Professional Documents
Culture Documents
اثر شعراء العصر العباسي في شعر ابي زيدون
اثر شعراء العصر العباسي في شعر ابي زيدون
ﺃ
ﺇﻫــــــــــــــــــــــﺪﺍء
ﺏ
ﺷﻜﺮ ﻭﻋﺮﻓﺎﻥ
ﺃﺸﻜﺭ ﺍﷲ ﺍﻟﻌﻅﻴﻡ ﻭﺃﺤﻤﺩﻩ ،ﺍﻟﺫﻱ ﺃﻨﻌﻡ ﻋﻠﻲ ﱠ ﻨﻌﻤﺎﹰ ﻜﺜﻴﺭﺓ ﻻ ﺃﺤﺼﻲ ﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ
ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ ﻭﺘﻌﺎﻟﻰ ،ﺜﻡ ﺃﺘﻘﺩﻡ ﺒﺨﺎﻟﺹ ﺸﻜﺭﻱ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ ﺍﻷﺴﺘﺎﺫ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﻤﺤﻤﺩ
ﻓﺭﺝ ﺩﻏﻴﻡ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻏﻤﺭﻨﻲ ﺒﻪ ﻤﻥ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ،ﻓﻘﺩ ﻜﺎﻥ ﻭﺍﺴﻊ ﺍﻟﺼﺩﺭ ﻟﻠﺒﺤﺙ ﻭﺼﺎﺤﺒﻪ ،
ﻜﺭﻴﻡ ﺍﻟﻌﻁﺎﺀ ،ﻓﺈﻥ ﻨﺼﺎﺌﺢ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ ﻭﺇﺭﺸﺎﺩﺍﺘﻪ ﺴﻬﻠﺕ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﺃﻤﺎﻤﻲ ﻜﺜﻴﺭﺍﹰ ،ﻭﺫﻟﻠﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭ
ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ،ﻓﺄﺴﺄل ﺍﷲ ــــ ﻋﺯ ﻭﺠل ــــ ﺃﻥ ﻴﺒﺎﺭﻙ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﻋﻤﺭﻩ ،
ﻭﻴﺠﺯﻴﻪ ﻋﻨﺎ ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ.
ﻭﺍﻟﺸﻜﺭ ﻤﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ ﺃﺴﺘﺎﺫﻱ ﺍﻟﻔﺎﻀﻠﻴﻥ ،ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻭﻟﻬﻤﺎ ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺭﺴﺎﻟﺔ ﻭﺘﻘﻭﻴﻤﻬﺎ
،ﻓﺄﺴﺄل ﺍﷲ ﺃﻥ ﻴﺠﺯﻴﻬﻤﺎ ﺨﻴﺭ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ.
ﻜﻤﺎ ﺃﺘﻘﺩﻡ ﺒﺨﺎﻟﺹ ﺸﻜﺭﻱ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﻜل ﺃﺴﺎﺘﺫﺓ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺒﺠﺎﻤﻌﺔ ﺒﻨﻐﺎﺯﻱ .
ﺝ
ﻓﮭـــــﺮس اﻟﻤﺤﺘــــــــــــــــﻮﯾﺎت
اﻟﺘﻤــــﮭﯿــــﺪ 6
4 أوﻻ :ﺳﺒﺐ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺸﻌﺮاء ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ،واﻟﺒﺤﺘﺮي ،واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( 7
23 ﺧﺎﻣﺴﺎً :أﺑﻮ ﺗﻤــــﺎم واﻟﺒﺤﺘـــــﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒـــﻲ ﻓﻲ أدب اﺑﻦ زﯾﺪون 11
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول :أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ
12
ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻤﻀﻤﻮن
اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول :أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ )أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ،واﻟﺒﺤﺘﺮي ،واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ
25 13
( ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون
26 أوﻻً :أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ،ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون 14
31 ﺛﺎﻧﯿﺎً :أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﺤﺘﺮي ،ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون 15
42 ﺛﺎﻟﺜﺎً :أﺛﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ،ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون 16
50 اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ،واﻟﺒﺤﺘﺮي ،واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ 17
د
123 اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺗﻀﻤﯿﻦ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻷﺑﯿﺎت أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ،واﻟﺒﺤﺘﺮي ،واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ 21
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ :أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ
25
ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺸﻜﻞ :
اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول :أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ
128 26
ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﺼﯿﺪة
اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ :أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ
140 30
ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﺸﻌﺮي
اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ :أﺛﺮ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ) أﺑﻲ ﺗﻤﺎم واﻟﺒﺤﺘﺮي واﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ( ﻓﻲ
170 31
ﺷﻌﺮ اﺑﻦ زﯾﺪون ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺴﻨﺎت اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ
د
المقــــــــدمة
الحمد لله ولي النعم ،الذي علم بالقلم ،علم اإلنسان ما لم يعلم ،وأسبغ عليه نعمه ظاهرة
وباطنة ،والصالة والسالم على أشرف الخلق سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى
يوم الدين ،و بعد ؛
لقد عاش األدب العربي في أحضان األندلس نحو ثمانية قرون ،متأثرا ً بكل ما فيها من
مظاهر الحياة بجوانبها السياسية ،واالجتماعية ،والثقافية ،حيث جمعتهم وحدة الدين واللغة
والتراث ،وقد دلت الرحالت بين المشرق واألندلس ،ودخول المصنفات المشرقية إلى األندلس
في وقت مبكر على ذلك التواصل الثقافي بين المشرق والمغرب .
وبوصول تلك المصنفات ،والدواوين إلى األندلس في وقت مبكر ،تلقفها األندلسيون دراسة
،وشرحا ً ،وتقليدا ً ،فحاكوهم واحتذوا حذوهم في شتى مجاالت المعرفة ،ومن ذلك الشعر الذي
ظهرت فيه التأثيرات المشرقية واضحة ،ساعين من وراء ذلك ،إلى المباهاة واالفتخار بأن
لديهم من الشعراء واألدباء من يفوق شعراء المشارقة وأدباءهم ،قال صاحب الجذوة " :سمعت
أبا محمد علي بن أحمد ،وكان عالما ً بنقد الشعر ،يقول :لو لم يكن لنا من فحول الشعراء اإال
أحمد بن دراج لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي "1كما أطلقوا على شعرائهم كثيرا ً من األلقاب
المشرقية لتشابه أشعارهم ،فقالوا عن ابن خفاجة صنوبري األندلس ،وعن ابن زيدون بحتري
األندلس ،وعن حمدة بنت زياد خنساء األندلس ،وعن ابن دراج متنبي األندلس ،وقالوا عن
ابن دراج وابن هانئ إنهما نظيران لحبيب والمتنبي ،وإلى غير ذلك من الشعراء .
وقد جاءت هذه الدراسة في تمهيد وفصلين ،وخاتمة ،خصص التمهيد لمناقشة سبب اختيار
الشعراء العباسيين ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) ،وتناول حياة ابن زيدون االجتماعية
والسياسية والثقافية ،ودرس طرق االتصال بين المشرق واألندلس ،وذلك عن طريق الفتوحات
1ـ الحميدي ( ،أبو عبد الله محمد أبي النصر فتّوح بن عبد الله األزدي ) ،جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس ،الدار المصرية للتأليف
والترجمة ،إدارة إحياء التراث ، 1611 ،ص 111ـ " . 111أبو محمد بن علي بن أحمد المعروف بابن حزم األندلسي " .
1
والرحالت ،كما ناقش قضية التأثر ،وتتبع المواضع التي أشار فيها ابن زيدون ألسماء أبي
تمام والبحتري والمتنبي في أدبه .
وقد تناول الفصل األول :أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في
شعر ابن زيدون من حيث المضمون ،ويشمل ثالثة مباحث :تناول المبحث األول :أثر معاني
أبي تمام ،و البحتري ،والمتنبي في شعر ابن زيدون ،و عرض المبحث الثاني لمعارضة ابن
زيدون لقصائد أبي تمام والبحتري والمتنبي ،وض ام المبحث الثالث تضمين ابن زيدون ألبيات
أبي تمام والبحتري والمتنبي .
أما الفصل الثاني :فعنون بأثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في
شعر ابن زيدون من حيث الشكل ،ويضم ثالثة مباحث :تتبع المبحث األول ،أثر شعراء
العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر ابن زيدون في بناء القصيدة ،وتناول
المبحث الثاني ،أثر شعراء العصر العباسي الثالثة في شعر ابن زيدون في المحسنات البديعية ،
وتناول المبحث الثالث ،أثر شعراء العصر العباسي الثالثة في شعر ابن زيدون في المعجم
الشعري .
وقد اعت ُ ِمد في هذه الدراسة المنهج المقارن الذي يقوم على جمع المادة للكشف عن مدى أثر
شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون من الناحيتين المضمونية والشكلية .
الدراسات السابقة :هناك بعض الدراسات السابقة ،أفاد منها الباحث ،أهمها :دراسة الدكتور
محمد ابن شريفة تحت عنوان " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " وكانت دراسته تدور
حول األسانيد والشروح واآلثار النقدية والمعارضات وغيرها من الموضوعات المتعلقة بأبي
تمام والمتنبي في األندلس والمغرب ،ومن الدراسات السابقة كذلك دراسة الباحث إبراهيم بن
موسى السهلي ( أثر شعراء المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ) ،ولعل هذه الدراسة ،
هي األقرب لموضوع بحثي ،وهي دراسة قيمة ،أفدت منها في بعض الجوانب ،حيث قسم
السهلي ،دراسته إلى خمسة فصول :درس في الفصل األول :عالقة األندلسيين بالمشرق ،
وفي الفصل الثاني :التأثر في غرض المديح ،وفي الفصل الثالث :التأثر في غرض الغزل ،
وفي الفصل الرابع :التأثر في شعر الطبيعة ،ودرس في الفصل الخامس :الخصائص الفنية
بين شعراء المحدثين العباسيين واألندلسيين ،فقد عالجت هذه الدراسة ،قضية التأثير والتأثر
بين المشرق واألندلس بصورة عامة ،ولم يقتصر في دراسته على نماذج معينة ؛ ولذلك حددت
2
في دراستي ثالثة شعراء عباسيين ،وشاعرا ً أندلسيا ً ،ودرست فيها :التأثر في المعاني ،
والمعارضات ،والتضمين ،وبناء القصيدة ،والمحسنات البديعية .
أسباب اختيار الموضوع :لقد دعتني أسباب عديدة الختيار هذا الموضوع منها :
1ـ الرغبة في دراسة موضوع يدور في فلك التأثير والتأثر ،أو التضمين واالقتباس ،الذي
نجده واضحا ً جليا ً في أدب ابن زيدون ،فكانت تجول في فكري عدة موضوعات منها روافد
اإل بداع في شعر ابن زيدون ،المصادر الثقافية في رسائله ،وغيرها ،ومن ثم أقترح علي
( األستاذ الدكتور محمد فرج دغيم ) أن تكون الدراسة حول ( أثر شعر العصر العباسي في
شعر ابن زيدون ) .
2ـ التسمية السائدة التي عرف بها ابن زيدون ،فقد عرف ابن زيدون عند معاصريه ببحتري
األندلس ألنه تأثر به وبمذهبه الشعري في سهولة األسلوب ،وروعة الموسيقى ،فالتساؤل الذي
يطرح ،هل تأثر ابن زيدون بالبحتري فقط أم تأثر بغيره من الشعراء ؟
3ـ محاولة كشف ظاهرة التأثير و التأثر بين الشعر العباسي والشعر األندلسي ،وكيف أفاد
الشاعر األندلسي من األدب العباسي ؟ وهل استطاع أن يحتفظ بشخصيته المتميزة في فنه
الشعري ،ومدى مساهمته في إثراء القصيدة العربية األندلسية .
4ـ الرغبة األكيدة في المشاركة في ميدان الدراسات األندلسية ؛ لقلة الدراسات واألبحاث في
األدب األندلسي مقارنة بما حظي به المشرق من كثرةٍ في الدراسات .
وأُرفِقَ ْ
ت هذه الدراسة بقائمة من المصادر والمراجع ،ت ام تقسيمها إلى أربع فقرات ،وهي
المصادر القديمة ،والمراجع الحديثة ،والرسائل الجامعية ،ثم البحوث والمجالت .
ومهما قدمت هذه الدراسة من نتائج فهي ال تخلو من التقصير ،إذ الكمال لله وحده وما جاء
في هذه الدراسة من صواب فهو بتوفيق من الله ،والله ولي التوفيق .
وفي النهاية ال يسعني إالا أن أتقدم بخالص شكري وامتناني إلى أستاذي ،األستاذ الدكتور
ي من نصائح غالية وتوجيهات سديدة ،فقد تعلمت منه الكثير
محمد فرج دغيم ،على ما قدمه إل ا
وما زلت أتعلم ،فأسأل الله أن يجزيه عني خير الجزاء ،واللهَ أسْأ ُل التوفيق والسداد ،فهو
ولي ذلك والقادر عليه .
الباحث
1
أوالً :سبب اختيار الشعراء الثالثة" :أبي تمام و البحتري و المتنبي"
قارن بعض األدباء ،والنقاد بين هؤالء الشعراء العباسيين الذين برزوا في عصرهم ،
وفاقوا من سواهم شهرة ،وشعرا ً ،فوازن اآلمدي بين أبي تمام والبحتري ،وألف القاضي
الجرجاني كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه ،وقارن ابن األثير بين هؤالء الشعراء الثالثة
في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،فرأى إنه لم يتميز أحد من هؤالء على قرينيه
ّ
وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته ، ،فقال ":وهؤالء هم الت الشعر
وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء ،وجمعت بين األمثال السائرة وحكمة
الحكماء".1
فقد قال في أبي تمام ... " :أما أبو تمام فإنه ربُّ معان ،وصقيل ألباب و أذهان وقد شهد
يمش فيه على أَثر ...فمن حفظ شعر الرجل و كشف عن غامضه له بكل معنى مبتكر ،لم ِ
وراض فكره برائضه أطاعته أعناة الكالم ،وكان قوله في البالغة ما قالت حذام". 2
وقال في البحتري " :وأ اما أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ،
3
وأراد أن يشعر فغنى ،ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على اإلطالق"
وقال في المتنبي " :وأما أبو الطيب المتنبي فإنه أراد أن يسلك مسلك أبي تمام فقصرت
عنه خطاه ...لكنه حظي في شعره بالحكم واألمثال ،واختص باإلبداع في مواقف القتال".4
وقد سئل أبو الطيب عن البحتري أبي تمام وعن نفسه فقال :أنا و أبو تمام حكيمان ،والشاعر
هو البحتري ، 5ولم ينت ِه المعري إلى هذا الحكم إالّ بعد أن خبر شعرهم خبرة عميقة ،وبعد أن
شرح دواوينهم شروحا ً مستقلة ،فأملى على شعر أبي تمام ذكرى الحبيب ،وأملى على شعر
البحتري عبث الوليد ،وعلى شعر المتنبي معجز أحمد .وقال ابن األثير " :ولسائل ههنا يسأل
لما عدلت عن هؤالء الثالثة دون غيرهم؟ ،فأقول :إني لم أعدل إليهم اتفاقا ،وإنما عدلت إليهم
نظرا ً واجتهاداً ،وذلك إني وقفت على أشعار الشعراء قديمها و حديثها حتى لم أترك ديوانا ً
لشاعر مفلق يثبت شعره على المحك إال و عرضته على نظري ،فلم أجد أجمع من ديوان أبي
تمام و أبي الطيب المتنبي للمعاني الدقيقة ،و ال أكثر استخراجا ً منهما للطيف األغراض و
المقاصد ،و لم أجد تهذيبا ً لأللفاظ من أبي عبادة و ال أنقش ديباجة ،و ال أبهج سبكا ً ،فاخترت
1ـ ابن األثير ،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،تحقيق الدكتور أحمد الحوفي ،والدكتور بدوي طبانة ،دار نهضة مصر ـ
القاهرة ( د ـ ت ) 222/3 ،ـ . 222
2ـ المصدر نفسه ،ص . 222
3ـ المصدر نفسه ،والصفحة نفسها .
4ـ المصدر نفسه ،والصفحة نفسها.
5ـ المصدر نفسه والصفحة نفسها .
1
،فهؤالء الشعراء عاشوا 1
دواوينهم الشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني واأللفاظ"
أفضل حقبة ،وأزهى عصور األدب وهو العصر العباسي ( 133ــ ) 252هـ ،الحافل بشتى
التيارات الفكرية ،والعلمية ،واألدبية ،بل هو عصر النهضة واالزدهار في اآلداب العربية ،
وكانوا يمثلون ثالث مدارس مختلفة الرؤى تقريبا ً .فأبو تمام شاعر الصنعة ،والبحتري شاعر
الطبع والموسيقى ،والمتنبي شاعر الحكمة .
ومن ناحية أخرى أن هؤالء الشعراء العباسيين يمثلون حركة الشعر القديم المحدث ،وهي
حركة تزعمها أبو تمام والبحتري ،ووصلت غايتها ،وأوجها عند المتنبي ،وهو الوقت الذي
ظهر فيه شعر جدير بهذا االسم في األندلس .2
وانطالقا ً من هذا التقديم الموجز لهؤالء الشعراء العباسيين ،سنبحث في مدى تأثر ابن
زيدون بهم ومدى ارتوائه من معينهم الجم .
1ـ ينظر ،الصفدي ،صالح الدين خليل بن أيبك ،الوافي بالوفيات ،تحقيق أحمد األرناؤوط ـ و تركي مصطفى ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ـ لبنان ،الطبعة األولى ، 2222 ،الجزء السابع ،ص . 51وينظر ـ أيضا ً ـ كتابه تمام المتون في شرح رسالة ابن
زيدون ،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،منشورات المكتبة العصرية ،صيدا ـ بيروت ،الطبعة األولى ، 1616 ،ص . 1
2ـ عبد العظيم ،علي ،ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ،مكتبة األنجلو المصرية ،ط ، 1655 /ص 69ــ . 119
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،شرح وتحقيق علي عبد العظيم ،نهضة مصر ، 1659 ،ص ، 211فالشاعر في هذه األبيات يناجي أمه
على كثب ،ويناشدها بأن تتحلّى بالصبر ،وتتأسّى بما أصاب أم موسى عليه السالم .
4ـ ابن بسام ،الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ،تحقيق إحسان عباس ،دار الثقافة ـ بيروت ،ط . 119 / 1 ، 1669 /
1
أبناؤه :البن زيدون ٌ
ابن يكنى بأبي بكر ،وقد تقلد وزارة المعتمد بن عباد بعد أبيه ،وكان قد
انتقم ألبيه من ذي الوزارتين ـ ابن عمارـ منافس ابن زيدون في دولة بني عباد ،وقد قتل أبو
بكر عندما استولى يوسف بن تاشفين على قرطبة سنة 383هـ .1والبن زيدون بنت ماتت
صغيرة ،فوقف ابن زيدون الستقبال المعزين ،وكان رغم حرج الموقف يرد على كل ٍ ّ
معز
بعبارة " 2فما سمع يجيب أحدا ً بما أجاب غيره ؛ لحضور جنانه و سعة ميدانه " .3
أحفاده :قتل أبو بكر وترك ولدين هما :
1ـ أبو الوليد أحمد بن زيدون سمي الشاعر ،وهو صاحب كتاب في التاريخ عنوانه ( التبيين
في خلفاء بني أمية باألندلس ) نحا فيه منحى المسعودي في كتابه (التعيين في خلفاء المشرق ) ،
وقد أخطأ الباحثون ـ حسب ما قاله الدكتور جمعة شيخة ـ عندما نسبوا هذا الكتاب للشاعر الجد
،بينما هو لحفيده وسميه .4
2ـ زيدون وهو االبن الثاني ألبي بكر ،ذكر بمناسبة إمالء أخيه عليه كتاب التبيين .5
صفاته :وصف ابن زيدون بأنه فتى اآلداب وعمدة الظرف ،ذو األبوة النبيهة ،والوسامة ،
والدراية ،وقوة العارضة ،واالفتنان في المعرفة ، 6قال عنه ابن بسام " :فأما سعة ذرعه ،
وتدفق طبعه ،وغزارة بيانه ،ورقة حاشية لسانه ،فالصبح الذي ال ينكر وال يرد ،والرمل
،و قال الصفدي :و" هذا من التوسع في العبارة ،والقدرة على 7
الذي ال يحصر وال يعد "
التفنن في أساليب الكالم ،وهو أمر صعبٌ للغاية وأقل من كان في تلك الجنازة ـ وهو وزير ـ
ألف رئيس ممن يتعين عليه أن يشكر له ،فيحتاج إلى ألف عبارة للشكر ،وهو كثير السيما من
محزون مثله " . 8
صة حبه حبه لوالدة :أحب ابن زيدون ـ أيام شبابه ـ األميرة والدة بنت المستكفي بالله ،و ّ
إن ق ّ
لها تعد واحدة من أجمل قصص الحب في تاريخ األندلس وفي تاريخ األدب العربي بصفة عامة
وقد اشتهرت والدة بجمالها ،وثقافتها العالية ،وكان لها مجلس بقرطبة يجتمع فيه أشهر
المثقفين والشعراء واألدباء .وكان ابن زيدون من أولئك األدباء الذين يترددون على مجالسها
األدبية ،يقول ابن بسام " :وكانت من نساء أهل زمانها واحدة أقرانها ،حضور شاهد وحرارة
1ـ تمام المتون ،ص ، . 12واألبيات في ديوان ابن زيدون ص ، 161البيطار :طبيب الدواب .العطار :تاجر العطر .الفار :لقب
البن عبدوس .
2ـ ابن نباته ،المصري ،سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ت محمد أبو الفضل إبراهيم ،دار الفكر العربي 1611،ص 1ـ . 6
3ـ الذخيرة . 111 / 1 ،
4ـ المطيرات :نوع من المطارحات الشعرية ينهض على األحاجي واأللغاز وتدور كلها على أسماء الطيور ،ولكل طائر حرف يرمز
إليه وقد تتغير الرموز بتغير القصائد .وقد دارت هذه المطارحات بين الشاعر والمعتمد بن عباد إالَّ مطارحة واحدة دارت بين الشاعر
وأبي طالب بن مكي .
5ـ عبد العظيم ،علي ،ابن زيدون عصره ـ حياته ـ وأدبه ،ص. 119
6ـ الذخيرة 169 / 1 ،ـ . 119
6
والبن زيدون نثر وصفي تناثر بين ثنايا الكتب ،منه ما جاء في الذخيرة " كنت في أيام
الشباب ،وغرة التصابي ،هائما ً بغادة تدعى والدة " ، 1إلى غير ذلك من النثر .
