي يفقد هو األجر والثواب حينما نجزع على الفقيد ؛ ألن الموت مصير كل إنسان ‪،‬‬
‫ولذلك نجد بداية أبيات القصيدة في التذكير باآلخرة والثواب ‪ ،‬ثم ينتقل الشاعر إلى مدح ابن‬
‫جهور‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َمناَقِبُ ُكم ْ– في أ ُ ْف ِق َها – أ ْن ُج ٌم ُز ْه ُر‬ ‫سة‬ ‫بَـــني " َج ْه َور" أ ْنت ُ ْم َ‬
‫س َما ُء ِريَا َ‬

‫وهذا ما يؤكده الدكتور وهب رومية بقوله ‪ " :‬إن ابن زيدون ال يصلح للمراثي وال يطيق‬
‫الصبر عليها ‪ ،‬وما له بها ؟ أن الرثاء يقتضي اإلحساس بالفجيعة ولوعة الحزن "‪ ، 3‬ثم يضيف‬
‫قائالً ‪ " :‬إنه سجين وعيه ومصالحه الضيقة ‪ ،‬وهما يضربان في وجهة أخرى غير وجهة الرثاء‬
‫وما يقتضيه ‪ ،‬ولعل عنصر الرثاء الوحيد الذي يتردد صداه في دنيا هذا الشاعر هو التأبين لما‬
‫بينه وبين المدح من أسباب "‪ ، 4‬ونالحظ أن تكرار كلمة الدهر ‪ ،‬والصبر ‪ ،‬والموت تشير إلى‬
‫إحساس الشاعر بالعجز‪ ، 5‬وكأن ثمة سؤاالً غامضا ً يدور في فكر كل إنسان عن الكون يعرفه‬
‫الجميع وحاولوا تفسيره ‪ ،‬فكان الجواب عليه " هو الدهر "‪ 6‬الذي قرن بالصبر ‪ ،‬ولما ابتدأ ابن‬
‫زيدون قصيدته بهذا الجواب ‪ ،‬أضحى ـ في كثير من المواضع ـ متسائالً ومجيبا ً عن هذا التساؤل‬
‫بنفسه في أسلوب شرطي مستخدما ً فيه ( إذا ‪ ،‬إن ) كأداتين للشرط ‪ ،‬رابطا فيهما بين الماضي‬
‫والحاضر ‪ ،‬ماضي الفقيد وحاضر الممدوح ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله ‪:‬‬

‫إذا آسف الثكل اللبيب فشفَّه ‪ /‬إذا الموت أضحى ق َّ‬


‫صر ‪ /‬إذا عثرت جرد السوابح في القنا بليل‬
‫عجاج ليس يصدعه فجر ‪ /‬فإن أنثت فالنفس أنثى ‪ /‬إذا استعبرت في تربها ابتسم الزهر ‪ /‬إن ضاق‬
‫ذرع بحادث تبلج من الوجه ‪ /‬إن يبطش فمنكم يمينه ‪ /‬إن تضحك الدنيا فأنتم لها ثغر ‪ /‬إذا ما‬
‫ذكرتم ‪...‬تضوعت األخبار ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ‪ ، /http://www.alfaseeh.com‬شبكة الفصيح ‪ ،‬منتدى اللغة العربية ‪،‬تحليل قصيدة أبي تمام يرثي فيها محمد بن حميد ‪ ،‬ص‪. 1‬‬
‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ‪ ،‬ص‪ ، 519‬المناقب ‪ :‬المفاخر ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ رومية ‪ ،‬وهب ‪ ،‬شعر ابن زيدون قراءة جديدة ‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2211 ،‬ص ‪. 95‬‬
‫‪ 4‬ـ المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ 5‬ينظر ـ رومية ‪ ،‬وهب ‪. 62 ،‬‬
‫‪ 6‬ـ ينظر المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫مواطن التأثر في األبيات ‪ :‬تأثر ابن زيدون ببعض أبيات أبي تمام ‪ ،‬فقوله ‪:‬‬

‫ب وال َم ْسلَكُ َ‬
‫الوع ُْر‬ ‫ص ْع ُ‬
‫شَآهُ ال َم َرام ُال َّ‬ ‫اء َي ُرو ُمهُ‬
‫ض ِ‬ ‫ض ْي ُم !! لَ ْو َ‬
‫غي ُْر القَ َ‬ ‫ُهو َال َّ‬
‫‪1‬‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫المر وال ُخلُ ُق َ‬


‫الوعْر‬ ‫ظ ُّ‬ ‫الحفا ُ‬
‫إليه ِ‬ ‫س ْهالً فردَّهُ‬ ‫وقد كانَ فَ ْوتُ ال َمو ِ‬
‫ت َ‬
‫‪2‬‬

‫الفكرة في البيتين واحدة ‪ ،‬وإن اختلفت في معناها ‪ ،‬فابن زيدون في رثائه لوالدة ابن جهور ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬إن القضاء قد سبق موتها ‪ ،‬ولو لم يكن الموت قضا ًء وقدرا ً ‪ ،‬لردها عن هدفه المطلب‬
‫الصعب ‪ ،‬والمسلك الوعر ‪ ،‬بينما يقول أبو تمام في رثائه ‪ ،‬لمحمد بن حميد الطائي ‪ :‬إن هذا القائد‬
‫الشجاع باستطاعته الهروب من الموت ‪ ،‬وهو مطلب كل نفس ‪ ،‬وعلى الرغم من أن فوت الموت‬
‫‪ ،‬كان سهالً ‪ ،‬إالَّ أنه آثر الحفاظ المر ‪ ،‬والخلق والوعر إيمانا ً بقضيته ‪.‬‬

‫وقد تأثر ابن زيدون في قوله ‪:‬‬

‫اس ِب ِه ذُ ْخ ُر‬
‫س ذُ ْخر َما يُقَ ُ‬
‫نَفَائِ َ‬ ‫ت – ِم ْن ُم َجا ِ‬
‫ب دُ َ‬
‫عائِها ـ‬ ‫ت ََولَّ ْ‬
‫ت !! فأ ْبقَ ْ‬

‫بقول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫وليس له ذُ ْخ ُر‬
‫َ‬ ‫وذُ ْخرا ً ِل َم ْن أم َ‬
‫سى‬ ‫و َما كانَ إال ما َل َم ْن ق َّل َمالُهُ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد طواها الموت ‪ ،‬ولكن دعواتها الصالحة المجابة ظلت باقية ‪ ،‬وهو من‬
‫أثمن الذخائر ‪ ،‬أما أبو تمام فيصف قائده بالكرم ‪ ،‬والسخاء ‪ ،‬وأن هذا الكرم والسخاء والشجاعة‬
‫ذخر ألهل الفقيد وقبيلته ‪ .‬وأخذ ابن زيدون قوله ‪:‬‬
‫ٌ‬

‫َمناَقِبُ ُك ْم– في أ ُ ْف ِق َها – أ ْن ُج ٌم ُز ْه ُر‬ ‫سة‬ ‫َبـــني " َج ْه َور" أ ْنت ُ ْم َ‬


‫س َما ُء ِريَا َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ماء خ ََّر ِم ْن َب ْي ِنها ال َبد ُْر‬
‫س ِ‬ ‫نُجـو ُم َ‬ ‫يوم وفَا ِتــــه‬ ‫كـ َّ‬
‫ـأن َبنِي نَ ْب َهانَ َ‬

‫المعنى متفق بين البيتين ‪ ،‬وإن اختلف الغرض ‪ ،‬فابن زيدون انتقل إلى مدح آل جهور ‪،‬‬
‫قائالً ‪ :‬يا بني جهور ‪ :‬لقد علوتم حتى أصبحتم في رياستكم ‪ ،‬سماء تشرق فيها مفاخركم ‪ ،‬كاألنجم‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 512‬شآه ‪ :‬سبقه ‪.‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 219 / 2 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 219 / 2 ،‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪. 216 / 2 ،‬‬
‫‪51‬‬
‫الزهر ‪ ،‬ولكن أبا تمام ‪ ،‬يرثي ذلك القائد الشجاع يقول ‪َّ :‬‬
‫كأن بني نبهان يوم وفاته ‪ ،‬نجوم زاهرة‬
‫مضيئة في السماء ‪ ،‬ولكنها لما سقط من بينها البدر التام ذهب ضوؤها ‪ ،‬واختفى بريقها ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فَ ِم ْن ِشيَم ْاألَب َْر ِار – في ِمثْ ِل َها – ال َّ‬
‫صبْر‬ ‫صبِ ْر ِللَّذِي أحْ دَ َ‬
‫ث الدَّ ْه ُر‬ ‫ُه َو الدَّ ْه ُر !! فا ْ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫ون ِلفَ ْقـدِه ِ لَعَ ْهدِي ب ِه ِم َّم ْن يُ َحبُّ له الدَّ ْه ُر‬ ‫لَئِ ْن أ ُ ْب ِغ َ‬
‫ض الدَّ ْه ُر ال َخ ُؤ ُ‬

‫‪2‬‬
‫لَ َما زَ ال ِ‬
‫ت األيَّا ُم ِشيمتُها الغَد ُْر‬ ‫الــر ْوعِ أيَّا ُمه به‬ ‫لَ ِئ ْن غَـ َ‬
‫در ْ‬
‫ت في َّ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬صبرا ً لما أصابكم به الدهر ‪ ،‬فإن الصبر الجميل من شيم األحرار ‪،‬‬
‫بينما أبو تمام ‪ ،‬كان يحب الدهر لوجود صاحبه ‪ ،‬ولكنه اآلن يبغض هذا الدهر الذي أفقده هذا‬
‫الصاحب ‪ ،‬وهذه شيم األيام وعاداتها ‪ ،‬ال تصفو ألحد ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫س ُم َها الغُ ْف َرانَ َر ْي َحانُ َها النَّ ْ‬
‫ص ُر‬ ‫يُنَ ِ ّ‬ ‫س َال ُم الله ِتَتْ َرى ت َِحيَّةً‬
‫علَ ْي َها َ‬
‫َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ع ْم ُر‬
‫ليس له ُ‬
‫الكريم ال ُح َّر َ‬
‫َ‬ ‫َرأيْتُ‬ ‫علــيك ســــــالم الله وقفا ً فإنني‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬عليها سالم متتابع من الله ‪ ،‬وتحية لها مشفوعة بالغفران ‪ ،‬لما قدمته من‬
‫صالح األعمال ‪ ،‬وما عطرت به حياتها من أطيب اآلثار ‪ .‬أما أبو تمام فيخاطب أميره الذي ثوى‪،‬‬
‫قائالً عليك سالم الله ‪َّ ،‬‬
‫فإن الكريم الحر قصير العمر‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫الظهر‬
‫ُ‬ ‫س مجدَّدٌ بثاوية حلَّته ‪ ،‬فاستوحش‬
‫األرض ‪ ،‬أ ْن ٌ‬
‫ِ‬ ‫لبطن‬
‫ِ‬ ‫هنيئا ً ‪،‬‬

‫الخد ُْر‬
‫بطاهرةِ األثواب ِ ‪ ،‬فاتن ِة الضحى ُمسبَّ َح ِة اآلناء ‪ِ ،‬محْ رابُها ِ‬

‫قريب من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 516 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 222 / 2 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 511 ،‬تترى ‪ :‬أصلها وترى يقال ‪ :‬جاءوا تترى بمعنى متواترين أي متتابعين ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪. 222 / 2 ،‬‬
‫‪59‬‬
‫‪1‬‬ ‫غداة َ ثوى إالَّ اشت ْ‬
‫َهت أنها قب ُْر‬ ‫ب لم تبقَ روضةٌ‬
‫ضى طاه َِر األثْوا ِ‬
‫م َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬هنيئا ً لباطن األرض بأنسها الجديد الذي ثوى وح َّل ضيفا ً عندها ‪ ،‬وقد‬
‫أصبح ظهر األرض موحشا ‪ ،‬كما أن تلك المرأة طاهرة األثواب والنفس ‪ ،‬تسبح كل األوقات‬
‫وخدرها محرابها ‪ .‬ويقول أبو تمام قضى طاهر األثواب ولم تبقَ روضة يوم وفاته ‪ ،‬إال اشتهت‬
‫أنها هي القبر ‪ ،‬لهذا الشهيد الطاهر ‪ .‬ومن خالل تتبعنا لمعاني األبيات ‪ ،‬والمقارنة بينها نرى‬
‫هناك اختالفا ً بينها في الغرض ‪ ،‬فيغلب على أبيات ابن زيدون مدح ابن جهور ‪ ،‬ويذكره بالصبر‬
‫‪ ،‬مشيرا ً لفضائل والدته الراحلة ‪ ،‬أما أبو تمام فتتضح في قصيدته العاطفة المتقدة ‪ ،‬وفجيعته في‬
‫مقتل ذلك القائد الشجاع ‪.‬‬

‫والبن زيدون قصيدة أخرى في رثاء أبي الحزم بن جهور ‪ ،‬تشبه قصيدته السابقة في‬
‫( الغرض ‪ ،‬والبحر ‪ ،‬والروي ‪ ،‬وحركته ) ‪ ،‬نظر في بعض أبياتها إلى قصيدة أبي تمام السابقة ‪،‬‬
‫يقول ابن زيدون في مطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫وأ َ ْن ق ْد َكفاَنا – فقدَها – الق َم ُر البَد ُْر‬ ‫القبر‬
‫ُ‬ ‫الشمس ق ْد ض ّمها‬
‫َ‬ ‫ألم تر َّ‬
‫أن‬
‫فمن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأبي تمام ‪ :‬قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫سؤدَدُ النَّثْ ُر‬ ‫ظ ُم – في ْ‬
‫أخالقِ ِه – ال ُّ‬ ‫َويُ ْن َ‬ ‫فَت َى يَجْ َم ُع ال َمجْ دَ ال ُمفَ َّرق ه ُّمهُ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫كبر‬ ‫ولكن ِكبْرا ً ْ‬
‫أن يُقَا َل به ُ‬ ‫َّ‬ ‫ضة‬
‫ضا َ‬ ‫الروح ِ ال ِم ْن َ‬
‫غ َ‬ ‫ب ٌ‬ ‫ع ْذ َ‬
‫فَت َى كانَ َ‬

‫نالحظ أن صفات الفتوة بين البيتين واحدة ‪ ،‬تمثلت في األخالق ‪ ،‬وعذوبة الروح ‪ ،‬غير‬
‫أن فتى أبي تمام قد ثوى فهو فقيد ‪ ،‬وفتى ابن زيدون قد تستلم الحكم وهو ممدوحه بعد أن ثوى‬
‫أبوه ابن جهور ‪ ،‬وقد نظر ابن زيدون في قوله ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ع الغُ ْم ُر‬
‫َالضر ُ‬
‫ِ‬ ‫فَإنَّكَ َال الفَانِي ‪َ ،‬وال‬ ‫فإن ث َ َوى‬
‫ع ْنهُ ‪ْ ،‬‬ ‫عزَ ا ًء – فَدَتْكَ النَّ ْف ُ‬
‫س‪َ -‬‬ ‫َ‬

‫إلى بيتين من أبيات أبي تمام ‪ ،‬وهما ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 222 / 2 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 521 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 525 ،‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪. 216/2 ،‬‬
‫الضرع ‪ :‬الذليل المستكين ‪ ،‬الغمر ‪ :‬الذي لم يجرب األمور ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص‪ ، 529‬الفاني ‪ :‬الشيخ الكبير الضعيف ‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫‪1‬‬
‫ويَب ِكي علي ِه ال ُجود ُوالبأ ْ ُ‬
‫س وال ِ ّ‬
‫ش ْع ُر‬ ‫ع ْن ثاو تُعَ َّزى ب ِه العُلى‬
‫يعَ ُّز ْونَ َ‬
‫‪2‬‬
‫ف الدَّ ْه ِر نائِلُه ُالغ َْم ُر‬ ‫و َي ْغ ُم ُر َ‬
‫ص ْر َ‬ ‫ث َ َوى في الث َّ َرى َم ْن كانَ َيحيا به الث َّ َرى‬

‫والبن زيدون قصيدة بائية في مدح وعتاب أبي الحزم بن جهور ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ص ِلي ِبفَ ْر ِع ِك لَيـْلَ ِك ال ِغ ْر ِبيبــــــــَا‬
‫فَ ِ‬ ‫علَى ُ‬
‫س َراك َرقِيبا ً‬ ‫هذَا ال َّ‬
‫ص َبا ُح َ‬

‫سمـــــــــاءك لَبَّةً وتر ْيبَـــــــا‬


‫ِ‬ ‫أ ِلفَ ْ‬
‫ت‬ ‫ولديك ـ أمثا َل النُّ ُج ِ‬
‫وم ـ قالئـــدٌ‬ ‫ِ‬

‫عارض فيه قصيدة ألبي تمام في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف [ الثغري ] ومطلعها‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫واب ِمن ُم ْقلَة ْ‬


‫أن ت َ ُ‬
‫صوبا‬ ‫ص ُ‬ ‫ف َ‬ ‫سجايَا ُّ‬
‫الطلُو ِل أالَّ تُجـــيبَا‬ ‫ِم ْن َ‬

‫ت َِج ِد ال َّ‬
‫ش ْوقَ سا ِئال ً و ُم ِجيــبا ً‬ ‫فاسألَ ْنها واجْ َعل بُكاَك َجوابـــا ً‬

‫ال شك أن غرض المديح قد استأثر اهتمام ابن زيدون الذي عاش مدة طويلة في بالط‬
‫األمراء ‪ ،‬فكان الموقف يتطلب منه أن يطرق هذا الغرض الشعري ‪ ،‬وأن يتخذ من مدائح‬
‫العباسيين أنموذجا ً يحتذيه ؛ لينال الحظوة والجاه عند ممدوحيه ‪ ،‬وبذلك أضحت المعارضة‬
‫الشعرية لمدائح العباسيين ظاهرة واضحة في شعره‬

‫هيكل القصيدتين ‪ :‬تتكون قصيدة أبي تمام من خمسة وخمسين بيتا ً ‪ ،‬أما قصيدة ابن زيدون‬
‫فتتكون من ثمانية وثالثين بيتا ً ‪ ،‬والمتتبع للقصيدتين ‪ ،‬يرى أثر المعارضة واضحة جلية إال أنها‬
‫تعد معارضة ناقصة ‪ ،‬حيث اتفقت القصيدتان في الغرض وهو( المدح )‪ ،‬واتفقتا في القافية البائية‬
‫‪ ،‬والروي المفتوح ‪ ،‬واختلفتا في الوزن ‪ ،‬فقصيدة أبي تمام من البحر الخفيف ‪ ،‬و قصيدة ابن‬
‫زيدون من الكامل ‪ ،‬ولدى المقارنة بين القصيدتين من حيث الشكل والمضمون تبين للباحث أن‬
‫القصيدتين اتفقتا في أشياء واختلفتا في أشياء أخرى نوضحها فيما يلي ‪:‬‬

‫أوجه االتفاق ‪ ،‬والتباين بين القصيدتين ‪ :‬اتفقت القصيدتان في الغرض والقافية وحركة الروي ‪،‬‬
‫وفي بناء القصيدة من حيث المقدمة ‪ ،‬وطريقة االنتقال والتخلص إلى الغرض األصلي للقصيدة ‪،‬‬
‫فابتدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة غزلية في نحو ستة عشر بيتا ً ‪ ،‬يتحدث فيها عن محبوبته التي‬
‫هجرته ‪ ،‬وغدت كأنها حبيب ‪ ،‬وعدو له في آن واحد ‪ ،‬فهي محبوبته ولكنها عذبته بالهجران‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 216/2،‬‬


‫‪ -2‬المصدر نفسه ص ‪. 222‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ‪ ،‬ص‪ ، 121‬السرى ‪ :‬السير ليالً ‪ ،‬الفرع ‪ :‬الشعر التام ‪ ،‬الغربيب الشديد السواد ‪ ،‬اللّبّة ‪ :‬النحر أو موضع القالدة‬
‫في الصدر ‪ ،‬التريب ‪ :‬مكان القالدة جمعها ترائب ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪ ، 62 / 1‬تصوب ‪ :‬من صاب السحاب إذا جاء بالمطر ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫والصدود ‪ ،‬ثم يتخلص من هذه المقدمة الغزلية الحزينة قائالً ‪ " :‬مالي ولأليام ؟ لج مع الصبا ؟ ‪،‬‬
‫نجن منه سوى الهوان والشيب الذي ألم برأسي وبلحيتي ‪،‬‬
‫أي مالي ولهذا الحب الذي أتعبني فلم ِ‬
‫وبعد هذه المقدمة ينتقل إلى غرضه المقصود وهو المديح في نقلة رائعة مستحسنة ‪ ،‬مستخدما‬
‫العطف بالواو والم االبتداء ‪ ،‬وأن المخففة ذاكرا ً اسم ممدوحه على عادة بعض الشعراء ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عجي َبا‬ ‫نِ ْعم َالنَّ ِ‬
‫صيُر لقد َرأيْتُ ِ‬ ‫ور"‬
‫"وجْ َه ٌ‬
‫ام َ‬ ‫ألن أ ُ َ‬
‫ض َ‬ ‫َولَئِ ْن َ‬
‫ع ِجبْتُ ْ‬

‫فهو بهذه المقدمة الغزلية والشكوى من الشيب واالنتقال إلى الممدوح متأثر بأبي تمام ‪ ،‬حيث‬
‫بدأ أبو تمام قصيدته بمقدمة طللية وقف فيها على أطالل المحبوبة يسأل تلك األطالل ويدرك بأنها‬
‫ال تجيب على سؤاله ‪ ،‬فالشاعر يسأل ويجيب نفسه ؛ ألن هذا الطلل يمثل جز ًءا من تجربته ثم‬
‫ينتقل إلى الشكوى من الشيب ‪ ،‬ومن تلك الشكوى ينتقل الشاعر إلى المديح ذاكرا ً ‪ ،‬اسم ممدوحه ‪،‬‬
‫فيقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ُخلُقا ً من أبِي َ‬
‫س ِعيد َرغيبَا‬ ‫وف اللَّيا ِلي‬ ‫ُك ّل يوم ت ُ ْبدِي ُ‬
‫ص ُر ُ‬

‫فينتقل كل منهما إلى مدح أميره ‪ ،‬فيصف أبو تمام أبا سعيد بصفات الشجاعة واإلقدام ‪ ،‬وأنه‬
‫سيف صليل على أعدائه ‪ ،‬ونالحظ أن أبا تمام قد خص مديحه لهذا األمير فلم يحد على هذا‬
‫الممدوح ‪ ،‬أما ابن زيدون فتارة يمدح أبا جهور ‪ ،‬وتارة أخرى يمدح آل جهور فتظهر في‬
‫القصيدة ضمائر المفرد والجمع ‪ ،‬وأن الغالب على صفات ابن زيدون لممدوحه هي صفات‬
‫التقوى ‪ ،‬واإلحسان ‪ ،‬والتوبة ‪ ،‬والعفة ‪.‬‬

‫وقد كان ابن زيدون في أغلب مدائحه وبخاصة في مدح ابن جهور يشكو من الوشاة ‪ ،‬فنراه‬
‫دائما ً يبرئ نفسه مما نسب إليه من فتن ‪ ،‬كقوله في هذه القصيدة ‪:‬‬

‫ط َي ْعقُوب وكنتُ الذّي َبا‬


‫أ ْس َبا َ‬ ‫الوشَاة ُ َوقَ ْد ُمنيتُ بإ ْف ِك ِه ْم‬
‫كانَ ُ‬

‫فال ت َثْ ِريبَا‬


‫ت ذَ َوائِبُها َ‬
‫ُه َّز ْ‬ ‫وإذا ال ُمنى بِقَبُولِكَ الغَ ِ ّ‬
‫ض الجنى‬

‫ولعل ما تميز به ابن زيدون هنا بروز األنا في قصيدته ‪ ،‬فإذا غلب على أبي تمام تسمية‬
‫ممدوحه بأسماء السيوف والنبال في مقارعة األعداء ‪ ،‬فإن ابن زيدون تستهويه األنا المتضخمة‬
‫فكأنه يريد مواجهة هؤالء الوشاة والحاسدين الذين أرادوا أن يوقعوا بينه وبين ممدوحيه ‪ ،‬يقول‬
‫ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ص ‪. 121‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 61 / 1‬‬
‫‪12‬‬
‫صقَا ِل إلَ ْي ِه والت ّ ْذ ِريبَا‬
‫ت ُ ِع ِد ال ّ‬ ‫صدِئ الذي َمهما تشأ ْ‬
‫يف ال َّ‬
‫س ُ‬‫أنَا ال َّ‬

‫س َح ال َم َجا ِل َر ِحي َبا‬ ‫ضاقَ بِي ِم ْن َم ْذهَب في َم ْ‬


‫ط َلب فَثَنِ ْيتَهُ فُ ُ‬ ‫َك ْم َ‬

‫السيف ‪ ،‬ويقول ‪ :‬كم ضاق بي من مذهب فثنيته ‪ ،‬وهذا النهج نجده في كثير‬
‫ُ‬ ‫فيقول ‪ :‬أنا‬
‫من مدائح ابن زيدون ‪ ،‬وبخاصة في مدائحه في أبي الحزم ‪ ،‬وهي قصائد يكثر فيها من حديثه عن‬
‫الوشاة ‪ ،‬فيكثر فيها الحديث عن شجاعته ‪ ،‬؛ ليثبت أمام قوى الوشاة الحاسدة ‪.‬‬

‫وفي خاتمة القصيدتين ‪ ،‬نجد أن ابن زيدون يختم قصيدته مثلما ختم أبو تمام قصيدته من دعاء‬
‫لممدوحه بطول العمر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫ال تستطيع لحكمه تعقيبا‬ ‫وأراد فيك مرادك القدر الذي‬

‫أما أبو تمام فختم قصيدته بقوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ــقوب في سنه أبا يعقوبا‬ ‫وبقا ًء حتى يفوت أبو يعــ‬

‫ومن مواطن التباين بين القصيدتين ‪ :‬ظهور بعض صور الموت والحرب وأدوات القتال‬
‫عند أبي تمام ‪ ،‬وال ضير في أن يكون شعره كذلك ‪ ،‬فهو شاعر مصور ومسجل لألحداث التي‬
‫تقع بين ممدوحه وأعدائه ‪ ،‬فنراه يتكلف في إظهار قوة ممدوحه وحسن تدبيره للمعارك ؛ لينال‬
‫عطاء ممدوحه ‪ ،‬ولذلك قوي شعره ‪ ،‬أما ابن زيدون فلم يبلغ شعره شأو أبي تمام وال داناه حيث‬
‫إنه لم يكن من شعراء التكسب ؛ لثرائه ‪ ،‬كما أن شعره في أبي الحزم يظهر فيه النفاق والمجاملة‬
‫؛ ليتقي شره ‪ ،‬ويسلم من سجنه ‪ ،‬ولذلك ال نراه يمدح أبا الحزم حتى يصير إلى مدح نفسه لتظهر‬
‫أناه فتتماسك وتقوى أمام الوشاة ‪ ،‬ومن صور القوة التي ذكرها أبو تمام في قصيدته ‪:‬‬

‫ً‪2‬‬
‫ِل ِبال ِد العد ّ ُِو َموتا ً َجنُوبا‬ ‫َ‬
‫طا ِعنًا َم ْن َح َر ال َّ‬
‫شما ِل ُمتِي ًحا‬

‫صنَّب ُْرهَا فَ َكان ْ‬


‫َت ُحروبا‬ ‫هَا َج ِ‬ ‫روب أُبِيخ ْ‬
‫َت‬ ‫سبَرات إذا ال ُح ُ‬
‫َ‬

‫ضربةً غَادَرتْهُ َ‬
‫ع ْودا ً َر ُكوبا‬ ‫ْ‬ ‫ع ْي ِه‬ ‫شت َا َء في ْ‬
‫أخدَ َ‬ ‫ضربْتَ ال ِ ّ‬
‫فَ َ‬

‫و ِشهابا ً ِمنَ الحري ِ‬


‫ق ذَنُوبا‬ ‫ُوف ُمرنّا‬
‫سي ِ‬‫ص ِليالً ِمنَ ال ُّ‬
‫و َ‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 122 / 1 ،‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 69 ، 61‬‬
‫‪11‬‬
‫االتفاق واالختالف في بعض األساليب ‪:‬‬

‫الجناس ‪ :‬من األساليب الالفتة للنظر‪ ،‬التي استعان بها ابن زيدون استجابة لنداء المعارضة‬
‫أسلوب الجناس القائم على رد الصدر على العجز ‪ ،‬وهذا األسلوب حقق للقصيدة نسقا ً بديعيا ً أنيقا ً‬
‫صوبا ‪/‬‬ ‫واب ت َ ُ‬
‫ص ُ‬ ‫‪ ،‬ويمكن أن نصور هذه الظاهرة على هذا النحو‪ :‬يقول أبو تمام مجانسا ً ‪ :‬ف َ‬
‫ب ولعُـوبا ‪ /‬النَّسي ِ‬
‫ب‬ ‫يب الَّ َّ‬
‫صليبا ً ‪َ /‬ل ِع َ‬ ‫ب شيبا ً ‪ /‬الخطوب خطوبا ‪ /‬و َ‬
‫ص ِل ُ‬ ‫َضيبـَا ‪ /‬للشيـ ِ‬ ‫ض َب ْ‬
‫تخ ِ‬ ‫َخ َ‬
‫َضيبَا ‪/‬‬
‫يب – خ ِ‬
‫الخض ُ‬
‫ِ‬ ‫إربا ً أريـبا ً ‪ /‬الحروب حروبا ً ‪ ،‬وعند ابن زيدون ‪:‬‬
‫ب دروبــا ‪ْ /‬‬ ‫نسـيبا ً ‪ُ /‬‬
‫فدرو ِ‬
‫َطيبَا ‪ /‬عذبت التعذيبا ً ‪ /‬عجبت عجيبا ً ‪ /‬الضروب ضروبا ‪ُ /‬م ْن ِجبا ً‬ ‫بخ ِ‬ ‫عجـي َبا ‪ /‬ال ُخ ُ‬
‫طو ِ‬ ‫ع ِجبْتُ ِ‬
‫َ‬
‫ب ع ِقيـبا ً ‪.‬‬
‫ونجيبا ً ‪ /‬التجارب تجريبا ً ‪ /‬العقي ِ‬

‫الطباق ‪ :‬اتفقت القصيدتان في بعض صور الطباق ‪ ،‬ومثاله عند أبي تمام ‪ :‬سائالً ـ مجيبا ً ‪/‬‬
‫القريب ـ بعيدا ‪ /‬الليل ـ النهار ‪ /‬الشمال ـ الجنوب ‪ /‬غادرته ـ عودا ‪ .‬وعند ابن زيدون ‪ :‬معاديا ً ـ‬
‫مواليا ً ‪ /‬معاقبا ً ـ مثيبا ً ‪ /‬متعذر ـ سهل ‪ /‬سائالً ـ مجيبا ‪ /‬يبلى ـ يستجد ‪.‬‬

‫ويُال َح ظ أن ابن زيدون تارة يمدح ابن جهور ‪ ،‬وتارة أخرى يمدح آل جهور ‪ ،‬فعندما يمدح‬
‫س بالدَّ ْه ِر ‪ ،‬يَ ْقعُدُ َ‬
‫ص ْرفُهُ ‪ /‬ملك‬ ‫ور" ‪ُ /‬مت َ َم ِ ّر ٌ‬
‫"وجْ َه ٌ‬
‫ام َ‬ ‫ع ِجبْتُ أل ْن أ ُ َ‬
‫ض َ‬ ‫ابن جهور ‪ ،‬يقول ‪َ :‬ولَئِ ْن َ‬
‫أطاع الله منه موفق‪ /‬يأتي رضاه مواليا ً ومعاديا ً ‪ /‬تأبى ضرائبه ‪ /‬بسام ثغر ‪ /‬من ال تعدى‬
‫النائبات لجاره ‪ .‬وحين يمدح آل جهور يقول ‪ :‬إن الجهاورة الملوك تبوءوا ‪ /‬يغشى التجارب كلهم‬
‫‪ /‬همم تنافسها النجوم ‪.‬‬

‫مواطن التأثر في األبيات ‪ :‬ومن أبيات أبي تمام التي تأثر بها ابن زيدون قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫ت َِج ِد ال َّ‬


‫ش ْوقَ سائِال ً و ُم ِجيبا‬ ‫فاسألَ ْنها واجْ عَل بُكاَكَ َجوابا ً‬

‫يقول أبو تمام ‪ :‬ال تنتظر جوابا ً من تلك الطلول التي تسألها ‪ ،‬وإذا سألها وجعل البكاء جوابها‬
‫فقد ألهب الشوق في حالتي سؤاله وجوابه ‪ ،‬وهي فلسفة حسنة ‪ ،‬ومذهب من مذاهب أبي تمام‬
‫القائم على خلط الجناس بالطباق ‪ ،‬وقد ضمن ابن زيدون طباق أبي تمام الذي في آخر البيت‬
‫قائالً‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫امع َ"سائال ً ومجيبا ً"‬
‫س ِ‬‫َم َأل ال َم َ‬ ‫امتا ً ولَ ُربَّ ّما‬
‫ص ِ‬ ‫َم َأل َ النَّ َو ِ‬
‫اظ َر َ‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 62 / 1‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 129‬‬
‫‪12‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن أميره يمأل ناظريه بهيبته ‪ ،‬إذا كان صامتا ً ‪ ،‬وببالغته إذا تحدث سائالً‬
‫أو مجيبا ً ‪ ،‬وهي صورة تعتريها البساطة والرتابة ‪ ،‬وتنم بولع ابن زيدون وشغفه بتكرار الطباق‬
‫حيث طابق بين صامتا ً ‪ ،‬والمسامع ‪ ،‬وبين سائال ً ومجيبا ً ‪ .‬وكذلك قول أبي تمام ‪:‬‬

‫َ‪1‬‬
‫ب ب ُْردا ً قَ ِشيْبا‬ ‫غفَالتُ ال َّ‬
‫ش َبا ِ‬ ‫َ‬ ‫ستْ َها‬
‫و ِكعاَبا ً كأنَّ َما ألبَ َ‬

‫وذلك في قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫يس فَ َي ْست َِجدُّ قَشِي َبا ً‬
‫يُب ِلي الد َِّر َ‬ ‫عادَة َ الَبِس‬
‫وت َ َهنَّإ األ ْع َيادَ َ‬

‫االتفاق في األبيات ‪ ،‬يكمن في استخدام المالبس الجديدة ‪ ،‬يقول أبو تمام ‪ :‬عهدنا تلك الطلول ‪،‬‬
‫تقطنها كعابٌ من النساء ‪ ،‬يرتدين المالبس الجديدة ‪ ،‬أما ابن زيدون ‪ :‬فإنه يهنئ ممدوحه بأعياد‬
‫متوالية ‪ ،‬فإذا ودع عيدا استقبل عيدا ً ‪ ،‬كما يخلع الالبس المالبس البالية ويلبس الجديدة ‪ .‬وكذلك‬
‫قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ار والت َّ ْشبِيبَا‬
‫ف ال ِدّيَ ِ‬
‫ص َ‬
‫فاقَ و ْ‬ ‫طاب في ِه ال َمدِي ُح والتَذَّ َحت َى‬
‫َ‬

‫وذلك في قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫فَت َكاَدُ تُو ِه ُمكَ ال َمدِي َح نَسِيبَا‬ ‫و َم َحا ِس ٌن ت َ ْندَى َرقائِ ُق ِذ ْك ِرهَا‬

‫يقول أبو تمام ‪ :‬أطيب الشعر ما كان تشبيبا ً ‪ ،‬وقد صار مديحي ألبي سعيد الثغري أطيب‬
‫وألذَّ من التشبيب ‪ ،‬وهو وصف أخذه ابن زيدون وخلعه على ممدوحيه ( آل جهور ) ‪ُ ،‬معدِّدا ً‬
‫ي محاسن عظيمة يرق ذكرها إلى حد تتوهم فيه أن المديح قد تحول إلى‬ ‫فضائلهم قائالً ‪ :‬لهم عل ّ‬
‫نسيب وغزل ‪ .‬ومن أبيات أبي تمام التي تأثر بها ابن زيدون أيضا ً قوله ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫َضيبَا‬ ‫أن َرأ َ ْ‬
‫ت ش ََواتِي خ ِ‬ ‫ـــ ِد دما ْ‬ ‫ت َخدَّهَا إلى لُؤلُؤ ال ِعقـْ‬
‫ضبَ ْ‬
‫َخ َ‬

‫وذلك في قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫َضيبَا‬
‫يب ـ خ ِ‬
‫الخض ُ‬
‫ِ‬ ‫َكفَّا ـ هي ال َك ُّ‬
‫ف‬ ‫ت إذ َحيَّ ْيتِنَا‬ ‫ولَ َ‬
‫طال َمــــا أ ْبدَ ْي ِ‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 62 / 1‬‬


‫‪ -2‬ديوانه ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬الدريس ‪ :‬الخلق البالي ‪ ،‬القشيب ‪ :‬الجديد ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام‪. 61 / 1‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 126‬‬
‫‪ -5‬ديوان أبي تمام ‪ ، 61 / 1‬خضبت ‪ :‬بالدمع الذي فيه الدم ‪ .‬الشواة ‪ :‬جلدة الرأس ‪ ،‬ويقال للجلد كله شواة ألنه يلو الجسد ‪.‬‬
‫‪ -6‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 121‬الكف الخضيب ‪ :‬نجم ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪1‬‬
‫ــــــك َاليَزا ُل ُم ِريبَا‬
‫ِ‬ ‫ظ‬‫بِـدَم ‪ ،‬ولَحْ ُ‬ ‫ما با ُل خ ِدّك ِاليزا ُل ُم َ‬
‫ض ّرجـــا ً‬

‫الفكرة العامة المشتركة بين األبيات ‪ ،‬هي ‪ ( :‬تخضيب الخد بالدمع ممزوجا ً بالدم ) ‪ ،‬يقول‬
‫أبو تمام ‪ :‬إنها خضبت خدها دمعا ً ممزوجا ً بالدم ‪ ،‬عند رؤيتها للشيب في رأسها ‪ ،‬ويقول ابن‬
‫لحظك يدعو إلى الريبة في فتكه بالقلوب ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫خدك مضرجا ً بدم العشاق ِ ‪ ،‬واليزال‬
‫ِ‬ ‫زيدون ‪ :‬اليزال‬

‫كما تأثر ابن زيدون بقول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َطيبَا‬ ‫ُك ّ‬
‫ظما ً في الفَخَار َ‬
‫قام خ ِ‬ ‫ص َبحْ نَ ُخ ْرسا ً‬
‫فإذَا َما األيّا ُم أ ْ‬

‫وذلك في قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َطي َبا‬
‫بخ ِ‬ ‫ام في ناَدِي ال ُخ ُ‬
‫طو ِ‬ ‫إن قَ َ‬
‫ْ‬ ‫س بالدَّ ْه ِر ‪ ،‬يَ ْقعُدُ َ‬
‫ص ْرفُهُ‬ ‫ُمت َ َم ِ ّر ٌ‬

‫ُ‬
‫معلن به ‪ ،‬حين يخرس عنه غيره ‪ ،‬فأخذ ابن‬ ‫مجاهر بالحق ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يقول أبو تمام ‪ :‬إن األمير‬
‫زيدون هذا المعنى ‪ ،‬فجعل أميره محنكا ً خبيرا ً ‪ ،‬يردُّ ببأسه صروف الدهر ونوائبه ‪ ،‬وهو خطيب‬
‫مفَ َّوهٌ إذا قام خطيبا ً ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ب النُّ ْع َمى ‪ ،‬فَ ُردَّ خ ِ‬


‫َصيبا‬ ‫بسحائ ِ‬ ‫كر حيْنَ َم َ‬
‫ط ْرتَهُ‬ ‫ش ِ‬‫َاب ال َّ‬
‫َوزَ ها َجن ُ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫ــــقَاكَ إالَّ ُمسْتوهِبا ً أو و ُهوبا ً‬ ‫ُم ْم ِطرا ً لي بالجاه وال َما ِل ال أّلــ‬

‫ِبنَداها أ َ ْمسى ح ِبيبٌ َحبيبا ً‬ ‫با ِسطا ً بالنَّدى سحائِ َ‬


‫ب َكف‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬سأقابلك بالشكر الجزيل ‪ ،‬على ما أمطرت سحائب جودك علي ‪ ،‬ويقول‬
‫أبو تمام ‪ :‬لقد بذلت لي المال ‪ ،‬ووهبتني الجاه ‪ ،‬فأحبني الناس ‪ ،‬ألني كنت أعطيهم من عطاياك ‪.‬‬

‫وعارض ابن زيدون قصيدة أبي تمام التي مدح بها عياشا ً وعاتبه ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫يـــــض‬
‫ُ‬ ‫وآلل تـــو ٌم وبـ َ ْر ٌق ِ‬
‫وم‬ ‫إغريــــــــض‬
‫ُ‬ ‫وث َ ِ‬
‫ناياك إنَّهــــــا‬

‫أريض‬
‫ُ‬ ‫ض‬
‫صباحِ َر ْو ٌ‬ ‫َّ‬
‫هزهُ في ال ّ‬ ‫نـــــــــــو ٌر في ِبطـــــاح‬
‫َّ‬ ‫وأقاح ُم‬

‫‪ -1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 125‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام‪ ، 66 / 1‬كظم ‪ :‬سكت ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص ‪ ، 129‬تمرس بالشيء ‪ :‬احتك به أو درسه وخبره ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪ ، 191 / 1‬اإلغريض ‪ :‬الطلع وقيل البرد ‪ .‬التؤم ‪ :‬اللؤلؤ ‪ .‬ال ِبطاح ‪ :‬جمع أبطح وبطحاء وهو بطن الوادي إذا كان فيه‬
‫رمل ‪ .‬واألريض ‪ :‬المكان الجيد للنبات ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫وذلك في قصيدة ابن زيدون التي شكر ومدح فيها المعتضد ألنه أباح له أن يتنزه هو وحريمه‬
‫في إحدى جناته ‪ .‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يـــــض‬
‫ُ‬ ‫ع ِر‬
‫نَشَبٌ َوافِ ٌر ‪َ ،‬و َجاه ٌ َ‬ ‫غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي ال ِبي ُ‬
‫ْض ‪:‬‬ ‫َ‬

‫ش ْك ِري عليه غَض غ َِر ُ‬


‫يض‬ ‫ع ْهدُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل يوم يَ ِجدُّ ِمنكَ ا ْهتِبَــا ٌل‬

‫هيكل القصيدتين ‪:‬القصيدتان من البحر الخفيف ‪ ،‬وفي غرض المدح ‪ ،‬واشتركتا في الروي‬
‫وحركته وهو الضاد المضموم‪ ،‬وباشتراكهما في هذه األمور األربعة فهي من المعارضات التامة‬
‫‪ ،‬وقد بلغ عدد أبيات قصيدة أبي تمام ثمانية وعشرين بيتا ً ‪ ،‬بينما بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون‬
‫سبعة وعشرين بيتا ً ‪.‬‬

‫بناء المضمون ‪ :‬بدأ أبو تمام بمقدمة غزلية في نحو ثالثة أبيات يمزج فيها الغزل بوصف‬
‫الطبيعة ‪ ،‬على عادته في كثير من مطالعه الغزلية ‪ ،‬فشبه أبو تمام ثنايا محبوبته في لمعانها‬
‫وبياضها بلمعان البرق ‪ ،‬و حركة عيونها باألقحوان المنور الذي تحركه وتهزه نسائم الصباح ‪،‬‬
‫ثم ينتقل إلى الشكوى من األحداث التي أصابته حتى أصبح مترددا ً في خوض غمارها ‪ ،‬كما ينتقل‬
‫إلى مدح شعره ‪ ،‬دون أن يضفي على ممدوحه أيا ً من الصفات التي يحبها الممدوح ‪ ،‬و دون أن‬
‫يشير إليه اللهم في بيتين ‪ ،‬يقول فيهما ‪ :‬إن حياة هذا الشعر مرتبطة بإحيائك الجود ‪ ،‬فإذا غاب‬
‫الجود انتهى هذا الشعر ‪ .‬أما ابن زيدون فقد بدأ قصيدته بالمديح ممزوجا ً بوصف الطبيعة دون أن‬
‫يمهد لقصيدته بالغزل ؛ ولعل إحسان المعتضد إليه عندما أباح له أن يتنزه هو وحرمه في حدائقه‬
‫وبساتينه ‪ ،‬دفعه إلى أن يذكر فضائل الممدوح فأنساه ذلك أن يتغزل فاكتفى بوصف تلك الطبيعة‬
‫الرائعة ‪ ،‬وال تخفى علينا أول عبارة في القصيدة وهي قوله " غمرتني لك األيادي البيض " التي‬
‫توحي بأن الممدوح غمر الشاعر بكل ضروب العطاء والنعيم فانهال الشاعر يصف تلك النعم‬
‫والهبات التي وهبت له من قبل ممدوحه ‪ ،‬وقد وصف الشاعر تلك الحدائق بجنة عدن كثيرة‬
‫الثمار واألنهار ‪ ،‬وأن نسيمها يشفي النفوس العليلة ‪ ،‬فكانت هذه المظاهرة الجميلة بديلة له عن‬
‫الغزل والحب ( وال سيما وأن الممدوح من آل عباد ) الذين أخلص لهم ‪ ،‬وصدقت عاطفته‬
‫تجاههم ‪ ،‬وبالغ في وصفهم ومدحهم ‪ ،‬بمدائح معبرة عن صدق وإخالص ثم يختم قصيدته بختام‬
‫رائع يستحسنه النقاد ويرغبه الملوك واألمراء ‪ ،‬وهو الدعاء لهم بالديمومة والبقاء ‪ ،‬وهو ما ال‬
‫نجده في قصيدة أبي تمام ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪، 216‬األيادي ‪ :‬األنعام ‪ ،‬اهتبال ‪ :‬اغتنام ‪.‬‬


‫‪15‬‬
‫يض‬
‫والعدو َم ِه ُ‬
‫ُّ‬ ‫ٌر َمسا ِعيكَ‬ ‫دُم ُموفَّى َو ِليُّكَ ‪ ،‬الدَّ ْه ُر َمحْ بُو‬

‫يض‬ ‫ٌ‬
‫حديث ‪ ،‬ما بينهم ُمسْت ِف ُ‬ ‫ُهم‬ ‫لوك أنَّك َموال‬
‫راف ال ُم ِ‬
‫فا ْعتِ ُ‬

‫األسلوب ‪ :‬اختلفت القصيدتان في بعض األساليب ‪ ،‬حيث تميز ابن زيدون بمبالغته في وصف‬
‫الممدوح وكثرت نداءاته له ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ " :‬ملك ذاد عن حمى الدين ‪ /‬يا معز الهدى ‪ /‬يا‬
‫محلي يفاع حال ‪ ،‬ولعل سبب تكرار هذه النداءات هو أن المعتضد أحله مكانة عالية تجاوزت‬
‫النجوم ‪ ،‬وأن أقل هذه النعم يرضى بها كل طالب جاه وسلطة ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ض فَ ْوزَ ال ِقدَاحِ ِم ِنّي ُم ِف ُ‬
‫يض‬ ‫َي ْر َ‬ ‫ب ِفي ِه‬
‫الرغَا ِئ ِ‬ ‫إن أن َْل أ َ ْي َ‬
‫س َر َّ‬ ‫ْ‬

‫كما تميز ابن زيدون بالموسيقى الداخلية المتمثلة في حسن التقسيم الذي يعطي القصيدة نغما ً‬
‫ط ْل ٌق ‪،‬‬
‫اص ٌع ‪َ ،‬و َخدٌ أ َ ِسي ٌل ‪َ /‬و ُم َحيًّا َ‬
‫وجرسا ً موسيقيا ً رائعا ً تستحسنه األسماع ‪ ،‬ومن أمثلته ‪ :‬بَش ٌَر نَ ِ‬
‫يض ‪ /‬دُم ُموفَّى ‪َ ،‬و ِليُّكَ الدَّ ْه َر ‪َ ،‬محْ بُو ٌر مساعيك ‪/‬‬
‫ع ِر ُ‬
‫يض ‪ /‬نَشَبٌ َوافِ ٌر ‪َ ،‬و َجاهٌ َ‬
‫َض ُ‬
‫فغ ِ‬ ‫َو َ‬
‫ط ْر ٌ‬
‫وظل بَ ُرودٌ ‪.‬‬
‫جتنى ُمدَّن ‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫ُم‬

‫أما أبو تمام ‪ ،‬فقد بالغ في اإلكثار من الجناس والطباق بخالف ابن زيدون الذي لم يلتفت إلى‬
‫هذه المحسنات ‪ ،‬ولعل سبب غض أبي تمام طرفه عن المبالغة في وصف الممدوح انشغاله بهذه‬
‫المحسنات ‪ ،‬وإليك هذا الجناس الذي أورده في القصيدة ‪ :‬للحضيض ـ حضيض ‪ /‬فضضنا ـ‬
‫مفضوض ـ خ اتم ـ خاتم ‪ /‬يجلن ـ جالت ‪ /‬عريض ـ عروض ‪ /‬مات ـ مات ‪ /‬الجود ـ الجود ‪ /‬حياة‬
‫ـ أحياؤك ‪ /‬الطويل ـ الطويل ‪ /‬عريضا ً ـ عريض ‪ /‬اإلحسان ـ اإلحسان ‪ /‬بعينك ـ لعيني ‪ /‬روض ـ‬
‫أريض ‪ /‬استفيضت ـ تفيض ‪ /‬البحور ـ بحورا ً ‪ /‬القريض ـ القريض ‪.‬‬

‫أما الطباق فمن أمثلته ‪ :‬سود ـ بيض ‪ /‬التصريح ـ التعريض ‪ /‬المرفوع ـ المخفوض ‪ /‬اإلحسان ـ‬
‫بغيض ‪ /‬الطويل ـ العريض ‪ /‬مبسوط ـ مقبوض ‪ /‬عثرت ـ نهوض ‪ /‬صحة ـ مريض ‪.‬‬

‫التأثر بين أبيات القصيدتين ‪ :‬نظر ابن زيدون إلى بعض أبيات أبي تمام ‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫يض‬
‫َام ِفي ِه َو ِم ُ‬
‫الرخ ِ‬
‫ق ُّ‬
‫ِل َب ْر ِ‬ ‫شيّدَة َ ال َم ْبنَى‬ ‫َج َاو َر ْ‬
‫ت َح َّمة ً ُم َ‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 211‬أفاض القداح ‪ :‬ضرب بها ‪.‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 216 ،‬‬
‫‪11‬‬
‫يشبه ابن زيدون ‪ ،‬لمعان الرخام بلمعان البرق ‪ ،‬وقد نظر في هذا المعنى ‪ ،‬إلى قول أبي تمام‬
‫الذي شبه فيه لمعان ثنايا محبوبته بلمعان البرق ‪ ،‬فأبو تمام يمزج بين وصف المحبوبة ‪،‬‬
‫ووصف الطبيعة ‪ ،‬وهذا نهج انتهجه في كثير من قصائده ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫وآلل تُو ٌم و َب ْر ٌق َو ِم ُ‬
‫يض‬ ‫اك إنَّها إ ْغ ِر ُ‬
‫يض‬ ‫وثنَايَ ِ‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫يض‬
‫َض ُ‬
‫فغ ِ‬ ‫ط ْل ٌق ‪َ ،‬و َ‬
‫ط ْر ٌ‬ ‫َو ُم َحيًّا َ‬ ‫َاص ٌع ‪َ ،‬و َخدٌ أ َ ِسي ٌل‬
‫َبش ٌَر ن ِ‬

‫والمعنى ‪ :‬أنها ذات بشرة ناصعة البياض ‪ ،‬وخد أملس ناعم ‪ ،‬ووجه طلق ‪ ،‬وعين فاترة ‪،‬‬
‫فقوله ‪ ( :‬طرف غضيض ) ‪ ،‬يشير إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫يض‬ ‫وطرفُها لي غ ِ‬
‫َض ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِر و َكان ْ‬
‫َت‬ ‫ش ْز‬ ‫أَتْأ َ َرتْنِي األيَّا ُم بالنَّ َ‬
‫ظ ِر ال َّ‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ض فَ ْوزَ ال ِقدَاحِ ِم ِنّي ُم ِف ُ‬
‫يض‬ ‫يَ ْر َ‬ ‫ب فِي ِه‬
‫الرغَائِ ِ‬ ‫إن أن َْل أ َ ْي َ‬
‫س َر َّ‬ ‫ْ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫فيض‬ ‫فيك تَتْ َرى َح َّ‬
‫ث ال ِقدَاحِ ال ُم ُ‬ ‫ث َر ْكبَ ُه َّن أَمان‬
‫سعُ ٌم َح َّ‬
‫ُ‬

‫يشترك البيتان ‪ ،‬في لفظة ( القداح مفيض ) ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬إن أنل أقل ما أرغب منه ‪،‬‬
‫يرضى به الفائز بضرب قداح الميسر‪ ،‬وقد وظف ابن زيدون هذه اللفظة ‪ ،‬من بيت أبي تمام‬
‫فيض ) ‪.‬‬ ‫السابق ‪ ،‬وهو قوله ( َح َّ‬
‫ث ال ِقدَاحِ ال ُم ُ‬

‫وهو وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ش ْك ِري عليه غَض غ َِر ُ‬
‫يض‬ ‫ع ْهدُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل يوم َي ِجدُّ ِمنكَ ا ْهتِ َبا ٌل‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 191 / 1 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 212‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 191 / 1‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 211‬أفاض القداح ‪ :‬ضرب بها ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان أبي تمام ‪ ، 191 / 1‬السعم ‪ :‬جمع سعوم وهو ضرب من السير ‪ .‬تترى ‪ :‬بعضها في إثر بعض ‪ .‬المفيض ‪ :‬الذي يجيل القداح‬
‫في الربابة ‪.‬‬
‫‪ -6‬ديوانه ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 216‬‬
‫‪19‬‬
‫‪1‬‬
‫وض‬ ‫وض يَتْلُوهُ فيكَ َ‬
‫ع ُر ُ‬ ‫ع ُر ٌ‬
‫و َ‬ ‫ع‬ ‫ُك َّل يَوم يُقَ ِ ّ‬
‫ضي ِه ن َْو ٌ‬

‫ال تخفى أواصر القربى بين البيتين ‪ ،‬فباإلضافة لالتفاق في أول ما جاء في البيتين ( ُك َّل‬
‫يوم َي ِجدُّ ) في البيت األول ‪ ،‬و ( ُك َّل َيوم يُقَ ِ ّ‬
‫ضي ِه ) في البيت الثاني ‪ ،‬اتفق البيتان في المعنى ‪،‬‬
‫ي كل يوم ‪ ،‬فيتجدد شكري وثنائي عليك ‪ ،‬بتجدد النعم‬ ‫يقول ابن زيدون ‪ :‬تتكرر أنعامك عل َّ‬
‫والفضائل ‪ ،‬وهو من بيت أبي تمام ‪ ،‬الذي تتوالى فيه قصائده ثنا ًء وشكرا ً للممدوح ‪ ،‬بسبب‬
‫فضائله المتكررة على الشاعر ‪ ،‬وقد ربط كل من الشاعرين ‪ ،‬الجود من الممدوح ‪ ،‬بالثناء والمدح‬
‫من الشاعر ‪ ،‬ولذا يقول أبو تمام بعد بيته السابق ‪ ( :‬وحياة القريض إحياؤك الجود ) ‪ ،‬ويقول ابن‬
‫زيدون ‪ :‬كل يوم يجد منك اهتبال ‪ ،‬عليه شكر مني ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫يض‬
‫ع ِر ُ‬
‫نَشَبٌ َوافِ ٌر ‪َ ،‬و َجاه ٌ َ‬ ‫غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي ال ِبي ُ‬
‫ْض ‪:‬‬ ‫َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫ثَنَائي فيك َّ‬


‫الطوي ُل ال َع ِر ُ‬
‫يض‬ ‫عريضا ً فقد ساد‬ ‫ُك ْن َ‬
‫طوي َل النَّدى َ‬

‫يتفق البيتان في الفكرة ‪ ،‬ويختلفان في المقصود ‪ ،‬فابن زيدون ‪ :‬غمره ممدوحه بما أراد من‬
‫إحسان ‪ ،‬ونعيم ‪ ،‬وخير كثير ‪ ،‬وقدر كبير ‪ ،‬فاستحق الممدوح هذا الثناء ‪ ،‬بينما أبو تمام لم يحصل‬
‫له ذلك المعروف ‪ ،‬ألنه أثنى على الممدوح قبالً ‪ ،‬والدليل قوله ‪ :‬كن طويل الندى ‪ ،‬فقد ساد فيك‬
‫ثنائي الطويل العريض ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫الز َال ُل َي ِف ُ‬
‫يض‬ ‫س ْل َ‬
‫س ٌل َبحْ ُرهُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َم ْر َم ٌر ْأوقَد َْال ِف ِر ْندَ َ‬
‫علَ ْي ِه‬

‫يشير إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ت ت َ ِف ُ‬
‫يض‬ ‫إنَّها ُكلَّما است ُ ِفي َ‬
‫ض ْ‬ ‫إنَّما َ‬
‫صادَت البُ ُحور بُ ُحورا ً‬

‫يشير ابن زيدون إلى ألفاظ أبي تمام ‪ ،‬أما المعنى فيختلف ‪ ،‬حيث يصف ابن زيدون ‪،‬‬
‫حوضا ً مصقوالً فيه ماء زالل ‪ ،‬له بريق وألالء مثل لمعان الحسام ‪ ،‬أما أبو تمام ‪ ،‬يتحدث عن‬
‫بحور الشعر ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫يض‬
‫ض ُ‬ ‫ــجْ ِم ‪ ،‬مهما يُقَ ْ‬
‫س إلي ِه ‪َ ،‬ح ِ‬ ‫ان النَّــ‬ ‫حلّي يَفَا َ‬
‫ع حال ‪َ ،‬م َك ُ‬ ‫َيا ُم ِ‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪ ، 191 / 1‬نوع ‪ :‬أي من الشعر ‪.‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 216‬النشب ‪ :‬مال وعقار ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 191 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 212‬الفرند ‪ :‬صفحة السيف أو وشيه أو جوهره ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان أبي تمام ‪. 191 / 1 ،‬‬
‫‪19‬‬
‫يشير إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫حضيض‬
‫ُ‬ ‫يض ف ْهو‬
‫ض ِ‬‫ف لل َح ِ‬
‫آ ِل ٌ‬ ‫ِه َّمةٌ ت َ ْنط ُح النُّ ُج َ‬
‫وم و َجدٌ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬يا منزلي مكانة عالية ‪ ،‬إذا قيس إليها مكان النجم يبدو حضيضا ً ‪ ،‬بينما‬
‫يرجو أبو تمام همةً عالية كعلو النجوم ‪.‬‬

‫والبن زيدون قصيدة دالية في مدح أبي الحزم بن جهور ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫َم َهاة ٌ َح َمتْها ـ في َم َراتِعها ـ أُسْـــــــدُ‬ ‫يث أحياؤُ ها األ َ ْسدُ‬
‫إن ل ْيلَى َح ُ‬
‫أ َج َل ‪َّ ،‬‬

‫َّان ِم ْن َها في ال َه َوى القُ ْر ُ‬


‫ب والبُ ْعد ُ‬ ‫فَ ِسي ِ‬ ‫َي َمانِيَّة ٌت َــ ْدنُو ‪َ ،‬ويَ ْنــــــــــأى َمزَ ُ‬
‫ارها‬

‫ع َّز ـ فَلَ ْم ن ْ‬
‫َظفَ ْر ِب ِه ـ " األ َ ْبلَ ُق الفَ ْردُ "‬ ‫َو َ‬ ‫"مــــــاردٌ"‬
‫ِ‬ ‫إذا نحْ ُن ُز ْرناها ت َــــ َم َّردَ‬

‫ـــــرد‬ ‫َو َخ ْي ٌل ت َ َم َّ‬


‫طى نحْ َو غَا َيــــا ِتها ُج ْ‬ ‫ت َ ُحول ِرما ُح الخ ِ ّ‬
‫َط دُون اع ِت َيـــــادِها‬

‫نظمها معارضا ً بها قصيدة ألبي تمام في مدح أبي الحسين محمد بن الهيثم بن شبانة ‪،‬‬
‫ومطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫عيْن يَحْ تَلِبْ َما َءها َ‬
‫الوجـْدُ‬ ‫ْي َ‬ ‫َودَ ْ‬
‫ع ِحس َ‬ ‫الفـــردُ‬
‫ْ‬ ‫سى قَ ْد أ َ ْقفَ َر ال َج َر ُ‬
‫ع‬ ‫ع أَ ً‬
‫ت َ َج َّر ْ‬

‫ســـــــؤا ُل ال َمغَاني فالبُكــــــا ُء لَــهُ ِردُّ‬


‫ُ‬ ‫ــره‬ ‫ف ال َمحْ ُزو ُن ق ْد فَ َّل َ‬
‫ص ْب َ‬ ‫ص َر َ‬
‫إذا ان َ‬
‫ـــــان إذا تَبْــــدُو‬
‫ِ‬ ‫ْـب َّ‬
‫الز َم‬ ‫سيَ ْبدَؤُ نِي َري ُ‬
‫َ‬ ‫ت للنَّوى أ ْشيَا ُء قــ ْد ِخ ْ‬
‫ــلتُ أَنَّــها‬ ‫بَدَ ْ‬
‫من الهز ِل َيوما ً َّ‬
‫إن ه َْز َل ال َهوى ِجــــدُّ‬ ‫كانت نتِي َجةً‬
‫ْ‬ ‫اض النَّجْ ِم‬
‫ض ِ‬‫ى كا ْن ِق َ‬
‫نو ً‬
‫س ِجيَّــةَ نَ ْفــــس ُكــــــ ُّل غَانِيَة ِه ْنـــــــدُ‬
‫َ‬ ‫سبَا ِه ْندا ً لَ َها الغ ُ‬
‫َدر َوحْ ــدَهَــا‬ ‫فال تَحْ َ‬
‫هيكل المعارضة ‪ :‬تقع قصيدة ابن زيدون في أربعة وسبعين بيتا ً ‪ ،‬وهي على بحر الطويل ‪،‬‬
‫وقافية الدال مضمومة الروي في حين تقع قصيدة أبي تمام في خمسين بيتا ً ‪ ،‬على بحر الطويل ‪،‬‬
‫وقافية الدال مضمومة الروي أيضا ً ‪ ،‬فهي من المعارضات التامة ‪ ،‬ويالحظ أن القصيدتين‬
‫تنقسمان إلى ثالثة أقسام أو أجزاء ‪ ،‬جزء للغزل ثم المديح ثم بروز األنا لدى كال الشاعرين ومدح‬
‫قصيدتيهما ‪ ،‬فهيكل قصيدة ابن زيدون على هذا النحو ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬األ ْسدُ ‪ :‬قبيلة باليمن ‪ ،‬المهاة ‪ :‬البقرة الوحشية ‪ ،‬مارد ‪ :‬حصن بدومة الجندل ‪ ،‬األبلق ‪:‬‬
‫حصن بتيماء للسموأل بن عاديا ‪ ،‬قصدتهما الزبا ملكة تدمر فعجزت عن فتحهما فقيل ‪" :‬تمرد مارد "‪ ،‬الخط ‪ :‬موضع باليمامة تنسب‬
‫فتقوم فيه ‪ ،‬الخيل الجرد ‪ :‬التي قصر شعرها ‪..‬‬
‫إليه الرماح الخطية ألنها تحمل من الهند َّ‬
‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪ ، 295 / 1‬الجرع والجرعاء ‪ :‬ما سهل من األرض ‪ .‬األسى ‪ :‬الحزن ‪ .‬أقفر ‪ :‬خال ‪ِ .‬ردُّ ‪ُ :‬معين ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫قسم الغزل ‪ :‬يتغزل ابن زيدون في هذا المطلع التقليدي بحسناء ‪ ،‬تنتمي لقبيلة أسد اليمنية ‪ ،‬يحيط‬
‫بها الرجال من قومها ‪ ،‬كاألسود ‪ ،‬فيصعب عليه الوصول إليها ؛ ألنها تحيا في خباء محصن منيع‬
‫ال يسهل اقتحامه ‪ ،‬دونه رجال على خيولهم الجرد يحملون الرماح الخطية ‪ ،‬كما يتميز أفراد‬
‫عشيرتها بالعزة واإلباء وقوة العزيمة ‪ ،‬وشدة الغيرة ‪ ،‬وإذا اقترب منها أحد فان القبيلة بالكامل‬
‫تهب وتدافع عنها فهي شريفة ومخدومة وإنها ال تكثر الخروج ‪ ،‬واذا خرجت مع القبيلة تكون في‬
‫الهودج وسط قباب أفراد القبيلة يحمونها من أمامها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها ‪ .‬وإذا‬
‫يرض عنها بديال ‪ ،‬فلماذا ذكر‬
‫َ‬ ‫كان ابن زيدون الذي عرف بحبه لوالدة بنت المستكفي والتي لم‬
‫ليلى في أول القصيدة وهندا ً في آخر القصيدة ـ وإن كان مثالً ـ ولم يقل والدة ؟‬

‫ولإلجابة عن هذا السؤال الذي فيه ليلى محمية بفضل الممدوح حامي حمى الدين الساهر‬
‫على راحة أفراد المدينة ‪ ،‬فلعل المقصود بليلى مدينة قرطبة ؛ التي ال يستطيع أن يقتحمها أحد‬
‫وأن ابن زيدون يحاول التقرب من الحاكم للحصول على منصب رفيع ‪ ،‬ألن مديحه آلل جهور‬
‫كان المقصود منه مسالمتهم وتحقيق مآربه الشخصية ‪ ،‬ولذك يرى الباحث أن أغلب قصائده في‬
‫آل جهور تغلب عليها نغمة االستنجاد لكي ال يعاد إلى سجنه ‪ ،‬ولعل الذي يعزز ما ذكر قول‬
‫جودت الركابي ‪ :‬أن مدائح ابن زيدون في المعتضد والمعتمد ترتقي " إلى ذروة كمالها الفني ‪،‬‬
‫وتعبر ع ن صادق عواطفه نحو هذين الملكين اللذين أحسنا رعايته ‪ ،‬وبوآه أرفع المناصب "‪، 1‬‬
‫فبالعودة لغزل ابن زيدون في هذه المقدمة والتي رمز فيها لقرطبة بليلى ‪ ،‬نقول أن ابن زيدون‬
‫الذي عرف بحبه لوالدة طوال عمره ‪ ،‬لم يذكر اسمها ـ في شعره ـ سوى مرة أو مرتين ‪ ،‬فمن‬
‫باب أولى أالَّ يذكر سواها !! ؟ ‪ .‬وبغض النظر من أن ليلى رمزا ً أو حقيقةً ‪ ،‬فمما ال ريب فيه إنه‬
‫يتغزل بغادة حسناء قريبة منه بعيد الوصول إليها ؛ بسبب الموانع وقد ظل يتغزل بتلك الفتاة في‬
‫مقدمة طويلة تجاوزت ستة عشر بيتا ً ‪ ،‬كثرت فيها المتناقضات ؛ لقربها وبعدها في الوقت نفسه ‪،‬‬
‫حيث تدنو وينأى مزارها فسيان عنده القرب والبعد ‪ ،‬والمرير والمرد ‪ ،‬واإللف والتنائي ‪.‬‬

‫القسم الثاني من القصيدة يبدؤه بقوله ‪:‬‬

‫ولوال السراة الصيد من آل جهور ‪ ...‬ألعوز من يعدى عليه متى يعدو‬

‫فيتحدث بعدها عن آل جهور ويمدحهم بصفاتهم الجميلة ‪ ،‬من كرم ‪ ،‬وشجاعة ‪ ،‬وبأس ‪،‬‬
‫وطاعة فيقول ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ في األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬


‫‪92‬‬
‫كما الن متن السيف واخشوشن الحد‬ ‫له عزمـــة مطويـــة في سكينة‬

‫وبـــالله معتــــد وفــــي الله مشتـــد‬ ‫إلــــــى الله اواب ولله خــــائف‬

‫سجاح علينا كحـــ ُل أجفانِهم ُ‬


‫سهــــد‬ ‫أولئك أن نمنا سرى في صالحنا‬

‫فهو يمدح آل جهور ويصفهم بكرام االخالق والقوة والمنعة والشرف والسيادة وإنهم يحمون‬
‫حمى الدين ويعطون المحتاج ويعفون عند المقدرة وال يسمحون ألجسادهم النوم خوفا ً على‬
‫الرعية ‪.‬‬

‫أما القسم الثالث فظهرت فيه ( األنا ) لدى ابن زيدون ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫إذا ما نبا السيف الذي تطبع الهند‬ ‫يف ال ينبو مع الهز غربه‬
‫س ُ‬‫أنا ال َّ‬

‫واخالصـــه اذ كل غانية هنـــــد‬ ‫يميــــزه ممـــن سواه وفــــــاؤه‬

‫يصف الشاعر نفسه بأنه الناصح األمين للخليفة ‪ ،‬وأنه السيف الذي كلما استعمله ازداد حدة‬
‫ومضاء ‪ .‬والناظر لهذه التقسيمات الثالثة في هيكل قصيدة ابن زيدون يجده قد احتذى فيها حذو‬
‫حبيب في تقسيمه لقصيدته ‪ ،‬حيث بدأ قصيدته بمقدمة غزلية تحدث فيها عن ألم البين ‪ ،‬ومرارة‬
‫الفراق في بحر اثني عشر بيتا ً ثم انتقل إلى المديح واصفا ً ممدوحه بالكرم والشجاعة وأنه حسن‬
‫الخلق حليم م ع أوليائه شديد على أعدائه ‪ ،‬ثم تبرز لديه األنا في آخر قصيدته بذكره السمه وإنه‬
‫بغيض ألعداء ممدوحه مستخدما ً طباقا ً رائعا ً ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ْس لَهُ ِغ ْمدُ‬
‫ْف على شَانِيكَ لي َ‬
‫سي ٌ‬
‫و َ‬ ‫ع ْن ِق ً‬
‫لى‬ ‫راميكَ َ‬
‫يض ِعندَ ِ‬
‫َحبيبٌ َب ِغ ٌ‬

‫وفي آخر القصيدة ينتقل إلى مدح قصيدته في سبعة أبيات على عادته في مدح قصائده ‪.‬‬

‫مواطن االتفاق بين القصيدتين ‪ :‬فباإلضافة لتشابه القصيدتين في الغرض والوزن والروي‬
‫وحركته تشابهت القصيدتان في البناء والهيكلية ‪ ،‬والعناية باالنتقال واإلشادة باسم الممدوح في‬
‫بيت االنتقال ‪ ،‬يقول أبو تمام متخلصا ً ‪:‬‬

‫عة ٌ َ‬
‫ع ْمد ُ‬
‫‪2‬‬
‫ع ْقبِها لَ ْو َ‬ ‫ن ََوى َخ َ‬
‫طأ في َ‬ ‫ُم َح َّمدُ يا بْنَ ال َهيْثم ا ْنقَلَبت بِنَا‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 296 / 1 ،‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه ‪. 291 ،‬‬
‫‪91‬‬
‫فقد نادى أبو تمام ممدوحه دون أن يستخدم أداة النداء ؛ لقربه ومالزمته إياه ‪ ،‬وهذا االنتقال‬
‫مما يستحسنه النقاد كونه مشتمالً على نداء ومصرحا ً فيه باسم الممدوح ‪ ،‬وقد تأثر ابن زيدون‬
‫بهذا االنتقال فاستخدم الالم وإن المخففة مضمنا ً بيته هذه الحكمة الرائعة ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫الج ِدّ َما ل ْم َي ُك ْن َجد ُّ‬ ‫لق َّل َ‬


‫غنَا ُء ِ‬ ‫الج ِدّ نجا ٌح لطالب "‬
‫لئن قِي َل ‪ " :‬في ِ‬

‫في حين أن االنتقال الفعلي إلى الممدوح لدى ابن زيدون ‪ ،‬قوله مشيدا ً باسم ممدوحه ‪:‬‬

‫صيدُ من آ ِل َج ْهور أل َ ْعوزَ َم ْن يُ ْعدى عليه َمت َى يعدُو‬ ‫َولَ ْوالَ ال َّ‬
‫س َراة ُ ال ِ ّ‬

‫بناء بعض األساليب ‪ :‬اتفقت القصيدتان في المبالغة في وصف الممدوح ‪ ،‬فنجد أبا تمام يصفه‬
‫بأنه ‪ :‬سحاب متى يسحب ‪ /‬ملك من أيكة الجود ‪ /‬رقيق حواشي الحلم ‪ /‬ذو سورة تفري الفري ‪/‬‬
‫داني الجدا تأتي عطاياه من عل ‪ /‬أوفاهم برقا ً ‪ /‬أصدقهم رعدا ً ‪ /‬كري ٌم ‪ /‬فتى ال يرى بدّا ً من البأس‬
‫والندى ‪ .‬أما ابن زيدون فتارة يبالغ في وصف ابن جهور كقوله ‪ :‬أليس أبو الحزم ‪ /‬أغر تمهد‬
‫نابه ‪ /‬هو األثر المحمود ‪ /‬مليك يسوس الملك ‪ /‬سجيته الحسنى ‪ /‬شيمته الرضا ‪ /‬سيرته المثلى ‪/‬‬
‫مذهبه القصد ‪ /‬همام إذا زان ‪ /‬زعيم ألبناء السيادة ‪ /‬بعيد منال الحال ‪ /‬ممر لمن عاداه ‪ /‬هو الملك‬
‫ٌ‬
‫عزيز ‪ .‬وتارة يمدح‬ ‫ي‪/‬‬
‫المشفوع ‪ /‬إلى الله أواب ‪ /‬ولله خائف ‪ /‬وبالله معتمد ‪ /‬في الله مشتد ‪ /‬غن ٌ‬
‫آل جهور فيقول ‪ :‬ملوك لبسنا الدهر ‪ /‬هم النفر البيض ‪ /‬كرام يمد الراغبون أكفهم ‪ /‬تولى فلوال أن‬
‫تاله محمد ‪.‬‬

‫مدح القصيدة ‪ :‬بعد أن أتم ابن زيدون ثناءه على ممدوحه ظهرت لديه األنا فوصف نفسه بأنه‬
‫السيف الفاتك ‪ ،‬وأنه ال يسعى للمال إلى غير ذلك مدح قصيدته وهو أسلوب تمامي تماما ً ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫ب ‪ ،‬فا ْق َب ْلها فَ َما غ َّركَ ال ّ‬


‫ش ْهدُ‬ ‫ِمنَ الغَ ْي ِ‬ ‫أَتَتْكَ القَ َوافِي شا ِهدَات ِب َما َ‬
‫صفَا‬

‫ـــاطنُهُ ُود ّ‬ ‫ش ْك ٌ‬
‫ـــر ‪َ ،‬وبَ ِ‬ ‫فظـَــاه ُِرهُ ُ‬ ‫ي ِس ُّرهُ و ْف ُق َجهـْ ِـر ِه‬
‫ليَحظى َول ُّ‬

‫لقد ترسم ابن زيدون خطى أستاذه في هذه القصيدة حيث مدح أبو تمام قصيدته ـ بعد أن أتم‬
‫ثناءه على ممدوحه ـ في سبعة أبيات ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ار وما دَانَاه ِم ْن َح ْليَها ِع ْقــــدُ‬
‫ــ ِب َح ُ‬ ‫ب الـ‬
‫ض ُ‬ ‫ظ ْمتُ له ِعقدا ً ِمنَ ال ِ ّ‬
‫ش ْع ِر ت َ ْن ُ‬ ‫نَ َ‬

‫الو ْخدُ‬ ‫سي ُْر منها ال العَ ُ‬


‫نيق وال َ‬ ‫وما ال َّ‬ ‫ـــس ُم َّ‬
‫ـط َرفَاتُها‬ ‫ِيــر ال َّ‬
‫ش ْم ِ‬ ‫سيـــر َمس َ‬
‫ُ‬ ‫تَ‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 291 ، 292 / 1 ،‬‬


‫‪92‬‬
‫بِها و ْه َ‬
‫ي َحي َْرى ال ت َُرو ُح وال ت َغدُو‬ ‫ت َـ ُرو ُح وت َغدُو ‪ ،‬بل يُــ َرا ُح ويُ ْغت َــدَى‬

‫وما ابت َ َّل منها ال ِعـــــذَ ٌ‬


‫ار وال خَـــدُّ‬ ‫تُ ِ ّ‬
‫قطـــ ُع آفـــاقَ ال ِبـــــال ِد سـَــــوا ِبقا ً‬

‫ِل ُم ْرت َِجز يَحْ ـــدُو و ُم ْرت َِجل يَشــــدُو‬ ‫ــــك في َها لُبَـــانَةٌ‬
‫ب ما ت َنفَ ُّ‬
‫غـَــــرائِ ُ‬