ج ــ حياته السياسية :
1ـ في بالط أبي الحزم بن جهور :كان ابن زيدون من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ،وقد
أسهم بدور رئيس في " نشأة الدولة ال َج ْه َو ِريّة "2بزعامة ابن جهور ،وإن لم يشارك في ذلك
بالسيف والقتال ،إال أنه شارك بدور رئيس في توجيه السياسة وتحريك الجماهير ،وذلك
شاعرا ذائع الصيت ،وأحد أعالم قرطبة ومن أبرز أدبائها المعروفين ،فسخر جاهه
ً باعتباره
وثراءه وبيانه في التأثير على الناس ،ولما ولي أبو الوليد األمر بعد أبيه قدمه في الذين
أصطنعهم لدولته وأوسع راتبه ، 3وقد اقترب ابن زيدون من والدة بنت المستكفي وتولدت بينهما
عالقة حب وهيام " ،وأصبح ابن زيدون يلعب في مسرحين ال يخلوان من مزالق ومخاطر :
مسرح الحب والشعر في مجلس والدة ومسرح المناورات السياسية في مجلس أبي الحزم .و ال
يخلو القصران من نقمة الحاسدين ودسائس المناوئين ،خاصة إذا اختلطت األهداف وتضاربت
المصالح بين المتنافسين والالعبين" ، 4الذين أوقعوا بينه ،وبين ابن جهور ،حتى وصل به
األمر إلى السجن ،وقد حاول ابن زيدون جاهدا ً أن يبرئ نفسه مما نسب إليه ،فكان مثاله مثال
الذئب الذي اتهم زورا ً وبهتانا ً بدم يوسف عليه السالم ،يقول ابن زيدون :
5
ب و ُكنتُ الذيبا أسبَا َ
ط يعقُو ٍ كان الوشاة ُـ وقد ُمنِيتُ بإف ِك ِه ْم ـ
ويبدو أنه ،قضى في سجنه ما يقارب خمسمائة يوم ،وقد أفصح عن هذه المدة مرتين
المرة األولى :في قصيدته التي نظمها في أواخر أيام سجنه ،مادحا ً ومستعطفا ً بها أبا الحزم بن
جهور ،يقول فيها :
6
أليم
ب ٍ ؟ ناهيكَ من عذا ٍ األيام
ِ أَفَ َ
ص ْب ٌر ِمئِينَ خمسا ً من
والمرة الثانية :في قصيدته التي قالها عقب فراره من السجن ،يتر ّجى بها صديقه أبا بكر بن
مسلم أن يشفع له عند أبي الحزم بن جهور ،والتي يقول فيها :
7 ش ٌّد والَ قَ ْم ُ
ط أ ِسيْراً؛ ْ
وإن لَ ْم يَ ْب ُد َ س قَ َ
ط ْعت ُ َها ِم ٌ
ئين مِنَ األي ِاام خ َْم ٌ
عر
ش ِعارض ال ا
ِ ب اعتلى في
بَرقَ المشي ِ بـــــرة ٌ وأرى
َ لم تط ِو بُر َد شبابي َك
َير ُمهت َصــ َ ِر ٌ
صــــــن غ ُ شبيبـــة ُ
غ ولل ّ صبا َكثَــــب ٌقب َل الثّالثين إذ عه ُد ال ِ ّ
يكتف ُ
ابن زيدون باستعطاف قلب ابن جهور بأشعاره فحسب ؛ بل أرسل إليه ِ ولم
رسالته الجدية ولكن هيهات لم تجد توسالته نفعا ً ،بل ازداد أبو الحزم بن جهور إعراضا ً
وصدودا ً ،فكأن في أذنيه وقرا ً مما يقول ،فاشتدت محنته ،وازداد ألمه ،فذهب يقول :
3 ُ
ــــجن منهُ ثوابِيسزمنا ً فكان ال ِ ّ بمدحـــ ِه
ِ زير وقد قَ َ
طعــــتُ قُ ْل َ
للو ِ
هكذا فشلت توسالت ابن زيدون في استعطاف األمير حتى تمكن من الفرار من سجنه إلى
إشبيلية ،فلقي الشاعر بإشبيلية " صدرا ً رحبا ً حيث أدناه المعتضد منه وقربه إليه وغمره بعطفه
.ولكن نفس الشاعر كانت تجذبه إلى قرطبة موطن صباه ومسرح هواه " ، 4فاستخفى
بضاحيتها الزهراء ،وبعث إلى أستاذه أبي بكر مسلم بن أحمد ،برسالة راجيا ً منه أن يبذل
تمض
ِ شفاعته لدى أبي الحزم بن جهور ،فما لبث األمير أن عفا عنه ،فعاد إلى قرطبة ،ولم
بضعة أشهر حتى توفي األمير ،وتولى ابنه أبو الوليد بن جهور ـ صديق الشاعر الحميم ـ الحكم
فبدأت حينها صفحة جديدة من حياة الشاعر ،ينعم فيها بالحرية والحظوة والمكانة الرفيعة .ولكن
خصوم الشاعر ومنافسيه لم يكفوا عن مالحقته بالوشايات والفتن والدسائس حتى اضطر ـ في
النهاية ـ إلى مغادرة قرطبة إلى إشبيلية .
2ـ في بالط بني عباد :في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة انتقل ابن زيدون عن قرطبة إلى
المعتضد صاحب إشبيلية ؛ فاحتفى به احتفا ًء رائعا ً وجعله من خواصه وجلسائه ،و واله
الوزارة ، 5وقد أسبغ الشاعر على أميره أروع المدائح التي تذكرنا بمدائح المتنبي في سيف
الدولة الحمداني ،ومن أشهر مدائحه في المعتضد قصيدته التي مطلعها :
6
ف
الوقف بالجزعِ مو ِق ُ
ِ ت
لنا هل ِلذا ِ ف
رف ُمعَ ِ ّر ُ
ع ٌالريحِ َ
نسيم ّ
ِ أ َ َما في
1ـ الركابي ،جودت ،في األدب األندلسي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الرابعة ، 1695 ،ص 191ـ . 199
2ـ ديوانه ،ص ، 251 ، 251كثب :قريب ،غصن غير مهتصر :غير مكسور .
3ـ ديوانه ،ص. 561
4ـ المصدر نفسه ،الصفحة نفسها .
5ـ ينظر ،الذخيرة ، 116 / 1 ،والصفدي ،الوافي بالوفيات . 51 / 9 ،
6ـ ديوانه ،ص ، 196العرف :الريح الطيبة ،الوقف :سوار من العاج .
11
" وقد بقي ابن زيدون وزير المعتضد وشاعره المفضل إلى أن توفي سنة 421هـ ،فلما
تولى الملك ابنه المعتمد حظي الشاعر بالمكانة نفسها التي كان يتمتع بها عند أبيه " ، 1فكان
المعتمد تربطه بابن زيدون أوثق صالت المودة واأللفة والصداقة ،وكان مفتونًا به متتلمذًا عليه
طوال عشرين عا ًما ،وكان بينهما كثير من المطارحات الشعرية العذبة التي تكشف عن ود
غامر وصداقة وطيدة ،وقد حاول أعداء الشاعر ومنافسوه أن يوقعوا بينه وبين األمير الجديد،
وظنوا أن الفرصة قد سنحت لهم بعدما تولى المعتمد العرش خلفًا ألبيه ،فدسوا إليه قصائد
يغرونه بالفتك بالشاعر ،ويدعون أنه فرح بموت المعتضد ،ولكن األمير أدرك المؤامرة،
فزجرهم وعنفهم ،2حيث حفظ " الشاعر لمليكه هذا الموقف النبيل فمدحه بقصيدة عرض فيها
بحساده ونعتهم بالبغاة ومطلعها :
إلى غير ذلك من المدائح الكثيرة التي مألت ديوانه ،هكذا كانت حياة الشاعر في ظالل
المعتمد " مفعمة بالمسرة والهناءة " 4ولم تستطع هذه المسرة والهناءة " أن تنسيه قرطبة أو أن
تحد من شوقه إليها ،ولعل الشاعر كان يغري مليكه باالستيالء عليها ،وفي سنة 264هـ هاجم
المأمون بن ذي النون ملك طليطلة قرطبة رغبة منه في احتاللها فاستنجد ملكها أبو الوليد ابن
جهور بالمعتمد فأرسل إليه جيشا ً بقيادة أحد أبنائه ،فانسحب جيش المأمون ،و نزل جيش بني
عباد في ضاحية المدينة وأخذ يتصل بأهل قرطبة حتى ثار هؤالء على ابن جهور واستولى
الجيش اإلشبيلي على قرطبة ونادى أهلها بالمعتمد ملكا ً عليها " 5هكذا عاد الشاعر إلى قرطبة
مع المعتمد قرير العين و كان الشاعر عند ظن أميره به ،فبذل جهده في خدمته ،وأخلص له،
فكان خير عون له في فتح قرطبة ،ثم وقعت الفتنة في إشبيلية ،فسعى المعتمد إلخمادها
بتسيير جيش ضخم بقيادة أحد أبنائه ،وأمر ابن زيدون أن يسافر مع الجيش ،لما كان يعهده فيه
من ذكاء وفطنة ،وما كان يعرفه من حب أهل إشبيلية له ،فنجح الجيش في اخماد الفتنة هناك ؛
و كانت عناية هؤالء الوافدين تدريس كتاب الله وسنة رسوله وعلم الحديث ،فالحياة
5
الثقافية في بدايت ها " متواضعة أشد التواضع وأنها لم تكن تتجاوز حلقات في بعض المساجد "
وكان موسى ابن نصير إبان فتح األندلس ،يرسل مع الجيوش اإلسالمية " فقهاء يعلمون أهل
الديار المفتوحة اإلسالم وتعاليمه ،ويحفظونهم القرآن ،ويبصرونهم بالدين الحنيف وتعاليمه
" 6فأخذت األندلس بهذا التعليم وافتتحت له الكتاتيب منذ عصر الوالة واطرد ذلك طوال الحقب
التالية ،وبعد أن استقر اإلسالم في األندلس بدأت قوافل الهجرة نحو األندلس ،يقول جودت
الركابي إن " العرب الذين تحدروا إلى األندلس جاءوا بطوائفهم الكثيرة ،وقبائلهم المختلفة
ومواليهم الذين ينتمون إلى شتى الجنسيات في المشرق ،والبربر ،إنما نزلوها فاتحين" ،7وقد
وفد مع هؤالء الفاتحين نفر من األدباء كونوا الخيوط األولى لفجر الثقافة األندلسية ،وكان هذا
الحظ الضئيل من األدب بمثابة بذور األدب األندلسي ،و منهم من شارك في فتوحات المسلمين
1ـ ينظر ،ضيف ،شوقي ،ابن زيدون ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثانية ( ،د /ت ) ،ص ، 26وعناني ،محمد زكريا ،تاريخ
األدب األندلسي ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ، 1666 ،ص. 122
2ـ ينظر ـ المقري ،نفح الطيب ، 226 / 1 ،وما بعدها .
3ـ هيكل ،أحمد ،األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،دار المعارف ،الطبعة الثامنة ، 1692 ،ص . 19
4ـ المرجع نفسه ،ص " . 12قيل إنه دخل األندلس رجل واحد من أصاغر الصحابة ،وهو المنيذر ،ومن النابعين :موسى األمير ،
وعلي بن رباح اللخمي ،وحيوة بن رجاء التميمي " .ينظر نفح الطيب 299 / 1ـ . 299
5ـ هيكل ،أحمد ،األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،ص. 11
6ـ ضيف ،شوقي ،تاريخ األدب العربي ،عصر الدول واإلمارات ـ األندلس ـ دار المعارف ، 1696 ،ص. 11
7ـ في األدب األندلسي ،ص . 11
11
كالشاعر أبي الخطارـ حسام بن ضرارـ الذي شهد فتوحات المسلمين " بإفريقيا وأبلوا فيها ،وقد
وفد على األندلس واليا ً سنة 125هـ أيام هشام بن عبد الملك ،وكان شاعرا ً فارسا ً ،ولذا لقب
بعنترة األندلس " ، 1ومن شعره في هشام بن عبد الملك هذا البيت :
2
وفي الله ـ إن لم تُنصفوا ـ َح َك ٌم َ
ع ْد ُل أَفَأ َ ْنتُم بني مروان قيْسا ً دِماءنا
وليس لهذا الشعر شي ٌء من الصفات األندلسية " ،إال أنه قيل في األندلس فقائلوه في الحقيقة
مشارقة وفدوا على األندلس فيمن وفد مع الفتح وبعده " .3
ومن خالل تتبعنا ألدب تلك المرحلة نرى أن النثر أوفر حظا ً من الشعر " ،ألن أكثر
العرب الفاتحين لألندلس كانوا يمنية ،والشعر إنما نشط على ألسنة العدنانيين " ، 4هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى نشط النثر لدواعي تقتضيها المرحلة ،كإبرام المعاهدات ،والمراسالت ،أو
تحميس المقاتلين وتثبيتهم ،فظهرت الخطابة وكانت " ضرورة تقتضيها ظروف الحرب
والنزاع القبلي ،وتطلبها مناسبات سياسية ،ودينية مختلفة ،وال يمكن أن نتصور المسلمين في
األندلس ،قد عاشوا فترة الوالة دون أن يصغوا إلى الخطباء فهم على األقل كانوا يستمعون إلى
هؤالء الوعاظ ،والدعاة الذين كانوا يصحبون الجند ويفدون على األقاليم الجديدة ،ليثبتوا
المقاتلين ،ويدعوا للنظام الجديد " ، 5فمن نثر هذه الفترة ،ما نسب لطارق بن زياد ،في خطبته
المشهورة " أيها الناس أين المفر ؟ البحر وراءكم والعدو أمامكم " ، 6وكان من كتاب تلك الفترة ،
أمية بن زيد " الذي دخل األندلس مع جنود بلج بن بشر ،واتصل بخالد بن زيد فجعله كاتبا ً معه ،
".7
وقد اشتغل بالكتابة حتى أيام عبدالرحمن الداخل
وفي خالل إمارة عبدالرحمن الداخل ،شهد المجتمع نوعا من التقدم " وفتح الطريق
لألندلسية الحقة ،ثم كان المجتمع في تلك المرحلة يفتح عينيه على بواكير حضارة أراد
8
األمويون أن يعيدوا بها حضارة في األندلس حضارة فقدوها في المشرق "
وهكذا استقرت األندلس خالل إمارة عبدالرحمن الداخل ،الذى يعتبر المؤسس األول
لهذه الدولة التي استقلت عن الدولة العباسية ،واعتبرت امتدادا ً لدولة بنى أمية حيث وفد على
األندلس الكثير من األمويين إما " فرارا ً من العباسيين ،وأما رغبة في الحياة باإلقليم اإلسالمي
الجديد المعروف بكثرة الخيرات ،وال شك أن كثيرا ً من هؤالء الوافدين على األندلس كانوا على
1جوميث ،إميليو جارثيا ،الشعر األندلسي ،بحث في تطوره وخصائصه ،ترجمة د .حسين مؤنس ،ص . 21
2ـ ينظر نفح الطيب 92 / 1 ،ـ . 95
3ـ األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،ص . 195
4ـ ابن خير ،الفهرسة ،تحقيق إبراهيم األبياري ،دار الكتاب المصري القاهرة ، 1696 ،جـ . 526 ، 529 / 2
5ـ ينظر :بالنثيا ،آنجل جنتالت ، ،تاريخ الفكر األندلسي ،ترجمة حسين مؤنس ،مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ، 1655 ،ص. 2
6ـ المصدر نفسه . 111 ، 111 /1 ،
7ـ طبقات النحويين واللغويين ،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،دار المعارف ،ط ( ، 2 /د /ت ) ،ص . 211
11
ص ْب ِر ِه ْ
اإلل َما ُم ؟ كم َح ال ع ْق َدة َ َ دمن أل ام بها فقَا َل َ
سال ُم ٌ
ثم أنشده في اليوم الثاني بهذا االبتداء إلى تمامه فقال له ابن المثنى :أنت أشعر الناس ،
1
فعظم في نفس حبيب ".
وممن تج ّ
شم الصعاب ورحل إلى المشرق "زكريا بن أحمد الغساني ،المعروف بابن األشج
س ْلم بن الفضل ،
حيث " رحل إلى المشرق فسمع بمصر من أبي محمد بن الورد ،وأبي قتيبة َ
ويعقوب بن المبارك ،وابن ألون ،وأبي محمد الحسن بن رشيق ،وابن أبي الموت ،ولقي
بمصر الشاعر أبا الطيب أحمد بن الحسين المتنبي ،فأخذ عنه ديوان شعره رواية ...وانصرف
إلى األندلس فلم يزل مقيما ً بقرطبة إلى أن توفى بها " ، 2وذكر المقّري في نفح الطيب ّ
أن من
رحل من األندلسيين إلى بالد المشرق أكثر من أن يحصوا فقال ":اعلم – جعلني الله وإياك
ممن له للمذهب الحق انتحال – أن حصر أهل االرتحال ،ال يمكن بوجه وال بحال ،ولو أطلقنا
عنان األقالم فيمن عرفنا فقط من هؤالء األعالم ،لطال الكتاب وكثر الكالم" 3ثم أخذ بعد هذا
النص في ترجمته ،لهؤالء األندلسيين في رحلتهم إلى المشرق لالطالع على ثقافتهم وعلومهم ثم
العودة بها ونشرها في األندلس ،وقد كان لهؤالء الراحلين إلى المشرق والوافدين منه أثر
عميق في نشر الثقافة المشرقية في األندلس ،ومما ساعد على نشر الثقافة في األندلس ما كان
يتحلى به حكام األندلس من الحرص والتشجيع على العلم ،واالقبال على العلوم المشرقية
وخاصة مؤلفات العصر العباسي ،فمن الخلفاء الذين اهتموا بالعلم الحكم الربضي 212-111
هـ فقد قيل أنه كان يقرب " الندماء والشعراء" وقد بعث عباس بن ناصح إلى العراق طلبا ً للعلم
،ول ّما رجع والّه قضاء الجزيرة الخضراء 4،باإلضافة إلى ذلك " كان شاعرا ً باسالً ،وأديبا ً
مجودا ً ،تُحْ ذر صوالته ،وت ُ ْست َ ْن َد ُر أبياته " 5و بعد أن خلفه
ا مفوها ً ،وشاعرا ً
مفتناا ً ،خطيبا ً ا
عبدالرحمن المعروف باألوسط 231-212هـ أهتم بالثقافة فتطلع إلى بالد العراق ،األمر الذي
لم يفعله اسالفه األمراء ؛ نظرا ً للعداء الشديد بين األمويين والعباسيين ،وأدرك " أنه ال يمكن
تنمية بالده حضاريا ً ّإال بفتح الباب على مصراعيه ألهل العراق وثقافة أهل العراق" ، 6التي
بلغت في العصر العباسي شأنا ً كبيرا ً في مضمار الحضارة بفضل االتصال بالثقافات األخرى،
1ـ عبد الرحيم ،مصطفى عليان ،ـ تيارات النقد األدبي في األندلس في القرن الخامس الهجري ،مؤسسة الرسالة ـ بيروت ط/1
، 1691ص . 19نقالً عن ابن األبار ،أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ،التكملة لكتاب الصلة ،نشر عزت
العطار الحسيني ـ القاهرة ، 1655ص . 11 ، 12واألبيات في ديوان أبي تمام ، ،شرح الخطيب التبريزي ،دار الكتاب العربي ـ
بيروت ،الطبعة الثانية . 91 ، 92 / 2، 1661 ،
2ـ ابن الفرضي ( ،أبو الوليد عبد الله بن محمد ) تاريخ علماء األندلس ،دار الكتاب المصري ،القاهرة ،الطبعة الثالثة 1، 1696 ،
. 215 ، 211 /
3ـ المقري ،نفح الطيب . 5 / 1،
4ـ ينظر األدب األندلسي ،ص 122ـ . 125
5ـ ابن األبار ،الحلة السيراء . 11 / 1 ،
6ـ الفقي ،عصام عبد الرؤوف ،تاريخ المغرب واألندلس مكتبة نهضة الشرق /القاهرة ، 1691 ،ص . 96
19
وتشجيع الخلفاء على الحركة العلمية والثقافية ،فانتشرت المكتبات ،وترجمت الكتب األجنبية
إلى العربية ،ونشطت حركة التأليف في شتى العلوم فنبغ في بغداد الكثير من األدباء والشعراء
عبدالرحمن األوس ُ
ط العلما َء على االنتقال والهجرة إلى بالده ليساهموا في ُ والعلماء مما " شجع
ازدهار الحركة الثقافية" ،1وبعد أن أسندت الخالفة البنه محمد بن عبدالرحمن أسهم في نشر
الثقافة المشرقية ،فكان "محبا ً للعلم مؤثرا ً ألهل الحديث ،عارفا ً حسن السيرة " . 2ثم جاء بعده
عبدالرحمن الناصر ،أشهر ملوك بني أمية باألندلس فكان مغرما ً بالكتب والمكتبات فأنشأ مكتبة
بقرطبة وهي أج ّل مكتبة كانت في عهدها على ظهر األرض ،وأودعها ستمائة ألف مجل ٍد ،ولذا
كانت األندلس في زمانه زاهية بالمعارف والعلوم ،وقد وفد إليه إمام اللغة واألدب أبو علي
القالي صاحب األمالي وقيل إنه طرز هذا الكتاب ،وت ّوجه باسم الناصر.3
كما كان الحكم المستنصر من بعده مياالً إلى العلوم واآلداب محبا ً لها مكرما ً ألهلها ج ّماعا ً
للكتب بأنواعها ،وقد قيل أن عدد الفهارس في خزانة العلوم والكتب في عهده بلغت أربعا ً
وأربعين فهرسة في كل فهرسة خمسون ورقة ليس فيها إال ذكر الدواوين 4وكان الحكم يرسل
رجاالً من التجار ويمدهم باألموال لشراء الكتب وجلبها من بغداد ومصر والمغرب ،فقد ذكر
ابن األبار أن الحكم كان له وراقون بأقطار البالد ينتخبون له غرائب التواليف ،ورجال يوجههم
إلى اآلفاق باحثين عنها ومن وراقه ببغداد محمد بن طرخان ،وقيل :إنه بعث إلى أبي الفرج
األصفهاني ألف دينار عينا ً ذهبا ً ،وخاطبه يلتمس منه نسخة منقحه من كتاب األغاني قبل أن
يظهر الكتاب ألهل العراق أو ينسخه أحد منهم ،وألف للحكم أنساب قومه من بني أمية موشحة
بمناقبهم وأسماء رجالهم ،فأحسن فيهم جدا ً ،وخلد فيهم مجدا ً 5هكذا أهتم خلفاء األندلس بالعلم
والعلوم وإنشاء المكتبات واقتناء الكتب والشغف بكل ما هو مشرقي .
1ـ األدب العربي في األندلس تطوره موضوعاته وأشهر أعالمه ،الدار العربية للموسوعات 1696ص. 111
2ـ الذخيرة . 196 / 1 ،
3ـ عاصي ،د .ميشال ،الشعر والبيئة في األندلس ،المكتب التجاري للطباعة والنشر ـ بيروت ،الطبعة األولى . 96 ، 1692 ،
4ـ الفن ومذاهبه في الشعر العربي ،دار المعارف ـ القاهرة ،ط ، 1612ص . 111
5ـ المرجع نفسه ،ص . 112
6ـ السهلي ،إبراهيم بن موسى أثر شعر المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ،رسالة دكتوراه ،جامعة أم القرى ،سنة ، 1661
ص.121
7ـ ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ،المطبعة المنيرية باألزهر ،القاهرة ، 1655 ،ص . 61
8ـ المصدر نفسه ،والصفحة نفسها .
21
عظام أمثال أبي نواس ،وأبي تمام ،والبحتري ،وابن الرومي ،وابن المعتز والمتنبي " 1و
خالصة القول إن الشعر العباسي وخاصة شعر أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي قد وصل إلى
األندلس وعرف عندهم ،وترك أثرا ً جليا ً في أدبهم ؛ نثرا ً وشعرا ً ،لذا فإن كبار الشعراء
األندلسيين ـ وخاصةً ابن زيدون ـ قد تأثروا بهؤالء الشعراء ،ولم يظهر هذا التأثر في الشعر
فقط ،بل ظهر في النثر أيضا ً ،كما هو واض ٌح في رسالتي ابن زيدون الهزلية والجدية .وإذا
بدا البن زيدون سمات التقليد للشعر المشرقي وخاصة في العصر العباسي فليس ذلك لعجزه عن
االبتكار ــ وإن كان قد ابتكر وجدد ــ بل كانت له شخصيته التي تميزه عن غيره من الشعراء ،
يقول الدكتور شوقي ضيف " :كان ابن زيدون يحسن ضرب الخواطر والمعاني القديمة ،أو
الموروثة في عملة أندلسية جديدة ،فيها الفن و بهجة الشعر ،وما يفصح عن أصالته وشخصيته
" ، 2ومن أشهر قصائده " ،القصيدة النونية "
3
ب لُ ْقيَانَا ت َجافِينا
وناب عن ِطي ِ
َ ض َحى الت انائِي ب ِديالً من ت َ َدانَينَا
أ ْ
قال ـ عنها ـ حسن جاد حسن " :فهي أعظم قصائد ابن زيدون حظا ً من الذيوع والشهرة ،
وبعد الصيت .ولو لم يكن له سواها ألغنته بهذا الدوي الذي أحدثته في البيئات األدبية ،وتلك
4
المدرسة التي خلقتها من الشعراء الكثيرين في كل عصر ،الذين أعجبوا بها وعارضوها ".