‫سة ُم ْلـــدُ‬
‫ْـر َم ْلــــ ُمو َ‬
‫غي ُ‬‫عقائِــ ُل م ْنها َ‬
‫َ‬ ‫لوك تُق ِبّلَ ْ‬
‫ت‬ ‫ســـا َح ال ُم ِ‬ ‫إذَا َح َ‬
‫ضر ْ‬
‫ت َ‬

‫الوفـْــدُ‬ ‫لدَيـْــ ِه ْم قـَوافِيها َكما يُ ْك َ‬


‫ـــر ُم َ‬ ‫ُور وأ ُ ْك ِر َم ْ‬
‫ت‬ ‫أُهينَ ل َها ما في البُــد ِ‬

‫يقول ابن زيدون وافتك قصائدي في الثناء عليك شاهدة لك بما أكنه في قلبي من حب ووالء‬
‫فاقبل شهادتها فهي أعدل الشهود ‪ ،‬وأن محبتي لك ظاهرة وباطنة ‪ ،‬ظاهرة بما قلته لك في هذه‬
‫القصائد ‪ ،‬وباطنه ما أكنه لك في قلبي ‪ .‬أما أبو تمام فإنه يفخر بشعره كعادته في أغلب قصائده‬
‫حيث يقول ‪ :‬ينضب البحر وال لؤلؤه يداني شعري في حسنه ‪ ،‬وأن قصائدي يراح ويغتدى بها‬
‫وهي باقية تحار العقول في فهمها ‪ ،‬وأنها تقطع آفاق البالد ‪ ،‬وفي ساحات الملوك فتقبل قبول‬
‫الكرائم من النساء إذا زفت إلى أهلها ‪.‬‬

‫مواطن التأثر بين أبيات القصيدتين ‪ :‬تأثر ابن زيدون ببعض أبيات أبي تمام ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صهُ إذ ْ ُك ُّل غَانِيَة ِه ْند ُ‬
‫َوإِ ْخ َال ُ‬ ‫يُ َم ِيّ ُزه ُِم َم ْن ِس َواهُ َوفَاؤُ هُ‬

‫حيث إن ابن زيدون نظر في هذا المعني إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫س ِجيَّةَ نَ ْفس ُك ُّل غَانِيَة ِه ْندُ‬
‫َ‬ ‫سبَا ِه ْندا ً لَ َها الغ ُ‬
‫َدر َوحْ دَهَا‬ ‫فال تَحْ َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬ال تغتر بالمظاهر‪ ،‬وال تعتقد أن الجميع متساوون في فساد الضمائر ‪،‬‬
‫فإني امتاز عن الجميع باإلخالص والوفاء ‪ ،‬وقد اتفق ابن زيدون مع أبي تمام في تضمين هذا‬
‫المثل ‪ " :‬كل غانية ِه ْندُ "‪ ، 3‬وهو مثل يضرب للتساوي في الشر ‪.‬‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫أن يُ ْستَبَا َح لَهُ َحــدُّ‬
‫ّين ِم ْن ْ‬
‫ِح َمى الد ِ‬ ‫أ َ َبا َح ِح َمى الخ َْم ِر ال َخبِيث ِة ‪ ،‬حائطا ً‬

‫ص ْلد ُ‬
‫ش ْك َرهَا ال َح َج ُر ال َّ‬
‫يَ َكادُ ي َُؤدِّي ُ‬ ‫ص َر ِمــــنَّة ً‬
‫الم ْ‬
‫صا ِل َها ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ط ّوقَ بِا ْستِئْ َ‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ‪. 111‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 295 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ،‬تحقيق محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 112 / 2 ، 1692 ،‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 112 ،‬‬
‫‪91‬‬
‫ص ْلد " تضمين لقول أبي تمام ‪:‬‬
‫فقوله ‪ " :‬ال َح َج ُر ال َّ‬

‫‪1‬‬
‫ص ْلد ُ‬
‫وال َبيْنَ أَض َْال ِعي لَ َها َح َج ٌر َ‬ ‫ؤون َب ِخيلَةٌ‬
‫ش ٌ‬ ‫َو َما خ َْل َ‬
‫ف أَجْ فاَنِي ُ‬

‫المعنى يختلف بين الشاعرين ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬اقتحم األمير حصن الخمر فاستأصلها ‪،‬‬
‫وهدمها حفاظا ً على حرمة الدين ‪ ،‬فاستحق بذلك أن يشكره كل شيء ‪ ،‬حتى الحجر الصلد ‪.‬‬
‫ويقول أبو تمام ‪ :‬شؤوني ليست ببخيلة على عيني بالدمع ‪ ،‬وال بين أضالعي حجر صلد ‪ ،‬وإنما‬
‫هو قلب يألم ويحزن ‪ .‬ولما كانت قصيدة ابن زيدون معارضة لقصيدة أبي تمام ‪ ،‬فلعل ابن زيدون‬
‫أعجبته عبارة ( حجر صلد ) ‪ ،‬فوظفها في معنى مغاير ؛ خدمةً لغرضه الذي أراده ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صه ُْال َع ْبدُ‬
‫طأ َ َخدَّ ال ُح ِ ّر أ َ ْخ َم َ‬
‫أل َ ْو َ‬ ‫ت ََولَّى ‪ ،‬فَلَ ْو َال ْ‬
‫أن ت ََالهُ " ُم َح َّمد ٌ "‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫ِمنَ القَ ْو ِم ُح ّر دَ ْمعُه ُلل َهوى َ‬


‫ع ْبدُ‬ ‫صبَابَة ِِم ْن فَ ً‬
‫تى‬ ‫وك ْم تَحْ تَ أ َ ْر َوا ِ‬
‫ق ال َّ‬
‫‪3‬‬

‫االتفاق بين البيتين هو المطابقة بين لفظتي ( الحر ‪ ،‬والعبد ) ‪ ،‬والمعنى مختلف ‪ ،‬يقول ابن‬
‫زيدون قضى أبو الحزم ولوال ابنه محمد ‪ ،‬ولي األمر من بعده ‪ ،‬لفسدت أحوال الرعية ‪ ،‬فداس‬
‫حر ‪ ،‬أصبح دمعه عبدا ً ؛‬
‫العبيد بأقدامهم وجوه األحرار ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬وكم فتى من القوم ِ ّ‬
‫لشدة الصبابة ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫سا َءتُهُ َ‬
‫ع ْمد ُ‬ ‫فَ َع ْن َخ َ‬
‫طإ ‪ ،‬ل ِك ْن إ َ‬ ‫سنَ ال ِف ْع َل َم ّرة ً‬
‫ُه َو الدَّ ْه ُر َم ْه َما أحْ َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫عة ٌ َ‬
‫ع ْمـــدُ‬ ‫طأ ٌ في َ‬
‫ع ْق ِبها لَ ْو َ‬ ‫ن ََوى َخ َ‬ ‫ُم َح َّمدُ يا بْنَ ال َه ْيثَم انقَلَ ْ‬
‫بـت بــِنَا‬

‫ف ال ُّ‬
‫ش ْهدُ‬ ‫ي لم يُ ْع َر ِ‬ ‫ولوال ال َّ‬
‫ش ْر ُ‬ ‫ي ْ‬ ‫إل َّ‬ ‫سا َءة َدَ ْهر أ َ ْذ َك َر ْ‬
‫ت ُحسْنَ فِ ْع ِله ِ‬ ‫إ َ‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪ ، 291 / 1‬الشؤون ‪ :‬مخارج الدموع ‪.‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص‪ ، 159‬األخمص ‪ :‬ما لم يمس األرض من باطن القدم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪ ، 291 / 1‬أرواق ‪ :‬جمع رواق يعني ظِ اللها ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 151 ،‬‬
‫‪ -5‬ديوان أبي تمام ‪ ، 291 / 1 ،‬الشرى ‪ :‬الحنظل ‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬الدهر إذا أحسن فإحسانه عن خطأ ‪ ،‬وأما اإلساءة فهو يتعمدها ‪ .‬ويقول أبو‬
‫تمام ‪ :‬صرفتنا فرقة في غير حينها ‪ ،‬فلحقت عقبها لوعة في حينها ‪ ،‬وأن إساءة الدهر ذكرته‬
‫بإحسانه ‪ ،‬ألن األشياء تعرف بأضدادها ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫ع َ‬
‫طا َيا ‪ ،‬ث َ َرى اآل َما ِل ـ ِم ْن َ‬
‫صو ِبها ـ َج ْعدُ‬ ‫َ‬ ‫س َما ُء َي ِمينِ ِه‬ ‫ت َ َهلَّ َل فَا ْن َهلَّ ْ‬
‫ت َ‬
‫من قول أبي تمام ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫فَال َرج ٌل يَ ْنبُو علَ ْي ِه وال َج ْعد ُ‬ ‫ت ذَ ْيلَهُ‬
‫س َحابٌ َمتى يَ ْس َحب ْعلى النَّ ْب ِ‬
‫َ‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬تهلل وجه األمير ‪ ،‬ففاضت يمينه بالعطايا ‪ ،‬حتى أصبح األمل منه خصيب‬
‫التربة ‪ ،‬يانع الثمار ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬ال سهل يمتنع من إخراج النبات إذا سقاه هذا السحاب ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫َرقِيقَ ال َحوا ِشي ِمثْلَ َما فُ ّ ِو َ‬


‫ف الب ُْرد ُ‬ ‫ُملُوكٌ لَبِ ْسنَا الدَّ ْه َر في َجنَبَاتِ ِهم ْ‬
‫‪3‬‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫المعروف من فِ ْع ِل ِه بَ ْردُ‬
‫ِ‬ ‫على َك ِب ِد‬ ‫لَدى م ِلك من أيْك ِة الجو ِد ل ْم ْ‬
‫يزل‬

‫‪4‬‬
‫اريْتَ في أَنَّهُ ب ُْرد ُ‬
‫بكفَّيكَ ما َم َ‬ ‫أن ِح ْل َمهُ‬
‫الح ْل ِم لَ ْو َّ‬
‫ق َحوا ِشي ِ‬
‫َرقِي ِ‬

‫االتفاق بين البيتين يتمثل في لفظة ( رقيق الحواشي ) ‪ ،‬والقافية ( البرد ) ‪ ،‬يقول ابن‬
‫زيدون ‪ :‬عشنا في ظل هؤالء الملوك ‪ ،‬فصفت لنا الحياة ‪ ،‬وطاب العيش ‪ ،‬ولبست الدنيا أرق‬
‫وأثمن األبراد ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬إن األمير جواد سخي يرتدي أثمن الثياب ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ْف َو ْ‬
‫اخش َْوشَنَ ال َحدُّ‬ ‫َك َما الَنَ َمتْ ُن ال َّ‬
‫سي ِ‬ ‫س ِكينة‬ ‫ع ْز َمة ٌ َم ْ‬
‫ط ِويَّةٌ في َ‬ ‫لَهُ َ‬
‫من قول أبي تمام ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫ْس لَهُ َحد ُّ‬
‫صا ُم لَي َ‬
‫صم َ‬ ‫وال يَق َ‬
‫ط ُع ال َّ‬ ‫شبَاتُها‬
‫ي َ‬ ‫وذُو َ‬
‫س ْو َرة ت َ ْف ِري الفَر َّ‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 156‬الصوب ‪ :‬المطر ‪ ،‬جعد ‪ :‬ند ‪.‬‬
‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 299 / 1‬‬
‫مفوف ‪ :‬ثوب رقيق أو فيه خطوط بيض ‪ ،‬الحواش ‪ :‬الذيول أو األطراف ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 151 ،‬برد َّ‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪. 299 / 1‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ -6‬ديوان أبي تمام ‪. 299 / 1 ،‬‬
‫‪95‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لألمير عزمات قوية مهيبة ‪ ،‬ولكنها محجوبة بهدوئه ووداعته ‪ ،‬فهو‬
‫كالسيف البتار تلين صفحته ‪ ،‬ويقطع حده ‪ .‬أما أبو تمام ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هو مع حسن خلقه ‪ ،‬وحلمه مع‬
‫أوليائه ‪ ،‬له شدة على أعدائه ‪ ،‬فهو كالسيف ال يقطع إالَّ بحده ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صدَأَهُ ال ِغ ْمد ُ‬
‫ب أَ ْ‬
‫ض ِ‬
‫س ِام العَ ْ‬
‫ع ال ُح َ‬
‫ضيَا َ‬
‫َ‬ ‫َام ُل ال ِذّ ْك ِر َ‬
‫ضائِع ٌ‬ ‫غ ْف ٌل خ ِ‬ ‫أ َ ِمث ِل َ‬
‫ي ُ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ْس لَهُ ِغ ْمدُ‬
‫ْف على شَانِيك لَي َ‬
‫سي ٌ‬
‫و َ‬ ‫لى‬ ‫يض ِع ْندَ َراميكَ َ‬
‫ع ْن قِ ً‬ ‫َحبِيبٌ بَ ِغ ٌ‬

‫يتفق البيتان في ألفاظ ( السيف ‪ ،‬والغمد ) ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬أمثلي على سمو نفسه ‪،‬‬
‫ونباهة شأنه ‪ ،‬وحدة ذكائه ‪ ،‬يترك مهمالً منبوذا ً ضائعا ً ‪ ،‬كما يضيع الحسام الصدئ إذا طال لبثه‬
‫في القراب ‪ .‬أما أبو تمام فيقول ‪ :‬أنا بغيض إلى أعدائك ألني أغصهم بمدحك ‪ ،‬فيكون المدح‬
‫عليهم كالسيف القاطع ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ش ِهي ُْر األَيَادِي َما ِآلالئِه ِ َجحْ د ُ‬
‫َ‬ ‫إن يُ ْذ ِه ْبهُ َ‬
‫ع ْنهُ فَ ُمحْ س ٌ‬
‫ِن‬ ‫س‪ْ ،‬‬
‫الرجْ ُ‬
‫ِي ِ ّ‬
‫ه َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ي وال ُك ْف َرانَ ِع ْندِي وال َجحْ دُ‬
‫عل َّ‬ ‫وكم ْلك ِع ْندِي ِم ْن يَد ُم ْست َ ِهلَّة‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬الخمر رجس وآثام ‪ ،‬واألمير جدير بالقضاء عليها ‪ ،‬فإنه سخر جاهه في‬
‫ي من أفضال ال‬
‫خدمة الدين ‪ ،‬فال يستطيع الجاحدون انكار فضله ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬كم لك عل َّ‬
‫أكفرها وال أجحدها ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ئ نَث ُ ٌر ‪ ،‬والث َّ َرى َ‬
‫ع ْنبَ ٌر َو ْرد ُ‬ ‫َآلل ُ‬ ‫ض ‪ ،‬فَ ْال َح َ‬
‫صى‬ ‫َّت ِزينَةَ ْ‬
‫األر ِ‬ ‫ساع أ َجد ْ‬
‫َم َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬غفل ‪ :‬مهمل أو متروك ال ميزة له ‪ ،‬الخامل ‪ :‬الساقط الذي ال نباهة له ‪ ،‬العضب ‪ :‬الحاد‬
‫القاطع ‪.‬‬
‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪ ، 296 / 1 ،‬حبيب ‪ :‬يعني نفسه ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 112‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪. 292 / 1 ،‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 111‬العنبر الورد ‪ :‬الزعفران ‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫‪1‬‬
‫الو ْردُ‬
‫فق َ‬‫ض ُّر ِم ْن َم ْع ُروفِها األ ُ ُ‬
‫ويَ ْخ َ‬ ‫يَدٌ يُ ْستَذَ ُّل الدَّ ْه ُر في نَفَ َحاتِها‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن آثاره المحمودة ‪ ،‬زينت األرض ‪ ،‬فأصبح حصاها كالآللئ المنثورة ‪،‬‬
‫وأثرها كالعنبر المورد ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬إن لألمير فضائل يستدل الدهر من نفحاتها ‪ ،‬ويخضر‬
‫من معروفها األفق المورد ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ي إالَّ يَ ُرحْ يَ ْغدُو‬
‫ض ُّ‬
‫ض ال َم ْر ِ‬
‫إ ِذ ال ِع َو ُ‬ ‫َرأَى نَ ْق َ‬
‫ص َما يَجْ بِي ِه ِم ْن َها ِزيَادَة ً‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫بِها و ْه َ‬
‫ي َحي َْرى ال ت َُرو ُح وال ت َغدُو‬ ‫ت َُرو ُح وت َغد ُو ‪ ،‬بل ي َُرا ُح ويُ ْغتَدَى‬

‫االتفاق في البيتين في لفظتي ( َي ُرحْ ‪َ ،‬ي ْغدُو) ‪ ،‬أما معنى البيت فيختلف ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫إن األمير رأى النقص في الضريبة التي كانت تجبى على الخمر ‪ ،‬هي زيادة له في األجر‬
‫والثواب عند الله ‪ ،‬فإذا نقصت الجباية في الدنيا ‪ ،‬ستزيد الحسنات في اآلخرة ‪ ،‬فما ينقص في‬
‫الروحات ‪ ،‬يزيد في الغدوات ‪ .‬أما أبو تمام ‪ :‬فيتحدث عن قصائده ‪ ،‬فهي في كل بلد توجد وتعرف‬
‫‪ ،‬وهي ال تسير بل يسار إليها ‪ ،‬ألنها ال تروح ‪ ،‬وال تغدو ‪.‬‬

‫مواطن االختالف في القصيدتين ‪:‬‬

‫الموروث األدبي ‪ :‬أكثر ابن زيدون من األمثال والحكم في قصيدته ‪ ،‬من ذلك قوله ‪ :‬في الجد‬
‫نجاح لطالب ‪ /‬في كل واد نوائبه سعد ‪ /‬فلم يك للمصدور من نفثها بد ‪ /‬كل غانية هند ‪ ،‬بينما‬
‫ضمن أبو تمام قصيدته مثالً واحدا ً وهو قوله ‪ " :‬كل غانية هند " ‪.‬‬

‫المحسنات البديعية ‪ :‬الجناس ‪ :‬ورد الجناس بشكل عام في قصيدة ابن زيدون بكثرة مقارنة‬
‫بقصيدة أبي تمام ‪ ،‬وسنمثل هنا للجناس القائم على رد األعجاز على الصدور عند ابن زيدون ‪،‬‬
‫وهو ما اصطلح عليه عند البالغيين بالترديد ‪ ،‬ومن ذلك قول ابن زيدون ‪ :‬أسد ـ أسد ‪ /‬مراده ـ‬
‫المرد ‪ /‬يوعد ـ الوعد ‪ /‬الجد ـ ج د ‪ /‬يكدي ـ الكد ‪ /‬يعدو ـ يعدو ‪ /‬خالد ـ الخلد ‪ /‬سدوا ـ سدوا ‪ ،‬ولم‬
‫يرد من الترديد شي ٌء في قصيدة أبي تمام ‪ ،‬وإنما ردده ابن زيدون في قصيدته لما يحدثه من‬
‫جرس موسيقي رائع تطرب له األسماع ‪ ،‬وترتاح له النفوس ‪ ،‬؛ ألن ابن زيدون شاعر غنائي‬
‫قبل أن يكون فيلسوفا ً أو غواصا ً على المعاني البعيدة كأبي تمام ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 292 / 1،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 291 / 1،‬‬
‫‪99‬‬
‫الطباق ‪ :‬عرف ابن زيدون بشاعر الموسيقى ‪ ،‬وقد اقتدى في هذه الموسيقى بالبحتري ‪ ،‬ومن‬
‫هذه الموسيقى التي اهتم بها ابن زيدون الطباق ‪ ،‬ولما كان ابن زيدون شاعرا ً مهتما ً باللفظ بخالف‬
‫أبي تمام ‪ ،‬أكثر من الطباق في أغلب قصائده ‪ ،‬فعندما ذكر ابن زيدون في مقدمته الغزلية بأن‬
‫محبوبته قريبة منه بعيد الوصول إليها بسبب الموانع التي تحول بينهما ‪ ،‬انعكست هذه‬
‫المتناقضات على نفسيته ‪ ،‬وسيطرت على ذوقه وبالتالي انعكست على قصيدته فبالغ في المطابقة‬
‫‪ ،‬كقوله ‪ :‬تدنو ـ ينأي ‪ /‬القرب ـ البعد ‪ /‬نسيئة ـ نقد ‪ /‬الشمال ـ الجنوب ‪ /‬أحسن ـ أساء ‪ /‬خطأ ـ‬
‫عمد ‪ /‬نمنا ـ سروا ‪ /‬الحر ـ العبد ‪ /‬عاداه ـ أولياءه ‪ /‬يخفى ـ يبدو ‪ /‬نقص ـ زيادة ‪ /‬يروح ـ يغدو ‪/‬‬
‫ذل ـ صعبه ‪ /‬سره ـ جهره ‪ /‬ظاهره ـ باطنه ‪.‬‬

‫ولم يقتصر ابن زيدون في معارضته لقصيدة أبي تمام السابقة ‪ ،‬وإنما استوحى بعض أبياته‬
‫من أبيات لقصيدة أخرى ألبي تمام في مدح أبي المغيث الرافقي ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ت وشَائِ ُع ِم ْن ب ُْر ِد‬
‫ت كما َم ّح ْ‬
‫و َم ّح ْ‬ ‫ش ِهدْتُ لَقَ ْد أ ْق َو ْ‬
‫ت َمغَانِي ُك ُم بَ ْعدي‬ ‫َ‬

‫فهي كقصيدته األولى غرضا ً ووزنا ً وقافية إال أن رويها مكسور ‪ ،‬وقد أخذ ابن زيدون‬
‫بعض أبياتها فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الر ْعدُ‬
‫َب َّ‬
‫طخ َ‬ ‫ت َألَّقَ ِم ْن َها البَ ْر ُق وا ْ‬
‫ص َ‬ ‫ض فِتْنَة‬
‫ار ُ‬
‫ع ِ‬‫اب َ‬ ‫لَ َ‬
‫ش َّم َر َحتَّى ا ْن َج َ‬

‫فهو قريب من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫ق والر ْع ِد‬
‫ع ِن ال َب ْر ِ‬ ‫ْث م ْف ُّ‬
‫تر َ‬ ‫كما الغي ُ‬ ‫ع ْن ُهما‬ ‫دَلُو َح ِ‬
‫ان ت َ ْفت َُّر المكار ُم َ‬
‫‪3‬‬

‫المعنى المشترك بين البيتين ‪ :‬كثرة العطاء ‪ ،‬وأمن الرعية ‪ ،‬واأللفاظ المشتركة ( العارض ‪،‬‬
‫أو الغيث ‪ ،‬البرق ‪ ،‬الرعد ) ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬شمر األمير عن ساعديه ‪ ،‬في مقاومة الفتن ‪،‬‬
‫والثورات ‪ ،‬حتى صفا الجو للرعية ‪ ،‬بعد االضطراب ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬األمير يداه مثقلتان‬
‫بالعطايا ‪ ،‬كالغيث الضاحك بدأ بالبرق والرعد ‪ ،‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫أخ َالقُهُ خ َِج َل َ‬
‫الو ْردُ‬ ‫ت ْ‬‫إذَا ذُ ِك َر ْ‬ ‫َب ِعيدُ َمنَا ِل ال َحا ِل دَا ِني َجنَى النَّدَى‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬


‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪ ، 299 / 1 ،‬الوشائع ‪ :‬الطرائق او خيوط الثوب ‪،‬ويقال توشعت الغنم في المرعى ‪ :‬أخذت فيه يمنة ويسرة ‪ .‬م َّح ‪:‬‬
‫اخلق ‪ .‬شهدت حلفت ‪ .‬أخلق ‪ :‬أبلى ‪.‬‬
‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 159‬انجاب ‪ :‬زال ‪ ،‬العارض ‪ :‬السحاب المعترض األفق ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪ / 1‬ص ‪ ، 296‬دلوحان ‪ :‬يعني يديه ‪ ،‬وأصل الدَّلح ‪ :‬أن يمشي الرجل وهو مثقل ‪ ،‬ثم استعير ذلك في الغمامة ‪ ،‬فقيل‬
‫‪ :‬غمامة دلوح ‪ :‬إذا كانت مثقلة بالماء بطيئة السير ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 156‬الحال ‪ :‬الصفة ‪ ،‬الجنى ‪ :‬الثمر الغض ‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪1‬‬
‫الو ْر ِد‬ ‫إذَا ذُ ِك َر ْ‬
‫ت أيَّا ُمه ُزَ َم ُن َ‬ ‫ومن ْزَ َمن ْألبَ ْستَنِ ْي ِه كأنَّه ُ‬
‫ِ‬

‫يتفق البيتان ‪ ،‬في ألفاظ الشطر الثاني فجعل ابن زيدون كل لفظة تقابل لفظة ألبي تمام ‪ ،‬فابن‬
‫زيدون ‪ ،‬يقول ‪ :‬ـ في مدح األمير ـ ال يستطيع أحد أن يرتفع إلى صفاته ‪ ،‬فهو سامي الشمائل ‪،‬‬
‫قريب السخاء يخجل منه الورد ‪ .‬أما أبو تمام ‪ :‬فيحن إلى زمن كان ينعم فيه ‪ ،‬عند ممدوحه ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫سا َءتُهُ َ‬
‫ع ْمد ُ‬
‫‪2‬‬
‫فَ َع ْن خطأ ‪ ،‬ل ِك ْن إ َ‬ ‫سنَ ال ِف ْع َل َم ّرة ً‬
‫ُه َو الدَّ ْه ُر َم ْه َما أحْ َ‬
‫من قول أبي تمام ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫طأ ُ ِم ِنّي فَعُ ْذ ِري على َ‬
‫ع ْم ِد‬ ‫على َخ َ‬
‫َ‬ ‫ع َّن أوتكُ َه ْف َوة ٌ‬ ‫ْ‬
‫فإن يَكُ ُج ْر ٌم َ‬
‫االتفاق بين البيتين ‪ :‬يكمن في المطابقة بين ( الخطأ ‪ ،‬والعمد ) ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬الدهر‬
‫متعمد اإلساءة ‪ ،‬وإما إحسانه فصدفة ‪ .‬أما أبو تمام ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إن أرتكب جرما ً أو هفوة ‪ ،‬فإني‬
‫أعتذر عما صدر مني عمدا ً ‪.‬‬

‫كما تأثر ابن زيدن في قصيدته الدالية السابقة ‪ ،‬بقصيدة للمتنبي في مدح الحسين بن علي الهمداني‬
‫‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫فيَا لَيْتنِي بُ ْعدٌ ويالَ ْيتَهُ َوجْ دُ‬


‫‪4‬‬
‫لَقَ ْد حازنِي َوجْ دُ بِ َم ْن حازَ هُ بُ ْعدُ‬

‫وهي قصيدة يبلغ عدد أبياتها سبعة وثالثين بيتا ً ‪ ،‬وقد اتفقت القصيدتان في الغرض ‪ ،‬والوزن ‪،‬‬
‫والقافيةً ‪ ،‬وفي حركة الروي ‪ ،‬فكلتاهما في غرض المدح ‪ ،‬ومن بحر الطويل ‪ ،‬والقافية الدالية ‪،‬‬
‫والروي المضموم ‪ ،‬ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأبيات قصيدة المتنبي ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫َحْو غاياتِها ُج ْرد ُ‬ ‫وخ ْي ٌل َّ‬
‫تمطى ن َ‬ ‫ِّ‬
‫الخط دُونَ ا ْعتِيادِها‬ ‫ت َ ُحو ُل ِرما ُح‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ط َّه َمةُ ال ُج ْردُ‬
‫فَ ِفيها ال ِع ِبدَّى وال ُم َ‬ ‫عسا ِك ٌر‬
‫سين َ‬
‫ت ال ُح ِ‬ ‫َّ‬
‫كأن عطيَّا ِ‬

‫‪ -1‬ديوان أبي تمام ‪. 262 / 1 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 261 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 1 / 2 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 152‬‬
‫‪6‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 9 / 2 ،‬العبدى ‪ :‬جمع عبد ‪ .‬المطهمة ‪ :‬الخيل الحسان ‪ .‬الجرد ‪ :‬القليلة الشعر ‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬دون تلك المرأة ‪ ،‬رماح ‪ ،‬وفرسان على خيول أصيلة ‪ ،‬تحول دون‬
‫الوصول إليها ‪ .‬أما المتنبي ‪ ،‬فيذكر ما ناله من ممدوحه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬عطياته كالعساكر ‪ ،‬تجمع كل‬
‫شيء ‪ ،‬ففيها الخيل المطهمة الجرد ‪ ،‬والعبيد ‪ .‬فالعبارة المشتركة بين البيتين ( الخيل الجرد ) ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫تأ ْ َّوهُ َم ْه َما ن َ‬


‫َاس في ِجيْدها ال ِع ْقد ُ‬ ‫ضنِيها ال ِوشا ُح غ َِريْرة ٌ‬
‫ت َ َهادى فَيُ ْ‬
‫‪1‬‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫سن ال ِع ْقدُ‬
‫ْناء يُ ْستَحْ ُ‬ ‫عن ُ ِ‬
‫ق ال َحس ِ‬ ‫وفي ُ‬ ‫صب َح ِش ْعري من ُهما في مكانِ ِه‬
‫وأ ْ‬

‫يصف ابن زيدون تلك المرأة ‪ ،‬التي تتهادى في مشيتها فيؤلمها الوشاح ‪ ،‬وبها غرور كبرياء ‪،‬‬
‫تتأوه كيفما تحرك العقد في جيدها ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬أصبح شعري في مكانه ‪ ،‬أي في المكان الذي‬
‫ينبغي أن يكون فيه ‪ ،‬ألن األمير أهل للمدح ‪ ،‬فتستحسن فيه هذه المدائح ‪ ،‬كما يستحسن العقد في‬
‫جيد الحسناء ‪ .‬فاالتفاق بين البيتين ‪ :‬عبارة ( في جيدها عقد ) ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون‪:‬‬

‫الرمدُ‬
‫‪3‬‬ ‫وق فَت َ ْشت َ ِفي بها األع ُ‬
‫ْين ُّ‬ ‫ت َُر ُ‬ ‫البيض الَّذينَ ُو ُجو ُه ُم‬
‫ُ‬ ‫ُه ُم النَّفَ ُر‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫دم َم ْن ت ُ ْشت َفى ب ِه األ ْعي ُُن ُّ‬
‫الرمدُ‬ ‫َمدَحْ تُ أباهُ قَ ْبلَهُ فَ َ‬
‫شفَى يَدِي ِمن العُ ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬هم األسياد الكرام ‪ ،‬الذين تبدو وجوههم صافية ‪ ،‬تشفي العيون التي‬
‫أصابها الرمد ‪ .‬يقول المتنبي ‪ :‬مدحت أباه قبله فشفى يدي بالعطايا ‪ ،‬كأنما ُ‬
‫شفي من بعينه الرمد ‪.‬‬
‫وقد يقصد أن الممدوح في جماله وحسنه ‪ ،‬يشفي العيون الرمد ‪ .‬فالعبارة المشتركة بين البيتين ‪:‬‬
‫الرمدُ ) ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬ ‫( فَت َ ْشت َ ِفي بها األع ُ‬
‫ْين ُّ‬

‫‪5‬‬
‫الز ْندُ‬
‫ب َّ‬‫خاطر أثْقَ َ‬ ‫إن ا ْقتَدَ َح ْ‬
‫ت في ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاط َر فِ ْك َرة‬ ‫يُو َك ُل بِالتَّد ِ‬
‫ْبير خ ِ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫ناس ‪ :‬تحرك‬
‫ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬الوشاح ‪ :‬وسام من نسيج محلى بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ‪َ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫واضطرب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ديوان المتنبي ‪. 12 / 2 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪،‬ص ‪. 159‬‬
‫الرمد ‪ :‬جمع رمِ دة ‪ ،‬ورمد الرجل هاجت عينه ‪.‬‬‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 9 / 2 ،‬العُدم ‪ :‬الفقر ‪ُّ .‬‬
‫أمر الشيء ‪ :‬صار مرا ً ‪ ،‬ش َ‬
‫ِيب ‪ُ :‬مزج ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ُ ، 112‬ممِ ر ‪ُ :‬مر من ّ‬
‫‪92‬‬
‫‪1‬‬
‫الز ْندُ‬
‫ب َّ‬‫نَجيعا ولوال القَ ْد ُح لم يُثْ ِق ِ‬ ‫الر ْم ُح ال ما تَبُلَّهُ‬
‫ور ْم ِحي أل ْنتَ ُّ‬
‫ُ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن األمير يعالج أفكاره بالتأني والتريث ‪ ،‬وإذا طلبت برزت كالشرر‬
‫المضيء المتطاير من الزند ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬لوال جودة طبع األمير لم يعمل الرمح شيئا ً ‪ ،‬كما‬
‫أنه لوال القدح ‪ ،‬لم تضيء النار ‪ ،‬فاالشتراك بين البيتين ‪ :‬تضمين ‪ ،‬عبارة ( القدح يثقب الزند ) ‪.‬‬

‫والبن زيدون قصيدة المية في مدح ابن جهور ‪ ،‬التي مطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل‬ ‫س َِال ُح َخ َما ِئــــ ُل‬ ‫َم َرادُ ُه ُم َحي ُ‬
‫ْث ال ّ‬

‫ع َو ِام ُل‬
‫س ْم ٌر َ‬
‫يض و ُ‬ ‫َو َمأْث ُ َ‬
‫ورة ٌ بِ ٌ‬ ‫ص َوافِ ٌن‬
‫َودُونَ ال ُمنَى فِ ْي ِه ْم ِجيَادٌ َ‬

‫عارض فيها قصيدة ألبي تمام في مدح محمد بن عبد الملك الزيات ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َو َق ْلبُكَ ِمنها ُمدّة َ الدَّ ْه ِر آهِــ ُل !‬ ‫ع ْن ذُ ْهليَّ ِة ال َح ّ‬
‫ي ذَا ِه ُل‬ ‫َمت َى أ ْنتَ َ‬

‫وقد اتفقت القصيدتان في الغرض " وهو المديح " وكذلك الوزن والقافية ‪ ،‬فكلتا‬
‫القصيدتين من البحر الطويل ‪ ،‬والقافية الالمية ‪ ،‬والروي المضموم ‪ ،‬فهي معارضة معنى ومبنى‬
‫‪ ،‬فهي إذن معارضة تامة ‪ ،‬وقد قال ابن زيدون قصيدته في مدح ابن جهور مصبغا ً عليه صفات‬
‫الكرم والشجاعة والمروءة ‪ ،‬وهي الصفات التي أضفاها أبو تمام على ممدوحه ‪ ،‬وتعد القصيدتان‬
‫من القصائد الطوال ‪ ،‬حيث بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون اثنين وخمسين بيتا ً ‪ ،‬بينما بلغت‬
‫قصيدة أبي تمام ستين بيتا ً ‪.‬‬

‫هيكل القصيدتين ‪ :‬بدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة غزلية يصف صاحبته التي تتمنع وهي راغبة ‪،‬‬
‫و كعادته يصف المرأة البدوية التي تحميها عشيرتها بقوة السالح وأنواع العتاد والجياد ‪ ،‬فيصعب‬
‫الوصول إليها ؛ لحصانتها ‪ ،‬ورغم هذه القوة الضارية وهذه الحصون المنيعة فهي تتسلل وتصل‬
‫إليه في خفة ورشاقة ؛ وفا ًء له ‪ ،‬ث َّم يكثر من وصفها خالل هذه المقدمة الغزلية الطويلة تربو عن‬
‫سبعة عشر بيتا ً يصف من خاللها كل ما وقعت عليه عيناه في تلك المرأة ‪.‬‬

‫ويتخلص الشاعر بعد هذه المقدمة التي بلغت سبعة عشر بيتا ً إلى غرضه الذي من أجله قيلت‬
‫القصيدة ـ وهو المديح ـ بانتقال رائع وسهل ‪ ،‬مستخدما ً أداة التشبيه " كأن " مصرحا ً في البيت‬

‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪. 1 / 2 ،‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 199‬مرادهم ‪ :‬مكان طلب النجعة ‪ ،‬الخمائل األشجار الكثيفة ‪ ،‬المورد ‪ :‬مكان ورود الماء ‪،‬‬
‫مناهل ‪ :‬مشارب ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 51 / 2 ،‬‬
‫‪91‬‬
‫منقض له من هذه العاطفة التي قد تجره إلى الهالك بين األعداء في‬
‫ٌ‬ ‫باسم ممدوحه الذي يصفه بأنه‬
‫حين تغمره نعم األمير التي تغنيه عن كل عاطفة مشبوهة ‪ ،‬يقول الشاعر متخلصا ً إلى المديح ‪:‬‬

‫َولَ َّج ال َه َوى في َحي ُ‬


‫ْث ت ُ ْخشَى الغ ََوائِ ُل‬ ‫ض َالالً ت َ َمادَى الحُبُّ في ال َم ْعش َِر ال ِعدَا‬
‫َ‬

‫س ِّل ‪َ ،‬وفِي َمثْنـى أيادِيـــ ِه شَا ِغــــ ُل‬


‫ُم َ‬ ‫ليس في نُ ْعمى ال ُه ِ‬
‫مام " ُم َح َّمد "‬ ‫ْ‬
‫كأن َ‬

‫وبعد هذا االنتقال الرائع ظل يمدحه إلى آخر القصيدة مصبغا ً عليه كل الصفات الحميدة‬
‫التي يحبها الملوك من كرم ‪ ،‬وشجاعة ‪ ،‬وطاعة ‪ ،‬ورفعة ‪ ،‬وسمو ‪ ،‬وأنه أفضل الملوك حتى أن‬
‫الشاعر في آخر قصيدته يصرح متواضعا ً بأن الشعر ليس غريزة طبيعية فيه ‪ ،‬وإنما جره إلى‬
‫هذا الشعر تلك الفضائل التي رآها في ممدوحه ‪ ،‬يلخص ذلك قوله ‪:‬‬

‫َزين ‪ ،‬ول ِك ْن أ ْن َ‬
‫طقتنِي الفَ َو ِ‬
‫اض ُل‬ ‫ت ُ‬ ‫ضيلَةً‬ ‫و َما ال ِ ّ‬
‫ش ْع ُر ِم ّما أدَّ ِعي ِه فَ ِ‬

‫ومن خالل تتبعنا لمضمون قصيدة ابن زيدون نلمح تشابها ً واضحا ً بينها وبين قصيدة أبي‬
‫تمام ‪ ،‬والشك في أن مقدمة ابن زيدون السابقة ال تختلف عن مقدمة أبي تمام ‪ ،‬إال أن أبا تمام بدأ‬
‫قصيدته بمقدمة طللية في نحو عشرة أبيات وقف فيها على آثار حبيبته الدارسة والتي خلت من‬
‫ساكنيها ‪ ،‬واصفا ً تلك الحبيبة ـ التي لم يسمها ـ بأنها محصنة بين أهلها ‪ ،‬مشبها ً عيونها بعيون‬
‫البقر الوحشي على عادة الشاعر الجاهلي في وصفه للمرأة ‪ ،‬ثم ينتقل إلى المديح مناديا ً ممدوحه‬
‫دون أن يستخدم حرف النداء ؛ توددا ً إليه ولقربه منه مصرحا ً باسمه متحدثا ً عن علمه ‪ ،‬وفصاحته‬
‫‪ ،‬وذكائه ‪ ،‬وحكمته ‪ ،‬وعدله ‪ ،‬مشيرا ً إلى شجاعته وفتكه بأعدائه ‪ ،‬فيتخلص قائالً ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫خام ُل‬
‫ِ‬ ‫ى ُج ْلتَ في أ ْفنانِه ‪َ ،‬و ْه َو‬
‫هو ً‬ ‫سن ال َه َوى‬ ‫ى كانَ ْ‬
‫خلسا ً َّ‬
‫إن ِم ْن أحْ ِ‬ ‫هو ً‬

‫َولُودُ وأ ُ ُّم ال ِع ْل ِ‬
‫ـــم َجــدَّا ُء حائــــــ ُل‬ ‫إن ال َج َهـــالةَ أ ُ ُّمهــــــا‬
‫أبَا َج ْعفَــــر َّ‬

‫وقد ختم أبو تمام قصيدته بالثناء على تلك القصيدة كعادته في كثير من مدائحه ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫وتَب ُ‬
‫ْعث أشجان الفَت َى وهو ذَا ِه ُل‬ ‫منحت ُ َكها ت َ ْش ِفي ال َج َوى ‪ ،‬و ْه َو ال ِع ٌج‬

‫َوام ُل‬
‫يه ِ‬ ‫هوام ُل َمجْ ِد القَ ْو ِم و ْه َ‬
‫ِ‬ ‫ِي أُرسلَ ْ‬
‫ت‬ ‫ت َُردُّ قَ َوافيها ِإذَا ه َ‬

‫اط ُل ؟‬
‫ع ِ‬‫ي َ‬ ‫ت َ ُك ُ‬
‫ون وهَذا ُحسنُها َو ْه َ‬ ‫ْف إذا َحلَّ ْيت َها ب ُحليِّها‬
‫ف َكي َ‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 55 / 2 ،‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪92‬‬
‫أما ابن زيدون فقد ختم قصيدته بختام يستحسنه النقاد في خواتيم قصائدهم كالدعاء للممدوح‬
‫بطول العمر ودوام النعمة ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫ْش ك ّ‬
‫الظ ِّل زَ ائِ ُل‬ ‫خ ََوا ِلدُ ‪ِ ،‬حينَ ال َعي ُ‬ ‫َبقِيتَ َك َما ت َ ْبقَى َمعا ِليك ! إنَّ َها‬

‫غي َْر ال ُخ ْل ِد إ ْذ أ ْنتَ َك ِ‬


‫ام ُل‬ ‫لنَ ْفسِكَ َ‬ ‫فَ َما نَ ْست َِز ْيدُ الله بَ ْعدَ نِ َهايــــة‬

‫األسلوب ‪ :‬من األساليب الالفتة للنظر التي استعان بها ابن زيدون استجابة لنداء المعارضة‬
‫أسلوب الجناس القائم على رد العجز على الصدر ‪ ،‬وهذا األسلوب حقق للقصيدة نسقا ً بديعيا ً أنيقا ً‬
‫‪ ،‬ويمكننا أن نرصد هذه الظاهرة على هذا النحو ‪:‬‬

‫يقول ابن زيدون ‪ } :‬طويل ـ طوائل ‪ /‬الغزال ـ يغازل ‪ /‬شموالً ـ الشمائل ‪ /‬الحبال ـ الحبائل ‪/‬‬
‫النزال ـ نازل ‪ /‬المستثقل ـ المتثاقل ‪ /‬المحافل ـ حافل ‪ /‬األعمال ـ عامل ‪ /‬غفل ـ غافل ‪ /‬خاله ـ‬
‫المخائل ‪ /‬قل ـ قالئل { ‪.‬‬

‫وفي قصيدة أبي تمام نجد هذا التركيب التجانسي ‪ } :‬تمثل ـ المواثل ‪ /‬أغفالها ـ غافل ‪/‬‬
‫أخملت ـ الخمائل ‪ /‬جمال ـ جامل ‪ /‬بعقلك ـ العقائل ‪ /‬الخالخل ـ الخالخل ‪ /‬الشمل ـ الشمائل ‪/‬‬
‫حملت ـ الحمائل ‪ ،‬فضلت ـ فاضل ‪ /‬شغل ـ شاغل ‪ /‬راسلتك ـ الرسائل ‪ /‬احتفلت ـ المحافل ‪ /‬نال ـ‬
‫نائل ‪ /‬الحبال ـ الحبائل ‪ /‬مقتل ـ المقاتل ‪ /‬سال ـ سائل ‪ /‬هوامل ـ هوامل { ‪.‬‬

‫ولم يكن هذا كل الجناس التي تزينت به القصيدتان ‪ ،‬إنما هذا ما جاء على شكل رد العجز على‬
‫الصدر ‪ ،‬بينما يندر الطباق في القصيدتين ‪.‬‬

‫الصيغ الصرفية ‪ :‬وردت صي ٌغ صرفية في قصيدة ابن زيدون على وزن فعيل ‪ ،‬وهي صفات‬
‫ي ‪ /‬زعي ُم ‪ /‬شديدٌ ‪ /‬مقي ٌم { ‪ ،‬وهي صفات لم‬
‫ي ‪ /‬وف ٌ‬
‫ألبسها شاعرنا على ممدوحه ‪ ،‬كقوله } أب ٌ‬
‫ترد في قصيدة أبي تمام ‪ ،‬وهذه الصفات تدل على مبالغة ابن زيدون في وصف ممدوحيه ‪.‬‬

‫التزام القافية األسمية ‪ :‬اعتمد الشاعران في قصيدتيهما على قوافي األسماء دون األفعال أو‬
‫الحروف ‪ ،‬حيث وردت هذه القوافي على صيغتين اثنين ‪ ،‬هما ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬على وزن فاعل إذا كانت الكلمة مفردة ‪ .‬الثانية ‪ :‬على وزن مفاعل ‪ ،‬وفواعل إذا كانت‬
‫الكلمة في صيغة الجمع ‪ .‬فمن قوافي أبي تمام التي وردت على وزن فاعل } آهل ‪ /‬غافل ‪ /‬جامل‬
‫‪ /‬خامل ‪ /‬حائل ‪ /‬قاصل ‪ /‬فاعل ‪ /‬باسل ‪ /‬فاضل ‪ /‬شاغل ‪ /‬كامل ‪ /‬عامل ‪ /‬وابل ‪ /‬راجل ‪ /‬ناحل ‪/‬‬
‫عادل ‪ /‬باطل ‪ /‬نائل ‪ /‬جاهل ‪ /‬ساحل ‪ /‬سائل ‪ /‬واصل ‪ /‬قائل ‪ /‬حائل ‪ /‬حافل ‪ /‬عاطل ‪ /‬ذاهل {‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ومن قوافيه التي جاءت على وزني مفاعل وفواعل } مواثل ‪ /‬خمائل ‪ /‬العقائل ‪ /‬ذوابل ‪/‬‬
‫قبائل ‪ /‬المناقل ‪ /‬نواقل ‪ /‬الشمائل ‪ /‬الخمائل ‪ /‬مقاتل ‪ /‬القنابل ‪ /‬الرسائل ‪ /‬المفاضل ‪ /‬عواسل ‪/‬‬
‫المحافل ‪ /‬حوافل ‪ /‬الجحافل ‪ /‬العواذل ‪ /‬مراحل ‪ /‬المنازل ‪ /‬معاقل ‪ /‬هوامل ‪ /‬مناهل {‪.‬‬

‫ومن قوافي ابن زيدون التي وردت على وزن فاعل }خاذل ‪ /‬ذابل ‪ /‬هادل ‪ /‬الئل ‪ /‬مائل ‪ /‬حائل‬
‫‪ /‬شاغل ‪ /‬ناضل ‪ /‬طائل ‪ /‬عامل ‪ /‬ماطل ‪ /‬ناقل ‪ /‬ناصل ‪ /‬فاعل ‪ /‬نازل ‪ /‬راحل ‪ /‬حافل ‪ /‬عاطل ‪/‬‬
‫ماحل ‪ /‬قابل ‪ /‬عامل ‪ /‬واصل ‪ /‬باطل ‪ /‬حامل ‪ /‬آمل ‪ /‬غافل ‪ /‬صاقل ‪ /‬زائل ‪ /‬آفل ‪ /‬كامل { ‪.‬‬

‫ومن قوافيه التي جاءت على وزني مفاعل وفواعل } مناهل ‪ /‬عوامل ‪ /‬خمائل ‪ /‬طوائل ‪/‬‬
‫عقائل ‪ /‬شمائل ‪ /‬خالخل ‪ /‬الغوائل ‪ /‬المخائل ‪ /‬الجداول ‪ /‬حبائل ‪ /‬جحافل ‪ /‬قالئل ‪ /‬أصائل ‪/‬‬
‫نوافل ‪ /‬منازل ‪ /‬فواصل { ‪.‬‬

‫وقد أبتدأ ابن زيدون قصيدته بما ختم به أبو تمام من القوافي ‪ ،‬يقول أبو تمام في ختام قصيدته ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ظ َمــأ ٌ ُم ْرد وأنتم مناهِــــــ ُل‬
‫بنا َ‬ ‫علَينــا فإنَّنَا‬ ‫أكا ِب َرنــــا ْ‬
‫عطفا ً َ‬

‫بينما يقول ابن زيدون مستفتحا ً قصيدته ‪:‬‬

‫و َم ْو ِردُ ُه ْم َحي ُ‬
‫ْث ال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل‬ ‫س َِال ُح َخ َمائِــــ ُل‬ ‫َم َرادُ ُه ُم َحي ُ‬
‫ْث ال ّ‬

‫التراكيب النحوية في قوافي القصيدتين ‪ :‬تنوعت القوافي في القصيد تين ‪ ،‬بين الخبر وبين‬
‫الفاعل أو نائبه ‪ ،‬فما ورد منها على هيأة خبر لمبتدأ في قصيدة أبي تمام } قلبك آهل ‪ /‬وهو غافل‬
‫‪ /‬تلك ذوابل ‪ /‬وهو خامل ‪ /‬أمها حائل ‪ /‬وهو كامل ‪ /‬وهو راحل ‪ /‬وهي حوافل ‪ /‬وهي أساحل ‪/‬‬
‫وهو ناحل ‪ /‬فهو عادل ‪ /‬السم قاتل ‪ /‬الضرع حافل ‪ /‬وهو ذاهل ‪ /‬وهي هوامل ‪ /‬وهي عاطل ‪/‬‬
‫أنتم مناهل ‪ /‬الخطب باطل { ‪ ،‬ونالحظ أن أبا تمام قد نوع في المبتدأ بين االسم الظاهر‪،‬‬
‫والضمير المخاطب إالَّ أن األكثر ضمير لغائب ‪.‬‬

‫وما جاء من قوافيه فاعال أو نائب فاعل } تمثل المواثل ‪ /‬جالت الخالخل ‪ /‬تنظم الشمائل ‪/‬‬
‫حملت الحمائل ‪ /‬قبضت العواذل ‪ /‬يصلها واصل ‪ /‬تخلف الوسائل ‪ /‬تسرم المنازل{‪.‬‬

‫بعد أن عرضنا التراكيب النحوية في قصيدة أبي تمام ‪ ،‬سنعرض للتراكيب النحوية في‬
‫قصيدة ابن زيدون التي تعد معارضة تامة لقصيدة أبي تمام ‪ ،‬حيث إن ابن زيدون في معارضته‬
‫المعارضة فتنوعت القافية بين الخبر والفاعل ونائبه ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اتخذ التراكيب النحوية ذاتها في القصيدة‬

‫‪ 1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 211 / 2 ،‬‬


‫‪91‬‬
‫فما جاء في صورة خبر من قوافي ابن زيدون } الدماء مناهل ‪ /‬حليك هادل ‪ /‬ليلك الئل ‪ /‬عطفك‬
‫ماثل ‪ /‬فالدهر ماطل ‪ /‬تلك الحبال حبائل ‪ /‬أنتم فيه عامل ‪ /‬ذلك حائل ‪ /‬فكل خصيب ال محالة‬
‫ناصل ‪ /‬وهو سالسل ‪ /‬الجسم راحل ‪ /‬الدهر عاطل ‪ /‬األفق ماحل ‪ /‬أنت عامل ‪ /‬أنا آمل ‪ /‬أنت‬
‫غافل ‪ /‬أنت كامل {‪.‬‬

‫أما قوافي ابن زيدون التي وردت على هيأة فاعل أو نائب فاعل فهي } تناط الخمائل ‪ /‬تدير‬
‫الشمائل ‪ /‬تخشى الغوائل ‪ /‬استهلت أنامل ‪ /‬تستطير المخائل ‪ /‬تصيب الجحافل ‪ /‬تندى األصائل ‪/‬‬
‫شيعته النوافل ‪ /‬انطقتني الفواضل { ‪ ،‬نالحظ أن أغلب القوافي التي جاءت على هيأة خبر لمبتدأ‬
‫كانت لفظتها مفردة ‪ ،‬في حين أن ما ورد على هيأة فاعل أو نائب فاعل كانت لفظتها مجموعة ‪.‬‬

‫مواطن التأثر بين أبيات القصيدتين ‪ :‬والناظر ألبيات ابن زيدون يرى بعض مظاهر التأثير‬
‫الذي يكسو ألفاظه ومعانيه من شعر أبي تمام ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ام ُل‬
‫ع ِ‬‫يب ُر ْمح أ َ ْنت ُ ُم فِي ِه َ‬
‫أَنَابِ َ‬ ‫س ْر ِو ال ُملُوكُ ‪ ،‬فَ ِخ ْلت ُ ُهم ْ‬ ‫تَفَا َ‬
‫ضل في ال َّ‬

‫حيث نظر فيه لقول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ام ُل‬
‫ع ِ‬‫يب َ‬
‫ض َّم األنابِ َ‬
‫إليْكَ كما َ‬ ‫ع َرى أع َما ِلها بَ ْعدَ فُ ْرقَة‬
‫َج َمعْتَ ُ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬تفاضل الملوك في الشرف والسخاء ‪ ،‬فكانوا مثل أنابيب الرمح ‪ ،‬أنتم‬
‫سنانه ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬إنك جمعت شتات هذه الجيوش المتفرقة ‪ ،‬كما يجمع األنابيب ‪ ،‬صاحب‬
‫السنان ‪ ،‬والعبارة المشتركة بين البيتين ( أنابيب عامل ) ‪.‬‬

‫كما نظر ابن زيدون في قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َوفِي ‪ ،‬فَ َما تِ ْلكَ ِ‬
‫الح َبا ُل َحباَئِ ُل‬ ‫أتِي ‪ ،‬فَ َما تِ ْلكَ ال َّ‬
‫سما َحةُ نُ ْهزَ ة ٌ‬

‫إلى قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ت تَحْ تَ ِ‬
‫الح َبا ِل ال َح َبا ِئ ُل‬ ‫إذَا نُ ِ‬
‫ص َب ْ‬ ‫غدْرة‬ ‫ت ََرى َح ْبلَه ْ‬
‫ُغرثَانَ ِم ْن ك ِّل َ‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪ ، 59 / 2 ،‬ضم ‪ :‬أي ضممت ما انتشر من أمور الملك ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ص ‪ . 162‬األتي ‪ :‬الجدول أو السيل ‪ ،‬نهزة ‪ :‬فرصة ‪ ،‬الحبال ‪ :‬الوصال والعهد واألمانة ‪ ،‬الحبائل جمع حبالة ‪:‬‬
‫وهي الشرك الذي ينصب للصيد ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان أبي تمام ‪ ، 56 / 2 ،‬الغرثان ‪ :‬الجائع الذي قد خال جوفه من الطعام ‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن هذا الكرم طبيعة أصيلة في الممدوح ‪ ،‬و إن ممدوحه مطبوع على‬
‫الوفاء ‪ ،‬يفي ألوليائه وفاء الحب والعرفان وليس الكيد واالحتيال ‪ .‬ويقول أبو تمام ‪ :‬إن األمير‬
‫صاحب عهد ‪ ،‬وأمانة ‪ ،‬ووصال ‪ ،‬وهو بعيد عن الغدر ‪ .‬وقد ضمن ابن زيدون ‪ ،‬عبارة ‪:‬‬
‫الحبَا ُل َحباَئِ ُل ) من بيت أبي تمام ‪ .‬كما أخذ ابن زيدون قوله ‪:‬‬
‫( ِ‬

‫‪1‬‬
‫اط ُل‬
‫ع ِ‬‫ت َ َحلَّى ِب َها ِجيدٌ ِمنَ الدَّ ْه ِر َ‬ ‫ام َم َحا ِسن‬
‫ظ َ‬‫َمساَع هي ال ِع ْقدُ ا ْنتِ َ‬

‫من قول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اط ُل ؟‬
‫ع ِ‬ ‫ت َ ُك ُ‬
‫ون وهذا ُح ْسنُ َها وهي َ‬ ‫ْف إذَا َحلّ ْيت َها ِب ُح ِليِّ َها‬
‫فَ َكي َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬مآثر األمير أصبحت حلية يتحلى بها الزمان ‪ ،‬بعد أن كان عاطالً ‪ .‬ويقول أبو‬
‫تمام ‪ :‬إن هذه القصيدة ذات حسن قبل أن تحلى بالحلي ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 165،‬الجيد ‪ :‬العنق ‪.‬‬


‫‪ -2‬ديوان أبي تمام ‪. 11 / 2 ،‬‬
‫‪91‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬معارضة ابن زيدون لقصائد البحتري ‪:‬‬

‫اتسم شعر ابن زيدون بالرقة والعذوبة ‪ ،‬والصور الشعرية المبتكرة ‪ ،‬وجمال األسلوب ‪،‬‬
‫‪ ،‬وقد عزا يوسف‬ ‫‪2‬‬
‫ورقة المشاعر والموسيقى الشعرية‪ ، 1‬لذلك لقبه األدباء ببحتري األندلس‬
‫فرحات هذا اللقب إلى سببين ‪ " :‬السبب األول طول النفس إذ جاءت أكثر قصائده في المديح‬
‫والغزل طويلة ‪ ،‬والسبب الثاني هو ولع ابن زيدون بالزخارف الشعرية ‪ ،‬إذ أكثر من الصنعة‬
‫‪3‬‬
‫فجاءت أبياته كشعر البحتري غنية بالصور البيانية والمحسنات البديعية " ‪.‬‬

‫إذا كان ابن زيدون قد عارض الكثير من قصائد أبي تمام ‪ ،‬فمن باب أولى أن يعارض قصائد‬
‫البحتري إذ أنهما اتفقا " في الصنعة الشعرية ‪ ،‬أو الفن الشعري ‪ ،‬فكالهما رائع النظم ساحر‬
‫األداء ‪ ،‬وكالهما شاعر فني قبل أن يكون حكيما ً أو فيلسوفا ً أو غواصا ً على المعاني العويصة ‪،‬‬
‫إنما يستمد كل منهما معانيه من وحي الخيال وجمال الطبيعة ‪ ،‬ال من قضايا العلم والمنطق‬
‫والمذاهب الفلسفية "‪ ،4‬فضالً عن تشابهما في التجربة العاطفية ‪ ،‬فإذا كان ذلك كله ‪ ،‬فال غرابة‬
‫من أ ن يبنى ابن زيدون قصائده على غرار قصائد البحتري ‪ ،‬ولعل من أشهر قصائده النونية‬
‫الغزلية ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ب لقيانا تجافينا‬
‫وناب عن ِطي ِ‬
‫َ‬ ‫أضْحى التَّنائِي بديال ً من تدانِينا‬

‫ونظرا ً لشهرتها فال تكاد تجد باحثا ً أو كاتبا ً أو مؤلفا ً يذكر ابن زيدون دون أن يقف على‬
‫‪6‬‬
‫هذه النونية ‪ ،‬وقد وصفها الصفدي بأنها " سارت في البالد وطارت في العباد "‪.‬‬

‫وقال الصفدي أيضا ً ‪ " :‬قال بعض األدباء من لبس البياض وتختم بالعقيق ‪ ،‬وقرأ ألبي‬
‫عمرو ‪ ،‬وتفقه للشافعي وروى قصيدة ابن زيدون ‪ ،‬فقد استكمل الظرف "‪ 7.‬ويعتقد الصفدي أن‬
‫ابن زيدون عارض بها قصيدة البحتري ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫فَ َما لَ َجاجُكَ في لَ ْو ِم ال ُم ِح ِبّينَا‬ ‫عا ِذلُنَا في الحُبّ ِ يُ ْغ ِرينَا‬
‫َي َكادُ َ‬

‫‪ 1‬ـ ينظر ـ بعيون ‪ ،‬سهى ‪ ،‬مقال بعنوان ( شعر ابن زيدون ) ‪ ،‬مجلة الرافد ‪ ،‬دار الثقافة واألعالم ‪ ،‬الشارقة ‪ ،‬عدد ‪ ، 12‬لسنة ‪،‬‬
‫‪ ، 2212‬ص ‪. 5‬‬
‫‪ -2‬بنظر الذخيرة ‪. 196 / 1‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون تحقيق يوسف فرحات دار الكتاب العربي بيروت ط ‪ ، 1661‬ص ‪. 11‬‬
‫‪4‬حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ‪ ،‬ص ‪. 221 ، 225‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬تحقيق علي عبدالعظيم ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ -6‬تمام المتون " ‪. " 11 ، 12‬‬
‫‪ -7‬تمام المتون ‪. 11‬‬
‫‪ -8‬المرجع نفسه والصفحة نفسها ‪ ،‬والقصيدة في ديوان البحتري م ‪. 2222 / 1 /‬‬
‫‪99‬‬
‫يقول الدكتور علي الشناوي ‪ :‬لقد " نظر ابن زيدون إلى نونية البحتري في مدح‬
‫خمارويه بن طولون فأعجبته ‪ ،‬فعارضها بقصيدة خالصة في الغزل ‪ ،‬ومن ثم تأتي المعارضة‬
‫منصبة على الجزء األول من النص النموذج ‪ ،‬وليس هناك أدنى شك في أن تكون معاني الغزل‬
‫التي حوتها مقدمة قصيدة البحتري في أبياتها األحد عشر مصدرا ً إللهام ابن زيدون لصوغ‬
‫قصيدة في والدة مع توسع ابن زيدون وتفوقه في الغزل على صاحبه "‪. 1‬‬

‫أسلوب القصيدتين ‪ :‬تميزت القصيدتان بأسلوبهما السهل الرقراق ‪ ،‬وألفاظهما الواضحة البعيدة‬
‫عن الغموض ‪ ،‬والموسيقا فيهما واضحة والقافية جاءت جيدة وليست مصطنعة ‪ ،‬حيث تنتهي‬
‫حروف القافية ( بالياء ‪ ،‬والنون ‪ ،‬واأللف ) وقد أعطت هذه الحروف لحنا ً خفيفا ً رقيقا ً تطرب له‬
‫اآلذان ‪ ،‬ومن األساليب التي تميز بها ابن زيدون عن البحتري ‪ :‬االزدواج الذي تتساوى فيه البنى‬
‫الصرفية بين شطري البيت ‪ ،‬كقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫َوا ْنبَ َّ‬


‫ت َما َكانَ َم ْو ُ‬
‫صوال ً ِبأ ْيدِيــنَا‬ ‫فَا ْن َح َّل َما َكانَ َم ْعقُـــــودا ً ِبأ ْنفُسِــــــنَا‬
‫ج ـ بِأ ْنفُ ِســـنَا‬ ‫ب ـ َكانَ َم ْعقُـــودا‬ ‫أ ـ فَا ْن َح َّل َما‬
‫بِأ ْيدِيــنَا‬ ‫َكانَ َم ْو ُ‬
‫صوال‬ ‫َوا ْنبَ َّ‬
‫ت َما‬

‫فاالزدواج في هذا البيت على هذا الشكل ( أ ) يتكون من حرف العطف ‪ ،‬والفعل الماضي‬
‫المشدد ‪ ،‬واسم الموصول ‪ ،‬ويتكون ( ب ) من كان ‪ ،‬وخبرها ‪ ،‬ويتكون ( ج ) من حرف الجر (‬
‫الباء ) ‪ ،‬واالسم المجرور موصوالً بالضمير ( نا ) الدالة على الفاعلين ‪.‬‬

‫المقابلة ‪ :‬أكثر ابن زيدون من استخدام المقابلة ليبرز تلك المفارقة بين زمن الماضي والحاضر ‪،‬‬
‫في أغلب أبيات القصيدة ‪ ،‬حيث يقابل بين زمن ماض كان فيه ( التداني ‪ ،‬والقرب ‪ ،‬والوصال )‬
‫‪ ،‬وبين زمن حاضر أضحى فيه ( التنائي ‪ ،‬والتجافي ‪ ،‬والفراق ) ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ب لُ ْقيانا َ ت َ َجافِــينَا‬ ‫ع ْ‬
‫ـن ِطي ِ‬ ‫َاب َ‬
‫َون َ‬ ‫ض َحى الت َّنائِي بدِيــــال ً ِم ْ‬
‫ــن تَدانِيـــــنا‬ ‫أ ْ‬
‫يقابل الشاعر بين الماضي ( التداني و والوصال ) وبين الحاضر ( التنائي والتجافي) ؛‬
‫ليحصر الماضي بين الحاضر ‪ ،‬كأنه يريد أن يقول إن الزمن الحاضر طغى على الماضي ‪.‬‬

‫‪1‬ـ المعارضات في الشعر األندلسي ‪ ،‬القصيدة العباسية نموذجا ً ‪ ،‬مكتبة اآلداب القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2221 ،‬ص ‪. 122‬‬
‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 119 – 111‬‬
‫‪99‬‬
‫الطباق ‪ :‬لما كان الماضي والحاضر على طرفي نقيض في حب ابن زيدون طغى الطباق على‬
‫القصيدة ‪ ،‬وكذلك الشأن عند البحتري ‪ ،‬ومن الطباق الذي ورد في قصيدة ابن زيدون ‪ :‬التنائي‬
‫التداني ‪ /‬لقيانا تجافينا ‪ /‬يضحكنا يبكينا ‪ /‬انحل معقودا ‪ /‬تفرقنا تالقينا ‪ /‬ابتلت جفت ‪ /‬يكتمنا يفشينا‬
‫‪ /‬الظلماء الصبح ‪ /‬يروينا يظمينا ‪ .‬وفي قصيدة البحتري ‪ :‬أيامنا ليالينا ‪ /‬قست لينا ‪ /‬يلومنا يعذرنا‬
‫‪ /‬يسخطنا يرضينا ‪ /‬قريبا ً استبعد ‪ /‬تدنو يبعدوا ‪ /‬تبعد قريبينا ‪.‬‬

‫الترديد ‪ :‬لما كثرت المطابقة والمجانسة في القصيدتين غلَّب الشاعران رد األعجاز على الصدور‬
‫ق يسقينا ‪ /‬حيَّا يحيينا ‪ /‬كاف تكافينا ‪ /‬نلقاكم تلقونا ‪ /‬عدتنا عوادينا ‪ /‬أرواحنا رواحينا ‪ /‬غنَّانا‬
‫اس ِ‬
‫غوانينا ‪ /‬دان دينا ‪ /‬صبا يصبينا ‪ /‬نخفيها فتخفينا ‪.‬‬

‫وفي قصيدة البحتري ‪ :‬نعانيه يعنَّينا ‪ /‬الحب المحبينا ‪ /‬تقاضيا ً تقاضينا ‪ /‬فيها فينا ‪ /‬مواتاة‬
‫مران مارونا ‪ /‬شئنا ماشينا ‪ /‬تكفنا يكفينا ‪ /‬غابن مغبونا ‪ /‬بالصين الصينا ‪/‬‬
‫يواتينا ‪ /‬الجون جونا ‪َّ /‬‬
‫حينا ً حينا ‪ /‬أمين مأمونا ‪.‬‬

‫العطف ‪ :‬ورد أسلوب العطف منصوبا في آخر القصيدتين ‪ ،‬عطف بينهما بحرف الواو ‪ ،‬كقول‬
‫ابن زيدون ‪ :‬تعويذا ً وتزيينا ‪ /‬إيضاحا ً وتبيينا ‪ /‬زقوما ً وغسلينا ‪ /‬غضا ً ونسرينا ‪ .‬وورد في قصيدة‬
‫البحتري ‪ :‬ذالً وتوهينا ‪ /‬موهوما ً ومظنونا ‪ /‬إعزازا ً وتمكينا ‪ /‬تفخيما ً وتزيينا ‪.‬‬

‫التأثر ابن زيدون بأبيات االبحتري‪ :‬القارئ لهاتين القصيدتين يستطيع الوقوف على بعض صور‬
‫تأثر ابن زيدون بالبحتري ‪ ،‬فباإلضافة للوزن والقافية نجد أن ابن زيدون تأثر ببعض أبيات‬
‫البحتري فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫انت بِ ُك ْم بيضا ً ليالينَا‬
‫سودا ً ‪ ،‬و َك ْ‬
‫ُ‬ ‫ت لف ْق ِد ُك ُم أيَّا ُمنا ‪ ،‬فَغَدَ ْ‬
‫ت‬ ‫َحالَ ْ‬

‫حيث إن ابن زيدون تأثر فيه بقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫َم ْعدُودة ً َو َخلَ ْ‬


‫ت فيها لياليِنَا‬ ‫مت ِع ْندَهُ أيَّا ُمنا ِح َججا ً‬
‫ت َ َج َّر ْ‬

‫يشترك البيتان في المعنى المتمثل في تبدل حال الوصال إلى القطيعة ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫تغيرت أيامنا بعد فقدكم فأمست سوداء ‪ ،‬بعدما كانت معكم ليالينا بيضاء ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2221 / 1‬تجرمت ‪ :‬انقضت ‪ .‬الحجج ‪ :‬جمع حجة وهي السنة ‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫ويقول البحتري ‪ :‬انقضت األيام بيننا فغدت حججا معدودة ‪ ،‬أي سنوات ‪ .‬واشترك البيتان ‪،‬‬
‫في االبتداء بالفعل الماضي التي اتصلت به تاء التأنيث ‪ ،‬وقابله فع ٌل مثله في الشطر الثاني ‪ ،‬وهو‬
‫( حالت ‪ ،‬وكانت ـ تجرمت وخلت ) ‪ ،‬باإلضافة إلى المجانسة بين ( أيامنا ‪ ،‬وليالينا ) ‪ ،‬في كل‬
‫شطر ‪ ،‬في كل البيتين ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫تُو ُم العُقُو ِد ‪ ،‬وأ ْد َمتْهُ البُرى ِلينا‬ ‫إذا تَا َ َّودَ آدَتْهُ َرفاهِيةً‬

‫يشبه قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫ت َْزدادُ أ ْع َ‬
‫طافُها من ن ْع َمة ِلينا‬ ‫ت ِغ ْلظةً أ ْكبادُها َج َع ْ‬
‫لت‬ ‫إذا قَ َ‬
‫س ْ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬هذه المرأة تمشي مشية دالل ‪ ،‬ورفاهية ‪ ،‬لما تحلت به من العقود‬
‫والخالخيل ‪ ،‬وقد أدمتها هذه العقود والخالخيل ؛ بسبب رقتها ونعومتها ‪ .‬ويقول البحتري ‪ :‬إن‬
‫هذه المرأة قاسية القلب ‪ ،‬لينة األعطاف ‪ ،‬لما فيه من نعيم ورغد العيش ‪ .‬وقد اتفق البيتان في أول‬
‫لفظة وآخرها ‪ ،‬وهي ‪ ( :‬إذا مع الفعل الماضي في بداية البيت ‪ ،‬ولفظة لينا المتمثلة في القافية ) ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫قِ َ‬
‫طافُها ‪ ،‬ف َجنَيْنا منهُ ما ِشينا‬ ‫ص ِل دَانِيةً‬ ‫وإ ْذ َه َ‬
‫ص ْرنا فُنُون َ‬
‫الو ْ‬
‫يشبه قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ِشيْنا أ َخ ْذنا احْ تِكاما ً فيه ما ِشينا‬ ‫ن ْي ٌل يُ َح َّك ُم في ِه ال ُمجْ تَدُونَ إذا‬

‫يشترك البيتان في أخذ المراد ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪ :‬إذا جذبنا أغصان الثمار كانت ثمارها ‪،‬‬
‫دانية قريبة ‪ ،‬نجني منها ما نشاء ‪ .‬ويقول البحتري ‪ :‬عطاء األمير يحكم فيه طالبو الحاجات ‪،‬‬
‫يأخذون منه ما شاءوا ‪ ،‬واتفق البيتان في أسلوب الشرط بـ ( إذا ) ‪ ،‬والقافية ( ما شينا ) ‪.‬‬

‫معارضةً لقصيدة البحتري ‪ ،‬وقد تمثلت المعارضة في‬


‫ِ‬ ‫هكذا كانت قصيدة ابن زيدون‬
‫الوزن فكلتا القصيدتين من البحر البسيط ‪ ،‬كما اتفقت القصيدتان في القافية وحركة الروي ‪ " ،‬وال‬
‫يمكن البن زيدون أن يكون أغفل االطالع على تجربة شعرية فذة تمثل منارة في مسيرة الشعر‬
‫‪5‬‬
‫العربي مثل تجربة البحتري ‪ ،‬والبد له كذلك من أن يكون قد أحاط بعيون قصائد البحتري "‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 115‬تأود ‪ :‬تمايل ‪ .‬آدته ‪ :‬أثقلته ‪ .‬تؤم العقود ‪ :‬عقود مزدوجة من اللؤلؤ ‪ .‬البرى ‪ :‬الخالخيل ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2221 / 1‬األعطاف ‪ :‬الجوانب ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 2221 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ جرار ‪ ،‬د ‪ .‬صالح ‪ ،‬قراءات في الشعر األندلسي ‪ ،‬دار المسيرة ‪ ،‬األر دن ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2229 ،‬ص‪. 91‬‬
‫‪62‬‬
‫ومنها هذه القصيدة ‪ ،‬وقد وقعت قصيدة البحتري في تسعة وثالثين بيتا ً ‪ ،‬بينما اشتملت قصيدة ابن‬
‫زيدون على اثنين وخمسين بيتا ً ‪ .‬ورغم اختالفهما في صدق العاطفة من عدمها ‪ ،‬إال أنهما اتفقا‬
‫أسلوبا ً وإيقاعا ً ووزنا ً وقافية ‪ ،‬وقد أفاد ابن زيدون من مذهب البحتري في الشعر ‪ ،‬يقول علي‬
‫محمد سالمة ‪ .. " :‬وأفاد شعراء األندلس من مذهب البحتري وعلى رأسهم ابن زيدون في سهولة‬
‫‪1‬‬
‫األسلوب وإشراق الديباجة ‪ ،‬حتى لقبه النقاد ببحتري األندلس " ‪.‬‬

‫كان البحتري أستاذا ً من أساتذة اإليقاع الداخلي للشعر ‪ ،‬فهو يُعنى أشد العناية بالتوافق‬
‫الصوتي بين الحروف والكلمات ‪ ،‬بحيث نراه كثيرا ً يختار كلمات الشطر – وربما كلمات البيت‬
‫– من ذوات حرف معين ‪ ،‬واجدا ً فيه لمحة من القرابة الصوتية تشد كلمات البيت أو الشطر‬
‫بعضها إلى بعض ‪ ،‬وتجعل كال ً منها تقبل على أخت لها ‪ ،‬فالكلمات أسرة صوتية واحدة ونصل‬
‫إلى الكلمة األخيرة في البيت وصوال ً طبيعيا ً ‪ ،‬فالقوافي محكمة ‪ ،‬وال يعتريها أي نبو بل هي‬
‫موضوعة بكل دقة في مكانها السوي ‪ 2.‬فهذا المذهب السلس من التوافق بين الكلمات والحروف‬
‫هو المسلك الذي اتخذه ابن زيدون في أغلب قصائده ‪ ،‬فهو ينظم أغلب قصائده ‪ ،‬وخاصة هذه‬
‫النونية على فكرة التقابل والتناظر ‪ ،‬واإلكثار من المحسنات البيانية والبديعية ‪ ،‬من غير كلفة وال‬
‫مشقة ‪.‬‬

‫ولم يقتصر تأثر ابن زيدون في نونيته السابقة بنونية البحتري " يكاد عاذلنا " ‪ ،‬بل أخذ بعض‬
‫أبياتها من نونية أخرى للبحتري في رثاء الخليفة العباسي الموفق ( أبي أحمد بن طلحة بن‬
‫المتوكل ت ‪ 299/‬هـ ) ‪ ،‬ومدح خليفته أبا العباس بن الموفق ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫لَ ْوالَ ت َ َكلُّفُنَا ما لَي َ‬


‫ْس يَ ْعنِ ْينَا‬ ‫سعي ِ ي ْك ِف ْينَا‬ ‫نَ ْسعَى ؛ وأ َ ْي َ‬
‫س ُر هذا ال َّ‬
‫‪3‬‬

‫فالقارئ لهذه القصيدة يجد تشابها ً بينها وبين نونية ابن زيدون ‪ ،‬فباإلضافة إلى التشابه في‬
‫الوزن والقافية ‪ ،‬اشتركت القصيدتان في بعض األلفاظ والمعاني ‪ ،‬ففي موقف الشاعرين من‬
‫الدهر ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫وإن لَ ْم يَ ُك ْن ِغبَّا ً تَقَ ِ‬
‫اض ْينَا‬ ‫فِ ْي ِه ‪ْ ،‬‬ ‫عفَةً‬
‫سا َ‬ ‫فَ َه ْل أ َ َرى الدَّ ْه َر يَ ْق ِ‬
‫ض ْينَا ُم َ‬