وقال الصفدي :في حديثه عن قصائده " ...ومن ذلك قصيدته النونية التي سارت في
البالد وطارت في العباد 5"...و يقول ابن خاقان " :وهي قصيدة ضربت في اإلبداع بسهم
وطلعت في كل خاطر ووهم ،ونزعت منزعا ً قصر عنه حبيب وابن الجهم ". 6
حقا ً لقد كان ابن زيدون من أشهر الشعراء البارزين في القرن الخامس الذي يعد من أفضل
عصور األندلس ،يقول بالنثيا :فقد كان " عصر الطوائف من أكثر عصور الحضارة اإلسالمية
في األندلس تقدما ً وازدهارا ً في ذلك المجال ـ يعني مجال العلوم واألدب ـ نظرا ً ؛ لتعدد مراكز
الحكم ،واختالف أهواء الحكام وميولهم " ، 7وهو من الشعراء الذين قال فيهم أبو جعفر أحمد
ابن طلحة ،في أحد المجالس " :تقيمون القيامة لحبيب ،والبحتري والمتنبي ،وفي عصركم
من يهتدي إلى ما لم يهتدوا إليه ".8
ذكر ابن زيدون أسماء ك ّل من أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،في أدبه وأشار إلى
مذاهبهم ،كما أشار إلى أشعارهم في أدبه ،وضمن بعضها .يقول ابن زيدون في رسالته
الهزلية " :والمعني بقول أبي تمام ،
وقد ضمن ابن زيدون في إحدى قصائده شطرا ً ألبي تمام ،وهو قوله :
فالشطر الثاني ألبي تمام في قصيدته التي مدح بها المأمون ،ومطلعها :
3
فكم ح َّل عقدة َ صبره اإللما ُم ِد َم ٌن أل َّم بها فقال سالم
وجاء في الرسالة الهزلية أيضا ً " :والمراد بقول أبي الطيب ،
4
ُك ْنتَ البَدِي َع الفَ ْردَ من أبْياتِها " ذُ ِك َر األنا ُم لَنَا فكانَ قصيدة ً
5
مر الل َيا ِلي يُ ْعلَــــ ُم َبيْتا ً َ
علَى ِ ّ قَ ْد قَا َل " شَا ِع ُر ِك ْندَة " فِي َما َمضــَى
6
" ال يسلم الشرف الرفيع من األذى حتى يراق على جوانبه الدّ ُم"
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،تحقيق علي عبد العظيم ،ص ، 15والبيت في ديوان أبي تمام . 129 / 1
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 129
3ـ ديوان أبي تمام ،شرح الخطيب التبريزي . 92 / 2 ،
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 152والبيت في ديوان المتنبي ،شرح العكبري ،ضبطه مصطفى السقا ،وإبراهيم األبياري ،
عبد الحفيظ شلبي ،دار المعرفة ـ بيروت . 215 / 1 ،
5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 112فقوله شاعر كندة :يعني بذلك أبا الطيب المتنبي ،وكندة نسبة إلى المحلة التي ولد بها
6ـ ينظر المرجع السابق ،في الصفحة نفسها ،والبيت مقتبس من قصيدة للمتنبي ،في هجاء ابن كيغلغ ،ومدح أبي العشائر ،ينظر
ديوان المتنبي . 125 / 1 ،
21
ويقول ابن شريفة ... " :وكان ابن زيدون ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ،
ويقتبس منه في شعره " وقد عارض قصيدة المتنبي التي مطلعها : 1
ُ2
كأس ،وال سكن
وال ندي ٌم ،وال ٌ ُ
وطن َبم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ٌهل وال
ُ3
سن ش َج ُن ـ ِم ْن ِذ ْك ِر ُك ْم ـ َو َجفا أجْ فَانَهُ َ
الو َ ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريْبا ً َ
عادَهُ َ
ُ
سكن" كأس ،وال
وال ندي ٌم ،وال ٌ ُ
وطن " بَم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ٌهل وال
كما أشار ابن زيدون في رسالته المظفرية لمذهبي الطبع والصنعة فقال " :وأمددت في النظم
5
بطبع البحتري ،وبصناعة الطائي "
هكذا كان ابن زيدون كثير اإلشارة ألشعار أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،ومضمنا ً لها ،
وذاكرا ً ألسمائهم في أدبه ،ولع ّل من الطريف ّ
أن ابن زيدون لم يذكر ـ في أدبه ـ اسم شاعر
عبّاسي سواهم ،فقد ذكر اسم أبي تمام ،والمتنبي مرتين ،والبحتري مرة واحدة .
1ـ ينظر " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " ،ص . 111
َّ
-2ديوان المتنبي ،شرح العكبري ، 211 / 1 ،وقد قال هذه القصيدة وهو بمصر عندما حن إلى مجلس سيف الدولة بحلب .
-3ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ. 112
-4المصدر نفسه ،ص ، 111والبيت هو مطلع قصيدة المتنبي المذكورة .
5ـ المصدر نفسه ،ص. 911
21
المبحث األول :أثر معاني شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر
ابن زيدون :
تأثر ابن زيدون بالكثير من معاني الشعراء العباسيين كأبي تمام والبحتري والمتنبي ،
وهذا التأثر واألخذ في المعاني أمر مألوف ومعروف عند الشعراء منذ القدم فقد قال عنترة " :هل
غادر الشعراء من متردم " غير أن أخذ معاني السابقين تبدو ظاهرة عامة عند أغلب شعراء
األندلس ،وقد تتبع ابن بسام في ذخيرته هذه المعاني كاشفا ً النقاب عنها ،حيث وقف طويالً عند
جوانب احتذاء األندلسيين بشعراء العصر العباسي ،وال شك في أن ابن زيدون من أولئك
الشعراء الذين وقف ابن بسام ،على معانيهم في ذخيرته ،فكان ـ كما يقول ـ شوقي ضيف " :ال
يترك بيتا ً له ألتقط معناه أو لفظه من شعر غيره إال نبه إليه ،وهو في العادة يعرض القصيدة
معنى أو لفظا ً مشتركا ً بينه وبين من سبقوه
ً الجيدة من قصائده ،ثم يعود إليها بالتصفح فكلما وجد
،د ّل على موضع أخذه وموطن استعارته " ، 1وهو أمر ـ وإن كان مألوفا ً عند الشعراء ،إال أنه
عابه على شعراء عصره ووصفه بالتقليد ،واالحتذاء ،والمتابعة لشعراء المشرق ناسيا ً أ ن
ذخيرته تقليدٌ ليتيمة الثعالبي ،يقول ابن بسام " :إن أهل هذا األفق ( األندلس ) أبوا إال متابعة
".2 لقتادة الحديث رجوع المعتادة أخبارهم إلى يرجعون ، المشرق أهل
وبتتبعنا لمعاني ابن زيدون في ديوانه وجدنا أنه كان ذا شغف بأشعار العباسيين ،واسع
االطالع عليها ،كثير اإلعجاب بها خبيرا ً بمعانيها ،فال يكاد يقول قصيدة إال ويشير فيها إلى
معانيهم آخذا ً بعضها ،وهو أسلوب ال يمكننا وصفه بالعي ،أو الضعف ،وإنما ؛ ليدل على سعة
اطالعه ،وغزارة ثقافته ،وإلمامه بمعاني سابقيه من شعراء المشرق ،متمثالً لها أيما تمثيل من
ناحية ،ومن ناحية أخرى يريد أن يظهر مقدرته على منافستهم " فقد كانت فيه غيرة القول
ونخوة المنافسة " ، 3وعالوة ً على ذلك أنه عاش في " عصر و لع باالقتباس ،والتضمين " 4وفي
هذا المبحث سنتتبع بعض المعاني التي تأثر بها ابن زيدون بأبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ؛
وذلك لصعوبة االستقصاء .
إن المتتبع لديوان ابن زيدون يجد كثيرا ً من أبياته قد أخذ معناها من أبيات ألبي تمام ،ومن
َّ
ذلك أن ابن زيدون كتب في أواخر سجنه رسالته الجدية ،وضمنها قصيدة ميمية ختمها بقوله :
1
صا ِل بِالتَّتْ ِمي ِْم ـــكَ ت َ َمام ِ
ُالخ َ صنِيعَةَ يُو ِل ْعــ
َومت َى تبدإ ال َّ
3
وال َمجْ دُ ك ُّل ال َمجْ ِد في استِتْ ِ
مامه ف َمجدٌ با ِس ٌق ّ
إن ابتدا َء العُ ْر ِ
ومن المعاني التي أخذها ابن زيدون من أبي تمام ،قوله مستعطفا ً أبا الحزم بن جهور:
4
والقمر ؟
ِ الشمس
ِ الكسوف لغير
ُ أم هل الريا ُح بنجم األرض عاصفةٌ ؟
يقول ابن زيدون :أن الحوادث ال تعصف إالَّ بالعظماء ،كما أن الرياح تتجاوز النبات
الالصق باألرض وتحطم األشجار الضخمة ،والكسوف يعتري الشمس والقمر ،وال يعتري
النجوم ،وال شك أن هذا المعنى من قول أبي تمام ،في مدح أبي بشر عبد الحميد بن غالب :
5
ع ْيدانَ نجد لم يَ ْع َبأْنَ َّ
بالر ِتم َ ْ
قصفت ت ّ
إن الريا َح إذا ما أعصف ْ
الر ِقم
ّهر في ّ
والبدر منه الد َ
ُ والشمس
ُ وف لها
س َونعش ال ُك ُ
ٌ بناتُ نعش
6
ب لُقيانا ت َ َجــافِينا
وناب عن ِط ْي ِ
َ ض َحى التَّنَائِي بَدِيالً ِم ْن ت َدانِيـــــــنا
أ ْ
نرى أنه يتالقى وقصيدة ألبي تمام في معاني الهجر ،وطول الفراق ،وألَ ْم البين ،وتقلب
األحوال وتبدلها ،وهي قوله :
1
ِذ ْك ُر النَّـــــوى فكأنها أيّـــــا ُم أعوام وصل كان يُ ْن ِسي ُ
طولَها َ
ومن الصور الفنية التي تأثر فيها ابن زيدون بأبي تمام ،قوله في بني جهور:
ُ2
ضميري فما با ُل المدائح ت َعبق بني جهور أحرقتُم ُبجفائـــــكم
ُحر ُق
سهُ حين ي َ
يب لكم أنفا ُ
ت َِط ُ تَعُدُّونَ ِني كال َم ْندَ ِل الَّرطب إنّما
يقول ابن زيدون :يا بني جهور لقد قابلتم مودتي بالجفاء ،وأحرقتم فؤادي بإعراضكم عني
على الرغم مما خلعته عليكم من عاطر الحمد وطيب الثناء ،فحالي كحال عود البخور ال تفوح
رائحته الطيبة إالَّ إذا أحرق ،يقول أبو تمام في وصف مكانته التي بعثت على إثارة األحقاد في
نفوس حساده :
يقر أبو تمام بأن حسد هؤالء أدى إلى نشر فضائله التي صورها برائحة العود الطيبة التي ال
تمأل المكان إالَّ إذا اشتعلت فيها النار فكأن حسد هؤالء يدعوه إلى التمسك بخصاله واالستزادة من
الفضائل واكتساب المكارم .و قول ابن زيدون :
4
ف
األيك ت َه ِت ُ
ِ ُم ِرنّاتُ ُو ْرق في ذُرا وتُذ ِك ُرنِي ال ِع ْقدَ ال ُم ِر ّن ُج َمانُهُ
2
ط َبع ُ في َّأو ِل ّ
الطبع ِلم َيعلق بها َ جوهرها
ُ طاب
َ يوف إذا ما
س َ ّ
إن ال ّ
3
صقا ِل
نتفع ِب ِ
من طب ِعه ِلم َي ْ صيقَ ٌل
ُلف فيه َ
سيف ُما لم ي َ
وال ّ
حيث يشبه ابن زيدون ابن جهور في كرمه ونسبه بالسيف النقي العنصر ،أما أبو تمام
فإنه يشيد بتدبير المعتصم ،فيقول :إذا لم يكن في السيف جودة حديد تحتمل الصقال لم ينتفع
بصقاله ،وكذلك هذه الغزوة لو لم يكن فيها جودة تدبيرك ،لم ينتفع فيها بتدبير الوزراء .
يريد ابن زيدون :أن األمير تام الخلق ،والشمائل ،وقد رأينا فيه هذه الفضائل مذ كان طفالً .
وهو من قول أبي تمام ،في رثائه البنين صغيرين لعبد الله بن طاهر ،وقد ماتا في يوم واحد :
ً5
لو أ ُ ْمهلَت حتى تكون شمائال لَ ْهفي على تلك المخاي ِل منهما
6
لدهري إال به موعدا وأخلف موعدَ َم ْن ال أرى
يقول ابن زيدون :ال أكون على موعد إالَّ مع من ال أرى موعدا ً إالَّ معه مدى الدهر ،
ويقول أبو تمام :إن أنتم اخلفتم موعدي ،فإن الهموم اجتمعت فيه وصدقت في وعدها ،وقول
ابن زيدون :
2
جاب
ب ِح ُ َم َهابَت ُهُ دون ِ
الحجا ِ رف منهُ آل ِذن َم ِهيبٌ يغض َّ
الط َ
3
حجاب
ُ ما بَا ُل ال شيء عليه هَبْ َم ْن له شي ٌء يُريدُ حجابَه
يقول ابن زيدون :لألمير هيبة ووقار يغض الطرف عن عيوب جالسيه ،واألمير بدون
حجاب ،ألن مهابته تغنيه عن الحراس والحجاب ،وهو من قول أبي تمام :الذي نفى الحجب
لممدوحه ،ويقول ابن زيدون ،في مدح ابن جهور :
4
أنام ُل
ت ِ ت َ َهلَّ َل وجْ هٌ ،وا ْست َ َهلَّ ْ ب ُجو ِد ِه
أغر ،إذا ِش ْمنا سحائِ َ
يشيد ابن زيدون بكرم ممدوحه ،فيصفه بأنه ذو وجه مشرق ،وإذا ترقَّبْنا سحائب كرمه
نراه قد تهلَّل وجهه ،وانهلَّ ْ
ت أنامله ،ولعله نظر فيه لقول أبي تمام ،في مدح المعتصم ،في
سياق الكرم والسخاء :
5
أناملُ ْه
ثناها ِلقبْض لم ت ُ ِج ْبهُ ِ الكف حتَّى لو أنه
ِّ َعود َب ْس َ
ط ت َّ
و قول ابن زيدون ،في مدح ابن جهور مشيدا ً بفضائله عليه :
6
تزين ،ولكن انطقتْني الفواض ُل
ُ الشعر م َّما أدَّعيه فضيلةً
ُ وما
ويقول ابن زيدون في مطلع فائيته التي مدح فيها المعتضد :
2
الج ْزعِ َم ْوقِ ُ
ف؟ الو ْق ِ
ف ِب ِ ت َ لَنَا َ :ه ْل ِلذَا ِ ف
ف ُمعَ ِ ّر ُ
ع ْر ٌ
الريحِ َ
سيم ّ
أ َما في نَ ِ
لعله نظر فيه إلى مطلع قصيدة ألبي تمام في مدح محمد بن عبد الملك الزيات :
3
لوال نَسِي ُم تُرا ِبها ل ْم يُ ْع َر ِ
ف َف ف َب َكى آيا ِ
ت َربْع ُم ْدن ِ دَ ِن ٌ
يشترك البيتان في الحنين آلثار الحبيبة ،فابن زيدون ،يتساءل قائالً :هل تستطيع نفحات
الريح أن تعرفنا بالحبيبة ،وهل السوار العاجي لمنعطف الوادي وجود ،أما أبو تمام فإنه يقف
على أطالل الحبيبة ،التي كادت أن تغيب آثارها ،فلوال نسيم ترابها لم تعرف .كما أخذ ابن
زيدون قوله :
4
ف اوز غايةَ القَ ْ
ص ِد ُمس ِْر ُ ص َر ُم ْ
طنِبٌ َ ،ولَ ْم يَت َ َج ْ إذا نَحْ ُن قَ ّر ْ
ظنَاهُ قَ ّ
5
عيْن ال ُمسْرف فم َح َّمدٌ في النَّ ْ
صح ِ َ َصي َحتِه لها َم ْن كانَ يَ ْق ِ
صدُ في ن ِ
يقول ابن زيدون إذا مدحنا األمير لم نستطع أن نفيه حقه من الثناء مهما أسرفنا في
المبالغة واإلطناب ،أما أبو تمام فيقول إن محمد بن عبد الملك الزيات ،يسرف في نصيحته
للخالفة حينما كان يصد غيره عن النصيحة .
1ـ ديوان أبي تمام ،شرح التبريزي ،تحقيق راجي األسمر . 9 / 2 ،
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 196العرف :الريح طيبة أو خبيثة واألشهر الطيبة .القف :سوار من عاج ،ووقفها ألبسها
السوار .
3ـ ديوان أبي تمام . 111 / 1
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 199
5ـ ديوان أبي تمام . 119 /1
12
ثانيا :أثر معاني البحتري في شعر ابن زيدون:
سمي ابن زيدون ببحتري األندلس الشتراكه مع البحتري في الكثير من المعاني والصور
واألساليب ،ومن ذلك ،أنه نظم فائية طويلة تتكون من خمسة وثمانين بيتا ً ،مهنئا ً بها المعتضد
بعيد األضحى ،ومشيدا ً بفتكه بأمراء األقاليم المجاورة ،حيث تأثر فيها بكثير من معاني وصور
البحتري ،وقد استهلها بحنين إلى والدة ،وهو قوله :
1
الج ْزعِ َم ْوقِ ُ
ف؟ الو ْق ِ
ف بِ ِ ت َ لَنَا :ه َْل ِلذَا ِ ف
ف ُمعَ ِ ّر ُ
ع ْر ٌ
الريحِ َ
َسيم ّ
أ َما في ن ِ
2
ف
صر ُ تُ ُ
شير فيمضي والقضا ُء ُم ِ ّ ّهر خاد ٌم
ول ّما حضرنا اإلذن والد ُ
3
ب الَّ ِذي أنا ِ
داخلُ ْه ِر َجا ٌل عن البَا ِ سدَّة َ اإل ْذ ِن أ ُ ِ ّخ َر ْ
ت ض ْرنَا ُ
ول َّما َح َ
4
َج ِميل ُم َحيَّاهُ ِسبَاط أ َ ِ
ناملُهُ دَنُ ْوتُ فَقَبَّ ْلتُ النَّدَى في يَ ِد ْام ِرئ
يشترك ابن زيدون مع البحتري ،في المعنى العام ؛ لتوافق موقفهما ،وهو موقف الدخول
على السلطان ،والمثول بين يديه ؛ فالواقف في حضرة الملك يبدأ بتقبيل يده ،ويدنو منه ،
ويتوسل إليه .ويقول ابن زيدون :
5
ف ِّ
وبالحظ في ني ِل ال ُمنى متــــــك ِنّ ُ ظــــــــــلّ ُل
ور ُم َ
ــر ِ
س ُوبُشراك ِعيدٌ بال َّ
ف
ص ُ س ُق النّ َ
ظم ال ُموالي وير ُ كما ين ُ بشير بأعيـــاد توافـــــــــيك بعــــــدَهُ
ٌ
ف غــربيه ت ُ ْ
ظـــلَ ُ دما ُء ال ِعدا دأبا ً بِ ْ ــيف دولتِـــــــكَ الذي ت ُ َج ِ ّ
ــــردُ فيه ســـ َ
وح ْليَتُهُ بـــــ َ ْذ ُل النّـدى والتّعـــفـ ُّ ُ
ف ِ العضب الذي العز ُم حدُّهُ
ُ هو الصار ُم
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 196العرف :الريح طيبة أو خبيثة واألشهر الطيبة .القف :سوار من عاج ،ووقفها ألبسها
السوار .
2ـ المصدر نفسه ،ص . 161
3ـ ديوان البحتري شرح وتعليق حسن كامل الصيرفي ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ، 1/م ، 1ص ، 1111السُّدة :باب الدار .
4ـ ديوان البحتري ،المجلد الثالث ،ص ، 1111سبط اليدين وسبط البنان :أي كريم .وروي في الذخيرة القسم األول ـ المجلد األول ،
ص " 199من يد امرئ كريم محياه " .
5ـ ينظر ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص 161ـ ، 161متكنف :محاط به ،ينسق :ينظم في جمال واتقان ،يرصف :يحكم ،الموالي
:المناصر .ـ تظلف :تباح وتهدر .
11
ألحْ ف ُل منه ُم ْكفَ ِه ّرا ً وأكـــــــــنف الغيـــــم إنه
َ غدا بخميس يُقــــــــس ُم
ف
مــــــــطو ُ
ِّ ناظر أو
ٌ يُغاديه منّا عدنا إلى القصر الذي هو كــــعبة ٌ
و ُ
ف
ُواألرض بالخي ِل تر ُج ُ
ُ ع َجاجت َه
َ نحن طالعنا ه ُواألُفُ ُق البـــــس
فإ ْذ ُ
ف
س ُ
داودَ يُو ُ
ب ُ تطلّع من محـــرا ِ رأيناك في أعلى المصلّى كأنّـــــما
فهي صورة رائعة لوصف جيش األمير في كره على األعداء ،والبطش بهم ،وهي
صورة مستوحاة من صور البحتري في مدح المتوكل ،وتهنئته بيوم الفطر ،يقول البحتري :
1
ش َّهــــ ُر
مان ُم َ يَ ْو ٌم أغر ِ ،م ْن َّ
الز ِ عيْنا ً ! إنَّــــــه وم ال ِف ْ
ط ِر َ فا ْنعَ ْم بِيَ ِ
ب أ ْغ َب ُ
ــــر والجو ُم ْعت َ ِك ُر ال َج َوانِ ِ
ُّ واألرض خا ِشعةٌ ت َِميدُ بِثِــــــــ ْق ِل َها
ُ
ط ْورا ً ،وي ْ
ُط ِفئُها ال َع َجا ُج األ ْكـدَ ُر َ س َما ِتعةٌ ت َوقّدُ في الضُّــحى وال َّ
ش ْم ُ
ذَاك الدُّ َجى ،وا ْن َجاب ذاك ال ِعثْ َي ُر وء وجْ ِهكَ فا ْن َجلَى
ض ِ حتَّى َ
طلعْتَ بِ َ
عي ٌْن ت َ ْنــــــ ُ
ظ ُر يُو َما إلَيْك بِ َها ،و َ صــــــبَ ٌع وا ْفت ََّن فِيكَ النَّ ِ
اظ ُرون فإ ْ
ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري ،قوله :
1
تُحْ ذَ ُر ال َعي ُْن إذا الف ْ
ض ُل َك ُم َل َم ْن لَنَا فيكَ ِبعَيْب ِ
واحد
تشترك األبيات في الفكرة العامة ،فال َكحل يغني عن ال ُكحل ،والمديح يغني عن الغزل ،يقول
ابن زيدون :هذه المكارم التي اتسم بها الممدوح اكتملت في شخصه ،حتى تمنى الشاعر أن يجد
في ممدوحه عيبا ً واحدا ً يقيه حسد العيون ، ،ألن الكمال مجلبة للحسد ،كما أن كل ما تحلى به
الممدوح من فضائل ،وما أحرزه من مجد يغنيه عن المدح والثناء ،مثلما يغني الجمال الطبيعي
عن الجمال المصنوع .أما البحتري ،فيقول :إذا كان الغزل ينساب على شفاه الشعراء ،
ي ،جعلتني ال أطرق إالَّ المدح فيك ،واستغنيت عن الغزل
وتستهويه األسماع ،فإن فضائلك عل َّ
المحبب للنفوس .
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 112الكَحل :سواد طبيعي في العين يغنيها عن التزين بال ُكحل .
2ـ ديوان البحتري ،المجلد الثالث ،ص . 1915
11
ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معانيها من البحتري ،قوله ـ أعني ابن زيدون ـ :
1
للرياح ِ ،ال للغُيُوم ِ
ب ال َح َيا ّ
ِ شفيعِ الثّناء والحمدُ في صو
لل ّ
2
الغيث مث ُل حم ِد الغُيُوم
َ تجلُ ُ
ب لرياح ِاللّواتي
حازَ َحمدِي ،و ِل ّ
يقول ابن زيدون :إن شفعت لي ،فأنت جدير بالحمد والثناء ،فالشافع هو أصل النعمة ،كما
أن الرياح ،هي باعثة السحاب ،وحاملته من مكان إلى مكان ،وهذا المعنى هو ما أراده
البحتري ،من أن الرياح هي الجالبة للغيوم الممطرة .وقول ابن زيدون :
3
زمن ما ِذ َما ُمه ُبالذّ ِم ِيم
ٌ ضى إلى ْ
أن تقَضّى َو َ
ط ٌر َما انقَ َ
يقول ابن زيدون :لم نظفر بآمالنا ،حتى انطوى عهدنا السعيد ،وخلفه زمن ذميم ،والشاعر
يشير إلى قول البحتري ،الذي ال يمل فيه من ذم الزمان :
4
ذميم شغُالً ْ
أن ذَ َم ْمتُ كل ِ ُ ال أ ُ ِم ُّل َّ
الزمانَ ذَ ّما ًو َحسبِي
ويقول ابن زيدون ،في رثاء أبي الحزم ،وتهنئة أبي الوليد :
5
الردى ـ قَد ُْر
فما لنفيس ـ ُمذ طواكَ ّ يفجع بالذّخائِر أهلهُ
ْ دَع ِالدّهَر
ويُ ْعرف ُـ ُمذ فارقَتْنا ـ الحادِث ُالنُّ ْك ُر الرزايا بَ ْعدُ وهي َجليلةٌ ُ
تهون ّ
إليها التّناهي طا َل أو ق ُ
ص َر العُ ْم ُر إن المنيةَ غــايةٌ
فال ت َ ْبعَدَ ْن ّ
وهي صورة لما سيؤول إليه المرء من نهاية طال أو قصر العمر ،ويبدو أنه أخذها من
البحتري ،في رثائه ألبي سعيد محمد بن يوسف ،يقول البحتري :
6
ث َ َوى اليَ ْوم َ َم ْن تُخشى عليه الغَوائِ ُل دع ِالموتَ يَ ْغت َ ْل مــن أرادَ فإنّــــــهُ
فالمعنى المشترك بين النصين ،الرثاء ،والحسرة على الفقيد ،فبدأ ابن زيدون نصه ،بقوله :
ع الموتَ ي ْغتل ) ،فابن زيدون ،تهون عليه كل
ع الد ْه َر يفجع ) ،ويقول البحتري ( :د ْ
(د ْ
مصيبة ،وإن عظمت بعد فقده لممدوحه ؛ ألن األمر جلل ،والخطب ال يدانيه خطب ،ثم يقر في
البيت األخير متص ِبّرا ً بأن الموت نهاية كل حي طال أو قصر العمر .والبحتري ،يترك للموت
العنان ؛ ليقتل من أراد مهما كانت معزته عند الشاعر ،فهان لديه كل شيء بعد أن ثوى ممدوحه
ق له من ترجى فضائله ،ثم يقر في البيت األخير ،بأن للمرء يوما ً لم يكن ليخطئه
،فالموت لم يب ِ
،فهو مصير كل إنسان .ومن معاني ابن زيدون ،التي تأثر بها بالبحتري ،قوله :
1
صبا ال ُم ْقتَبِل
روض ال ّ
ِ بيانع الربا
مشيْنَ يُباهينَ روض ُّ
ومن قضب تتثنى بـــــد ّل فمن قُ ُ
ضب تتثنّى بريــــح ِ
ومن زهرات تندّى بطـــ ّل ومن زهرات تندّى بمسك
وهي صورة جميلة مستوحاة من جمال ّ
الطبيعة ،يمزج فيها ابن زيدون الغزل بوصف
الطبيعة ،وهو نهج نالحظه عند شعراء العصر العباسي ،يقول ابن زيدون هذه النسوة يمشين
ويمرحن في ذلك الروض ،وامتزجت القضب التي تتثنى بالريح ،وهي الزهور ،بالقضب التي
تتثنى بالدالل وهي النسوة ،وأن هذه الزهور تتندى بالطل فتفوح رائحتها الطيبة ،وهذه النسوة
تتندي ،وتتطيب بالمسك فتفوح رائحتها ،فتمتزج الرائحة الطيبة في ذلك الروض .ولعلّه نظر
فيها إلى البحتري في أبيات يتغنّى بها بجمال الطبيعة الخالب ،يقول البحتري :
2
ضبان به وقُــــــدُود
ِ أعطاف قُ
ُ األراك تشابَــــ َه ْ
ت ِ ش ْينَ ب ِذي
ل ّما َم َ
ُــرود
ووشي ب ُ
ُ يِ شيان و ْش ُ
ي ُرب ّ و ِ في ُحلّت َْي ِ :حبَر وروض ،فالتقى
ووردُ ُخدُود
جنى ْ
ً دان َ :و ْردُ
َو ْر ِ ُون راقَـها
عي ٌسفَ ْرنَ ،فامتألت ُ
و َ
فالبحتري ،يصف النسوة يمشين بوادي األراك ،فتختلط األغصان الناعمة اللينة بقدود
النسوة ،وتشابه وشيهن المزخرف باأللوان ،بألوان ذلك الروض المتمثل في شتى صنوف
األزهار ،واختلط ورد الروض بورد الخدود .وقول ابن زيدون :
2
ِم ْن دَ ْه ِرنَا ما لم يَ ُك ْن يُت َ َ
س َّه ُل اللهُ س ّهل بالخَليف ِة َج ْعفَر
يقول ابن زيدون :إن األمير راض لنا الدهر الجموح ،حتى الن ،وسهل قياده ،وال تخفى
عالقة بيته ببيت البحتري ،واشتراكهما في المعنى .
فهذا المعنى من قول البحتري في مدح محمد بن علي القُ ِ ّمي :
ُ4
ب َم ْف ِرق صباحٍ من ال ا
ش ْي ِ ضا َء بإ ْ
أ َ س َر ْقناها من ال اد ْه ِر بَ ْع َد َما
ليَا ٍل َ
يقول ابن زيدون :يوم لنا كأيام مضت ،رحنا فيها نسرق اللذات في غفلة من رقابة الدهر ،
أما البحتري ،فيقول :كنا نسرق لذاتنا ،بعد أن تقدم بنا العمر ،وعال عارض الرأس الشيب .
ويلتقي البيتان في األلفاظ ( سرقنا ،سراقا ـ نام الدهر ـ أضاء الدهر بتنا ،ليال )
5
هُ من ُك ِّل ُم ْفت ََرض أوكدَا ـــــرض أرا
ٌ أمــرك فـــ
ِ طاعةُ
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111راض الفارس جواده :ذلَّ َله وس َّهل قياده .
2ـ ديوان البحتري ،المجلد الثالث ،ص . 1951
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 112
4ـ ديوان البحتري ، 1423 / 3،المفرق :وسط الرأس وهو من الشعر موضع افتراقه .
5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 211
6ـ ديوان البحتري . 1511 / 1 ،
11
وكقوله أيضا ً :
1
َمقَا ُم إمام ت َْركُ طاعتِ ِه ُك ْف ُر فَقُ ْمتَ َمقاما ً ي ْعلَ ُم اللهُ أنَّهُ
من المعروف إن ابن زيدون ،وكذلك شعراء العصر العباسي ،كـ أبي تمام ،والبحتري ،
والمتنبي ،في مدائحهم يصفون كرم الممدوح وسخاءه ،بالبحر والمطر وغيرهما ،غير أن
ابن زيدون قد يبالغ في وصف كرم ممدوحه عندما يصف تدفق المطر بالبخل أمام كرم الممدوح
،وهو ما يعرف بالتشبيه المقلوب ،يقول في مدح صديقه األمير أبي الوليد بن جهور :
ْ2
فالبحر َوشَل
ُ بالنّدى ي ُْمنَاهُ س
البحر الذي مهما ت ِق ْ
ُ أيُّها
فالشاعر يبالغ في سخاء ممدوحه ،مستصغرا ً البحر أمام عطاء ممدوحه ،فيقول له :
لقد بلغت الغاية في السخاء ،فالبحر ضحل صغير إذا قسناه إلى فيضك الغزير ،وهذه المبالغة
في وصف كرم الممدوح نجدها في شعر البحتري في وصفه للمعتز بالله يقول البحتري :
3
ـــوافي وفي نائِ ِل ِه الغ َْمــــ ِر أر كال ُم ْعت ِ َّز في ِ
حلمـــــ ِه الــ ل ْم َ
يدٌ لهُ تُر ِبي على البحـــــ ِر صغ َُر البَحْ ُر إذا است ُ ْم ِط َر ْ
ت يُ ْست َ ْ
4
حر فِ ْي ِه ّن َي ْغ َر ُق
ــ َخ ِليفَ ِة كادَ ال َب ُ ض ُّم بأنعُ ِم الــ إذا قُ ِرن َالبحْ ُر ِ
الخ َ
يقول البحتري في البيتين األولين :إذا استمطرت يد المعتز بالعطايا ،فهي تربي على البحر ،
فيكون البحر صغيرا ً أمام جود األمير .
5
فَنُ ْب ِ
ت عن الصباح إلى الصباح ظالم ليل ّ
جن فوقي ِ وربّ
يقول ابن زيدون :إن كنت أقاسي اآلن من هجرك ما أقاسيه ،فكم ليال طويتها معك في أنس
ونعيم ،أضاءت لنا الظالم حتى الصباح ،و لعله نظر فيه إلى قول البحتري :
ْ2
س َرى ،ورقِيبٌ غفَل
حبيبٌ َ ور
س ُر َ لَيَا ِلي ما ا ْن ا
فك يُ ْهدِي ال ُّ
فابن زيدون يتذكر تلك الليالي الحافالت باألنس واللذات عندما كان يسري إليه الحبيب في
غفلة الرقيب ،أما البحتري فيقول :إن الحبيب أتاني في دجى الليل ففاجأني حتى خلته خياالً
أتاني في النوم .ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري ،مطلع رائيته في
تهنئة المعتمد بعودته من السفر ،يقول ابن زيدون :
4
اهر طلَ َع ال ا
صبا ُح ا
الز ُ ْ
واطلَ ْع كما َ ا ْق ِد ْم كما قَد َِم ا
الربي ُع البا ِك ُر
5
الربيعِ البَا ِك ُر ْ
يطلُ ْعنَ من َخلَ ِل ا ب في ال َخابِطينَ َكأناما
و َم َوا ِه ٍ
يقول ابن زيدون :أيها األمير أقدم علينا كما يقدم الربيع الباكر ،وكالصباح المشرق ،الذي
يجلي الظالم ،أما البحتري فقد جعل مواهب ممدوحه بينة كالربيع الباكر ،وقد تفنن ابن زيدون
في بيته حيث جعل كل كلمة في الشطر ،تقابل أختها في العجز على هذا النحو ( أقدم ،اطلع ـ
كما ،كما ـ قدم ،طلع ،الربيع ،الصباح ـ الباكر ،الزاهر ) ،ويقول ابن زيدون :
6
ص ْب ُح أَحْ دَاقا
نان نَبَّهَ ِم ْنهُ ال ُّ
س ُ و َ س َرى يُنافِ ُحهُ نَ ْيلُوفَ ٌر َ
ع ِب ٌق َ
يقول ابن زيدون :انتشرت رائحة النيلوفر ،وعبقت مزاحمة الورد ،وكان النيلوفر ناعسا ً
إلى أن أقبل الصباح ففتح أعينه ،أما البحتري :فجعل النيروز في ظلمة آخر الليل ينبه وردا ً ال
زال نائما ً ،لم تتفتح أزهاره بعد .
2
ـ للتَّصا ِفي ـ وقَ ْرعِ ث ْغر بث َ ْغ ِر لف جسْم ِبجسْم
ونع ْمنا ِب ّ ِ
3
قضيبا
بقضيب ِ
صبا ِ
لف ال َّ
ق َّ
ِ س ل ْيلَتَنَا في ال ِعنا
ولم أن َ
والبن زيدون رائية في رثاء المعتضد ،وتهنئة ابنه المعتمد بوالية الحكم ،يختمها بقوله :
4
ش ْك ُر
علَيْنا ؛ فَ ِمنَّا ال َح ْمدُ لل ِه وال ُّ
َ ت النَّ ْعما ُء فيْكَ تما َمها
قَ ِد ا ْست َوف ِ
وهذ ا البيت معنى قول البحتري في ختام قصيدته في مدح المتوكل على الله عند سيره إلى
دمشق ويهنئه بالفطر ،يقول الشاعر :
5
ش ْك ُر
علينا ال َح ْمدُ لل ِه وال ُّ
لنا ،و َ علَى الل ِه إتْما ُم ال ُمنى فيك َ ُك ِلّها
َ
لقد أشاد الشاعران بإتمام فضائل ممدوحيهما ،فاستحقا الحمد والشكر .
ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من البحتري قوله :
6
والبصر
ِ س َوا َد القَ ْل ِ
ب ار َ
ل ِو اسْتعَ َ فَلَيْتَ َذاكَ ال ا
سوا َد ال َج ْونَ ُمت ا ِ
ص ٌل
يقول ابن زيدون :ليت ذلك السواد متصل ،ولو أمده بسواد قلبه ،وسواد عينه ،وهو
كقول قول البحتري :
1ـ ديوان البحتري ، 2262 / 1 ،النيروز :أكبر أعياد الفرس ،ومعناه اليوم الجديد ،وهو أول يوم من السنة الشمسية اإليرانية ،
ويوافق اليوم الحادي والعشرين من شهر مارس .،الغلس :ظلمة آخر الليل ،وورد في بعض الروايات " غسق الدجى " .
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 121
3ـ ديوان البحتري . 152 / 1 ،
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 591
5ديوان البحتري . 661 / 2 ،
6ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 251الجون :األبيض أو األسود وهو من األضداد .
16
1
ط ْرفٍ أ َ ْ
صيَ ِد ص َمتْهُ بِ َ
ع َج ٍل فأ ْ
َ علَى ب ِحينَ َرن ْ
َت َ س َوا َد القل ِ ور َم ْ
ت َ َ
يقول ابن زيدون :لممدوح جنة عدن بكوثرها تدعوه ،ويطول له العمر ،ويؤخر .أما
البحتري :فيصف جنة الخالفة ببغداد وما جاورها ،ويجعل نهر القاطول كوثرا ً لتلك الجنة ،فابن
زيدون يدعو لممدوحه بالجنة في اآلخرة ،والبحتري يصف جنة ممدوحه في الدنيا .
4
األرض قد راقا
ِ واأل ْف ُق ْ
طل ٌق ومرأى راء ُمشتاقـــا ً إني ذكرتُك ِ َّ
بالز ْه ِ
كأنَّــــــهُ َّ
رق لي ،فاعتــل إشفـــــاقا وللنّ ِ
سيم اعتال ٌل في أصائ ِلـــــــ ِه
ْ6
عذَاة َ البِ َراق
وض َ مخضرة َ َّ
الر ِ إن دِمشقا ً أصبحت جنةً
َّ
ْ
قـــاقْش فيها ذُو حواش ِر
والعَي ُ ط ْل ٌق بين أ ْفيَائِها
والدهر َ
ُ
فالشاعر يتذكر ويتشوق إلى دمشق وإلى طبيعتها الجميلة وهو في العراق ،حيث يشتد
حر الصيف ،مما جعل خياله يسبح في اآلفاق بعيدا ً ،فيعود إلى زمن انقضى وهو زمن ربيع
الشام فيتداعى إليه أنضر ما في الكون من معالم تنبض بالحياة وتشف بالصفاء ،وقد اتفق
الشاعران ،في الحنين إلى أماكن الحبيبة ،فمزجا بين الغزل ووصف الطبيعة .
1
ب لُقيانا تجافينا
وناب عن ِطي ِ أضحى التنائي بديال ً من تدانينا
2
اك أ ُ ْ
ض ِم ُر َهــــا ولَ ْو َ
عة في َه َو ِ ت أ َ ْسهـ َ ُ
ـــرها َك ْم لَ ْيلَة فِ ْي ِ
ــــك بِ ُّ
ث ُ َّم َيعُودُ ال َجوى فَيُ ْس ِع ُرهـ َــــا ع تُ ْ
ط ِفئ ُــــها و ُح ْرقَة والدُّمـــــو ُ
صل نَ َ
ظ ُّل نَ ْش ُكرهـ َـــا ام َو ْأيَّ َ ــــان يُ ْع ِقبُنَـا
الز َم ِ ع ْل ُو" َ
ع َّل َّ يا " َ
في َخ َجل دائب يُ َع ْ
ص ِف ُر َهــــا س ْ
ت ب قد ُ
غ ِم َ ضا ُء ُر ْودُ ال َّ
ش َبا ِ َب ْي َ
ظ ُرهــــــا قَ ْلبَك َم ْس ُمو ُ
ع َها و َم ْن َ َمجْ دُولَةٌ َه َّز َها ال ِ ّ
صبَـا فَ َ
شفَى
في معاني الهجر ،وطول الفراق ،وألَ ِم البين ،وتقلب األحوال ،والحنين إلى أيام الوصال ،
فابن زيدون في نونيته " أضحى التنائي :يتغزل بمحبوبته والدة التي هجرته وتركته ،فقال تلك
القصيدة الغزلية حانا ً إلى أيام الوصال ،واللقاء في زمن مضى ،بعد أن تحول هذا اللقاء ،وهذا
والوصال إلى تنائي وتجافي ،وكذلك كان البحتري في هذه القصيدة ،يتغزل بمحبوبته ( علوة
الحلبية ) بعد أن فارقها إلى العراق ،ولقد صور كثيرا ً من عواطف الحب في هذه القصيدة ،
حانا ً إلى أيام كانت حافلة باللقاء والوصال ،وقد غدت اآلن أيام هجر وجفاء ،تجرع فيها مرارة
البين والفراق .
يعد القرن الخامس الهجري القرن الذي شغلت فيه البيئات األدبية في المغرب واألندلس
بالمتنبي ،ومن بينهم ابن زيدون ،الذي اتفق مع المتنبي في االعتداد بالنفس ،وطلب الجاه
والشهرة ،وكذلك تنقالته بين بالطات الملوك واألمراء مادحا ً لهم ؛ وألجل ذلك قلّده في كثير من
معاني شعره وطرائقه ،فكان ابن زيدون " ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ،ويقتبس
منه في شعره " 1وقد تتبع ابن بسام الشعراء الذين تأثروا بمعاني المتنبي مشيرا ً إلى معاني ابن
زيدون التي أخذها من المتنبي ،ومنها قوله :
ش ْك ِل
ص َها ِله ِ َما نَالَه ُ ِم ْن أذَى ال َّ
بِت َ ْ صافِنًا ً في مربط ِال ُه ِ
ون يَ ْشت َ ِكي ث َ َوى َ
2
3 ّ
فيهن ت َصها ُل ظهور َج ْري فلي
َ وإن ت ُك ْن ُمحكماتُ ال ّ
شك ِل تمنعُني
يقول ابن زيدون :إنني مثل الجواد المربوط ،وقد شدت قوائمه باألغالل ،فشكا ذلك األلم
بصهيله ،ويقول المتنبي :أمدحك حتى تنتصر على كافور ،فإن الجواد إذا شكل على الحركة ،
صهل شوقا ً إليها .وقول ابن زيدون :
5 ض ّر بجسم ِه ُ
طو ُل الج َمام ِ أ َ وما في طبِّ ِه أ ِنّي َجوادٌ
المعنى مشترك بين الشاعرين ،يريد ابن زيدون :إن الجواد السبَّاق قد كبلته القيود ،فعجز
عن الجري ،ومراد المتنبي من بيته :أن الذي ضر بجسمه ليس في طب الطبيب ،وإنما طول
القعود عن السفر ،فهو كالفرس الذي أنهكه طول القيام ،وقول ابن زيدون :
1ـ ابن شريفة ،محمد ،أبو تمام و أبو الطيب في أدب المغاربة . 111 ،
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 219الصافن :القائم على ثالث قوائم وقد قام الرابعة على طرف حافر ،الهون الذل ،شكل الدابة
:شدَّ قوائمها بالحبل .
3ـ ديوان المتنبي ،شرح أبي البقاء العكبري ،الجزء الثالث ،تحقيق مصطفى السقا ،وإبراهيم األبياري ،وعبد الحفيظ شلبي ،دار
المعرفة ،بيروت ـ لبنان ،ص ، 299احكم شكاله :عجز عن الجري .
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 299صافنٌ :قائ ٌم على ثالث قوائم ،والمس بحوف الرابعة على األرض ّ ،
تخونه :ذمه وعابه
،الشكل :القيد .
5ـ ديوان المتنبي ، 119 / 1 ،الجمام :أن يترك الفرس فال يركب .
12
ُ1ب ال َه ِ ّم في َكبِدِي ْ
وخط ش ْي ِ ولَ ّ
كن ل َ ب َو ْخ ٌ
ط بِ َم ْف ِرقِي ه َِر ْمتُ و َما ِللشي ِ
2
س ْلوة ٌ نَ َ
صال شيبا ً إذا خ ّ
ضبَتْهُ َ إالّ يَشب فلقد شابَت لهُ َكبِدٌ
المعنى المشترك بين البيتين ( ،شاب الفؤاد قبل شيب الرأس ) يقول ابن زيدون :لقد ضعفت
ولحق الشيب قلبي ،وإن لم يلحق برأسي .ويقول المتنبي :شاب فؤاده من حرارة الشوق .