‫متأثرا ً بقول البحتري ‪:‬‬

‫‪ -1‬األدب العربي في األندلس ‪ ،‬تطوره ‪ ،‬موضوعات أشهر أعالمه ص ‪. 11‬‬


‫‪ -2‬ضيف شوقي ‪ ،‬في التراث والشعر واللغة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1699 ،‬ص ‪. 111 – 112‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 2199 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ المصدر‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪61‬‬
‫‪1‬‬
‫امالً فَتأَنَّى في تَقَ ِ‬
‫اض ْينَا‬ ‫ُم َج ِ‬ ‫ار أ َ ْن َ‬
‫ظ َرنَا‬ ‫فَلَيْتَ ُم ْس ِلفَنَا األ َ ْع َم َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬فهل الدهر يسعفنا بأن نتقابل ولو غبا ً من األيام ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ :‬ليت‬
‫الدهر يقرضنا عمرا ً ‪ ،‬ويتأنى في قضائه ‪ .‬كما نلمح تأثر ابن زيدون في قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫قِ َ‬
‫طافُها ‪ ،‬ف َجنَيْنا منهُ ما ِشينا‬ ‫ص ِل دَانِيةً‬ ‫وإ ْذ َه َ‬
‫ص ْرنا فُنُون َ‬
‫الو ْ‬

‫فقوله ‪ ( :‬ف َجنَيْنا منهُ ما ِشينا ) ‪ ،‬مقتبس من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫عنا فَأ َ َخ ْذنَا ِم ْنهُ ما ِشينَا‬ ‫ُ‬
‫ش ُرو َ‬ ‫َولَ ْو نَشَا ُء ش ََر ْعنَا في ت َ َ‬
‫ط ُّو ِل ِه‬

‫ونرى اتفاقا واضحا بين بعض قوافي القصيدتين مثل ‪ ( :‬يكفينا ‪ ،‬وتقاضينا ‪ ،‬ودينا ‪ ،‬وفينا ‪،‬‬
‫وأيدينا ‪ ،‬وماشينا ‪ ،‬و يعنينا ) ‪ ،‬على قلة عدد أبيات قصيدة البحتري المؤلفة من ستة عشر بيتا ً‬
‫مقارنة بقصيدة ابن زيدون الواقعة في اثنين وخمسين بيتا ً ‪ ،‬مما يعني أن قصيدة ابن زيدون‬
‫تشترك مع قصيدة البحتري في أكثر من ثلث كلمات قوافي قصيدة البحتري ‪.‬‬

‫كما نظم ابن زيدون قصيدة ميمية يمدح بها صاحب بطليوس المظفر سيف الدولة أبا بكر‬
‫محمد بن مسلم ومطلعها ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ي– ُم ْذ بِ ّن َ‬
‫عنِّي – لَ َمــ ْم‬ ‫بِعَ ْق ِل َ‬ ‫ســــو ِد اللَّ َمـــــ ْم‬ ‫يض ُّ‬
‫الطلَى و ِل ُ‬ ‫ِلبِ ِ‬

‫ص َم ْم‬ ‫َو ِفي أُذُنِي ـ َ‬


‫ع ْن َم َالم ـ َ‬ ‫ى‬ ‫ع ْن َرشَاد ـ َ‬
‫ع َم ً‬ ‫فَ ِفي ن ِ‬
‫َاظ ِري ـ َ‬

‫ـــــوس ُم َكلَّلَــــةٌ ُّ‬


‫بالظلَـــ ْم‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ش ُم‬ ‫قَ َ‬
‫ض ْ‬
‫ت بِشِماسي على العَا ِذ ِليـــن‬

‫ِن إالَّ ِلت ُ ْعـــــ ِد َيـــنِي بال َّ‬


‫سقَــــم‬ ‫ت لَ َح َ‬
‫ظــــــاتُ العُيُــــو‬ ‫فَ َما َ‬
‫س ِق َم ْ‬

‫مما سبق يرى الباحث أن ابن زيدون تأثر في كثير من معانيها بقصيدة للبحتري في مدح‬
‫عبيد الله بن يحي بن خاقان ومطلعها ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫وب ال َح ْز ِن فالع َل ِم‬
‫سقَيْتَ ُجنُ َ‬
‫ل َّما َ‬ ‫علَى إِ َ‬
‫ض ِم‬ ‫ش ْدتُك اللهَ ِمن َب ْرق َ‬
‫نَ َ‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2199 / 1 ،‬أسلف ‪ :‬أقرض ‪.‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 2196 / 1‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 121‬الطلى ‪ :‬األعناق واحدتها طلية أو طاله ‪ ،‬اللِّمم ‪ :‬جمع ِل َّمة وهي ال َّ‬
‫شعر الذي يجاوز شحمة‬
‫األذن ‪ِ ،‬ب َّن ‪ :‬بعُدنَ ‪ ،‬اللّمم ‪ :‬نوع من الجنون أو مس من الجن ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان البحتري ‪ ، 1691 / 1 ،‬إضم ‪ :‬ماء بين مكة ويمامة ‪ .‬الحزن ‪ :‬ما فيه خشونة من األرض ‪ .‬العلم ‪ :‬جبل فرد شرقي الحاجر‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫ارضة في خمسين بيتا ً ‪ ،‬وهي في مدح صاحب بطليوس‬
‫هيكل المعارضة ‪ :‬تقع القصيدة ال ُمعَ ِ‬
‫المظفر ‪ ،‬وقد استهل ابن زيدون قصيدته بمقدمة غزلية رائعة في أربعة عشر بيتا ً ‪ ،‬أما القصيدة‬
‫ارضة ‪ ،‬فهي في مدح عبيد الله بن يحي بن خاقان ‪ ،‬وهي تقع في خمسة وثالثين بيتا ً ‪ ،‬وقد‬
‫ال ُمعَ َ‬
‫استهلها بمقدمة غزلية في تسعة أبيات ‪ ،‬وقد اتفقت القصيدتان في الغرض ‪ ،‬والقافية ‪ ،‬واختلفت‬
‫القصيدتان في الوزن‪ ،‬فقصيدة ابن زيدون من البحر المتقارب ‪ ،‬وقصيدة البحتري من البحر‬
‫البسيط ‪ ،‬كما اختلفت القصيدتان في حركة الروي ‪ ،‬حيث إن قصيدة ابن زيدون تنتهي بروي‬
‫ساكن ‪ ،‬بينما تنتهي قصيدة البحتري بروي مكسور ‪.‬‬

‫بناء المضمون ‪ :‬بدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة متغزالً بمحبوبته ـ التي لم يسمها خيفة الوشاة‬
‫والرقباء ـ واصفا ً جمالها البديع ‪ ،‬وحين افترقت عنه كأنما مسه الجنون وأصابه العمى والصمم ‪،‬‬
‫وقد المه الصحب عن فعله ومبالغته في ذلك الحنين ‪ ،‬لكنه لم يعبأ لهذ اللوم قائالً ‪:‬‬

‫وال َك َر ُم ال َع ْه ِد ِم ّما يُذَ ْم‬


‫َ‬ ‫َو َما ذُو التّذ ّك ِر ِم ّم ْن يُال ُم ‪،‬‬

‫وقد مزج وصف الطبيعة بغزله ‪ ،‬حينما ذ َّكرته الرياح بحبيبته التي كانت كالرسول بينهما ؛‬
‫لتخفف عنه أشواقه التي مزجت دمعه بدمه كما ذكرته تلك الرياح بعهد الحبيب الذي مضى‬
‫وانقضى ‪ ،‬وتلك الليالي الحافلة بلقاء الحبيب الذي كان يسري إليه حين تنام عيون الوشاة ‪ ،‬ويغفل‬
‫عنه الرقباء ‪ ،‬وقد ظهر هذا الحنين واضحا ً من خالل استخدام أفعال الماضي ‪ ،‬بعد قوله ‪ " :‬أما‬
‫وزمان مضى عهده " ‪ ،‬حيث توالت بعد هذا البيت أفعال الماضي ‪ ،‬مثل ‪ :‬جار ‪ ،‬حكم ‪ ،‬قضى ‪،‬‬
‫انقضى ‪ ،‬اتصل ‪ ،‬انصرم ‪ ،‬نامت ‪ ،‬مالت ‪ ،‬أجنت ‪ ،‬كما ورد في هذه المقدمة بعض األماكن كقوله‬
‫‪ :‬ذي سلم ‪ ،‬وهو واد بالحجاز ‪ ،‬البراق ‪ ،‬وهي قرية بحلب ‪ ،‬أما البحتري فقد مهد لقصيدته بمقدمة‬
‫غزلية يتغزل فيها بامرأة مصرحا ً باسمها تدعى ( ليلى ) واصفا ً في تلك المقدمة عينيها وابتسامتها‬
‫وعوارضها ‪ ،‬ذاكرا بعض مواضع سكناها ‪ ،‬كقوله ‪ ( :‬إضم ‪ ،‬الحزن ‪ ،‬العلم ) ‪ ،‬وتتفق القصيدتان‬
‫في أمور منها ‪ ،‬طريقة االنتقال من المقدمة التقليدية إلى الغزل ‪ ،‬فالبيت الرابع عشر واألخير في‬
‫المقدمة التقليدية لدى ابن زيدون هو ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صـــــوافِي األدَ ْم‬ ‫ُ‬
‫ــــاق ال َحــــواشي َ‬‫ِرقَ‬ ‫ُــــــرو ِد‬
‫ُ‬ ‫وأَيا ُمنَــا ُم ْذ َه َبـــاتُ الب‬

‫مموهات بالذهب ‪ ،‬البرود ‪ :‬جمع برد وهو ثوب مخطط ‪ ،‬الحواشي ‪ :‬جمع حاشية‬
‫ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 126‬مذهبات ‪ِ ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫وهي الظل ‪ ،‬األدم ‪ :‬الجلد ‪ ،‬األدْم ‪ :‬األلفة والصلح ‪.‬‬


‫‪61‬‬
‫ثم ينتقل إلى الممدوح ‪ ،‬ومشيدا ً بفضائله وأخالقه ‪ ،‬بأسلوب جميل وال يكاد يشعر المتلقي بهذه‬
‫النقلة حتى يصير في الغزل ‪ ،‬ففي آخر بيت في المقدمة الغزلية تحدث عن تحسن مستوى معيشته‬
‫‪ ،‬فأيامه مذهبات البرود ؛ بسبب كرم المظفر الذي أحسن استقباله ‪ ،‬ثم تخلص قائالً ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫علَيها َ فِ ِر ْندَ ال َك َر ْم‬
‫ــــرى َ‬ ‫أن "أبَا َب ْكر" األ ْسلَ ِم َّ‬
‫ي أجـْــــــــــــــــ َ‬ ‫َك َّ‬

‫بِ َما َحازَ ِم ْن ُز ْه ِـر تلِكَ ال ِ ّ‬


‫شيَــ ْم‬ ‫ان‬ ‫ش َح زَ ْه َرة َ ذاك َّ‬
‫الز َم ِ‬ ‫َوو َّ‬

‫وهو انتقال ال يختلف عن انتقال البحتري ‪ ،‬فآخر بيت في المقدمة التقليدية عنده ‪ ،‬وهو البيت‬
‫التاسع ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫غير ُم ْكتَت َِم‬
‫شوق لَ ُجو ٌج ودَ ْم ٌع ُ‬
‫ٌ‬ ‫لَقَ ْد َكت َْمتُ هَواهَا لو يُطا ِو ُ‬
‫عني‬

‫ق وال َّ‬
‫ش َي ِم‬ ‫ـأ ثْ َر ْونَ ِمن َك ِرم ْ‬
‫األخال ِ‬ ‫ُجار بنِي خَاقانَ إنَّه ُم الـ‬
‫الله ُ‬

‫فباإلضافة إلى طريقة االنتقال ‪ ،‬أخذ ابن زيدون معنى بيت البحتري في انتقاله وتخلصه من‬
‫المقدمة إلى موضوع القصيدة ‪ .‬وقد ختم البحتري قصيدته بقوله لممدوحه ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫لألقوام بال ِذّ َم ِم‬
‫ِ‬ ‫إالَّ َوفاَؤُك‬ ‫َو ِذ َّمة بك لم يُ ْشبِ ْه ت َأ َ ُّكدَها‬

‫أما ابن زيدون فأحسن ختام قصيدته بدعاء لممدوحه بأن يظل الدهر بأيامه ولياليه على‬
‫خدمتكم وتلبية رغائبكم ‪ ،‬وذلك في قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫لَ ُكــــ ْم َحشَــــــ ٌم واللَّيالي خَــــــدَ ْم‬ ‫َوالَ يَزَ ِل الدَّ ْه ُ‬
‫ـــــر أيَّــا ُمـــهُ‬

‫الترديد في القصيدتين ‪ :‬من األساليب التي اتفقت فيها القصيدتان الجناس القائم على رد األعجاز‬
‫على الصدور ‪ ،‬فورد في قصيدة ابن زيدون ‪ :‬اللمم لمم ‪ /‬سقم ـ سقم ‪ /‬ساهمته سهم ‪ /‬نامت تنم ‪/‬‬
‫العزيم اعتزم ‪ /‬بهام البهم ‪ /‬الءم التأم ‪ /‬بذمة الذمم ‪ /‬اظلموا َّ‬
‫اظلم ‪ /‬نجوم أجم ‪ /‬ناعما ً النعم ‪ /‬الذمام‬
‫أذم ‪ .‬وورد في قصيدة البحتري ‪ :‬كتمت مكتتم ‪ /‬تقدم القُدُم ‪ /‬يلومه تلم ‪ِ /‬‬
‫الح ِلم ـ ال ُحلم ‪ /‬ينم ـ يُنم ‪/‬‬
‫الظلم ـ الظلم ‪ /‬يهموا يهم ‪ /‬يعصمه العصم ‪ /‬تقادم القدم ‪ /‬ذمة بالذمم ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ . ،‬الفرند ‪ :‬جوهر السيف ‪ ،‬الشيم الزهر ‪ :‬االخالق الوضاءة ‪ ،‬ص‪. 126‬‬
‫‪ -2‬ديوان البحتري ‪. 1691 / 1 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان البحتري ‪. 1699 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬الحشم ‪ :‬حاشية الرجل أو عبيده ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫األنا ‪ :‬اختلفت القصيدتان في األنا فقد ظهرت شخصية ابن زيدون واضحة في القصيدة فأشاد‬
‫بذاته في كثير من األبيات ؛ الشتهاره باالعتداد بالنفس ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ‪ :‬مذ َّ‬
‫بن عني ‪ /‬ففي‬
‫ناظري ‪ /‬في أذني ‪ /‬شماسي ‪ /‬لتعديني ‪ /‬دمعي ‪ /‬وإني أراح ‪ /‬أصبوا ‪ /‬وأهدني ‪ /‬اجهشتُ ‪ /‬أناديك‬
‫نر لهذه األساليب أثرا ً في قصيدة البحتري ‪.‬‬
‫‪ /‬وإن يعدني ‪ /‬وإني ألصفك ‪ /‬وعندي ‪ .‬ولم َ‬

‫التأثر في األبيات ‪ :‬ومن األبيات التي تأثر ابن زيدون في معانيها ‪ ،‬بأبيات البحتري ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ب العَلَ ْم‬
‫ت بِ َريَّا َجنُو ِ‬
‫ب را َح ْ‬
‫ُ‬ ‫أرا ُح إذَا َما ال َجنُو‬
‫َوإ ِنّي َ‬

‫فهو قريب في ألفاظه ومعانيه من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫وب ال َحزَ ِن فالع َل ِم‬
‫سقَيْتَ ُجنُ َ‬
‫ل َّما َ‬ ‫ش ْدتُكَ اللهَ من برق على إِ َ‬
‫ض ِم‬ ‫نَ َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬أكون أكثر ارتياحا ً ‪ ،‬عندما تهب رياح الجنوب الحافلة بأنفاس الحبيب ‪،‬‬
‫من الجبل الجنوبي ‪ ،‬أما البحتري ‪ ،‬فيناشد البرق أن يسقي جنوب الحزن فالعلم ‪ ،‬حيث تسكن‬
‫حبيبته ‪ ،‬وقد مزج كل من الشاعرين بين الطبيعة والغزل ‪ ،‬فابن زيدون جعل الرياح رسوالً بينه‬
‫وبين حبيبته ‪ ،‬وال بحتري ‪ ،‬يدعو بالسقي على ديار محبوبته ‪ ،‬واتفق البيتان في لفظتي ( الجنوب ‪،‬‬
‫والعلم ) ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ب ال ُهدَى فالت َأ ْم‬
‫ش ْع َ‬
‫وال َءم َ َ‬ ‫أَبُوهُ الَّذِي فَ َّل غ َْر َ‬
‫ب الض ََّال ِل‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫غي َْر ُم ْلتَئِ ِم‬ ‫ِم ْن آ ِل لَ ْيلَى و َ‬
‫ش ْعبا ً َ‬ ‫غي َْر ُمت َّ ِفق‬ ‫أَ َ‬
‫قام ي ْن ُ‬
‫شدُ ش َْمال ً َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن أباه قطع حدة الضالل والءم الشعب ووحده ‪ ،‬ويقول البحتري إن‬
‫ذلك البرق ‪ ،‬أقام ينشد شمالً غير متفق من آل ليلى المتصدع ‪ ،‬فالبيتان يدوران حول فكرة ‪،‬‬
‫مالءمة المتفرق ‪ ،‬وجمعه وتوحيده ‪ ،‬وقد اتفق البيتان في لفظة ( الءم ‪ ،‬شعب ) ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 129‬أراح ‪ :‬ارتاح ‪ ،‬الجنوب ‪ :‬الريح التي تهب منها ‪ ،‬راحت ‪ :‬هبت ‪ ،‬الريَّا ‪ :‬الرائحة العذبة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ديوان البحتري ‪. 1691 / 1 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬ف ّل ‪ :‬كسر أو ثلم ‪ ،‬غرب ‪ :‬حدّ ‪ ،‬الءم ‪ :‬أصلح أو جمع ‪ ،‬التأم ‪ :‬انضم أو انصلح ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان البحتري ‪ ، 1691 / 1 ،‬الشعب ‪ :‬الصدع ‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫‪1‬‬
‫ِن إالَّ ِلت ُ ْع ِديَنِي بال َّ‬
‫سقَم ْ‬ ‫ت لَ َح َ‬
‫ظاتُ العُيُو‬ ‫فَ َما َ‬
‫س ِق َم ْ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َحتَّى ت ُ ِجدَّ لَها َخبْال ً ِمن ال َّ‬
‫س َق ِم‬ ‫ظ ْ‬
‫رت‬ ‫ت ُ ْعدِي القُلُ َ‬
‫وب بِعَ ْينَ ْي َها إذا نَ َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬فما ذبلت تلك العيون حتى أصابتني بالسقم ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ :‬إذا نظرت‬
‫بعينها فإنها تعدي القلوب ‪ ،‬وتص بها بالسقم ‪ .‬واتفق البيتان في بعض األلفاظ ‪ ،‬منها ( السقم ‪،‬‬
‫تعدي ‪ ،‬اللحظ ‪ ،‬العيون ) ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َوي ُْمناَهُ ُر ْك ُن النَّدَى ال ُم ْستَلَم ْ‬ ‫اف العُفاَة ِ‬
‫ط ُ‬‫َج َوادٌ ذَ َراهُ َم َ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ُم ْمتاحةً من ب ِعيد ِالد َِّار َّ‬
‫والر ِح ِم‬ ‫إن يَزا ُل النَّدى يُدنِي إل ْي ِه يَدا ً‬
‫ما ْ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إنه كريم الجانب ‪ ،‬كثير العطاء ‪ ،‬يمناه ركن الندى الذي يستلم ‪ .‬وهو‬
‫كقول البحتري ‪ :‬الذي يصف فيه سخاء الممدوح ‪ ،‬وبسطه ليده ‪ ،‬حتى بلغت فضائله إلى َم ْن هو‬
‫بعيد الدار ‪ ،‬والرحم ‪ ،‬ومن األلفاظ المشتركة في البيتين ( الندى ‪ ،‬ويمناه عند ابن زيدون ‪ ،‬يدا ً‬
‫عند البحتري ) ‪.‬‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ْف يَ ْ‬
‫طلُبُه ُوالقَلَ ْم‬ ‫سي ُ‬
‫َج َرى ال َّ‬ ‫َوه َْل فاَتَ شَي ٌء ِمنَ ال َم ْك ُر َما ِ‬
‫ت‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ْف والقَلَم ِ‬ ‫وذُ ْدتَ عن َح ِقّ َها بال ِ ّ‬
‫سي ِ‬ ‫طة ً‬
‫الخ َالفَةَ إ ْش َرافا ً و َح ِيّ َ‬
‫سسْتَ ِ‬
‫ُ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬هل فاته شيء من المكرمات ؟ فإن كان كذلك ‪ ،‬فإنه يطلبه بالسيف والقلم ‪،‬‬
‫ويقول البحتري ‪ :‬مكنت لخالفتك أحسن تمكين ‪ ،‬ودافعت عن حقها بالسيف والقلم ‪ ،‬وقد اشترك‬
‫البيتان في لفظتي ( السيف ‪ ،‬والقلم ) ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬


‫‪ -2‬ديوان البحتري ‪. 1691 / 1 ،‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 112‬جوادٌ ‪ :‬سخي كريم ‪.‬الذرى ‪ :‬الكنف ‪ ،‬يقال ‪ :‬أنا في ذرى فالن أي في كنفه وستره ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان البحتري ‪ ، 1691 ، 1 ،‬الممتاحة ‪ :‬الممتدة ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ -6‬ديوان البحتري ‪. 1691 / 1 ،‬‬
‫‪61‬‬
‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اره ُيُ ْهت َ َ‬
‫ضــــ ْم‬ ‫ْب وال َج ُ‬
‫َي ِخـــــــــي ُ‬ ‫َوأ َ ْر َو َ‬
‫ع ال ُم ْبت َ ِغي ِر ْفــــــــدِه ِ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ث ِللَ ْهفَانَ أو ن ٌ‬
‫َصر ل ُم ْهت َ َ‬
‫ض ِم‬ ‫غ َْـو ٌ‬ ‫َولَم َيزَ ْل لك ُمـــــ ْذ ُو ِلّيْتَ َح ْوزَ تها‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬األمير رائع المنظر ‪ ،‬بارع الشجاعة ‪ ، ،‬ال يخيب سائله ‪ ،‬وال يذل جاره ‪.‬‬
‫ويقول البحتري ‪ :‬منذ أن وليت الخالفة ‪ ،‬كنت عونا ً للمحتاج ‪ ،‬ولم يهضم حق جارك ‪ ،‬ولم يظلم ‪.‬‬
‫واقد اشترك البيتان في لفظة ( يهتضم ) ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ع ْفوا ً – إذا َما اللَّ ِئي ُم استَذَم‬
‫ِل ـ َ‬ ‫َو ُم ْست َحْ َمد ِب َك ِر ِيم الفَعَا‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ث ال َك َر ِم‬ ‫َر ّ ِ‬
‫ث الفَعَا ِل ‪ ،‬وال ُم ْستَحْ دَ ِ‬ ‫ما ُك ْنتَ فيِ ِه ْم بِ َم ْن ُز ِور النَّوا ِل ‪ ،‬وال‬

‫ممدوح ابن زيدون ‪ ،‬كريم االخالق ‪ ،‬يستحمد الفعل الحسن ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ :‬إن األمير لم‬
‫يكن قليل العطاء ‪ ،‬وال سيء الخلق ‪ ،‬وال مستحدث الكرم ‪ ،‬بل كان الكرم متأصل فيه منذ القدم ‪،‬‬
‫واأللفاظ المشتركة بين البيتين ( الكرم ‪ ،‬الفعال ‪ ) ،‬والمساواة بين لفظتي ( ُم ْست َحْ َمد ‪ُ ،‬م ْستَحْ دَ ِ‬
‫ث)‪،‬‬
‫في الوزن ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫علَي ِه أَذَ ْم‬ ‫إذَا ُحس ُْن َ‬
‫ظ ِنّي َ‬ ‫ع ْهدَ ال ِذّ َم ِام‬ ‫غي ُْركَ ْ‬
‫أخفَ َر َ‬ ‫َو َ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫لألقوام بال ِذّ َم ِم‬
‫ِ‬ ‫إالَّ َوفاَؤُك‬ ‫َو ِذ َّمة بك لم يُ ْش ِب ْه ت َأ َ ُّكدَها‬

‫‪ -1‬ديوانه ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬وفي رواية ‪ ،‬وأروع ال " ُم ْعتَفِي " ‪ :‬أي طالب المعروف ‪ .‬األروع ‪َ :‬م ْن يُعجبك بحسنه‬
‫ومنظره ‪ .‬الرفد ‪ :‬العطاء ‪ .‬يهتضم ‪ :‬ي ْ‬
‫ُظ َلم أو ينقص من حقه ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2‬ديوان البحتري ‪ ،1691 / 1 ،‬الحوزة ‪ :‬الناحية ‪ .‬المهتضم ‪ :‬الذي ظلِم واغتصب حقه ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ -4‬ديوان البحتري ‪ ، 1699 / 1 ،‬المنزور ‪ :‬القليل ‪ .‬الرث ‪ :‬البالي ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬أخفر الذمام ‪ :‬نقض العهد ‪ .‬أذم ‪ :‬أخذ العهد ‪.‬‬
‫‪ -6‬ديوان البحتري ‪. 1699 / 1 ،‬‬
‫‪69‬‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إذا حسن ظني في غيرك ‪ ،‬فإنه ينقض العهد ‪ ،‬ويغدر به ‪ ،‬فهو يشير إلى‬
‫بيت البحتري السابق فقول ابن زيدون ‪ :‬حسن ظني ‪ ،‬تقابل لفظة البحتري ‪ :‬لم يشبه تأكدها ‪،‬‬
‫والعهد في بيت ابن زيدون ‪ ،‬تقابل الوفاء عند البحتري ‪ ،‬وقول ابن زيدون ‪ :‬الذمام أذم ‪ :‬تقابل‬
‫ذمة أذم عند البحتري ‪.‬‬

‫كما نظم ابن زيدون قصيدة حائية في مدح المعتضد بن عباد ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫احي؟‬
‫ارتِيَ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫فَ َه َّز ِمنَ ال َه َوى ِع ْ‬
‫ط َ‬ ‫الريَــاحِ‬
‫ف ِّ‬‫ع ْر ِ‬ ‫أَ َ‬
‫ع ْرفُ ِك َرا َح في ُ‬

‫ـــــراحِ‬ ‫صتُ علي ِه بِال َعذَ ِ‬


‫ب القَ َ‬ ‫َص ْ‬
‫غ ِ‬ ‫و ِذ ْك ُر ِك ما ت َ َع َّر َ‬
‫ض أم ِعـــدَادٌ ؟‬

‫ت بِالعَ ْق ِل ـ أ َ ْو نَش ََـوا ِ‬


‫ت َراحِ ؟‬ ‫ـ َهفَ ْ‬ ‫َوه َْل أَنَا ِم ْن ِك في نَشَوا ِ‬
‫ت شَوق‬

‫معارضا ً قصيدة للبحتري ‪ ،‬في مدح الفتح بن خاقان ومطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َّاحـي؟‬ ‫سا َمتُها بال َم ْن َ‬
‫ظ ِر الض ِ‬ ‫ِأم ا ْبتِ َ‬ ‫صبَاحِ‬
‫ض ْو ُء ِم ْ‬ ‫أَلَ ْم ُع بَ ْرق َ‬
‫سرى أ ْم َ‬

‫ــــو قَ ْلــب إليها ِجدّ ُم ْ‬


‫ـــــرتاحِ!‬ ‫َوشَجْ َ‬ ‫س نَ ْفس عليها ِجدّ آ ِســــــفَة ‪،‬‬
‫يا بُؤْ َ‬

‫س ِْم َ‬
‫طي ِْن َوضَّاحِ‬ ‫َض ِل ال ّ‬
‫عن أ ْبيَض خ ِ‬ ‫س َم ْ‬
‫ت‬ ‫ويَ ْرج ُع اللَّي ُل ُم ْبيَ ًّ‬
‫ضا إذا ا ْبت َ َ‬

‫تقع قصيدة ابن زيدون في سبعة وأربعين بيتا ً ‪ ،‬وهي على بحر الوافر ‪ ،‬مكسورة الروي ‪،‬‬
‫أما قصيدة البحتري فهي واحد وعشرون بيتا ً ‪ ،‬في مدح الفتح بن خاقان ‪ ،‬والقصيدة على بحر‬
‫البسيط ‪ ،‬والقافية الحائية المكسورة ‪ ،‬وقد اتفقت القصيدتان في الغرض والقافية وحركة الروي ‪،‬‬
‫واختلفتا في الوزن ‪ ،‬كما اتفقتا في المقدمة االستهاللية ‪ ،‬وطريقة االنتقال إلى المديح ‪ ،‬وقد بدأ‬
‫البحتري قصيدته بمقدمة غزلية يصف فيها محبوبته التي ينكرها ليس خوفا ً من أحد ‪ ،‬فها هو‬
‫يصرح قائالً ‪:‬‬

‫ع ُم َّ‬
‫الالحي ؟‬ ‫عليك ‪ ،‬وماذا ْ‬
‫يز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْيل َحى‬ ‫أخف أحدا ً‬
‫ْ‬ ‫عليك فإنِّي لم‬
‫ِ‬ ‫أُثْني‬

‫ولعل سبب تنكيرها تلهفه لذكر اسم ممدوحه ‪ ،‬وقد شبه بريق أسنانها بالبرق الالمع ‪ ،‬الذي‬
‫يجعل الليل صباحا ً ‪ ،‬وأن اهتزازها كاهتزاز الغصن اللين الطري ‪ ،‬وشبه خديها بالتفاح ‪ ،‬مازجا ً‬
‫غزله ـ كما نرى ـ بالطبيعة ووصف الخمر ‪ ،‬حانا إلى مواطن حبيبته بالشام ‪ ،‬ثم وصف سرعة‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 129‬العَرف ‪ :‬الريح طيبة أو خبيثة ‪ ،‬العُرف ‪ :‬موج البحر أو شعر عنق الفرس ‪ ،‬العطف ‪:‬‬
‫الجانب ‪ ،‬العداد ‪ :‬عياج الوجع بعد سنة أو من حين إلى حين أو مس من الجنون ‪ ،‬الماء القراح ‪ :‬الصافي الذي ال تشوبه شائبة ‪ ،‬النشوات‬
‫‪ :‬جمع نشوة وهي السكر ‪ ،‬هفا ‪ :‬ذهب أو مال ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 112 / 1،‬الخضل ‪ :‬اللؤلؤ ‪ ،‬أو الدر الصافي ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫راحلته التي تشبه دوران الترس ‪ ،‬وبعد أن أتم أحد عشر بيتا ً انتقل إلى المديح ‪ ،‬بادئا ً بذكر اسم‬
‫ممدوحه " الفتح " ‪ ،‬يقول البحتري ‪:‬‬

‫في َم ْه َمه مثل ظه ِر الت ُّ ْرس َرحْ راحِ‬ ‫ع َجـــــ ِل‬


‫ْس ت َْر ِمي ِبأ ْيدِيها على َ‬
‫وال ِعي ُ‬
‫‪1‬‬
‫َم ْد َحا يُقَ ِ ّ‬
‫ص ُر عنهُ كـــ ُّل َمــــــد ِ‬
‫َّاح‬ ‫ت ُ ْهدِي إلى "الفَتح" والنُّع َمى بذاك لهُ‬

‫حيث يصف الفتح بن خاقان بأنه بدر يضيء الليل أو شمس تشرق بالصباح ‪ ،‬وأنه مهذب‬
‫تشرق الدنيا لطلعته ‪ ،‬وأن غرته المعة كبياض السيف الوضاح ‪.‬‬

‫والناظر لمقدمة ابن زيدون في حائيته السابقة يجده قد ابتدأها بحوار مع حبيبته ‪ ،‬ونالحظ أن‬
‫الشاعر تراوده فكرة إخفاء الحب وعدم المجاهرة به إالَّ أن حبه الذي أضنى جسمه فضحه ‪،‬‬
‫وأفصح عن هذا الحب بألسنة فصاح ‪ ،‬فالشاعر ين ِ ّكرها خيفة الواشين ‪ ،‬وفي ذلك يقول ‪:‬‬

‫الر ْس َل أ ْنفَ َ‬
‫اس الرياحِ‬ ‫ضيْنا ُّ‬
‫َر ِ‬ ‫للُ ِقّ ْينَا ِمنَ َ‬
‫الواشينَ حتَّى‬
‫‪2‬‬

‫يقول كم قاسينا من مالحقة الوشاة والرقباء فاكتفينا بأن نحمل أشواقنا وتحياتنا للرياح لعلها‬
‫تبلَّغها لألحبة ‪ ،‬وبعد هذه المقدمة الغزلية التي بلغ عدد أبياتها الغزلية أحد عشر بيتا ً ـ كما هو‬
‫الشأن عند البحتري ـ يمزج فيها الغزل بوصف الطبيعة ووصف الخمر‪ ،‬ثم ينتقل إلى المديح بادئا ً‬
‫بذكر اسم ممدوحه ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الج َماحِ‬
‫يِ ِ‬ ‫ع ْن َ‬
‫غ ّ‬ ‫َرشادُ ْ‬
‫العز ِم َ‬ ‫يف أ ِل ُّج الَ يَثْنِي عنانــــي‬
‫و َك َ‬

‫ب ِه َبانَ الفَ َ‬
‫سادُ ِمنَ اال َّ‬
‫صالحِ‬ ‫َو ِم ْن ِس ِ ّر اب ِْن "عبَّاد " دَ ِلي ٌل‬

‫األسلوب ‪ :‬من األساليب التي كررها ابن زيدون في قصيدته أسلوب االستفهام ‪ ،‬ال سيما سؤال‬
‫المحبوبة ‪ ،‬والذي يبدو سمة بارزة في كثير من قصائده ‪ ،‬ومن أمثلته ‪:‬‬

‫ض أم ِعـــدَادٌ ؟ َوه َْل أَنَا ِم ْن ِك في‬ ‫الر َيــاحِ؟ ‪ /‬و ِذ ْك ُر ِك ما ت َ َع َّر َ‬


‫ف ِّ‬ ‫أَ َ‬
‫ع ْرفُ ِك َرا َح في ُ‬
‫ع ْر ِ‬
‫اف ُهناَكَ‬
‫ت ال َع َف َ‬ ‫أخف الغرام ؟ ‪ /‬فَ َه ْل َ‬
‫عدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت شَوق ؟ ‪ /‬كم اسقمت من قلب صحيح ؟ ‪ /‬متى‬ ‫نَشَوا ِ‬
‫نَ ْفسِي ؟ ‪ /‬وكيف ألج ؟ ‪ ،‬واالستفهام هنا ليس لحيرته وعدم معرفته ‪ ،‬وإنما استفهام تعجبي ‪ ،‬ولعله‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬المهمهُ ‪ :‬المفازة البعيدة ‪ ،‬الترس ( من جلد األرض ) الغليظ منها ‪ .‬الترس المجن صفحة من الفوالذ‬
‫مستديرة تحمل في اليد يتلقى بها ضربة سيف ‪ .‬الرحراح ‪ :‬الواسع المنبسط ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬أل ُّج ‪ :‬أديم اإللحاح ‪ ،‬يثني عناني ‪ :‬يردني ‪ ،‬الغي ‪ :‬الضالل ‪ ،‬الجماح أو الجموح ‪ :‬االندفاع‬
‫في عناد وإصرار دون ريث أو روية ‪ ،‬السر ‪ :‬األصل أو اللب أو محض النسب ‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫سا َمتُها بال َم ْن َ‬
‫ظ ِر‬ ‫صبَاحِ ؟ ‪ِ /‬أم ا ْبتِ َ‬
‫ض ْو ُء ِم ْ‬ ‫تأثر فيه بالبحتري ‪ ،‬في قوله ‪ :‬أَلَ ْم ُع بَ ْرق َ‬
‫سرى أ ْم َ‬
‫ع ُم َّ‬
‫الالحي ؟‬ ‫َّاحـي؟ ‪ /‬وماذا ْ‬
‫يز ُ‬ ‫الض ِ‬

‫المبالغة في المدح ‪ :‬ظهرت في قصيدة ابن زيدون صيغ لوصف ممدوحه جاءت على وزن أفعل‬
‫أغر ‪ /‬أص ُّم الجود ‪ /‬أجود بالعطايا ‪ /‬أطعن بالمكايد ‪ /‬أفرس للمنابر ‪ /‬أبهى في‬
‫التفضيل منها ‪ُّ :‬‬
‫البرود ‪ /‬أمنعهم حمى ‪ /‬أوسعهم ذرا ‪ /‬أبحر الجود ‪ ، /‬ومن مبالغاته أيضا ً ‪ :‬هو الملك ‪ ،‬سميع‬
‫النصر ‪ ،‬هو المبقي ملوك األرض تدمى قلوبهم ‪.‬‬

‫التأثر في األبيات ‪ :‬تأثر ابن زيدون ببعض أبيات البحتري ‪ ،‬ومن ذلك ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ص َباحِ‬
‫ص َباحِ إلى ال َّ‬
‫ع ِن ال َّ‬ ‫فَنُ ْب ِ‬
‫ت َ‬ ‫ظ َالم ِلَيْل َج َّن فَ ْو ِقي‬
‫َو ُربَّ َ‬

‫فقد نظر فيه الى قول البحتري‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صبَاحِ‬
‫شم ِس إِ ْ‬
‫اجيَة أو ْ‬
‫عن بَد ِْر دَ ِ‬ ‫ف الَّلي ُل ِمن َألْالَ ِء ُ‬
‫غ َّرتِ ِه‬ ‫ت َ َك َّ‬
‫ش َ‬

‫َّ‬
‫ولكن المحبوبة نابت عن الصباح ‪ ،‬حتى‬ ‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد انتشر الظالم حتى تغطيت به ‪،‬‬
‫الصباح ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ ،‬انكشف الليل من تأللؤ غرة الحبيبة ‪ ،‬و قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ش ْكر ْ‬
‫وامتِدَاحِ‬ ‫َو َح ْسبُكَ بِي بِ ُ‬ ‫فَ َح ْسبِي أ ْنتَ ـ ِم ْن ُمسْد ِلنُ ْع َمى ـ‬

‫قريب من قول البحتري‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫َم ْد ًحا يُقَ ِ ّ‬
‫ص ُر عنهُ ك ُّل َمدَّاحِ‬ ‫ت ُ ْهدِي إلى "الفَتح" والنُّع َمى بذاك لهُ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬يكفيني ما يصلني من نعمائك ‪ ،‬ويكفيك ما يأتيك من شكر ومدح ‪ ،‬ويقول‬
‫البحتري ‪ :‬الفتح بن خاقان صاحب الفضل والنعمى ‪ ،‬فتهدى له المدائح يقصر عنها كل مداح ‪،‬‬
‫فالمعنى واحد ‪ ،‬واأللفاظ مشتركة ‪ .‬وقول ابن زيدون‪:‬‬

‫ـ َلدَيْكَ ـ و َك ْم ِلنَ ْفسِي ِم ْن ِط َماحِ‬ ‫فَدَ ْيتُكَ َكم ْ ِل َعينِي ِم ْن ُ‬


‫س ُم ّو‬
‫‪5‬‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪1‬المصدر نفسه ‪. 112 ،‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 111 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 111 / 1 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪122‬‬
‫‪1‬‬
‫ط ْرف إلى العَ ْليَ ِ‬
‫اء ِط َّماحِ‬ ‫ت َ ْه ِمي ‪َ ،‬و َ‬ ‫يَ ْس ُمو بِ َك ّ‬
‫ف على العَافِينَ َحانِيَة‬

‫يتطلع ابن زيدون إلى ما عند األمير من مجد ورفعة ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ :‬إن األمير يجود على‬
‫أصحاب الحاجات ‪ ،‬في حنو و رقة ‪ ،‬مع أنه يتطلع ببصره إلى المجد والعال ‪ .‬ويشترك البيتان ‪،‬‬
‫في لفظة ( يسمو ‪ ،‬طماح ‪ ،‬وعيني في بيت ابن زيدون ‪ ،‬وطرف في بيت البحتري ) ‪.‬‬

‫كما أشار ابن زيدون في قصيدته هذه لبعض أبيات للبحتري في مدحه ألبي مسلم الكجي‬
‫البصري ‪ ،‬والتي يقول في مطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫احــي‬ ‫غلَّ ِتي ْ‬
‫وال ِتيَ ِ‬ ‫إطفــاء ُ‬
‫ِ‬ ‫َب ْعدَ‬ ‫َه ِيّ ٌن َما يقــــو ُل فيـــــــك الالَّ ِحي‬

‫فقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َخ ِفيْتُ َخفَا َء َخ ْ‬
‫ص ِر ِك في ال ِوشَاحِ‬ ‫ع ِنّي‬
‫ع ْن َ‬ ‫فَلَو أَّن الثَّيَ َ‬
‫اب نُ ِز َ‬

‫قريب من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫فوق َخ ْ‬
‫صر كثيِر َج ْو ِل ال ِوشَاحِ‬ ‫ْ‬
‫فجالت‬ ‫ب‬ ‫ه ََّز ِم ْنها ش َْر ُخ ال َّ‬
‫شبا ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد انحلني الحب وأضناني ‪ ،‬فلو خلعت ثيابي لخفي جسمي الذابل ‪ ،‬كما‬
‫يخفى خصرك النحيل تحت الوشاح ‪ .‬أما البحتري فيصف خصر المرأة النحيلة ‪ ،‬التي كشف‬
‫خصرها الوشاح ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ـ فَدَ ْيت ُ ِك ـ ْأو َجنَحْ تُ إلى ال ُجنَاحِ‬ ‫اف ُهناَكَ نَ ْفسِي‬
‫ت العَفَ َ‬ ‫فَ َه ْل َ‬
‫عدَ ِ‬

‫لعله نظر فيه إلى قول البحتري ‪:‬‬

‫صبَابَة من ُجناَحِ‬
‫أ ْم على ذِي َ‬ ‫هل إلى ذِي ت َ َجنُّب ِم ْن َ‬
‫سبي ِل ؟‬
‫‪6‬‬

‫يقول ابن زيدون كم خلوت بك ‪ ،‬وأنا مشتاق لك ‪ ،‬ولكني لم أتخلى عن العفاف ولم‬
‫يصدر مني سوء وإثم ‪ ،‬ويقول البحتري ‪ :‬كيف أصل من يقاطعني ؟ ‪ .‬وقد اتفق البيتان في االبتداء‬
‫بـ ( هل ) والقافية ( جناحِ ) ‪ .‬و قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪. 111 / 1 ،‬‬


‫‪2‬ـ المصدر السابق ‪. 159 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 159 / 1 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 112‬جنح ‪ :‬مال ‪ ،‬ال ُجناح ‪ :‬اإلثم ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪. 159 / 1 ،‬‬
‫‪121‬‬
‫‪1‬‬
‫َاحي‬
‫شك في َجن ِ‬ ‫إذا َما أ َ َّ‬
‫ث ِر ْي ُ‬ ‫أخشَى وقُوعا ً دُونَ َح ّ‬
‫ظ‬ ‫َوه َْل ْ‬

‫َاحي " من قول البحتري ‪:‬‬


‫شك في َجن ِ‬ ‫فقول ابن زيدون " أ َ َّ‬
‫ث ِر ْي ُ‬

‫‪2‬‬
‫يش ال َجنَاحِ‬ ‫حين ت َ ْس ُمو أثِ ُ‬
‫يث ِر ِ‬ ‫سبْط ُالخ ََوافي‬
‫وكال َجانِبَيكَ َ‬

‫والبن زيدون قصيدة حائية أخرى في مدح أبي الحزم بن جهور ؛ مستشفعا ً به ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ص َواحْ‬
‫َاوى َ‬ ‫صبِي وأ ْع َ‬
‫طاف نَش َ‬ ‫تُ ْ‬ ‫ص َحاحْ‬ ‫أ َ َما ْ‬
‫وأل َحاظ ِمراض ِ‬

‫َو ْردٌ ‪َ ،‬وأَثْنَـــــا َء ثَنَــــا َيــــاهُ راحْ‬ ‫ِل َبا ِئن ِبال ُحس ِْن ‪ ،‬في خَــــــ ِدّ ِه‬

‫صقَ دُونَ ال ِوشَـــاحْ‬ ‫ِوشَاحهُ َّ‬


‫الال ِ‬ ‫َت يَدِي لَ ْيلَةً‬
‫س إ ْذ بَات ْ‬
‫َلـــ ْم أ ْن َ‬

‫و قد تأثر في بعض معانيها بقصيدتين للبحتري في مدح أبي نوح عيسى بن إبراهيم ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫أ ْغيدُ َمجْ دُو ُل َم َك ِ‬


‫ان ال ِوشَـــاحْ‬ ‫باتَ نَدِيما ً ِل َ‬
‫ي حتى الصَّباحْ‬
‫‪4‬‬

‫هيكل القصيدتين ‪ :‬تقع قصيدة ابن زيدون في واحد وعشرين بيتا ً ‪ ،‬وهي على بحر السريع‬
‫وقافية الحاء الساكنة ‪ ،‬وتقع قصيدة البحتري في ثمانية عشر بيتا ً ‪ ،‬وهي على بحر السريع ‪،‬‬
‫وقافية الحاء الساكنة ‪ ،‬وغرضهما المديح ‪ ،‬وتعد معارضة ابن زيدون لهذه القصيدة من‬
‫المعارضات التامة ؛ التفاقهما في ( الغرض ‪ ،‬والوزن ‪ ،‬والقافية ‪ ،‬وحركة الروي ) ‪ ،‬وقد بدأ ابن‬
‫زيدون قصيدته متغزالً فيها بغالم ‪ ،‬وربما القصيدة الوحيدة التي بدأها بهذا النوع من الغزل ‪ ،‬وقد‬
‫مزج غزله بوصف الراح ‪ ،‬وال شك في أنه متأثر بهذه المقدمة الغزلية بقصيدة البحتري التي‬
‫بدأها بالتغزل بساقي الخمر ‪ ،‬ثم ينتقل كل منهما من هذه المقدمة إلى غرضه األصلي وهو المدح‬
‫صطفَى ‪َ ،‬ج ْهورا ً ) ‪،‬‬ ‫ص َّ‬
‫فين ال ُم ْ‬ ‫‪ ،‬بادئا ً كل منهما بذكر ممدوحه ‪ ،‬يقول ‪ :‬ابن زيدون ‪ ( :‬أل ْ‬
‫ويقول البحتري ‪ ( :‬قُ ْل ألبي نوح ‪ ،‬شقيق النَّدى ) ‪.‬‬

‫األنا في القصيدتين ‪ :‬ظهرت األنا في القصيدتين ففي قصيدة البحتري ‪ ،‬نجد أفعال المضارع ‪:‬‬
‫أمز ُج ‪ ،‬أفدَّيه ‪ ،‬أعوذُ ‪ ،‬والماضي مثل ‪ :‬أغضيتُ ‪ ،‬أرعوى ‪ ،‬أخرجتني ‪ ،‬ومن األسماء ‪ :‬لبي ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬إ ِنّي ‪ .‬وفي قصيدة ابن زيدون نجد بعض أفعال المضارع مثل ‪:‬‬
‫ومن الحروف ‪ :‬ع ِنّي ‪ ،‬ل َّ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬أث النبات ‪ :‬كثر والتف ‪ ،‬الريش ‪ :‬ما يكسو جسم الطائر ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 156/ 1 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 219‬بائن ‪ :‬فائق في الفضل والمزية ‪ ،‬ال ُجناح اإلثم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 115 / 1 ،‬‬
‫‪122‬‬
‫س ْرتُ ‪ ،‬يثنني ‪ ،‬وأفعال األمر مثل ‪ :‬انظر ‪ ،‬اختبر ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أصفين ‪ ،‬أس ِع ُم ‪ ،‬أقتد ُح ‪ ،‬أكن ‪ ،‬ي َّ‬ ‫أجنِ ُح ‪،‬‬
‫اهتبل ‪ ،‬فاشحذ ‪ ،‬اشفع ‪ ،‬وهي أفعال يخاطب بها الشاعر ممدوحه ‪.‬‬

‫التأثر في األبيات ‪ :‬من األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأستاذه البحتري ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صقَ دُونَ ال ِوشَاحْ‬ ‫ِوشَاحهُ َّ‬
‫الال ِ‬ ‫َت يَدِي لَ ْيلَةً‬
‫س إ ْذ بَات ْ‬
‫لَ ْم أ ْن َ‬

‫فهو بين الصلة بقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫أ ْغيدُ َمجْ دُو ُل َم َك ِ‬
‫ان ال ِوشَاحْ‬ ‫ي نَدِيما ً حتى الصَّباحْ‬
‫باتَ ِل َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لم أنس عندما باتت يدي وشاحا ً له في إحدى الليالي ‪ .‬ويقول البحتري بات‬
‫معي ساقي الخمر وهو فتى أغيد نحيل الخصر ‪ ،‬فالبحتري ‪ ،‬يقول ‪ :‬بأنه بات حتى الصباح ‪،‬‬
‫وابن زيدون يقول ‪ :‬بات ليلة ‪ ،‬واتفق الشاعران في الوصف بالنحول ‪ ،‬فقد وصف البحتري ذلك‬
‫الفتي بأنه مجدول مكان الوشاح ‪ ،‬وجعل ابن زيدون يده وشاحا ً له ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ص َواح ْ‬
‫َاوى َ‬ ‫ص ِبي ‪ ،‬وأ ْع َ‬
‫طاف نَش َ‬ ‫تُ ْ‬ ‫ص َحاحْ‬ ‫أ َما ْ‬
‫وأل َحاظ ِمراض ِ‬

‫كقول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ِل ْلفَتْ ِر من أَجْ فَانِ ِه وهو َ‬
‫صاحْ‬ ‫تَحْ ِسبُهُ ن ْش َوانَ إ َّما َرنَا‬

‫} وقول البحتري من قصيدة أخرى في مدح أبي مسلم الكجي البصري ‪:‬‬

‫ص َحاحِ ‪{ 5‬‬ ‫ظ ِم َراض من الت َّ َ‬


‫صا ِبي ِ‬ ‫َاء بأ َ ْل َحا‬
‫وأَشارت إلى ال ِغن ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬نظرات ذابلة ‪ ،‬وأجسام لينة تبدو نشوى في سيرها ‪ ،‬وهي صاحية ـ من‬
‫الخمر ـ توقع في الحب ‪ ،‬وهو من قول البحتري ‪ :‬الذي جعل الفتي مفتر األلحاظ من الخمر ‪،‬‬
‫فتحسبه نشوانا ً وهو صاح ‪ .‬أما بيت البحتري الثاني ‪ :‬فيصف فيه ألحاظ المرأة الذابلة النشوى ‪،‬‬
‫ولكنها صاحية ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫َو ْردٌ ‪َ ،‬وأَثْنَـــــا َء ثَنَــــايَــــاهُ راحْ‬ ‫ِل َبائِن ِبال ُح ْس ِن ‪ ،‬في خَــــــ ِدّ ِه‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 115 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 115 / 1 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان البحتري ‪. 159 / 1 ،‬‬
‫‪121‬‬
‫كقول البحتري ‪:‬‬

‫ل ِبّي وتوريدُ ال ُخدُو ِد ِ‬


‫المالحْ‬ ‫يون النُّجْ ل م ْست َ ْه ِلكٌ‬
‫سِحْ ُر العُ ِ‬

‫يصف كال الشاعرين ذلك الفتى ‪ ،‬بأنه بائن الحسن ‪ ،‬نجل العيون ‪ ،‬مورد الخدود مالح ‪ ،‬بين‬
‫ثناياه راح ‪ .‬فاتفق ابن زيدون مع البحتري في التغزل بالمرأة ‪ ،‬وبالمذكر على حد سواء ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ ،‬معارضة ابن زيدون لقصائد المتنبي ‪.‬‬

‫كما عارض ابن زيدون بعض قصائد المتنبي فمن ذلك قصيدته البائية في مدح وعتاب‬
‫الوزير أبي الوليد بن جهور ‪ ،‬وهي قصيدة طويلة تتكون من ثالثة وتسعين بيتا ً ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ع ْن لَ ْو ِن ال ُم ِحبّ ِ ِعت ُ‬
‫َاب‬ ‫فَ َي ْق ُ‬
‫ص َر َ‬ ‫اب ؟‬
‫ش َب ُ‬ ‫أن ال َّ‬
‫ش ِفي َع َ‬ ‫ت َّ‬ ‫أ َ َما َ‬
‫ع ِل َم ْ‬

‫ان ذَه ُ‬
‫َاب؟‬ ‫س ِ‬‫الح َ‬
‫ص ِل ِ‬ ‫ِإذَا َ‬
‫ع َّن ِم ْن َو ْ‬ ‫ف ُر َواؤُ هُ‬ ‫ع َال َم ال ِ ّ‬
‫صبَا غَض يَ ِر ٌ‬ ‫َ‬

‫اب؟‬ ‫إِذَا لَ ْم يَ ُك ْن َم ْن ُه َّن َ‬


‫ع ْنهُ ثــــ َ َو ُ‬ ‫صفَاؤُ هُ‬
‫ِف َ‬
‫ض يَش ٌ‬
‫َو فِي َْم ال َه َوى َمحْ ٌ‬

‫القارئ للقصيدة ‪ ،‬والمتابع ألبياتها ومعانيها وأسلوبها يعرف أن ابن زيدون يعارض بها‬
‫قصيدة المتنبي ‪ ،‬في مدح كافور اإلخشيدي ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫اب‬
‫شبَ ُ‬ ‫يض القُ ُر ِ‬
‫ون َ‬ ‫فَيَ ْخفَى بِت َبيِ ِ‬ ‫اب‬
‫ض ُ‬‫ياض ِخ َ‬ ‫نى ُك َّن ِلي َّ‬
‫أن البَ َ‬ ‫ُم ً‬
‫‪2‬‬

‫َوفَ ْخ ٌر َوذَاكَ الفَ ْخ ُر ِع ْندِي عا ُ‬


‫ب‬ ‫اي فِتْنــــَةٌ‬ ‫لَيَا ِلي ِع ْندَ ال ِب ِ‬
‫يض فَ ْودَ َ‬

‫عو بِما أ ْش ُكوهُ ِحيْنَ أ ُ َج ُ‬


‫اب‬ ‫وأ ْد ُ‬ ‫فكيف أُذَ ُّم اليَ ْو َم ما ُك ْنتُ أ ْشت َـ ِهي‬
‫َ‬

‫هيكل المعارضة ‪ :‬تقع قصيدة ابن زيدون في نحو اثنين وتسعين بيتا ً ‪ ،‬وهي على بحر الطويل ‪،‬‬
‫وقافيتها الباء المضمومة ‪ ،‬وهي في غرض المديح ‪ ،‬وقد اتفقت مع قصيدة المتنبي ـ التي بلغ عدد‬
‫أبياتها ثالثة وأربعين بيتا ً ـ في الغرض والقافية وحركة الروي ‪ ،‬والبحر ‪ ،‬ومن هنا نعدها من‬
‫المعارضات التامة ‪ ،‬حيث بدأ المتنبي قصيدته بمقدمة في الشيب ‪ ،‬الذي تمناه في صغره ؛ ألنه‬
‫يرى في بياض رأسه وهو في شبابه اتصافه بالحكمة والوقار اللذين ال يأتيان إالَّ مع تقدم العمر ‪،‬‬
‫وبلوغ الرشد ‪ ،‬فالشاعر يترفع عن سواد شعره أيام شبابه ‪ ،‬والتي كانت النساء يعجبهن سواد‬
‫الشعر ويفتنهن‪ ،‬والشاعر لم يكن يعجبه هذا االفتتان ‪ ،‬بل يعدُّ ه عيبًا ‪ ،‬ثم يحدث نفسه متسائالً ‪،‬‬

‫عن ‪ :‬عرض ‪.‬‬ ‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 111‬غض ‪ :‬ناعم ‪ ،‬يرف ‪ :‬يهتز ويلمع ‪ ،‬الرواء ‪ :‬المنظر الجميل ‪َّ ،‬‬
‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪ ، 196 ، 199 / 1‬المنى ‪ :‬جمع منية ‪ .‬القرون ‪ :‬الذوائب ‪ .‬الفوادن ‪ :‬جانبا الرأس يمينا ً وشماالً ‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫كيف أذم الشيب في هذه السن المتقدمة ‪ ،‬وكنت أتمناه وقت شبابي ‪ ،‬وأن النفس الثابتة المقيمة فيه‬
‫ال تشيب بمشيبه ‪ ،‬فيقول ‪ ،‬في البيت الخامس ‪:‬‬

‫أن ما في الوجْ ِه ِم ْنهُ ِح َر ُ‬


‫اب‬ ‫ولو َّ‬ ‫نفس ال ت َ ُ‬
‫شيب بشيب ِه‬ ‫سم ٌ‬‫الج ِ‬
‫وفي ِ‬

‫ثم ينتقل إلى مدح نفسه والفخر بها ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫حاب‬
‫س ُ‬ ‫دون النُّ ِ‬
‫جوم َ‬ ‫إذا حا َل ِمن ِ‬ ‫وإ ِنّي لنج ٌم تهتدي بي ُ‬
‫صحْ بتي‬

‫فالشاعر كالنجم لهداية رفاقه حين غ َّم عليهم النجم بالسحاب ‪ ،‬و إنه غير مرتبط ببلد معين‬
‫فهو مشهور في كل بلد ‪ ،‬و مستغن عن اإلبل التي تحمله في سفره ألنه كالعقاب يعبر الفيافي دون‬
‫تعب أو مشقة ‪ ،‬و ال يحتاج للماء ؛ لتحمله وصبره ‪ ،‬وأن الشمس ال تؤثر فيه ‪ ،‬كما أنه كتوم للسر‬
‫‪ ،‬و ال يعبأ بالنساء ‪ ،‬فهوايته الحرب ومقارعة األعداء ‪ ،‬وبعد هذه المقدمة التي قالها في الشيب‬
‫والفخر بنفسه ‪ ،‬انتقل إلى غرضه األصلي ‪ ،‬وهو المديح ‪ ،‬بادئا ً باسم ممدوحه الذي يصفه بالبحر‬
‫الكثير الماء ‪ ،‬عالي األمواج يفوق كل البحور قائالً ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫باب‬
‫ع ُ‬ ‫على ك ِّل بَحْ ر زَ ْخ َرة ٌ َو ُ‬
‫َ‬ ‫ض ُّم الَّذي لَه ُ‬
‫الخ َ‬
‫ْك ِ‬‫َوبَحْ ٌر أبُو ال ِمس ِ‬

‫وبعد هذا التخلص الرائع ‪ ،‬يكمل قصيدته مبالغا ً في وصف ممدوحه ‪ .‬وإذا كان المتنبي قد‬
‫استحسن الشيب وارتضاه في مقدمته ‪ ،‬فإن ابن زيدون استهل قصيدته مستشفعا ً إلى محبوبته‬
‫الحسناء بالشباب وفتنته ‪ ،‬محاوالً إغراءها به ؛ كي تستجيب لرغائبه إذ ال مبرر للعتاب والنفور ‪،‬‬
‫فهو يؤكد أنه ال قيمة للشباب الغض الرائع إذا لم ينعم المرء في أثنائه بوصال الحسان ‪ ،‬ويتخذ‬
‫ابن زيدون من الغزل المشرقي نهجا ً له ‪ ،‬فهو يتغزل بمرأة بدوية ‪ ،‬عقيلة خدر دونها مهالك‬
‫وصعاب ‪ ،‬و أهلها غيارى عليها حتى من الطيف والخيال ‪ ،‬وإنه ال يستنشق عطرها ما لم يخالطه‬
‫غبار الخيول ‪ ،‬وصليل السيوف واشتداد المعارك ‪ ،‬وبعد هذه المقدمة الغزلية التي بلغت سبعة‬
‫وعشرين بيتا ً في الغزل والشكوى من الشيب ‪ ،‬انتقل إلى ممدوحه ذاكرا ً اسمه على عادة شعراء‬
‫المشرق ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬

‫إذا بذ َل األموا َل ‪ ،‬وهي رغاب‬ ‫كأن إياه الشمس ِب ْش ُر ُ‬


‫بن َج ْهور ‪،‬‬ ‫َّ‬

‫وبعد هذا التخلص الرائع يبالغ الشاعر في وصف ممدوحه ‪ ،‬ثم يختم قصيدته بمدح شعره ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪ ، 161 / 1‬الخضم ‪ :‬الكثير الماء ‪ .‬الزخر ‪ :‬تراكب الماء ‪ .‬عباب البحر ‪ :‬شدته وقوته ‪ ،‬وقيل ‪:‬تراكم أمواجه ‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫البناء األسلوبي ‪ :‬من األساليب التي التزمها ابن زيدون في معارضته والتي تعد ظاهرة من‬
‫الظواهر األسلوبية ‪ ،‬في بعض مقدماته الغزلية ‪ ،‬سؤال المحبوبة ‪ ،‬وهو تساؤل الغرض منه‬
‫التعجب ‪ ،‬وليس استفهام للحيرة وعدم المعرفة ‪ ،‬وإذا تأملنا هذا االستفهام ‪ ،‬نجد أن الشاعر لم‬
‫يخاطب به محبوبته مباشرة مما يدل على أن القصيدة قيلت بعد فراق المحبوبة له ‪ ،‬يبين ذلك‬
‫ت َّ‬
‫أن‬ ‫علمت ) ‪ ،‬وكذلك قوله ‪ ( :‬وماذا عليها ) ‪ ،‬ومن صيغ االستفهام قوله ‪ :‬أ َ َما َ‬
‫ع ِل َم ْ‬ ‫ْ‬ ‫الفعل (‬
‫صفَاؤُ هُ ؟ ‪َ /‬و َماذا‬ ‫ِف َ‬‫ض يَش ّ‬
‫ف ُر َواؤُ هُ ؟ ‪َ /‬و فِي َْم ال َه َوى َمحْ ٌ‬ ‫ع َال َم ال ِ ّ‬
‫صبَا غَض يَ ِر ّ‬ ‫اب ؟ ‪َ /‬‬
‫شبَ ُ‬ ‫ال َّ‬
‫ش ِفي َع َ‬
‫صلَ َها ؟ ‪ /‬ألم ِ‬
‫تدر أنّا ال نراح لريبة ؟ ‪.‬‬ ‫س ِنّ َ‬
‫ي َو ْ‬ ‫علَ ْي َها ْ‬
‫أن يُ َ‬ ‫َ‬

‫استخدام التشبيهات المعتمدة على األداة ( كأن ) ومن ذلك ‪:‬‬

‫يهاب‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫جبان ‪ ،‬يُريدُ الطعن ‪ ،‬ثم‬ ‫كأن الثّريّا رايةٌ ُم ْش ِر ٌ‬
‫ع لها‬ ‫َّ‬

‫ُمسي ُم نُ ُجوم ‪ ،‬حانَ منه إيَ ُ‬


‫اب‬ ‫رباوةِ أ ُ ْف ِق ِه ‪،‬‬
‫سهيالً ‪ ،‬في َ‬ ‫َّ‬
‫كأن ُ‬

‫ومثاب‬
‫ُ‬ ‫نى ‪ ،‬فَ ُخفَاتٌ َم ّرة ً‬
‫ض ً‬‫َ‬ ‫سها فانِي ال ُحشاش ِة ‪ ،‬شفَّهُ‬ ‫َّ‬
‫كأن ال ُّ‬

‫نارها فجا َء له ‪ ،‬من ُم ْشتريه ‪ِ ،‬ش ُ‬


‫هاب‬ ‫مس َ‬ ‫كأن الصبا َح استقبس ال َّ‬
‫ش َ‬ ‫َّ‬

‫إذا بذ َل األموا َل ‪ ،‬وهي رغاب‬ ‫كأن إياه الشمس ِب ْش ُر ُ‬


‫بن َج ْهور ‪،‬‬ ‫َّ‬

‫وقد جاءت بعد هذه األداة صور جميلة ‪ ،‬ومعان رائعة ‪ ،‬فالثريا كأنها راية يهم بها الجبان‬
‫لطعنها ثم يهاب ويتراجع ‪ ،‬وهذا سهيل يرعى النجوم ثم يعود بها من المرعى بعد أن شبعت ‪،‬‬
‫وهذا السها تفنى روحه فيخفت مرة ‪ ،‬ويثوب مرة أخرى ‪ ،‬وما أجمل الصباح الذي يستقبس‬
‫الشمس ‪ ،‬ويلتمس منها الدفء والحرارة ‪ ،‬ثم يقول كأن وجه ممدوحه مشرق كالشمس عندما يبذل‬
‫األموال ‪.‬‬

‫تشيب ‪ ،‬بشيب ِه ‪/‬‬


‫ُ‬ ‫الجناس في قصيدة المتنبي ‪ :‬بياض ‪ ،‬تبييض ‪ /‬فخر ‪ ،‬الفخر ‪ /‬اللون ‪ ،‬لون ‪/‬‬
‫ظفر ‪ ،‬ظفر ‪ /‬ناب ‪ ،‬ناب‪ /‬نجم ‪ ،‬النجوم ‪ /‬بحر‪ ،‬بحر ‪ /‬غالبه ‪ ،‬غالبت ‪ /‬حق ‪ ،‬حقه ‪ /‬إعتاب ‪،‬‬
‫عتاب ‪ /‬بقربي ‪ ،‬قراب ‪ /‬الحجب ‪ ،‬حجاب ‪ /‬ذئاب ‪ ،‬ذباب ‪ /‬مديح ‪ ،‬مدحك ‪ /‬التراب ‪ ،‬تراب ‪ .‬أما‬
‫ابن زيدون فقد بالغ وأسرف من الجناس ‪ ،‬وأن أغلب جناسه جاء مرددا ً أي بين القافية وكلمة‬
‫أخرى في صدر البيت أوحشوه أو ما قبل القافية ‪ ،‬وهو أسلوب يحدث نغما ً موسيقيا ً تستحسنه‬
‫األسماع ‪ ،‬واألذواق ‪ ،‬ومن أمثلته ‪ :‬الجناب ‪ ،‬جناب ‪ /‬الركب ‪ ،‬الركاب ‪ /‬عروب ‪ ،‬عراب ‪/‬‬
‫الرباب ‪ ،‬رباب ‪ /‬قب ‪ ،‬قباب ‪ /‬حباب ‪ ،‬حباب ‪ /‬يعذبها ‪ ،‬عذاب ‪ /‬غره ‪ ،‬غراب ‪ /‬حسب ‪ ،‬حساب ‪/‬‬

‫‪121‬‬
‫يحبو ‪ ،‬يحابوا ‪ /‬أربت ‪ ،‬رباب ‪ /‬الحجاب ‪ ،‬حجاب ‪ /‬رهبت ‪ ،‬رهاب ‪ /‬المذنبين ‪ ،‬ذناب ‪ /‬غلبتهم ‪،‬‬
‫غالب ‪ /‬الثواب ‪ ،‬مثاب ‪ /‬ينوب ‪ ،‬مناب ‪.‬‬

‫األنا ‪ :‬ظهرت األنا بكثرة في القصيدتين من خالل شخصية ناظمها فأشاد كل منهما بذاته ‪ ،‬وقد‬
‫جاءت األنا في قصيدة المتنبي ـ والذي عرف باعتداده بنفسه ‪ ،‬وال سيما في قصائده في مدح‬
‫كافور ألن الشاعر يستعظم نفسه أمام هذا الممدوح ‪ ،‬ومن صور األنا ‪ :‬الفعل المضارع للمتكلم ‪،‬‬
‫أُذ ُّم ‪ ،‬أشتهي ‪ ،‬أشكو ‪ ،‬أجاب ‪ ،‬أبل ُغ ‪ ،‬أصدي ‪ ،‬أبدي ‪ ،‬أرى ‪ ،‬أسكتُ ‪ ،‬نصرفه ‪ ،‬تاء الفاعل ‪:‬‬
‫غربْتُ ‪ ،‬كنتُ ‪ ،‬كما ظهرت األنا من خالل األسماء التي اتصلت‬
‫أملتُ ‪ ،‬شئتُ ‪ ،‬نلتُ ‪ ،‬ظفرتُ ‪َّ ،‬‬
‫بها ياء النسب مثل ‪ :‬صحبتي ‪ ،‬بناني ‪ ،‬قربي ‪ ،‬نافعي ‪ ،‬سالمي ‪ ،‬فؤادي ‪ ،‬سكوتي ‪ ،‬وكذلك من‬
‫ي ‪ ،‬م ِنّي ‪ ،‬إ ِنّي ‪ ،‬إل َّ‬
‫ي ‪ ،‬لنا ‪ ،‬بيننا ‪.‬‬ ‫خالل بعض الحروف والظروف وضمائر المتكلم ‪ ،‬مثل ‪ :‬ل َّ‬

‫وقد تأثر ابن زيدون بهذا األسلوب فبرزت األنا عنده واضحة ‪ ،‬ومن أمثلتها في أفعال المضارع ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ننشق ‪ ،‬نمتري ‪ ،‬سأبكي ‪ ،‬أشكو ‪ ،‬وتاء الفاعل ‪ :‬وردت خلتُ ‪ ،‬أبرحتُ ‪ ،‬وكذلك األفعال‬ ‫نرا ُح ‪،‬‬
‫التي اتصلت بها ( ناء الفاعلين ) والتي تفيد التفخيم والتعظيم مثل ‪ :‬قضنا ‪ ،‬يغننا ‪ ،‬يثننا ‪ ،‬وافتنا ‪،‬‬
‫ومن تلك األلفاظ ‪ :‬أنَّا ‪ ،‬أنا ‪ ،‬بنا ‪ ،‬ن َّجدني ‪ ،‬مني ‪ ،‬بي ‪ ،‬لي ‪.‬‬

‫ألفاظ القران ‪ ،‬تكررت في قصيدة ابن زيدون بعض األلفاظ القرآنية كقوله ‪ :‬حسن الثواب ‪،‬‬
‫خروا ركعا ً وأنابوا ‪ ،‬حسن مآب ‪ ،‬سلطان مبين ‪َّ ،‬‬
‫عز خطاب ‪ ،‬إخالص ‪ ،‬إخبات ‪ ،‬تبتل ‪ ،‬متاب ‪،‬‬
‫سيخلد في الدنيا ‪ ،‬دار الخلود مآب ‪ ،‬فأنت الشراب العذب وهو سراب ‪ ،‬الجنب ‪ ،‬تتجافى ‪.‬‬

‫االستعطاف ‪ :‬يقول حسن جاد حسن في حديثه عن هذه القصيدة ‪ " :‬وخير ما في هذه األمداح‬
‫َّ‬
‫انبث في معظم قصائد ابن زيدون التي مدح بها ابن جهور ‪ ،‬فكل‬ ‫الجهورية هو االستعطاف الذي‬
‫اعتذاراته و استعطافاته تمتزج بهذا المدح "‪ ، 1‬ألن هذا االستعطاف يعينه على ما يريد ويشفع له‬
‫عند مليكه ‪ ،‬ولعل هذا االستعطاف يدور في الواقع " حول مدح ابن زيدون لنفسه واالعتداد بها ‪،‬‬
‫والتحدث عن مواهبها النادرة التي كانت سببا في حسد الحاسدين ‪ ،‬وكيد الوشاة ‪ ،‬أو مدح ابن‬
‫جهور ليظفر بعفوه وعتباه "‪ ، 2‬وبعد أن ينتقل الشاعر إلى المدح في قوله ‪:‬‬

‫رغاب‬
‫ُ‬ ‫إذا بذ َل األموا َل ‪ ،‬وهي‬ ‫كأن إياه الشمس ِب ْش ُر ُ‬
‫بن َج ْهور ‪،‬‬ ‫َّ‬

‫تتوالى المبالغات حتى نهاية القصيدة ‪ ،‬فإذا نظرنا إلى أول لفظة في كل بيت نجدها ‪ " :‬هو‬
‫در نوال ِه ‪ ،‬إذا حسب النيل الزهيد‬
‫البشر ‪ ،‬جواد متى استعجلت أولى هباته ‪ ،‬غني عن اإلبساس ُّ‬

‫‪ 1‬ـ ص ‪. 159‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ُمنيلهُ ‪ ،‬عطايا يصيب الحاسدون بحمده ‪ ،‬موطأ ُ أكناف السماح ‪ ،‬زعيم المساعي ‪ ،‬مهيب يغض‬
‫الطرف ‪ ،‬ألبلج موفور الجالل ‪ ،‬أذا هو أمضى العزم ‪ ،‬عزايم ينصاع العدا عن قراعه ‪ ،‬صوائب‬
‫ريش النصر ‪ ،‬حليم تالفى الجاهلين أناته ‪ ،‬إذا عثر الجاني عفا عفو حافظ ‪ ،‬بكم باهت األرض‬
‫‪ ، "....‬وباإلضافة إلى هذه المبالغات ‪ ،‬يبرز لديه أسلوب الخطاب الستعطاف الممدوح فأكثر من‬
‫استخدام كاف الخطاب ‪ ،‬وتاء الخطاب ‪ ،‬كقوله من األسماء ‪ " :‬حاسديك ‪ ،‬محياك ‪ ،‬يمناك ‪،‬‬
‫فلهوك ‪ ،‬نعزيك ‪ ،‬بشراك ‪ ،‬فحاشاك ‪ ،‬لعهدك ‪ ،‬أوليائك ‪ ،‬وفي األفعال ‪ :‬جاراك ‪ ،‬رأيتك ‪ ،‬فديتك ‪،‬‬
‫فغلبتهم ‪ ،‬فتحتَ ‪ ،‬مددت ‪ ،‬الزلت ‪ ،‬جاورت ‪ ،‬وفي الحروف والظروف مثل ‪ :‬فإنك ‪ ،‬وإنك ‪ ،‬منك‬
‫‪ ،‬لك ‪ ،‬لديك ‪ ،‬أنت ‪ ،‬فأنت ‪ ،‬وأفعال األمر ‪ :‬فأبل ‪ ،‬أخلف ‪ ،‬فثق ‪ ،‬ال تعدل ‪ ،‬فعد ‪.‬‬

‫مدح الشعر والفخر به ‪ :‬اتبع ابن زيدون نهج الشعراء العباسيين في مدح القصائد عندما‬
‫يستوفون ثناءهم لممدوحيهم ‪ ،‬وفي هذه القصيدة تميز ابن زيدون عن المتنبي في الفخر بعلمه‬
‫اإلشادة بشعره فيقول ‪:‬‬

‫فإناـهم ‪ ،‬إالا األقـــــ ال ‪ ،‬ذُبـــ ُ‬


‫اب‬ ‫عر واصْفحْ عن الورى ‪،‬‬
‫ش ِ‬ ‫فثِ ْق ِبهزَ ِ‬
‫بر ال ِ ّ‬

‫الشوار ُد غابـــوا‬
‫ِ‬ ‫إذا حضـ َر العُ ْق ُم‬ ‫َو الَ تعـــــ ِد ِل ال ُمثْ ِ‬
‫نين بي ‪ ،‬فأنا الـذي‬

‫ناب‬
‫ليس عنه َم ُ‬
‫الخصا ِل ‪َ ،‬‬
‫جمي ُع ِ‬ ‫ينوب عن المدااحِ م ِنّــــي واحــــــ ٌد ‪،‬‬
‫ُ‬

‫أُ ٌ‬
‫ناس ‪ ،‬لهم في َحجْ ـــرت َ ْي ِه لُـــ ُ‬
‫واب‬ ‫َو َردْتُ َمعِينَ ِ ّ‬
‫الطبعِ ‪ ،‬إذ ذِي َد دونــــهُ‬

‫َك َما يَت ََوالَى في ال ِنّ َ‬


‫ظ ِام ِس َخــــــ ُ‬
‫اب‬ ‫َوأ َ ْن َجــــــ َدنِي ِع ْل ٌم ت ََوالَــــ ْ‬
‫ت فُنُونُــــهُ‬

‫فقول ابن زيدون ‪ :‬ثق بأسد الشعر وأعرض عن الناس ‪ ،‬فإنهم إالا القليل ذباب ‪ ،‬فال تعدي‬
‫بي من هم دوني مرتبة ‪ ،‬فأنا الذي إذا حضرت في ساحة الشعر غابوا ‪ ،‬ألني صاحب علم‬
‫الدر في العقد ‪.‬‬
‫تتابعت فنونه وأنواعه ‪ ،‬كما يتتابع ُّ‬

‫التأثر بين أبيات القصيدتين ‪ :‬تأثر ابن زيدون ببعض أبيات المتنبي في هذه القصيدة ‪ ،‬فقوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اب‬
‫ضبَ ُ‬ ‫ض ْو ِء النَّ َه ِ‬
‫ار َ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َويَ ْغ ُ‬
‫طو َ‬ ‫ص ْف َحةَ ال َم ِ‬
‫اء ُكدْرة ٌ‬ ‫فَقَ ْد تَتَغَ َّ‬
‫شى َ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬


‫‪129‬‬
‫‪1‬‬
‫اب‬
‫ضبَ ُ‬ ‫ع ْن ْلو ِن النَّ َه ِ‬
‫ار َ‬ ‫جاب َ‬ ‫جال الَّ ْلو ُن َ‬
‫ع ْن ْلون هَدى ك َّل َمسلك كما ا ْن َ‬ ‫َ‬