3
صبح يفشينا
حتى يكاد لسان ال ّ الظلماء ي ْكتمنا
ِ ِس ّران في خاطر
4
ص ْبحِ يُ ْغ ِري ِبي " وأ ْنث َ ِني وبِ ُ
ياض ال ُّ س َوادُ اللَّ ْي ِل َي ْشفَ ُع لي
ور ُهم و َ ُ
أز ُ
لم يزد المتنبي في معنى بيته على أن يقول أن الليل يسترني ،والصبح يفضحني في زيارتي
لمحبوبتي ،ولكن ابن زيدون لم " يقنع من الظالم بأن يكون ساتر ا ً ،حتى يكون إنسانا ً يكتم في
خاطره هذين السرين الحبيبين :هو ووالدة ،وال يقنع من الصباح بأن يكون فاضحا ً ،حتى يكون
إنسانا ً يفشي لسانه هذين السرين " ، 5فقد عمد ابن زيدون إلى المبالغة والتشخيص ،عندما اختار
الخاطر للظلماء ،واللسان للصبح ،وكان بإمكانه أن يقول " :سران في الظلماء تكتمنا حتى يكاد
الصبح يفشينا ،أال تشعر حينئذ بالفراغ الذي كانت تشغله كلمة ( خاطر) ،وأنها بالذات أدل على
خفاء السر ،كما أن (اللسان) أدل على افتضاحه ؟ وال تنس شدة ارتباط يكتمنا بخاطر ،ويفشينا
باللسان .وهكذا يكون الجمال في االستعارة المكنية ".6وقول ابن زيدون :
7
بفتى أضناه ما القى
ً صبح ـ حين سرى ـ وافاكم
لو شاء حملي نسي ُم ال ّ
يصف المتنبي جسمه الذي أنهكه النحول بسبب هجران الحبيب ،حتى ال يستدل برؤيته
إالَّ بصوته ،بينما ابن زيدون راح يفتن افتنانا ً بعدما أضناه الشوق لحبيبه حتى أن نسيم الصبح ـ
وليس الريح ـ يستطيع حمله إلى حبيبه ليرى ما أصابه من نحول وتعب ،بسبب غيبته الطويلة .
3
ي ط ِيّ ُع
ص ٌ
ع ِ
والد َّْم ُع بينَ ُه َما َ ال ُح ْز ُن يُ ْق ِل ُق والت ّ َج ُّم ُل ِي ْردَ ُ
ع
يقول ابن زيدون :يا َم ْن اجتمع عنده الليل والنهار ،فالجمال بينهما مضيء للعيون ،
ومظلم للغير ،و يقول المتنبي :الحزن ألجل هذه المصيبة ،يقلقني ،والصبر يمنعني عن الجزع
والتهالك ،والدمع عاص للتحمل ،مطيع للقلق ،واتفق الشاعران في توظيف الطباق في آخر
ي طيِّ ُع ) ،باإلضافة إلى
ص ٌ
ع ِ
مضي ٌء ُمظ ِلم ) ،وعند المتنبي ( َ
البيت ،فالطباق عند ابن زيدون ( ِ
هذا الت قابل الذي نراه في الشطر الثاني من كل بيت ( ،فحرف العطف يقابل حرف العطف ،
ُ
الحسن يقابل المبتدأ الدم ُع ،وكلمة بينهما تقابل بينهما ،والخبر مضي ٌء مظلم يقابل الخبر والمبتدأ
عصي طيع ) .
ومن األبيات التي أخذ ابن زيدون معناها من المتنبي ،قوله :
4
ّام ِه ال ُج َم ُع لذلك ال ّ
ش ْه ُر من أي ِ الورى ،إن يفُوقُو ُه ْم فال عجبٌ
َ ِمنَ
ض دَ ِم الغَزَ ال
المسْكَ ب ْع ُ ّ
فإن ِ َام وأنتَ ِم ْن ُه ْم فإن تَفُ ِ
ق األن َ ْ
5
1
ْمع ،و ُم ْر أ ُ ِط ْع
وو ِّل أُقبِ ْل أس ْ ع َّز وأ ُه ْن ، استط ْل أ ْ
صبِ ْر ،و َ تِ ْه أحْ ت َِم ْل َ ،و ِ
2
ص ِل ش تفض ّْل أُد ِْن ُ
س ّر ِ ِز ْد ه َّ
َش بَ ّ س ّل أ ِع ْد أقِ ْل أنِ ْل أ ْق ِط ْع أحمل َ
ع ّل َ
3
ف
ش ُ ظ ْلم به َّ
كالراح ،لو يتر َّ ِل َ بالراحِ إالَّ تو ُه ٌم
وما ولعي َّ
4 ب ُ
نزو ُل لماء ِب ِه أ ْه ُل ال َحبي ِ شرقي بالماء إالّ تذ ُّكرا ً
وما َ
يبدو واضحا ً أخذ ابن زيدون معنى بيت المتنبي ،فبيت ابن زيدون يقابل بيت المتنبي من
حيث تقسيماته ،فكل كلمة من بيته تقابلها أختها في بيت المتنبي ،فالمتنبي " يشرق بالماء لتذكره
الماء الذي نزل به األحباب ،ولكن ابن زيدون ال يولع بالراح هذا الولوع إالَّ ألنه يتمثل فيها ظلم
الحبيب ...ال مذكرة به فقط " . 5وقول ابن زيدون :
6
ِليلك الغربيبا
ص ِلي بفر ِعك ِ
ف َ راك رقيبا
س ِ صبا ُح على ُ
هذا ال ّ
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ،192ته :تكبر .استطل :ترفع .و ِّل :ابتعد .
2ـ ديوان المتنبي ، 95/ 1 ،أمر الشاعر سيف الدولة بأربعة عشر أمرا ً في بيت واحد وهي :أقل :من اإلقالة .أنل :من اإلنالة .أقطع :
السلو .وأعد :من اإلعادة .وزد :من الزيادة .
ّ من اإلقطاع .احمل :من قولهم حملته على فرس .ع ّل :من العلو والرفعة .وس ّل :من
سر
هش :من قوله هششت إلى كذا وهو التهلل نحو الشيء .وبش :من البشاشة وهي الطالقة .تفضل :من اإلفضال .أدن :من الدنو ّ . ّ
:من السرور صل :من الصلة وهي العطية .
الظ ْل ُم :ماء األسنان .
3ـ ديون ابن زيدون ورسائله ،ص َّ ، 195
4ـ ديوان المتنبي ، 69 / 1الشرق :االختناق بالماء أو بالريق أو بالنفس .
5حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ،ص. 162
6ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 121السرى :السير ليالً ،الفرع :الشعر ،الغربيب :الشديد السواد .
7ـ ديوان المتنبي . 212 / 2
15
فابن زيدون ،يقول :كاد الصباح يفضح سراك بالليل فصلي الليل ،بسواد شعرك ،فهو
يشبه سواد شعرها بظالم الليل ،وهو كقول المتنبي ،الذي جعل ذوائبها الثالث ،أربعا ً مع ظلمة
الليل الكالحة ،فالمتنبي بالغ في التشبيه ،عندما جعل ،الليل جز ًءا من شعرها .
1
فلم يَ ْعدُ أ ْن أمسى ظليما ً ّ
مشردا رأى أنّهُ أضحى ِهزَ بْرا ً ُمص ِ ّمما ً
2
ض ْيتَ ُم ْن َه ِزما ً وال و ِع ُل
و َم َ فَأ َت َ ْيتَ ُم ْعت َ ِزما ً وال أ َ
سدُ
جرت حروب طاحنة بين المعتضد بن عباد والمظفر بن األفطس انتهت بانتصار المعتضد ،
فسجل ابن زيدون هذا االنتصار ،فيقول إن العدو أقبل كاألسد المقدام زاعما ً النصر حليفه فلم
يلبث أن فر مشردا ً كالنعام ،وهو كقول المتنبي حينما وصف جيوش العدو التي أقبلت على
الحرب راغبة فيه كاألسد ،ولكنها انهزمت خائبة اآلمال كالوعل الفار من العراك ،بسبب براعة
جيوش عضد الدولة في القتال .وقول ابن زيدون :
3
باط ُل َو ُك ُّل مدِيح ـ لم ْ
يكن فِيكَ ـ ِ عاللةٌ
أالَ ُك ُّل َرجْ و ـ في سِواكَ ـ ُ
4
س فِي ِه ِك َذ ُ
اب َو َم ْد ُحكَ َح ٌّق ل ْي َ و ِإ ان َم ِدي َح النا ِ
اس َح ٌّق و َب ِ
اط ٌل
يقول ابن زيدون لممدوحه :إن المديح في سواك باطل ،ومدحك حق ،فاقتصر الشاعر
االخالص في المدح على ممدوحه ،أما المتنبي يقول :إن الناس يمدحون بالحق والباطل ،
ومدحك حق ليس فيه كذب .وقول ابن زيدون :
5
ذاك يُ ْغنينا
َوقَد ُْر ِك ال ُم ْعتلي عن ِ يك إجْ الالً وت ْك ِرمةً
لَسْنا نُس ِ ّم ِ
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 191الهزبر :األسد القوي .المصمم :الماضي في عزمه إلى غايته .الظليم :ذكر النعام .
2ـ ديوان المتنبي ، 129/ 1الوعل :التيس البري .
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 169الرجو والرجاة :الرجاء ،عاللة :ما يتعلل اإلنسان ويتشاغل به عن أمر داهم .
4ـ ديوان المتنبي . 222 /1،
5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 115
11
1
اك ْللعَ َر ِ
ب ص ْف ِك فَقَ ْد س ام ِ
َو َم ْن يَ ِ أ ُ ِج ُّل قَد َْر ِك أن تُس َمى ُم َؤبانَة
2
ص ٍر
ف َه ْ يب ْأل َ
ط َ ض َص ْرتُ القَ ِ
َو َه َ ضاب أع َذ َ
ب َر ْشفٍ َ ش ْفتُ ُّ
الر فَ َر َ
ب
ضا ِ
الر َ
ف ُّف ما َءهُ َر ْش َ وت َْر ُ
ش ُ غ ْيبَتهُ إليه ِ
األرض َ
ُ ت َ ْشت َكي
3
لقد استوحى ابن زيدون قوله " :رشفت الرضاب " ،من قول المتنبي " :رشف الرضاب "
والرشف أن تستقي ما في اإلناء حتى ال تدع فيه شيئا ً ،يقول المتنبي :أن األرض من عطشها
وتمص ماءه كما يمص الحبيب ريق المحبوب ،أما ابن زيدون
ّ تشكو إلى السحاب غيبته عنها ،
فهو يصف ما جناه من محبوبته في تلك الليلة التي قضياها معا ً ،من ارتشافٍ لريق المحبوبة ،
وتأمل لقامتها .
4
َار ت ُ ْل ِهينَا
ارتِياحٍ َ ،والَ األ َ ْوت ُ
ِسي َما ْ الراحِ ت ُ ْبدِي ِم ْن َ
ش َمائِ ِلنَا س ا الَ أ ْكؤُ ُ
التأثر في البيتين واضح ،يقول ابن زيدون :إن الخمر ال تؤثر في طباعنا ،واألوتار الشجية
ال تلهينا عنك ،والمتنبي يقول :هل أنا صخرة صلبة ؟ ال أتأثر بشراب الخمر ،وال بسماع
األغاني .
1ـ ديوان المتنبي ، 91 / 1 ،المؤبنة :من التأبين ،وهو مدح الميت .
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 121
3ـ ديوان المتنبي . 115 / 1 ،
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 119الراح :الخمرة .شمائلنا :طباعنا .سيما ارتياح :عالمات ارتياح .
5ـ ديوان المتنبي ، 12 / 2 ،ال ُمدام :الخمرة .األغاريد :صوت الغناء .الغ ََرد :التطريب بالصوت والغناء .
19
1
ان يَ ْرفُ ُل في ِوشاحِ َو ُ
غصْنَ البَ ِ س ْ
تطلُ ُع ِم ْن نِقاب ، َرأيْتُ ال َّ
ش ْم َ
2
قاب ب لل َّ
ش ْم ِس نِ ُ عجا ُج ال َح ْر ِ
َو َ ق ش َْزرا ً
رسان في األحْ دا ِ
ِ طا ِع ُن الفُ
يصف ابن زيدون وجه حبيبته المرتدية نقابا ً بأنه كالشمس الطالعة في جماله ،وقامتها
كالغصن المتمايل ،أما المتنبي :يريد أن ممدوحه حاذق بالطعن في األحداق إذا أظلم المكان ،
وصار الغبار نقابا ً للشمس ،فهو عارف بمواقع الطعن ،ورغم اختالف مواطن التشبيه في
البيتين ،إالّ َّ
أن ابن زيدون يستخدم في تشبيهاته ما يستخدمه المتنبي من مظاهر الطبيعة ،
كالشمس والبدر والكواكب وغيرها ،سوا ًء أكان ذلك في تشبيه الممدوح ،أو الحبيبة .
ومن المعاني التي يتالقى فيها ابن زيدون مع المتنبي التغزل بالمرأة البدوية التي " تحول
دونها الحوائل ،وتحيا في منعة وحراسة ،وتنتمي إلى قبيلة محافظة مهيبة الجانب ،وقد أعدت
عدتها للحرب والقتال ،كما يغار فرسانها على حسنائهم حتى من الخياالت واألحالم الطائفة ،
ولذا فقد تأهبوا للنضال من أجلها استجابةً للهواجس والظنون " ، 3يقول ابن زيدون في ثنايا إحدى
مدائحه ألبي الوليد بن جهور :
4
اب
ــر ُ
صــهي ِل ِع َ
تجاوب فيها بال َّ
ُ ب ِحلَّـــــــة
ت ِم ْن أعاري ِ
ع ُروبٌ أال َح ْ
َ
ضاب
ُ ُمشِي ُحونَ من َرجْ ِم ُّ
الظنُون ِغ يف ال ُمعَاو ِد في ال َك َرى ارى ِمنَ َّ
الط ِ غيَ َ
وكان المتنبي من الشعراء العباسيين الذين يتغزلون بالبدوية دون الحضرية ،ولعل ابن
زيدون نظر في أبياته السابقة إلى قول المتنبي :
5
ب
ُح ْم ُر ال ُحلى والمطايا والجالبي ِ ب
ي ِ األعــــاري ِ
الجآذر في ِز ّ
ُ من
ب
ت الرعـابي ِ
كأو ُج ِه البدويَّــــــا ِ ض ِر المستحسناتُ به
ما أو ُجهُ ال َح َ
ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بالمتنبي في وصف الطبيعة ،قوله مهنئا ً المعتمد
بوالية الحكم :
حيث وصف ابن زيدون ممدوحه بالشمس في كبد السماء ،والملوك من حوله كأنّهم أنجم
،فإذا نظرنا إلى هذا المعنى الذي منحه ابن زيدون لممدوحه ،نجده قد استعاره من المعاني
التقليدية التي طرقها الشعراء العبّاسيون ،ومن ذلك ،قول المتنبي في مدح سيف الدولة :
2 أُحاد ُ
ِث فيها بَد َْرها وال َكوا ِكبا وق ْد كانَ يُ ْدنِي َمجْ ِلسِي ِم ْن س َمائِ ِه
حيث جعل الشاعر مجلسه كالسماء لعلو مكانته وقدره ،وجعل من حوله كالكواكب ،
وجعل ممدوحه كالبدر بينهم .
هذه بعض معاني األبيات التي أخذها ابن زيدون من أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،
ومن خالل تتبعنا لهذه المعاني نالحظ أن معاني ابن زيدون التي تأثر فيها بأبي تمام ،
والبحتري ،والمتنبي ،جاءت بنسب متفاوتة ،فكان البحتري ،هو األكثر تأثيرا ً في معاني ابن
زيدون ،ثم المتنبي ،ثم أبي تمام ،ومن خالل تتبعنا إلى هذه األبيات تبيّن لنا أيضا ً ّ
أن ابن
زيدون لم يتأثر ببعض معاني أبياتهم فقط ؛ وإنما عارض بعض قصائدهم ،فرأيناه يأخذ من
قصائدهم الغرض ،والوزن ،والقافية وحركة الروي ،وينظم قصائده ناظرا ً إلى هذه األشياء
،ولذلك سوف أفرد لها مبحثا ً مستقالً تحت مسمى معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام
والبحتري والمتنبي ،بادئا ً بتعريف المعارضة في اللغة ،واالصطالح ،ومتتبعا ً لجذورها في
الشعر العربي .
من الظواهر التي تسترعي نظر الباحث في الشعر األندلسي ظاهرة المعارضة للشعراء المشارقة
،ولعل ذلك راجع إلى إعجاب الشعراء األندلسيين بالشعراء المشارقة ،حيث بقي الشعراء
األندلسيون ينظرون إلي النتاج المشرقي نظرة إعجاب وإكبار .
والبدً لنا ـ ونحن نتحدث عن المعارضة ـ من إلمامة سريعة بمفهوم المعارضة في اللغة ،و
االصطالح ،والبدّ لنا أيضا ً أن نشير في عجالة لتاريخ المعارضات الشعرية .
جاء في لسان العرب البن منظور تحت مادة " عرض" عدة معان تتلخص في قوله :
ٌ
وفالن " عارض الشيء بالشيء معارضة :قابله ،وعارضتُ كتابِي بكتابِ ِه :أي قابلته ،
يعارضني :أي يباريني ،وعارض في السير :سار حياله وحاذاه ،وعارضته بمثل ما صنع :
أي أتيت إليه بمثل ما أتى وفعلت مثل ما فعل ،ويقال :عارض فالن فالنا ً ،إذا أخذ في طريق
وأخذ في طريق آخر فالتقيا ". 1
وهذا التبيين يكاد تطابقه معظم معاجم اللغة األخرى ،إذ إنها تتفق معه على ما جاء به ،
ومما تقدم نخلص إلى أن المعنى اللغوي للمعارضة يعني المباراة والمحاذاة للشيء بشيء يشبهه ،
وذلك لدواعي أهمها اإلعجاب واالقتدار والتحدي والمباهاة ،وهذا القول مرتبط ارتباطا ً يكاد
يكون كليا ً بالمعنى االصطالحي للمعارضة .
1ـ ابن منظور ،لسان العرب ،مادة " :عرض " تحقيق عبد الله علي الكبير ،محمد أحمد حسب الله ،هاشم محمد الشاذلي ،الجزء
الرابع ،دار المعارف ـ القاهرة ،د /ت ،ص . 2991 ، 2995
-2الشايب ،أحمد ،تاريخ النقائض في الشعر العربي ،مكتبة النهضة المصرية ،الطبعة الثالثة ،القاهرة 1669ص . 9
52
وعرفها األستاذ محمد الهادي الطرابلسي بقوله " :المعارضة ضرب من ضروب
النظم يختص به األدب العربي ،نشأ منذ عصور الحضارة العربية األولى ،وكان له رواد يقل
عددهم من عصر إلى عصر آخر أو يكثر ،بحسب ظروف المنافسة المعنوية أو المادية التي
1
تحف بالشعراء وبحسب طبيعتها تكون المعارضة من باب الموافقة أو المناقضة " .
ويسجل لنا التراث العربي كثيرا ً من أشكال المعارضة التي تتمثل في المواجهة بين
شاعرين حاضرين زمانا ً ومكانا ً ،عبر نصين شعريين شفهيين يتلقاهما المتلقي في لحظة إنتاج
النصين .ومن هذه المواجهة ما روته كتب األدب من أن امرأ القيس ،وعلقمة الفحل اختلفا في
الشعر ،وادّعى كل منهما أنه األشعر ،فاحتكما إلى أم جندب – زوج امرئ القيس ـ أيهما أشعر
فقالت لهما " :قوال شعرا ً تصفان فيه فرسيكما على روي واحد ،وقافية واحدة ،فقال امرؤ القيس
قصيدته التي أولها :
ض لُبانا ِ
ت الفُؤاد ال ُمعذَّب نُقَ ِ ّ ي ُمرا بي على أ ُ ِ ّم ُج ْندَ ِ
ب خَليلَ َّ
يمر كمر الرائح المتحلّب إلى أن وصل إلى قوله :فأدركهن ثانيا ً من عنانه
فقالت المرئ القيس بعد أن سمعت منهما :علقمة أشعر منك ،قال :وكيف ذلك ؟ قالت :
ألنك أجهدت فرسك بسوطك وضربته بساقك ،أما علقمة ،فقد أدرك طريدته وهو ثان من عنان
فرسه ،لم يضربه بسوط ،وال مراه بساق وال زجره ،قال امرؤ القيس :ما هو بأشعر مني ،
2
ولكنك له واقعة ،فطلقها وخلفه عليها علقمة فسمى بذلك الفحل ".
وإن كانت هذه المناظرة تعد من أوليات النقد األدبي إال أنها تمثل نوعا ً من أنواع المعارضة
الشعرية ،فكال الشاعرين أجهد نفسه وأتعب فكره في أنه األشعر واألقدر ،ولم يكن هدف
الالحق اإلعجاب بنص السابق ،وإنما كان هدفهما أن يظهر كل منهما أنه األقدر واألجود في
-1الطرابلسي ،محمد الهادي ،خصائص األسلوب في الشوقيات ،منشورات الجامعة التونسية ،طبع بالمطابع الرسمية لجمهورية
تونس ، 1691 ،ص. 216
، 2ابن قتيبة (،أبي محمد عبد الله بن مسلم ) ،الشعر والشعراء ،تحقيق أحمد محمد شاكر ،دار المعارف ـ القاهرة .129 ، 1611 ،
وينظر امرؤ القيس ،الديوا ن ،اعتنى به وشرحه عبد الرحمن المصطاوي ،دار المعرفة ـ بيروت ،الطبعة الثانية 91 ، 2221 ،ـ 99
.وينظر ،الفحل ،علقمة بن عبدة ،الديوان ،شرح األعلم الشنتمري ،قدم له ووضع هوامسه وفهارسه حنا نصر الحتي ،دار الكتاب
العربي ـ بيروت ،الطبعة األولى ، 1661 ،ص 52ـ . 12
51
قو ل الشعر ،وبغض النظر عن صحة الرواية وهدفها إال أن قصيدة علقمة تعد معارضة تامة
لقصيدة امرئ القيس ،فكال القصيدتين من البحر الطويل ،والقافية البائية المكسورة ،ونفس
الغرض وهو الغزل والوصف ،وقد ض ّمن علقمة قصيدته بعض األبيات من قصيدة امرئ القيس.
أما عصر صدر اإلسالم ،فكان الشعراء فيه يذودون عن اإلسالم ،والدفاع عن الدعوة
اإلسالمية ،فلما كان شعراء الكفر يهاجمون اإلسالم بأشعار حماسية ،فتصدى لهم شعراء
1
المسلمين بمعارضات رادعة لهم .
وفي العصر األموي ،ظهرت فكرة النقائض الشعرية – بغض النظر عن هدفها القائم
على فكرة الهدم والبناء ،ونفي اآلخر – لتشكل حلقة أخرى من حلقات المواجهة والمعارضة ،
وكان من رواد هذا الفن المثلث الشعري في ذلك العصر وهم " جرير ،والفرزدق ،واألخطل "
حيث " يقول أحدهم قصيدة – وغالبا ما يكون الفخر أو الهجاء – فيهبُّ اآلخر للرد على الشاعر
واألخذ بالثأر فينظم قصيدة على نمط القصيدة األولي وزنا ً وقافية غالبا ً ،يبطل فيها معاني
2
الشاعر األول وكل أفكاره .
وما إن وصلنا إلى العصر األندلسي حتى اتضحت فكرة المعارضة وغدت ظاهرة عامة
بين الشعراء سواء بين األندلسيين أنفسهم أو بينهم وبين المشارقة التي ظهرت نتيجة التأثر
واإلعجاب أو المباهاة ،والمباراة ،فقد كان األندلسيون ينظرون إلى المشرق على أنه األساس
والمنبع ،فالمشارقة كانوا مهد الثقافة اإلسالمية ،وبالدهم منبع اللغة العربية ،فكل شيء يظهر
في المشرق أوالً ،ويأخذ منه المشارقة ما يشاؤون ،ثم يفد بعد ذلك على األندلس ،وكان
األندلسيون يحسون بنوع من التخلف عن المشارقة ،ويحاولون دائما ً أن يعوضوا ذلك بتأكيد
تفوقهم برغم بعدهم عنهم ،كما نراهم يتعصبون لألدب التقليدي تعصبا ً صوريا ً ،ويتسابقون
3
على مذاهبه واتجاهاته ،ويحاولون أن يقلدوها .