‫الفكرة مشتركة بين البيتين ـ وإن اختلف المعنى ـ يقول ابن زيدون‪ :‬قد يغطي صفحة الماء‬
‫كدر يُخفي الصفاء ‪ ،‬ويغطي الضباب ضوء القمر ‪ ،‬فالشاعر عكس معنى المتنبي الذي يقول فيه ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫إن بياض الشيب كامن في السواد ‪ ،‬فلما زال السواد وانكشف ‪ ،‬فاهتدى صاحبه طريق الرشد ‪،‬‬
‫كالنهار إذا جال عنه الضباب اهتدى السالك في الضياء ‪ .‬فالضباب عند المتنبي انجاب ليصفو‬
‫النهار ‪ ،‬بينما عند ابن زيدون غطى الضوء وحجبه ‪.‬‬

‫ومن أبيات القصيدة ‪ ،‬التي أخذها ابن زيدون ‪ ،‬قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َاب‬
‫ان ِكت ُ‬ ‫و َخي ُْر َج ِليْس في َّ‬
‫الز َم ِ‬ ‫ع ُّز َمكان في الدُّنَى َ‬
‫س ْر ُج سابح‬ ‫أ َ‬

‫يقول المتنبي ‪ :‬أفضل مكان عنده هو ظهر الجواد السريع ‪ ،‬وأفضل صديق عنده هو الكتاب‬
‫الذي يغنيه عن الصحب ‪ ،‬وقد أخذ ابن زيدون هذا المعنى فقال ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫َاب‬ ‫فَلَ ْه ُوكَ ِذ ْك ٌر ‪ ،‬وال َج ِل ُ‬
‫يس ِكت ُ‬ ‫إذَا َم ْعش ٌَر ْأل َها ُهم ُ ُجلَ َ‬
‫ساؤُه ْم‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن قلب ممدوحه ( محمد بن جهور ) ممتلئ بحب الله تعالى ‪ ،‬وال‬
‫يجتني اللذة إالّ بذكره ‪ ،‬وال تحلو له جلسة إالّ بين رحاب الكتب ‪ ،‬ووسط منتديات العلم ‪ ،‬في حين‬
‫أن غيره من الملوك يقبلون مع رفاقهم على مجالس اللهو والشراب ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اب‬
‫عبَ ُ‬
‫ضم ِّ ُ‬ ‫َكفاَكَ ِمنَ البَحْ ِر ِ‬
‫الخ َ‬ ‫َج َوادٌ َمت َى ا ْست َ ْع َج ْلتَ ْأولَى ِهبَاتِ ِه‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫باب‬
‫ع ُ‬ ‫على ك ِّل بَحْ ر زَ ْخ َرة ٌ َو ُ‬
‫َ‬ ‫ض ُّم الَّذي لَه ُ‬
‫الخ َ‬
‫ْك ِ‬‫المس ِ‬
‫َوبَحْ ٌر أبُو ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬متى استعجلت أولى عطاياه وهباته ‪ ،‬اكتفيت من ذلك البحر الكبير‬
‫المعطاء ‪ ،‬ويقول المتنبي ‪ :‬إن بحر كافور ‪ ،‬يربو كل البحور جودا ً ‪ ،‬وكرما ً وعطا ًء ‪ .‬واتفق‬
‫البيتان ‪ :‬في ثالثة ألفاظ ‪ ،‬وهي ( بحر ‪ ،‬الخضم ‪ ،‬عباب ) ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬المصدر نفسه ص‪ ، 162‬انجاب ‪ :‬انكشف ‪. .‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪ ، 161 / 1‬الدنى ‪ :‬جمع دنيا ‪ .‬السابح من الخيل ‪ :‬الشديد الجري ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 196‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪ -5‬ديوان المتنبي ‪ ، 161 / 1‬الخضم ‪ :‬الكثير الماء ‪ .‬الزخر ‪ :‬تراكب الماء ‪ .‬عباب البحر ‪ :‬شدته وقوته ‪ ،‬وقيل ‪:‬تراكم أمواجه ‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫‪1‬‬
‫اب‬ ‫وذَلَّ ْ‬
‫ت لَها ِم ْن َحا ِسدِيكَ ِرقَ ُ‬ ‫ت بِها ِم ْن أو ِليَائِكَ أ ْعي ٌُن‬
‫فَقَ َّر ْ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ُوف ِرقَ ُ‬
‫اب‬ ‫سي ِ‬‫ْض ال ُّ‬ ‫كما غالَبَ ْ‬
‫ت بِي َ‬ ‫وغالَبَهُ األ َ ْعدَا ُء ث ُ َّم َ‬
‫عنَوا لَه ُ‬

‫وقوله ‪ ،‬من قصيدة أخرى ‪ ،‬وهي في مدح سيف الدولة ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫والرقَ ُ‬
‫اب‬ ‫ماج ُم ِ ّ‬ ‫تَخَاذَلَ ْ‬
‫ت ال َج ِ‬ ‫إذَا َما ِس ْرتَ في ِ‬
‫آثار قَ ْوم‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬امتيازك على منافسيك وسبقك لمناضليك أقر عيون أصدقائك ‪،‬‬
‫وأخزى قلوب أعدائك وأذل منهم الرقاب ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬حاول أعداؤه أن يغلبوه لكنهم عجزوا‬
‫عن ذلك ‪ ،‬فخضعوا وانقادوا له كما غالبت الرقاب السيوف ‪.‬‬

‫ويقول في البيت الثاني ‪ :‬إنك إذا تتبعت أثر أعدائك ‪ّ ،‬‬


‫فإن رؤوسهم ورقابهم تتخاذل فيهم‬
‫وتتفرق ‪ ،‬فتكون الجماجم في جهة والرقاب في جهة أخرى ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اب‬ ‫فإن ل ْم يُ ْغنِنِا فَ ِ‬
‫ض َر ُ‬ ‫ان ْ‬‫ِط َع ٌ‬ ‫صلَ َها‬ ‫س ِنّ َ‬
‫ي َو ْ‬ ‫علَ ْي َها ْ‬
‫أن يُ َ‬ ‫َو َماذا َ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫اب‬
‫ض َر ُ‬ ‫ط ْع ٌن واأل َ َ‬
‫مام ِ‬ ‫ِرما ٌء و َ‬ ‫صدْرا ً َوخ َْلفهُ‬
‫س ُع ما ت َ ْلقَاهُ َ‬
‫وأو َ‬
‫ْ‬

‫يقول ابن زيدون في مقدمته الغزلية ‪ :‬تلك المرأة دونها ‪ ،‬طعان ‪ ،‬وضراب ‪ .‬ويقول المتنبي‬
‫‪ :‬أوسع ما يكون صدرا ً ‪ ،‬إذا اشتدت المعارك مع العدو ‪ ،‬فيكون خلفه الرماء ‪ ،‬والطعن ‪ ،‬وأمامه‬
‫الضراب ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫اب‬
‫ب ِح َج ُ‬ ‫َم َهابتُهُ دُونَ ِ‬
‫الح َجا ِ‬ ‫ف ِم ْنهُ آلذِن‬ ‫ض َّ‬
‫الط ْر َ‬ ‫َم ِهيبٌ َيغُ ُّ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪. 161 / 1‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه ‪ ، 99 ،‬التخاذل التأخر إذا تأخرت الجمجمة والرقبة تأخر اإلنسان ‪ ،‬أي لما سرت وراءهم كأن رءوسهم تأخرت‬
‫إلدراكك إياهم وإن كانت في الحقيقة قد أسرعت ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪ -5‬ديوان المتنبي ‪. 165 / 1‬‬
‫‪ -6‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 195‬‬
‫‪112‬‬
‫‪1‬‬
‫ودُونَ الَّذي أ ّم ْلتُ ِم ْنكَ ِح َج ُ‬
‫اب‬ ‫أن ت ُ ْرف َع الحُجْ ُ‬
‫ب ب ْينَنَا‬ ‫وهل نافِعي ْ‬
‫ْ‬

‫حيث يجعل ابن زيدون لممدوحه هيبةً و وقارا ً يحمالنه على أن يغض طرفه لمن يجالسه‬
‫حتى ال يحرجه ‪ ،‬كما أن مهابته تجعله في غنى عن الحراس والحجاب ‪ ،‬بينما يقول المتنبي ‪ :‬ال‬
‫ينفعني وصولي إليك غير ممتنع من الحجابة ‪ ،‬والذي أؤمله منك محجوب عني ‪ ،‬وهذا كله‬
‫يقتضيه بالعطاء ‪ .‬ولم يقتصر ابن زيدون على معارضته لقصيدة المتنبي السابقة ‪ ،‬بل نرى أنه‬
‫تأثر في بعض أبياتها بأبيات قصيدة أخري للمتنبي ‪ ،‬وهي في مدح سيف الدولة ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اب‬ ‫ارما ً ثَلَ َم ال ِ ّ‬
‫ض َر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫َو َ‬
‫غي َْركَ َ‬ ‫ث الذَّ ُ‬
‫ئاب‬ ‫عبِ َ‬
‫بِغَي ِْركَ َرا ِعيًا َ‬

‫فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ب ِعقا َ ُ‬
‫ب‬ ‫ض الذنُو ِ‬ ‫الح ْلم ِ َ‬
‫ع ْن بَ ْع ِ‬ ‫إ ِذ ِ‬ ‫َح ِليْــ ٌم ت ََالفَى ال َجا ِهلِينَ أَنَاتُــــــهُ‬

‫بِنُ ْع َمى لَها في ال ُمـ ْذنِبِيْنَ ِذنَـ ُ‬


‫ـاب‬ ‫ع ْف َو َحافِظ‬ ‫عث َ َر ال َجانِي َ‬
‫عفَا َ‬ ‫إذَا َ‬

‫فمعنى البيتين من قول المتنبي ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫الر ْفقَ بالجانِي ِعت ُ‬
‫َاب‬ ‫َّ‬
‫فإن ِ ّ‬ ‫ت ََرفَّ ْق أيُّ َها ال َمولَى َ‬
‫علَ ْي ِه ْم‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إذا أخطأ المذنب يعفو عنه ‪ ،‬فيكون ذلك عقابا ً له ‪ ،‬ويقول المتنبي ‪ :‬ترفق‬
‫عليهم أيها األمير ‪ ،‬فإن ذلك الرفق يكون عتابا ً ‪ ،‬وتوبيخا ً لهم ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫اب‬ ‫علَيْكَ َ‬
‫ص َو ُ‬ ‫ِلعَ ْهدِكَ ‪ْ ،‬أو يَ ْخفَى َ‬ ‫أن ت ُ ْستَذَ َّم َم ِري َْرة ٌ‬
‫َوحاَشَاكَ ِم ْن ْ‬

‫اب " تضمين لقول المتنبي ‪:‬‬ ‫ع َليْكَ َ‬


‫ص َو ُ‬ ‫فقوله ‪َ " :‬ي ْخفَى َ‬

‫اب‬
‫ص َو ُ‬ ‫َولَ ِك ْن ُربَّ َما َخ ِف َ‬
‫ي ال َّ‬ ‫و َما َج ِهلَ ْ‬
‫ت أيادِيكَ البَوادِي‬
‫‪6‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان المتنبي ‪. 169 / 1‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪. 95 / 1 ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 191‬الذناب ‪ :‬جمع ذنوب وهو الحظ والنصيب ‪.‬‬
‫‪ -4‬ديوان المتنبي ‪. 96 / 1 ،‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 191‬المريرة ‪ :‬الحبل الشديد الفتل أو عزة النفس أو العزيمة ‪.‬‬
‫‪ -6‬ديوان المتنبي ‪. 91 / 1 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫‪1‬‬
‫اب‬
‫صعَ ُ‬ ‫س َها ْأو ْ‬
‫أن ت َ ِليْنَ ِ‬ ‫ار ُ‬
‫يُ َم ِ‬ ‫شدَائِد ٌ‬ ‫سا ِعي ْ‬
‫أن ت َ ِليْنَ َ‬ ‫زَ ِعي ُم ال َم َ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ب‬ ‫َوذَ َّل لَ ُه ْم ِم ْن العَ َرب ال ِ ّ‬
‫صعا َ ُ‬ ‫ض َربُوا األ َ َ‬
‫عادِي‬ ‫وتَحْ تَ ِل َوائِ ِه َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬األمير كفيل بأن يواجه الشدائد والصعاب ‪ ،‬فتلين له الصعاب ‪ ،‬ويقول‬
‫المتنبي ‪ :‬بانتسابهم إلى هذا األمير وخدمته ‪ ،‬تمكنوا من أعدائهم ‪ ،‬فانقادوا لهم ‪.‬‬

‫والبن زيدون قصيدة في مدح المعتضد وابنه اسماعيل ‪ ،‬مطلعها ‪:‬‬

‫ص ْن ُع الله نَحْ َ‬
‫ـــــوكَ واغتدى‬ ‫ْ‬
‫وأن راح ُ‬ ‫لي ْه ِن ال ُهدَى إ ْنجا ُح َ‬
‫س ْع ِيكَ في ال ِعدَا‬
‫‪3‬‬

‫وعدلُكَ في ا ْستِئْصا ِل َم ْن َ‬
‫جار واعتدى‬ ‫الر ْش ِد في قمعِ َم ْن غوى‬
‫س ْب َل ُّ‬
‫ون ْه ُجك ُ‬

‫الردى‬ ‫صبح َم ْن عاداك في ْ‬


‫غمر ِة َّ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وأن باتَ َم ْن واالك في ن ْشوةِ ال ِغنَى‬
‫ْ‬

‫حرب بين المعتضد بن عبّاد والمظفر بن األفطس ‪ ،‬وانتهت‬


‫ُ‬ ‫والقصيدة قيلت عندما نشبت‬
‫بانتصار المعتضد سنة ‪ 112‬هـ ‪ ،‬وكان إسماعيل بن المعتضد وولي عهده قائدَ جيوشه ؛ فس ّجل‬
‫الشاعر هذا النصر العظيم ‪ ،‬والمتتبع للقصيدة يرى أنه يعارض بها قصيدة للمتنبي في مدح سيف‬
‫الدولة وتهنئته بعيد األضحى ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫سيف الدَّول ِة َّ‬


‫الط ْع ُن في ال ِعدا‬ ‫ِ‬ ‫عاداتُ‬
‫و َ‬ ‫ِل ُك ِّل ْامرئ من دهر ِه ما تَعَ َّ‬
‫ـــــودا‬

‫وي ُْمسِي ِبما ت َ ْنـــ ِوي أعادِيــ ِه أ ْس َعـــــدَا‬ ‫بض ِدّ ِه‬
‫جاف عنهُ ِ‬
‫اإلر َ‬ ‫وأن يُ ْكذ َ‬
‫ِب ْ‬ ‫ْ‬

‫هيكل القصيدتين ‪ :‬تقع معارضة ابن زيدون في سبعة وأربعين بيتا ً بدأها بالتهنئة والثناء ‪ ،‬دون‬
‫أن يم ّهد لها بذكر األحبة أو وصف الطبيعة كما اعتاد ذلك وقد مضى في المديح إلى آخر القصيدة‬
‫‪ ،‬وهذا شأن أغلب الشعراء في المدائح التي تسجل الحوادث التاريخية ‪ ،‬كالفتح ‪ ،‬أو هزيمة جيش‬
‫‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬حيث استهل ابن زيدون قصيدته بتهنئة المعتضد بن عباد بنصره على المظفر بن‬
‫األفطس بعدما تجرع ـ األخير ـ غصص الوبال ـ وظل في تهنئة ممدوحه في سبعة أبيات ثم‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 195‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪. 92 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬الصنع الجميل و المعروف ‪ ،‬واالك ‪ :‬ناصرك ‪ ،‬النشوة ‪ :‬السكرة أو الرائحة الطيبة ‪ ،‬الغمرة‬
‫الشدة ‪ ،‬وغمرات الموت شدائده ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 291 / 1‬‬
‫‪112‬‬
‫انتقل بذكر خصال ابن عباد الشريفة وأنه مؤه ٌل لهذ الظفر ؛ لينعم من وااله بنشوة الغنى ‪،‬‬
‫ويصبح من عاداه في غمرة الردى ‪ ،‬وعداد الموتى ‪.‬‬

‫ضة فتقع في اثنين وأربعين بيتا ً ‪ ،‬يمدح ويهنئ فيها سيف الدولة بعيد‬
‫أما قصيدة المتنبي المعار َ‬
‫األضحى مذكرا ً بأفعال سيف الدولة في خوضه المعارك التي تعود فيها على طعن األعداء ‪،‬‬
‫وأن هذا األمير كالبحر إذا اتيته مسالما ً ‪ ،‬فتجده هادئا ً تستطيع الغوص فيه ‪ ،‬وإذا أتيته محاربا ً‬
‫فاحذر هيجته ‪ ،‬وغضبه ‪ ،‬وفي حال السلم يتصف بالحكمة والكرم والجود والشجاعة والذكاء ‪،‬‬
‫وقد اتفقت القصيدتان في غرض المدح ‪ ،‬بل كل منهما في مدح أمير ‪ ،‬واتفقتا في الوزن فكالهما‬
‫من البحر الطويل ‪ ،‬والقافية الدالية مفتوحة الروي ‪ ،‬ولذلك تعد من المعارضات التامة ‪.‬‬

‫مضمون القصيدتين ‪ :‬ولعل المرتكز الرئيس الذي ترتكز عليه القصيدتان هو اإلشادة بالممدوح‬
‫في مواجهة األعداء ‪ ،‬يتضح ذلك من خالل مطلع القصيدتين الذي يشيد فيه الشاعران بكلمة‬
‫( العدا ) ‪ ،‬تصاحبها ألفاظ تدل على كف شرورهم ومواجهتهم ‪ ،‬حيث يقرن المتنبي هذه اللفظة‬
‫بالطعن ‪ ،‬ويقرنها ابن زيدون بالقمع ‪ ،‬واالستئصال ‪ ،‬والردى ‪ ،‬ويبدو جمال الموسيقى في‬
‫القصيدتين من خالل الدال الممدودة ‪ ،‬حيث يمد كال الشاعرين صوته ؛ ليوحي كل منهما بعظمة‬
‫ممدوحه ومكانته المرموقة عنده ‪ ،‬فأحدث هذا المد صوتا ً موسيقيا ً رائعا ً يستحسنه المتلقي ‪،‬‬
‫ويطرب له ‪ .‬ولعل داللة هذه الموسيقى التي أحدثها حرف المد هنا توحي بإظهار االخالص‬
‫والصدق للممدوح ‪ ،‬السيما أن ممدوح المتنبي هو سيف الدولة ‪ ،‬الذي كان يؤثره على كافور ‪،‬‬
‫وأن ممدوح ابن زيدون ابن عباد الذي كان يؤثره على ابن جهور‪.‬‬

‫االزدواج ‪ :‬وهو أن تتساوى البنية الصرفية مع البنية العروضية للبيت ‪ ،‬أو لجزئه ‪ ،‬وقد ورد‬
‫االزدواج في قصيدة المتنبي على هذا النحو ‪ :‬إذا كان ساكنا ً ‪ /‬إذا كان مزبِدا ً ‪ ،‬تفارقه هلكى ‪/‬‬
‫يخفى ‪ /‬ويُؤ َخذُ ما بدا ‪ ،‬فزيَّنَ معروضا ً ‪ /‬ورا َ‬
‫ع ُمسدَّدا ‪.‬‬ ‫س َّجدا ‪ ،‬فيُتْ ِركُ ما ْ‬
‫وتلقاهُ ُ‬

‫تمردا‬ ‫وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ‬


‫ئيم َّ‬ ‫ْ‬ ‫ريم ملَ ْكتَهُ‬ ‫إذا أ ْنتَ أ ْك ْ‬
‫رمتَ ال َك َ‬

‫وغنَّى به َم ْن ال يُغنِّي ُمغّـــ ِ ّردا‬ ‫فسار به ّم ْن ال يسي ُر ُمش ِ ّمرا‬

‫نوضح ذلك في الجدول التالي ‪ :‬فالبيت األول على هذا النحو ‪:‬‬

‫ملكنه‬ ‫الكريم‬ ‫أكرمت‬ ‫أنت‬ ‫إذا‬


‫تمردا‬ ‫اللئيم‬ ‫أكرمت‬ ‫أنت‬ ‫وإن‬

‫‪111‬‬
‫نالحظ أن كل كلمة في الشطر األول تقبل على أختها في الشطر الثاني ‪ .‬وفي البيت الثاني‬
‫على هذا النحو ‪:‬‬

‫مشمرا‬ ‫يسير‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫به‬ ‫سار‬ ‫ف‬


‫مغردا‬ ‫يغني‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫به‬ ‫غنى‬ ‫و‬

‫وورد االزدواج في قصيدة ابن زيدون على هذا النحو‪:‬‬

‫صبح َم ْن عاداك في ْ‬
‫غمرةِ الـــــ َّردى‬ ‫وأ ْ‬ ‫وأن باتَ َم ْن واالك في ن ْشوةِ ال ِغنَى‬
‫ْ‬

‫وارتدى‬
‫اعتم ْ‬
‫َ‬ ‫ويرضيك ‪ ٬‬في النّادي ‪ ٬‬إذا‬ ‫جر المة‬
‫يسركَ ‪ ٬‬في الهيجا ‪ ٬‬إذا ّ‬
‫ّ‬

‫وبُلّ ْغتُمـــا ‪ ٬‬م ّمـــا ت ُ ِريدانِــــه ‪ ٬‬ال َمــــدَى‬ ‫ضى‬ ‫وأعطيتُما ‪ ٬‬فيما تريغانِ ِه ‪ّ ٬‬‬
‫الر َ‬

‫ضـــ ّل وقـــد لقَّ ْيت َــــهُ قَ َب َ‬


‫ـــس ال ُهــــــدى‬ ‫و َ‬ ‫فَز ّل وقــــد ْأمطــيتَهُ ث َ َب َج ال ُّ‬
‫ســـها ‪،‬‬

‫فإذا نظرنا لهذه األبيات األربعة ‪ ،‬نجد أن كل كلمة في الشطر األول ‪ ،‬تقابل أختها في الشطر‬
‫الثاني ‪ ،‬فالفعل يقابله فعل ‪ ،‬واالسم يقابله اسم ‪ ،‬والحرف يقابله حرف ‪ ،‬بل االتفاق حتى في‬
‫الضمائر المتصلة ‪ ،‬وحركة اإلعراب ‪.‬‬

‫أسلوب الشرط ‪ :‬وردت أساليب للشرط في قصيدة المتنبي كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬إذا أ ْنتَ أ ْك ْ‬
‫رمتَ ال َك َ‬
‫ريم‬
‫تمردا ‪ /‬غص فيه إذا كان ساكنا ً ‪ /‬وأحذره إذا كان مزبِدا ً ‪ /‬فلو كان‬ ‫وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ‬
‫ئيم َّ‬ ‫ملَ ْكتَهُ ‪ْ /‬‬
‫ي ترهبٌ ترهبت األمالك ‪ /‬ومن كان يجعل‬ ‫قرن الشمس ما ًء ألوردا ‪ /‬فإن كان ينجي من عل ّ‬
‫تمردا‬ ‫وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ‬
‫ئيم َّ‬ ‫ريم ‪ /‬ملَ ْكتَهُ ‪ْ /‬‬ ‫الضَّرغام لصيَّ ِد تصيَّده الضرغام ‪ /‬إذا أ ْنتَ أ ْك ْ‬
‫رمتَ ال َك َ‬
‫صل ‪ /‬إذا أ ُ ْن ِش ْدتَ مدْحا ً فإنَّما بشعري أتاك المادحون ‪َ /‬م ْن وجدَ اإلحْ سانَ‬
‫‪ /‬إذا شدَّ زندي ضربْتُ بن ْ‬
‫قيْدا ً تقيَّدا ‪ .‬وذكر ابن زيدون بعض أساليب الشرط منها ‪ :‬إذا قي َل في ِه ق ْد تناهَى تولّدا ‪ /‬ول ّما‬
‫الجسيم تبلّدَا ‪ /‬إذا حاربتَ ‪ ٬‬فارفَ ْع لواءهُ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫اعتض ْدتَ اللهَ كنتَ مؤ َّهالً ‪ /‬إذا ج ّ‬
‫ش َم‬

‫الترديد ‪ :‬رد المتنبي بعض قوافيه على ألفاظ في البيت ‪ ،‬مثل ‪ :‬تعودا ‪ ،‬العدا ‪ /‬اهدى ‪ ،‬ما هدى ‪/‬‬
‫سدا ‪ /‬قيَّ ْدتَ ‪ ،‬تقيَّدا ‪ .‬وفي قصيدة ابن زيدون ‪ :‬العدى ‪ ،‬اغتدى ‪ /‬أحمدت‬ ‫النَّدى ‪ ،‬النَّدا ‪ /‬الح َّ‬
‫ساد ‪ ،‬ح َّ‬
‫صدى ‪ /‬الودّ ‪ ،‬تودّدا ‪ /‬غمده ‪ ،‬مغ َّمدا‬ ‫‪ ،‬فأحمدا ‪ /‬أعتضدت ‪ ،‬تُعضدا ‪ /‬الفراق ِد ‪ ،‬فرقدا ‪ /‬ال َّ‬
‫صدي ‪ ،‬ال ّ‬

‫‪111‬‬
‫المقابلة ‪ :‬وردت بعض المقابالت في شعر المتنبي ‪ ،‬فمن أمثلتها ‪ :‬مريد ضره ‪ ،‬ضر نفسه ‪ /‬هاد‬
‫يعط ‪ /‬فأصبح يجتاب المسوح ‪ ،‬وقد كان يجتاب الدالص ‪/‬‬
‫إلى الجيش ‪ ،‬وما هدى ‪ /‬أعطاك ‪ ،‬لم ِ‬
‫يمشي به العكاز ‪ ،‬وما كان يرضى مشي أشقر أجردا ‪ /‬فسار به ‪ ،‬من ال يسير ‪ /‬غنَّى ‪ ،‬من ال‬
‫يغني ‪ /‬يرى ‪ ،‬ما ترى ‪ .‬كما اعتمد ابن زيدون في كثير من أبياته على المقابلة ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫الردَى‬
‫وأصب َح من عاداكَ في غمرة ّ‬ ‫ْ‬
‫وأن باتَ َمن واالكَ في نَشوة ال ِغنى‬

‫إذا قي َل في ِه قــــ ْد تنا َهـــى تولّـــــدا‬ ‫َودَ ْولَة َ‬


‫س ْعد ال ا ْنتِــــــــها َء ِل َحـــــدّ ِه‬

‫َولَ ّج فَـــــــوالَيْتَ ال ِعقـــ َ‬


‫اب ُمــ َردَّدا‬ ‫تجنَّى فأ ْهدَيْتَ النّصيحة محضــــة‬

‫ظ ِليما ً ُم َ‬
‫شــ َّردا‬ ‫أن أمســــى َ‬
‫فل ْم يَعدُ ْ‬ ‫ص َّممـا ً‬
‫ض َحى ه ِِز ْبــرا ً ُم َ‬
‫رأى أنّه أ ْ‬

‫الصورة ‪ :‬يصور ابن زيدون النصر العظيم الذي حققه إسماعيل بن المعتضد مزريا ً بابن األفطس‬
‫بعد أن تخلى عن ابن حليفه الذي استنجد به وهو المعز بن إسحاق ‪ ،‬فأدت إلى مقتله فجزع عليه‬
‫أبوه فبكاه كما بكى لبيد أخاه أربد ‪ ،‬وأخذ ذلك القائد الشجاع يعصف بأعدائه حتى أحال الصباح‬
‫المشرق عليهم ليالً مظلما ً بما أثاره فوقهم من غبار كثيف ‪ ،‬وظهر ذلك القائد متأللئا ً وسط مثار‬
‫النقع تغمره فرحة النصر كالبدر الوضاء الذي تحسده األقمار‪ ،‬وفي ذلك يقول ‪:‬‬

‫تبرأ منه ‪ ،‬يعتدُّ البراءة َ ْ‬


‫أرشـــدا‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫قرين له أغواهُ ‪ ،‬حتى إذا هوى‬

‫أربــدا‬
‫بكاء لبيــــد حيـــنَ فارقَ ْ‬ ‫صاب بِث ُ ْكلــ ِه‬
‫ُ‬ ‫فأصبح يبكيه ال ُم‬

‫فحار وثنَّى ِ‬
‫ناظ َر الشمس أرمــدا‬ ‫َ‬ ‫الط ْلقَ ليالً عليهم‬
‫أعاد الصبا َح َّ‬

‫سدا ً‬ ‫األقمار ‪ ،‬في األُف ِ‬


‫ق ُح َّ‬ ‫ُ‬ ‫الح ُ‬
‫ظه ُ‬ ‫تُ ِ‬ ‫ظالم عجاجـة‬
‫ِ‬ ‫فح َّل هِالالً في‬

‫وهي صورة متكاملة رائعة تجسد موقف ذلك القائد المغوار ونصره الذي حققه في المعركة ‪،‬‬
‫ولعله نظر فيها إلى تصوير المتنبي لحال ابن الدمستق الذي فتك به سيف الدولة ‪ ،‬يقول المتنبي‬
‫مصورا ً هذا المشهد ‪:‬‬

‫المسردا‬
‫َّ‬ ‫ِّالص‬
‫يجتاب الد َ‬
‫ُ‬ ‫وقد كانَ‬ ‫تاب المسو َح مخافةً‬
‫فأصب َح يجْ ُ‬

‫وما كان يرضى م ْشي أ ْشقَ َر أجْ ردَا‬ ‫َّير تائبا ً‬ ‫ويمشي به العُ َّك ُ‬
‫از في الد ِ‬

‫جريحا ً وخلَّى َج ْفنَهُ النَّ ْق ُع أرمدا‬ ‫الكر وجْ َههُ‬


‫غادر ُّ‬
‫َ‬ ‫تاب حتى‬
‫وما َ‬

‫‪115‬‬
‫مدح القصيدة ‪ :‬تميز المتنبي عن ابن زيدون في هذه القصيدة بمدحه لشعره يقول في آخرها ‪:‬‬

‫ً‪1‬‬
‫إذا قُ ْلتُ ِش ْعرا ً أصب َح الد ُ‬
‫َّهر ُم ْنشِدا‬ ‫و َما الدَّ ْه ُر إالَّ من ُر َواةِ قالئِدي‬

‫وغنَّى ب ِه َم ْن ال يُغَنَّــــي ُمغَـــ ِ ّردا‬ ‫ش ِ ّمرا ً‬ ‫فسار ب ِه َم ْن ال يس ُ‬


‫ِير ُم َ‬ ‫َ‬

‫بش ْعري أتاكَ ال َمادِحــونَ ُمـــردَّدا‬ ‫أج ْزني إذا أ ُ ْن ِش ْدتَ َمدْحا ً فإنَّما‬
‫ِ‬

‫صدى‬
‫ي واآلخ َُر ال َّ‬
‫صائ ُح المحْ ِك ُّ‬
‫أنا ال َّ‬ ‫غير صوتي فإنَّنِي‬ ‫ع ُك َّل َ‬
‫صوت َ‬ ‫َودَ ْ‬

‫يقول المتنبي ‪ :‬ما الدهر إال من رواة قالئدي ‪ ،‬كلما قلت شعرا ً ردده أهل الدهر ‪ ،‬وتغنى به من‬
‫ال يعرف التغني بالشعر ‪ ،‬وأن شعري هو األصل ‪ ،‬وكل ما قاله الشعراء ترديد لما قلته ‪.‬‬

‫التأثر في األبيات ‪ :‬تأثر ابن زيدون ببعض أبيات المتنبي ‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ِلفَ ْيئ َ ِة َم ْن أ ْكر ْمتهُ َّ‬
‫فتمردا‬ ‫ولَ ْم ت َأْلُهُ ب ْقيا ً علي ِه ت ُّ‬
‫َنظرا ً‬

‫فقد نظر فيه لقول المتنبي ‪:‬‬

‫تمردا‬ ‫وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ‬


‫ئيم َّ‬ ‫ْ‬ ‫ريم ملَ ْكتَهُ‬ ‫إذا أ ْنتَ أ ْك ْ‬
‫رمتَ ال َك َ‬
‫‪3‬‬

‫يصف ابن زيدون فضائل ابن عباد ‪ ،‬وكرمه البن األفطس ‪ ،‬وتقديمه النصيحة له ؛ إبقا ًء عليه‬
‫‪ ،‬وانتظارا ً لعودة من أكرم ‪ ،‬ولكنه تمرد ‪ ،‬مشيرا ً إلى حكمة المتنبي الشهيرة ‪ ،‬التي وصف بها‬
‫سيف الدولة ‪ ،‬وموقفه من الدمستق ‪ ،‬قائالً له ‪ :‬إن الكريم يعرف قدر اإلكرام ‪ ،‬فيصير كالمملوك‬
‫لك ‪ ،‬إذا أكرمته ‪ ،‬أما اللئيم ‪ ،‬إذا أكرمته يزيد عتوا ً وتمردا ً ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫َرأوكَ بِعُ ْقباهُ َّ‬


‫أحق وأسْعدّا‬ ‫عدَ األعْدا ُء َّأو َل مطمع‬
‫سا َ‬
‫وك ْم َ‬

‫يشير إلى قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫وي ُْمسي ب َما ت َ ْنوي أعادي ِه أسْعدا‬ ‫بض ِدّ ِه‬
‫جاف عنهُ ِ‬
‫اإلر َ‬
‫ب ْ‬‫وأن يُ ْك ِذ َ‬
‫ْ‬

‫‪11‬ـ ديوان المتنبي ‪ . 262 / 1 ،‬وفي رواية " من رواة قصائدي " ‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 192‬لم تأله نصحا ً ‪ :‬لم تقصر في نصيحته ‪ ،‬البُقيا ‪ :‬االنتظار وترقب الخبر ‪ ،‬الفيئة ‪ :‬العودة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪. 299 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 192‬المطمع ‪ :‬ما يطمع فيه ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪. 291 / 1 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫كم ساعده األعداء فيما يرغب ‪ ( ،‬وهم ال يريدون ذلك ) ‪ ،‬ورأوه أحق بأن يُسعد ‪ ،‬فهم‬
‫يظهرون الخير ‪ ،‬ويبطنون الشر ‪ ،‬ويقول المتنبي ‪ :‬إن أعداءه يرجفون بهزيمته ‪ ،‬فيكذبهم بظفره‬
‫‪ ،‬ويريدون معارضته ‪ ،‬فيتحرشون به ‪ ،‬فيسعد بذلك ؛ ألنه يظفر عليهم ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫القذف ـ مثْنى ْ‬
‫ومو َحدَا‬ ‫ِ‬ ‫ـ بِ ِمثْ ِل نُ ُج ِ‬
‫وم‬ ‫ص ْن ِ‬
‫هاجة و" ِزنَات َة‬ ‫يراج ُم ِم ْن " ِ‬
‫ِ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ت األمالكُ مثْنى ْ‬
‫ومو َحدَا‬ ‫ت ََر َّهبَ ْ‬ ‫فلَ ْو كانَ يُ ْن ِجي ِم ْن عل ّ‬
‫ي تر ُّهبٌ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إن المعتضد يناضل من صنهاجة ‪ ،‬وزناتة ‪ ،‬وهما قبيلتان من البربر ‪،‬‬
‫فيتساقطون أمامه مثنى وموحدا ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬إن ترهبه هذا ال ينجيه من سيف الدولة ‪ ،‬ولو‬
‫كان ذلك ينجيه ‪ ،‬لترهبت سائر الملوك ‪ ،‬مثنى وموحدا ‪ ،‬يعني اثنين اثنين ‪ ،‬وواحد واحد ‪،‬‬
‫متواليين ‪ .‬ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫شكر النُّ ْعمى ‪ ،‬والَ َح ِف َ‬


‫ظ اليدَا‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫آثر األ َ ْولَى ‪ ،‬وال قَلَّد ِ‬
‫الحجى ‪،‬‬ ‫فَ َما َ‬

‫فقوله ‪َ " :‬ح ِف َ‬


‫ظ اليدَا " تضمين لقول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫و َم ْن لكَ بال ُح ِ ّر الَّذي يحْ فَ ُ‬


‫ظ ال َيدَا‬ ‫ار كالع ْف ِو عن ُه ُم‬
‫وما قَت َ َل األحْ َر َ‬

‫فالبيتان يلتقيان في هذا التضمن ‪َ ( ،‬ح ِف َ‬


‫ظ اليدَا ) يقول ابن زيدون ‪ :‬فما فضل المعتضد األهم ‪،‬‬
‫وال قلد التعقل ‪ ،‬وال حفظ المعروف ‪ .‬ويقول المتنبي ‪ :‬العفو عن الكرام قتل لهم ‪ ،‬كما أن البيتين‬
‫يلتقيان في هذه الصفات الحميدة ‪ ،‬التي يتحلى بها كل من الممدوحين ‪.‬‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫تَنَاو َل سيْفا ً دُونَهُ فت َقلَّدا‬ ‫سيْفا ً باتِكَ ال َح ِدّ قبْلهُ‬
‫ولَ ْم ن ََر َ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 191‬راجم في الكالم والعدو والحرب ‪ :‬بالغ بأشد مساجلة ‪ ،‬وتراجموا بالحجارة ‪ :‬تراموا بها ‪،‬‬
‫نجوم القذف ‪ :‬الشهب التي تصيب الشياطين ‪ ،‬مثنى وموحدا ‪ :‬مزدوجة ومفردة ‪ ،‬والمعنى يقذف األمير أعداءه بفرسان أشداء من قبيلتي‬
‫صنهاجة وزناتة أزواجا ً وآحادا ً كما تقذف الشهب الشياطين ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪. 295 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 192‬األْولى ‪ :‬األحرى واألفضل ‪ ،‬الحجا ‪ :‬العقل ‪ ،‬اليد ‪ :‬النعمى ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 299 / 1 ،‬‬
‫‪ ،5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 199‬سيف باتك الحد ‪ :‬قاطع مرهف ‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫‪1‬‬
‫أ َ َما يَت َوقَّى ش ْف َرت َْي ما تقَلَّدا‬ ‫س ْيفُهُ‬
‫فَيَا ع َجبَا ِم ْن دائِل أ ْنتَ َ‬

‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لم نر سيفا ً قاطع الحد قبله ‪ ،‬تناول سيفا ً من دونه وحمله ‪ ،‬ويقول المتنبي‪:‬‬
‫أما يخشى الدمستق بأن يكون األمير سيفا ً حادا ً ال يؤمن جانبه ‪ .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َولَ ْم ت َكُ كالدَّا ِعي يُجا ِوبهُ ال َّ‬
‫صدى‬ ‫ص ُر ‪ " :‬لبَّيكَ " ماثِالً‬
‫عوتَ ‪ ،‬فقال النَّ ْ‬
‫دَ َ‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫صدى‬
‫ي واآلخ َُر ال َّ‬
‫صائ ُح المحْ ِك ُّ‬
‫أنا ال َّ‬ ‫غير صوتي فإنَّنِي‬ ‫ع ُك َّل َ‬
‫صوت َ‬ ‫َودَ ْ‬

‫النصر بين يديك ‪ ،‬ولم تكن كالداعي يجاوبه‬


‫ُ‬ ‫النصر ‪ ،‬مثل‬
‫َ‬ ‫يقول ابن زيدون ‪ :‬إذا دعوتَ‬
‫الصدى ‪ ،‬يردد ما يقول وال يجيبه بشيء ‪ ،‬أما المتنبي ‪ ،‬فيمدح شعره ‪ ،‬يقول لممدوحه ‪ :‬دع كل‬
‫شعر غير شعري ‪ ،‬فأنا األصل ‪ ،‬والشعراء يرددون ما أقول ‪ .‬كما يتفق البيتان في ثنائية األنا‬
‫واآلخر‪ ،‬ففي بيت المتنبي ‪ ،‬بينه ‪ ،‬وبين باقي الشعراء ‪ ،‬وجعلها ابن زيدون بين المعتضد ‪ ،‬وغيره‬
‫من الملوك ‪.‬وااللفاظ المشتركة بين البيتين ( الفعل ‪ :‬دعا ‪ ،‬واالسم ‪ :‬والصدى ) ‪.‬‬

‫ومن قصائد المتنبي التي عارضها ابن زيدون ‪ ،‬النونية التي مطلعها ‪:‬‬

‫ُ‪3‬‬
‫كأس ‪ ،‬وال سكــــن‬
‫وال ندي ٌم ‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ُ‬
‫وطـن‬ ‫بَم َالتّعَلُّ ُل ؟ ال أ ٌهــل وال‬

‫‪4‬‬
‫ش َج ُن ؟‬
‫عادَهُ َ‬ ‫وذلك في قصيدة ابن زيدون التي مطلعها ‪ :‬ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ َ‬
‫غ ِريْبا ً َ‬

‫محتوى القصيدتين ‪ :‬قال المتنبي هذه القصيدة " فيمن كانوا ينعونه عند سيف الدولة ويقولون أنه‬
‫مات أو أنه اغتيل أو أنه مرض ومات مرضا ً ‪ .‬ثم أن إحدى اإلشاعات عن موته تعاظمت‬
‫وأوشكت أن تتحقق في بالط سيف الدولة ‪ ،‬ونمي األمر إلى المتنبي ‪ ،‬فانتفض ونظم إحدى أبدع‬
‫قصائده ألنه صدر فيها عن الوجدان المحض وعن إحساس بالوجود ‪ ،‬بعد أن أوشك وجوده أن‬
‫‪ ،‬أما ابن زيدون فقد قال قصيدته لما ح َّل به العيد وهو بعيد عن أهله ‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫يمحق أو يزول "‬
‫(المعارضة) في عشرة أبيات بينما تقع‬
‫ِ‬ ‫فناجاهم بهذه األبيات ‪ ،‬وقد وقعت قصيدة ابن زيدون‬
‫(المعارضة) في خمسة وعشرين بيتا ً ‪ ،‬وقد اتفقت القصيدتان في الموضوع وهو‬
‫َ‬ ‫قصيدة المتنبي‬
‫الحنين و الشكوى ‪ ،‬وكلتاهما من البحر البسيط ‪ ،‬و القافية النونية مرفوعة الروي ‪ .‬ورغم قصر‬

‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪. 299 / 1 ،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬ماثال ‪ :‬منتصبا ‪ ،‬الصدى ‪ :‬رجع الصوت ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان المتنبي ‪. 211 / 1‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪5‬ـ حاوي ‪ ،‬المتنبي سيرته ونفسيته وفنه من خالل شعره ‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪119‬‬
‫قصيدة ابن زيدون المحتوية على عشرة قواف إال أنها تشترك مع قصيدة المتنبي في ستة قواف "‬
‫وهذه النسبة تكشف عن مدى التأثر وتقارب التجربة والحالة الشعورية "‪. 1‬‬

‫المطلع في القصيدتين ‪ :‬لعل جمال القصيدتين وروعتهما تكمن في هذا المطلع ‪ ،‬الذي جاء‬
‫موازيا ً للقصيدة ‪ ،‬فعند سماعنا له ‪ ،‬يعرف مقصود القصيدة ومدلولها ‪ ،‬فيبدأ المتنبي بهذا االستفهام‬
‫المحير‪ (،‬بم التعلل ؟ ال أهل وال وطن ؟ ) فالشاعر يشكو زمانه الذي أبعده عن أهله ووطنه ‪،‬‬
‫فجعله في غربة وشوق إليهما ‪ ،‬كذلك يبدأ ابن زيدون بهذا االستفهام ( هل تذكرون غريبا ً ) ‪،‬‬
‫مصرحا ً بهذه الغربة من أول وهلة ‪ ،‬فغربة المتنبي أبعدته عن ممدوحه ومجلسه ‪ ،‬وغربة ابن‬
‫زيدون أبعدته عن أميره ومحبوبته ‪ ،‬ثم يؤكد ابن زيدون مأساته ويعزز شكواه ‪ ،‬مواسيا ً المتنبي‬
‫في محنته وشكواه ‪ ،‬فيثني بمطلع المتنبي في خاتمة قصيدته ‪ ،‬ليعود على ما بدأ ‪ ،‬وليلفت النظر‬
‫إليه ‪ ،‬وهذا التضمين يرمز إلى تأصل التأثر والتأكد على اإلعجاب ودقة االختيار ‪.‬‬

‫البناء األسلوبي ‪ :‬برزت في القصيدتين بعض األساليب ‪ ،‬فمنها ‪ ،‬األنا ‪ :‬من خالل تتبعنا‬
‫للقصيدتين نالحظ بروز األنا التي طغت على أغلب أبيات القصيدتين ‪ ،‬من حيث الضمائر ‪،‬‬
‫والياء ‪ ،‬والتاء ‪ ،‬وأفعال المضارع التي تنسب للمتكلم ‪ ،‬ولعل الغرض من ذلك إنه يريد كل منهما‬
‫أن يثبت أمام هذه التجربة القاسية التي أوشكت أن تسقطهما ‪ ،‬وكأنهما يريدان أن يبرزا قوتهما ‪،‬‬
‫ويعززان وجودهما وتعلو كلمتهما من خالل هذه األنا المتفجرة ‪.‬‬

‫فمن صور األنا التي برزت في ألفاظ ابن زيدون ‪ :‬فبتُ ‪ ،‬أشكو ‪ ،‬أجالس ‪ ،‬أحبهم ‪ ،‬أضيعها ‪،‬‬
‫أصاحب ‪ ،‬أقي ُم ‪ ،‬أذ ُّل ‪ ،‬ألذُّ ‪ /‬يبلغني ‪ُّ /‬‬
‫مت ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫شفَّني ‪ ،‬بيننا ‪ ،‬كنَّا ‪ .‬وورد في ألفاظ المتنبي ‪ :‬أريدُ ‪،‬‬
‫نعيتُ ‪ ،‬قلتُ ‪ ،‬انتفضتُ ‪ ،‬سهرتُ ‪ /‬بليتُ ‪ ،‬ذكرتُ ‪ /‬مهجتي ‪ ،‬دفني ‪ ،‬عرضي ‪ ،‬رحيلي ‪ ،‬مريري‬
‫ي ِ ‪ ،‬بيني ‪ ،‬إني ‪ ،‬بي ‪ ،‬عني ‪ ،‬لك ِنّي ‪.‬‬
‫‪ ،‬مهري ‪ /‬عل ّ‬

‫المخاطبة ‪ :‬يخاطب كال الشاعرين معشوقهما ( الوطن ‪ ،‬أو الممدوح ‪ ،‬أو الحبيب ) في كثير من‬
‫أبيات القصيدتين ‪ ،‬وقد ورد هذا الخطاب بصيغة الجمع ؛ تفخيما وتعظيما للمخاطب ‪ ،‬فمن تلك‬
‫األلفاظ في قصيدة المتنبي ‪ :‬حملتكم ‪ ،‬هوادجكم ‪ ،‬عندكم ‪ ،‬رأيتكم ‪ ،‬جاركم ‪ ،‬مرعاكم ‪ ،‬منكم ‪،‬‬
‫رفدكم ‪ ،‬منكم ‪ ،‬رفدكم ‪ ،‬بينكم ‪ ،‬لكم ‪ ،‬ودكم ‪ ،‬غيركم ‪ ،‬وعند ابن زيدون ( ذكركم ‪ ،‬عادكم ) ‪.‬‬

‫التباين بين القصيدتين ‪ :‬تميز كل من الشاعرين بأساليب معينة ‪ ،‬حيث نرى تكرار الفعل‬
‫الماضي الذي اتصلت به واو الجماعة ‪ ،‬يتحدث فيه عن مبغضيه عند سيف الدولة ‪ ،‬فنراه يكرر‬
‫أفعال الماضي ‪ ،‬مثل ‪ ( :‬هووا ‪ ،‬عرفوا ‪ ،‬فطنوا ‪ ،‬تحملوا ‪ ،‬ماتوا ‪ ،‬دفنوا ) ‪ ،‬ليثبت أنه موجود‬

‫‪ 1‬ـ الجمل ‪ ،‬إيمان ‪ ،‬المعارضات في الشعر األندلسي ‪ ،‬دار الوفاء اإلسكندرية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪ ، 2229‬صـ ‪. 191‬‬
‫‪116‬‬
‫وأن كيدهم مردود عليهم ‪ ،‬وبذلك تظهر الثنائية في أسلوب قصيدته من خالل التضاد ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫( هووا ـ وما عرفوا ) ‪ ( ،‬أن يبلغني ـ ما ليس يبلغه ) ‪ ( ،‬فما يديم سرور ـ ما سررت ) ‪ ( ،‬كم قد‬
‫قُ ِتلتُ وكم قد ُّ‬
‫مت عندكم ـ ثم انتفضتم فزال القبر والكفن ) ‪ ( ،‬قد كان شاهد دفني قبل قولهم ـ‬
‫جماعة ثم ماتوا قبل َمن دفنوا ) ‪ ( ،‬تجري الرياح بما ال تشتهي السفن ) ‪ ( ،‬بيني ـ وبينكم ) ‪،‬‬
‫( إني أصاحب ـ وال أصاحب ) ‪ ( ،‬سهرت ـ الوسن ) ‪ ( ،‬إن تأخر ـ فما تأخر) ‪.‬‬

‫وقد أشارت الدكتورة إيمان الجمل إلى أن هناك ثمة ميزة انفرد بها ابن زيدون وهي‬
‫‪ ،‬ولعل سبب‬ ‫‪1‬‬
‫استخدامه للجمل االعتراضية والتي انتشرت في سائر أبياته سوى ثالثة أبيات‬
‫كثرة هذه الجمل االعتراضية هو الحيرة والحزن واليأس الذي انتاب ابن زيدون في غربته ‪،‬‬
‫وحيرته ؛ ومن هنا كثرت االستفهامات في القصيدة كقوله ‪ ( :‬هل تذكرون غريباً؟ ) ‪ ( ،‬أيبقى في‬
‫جوانحه فؤاده؟ ) ‪ ( ،‬هل أجالس أقواما ً أحبهم ؟ ) ‪ (،‬بم التعلل؟ ) ‪.‬‬

‫التأثر في األبيات ‪ :‬وقد تأثر ابن زيدون بقول المتنبي ‪:‬‬

‫َم َودَّة ً فَ ْه َو يَ ْبلُوهَا ويَ ْمت َِحــــــن‬


‫ُ‪2‬‬
‫ي َولَك ِنّي ذَ َك ْرتُ لَهُ‬ ‫ُه َو َ‬
‫الوفِ ُّ‬

‫وذلك في قوله ‪ :‬ـ أعني ابن زيدون ـ ‪:‬‬

‫ام بِ ِح ْف ِظ العَ ْه ِد ت ُ ْمت َ َحن‬


‫ُ‪3‬‬ ‫َّ‬
‫إن ال ِك َر َ‬ ‫ع ُهودا ً ال أ ُّ َ‬
‫ض ِيّعُ َها‬ ‫ْأو تَحْ فَ ُ‬
‫ظونَ ُ‬

‫يقول المتنبي ‪ :‬هو الوفي بما وعدني ‪ ،‬غير أنه ال يختبر ما ذكرت له من المحبة ‪ ،‬فلهذا‬
‫يتأخر عني ما وعدني به ‪ .‬ويقول ابن زيدون ‪ :‬إنني ال أضيع العهود ‪ ،‬فالكرام يمتحنون بحفظ‬
‫العهد ‪ ،‬والوفاء به ‪.‬‬

‫كما استلهم ابن زيدون قول المتنبي لمبغضيه ‪:‬‬

‫ُ‪4‬‬
‫سن‬
‫الو َ‬
‫ع َوى َ‬
‫وار َ‬
‫يري ْ‬ ‫ث َّم ا ْست َ َم َّر ِ‬
‫مر ِ‬ ‫شةً ل ُك ُم‬
‫هرتُ ب ْعدَ َر ِحيلي َوحْ َ‬
‫س ْ‬‫َ‬

‫وذلك في قوله ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫س ُن؟‬ ‫ـ ِم ْن ِذ ْك ِر ُك ْم ـ َو َجفا أجْ فَانَهُ َ‬
‫الو َ‬ ‫ش َج ُن‬ ‫ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريْبا ً َ‬
‫عادَهُ َ‬

‫‪ 1‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬


‫‪ -2‬ديوان المتنبي ‪ ، 216 / 1‬المودة ‪ :‬المحبة ‪ .‬االبتالء ‪ :‬االختبار ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬تمتهن ‪ :‬تختبر ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 219 / 1 ،‬المرير ‪ :‬جمع مريرة وهو القوة من الحبل ‪ ،‬استمر ‪ :‬استقام ‪ ،‬ارعوى ‪ :‬انزجر ‪ ،‬الوسن ‪ :‬النعاس ‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪122‬‬
‫يقول المتنبي ‪ :‬لما فارقتكم سهرت ‪ ،‬واستوحشت ‪ ،‬ثم تصبرت واستقام امري ‪ ،‬ورجع النوم‬
‫إلى عيني ‪ ،‬فنمت وذهب ما كان بي ‪ .‬أما ابن زيدون ‪ ،‬فيخاطب األحبة متسائالً ‪ :‬أال تذكرون‬
‫غربتي ‪ ،‬وأشجاني فلقد جفا عيني النوم والوسن ‪.‬‬

‫ونالحظ أن الشكوى تختلف بين الشاعرين ‪ ،‬فالمتنبي يشكو من الزمن ومبغضيه فيقول ‪ :‬لما‬
‫فارقتكم سهرت واستوحشت ثم تصبرت واستقام امري ورجع النوم إلى عيني ‪ ،‬فنمت وذهب ما‬
‫كان بي ‪ ،‬في حين نجد أن الشكوى عند ابن زيدون اقتصرت على الزمن الذي أبعده عن أحبته‬
‫الذين تذكرهم يوم العيد ‪ ،‬فالمتنبي عندما كان بمصر حن ألهله ووطنه وإلى مجالس سيف الدولة‬
‫بحلب ‪ ،‬ولما كان ابن زيدون " نازحا ً عن وطنه ‪ ،‬نائيا ً عن أهله " ‪ 1‬تداعت إلى نفسه تجربة‬
‫المتنبي ‪ ،‬فاستحضرت عبقريته قصيدة المتنبي مضمنا لمطلعها ‪ ،‬خاتما ً به قصيدته وقد كرر ابن‬
‫زيدون استحضار تجارب الشعراء ‪ ،‬ومن ذلك تجربة البحتري الغزلية ‪ ،‬فعندما تشابهت تجربة‬
‫ابن زيدون والبحتري في الحب عارض نونيته الشهيرة ‪ ،‬بنونية مثلها أسلوبا ً وغرضا ً وقافية ‪،‬‬
‫ألن الشاعر المتأخر عندما تتشابه تجربته مع تجربة سابقه " يجد نفسه مدفوعا ً إلى صاحبها ‪،‬‬
‫ّ‬
‫مشدودا ً إلى شعره ‪ ،‬يستلهم معانيه وأفكاره ويطرح من خاللها صوره ومواقفه دون أن يخشى‬
‫اتهاما ً له بالسطو أو السرقة "‪ . 2‬ومن هنا يمكن القول بأن معارضة ابن زيدون لقصيدة المتنبي‬
‫هي استحضار للتجربة والحالة الشعورية ‪ ،‬ولم تكن هذه المعارضة من أجل المباراة والمضاهاة‬
‫بالشاعرية ‪ ،‬وإنما ظهر تأثره في الجو النفسي ‪.‬‬

‫‪ :‬ظهرت معارضات ابن زيدون لقصائد أبي تمام والبحتري والمتنبي جلية في‬ ‫الخالصة‬
‫شعره ‪ ،‬وليس غريبا ً أن يتأثر بقصائدهم ويعارض بعضها ‪ ،‬فهو شاعر تتلمذ على هؤالء الفحول‬
‫فتشرب مذاهبهم ‪ ،‬واستقى من معانيهم وصورهم وألفاظهم الشيء الكثير‪ ،‬واستلهم‬
‫ّ‬ ‫العباسيين ‪،‬‬
‫تجاربهم الشعورية والعاطفية ‪ ،‬وتأثر بالكثير من قصائدهم وأبياتهم ‪ ،‬وموضوعاتهم الشعرية ‪،‬‬
‫وهو إنما يفعل ذلك العتبارات أهمها‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ غدت المعارضات الشعرية لقصائد هؤالء الشعراء العباسيين واضحة في شعر ابن زيدون ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولع ابن زيدون بالمعارضة ‪ ،‬والتضمين ‪ ،‬واالقتباس ‪ ،‬والمنافسة لفحول الشعراء العباسيين‬
‫حيث كتب أشهر قصائده على غرار القصائد المشهورة ألبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪.‬‬
‫وقد جاءت معارضاته لهؤالء الشعراء بنسب متقاربة ‪ ،‬وإذا نظرنا إلى هذه القصائد التي‬
‫عارضها ابن زيدون نجد أن أغلبها في غرض المديح ؛ ولعل السبب في ذلك أن ابن زيدون يريد‬
‫‪ -1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ 2‬ـ التطاوي ‪ ،‬عبد الله ‪،‬المعارضة الشعرية بين التقليد واإلبداع ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬الفجالة ‪ ،‬مصر ‪ ، 1699 ،‬ص‪. 69‬‬
‫‪121‬‬
‫أن يظهر بمظهر المتمكن أمام ممدوحيه ‪ ،‬لذلك اتخذ المدائح الجياد عند هؤالء الشعراء نموذجا ً‬
‫يحتذيه ‪ ، .‬واتضح اتفاق ابن زيدون مع البحتري في حنينه إلى المرأة ومواطنها بعد القطيعة‬
‫بينهما ‪ ،‬وكذلك ظهرت بعض األبيات مشتركة بينهما في مقدمات قصائدهم ‪ ،‬واتفق مع أبي تمام‬
‫‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬في مدح القصيدة والثناء عليها ‪ ،‬بعد الثناء على الممدوح ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المبحث الثالث ‪ ،‬تضمين ابن زيدون ألبيات أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪:‬‬

‫عهُ إيااهُ ‪ ،‬كما ت ُو ِدع ُالوعا َء المتاع َ‪ ،‬وال َمياتَ القَ ْب َر ‪،‬‬ ‫شيء ال ا‬
‫شيء ْأو َد َ‬ ‫ض امنَ ال ا‬
‫التضمين لغة ‪َ :‬‬
‫ض امنت َهُ بَ ْيتا ً ‪.1‬‬
‫عر ما َ‬ ‫ض ام ُن من ال ِ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫وال ُم َ‬

‫والتضمين اصطالحا ً ‪ " :‬قصدك إلى البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو‬
‫وسطه كالمتمثل "‪.2‬‬

‫فالتضمين بالمعنى اللغوي واالصطالحي ‪ ،‬يعني أخذ الشاعر المتأخر بيتا ً أو جزءا ً منه من‬
‫قصيدة الشاعر المتقدم ‪ ،‬ووضعه في قصيدته ‪ ،‬من باب اإلعجاب واالستشهاد والتأثر ‪ ،‬ال من‬
‫باب األخذ والسرقة ‪.‬‬

‫واستلهام الموروث الشعري قديمه وحديثه ‪ ،‬ظاهرة واضحة في شعر األندلسيين في القرن‬
‫الخامس ‪ ،‬غير أن ذلك ال يعني االحتذاء والتقليد بمعناهما المعروف دائما ً ‪ ،‬بل يدل أحيانا ً على‬
‫الرغبة في االستفادة من الموروث الذي يمثل عنصرا ً أساسيا ً في تكوينهم ‪ ،‬ويكون أحيانا ً أخرى‬
‫تأثرا ً ال شعوريا ً بمحفوظهم الغزير ‪ ،‬وما ترسب في نفوسهم من رواسب الموروث الشعري ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫الذي يشكل جز ًءا من تكوينهم باعتبار " أن األدب األندلسي ليس مستقالً بذاته "‬

‫أن " كثيرا ً ما يريد الشاعر التعبير عن معنى من‬


‫أن الغرض من التضمين هو ّ‬
‫ويبدو ّ‬
‫المعاني ‪ ،‬لكنه يرى شاعرا ً آخر عبّر عن المعنى نفسه بصورة حسنة متميزة فيستعير منه هذا‬
‫البيت ويضمنه في قصيدته ‪ ،‬وهذا التضمين يحمل إعجاب الشاعر المستعير وعلو شأن الشعر‬
‫الذي ضمنه في رأيه ‪ ،‬فهو يراه رافدا ً للقصيدة ووسيلة رقي بمستواها ‪ ،‬والسيما إذا كان‬
‫المستعار منه شاعرا ً مرموقا ً ‪ ،‬والمستعار بيتا ً متميزا ً "‪.4‬‬

‫ع ِرف ابن زيدون كغيره من الشعراء األندلسيين ـ بتضمينه ألشعار المشارقة ‪ ،‬ويرجع‬
‫وقد ُ‬
‫هذا إلى عامل التأثر والتأثير بينه وبين الشعراء العباسيين ‪ ،‬وعالوة على ذلك فقد لجأ إليه من‬
‫باب اإلعجاب بكبار الشعراء العباسيين أمثال أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ .‬وفي هذا‬
‫المبحث سنتتبع كيفية تضمين ابن زيدون ألشعار أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ضمن ‪ ،‬الجزء الرابع ‪.. 2111 ، 2112 ،‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن رشيق ‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى ‪،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪. 91 /2 ،1611 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ لغزيوي ‪ ،‬علي ‪ ،‬أدب السياسة والحرب في األندلس من الفتح إلى نهاية القرن الرابع الهجري ‪ ،‬مكتبة المعارف الرباط ‪، 1699،‬‬
‫ص ‪. 195‬‬
‫‪ 4‬ـ عمايرة ‪ ،‬د ـ حنان ‪ ،‬األثر المشرقي في شعر ابن خفاجة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬صـ ‪. 215‬‬
‫‪121‬‬
‫أوالً‪ ،‬تضمين ابن زيدون ألبيات أبي تمام ‪:‬‬

‫ضمن ابن زيدون بعض أجزاء األبيات من شعر أبي تمام ومن ذلك ما جاء في قصيدته التي‬
‫تغنى فيها بذكريات ليالي قرطبة الجميلة ‪ ،‬مفتتنا ً بجمال طبيعتها ‪ ،‬وجمال حبيبته ‪ ،‬حانا ً إلى‬
‫مجالس أنسها ‪ ،‬ومطلعه ‪:‬‬

‫بالحمى‬ ‫ْث ْ‬
‫أطالل األحبا ِة ِ‬ ‫سقَى الغَي ُ‬
‫َ‬
‫إلى أن قال ‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫غض َّ‬
‫والزمان ُ ُ‬
‫غال ُم "‬ ‫ُّ‬ ‫العيش‬
‫ُ‬ ‫إذ "‬ ‫فكم َرفَلَ ْ‬
‫ت فيها الخرائدُ كالدُّمى‬

‫فالشطر الثاني من البيت من قصيدة أبي تمام في مدح المأمون ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صبر ِه اإللما ُم‬
‫ِ‬ ‫كم ح َّل عقدة َ‬ ‫ِد َم ٌن أل َّم بها فقال سالم‬

‫إلى أن قال ـ في البيت ( السابع ) ‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫غض والزمان غال ُم ؟‬
‫ُّ‬ ‫العيش‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫أراك ‪ ،‬ف َه ْل أراك ِبغبطة‬
‫ِ‬ ‫ولقد‬
‫فابن زيدون في حنينه إلى مجالس قرطبة الجميلة أراد ّ‬
‫أن يصف هذه المجالس الجميلة التي‬
‫كانت تتهادى فيها الفتيات الحسان التي تشبه الدمى المتقنة الصنع ‪ ،‬فاستدعت ذاكرته مقدمة أبي‬
‫تمام الغزلية ‪ ،‬فاستعار منه هذا الشطر ؛ لخدمة غرضه ‪ ،‬فجاء تضمينه مناسبا ً و موافقا ً لما أراد‬
‫أن يقول ‪ .‬ويقول ابن زيدون ‪ ،‬في عتاب أبي الحزم بن جهور ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫مأل َ ال َمسام َع " سائال ً و ُم ِجيباً"‬ ‫ولربا َما‬
‫صامتا ً ُ‬ ‫مأل َ النا ِ‬
‫واظ َر َ‬

‫فقوله " سائالً ومجيبا ً " تضمين للبيت ( الثاني ) من قصيدة أبي تمام ‪ ،‬في مدح أبي سعيد‬
‫محمد بن يوسف الثغري ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ت َ ِج ِد ال ا‬
‫ش ْوقَ سائِال ً و ُم ِجيبا ً‬ ‫فا ْسأ َلَ ْنها‪ ،‬واجْ َع ْل بُ َكاكَ َجوابا ً‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 129‬رفلت ‪ :‬تهادت وتبخرت ‪ ،‬الخرائد ‪ :‬الفتيات األبكار ‪ ،‬الدمى ‪ :‬تماثيل صغيرة متقنة الصنع ‪،‬‬
‫وتصنع من الرخام أو العاج يضرب بها المثل في الحسن ‪ ،‬فيقال أحسن من الدمية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ، 92 / 2 ،‬الدمن ‪ :‬جمع دمنة وهي آثار الديار ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪. 91 ،‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 129‬‬
‫‪ -5‬ديوان أبي تمام ‪. 62 / 1 ،‬‬
‫‪121‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تضمين ابن زيدون ألبيات البحتري ‪:‬‬

‫ضمن ابن زيدون الكثير من أجزاء أبيات البحتري ‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عناا ‪ ،‬و َ‬
‫ع ْي ُن ِ ّ‬
‫الرضى "ل ْم ت َنَ ْم"‬ ‫َ‬ ‫الوشاةِ‬
‫ون ُ‬‫عي ُ ُ‬ ‫ي نَا َم ْ‬
‫ت ُ‬ ‫ليَا ِل َ‬

‫فقوله ‪" :‬لم تنم " تضمين لقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ع ْن َها ولم يُنِ ِم‬
‫اظ ٍر لم يَنَ ْم َ‬
‫بِنَ ِ‬ ‫ق يَ ْك َأل ُ َها‬
‫علَى اآلفَا ِ‬
‫ف ُم ِط ٌّل َ‬ ‫َ‬
‫ط ْر ٌ‬

‫ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدن بالبحتري ‪ ،‬قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ب ِه بَانَ "الفَ َ‬
‫سا ُد ِمنَ ال ا‬
‫صالحِ"‬ ‫َو ِم ْن ِس ِ ّر ا ْب ِن "عباا ٍد " َد ِلي ٌل‬

‫فقوله ‪ " :‬الفَ َ‬


‫سا ُد مِنَ ال ا‬
‫صالحِ "يشير إلى قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ص َالحْ ؟‬ ‫أ ْم هل لحا ٍل فَ َ‬
‫س َد ْ‬
‫ت من َ‬ ‫هل أل ُ ْن ٍس بَانَ ِمن َرجْ َع ٍة‬
‫فَ ْ‬

‫وكذلك قول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫علَيكَ بِ ُ‬
‫ص ْن ِع ِه " ال ُم ْغ َدى ال ُم َراحِ"‬ ‫َ‬ ‫َوقَاكَ اللهُ َما ت َْخشَى!! َو َوالَى‬

‫حيث اقتبس ابن زيدون قوله ‪ ":‬المغدى المراح " من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫س ْي ِبكَ ال ُم ْغ َدى عل ا‬
‫ي ال ُم َراحْ ؟!‬ ‫عن َ‬ ‫ت أ َ ْع َدائِي ‪ ،‬وأ َ ْخ َرجْ تنِي‬
‫أ َ ْش َم ا‬

‫و يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫َولَ اج ال َه َوى في َحي ُ‬


‫ْث "ت ُ ْخشَى الغ ََوائِلُ"‬ ‫ض َالالً ت َ َما َدى ال ُحب ُّ في ال َم ْعش َِر ال ِع َدا‬
‫َ‬

‫فقوله " تخشى الغوائل " مضمنة من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ث َ َوى اليَ ْو َم َم ْن ت ُ ْخشَى َ‬
‫عل ْي ِه الغ ََوا ِئ ُل‬ ‫َدع ِال َم ْوتَ يغَت َ ْل َم ْن أرا َد فإناهُ‬

‫‪ -1‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 129‬‬


‫‪ -2‬ديوان البحتري ‪. 1695 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوانه ابن زيدون ورسائله ‪ ، 112 ،‬السر ‪ :‬األصل أو اللب أو محض النسب ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 119 / 1‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 111 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪. 119 / 1 ،‬‬
‫‪ -7‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 161 ،‬أل َّج ‪ :‬أل ّح ‪ .‬الغوائل ‪ :‬المصائب ‪.‬‬
‫‪8‬ديوان البحتري ‪. 1911 / 1 ،‬‬
‫‪125‬‬
‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اء " َما أ َ ْنتَ فَا ِع ُل ؟"‬
‫ف َم ْن ِلي با ْستِ ْيفَ ِ‬ ‫غي ُْر ُم ْق ِ‬
‫ص ٍر‬ ‫لكَ ال َخي ُْر !! إ ِنّي قَائِ ٌل َ‬

‫فقوله ‪ " :‬ما أنت فاعل " تضمين لقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫لَهُ في الذاي يأ ْ ِتيْه ِ ‪ :‬ما أ َ ْنتَ فَا ِع ُل ؟‬ ‫عا ول ْم نَقُ ْل‬ ‫األم َر َ‬
‫ط ْو ً‬ ‫َر َد ْدنَا إلَ ْي ِه ْ‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫اط ُل "‬
‫ع ِ‬‫ت َ َحلاى ِبها ِج ْي ٌد ِمن "ال اد ْه ِر َ‬ ‫ام َم َحا ِس ٍن‬
‫ظ َ‬‫ِي ال ِع ْق ُد ا ْن ِت َ‬
‫ساعٍ ه َ‬
‫َم َ‬

‫فقوله ‪ " :‬الدهر عاطل " مقتبس من قول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫عاط ُل‬
‫ِ‬ ‫قَ َراها َو َح َ‬
‫لى ال اد ْهر ‪ ،‬فال اد ْه ُر‬ ‫واألرض ُم ْ‬
‫ظ ِل ُم‬ ‫ُ‬ ‫ض‪،‬‬
‫األر ِ‬
‫وكانَ ِس َرا َج ْ‬

‫ثالثا ً ‪ :‬تضمين ابن زيدون ألبيات المتنبي ‪:‬‬

‫كما ضمن ابن زيدون في بعض قصائده أبياتا ً وأجزا ًء من شعر المتنبي ‪ ،‬يقول ابن شريفة ‪:‬‬
‫" وكان ابن زيدون ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ‪ ،‬ويقتبس منه في شعره "‪ 5‬وقد‬
‫عارض قصيدة المتنبي التي مطلعها‪:‬‬

‫ٌ‪6‬‬
‫أس ‪ ،‬وال سكن‬
‫وال ندي ٌم ‪ ،‬وال ك ٌ‬ ‫بَم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ْه ٌل وال و ُ‬
‫ط ٌن‬

‫وذلك في قصيدته التي أولها ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫س ُن؟‬ ‫ـ من ِذ ْك ِر ُك ْم ـ و َجفَا أجْ فَانَهُ َ‬
‫الو َ‬ ‫ش َج ُن‬ ‫َه ْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريبا ً َ‬
‫عادَهُ َ‬

‫فضمن آخرها مطلع المتنبي السابق ‪ ،‬فقال في خاتمتها‪:‬‬

‫‪8‬‬ ‫ٌ‬
‫سكن!"‬ ‫كأس ! ‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬
‫وطن ! وال نَدي ٌم ! ‪ ،‬وال ٌ‬ ‫" ِب َم الت َّ َعلُّ ُل ؟ الَ أ ْه ٌل! َ‬
‫وال‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 161 ،‬أقصر عنه ‪ :‬كف ونزع مع القدرة عليه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 1911 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 165 ،‬الجيد ‪ :‬العنق ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 1911 / 1 ،‬‬
‫‪5‬ـ ينظر " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ -6‬ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح العكبري ‪ ، 211 / 1 ،‬وقد قال هذه القصيدة وهو بمصر عندما َّ‬
‫حن إلى مجلس سيف الدولة بحلب ‪.‬‬
‫‪ -7‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 112‬الشجن ‪ :‬الحزن ‪ .‬الوسن ‪ :‬النوم ‪.‬‬
‫‪ -8‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬والبيت هو مطلع قصيدة المتنبي المذكورة ‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫فتضمين ابن زيدون لبيت المتنبي هذا ‪ ،‬دلي ٌل على شدّة االرتباط ‪ ،‬وعمق التأثير ‪ ،‬فبعد أن‬
‫استلهم ابن زيدون تجربة المتنبي وأحاسيسه ‪ ،‬ختم قصيدته ببيت المتنبي " كنوع من تكثيف‬
‫المعنى ومنحه نوعا ً من العمق بما يضفيه على السياق من إيحاءات وبما يكتسبه في سياقه الجديد‬
‫من دالالت "‪ .1‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫مر الليالي يُع َل ُم‬ ‫بيتا ً َ‬
‫علَى ِ ّ‬ ‫قَ ْد قا َل " شا ِع ُر ِك ْندة " فِي َما َم َ‬
‫ضى‬

‫‪3‬‬
‫علَى َج َوانِب ِه الدّ ُم"‬
‫الرفِي ُع ِمنَ األذَى حت َّى يُ َراقَ َ‬
‫رف َّ‬ ‫" ال يسلَ ُم ال َّ‬
‫ش ُ‬

‫فالبيت الثاني ‪،‬تضمين لقول المتنبي في هجاء إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫و َم ْو ِر َد ُه ُم َح ْي ُ‬
‫ث "ال ِ ّد َما ُء َمنَا ِه ُل"‬ ‫سال ُح َخ َمائِ ُل‬ ‫َم َرا ُد ُه ُم َح ْي ُ‬
‫ث ال ِ ّ‬

‫فقوله " الدما ُء مناه ُل " مقتبس من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ف ِم ْن َم ْزجِ ال ِ ّد َم ِ‬
‫اء ال َمنَا ِه ُل‬ ‫ولم ت َ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫وم ْن أ ّ‬
‫ي ِ ماءٍ َكانَ يَ ْس ِقي َجيا َدهُ‬ ‫ِ‬

‫يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫اب"‬
‫ص َو ُ‬ ‫ِل َع ْه ِدكَ ‪ْ ،‬أو " َي ْخفَى َ‬
‫عليكَ َ‬ ‫أن ت ُ ْست َ َذ ام َم ِر َ‬
‫يرة ٌ‬ ‫شاكَ ِم ْن ْ‬
‫و َحا َ‬

‫صواب " تضمين لقول المتنبي ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫فقوله ‪ " :‬يَخفَى عليك‬

‫اب‬
‫ص َو ُ‬ ‫َولَ ِك ْن ُربا َما َخ ِف َ‬
‫ي ال ا‬ ‫و َما َج ِهلَ ْ‬
‫ت أيادِيكَ البَوادِي‬
‫‪7‬‬

‫هكذا كان ابن زيدون في كثير من أشعاره يشير إلى أبيات من شعر أبي تمام والبحتري‬
‫والمتنبي ‪ ،‬حتى أصبح هذا التأثر ‪ ،‬وهذه اإلشارة إلى نصوصهم سمة ماثلة في شعر ابن زيدون‬
‫‪ ،‬وهذا يدل داللة واضحة على عمق التأثر ‪ ،‬وشدة اإلعجاب بشعر هؤالء الفحول العباسيين ‪.‬‬
‫وقد جاءت نسبة تضمين ابن زيدون ألشعارهم ‪ ،‬بنسب متقاربة ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ صعدور ‪ ،‬أشرف علي ‪ ،‬الغربة في الشعر األندلسي عقب سقوط الخالفة ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ـ جامعة القاهرة ‪ ، 1661 ،‬ص‬
‫‪.211‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 112‬فقوله شاعر كندة ‪ :‬يعني بذلك أبا الطيب المتنبي ‪ ،‬وكندة نسبة إلى المحلة التي ولد بها‬
‫‪3‬ـ ينظر المصدر نفسه ‪ ،‬في الصفحة نفسها ‪ ،‬والبيت مقتبس من قصيدة للمتنبي ‪ ،‬في هجاء ابن كيغلغ ‪ ،‬ومدح أبي العشائر ‪ ،‬ينظر‬
‫ديوان المتنبي ‪. 125 / 1 ،‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 199 ،‬‬
‫‪ -5‬ديوان المتنبي ‪. 111 / 1،‬‬
‫‪ -6‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 191 ،‬المريرة ‪ :‬الحبل الشديد الفتل ‪.‬‬
‫‪ -7‬ديوانه المتنبي ‪. 91 / 1 ،‬‬
‫‪129‬‬
‫المبحث األول ‪ ،‬أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر ابن‬
‫زيدون في بناء القصيدة ‪:‬‬
‫أهتم النقاد العرب األوائل ببناء القصيدة العربية اهتماما ً كبيرا ً ‪ ،‬إذ ارتبط بناؤها في الشعر‬
‫العربي بتقاليد فنية معينة أطلق عليها فيما بعد شكل القصيدة التقليدية بأصولها وقواعدها ‪،‬‬
‫المتمثلة في أجزائها المعروفة ‪ ،‬فوقفوا " طويالً عند مطلع القصيدة ‪ ،‬وعند االنتقال من فاتحتها‬
‫إلى الغرض منها ‪ ،‬ثم عند خاتمتها "‪. 1‬‬