وكان إلعجاب األندلسيين بالمشارقة أن قلدوهم في " جميع جوانب الحياة " 4.وهذا
التقليد يعتبر ضربا ً من ضروب المعارضة والتحدي ،فمن ناحية التأليف :ألف األندلسيون
الكثير من الكتب معارضة لكتب المشارقة ككتاب العقد الفريد الذي عارض به صاحبه كتاب
1ـ ينظر ،ضيف ،شوقي ،تاريخ األدب العربي ( العصر اإلسالمي ) ،دار المعارف ،الطبعة العشرون ،سنة ، 2222ص . 52
-2ابراهيم ،مصطفي عبدالرحيم ،في النقد األدبي عند العرب ،دار المعارف القاهرة ، 1669 ،ص . 121
-3ينظر ـ هيكل ،أحمد ،األدب األندلسي من الفتح إلي سقوط الخالفة ،ص. 51
-4ضيف شوقي ،الفن ومذاهبه ص. 112
52
عيون األخبار ،وجاء كتاب الحدائق ألبي فرج الجياني معارضة لكتاب الزهرة لألصفهاني ،
1
وكتاب الذخيرة البن بسام جاء معارضة لكتاب اليتيمة للثعالبي وغيرها .
وإذا كان الشعر المشرقي والشعر األندلسي ،يمثل – من الناحية الزمنية – السابق
والالحق أو المتقدم والمتأخر ،فإن المعارضة تكون أكثر وضوحا ً وظهورا ً .
وإذ كانت األندلس أيضا تعيش في كنف الحضارة العباسية في المشرق فمن الطبيعي أن
وبحتري المغرب ومتنبي يتأثر شعراؤها بشعراء المشرق ،و يكون عندهم أبو تمام المغرب
المغرب ،وأن تعارض بعض قصائدهم ،وفي كتاب الذخيرة البن بسام معارضات كثيرة
للشعراء األندلسيين الذين بهرتهم روائع الشعر المشرقي ،وخاصة شعراء العصر العباسي كأبي
تمام والبحتري والمتنبي وأن دواوين هؤالء الثالثة هي " أكثر الدواوين الشعرية رواجا ً في
األندلس " 2في عهد ابن زيدون .ويقول البستاني " :ولم يترك أهل األندلس بابا ً من أبواب
الشعر المعروفة إال قرعوه ونوعوا أغراضه وفنونه ،فمنه ما ترسموا به أهل المشرق فواطؤوهم
في معانيهم وشاركوهم في أساليبهم وعارضوهم في مشهورات قصائدهم ".3
ويرى ابن شريفة أن العناية بشعر هؤالء ،وحفظها وتدريسها ،ونقدها أدت في آخر
األمر إلى تأثيرها في الحركة األدبية والشعرية في األندلس ،ويتمثل هذا التأثير في المعارضة
التي أصبحت ظاهرة عامة في شعرهم 4.ومن خالل تتبعنا لمعارضة األندلسيين لقصائد المشارقة
رأينا أن القصائد المشهورة هي محط أنظار المعارضين ألنها قصائد جديرة باإلعجاب .
1
ــــــذر
ُ عفض ماؤُ ها ُ
فليس ل ِعيْن لم يَ ْ
َ ـــر َطب ولي ْفــدحِ ْ
األم ُ كذا فليج َّل الخ ُ
فــر
س ُ سفر ال ّ وأصب َح في ُ
شغل عن ال ّ تُو ِفّيــ ِ
ت اآلمــــا ُل بعــــد ُمحــــــ ّمد
حيث عارضها ابن زيدون بقصيدة رائية في رثاء والدة أبي الوليد بن جهور ،ومطلعها :
2
فَ ِم ْن ِشيَم ْاألَب َْر ِار – في ِمثْ ِل َها – ال َّ
صب ُْر ص ِب ْر ِللَّذِي أحْ دَ َ
ث الدَّ ْه ُر ُه َو الدَّ ْه ُر !! فا ْ
الــــــوزر
ُ بالصبر الذي معه
ِ ترض
َ فال اليأس أو صب َْر ِحسْبة
ِ صبِ ُر صبْر
ست ْ
القصيدتان من البحر الطويل ،وقد اشتركت القصيدتان في القافية الرائية ،والروي
المضموم ،وكلتاهما في نفس الموضوع وهو الرثاء ،وإذا كان اتفاق القصيدتين ،في ( الغرض
،والبحر ،والروي ،وحركته ) فإننا نعدها معارضة تامة ؛ الشتراكهما في هذه األساسيات
األربع ،وقد بلغت قصيدة أبي تمام ثالثين بيتا ً ،بينما بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون ثالثة
وأربعين بيتا ً .
بناء المعنى :الشك أن الرثاء من أصدق األغراض الشعرية ؛ ألنه يصور مرارة الفقد ،وحسرة
الفراق ،وإذا كان المديح يستدعي المبالغة في كثير من األحيان ؛ لكونه وسيلة الستجالب المنافع
،فإن الرثاء ال تحصل فيه هذه الوسيلة ،وإنما تذكر فيه محاسن الفقيد ،والناظر إلى هاتين
القصيدتين يرى اختالفا ً بينا ً بينهما ،من حيث القوة والضعف ،فانظر إلى مرثية أبي تمام التي
قالها في رثاء القائد الشجاع محمد الطوسي الذي استشهد في ميدان المعركة ،ولعل أول ما يلفت
االنتباه في هذه المرثية الحزينة هو ذلك االفتتاح الرائع التي تبدو فيه مالمح الفاجعة التي حطت ،
والمصيبة التي حلت ،فلفظة ( كذا ) توحي بالتسليم ألمر الله وقضائه في مقتل هذا القائد الشجاع
،ألن الخطب جلل ،واألمر فادح ،ولذلك ال يجد الشاعر عذرا ً ألي عين لم يفض دمعها على
مقتل هذا القائد العظيم ثم يعلن نعيه لجميع اآلمال التي رحلت بعد هذه الفاجعة ،وحلت بالشاعر
الروح ِ ) ،فظل أبو تمام يرثي فقيده إلى
ب ٌ ع ْذ َ
في مقتل هذا الشاب الذي وصفه بأنه ( فَت َى كانَ َ
آخر القصيدة مظهرا ً عاطفته الصادقة الحزينة الجياشة ،حتى يحس القارئ بأنه في ساحات
2
َمناَقِبُ ُكم ْ– في أ ُ ْف ِق َها – أ ْن ُج ٌم ُز ْه ُر سة بَـــني " َج ْه َور" أ ْنت ُ ْم َ
س َما ُء ِريَا َ
وهذا ما يؤكده الدكتور وهب رومية بقوله " :إن ابن زيدون ال يصلح للمراثي وال يطيق
الصبر عليها ،وما له بها ؟ أن الرثاء يقتضي اإلحساس بالفجيعة ولوعة الحزن " ، 3ثم يضيف
قائالً " :إنه سجين وعيه ومصالحه الضيقة ،وهما يضربان في وجهة أخرى غير وجهة الرثاء
وما يقتضيه ،ولعل عنصر الرثاء الوحيد الذي يتردد صداه في دنيا هذا الشاعر هو التأبين لما
بينه وبين المدح من أسباب " ، 4ونالحظ أن تكرار كلمة الدهر ،والصبر ،والموت تشير إلى
إحساس الشاعر بالعجز ، 5وكأن ثمة سؤاالً غامضا ً يدور في فكر كل إنسان عن الكون يعرفه
الجميع وحاولوا تفسيره ،فكان الجواب عليه " هو الدهر " 6الذي قرن بالصبر ،ولما ابتدأ ابن
زيدون قصيدته بهذا الجواب ،أضحى ـ في كثير من المواضع ـ متسائالً ومجيبا ً عن هذا التساؤل
بنفسه في أسلوب شرطي مستخدما ً فيه ( إذا ،إن ) كأداتين للشرط ،رابطا فيهما بين الماضي
والحاضر ،ماضي الفقيد وحاضر الممدوح ،ومن أمثلة ذلك قوله :
1ـ ، /http://www.alfaseeh.comشبكة الفصيح ،منتدى اللغة العربية ،تحليل قصيدة أبي تمام يرثي فيها محمد بن حميد ،ص. 1
-2ديوان ابن زيدون ،ص ، 519المناقب :المفاخر .
3ـ رومية ،وهب ،شعر ابن زيدون قراءة جديدة ،الهيئة العامة السورية للكتاب ،دمشق ، 2211 ،ص . 95
4ـ المرجع السابق ،ص . 91
5ينظر ـ رومية ،وهب . 62 ،
6ـ ينظر المرجع نفسه ،والصفحة نفسها .
55
مواطن التأثر في األبيات :تأثر ابن زيدون ببعض أبيات أبي تمام ،فقوله :
ب وال َم ْسلَكُ َ
الوع ُْر ص ْع ُ
شَآهُ ال َم َرام ُال َّ اء َي ُرو ُمهُ
ض ِ ض ْي ُم !! لَ ْو َ
غي ُْر القَ َ ُهو َال َّ
1
الفكرة في البيتين واحدة ،وإن اختلفت في معناها ،فابن زيدون في رثائه لوالدة ابن جهور ،
يقول :إن القضاء قد سبق موتها ،ولو لم يكن الموت قضا ًء وقدرا ً ،لردها عن هدفه المطلب
الصعب ،والمسلك الوعر ،بينما يقول أبو تمام في رثائه ،لمحمد بن حميد الطائي :إن هذا القائد
الشجاع باستطاعته الهروب من الموت ،وهو مطلب كل نفس ،وعلى الرغم من أن فوت الموت
،كان سهالً ،إالَّ أنه آثر الحفاظ المر ،والخلق والوعر إيمانا ً بقضيته .
اس ِب ِه ذُ ْخ ُر
س ذُ ْخر َما يُقَ ُ
نَفَائِ َ ت – ِم ْن ُم َجا ِ
ب دُ َ
عائِها ـ ت ََولَّ ْ
ت !! فأ ْبقَ ْ
3
وليس له ذُ ْخ ُر
َ وذُ ْخرا ً ِل َم ْن أم َ
سى و َما كانَ إال ما َل َم ْن ق َّل َمالُهُ
يقول ابن زيدون :لقد طواها الموت ،ولكن دعواتها الصالحة المجابة ظلت باقية ،وهو من
أثمن الذخائر ،أما أبو تمام فيصف قائده بالكرم ،والسخاء ،وأن هذا الكرم والسخاء والشجاعة
ذخر ألهل الفقيد وقبيلته .وأخذ ابن زيدون قوله :
ٌ
4
ماء خ ََّر ِم ْن َب ْي ِنها ال َبد ُْر
س ِ نُجـو ُم َ يوم وفَا ِتــــه كـ َّ
ـأن َبنِي نَ ْب َهانَ َ
المعنى متفق بين البيتين ،وإن اختلف الغرض ،فابن زيدون انتقل إلى مدح آل جهور ،
قائالً :يا بني جهور :لقد علوتم حتى أصبحتم في رياستكم ،سماء تشرق فيها مفاخركم ،كاألنجم
1
فَ ِم ْن ِشيَم ْاألَب َْر ِار – في ِمثْ ِل َها – ال َّ
صبْر صبِ ْر ِللَّذِي أحْ دَ َ
ث الدَّ ْه ُر ُه َو الدَّ ْه ُر !! فا ْ
ون ِلفَ ْقـدِه ِ لَعَ ْهدِي ب ِه ِم َّم ْن يُ َحبُّ له الدَّ ْه ُر لَئِ ْن أ ُ ْب ِغ َ
ض الدَّ ْه ُر ال َخ ُؤ ُ
2
لَ َما زَ ال ِ
ت األيَّا ُم ِشيمتُها الغَد ُْر الــر ْوعِ أيَّا ُمه به لَ ِئ ْن غَـ َ
در ْ
ت في َّ
يقول ابن زيدون :صبرا ً لما أصابكم به الدهر ،فإن الصبر الجميل من شيم األحرار ،
بينما أبو تمام ،كان يحب الدهر لوجود صاحبه ،ولكنه اآلن يبغض هذا الدهر الذي أفقده هذا
الصاحب ،وهذه شيم األيام وعاداتها ،ال تصفو ألحد .وقول ابن زيدون :
3
س ُم َها الغُ ْف َرانَ َر ْي َحانُ َها النَّ ْ
ص ُر يُنَ ِ ّ س َال ُم الله ِتَتْ َرى ت َِحيَّةً
علَ ْي َها َ
َ
4
ع ْم ُر
ليس له ُ
الكريم ال ُح َّر َ
َ َرأيْتُ علــيك ســــــالم الله وقفا ً فإنني
يقول ابن زيدون :عليها سالم متتابع من الله ،وتحية لها مشفوعة بالغفران ،لما قدمته من
صالح األعمال ،وما عطرت به حياتها من أطيب اآلثار .أما أبو تمام فيخاطب أميره الذي ثوى،
قائالً عليك سالم الله َّ ،
فإن الكريم الحر قصير العمر.
الظهر
ُ س مجدَّدٌ بثاوية حلَّته ،فاستوحش
األرض ،أ ْن ٌ
ِ لبطن
ِ هنيئا ً ،
الخد ُْر
بطاهرةِ األثواب ِ ،فاتن ِة الضحى ُمسبَّ َح ِة اآلناء ِ ،محْ رابُها ِ
يقول ابن زيدون :هنيئا ً لباطن األرض بأنسها الجديد الذي ثوى وح َّل ضيفا ً عندها ،وقد
أصبح ظهر األرض موحشا ،كما أن تلك المرأة طاهرة األثواب والنفس ،تسبح كل األوقات
وخدرها محرابها .ويقول أبو تمام قضى طاهر األثواب ولم تبقَ روضة يوم وفاته ،إال اشتهت
أنها هي القبر ،لهذا الشهيد الطاهر .ومن خالل تتبعنا لمعاني األبيات ،والمقارنة بينها نرى
هناك اختالفا ً بينها في الغرض ،فيغلب على أبيات ابن زيدون مدح ابن جهور ،ويذكره بالصبر
،مشيرا ً لفضائل والدته الراحلة ،أما أبو تمام فتتضح في قصيدته العاطفة المتقدة ،وفجيعته في
مقتل ذلك القائد الشجاع .
والبن زيدون قصيدة أخرى في رثاء أبي الحزم بن جهور ،تشبه قصيدته السابقة في
( الغرض ،والبحر ،والروي ،وحركته ) ،نظر في بعض أبياتها إلى قصيدة أبي تمام السابقة ،
يقول ابن زيدون في مطلعها :
2
وأ َ ْن ق ْد َكفاَنا – فقدَها – الق َم ُر البَد ُْر القبر
ُ الشمس ق ْد ض ّمها
َ ألم تر َّ
أن
فمن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأبي تمام :قول ابن زيدون :
3
سؤدَدُ النَّثْ ُر ظ ُم – في ْ
أخالقِ ِه – ال ُّ َويُ ْن َ فَت َى يَجْ َم ُع ال َمجْ دَ ال ُمفَ َّرق ه ُّمهُ
4
كبر ولكن ِكبْرا ً ْ
أن يُقَا َل به ُ َّ ضة
ضا َ الروح ِ ال ِم ْن َ
غ َ ب ٌ ع ْذ َ
فَت َى كانَ َ
نالحظ أن صفات الفتوة بين البيتين واحدة ،تمثلت في األخالق ،وعذوبة الروح ،غير
أن فتى أبي تمام قد ثوى فهو فقيد ،وفتى ابن زيدون قد تستلم الحكم وهو ممدوحه بعد أن ثوى
أبوه ابن جهور ،وقد نظر ابن زيدون في قوله :
5
ع الغُ ْم ُر
َالضر ُ
ِ فَإنَّكَ َال الفَانِي َ ،وال فإن ث َ َوى
ع ْنهُ ْ ، عزَ ا ًء – فَدَتْكَ النَّ ْف ُ
سَ - َ
والبن زيدون قصيدة بائية في مدح وعتاب أبي الحزم بن جهور ،مطلعها :
3
ص ِلي ِبفَ ْر ِع ِك لَيـْلَ ِك ال ِغ ْر ِبيبــــــــَا
فَ ِ علَى ُ
س َراك َرقِيبا ً هذَا ال َّ
ص َبا ُح َ
عارض فيه قصيدة ألبي تمام في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف [ الثغري ] ومطلعها:
ت َِج ِد ال َّ
ش ْوقَ سا ِئال ً و ُم ِجيــبا ً فاسألَ ْنها واجْ َعل بُكاَك َجوابـــا ً
ال شك أن غرض المديح قد استأثر اهتمام ابن زيدون الذي عاش مدة طويلة في بالط
األمراء ،فكان الموقف يتطلب منه أن يطرق هذا الغرض الشعري ،وأن يتخذ من مدائح
العباسيين أنموذجا ً يحتذيه ؛ لينال الحظوة والجاه عند ممدوحيه ،وبذلك أضحت المعارضة
الشعرية لمدائح العباسيين ظاهرة واضحة في شعره
هيكل القصيدتين :تتكون قصيدة أبي تمام من خمسة وخمسين بيتا ً ،أما قصيدة ابن زيدون
فتتكون من ثمانية وثالثين بيتا ً ،والمتتبع للقصيدتين ،يرى أثر المعارضة واضحة جلية إال أنها
تعد معارضة ناقصة ،حيث اتفقت القصيدتان في الغرض وهو( المدح ) ،واتفقتا في القافية البائية
،والروي المفتوح ،واختلفتا في الوزن ،فقصيدة أبي تمام من البحر الخفيف ،و قصيدة ابن
زيدون من الكامل ،ولدى المقارنة بين القصيدتين من حيث الشكل والمضمون تبين للباحث أن
القصيدتين اتفقتا في أشياء واختلفتا في أشياء أخرى نوضحها فيما يلي :
أوجه االتفاق ،والتباين بين القصيدتين :اتفقت القصيدتان في الغرض والقافية وحركة الروي ،
وفي بناء القصيدة من حيث المقدمة ،وطريقة االنتقال والتخلص إلى الغرض األصلي للقصيدة ،
فابتدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة غزلية في نحو ستة عشر بيتا ً ،يتحدث فيها عن محبوبته التي
هجرته ،وغدت كأنها حبيب ،وعدو له في آن واحد ،فهي محبوبته ولكنها عذبته بالهجران
1
عجي َبا نِ ْعم َالنَّ ِ
صيُر لقد َرأيْتُ ِ ور"
"وجْ َه ٌ
ام َ ألن أ ُ َ
ض َ َولَئِ ْن َ
ع ِجبْتُ ْ
فهو بهذه المقدمة الغزلية والشكوى من الشيب واالنتقال إلى الممدوح متأثر بأبي تمام ،حيث
بدأ أبو تمام قصيدته بمقدمة طللية وقف فيها على أطالل المحبوبة يسأل تلك األطالل ويدرك بأنها
ال تجيب على سؤاله ،فالشاعر يسأل ويجيب نفسه ؛ ألن هذا الطلل يمثل جز ًءا من تجربته ثم
ينتقل إلى الشكوى من الشيب ،ومن تلك الشكوى ينتقل الشاعر إلى المديح ذاكرا ً ،اسم ممدوحه ،
فيقول :
2
ُخلُقا ً من أبِي َ
س ِعيد َرغيبَا وف اللَّيا ِلي ُك ّل يوم ت ُ ْبدِي ُ
ص ُر ُ
فينتقل كل منهما إلى مدح أميره ،فيصف أبو تمام أبا سعيد بصفات الشجاعة واإلقدام ،وأنه
سيف صليل على أعدائه ،ونالحظ أن أبا تمام قد خص مديحه لهذا األمير فلم يحد على هذا
الممدوح ،أما ابن زيدون فتارة يمدح أبا جهور ،وتارة أخرى يمدح آل جهور فتظهر في
القصيدة ضمائر المفرد والجمع ،وأن الغالب على صفات ابن زيدون لممدوحه هي صفات
التقوى ،واإلحسان ،والتوبة ،والعفة .
وقد كان ابن زيدون في أغلب مدائحه وبخاصة في مدح ابن جهور يشكو من الوشاة ،فنراه
دائما ً يبرئ نفسه مما نسب إليه من فتن ،كقوله في هذه القصيدة :
ولعل ما تميز به ابن زيدون هنا بروز األنا في قصيدته ،فإذا غلب على أبي تمام تسمية
ممدوحه بأسماء السيوف والنبال في مقارعة األعداء ،فإن ابن زيدون تستهويه األنا المتضخمة
فكأنه يريد مواجهة هؤالء الوشاة والحاسدين الذين أرادوا أن يوقعوا بينه وبين ممدوحيه ،يقول
ابن زيدون :
السيف ،ويقول :كم ضاق بي من مذهب فثنيته ،وهذا النهج نجده في كثير
ُ فيقول :أنا
من مدائح ابن زيدون ،وبخاصة في مدائحه في أبي الحزم ،وهي قصائد يكثر فيها من حديثه عن
الوشاة ،فيكثر فيها الحديث عن شجاعته ،؛ ليثبت أمام قوى الوشاة الحاسدة .
وفي خاتمة القصيدتين ،نجد أن ابن زيدون يختم قصيدته مثلما ختم أبو تمام قصيدته من دعاء
لممدوحه بطول العمر ،فقال :
1
ــقوب في سنه أبا يعقوبا وبقا ًء حتى يفوت أبو يعــ
ومن مواطن التباين بين القصيدتين :ظهور بعض صور الموت والحرب وأدوات القتال
عند أبي تمام ،وال ضير في أن يكون شعره كذلك ،فهو شاعر مصور ومسجل لألحداث التي
تقع بين ممدوحه وأعدائه ،فنراه يتكلف في إظهار قوة ممدوحه وحسن تدبيره للمعارك ؛ لينال
عطاء ممدوحه ،ولذلك قوي شعره ،أما ابن زيدون فلم يبلغ شعره شأو أبي تمام وال داناه حيث
إنه لم يكن من شعراء التكسب ؛ لثرائه ،كما أن شعره في أبي الحزم يظهر فيه النفاق والمجاملة
؛ ليتقي شره ،ويسلم من سجنه ،ولذلك ال نراه يمدح أبا الحزم حتى يصير إلى مدح نفسه لتظهر
أناه فتتماسك وتقوى أمام الوشاة ،ومن صور القوة التي ذكرها أبو تمام في قصيدته :
ً2
ِل ِبال ِد العد ّ ُِو َموتا ً َجنُوبا َ
طا ِعنًا َم ْن َح َر ال َّ
شما ِل ُمتِي ًحا
ضربةً غَادَرتْهُ َ
ع ْودا ً َر ُكوبا ْ ع ْي ِه شت َا َء في ْ
أخدَ َ ضربْتَ ال ِ ّ
فَ َ
الجناس :من األساليب الالفتة للنظر ،التي استعان بها ابن زيدون استجابة لنداء المعارضة
أسلوب الجناس القائم على رد الصدر على العجز ،وهذا األسلوب حقق للقصيدة نسقا ً بديعيا ً أنيقا ً
صوبا / واب ت َ ُ
ص ُ ،ويمكن أن نصور هذه الظاهرة على هذا النحو :يقول أبو تمام مجانسا ً :ف َ
ب ولعُـوبا /النَّسي ِ
ب يب الَّ َّ
صليبا ً َ /ل ِع َ ب شيبا ً /الخطوب خطوبا /و َ
ص ِل ُ َضيبـَا /للشيـ ِ ض َب ْ
تخ ِ َخ َ
َضيبَا /
يب – خ ِ
الخض ُ
ِ إربا ً أريـبا ً /الحروب حروبا ً ،وعند ابن زيدون :
ب دروبــا ْ / نسـيبا ً ُ /
فدرو ِ
َطيبَا /عذبت التعذيبا ً /عجبت عجيبا ً /الضروب ضروبا ُ /م ْن ِجبا ً بخ ِ عجـي َبا /ال ُخ ُ
طو ِ ع ِجبْتُ ِ
َ
ب ع ِقيـبا ً .
ونجيبا ً /التجارب تجريبا ً /العقي ِ
الطباق :اتفقت القصيدتان في بعض صور الطباق ،ومثاله عند أبي تمام :سائالً ـ مجيبا ً /
القريب ـ بعيدا /الليل ـ النهار /الشمال ـ الجنوب /غادرته ـ عودا .وعند ابن زيدون :معاديا ً ـ
مواليا ً /معاقبا ً ـ مثيبا ً /متعذر ـ سهل /سائالً ـ مجيبا /يبلى ـ يستجد .
ويُال َح ظ أن ابن زيدون تارة يمدح ابن جهور ،وتارة أخرى يمدح آل جهور ،فعندما يمدح
س بالدَّ ْه ِر ،يَ ْقعُدُ َ
ص ْرفُهُ /ملك ور" ُ /مت َ َم ِ ّر ٌ
"وجْ َه ٌ
ام َ ع ِجبْتُ أل ْن أ ُ َ
ض َ ابن جهور ،يقول َ :ولَئِ ْن َ
أطاع الله منه موفق /يأتي رضاه مواليا ً ومعاديا ً /تأبى ضرائبه /بسام ثغر /من ال تعدى
النائبات لجاره .وحين يمدح آل جهور يقول :إن الجهاورة الملوك تبوءوا /يغشى التجارب كلهم
/همم تنافسها النجوم .
مواطن التأثر في األبيات :ومن أبيات أبي تمام التي تأثر بها ابن زيدون قوله :
يقول أبو تمام :ال تنتظر جوابا ً من تلك الطلول التي تسألها ،وإذا سألها وجعل البكاء جوابها
فقد ألهب الشوق في حالتي سؤاله وجوابه ،وهي فلسفة حسنة ،ومذهب من مذاهب أبي تمام
القائم على خلط الجناس بالطباق ،وقد ضمن ابن زيدون طباق أبي تمام الذي في آخر البيت
قائالً:
2
امع َ"سائال ً ومجيبا ً"
س َِم َأل ال َم َ امتا ً ولَ ُربَّ ّما
ص ِ َم َأل َ النَّ َو ِ
اظ َر َ
َ1
ب ب ُْردا ً قَ ِشيْبا غفَالتُ ال َّ
ش َبا ِ َ ستْ َها
و ِكعاَبا ً كأنَّ َما ألبَ َ
2
يس فَ َي ْست َِجدُّ قَشِي َبا ً
يُب ِلي الد َِّر َ عادَة َ الَبِس
وت َ َهنَّإ األ ْع َيادَ َ
االتفاق في األبيات ،يكمن في استخدام المالبس الجديدة ،يقول أبو تمام :عهدنا تلك الطلول ،
تقطنها كعابٌ من النساء ،يرتدين المالبس الجديدة ،أما ابن زيدون :فإنه يهنئ ممدوحه بأعياد
متوالية ،فإذا ودع عيدا استقبل عيدا ً ،كما يخلع الالبس المالبس البالية ويلبس الجديدة .وكذلك
قول أبي تمام :
3
ار والت َّ ْشبِيبَا
ف ال ِدّيَ ِ
ص َ
فاقَ و ْ طاب في ِه ال َمدِي ُح والتَذَّ َحت َى
َ
4
فَت َكاَدُ تُو ِه ُمكَ ال َمدِي َح نَسِيبَا و َم َحا ِس ٌن ت َ ْندَى َرقائِ ُق ِذ ْك ِرهَا
يقول أبو تمام :أطيب الشعر ما كان تشبيبا ً ،وقد صار مديحي ألبي سعيد الثغري أطيب
وألذَّ من التشبيب ،وهو وصف أخذه ابن زيدون وخلعه على ممدوحيه ( آل جهور ) ُ ،معدِّدا ً
ي محاسن عظيمة يرق ذكرها إلى حد تتوهم فيه أن المديح قد تحول إلى فضائلهم قائالً :لهم عل ّ
نسيب وغزل .ومن أبيات أبي تمام التي تأثر بها ابن زيدون أيضا ً قوله :
5
َضيبَا أن َرأ َ ْ
ت ش ََواتِي خ ِ ـــ ِد دما ْ ت َخدَّهَا إلى لُؤلُؤ ال ِعقـْ
ضبَ ْ
َخ َ
6
َضيبَا
يب ـ خ ِ
الخض ُ
ِ َكفَّا ـ هي ال َك ُّ
ف ت إذ َحيَّ ْيتِنَا ولَ َ
طال َمــــا أ ْبدَ ْي ِ
الفكرة العامة المشتركة بين األبيات ،هي ( :تخضيب الخد بالدمع ممزوجا ً بالدم ) ،يقول
أبو تمام :إنها خضبت خدها دمعا ً ممزوجا ً بالدم ،عند رؤيتها للشيب في رأسها ،ويقول ابن
لحظك يدعو إلى الريبة في فتكه بالقلوب .
ِ خدك مضرجا ً بدم العشاق ِ ،واليزال
ِ زيدون :اليزال
2
َطيبَا ُك ّ
ظما ً في الفَخَار َ
قام خ ِ ص َبحْ نَ ُخ ْرسا ً
فإذَا َما األيّا ُم أ ْ
3
َطي َبا
بخ ِ ام في ناَدِي ال ُخ ُ
طو ِ إن قَ َ
ْ س بالدَّ ْه ِر ،يَ ْقعُدُ َ
ص ْرفُهُ ُمت َ َم ِ ّر ٌ
ُ
معلن به ،حين يخرس عنه غيره ،فأخذ ابن مجاهر بالحق ،
ٌ يقول أبو تمام :إن األمير
زيدون هذا المعنى ،فجعل أميره محنكا ً خبيرا ً ،يردُّ ببأسه صروف الدهر ونوائبه ،وهو خطيب
مفَ َّوهٌ إذا قام خطيبا ً .وقول ابن زيدون :
ــــقَاكَ إالَّ ُمسْتوهِبا ً أو و ُهوبا ً ُم ْم ِطرا ً لي بالجاه وال َما ِل ال أّلــ
يقول ابن زيدون :سأقابلك بالشكر الجزيل ،على ما أمطرت سحائب جودك علي ،ويقول
أبو تمام :لقد بذلت لي المال ،ووهبتني الجاه ،فأحبني الناس ،ألني كنت أعطيهم من عطاياك .
وعارض ابن زيدون قصيدة أبي تمام التي مدح بها عياشا ً وعاتبه ،ومطلعها :
4
يـــــض
ُ وآلل تـــو ٌم وبـ َ ْر ٌق ِ
وم إغريــــــــض
ُ وث َ ِ
ناياك إنَّهــــــا
أريض
ُ ض
صباحِ َر ْو ٌ َّ
هزهُ في ال ّ نـــــــــــو ٌر في ِبطـــــاح
َّ وأقاح ُم
1
يـــــض
ُ ع ِر
نَشَبٌ َوافِ ٌر َ ،و َجاه ٌ َ غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي ال ِبي ُ
ْض : َ
هيكل القصيدتين :القصيدتان من البحر الخفيف ،وفي غرض المدح ،واشتركتا في الروي
وحركته وهو الضاد المضموم ،وباشتراكهما في هذه األمور األربعة فهي من المعارضات التامة
،وقد بلغ عدد أبيات قصيدة أبي تمام ثمانية وعشرين بيتا ً ،بينما بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون
سبعة وعشرين بيتا ً .
بناء المضمون :بدأ أبو تمام بمقدمة غزلية في نحو ثالثة أبيات يمزج فيها الغزل بوصف
الطبيعة ،على عادته في كثير من مطالعه الغزلية ،فشبه أبو تمام ثنايا محبوبته في لمعانها
وبياضها بلمعان البرق ،و حركة عيونها باألقحوان المنور الذي تحركه وتهزه نسائم الصباح ،
ثم ينتقل إلى الشكوى من األحداث التي أصابته حتى أصبح مترددا ً في خوض غمارها ،كما ينتقل
إلى مدح شعره ،دون أن يضفي على ممدوحه أيا ً من الصفات التي يحبها الممدوح ،و دون أن
يشير إليه اللهم في بيتين ،يقول فيهما :إن حياة هذا الشعر مرتبطة بإحيائك الجود ،فإذا غاب
الجود انتهى هذا الشعر .أما ابن زيدون فقد بدأ قصيدته بالمديح ممزوجا ً بوصف الطبيعة دون أن
يمهد لقصيدته بالغزل ؛ ولعل إحسان المعتضد إليه عندما أباح له أن يتنزه هو وحرمه في حدائقه
وبساتينه ،دفعه إلى أن يذكر فضائل الممدوح فأنساه ذلك أن يتغزل فاكتفى بوصف تلك الطبيعة
الرائعة ،وال تخفى علينا أول عبارة في القصيدة وهي قوله " غمرتني لك األيادي البيض " التي
توحي بأن الممدوح غمر الشاعر بكل ضروب العطاء والنعيم فانهال الشاعر يصف تلك النعم
والهبات التي وهبت له من قبل ممدوحه ،وقد وصف الشاعر تلك الحدائق بجنة عدن كثيرة
الثمار واألنهار ،وأن نسيمها يشفي النفوس العليلة ،فكانت هذه المظاهرة الجميلة بديلة له عن
الغزل والحب ( وال سيما وأن الممدوح من آل عباد ) الذين أخلص لهم ،وصدقت عاطفته
تجاههم ،وبالغ في وصفهم ومدحهم ،بمدائح معبرة عن صدق وإخالص ثم يختم قصيدته بختام
رائع يستحسنه النقاد ويرغبه الملوك واألمراء ،وهو الدعاء لهم بالديمومة والبقاء ،وهو ما ال
نجده في قصيدة أبي تمام ،يقول ابن زيدون :
يض ٌ
حديث ،ما بينهم ُمسْت ِف ُ ُهم لوك أنَّك َموال
راف ال ُم ِ
فا ْعتِ ُ
األسلوب :اختلفت القصيدتان في بعض األساليب ،حيث تميز ابن زيدون بمبالغته في وصف
الممدوح وكثرت نداءاته له ،يقول ابن زيدون " :ملك ذاد عن حمى الدين /يا معز الهدى /يا
محلي يفاع حال ،ولعل سبب تكرار هذه النداءات هو أن المعتضد أحله مكانة عالية تجاوزت
النجوم ،وأن أقل هذه النعم يرضى بها كل طالب جاه وسلطة ،يقول :
1
ض فَ ْوزَ ال ِقدَاحِ ِم ِنّي ُم ِف ُ
يض َي ْر َ ب ِفي ِه
الرغَا ِئ ِ إن أن َْل أ َ ْي َ
س َر َّ ْ
كما تميز ابن زيدون بالموسيقى الداخلية المتمثلة في حسن التقسيم الذي يعطي القصيدة نغما ً
ط ْل ٌق ،
اص ٌع َ ،و َخدٌ أ َ ِسي ٌل َ /و ُم َحيًّا َ
وجرسا ً موسيقيا ً رائعا ً تستحسنه األسماع ،ومن أمثلته :بَش ٌَر نَ ِ
يض /دُم ُموفَّى َ ،و ِليُّكَ الدَّ ْه َر َ ،محْ بُو ٌر مساعيك /
ع ِر ُ
يض /نَشَبٌ َوافِ ٌر َ ،و َجاهٌ َ
َض ُ
فغ ِ َو َ
ط ْر ٌ
وظل بَ ُرودٌ .
جتنى ُمدَّن ِ ،
ً ُم
أما أبو تمام ،فقد بالغ في اإلكثار من الجناس والطباق بخالف ابن زيدون الذي لم يلتفت إلى
هذه المحسنات ،ولعل سبب غض أبي تمام طرفه عن المبالغة في وصف الممدوح انشغاله بهذه
المحسنات ،وإليك هذا الجناس الذي أورده في القصيدة :للحضيض ـ حضيض /فضضنا ـ
مفضوض ـ خ اتم ـ خاتم /يجلن ـ جالت /عريض ـ عروض /مات ـ مات /الجود ـ الجود /حياة
ـ أحياؤك /الطويل ـ الطويل /عريضا ً ـ عريض /اإلحسان ـ اإلحسان /بعينك ـ لعيني /روض ـ
أريض /استفيضت ـ تفيض /البحور ـ بحورا ً /القريض ـ القريض .
أما الطباق فمن أمثلته :سود ـ بيض /التصريح ـ التعريض /المرفوع ـ المخفوض /اإلحسان ـ
بغيض /الطويل ـ العريض /مبسوط ـ مقبوض /عثرت ـ نهوض /صحة ـ مريض .
التأثر بين أبيات القصيدتين :نظر ابن زيدون إلى بعض أبيات أبي تمام ،فمن ذلك قوله :
2
يض
َام ِفي ِه َو ِم ُ
الرخ ِ
ق ُّ
ِل َب ْر ِ شيّدَة َ ال َم ْبنَى َج َاو َر ْ
ت َح َّمة ً ُم َ
1
وآلل تُو ٌم و َب ْر ٌق َو ِم ُ
يض اك إنَّها إ ْغ ِر ُ
يض وثنَايَ ِ
2
يض
َض ُ
فغ ِ ط ْل ٌق َ ،و َ
ط ْر ٌ َو ُم َحيًّا َ َاص ٌع َ ،و َخدٌ أ َ ِسي ٌل
َبش ٌَر ن ِ
والمعنى :أنها ذات بشرة ناصعة البياض ،وخد أملس ناعم ،ووجه طلق ،وعين فاترة ،
فقوله ( :طرف غضيض ) ،يشير إلى قول أبي تمام :
3
يض وطرفُها لي غ ِ
َض ُ ْ ِر و َكان ْ
َت ش ْز أَتْأ َ َرتْنِي األيَّا ُم بالنَّ َ
ظ ِر ال َّ
4
ض فَ ْوزَ ال ِقدَاحِ ِم ِنّي ُم ِف ُ
يض يَ ْر َ ب فِي ِه
الرغَائِ ِ إن أن َْل أ َ ْي َ
س َر َّ ْ
5
فيض فيك تَتْ َرى َح َّ
ث ال ِقدَاحِ ال ُم ُ ث َر ْكبَ ُه َّن أَمان
سعُ ٌم َح َّ
ُ
يشترك البيتان ،في لفظة ( القداح مفيض ) ،يقول ابن زيدون :إن أنل أقل ما أرغب منه ،
يرضى به الفائز بضرب قداح الميسر ،وقد وظف ابن زيدون هذه اللفظة ،من بيت أبي تمام
فيض ) . السابق ،وهو قوله ( َح َّ
ث ال ِقدَاحِ ال ُم ُ
6
ش ْك ِري عليه غَض غ َِر ُ
يض ع ْهدُ ُ
َ ُك َّل يوم َي ِجدُّ ِمنكَ ا ْهتِ َبا ٌل
ال تخفى أواصر القربى بين البيتين ،فباإلضافة لالتفاق في أول ما جاء في البيتين ( ُك َّل
يوم َي ِجدُّ ) في البيت األول ،و ( ُك َّل َيوم يُقَ ِ ّ
ضي ِه ) في البيت الثاني ،اتفق البيتان في المعنى ،
ي كل يوم ،فيتجدد شكري وثنائي عليك ،بتجدد النعم يقول ابن زيدون :تتكرر أنعامك عل َّ
والفضائل ،وهو من بيت أبي تمام ،الذي تتوالى فيه قصائده ثنا ًء وشكرا ً للممدوح ،بسبب
فضائله المتكررة على الشاعر ،وقد ربط كل من الشاعرين ،الجود من الممدوح ،بالثناء والمدح
من الشاعر ،ولذا يقول أبو تمام بعد بيته السابق ( :وحياة القريض إحياؤك الجود ) ،ويقول ابن
زيدون :كل يوم يجد منك اهتبال ،عليه شكر مني .وقول ابن زيدون :
2
يض
ع ِر ُ
نَشَبٌ َوافِ ٌر َ ،و َجاه ٌ َ غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي ال ِبي ُ
ْض : َ
يتفق البيتان في الفكرة ،ويختلفان في المقصود ،فابن زيدون :غمره ممدوحه بما أراد من
إحسان ،ونعيم ،وخير كثير ،وقدر كبير ،فاستحق الممدوح هذا الثناء ،بينما أبو تمام لم يحصل
له ذلك المعروف ،ألنه أثنى على الممدوح قبالً ،والدليل قوله :كن طويل الندى ،فقد ساد فيك
ثنائي الطويل العريض .وقول ابن زيدون :
4
الز َال ُل َي ِف ُ
يض س ْل َ
س ٌل َبحْ ُرهُ ُّ َ َم ْر َم ٌر ْأوقَد َْال ِف ِر ْندَ َ
علَ ْي ِه
5
ت ت َ ِف ُ
يض إنَّها ُكلَّما است ُ ِفي َ
ض ْ إنَّما َ
صادَت البُ ُحور بُ ُحورا ً
يشير ابن زيدون إلى ألفاظ أبي تمام ،أما المعنى فيختلف ،حيث يصف ابن زيدون ،
حوضا ً مصقوالً فيه ماء زالل ،له بريق وألالء مثل لمعان الحسام ،أما أبو تمام ،يتحدث عن
بحور الشعر .وقول ابن زيدون :
يض
ض ُ ــجْ ِم ،مهما يُقَ ْ
س إلي ِه َ ،ح ِ ان النَّــ حلّي يَفَا َ
ع حال َ ،م َك ُ َيا ُم ِ
حضيض
ُ يض ف ْهو
ض ِف لل َح ِ
آ ِل ٌ ِه َّمةٌ ت َ ْنط ُح النُّ ُج َ
وم و َجدٌ
يقول ابن زيدون :يا منزلي مكانة عالية ،إذا قيس إليها مكان النجم يبدو حضيضا ً ،بينما
يرجو أبو تمام همةً عالية كعلو النجوم .
والبن زيدون قصيدة دالية في مدح أبي الحزم بن جهور ،ومطلعها :
1
َم َهاة ٌ َح َمتْها ـ في َم َراتِعها ـ أُسْـــــــدُ يث أحياؤُ ها األ َ ْسدُ
إن ل ْيلَى َح ُ
أ َج َل َّ ،
ع َّز ـ فَلَ ْم ن ْ
َظفَ ْر ِب ِه ـ " األ َ ْبلَ ُق الفَ ْردُ " َو َ "مــــــاردٌ"
ِ إذا نحْ ُن ُز ْرناها ت َــــ َم َّردَ
نظمها معارضا ً بها قصيدة ألبي تمام في مدح أبي الحسين محمد بن الهيثم بن شبانة ،
ومطلعها :
2
عيْن يَحْ تَلِبْ َما َءها َ
الوجـْدُ ْي َ َودَ ْ
ع ِحس َ الفـــردُ
ْ سى قَ ْد أ َ ْقفَ َر ال َج َر ُ
ع ع أَ ً
ت َ َج َّر ْ
-1ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 151األ ْسدُ :قبيلة باليمن ،المهاة :البقرة الوحشية ،مارد :حصن بدومة الجندل ،األبلق :
حصن بتيماء للسموأل بن عاديا ،قصدتهما الزبا ملكة تدمر فعجزت عن فتحهما فقيل " :تمرد مارد " ،الخط :موضع باليمامة تنسب
فتقوم فيه ،الخيل الجرد :التي قصر شعرها ..
إليه الرماح الخطية ألنها تحمل من الهند َّ
-2ديوان أبي تمام ، 295 / 1الجرع والجرعاء :ما سهل من األرض .األسى :الحزن .أقفر :خال ِ .ردُّ ُ :معين .
16
قسم الغزل :يتغزل ابن زيدون في هذا المطلع التقليدي بحسناء ،تنتمي لقبيلة أسد اليمنية ،يحيط
بها الرجال من قومها ،كاألسود ،فيصعب عليه الوصول إليها ؛ ألنها تحيا في خباء محصن منيع
ال يسهل اقتحامه ،دونه رجال على خيولهم الجرد يحملون الرماح الخطية ،كما يتميز أفراد
عشيرتها بالعزة واإلباء وقوة العزيمة ،وشدة الغيرة ،وإذا اقترب منها أحد فان القبيلة بالكامل
تهب وتدافع عنها فهي شريفة ومخدومة وإنها ال تكثر الخروج ،واذا خرجت مع القبيلة تكون في
الهودج وسط قباب أفراد القبيلة يحمونها من أمامها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها .وإذا
يرض عنها بديال ،فلماذا ذكر
َ كان ابن زيدون الذي عرف بحبه لوالدة بنت المستكفي والتي لم
ليلى في أول القصيدة وهندا ً في آخر القصيدة ـ وإن كان مثالً ـ ولم يقل والدة ؟
ولإلجابة عن هذا السؤال الذي فيه ليلى محمية بفضل الممدوح حامي حمى الدين الساهر
على راحة أفراد المدينة ،فلعل المقصود بليلى مدينة قرطبة ؛ التي ال يستطيع أن يقتحمها أحد
وأن ابن زيدون يحاول التقرب من الحاكم للحصول على منصب رفيع ،ألن مديحه آلل جهور
كان المقصود منه مسالمتهم وتحقيق مآربه الشخصية ،ولذك يرى الباحث أن أغلب قصائده في
آل جهور تغلب عليها نغمة االستنجاد لكي ال يعاد إلى سجنه ،ولعل الذي يعزز ما ذكر قول
جودت الركابي :أن مدائح ابن زيدون في المعتضد والمعتمد ترتقي " إلى ذروة كمالها الفني ،
وتعبر ع ن صادق عواطفه نحو هذين الملكين اللذين أحسنا رعايته ،وبوآه أرفع المناصب "، 1
فبالعودة لغزل ابن زيدون في هذه المقدمة والتي رمز فيها لقرطبة بليلى ،نقول أن ابن زيدون
الذي عرف بحبه لوالدة طوال عمره ،لم يذكر اسمها ـ في شعره ـ سوى مرة أو مرتين ،فمن
باب أولى أالَّ يذكر سواها !! ؟ .وبغض النظر من أن ليلى رمزا ً أو حقيقةً ،فمما ال ريب فيه إنه
يتغزل بغادة حسناء قريبة منه بعيد الوصول إليها ؛ بسبب الموانع وقد ظل يتغزل بتلك الفتاة في
مقدمة طويلة تجاوزت ستة عشر بيتا ً ،كثرت فيها المتناقضات ؛ لقربها وبعدها في الوقت نفسه ،
حيث تدنو وينأى مزارها فسيان عنده القرب والبعد ،والمرير والمرد ،واإللف والتنائي .
فيتحدث بعدها عن آل جهور ويمدحهم بصفاتهم الجميلة ،من كرم ،وشجاعة ،وبأس ،
وطاعة فيقول :
وبـــالله معتــــد وفــــي الله مشتـــد إلــــــى الله اواب ولله خــــائف
فهو يمدح آل جهور ويصفهم بكرام االخالق والقوة والمنعة والشرف والسيادة وإنهم يحمون
حمى الدين ويعطون المحتاج ويعفون عند المقدرة وال يسمحون ألجسادهم النوم خوفا ً على
الرعية .