‫وقد خضعت بنية القصيدة الجاهلية وكذلك القصيدة العباسية لهذا التقسيم ‪ ،‬كما خضعت بنية‬
‫القصيدة األندلسية لهذا البناء التقليدي المتمثل في المطلع ‪ ،‬وحسن التخلص ‪ ،‬والخاتمة ‪ ،‬ولكل‬
‫عنصر من هذه العناصر طابعه الخاص ‪.‬‬

‫ونحن في هذه الجزئية سنتتبع بنية القصيدة التقليدية عند أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪،‬‬
‫وأثرها في البنية الشعرية عند ابن زيدون ‪ ،‬وقبل أن نتتبع بنية القصيدة عند ابن زيدون علينا أن‬
‫نعلم أن قصائده تنقسم إلى قسمين ‪ :‬األول قصائد طوال ‪ ،‬وهي إما أن يهجم فيها على موضوعه‬
‫مباشرة دون أن يقدم له بمقدمة غزلية وغيرها ‪ ،‬وإما يجزئ فيها القصيدة إلى وحدات‬
‫وموضوعات صغرى ‪ ،‬تشتمل على أكثر من غرض ‪ ،‬وبالتالي فإنه يعنى فيها بالمطلع ‪ ،‬وحسن‬
‫التخلص ‪ ،‬وتجويد الخاتمة ‪ ،‬على طريقة الشعراء العباسيين ‪ ،‬والقسم الثاني مقطوعات ذات‬
‫موضوع واحد غالبا ً ما يتجاهل فيها االهتمام بالمطلع ‪ ،‬والتخلص ‪ ،‬والخاتمة ‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إلى قصائد ابن زيدون التي عدد موضوعاتها ‪ ،‬نجده في كثير من األحيان‬
‫سار على النهج الذي ارتضاه النقاد ‪ ،‬وهو الحرص والعناية بالعناصر األساسية التي تتكون منها‬
‫القصيدة ‪ ،‬وهي (المطلع ‪ ،‬وحسن التخلص ‪ ،‬والخاتمة ) ‪ ،‬باإلضافة إلى غرض القصيدة ‪.‬‬

‫أوال ً المطلع ‪ :‬حرص ابن زيدون في معظم قصائده بتحسين المطلع ؛ باعتباره فاتحة النص الذي‬
‫يدعو المتلقي إلى الدخول في عالمه الشعري ؛ ألن النقاد جعلوه " بمنزلة الوجه لإلنسان ‪،‬‬
‫والمفتاح للقفل "‪ . 2‬وقد اعتنى ابن زيدون بمطالع قصائده ‪ ،‬إذ اختار لها األلفاظ السهلة األنيقة ‪،‬‬
‫وتنويع الصيغة بين الخبر واإلنشاء ‪ ،‬وحشد المحسنات البديعية ‪ ،‬والعناية بالتصريع ‪ ،‬والمساواة‬
‫بين أشطارها ‪ ،‬ومراعاة النظير ؛ الستمالة المتلقي ‪ ،‬ولكي يتطلع إلى ما بعدها بشغف وازدياد ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ بدوي ‪ ،‬أحمد أحمد ‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬مكتبة نهضة مصر ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ، 1611 ،‬ص ‪. 266‬‬
‫‪ 2‬ـ العسكري ‪ ،‬أبو هالل ‪ ،‬كتاب الصناعتين ‪ ،‬الكتابة والشعر ‪ ،‬تحقيق علي البجاوي ‪ ،‬دار احياء الكتب العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1652 ،‬ص‬
‫‪. 161‬‬
‫‪129‬‬
‫ولهذا تعددت أنماط مطالعه ‪ ،‬وتنوعت أشكالها ‪ ،‬فمنها ما جاء على نمط القصيدة التقليدية‬
‫كالمقدمة الطللية ـ وإن كان نادرا ـ والمقدمة الغزلية ‪ ،‬ومنها ما جاء متماشيا ً مع مالمح التطور‬
‫والتجديد ‪ ،‬وهو النهج الذي اتخذه شعراء العصر العباسي ‪ ،‬بعدما طرأ عليهم من أسباب‬
‫الحضارة والمدنية ‪ ،‬فتركوا المقدمات التقليدية كالوقوف على األطالل ‪ ،‬والتشبيب بالحبيبة‬
‫وديارها ‪ ،‬وغدوا يبتدئون بوصف الطبيعة ‪ ،‬ووصف الخمر ‪ ،‬وأحيانا الدخول في الغرض دون‬
‫استهالل ‪ .‬ومن مقدمات ابن زيدون الطللية ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫بالح َمــــــــــــى‬
‫ِ‬ ‫ث أَ ْ‬
‫طـــالَ َل األ َ ِحـــــبا ِة‬ ‫سقــــــــــى الغَ ْي ُ‬

‫فالشاعر يستهل قصيدته بالدعاء بالسقيا لديار المحبوبة ‪ ،‬وآثارها الباقية ‪ ،‬وقد تتبعنا‬
‫ابتداءات شعراء العصر العباسي فوجدنا هذا النهج بارزا ً في قصائدهم ‪ ،‬فمن ذلك قول أبي تمام‬
‫في مدح محمد بن الهيثم بن شبانة ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ت عليه ْم نَض َْرة ٌ ونَ ِعي ُم‬
‫غ َد ْ‬
‫و َ‬ ‫طلُولَ ُه ُم أ َ َج ُّ‬
‫ش هَزي ُم‬ ‫أ َ ْسقَى ُ‬

‫وكذلك مطلع البحتري في مدح المهتدي بالله ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫ف ُ‬
‫غيُو ُم َها‬ ‫الوس ِْمي ُو ْ‬
‫ط ٌ‬ ‫ِع َها ٌد من َ‬ ‫سو ُمها‬ ‫ْث َحلا ْ‬
‫ت ُر ُ‬ ‫ار ل ْيلَى َحي ُ‬
‫سقَى َد َ‬
‫َ‬

‫ومن المقدمات الطللية في الشعر العباسي ‪ ،‬مقدمة الشيب ‪ ،‬حيث دأب شعراء العصر‬
‫العباسي ـ السيما البحتري والمتنبي ـ في كثير من مقدماتهم بالحديث عن الشيب والشكوى من‬
‫الزمان ‪ ،‬ومن ذلك قول أبي تمام في مدح الحسن بن سهل ‪:‬‬

‫ب‬
‫ع َج ِ‬ ‫وآ َل ما كانَ ِم ْن عُجْ ٍ‬
‫ب إلى َ‬ ‫ب‬
‫ص ِ‬ ‫سى أ َ ْن َرأَتْني ُم ْخ ِل َ‬
‫س القُ َ‬ ‫ت أَ ً‬
‫أَب َد ْ‬
‫‪4‬‬

‫ب ولم ت َْظ ِلــــ ْم ولم ت َ ُح ِ‬


‫ب‬ ‫إلى ال َم ِشي ِ‬ ‫عونـــي فَأَتْ َبعُها‬ ‫ت و ِع ْش ُ‬
‫ـــرونَ ت َ ْد ُ‬ ‫ِس ٌّ‬

‫فالشاعر يعلل لشيبه بما أصابه من أحداث زمانه ‪ ،‬وهموم حياته التي أصابته ؛ فظهرت‬
‫على مفرقه وهو في مقتبل العمر ‪ .‬ويقول البحتري في مطلع إحدى فصائده ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬


‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 111 / 2 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2221 / 1 ،‬الوسمي ‪ :‬أول الربيع سمي بذلك ألنه يسم األرض بالنبات ‪ .‬وظف ‪ :‬يقال في السحابة وظف ‪ :‬إذا تدلت‬
‫ذيولها ‪ ،‬وسحاب وظف ‪ :‬أي دان من األرض ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 19 / 1 ،‬أخلس رأسه ‪ :‬صار فيه بياض وسواد ‪ .‬القصب ‪ :‬جمع قُصبة ‪ :‬وهي ُخصْلة من الشعر تجعل كهيأة القصبة‬
‫الدقيقة ‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫‪1‬‬ ‫َو َوا ِع ٌ‬
‫ظ منه ْلوالَ أناهُ َح َج ْر‬ ‫ب زَ جْ ٌر لهُ لو كان يَ ْنزَ ِج ُر‬ ‫في ال ا‬
‫شي ِ‬

‫الشيب برأسه ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ويقول المتنبي في مطلع إحدى قصائده عندما أل ام‬

‫‪2‬‬
‫باللّ َم ِم‬
‫س ُن فِ ْعالً ِم ْنهُ ِ‬
‫ْف أحْ َ‬
‫سي ُ‬
‫وال ا‬ ‫َير ُمحْ ت َ ِش ِم‬ ‫ْف ألَ ام َ‬
‫برأ ِسي غ َ‬ ‫ضي ٌ‬
‫َ‬

‫وهذا األسلوب في ابتداء القصائد نجده بكثرة في شعر ابن زيدون ‪ ،‬فكان دائما ً ما تنتابه‬
‫شكوى من الدهر ومن الشيب ‪ ،‬ومن قصائده التي بدأها بالشكوى من الزمن ‪ ،‬والدهر قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ب ثأ ْ ِري ْ‬
‫البر ُق م ْنصلتَ النا ْ‬
‫ص ِل‬ ‫ويَ ْ‬
‫طلُ َ‬ ‫أن يبْكي الغَما ُم على مثْ ِلي ؟‬ ‫أَلَ ْم يَ ِ‬
‫أن ْ‬

‫ع ِم ْن نَثْ ِلي‬
‫ق ما ضا َ‬ ‫ِلت َ ْند َ‬
‫ُب في اآلفا ِ‬ ‫ت أ ْن ُجــ ُم اللا ْي ِل مــــــأْتما ً‬
‫َو َهالا أَقَا َم ْ‬

‫رأت ذُلاي‬
‫ْ‬ ‫أل َ ْلقَ ْ‬
‫ت بِأ ْيدِي الذُّ ِّل لَ امـــــا‬ ‫صفَتْنِي ـ وهي أ ْشكا ُل ِه امتِي ـ‬
‫ولو أ ْن َ‬

‫فرقَ ال اد ْه ُر ِم ْن ش َْم ِلــي‬ ‫بِ َم ْ‬


‫طلَ ِعها ما ا‬ ‫س ْب ُع الثُّرياا وغَا َ‬
‫ضــــها‬ ‫و ال ْف َ‬
‫ترقَ ْ‬
‫ت َ‬

‫فالشاعر يستهل هذه القصيدة " بالتماس الرحمة من كائنات جديرة بمشاركته عواطفه‬
‫ومشاعره ‪ ،‬وصعابه ومآسيه ؛ فالغمام آن له أن يبكي على مصابه ‪ ،‬ويطالب البرق بثارات حقه‬
‫المهضوم ‪ ،‬وتقيم أنجم الليل المآتم نادبةً ما ا‬
‫تعرض له الشاعر من شجن وعناء ‪ ،‬ولو أنصفته‬
‫‪4‬‬
‫هذه النجوم التي هي كف ٌؤ له امته لتهاوت من أبراجها لما ناله من ذ ٍّل وضير"‬

‫وأما من حيث ابتداء القصائد بالغزل ‪ ،‬فقد ابتدأ ابن زيدون الكثير من قصائده بالغزل ‪ ،‬على‬
‫طريقة الشعراء المشارقة ‪ ،‬ومن قصائده التي بدأها بالغزل ‪ ،‬وبالغ في إطالته ـ قصيدته في مدح‬
‫المعتضد بن عباد ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫احـي ؟‬
‫ارتيَ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫فَ َه َّز ِمنَ ال َه َوى ِع ْ‬
‫ط َ‬ ‫الريــــاحِ‬
‫ف ِّ‬ ‫ع ْرفُ ِك َرا َح في ُ‬
‫ع ْر ِ‬ ‫أ َ‬

‫ــــــراحِ‬
‫َ‬ ‫ب القَ‬
‫صتُ عليه بالعَذ ِ‬
‫َص ْ‬
‫غ ِ‬ ‫ض أ ْم ِعــــــدادٌ ؟‬ ‫و ِذ ْك ُر ِك ما َّ‬
‫تعر َ‬

‫ت راحِ؟‬ ‫ـ َهفَ ْ‬
‫ت بالعق ِل ـ أو نشــــوا ِ‬ ‫شــوق‬
‫ت ْ‬ ‫وهل أنا ِم ْن ِك في نَشَوا ِ‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪. 651 / 2 ،‬‬


‫ّ‬
‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 11 / 1 ،‬المحتشم ‪ :‬المستحي المنقبض ‪ .‬واللِمم ‪ :‬جمع لمة وهو الشعر الذي أل َّم بالمنكبين ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112 ، 211‬التت ُل ‪ :‬ضرب من الطيب ‪ ،‬غاض ‪ :‬نقص وقل ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أسعد ‪ ،‬محمد جاسر جبالي ‪ ،‬االستعطاف في الشعر األندلسي عصر ملوك الطوائف ( ‪ 122‬ـ ‪ ، ) 191‬رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة‬
‫النجاح ‪ ،‬نابلس ـ فلسطين ‪ ، 2221 ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 126 ، 129‬ال َعرف ‪ :‬الريح طيبة أو خبيثة ‪ ،‬العُرف ‪ :‬موج البحر أو شعر عنق الفرس ‪ ،‬العصف‬
‫‪ :‬الجانب ‪ ،‬العِداد ‪ :‬هياج الوجع أو مس من الجنون ‪ ،‬الماء القراح ‪ :‬الصافي الذي ال تشوبه شائبة ‪ ،‬النشوة ‪ :‬السكر ‪ ،‬هف ‪ :‬مال ‪،‬‬
‫لعمرك ‪ :‬وحقك ‪ ،‬ورى الزند ‪ :‬خرجت ناره ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫صل منك طــا َل لها ا ْق ِ‬
‫تداحــــــي‬ ‫ِلو ْ‬ ‫هـــواك ما َو ِريــ َ ْ‬
‫ت ِزنـــادٌ‬ ‫ِ‬ ‫لعَ ْم ُر‬

‫س ْق ِم ُجفُونِ ِك ال َم ْرضى ال ِ ّ‬
‫ص َحــاحِ‬ ‫ب ُ‬ ‫و َك ْم أ ْسقَم ِ‬
‫ت ـ من قلب صحيــح ـ‬

‫ب ْأل ِسنَ ِة الضَّنى ال ُخ ِر ِس ال ِف َ‬


‫صــــاحِ‬ ‫ص ْفهُ ِجسمي‬
‫َرام يَ ِ‬ ‫متى أ ُ ْخ ِ‬
‫ف الغ َ‬

‫يستهل الشاعر قصيدته بالحديث عن عبير المحبوبة الذي ضاع فحملته أمواج الرياح ‪،‬‬
‫وذكراها التي هاجت أحزان النفس وآالمها ‪ ،‬ألنها ذكرته بصدها وهجرها ‪ ،‬ومعاناته ‪ ،‬في هواها‬
‫الغالب وضنها بالحب والوصال ‪ ،‬فأمرضت نفسه ‪ ،‬وأسقمت قلبه بلحظات عينيها الفاترة ‪،‬‬
‫وأفصح نحول جسمه ‪ ،‬وذبول جسده عما حاول إخفاءه من الحب والهيام ؛ فلو خلع الثياب عنه‬
‫لخفي جسمه الذابل خفاء خصرها النحيل تحت الوشاح ‪.‬‬

‫و من القصائد التي استهلها بالغزل أيضا ً ‪ ،‬قوله في مدح " ابن عباد " ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫ف ال َم ُ‬
‫شوقَ ُمرا ُد‬ ‫ف ال َك ِل َ‬
‫ع َ‬ ‫لَ ْو َ‬
‫سا َ‬ ‫ِل ْلحبّ ِ ـ في ِت ْلكَ ال ِقبا ِ‬
‫ب ـ َم َرا ُد‬

‫ومن المقدمات التي جاءت متماشية مع البيئة األندلسية الحضارية ‪ ،‬تلك المقدمات التي‬
‫بدأها بالحديث عن الخمر ‪ ،‬ووصف الطبيعة ‪ ،‬فمن مطالع وصف الخمرة ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صبحِ ـ في اللايل ـ ت َأ ِشي ُْر‬
‫إلى أن بدا لل ُّ‬ ‫ب مدام ٍة‬ ‫أدمنا فيه ُ‬
‫ش ْر َ‬ ‫ولي ٍل ْ‬

‫ومن مطالع ابن زيدون في وصف الطبيعة ما جاء في قصيدته الضادية في المعتضد ‪،‬‬
‫عندما أباح له أن يتنزه وحرمه في إحدى جناته ‪ ،‬معتمدا في ذلك على وصف الطبيعة حيث أنه‬
‫افتن في وصف تلك البساتين والرياض الجميلة ‪ ،‬متأثرا ً بطريقة أبي تمام في اعتماده على وصف‬
‫الطبيعة في مقدمة القصيدة ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫يــــض‬
‫ُ‬ ‫ع ِر‬ ‫غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي البِي ُ‬
‫ْض ‪ :‬نَشَبٌ َوافِ ٌر ‪َ ،‬و َجاه ٌ َ‬ ‫َ‬

‫ش ْك ِري عليه غَض غ َِر ُ‬


‫يض‬ ‫ع ْهدُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل يوم َي ِجدُّ ِمنكَ ا ْهتِ َبـــــا ٌل‬

‫يــض‬
‫ُ‬ ‫ض َّل القَ ِر‬
‫َجا َل في وص ِفها فَ َ‬ ‫بوأَتْني نُ ْع َماكَ َجنَّــــــةَ َ‬
‫عدْن‬ ‫َّ‬

‫ريض‬
‫ُ‬ ‫ونسِي ٌم ـ يشفي النَّفُوس ـ َم‬ ‫وظـــــ ٌل َب ُرودٌ‬
‫تنى ُمدَّن ‪ِ ،‬‬
‫ُمجْ ً‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 119‬الكلف ‪ :‬المحب ‪ .‬مراد ‪ :‬أمل ‪.‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 215‬التأشير ‪ :‬التحزيز في األسنان وحدَّة أطرافها ‪.‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬
‫‪111‬‬
‫فابن زيدون يستهل قصيدته بوصف الطبيعة ‪ ،‬متأثرا ً في ذلك بشعراء العصر العباسي‬
‫كأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي في اعتمادهم على وصف الطبيعة في مقدمات قصائدهم ‪،‬‬
‫فالشاعر في هذه المقدمة يمزج بين الطبيعة والمدح وهو أسلوب تأثر فيه بالشعراء العباسيين ‪،‬‬
‫وقد وقف الدكتور مصطفى الشكعة عند هذه الظاهرة في شعر المديح األندلسي ‪ ،‬فرصدها عند‬
‫أبرز الشعراء الذين ظهرت في شعرهم ‪ ،‬وأشار إلى وجودها في الشعر المشرقي ‪ ،‬ووازن بينه‬
‫أقر بأنها مشرقية قبل أن تكون أندلسية‪ ، 1‬ودرس‬
‫وبين الشعر األندلسي في هذه الظاهرة ‪ ،‬وقد َّ‬
‫الدكتور عمر الدقاق هذه الظاهرة في موضوع ( المديح ) تحت عنوان ( الطبيعة والمديح ) ‪،‬‬
‫فالحظ أن عالقة المديح بوصف الطبيعة قد بدأت منذ أن هبت ريا ُح التجديد على الشعر إبَّان‬
‫العصر العباسي ‪ ،‬وقد تجلت في تجديد مقدمات القصائد المدحية‪. 2‬‬

‫وكان ابن زيدون في بعض األحيان يخوض في غرضه دون أن يمهد له بغزل ‪ ،‬أو نحوه ‪،‬‬
‫ومن ذلك قصيدته في مدح المعتضد ‪ ،‬عندما نشبت حروبٌ بين المعتضد بن عبّاد والمظفر ابن‬
‫األفطس ‪ ،‬وانتهت بانتصار المعتضد سنة ‪ 112‬هـ ‪ ،‬وكان إسماعيل بن المعتضد وولي عهده قائدَ‬
‫جيوشه ؛ فس ّجل الشاعر هذا النصر ‪ ،‬وقال مادحا ً األمير وابنه ‪ ،‬مستهالً قصيدته بقوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ـــــوكَ وا ْغت َدَى‬
‫ص ْن ُع الل ِه نَحْ َ‬ ‫ْ‬
‫وأن را َح ُ‬ ‫لي ْه ِن ال ُهدَى إ ْنجا ُح َ‬
‫س ْع ِيكَ في ال ِعدَا‬

‫وعدلُكَ في ا ْستِئْصا ِل َم ْن َ‬
‫جار وا ْعت َدَى‬ ‫الر ْش ِد في قمعِ َم ْن َ‬
‫غ َوى‬ ‫س ْب َل ُّ‬
‫ون ْه ُجك ُ‬

‫الردَى‬
‫غمرةِ َّ‬ ‫ص َب َح َم ْن َ‬
‫عادَاك في ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وأن باتَ َم ْن َو َاالك في ن ْشوةِ ال ِغنَى‬
‫ْ‬

‫هكذا ابتدأ ابن زيدون قصيدته بالمديح دون أن يم ّهد له بشيء ‪ ،‬وقد مضى في المديح إلى‬
‫المتكونة من سبعة وأربعين بيتا ً فلم نره يخلط به غرضا ً َ‬
‫آخر ‪ ،‬وإن كان النقاد قد‬ ‫ِّ‬ ‫آخر القصيدة‬
‫عابوا على الشعراء الخوض في المديح دون أن يمهدوا له بشيء من الغزل ونحوه ‪ ،‬إ ّال أنهم‬
‫استثنوا من ذلك المديح الذي يشتمل على الحوادث التاريخية ‪ ،‬كالفتح ‪ ،‬أو هزيمة جيش ‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك ‪ ،‬يقول ابن األثير‪ " :‬يجب على الشاعر إذا نظم قصيدا ّ أن ينظر ؛ فإذا كانت مديحا ً صرفا ً ‪،‬‬
‫فهو مخير بين أن يفتتحها بغزل أو ال ‪ ،‬أما إذا كانت في حادثة من الحوادث كفتح أو هزيمة جيش‬
‫أو غير ذلك ‪ ،‬فإنه ال ينبغي االبتداء بالغزل ‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك يدل على ضعف قريحة الشاعر وقصوره‬
‫متطلّعة إلى ما يقال‬
‫ِ‬ ‫ع تكون‬ ‫ّ‬
‫وألن األسما َ‬ ‫عن الغاية ‪ ،‬أو على جهله بوضع الكالم في مواضعه ‪،‬‬

‫‪ 1‬ـ ينظر األدب األندلسي ـ موضوعاته وفنونه ‪ ،‬دار العلم للماليين الطبعة الثامنة ‪ ،1665 ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪2‬ـ ينظر مالمح الشعر األندلسي‪ ،‬دار الشرق ـ بيروت ‪.211، 1691 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، ،‬ص ‪ ، 119 ، 119‬الصنع ‪ :‬الجميل والمعروف ‪ .‬واالك ‪ :‬ناصرك ‪ .‬النشوة ‪ :‬السكرة أو الرائحة‬
‫الطيبة ‪ .‬الغمرة ‪ :‬الشدة ‪ .‬وغمرات الموت شدائده ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫في تلك الحوادث "‪ ، 1‬وهذا النهج من المديح يذكرنا بمدائح أبي نمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪،‬‬
‫يصورون انتصارات ممدوحيهم ‪ ،‬وفتوحاتهم ‪ ،‬حيث أنّهم في مثل هذه الحاالت ‪ ،‬يعمدون‬
‫ِّ‬ ‫عندما‬
‫إلى المديح دونما تمهيد ‪ ،‬يقول أبو تمام ‪ ،‬في فتح عمورية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫في ح ِدّ ِه الحدُّ َبيْنَ الج ِدّ واللَّع ِ‬
‫ب‬ ‫صدَ ُق إ ْن َبا ًء ِمنَ ال ُكت ُ ِ‬
‫ب‬ ‫يف أ ْ‬
‫س ُ‬‫ال َّ‬

‫ومن ذلك ‪ ،‬قصيدة المتنبي الداليّة في مدح سيف الدولة فقد بدأها بالمديح دون أن يم ِ ّهد له‬
‫بشيء ‪ ،‬إلى أن ختمها بذلك الغرض ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫سيف الدَّول ِة َّ‬


‫الط ْع ُن في ال ِعدا‬ ‫ِ‬ ‫وعاداتُ‬ ‫ِل ُك ِّل ْام ِرئ ِم ْن د ْه ِر ِه ما َّ‬
‫تعودَا‬

‫أن القصائد التي بناها ابن زيدون على المديح وحده قليلةٌ جدا ً إذا ما قورنت‬
‫ونالحظ ّ‬
‫بالقصائد التي استهلها بالغزل ‪ ،‬وغيره ‪.‬‬

‫أما في مجال الصياغة اللفظية فقد اعتنى شعراء العصر العباسي بالمطلع الشعري‬
‫لقصائدهم فأحكموا نسج ألفاظه ‪ ،‬وعملوا على زخرفتها بالبديع ‪ ،‬والتصريع ‪ ،‬والمساواة ‪،‬‬
‫واالزدواج ‪ ،‬يقول حسين عطوان " فصناعة المقدمة والتمهل في نسجها وحبكها وتطريزها‬
‫بزخرف البديع ؛ أساس ال يشذّ عنه وال يخرج عليه ‪ ،‬بل يراعيه بكل دقة وتريث "‪ ، 4‬ومن ذلك‬
‫قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫سان القُدُو ِد‬ ‫وقَدَّ قُدُودَ ِ‬
‫الح ِ‬ ‫أيا َخدَّدَ اللهُ َو ْردَ ال ُخدُو ِد‬

‫حيث نرى ابتدا ًء رائعا ً ‪ ،‬جانس بين لفظتين في كل شطر ‪ ،‬وساوى بين شطري البيت ‪،‬‬
‫وصرع بين عروضه ‪ ،‬وصدره ‪ .‬ومن مطالع ابن زيدون التي اعتنى بصياغتها ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل‬ ‫س َِال ُح َخ َمائِ ُل‬ ‫َم َرادُ ُه ُم َحي ُ‬
‫ْث ال ّ‬

‫فالشاعر يجانس بين ( َم َرادُ ُه ُم) ‪ ،‬و ( َم ْو ِردُ ُه ْم) ‪ ،‬جناسا ً ناقصا ً ‪ ،‬ويصرع بين ( َخ َمائِلُ) ‪ ،‬و‬
‫( َمنَا ِهلُ) ‪ ،‬ويساوي بين شطري البيت ‪.‬‬

‫‪1‬ـ المثل السائر ‪. 61/ 1‬‬


‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ،‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬تحقيق راجي األسمر ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ بيروت ‪ ،‬ط ‪ /‬الثانية ‪. 12 / 1 ، 1661 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح العكبري ‪. 291 \ 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ مقدمة القصيدة في العصر العباسي األول ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬بمصر ‪ ، 1695 ،‬ص ‪. 192‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 111 / 1‬خدد ‪ :‬شقق ‪ .‬والتخديد ‪ :‬التشقيق ‪.‬‬
‫‪ -6‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪111‬‬
‫حسن التخلص ‪ :‬وهو أن ينتقل الشاعر مما ابتدأ به الكالم من غزل ‪ ،‬أو نسيب ‪ ،‬أو وصف ‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك " إلى المدح أو غيره بلطف وتحيل ‪ ،‬ومع مراعاة المالءمة بينهما ‪ ،‬بحيث ال يشعر‬
‫السامع باالنتقال من المعنى األول إال وقد وقع في الثاني ؛ لشدة المالزمة وااللتئام واالنسجام‬
‫بينهما حتى كأنما قد أفرغا في قالب واحد ‪ ،‬فال يكاد السامع يفرغ من التشبيب حتى يجد نفسه قد‬
‫انتقل إلى الغرض الذي أنشأ الشاعر له قصيدته "‪ . 1‬فالتخلص هو الجسر الرابط بين المقدمة‬
‫والموضوع الرئيس ‪ ،‬وهو مما اعتنى به المتأخرون ‪ ،‬دون غيرهم من المتقدمين ‪ ،‬فالشعراء‬
‫العباسيون قد اهتموا بحسن التخلص وشاع بينهم و" لهجوا به كثيرا ً لما فيه من البراعة والداللة‬
‫على قوة عارضة الشاعر وملكته ‪ ،‬أما المتقدمون من الجاهلية والمخضرمين واإلسالميين فهو‬
‫عزيز في كالمهم ‪ ،‬نزر الوجود وإن وقع منهم فإنما يقع على سبيل الندرة ‪ ،‬ومذهبهم في االنتقال‬
‫إلى المدح الذي جروا عليه في غالب مدائحهم إنما هو االقتضاب "‪.2‬‬

‫والمتتبع لتخلصات أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬يجد أنهم قد حرصوا على تحسين‬
‫االنتقال من المطلع إلى المديح في بالط األمراء والحكام ‪ ،‬مستجيبين في ذلك لتوجيهات النقاد‬
‫القدامى الذين بسطوا القول في هذا المفصل الهام من مفاصل القصيدة المركبة والذين حددوا‬
‫شروط التخلص وطرق االنتقال بين موضوعات القصيدة ‪ ،‬ومن ذلك ‪ ،‬قول أبي تمام في مدح‬
‫محمد بن الهيثم بن شبانة ‪ ،‬فقد بدأ أبو تمام قصيدته بذكر األحبة والدعاء بالسقيا لديارهم وطلولهم‬
‫في نحو ثمانية أبيات ثم تخلص ببراعة إلى ممدوحه قائالً ‪:‬‬

‫ِماك ُم ِقي ُم‬


‫س ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫بن ال َهيث َ ِم ِ‬
‫بن شبانة َمجْ دٌ إلى َج ْن ِ‬ ‫ِل ُم َح َّم ِد ِ‬
‫‪3‬‬

‫وكقول البحتري ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ِم ْن و ْب ِل ِه َحقا ً لَ َها َم ْعلُو َما‬ ‫اجل‬
‫ع ِ‬‫ت ُر َباكَ ب ُك ِّل نَ ْوء َ‬
‫س ِق َي ْ‬
‫ُ‬

‫لَ َ‬
‫سقَيت ُ ُه َّن بِ َك ّ ِ‬
‫ف إبَرا ِهي َما‬ ‫فَلَو أ َنَّنِي أ ُ ْع ِطيتُ فِي ِه َّن ال ُمنَى‬

‫وكقول المتنبي ‪:‬‬

‫صائِد ُ‬ ‫فكم م ْن ُه ُم الدَّ ْعوى ‪ِ ،‬‬


‫وم ِنّي القَ َ‬ ‫غير شا ِعر‬ ‫َخ ِل ْيلَ َّ‬
‫ي ‪ ،‬إ ِنّي ال َ‬
‫أرى َ‬
‫‪5‬‬

‫‪1‬ـ بدوي أحمد أحمد ‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪2‬ـ ابن معصوم المدني ‪ ،‬السيد علي صدر الدين (‪ 1252‬ـ ‪ ، ) 1122‬أنوار الربيع في أنواع البديع ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬تحقيق شاكر هادي‬
‫شكر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬مكتبة العرفان ـ بكربالء ـ العراق ‪. 211 ، 212 ، 1616 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 111 / 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1615 / 1 ،‬النوء ‪ :‬المطر ‪ .‬الوبل ‪ :‬المطر الشديد الضخم القطر ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪. 291 / 1 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫ف الدَّ ْول ِة اليَـــ ْو َم ِ‬
‫واحـــــدُ‬ ‫ول ِك َّن َ‬
‫س ْي َ‬ ‫وف كثِيرة ٌ‬ ‫فال ت َ ْع َجبَا ‪ ،‬إ َّن ال ّ‬
‫سيُ َ‬

‫وإذا انتقلنا إلى الطرف األندلسي المتمثل في ابن زيدون نرى أنه كان من الشعراء الذين‬
‫يحسنون التخلص ‪ ،‬واالنتقال من موضوع آلخر ‪ ،‬مقتفيا ً آثار الشعراء العباسيين في هذا المضمار‬
‫‪ ،‬ومن أمثلة حسن التخلص في شعر ابن زيدون ما جاء في قصيدته الرائية في مدح ابن جهور‬
‫وهو في السجن كيف استطاع أن ينقلنا من مقدمة غزلية بذكاء وروعة ـ فجاء تخلصا ً لطيفا ً محققا ً‬
‫الشرط الذي اشترطه حازم القرطاجني حين قال ‪ " :‬ويجب أن يكون التخلص لطيفا ً "‪ 1‬ـ وذلك في‬
‫البيت الوارد في نهاية المقدمة إلى وصف حاله ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ان الَّ ِذي يُ ْن ِبي َ‬
‫ع ِن ال َخبَ ِر‬ ‫ض ال ِعيَ ِ‬
‫َمحْ ُ‬ ‫ع ْن َحا ِلي فَ َ‬
‫شا ِهدُ َها‬ ‫َم ْن يَ ْسأ َ ِل النَّ َ‬
‫اس َ‬

‫ومثل هذا التخلص ال يمكن أن يصدر إالَّ عن حذق الشاعر وقوة تصرفه ‪ ،‬وقدرته وطول‬
‫باعه ‪ ،‬وهذا التخلص المختلس السهل هو الذي ارتضاه الحموى ‪ ،‬في قوله ‪ :‬و " حسن التخلص‬
‫هو أن يستطرد الشاعر المتمكن من معنى إلى معنى آخر يتعلق بممدوحه بتخلص سهل يختلسه‬
‫اختالسا ً رشيقا ً دقيق المعنى بحيث ال يشعر السامع باالنتقال من المعنى األول إال وقد وقع في‬
‫الثاني لشدة الممازجة وااللتئام واالنسجام بينهما حتى كأنما أفرغا في قالب واحد ‪ ،‬وال يشترط أن‬
‫يتعين المتخلص منه ‪ ،‬بل يجري ذلك في أي معنى كان ‪ ،‬فإن الشاعر قد يتخلص من نسيب أو‬
‫وصف روض ‪ ....‬أو معنى من المعاني يؤدي إلى مدح أو هجوم ‪ ....‬ولكن األحسن أن يتخلص‬
‫الشاعر من الغزل إلى المدح "‪ ، 3‬ومن القصائد التي تخلص فيها ابن زيدون من المقدمة الغزلية‬
‫إلى المدح فائيته الطويلة في مدح ابن عباد ‪ ،‬التي يستهلها بقوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫الج ْزعِ َم ْوقِ ُ‬
‫ف؟‬ ‫الو ْق ِ‬
‫ف ِب ِ‬ ‫ت َ‬ ‫لَنَا ‪َ :‬ه ْل ِلذَا ِ‬ ‫ف‬
‫ف ُمعَ ِ ّر ُ‬
‫ع ْر ٌ‬
‫الريحِ َ‬ ‫أ َ َما فِي نَس ِ‬
‫ِيم ّ‬

‫ــــف ِم ْنــ َها بِ َمـــــــــا نَت َ َكلا ُ‬


‫ـــف‬ ‫لَنَا َكلَ ٌ‬ ‫ار ال ُمنَى ِم ْن ِزيَ َ‬
‫ارةٍ‬ ‫ط َ‬‫ـــي ْأو َ‬
‫قض َ‬ ‫فنَ ِ‬

‫وظل يتغزل بمفاتن محبوبته في نحو سبعة وعشرين بيتا ً ‪ ،‬ثم تخلّص بسالسة ويسر إلى‬
‫المديح دون أن يشعرنا بطفرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ف‬ ‫الط ْودَ ال ُم َع َّ‬
‫ظ َم َر ْف َر ُ‬ ‫َو َال َح َم َل َّ‬ ‫والَ قَ ْب َل " عبَّاد " َح َوى البَحْ َر مجْ ِل ٌ‬
‫س‬

‫‪1‬ـ القرطاجني ‪ ،‬حازم ‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء ‪ ،‬تحقيق محمد الحبيب بالخوجة ‪ ،‬دار العرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪1691 ، 1 /‬‬
‫‪. 121 ،‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 251‬‬
‫‪ 3‬ـ الحموي ‪ ،‬ابن حجة ‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ‪ ،‬دار الهالل ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 116/ 2 ، 1661‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪. 196‬‬
‫‪5‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬صـ ‪ ، 191‬الطود ‪ :‬الجبل العظيم ‪ .‬الرفرف ‪ :‬ثياب عريضة خضر تُتَّخذ منها مفارش الوسائد واألسرة ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫يقول علي سالمة ‪ " :‬ثم أخذ يضرب على قيثارة المدح بوصف ابن عباد بالصفات التي‬
‫ّ‬
‫كالطود ‪ ،‬خير معين على تجاوز صروف‬ ‫يجلها العربي ‪ ،‬فهو جواد كالبحر ‪ ،‬قوي العزيمة‬
‫الدهر ونكبات الزمن ‪ ،‬طلق الوجه ولكن في قوة ومضاء كفرند السيف ‪ ،‬يروق رائيه لكنه مرهف‬
‫‪1‬‬
‫الحد ‪ ،‬وظل يمدح ويمدح إلى أن وصل إلى هدفه "‪.‬‬

‫وهو بهذا الفعل يبدو متأثرا ً بالشعراء العباسيين ‪ ،‬وخا ّ‬


‫صة أبي تمام والبحتري والمتنبي فقد‬
‫كانوا في كثير من مدائحهم يستهلّونها ‪ ،‬بالغزل ‪ ،‬أو وصف الطبيعة ‪ ،‬أو الحديث عن الخمرة ‪ ،‬ثم‬
‫يتخلّصون ببراعة ويسر إلى المديح ‪ ،‬ونالحظ أن ابن زيدون ـ على غرار شعراء األندلس ـ سلك‬
‫" مسالك عدة للتخلص الرقيق واالنتقال الهادي في قصائد المديح باستخدام أدوات للربط ‪ ،‬مثل‬
‫كأن المخففة أو الثقيلة والكاف ‪ ،‬والواو ‪ ،‬والفاء ‪ ،‬و أو ‪ ،‬وأساليب الشرط والقصر واالستفهام‬
‫‪2‬‬
‫غير الحقيقي ؛ إليهام المتلقي باتصال المعنى داخل السياقات المختلفة وانسيابه انسيابا ً عفويا ً "‬

‫وله قصيدة ميمية في مدح صاحب بطليوس المظفر سيف الدولة أبي بكر محمد بن مسلم ‪،‬‬
‫قد بدأها بمقدمة غزلية طويلة ‪ ،‬يقول في مطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫بِع ْقلي ـ ُمذ بِ ان عناي ـ ِل َم ْم‬ ‫اللّ َم ْم‬ ‫بيض ا‬
‫الطلى و ِلسو ِد ِ‬ ‫ِل ِ‬

‫وبعد أربعة عشر بيتا ً من الغزل والشكوى من الشيب والزمن ‪ ،‬تخلص إلى مدح ( أبي‬
‫كأن ‪ ،‬ذاكرا ً اسم ممدوحه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫بكر محمد بن مسلم ) تخلصا ً حسنا ً ‪ ،‬يبدأ فيه بأداة التشبه ا‬

‫بكر " األ ْسلَ ِمي أجـْ َ‬


‫ــــرى عليها فِ ِر ْن َد ال َك َر ْم‬ ‫َك ا‬
‫أن " أبا ٍ‬
‫‪4‬‬

‫والبن زيدون قصيدة تحتوي على ثالثة أغراض يمدح ويهنّئ فيها أبا الوليد بن جهور‬
‫عندما تسلَّم زمام الحكم ‪ ،‬وهي قصيدة في أربعين بيتا ً ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫فاك‬
‫ط ِ‬ ‫صبا ِع ْ‬
‫س ْك ِر ال ِ ّ‬
‫فيَ ِمي َل في ُ‬ ‫عيناك‬
‫ِ‬ ‫ِيرها‬ ‫ما ِل ْل ُم ِ‬
‫دام تُد ُ‬
‫اك‬ ‫ظ ْل ِمكَ أو ِبع ْذ ِ‬
‫ب لَ َم ِ‬ ‫سالفَ َها ببرود َ‬
‫يك ُ‬ ‫ّ‬
‫هال َمزَ جْ ِ‬
‫ت ِل َعا ِش ِق ِ‬
‫حيث ابتدأ الشاعر قصيدته بوصف الخمر ‪ ،‬ثم نراه ّ‬
‫يتغزل بمحبوبته ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪1‬ـ األدب العربي في األندلس ‪ ،‬تطوره ـ موضوعاته وأشهر أعالمه ‪ ،‬صـ ‪. 161‬‬
‫‪2‬ـ نجا ‪ ،‬أشرف محمود ‪ ،‬قصيدة المديح في األندلس ‪ ،‬عصر الطوائف ( دراسة فنية ) ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ‪،‬‬
‫اإلسكندرية ‪ ، 1661 ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 111 ، 111‬البرود ‪ :‬العذب البارد ‪ ،‬اللّمى ‪ :‬سمرة الشفه ‪ ،‬يقول ‪ :‬أتمنى أ ن تمزجي لعاشقيك‬
‫كؤوس الراح بريقك العذب البرود ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪1‬‬
‫اك‬ ‫ضارتُهُ بِب ُْر ِد ِ‬
‫صبَ ِ‬ ‫صبِغت َ‬
‫غ َ‬ ‫ُ‬ ‫مان كأنّما‬ ‫واها ً ِلعَ ْ‬
‫ط ِف ِك ! ! ّ‬
‫والز ُ‬

‫ويتغزل إلى أن بلغ أثني عشر بيتا ً ‪ ،‬ث ّم تخلّص ببراعة ويسر إلى غرضه‬
‫ّ‬ ‫فظل يصف الخمرة‬
‫األصلي وهو المديح ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫وض أضْحكهُ الغَ َما ُم الباكي‬
‫كالر ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫خـــالئق‬ ‫ي ِ أبي الوليد‬
‫و ِللج ْهور ّ‬

‫ــالك‬
‫خيــر ِم ِ‬
‫ُ‬ ‫تدبيـــــرهُ لل ُم ْ‬
‫ــــل ِك‬ ‫ُ‬ ‫َّهر منه ُمهذّبٌ‬
‫وس الد َ‬
‫س ُ‬‫َم ِلكٌ ي ُ‬

‫فبدأ تخلصه للممدوح ‪ ،‬بحرف العطف الواو ‪ ،‬ذاكرا ً اسم ممدوحه ‪ ،‬واصفا ً اخالقه بالروض الذي‬
‫أضحكه الغمام الهاطل ‪ .‬وأن هذه الملك يسوس الدول أفضل سياسة ‪ ،‬وخير تدبير ‪.‬‬

‫خاتمة القصيدة ‪ :‬وهي آخر ما يقوله الشاعر من تدل على نهايتها ‪ ،‬وقد أطلق عليه بعض النقاد‬
‫مصطلح ( المقطع ) وقد أولوه اهتماما ً ال ينقص في أهميته عن المطلع ‪ ،‬وحسن التخلص ‪ ،‬وفي‬
‫ذلك يقول ابن رشيق ‪ " :‬وأما االنتهاء فهو القاعدة وآخر ما يبقى في األسماع ‪ ،‬وسبيله أن يكون‬
‫محكما ً ‪ :‬ال تمكن الزيادة عليه ‪ ،‬وال يأتي بعده أحسن منه ‪ ،‬وإذا كان أول الشعر مفتاحا ً له ‪،‬‬
‫وجب أن يكون آخر الشعر قفالً عليه "‪ ، 3‬وقد اهتم أبو تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي بالخاتمة‬
‫اهتماما ً بالغا ً ‪ ،‬ومن أمثلة خواتيم قصائد أبي تمام قوله ‪ ،‬في مدح مهدي بن أضرم ‪:‬‬

‫على ما فيكَ من َك َر ِم ِ ّ‬ ‫ص او ْرتَ نَ ْف َ‬


‫سك لم ت َ ِز ْد َها‬
‫الط َباعِ‬ ‫فلو َ‬
‫‪4‬‬

‫وللبحتري قصيدة في مدح المتوكل ختمها بقوله ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ش ْك ُر‬
‫علَ ْينَا ال َح ْم ُد لل ِه وال ُّ‬
‫لنا ‪ ،‬و َ‬ ‫على الل ِه إتما ُم ال ُمنى فيك ُك ِلّها‬

‫ومنها قول المتنبي في مدح سيف الدولة ‪:‬‬

‫ً‪6‬‬
‫ت لَكَ ال ُّدنيَا ِف َراقا‬
‫َوال َذاقَ ْ‬ ‫س ْرجا ً‬
‫ت لَكَ ال َه ْي َجا ُء َ‬ ‫فَال َح ا‬
‫ط ْ‬

‫وقد علق الدكتور أحمد أحمد بدوي على هذا البيت قائالً ‪ " :‬وجمال هذا المقطع في‬
‫إشعاره بأنه دعاء صادر من قلب معجب بمن يثني عليه ‪ ،‬فهو بعد أن صوره في القصيدة ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ورسم خالله الرفيعة ‪ ،‬يكون من الطبيعي أن يختم ذلك بهذا الدعاء الصادر من قلب الشاعر "‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬صـ ‪ ، 111‬واها ً ‪ :‬كلمة تلهف ‪ ،‬أو تعجب ‪ ،‬الغضارة ‪ :‬الخصب والنعمة ‪ ،‬البرد ‪ :‬ثوب مخطط ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬صـ‪. 111‬‬
‫‪3‬ـ العمدة ‪. 216 / 1 ،‬‬
‫‪4‬أ ديوان أبي تمام ‪ ، 129 / 1 ،‬ألن الله قد بلغ بك أقصى المنازل ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان البحتري ‪. 661 / 2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان المتنبي ‪. 121 / 2 ،‬‬
‫‪119‬‬
‫وإذا نظرنا إلى خواتيم قصائد ابن زيدون ‪ ،‬نجده لم يشذ كثيرا ً عن ما ارتضاه النقاد ‪ ،‬فكان في‬
‫سنن شعراء العصر العباسي من حيث العناية بخاتمة القصيدة ‪ ،‬فيجعل "‬
‫بعض قصائده يستلهم َ‬
‫االختتام في كل غرض بما يناسبه ‪ ،‬سارا ً في المديح والتهاني ‪ ،‬وحزينا ً في الرثاء والتعازي "‬
‫‪ .2‬كما نراه في مدائح الملوك واألمراء يعتني بتحسين انتهاءاتها اعتناءه بمطالعها ‪ ،‬مستجيبا ً في‬
‫ذلك لتوجيهات النقاد الذين اشترطوا وجوب تضمين خواتيم القصائد حكمة بالغة ‪ ،‬أو مثالً سائرا ً‬
‫‪ ،‬أو تشبيها ً بديعا ً ‪ ،‬من أجل إثارة انفعاالت الممدوح وإطالق يده بالمكافأة و إجزال الهدية‪ .3‬و"‬
‫ليس أقدر على إثارة انفعاالت الممدوح ‪ ،‬من الدعاء له بالخير والعزة ودوام األجل والملك‬
‫معان"‪ . 4‬ومن‬
‫ٍ‬ ‫وتحقيق األهداف واآلمال والنصر على األعداء والمشركين ‪ ،‬وما شابهها من‬
‫قصائد ابن زيدون التي ختمها بالدعاء ‪ ،‬قوله في مدح المظفر بن األفطس التي مطلعها ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫بعقلي ـ ُمذ بِ ان عنِّي ـ لَمم‬ ‫اللّمم‬
‫سو ِد ِ‬ ‫يض ُّ‬
‫الطلى و ِل ُ‬ ‫ِلبِ ِ‬

‫وقد أسهب الشاعر في مطلع قصيدته في الغزل ‪ ،‬في حوالي خمسة عشر بيتا ً ثم تخلص إلى‬
‫المديح الذي بلغ أربعةً وثالثين بيتا ً ‪ ،‬ثم ختم قصيدته ببيت رائع فيه دعاء للممدوح ‪ ،‬قائالً فيه ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ش ٌم واللايالي خَــــد ْم‬
‫لَ ُك ْم َحــــ َ‬ ‫ـــــــر أياــــا ُمه ُ‬
‫ُ‬ ‫َوالَ يَزَ ِل ال اد ْه‬

‫فالشاعر يدعو للممدوح ‪ ،‬سائالً الله أن يطيل الدهر بأيامه ولياليه خدمةً للممدوح وتلبيةً‬
‫لرغائبه ‪ .‬وإذا تتبعنا قصائد ابن زيدون في المدح نرى أنه يختم أغلبها بالدعاء للممدوح بطول‬
‫العمر ودوام النعمة ‪ ،‬ومن ذلك قصيدته في مدح أبي الوليد بن جهور والتي جاءت في نحو‬
‫أربعين بيتا ً ‪ ،‬بعد أن مهد لها بغزل رائع في محبوبته والدة ‪ ،‬وهو غزل ممزو ٌج بوصف الخمر‪،‬‬
‫فختمها بدعاء لممدوحه بطول العمر ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫َالك‬
‫طار بَ ْع َد ه ِ‬ ‫ْ‬
‫األخ ُ‬ ‫تَحْ يَا بِكَ‬ ‫ت َحيَاتُكَ ما ا ْستُد ِْمتَ ‪ ،‬فَلَ ْم ت َزَ ْل‬
‫َدا َم ْ‬

‫وختم ابن زيدون قصيدته التي عزى فيها األمير أبا الوليد بن جهور في أمه ‪ ،‬قائالً ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫وعز َوالَ ِكب ُْر‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫وحل ٌم والَ عجْ ٌز‪،‬‬ ‫من ‪ ،‬و ُح ْك ٌم وال َهو ً‬
‫ى‬ ‫ع َ‬
‫طا ٌء وال ٌّ‬ ‫َ‬

‫‪1‬ـ أسس النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬ص‪. 119‬‬


‫‪ 2‬ـ القرطاجني ‪ ،‬حازم ‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء ‪ ،‬تحقيق محمد الحبيب بالخوجة ‪ ،‬دار العرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ط‪1691 ، 1 /‬‬
‫‪. 121 ،‬‬
‫‪3‬ـ ينظر ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪4‬ـ نجا ‪ ،‬أشرف محمود ‪ ،‬قصيدة المديح في األندلس ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪7‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬الخطر ‪ :‬المنزلة والقدر ‪.‬‬
‫‪8‬ـ المصدر نفسه ‪. 519 ،‬‬
‫‪119‬‬
‫ش ْك ُر‬
‫علَيْنا ‪ ،‬فَ ِمناا ال َح ْم ُد لل ِه وال ّ‬
‫َ‬ ‫ت النُّ ْعما ُء فِي ُك ْم ت َ َما َم َها‬
‫قَ ِد اسْتوفَ ِ‬
‫يقول ابن زيدون ‪ :‬لقد أتمت السعادة بكم نعماءها ‪ ،‬فلله منا أطيب الحمد وأعذب الثناء ‪.‬‬
‫والبن زيدون قصيدة عينية يرثي فيها أم المعتضد ‪ ،‬فختمها بالتعزية ‪ ،‬داعيا ً له بالبقاء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫ً‪1‬‬ ‫س ْع ِد ‪ ،‬باقِيا ً‬
‫دين ودنيا أنتَ فَ ْخ ُر ُه َما َمعا‬
‫ِل ٍ‬ ‫ودمتَ ُملقاى أ ْن ُج َم ال ا‬
‫ْ‬

‫يقول ‪ :‬أدعو الله أن يجعل نجومك طالعة دائما ً بالسعد ‪ ،‬وأن يبقيك مالذا ً للدين والدنيا ‪،‬‬
‫فأنت زينة للدنيا وعصمة للدين ‪.‬ولما ثارت بقرطبة فتنة ضد أبي الوليد بن جهور ‪ ،‬التي تولى‬
‫كبرها أحمد بن محمد بن ذكوان ‪ ،‬وقد لفحت جذوتها ابن زيدون ففزع إلى األمير متبرئا ً من هذه‬
‫الفتنة معلنا ً ما يضمره له بنو ذكوان من البغض ‪ ،‬فقال فيه قصيدة عينية ‪ ،‬ختمها ببيت يتناسب‬
‫مع القصيدة ‪ ،‬داعيا ً فيه بالنصر ألميره على األعداء ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫ص َ‬
‫ط َرعُ‬ ‫إن كانَ بَيْنَ ُجدُو ِد النا ِ‬
‫اس ُم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ع ُه ْم‬
‫ص َر ُ‬ ‫الَ زا َل َج ُّدكَ باألع َد ِ‬
‫اء يَ ْ‬

‫هكذا بدا تأثر ابن زيدون بأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي في بناء القصيدة المركبة من‬
‫حيث العناية بالمطلع وجعله للتغزل بالنساء أو الحديث عن الخمرة أو الشكوى من الزمن‬
‫والشيب ‪ ،‬وكذلك تأثر بهم في طريقة التخلص من المطلع إلى الغرض األساسي على طريقتهم ‪،‬‬
‫ثم التحول إلى الخاتمة والعناية بها ألنها آخر ما يقرع األسماع ‪ ،‬والحرص على جعلها دعا ًء‬
‫سائر أو تشبي ٍه‬
‫ٍ‬ ‫للممدوح ‪ ،‬أو اإلشادة بدحر األعداء وهزيمتهم ‪ ،‬وقد يختمها بحكمة بالغة أو مث ٍل‬
‫بديعٍ ‪ ،‬باإلضافة إلى تأثره بأسلوبهم في بناء القصائد المركبة ‪ ،‬تأثر بهم في بناء القصائد‬
‫البسيطة التي تدور حول موضوع واحد ‪ ،‬كما نهج نهجهم في قصائد الحماسة والحث على القتال‬
‫‪ ،‬فنراه يندفع إلى الموضوع مباشرة ً دون أن يمهد له بغزل أو نحوه ‪.‬‬

‫‪1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 556‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ، 121 ،‬الجد ‪ :‬الحظ ‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫المبحث الثاني ‪ ،‬أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في‬
‫شعر ابن زيدون في المعجم الشعري ‪:‬‬
‫تختلف األلفاظ والكلمات في الشعر من شاعر إلى شاعر آخر تبعا ً الختالف الشعراء ‪،‬‬
‫واختالف ثقافاتهم وبيئاتهم ‪ ،‬فلكل شاعر معجم شعري خاص به ‪ ،‬وإذا تتبعنا ديوان أي شاعر‬
‫أو آثاره الشعرية ‪ ،‬تبدو لنا مالمح خاصة تتضح في ديوانه وآثاره ‪ ،‬وأنا في هذا المبحث لست‬
‫بصدد تتبع معجم ابن زيدون الخاص به ‪ ،‬بقدر ما أنا معني بتتبع أثر معجم أبي تمام ‪،‬‬
‫والبحتري ‪ ،‬والمتنبي الشعري في معجم ابن زيدون ‪ ،‬الذي فيما يبدو ال يختلف كثيرا ً عن معجم‬
‫ألفاظهم الشعرية ‪ ،‬وال سيما أن ابن زيدون كان في كثير من األحيان يعارض قصائدهم ‪،‬‬
‫ويضمن أشعارهم ‪ ،‬ويأخذ معانيهم وألفاظهم ‪ ،‬فهذا دليل واض ٌح على أن ابن زيدون كان يغترف‬
‫ومعنى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫من معجمهم الشعري ‪ ،‬لفظا ً‬
‫وال نريد في هذا المبحث أن نتوقف عند كل األلفاظ التي نظر فيها ابن زيدون إلى معجمهم‬
‫الشعري ‪ ،‬إنما سنتتبع بعض أوجه االتفاق بين الطرفين ‪ ،‬أي بين الشعراء العباسيين الثالثة ‪،‬‬
‫وابن زيدون ‪ ،‬ولعل أبرز هذا االتفاق يتمثل في حشد الثقافات المتعددة في أشعارهم ‪ ،‬حيث‬
‫زخرت أشعار العباسيين ‪ ،‬بالكثير من المضامين الدينية ‪ ،‬والتراثية ‪ ،‬يقول شوقي ضيف ‪" :‬‬
‫وشعر أبي تمام زاخر بما يدل على أنه انقض على معارف عصره انقضاضا ً حتى تمثلها تمثالً‬
‫دقيقا ً ‪ ،‬وخاصةً التاريخ وعلم الكالم وما يتصل به من الفلسفة والمنطق "‪.1‬‬

‫‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫وذكر أن البحتري كان ملما ً بحظوظ مختلفة من الثقافات وأبرزها الثقافة الدينية‬
‫والمتتبع لديوانه يلحظ " بشكل جلي اقتباسه من القرآن الكريم ‪ ،‬حيث شكل القرآن رافدا ً مهما ً في‬
‫ثقافة الشاعر ‪ ،‬إذ استوحى النص القرآني بآياته وألفاظه ومعانيه وصوره وقصصه ‪ ،‬استيحا ًء‬
‫فاعالً يكشف عن أفكاره ‪ ،‬وينقل القارئ من جو الواقع المعيش إلى أجواء تراثية عميقة "‪. 3‬‬

‫كما كان المتنبي حريصا ً على تزيين شعره بالثقافات التراثية ‪ ،‬والدينية ‪ ،‬ولعل الثقافة‬
‫الدينية أكثر حضورا ً في شعره ‪ ،‬وقد تتبع الدكتور عبد الله التطاوي في كتابه الحركة الشعرية‬
‫غص بها ديوانه الضخم ‪ ،‬سوا ًء أكان ذلك تضمينا ً أم‬
‫ا‬ ‫بين اإلبداع والنقد هذه الظاهرة التي‬
‫إشارة ‪ ،‬أم استفادة ً من المعجم اإلسالمي في شعره ‪.4‬‬

‫‪ 1‬ـ تاريخ األدب العربي ‪ ،‬العصر العباسي األول ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة السادسة عشر ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫‪ 2‬ـ تاريخ األدب العربي ‪ ،‬العصر العباسي الثاني ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثانية عشر ص‪. 191‬‬
‫‪3‬ـ حسن ‪ ،‬رائدة زهدي رشيد ‪ ،‬الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازنة " ‪ ،‬ص‪. 151‬‬
‫‪ 4‬ـ ينظر ‪ ،‬التطاوي ‪ ،‬د ـ عبدالله ‪ ،‬الحركة الشعرية بين اإلبداع والنقد ‪ ،‬مستوى الرؤية والتجربة في إبداع المتنبي ‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2229 ،‬ص ‪ ، 22‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫ويبدو أن ابن زيدون تأثر بهم في هذا النهج ‪ ،‬فال شك في أنه كان من أكثر الشعراء‬
‫استلهاما ً للتراث ‪ ،‬وكانت له دراية واسعةً بعلوم الدين ‪ ،‬واألدب ‪ ،‬والتاريخ ‪ ،‬وقد ضمن ثقافته‬
‫تلك في كثير من أشعاره ‪ ،‬فال نكاد نجد له قصيدة إال وفيها ذكر لحادثة ‪ ،‬أو مثل استمده من‬
‫مصادر معارفه ‪ ،‬يقول األستاذ علي عبد العظيم ‪ :‬لقد " ولع الشاعر باالقتباس واإلشارة إلى‬
‫الم أثور من الحكم واألمثال ‪ ،‬وفرائد الشعر القديم ‪ ،‬ثم الشغف باإلشارة إلى األحداث التاريخية‬
‫والنوادر األدبية "‪ ، 1‬وقد كان القرآن الكريم في مقدمة المصادر المعرفية التي أفاد منها الشاعر‬
‫‪ ،‬حيث ظهرت ألفاظه ومعانيه جليةً في معجمه الشعري ‪ ،‬واتخذ من قصصه وسيلة لعرض‬
‫قضيته ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صري ِْم‬ ‫صب َح ْ‬
‫ت كال ا‬ ‫ل َ‬
‫ظاهَا فأ ْ‬ ‫نار بَ ْغي ٍ َ‬
‫سرى إلى َجنا ِة األ ْم ِن‬ ‫ُ‬

‫إبراهيم‬
‫ِ‬ ‫سالما ً ِ‬
‫كنار‬ ‫و َ‬ ‫إن تَشَأ ْ ت َكُ بَ ْردا ً‬
‫ِبأبِي أ ْنتَ !! ْ‬

‫آئف ِمن ّر ِبّكَ َو َه ْم نَائِ ُمونَ ‪،‬‬


‫ط ٌ‬ ‫عل ْي َها َ‬
‫اف َ‬
‫ط َ‬‫يشير الشاعر في البيت األول إلى اآلية " فَ َ‬
‫ص ِريم "‪ ، 3‬أما في البيت الثاني فأشار إلى قصة سيدنا إبراهيم ـ عليه السالم ـ الذي‬
‫ت كال ا‬ ‫فَأ ْ‬
‫صبَ َح ْ‬
‫ألقى به قومه في النار ؛ ليحرقوه فأنقذه الله منها بأن جعلها بردا ً وسالما ً عليه ‪.‬‬

‫وز اج به في السجن بفعل دسائس الوشاة الذين كانوا كإخوة يوسف ـ عليه‬ ‫ب ُ‬ ‫والشاعر نُ ِك َ‬
‫السالم ـ حين ألقوا به في غيابات الجبّ ِ ‪ ،‬واتهموا الذئب زورا ً وبهتانا ً بدمه ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ب و ُك ْنتُ ال ِذّ ْيبَا‬ ‫أسْبا َ‬
‫ط يَعقُو ٍ‬ ‫الوشَاة ُ ـ وقَ ْد ُمنِيتُ بإ ْف ِكه ْم ـ‬
‫َكانَ ُ‬

‫وخاطب الشاعر أمه من سجنه وذ ّكرها بأم موسى ـ عليه السالم ـ ؛ ليصبّرها على فراقه ‪،‬‬
‫ويؤملها بلقائه ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫أل ْم ت ُ ِر ِك األياــــا ُم نجما ً هوى قَب ِلـــــــــي‬ ‫أَمــَــــ ْقتولةَ األجْ فَ ِ‬


‫ـان َمالَ ِك والــها ً ؟‬
‫‪5‬‬

‫ض الثُّكـ ِل‬ ‫ت باألسى ك ْشحا ً على م َ‬


‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ط َو ْ‬ ‫حـــرةٍ‬
‫ّ‬ ‫أقلّي بكـا ًء لسْـــــ ِ‬
‫ت اأو َل‬ ‫ِ‬
‫إلى الي ِ ّم في التاابُو ِ‬
‫ت ‪ ،‬فاعْتبِ ِري وا ْس ِلي‬ ‫وفي " أ ِ ّم موسى" ِعبرة ٌ إذ َر َم ْ‬
‫ت بِ ِه‬

‫‪ 1‬ـ ابن زيدون ‪ ،‬سلسلة أعالم الفكر ‪ ،‬دار الكاتب العربي ـ القاهرة ‪ ، 1619،‬ص ‪. 221‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 291‬الصريم ‪ :‬الزرع المحصود ‪ ،‬أو الليل المظلم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ القلم ‪ :‬اآلية ‪. 22 ، 16‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫‪ 5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 211‬فالشاعر في هذه األبيات يناجي أمه على كثب ‪ ،‬ويناشدها بأن تتحلّى بالصبر ‪ ،‬وتتأسّى بما أصاب أم‬
‫موسى عليه السالم ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫حيث يشير الشاعر ـ في البيت الثالث ـ إلى قوله تعالى ‪ " :‬إ ْذ أ َ ْو َح ْينَا إلى أ ُ ّمكَ َما يُو َحى ‪،‬‬
‫دو لَهُ ‪. 1"...‬‬‫ع ٌّ‬‫عد ٌُّو ِلي َو َ‬ ‫اح ِل يَأ ُخ ْذهُ َ‬
‫س ِ‬‫ت فا ْقذِفيه في الي ِ ّم فلي ُْل ِق ِه اليَ ُّم بال ا‬
‫أ َ ِن اقذفي ِه في التاابُو ِ‬
‫مرة ً أخرى بموسى ـ عليه السالم ـ حين ّ‬
‫برر هروبه من السجن ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫الشاعر ّ‬
‫ُ‬ ‫سى‬
‫وتأ ّ‬
‫ُ‪2‬‬
‫فر موسى حين ه ّم به ال ِق ْبط‬
‫فقد ّ‬ ‫ار إِ َرابَةٌ‬
‫فإن قالُوا ال ِف َر ُ‬
‫َف َر ْرتُ ‪ْ ،‬‬
‫وخاطب سجانه نافيا ً ما اتهم به موضحا ً أن ال يعقل أن ينكث فيه القصائد التي نظمها في‬
‫مدحه ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫وال أ ْقتَدِي اإال بِناقِ َ‬
‫ض ِة الغ َْز ِل؟‬ ‫أَأ َ ْن ُك ُ‬
‫ث فِيكَ ال َم ْد َح ِم ْن بَ ْع ِد قوةٍ‬
‫ويشير الشاعر في هذا البيت إلى اآلية الكريمة " وال تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد‬
‫قوة أنكاثا ً "‪. 4‬‬
‫ّ‬
‫وعندما التمس الشاعر شفاعة صديقه أبي حفص بن برد عبر عن المحبة التي يكنها له ‪،‬‬
‫وقد كانت تلك المحبة كالنص الذي ال يخالفه قياس ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ل ْم يُخَا ِل ْفهُ ال ِق َي ُ‬
‫اس‬ ‫َو ِو َدادِي لَك ن ٌّ‬
‫َص‬
‫لقد د ال الشاعر في هذا البيت على علمه بأصول الفقه ‪ ،‬حيث يعد النص سوا ًء أكان من‬
‫القرآن أم السنة الشريفة أقوى مصادر التشريع ‪ ،‬ويفوق غيره من المصادر األخرى كاالجتهاد‬
‫والقياس ‪ ،‬وعبّر الشاعر في القصيدة ذاتها عن بؤسه وشقائه حين شكا أصدقاءه الذين تنكروا له‬
‫وانقلبوا عليه بعد نكبته ‪:‬‬
‫سوا؟‬ ‫لُوا ِ‬
‫عن ال َع ْهد ِوخَا ُ‬ ‫َما ت َرى في َم ْعش ٍَر َب ْع َد َما َحا‬
‫‪6‬‬

‫اس‬
‫س ُ‬ ‫يُتاــقَى ِم ْنهُ ِ‬
‫المــــ َ‬ ‫ـــــــــــــــام ِرياا ً‬
‫ِ‬ ‫س‬‫ور ْأونِي َ‬
‫َ‬
‫والشاعر في هذين البيتين يشير إلى قصة السامري الذي عبد العجل فعوقب بأن منع من‬
‫مس الناس ُح ام الماس والممسوس ‪ ،‬فتحامى الناس وتحاموه ‪ ،‬وكان‬
‫مخالطة الناس ‪ ،‬فكان إذا ا‬
‫يصيح فيهم ‪ :‬ال مساس ‪ .‬وإلى جانب معرفته الدينية ‪ ،‬رأينا ابن زيدون يوظف معرفته التاريخية‬
‫الواسعة في أشعاره فها هو يخاطب سجانه قائالً ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫أن ت ُ ْم ِلي‬ ‫ل َما َكانَ بِدْعا ً ِم ْن َ‬
‫س َجايَاكَ ْ‬ ‫َط ْيئ َــةً‬ ‫ولَو أنانِي واقَ ْعتُ َ‬
‫ع ْمدًا خ ِ‬
‫الرسْـــــ ِل‬ ‫ُم ِس ْي ِل َمةً إ ْذ قا َل إنِّي ِمنَ ُّ‬ ‫ار َولَ ْم ِ‬
‫أط ْع‬ ‫فَل ْم أ ْستَثِ ْر َح ْر َ‬
‫ب ال ِف َج ِ‬

‫‪1‬ـ سورة طه ‪ :‬آية ‪. 16 ، 19‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 262‬إرابة ‪ :‬اتهام وشك ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 292‬أنكث ‪ :‬أحل ما أبرمته ‪ ،‬ناقضة الغزل ‪ :‬هي ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد القرشية كانت خرقاء‬
‫تحل ما غزلته ‪.‬‬
‫‪4‬ـ النحل ‪ :‬اآلية ‪. 62‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 295‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 295‬‬
‫‪7‬ـ المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 216‬‬
‫‪112‬‬
‫يشير الشاعر في هذين البيتين ـ اللذين أرسلهما إلى ابن جهور مستعطفا ً إيّاه ـ إلى حرب‬
‫الفجار التي اقتتل فيها العرب في األشهر الحرم ‪ ،‬ثم يشير إلى مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة‬
‫في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستفحل أمره حتى قضى عليه المسلمون في بداية‬
‫خالفة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ‪.‬‬
‫كما ضمن ابن زيدون أبياته الكثير من األمثال والحكم ‪ ،‬وأشار إلى بعض أبيات الشعر‬
‫الجاهلي المشهورة ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫فَ ِفي ِ‬
‫يومنَا خ َْم ٌر ‪ ،‬وفي َ‬
‫غدِه ِْأم ُر‬
‫الكريم ُم َر ْزأ ُ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫والَ َ‬
‫عجبٌ ‪ ،‬ا‬
‫‪2‬‬
‫يشير إلى المثل الذي قاله امرؤ القيس " اليوم خمر وغدا ً أمر "‬
‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫ب‬
‫بطئ الكواك ِ‬
‫ِ‬ ‫وآوي إلى لي ٍل‬

‫ُ‪3‬‬
‫سار كوكبٌ بات يُكأل‬
‫وأبطأ ٍ‬

‫يشير إلى قول النابغة ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ب‬
‫بطئ الكـــــواكـــ ِ‬
‫ِ‬ ‫ولي ٍل أُقاسيه‬ ‫كليني له ٍ ّم يا أُميمة ناص ِ‬
‫ب‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫بعض العجل‬
‫ُ‬ ‫الر َ‬
‫يث‬ ‫يهب ا‬
‫فقد ُ‬ ‫فديتك !!! إن تعجلي بالجفا‬
‫ِ‬
‫من المثل " رب عجلة تهب ريثا ً "‪ ، 6‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ص َر ‪ ،‬أ ْن ِ‬
‫ت ِم ْن قَ ْو ِم ُمو َ‬
‫سى‬ ‫ا ْهبِ ِطي ِم ْ‬ ‫ت ِم ْنه ُ‬ ‫لَي َ‬
‫ْس ِم ْن ِك ال َه َوى ‪ ،‬وال أ ْن ِ‬
‫‪7‬‬

‫‪8‬‬
‫طعام واح ٍد اهبطوا مصر "‬
‫ٍ‬ ‫يشير إلى قوله تعالى ‪ " :‬وإ ِذ ْق ْلتُم يا ُموسى لن نا ْ‬
‫ص ِب َر على‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬


‫‪ 2‬ـ أبو هالل العسكري ‪ ،‬جمهرة األمثال ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬و عبد الحميد قطامش ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ،1699 ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪4‬ـ النابغة الذبياني ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬تقديم عباس الساتر ‪ ،‬دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 1661 ،‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪6‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ، 261 / 1 ،‬أول من قال ذلك مالك بن عوف بن أبي عمرو بن عوف بن محلم الشيباني‪.‬‬
‫‪7‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 165‬‬
‫‪8‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪. 11 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫‪1‬‬
‫ب َما قُ ْلتُهُ إلى َه َجر‬
‫ــــــ َجا ِل َ‬ ‫ِمنَها ا ِت ّقَائِي ِأل ْن أ ُكونَ أنَا الــــــــــ‬

‫يشير إلى المثل المشهور" كمستبضع التمر إلى هجر "‪ ، 2‬وهو مثل يقال عند الخط ِأ في نقل‬
‫األشياء إلى األماكن التي تكثر فيها ‪ ، ...‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫وال َم ْرء ُيَ ْع ِج ُز َال ال َح ِو ْ‬


‫يل‬ ‫ت ُمحْ ت َالةً‬
‫فَت َ َجا َم َد ْ‬

‫يشير إلى المثل " المرء يعجز ال محالة "‪ ، 4‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ومزا ُج الوصا ِل ِم ْن ت ْسنِ ِيم‬
‫ِ‬ ‫س اوغِ ِم ْسكٌ‬
‫الرضا ال ُم َ‬
‫وإذ ِختا ُم ِ ّ‬

‫وم ‪ِ ،‬ختا ُمهُ ِم ْسكٌ وفي ذلك ْفليَتَنَا َف ِس‬


‫ق ام ْخت ُ ٍ‬ ‫يشير إلى قوله تعالى " يُ ْسقَونَ ِمن ار ِحي ٍ‬
‫قربون "‪ ، 6‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬ ‫يشرب بها ال ُم ا‬
‫ُ‬ ‫ومزا ُجهُ ِمن ت َسنِ ٍيم ‪ ،‬عينا ً‬
‫سون ‪ِ ،‬‬
‫ال ُمتنافِ ُ‬

‫‪7‬‬
‫ب زَ قوما ً و ِغسْلينا‬
‫والكوثر العذ ِ‬
‫ِ‬ ‫يا جناة الخلد أُبدِلنا بسدْرتها‬

‫يشير فيه عدة ألفاظ قرآنية ‪ ،‬فـ ( السدرة ) ‪ ،‬وردت في قوله تعالى ‪ " :‬إ ْذ يَ ْغشَى ال ِ ّ‬
‫سد َْرةِ َما‬
‫يَ ْغشَى "‪ ، 8‬و ( الكوثر ) وردت في قوله تعالى ‪ " :‬إناا أ ْع َ‬
‫ط ْينَاك ال َك ْوثَر "‪ ، 9‬و ( الزقوم )‬
‫‪ ،‬و( الغسلين ) وردت في قوله‬ ‫‪10‬‬
‫طعَا ُم األثِ ِيم "‬ ‫الزقُّ ِ‬
‫وم‪َ ،‬‬ ‫ش َج َرة َ ا‬ ‫وردت في قوله تعالى ‪ " :‬ا‬
‫إن َ‬
‫طعَا ٌم اإال ِم ْن ِغ ْس ِليْن "‪ ،. 11‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫وال َ‬
‫تعالى ‪َ " :‬‬

‫ُ ‪12‬‬
‫يارتُهُ غِبٌّ ‪ ،‬وإل َما ُمهُ ْ‬
‫فرط‬ ‫ِز َ‬ ‫اجر‬ ‫وأ اما ال َك َرى ُم ْذ لَ ْم ْ‬
‫أزركم فَ َه ٌ‬

‫يشير إلى قولهم ‪ " :‬زر غباا تزدد حباا "‪ ، 13‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫كمث ِل القطا ‪ ،‬لو يُتْر ُكونَ لنَا ُموا‬ ‫ذر إناهم‬
‫ب العُ ِ‬
‫و َما ضاقَ عنهم َجانِ ُ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 229‬‬


‫‪2‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪. 152 / 2 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 225‬‬
‫‪ 4‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ،‬تحقيق محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 126 / 2 ، 1692 ،‬‬
‫‪5‬ص ‪. 299 ،‬‬
‫‪6‬ـ سورة المطففين ‪ ،‬اآلية ‪ 21‬ـ‪. 29‬‬
‫‪7‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪8‬ـ سورة النجم ‪. 11 ،‬‬
‫‪9‬ـ سورة الكوثر ‪. 1 ،‬‬
‫‪10‬سورة الدخان ‪. 11 ،‬‬
‫‪11‬ـ سورة الحاقة ‪. 11 ،‬‬
‫‪12‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫صرم الخزاعي ‪.‬‬ ‫‪13‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ، 122 / 1‬أول من قال هذا المثل معاذ بن ِ‬
‫‪14‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪111‬‬
‫يشير إلى المثل " لو ترك القطا ليالً لنام "‪ ، 1‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫ْ‪2‬‬
‫يف العَ َذل‬
‫س ُ‬ ‫أو ُم ِق ٌّل ‪َ ،‬‬
‫سبَقَ ال ا‬ ‫ال يَزَ ْل ِم ْن َحا ِسدِي ِه ُم ْك ِث ٌر‬
‫ْ‬
‫العذل "‪ 3‬مثل لما فات تداركه ‪ ،‬وال سبيل لتعديله ‪ ، .‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬ ‫السيف‬
‫ُ‬ ‫" سبق‬
‫‪4‬‬
‫صهُ إذ ْ ُك ُّل غَانِيَة ِه ْندُ‬
‫َوإِ ْخ َال ُ‬ ‫يُ َم ِيّ ُزه ُِم َم ْن ِس َواهُ َوفَاؤُ هُ‬

‫" ُك ُّل غَانِ َية ِه ْندُ "‪ 5‬مثل يضرب للتساوي في الشر ‪ ، .‬و قول ابن زيدون ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫فال ُح ُّر َمن دانَ إ ْنصافا ً كما ِديْنا‬ ‫ظةً‬
‫علَى ال َع ْه ِد ـ َما د ُْمنَا ـ ُم َحا ِف َ‬
‫ُومي َ‬
‫د ِ‬
‫يشير إلى المثل ‪ " :‬كما تدين تدان "‪ ، 7‬وقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫ا‬
‫عز ناس ذ ال ُ‬
‫ناس‬ ‫الدهر إذا ما‬
‫ُ‬ ‫وكذا‬
‫يشير إلى المثل ‪ " :‬الدهر يومان يوم لك ويوم عليك "‪ ، 9‬فمعروف أن اليوم الذي هولك تعز‬
‫فيه ‪ ،‬أما اليوم الذي هو عليك فإنك تذل فيه ‪.‬‬
‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫ُّ ‪10‬‬ ‫بيان يُبَيِّ ُن ـ للسامعينَ ـ ا‬
‫أن ِمنَ الساحْ ِر َما يست َ َحل‬ ‫ُ‬
‫وأن من ال ا‬
‫ش ْع ِر لحكمة "‪ ، 11‬ويقول ‪:‬‬ ‫أن من البيان لسحرا ‪ ،‬ا‬
‫نظر في هذا البيت إلى قول النبي " ا‬
‫‪12‬‬
‫كمعتقد الناب اُوة ِ في َ‬
‫س َجاحِ‬ ‫سة في سواه‬ ‫و ُمعت ِق ُد ِ ّ‬
‫الريا َ‬
‫سجاح ‪ :‬فتاة مسيحية نشأت في بالد النهرين عند أخوالها من قبيلة تغلب ‪ ،‬ولما ارت اد كثير‬
‫من العرب عن اإلسالم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ‪ ،‬وادّعى بعضهم النبوة اداعت هي‬
‫أيضا ً النبوة ودخلت في حروب مع المسلمين وتزوجت مسيلمة الكذاب ( مداعي النبوة ) ‪ ،‬ويقال‬
‫إنها أسلمت في زمن معاوية هي وقومها ‪ .13‬إلى غير ذلك من الثقافات المتعددة التي بثها في‬
‫شعره ‪ ،‬وفي ذلك دليل على سعة اطالعه ‪ ،‬وتعدد ثقافاته ‪.‬‬

‫‪1‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ، 191 / 2 ،‬و أبوهالل العسكري ‪ ،‬جمهرة األمثال ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬ص‪. 161‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 112‬‬
‫‪3‬ـ أبو هالل العسكري ‪ ،‬جمهرة األمثال ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص‪. 511‬‬
‫‪ -4‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪5‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪. 112 / 2 ،‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪7‬ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪. 151 / 2 ،‬‬
‫‪8‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫‪9‬ـ مجمع األمثال ‪. 151 / 2 ،‬‬
‫‪10‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪11‬ـ أبو هالل العسكري ‪ ،‬جمهرة األمثال ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪. 11 ، 11‬‬
‫‪12‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 111‬‬
‫‪ 13‬ـ الزركلي ‪ ،‬خير الدين ‪ ،‬األعالم ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬دار العلم للماليين ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة الخامسة عشرة ‪ ، 2222 ،‬ص ‪. 99‬‬
‫‪115‬‬
‫األلفاظ التاريخية ‪:‬‬
‫استعمل ابن زيدون كثرة وافرة من األلفاظ التاريخية ‪ ،‬في شعره فهو يعمد إليها موظفا ً‬
‫مر على مواقف تشبهها في عصره ‪ ،‬ومن‬
‫ومواقف كلما ا‬
‫َ‬ ‫دالالتها في شعره ؛ ليخدم بها أغراضا‬
‫األلفاظ التاريخية التي استخدمها في شعره أسماء وشخصيات تاريخية قديمة ‪ ،‬كقوله في إحدى‬
‫قصائده في المعتضد ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫كون ُم ْلكٍ ل ْم ي ُِح ْلهُ فســا ُد‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫نــــذرين " ِكليهما‬
‫ِ‬ ‫أناي رأيتُ " ال ُم‬
‫تخلــ ُ ُق األبْـــرا ُد‬‫ـ ل ْم يَ ْخلُقا ـ إ ْذ ْ‬ ‫ق"‬ ‫ث " ُم َح ِ ّر ٍ‬‫ص ْرتُ بالب ُْردين إر ِ‬
‫وب ُ‬
‫ِل َج ِذيْمةَ َ‬
‫الوضااحِ حـــين يـكا ُد‬ ‫ع ْم ٍرو ثأ ْ َرهُ‬ ‫ق َ‬ ‫ع َر ْفتُ َم ْن ذِي ا‬
‫الط ْو ِ‬ ‫َو َ‬
‫المـــــــــيال ُد‬ ‫نجْ ٌم تلقاى َ‬
‫ســ ْعدهُ ِ‬ ‫يم ِه ـ‬
‫يوم نَعــــــ ِ ِ‬ ‫وأَتى َ‬
‫بي النُّ ْعمانَ ـ َ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫الوفاـا ُد‬
‫ــر َوة ُ " َ‬
‫ع ْ‬ ‫لَ ْم يَ ْست َِط ْعها " ُ‬ ‫فكأناني طــال ْعــــت ُ ُه ْم ِب ِوفــــــــــا َدةٍ‬
‫‪4‬‬
‫وك ‪ ،‬إ ِذ ال ُملُ ِ‬
‫وك ِوهـا ُد‬ ‫فوقَ ال ُملُ ِ‬ ‫أهـــــــ ُل ال َمنـاذرةِ الذين ُه ُم ُّ‬
‫الربــــــــا‬
‫ماء ‪ ،‬فــــ ُه ْم لــــها أوال ُد‬
‫س ِ‬ ‫ما ُء ال ا‬ ‫ع ِقيلةً ـ‬ ‫عـــــــــد ْ‬
‫ات ـ َم َع اد َ‬ ‫قــو ٌم إذا ُ‬
‫‪5‬‬
‫سماحِ إيا ُد‬
‫ب " بال ِ ّ‬
‫وصف " ك ْع ٍ‬
‫ِ‬ ‫عن‬ ‫ض ْ‬
‫ت‬ ‫ع ْم َرها ‪ْ ،‬‬
‫بل أع َْر َ‬ ‫نَ ِس َي ْ‬
‫ت ز ِبي ٌد َ‬
‫‪6‬‬
‫لَعَنَا " ال ُم ِغيرة ُ " أو ا‬
‫أقر " ِزيــــادُ"‬ ‫فلو تَقَد َام َ‬
‫ع ْه ُدهُ‬ ‫فَ َ‬
‫ض َح الدُّهاة َ ‪ْ ،‬‬
‫يحشد ابن زيدون في هذه األبيات كثيرا ً من الشخصيات التاريخية ‪ ،‬فالمنذر ‪ ،‬ومحرق ‪،‬‬
‫وذو الطوق عمرو ‪ ،‬وجذيمة ‪ ،‬والنعمان ‪ ،‬وعروة بن الورد ‪ ،‬وماء السماء ‪ ،‬وزبيد ‪ ،‬وكعب ‪،‬‬
‫والمغيرة وزياد شخصيات تاريخية وتراثية تم توظيفها كقيمة تراثية تعمق تجربته الشعرية ‪.‬‬
‫وإضافة لذلك فقد تأثر ابن زيدون باألشعار التي نظمت قبله ال سيما المشرقية منها ‪ ،‬حيث‬
‫أفاد من معانيها وألفاظها وصورها ‪ ،‬ويظهر هذا األمر جليا ً واضحا ً في رسائله النثرية التي‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ 151 ،‬ـ ‪ ، 156‬الكون والفساد ‪ :‬تعبيران فلسفيان يدوران حول التكوين والهدم أو اإليجاد والفناء ‪،‬‬
‫محرق ‪ :‬هو‬
‫والمنذران هما ‪ :‬المنذر بن امرئ القيس ويسمى المنذر األكبر بن ماء السماء ‪ ،‬وابنه المنذر ويسمى المنذر األصغر ‪ّ ِ ،‬‬
‫حرق مائة من بني تميم في ثأر أخ له في الرضاع ‪ ،‬وقد‬ ‫حرق نخل اليمامة أو َّ‬‫محرقا ً ألنه َّ‬
‫َّ‬ ‫عمرو بن المنذر المسمى بعمر بن هند ‪ ،‬س ِّمي‬
‫قتله عمرو بن كلثوم ‪ ،‬وقال ‪ :‬فيه معلقته المشهورة التي مطلعها " أال هبِّي بصحنِكِ فاصبحينا " ‪ ،‬والبردان ‪ :‬عرضهما المنذر األكبر‬
‫العز والعدد في معد ثم في نزار ‪ ..‬ثم في بهدلة‬‫على وفود العرب ليأخذهما أعزهم ‪ ،‬فقام عامر بن أحيمر فأخذهما وارتداهما قائالً ‪ّ " :‬‬
‫فمن أنكر هذا فلينافرني " فسكت الناس ‪ .‬لجذيمة ‪ :‬ملك جذيمة بن مالك الوضاح وينعت بأبرش الحيرة ‪ ،‬قيل ‪ :‬إنه قصد في جيش كثيف‬
‫إمارة عمرو بن الظرب العاملي فقتله ‪ ،‬ولما تولت الزبا الحكم مكان أبيها عمرو دبرت حيلة قتلت بها جذيمة األبرش فانتقم له ابن أخته‬
‫عمر بن عدي الذي ورث ملك خاله وأسس أسرة اللخميين بالحيرة ‪ ،‬وسبب تسميته بذي الطوق أن أمه كانت تزينه وتضع في هنقه طوقا ً‬
‫عمرو عن الطوق " فسارت مثالً لإلنسان يكبر عن شيء الذي ال يالئمه ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فلما كبر قال خاله ‪ " :‬شبَّ‬
‫‪2‬ـ كان للمنذر بن ماء السماء نديمان قتلهما في سكره ‪ ،‬ثم ندم على قتلهما ثم بنى لهما قبرين يسميان الغرييَّن فكان يخرج إليهما يومين في‬
‫العام ‪ ،‬األول يسمى يوم النعيم يعطي فيه أو َل من يطلع فيه مائة من اإلبل ‪ ،‬والثاني يسمى يوم البؤس يقتل فيه أول من يفد عليه ‪ ،‬ويقال‬
‫إنه قتل في هذا اليوم عبيد بن األبرص الشاعر الجاهلي المشهور ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عروة الوفاد ‪ :‬عروة بن الورد الذي كان يغزو ويوزع الغنائم على الفقراء ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الربا ‪ :‬المكان المرتفع ‪ ،‬الوهاد ‪ :‬المكان المنخفض ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ زبيد ‪ :‬قبيلة يمنية ‪ .‬عمرو بني زبيد ‪ :‬هو عمرو بن معد يكرب الزبيدي من فرسان العرب وشعرائها أدرك اإلسالم فأسلم ثم ارتد عقب‬
‫وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى اإلسالم وأبلى في موقعتي اليرموك والقادسية أحسن البالء ‪ .‬كعب ‪ :‬هو كعب بن مامة‬
‫اإليادي من قبيلة إياد العدنانية يضرب به المثل في الجود ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المغيرة ‪ :‬هو المغيرة بن شعبة من دهاة ال عرب المعدودين ‪ ،‬وزياد ‪ :‬هو زياد بن أبيه اعترف معاوية بنسبته إلى أبيه أبي سفيان ‪ ،‬وهو‬
‫من الفرسان والخطباء األفذاذ ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ضمنها الكثير من األشعار المشرقية ‪ ،‬أما في قصائده فقد تأثر بكثير من الشعراء الذين سبقوه ‪،‬‬
‫وليس هناك أد ُّل على ذلك من تتبعنا ألثر أبي تمام والبحتري والمتنبي في شعره ‪ ،‬وكيف كان‬
‫يعارض قصائدهم ‪ ،‬ويضمن أشعارهم ‪ ،‬ويأخذ معانيهم وألفاظهم ‪ ،‬كما أثبتنا في الفصل األول ‪.‬‬
‫فاإلشارة إلى المعاني واأللفاظ ‪ ،‬والتضمين ‪ ،‬والمعارضة ‪ ،‬دليل على اتفاق ابن زيدون‬
‫مع شعراء العصر العباسي في انتقاء األلفاظ والكلمات ‪ ،‬كما أنه ال يختلف معهم في روافد‬
‫معجمه اللفظي المستفاد من األصول التراثية ‪ ،‬والدينية ‪ ،‬والتاريخية ‪ ،‬أ اما األلفاظ التي آثرنا أن‬
‫نقف عليها في تأثر ابن زيدون بأبي تمام والبحتري والمتنبي في المعجم اللغوي ‪ ،‬فهي تلك‬
‫األلفاظ البارزة التي كثر استعمالها في معجمه الشعري ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫معجم الطبيعة في سياق الربيع والنباتات ‪:‬‬

‫يعد موضوع ( وصف الطبيعة ) من الموضوعات التي حازت اهتمام الشعراء‬


‫األندلسيين ‪ ،‬ولعله من أبرز الموضوعات التي تحسب لألندلس بما امتاز به شعراؤها من إبداع‬
‫‪ ،‬فقد منح الله عز وجل ‪ ،‬األندلس طبيعة فاتنة كانت بها أغنى بقاع المسلمين منظرا ً وأوفرها‬
‫التنوع فهي " شامية في طبيعتها وهوائها ‪ ،‬يمانية في اعتدالها‬
‫ّ‬ ‫جماالً‪ ، 1‬فقد كانت بيئة عجيبة‬
‫واستوائها ‪ ،‬هندية في عطرها وذكائها ‪ ،‬أهوازية في عظم جنّاتها ‪ ،‬صينية في جواهر معادنها ‪،‬‬
‫عدنية في سواحلها ‪. 2" ...‬‬

‫فاألندلس هي بالد الطبيعة الجميلة الثرية الساحرة ‪ ،‬واألندلسيون قوم يغلب عليهم األدب ‪،‬‬
‫ويأسرهم الشعر فتفننوا في قوله وإنشائه ‪ ،‬فكان للطبيعة نصيب كبير من العناية بها ‪ ،‬واالفتنان‬
‫بما حباها الله من حدائق وبساتين ورياض وأزاهير ‪ ،‬وورد ونوار وحمائم وأطيار ‪ ،‬وجداول‬
‫ق ‪ ،‬وخضر وأثمار ‪ ،‬وثلوج وأمطار ‪ ،‬وكل ما يخطر على النفس من‬ ‫وأنهار ‪ ،‬وبرك وسوا ٍ‬
‫جميل يتصل بالطبيعة وصفوه وصفا ً بديعا ً ‪ ،‬وصوروه تصويرا ً فاتنا ً مختلف األلوان منمنم‬
‫‪3‬‬
‫األصباغ ‪.‬‬

‫لذا فقد أكثر الشاعر األندلسي من ألفاظ وصف الطبيعة ؛ " استجابة منهم لمؤثرات البيئة‬
‫وما انطوت عليه بالدهم من مشاهد الفتنة ومظاهر الحسن ‪ ،‬وهكذا انفعلت نفوسهم بما‬
‫استشعرت حولها من عناصر الجمال ‪ ،‬وفاضت قرائحهم ببديع القول تجاه تلك الربوع التي‬
‫‪4‬‬
‫شغفوا بها ‪ ...‬وهكذا دخلت الطبيعة حياة األندلسيين ‪ ،‬وخالطت نفسهم وتغلغلت في أشعارهم "‬

‫‪ 1‬ـ ينظرـ الركابي ‪ ،‬جودت ‪،‬الطبيعة في الشعر األندلسي ‪ ،‬مكتبة أطلس ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط ‪ ، 1692 ، 2‬ص ‪. 22‬‬
‫‪2‬ـ كروم ‪ ،‬بومدين ‪ ،‬الطبيعة في شعر ابن خفاجة األندلسي ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،‬سنة ‪ ، 1691‬ص‪. 122‬‬
‫‪3‬ـ ينظر‪ :‬األدب األندلسي‪ ،‬موضوعاته وفنونه ‪. 111 /‬‬
‫‪4‬ـ الدقاق ‪ ،‬عمر ‪ ،‬مالمح الشعر األندلسي ‪ ،‬دار الشرق بيروت ‪ 221 ، 1691 ،‬ـ‪.229‬‬
‫‪119‬‬
‫َف بالطبيعة فإن ذلك قد منحهم خياالً جميالً ‪ ،‬فكانت الرقة ‪ ،‬والنعومة‬
‫شغ ٌ‬
‫‪ ،‬وإذا كان لألندلسيين َ‬
‫ميزة أشعارهم ‪ ،‬والفضل في ذلك لألندلس ‪ ،‬وما لربوعها من تأثير في نفوسهم‪. 1‬‬

‫وقد شكلت الطبيعة رافدا ً أساسيا ً ‪ ،‬ونبعا ً ثريا ً استقى منه ابن زيدون معجمه الشعري ‪ ،‬فمن‬
‫قصائده التي تزخر بمصطلحات الطبيعة ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫فحار وثنَّى ِ‬
‫ناظ َر الشمس أرمــدا‬ ‫َ‬ ‫الط ْلقَ ليالً عليهم‬
‫أعاد الصبا َح َّ‬

‫سدا ً‬ ‫األقمار ‪ ،‬في األُف ِ‬


‫ق ُح َّ‬ ‫ُ‬ ‫الح ُ‬
‫ظه ُ‬ ‫تُ ِ‬ ‫ظالم عجاجـة‬
‫ِ‬ ‫فح َّل هِالالً في‬

‫يصف ابن زيدون ما فعله إسماعيل بن المعتضد في حربه ضد المظفر بن األفطس ‪ ،‬حيث جعل‬
‫إسماعيل بن المعتضد الصباح المشرق ليالً مظلما ً ‪ ،‬بما أثاره عليهم غبار المعركة ‪ ،‬وقد جعل ابن‬
‫زيدون ممدوحه هالالً صغيرا ً ‪ ،‬ورغم صغره فإن جميع األقمار والكواكب تحسده ‪ ،‬فالشاعر في‬
‫هذه األبيات يستعين بألفاظ الطبيعة في إثراء معجمه الشعري ‪ ،‬فالصباح ‪ ،‬والليل ‪ ،‬والشمس ‪،‬‬
‫والهالل ‪ ،‬والظالم ‪ ، ،‬والعجاج ‪ ،‬واألقمار ‪ ،‬كلها ألفاظ للطبيعة أستعان بها الشاعر في إيصال‬
‫صورته الفنية للمتلقي ‪.‬‬

‫ويقول ابن زيدون في نونيته الشهيرة ‪ ،‬التي صاغها في والدة بعد أن جفته وصدت عنه ‪:‬‬

‫ضاً‪َ ،‬ونَس ِْرينَا‬ ‫َو ْرداً‪َ ،‬جالهُ ال ِ ّ‬


‫صبا غ ّ‬ ‫اح َ‬
‫ظنَا‬ ‫ضةً طالَما أجْ ن ْ‬
‫َت لَ َو ِ‬ ‫يا َر ْو َ‬

‫نى ضـــــروبَاً‪ ،‬ولــذّا ٍ‬


‫ت أفانينَــا‬ ‫ُم ً‬ ‫ويَا حيـــاة ً تملّ ْينَا‪ ،‬بزهـــــ َرتِ َها ‪،‬‬

‫في َو ْشي ِ نُ ْع َمى ‪ ،‬س َحبنا ذَيلَه حينَا‬ ‫خطرنَا‪ِ ،‬م ْن غ َ‬


‫َضارتِ ِه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫و َيا ن ِعيما ً‬

‫يتحسر الشاعر على أيام وصاله مع محبوبته ‪ ،‬التي كانت كالروضة بل كانت نعيما ً لحياته ‪،‬‬
‫فيتمنى أن تعود إليه ‪ ،‬وتعيده إلى جنته التي وصفها بجنة الخلد ‪ ،‬فإن لم ينل منها شيئا ً في الدنيا‬
‫‪ ،‬سيظفر به في اآلخرة ‪ ،‬فهو ال يفقد األمل بلقائها ‪.‬‬

‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫ب ‪ ،‬زقّوما ً وغسلينَا‬
‫والكوثر العذ ِ‬
‫ِ‬ ‫بسدرتِـها‬
‫َ‬ ‫يا جنّةَ الخلــ ِد أُبدِلنا ‪،‬‬

‫أجفان َواشينَا‬
‫ِ‬ ‫سع ُد قَ ْد غ ا‬
‫َض من‬ ‫َوال ّ‬ ‫ت ‪ ،‬والوص ُل ثالثُنَــا ‪،‬‬
‫كأنّنَا لم نبِ ْ‬

‫‪1‬ـ البستاني ‪ ،‬أدباء العرب في األندلس ‪ ،‬ص ‪ 11 ، 15‬بتصرف ‪.‬‬


‫‪119‬‬
‫صبـــحِ يفشينَا‬ ‫ُ‬
‫لسان ال ّ‬ ‫حتى يكا َد‬ ‫لماء يَكت ُ ُمنا ‪،‬‬
‫الظ ِ‬‫خاط ِر ّ‬
‫ِ‬ ‫ان في‬
‫ِس ّر ِ‬

‫شر نَلقا ُك ْم َوت َْلقُونَا‬


‫ف ال َح ِ‬
‫في َم ْوقِ ِ‬ ‫عز في الدّنيا اللّقا ُء بك ْم‬
‫إن كان قد ّ‬
‫ْ‬

‫فاأللفاظ ‪ :‬روضةً ‪ ،‬وردا ً ‪ ،‬الصبا ‪ ،‬غضا ً ‪ ،‬نسرينا ‪ ،‬زهرتها ‪ ،‬نعيما ً ‪ ،‬جنة ‪ ،‬سدرتها ‪،‬‬
‫الكوثر ‪ ،‬زقوما ً ‪ ،‬الظلماء ‪ ،‬الصبح ‪ ،‬كلها ألفاظ للطبيعة جعلها الشاعر رافدا ً خصبا ً في تكوين‬
‫معجمه الشعري ‪ .‬يقول شوقي ضيف ‪ " :‬ويمزج الشاعر األندلسي في كثير من غزله بين حبه‬
‫وبين عناصر الطبيعة مزجا ً ال نعرفه عند المشارقة إال نادرا ً ‪ ،‬إذ نراه يشرك تلك العناصر معه‬
‫في مشاعره وأحاسيسه ‪ ،‬على نحو ما يلقانا عند ابن زيدون في قافيته التي خاطب بها صاحبته‬
‫والدة "‪ ، 1‬وهي قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫األرض قد راقا‬
‫ِ‬ ‫واأل ْف ُق ْ‬
‫طل ٌق ومرأى‬ ‫ــراء ُمشتاقــــا ً‬ ‫إني ذكرتُك ِ َّ‬
‫بالز ْه ِ‬
‫كأنَّـــهُ َّ‬
‫رق لي ‪ ،‬فاعتـــــل إشفاقــــا‬ ‫وللنسيم اعتـــال ٌل في أصائ ِلـــــ ِه‬
‫كما شقَ ْقـــتَ ـ عن اللبَّات ـ أطواقــــا‬ ‫ي ِ مبت ِس ٌم‬
‫ض ّ‬
‫والروض عن مائِ ِه ال ِف ِ ّ‬
‫ُ‬
‫جا َل النَّدى فيه ‪ ،‬حتى مال أعناقــــا‬ ‫نلهو بما يستمي ُل العينَ من زهـــر‬
‫هكذا مزج ابن زيدون حبه للطبيعة بحب والدة ‪ ،‬فتغنى باالثنين معا ً ‪ ،‬ولهذا اطلق عليه علي‬
‫عبد العظيم لقب ( شاعر الحب والطبيعة )‪ ، 3‬فألفاظ الطبيعة التي وردت في األبيات ‪ :‬األرض ‪،‬‬
‫النسيم ‪ ،‬الروض ‪ ،‬الماء ‪ ،‬الزهر الندى ‪ .‬ويبدو أن المزج بين الطبيعة والغزل ‪ ،‬قد التزمه‬
‫الشاعر بعد أن حصلت الجفوة بينه وبين والدة فأكثر من الحنين إليها متخذا ً من الطبيعة رسوالً‬
‫بينه وبينها ‪ ،‬فعندما كان ابن زيدون الجئا ً في بطليوس وهو في حال من الثورة ‪ ،‬واالشتياق‬
‫أرسل الريح إلى والدة لتحمل سالمه وتحياته ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ُم ْش ِرقـــــا ً َم ْن سئِ َم الت َّ ِغريبــــا‬
‫سمعْتَ ال َمث َ َل المض ُْروبَــــا ‪:‬‬
‫أ َما ِ‬
‫واستشر ل ِبيبا "‬
‫ْ‬ ‫"أر ِسل حكيما ً ‪،‬‬
‫ْ‬
‫إذَا أتيْتَ الوطـــــنَ الحبيبــــــا‬
‫ض َح ال َع ِجيبـــا‬
‫وال َجا ِنب المستو َ‬
‫اض َر ال ُم ْنفَسِح َ َّ‬
‫الر ِحيبـــــا‬ ‫وال َح ِ‬

‫‪1‬ـ فصول من الشعر ونقده ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ، 1699 ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪2‬ـ ديون ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪ 3‬ـ ينظر ‪ ،‬عبد العظيم ‪ ،‬علي ‪ ،‬في كتابه عن ابن زيدون ‪ ،‬ص‪. 229‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 155‬‬
‫‪116‬‬
‫ي ِ ِم ْنهُ َما َرأى ال ُجنُوبَـــــا‬
‫فَ َحـــ ّ‬
‫وللريح مع ابن زيدون عالقة وثيقة فهي رسوله الدائم التي تحمل سالمه إليهم ‪ ،‬وتحمل‬
‫رسائل األحبة ‪ ،‬وتحمل إليه سالمهم ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ب‬
‫الغـــــر ِ‬
‫ْ‬ ‫الم إلى‬
‫س َ‬ ‫ت َ َح ُّملَها منه ال َّ‬ ‫ق يَ ْش ُك ُر ل ِل َّ‬
‫صبا‬ ‫يب بأقصى ال َّ‬
‫ش ْر ِ‬ ‫غ َِر ُ‬
‫ب‬ ‫س َال َم هَو ً‬
‫ى يُ ْهدي ِه ِج ْس ٌم إلى القل ِ‬ ‫َ‬ ‫صبا في احتِمالها‬
‫أنفاس ال َّ‬
‫َ‬ ‫ضر‬
‫وما َّ‬
‫كما كان ابن زيدون دائم الحنين والشوق إلى معاهد لهوه ‪ ،‬وصباه في قرطبة ‪ ،‬فعندما‬
‫أضناه الشوق والوجد أكثر من ذكر أودية ‪ ،‬وغدران ‪ ،‬ورياض قرطبة ‪ ،‬علّها تطفئ لهيب شوقه‬
‫لقرطبة ومن فيها ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫زَ َك ْ‬
‫ت ‪ ،‬وعلى وادي ال َع ِقيق سال ُم‬ ‫ي م ِنّي ت َِحيَّـــــةً‬
‫شهد ّ‬ ‫على الثَّغ ِ‬
‫ب ال َّ‬
‫بأرجائها ‪ ،‬يبكي عليــــــه غ َمــــا ُم‬
‫ْ‬ ‫ضاحـــكٌ‬
‫ِ‬ ‫نور في الرصافَة‬
‫وال زا َل ٌ‬
‫تُ ُ‬
‫ــدار علينا للم ُجــــــــون ِ ُمـــــدا ُم‬ ‫معاهِد ل ْهو ‪ ،‬لَم ْ‬
‫تزل ‪ ،‬في ِظاللهـــا‬
‫ــــرور ِج َمــــــا ُم‬
‫ِ‬ ‫س‬‫ف ‪ ،‬وأمواه ال ُّ‬
‫ت َِر ُّ‬ ‫يش ُخض ٌْر ن ِ‬
‫َواض ٌر‬ ‫زَ مانَ ِر ُ‬
‫ياض ال َع ِ‬
‫فالشاعر يحلق في فضاء قرطبة حانّا ً إلى طبيعتها الجميلة مرسالً إليها بتحيّاته ‪ ،‬فللغدير‬
‫( الثغب الشهدي ) تحية عطرة ‪ ،‬وتحية سالم على ( وادي العقيق ) ‪ ،‬فالشاعر في حنين دائم‬
‫ألماكن قرطبة الطبيعية مرسالً إياها سالمه ‪ ،‬وقد أكثر من معجم الطبيعة في أبياته ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫الوادي ‪ ،‬الغمام ‪ ،‬الرياض ‪.‬‬

‫ومن خالل تتبعنا أللفاظ الطبيعة في شعر ابن زيدون ‪ ،‬نجده لم يصف الطبيعة لذاتها ‪،‬‬
‫وإنما مزجت بالمدح والغزل ‪ ،‬حيث يربط بين ألفاظ الطبيعة ‪ ،‬وخصال الممدوح تارة ‪ ،‬و يربط‬
‫بين ألفاظ الطبيعة ‪ ،‬وحبه لوالدة تارة أخرى ‪.‬‬

‫وإذا نظرنا في آثار الحياة الجديدة في لغة الشعراء العباسيين ‪ ،‬نجد ألفاظ الطبيعة ‪ ،‬قد‬
‫ظهرت بشكل واضح في أشعارهم ‪ ،‬حيث مالت ألفاظهم " إلى الرقة والعذوبة ‪ ،‬وخرجت من‬
‫أسر محاكاة الجاهليين ‪ ،‬فعكف الشاعر العباسي على تبسيط المعاني واختيار ألفاظ ذات رونق لم‬
‫يغرب إال في القليل من شعره ‪ ،‬فأفرد الشعراء القصائد لوصف عناصر الطبيعة أحيانا ً ‪،‬‬
‫واستهلوا بها قصائدهم أحيانا ً أخرى بدالً من البكاء على األطالل أو وصف الراحلة ‪ ،‬فوصفوا‬

‫‪1‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 151‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 152‬الثغب ‪ :‬الغدير في ظل جبل ال تصيبه الشمس فيبرد ماؤه ‪ .‬معاهد ‪ :‬أماكن ‪ .‬المجون ‪ :‬العبث ‪ُ .‬مدام ‪:‬‬
‫الخمرة جمام ‪ :‬واحدها جم وهو من الماء كثيره ‪ .‬بان ‪ :‬بعد ‪ .‬لوعة ‪ :‬حسرة يشب ‪ :‬يندلع الفريد ‪ :‬اللؤلؤ ‪ .‬نظام ‪ :‬عقد ‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫الرياض والبساتين والحدائق ‪ ،‬ووصفوا األنهار والبرك ‪ ،‬وعددوا أسماء الزهور مثل ‪ :‬النرجس‬
‫‪ .‬النسرين ‪ .‬النيلوفر ‪ .‬الياسمين ‪ .‬البنفسج ‪ .‬النوار ‪ .‬األقحوان ‪ .‬السوسن ‪ .‬الورد ‪ .‬الخرم ‪.‬‬
‫الخيري ‪ .‬الكافور ‪ .‬الريحان ‪ .‬البهار ‪ .‬الشقيق ‪ .‬الجلنار ‪ .‬شقائق النعمان ‪ ...‬وغيرها "‪ ، 1‬وقد‬
‫اتضحت تلك المظاهر جليا ً في شعر أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬المتنبي ‪.‬‬

‫ففي وصف الربيع ‪ :‬يقول أبو تمام‬

‫‪2‬‬
‫وغ َدا الثارى في َح ْليِ ِه يت َك ا‬
‫س ُر‬ ‫رقا ْ‬
‫ت َحوا ِشي ال اد ْه ِر فهي ت َ َم ْر َم ُر‬

‫تاء َجدِي َدة ٌ ال ت ُ ْكفــــــ َ ُر‬


‫ش ِ‬ ‫ويَ ُد ال ا‬ ‫يف َحمـــيدة ً‬
‫ص ِ‬‫ت ُمقَ ّدِمةُ ال َم ِ‬
‫نَزلَ ْ‬

‫المصيف َهشَائِما ً ال تُثْ ِم ُر‬


‫ُ‬ ‫القى‬ ‫شتا ُء بكــــ َ ِفّ ِه‬
‫س ال ِ ّ‬
‫لوال الذي غ ََر َ‬
‫وم و ْبلُهُ ُمثْــــــــ َع ْن ِج ُر‬
‫فيــها و َي ٍ‬ ‫ك ْم ليل ٍة آسى البال َد ِبنَ ْفســـــــــ ِه‬

‫صحْ ٌو يكا ُد من الناضار ِة يُ ْم ِط ُر‬ ‫حو منهُ و َب ْع َدهُ‬


‫ص ُ‬ ‫ط ُر َيذُ ُ‬
‫وب ال ا‬ ‫َم َ‬

‫ض َم ُر‬ ‫لَكَ َوجْ ُههُ ‪ ،‬والصاحْ ُو غ ٌ‬


‫َيث ُم ْ‬ ‫ِــــــر‬
‫ٌ‬ ‫َيثان فاألنوا ُء غ ٌ‬
‫َيث ظاه‬ ‫غ ِ‬
‫حاب أتاهُ وهو ُمعـــــَذّ ُِر‬
‫س َ‬ ‫ِخ ْلتَ ال ِ ّ‬ ‫َت به ِل َم ُم الثارى‬
‫ى إذا ا اد َهن ْ‬
‫وند ً‬
‫َـــــــــر‬
‫ُ‬ ‫َحقا ً ل ِهناكَ لَ ا‬
‫لربيـــ ُع ْ‬
‫األزه‬ ‫أ َ َربَ ْيعَنَا في تِ ْس َع َ‬
‫ع ْش َرة َ ِح اجةً‬

‫وض كان يُ َع ام ُر‬


‫الر ِ‬ ‫لو ا‬
‫أن ُحسْنَ ا‬ ‫ب بَه َجـــــــةً‬
‫ما كانت األيا ُم ت ُ ْسلَ ُ‬
‫ض ِحينَ تُغَيـــ ا ُر ؟‬ ‫س ُم َج ْ‬
‫ت و َحس ُْن ْ‬
‫األر ِ‬ ‫َ‬ ‫غي ْ‬
‫ارت‬ ‫أَوالَ ترى األ َ ْشيا َء ْ‬
‫إن هي ُ‬

‫فمن ألفاظ الطبيعة التي وردت في األبيات ‪ :‬الشتاء ‪ ،‬والصيف ‪ ،‬والثرى ‪ ،‬تثمر ‪ ،‬وبله ‪،‬‬
‫مطر ‪ ،‬الصحو ‪ ،‬غيثان ‪ ،‬األنواء ‪ ،‬ندى السحاب ‪ ،‬الربيع ‪ ،‬األزهر ‪ ،‬الروض ‪.‬‬

‫و يصف البحتري المروج الواسعة التي تشتمل على ألوان شتى من النباتات ‪ ،‬فيذكر فيها "‬
‫الخزامي " ‪ ،‬و " الحوذان " ‪ ،‬ويذكر " البهار " فيصوره بالثغر الضاحك ‪ ،‬وكذلك لفظة "‬
‫شقائق النعمان " التي جعل لها عيونا قائالً ‪:‬‬

‫‪1‬ـ إبراهيم ‪ ،‬هند ماهر أبو العطا ‪ ،‬تطور المعجم الشعري في شعر الطبيعة في العصر العباسي ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ـ‬
‫القاهرة ‪ ، 2225 ،‬ص ‪. 161‬‬
‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 111 ، 112 / 1 ،‬تتمرمر ‪ :‬تموج وتضطرب لينا ً ونعمة ‪ .‬الثرى ‪ :‬التراب ‪ .‬هشائم ‪ :‬جمع هشيمة وهي الشجرة‬
‫اليابسة ‪ .‬لمم الثرى ‪ :‬النبت الذي سقط عليه الندى ‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫ت َْزهَى ُخزَ ا َماهُ على ال َحو َذ ِ‬
‫ان‬ ‫راص ُمفَ او ٌ‬
‫ف‬ ‫مم ُرو ُج ال ِع ِ‬
‫وال َم ْر ُج ْ‬
‫‪1‬‬

‫ــــــــران‬
‫ِ‬ ‫ت َْخت َا ُل بينَ نَوا ِع ٍم أ َ ْق‬ ‫الرقاةُ البي َ‬
‫ضا ُء " كال ُخو ِد التي‬ ‫و" ا‬

‫ض ٍر بَ ِهجٍ ‪ ،‬وأَحْ َم َر ِ‬
‫قان‬ ‫في ْ‬
‫اخ َ‬ ‫صفَ َر فــاقِعٍ ‪،‬‬ ‫أبيض يَقَ ٍ‬
‫ق ‪ ،‬وا ْ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬

‫ـــــان‬
‫ِ‬ ‫ق النُّ ْع َم‬
‫شقَائِ ِ‬ ‫عي ُ‬
‫ُون َ‬ ‫فِيها ُ‬ ‫شقاقَت‬
‫ضها وت َ َ‬
‫بأر ِ‬
‫ار ْ‬‫ض ِحكَ البَ َه ُ‬
‫َ‬
‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫مان واأل ُ ْق ُح ْ‬


‫وان ؟‬ ‫ائق النُّ ْع ِ‬
‫شقَ ُ‬
‫َ‬ ‫ض ؛ وأثْوابُها‬
‫األر َ‬
‫أ َما ت َرى ْ‬

‫وله قصيدة في مدح الحسن بن الحسن بن سهل ‪ ،‬يعدد فيها ألوانا ً شتى من أصناف الزهور‬
‫والورود ‪ ،‬يقول فيها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ــــــــــدان‬
‫ِ‬ ‫نَ َخ ِلياا ً ِم ْن ُك ِّل ما ت َِج‬ ‫َيث إ ْذ بكاها ْ‬
‫وإن كــا‬ ‫أ ْس ِعــــــدا الغ َ‬

‫األلــــــــــــوان‬
‫ِ‬ ‫ُحلَالً ِم ْنهُ َج امةَ‬ ‫جــــــــــا َد فيها بنف ِس ِه فا ْست َ َجـــــــد ْ‬
‫ات‬

‫ض ِر ُحسْنا ً َو َو ْش ِي ِه ْ‬
‫األر ُجوانــي‬ ‫ـ َ‬ ‫ي ت َ ْهت َُّز بينَ إ ْف ِر ْنـــــ ِد ِه ْ‬
‫األخــــــــــ‬ ‫فَ ْه َ‬
‫ـــــــــــان‬
‫ِ‬ ‫ق النُّعمـ َ‬ ‫أ ْن ُج ٌم ِم ْن َ‬
‫ش ِقائ ِ‬ ‫وض ‪ ،‬فيها‬ ‫في س َماءٍ من ُخض َْرةِ ا‬
‫الـر ِ‬
‫يــــــــــان‬
‫ِ‬ ‫كاجْ ِتماعِ اللُّ َجي ِْن وال ِع ْق‬ ‫اض‬
‫ض ٍ‬‫رار من ْلو ِن ِه وا ْب ِي َ‬
‫واصـــــــــ ِف ٍ‬

‫ان واأل َ ْقحـــــــ ُ ِ‬


‫وان‬ ‫ق ال َح ْو َذ ِ‬
‫با ْعتِنا ِ‬ ‫بـــــــاب يَ ْو َم ت َــــــــالَ ٍ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫وتُريك األحْ‬
‫ان‬
‫س ِ‬‫(حسين ) ذي ال ُجو ِد واإلحْ َ‬
‫ٍ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ش ْكالً ْ‬
‫ألخــــــــال‬ ‫الربي ُع َ‬ ‫صا َ‬
‫غ منها ا‬ ‫َ‬
‫ــــــــــان‬
‫ِ‬ ‫ير الياقُو ِ‬
‫ت وال َمر َج‬ ‫بِنَثِ ِ‬ ‫األشجـــــار ت ْعلُـــــو ُرباَهَا‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫فكـــــأن‬

‫ـــــــــــران‬
‫ِ‬ ‫ور ا‬
‫والز ْع َف‬ ‫بِنَ ِس ِيم ال َكافُ ِ‬ ‫َــــــــر اد ُد فيــها‬
‫َ‬ ‫صبا ت‬ ‫ا‬
‫وكــــــــــأن ال ا‬
‫وإذا كان الشاعر العباسي قد اهتم بوصف الربيع والرياض والزهور ‪ ،‬فإن األندلسيين قد‬
‫أكثروا من وصف تلك األشياء ‪ ،‬فوصفوا الورود والزهور كـ " زهرة اآلس واألقحوان‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2199 / 1 ،‬المرج ‪ :‬األرض الواسعة فيها نبت كثير ‪ .‬العراص ‪ :‬جمع عرصة وهي ساحة الدار ‪ ،‬أو كل بقعة ليس‬
‫فيها بناء ‪ .‬المفوف ‪ :‬المخطط ‪ .‬الخزامي ‪ :‬عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء ‪ .‬الحوذان ‪ :‬نبت من نبات السهل يرتفع قدر‬
‫الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 2211‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2169 ، 2169 / 2 ،‬اإلفرند ‪ :‬جوهر السيف ووشيه ‪.‬األرجواني ‪ :‬ذو اللون األحمر نسبة إلى األرجوان وهو صبغ‬
‫أحمر ‪ .‬شقائق النعمان ‪ :‬زهر أحمر اللون مبقع بنقط سوداء كبيرة ‪ .‬اللجين ‪ :‬الفضة ‪ .‬العقيان ‪ :‬الذهب الخالص ‪ .‬الحوذان ‪ :‬نبت من‬
‫نبات السهل يرتفع قدر الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة ‪ .‬األقحوان ‪ :‬زهرة اللؤلؤ وهو نبات الربيع مفرض‬
‫الورق دقيق العيدان له نور أبيض ‪ ،‬وهو البابونج ‪ ،‬ويكنى به عن ثغور الحسناوات ‪ .‬الياقوت ‪ :‬من الجواهر حجر صلب رزين صاف‬
‫شفاف ‪ .‬المرجان ‪ :‬جنس حيوانات بحرية له هيكل وكلس أحمر يعدُّ من األحجار الكريمة ‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫والبنفسج والنرجس ‪ ...‬والسوسن والنيلوفر والورد والياسمين ‪ ، 1"...‬وغيرها ‪ ،‬وهي ألفاظ‬
‫كثيرا ً ما تالقينا في أغلب قصائد ابن زيدون ‪.‬‬

‫ومن األلفاظ التي ذكرها ابن زيدون ‪ ،‬و تكررت في شعر أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي‬
‫لفظة ( ورد الخدود ) ‪ ،‬التي ترمز إلى حمرة خد المحبوبة وفتنتها وجاذبيتها ‪ ،‬كما يحمل هذا‬
‫اللون داللة الخجل والعفة اللتين تبدوان في خدود الحبيب ‪ ،‬فها هو ابن زيدون يصور حبيبه‬
‫وقد ظهر له بجيده في المالبس البيضاء ‪ ،‬وخده كأنه مصبوغ بالزعفران ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َوجـ َ َـال الخَــــ اد في َم َجا ِس َد ُح ْ‬
‫ـــم ِر‬ ‫يـــض‬
‫ٍ‬ ‫الجي َد في غ ََالئِ َل بِ‬
‫أب َْرزَ ِ‬
‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ُج ْر ٌد ـ ت ُ ِبلّغُنِي جناهُ ـ ِورا ُد‬ ‫أَ ْ‬
‫صبُوا إلى " َو ْر ِد ال ُخدُو ِد " إذا َ‬
‫ع َدت ْ‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫َك ِمثْ ِل فِ ِر ْن ِد َ‬
‫الو ْر ِد في َخجْ لَ ِة ال َخ ِ ّد‬ ‫ق فِ ِر ْن ُدهُ‬ ‫لَ َدى زَ َم ٍن غ ٍ ّ‬
‫َض أني ٍ‬
‫‪4‬‬

‫ويقول‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫واجْ تَنِي َ‬
‫الو ْر َد ِمنَ ال َخ ِ ّد‬ ‫الرا َح ِم ْن ِري ِق ِه ‪،‬‬ ‫فَبِ ُّ‬
‫ت أ ْس ِقي ا‬

‫وقد وردت هذه األلفاظ بكثرة في شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول‬
‫أبي تمام ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫سجا ً َو ْردَ ال ُخدو ِد‬
‫يُ ِعيدُ بَنَف َ‬ ‫لَ َها ِم ْن لَ ْو َ‬
‫ع ِة البَي ِْن التِدا ٌم‬

‫كما كان البحتري يكثر من استخدام هذه اللفظة كقوله ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫ووردُ خدُود‬
‫جنى ْ‬
‫ً‬ ‫دان ‪َ :‬و ْردُ‬
‫َو ْر ِ‬ ‫عي ٌ‬
‫ُون راقها‬ ‫سفَ ْرنَ ‪ ،‬فامتألت ُ‬
‫و َ‬

‫ومنها قوله ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ بيريس ‪ ،‬هنري ‪ ،‬الشعر األندلسي في عصر الطوائف ( مالمحه العامة وموضوعاته الرئيسية وقيمته التوثيقية ) ‪ ،‬ترجمة الطاهر‬
‫أحمد مكي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1699 ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 211‬الجيد العنق ‪ ،‬المجاسد ‪ :‬جمع مجسد وهو الثوب المصبوغ بالجساد أي الزعفران ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬صبا ‪ :‬مال إلى الجهل والفتوة ‪ ،‬عدت ‪ :‬جرت ‪ ،‬الجرد ‪ :‬جمع أجرد وهو الفرس قصير الشعر رقيقة‬
‫وهي صفة مستحبة في الخيل ‪ ،‬الجنى ‪ :‬الثمر الغض ‪ ،‬ال ِوراد ‪ :‬جمع ورد وهو لون بين الحمرة القانية والشقرة في الخيل ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 522‬أنيق ‪ :‬حسن معجب ‪ ،‬فرند السيف ‪ ،‬جوهره وحليته ‪ ،‬الفرند ‪ :‬الورد األحمر ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ‪ ،‬تحقيق د ‪ .‬يوسف فرحات ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪6‬ديوان أبي تمام ‪ ، 252 / 1‬االلتدام ‪ :‬أن تضرب المرأة وجهها وصدرها لتصبح حمرة وجهها كالبنفسج ‪.‬‬
‫‪7‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬ص ‪. 169‬‬
‫‪151‬‬
‫الربيع ْ‬
‫طلقا ً َو َو ْردُ ْه‬ ‫ُجلَّ ُ‬ ‫وال ُخدو ِد ِ‬
‫نار َّ ِ‬ ‫سان يَ ْب َهى عليها‬
‫الح ِ‬
‫‪1‬‬

‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـــ ِل و ُح ْمرة ال َخ ِدّ ال ُم َو َّر ْد‬ ‫ف العَ ِليـــــــــــ‬ ‫ف ال َّ‬
‫ط ْر ِ‬ ‫بت َ َ‬
‫ص َّر ِ‬

‫ويقول ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ــض في وجه ِه َو َو ْردَ ال َخدُو ِد‬
‫ِ‬ ‫الر ْو‬ ‫سؤا َل يَ ْن ُ‬
‫ش ُر َو ْردَ َّ‬ ‫َّ‬
‫وكأن ال ُّ‬

‫كما كان المتنبي يستعمل هذه اللفظة في شعره فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫ياض ُّ‬


‫الطلَى َو َو ْر ِد ال ُخدُو ِد‬ ‫بِبَ ِ‬ ‫َك ْم قَتيل ‪َ ،‬كما قُ ِت ْلتُ ‪َ ،‬‬
‫ش ِهيد‬

‫ويقول المتنبي في مطلع إحدى قصائده في مدح شجاع بن محمد الطائي المنبجي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫سان القُدُو ِد‬ ‫ّوقدَّ قُدُودَ ِ‬
‫الح ِ‬ ‫أَيا َخدَّدَ اللهُ َوردَ ال ُخدُو ِد‬

‫معجم المائيات ‪ :‬إن الماء ومسبباته من ريح وسحب وبرق ورعد ‪ ،‬وكذلك مجاريه من بحار‬
‫وأنهار وجداول وأودية وبرك ‪ ،‬من " المواضيع التي عرض لها الشعراء منذ العصر الجاهلي‬
‫"‪ ، 6‬إالا أن أحاديثهم عنها " كانت أحاديث عرضية عابرة ‪ ،‬ولم يشكل الماء عندهم فنا ً مستقالً‬
‫له سماته الفنية "‪. 7‬‬

‫ومع مرور العصور وتعدد البيئات وتجددها ـ السيما في العصر العباسي ـ أدرك الشعراء‬
‫أهميتها ‪ ،‬وغدت الطبيعة المائية " تسيطر على الشعراء ‪ ،‬فاندفعوا بشاعريتهم ت ُ ْذكيها المناظر‬
‫الخالبة التي وقعت عليها عيونهم ‪ ،‬فكان ذلك كله مجاالً خصبا ً لفنهم ‪ ،‬فبرزت معالم ( الشعر‬
‫المائي ) واتضحت صورته بوصفه ضربا ً مستقالً من ضروب الشعر ‪ ،‬له خصائصه وسماته‬
‫ومميزاته "‪ ، 8‬والناظر ألشعار شعراء العصر العباسي " كأبي تمام والبحتري ‪ ،‬والمتنبي "‬
‫يرى أنهم قد أكثروا من ذكر الماء ومسبباتها ومجاريها ؛ ولعل ذلك راجع إلى البيئة التي عاشوا‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 526 / 1‬الجلَّنار ‪ :‬زهر الرمان ‪.‬‬


‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪. 121‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 111 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 111 / 1 ،‬الطلى ‪ :‬األعناق ‪.‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ، 111 ،‬خدد ‪ :‬شقق ‪ .‬والتخديد ‪ :‬التشقيق ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو حاتم ‪ ،‬نبيل خليل ‪ ،‬اتجاهات الشعر العربي في القر الرابع الهجري ‪ ،‬دار الثقافة ـ الدوحة ‪ ، 1695 ،‬ص ‪. 256‬‬
‫‪7‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪8‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫فيها ‪ ،‬وهي بيئة العراق وما جاورها حيث جمال الطبيعة المتمثل في كثرة األنهار والمياه‬
‫وروعة البساتين والتضاريس ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذكر المياه ومسبباته في شعر أبي تمام ‪ ،‬قوله في مدح محمد بن الهيثم بن شبانة ‪:‬‬
‫حيث نراه قد وقف طويالً عند " غيمة " ثم ينتقل من كرم السحاب إلى كرم الممدوح ‪ ،‬حيث‬
‫يقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يث بِ َها الث ا َرى الم ْك ُر ُ‬
‫وب‬ ‫ُم ْست َ ِغ ٌ‬ ‫ــــــــوب‬
‫ُ‬ ‫س ُك‬ ‫ِدي َمةٌ َ‬
‫س ْم َحة ُال ِقيَا ِد َ‬
‫ِيـــب‬ ‫ُ‬
‫المكان ال َجد ُ‬ ‫لَ َ‬
‫سعَى نَحْ َوها‬ ‫ت بُ ْقعَةٌ إل ْع َ‬
‫ظ ِام نُ ْع َمــــى‬ ‫لَ ْو َ‬
‫س َع ْ‬

‫لـــــوب‬
‫ُ‬ ‫ت فَعانَقَتْها القُ‬
‫ــطي ُع قا َم ْ‬
‫ِ‬ ‫اب ‪ ،‬فَلَ ْو تَسْـ‬
‫ط َ‬ ‫لذا ُ‬
‫شؤْ بُوبُ َها ‪ ،‬و َ‬

‫عزَ ا ٍل ت ْه ِمي ‪ ،‬وأ ُ ْخرى ت َــذُ ُ‬


‫وب‬ ‫و َ‬ ‫جري ‪ ،‬ومـــــا ٌء يلي ِه‬
‫فهي ما ٌء َي ِ‬
‫ويقول في مدح أحمــد بن دؤاد ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ضر م ْنهُ وبَا ِد‬
‫ض حا َ ٌ‬
‫ور او َ‬
‫َ‬ ‫سبَ ُل الع َها ِد‬ ‫سقَى َ‬
‫ع ْه َد الح َمى َ‬ ‫َ‬

‫ومن أمثلة األمطار ‪ ،‬والرياح والرعد في شعر البحتري قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫األرض وان َحلا ْ‬


‫ت عزالي ِه‬ ‫َ‬ ‫قد َ‬
‫طبـــاـقَ‬ ‫ض ال ُمن َه ال دانيـــــــ ِه‬
‫ار َ‬
‫أ َما ت ََرى ال َع ِ‬
‫طـــــورا ً أو ي ِ‬
‫ُناجيـــ ِه‬ ‫ْ‬ ‫والر ْع ُد يُ ْن ِجي ِه‬
‫ا‬ ‫فالــــريْح ُت ُ ْز ِجي ِه تارا ٍ‬
‫ت وتَحْ ــــــــد ُُرهُ‬ ‫ِّ‬
‫كالو ْشي ِ ‪ ،‬بل ال ت َرى و ْشيا ً يُدانِيـــ ِه‬
‫َ‬ ‫األرض عن زَ ٍ‬
‫هر‬ ‫ِ‬ ‫َي ْب ِكي فَيَ ْ‬
‫ضحكُ وجْ هُ‬

‫وقد ذكر المتنبي الماء في شعره في مواضع كثيرة ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله يصف بحيرة‬
‫ي بن إبراهيم التنوخي‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫طبرية في قصيدته التي مدح بها عل ّ‬
‫‪4‬‬
‫ئ وماؤُها شَبـِـــ ُم‬
‫ـغ َْو ُر دف ٌ‬ ‫لوالكَ لم أَتْ ُر ِك البُ َحي َْرة َ والـ‬
‫طـــ ُم‬‫ت َ ْهد ُِر فيها وما بها قَ َ‬ ‫وال َمو ُج ِمثْ ُل الفُ ُحو ِل ُم ْزبِ َدة ٌ‬

‫سانَ ب ُْل ٍ‬
‫ق تَخ َْونها اللُّ ُج ُم‬ ‫فُ ْر َ‬ ‫ب تَحْ ُ‬
‫س ِبها‬ ‫ير فوقَ ال َحبَا ِ‬ ‫ا‬
‫والط ُ‬
‫هاز ٌم و ُم ْن َهز ٌم‬
‫غى ‪ِ :‬‬
‫َج ْيشَا َو ً‬ ‫كأناها ِ ّ‬
‫والريـَـــا ُح تض ِْربُهــــا‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 159 / 1 ،‬الديمة ‪ :‬المطر يدوم في سكوت ‪ .‬القياد ‪ :‬الهطول ‪ .‬الشؤبوب ‪ :‬المطر الشديد ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ‪.‬ديوان أبي تمام ‪ ، 169 / 1 ،‬سبل العهاد ‪ :‬مطر من أمطار الربيع ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 2111 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ 11 / 1 ،‬ـ ‪ ، 19‬هدر الفحل ‪ :‬إذا هاج وأخ رج زبدة ‪ .‬القطم ‪ :‬شهوة الضراب ‪ .‬الحباب ‪ :‬طرائق الماء ‪ .‬األبلق ‪ :‬ما كان‬
‫حف ‪ :‬أحاط ‪ .‬جنانها ‪ :‬جمع جنة ‪ ،‬وهي البستان ‪ .‬جادت ‪ :‬من الجود ‪ ،‬وهو المطر ‪ .‬والديم ‪ :‬جمع ديمة ‪ ،‬وهي‬ ‫فيه سواد وبياض ‪َّ .‬‬
‫المطر الدائم في سكون ‪ .‬الماوية ‪ :‬المرآة ‪ ،‬شبهت بالماء لصفائها ‪ .‬مطوقة ‪ :‬لها طوق فضة أو ذهب ‪ .‬الغشاء ‪ :‬الغطاء ‪ .‬األدم ‪ :‬جمع‬
‫األديم ‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫ف ب ِه ِم ْن ِجنانِها ُ‬
‫ظلَــ ُم‬ ‫َح ا‬ ‫ــــــارها قَ َم ٌ‬
‫ـــــر‬ ‫ِ‬ ‫كأناها في نَهـ َ‬
‫لها بناتٌ وما لها َر ِحــــ ُم‬ ‫عظام لهـــــا‬
‫َ‬ ‫سم ال‬ ‫نا ِع َمةُ ِ‬
‫الج ِ‬
‫وض حول َها ال ِ ّديَ ُم‬
‫الر َ‬
‫ت ا‬‫و َجاد ِ‬ ‫ير في َجوانِبهــــــا‬ ‫ت ا‬
‫الط ُ‬ ‫تغنا ِ‬
‫ـــر َد عنها غشاؤُ ها األ َ َد ُم‬
‫ُج ِ ّ‬ ‫فـــهي َك َمـــا ِويا ٍة ُم َ‬
‫ط اوقــــــ ٍة‬
‫والمتتبع للشعراء العباسيين الثالثة ‪ ،‬يرى أنهم قد اهتموا بالماء وأكثروا منها في شعرهم ‪،‬‬
‫أثناء حديثهم عن جمال طبيعة بالدهم وما تتميز به من كثرة مجاري المياه ومواضعها ‪.‬‬

‫و إذا انتقلنا من البيئة العباسية إلى البيئة األندلسية التي وصفت بأنها من " أغنى بقاع‬
‫المسلمين منظرا ً وأوفرها جماالً ‪ ،‬ترتفع فيها الجبال الخضراء ‪ ،‬وتمتد في بطاحها السهول‬
‫الواسعة ‪ ،‬وتجري فيها الجداول واألنهار "‪ ، 1‬نجد أن شعراءها قد تفننوا في وصف طبيعتها‬
‫المائية فاكثروا من ذكر ( البحار ‪ ،‬واألنهار ‪ ،‬والبحيرات ‪ ،‬النافورة ‪ ،‬السحب ‪ ،‬والغمام ‪ ،‬المطر‬
‫‪ ،‬والقطر ‪ ،‬والسيل ‪ ،‬والطل ‪ ،‬والندى ‪ ،‬والريح ‪ ،‬والبرد ‪ ،‬والعاصفة ‪ ،‬والرعد ‪ ،‬والبرق ‪،‬‬
‫وغيرها ) ‪ ،‬ولعل ابن زيدون ـ الذي عرف بأنه شاعر الطبيعة والحب ـ يعد من أبرز شعراء‬
‫األندلس ذكرا ً أللفاظ الماء حيث حفل معجمه الشعري بهذه األلفاظ ‪ ،‬ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا ال‬
‫تخلو قصيدة واحدة البن زيدون من ذكر الماء ومسبباته ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صاب‬
‫ُ‬ ‫لها باللُّها في المعتفين َم‬ ‫ُه َو ال ِب ْش ُر ِشمنا منهُ برق َ غمام ٍة‬

‫اب‬
‫عبَ ُ‬
‫ضم ِّ ُ‬ ‫َكفاَكَ ِمنَ البَـحْ َر ِ‬
‫الخ َ‬ ‫َجـ َوادٌ َمت َى ا ْست َ ْع َج ْلتَ ْأولَى ِهبَاتِ ِه‬

‫طاب‬ ‫للراحِ ال ا‬
‫شمو ِل قِ ُ‬ ‫كما الما ُء ا‬ ‫ش َهامةُ ن ْف ٍس في سالمــة َم ْذهـ ٍ‬
‫ب‬

‫فَ ِس ار منَ ال َمجْ ـــ ِد التليــ ِد لُبــ ُ‬


‫اب‬ ‫ور م ْهما فخــرتُم ْ ا‬
‫بأو ِل‬ ‫بنِي َج ْهــ ٍ‬

‫سحاب‬
‫ُ‬ ‫شموس وأي ٍد في المحو ِل‬
‫ٌ‬ ‫سما َء فَ ْأو ُجهٌ‬
‫األرض ال ا‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫بكم با َه ِ‬

‫ور ثَغ ُ‬
‫َاب‬ ‫وي ْمناكَ بحْ ـــ ٌر والبحـــ ُ‬ ‫دور أهلاــهُ‬
‫بدر والبــــ ُ‬
‫ُم َحياـــــاكَ ٌ‬

‫يكثر الشاعر في األبيات من المعجم المائي ‪ ،‬فيستخدم لفظة ‪ :‬البرق ‪ ،‬والغمام ‪ ،‬البحر الخضم ‪،‬‬
‫الماء ‪ ،‬سحاب ‪.‬‬

‫‪1‬ـ الركابي ‪ ،‬جودت ‪ ،‬في األدب األندلسي ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬


‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪151‬‬
‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫يب ب ِه ال ّ‬
‫ش ْه ُد‬ ‫َيلَذُّ لهم كال َم ِ‬
‫اء ِش َ‬ ‫ُم ِم ٌّر لمن عاداهُ إ ْذ أ َ ْولياؤُ هُ‬

‫ويقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫نار‬ ‫في ِه لل ُم ْست َ ِشف نُ ٌ‬
‫ور َو ُ‬ ‫عيم منهُ بِ اخ ٍد‬
‫َجا َل ما ُء النا ِ‬

‫نالحظ أن ابن زيدون في هذه األمثلة ـ وغيرها كثير في ديوانه ـ يستخدم ألفاظ الماء‬
‫ومسبباته ‪ ،‬وقد وردت أغلبها في غرض المديح ‪ ،‬واستخدمت كناية عن كرم الممدوح وعطائه ‪.‬‬

‫ويستعطف ابن زيدون أبا الحزم بقصيدة المية نظمها في سجنه ‪ ،‬استهلها بعناصر‬
‫الطبيعة ؛ لكي تشاركه آالمه ومشاعره ‪ ،‬فالغمام آن له أن يبكي مصابه ‪ ،‬ويطلب البرق بأخذ‬
‫حقه المهضوم ‪ ،‬وتقيم أنجم اليل المآتم نادبة ما تعرض له الشاعر من سجن وإقصاء ‪ ،‬ولو‬
‫أنصفته هذه النجوم التي هي كفؤ لهمته ؛ لتهاوت من أماكنها لما ناله الشاعر من ذل وظلم ‪،‬‬
‫وفي ذلك يقول ‪:‬‬

‫البر ُق ُمنصلتَ النا ْ‬


‫ص ِل‬ ‫ب ثأري ْ‬ ‫و َي ْ‬
‫طلُ َ‬ ‫يأن ْ‬
‫أن يبكي الغما ُم على مثلي ‪،‬‬ ‫أل ْم ِ‬

‫ع من نثلـي‬
‫ق ما ضا َ‬
‫ُب في اآلفا ِ‬
‫لت َند َ‬ ‫أقامــــت أ ْن ُجــــ ُم اللّيل َمأتما ً‬
‫ْ‬ ‫َوهَـالا‬

‫رأت ذُ ِلّي‬
‫ْ‬ ‫أللقَت بأيـــدي الــــذّ ّل ل ّما‬ ‫وهي أ ْشكا ُل همتي ‪،‬‬
‫َ‬ ‫صفتني ‪،‬‬
‫ولو أن َ‬

‫اهر من شمــلي‬
‫فرقَ الد ُ‬ ‫بِ َم ْ‬
‫طل ِعها ما ا‬ ‫قت س ْب ُع الثُّرياا ‪ ،‬وغَا َ‬
‫ضها ‪،‬‬ ‫َو ال ْف َ‬
‫تر ْ‬

‫لقد أكثر ابن زيدون من ألفاظ الطبيعة المائية في شعره ‪ ،‬واتفق مع الشعراء العباسيين‬
‫الثالثة في اإلكثار منها ‪ ،‬إالا أن هذه األلفاظ لم ترد مقصودة لذاتها من حيث الوصف ‪ ،‬وإنما‬
‫جاء كناية على كرم الممدوح ‪ ،‬وأحيانا ً يجعلها تشاركه آالمه ومشاعره ‪ ،‬بخالف الشعراء‬
‫ــــــــوب )‬
‫ُ‬ ‫س ُك‬ ‫العباسيين الثالثة الذين أخصوها بالوصف ‪ .‬فأبو تمام يصف ( دِي َمةٌ َ‬
‫س ْم َحة ُال ِق َيا ِد َ‬
‫‪ ،‬والبحتري يصف ( عارض منهل ) ‪ ،‬والمتنبي يصف ( بحيرة ) ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬ممر ‪ :‬صار مرا ً ‪ ،‬شِيب ‪ُ :‬م ِز َج ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 125‬المستشف ‪ :‬المتطلع إلى ما وراء الشيء أو ما خفي منه ‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫معجم الحيوانات‬

‫استعمل ابن زيدون معجم الحيوانات ‪ ،‬بل احتلت الحيوانات مكانا بارزا ً في شعره ‪ ،‬وقد‬
‫ارتبطت " ارتباطا ً وثيقا ً بالحرب وأدواتها "‪ ، 1‬ويبدو أن أغلب ألفاظ الحيوانات الواردة في شعر‬
‫ابن زيدون ‪ ،‬هي أسماء الخيول ‪ ،‬واألسود ‪ ،‬التي " ال ترد منفصلة عن الحرب والسيف‬
‫والحسام لما لها من صلة وثيقة بذلك ‪ ،‬ألن الخيل هي األداة األولى في القتال ومعظم هذه األلفاظ‬
‫نمط تراثي ظل يتردد في النماذج األندلسية "‪ ، 2‬وكذلك كان األسد ـ وما في معناه ـ من األلفاظ‬
‫التي لها داللة على القوة والشجاعة ال سيما عندما يستخدمه الشعراء في المدح رمزا ً للخليفة‬
‫واألمير ‪ ،‬وأحيانا ً يستخدمه الشعراء في الفخر ‪ ،‬إلظهار شجاعتهم ‪ ،‬وفي هذا المبحث سنقتصر‬
‫على هذين الصنفين ‪ ،‬ألنهما يمثالن ظاهرة بارزة في شعر ابن زيدون‪.‬‬

‫أوال ً ألفاظ الخيل ‪:‬‬

‫عد العرب منذ القدم الخيل من كرام الحيوانات ‪ ،‬بل إن اإلسالم أعطاها كرامتها‬
‫وقداستها ‪ ،‬والحديث عن الخيل حديث عن الشجاعة والشجعان ‪ ،‬ولذا وجد الشعراء منذ القدم في‬
‫وصفها انتشا ًء وقوة فاكثروا من ذكرها ومدحها ووصفها في أشعارهم ‪ ،‬ولذلك آثرها الكثير من‬
‫الشعراء بالحديث مثل امرئ القيس الذي وصف بأنه " نعات الخيل "‪ ، 3‬وقد أكثر شعراء‬
‫العصر العباسي من ذكرها ‪ ،‬كالمتنبي الذي " كان يؤثرها على اإلبل لما يقوم في نفسه من‬
‫التهيب بذكر الخيل ‪ ،‬وتعاطي الشجاعة "‪ ، 4‬وإذا نظرنا إلى الشعر األندلسي نجد أن ذكر‬
‫الخيل قد شغل منه نصوصا ً كثيرة " وليس اهتمام األندلسيين بها وليد بيئتهم ‪ ،‬أو إبداع مخيلتهم‬
‫وإنما كانت العناية بها منصرفة إليها منذ أقدم مراحل الشعر العربي ‪ ،‬ففي األدب الجاهلي‬
‫إشارات إليها وأوصاف عديدة فيها ‪ ،‬ولكن تجدد العناية بها والترنم بمفاخرها دليل على تعشقهم‬
‫لها وحبهم إياها ‪ ،‬وهي عادة التزال قائمة في مجتمعنا العربي حتى اآلن "‪ ، 5‬يقول ابن زيدون‬
‫في الخيل ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ف‬
‫ُواألرض بالخي ِل تر ُج ُ‬
‫ُ‬ ‫ع َجاجت َه‬
‫َ‬ ‫البس‬
‫ٌ‬ ‫فإذا نحن طالعنا ه ُواألُفُ ُق‬

‫‪ 1‬ـ عبد القادر ‪ ،‬محمد سلمان السعدي ‪ ،‬الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة عين شمس ـ القاهرة ‪ ، 1691 ،‬ص ‪. 292‬‬
‫‪2‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ابن رشيق ‪ ،‬العمدة ‪. 261/ 2 ،‬‬
‫‪4‬ـ ابن رشيق ‪ ،‬العمدة ‪. 226 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ السعيد ‪ ،‬د ‪ .‬محمد مجيد ‪ ،‬الشعر في عهد المرابطين والموحدين في األندلس ‪ ،‬الدار العربية للموسوعات ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪، 1695 ،‬‬
‫ص ‪. 115‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬
‫‪159‬‬
‫والبيت السابق من قول البحتري ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫يض ت َْل َم ُع ‪ ،‬واأل ِسنَّةُ ت َْزه َُر‬
‫والبِ ُ‬ ‫ص َه ُل والفَ َو ِار ُ‬
‫س تَد ّ ِعي ؛‬ ‫فال َخ ْي ُل ت َ ْ‬
‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ش ْك ِل‬
‫ص َها ِله ِ َما نَالَه ُ ِم ْن أذَى ال َّ‬
‫ِبت َ ْ‬ ‫صافِنًا ً في مربط ِال ُه ِ‬
‫ون َي ْشت َ ِكي‬ ‫ث َ َوى َ‬
‫‪2‬‬

‫من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫ّ‬
‫فيهن ت َصها ُل‬ ‫ظهور َج ْري فلي‬
‫َ‬ ‫وإن ت ُك ْن ُمحكماتُ ال ّ‬
‫شكل تمنعُني‬

‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ٌ‪4‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأن الجوادَ الفائِتَ ال ّ‬


‫ّ‬
‫وأزرى به َر ْبط‬
‫َ‬ ‫تخونهُ شك ٌل‬
‫ِّ‬ ‫صافن‬ ‫شأ ِو‬

‫وقوله أيضا ً ‪:‬‬

‫والتطهيم‬ ‫ق منهُ‬ ‫بَ َ‬


‫ط في ال ِعتْ ِ‬ ‫سا ِب ُق ال َم ْر‬ ‫ي أ َ ْن يَأْلَ َ‬
‫ف ال َّ‬ ‫ع ِس ٌ‬
‫ما َ‬
‫‪5‬‬
‫ِ‬

‫فقد أخذهما من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪6‬‬ ‫أضر بجسم ِه ُ‬


‫طو ُل ال َجمام ِ‬ ‫ّ‬ ‫وما في طبِّ ِه أ ِنّي جوادٌ‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬تحقيق حسن كامل الصيرفي ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬ص ‪ ،1292‬تدَّعى ‪ :‬أي تعتز بأنسابها ‪ .‬البيض ‪ :‬السيوف ‪ .‬تزهر ‪:‬‬
‫تلمع ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪. 219‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪ ،‬شرح أبي البقاء العكبري ضبط وتصحيح مصطفى السّقا ‪ ،‬إبراهيم األبياري ‪ ،‬عبد الحفيظ شلبي ‪،‬دار المعرفة ـ‬
‫بيروت ــ لبنان ‪،‬الجزء الثالث ‪ ،‬صـ ‪ ، 299‬أحكم شكاله ‪ :‬عجز عن الجري ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬صـ ‪ ، 299‬صافنٌ ‪ :‬قائ ٌم على ثالث قوائم ‪ ،‬والمس بحوف الرابعة على األرض ‪ّ ،‬‬
‫تخونه ‪ :‬ذمه وعابه‬
‫‪،‬الشكل ‪ :‬القيد ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬جدير ‪ ،‬السابق ‪ :‬الجواد ‪ ،‬العتق ‪ :‬الحسن ‪ ،‬التطهيم ‪ :‬الجمال البارع ‪.‬‬ ‫س‬
‫َ ٌ‬‫ع‬ ‫‪،‬‬ ‫‪292‬‬ ‫ص‬ ‫‪،‬‬ ‫نفسه‬ ‫‪5‬ـ المصدر‬
‫‪6‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 119 / 1 ،‬الجمام ‪ :‬أن يترك الفرس فال يركب ‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫ثانيا ً ألفاظ األسد ‪:‬‬

‫يقول الجاحظ ‪ :‬األسد هو " سيد السباع "‪ 1‬هو " المضروب به المثل في النجدة والبسالة ‪،‬‬
‫وفي شدة اإلقدام والصولة فيقال ‪ :‬ما هو إال أسد على براثنه ‪ ،‬وهو أشد من األسد ‪ ،‬وهو أجرأ‬
‫من الليث العادي ‪ ،‬وفالن أسد البالد ‪ ، 2" ...‬وقد كان لألسد حضور قوي في الشعر العربي ‪،‬‬
‫حيث إنهم استلهموا صورته في مواضيع المدح ‪ ،‬والفخر ‪ ،‬والتغني بالذات والبطوالت ؛ ألنه‬
‫مضرب مثل للشجاعة والنجدة والبسالة والبطش والشدة واإلقدام و ـ كما ذكر الجاحظ ـ ‪،‬‬

‫وقد وصف البحتري منازلة حقيقية بين الفتح بن خاقان واألسد ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫وم ْخلَبا ً‬ ‫يُ َح ِ ّد ُد نابا ً ِللّ ِ‬


‫قاء ِ‬ ‫ُ‬
‫والليث ُم ْخد ٌِر‬ ‫َ‬
‫الليث‬ ‫غَداة َ لَقِيتَ‬

‫وقد صور المتنبي في إحدى قصائده حادثة حقيقية ‪ ،‬هجم فيها بدر بن عمار على أسد‬
‫بسوطه ‪ ،‬وهاجه عن بقرةٍ كان يفترسها ‪ ،‬يقول المتنبي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫صقُوال‬
‫ارم َ ال َم ْ‬
‫ص ِ‬‫ِل َم ِن ا ادخ َْرتَ ال ا‬ ‫س ْو ِط ِه‬ ‫أ َ ُمعَ ِفّر اللاي ِ‬
‫ث ال ِهزَ ب ِْر بِ َ‬

‫الرابض المخيف ‪ ،‬الذي ال ينبغي إثارته وفيه تحذير‬


‫أما ابن زيدون ‪ ،‬فقد شبه نفسه باألسد ا‬
‫وتوعد ألنه أراد بذلك إخافة ابن عبدوس منافسه على حب والدة فقال ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫َمـــض‬
‫ْ‬ ‫ونَبْهتَهُ إذ َه َدا فا ْغت‬ ‫ض‬ ‫أَث َ ْرتَ هِزب َْر ال ا‬
‫ش َرى إ ْذ َربَ ْ‬

‫إليه ي َد البَ ْغي ل اما ا ْنقَبــ َ ْ‬


‫ـض‬ ‫س ُ‬
‫ط ُمسْترســِــالً‬ ‫وما ْ‬
‫زلتَ ت ْب ُ‬
‫َغض‬ ‫يم َخسْفا أبَى ْ‬
‫فامت ْ‬ ‫إذا ِس َ‬ ‫حذار ا‬
‫فإن الكريـــــــم َ‬ ‫ِ‬ ‫حذار‬
‫ِ‬
‫وقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ظ ِليما ً ّ‬
‫مشردا‬ ‫فلم يعدُ إن أمسى َ‬ ‫رأى أنّهُ أضحى ِهزَ بْرا ً ُمص ِ ّمما ً‬

‫‪1‬ـ الجاحظ ‪ ،‬الحيوان ‪ ،‬تحقيق ‪ ،‬عبد السالم هارون ‪ ،‬دار الجبل ـ بيروت ‪. 229 / 1 ، 1699 ،‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد األول ‪ ،‬ص ‪ ، 166‬مخدر ‪ :‬مستتر في عرينه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 219 / 1 ،‬العفر التراب ‪ .‬الهزبر ‪ :‬األسد ‪ .‬الصارم ‪ :‬السيف القاطع ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 592‬الهزبر ‪ :‬األسد القوي ‪ ،‬الشرى ‪ :‬مأسدة أي مكان تجمع األسود ‪ ،‬ربض ‪ :‬أوى إلى عرينه ‪،‬‬
‫هدأ ‪ :‬نام ‪ ،‬اغتمض ‪ :‬اطمأن ‪ ،‬البغي ‪ :‬الظلم ‪ ،‬انقبض ‪ :‬انكمش ‪ ،‬سام الخسف ‪ :‬أهانه ‪ ،‬امتعض ‪ :‬تذمر وغضب ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 191‬المصمم ‪ :‬الماضي في عزمه إلى غايته ‪ ،‬الظليم ‪ :‬ذكر النعام ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫وهو من قول المتنبي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ضيْتَ ُم ْن َه ِزما ً وال و ِع ُل‬
‫َو َم َ‬ ‫فأَتَيْتَ ُم ْعت َِزما ً وال أ َ‬
‫سدٌ‬

‫ويقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫يجْ لُو الدجى ‪ ،‬وال ا‬
‫ض ْيغَ ُم الضارغا ُم؟‬ ‫حاب ال َجو ُد ‪ ،‬والقَ َم ُر الذاي‬
‫س ُ‬ ‫أين ال ا‬

‫وقد تأثر بهم ابن زيدون في اإلكثار من أسماء األسود وتعددها ‪ ،‬كاألسد ‪ ،‬والشبل ‪ ،‬والليث ‪،‬‬
‫سبنتي ‪ ،‬والورد ‪ ،‬وال ِهزَ ب ِْر ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬
‫والضرغام ‪ ،‬والضيغم ‪ ،‬والغضنفر ‪ ،‬وال ا‬

‫و يقول أبو تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الو ْر ُد‬
‫عكَ األس ُد َ‬ ‫ع َجبٌ ْ‬
‫أن يُو َ‬ ‫فال َ‬ ‫أطراف َو ْع َك ٍة‬
‫ُ‬ ‫فإن ت َكُ قد نالتْكَ‬
‫ْ‬

‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫وأمأل ُها ِم ْن ِل ْب َدة األس ِد َ‬


‫الو ْر ِد‬ ‫أ َ ُر ُّد يدي عن ِع ْر ِ‬
‫ض ُح ٍ ّر و َم ْن ِطقي‬
‫‪4‬‬

‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الو ْر ِد‬ ‫لَهُ ِم ْخلَبٌ َو ْر ٌد ِمنَ األ َ‬
‫س ِد َ‬ ‫َدرياةُ خ ْي ٍل ما يَزا ُل ل َدى الوغَى‬

‫ويقول البحتري ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫الو ْر ِد‬
‫س ِد َ‬ ‫أُصار ُ‬
‫ع ِم ْنهُ هادِي األ َ‬ ‫لَ َدي ُخلُ ٍ‬
‫ق جا ِسي الناواحي كأنانِي‬

‫يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ـــــــــــراس‬‫َولَه َب ْع ُد ا ْف ِت‬ ‫س َب ْنتـَـــــى‬ ‫َي ْل َب ُد َ‬


‫الو ْر ُد ال ا‬
‫‪7‬‬
‫ُ‬

‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 129/ 1‬الوعل ‪ :‬التيس البري ‪.‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 1616 / 1 ،‬الضيغم ‪ :‬األسد ‪ ،‬ويقال للقوي والشجاع من األسود ‪ :‬ضرغام ‪ .‬الجود ‪ :‬المطر الغزير‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 292 / 1 ،‬الوعكة ‪ :‬أول المرض ‪ ،‬األسد الورد ‪ :‬أسد لونه إلى الحمرة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 261‬‬
‫‪5‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 261‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 511 / 1 ،‬الجاسي ‪ :‬اليابس الصلب ‪ .‬الهادي ‪ :‬األسد ‪ .‬النصل ‪ :‬العنق ‪ .‬الورد ‪ :‬األسد ‪ ،‬وهو بين الكميت واألشقر ‪،‬‬
‫ومن معاني الورد ‪ :‬الشجاع الجري ‪.‬‬
‫‪7‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 291 ،‬يلبد ‪ :‬يقيم بمكانه ال يبرحه ‪ ،‬الورد ‪ :‬من أسماء األسد السبنتي ‪ :‬األسد أو النمر الجري ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫سب ْنت َى ال ا‬
‫ض ْي َغ ُم‬ ‫َراع ال ُكلَي َ‬
‫ْب بها ال ا‬ ‫ت ‪ ،‬فَزَ أرتَ زَ أرة َ زَ ِ‬
‫اج ٍر‬ ‫فِ َر ٌق َ‬
‫ع َو ْ‬

‫ويقول المتنبي ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ع ُد‬ ‫َموتٌ ‪ ،‬فريص المو ِ‬
‫ت منه ت َْر َ‬ ‫س ٌد َد ُم األ َ‬
‫س ِد ال ِهزَ ب ِْر ِخضابُهُ‬ ‫أ َ‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫فَلَرباما ُوعِكَ ال ِهزب ُْر الخاد ُِر‬ ‫ْ‬
‫إن أ ْعنَتَ الجس َْم ال ُم َك ار َم َو ْع َكها‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫َم َهاة ٌ َح َمتْها ـ في َم َراتِعها ـ أ ُ ْسدُ‬ ‫أ ُ َجل ‪ ،‬أن ً ل ْيلَى َح ُ‬
‫يث أحياؤُها األ َ ْسدُ‬

‫وإذا تتبعنا ألفاظ األسد وجدناها متكررة بكثرة في شعر ابن زيدون ‪ ،‬ولكنه لم يستخدمها‬
‫بمعناها المجرد ‪ ،‬بل استخدمها استخدا ًما مجازيا ‪ ،‬ومنحها داللة رمزية فهي ترمز للخليفة ‪،‬‬
‫واألمير وأحيانا يجعلها رمزا ً لقوته وشجاعته ‪ ،‬وكان كثيرا ً ما يربط بينها وبين أدوات الحرب‬
‫والقتال ‪ ،‬فتكون متصلة بالسيوف ‪ ،‬والرماح ‪ ،‬واألسناة ‪.‬‬

‫" وقد ربط ابن زيدون كلمة الليث ـ وهي من أسماء األسد ـ بالنزال والحرب والسيف‬
‫ليمنحها داللة خاصة تتعلق بالقوة "‪ ، 5‬فقال ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫صورا ً وبحْ را ً ِخ َ‬
‫ض ْم‬ ‫ُل لَيْثا ً ه ُ‬ ‫ـــــــــــؤا‬
‫َ‬ ‫س‬‫يَ ِهي ُج ال ِنّزا ُل به وال ُّ‬
‫ض ِل النُّهى والحـِك ْم‬
‫وخص بِف ْ‬ ‫ب‬
‫الخطـــا ِ‬ ‫وتي فَ ْ‬
‫ص َل ِ‬ ‫ُ‬
‫ا‬ ‫ش ِهدنا أل َ‬
‫َ‬
‫ْف َي ْ‬
‫طلُبُه ُوالقَلــــــ ْم‬ ‫سي ُ‬
‫َج َرى ال ا‬ ‫َوه َْل فاَتَ شَي ٌء ِمنَ ال َم ْك ُر َما ِ‬
‫ت‬

‫فنالحظ أن " االستخدام اللغوي لكلمة الليث الهصور جاء مرتبطا ً بالعالقة القائمة بين الخليفة‬
‫واألسد ‪ ،‬وبالمقارنة نزع الشاعر من الليث داللة القوة ليمنحها للخليفة "‪. 7‬‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 116‬السبنتى ‪ :‬الجري المقدام ‪.‬‬


‫‪2‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 111 / 1 ،‬فريص ‪ :‬جمع فريصة ‪ ،‬وهي لحمات عند الكتف تضطرب عند الخوف ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 529‬العنت ‪ :‬المشقة ‪ ،‬الوعك ‪ :‬داء الحمى ‪ ،‬الهزبر ‪ :‬األسد القوي ‪ ،‬الخادر ‪ :‬المقيم بالخدر ‪.‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬األ ْسدُ ‪ :‬قبيلة باليمن ‪ ،‬المهاة ‪ :‬البقرة الوحشية ‪ ،‬مارد ‪ :‬حصن بدومة الجندل ‪ ،‬األبلق ‪ :‬حصن بتيماء‬
‫للسموأل بن عاديا ‪ ،‬قصدتهما الزبا ملكة تدمر فعجزت عن فتحهما فقيل ‪" :‬تمرد مارد "‪ ،‬الخط ‪ :‬موضع باليمامة تنسب إليه الرماح‬
‫فتقوم فيه ‪ ،‬الخيل الجرد ‪ :‬التي قصر شعرها ‪..‬‬
‫الخطية ألنها تحمل من الهند َّ‬
‫‪ 5‬ـ عبد القادر ‪ ،‬محمد سلمان السعدي ‪ ،‬الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ‪،‬‬
‫ص ‪. 291‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 112‬الليث الهصور ‪ :‬األسد الكاسر ‪ ،‬الخضم ‪ :‬الكثير العطاء ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ‪ ،‬ص ‪. 299‬‬
‫‪112‬‬
‫وقد يجنح الشاعر إلى المبالغة في وصف ممدوحه حين يجعله ليثا ً شديدا ً منذ كان طفالً‬
‫صغيرا ً ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫ُّ ‪1‬‬ ‫عُ إالا وفي الب ُْر ِد لَي ٌ‬


‫ْث أ َبل‬ ‫وما بلات ْ البُر َد ْتلكَ ال ُّد ُمو‬

‫يقول الشاعر إنه كان ليثا ً شجاعا ً منذ كان طفالً في مهده عندما كانت دموعه تبل ثيابه ‪.‬‬

‫ومن معاني األسد " الضيغم " ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ْب الذي ال يَك َه ُم‬
‫سا ُمكَ العَض ُ‬
‫و ُح َ‬ ‫وجنانُكَ الثابْتُ الذي ال ي ْنثَـــنِي‬

‫صريمةُ َ‬
‫ضيغَ ُم‬ ‫والمجْ ُد أ ْش َم ُخ ‪ ،‬وال ا‬ ‫عوالي َج َمةٌ‬
‫س ُع ‪ ،‬والَ َ‬
‫والحا ُل أو َ‬

‫استخدم الشاعر لفظة ضيغم ‪ ،‬وهي األسد القوي ‪ ،‬وقد ربطها بأدوات القتال المتمثلة في‬
‫السيف ‪ ،‬ليمنحها داللة خاصة تتعلق بقوة الخليفة ‪.‬‬

‫كما وردت كلمة الهزبر في أكثر من موضع محملة بداللة القوة التي يتصف بها الممدوح‬
‫يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫و َج ًها إلَيْها ‪ ،‬ا‬
‫والردى ُمت َ َج ِ ّه ُم‬ ‫ط ِلّ ٌق‬
‫يوم الوغَى ـ ُمت َ َ‬ ‫َج ُ‬
‫ذالن ـ في ِ‬
‫الخض ِْر ُم‬
‫ض ُّم ِ‬
‫الخ َ‬
‫اش ِ‬‫ُجو ٌد ‪َ ،‬ك َما َج َ‬ ‫َبأ ْ ٌ‬
‫س َك َما صا َل ال ِهزَ ب ُْر ‪ ،‬إزَ ا َءهُ‬
‫استعمل الشاعر التعبير اللغوي المتمثل في " الهزبر " وهو األسد الضخم الشديد ‪ ،‬وهي‬
‫صفة منحها الشاعر ليدلل بها على شجاعة الخليفة ‪ ،‬وقد أضفى الشاعر للفظة الهزبر دالالت‬
‫متعددة ـ تنم على أن هذا االستعمال للخليفة ال للحيوان ـ منها ‪ :‬يوم الوغى ‪ ،‬الردى ‪ ،‬البأس ؛‬
‫لتسهم في إيضاح مدلول اللفظة ‪ ،‬فيما يسمى بترشيح المعنى في البالغة ‪.‬‬

‫لقد جاءت مفردات األسد ـ وما في معناها ـ متناثرة بكثرة في شعر ابن زيدون ‪ ،‬غير أنها‬
‫لم تحمل معناها الحقيقي التي هي وصف لألسد ‪ ،‬وإنما جاءت لتحمل معنى مجازيا ً يمنح‬
‫للممدوح أحيانا ً وأحيانا ً أخرى تأتي وصفا ً للشاعر نفسه ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 122‬أبَّل ‪ :‬غلب وامتنع ‪ .‬األب ُّل ‪ :‬األلد الجدل أو الشديد اللوم ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 126‬الجنان ‪ :‬القلب ‪ .‬العضب ‪ :‬القاطع ‪ .‬يكهم ‪ :‬يك َّل ‪.‬العوالي ‪ :‬جمع عالية وهي أعلى القناة أو رأسها أو‬
‫النصف الذي يلي السنان ‪ .‬أشمخ ‪ :‬أعلى ‪ .‬الصريمة ‪ :‬العزيمة ‪ .‬الضيغم ‪ :‬األسد ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬الهزبر ‪ :‬األسد أو الغليظ الضخم أو الصلب أو الشديد ‪ .‬جاش ‪ :‬هاج واضطرب ‪ .‬الخضم ‪ :‬البحر أو‬
‫الجمع الكثير ‪ .‬الخضرم ‪ :‬البحر العظيم أو البئر الكثيرة الماء ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫السيف واأللفاظ التي تتعلق به ‪:‬‬

‫شغلت األلفاظ المتعلقة بالسالح في شعر ابن زيدون حيزا ً كبيرا ً ومن هذه األلفاظ القتالية ‪:‬‬
‫السيف ‪ ،‬والرمح ‪ ،‬والسهام ‪ ،‬والدروع ‪ ،‬والنبال ‪ ،‬وتعد لفظة السيف من أبرز أدوات القتال‬
‫التي وردت في شعره ‪ ،‬وقد كررت هذه اللفظة بمعاني كثيرة منها ‪ :‬الحسام ‪ ،‬والفرند ‪ ،‬الغمد ‪،‬‬
‫المهند ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬

‫وقد جاءت لفظة السيف في شعر ابن زيدون في سياق المدح والفخر ووصف المعارك ‪،‬‬
‫فعندما يصف الخليفة أو األمير يكثر الشاعر من استخدام لفظة السيف وما في معناها فتكون‬
‫لفظة السيف لفظة مجازية إشارة للممدوح ‪ ،‬حيث يقيم الشاعر عالقة بين السيف والخليفة ‪،‬‬
‫ويأخذ داللة السيف في مضائه وحدته وشدة عزيمته ليمنحها للممدوح على سبيل التصوير‬
‫الخيالي المستند إلى التشبيه أو االستعارة ‪ ،‬وأحيانا ً يستخدم الشاعر لفظة السيف أو الحسام إشارة‬
‫للشاعر نفسه في مواقف الفخر ‪.‬‬

‫يقول ابن زيدون في مدح أمير بطليوس ( المظفر بن األفطس ) ‪:‬‬

‫س َرى ِم ْنهُ في ُج ْن ِح ِه َبد ُْر تِ ْم‬ ‫نَ ِهيكٌ إذا َج ان لَ ْي ُل ال َع َجاجِ‬


‫‪1‬‬
‫َ‬

‫َو َر اوى القَنَا في نُ ُح ِ‬


‫ور البُهــ َ ْم‬ ‫هام ال ُكما ِة‬
‫يوف ِب ِ‬
‫س َ‬ ‫فَش َ‬
‫َام ال ُّ‬
‫فالشاعر يقول ‪ :‬أن األمير شجاع قوي وإذا ثارت الحروب نهض إليها متهلالً كالبدر ليلة‬
‫تمامه فيغمد سيفه في رؤوس أعدائه المدججين بالسالح فشربت الرما ُح من دمائهم ‪.‬‬

‫ويقول الشاعر في ختام إحدى قصائده في مدح المعتضد ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ِي‬
‫صــــــد ْ‬ ‫َك ِف ِر ْن ٍد عا َد في َ‬
‫سيْفٍ َ‬ ‫ـــــــــــــرنا‬
‫ِ‬ ‫ص‬‫بحت َدولتُهُ في ع ْ‬
‫ص ْ‬ ‫أ ْ‬

‫ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ف‬ ‫دما ُء ال ِعدا دأْبا ً بِغ َْربَ ْي ِه ت ُ ْ‬
‫ظلَ ُ‬ ‫سيــــــــــــــف دولتِكَ‬
‫َ‬ ‫ـــــــردُ فيه‬
‫ِّ‬ ‫ت ُ َج‬

‫وح ْليَتُهُ بَ ْذ ُل النّدى والتّعفُّ ُ‬


‫ــــف‬ ‫ِ‬ ‫ْب الذي العز ُم حدُّهُ‬
‫هو الصار ُم العَض ُ‬

‫‪1‬ـ المصدر السابق ‪ ، 111 ،‬النهيكُ ‪ :‬الشجاع أو السيف القاطع ‪ ،‬جن ‪ :‬ستر ‪ ،‬العجاج ‪ :‬الغبار ‪ ،‬جنح الليل ‪ :‬قطعة منه ‪ ،‬بدرتم ‪ :‬قمر‬
‫ي وهو الشجاع المدجج بالسالح ‪ ،‬والبه ُم ‪ :‬جمع بهمة وهي‬ ‫كامل ‪ ،‬شام السيف ‪ :‬أغمده أو سله ‪ ،‬الهامة ‪ :‬الرأس ‪ ،‬الكماة ‪ :‬جمع كم ّ‬
‫صغار الضأن والماعز والبقر‪ ،‬والبُهم ‪ :‬الشجاع أو الجيش ‪.‬‬
‫صدي ‪ :‬عاله الصدأ ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪2‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 119‬فرند السيف ‪ :‬صفحته ‪،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ‪ ، 161 ،‬غربُ السيف ‪ :‬حده ‪ ،‬تظلف ‪ :‬تباح وتهدر ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ُ‬ ‫ْف وال َحدُّ ُم ْره‬
‫َــــــف‬ ‫وق فِ ِر ْندُ ال َّ‬
‫سي ِ‬ ‫يَ ُر ُ‬ ‫ط َالقَةُ وجْ ه في َم َ‬
‫ضاء َك ِمـــــــث ِل َما‬ ‫َ‬
‫وض من تلك َّ‬
‫الطالق ِة ُز ْخ ُر ُ‬
‫ف‬ ‫الر ِ‬
‫وفي َّ‬ ‫س ٌم‬ ‫يف من ْتلكَ ال َّ‬
‫شهام ِة م ْي َ‬ ‫س ِ‬‫على ال َّ‬
‫كقول البحتري ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صقيلُ"‬
‫يف ال ّ‬
‫س ُ‬‫س ُن ال َّ‬
‫وقد يُستَحْ َ‬ ‫س ُن دلُّها والموتُ فِي ِه‬
‫ويحْ ُ‬

‫ومنه قول البحتري ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫صقي ِل‬
‫يف ال ّ‬
‫س ِ‬‫مس في ال ّ‬ ‫ع ال ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫شعَا َ‬ ‫ي ُِريكَ تأَلُّق ُال ُم ْع ُر ِ‬
‫وف في ِه‬

‫ومن ألفاظ السيف التي استخدمها ابن زيدون لتدل عليه ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫هاب‬
‫فوس نِ ُ‬ ‫ُ‬
‫حيث آما ُل النُّ ِ‬ ‫إلى‬ ‫فغربْ صريمةً‬
‫يقُولون ‪ :‬ش ِ َّر ْق أو ِ ّ‬
‫بــــاب‬
‫ُ‬ ‫ع ِّ‬
‫ط َل ِم ْنهُ َمض ِْربٌ وذُ‬ ‫و ُ‬ ‫ْب أصدِئ متْنُهُ‬
‫فأنتَ ال ُحسا ُم العَض ُ‬

‫إذا حـــــــازَ جــ ْف ٌن َح ادهُ وقِ ُ‬


‫راب‬ ‫يف م اما يُ ْستَبَانَ َم َ‬
‫ضــــاؤُ هُ‬ ‫س ُ‬‫وما ال ا‬
‫ففي هذه األبيات ‪ ،‬استخدم ابن زيدون كلمة الحسام والسيف استخداما ً مجازيا ً للفخر‬
‫بنفسه ‪ ،‬وتمكن من خالل نسيجه اللغوي ‪ ،‬من استغالل كل صفات السيف الحادة والقوية ‪،‬‬
‫وتوظيفها بشكل يخدم قضيته ‪ ،‬فقد أشار إليه الناصحون بالهجرة عن هذا البلد حيث يجد التكريم‬
‫والحفاوة ‪ ،‬وأالا يهمل نفسه كما يهمل السيف الحاد في غمده فإذا بقي كذلك فإن مواهبه ستضيع‬
‫‪.‬‬
‫وتتالشى كما يتالشى مضاء السيف إذا ظ ال مغمدا ً في جفنه‬

‫وعند تتبعنا لمعجم ابن زيدون اللغوي تطالعنا لديه بروز" األنا " وهي ظاهرة واضحة في‬
‫شعره ‪ ،‬وهي ظاهرة واضحة في شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي ‪ ،‬لذلك تجد في شعرهم‬
‫األلفاظ الدالة على هذه األنا ‪ ،‬فنراهم يكثرون من استخدام ( أنا السيف ) ‪ ( ،‬أنا الجواد ) ‪،‬‬
‫وغيرهما ‪ ،‬ويرى الدكتور حسن جاد حسن ‪ ،‬ـ في حديثه عن نفسية ابن زيدون في شعره ـ أنه‬
‫يتمتع بـ " نفس معتزة أبية ‪ ،‬تتأبى على األحداث وتتسامى عن الهوان ‪ ،‬وتترفع عن مسامرة‬
‫الثرى إلى منادمة النجوم ‪ .‬تسري فيها روح الكبرياء والثقة ‪ ،‬واالعتزاز ‪ ،‬فهي لذلك صارخة‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 196‬مرهف ‪ :‬ماضي الحد ‪ ،‬ميسم ‪ :‬عالمة ‪ ،‬الزخرف ‪ :‬ألوان النبات الزاهية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ينظر الذخيرة ‪ ،‬القسم األول ـ المجلد األول ‪ ، 199 ،‬والبيت في ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬ص ‪. 1922 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثالث ‪ ،‬صـ ‪. 1919‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 192‬الصريمة ‪ :‬العزيمة ‪ ،‬النهاب ‪ :‬جمع نهب وهو الغنيمة ‪ ،‬الحسام العضب ‪ :‬السيف القاطع ‪،‬‬
‫المتن ‪ :‬الصفحة مضرب السيف ‪ :‬حده ‪ ،‬ذُنابُهُ ‪ :‬طرفه المدبب ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫في وجه الخطوب دائما ً ‪ ،‬متكبرة على أن تغشى حماها "‪ ، 1‬يقول في إحدى مدائحه مفتخرا ً‬
‫بنفسه ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ْف الذي ت َْطب ُع اله ْن ُد‬
‫سي ُ‬
‫إذا ما نَ َبا ال ِ ّ‬ ‫السيف ال ي ْنبو مع ال َه ِ ّز غ َْربُهُ‬
‫ُ‬ ‫أنا‬

‫ويقول مستعطفا ً أبا حزم بن جهور إبّان سجنه ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ارم الذا َك ِر‬
‫ص ِ‬ ‫ع ال َج ْفنَ َح ُّد ال ا‬
‫ق ْد يُو ّد َ‬ ‫سِجْ ِن إيداعي فالَ ع َجبٌ‬ ‫إن َ‬
‫طا َل في ال ّ‬ ‫ْ‬

‫ومن االستخدامات اللغوية عند ابن زيدون لصفات السيف ( الفرند ) وقد ربط الشاعر بين‬
‫هذه الصفة للسيف وبين شمائل الخليفة ‪ ،‬ومزجها في صفة واحدة تحاكي في جمالها الحدائق‬
‫الغناء ‪ ،‬يقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ض ال َح ْز ِن ِج ْي َد فأ ْينَعَا‬ ‫ُ‬
‫حدائق َر ْو ِ‬ ‫خالئ ُق ُم ْمهاة ُ ال ِف ِر ْن ِد ‪ ،‬كأنها‬

‫ويقول في مدح ابن جهور ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ْف ْ‬
‫واخش َْوشَنَ ال َح ُّد‬ ‫كما النَ َمتْ ُن ال ا‬
‫سي ِ‬ ‫له عزمةٌ ْ‬
‫مطوياةٌ في سك ْينَ ٍة‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫ْب الذي ال يَكـــــــ َه ُم‬
‫وحسا ُمكَ العض ُ‬ ‫وجنانُكَ الثابْتُ الذي ال ينثني‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫ـــميم ِ‬
‫ص ِ‬ ‫ــــاء والت ا ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ِمنهُ بَ ْع َد ال َم َ‬ ‫ســــام في ال َجـــ ْف ِن يَثْنِي‬
‫ِ‬ ‫وبَقا ُء ال ُح‬

‫ويقول ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ص ِقي ِل نُدُوبَا‬
‫ب ال ا‬ ‫ِل ْل َج ْف ِن فِي العَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫س ْمنِي الحادثاتُ فَق ْد أرى‬ ‫فَ ْ‬
‫لئن ت َ ُ‬

‫وخالصة القول إن معجم ابن زيدون الشعري ال يختلف كثيرا ً عن معجم شعراء العصر‬
‫العباسي المحدثين ‪ ،‬كأبي تمام والبحتري والمتنبي فقد تأثر بهم في االقتباس من الثقافة الدينية‬
‫والتراثية وحشد األمثال والحكم ‪ ،‬كما تأثر بهم في معجم الطبيعة ( الطبيعية ) المتمثلة في‬

‫‪1‬ـ ابن زيدون حياته ـ عصره ـ أدبه ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 115‬نبا السيف ‪ :‬ارتد ولم ينقطع ‪ ،‬غربه ‪ :‬حده ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 255‬‬
‫ْ‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ،559‬أمهى ‪ :‬الصانع الشفرة ال َحزنُ ‪ :‬ما غلظ من األرض ‪.‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 126‬الجنان ‪ :‬القلب ‪ ،‬العضب ‪ :‬القاطع ‪ :‬يكهم ‪ :‬يك ّل ‪.‬‬
‫‪7‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 292‬‬
‫‪8‬ـ ديوان ابن زيدون ‪ ،‬ص ‪. 121‬‬
‫‪111‬‬
‫النباتات والزهور ‪ ،‬والماء ومسبباته ومجاريه ‪ ،‬وفي معجم الحيوانات فقد تأثر بهم في اإلكثار‬
‫من أسماء الخيول واألسود ‪ ،‬فإذا كان ابن زيدون ‪ ،‬وكذلك الشعراء العباسيون الثالثة قد‬
‫اشتهروا بالمدح وارتبط اسم ك ِّل منهم باسم خليفة أو أمير فالبد لهم أن يصفوهم بالشجاعة ‪ ،‬و‬
‫أن يشبهوهم باألسود وأن تكون الخيول مطاياهم في ساحات الوغى ‪ ،‬وكذلك أكثروا من أدوات‬
‫القتال كالسيوف وما في معناها ‪ ،‬كما تأثر بهم في حشد وتكرار أسماء الممدوحين في قصائدهم‬
‫‪ ،‬واإلكثار من أسماء المدن واألماكن ‪ ،‬ومن األلفاظ التي كررها ابن زيدون ـ وهي موجودة‬
‫بكثرة في شعر أبي تما م والبحتري والمتنبي ـ لفظة " ليت شعري " ‪ ،‬ولفظة " خليلي "‪.‬‬

‫ومن األلفاظ المشتركة بين ابن زيدون ‪ ،‬والشعراء العباسيين الثالثة ( ألفاظ الفلك ) ‪ ،‬وهي‬
‫أوصاف كثيرا ً ما ترد في تشبيه الممدوح أو وصف الحبيبة ‪ ،‬ومن هذه األلفاظ ( الشمس ـ القمر‬
‫ـ البدر ـ الهالل ـ النجم ـ سهيل ـ الثريا ـ الزهرة ـ المشتري ـ األرض ـ السماء ـ الشهب ) ‪.‬‬

‫ومن األلفاظ التي وردت في شعر ابن زيدون ‪ ،‬وفي الشعر العباسي ( ألفاظ الروائح )‬
‫كالمسك ‪ ،‬والعنبر والعرف ‪ ،‬والطيب والعطر ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬

‫ومن األلفاظ التي وردت في شعر ابن زيدون بكثرة ‪ ،‬واشتهر بها شعراء العصر العباسي ‪،‬‬
‫لفظتا ‪ ( :‬الدهر والزمن ) ؛ الرتباطهما باإلنسان أينما كان ‪ ،‬وأينما حل ‪ ،‬في سروره وسعادته ‪،‬‬
‫وفي قلقه وشقاوته ‪ ،‬ألن الشعراء العباسيين الثالثة وابن زيدون قد اشتهروا بالشكوى من الزمن‬
‫‪ ،‬وإذا كانت هذه األلفاظ عامة ومشتركة بين الشعراء فإن هناك ألفاظا ً بعينها كررها ابن زيدون‬
‫وقد تناولها البحتري في شعره بكثرة ‪ ،‬وهي لفظة ‪ ( :‬نائل الغمر ) وهي كلمة تدل على كثرة‬
‫العطاء ‪ ،‬ومنها في شعر ابن زيدون قوله ‪:‬‬
‫َو َم ْذ َهبُ َك ْم قَ ْ‬
‫ص ٌد ‪ ،‬ونائلك ْم غ َْم ُر‬ ‫طريقَت ُ ُك ْم ُمثْلَى ‪ ،‬و َه ْديُ ُكم ِر ً‬
‫ضى‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬

‫وقوله أيضا ً ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫ع َد ٌد ‪َ ،‬دثْ ٌر ‪ ،‬وال نائ ٌل غ َْم ُر‬
‫َوالَ َ‬ ‫ع ْنكَ َجالَلَةٌ‬ ‫ت ال َمحْ ذُ َ‬
‫ور َ‬ ‫َوالَ ثَنَ ِ‬
‫ولعل ابن زيدون أخذ هذا االصطالح اللفظي من البحتري ‪ ،‬حيث إن البحتري استخدم هذه‬
‫اللفظة في عدة مواضع ‪ ،‬فمنها قوله ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ج ُح ‪ ،‬أم نائلُهُ الغَ ْم ُر ؟‬ ‫الرا‬ ‫الواض ُح ‪ ،‬أم ْ‬
‫حلمهُ ا‬ ‫ِ‬ ‫أوجْ ُههُ‬

‫‪1‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 519‬مثلى ‪ :‬فضلى ‪ ،‬النائل ‪ :‬العطاء ‪ ،‬الغمر ‪ :‬الكثير ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 511‬الدثر ‪ :‬الكثير ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ديوان البحتري ‪. 619/ 2‬‬
‫‪119‬‬
‫ويقول في مطلع إحدى مدائحه في المتوكل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫َوب ْنتَ بفَ ْخ ٍر ما يُشا ِكلُهُ فَ ْخ ُر‬ ‫أبر على األنواء نائلُكَ الغ َْم ُر‬
‫ا‬
‫ويقول في مدح المعتز ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـــوافي وفي نائِ ِل ِه الغَ ْم ِر‬ ‫أر كال ُم ْعت ِ َّز في ِ‬
‫حلم ِه الــ‬ ‫ل ْم َ‬

‫ويقول ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ضةُ والغ َْم ُر‬
‫إلى نائ ٍل فيه ال َمخَا َ‬ ‫تالفَيْتنِي في َ‬
‫ظ ْمأةٍ فَ َدفَ ْعتنِي‬

‫ويقول ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫بِ ُر امت ِه ‪ ،‬أو َرا َح نائلُكَ الغ َْم ُر ؟‬ ‫وما قَد ُْرهُ في َج ْن ِ‬
‫ب ُجودِكَ إن غَدا‬

‫ويقول‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫بحرهُ فيها ونائلُهُ الغ َْم ُر‬ ‫َ‬
‫ط َما ُ‬ ‫ق" ِبقُ ْر ِب ِه‬
‫ض " ال ِعرا ِ‬
‫أر َ‬
‫ول اما َحبَا ْ‬

‫ويقول‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ِم ْن نَ ْي ِله والغ َْم ِر من إحْ سانِ ِه‬ ‫ب في اللُّهى‬
‫بن و ْه ٍ‬
‫الحسن ِ‬
‫ِ‬ ‫يا عا ِذ َل‬

‫هذه أغلب ألفاظ ابن زيدون التي اشتمل عليها معجمه اللغوي ‪ ،‬وإذا كان ابن زيدون‬
‫اعتمد في أغراضه الشعرية على ( المدح ‪ ،‬والغزل ‪ ،‬والطبيعة ) ‪ ،‬وإذا كان قد قصر مديحه‬
‫كثير‬
‫ٌ‬ ‫حضور‬
‫ٌ‬ ‫على األمراء ‪ ،‬وقصر غزله على محبوبة واحدة فإنه ال شك في أن يكون للطبيعة‬
‫في شعره ‪ ،‬وبالتالي فإنه إذا أراد وصف ممدوحه ‪ ،‬فإنه يصفه بما كان يصف الشعراء‬
‫العباسيون ممدوحيهم ‪ ،‬فنراهم يشبهونهم بالكواكب ‪ ،‬وبالغيث ‪ ،‬والمطر ‪ ،‬والبحر ‪ ،‬وإذا كان‬
‫حضور في‬
‫ٌ‬ ‫كال الطرفين تصاحبهما نغمة األنا ‪ ،‬فإنه الشك أن يكون للسيف ‪ ،‬والخيل ‪ ،‬واألسد‬
‫معجمهم الشعري ‪ ،‬وكذلك اعتمد ابن زيدون في غزله على الطبيعة فشبه محبوبته بما كان‬
‫الشعراء العباسيون يشبهون محبوباتهم حيث يشبه الوجه بالبدر ‪ ،‬والعينين بالنرجس ‪ ،‬والقد‬
‫بالغصن ‪ ،‬وبياض األسنان بالبرق ‪ ،‬وإذا كان خلفاء العصر العباسي ‪ ،‬وأمراء األندلس قد اهتموا‬
‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 661‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 1212‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 961‬المخاضة ‪ :‬موضع الخوض في الماء ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 1216‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 1266‬‬
‫‪6‬ـ ديوان البحتري ‪ ، 2212 / 1 ،‬اللهى ‪ :‬العطايا أو أجزلها ‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫بالقصور وزخرفتها ‪ ،‬وإحاطتها بمجاري المياه ‪ ،‬وكل أصناف الزهور والورود ‪ ،‬فكل هذا‬
‫مدعاة ٌ لوجود شعراء يصفون زخرفة القصور ‪ ،‬وما أحاطها ‪ ،‬وهذا ما نلمسه بوضوح في شعر‬
‫ابن زيدون وشعر البحتري ‪ ،‬ولعل هذا االتفاق بينها ما جعل نقاد األندلس يسمونه باسمه ‪،‬‬
‫وخالصة القول أن معجم ابن زيدون الشعري ال يختلف كثيرا ً عن معجم أبي تمام والبحتري‬
‫حضور‬
‫ٌ‬ ‫والمتنبي ‪ ،‬وهو معجم يغلب عليه البساطة والسهولة والوضوح ‪ ،‬وكان للطبيعة بنوعيها‬
‫في معجمهم الشعري ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫المبحث الثالث ‪:‬أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون في المحسنات البديعية ‪:‬‬

‫ولع ابن زيدون بالمحسنات البديعية وقد جرى في ذلك على سنن شعراء العصر العباسي‬
‫الذين أكثروا منها في أشعارهم ‪ ،‬سوا ًء أكان عفويا ً نابعا ً من صدق التجربة الشعورية ‪ ،‬أو‬
‫متكلفا ً متصنعا ً ‪ ،‬وسندرس أهم المحسنات اللفظية والمعنوية ‪ ،‬التي وردت في شعر ابن زيدون ‪،‬‬
‫وعند أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪.‬‬

‫أوال ً الجناس ‪ :‬هو لون من األلوان البديعية الموسيقية وأهمها ‪ ،‬وقد سماه ابن المعتز "‬
‫التجنيس " ‪ ،‬ويعرفه بقوله ‪ " :‬وهو أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكالم ‪.‬‬
‫ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها "‪ ،1‬وعرفه المحدثون تعريفا ً أشمل وأوسع ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫التشابه بين لفظتين في اإليقاع ( النطق ) مع اختالفهما في المعنى ‪ ،‬وهو على ضربين ‪ :‬الجناس‬
‫التام ‪ :‬وهو ما اتفق اللفظان في أنواع األصوات ‪ ،‬وعددها ‪ ،‬وترتيبها ‪ ،‬وهيئتها الحاصلة من‬
‫الحركات والسكنات ‪ ،‬ويكون فيه اإليقاع متطابقا ً ‪ ،‬والجناس الناقص ‪ :‬هو ما اختلف فيه اللفظان‬
‫في واحد من األربعة المتقدمة ‪.2‬‬

‫ولعل أبا تمام من أبرز شعراء العصر العباسي المولعين بالجناس فمن قصائده التي أكثر‬
‫فيها من الجناس قصيدته في مدح محمد بن عبد الملك الزيات ‪ ،‬يقول في مطلعها ‪:‬‬

‫َوقَ ْلبُكَ ِمنها ُمدّة َ الدَّ ْه ِ‬


‫ــــر آهِـــــ ُل !‬ ‫ع ْن ذُ ْهليَّ ِة ال َح ّ‬
‫ي ذَا ِهــ ُل‬ ‫َمت َى أ ْنتَ َ‬
‫‪3‬‬

‫ِّيـــــار ال َمواثِــ ُل‬


‫ُ‬ ‫َوت َْمث ُ ُل بال َّ‬
‫صب ِْر الد‬ ‫ت ُ ِط ُّل ُّ‬
‫الطلُو ُل الدَّم َع في ُك ِّل َم ْوقِـف‬

‫ــر في أغفا ِلها و ْهـــ َو غافِــــ ُل‬


‫وال َم ا‬ ‫عـــها‬
‫الربي ُع ُربُو َ‬ ‫اس لَ ْم يَ ُ‬
‫جْف ا‬ ‫َدور ُ‬

‫ت بالناـور فيها ال َخ َما ِئــــ ُل‬ ‫وقَ ْد أ ُ ِ‬


‫خملــ ْ‬ ‫حائب َذيلها‬
‫ُ‬ ‫ســ‬ ‫س ْ‬
‫حبت فيها ال ا‬ ‫فقـــد َ‬

‫َماحـ ُل‬ ‫ف ْ‬
‫األزم ِة ال ُمت ِ‬ ‫ص ْر ُ‬
‫يِ َ‬
‫على الح ّ‬ ‫تَعَفَّيْنَ ِم ْن زَ ا ِد العُفـــاةِ إذا ا ْنتحــى‬

‫امــــــــ ُل‬ ‫وفيهم جمــا ٌل ال ي ِغ ُ‬


‫يض َو َج ِ‬ ‫امـــ ٌر‬
‫س ِ‬‫س ْم ُر ال َعوالـــي َو َ‬ ‫سلَ ٌ‬
‫ف ُ‬ ‫لَ ُه ْم َ‬

‫وهي قصيدة يبلغ عدد أبياتها ستين بيتا ً بنى أغلب أبياتها على الجناس ‪ ،‬وإنما نحن ههنا نمثل‬
‫بمقدمة القصيدة فقط ‪ ،‬فالجناس في البيت األول بين ( ذُ ْهليَّ ِة ‪ ،‬ذَا ِه ُل ‪ ،‬آهِــــــــ ُل ) ‪ ،‬وفي البيت‬
‫الثاني يجانس بين (ت ُ ِط ُّل ‪ُّ ،‬‬
‫الطلُو ُل ‪ ،‬وبين َوت َْمث ُ ُل ‪ ،‬ال َمواثِ ُل ) ‪ ،‬وفي البيت الثالث يجانس بين‬

‫‪ 1‬ـ ابن المعتز ‪ ،‬عبد الله ‪ ،‬كتاب البديع ‪ ،‬اعتنى به إغناطيوس كراتشقوفسكي ‪ ،‬دار المسيرة بيروت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ، 1692 ،‬ص‪. 25‬‬
‫‪ 2‬ـ ينظر ‪ ،‬سلطان ‪ ،‬منير ‪ ،‬البديع تأصيل وتجديد ‪ ،‬منشأة المعارف ـ اإلسكندرية ‪ ، 1691 ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -3‬ديوان أبي تمام ‪. 51 / 2 ،‬‬
‫‪192‬‬
‫حائب‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫س ْ‬
‫حبت ‪ ،‬وال ا‬ ‫عها ‪ ،‬وبين أغفا ِلها ‪ ،‬وغافِـ ُل ) ‪ ،‬وفي البيت الرابع يجانس بين ( َ‬ ‫(الربي ُع ُربُو َ‬
‫ا‬
‫لت وال َخ َمائِ ُل ) وفي البيت الخامس يجانس بين ( تَعَفَّيْنَ ‪ ،‬العُفاةِ ‪ ،‬وبين ا ْنتحى ‪ ،‬و‬ ‫‪ ،‬وبين أ ُ ِ‬
‫خم ْ‬
‫ام ٌر ‪ ،‬وبين جما ٌل ‪َ ،‬و َج ِ‬
‫ام ُل ) ‪ ،‬ففي هذه‬ ‫س ِ‬‫س ْم ُر ‪َ ،‬و َ‬
‫َماحلُ) ‪ ،‬وفي البيت السادس يجانس بين ( ُ‬
‫ال ُمت ِ‬
‫األبيات نالحظ أنه يبالغ في جناسه بين الكلمات فهو يكرر جناسه في البيت الواحد ‪ ،‬كما كان‬
‫يعتمد على الجناس الذي يشمل القافية ؛ ليربط بينها وبين حشو البيت أي أنه يعتمد على رد‬
‫االعجاز على الصدور ‪ ،‬وقد خلط أبو تمام جناسه بالمطابقة ‪ ،‬فها هو يطابق بين ( الجفاف‬
‫والربيع ) ‪ ،‬كما خلط مجانسته بالتصوير ‪ ،‬فـ " الطلو ُل ت ُطل الدمع والربيع ال يجفو الربوع وال‬
‫‪1‬‬
‫يمر بها غافالً ‪ ،‬ثم تلك السحائب التي تجرر أذيالها وتلك الخمائل التي أُخملت بالنور "‬
‫ويضيف ‪ ،‬شوقي ضيف ‪ ،‬قائالً ‪ :‬و " هذا ما يجعلنا نلتفت إلى جانب مهم في استخدام ألوان‬
‫التصنيع ‪ ،‬ذلك أنها تستخدم على طريقتين ‪ :‬الطريقة األولى أن تأتي متعاقبة ال يتعلق بعضها‬
‫ببعض ‪ ،‬كما نجد ذلك عند البحتري ‪ .‬أما الطريقة الثانية فتمتزج فيها هذه األلوان ‪ ،‬ويمر‬
‫بعضها في بعض فتتغير شياتها وهيئاتها ‪ ،‬كما نجد عند أبي تمام في أكثر أحواله "‪ ،2‬وهذه‬
‫القصيدة من القصائد التي عارضها ابن زيدون ‪ ،‬وذلك في قصيدته في مدح ابن جهور ومطلعها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َمـا ُء َمنَاهِـــــ ُل‬ ‫س َ‬
‫ِــال ُح َخ َمائِــ ُل‬ ‫َم َرادُ ُه ُم َحي ُ‬
‫ْث ال ّ‬
‫الر ْمـــــحِ ِم ْنهُ ال َحمائِــ ُل‬ ‫تُنَا ُ‬
‫ط ِب َمتْ ِن ُّ‬ ‫ِل ُك ِّل ن َِجيْد في ال ِنّ َجــا ِد ‪َ ،‬كأنَّمــــا‬
‫ـوس َ‬
‫ط َوائِـــ ُل‬ ‫ت النُّفُ ِ‬ ‫َّ‬
‫كأن صبَابَـــــا ِ‬ ‫ظـــة‬ ‫طــ ِوي ٌل علينا لَ ْيلُهُ ِم ْ‬
‫ـن َح ِفي َ‬ ‫َ‬
‫َــــاز ُل‬ ‫ِب َها اللَّي ُ‬
‫ْث َي ْعدُو ‪ ،‬والغَزَ ا ُل يُغ ِ‬ ‫شرى في َمحـلَّة‬
‫ناس دنا منهُ ال َّ‬
‫ِك ٌ‬
‫اء القَ ِ‬
‫ساط ُل ؟‬ ‫ض َح ِ‬
‫س ال ُّ‬ ‫َوال َح َجبَ ْ‬
‫ت ش َْم َ‬ ‫ب القَنَا‬ ‫أ َ َمحْ ُجوبَةٌ ليْلى ولَ ْم ت ُ ْخ َ‬
‫ض ِ‬
‫فباإلضافة التفاق القصيدتي ن في الغرض " وهو المديح " و الوزن والقافية ‪ ،‬فكال القصيدتين‬
‫من البحر الطويل ‪ ،‬والقافية الالمية ‪ ،‬والروي المضموم ‪ ،‬عارض أسلوبها القائم على الجناس ‪،‬‬
‫حيث نالحظ أن الجناس يتزاحم في هذه المقدمة الغزلية ‪ ،‬ففي البيت األول يجانس بين ( َم َرادُ ُه ُم‬
‫و‪َ ،‬م ْو ِردُ ُه ْم) ‪ ،‬وفي البيت الثاني يجانس بين (ن َِجيْد ‪ ،‬و ال ِنّ َجا ِد ) ‪ ،‬وفي الثالث يجانس بين طرفي‬
‫ط ِوي ٌل ‪ ،‬و َ‬
‫ط َوائِـ ُل ) ‪ ،‬وفي البيت الرابع يجانس بين آخر‬ ‫البيت أي بين أول كلمة وآخر كلمة فيه ( َ‬
‫َاز ُل ) ‪ ،‬وفي البيت الخامس يجانس بين (أ َ َمحْ ُجو َبةٌ ‪ ،‬وبين َوال‬
‫كلمتين في البيت ( الغَزَ ا ُل ‪ ،‬يُغ ِ‬

‫‪1‬ـ ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬الفن ومذاهبه ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬


‫‪2‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها‬
‫‪ -3‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 199‬مرادهم ‪ :‬مكان طلب النجعة ‪ ،‬الخمائل األشجار الكثيفة ‪ ،‬المورد ‪ :‬مكا ورود الماء ‪ ،‬مناهل ‪:‬‬
‫مشارب ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫ت ) ‪ ،‬وتتكون هذه القصيدة من ثالثة وخمسين بيتا ً ال يكاد يخلو بيتٌ منها من الجناس ‪ ،‬بل‬ ‫َح َجبَ ْ‬
‫إن هناك أبياتا ً أ ُخذت ألفاظها المتجانسة بعينها ‪ ،‬كقول أبي تمام ‪:‬‬ ‫َّ‬

‫‪1‬‬
‫ت تَحْ تَ ِ‬
‫الح َبا ِل ال َح َبائِ ُل‬ ‫إذَا نُ ِ‬
‫ص َب ْ‬ ‫غدْرة‬ ‫ت ََرى َح ْبلَه ْ‬
‫ُغرثَانَ ِم ْن ك ِّل َ‬

‫فطريقة الجناس في آخر البيت ‪ ،‬هي نفس الطريقة التي ارتضاها ابن زيدون في قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫َوفَي ‪ ،‬فَ َما تِ ْلكَ ِ‬
‫الح َبا ُل َحباَئِ ُل‬ ‫أتِي ‪ ،‬فَ َما تِ ْلكَ ال َّ‬
‫سما َحةُ نُ ْهزَ ة ٌ‬

‫وهذا األسلوب من الجناس المتمثل في المجانسة بين القافية وما قبلها أسلوب التزمه أبو تمام‬
‫في كثير من قصائده وهو أسلوب نجده في قصائد ابن زيدون بكثرة ‪ ،‬غير إنه لم يكلف بهذه‬
‫األلوان المختلطة كثيرا ً " أو يوغل فيها هذا اإليغال ‪ ،‬وإنما كان يأخذ منها بقدر ‪ ،‬وعلى حسب‬
‫ما تسمح به ثقافته العربية الخالصة "‪ ، 3‬في حين كان أبو تمام " يلح إلحاحا ً ‪ ،‬ويوغل إيغاالً‬
‫شديدا ً ‪ ،‬ويعمل فكره وعقله ‪ ،‬نتيجة لتأثره بالدراسات الفلسفية ونحوها "‪ ،4‬فيجانس ويطابق‬
‫آن واحد مع عمق المعاني وصعوبة األلفاظ ‪ .‬ومما جعل ابن زيدون‬
‫ويكثر من التصوير في ٍ‬
‫بعيدا عن التعقيد في الجناس ‪ ،‬أن شعره في جملته يتسم بالرقة والسهولة والنعومة ‪ ،‬وهو بهذا‬
‫يتفق مع البحتري في سهولة المحسنات البديعية وعدم تكلفها ‪.‬‬

‫ع ِ ّرف بأن يكون أحد اللفظين‬


‫ويقودنا الجناس إلى الكالم عن رد العجز على الصدر ‪ ،‬و ُ‬
‫المكررين أو المتجانسين في آخر البيت ‪ ،‬والثاني في صدر الشطر األول أو حشوه أو آخره أو‬
‫صدر الشطر الثاني‪ ، 5‬وقد اصطلح البالغيون على تسميته بالتصدير ‪ " ،‬وكلمة التصدير‬
‫مأخوذة من الحبل الذي يصدر به البعير إذا ُج ار ِح ْملهُ إلى خ َْلفٍ والحبل اسمه التصدير "‪ ، 6‬وقد‬
‫عرفه ابن رشيق بقوله ‪ " :‬هو أن يرد أعجاز الكالم على صدوره ‪ ،‬فيدل بعضه على بعض ‪،‬‬
‫ويسهل استخراج قوافي الشعر ‪ ...‬ويكسب البيت الذي يكون فيه أبهةً ‪ ،‬ويكسوه رونقا ً وديباجةً ‪،‬‬
‫ويزيده مائيةً وطالوة ً "‪ ، 7‬وقد ورد التصدير في الشعر العباسي بكثرة ‪ ،‬وإذا تتبعنا شعر أبي‬
‫تمام والبحتري وغيرهما تجدهم قد اهتموا به اهتماما ً بالغا ً ‪ ،‬ومن أمثلته في شعر أبي تمام ‪ ،‬قوله‬
‫في مدح الشاعر علي بن الجهم ‪ ،‬عندما جاء يودعه لسفر أراده ‪ ،‬وكان أصدق الناس له ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوانه ‪. 56 / 2‬‬
‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ . 162‬األتي ‪ :‬الجدول أو السيل ‪ ،‬نهزة ‪ :‬فرصة ‪ ،‬الحبال ‪ :‬الوصال والعهد واألمانة ‪ ،‬الحبائل جمع‬
‫حبالة ‪ :‬وهي الشرك الذي ينصب للصيد ‪.‬‬
‫‪3‬ـ حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون حياته وثقافته وأدبه ‪ ،‬ص‪. 196‬‬
‫‪4‬ـ المرجع نفسه ‪ ،‬والصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ينظرـ القزويني ‪ ( ،‬جالل الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب ) ‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة ‪ ،‬ضبط وشرح عبد الرحمن‬
‫البرقوقي ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 161 ، 1621‬وما بعدها ‪.‬‬
‫صدَ َر ) ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ( َ‬
‫‪7‬ـ العمدة ‪ ،‬تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ‪. 1 /2 ،‬‬
‫‪192‬‬
‫‪1‬‬
‫ض َج ْهد ال َجاه ِد‬ ‫فال اد ْم ُع يُ ْذ ُ‬
‫هب بَ ْع َ‬ ‫ؤون و َ‬
‫غ ْربِ ِه‬ ‫ش ِ‬ ‫فا ْفزَ ْ‬
‫ع إلى ْ‬
‫ذخر ال ُّ‬

‫ص ْبرا ً فَلَ ْستَ بفاقـــــ ِد‬


‫دمعا ً وال َ‬
‫ْ‬ ‫وإذا فَقَ ْدتَ أخا ً ولَ ْم ت َ ْف ِقـــــــ ْد لَهُ‬

‫فالتصدير في البيت األول بين آخر كلمة في البيت وما قبلها ‪ ،‬حيث وافق بين ( جهد ‪،‬‬
‫وجاهد ) ‪ ،‬وفي البيت الثاني وافق آخر كلمة في البيت مع كلمتين في صدر البيت ‪ ،‬على هذا‬
‫النحو ( فقدت ‪ ،‬وتفقد ‪ ،‬وفاقد ) ‪ ،‬ومن أمثلته في شعر البحتري قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫وما خ َْونُها ال َم ْخ ِش ُّ‬
‫ي عناا بغَا ِف ُل‬ ‫غ ْفل ٍة ‪،‬‬
‫ع َ‬ ‫عن األي ِاام ْ‬
‫أط َو َ‬ ‫غفَ ْلنَا ِ‬
‫َ‬

‫ففي هذا البيت وافق البحتري بين آخر كلمة في البيت و أول كلمة فيه ‪ ( ،‬غفلنا ‪ ،‬وغافل ) ‪.‬‬

‫ورد العجز على الصدر يعد نوعا ً من التكرار أهميته أنه يحدث جرسا ً موسيقيا ً في‬
‫البيت الشعري ‪ ،‬وقد حرص أبو تمام والبحتري والمتنبي على هذا النمط في شعرهم ؛ ليربطوا‬
‫بين القافية وبقية البيت ‪ ،‬وليحدثوا توازيا ً في بنية البيت الشعري ‪.‬‬

‫وإذا انتقلنا إلى شعر ابن زيدون نجده قد اعتنى بهذا األسلوب الموسيقي ‪ ،‬مبالغا ً فيه حيث‬
‫نراه في أغلب أبياته الشعرية معتمدا ً على رد األعجاز على الصدور ‪ ،‬ففي قصيدته في مدح‬
‫الوزير محمد بن جهور نالحظ هذا األسلوب قد تخلل أغلب أبيات القصيدة ‪ ،‬فهو تارة يوافق بين‬
‫القافية ومطلع البيت ‪ ،‬أو حشوه ‪ ،‬أو آخره ‪ ،‬وتارة يوافق بين القافية ومطلع الشطر الثاني من‬
‫البيت ‪ ،‬أو حشوه ‪ ،‬أو بين القافية وما قبلها ـ كما هو الحال في قصيدته في مدح الوزير محمد‬
‫بن جهورـ على هذا النحو ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫راب‬
‫صهي ِل ِع ُ‬
‫ب فيها بال ا‬
‫َجاو ُ‬
‫ت َ‬ ‫ب ِحلا ٍة ‪،‬‬ ‫أالحت ِم ْن أ َ‬
‫عاري ِ‬ ‫ْ‬ ‫عروبٌ‬
‫َ‬

‫عـــــــــذَ ُ‬
‫اب‬ ‫يم َ‬ ‫أ َ َبانَ لها َّ‬
‫أن النَّ ِع َ‬ ‫صـــــم‬
‫ِوار ِب ِم ْع َ‬
‫س ِ‬‫ض ال ّ‬ ‫يُ َع ِذّبُها َ‬
‫ع ُّ‬

‫عروبٌ ) ‪،‬‬
‫راب و َ‬
‫ففي الب يتين السابقين يوافق بين القافية ‪ ،‬ومطلع الشطر األول ‪ ،‬أي بين ( ِع ُ‬
‫وبين (يُعَ ِذّبُها و َ‬
‫عذَ ُ‬
‫اب ) ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 215 / 1 ،‬‬


‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 1911 / 2‬‬
‫‪3‬ـ ينظر ديوان ابن زيدون ورسائله ص ‪ ، 191 ، 119‬العروب ‪ :‬المتحببة لزوجها المطيعة له ‪ ،‬األعاريب ‪ :‬البدو ‪ ،‬العراب ‪ :‬الخيل‬
‫المنحدرة من ساللة أصيلة ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫وفي قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أن ت َ ُخبَّ ِر ُ‬
‫كاب‬ ‫فَ َهانَ عليهم ْ‬ ‫ب َوجْ ها ً َم َ‬
‫ضوا لهُ‬ ‫الر ْك ُ‬
‫إذا ما أحبَّ َّ‬

‫بـــــاب‬
‫ُ‬ ‫س ْعدٌ دُونَها ِ‬
‫ور‬ ‫تَ َ‬
‫سانَدُ َ‬ ‫ع ِقيْلــــــةٌ‬
‫بــــاب َ‬
‫َ‬ ‫الر‬ ‫َولَ ْم يَثْنِنَا َّ‬
‫أن َّ‬

‫سـاب‬
‫ُ‬ ‫ب ِح‬
‫الحسا ِ‬
‫ف َما ِل َعطا َياهُ ِ‬ ‫الزهِيــ َد ُم ِنيلُهُ ‪،‬‬
‫ب الناي َل ا‬
‫ســــ َ‬
‫إذا َح َ‬

‫كاب ) ‪،‬‬ ‫(الر ْك ُ‬


‫ب و ِر ُ‬ ‫َّ‬ ‫يوافق بين القافية وحشو الشطر األول ‪ ،‬فتتكون المجانسة بين‬
‫ساب ) ‪.‬وفي هذا البيت ‪:‬‬
‫ب و ِح ُ‬
‫س َ‬
‫باب ) ‪ ،‬و( َح َ‬
‫باب و ِر ُ‬ ‫و( َّ‬
‫الر َ‬
‫‪2‬‬
‫اب‬ ‫ات بها ِل ْل َم ْك ُرما ِ‬
‫ت َربَ ُ‬ ‫أ َ َرب ْ‬ ‫طلا ٍة ‪،‬‬
‫ناف غناا ْء َ‬
‫فَ ُز ْرهُ ت َُز ْر أ ْك َ‬

‫يوافق بين القافية ‪ ،‬ومطلع الشطر الثاني من البيت ‪ ،‬أي بين القافية ( رباب ) ‪ ،‬ومطلع‬
‫الشطر الثاني ( أرب ْ‬
‫ات ) ‪.‬وفي هذه األبيات ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫بـاب‬
‫ت قِ ُ‬ ‫ت بِقُبّ ِ ال ا‬
‫سابِحا ِ‬ ‫و َحفا ْ‬ ‫دور أ ِسناةٌ ‪،‬‬ ‫وأن ُر ِ ّك ْ‬
‫زت حو َل ال ُخ ِ‬ ‫ْ‬

‫باب؟‬ ‫أَيَسْمو َحبَابٌ أ َ ْو يَس ُ‬


‫ِيب ُح ُ‬ ‫َول ْيلَةَ وافَتْنَا ت َ َهادى ‪ ،‬فَن َْمت ِ‬
‫َــري ‪:‬‬

‫عليها ‪ ،‬ول ْم يَحْ بُوا بِها فَيُحابُـــوا‬ ‫صبُّ ال َحاسِدونَ بِ َحم ِد ِه‬
‫عطايا يُ َ‬
‫َ‬

‫باب ) ‪ ،‬و‬ ‫يوافق بين القافية وحشو الشطر الثاني ‪ ،‬أي بين ( ِبقُبّ ِ و قِ ُ‬
‫باب ) ‪ ،‬و ( َحبَابٌ و ُح ُ‬
‫( َيحْ بُوا ويُحابُوا ) ‪.‬وفي هذه األبيات ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫َــــاب‬
‫ُ‬ ‫َاب ـ َجن‬ ‫لها ـ ُكلَّما قِ ْ‬
‫ظنا ال َجن َ‬ ‫الحمى‬ ‫ص ِل إ ْذ ْ‬
‫مربَ ُع ِ‬ ‫َو ُم ْس ِعفَة َ‬
‫بالو ْ‬

‫ســــاب‬
‫ُ‬ ‫ب ِح‬
‫الحســـا ِ‬
‫ف َما ِل َعطا َياهُ ِ‬ ‫الزهِيـــ َد ُم ِنيلُــهُ ‪،‬‬
‫ب الناي َل ا‬
‫س َ‬
‫إذا َح َ‬

‫ـــــاب‬
‫ُ‬ ‫ب ِح َج‬ ‫َم َهابتُــــهُ دُونَ ِ‬
‫الح َجا ِ‬ ‫ف ِم ْنهُ آلذِن‬
‫ـــر َ‬
‫الط ْ‬‫ض َّ‬
‫َم ِهيبٌ يَغُ ُّ‬

‫َـــــاب‬
‫ُ‬ ‫ِبنُ ْع َمى لَها في ال ُمــــ ْذ ِن ِبيْنَ ِذن‬ ‫ع ْف َو َحـا ِفظ‬ ‫عث َ َر ال َجا ِني َ‬
‫عفَا َ‬ ‫إذَا َ‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ 119‬ـ ‪ ، 191‬تخب الركاب تسرع ‪ ،‬العقيلة ‪ :‬كريمة الحي ‪ ،‬سعد ‪ :‬تطلق على عدة قبائل منها سعد تميم ‪ ،‬وسعد‬
‫قيس ‪ ،‬وسعد هذيل ‪ ،‬وسعد بكر ‪ .‬رباب ‪ :‬أح ياء ضبة ‪ ،‬حسب ‪ :‬عد ‪ ،‬منيل ‪ :‬باذل النوال ‪ ،‬عطاياه الحساب ‪ :‬عطاياه الكثير الكافية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ ، 195‬الروضة الغناء ‪ :‬الكثيرة العشب ‪ ،‬األكناف ‪ :‬الجوانب ‪ ،‬طلَّة ‪ :‬مبللة بالندى ‪ ،‬أرب بالمكان ‪:‬‬
‫لزمه وأقام به ‪.‬‬
‫‪3‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ 192‬ـ ‪ ، 191‬السابحات القبّ ‪ :‬الخيل الضامرة السريعة العدو ‪ ،‬تهادى ‪ :‬تمايل ‪ ،‬نمتري ‪ :‬نشك ‪َ ،‬حبَاب الماء ‪:‬‬
‫صبَّ ‪ :‬محق ‪ ،‬يحبوه ‪ :‬يهبه ‪ ،‬حابى ‪ :‬جامل وسامح ‪.‬‬ ‫نفاخاته التي تعلوه ‪ُ ،‬حباب ‪ :‬الحية ‪ُ ،‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ 119‬ـ ‪ ، 191‬قاظ اليوم ‪ :‬اشتد حره ‪ ،‬حسب ‪ :‬عدّ ‪ :‬منيل ‪ :‬باذل النوال وهو العطاء ‪ ،‬آذن ‪ :‬مستمع ‪ ،‬الذِّناب ‪:‬‬
‫جمع ذنوب وهو الحظ والنصيب ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫َاب) في البيت األول ‪ ،‬وبين‬ ‫يوافق الشاعر بين القافية وما قبلها ‪ ،‬أي بين (ال َجن َ‬
‫َاب و َجن ُ‬
‫اب) في البيت الثالث ‪ ،‬وكذلك يوافق‬
‫وح َج ُ‬
‫ب ِ‬ ‫ساب) في البيت الثاني ‪ ،‬وبين ( ِ‬
‫الح َجا ِ‬ ‫وح ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫الحسا ِ‬ ‫( ِ‬
‫بين (ال ُمــــ ْذنِبِيْنَ و ِذنَـــــ ُ‬
‫اب) في البيت الرابع ‪.‬‬

‫ثانيا ً الطباق ‪ :‬يعد الطباق من المحسنات البديعية التي تعتمد على " الجمع بين الشيء وضده أو‬
‫بين معنيين متضادين "‪ ، 1‬وقد اعتمد الشعراء على الطباق في كثير من األبيات ‪ ،‬وما من شك‬
‫أن الجمع بين األشياء المتطابقة أو المتضادة له إيقاع خاص يكسو القصيدة جماالً ورونقا ً ‪" ،‬‬
‫ولكن وظيفة الطباق ال تقف عند هذا الزخرف وتلك الزينة الشكلية ‪ ،‬بل تتعداها إلى غايات‬
‫أسمى ‪ ،‬فالبد أن يكون هناك معنى لطيف ومغزى دقيق وراء جمع الضدين في إطار واحد ‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإال كان هذا الجمع عبثا ً وضربا ً من الهذيان "‪ 2‬فقديما ً قالوا ‪ ( :‬الضد يظهر حسنه الضد ) ‪.‬‬

‫وكان ابن زيدون من الشعراء الذين استخدموا الطباق بكثرة " واستخدامه لمثل هذا النوع‬
‫من أنواع البديع ينم عن حسن تصرفه في األلفاظ وتمكنه من اللغة ‪ ،‬واستفادته من الطاقة‬
‫‪3‬‬
‫اللغوية الكبيرة ‪ ،‬والناظر في ديوان الشاعر يقع على أمثلة كثيرة من الطباق في شعره " ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫يَجْ َرح ُال اد ْه ُر ويَا ُ‬
‫سو‬ ‫اس‬
‫ي بَ ُ‬ ‫علَى َ‬
‫ظ ِنّـ َ‬ ‫َما َ‬

‫ٌل ويُ ْر ِديكَ احْ تِ َر ُ‬


‫اس‬ ‫َولَقَ ْد يُ ْن ِجيكَ إ ْغفَـــا‬

‫َاس َذ ال ن ٌ‬
‫َاس‬ ‫عـــ از ن ٌ‬
‫َ‬ ‫َو َك َذا ال اد ْه ُر ‪ ،‬إذا َما‬

‫ففي هذه األبيات يطابق ابن زيدون بين ( يجرح ‪ ،‬وياسو ) ‪ ،‬وبين ( إغفال ‪ ،‬واحتراس ) ‪،‬‬
‫ا‬
‫وعز ) ‪ ،‬وفي قوله ‪:‬‬ ‫وبين ( ذ ال ‪،‬‬

‫‪5‬‬ ‫ويكون فيه معاقبــا ً ومثيبــــا ً‬ ‫يأتي رضاه معاديا ً ومواليا ً‬

‫وقوله ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ـز َل ُ‬
‫ف‬ ‫دن لل ُم ِطي ِعينَ تـ ُ ْ‬
‫ع ٍ‬‫وجناةُ َ‬ ‫شبُّ َوقُو ُدهُ‬
‫اصي ِه يُ َ‬
‫َج ِحي ٌم ِل َع ِ‬

‫ش ْري ِ يُ ْن َق ُ‬
‫ف‬ ‫عا َداهُ َكال ا‬
‫ت َعُو ُد ِل َم ْن َ‬ ‫س َجايَا ل َم ْن واالَهُ كاأل َ ْري ِ ت ُجْ ت َنَى‬
‫َ‬

‫‪ 1‬ـ الصابوني ‪ ،‬محمد ‪ ،‬الموجز في البالغة العربية والعروض ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 1669 ، 1‬ص‪. 95‬‬
‫‪2‬ـ أنيس ‪ ،‬د ‪ .‬إبراهيم ‪ ،‬موسيقى الشعر ‪ ،‬ط ‪ ، 1691 ، 5 /‬ص‪. 15‬‬
‫‪3‬ـ حسن ‪ ،‬رائدة زهدي رشيد ‪ ،‬الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازية " ص‪. 152‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص ‪ 291‬ـ ‪ ، 291‬ياسو ‪ :‬يداوي ‪.‬‬
‫‪5‬المصدر نفسه ‪. 129 ،‬‬
‫ي ‪ :‬العسل ‪ ،‬الشرى ‪ :‬الحنظل ‪ ،‬ينقف ‪ :‬يشق ‪.‬‬
‫قرب ‪ ،‬األر ُ‬
‫‪6‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ ، 162 ، 196‬أزلف ‪ّ :‬‬
‫‪195‬‬
‫ففي البيت األول يطابق بين ( معاديا ً ومواليا ً ) ‪ ،‬وبين ( معاقبا ً ومثيبا ً ) ‪ ،‬وفي البيت‬
‫الثاني يطابق بين ( جحيم ‪ ،‬وجنة ) ‪ ،‬وبين ( عاصيه ‪ ،‬والمطيعين ) ‪ ،‬وفي البيت الثالث يطابق‬
‫بين ( األرى والشرى ) وبين ( وااله ‪ ،‬وعاداه ) ‪ ،‬ومن خالل هذه األبيات ترى أن طباق ابن‬
‫زيدون طباق سهل ال تعقيد فيه وال غموض كما عهدناه عند أبي تمام الذي يتعمده ‪ ،‬وإنما يأتي‬
‫على لسانه سهالً يشبه تداعي المعاني فكل كلمة ما بين األقواس " تقبل على أختها ‪ ،‬كأن‬
‫الكلمات من أسرة واحدة ‪ ،‬هي أسرة الطباق الصوتي "‪. 1‬‬

‫وقد كان البحتري ‪ ،‬مولعا ً بالطباق ‪ ،‬مكثرا ً له في شعره وكان يأتي على لسانه سهالً ال‬
‫تكلف فيه ‪ ،‬فها هو يقول ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صـــــدو َد ِم ْنهُ وأ َ ْبــ َدا‬
‫وأ َعـــا َد ال ُّ‬ ‫لي حبِيبٌ قد لَ اج في ال َهجْ ر ِجدا ً‬

‫َخلَفــــا ً مـن َجفَــــــائ ِه ُم ْست َ َجــ ادا‬ ‫يـــــوم‬


‫ٍ‬ ‫ذو فُنُ ٍ‬
‫ون يُ ِريك في ك ِّل‬

‫صالً ويَ ْبعُ ُد َ‬


‫صــــــ ادا‬ ‫فا ً‪ ،‬ويَ ْدنُو َو ْ‬ ‫يَتأباى َم ْنعا ً ويُ ْنعـ ِـ ُم إ ْســـعا‬

‫ع ْبدا ً‬ ‫لى‪ ،‬وأ ُ ْ‬


‫صبِح ُ َ‬ ‫نَ ‪ ،‬وأ ُ ْم ِسي َم ْو ً‬ ‫غضبَا‬ ‫راضيا ً وقد بِ ُّ‬
‫ت َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َ ْغت َ َدي‬

‫ولع البحتري في هذه األبيات بالطباق الخالص فلم يخلط به شيئا ً من المحسنات األخرى ‪،‬‬
‫يذكر ( يدنو ) يتذكر ( يبعد ) محققا ً بذلك طباقا ً سهالً لينا ً ‪ ،‬كما‬
‫ُ‬ ‫وإنما ترى طباقا سهالً ‪ ،‬فعندما‬
‫طابق بين ( وصالً ‪ ،‬وصدا ً ) ‪ ،‬وبين ( راضيا ً ‪ ،‬وغضبان ) ‪ ،‬وبين ( أمسى ‪ ،‬وأصبح ) ‪ ،‬وبين‬
‫( مولى ‪ ،‬وعبدا ً ) وهو طباق " كطباق ابن زيدون ‪ ،‬وال يختلط بصور أخرى ‪ ،‬وإنما هو طباق‬
‫حقيقي تدعو فيه كل كلمة أختها ‪ ،‬وتذكر بها "‪ ، 3‬ومن هذا الطباق السهل قول البحتري في مدح‬
‫الفتح بن خاقان ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ي ذُ ال وفيــــك ِكب ُ‬
‫ْـــر‬ ‫وفِ ا‬ ‫وم ْنكَ هَجْ ُ‬
‫ـر‬ ‫ص ٌل ِ‬ ‫ِم ِنّ َ‬
‫يو ْ‬

‫س ْه ٌل على ُخلا ٍة َو َوع ُ‬


‫ْـــر‬ ‫َ‬ ‫ســوا ٌء إذا ْالتَقَيْـــــنَا‬
‫وما َ‬

‫عبدا ً وأنتَ ُح ٌّر‬ ‫فَ ِ‬


‫ص ْرتُ َ‬ ‫قد كنتُ ُحرا وأنتَ َ‬
‫ع ْب ٌد‬

‫ــــر‬
‫س ُّ‬ ‫سو ُء الاذي يَ ُ‬
‫وقد يَ ُ‬ ‫أنتَ نَ ِعيمي وأنتَ بُؤْ ِسي ‪،‬‬

‫‪1‬ـ حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون حياته وأدبه وثقافته ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪ ،2‬ديوان البحتري ‪. 911 / 2 ،‬‬
‫‪3‬ـ حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون حياته وأدبه وثقافته ‪ ،‬ص ‪. 229‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 1252 / 2 ،‬‬
‫‪191‬‬
‫حيث تتوالى المتطابقات في هذه األبيات وتتزاحم بشكل منتظم ‪ ،‬فقد طابق بين ( وصل ‪،‬‬
‫وهجر ) ‪ ،‬وبين ( ذ ّل ‪ ،‬وكبر ) ‪ ،‬وبين ( سهل ‪ ،‬ووعر ) ‪ ،‬وبين ( حرا ً ‪ ،‬وعبد ) وبين ( عبدا ً ‪،‬‬
‫وحر ) ‪ ( ،‬نعيمي ‪ ،‬وبؤسي ) ‪ ( ،‬يسوء ‪ ،‬ويسر ) ‪ ،‬فالطباق في هذه األبيات سهل ومنتظم ‪،‬‬
‫ومتسا ٍو ‪ ،‬فاالسم مع االسم ‪ ،‬والفعل مع الفعل ‪ ،‬حتى إذا أضاف شيئا ً في كلمة ‪ ،‬أتبعه في‬
‫ن ظيرتها ‪ ،‬عندما يضيف ياء المتكلم في ( نعيمي ) يضيفها في ( بؤسي ) حفاظا على هذا النسق‬
‫المتساوي ‪.‬‬

‫هكذا اتفق ابن زيدون والبحتري إذن في الفن الشعري والصنعة الشعرية ‪ ،‬من سهولة اللفظ‬
‫ووضوح المعنى وتجنب التعقيد والفلسفة ‪ ،‬ويسر الصنعة واإلكثار من الطباق بنوع خاص في‬
‫سهولة ويسر ولين ‪ ،‬واتفق مع أبي تمام في اإلكثار من الجناس ‪ ،‬ولكنه لم يتكلفه أو يتصنعه ‪،‬‬
‫وإنما جاء سهالً طوعا ً حسب الحاجة ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ ،‬التصريع ‪ :‬وهو من أبرز األشكال اإليقاعية الداخلية ‪ ،‬وهو صورة من صور التكرار‬
‫الجالب للموسيقى ‪ ،‬وهو " استواء آخر جزء في صدر البيت ‪ ،‬وآخر جزء في عجزه في الوزن‬
‫والروي واإلعراب ‪ ،‬وهو أليق ما يكون بمطالع القصائد ‪ ،‬وفي وسطها ربما تمجه األذواق‬
‫واألسماع "‪ ، 1‬إذن األصل فيه أن يأتي في مطلع القصيدة ‪.‬‬

‫ويشكل التصريع ظاهرة بارزة في شعر ابن زيدون لما له من أثر في إغناء عناصر‬
‫الموس يقى برافد دائم يدفعنا إلى تتبع أبيات القصيدة ؛ ألنه يعتبر مركز جذب لقراءة القصيدة من‬
‫ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى يشير إلى القافية في وقت مبكر قبل انتهاء البيت األول ‪ ،‬لهذا أهتم ابن‬
‫زيدون بتصريع مطالع قصائده ‪ ،‬فقد أتت معظم قصائده مصرعة ‪.‬‬

‫وسنذكر بعض مطالع ابن زيدون المصرعة ‪ ،‬مرفقا ً معها البيت الثاني حتى يتبين لنا إن‬
‫كان ثمة اختالف في وزن عروض البيت األول والثاني أم ال ‪ ،‬ومن الشواهد على التصريع ‪،‬‬
‫في شعر ابن زيدون ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل‬ ‫س َِال ُح َخ َمـــائِ ُل‬ ‫َم َرادُ ُه ُم َحي ُ‬
‫ْث ال ّ‬

‫ع َو ِام ُل‬
‫وسم ٌر َ‬
‫يض ْ‬‫ومأثُورة ٌ بِ ٌ‬ ‫ص َوافِ ٌن‬
‫ودونَ ال ُمنى فيهم ِجيادٌ َ‬

‫‪ 1‬ـ الحموي ‪ ،‬ابن حجة ‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ‪ ،‬دار الهالل ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 299 / 2 ، 1661‬‬
‫‪ -2‬ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 199‬المراد ‪ :‬مكان طلب النجعة ‪ .‬الخمائل ‪ :‬األشجار الكثيفة المتشابكة ‪ .‬المورد ‪ :‬مكان الورود إلى‬
‫الماء ‪ .‬مناهل ‪ :‬مشارب ‪ .‬الصوافن ‪ :‬جمع صافن وهو الجواد القائم على ثالث قوائم ويمس طرف الحافر الرابع األرض ‪ .‬مأثورة ‪:‬‬
‫سيوف في متونها آثار زخرفة ‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫في الوزن والروي‬ ‫َخ َما ِئ ُل ) موافقة للضرب ( َمنَا ِه ُل )‬ ‫في البيت األول العروض (‬
‫واإلعراب ‪ ،‬وقد خالفت باقي القصيدة في العروض والضرب ‪.‬‬

‫وقد تتبعنا قصائد ابن زيدون فوجدنا أغلبها مصرعة المطالع ‪ ،‬وهذا دليل على قدرته‬
‫وبالغته ؛ ألن " التصريع عند النقاد دليل قدرة الشاعر وسعة فصاحته ‪ ،‬واقتداره في بالغته "‪.1‬‬

‫وكان النقاد يرون ضرورة التصريع ولزومه ؛ ألنه مذهب الشعراء المطبوعين المجيدين ؛‬
‫وألن بنية الشعر إنما هي التسجيع والتقفية فكلما كان الشعر أكثر اشتماالً عليه كان أدخل في‬
‫باب الشعر‪ ، 2‬وإذا كان ابن زيدون ـ الذي تأثر بشعراء العصر العباسي تأثرا ً واسعا ً ـ قد برع‬
‫في التصريع ‪ ،‬فهو ال شك أنه قد تأثر بهم في هذا النهج الذي ا‬
‫افتن به شعراء العصر العباسي ‪،‬‬
‫وقد تتبعنا قصائد أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي فرأينا هذه الظاهرة واضحة في معظم‬
‫قصائدهم ‪ ،‬ومن ذلك قول أبي تمام في مدح ملك بن طوق التغلبي ‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫ف من شَأ ْ َو ْي ِه ُ‬
‫طو ُل ِعتا ِ‬
‫ب‬ ‫ْأو َك َّ‬ ‫أن دً ْهرا ً ردَّ َرجْ َع َجوا ِ‬
‫ب‬ ‫ْلو َّ‬

‫ب ) ‪ ،‬كما نالحظ االتفاق بين العروض والضرب ‪ ،‬في‬


‫ب ) ‪ ،‬و( ِعتا ِ‬
‫فالتصريع هنا بين ( َجوا ِ‬
‫الوزن والروي واإلعراب ‪ .‬ومن أمثلة التصريع في شعر البحتري ‪ ،‬كقوله في مطلع قصيدته في‬
‫مدح أبي نوح عيسى بن إبراهيم ‪:‬‬

‫أ ْغيدُ َمجْ دُو ُل َم َك ِ‬


‫ان ال ِوشَاحْ‬ ‫باتَ نَدِيما ً ِل َ‬
‫ي حت َّى الصَّباحْ‬
‫‪4‬‬

‫فالتصريع هنا بين (الصَّباحْ ) و(ال ِوشَاحْ ) ‪ ،‬من أمثلة التصريع في شعر المتنبي ‪ ،‬قوله في‬
‫مدح سيف الدولة ‪:‬‬

‫‪5‬‬ ‫ِط َوا ٌل ولَ ْي ُل العا ِش ِقينَ َ‬


‫ط ِوي ٌل ‪.‬‬ ‫ش ُكو ُل‬ ‫ي بَ ْعدَ َّ‬
‫الظا ِعنِينَ ُ‬ ‫ليَال َّ‬

‫فصرع المتنبي بين ( شكول ) ‪ ،‬و( طويل ) وقد اتفق العروض والضرب ‪ ،‬في الوزن والروي‬
‫واإلعراب ‪.‬‬

‫‪1‬ـ ابن معصوم ‪ ،‬أنوار الربيع ‪. 195 / 5 ،‬‬


‫‪ 2‬ـ ينظر ‪ :‬قدامة ‪ ،‬نقد الشعر تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 52 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان البحتري ‪. 115 / 2 ،‬‬
‫‪ -5‬ديوان المتنبي بشرح العكبري ‪ ، 65/1 ،‬شكول ‪ :‬جمع شكل ‪ ،‬وشكل الشيء ‪ :‬مثله ‪ .‬الظاعنين ‪ :‬جمع ظاعن وهو المرتحل ‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫رابعا ً ‪ ،‬الترصيع ‪ :‬ع ّد قدامة بن جعفر الترصيع من نعوت الوزن وقال فيه ‪ " :‬وهو أن يتوخى‬
‫فيه تصيير مقاطع األجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف "‪،1‬‬
‫بمعنى أنه عبارة عن تقسيمات تحدث في الشعر لونا ً من التوازي الصوتي ‪ ،‬فهو " عنصر‬
‫بديعي ‪ ،‬وعامل إيقاعي يعمل على تحلية القصيدة ‪ ،‬فيضفي عليها شيئا ً من الرونق ‪ ،‬ويمنحها‬
‫نوعا ً من الومضات النغمية التي تجعل العملية اإليقاعية تتجدد "‪ ، 2‬وقد حرص ابن زيدون‬
‫بالعناية بالترصيع في شعره ليمنحه إيقاعا ً موسيقيا ً جميالً ‪ ،‬ومن أمثلته في شعره ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ــــــر ِويـــــا ً ‪ُ ،‬كـــ ال لُ ْهــ َذ ْم‬
‫ْ‬ ‫َو ُم‬ ‫ضيـــا ً ‪ُ ،‬كــــ ال ِم ْخـــ َذ ْم‬
‫َيــــا ُم ْر ِ‬

‫فابن زيدون يقسم البيت إلى أربعة أجزاء ‪ ،‬حيث نرى قسمين في الشطر األول ‪ ،‬وقسمين‬
‫في الشطر الثاني ‪ ،‬على هذا النحو ‪:‬‬

‫الشطر الثاني ( عجز البيت )‬ ‫الشطر األول ( صدر البيت )‬

‫ــــــــــــــــــــــ أ ــــــــــــــــــــــ ب‬ ‫ـــــــــــــــــ أ ــــــــــــــــــ ب‬

‫أن ( أ ) في الشطر األول تشكل ترصيعا ً مع ( أ ) في الشطر الثاني ‪ ،‬وتشكل ( ب )‬


‫حيث ا‬
‫في الشطر األول ترصيعا ً مع ( ب ) في الشطر الثاني‬

‫ــــــر ِويـــــا ً )‬
‫ْ‬ ‫ضيـــا ً ) ‪ ،‬ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( َو ُم‬
‫( َيــــا ُم ْر ِ‬
‫‪4‬‬
‫( ُكــــ ال ِم ْخـــ َذ ْم ) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪ُ ( ،‬كـــ ال لُ ْهــ َذ ْم )‬

‫يقوم هذا الترصيع على التجانس الصوتي ‪ ،‬ويشكل قافيةً داخلية ‪ ،‬تختلف عن القافية‬
‫الخارجية ‪ ،‬حيث أن القافية الخارجية تشكل بنا ًء عموديا ً ‪ ،‬أما القافية الداخلية ( الترصيع ) تشكل‬
‫بنا ًء أفقيا ً ‪ ،‬وإذا كانت القافية الخارجية " تحدث تنسيقا ً صوتيا ً موسيقيا ً خارج البيت ‪ ،‬فإن‬
‫الترصيع يحدث توازيا ً صوتيا ً داخله "‪ ، 5‬وقوله ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ســـــأل‬
‫ـــؤ ِ ّمـله ‪ ،‬مـــا َ‬ ‫َوأ َ ْع َ‬
‫طـــــى ُم َ‬ ‫فَلَقاــى ُمــنَا ِوئَهُ ‪ ،‬مـــا اتاـقَـــى‬

‫‪1‬ـ نقد الشعر ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬


‫‪ 2‬ـ تبرماسين ‪ ،‬عبد الرحمن ‪ ،‬البنية اإليقاعية للقصيدة الجزائرية ‪ ،‬دار الفجر للتوزيع والنشر ‪ ،‬ط‪ ، 2221 ، 2‬ص ‪. 211‬‬
‫‪3‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 121‬المخذم ‪ :‬السيف القاطع ‪ .‬لهذم ‪ :‬السنان الحادّ النفذ ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المصدر نفسه ‪. 121 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ السيد ‪ ،‬أحمد كامل ‪ ،‬البنيات األسلوبية في شعر ابن هانئ األندلسي ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ـ اإلسكندرية ‪ ، 2221‬ص‬
‫‪. 69‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ، 121 ،‬لقّاه الشيء ‪ :‬ألقاه إليه ‪ .‬المناوئ ‪ :‬المعادي المحارب ‪ .‬اتقى ‪ :‬خاف واحترس ‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫نالحظ ترصيعا ً رباعيا ً ‪ ،‬فالتفعيلة األولى تقابل التفعيلة الثالثة ‪ ،‬والتفعيلة الثانية تقابل‬
‫التفعيلة الرابعة ‪.‬‬

‫ـــؤ ِ ّمـله )‬ ‫( فَلَقاــى ُمــنَا ِوئَهُ ) ‪ ،‬ـــــــــــــــــــــــــــ ( َوأ َ ْع َ‬


‫طـــــى ُم َ‬

‫( مـــا اتاـقَـــــــى ) ‪ ،‬ــــــــــــــــــــــــــــ ( مـــا َ‬


‫ســــــــــــــــأل)‬

‫ومن مواضع الترصيع في شعر ابن زيدون ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫صلَ ْيتِنِي‬
‫ار بَ ْر ٌد ‪ِ ،‬ع ْن َد َما أ ْ‬
‫والنا ُ‬ ‫ش ْه ٌد ‪ ،‬ـ ِع ْند َما َج ار ْعتِنِي ـ‬
‫صب ُْر ُ‬
‫ال ا‬

‫س َم ابن زيدون البيت إلى أربع وحدات األولى والثانية في الشطر األول ‪ ،‬تقابل الثالثة‬
‫حيث ق ا‬
‫والرابعة في الشطر الثاني ‪ ،‬على هذا النحو ‪:‬‬

‫ـــــــــــر ٌد ( ‪) 3‬‬
‫ْ‬ ‫ش ْهــــ ٌد ) (‪ ،)1‬ــــــــــــــــــــــــــــــــ والنا ُ‬
‫ار بَ‬ ‫صب ُْر ُ‬
‫( ال ا‬

‫صلَ ْيتِنِي ( ‪) 4‬‬


‫ِع ْند َما َج ار ْعتِنِي ( ‪ ) 2‬ــــــــــــــــــــــــــــــ ‪ِ ،‬ع ْن َد َما أ ْ‬

‫هذه بعض نماذج الترصيع في شعر ابن زيدون ‪ ،‬التي اتخذها الشاعر أسلوبا ً في ديوانه ‪،‬‬
‫متأثر في هذا النهج بشعراء العصر العباسي فها هو أبو تمام يكثر من الترصيع‬
‫ٌ‬ ‫وهو كما يبدو‬
‫في شعره ومن ذلك قوله في المعتصم ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ب‬
‫ب ‪ ،‬في الله ُمرت ِغ ِ‬
‫لل ِه ُم ْرت ِق ٍ‬ ‫تص ٍم ‪ ،‬بالله ُم ْن ٍ‬
‫تقم‬ ‫تدبير ُم ْع ِ‬
‫ُ‬

‫نالحظ هنا أن أبا تمام يقسم البيت إلى أربع وحدات متساوية في الوزن ‪ ،‬ويشتمل كذلك على‬
‫قوافٍ داخلية ( الميم في الصدر ) ‪ ( ،‬والباء في العجز ) فيأتي التوازي في هذا البيت على شكل‬
‫ب ـ ت َ ِغ ٍ‬
‫ب ) ‪ ،‬ثم تتجاوب بقية التكرارات في‬ ‫تصم ‪ ،‬تقم ٍ) ‪ ،‬وكذلك ( ت ِق ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لوحة تشكيلية هي (‬
‫البيت لتشيع فيه الموسيقى ؛ كتكراره للفظ الجاللة ( بالله ‪ ،‬لله ‪ ،‬في الله مصاحبة لحروف الجر‬
‫‪ :‬الباء ‪ ،‬والالم ‪ ،‬وفي ) ‪.‬‬

‫وقد منحت تكرار صيغة اسم الفاعل البيت موسيقا صاخبة تتناسب مع قوة اسم الفاعل إذ‬
‫تتفاعل فيما بينها وتبعث إيقاعا ً داخليا ً منشؤه الفكرة وحركة النفس المنتشية ‪ .‬ويزخر ديوان أبي‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬


‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 11 / 1 ،‬‬
‫‪192‬‬
‫تمام بالترصيع ؛ ألن أبا تمام يركز على المحسنات التي تعطي ألشعاره صفة جمالية ‪ 1.‬وكذلك‬
‫كثر الترصيع في شعر البحتري ‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ب ‪ ،‬تَثَناى في ت َُّأو ِد ِه‬ ‫ِمثْ ِل القَ ِ‬
‫ضي ِ‬ ‫ِمثْ ِل ال َكثِي ِ‬
‫ب ‪ ،‬ت َ َعالى في ت ََرا ُك ِم ِه ‪،‬‬
‫نالحظ ا‬
‫أن البحتري يقسم البيت إلى أربع وحدات ‪ ،‬اثنتان في الصدر ‪ ،‬تقابلهما اثنتان في‬
‫العجز ‪ ،‬تتمثل هذا الشكل ‪:‬‬

‫عجز البيت‬ ‫صدر البيت‬

‫ــــــــــــــــــ أ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ب‬ ‫ـــــــــــــــــ أ ـــــــــــــــــــــــــــــــ ب‬

‫ب)‬ ‫(مثْ ِل القَ ِ‬


‫ضي ِ‬ ‫فـ ( أ ) في الصدر ( ِمثْ ِل ال َكثِي ِ‬
‫ب ) تـــــــــــــــــوازي ‪ ( ،‬أ ) في العجز ِ‬
‫وتشكل معها نوعا ً من السجع ‪.‬‬

‫و ( ب ) في الصدر (تَعَالى في ت ََرا ُك ِم ِه ) تـــــــــــوازي ‪ ( ،‬ب ) في العجز (تَثَناى في‬


‫ت َُّأو ِد ِه ) وتشكل معها نوعا ً من السجع أيضا ً ‪ .‬كما كان المتنبي يرصع في شعره ‪ ،‬كقوله في‬
‫سيف الدولة ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫يف ِم ْن أسْمائِ ِه‬
‫س ُ‬‫قُ َرنا ِئ ِه ‪ ،‬وال ا‬ ‫ساد ِه ‪ ،‬والنا ُ‬
‫صر ِم ْن‬ ‫الشمس ِم ْن ح ا‬
‫ُ‬

‫فالمتنبي يقسم البيت إلى ثالث وحدات متساوية ‪ ،‬األولى في الشطر ‪ ،‬والثانية بين الشطر‬
‫ساد ِه ) ‪ ،‬و(قُ َرنائ ِه) ‪،‬‬
‫والعجز ‪ ،‬والثالثة في العجز ‪ ،‬تشكل ثالث قوافي داخلية ‪ ،‬وهي (ح ا‬
‫(أسْمائه ) ‪ ،‬ونالحظ ا‬
‫أن هذه الكلمات الثالث تتفق في الوزن ‪ ،‬واألعراب ‪ ،‬والقافية ‪ ،‬وهي تمثل‬
‫هذا الشكل ‪:‬‬

‫ـــــــــــ ــــــــــ ب ‪ ،‬ـــــــــــــــــــ ج‬ ‫ـــــــــــــــــ أ ‪،‬‬

‫وقد منح تكرار حرف الجر و المبتدأ المتكرر البيت موسيقى صاخبة ‪ ،‬وإيقاعا ً داخليا ً‬
‫تتناسب مع كل سجعة في البيت ‪ ،‬وأتى الشاعر ببيت بعد هذا البيت ‪ ،‬قسم عجزه إلى ثالث‬
‫كلمات تقابل السجعات التي في البيت األول المتمثلة في خصال الممدوح ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ِم ْن ح ْسنِ ِه ‪ ،‬وإبائِ ِه ‪ ،‬ومضائِ ِه ؟‬ ‫أيْنَ الثاالثَةُ ِم ْن ثال ِ‬
‫ث ِخال ِل ِه ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ينظر ـ البداينة ‪ ،‬خالد فرحان ‪ ،‬التكرار في شعر العصر العباسي األول ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة مؤتة ـ األردن ‪ ، 2221 ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 166 / 1 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪. 1 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 1 / 1 ،‬الخالل ‪ :‬جمع خلة ‪ ،‬وهي الخصلة ‪ .‬إبائه ‪ :‬هو أن يأبى الذل فال يرضاه ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫فتكون على هذا النحو‪:‬‬

‫ألنها ‪ :‬تحسده في الحسن ‪،‬‬ ‫الشمس ِم ْن ح ا‬


‫ساد ِه ‪،‬‬ ‫ُ‬

‫ألنه ‪ :‬قرينه في اإلباء‪،‬‬ ‫صر ِمن قُ َرنائ ِه ‪،‬‬


‫والنا ُ‬

‫المضاء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫؛ ألن اسمه سيف الدولة ويشبهه في‬ ‫يف ِم ْن أسْمائه‬
‫س ُ‬‫وال ا‬

‫ِم ْن ح ْسنِ ِه ‪ ،‬وإبائِ ِه ‪ ،‬ومضائِ ِه ؟‬ ‫أيْنَ الثاالثَةُ ِم ْن ثال ِ‬


‫ث ِخال ِل ِه ‪:‬‬

‫ويقول المتنبي ‪ ،‬في مدح سيف الدولة ‪:‬‬

‫ً‪1‬‬
‫ش َرفا ً َ‬
‫ع ِظيما‬ ‫وت ُ ِ‬
‫عطي َم ْن َم َ‬
‫ضى َ‬ ‫فَت ُ ْع ِطي َم ْن بَقى ماالً َج ِسيما ً‬

‫ففي هذا البيت نالحظ أن الترصيع ثنائي ؛ أي أنه جاء بين شطري البيت ( الصدر‬
‫والعجز ) ‪ ،‬إذا نظرنا لحشو البيت ‪ ،‬وجعلناه فواصل ‪ ،‬نجده يحتوي على ترصيع رباعي ‪ ،‬حيث‬
‫كل كلمة في الصدر تقابلها أختها في العجز ؛ لتحدث معها تنويعا ً موسيقيا ً مؤثرا ً تطرب له‬
‫األسماع ‪ ،‬وتجذب انتباه القارئ أو المتلقي عن طريق إعادة اإليقاع الداخلي للشطرين ‪ ،‬فيقابل‬
‫كل كلمة في الشطر األول بكلمة من الشطر الثاني ‪ ،‬كما هو واضح في هذا الشكل ‪:‬‬

‫ـــــن بقــــــــــى ماالً َج ِسيـــــــــــــــــــما ً‬


‫َم ْ‬ ‫فَت ُ ْع ِطـــــــــــــــــــي‬

‫ع ِظيـــــــــــــــــــما ً‬
‫ضــــــى ش ََرفا ً َ‬ ‫َم ْ‬
‫ـــــن َم َ‬ ‫وت ُ ِ‬
‫عطــــــــــــــــــي‬

‫فهذا النسق التقابلي الذي استخدمه المتنبي ـ واستخدمه كل من أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ـ‬
‫نجده كثيرا ً في شعر ابن زيدون ‪ ،‬هكذا كان ابن زيدون متفقا ً مع الشعراء العباسيين الثالثة ‪ ،‬في‬
‫هذه األساليب ‪ ،‬ومن أمثلة هذا النسق المنتظم التقابلي في شعر ابن زيدون قوله ‪:‬‬

‫ضيــــــــــــا ً ُكـــــــــــــــ ال ِم ْخـــذ ْم‬


‫يَــــــــا ُم ْر ِ‬
‫‪2‬‬
‫ــــــر ِويــــــــــــــــا ً ُكـــــــــــــــ ال لُ ْهـــــ َذ ْم‬
‫ْ‬ ‫َو ُم‬

‫فمرضيا ً في الصدر تقابل مرويا ً في العجز ‪ ،‬وك ال تقابل ك ال ‪ِ ،‬‬


‫ومخذم تقابل لهذم ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬

‫‪ 1‬ديوان المتنبي ‪ ، 5 / 1‬الجسيم ‪ :‬العظيم الكبير ‪.‬‬


‫‪2‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪. 121 ،‬‬
‫‪192‬‬
‫ب ‪ ،‬ا ْبت َــــــــــــــــــــ ِس ْم‬ ‫يَـــــا بَ ِهيـــــ َج ‪ ،‬ال ُخلُـــ ِ‬
‫ق العَــــــذ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ـــــــــــــــــس‬
‫ِ‬ ‫ب ‪ ،‬اعْبـ ِ‬
‫صــــ ْع ِ‬
‫ـــف ال ا‬
‫َيـــــا ُم ِهيــــ َج ‪ ،‬اآلنِ ِ‬

‫فقوله ‪ :‬يا بهيج في الشطر األول تتفق مع يا مهيج ‪ ،‬والعذب تتفق مع الصعب ‪ ،‬وتشكل‬
‫قوافٍ داخلية ‪.‬‬

‫ومن األمثلة السابقة نستنتج أن الترصيع كعنصر من عناصر الموسيقى يثري موسيقى‬
‫الشعر ‪ ،‬ويعطيها جرسا ً إيقاعيا ً تطرب له األسماع وتحرك مشاعر المتلقي وقد استخدمه ابن‬
‫زيدون في شعره بكثرة ‪ ،‬وهذا يدل على تمكنه من الشعر ‪ ،‬وقدرته على التنويع الموسيقي الذي‬
‫يطرب المتلقي ‪ .‬ومن ناحية أخرى يدل على عمق تأثره بشعراء العصر العباسي الذين أبدعوا‬
‫في هذا الفن أيما إبداع ‪ ،‬متفننين فيه غاية التفنن ‪ ،‬وقد رأينا كيف برع فيه كل من أبي تمام ‪،‬‬
‫والبحتري ‪ ،‬والمتنبي وأكثروا منه في دواوينهم ‪ ،‬وما ذكرنا لبعض أبياتهم المرصعة إالا تمثيالً ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ ،‬حسن التقسيم ‪ :‬وهو " عبارة عن استيفاء المتكلم أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه "‪، 2‬‬
‫وحسن التقسيم ‪ :‬يقوم على تقسيم الكلمات على أساس الوزن بحيث تمثل هذه الكلمات وحدات‬
‫موسيقية لها أثرها على أذن المتلقي ‪ ،‬وتحقق للبيت جرسا ً موسيقيا ً ‪ ،‬وبخاصة إذا اتفقت هذه‬
‫( الوحدات الموسيقية ) في نهايتها ‪.3‬ومن األمثلة ‪ ،‬على حسن التقسيم في شعر ابن‬ ‫الكلمات‬
‫زيدون قوله في المظفر ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ث َ ِق ْي ُ‬
‫ف العَ ِز ِيم إذا ما ا ْعت َزَ ْم‬ ‫اء‬
‫ب اإلبَ ِ‬ ‫َذلُو ُل ال اد َماث ِة َ‬
‫ص ْع ُ‬

‫ومن حسن التقسيم قوله فيه أيضا ً ‪:‬‬

‫ْ‪5‬‬
‫سل‬
‫ف يُ َ‬
‫س ْي ٌ‬
‫يض ‪ ،‬و َ‬
‫وبَحْ ٌر يَ ِف ُ‬ ‫ــــــر ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫س ت ُنِ ْي‬ ‫غ َما ٌم ي ُِطـ ُّل ‪ ،‬و َ‬
‫ش ْم ٌ‬ ‫َ‬

‫أديب ال َج َد ْل‬
‫ُ‬ ‫وار ‪،‬‬
‫الح ِ‬ ‫سماحِ ‪ ،‬لَ ِط ُ‬
‫يف ِ‬ ‫قَ ِسي ُم ال ُمحياا ‪َ ،‬‬
‫ض ُحوكُ ال ا‬

‫فالشاعر في هذه األبيات جمع معظم صفات المظفر ال ُخلُقية وال َخ ْلقية في إطار موسيقي‬
‫رائع ‪ ،‬حيث عمد الشاعر في البيت األول إلى تعداد صفات الممدوح ال ُخلُقية محدثا ً موازنةً‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪. 212 ،‬‬


‫‪2‬ـ خزانة األدب وغاية األرب ‪. 292 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ ينظر ‪ :‬دعدور ‪ ،‬أشرف علي ‪ ،‬الصورة الفنية في شعر ابن دراج القسطلي األندلسي ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ‪،‬القاهرة( د ‪ .‬ت ) ‪ ،‬ص‬
‫‪. 219‬‬
‫‪4‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪ ، 112‬ذلول ‪ :‬سهل لين ‪ .‬الدماثة سماحة الخلق ‪ .‬الثقيف ‪ :‬الحاذق الفطن اللبيب ‪ .‬العزيمة ‪ :‬اإلرادة‬
‫والتصميم ‪.‬‬
‫‪5‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 121‬قسيم المحيا ‪ :‬جميل الوجه ‪.‬الحوار ‪ :‬الجواب والمراجعة ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫صوتية متناسقة تتمثل في تقسيم البيت إلى أربع جمل متساوية ‪ ،‬في الوزن واإلعراب ‪ ،‬متكئا ً‬
‫في كل جملة على مبتدأ مفرد مرفوع ‪ ،‬وجملة فعلية ‪ ،‬فعلها مضارع فاعله ضمير مستتر ‪،‬‬
‫معتمدا ً على تكرار حرف العطف ( الواو ) فهذا التقسيم المتنوع والتوازن بين األسماء واألفعال‬
‫جرس موسيقي أضفى على شعره إيقاعا ً متنوعا ً ‪ ،‬اتسم بالحالوة والرشاقة ؛‬
‫ٍ‬ ‫‪ ،‬أسهم في إحداث‬
‫معان وأفكار ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وليجذب المتلقي ‪ ،‬ويقنعه بما جاء في شعره من‬

‫أما في البيت الثاني فعدد فيه صفات الممدوح ال َخ ْلقية ‪ ،‬معتمدا ً على جمل متناسقة مقسمة‬
‫متلهف على إضفاء هذه الصفات على‬
‫ٌ‬ ‫متكئا ً على الفواصل دون العطف بـ ( الواو )‪ ،‬كأنه‬
‫الممدوح ‪ ،‬يريد أن ينطق بها جميعا ً في آن واحد ‪ ،‬وقد أبدع ابن زيدون في وصف ممدوحه ‪،‬‬
‫وأبدع في العناية بإيقاعه ‪ .‬ومن حسن التقسيم في شعر ابن زيدون ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫وإفادة ً وإنافةً و َج َماالً‬ ‫أ اما ( الثُّرياا ) فالثرياا نِسْبةً‬

‫تتضح عناية ابن زيدون بالتقسيم الداخلي واإليقاع الموسيقي بين الكلمات ‪ ،‬فقد أتى بلفظة‬
‫( الثُّريا ) فألحقها بنفسها فجاءت مكررة في اللفظ والمعنى ‪ ،‬فالشاعر حينما يعمد إلى التقسيم ‪،‬‬
‫ينوع في عناصر موسيقاه ففي هذا الشطر نجد التكرار ‪ ،‬أو الجناس التام بين ( الثُّريا ) ‪ ،‬و‬
‫( الثُّريا ) ثم يقسم باقي البيت إلى أربع كلمات ‪ ،‬ثالث كلمات متفقة وهي ( نصبةً ‪ ،‬وإفادة ً ‪،‬‬
‫وإنافةً ) ‪ ،‬ثم الرابعة المخالفة ‪ ،‬وهي ( جماالً ) ‪ ،‬فهذه الكلمات المرتبة تعطي البيت إيقاعا ً‬
‫صوتيا ً رائعا ً ‪ ،‬باإلضافة إلى تكرار حرف العطف ( الواو ) الذي يوحي بتعدد صفات الممدوح‬
‫معين داخل البيت ‪ ،‬فبالتالي يسهم في زيادة‬
‫ٍ‬ ‫وكثرتها ‪ ،‬كما يعمل هذا التكرار على ترديد إيقاعٍ‬
‫موسيقاه الداخلية ‪ .‬ومن حسن التقسيم ‪ ،‬في شعر ابن زيدون ـ الذي مزجه بالطباق ـ قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫س ‪ ،‬والنا َدى يتغيا ُم‬
‫وال ِب ْش ِر يُ ْش ِم ُ‬ ‫بالقَد ِْر َي ْبعُ ُد ‪ ،‬والتاوا ُ‬
‫ضعِ َي ادنِي‬

‫تظهر عناية الشاعر باإليقاع الداخلي المتمثل في هذه الجمل المتساوية ‪ ،‬وتكرار حرف‬
‫العطف ( الواو ) الذي ينتج عن ترديد إيقاع معين يتكرر بانتظام ‪ ،‬كما نالحظ هذا النسق‬
‫المنتظم بين األسماء واألفعال ‪ ،‬التي يمكننا أن نصنفها على هذا النحو ‪:‬‬

‫‪ ،‬يُ ْش ِم ُ‬
‫س ‪ ،‬يتغيا ُم ‪.‬‬ ‫األسماء ‪ :‬القدر‪ ،‬التواضع ‪ ،‬البشر ‪ ،‬الندى ــ األفعال ‪ :‬يَ ْبعُ ُد ‪ ،‬يدنِي‬

‫باإلضافة إلى هذا الطباق الرائع بين هذه األفعال ( يبعد ‪ ،‬ي ادني ) ‪ ،‬و ( يشمس ‪ ،‬يتغيم )‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ 522‬اإلنافة ‪ :‬اإلشراف ‪ ،‬يقال ‪ :‬أناف على الشيء ‪ :‬أشرف عليه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪191‬‬
‫ومن حسن التقسيم ‪ ،‬في شعره ـ والذي مزجه بالجناس ـ قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ور ثِغَ ُ‬
‫اب‬ ‫ويُ ْمنَاكَ َبحْ ٌر ‪ ،‬والبُ ُح ُ‬ ‫ُور أهِلاة ‪،‬‬
‫ُم َحيااكَ َبد ٌْر ‪ ،‬والبُد ُ‬

‫نالحظ هذا التناسق في الجمل والعبارات ‪ ،‬والتكرار المتمثل في حرف العطف ( الواو) ‪،‬‬
‫والبحور) ‪ ،‬ونالحظ أيضا ً األفراد‬
‫ُ‬ ‫بحر ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫البدور ) ‪ ،‬وبين (‬
‫ُ‬ ‫بدر ‪ ،‬و‬
‫وكذلك الجناس بين ( ٌ‬
‫والجمع ‪ ،‬بدرـــــــــــ بدور ‪ ،‬بحر ــــــــــــــــــــ بحور ‪ .‬كما نالحظ التناغم بين أول كلمة‬
‫في الشطر األول ( ُمحيااك ) ‪ ،‬وبين أول كلمة في الشطر الثاني ( يمناك ) ؛ لتشكال ترصيعا ً في‬
‫بداية كل شطر ‪ .‬وقد تتبعنا جل قصائده ‪ ،‬فال نكاد نرى قصيدة ً له تخلو من البديع ‪ ،‬والذي فيما‬
‫يبدو إنه تأثر فيه بشعراء البديع في العصر العباسي ‪ ،‬ولعل من أكثر عناصر الموسيقى الداخلية‬
‫في شعر ابن زيدون حسن التقسيم ‪ ،‬وهذا النهج ـ فيما يبدو ـ تأثر فيه بأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪،‬‬
‫والمتنبي ‪ ،‬حيث ولعوا به في أشعارهم ‪ ،‬فمن أمثلته في شعر أبي تمام ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫صحْ ٌو يَكا ُد من الغَضارةِ ي ُْم ِط ُر‬ ‫حو منهُ وبَ ْع َدهُ‬
‫ص ُ‬ ‫ط ُر يَذُ ُ‬
‫وب ال ا‬ ‫َم َ‬
‫ض َم ُر‬ ‫لَكَ َوجْ ُههُ ‪ ،‬والصاحْ ُو غ ٌ‬
‫َيث ُم ْ‬ ‫َيثان فاألنوا ُء غ ٌ‬
‫َيث ظاه ٌِر‬ ‫غ ِ‬
‫حيث إن التقسيم في بيت أبي تمام الثاني ‪ ،‬المتمثل في قوله في آخر الشطر األول (غ ٌ‬
‫َيث‬
‫ض َم ُر) ‪ ،‬وثمة ملحوظة هامة أشار إليها ‪.‬خالد فرحان‬ ‫ظاه ٌِر ) ‪ ،‬و آخر الشطر الثاني (غ ٌ‬
‫َيث ُم ْ‬
‫البداينة ‪ ،‬وهي ‪ " :‬أن التقسيم لم يقصد لذاته بل يكشف عن شكل خاص من اإليقاع ‪ ،‬وكذلك بنية‬
‫التوازي التي تشكلت من هذا التقسيم "‪} . 3‬غيثان { ‪ ( :‬فاألنواء غيث ظاهر)‪ ( ،‬والصحو غيث‬
‫مضمر)‪ .‬جعل أبو تمام " من تكرار الغيث إبداعا ً في الموسيقا والداللة ‪ ،‬وهذه الثنائيات هي‬
‫محرك اإليقاع واإلبداع "‪ 4‬باإلضافة إلى جمال البديع المتمثل في الجناس بين ( مطر‪ ،‬ويمطر )‬
‫‪ ،‬و ( الصحو‪ ،‬و صحو ) ‪ ،‬و ( غيث ) ‪ ،‬و غيث ) ‪ ،‬وكذلك الطباق بين ( ظاهر ‪ ،‬ومضمر )‪.‬‬
‫و من حسن التقسيم في شعره ‪ ،‬فمن ذلك ‪ ،‬قوله في مدح المتوكل ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫يض ت َْل َم ُع ‪ ،‬واأل ِسنَّةُ ت َْزه َُر‬
‫والبِ ُ‬ ‫س تُدّ ِعي ؛‬
‫ص َه ُل ‪ ،‬والفَ َو ِار ُ‬
‫فال َخ ْي ُل ت َ ْ‬

‫حيث إن البحتري قسم البيت إلى أربع فقرات متساوية ‪ ،‬وقد جمع في كل فقرة بين مبتدأ‬
‫مفرد مرفوع ‪ ،‬وخبر جملة فعلية فعلها مضارع ‪ ،‬فاعلها أو نائبه ضمير مستتر يعود على المبتدأ‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 199‬الثغاب ‪ :‬جمع ثغب وهو الغدير في ظل جبل ال ت ناله شمس ؛ فيبرد ماؤه ‪ ،‬فليس شيء أصفى منه أو أبرد‪.‬‬
‫‪2‬ـ ديوان أبي تمام ‪ ، 112 / 1 ،‬الصحو ‪ :‬غب المطر ‪.‬‬
‫‪3‬ـ التكرار في شعر العصر العباسي األول ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪4‬ـ المرجع نفسه ‪،‬ص‪. 19‬‬
‫‪5‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬تحقيق حسن كامل الصيرفي ‪ ، 1292 / 2 ،‬تدَّعي ‪ :‬تعتز بأنسابها ‪ .‬البيض ‪ :‬السيوف ‪ .‬تزهر ‪ :‬تلمع ‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫‪ .‬معتمدا ً على تكرار حرف العطف ( الواو ) في كل فقرة ؛ ليسهم في ترديد إيقاع ثابت منتظم ‪.‬‬
‫ومن أمثلة حسن التقسيم في شعر المتنبي قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يف الناسبْ‬ ‫الج ِر ا‬
‫شى ‪ ،‬ش َِر ُ‬ ‫َك ِر ْي ُم ِ‬ ‫أغر اللاقَبْ‬
‫باركُ االس ِْم ‪ُّ ،‬‬
‫ُم َ‬

‫حيث يقسم المتنبي البيت إلى أربعة أجزاء متساوية ‪ ،‬جاعالً كل اثنين في شطر ‪ ،‬ويتكون‬
‫كل جزء من أسمين نكرة ومعرفة ‪ ،‬أي مضاف ومضاف إليه ‪ ،‬وقد أعطى هذا التركيب‬
‫اإلضافي ـ باإلضافة إلى التصريع بين (اللقب ‪ ،‬والنسب ) ـ البيت إيقاعا ً رائعا ً يتكرر في كل‬
‫فقرة ‪.‬ومن التقسيم في شعر المتنبي قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اربا‬
‫ض ِ‬‫ْأو َجحْ فالً ْأو طا ِعنا ً أو َ‬ ‫إن ْتلقَهُ ال ْتلقَ إالا قَ ْس َ‬
‫طالً‬ ‫ْ‬

‫ْأو َرا ِهبـا أو ها ِلكـا أو نا ِدبــا‬ ‫طا ِلبا ً ْأو َرا ِغبا ً‬
‫اربا ً أو َ‬
‫ْأو َه ِ‬

‫فالكلمة المركزية بدأ بها البيتين ْ‬


‫(إن تلقه ) ‪ ،‬وقد جانس بينها وبين ( ال تلقَ ) المنفية ‪،‬‬
‫ليستثني ما يلقاه بعد أداة االستثناء ( إالا ) عدة كلمات مفردة متوالية ‪ ،‬فاصالً بينها بحرف‬
‫العطف ( أو ) معددا ً أحوال الناس من الممدوح فال تلقى إالّ هاربا ً من جيشه ‪ ،‬أو طالبا ً رفده ‪،‬‬
‫أو راغبا ً في مسألته ‪ ،‬أو راهبا ً خائفا ً من بأسه ‪ ،‬أو هالكا ً مقتوالً بسيفه ‪ ،‬أو نادبا ً على قتيل له‬
‫من األسارى الذين قد أسرهم ‪ ،‬وقد أعطى تكرار حرف العطف إيقاعا ً منتظما ً ‪ ،‬إالا أنه يشعرنا‬
‫بالملل إلطالته حيث أن الصفات المفردة المتكررة عشر صفات ‪.‬‬

‫ولعل من الطريف الذي الحظناه في الشعر العباسي ‪ ،‬خاصة عند شعرائنا الثالثة ‪ ،‬هي‬
‫ذكر الشيء معدودا ً ثم يفصل ويقسم في البيت ‪ ،‬كقول أبي تمام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ض َم ُر‬ ‫لَكَ َوجْ ُههُ ‪ ،‬والصاحْ ُو غ ٌ‬
‫َيث ُم ْ‬ ‫َيثان فاألنوا ُء غ ٌ‬
‫َيث ظاه ٌِر‬ ‫غ ِ‬

‫صل ذلك بقوله ‪( :‬غيث ظاهر) ‪ ،‬و( غيث مضمر ) ‪ ،‬وقوله أيضا ً ‪:‬‬
‫فعندما ‪ ،‬قال ‪( :‬غيثان ) ف ا‬
‫‪4‬‬
‫والقلم‬
‫ِ‬ ‫السيف‬
‫ِ‬ ‫حصائ َد المرهفَ ِ‬
‫ين ‪:‬‬ ‫لوال مناشدة ُ القُربى لغا َد َركم‬

‫فعندما يذكر أبو تمام ( المرهفين ) معدودا ً بالتثنية ‪ ،‬يفصل ذلك فيقول ( السيف ‪ ،‬والقلم ) ‪.‬‬
‫ومن أمثلته في شعر البحتري قوله ‪:‬‬

‫الج ْرشي ‪ :‬النفس ‪ .‬واللقب ‪ :‬ما ينبز به الرجل ‪.‬‬


‫‪1‬ـ ديوان المتنبي ‪ِ ، 66 / 1 ،‬‬
‫‪2‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 129 ، 121‬القسطل ‪ :‬الغبار ‪ ،‬الجحفل ‪ :‬الجيش العظيم ‪. .‬‬
‫‪3‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 112 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان أبي تمام ‪. 61 / 2 ،‬‬
‫‪191‬‬
‫ووشي ب ُُرود‬ ‫يِ‬ ‫ان و ْش ُ‬
‫ي ُرب ّ‬ ‫و ْشيَ ِ‬ ‫في ُحلّت َْي ‪ِ :‬حبَر َ‬
‫ور ْوض ‪ ،‬فالت َقَى‬
‫‪1‬‬
‫ُ‬

‫ووردُ ُخدُود‬
‫نى ْ‬‫دان ‪َ :‬و ْردُ َج ً‬
‫َو ْر ِ‬ ‫ُون راقَها‬
‫عي ٌ‬‫سفَ ْرنَ ‪ ،‬فامتألت ُ‬
‫و َ‬

‫وشي بُرود ) ‪ ،‬وعندما يقول ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ي ِ ) و(‬ ‫فعندما يقول وشيان ‪ :‬يقسمهما إلى ‪ ( :‬و ْش ُ‬
‫ي ُرب ّ‬
‫وردُ خدُود ) ‪.‬وقوله أيضا ً ‪:‬‬‫جنى ) و( ْ‬
‫ً‬ ‫وردان ‪ ،‬يقسمهما إلى ‪َ ( :‬و ْردُ‬

‫‪2‬‬
‫ُخاف وي ُْر َجى ِل ِكال حالَتَي ِْن ‪ :‬نَ ْفع ‪ ،‬و َ‬
‫ض ِ ّر‬ ‫ف ‪،‬ي ُ‬ ‫ُمتْ ِل ٌ‬
‫ف ‪ُ ،‬م ْخ ِل ٌ‬

‫وضر ) ‪.‬ومثاله في شعر المتنبي ‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫فلما قال ‪ ( :‬حالتين ) ‪ ،‬قسمها إلى ( نفعِ ) ‪ ،‬و (‬

‫‪3‬‬
‫يف ِم ْن أسْمائه‬
‫س ُ‬‫قُ َرنائ ِه ‪ ،‬وال ا‬ ‫ساد ِه ‪ ،‬والنا ُ‬
‫صر ِم ْن‬ ‫الشمس ِم ْن ح ا‬
‫ُ‬

‫ِم ْن ح ْسنِ ِه ‪ ،‬وإبائِ ِه ‪ ،‬ومضائِ ِه ؟‬ ‫أيْنَ الثاالثَةُ ِم ْن ثال ِ‬


‫ث ِخـــــــال ِل ِه ‪:‬‬

‫فحينما يذكر الخصال الثالث ‪ ،‬يعددها على هذا النحو ‪ 1 :‬ـ ( ح ْسنِ ِه ) ‪ 2‬ـ ( وإبائِ ِه )‬
‫‪ 3‬ـ ( ومضائِ ِه ) ‪.‬وقوله أيضا ً ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫كر ُه ُم َو ْق ُ‬
‫ف‬ ‫ش ُ‬ ‫فناَئِلُهُ َو ْق ٌ‬
‫ف‪،‬و ُ‬ ‫ُوقُوفَي ِْن في و ْقفي ِْن ‪ُ :‬‬
‫ش ْك ٍر ونائ ٍل‬

‫فالوقفان ‪ :‬هما ( الشكر) ‪ ،‬و ( النائل ) ‪.‬وقوله كذلك ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫س ِ ّر وال َع َل ِن‬
‫اح ُد الحالَتين ِ‪ :‬ال ا‬
‫والو ِ‬
‫َ‬ ‫ض ُّر بِ ِه‬ ‫ألقائ ُل ال ا‬
‫صدقَ فيه ما يَ ُ‬
‫صلهما إلى ( السر ‪ ،‬والعلن ) ‪ ،‬وإذا انتقلنا إلى شعر ابن زيدون وجدنا‬
‫فلما قال الحالتين ‪ :‬ف ا‬
‫أمثلة كثيرة من هذا النوع ‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫القرب والبع ُد‬
‫ُ‬ ‫اان منها في الهوى ‪:‬‬
‫سي ِ‬‫فَ َ‬ ‫يمانِيّةٌ تدنو ‪ ،‬ويَ ْنأَى َمزَ ُ‬
‫ارها‬

‫فالسياان هما ( القرب ) و( البعد ) ‪.‬ومنها ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫ْحان ‪( :‬ماضي ال َه ِ ّم ) ‪ ،‬أو ( فَاتِكٌ َج ْل ُد )‪.7‬‬


‫شي ُ‬ ‫فَ َ‬ ‫أَبٌ ذو ا ْعتِ ٍ‬
‫زام ‪ ،‬أو أ ٌخ ذو ت َ ُّ‬
‫سرعٍ‬

‫‪1‬ـ ديوان البحتري ‪ ،‬المجلد الثاني ‪ ،‬ص‪ ، 169 ، 169‬بذي األراك ‪ :‬واد قرب مكة ‪. .‬‬
‫‪2‬ـ ديوان البحتري ‪. 1292 ،‬‬
‫‪3‬ـ ديوان المتنبي ‪. 1 / 1 ،‬‬
‫‪4‬ـ ديوان المتنبي ‪. 291 / 2‬‬
‫‪5‬ـ ديوان المتنبي ‪ ، 211 / 1 ،‬السر ‪ :‬ما يسره اإلنسان ‪ .‬العلن ‪ :‬ضده ‪ .‬أضر به ‪ :‬حمله على الضر ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ‪ ،‬ص‪. 151‬‬
‫‪7‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 151‬شيحان ‪ :‬غيور أو طويل ‪ .‬ماضي الهم ‪ :‬صارم العزم ‪ .‬فاتك ‪ :‬مقدام جسور جلد ‪ :‬صلب متين ‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫ومنها ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(و َج ْل)‬
‫دم ) ‪ ،‬أو َ‬
‫ع ٍ‬‫َان ‪ِ :‬م ْن ( َ‬
‫أ َمان ِ‬ ‫مى ال َيزَ ا ُل ِل َم ْن َحلاهُ‬
‫ِح ً‬

‫ومن ذلك ‪ ،‬قوله ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫مان ‪ ( :‬األ ُ الوة ُ ) ‪ ،‬و( النا ْد )‬
‫تَنَاثى النا ُمو ِ‬ ‫سرى ُج ْن َح ل ْي ِلها‬ ‫إذا ا ْستُحْ ِف َ‬
‫ظ ْ‬
‫ت ِس ار ال ُّ‬

‫هذه أهم عناصر الموسيقى الداخلية في شعر ابن زيدون ‪ ،‬التي تأثر فيها بشعراء العصر‬
‫العباسي ‪ ،‬ولم تكن وحدها فقد كان شعره يحوي بعض العناصر األخرى كالتكرار‪ ،‬ورد‬
‫الصدور على األعجاز ‪ ،‬والتدوير ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬

‫‪1‬ـ المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 125‬ال َعدَم والعُدم ‪ :‬الفقر ‪.‬الوجل ‪ :‬الخوف ‪.‬‬
‫األلوة ‪ :‬عود يتبخر به ‪ ،‬النِّد ‪ :‬ضرب من الطيب ‪.‬‬
‫‪ ،2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ . 151‬تناثى ‪ :‬تحدث أي أشاع الحديث ‪َّ ،‬‬
‫‪199‬‬
‫الخـاتـــمــــــــة‬
‫ْ‬
‫تناولت هذه الدراسة أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر‬
‫ابن زيدون ‪ ،‬وأوضحت كيفية وصول األدب المشرقي إلى األندلسي ‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫مجموعة من النقاط ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الفتوحات اإلسالمية ‪ ،‬التي تعد بدايات اتصال األندلسيين بالمشرق ‪ ،‬حيث دخل مع الفاتحين‬
‫نفر من العلماء والفقهاء واألدباء ‪ ،‬بل كان منهم من شارك في تلك الفتوحات كالشاعر أبي‬
‫الخطار ‪ ،‬حسام بن ضرار ‪ ،‬وكان فارسا ً شجاعا ً لُ ِقّ َ‬
‫ب بعنترة األندلس ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الرحالت ‪ ،‬من وإلى األندلس ‪ ،‬حيث وفد على األندلس نفر من الشخصيات األدبية واللغوية‬
‫والدينية ‪ ،‬وبعض المثقفين الذين كان لهم دور في نقل الثقافة المشرقية إلى األندلس ‪ ،‬كالمغني‬
‫زرياب ‪ ،‬وأبي علي القالي ‪ ،‬وغيرهما من الشخصيات ‪ .‬وفي المقابل رحل نفر من األندلسيين‬
‫إلى المشرق حجاجا ً وطالب ٍ‬
‫علم ‪ ،‬فالتقوا بعلماء المشارقة ‪ ،‬وأدبائهم ‪ ،‬وشعرائهم ؛ ليأخذوا‬
‫عنهم علومهم وأشعارهم ‪ .‬كعثمان بن المثنى الذي رحل إلى األندلس ‪ ،‬فلقي أبا تمام فقرأ عليه‬
‫شعره وأدخله إلى األندلس ‪.‬‬

‫ومما أسهم في نقل الثقافة المشرقية إلى األندلس إقبال األندلسيين على تلك الثقافة المستوردة‬
‫من المشرق ‪ ،‬وقد أتاح األمويون وخاصة في عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر‬
‫فرصا ً عظيمة ليقبلوا على الدراسات العلمية ‪ ،‬فأحدث كل هذا نهضة علمية وفكرية في األندلس‬
‫فبرز في ذلك اإلقليم الكثير من الشعراء واألدباء والعلماء ‪ ،‬ومن بين هؤالء الشعراء ابن زيدون‬
‫‪ ،‬الذي تبن من خالل البحث أنه تأثر تأثرا ً واسعا ً بأبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬وليس‬
‫شاعر كابن زيدون ‪ ،‬أن يكون قد اطلع على دواوين هؤالء الشعراء الثالثة ‪ ،‬وارتوى‬
‫ٍ‬ ‫غريبا ً من‬
‫من ثقافتهم األصيلة ‪ ،‬وال سيما أنه شاعر ينتمي إلى قبيلة مخزوم القرشية ‪.‬‬

‫وكل هذا قد تناوله البحث في التمهيد ‪ ،‬ثم انطلق البحث لدراسة الفصل األول وهو " أثر‬
‫شعراء العصر العباسي ( أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ) في شعر ابن زيدون من حيث‬
‫المضمون " ‪ ،‬وقد جاء هذا الفصل في ثالثة مباحث كلها في صميم التأثيرات التي نحن بصددها‬
‫‪ ،‬فالمبحث األول يتمثل في دراسة أثر معاني أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي في شعر ابن‬
‫زيدون ‪ ،‬وقد اتضح للباحث أن هناك تأثيرات كثيرة لمعاني هؤالء الشعراء على ابن زيدون ‪،‬‬
‫وقد جاءت هذه المعاني بنسب متفاوتة ‪ ،‬فكان البحتري األكثر تأثيرا ً في معاني ابن زيدون ‪ ،‬ثم‬

‫‪196‬‬
‫المتنبي ‪ ،‬ثم أبو تمام ‪ ،‬وقد جاءت هذه المعاني في شكل إشارات جزئية إلى أبيات مشهورة عند‬
‫هؤالء الشعراء ‪.‬‬
‫وتناول المبحث الثاني معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪،‬‬
‫فتبين من خالل البحث أن البن زيدون معارضات كثيرة لقصائد أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪،‬‬
‫والمتنبي ‪ ،‬وقد تفاوتت المعارضات بين التامة والناقصة ‪ ،‬وذلك حسب االتفاق في العناصر‬
‫األساسية للمعارضة ‪ ،‬المتمثلة في ( الغرض ‪ ،‬والوزن ‪ ،‬والقافية ‪ ،‬وحركة الروي ) ‪ ،‬كما تبين‬
‫من خالل المعارضات أن الشاعر تأثر بهؤالء الشعراء الثالثة ‪ ،‬في كثير من األساليب البالغية‬
‫‪ ،‬والنحوية ‪ ،‬والصرفية ‪ ،‬وتأثر بهم في فكرة مدح القصائد ‪ ،‬وال سيما عند أبي تمام الذي اشتهر‬
‫بمدحه لقصائده والثناء عليها في ختام القصيدة ‪ ،‬كما برزت لدى الشاعر األنا في شعره ‪،‬‬
‫واالعتداد بالنفس ‪ ،‬واإلشادة بها ‪ ،‬وهو نهج اشتهر به المتنبي ‪ ،‬وبخاصة في مدائحه لكافور‬
‫اإلخشيدي ‪ ،‬التي تسودها المجاملة في بعض األحيان ‪ ،‬فيجعل المديح لذاته ‪ ،‬ال للممدوح ‪ ،‬ومن‬
‫خالل تتبعنا ألغراض القصائد التي عارضها ابن زيدون ‪ ،‬اتضح أن أغلب القصائد كانت في‬
‫غرض المديح ‪ ،‬ولعل الغرض من ذلك ‪ ،‬أن ابن زيدون يريد أن يظهر بمظهر المتمكن أمام‬
‫ممدوحه ‪ ،‬واتضح أن أشهر تلك القصائد كانت موضع اهتمامه في معارضاته الشعرية ‪ ،‬وقد‬
‫جاءت هذه المعارضات بنسب متقاربة بين أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬واتفق ابن زيدون‬
‫مع البحتري في الحنين إلى المحبوبة ‪ ،‬واتفق مع أبي تمام والمتنبي في مدح القصيدة ‪.‬‬
‫وقد تناول المبحث الثالث " تضمينات ابن زيدون ألبيات أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي "‬
‫‪ ،‬وهي تضمينات جزئية ألبياتهم الشعرية ‪ ،‬فلم يضمن قصائده بيتا ً تاما ً من أبياتهم سوى بيتين‬
‫للمتنبي ‪ ،‬وال شك في أن المعارضة والتضمين أكبر دليل على قوة التأثر والمتابعة ألشعارهم ‪،‬‬
‫ب متفاوتة ‪ ،‬فكان المضمن من شعر البحتري ‪ ،‬والمتنبي‬
‫واإلعجاب بها ‪ ،‬وقد ورد التضمين بنس ٍ‬
‫أكثر حظا ً في شعر ابن زيدون ‪ ،‬من أبي تمام ‪.‬‬

‫أما في الفصل الثاني فخصص لدراسة" أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪،‬‬
‫والمتنبي ) في شعر ابن زيدون من حيث الشكل " ‪ ،‬حيث درست فيه تلك الخصائص الفنية‬
‫المشتركة بين ابن زيدون والشعراء العباسيين في ضوء كالم النقاد والدارسين ‪ ،‬وتبين أن شعر‬
‫ابن زيدون شارك شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي في أبرز الخصائص التي اتسم بها الشعر ‪،‬‬
‫كبناء القصيدة ‪ ،‬والمحسنات الشعرية ‪ ،‬وقد تناول هذا الفصل ثالثة مباحث ‪ ،‬فالمبحث األول‬
‫خصص لدراسة أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون بناء القصيدة فالحظ الباحث‬
‫اتفاق ابن زيدون مع أبي تمام ‪ ،‬والبحتري ‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬في بناء القصيدة المركبة من حيث‬

‫‪162‬‬
‫العناية بالمطلع ‪ ،‬وحسن التخلص ‪ ،‬والخاتمة ‪ ،‬فالمطلع يعنى فيه باختيار األلفاظ وجمال‬
‫الصياغة ‪ ،‬وغالبا ً ما يشتمل على المجانسة والمطابقة أو الترصيع أو التصريع وغيرها ‪،‬‬
‫واستهلوا قصائدهم بالغزل ‪ ،‬أو الحديث عن الخمرة ‪ ،‬أو وصف الطبيعة ‪ ،‬وكذلك حرصوا على‬
‫تحسين االنتقال إلى الغرض األصلي للقصيدة فاستخدموا أدوات الربط ‪ ،‬مثل كأن المخففة أو‬
‫الثقيلة والكاف ‪ ،‬والواو ‪ ،‬والفاء ‪ ،‬و أو ‪ ،‬وأساليب الشرط والقصر واالستفهام غير الحقيقي ؛‬
‫إليهام المتلقي باتصال المعنى داخل السياقات المختلفة وانسيابه انسيابا ً عفويا ً ‪ ،‬أما القصائد التي‬
‫تصف المعارك ففيها يهجم الشاعر على موضوعه دون أن يمهد له بغزل أو نحوه ‪ ،‬وهذا النهج‬
‫سلكه الشعراء العباسيون وابن زيدون على ح ِ ّد سواء ‪ ،‬وكذلك اهتموا بالخاتمة ألنها آخر ما يبقى‬
‫في األذهان ‪ ،‬وقد استجابوا في ذلك لتوجيهات النقاد الذين اشترطوا وجوب تضمين خواتيم‬
‫القصائد حكمة بالغة ‪ ،‬أو مثالً سائرا ً ‪ ،‬أو تشبيها ً بديعا ً ‪ ،‬من أجل إثارة انفعال الممدوح وإطالق‬
‫يده بالمكافأة و إجزال الهدية ‪.‬‬

‫ودرس في المبحث الثاني " أثر الشعراء الثالثة في شعر ابن زيدون في المعجم الشعري "‪،‬‬
‫ومن خالل البحث لُ ِح َ‬
‫ظ أن معجم ابن زيدون الشعري قد اتفق مع معجم الشعراء العباسيين من‬
‫حيث حشد الثقافات المتعددة في أشعارهم ‪ ،‬كالثقافة الدينية ‪ ،‬واألدبية ‪ ،‬والتاريخية ‪ ،‬والتراثية ‪،‬‬
‫كما اتفق معهم في معجم الطبيعة في سياق الربيع والنباتات ‪ ،‬والمعجم المائي ‪ ،‬وهو معجم قريب‬
‫الصلة بغرض المديح ‪.‬‬

‫كما اتفق ابن زيدون مع الشعراء العباسيين في المعجم الحيواني المتمثل في اإلكثار من ألفاظ‬
‫الخيول واألسود ‪ ،‬وهي ألفاظ غالبا ً ما ترد في سياق المدح والفخر ‪ ،‬ومن األلفاظ التي كثر‬
‫ورودها في معجمهم الشعري ألفاظ السيوف وما يتعلق بها ‪.‬‬

‫وتناول المبحث الثالث أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون في المحسنات‬
‫البديعية ومن خالل البحث اتضح أن ابن زيدون قد اتفق مع البحتري في الفن الشعري‬
‫والصنعة الشعرية ‪ ،‬من حيث سهولة اللفظ ووضوح المعنى وتجنب التعقيد والفلسفة ‪ ،‬واإلكثار‬
‫من الطباق بنوع خاص في سهولة ويسر ولين ‪ ،‬واتفق مع أبي تمام في اإلكثار من الجناس ‪،‬‬
‫ولكنه لم يتكلفه أو يتصنعه ‪ ،‬وإنما جاء سهالً طوعا ً حسب الحاجة ‪ ،‬كما اتفق معهم في التصريع‬
‫‪ ،‬والترصيع ‪ ،‬وحسن التقسيم ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫فكل هذه التأثيرات والتأثرات تدل على اعتزاز ابن زيدون بشعره الذي ورثه من الشعراء‬
‫العباسيين ‪ ،‬وإصراره على ربط شعره بشعرهم وأنه جزء منه ‪ ،‬حتى لو بعُد المكان ‪.‬‬

‫وهناك حقيقة يجب أن يشير إليها الباحث ‪ ،‬وهي ‪ :‬إذا كان ابن زيدون قد تأثر بأبي تمام‬
‫والبحتري والمتنبي ‪ ،‬في بعض المعاني ‪ ،‬وعارض بعض قصائدهم ‪ ،‬وضمن بعض قصائده‬
‫أبياتا ً من أبياتهم ‪ ،‬وأن هذه المباحث ‪ ،‬تدل على االعجاب والتأثر والمتابعة لهم ؛ فإن ما ورد في‬
‫معان مشتركة بينهم ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مباحث الفصل الثاني ‪ ،‬تعد اتفاقا ً بين الشعراء ؛ ألنها‬

‫وأخيرا ً أرجو أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة ووضعتُها موضعها الصحيح ‪ ،‬وأن‬
‫تكون هذه التأثيرات قد حددت مسار ابن زيدون في طريقة تعامله مع شعراء العصر العباسي ‪.‬‬

‫الباحث‬

‫‪162‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬برواية حفص عن عاصم ‪.‬‬
‫أوال ً ‪ ،‬المصـــــــادر ‪:‬‬
‫ـ ابن اآلبار ‪ ( ،‬أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ) ‪ ،‬التكملة لكتاب الصلة ‪،‬‬
‫نشر عزت العطار الحسيني ـ القاهرة ‪ ،‬سنة ‪ 1655‬م ‪.‬‬
‫ـ الحلة السيراء ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬والثاني ‪ ،‬تحقيق حسين مؤنس ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪.1215 ،‬‬
‫ـ ابن األثير ‪ ( ،‬ضياء الدين ) ‪ ،‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬تحقيق‬
‫أحمد الحوفي ‪ ،‬والدكتور بدوي طبانة ‪ ،‬دار نهضة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬
‫ـ امرؤ القيس ‪ ،‬ديوانه ‪ ،‬شرح عبد الرحمن المسطاوي ‪ ،‬دار المعرفة بيروت ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪. 2221 ،‬‬
‫ـ البحتري ‪ ( :‬أبو عبادة الوليد بن عبد الله ) ‪ ،‬ديوانه ( ‪ 1‬ـ ‪ ، ) 1‬شرح وتعليق حسن كامل‬
‫الصيرفي ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬
‫ـ ابن بسام ‪ ( :‬أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني ) ‪ ،‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‪ ،‬الجزء‬
‫األول ‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪ ،‬دار الثقافة ـ بيروت ‪ ،‬طبعة ‪. 1669 /‬‬
‫ـ أبو تمام ‪ ( :‬حبيب بن أوس ) ‪ ،‬ديوانه ( ‪ 1‬ـ ‪ ، ) 2‬شرح الخطيب التبريزي ‪ ،‬قدم له راجي‬
‫األسمر ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ بيروت ‪ ،‬طبعة ‪.1661 /‬‬

‫الجاحظ ‪ ( ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر ) الحيوان ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬تحقيق ‪ ،‬عبد السالم هارون ‪،‬‬
‫دار الجبل ـ بيروت ‪. 1211 ،‬‬

‫ـ ابن حزم األندلسي ‪ ( ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد) جمهرة أنساب العرب ‪ ،‬الجزء األول ‪،‬‬
‫تحقيق عبد السالم محمد هارون ‪ ،‬دار المعارف ـ مصر ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪،‬‬
‫‪. 1212‬‬

‫ـ الحموي ‪ ،‬ابن حجة ‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬دار‬
‫الهالل ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1221‬‬
‫ـ الحميدي ‪ ( ،‬أبو عبد الله محمد أبي النصر فتّوح بن عبد الله األزدي ) ‪ ،‬جذوة المقتبس في‬
‫ذكر والة األندلس ‪ ،‬الدار المصرية للتأليف والترجمة ‪ ،‬إدارة إحياء التراث ‪،‬‬
‫‪.1222‬‬

‫‪161‬‬
‫ـ ابن خاقان ‪ ( ،‬أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي اإلشبيلي ) ‪ ،‬قالئد العقيان ومحاسن‬
‫األعيان ‪ ،‬تحقيق حسين يوسف خربوش ‪ ،‬مكتبة المنار ـ األردن ‪ ،‬الجزء األول ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪. 1696‬‬
‫ـ ابن خير ‪ ( :‬أبو بكر محمد بن خير ) ‪ ،‬فهرسة ما رواه عن شيوخه ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬تحقيق‬
‫إبراهيم األبياري ‪ ،‬دار الكتاب المصري ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1696 ،‬‬
‫ـ الذبياني ‪ ،‬النابغة ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬تقديم عباس الساتر ‪ ،‬دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪. 1222 ،‬‬
‫ـ ابن رشيق ‪ ،‬الحسن ‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد ‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬والثاني ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪.1223 ،‬‬
‫ـ الزبيدي ‪ ( ،‬أبو بكر محمد بن الحسن ) ‪ ،‬طبقات النحويين واللغويين ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬د ‪/‬ت ‪.‬‬
‫ـ الزركلي ‪ ،‬خير الدين ‪ ،‬األعالم ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬دار العلم للماليين ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة الخامسة‬
‫عشرة ‪. 2112 ،‬‬
‫ـ ابن زيدون ‪ ( ،‬أبو الوليد أحمد بن عبد الله ) ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬تحقيق يوسف فرحات دار الكتاب‬
‫العربي ـ بيروت ‪ ،‬ط ‪. 1661‬‬
‫وكذلك ( ديوانه ورسائله ‪ ،‬شرح وتحقيق علي عبد العظيم ‪ ،‬نهضة مصر ‪. ) 1252 ،‬‬

‫ـ الصفدي ‪ ( ،‬خليل ابن أيبك ) ‪ ،‬تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ‪ ،‬تحقيق محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم ‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪. 1222 ،‬‬

‫ـ الوافي بالوفيات ‪ ،‬الجزء السابع ‪ ،‬تحقيق أحمد األرناؤوط ـ و تركي مصطفى ‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 2111 ،‬‬

‫ـ الضبي ‪ ( ،‬أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة ت ‪ 522 /‬هـ ) ‪ ،‬بغية الملتمس في تاريخ رجال‬
‫األندلس ‪،‬أعتنى به إدارة إحياء التراث ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ القاهرة ‪. 1222،‬‬

‫ـ العسكري ‪ ،‬أبوهالل ‪ ،‬جمهرة األمثال ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬والثاني ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬و عبد الحميد قطامش ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1211 ،‬‬

‫‪161‬‬
‫ـ كتاب الصناعتين ‪ ،‬الكتابة والشعر ‪ ،‬تحقيق علي البجاوي ‪ ،‬دار احياء الكتب العربية ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪. 1252 ،‬‬

‫ـ الفحل ‪ ( ،‬علقمة بن عبدة ) ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬شرح األعلم الشنتمري ‪ ،‬قدم له ووضع هوامشه‬
‫وفهارسه حنا نصر الحتي ‪ ،‬دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪. 1223‬‬
‫ابن الفرضي ‪ ( ،‬أبو الوليد عبد الله بن محمد ) ‪ ،‬تاريخ علماء األندلس ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب المصري القاهرة ‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1696 ،‬‬
‫ـ ابن قتيبة ‪ (،‬أبي محمد عبد الله بن مسلم ) ‪ ،‬الشعر والشعراء ‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر ‪،‬‬
‫دار المعارف ـ القاهرة ‪. 1222 ،‬‬
‫ـ قدامة ‪ ( ،‬أبو الفرج ـ ت ‪ 332‬هـ ) ‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬كمال مصطفى ‪،‬‬
‫مكتبة الخانجي ‪ ،‬القاهرة ‪.1221 ،‬‬
‫ـ القزويني ‪ ( ،‬جالال الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب ) ‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة ‪،‬‬
‫ضبطه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪.1214‬‬
‫ـ القرطاجني ‪ ( :‬أبو الحسن ‪ ،‬حازم ) ‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء ‪ ،‬تحقيق محمد الحبيب‬
‫بالخوجة ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 1211 ،‬‬
‫ـ المتنبي ‪ ( :‬أحمد بن الحسين ) ‪ ،‬ديوانه ( ‪ 1‬ـ ‪ ، ) 1‬شرح العكبري ‪ ،‬ضبطه مصطفى السقا ‪،‬‬
‫وإبراهيم األبياري ‪ ،‬عبد الحفيظ شلبي ‪ ،‬دار المعرفة ـ بيروت ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬
‫ـ ابن المعتز ‪ ،‬كتاب البديع ‪ ،‬اعتنى به إغناطيوس كراتشقوفسكي ‪ ،‬دار المسيرة ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪. 1212‬‬
‫ـ ابن معصوم المدني ‪ ( ،‬السيد علي صدر الدين ‪ 1152‬ـ ‪ ، ) 1121‬أنوار الربيع في أنواع‬
‫البديع ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬والخامس ‪ ،‬تحقيق شاكر هادي شكر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫مكتبة العرفان ـ بكربالء ـ العراق ‪. 1222،‬‬
‫ـ المقري ‪ ( ،‬أحمد بن محمد ) ‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬والجزء‬
‫الثالث ‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪ ،‬دار صادر ـ بيروت ‪.1699 ،‬‬
‫ـ ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪،‬تحقيق عبد الله علي الكبير ‪ ،‬محمد أحمد حسب الله ‪ ،‬هاشم محمد‬
‫الشاذلي ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬دار المعارف ـ القاهرة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫ـ الميداني ‪ ،‬مجمع األمثال ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬والثاني ‪ ،‬تحقيق محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 1222 ،‬‬
‫ـ ابن نباته ‪ ،‬المصري ‪ ،‬سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ت محمد أبو الفضل إبراهيم‬
‫‪ ،‬صيداـ بيروت ‪.1224،‬‬
‫ثانيا ً ‪ ،‬المـــــــــــراجع ‪:‬‬
‫ـ ابراهيم ‪ ،‬مصطفي عبدالرحيم ‪ ،‬في النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪.1221‬‬
‫ـ أنيس ‪ ،‬د ‪ .‬إبراهيم ‪ ،‬موسيقى الشعر ‪ ،‬األنجلو المصرية ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪.1211 ،‬‬
‫ـ بالنثيا ‪ ،‬آنجل جنثالث ‪ ،‬تاريخ الفكر األندلسي ‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‬
‫ـ القاهرة ‪. 1655‬‬
‫ـ بدوي ‪ ،‬أحمد أحمد ‪ ،‬أسس النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬مكتبة نهضة مصر ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪،‬‬
‫‪. 1224‬‬
‫ـ البستاني ‪ ،‬بطرس ‪ ،‬أدباء العرب في األندلس وعصر االنبعاث ‪ ،‬دار الثقافة بيروت ‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة ‪. 1221 ،‬‬
‫ـ بيريس ‪ ،‬هنري ‪ ،‬الشعر األندلسي في عصر الطوائف ( مالمحه العامة وموضوعاته الرئيسية‬
‫وقيمته التوثيقية ) ‪ ،‬ترجمة الطاهر أحمد مكي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪. 1211 ،‬‬
‫ـ تبرماسين ‪ ،‬عبد الرحمن ‪ ،‬البنية اإليقاعية للقصيدة الجزائرية ‪ ،‬دار الفجر للتوزيع والنشر ‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪. 2113 ،‬‬
‫ـ التطاوي ‪ ،‬د ‪ .‬عبدالله ‪ ،‬الحركة الشعرية بين اإلبداع والنقد ‪ ،‬مستوى الرؤية والتجربة في‬
‫إبداع المتنبي ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 2112 ،‬‬

‫ـ المعارضة الشعرية بين التقليد واإلبداع ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬الفجالة ‪ ،‬مصر ‪. 1211 ،‬‬

‫ـ جرار ‪ ،‬د ‪ .‬صالح ‪ ،‬قراءات في الشعر األندلسي ‪ ،‬دار المسيرة ‪ ،‬األر دن ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪. 2112‬‬

‫ـ الجمل ‪ ،‬د ‪ .‬إيمان ‪ ،‬المعارضات في الشعر األندلسي ‪ ،‬دار الوفاء اإلسكندرية ‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،‬سنة ‪.2112‬‬

‫‪161‬‬
‫ـ جوميث ‪ ،‬إميليو جارثيا ‪ ،‬الشعر األندلسي ‪ ،‬بحث في تطوره وخصائصه ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حسين‬
‫مؤنس ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية القاهرة ط ‪.1616 ، 1‬‬
‫ـ أبو حاتم ‪ ،‬نبيل خليل ‪ ،‬اتجاهات الشعر العربي في القر الرابع الهجري ‪ ،‬دار الثقافة ـ الدوحة‬
‫‪.1215 ،‬‬
‫ـ حسن ‪ ،‬حسن جاد ‪ ،‬ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ‪ ،‬المطبعة المنيرية باألزهر ‪. 1655 ،‬‬
‫ـ دعدور ‪ ،‬أشرف علي ‪ ،‬الصورة الفنية في شعر ابن دراج القسطلي األندلسي ‪ ،‬مكتبة نهضة‬
‫الشرق ‪ ( ،‬د ‪ .‬ت ) ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫ـ الدقاق ‪ ،‬د ‪ .‬عمر ‪ ،‬مالمح الشعر األندلسي‪ ،‬دار الشرق ـ بيروت ‪.1691 ،‬‬
‫ـ الركابي ‪ ،‬جودت ‪ ،‬الطبيعة في الشعر األندلسي ‪ ،‬مكتبة أطلس ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،‬‬
‫‪. 1221‬‬
‫ـ في األدب األندلسي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪. 1695 ،‬‬
‫ـ رومية ‪ ،‬وهب ‪ ،‬شعر ابن زيدون قراءة جديدة ‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫‪. 2114‬‬
‫ـ السعيد ‪ ،‬محمد مجيد ‪ ،‬الشعر في عهد المرابطين والموحدين في األندلس ‪ ،‬الدار العربية‬
‫للموسوعات ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1215 ،‬‬
‫ـ سالمة ‪ ،‬علي محمد ‪،‬األدب العربي في األندلس تطوره موضوعاته وأشهر أعالمه ‪ ،‬الدار‬
‫العربية للموسوعات ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪. 1696 ،‬‬
‫ـ سلطان ‪ ،‬منير ‪ ،‬البديع تأصيل وتجديد ‪ ،‬منشأة المعارف ـ اإلسكندرية ‪1212 ،‬‬
‫ـ الشايب ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬تاريخ النقائض في الشعر العربي ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬مطبعة السعادة‬
‫‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬القاهرة ‪1651‬‬
‫ـ ابن شريفة ‪ ،‬محمد ‪ ،‬أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة ‪،‬دار الغرب اإلسالمي بيروت ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪. 1691 ،‬‬
‫ـ الشكعة ‪ ،‬مصطفى ‪ ،‬األدب األندلسي موضوعاته وفنونه ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ ،‬الطبعة الثامنة‬
‫‪.1225 ،‬‬
‫ـ الشناوي ‪ ،‬د ‪ .‬علي محمد ‪ ،‬المعارضات في الشعر األندلسي ـ القصيدة العباسية نموذجا ً ـ‬
‫مكتبة اآلداب ـ القاهرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 2113 ،‬‬
‫ـ شيخة ‪ ،‬جمعة ‪ ،‬عصر ابن زيدون ‪ ،‬مؤسسة البابطين ‪ ،‬الكويت ‪2221 ،‬‬

‫‪169‬‬
‫ـ الصابوني ‪ ،‬محمد ‪ ،‬الموجز في البالغة العربية والعروض ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪.1221‬‬
‫ـ صعدور ‪ ،‬أشرف علي ‪ ،‬الغربة في الشعر األندلسي عقب سقوط الخالفة ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق‬
‫جامعة القاهرة ‪. 1222 ،‬‬
‫ـ ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬تاريخ األدب العربي ( العصر اإلسالمي ) ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة العشرون‬
‫‪. 2112 ،‬‬
‫ـ تاريخ األدب العربي‪ ،‬عصر الدول واإلمارات ـ األندلس ـ دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪.1212‬‬
‫ـ تاريخ األدب العربي ‪ ،‬العصر العباسي األول ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة السادسة عشر‪.‬‬
‫ـ تاريخ األدب العربي ‪ ،‬العصر العباسي الثاني ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثانية عشر ‪.‬‬
‫ـ ابن زيدون ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬
‫ـ فصول من الشعر ونقده ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪. 1211 ،‬‬
‫ـ الفن ومذاهبه في الشعر العربي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الحادية عشرة ‪. 1612 /‬‬
‫ـ في التراث والشعر واللغة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪.1212 ،‬‬
‫ـ الطرابلسي ‪ ،‬محمد الهادي ‪ ،‬خصائص األسلوب في الشوقيات ‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية ‪،‬‬
‫طبع بالمطابع الرسمية بالجمهورية التونسية ‪.1691 ،‬‬

‫ـ عاصي ‪ ،‬د‪ .‬ميشال ‪ ،‬الشعر والبيئة في األندلس ‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 1221 ،‬‬

‫ـ عباس ‪ ،‬إحسان ‪ ،‬تاريخ األدب األندلسي " عصر سيادة قرطبة " دار الثقافة بيروت ‪ ،‬الطبعة‬
‫السابعة ‪ ،‬د ‪ /‬ت ‪.‬‬
‫ـ عبد الرحيم ‪ ،‬مصطفى عليان ‪ ،‬تيارات النقد األدبي في األندلس في القرن الخامس الهجري ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ـ بيروت ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 1691‬‬
‫ـ عبد العظيم ‪ ،‬علي ‪ ،‬ابن زيدون ‪ ،‬سلسلة أعالم الفكر ‪ ،‬دار الكاتب العربي ـ القاهرة ‪.1222،‬‬

‫ـ ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬طبعة ‪.1655 /‬‬

‫ـ عنان ‪ ،‬محمد عبد الله ‪ ،‬دولة اإلسالم في األندلس ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مكتبة األسرة برعاية السيدة‬
‫سوزان مبارك ‪. 2221 ،‬‬

‫‪169‬‬
‫ـ الغزيوي ‪ ،‬علي ‪ ،‬أدب السياسة والحرب في األندلس من الفتح إلى نهاية القرن الرابع‬
‫الهجري ‪ ،‬مكتبة المعارف الرباط ‪.1212،‬‬
‫ـ الفقي ‪ ،‬عصام عبد الرؤوف ‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ‪ /‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪. 1691‬‬
‫ـ هيكل ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثامنة ‪.1692 ،‬‬

‫ثالثا ً ‪ ،‬الرسائل الجامعية ‪:‬‬

‫ـ إبراهيم ‪ ،‬هند ماهر أبو العطا ‪ ،‬تطور المعجم الشعري في شعر الطبيعة في العصر العباسي ‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ـ القاهرة ‪. 2115 ،‬‬

‫ـ أسعد ‪ ،‬محمد جاسر جبالي ‪ ،‬االستعطاف في الشعر األندلسي عصر ملوك الطوائف ( ‪ 422‬ـ‬
‫‪ ، ) 414‬رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة النجاح ‪ ،‬نابلس ـ فلسطين ‪. 2113،‬‬

‫ـ البداينة ‪ ،‬خالد فرحان ‪ ،‬التكرار في شعر العصر العباسي األول ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة‬
‫مؤتة ـ األردن ‪. 2112 ،‬‬
‫ـ حسن ‪ ،‬رائدة زهدي رشيد ‪ ،‬الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازنة " رسالة‬
‫ماجستير ‪ ،‬جامعة النجاح ـ فلسطين ‪. 2112 ،‬‬
‫ـ السهلي ‪ ،‬إبراهيم بن موسى أثر شعر المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫‪ ،‬جامعة أم القرى ‪ ،‬سنة ‪.1661‬‬
‫ـ السيد ‪ ،‬أحمد كامل ‪ ،‬البنيات األسلوبية في شعر ابن هانئ األندلسي ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة‬
‫عين شمس ـ اإلسكندرية ‪. 2113‬‬

‫ـ عبد القادر ‪ ،‬محمد سلمان السعدي ‪ ،‬الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في‬
‫الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة عين شمس ـ‬
‫القاهرة ‪. 1213 ،‬‬

‫ـ كروم ‪ ،‬بومدين ‪ ،‬الطبيعة في شعر ابن خفاجة األندلسي ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬جامعة دمشق ‪،‬‬
‫سنة ‪1213‬‬

‫‪166‬‬
‫ـ نجا ‪ ،‬أشرف محمود حنفي ‪ ،‬قصيدة المديح في األندلس عصر الطوائف " دراسة فنية " ‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة عين شمس ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 1661 ،‬‬

‫رابعا ً ‪ ،‬البحوث ‪ ،‬والمجــــــــالت ‪:‬‬


‫ـ بعيون ‪ ،‬سهى ‪ ،‬مقال بعنوان ( شعر ابن زيدون ) ‪ ،‬مجلة الرافد ‪ ،‬دار الثقافة واألعالم ‪،‬‬
‫الشارقة ‪ ،‬عدد ‪ ، 11‬لسنة ‪. 2111 ،‬‬
‫ـ خوليان ربيرا ‪ ،‬مقال بعنوان المكتبات وهواة الكتب في إسبانيا اإلسالمية ‪ ،‬ترجمة جمال محمد‬
‫محرز ‪ ،‬مجلة معهد المخطوطات العربية ‪ ،‬المجلد الرابع ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مايو‬
‫‪.1251‬‬
‫ـ عمايرة ‪ ،‬الدكتورة حنان إسماعيل أحمد ‪ ،‬األثر المشرقي في شعر ابن خفاجة األندلسي ‪ ،‬مجلة‬
‫جامعة دمشق – المجلد ‪ ، 29‬العدد االول ‪ +‬الثاني ‪. 2211‬‬
‫ـ ‪ ، /http://www.alfaseeh.com‬شبكة الفصيح ‪ ،‬منتدى اللغة العربية ‪،‬تحليل قصيدة أبي‬
‫تمام يرثي فيها محمد بن حميد ‪.‬‬

‫‪222‬‬

You might also like