أما القسم الثالث فظهرت فيه ( األنا ) لدى ابن زيدون ،يقول :
إذا ما نبا السيف الذي تطبع الهند يف ال ينبو مع الهز غربه
س ُأنا ال َّ
يصف الشاعر نفسه بأنه الناصح األمين للخليفة ،وأنه السيف الذي كلما استعمله ازداد حدة
ومضاء .والناظر لهذه التقسيمات الثالثة في هيكل قصيدة ابن زيدون يجده قد احتذى فيها حذو
حبيب في تقسيمه لقصيدته ،حيث بدأ قصيدته بمقدمة غزلية تحدث فيها عن ألم البين ،ومرارة
الفراق في بحر اثني عشر بيتا ً ثم انتقل إلى المديح واصفا ً ممدوحه بالكرم والشجاعة وأنه حسن
الخلق حليم م ع أوليائه شديد على أعدائه ،ثم تبرز لديه األنا في آخر قصيدته بذكره السمه وإنه
بغيض ألعداء ممدوحه مستخدما ً طباقا ً رائعا ً ،يقول :
1
ْس لَهُ ِغ ْمدُ
ْف على شَانِيكَ لي َ
سي ٌ
و َ ع ْن ِق ً
لى راميكَ َ
يض ِعندَ ِ
َحبيبٌ َب ِغ ٌ
وفي آخر القصيدة ينتقل إلى مدح قصيدته في سبعة أبيات على عادته في مدح قصائده .
مواطن االتفاق بين القصيدتين :فباإلضافة لتشابه القصيدتين في الغرض والوزن والروي
وحركته تشابهت القصيدتان في البناء والهيكلية ،والعناية باالنتقال واإلشادة باسم الممدوح في
بيت االنتقال ،يقول أبو تمام متخلصا ً :
عة ٌ َ
ع ْمد ُ
2
ع ْقبِها لَ ْو َ ن ََوى َخ َ
طأ في َ ُم َح َّمدُ يا بْنَ ال َهيْثم ا ْنقَلَبت بِنَا
في حين أن االنتقال الفعلي إلى الممدوح لدى ابن زيدون ،قوله مشيدا ً باسم ممدوحه :
صيدُ من آ ِل َج ْهور أل َ ْعوزَ َم ْن يُ ْعدى عليه َمت َى يعدُو َولَ ْوالَ ال َّ
س َراة ُ ال ِ ّ
بناء بعض األساليب :اتفقت القصيدتان في المبالغة في وصف الممدوح ،فنجد أبا تمام يصفه
بأنه :سحاب متى يسحب /ملك من أيكة الجود /رقيق حواشي الحلم /ذو سورة تفري الفري /
داني الجدا تأتي عطاياه من عل /أوفاهم برقا ً /أصدقهم رعدا ً /كري ٌم /فتى ال يرى بدّا ً من البأس
والندى .أما ابن زيدون فتارة يبالغ في وصف ابن جهور كقوله :أليس أبو الحزم /أغر تمهد
نابه /هو األثر المحمود /مليك يسوس الملك /سجيته الحسنى /شيمته الرضا /سيرته المثلى /
مذهبه القصد /همام إذا زان /زعيم ألبناء السيادة /بعيد منال الحال /ممر لمن عاداه /هو الملك
ٌ
عزيز .وتارة يمدح ي/
المشفوع /إلى الله أواب /ولله خائف /وبالله معتمد /في الله مشتد /غن ٌ
آل جهور فيقول :ملوك لبسنا الدهر /هم النفر البيض /كرام يمد الراغبون أكفهم /تولى فلوال أن
تاله محمد .
مدح القصيدة :بعد أن أتم ابن زيدون ثناءه على ممدوحه ظهرت لديه األنا فوصف نفسه بأنه
السيف الفاتك ،وأنه ال يسعى للمال إلى غير ذلك مدح قصيدته وهو أسلوب تمامي تماما ً ،فقال :
ـــاطنُهُ ُود ّ ش ْك ٌ
ـــر َ ،وبَ ِ فظـَــاه ُِرهُ ُ ي ِس ُّرهُ و ْف ُق َجهـْ ِـر ِه
ليَحظى َول ُّ
لقد ترسم ابن زيدون خطى أستاذه في هذه القصيدة حيث مدح أبو تمام قصيدته ـ بعد أن أتم
ثناءه على ممدوحه ـ في سبعة أبيات ،يقول :
1
ار وما دَانَاه ِم ْن َح ْليَها ِع ْقــــدُ
ــ ِب َح ُ ب الـ
ض ُ ظ ْمتُ له ِعقدا ً ِمنَ ال ِ ّ
ش ْع ِر ت َ ْن ُ نَ َ
ِل ُم ْرت َِجز يَحْ ـــدُو و ُم ْرت َِجل يَشــــدُو ــــك في َها لُبَـــانَةٌ
ب ما ت َنفَ ُّ
غـَــــرائِ ُ
سة ُم ْلـــدُ
ْـر َم ْلــــ ُمو َ
غي ُعقائِــ ُل م ْنها َ
َ لوك تُق ِبّلَ ْ
ت ســـا َح ال ُم ِ إذَا َح َ
ضر ْ
ت َ
يقول ابن زيدون وافتك قصائدي في الثناء عليك شاهدة لك بما أكنه في قلبي من حب ووالء
فاقبل شهادتها فهي أعدل الشهود ،وأن محبتي لك ظاهرة وباطنة ،ظاهرة بما قلته لك في هذه
القصائد ،وباطنه ما أكنه لك في قلبي .أما أبو تمام فإنه يفخر بشعره كعادته في أغلب قصائده
حيث يقول :ينضب البحر وال لؤلؤه يداني شعري في حسنه ،وأن قصائدي يراح ويغتدى بها
وهي باقية تحار العقول في فهمها ،وأنها تقطع آفاق البالد ،وفي ساحات الملوك فتقبل قبول
الكرائم من النساء إذا زفت إلى أهلها .
مواطن التأثر بين أبيات القصيدتين :تأثر ابن زيدون ببعض أبيات أبي تمام ،منها :
1
صهُ إذ ْ ُك ُّل غَانِيَة ِه ْند ُ
َوإِ ْخ َال ُ يُ َم ِيّ ُزه ُِم َم ْن ِس َواهُ َوفَاؤُ هُ
حيث إن ابن زيدون نظر في هذا المعني إلى قول أبي تمام :
2
س ِجيَّةَ نَ ْفس ُك ُّل غَانِيَة ِه ْندُ
َ سبَا ِه ْندا ً لَ َها الغ ُ
َدر َوحْ دَهَا فال تَحْ َ
يقول ابن زيدون :ال تغتر بالمظاهر ،وال تعتقد أن الجميع متساوون في فساد الضمائر ،
فإني امتاز عن الجميع باإلخالص والوفاء ،وقد اتفق ابن زيدون مع أبي تمام في تضمين هذا
المثل " :كل غانية ِه ْندُ " ، 3وهو مثل يضرب للتساوي في الشر .
4
أن يُ ْستَبَا َح لَهُ َحــدُّ
ّين ِم ْن ْ
ِح َمى الد ِ أ َ َبا َح ِح َمى الخ َْم ِر ال َخبِيث ِة ،حائطا ً
ص ْلد ُ
ش ْك َرهَا ال َح َج ُر ال َّ
يَ َكادُ ي َُؤدِّي ُ ص َر ِمــــنَّة ً
الم ْ
صا ِل َها ِ فَ َ
ط ّوقَ بِا ْستِئْ َ
1
ص ْلد ُ
وال َبيْنَ أَض َْال ِعي لَ َها َح َج ٌر َ ؤون َب ِخيلَةٌ
ش ٌ َو َما خ َْل َ
ف أَجْ فاَنِي ُ
المعنى يختلف بين الشاعرين ،يقول ابن زيدون :اقتحم األمير حصن الخمر فاستأصلها ،
وهدمها حفاظا ً على حرمة الدين ،فاستحق بذلك أن يشكره كل شيء ،حتى الحجر الصلد .
ويقول أبو تمام :شؤوني ليست ببخيلة على عيني بالدمع ،وال بين أضالعي حجر صلد ،وإنما
هو قلب يألم ويحزن .ولما كانت قصيدة ابن زيدون معارضة لقصيدة أبي تمام ،فلعل ابن زيدون
أعجبته عبارة ( حجر صلد ) ،فوظفها في معنى مغاير ؛ خدمةً لغرضه الذي أراده .
2
صه ُْال َع ْبدُ
طأ َ َخدَّ ال ُح ِ ّر أ َ ْخ َم َ
أل َ ْو َ ت ََولَّى ،فَلَ ْو َال ْ
أن ت ََالهُ " ُم َح َّمد ٌ "
االتفاق بين البيتين هو المطابقة بين لفظتي ( الحر ،والعبد ) ،والمعنى مختلف ،يقول ابن
زيدون قضى أبو الحزم ولوال ابنه محمد ،ولي األمر من بعده ،لفسدت أحوال الرعية ،فداس
حر ،أصبح دمعه عبدا ً ؛
العبيد بأقدامهم وجوه األحرار .ويقول أبو تمام :وكم فتى من القوم ِ ّ
لشدة الصبابة .وقول ابن زيدون :
4
سا َءتُهُ َ
ع ْمد ُ فَ َع ْن َخ َ
طإ ،ل ِك ْن إ َ سنَ ال ِف ْع َل َم ّرة ً
ُه َو الدَّ ْه ُر َم ْه َما أحْ َ
5
عة ٌ َ
ع ْمـــدُ طأ ٌ في َ
ع ْق ِبها لَ ْو َ ن ََوى َخ َ ُم َح َّمدُ يا بْنَ ال َه ْيثَم انقَلَ ْ
بـت بــِنَا
ف ال ُّ
ش ْهدُ ي لم يُ ْع َر ِ ولوال ال َّ
ش ْر ُ ي ْ إل َّ سا َءة َدَ ْهر أ َ ْذ َك َر ْ
ت ُحسْنَ فِ ْع ِله ِ إ َ
1 ع َ
طا َيا ،ث َ َرى اآل َما ِل ـ ِم ْن َ
صو ِبها ـ َج ْعدُ َ س َما ُء َي ِمينِ ِه ت َ َهلَّ َل فَا ْن َهلَّ ْ
ت َ
من قول أبي تمام :
2
فَال َرج ٌل يَ ْنبُو علَ ْي ِه وال َج ْعد ُ ت ذَ ْيلَهُ
س َحابٌ َمتى يَ ْس َحب ْعلى النَّ ْب ِ
َ
يقول ابن زيدون :تهلل وجه األمير ،ففاضت يمينه بالعطايا ،حتى أصبح األمل منه خصيب
التربة ،يانع الثمار .ويقول أبو تمام :ال سهل يمتنع من إخراج النبات إذا سقاه هذا السحاب .
المعروف من فِ ْع ِل ِه بَ ْردُ
ِ على َك ِب ِد لَدى م ِلك من أيْك ِة الجو ِد ل ْم ْ
يزل
4
اريْتَ في أَنَّهُ ب ُْرد ُ
بكفَّيكَ ما َم َ أن ِح ْل َمهُ
الح ْل ِم لَ ْو َّ
ق َحوا ِشي ِ
َرقِي ِ
االتفاق بين البيتين يتمثل في لفظة ( رقيق الحواشي ) ،والقافية ( البرد ) ،يقول ابن
زيدون :عشنا في ظل هؤالء الملوك ،فصفت لنا الحياة ،وطاب العيش ،ولبست الدنيا أرق
وأثمن األبراد .ويقول أبو تمام :إن األمير جواد سخي يرتدي أثمن الثياب .
5 ْف َو ْ
اخش َْوشَنَ ال َحدُّ َك َما الَنَ َمتْ ُن ال َّ
سي ِ س ِكينة ع ْز َمة ٌ َم ْ
ط ِويَّةٌ في َ لَهُ َ
من قول أبي تمام :
6
ْس لَهُ َحد ُّ
صا ُم لَي َ
صم َ وال يَق َ
ط ُع ال َّ شبَاتُها
ي َ وذُو َ
س ْو َرة ت َ ْف ِري الفَر َّ
-1ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 156الصوب :المطر ،جعد :ند .
-2ديوان أبي تمام . 299 / 1
مفوف :ثوب رقيق أو فيه خطوط بيض ،الحواش :الذيول أو األطراف .
-3ديوان ابن زيدون ورسائله ، 151 ،برد َّ
-4ديوان أبي تمام . 299 / 1
-5ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 112
-6ديوان أبي تمام . 299 / 1 ،
95
يقول ابن زيدون :لألمير عزمات قوية مهيبة ،ولكنها محجوبة بهدوئه ووداعته ،فهو
كالسيف البتار تلين صفحته ،ويقطع حده .أما أبو تمام ،فيقول :هو مع حسن خلقه ،وحلمه مع
أوليائه ،له شدة على أعدائه ،فهو كالسيف ال يقطع إالَّ بحده .
1
صدَأَهُ ال ِغ ْمد ُ
ب أَ ْ
ض ِ
س ِام العَ ْ
ع ال ُح َ
ضيَا َ
َ َام ُل ال ِذّ ْك ِر َ
ضائِع ٌ غ ْف ٌل خ ِ أ َ ِمث ِل َ
ي ُ
2
ْس لَهُ ِغ ْمدُ
ْف على شَانِيك لَي َ
سي ٌ
و َ لى يض ِع ْندَ َراميكَ َ
ع ْن قِ ً َحبِيبٌ بَ ِغ ٌ
يتفق البيتان في ألفاظ ( السيف ،والغمد ) ،يقول ابن زيدون :أمثلي على سمو نفسه ،
ونباهة شأنه ،وحدة ذكائه ،يترك مهمالً منبوذا ً ضائعا ً ،كما يضيع الحسام الصدئ إذا طال لبثه
في القراب .أما أبو تمام فيقول :أنا بغيض إلى أعدائك ألني أغصهم بمدحك ،فيكون المدح
عليهم كالسيف القاطع .وقول ابن زيدون :
3
ش ِهي ُْر األَيَادِي َما ِآلالئِه ِ َجحْ د ُ
َ إن يُ ْذ ِه ْبهُ َ
ع ْنهُ فَ ُمحْ س ٌ
ِن سْ ،
الرجْ ُ
ِي ِ ّ
ه َ
4
ي وال ُك ْف َرانَ ِع ْندِي وال َجحْ دُ
عل َّ وكم ْلك ِع ْندِي ِم ْن يَد ُم ْست َ ِهلَّة
يقول ابن زيدون :الخمر رجس وآثام ،واألمير جدير بالقضاء عليها ،فإنه سخر جاهه في
ي من أفضال ال
خدمة الدين ،فال يستطيع الجاحدون انكار فضله .ويقول أبو تمام :كم لك عل َّ
أكفرها وال أجحدها .وقول ابن زيدون :
5
ئ نَث ُ ٌر ،والث َّ َرى َ
ع ْنبَ ٌر َو ْرد ُ َآلل ُ ض ،فَ ْال َح َ
صى َّت ِزينَةَ ْ
األر ِ ساع أ َجد ْ
َم َ
-1ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111غفل :مهمل أو متروك ال ميزة له ،الخامل :الساقط الذي ال نباهة له ،العضب :الحاد
القاطع .
-2ديوان أبي تمام ، 296 / 1 ،حبيب :يعني نفسه .
-3ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 112
-4ديوان أبي تمام . 292 / 1 ،
-5ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111العنبر الورد :الزعفران .
91
1
الو ْردُ
فق َض ُّر ِم ْن َم ْع ُروفِها األ ُ ُ
ويَ ْخ َ يَدٌ يُ ْستَذَ ُّل الدَّ ْه ُر في نَفَ َحاتِها
يقول ابن زيدون :إن آثاره المحمودة ،زينت األرض ،فأصبح حصاها كالآللئ المنثورة ،
وأثرها كالعنبر المورد .ويقول أبو تمام :إن لألمير فضائل يستدل الدهر من نفحاتها ،ويخضر
من معروفها األفق المورد .وقول ابن زيدون :
2
ي إالَّ يَ ُرحْ يَ ْغدُو
ض ُّ
ض ال َم ْر ِ
إ ِذ ال ِع َو ُ َرأَى نَ ْق َ
ص َما يَجْ بِي ِه ِم ْن َها ِزيَادَة ً
3
بِها و ْه َ
ي َحي َْرى ال ت َُرو ُح وال ت َغدُو ت َُرو ُح وت َغد ُو ،بل ي َُرا ُح ويُ ْغتَدَى
االتفاق في البيتين في لفظتي ( َي ُرحْ َ ،ي ْغدُو) ،أما معنى البيت فيختلف ،يقول ابن زيدون :
إن األمير رأى النقص في الضريبة التي كانت تجبى على الخمر ،هي زيادة له في األجر
والثواب عند الله ،فإذا نقصت الجباية في الدنيا ،ستزيد الحسنات في اآلخرة ،فما ينقص في
الروحات ،يزيد في الغدوات .أما أبو تمام :فيتحدث عن قصائده ،فهي في كل بلد توجد وتعرف
،وهي ال تسير بل يسار إليها ،ألنها ال تروح ،وال تغدو .
الموروث األدبي :أكثر ابن زيدون من األمثال والحكم في قصيدته ،من ذلك قوله :في الجد
نجاح لطالب /في كل واد نوائبه سعد /فلم يك للمصدور من نفثها بد /كل غانية هند ،بينما
ضمن أبو تمام قصيدته مثالً واحدا ً وهو قوله " :كل غانية هند " .
المحسنات البديعية :الجناس :ورد الجناس بشكل عام في قصيدة ابن زيدون بكثرة مقارنة
بقصيدة أبي تمام ،وسنمثل هنا للجناس القائم على رد األعجاز على الصدور عند ابن زيدون ،
وهو ما اصطلح عليه عند البالغيين بالترديد ،ومن ذلك قول ابن زيدون :أسد ـ أسد /مراده ـ
المرد /يوعد ـ الوعد /الجد ـ ج د /يكدي ـ الكد /يعدو ـ يعدو /خالد ـ الخلد /سدوا ـ سدوا ،ولم
يرد من الترديد شي ٌء في قصيدة أبي تمام ،وإنما ردده ابن زيدون في قصيدته لما يحدثه من
جرس موسيقي رائع تطرب له األسماع ،وترتاح له النفوس ،؛ ألن ابن زيدون شاعر غنائي
قبل أن يكون فيلسوفا ً أو غواصا ً على المعاني البعيدة كأبي تمام .
ولم يقتصر ابن زيدون في معارضته لقصيدة أبي تمام السابقة ،وإنما استوحى بعض أبياته
من أبيات لقصيدة أخرى ألبي تمام في مدح أبي المغيث الرافقي ،ومطلعها :
1
ت وشَائِ ُع ِم ْن ب ُْر ِد
ت كما َم ّح ْ
و َم ّح ْ ش ِهدْتُ لَقَ ْد أ ْق َو ْ
ت َمغَانِي ُك ُم بَ ْعدي َ
فهي كقصيدته األولى غرضا ً ووزنا ً وقافية إال أن رويها مكسور ،وقد أخذ ابن زيدون
بعض أبياتها فمن ذلك قوله :
2
الر ْعدُ
َب َّ
طخ َ ت َألَّقَ ِم ْن َها البَ ْر ُق وا ْ
ص َ ض فِتْنَة
ار ُ
ع ِاب َ لَ َ
ش َّم َر َحتَّى ا ْن َج َ
ق والر ْع ِد
ع ِن ال َب ْر ِ ْث م ْف ُّ
تر َ كما الغي ُ ع ْن ُهما دَلُو َح ِ
ان ت َ ْفت َُّر المكار ُم َ
3
المعنى المشترك بين البيتين :كثرة العطاء ،وأمن الرعية ،واأللفاظ المشتركة ( العارض ،
أو الغيث ،البرق ،الرعد ) ،يقول ابن زيدون :شمر األمير عن ساعديه ،في مقاومة الفتن ،
والثورات ،حتى صفا الجو للرعية ،بعد االضطراب .ويقول أبو تمام :األمير يداه مثقلتان
بالعطايا ،كالغيث الضاحك بدأ بالبرق والرعد ،وقول ابن زيدون :
4
أخ َالقُهُ خ َِج َل َ
الو ْردُ ت ْإذَا ذُ ِك َر ْ َب ِعيدُ َمنَا ِل ال َحا ِل دَا ِني َجنَى النَّدَى
يتفق البيتان ،في ألفاظ الشطر الثاني فجعل ابن زيدون كل لفظة تقابل لفظة ألبي تمام ،فابن
زيدون ،يقول :ـ في مدح األمير ـ ال يستطيع أحد أن يرتفع إلى صفاته ،فهو سامي الشمائل ،
قريب السخاء يخجل منه الورد .أما أبو تمام :فيحن إلى زمن كان ينعم فيه ،عند ممدوحه .
سا َءتُهُ َ
ع ْمد ُ
2
فَ َع ْن خطأ ،ل ِك ْن إ َ سنَ ال ِف ْع َل َم ّرة ً
ُه َو الدَّ ْه ُر َم ْه َما أحْ َ
من قول أبي تمام :
3
طأ ُ ِم ِنّي فَعُ ْذ ِري على َ
ع ْم ِد على َخ َ
َ ع َّن أوتكُ َه ْف َوة ٌ ْ
فإن يَكُ ُج ْر ٌم َ
االتفاق بين البيتين :يكمن في المطابقة بين ( الخطأ ،والعمد ) ،يقول ابن زيدون :الدهر
متعمد اإلساءة ،وإما إحسانه فصدفة .أما أبو تمام ،فيقول :إن أرتكب جرما ً أو هفوة ،فإني
أعتذر عما صدر مني عمدا ً .
كما تأثر ابن زيدن في قصيدته الدالية السابقة ،بقصيدة للمتنبي في مدح الحسين بن علي الهمداني
،ومطلعها :
وهي قصيدة يبلغ عدد أبياتها سبعة وثالثين بيتا ً ،وقد اتفقت القصيدتان في الغرض ،والوزن ،
والقافيةً ،وفي حركة الروي ،فكلتاهما في غرض المدح ،ومن بحر الطويل ،والقافية الدالية ،
والروي المضموم ،ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأبيات قصيدة المتنبي ،قوله :
5
َحْو غاياتِها ُج ْرد ُ وخ ْي ٌل َّ
تمطى ن َ ِّ
الخط دُونَ ا ْعتِيادِها ت َ ُحو ُل ِرما ُح
6
ط َّه َمةُ ال ُج ْردُ
فَ ِفيها ال ِع ِبدَّى وال ُم َ عسا ِك ٌر
سين َ
ت ال ُح ِ َّ
كأن عطيَّا ِ
يصف ابن زيدون تلك المرأة ،التي تتهادى في مشيتها فيؤلمها الوشاح ،وبها غرور كبرياء ،
تتأوه كيفما تحرك العقد في جيدها .ويقول المتنبي :أصبح شعري في مكانه ،أي في المكان الذي
ينبغي أن يكون فيه ،ألن األمير أهل للمدح ،فتستحسن فيه هذه المدائح ،كما يستحسن العقد في
جيد الحسناء .فاالتفاق بين البيتين :عبارة ( في جيدها عقد ) .
الرمدُ
3 وق فَت َ ْشت َ ِفي بها األع ُ
ْين ُّ ت َُر ُ البيض الَّذينَ ُو ُجو ُه ُم
ُ ُه ُم النَّفَ ُر
4
دم َم ْن ت ُ ْشت َفى ب ِه األ ْعي ُُن ُّ
الرمدُ َمدَحْ تُ أباهُ قَ ْبلَهُ فَ َ
شفَى يَدِي ِمن العُ ِ
يقول ابن زيدون :هم األسياد الكرام ،الذين تبدو وجوههم صافية ،تشفي العيون التي
أصابها الرمد .يقول المتنبي :مدحت أباه قبله فشفى يدي بالعطايا ،كأنما ُ
شفي من بعينه الرمد .
وقد يقصد أن الممدوح في جماله وحسنه ،يشفي العيون الرمد .فالعبارة المشتركة بين البيتين :
الرمدُ ) .وقول ابن زيدون : ( فَت َ ْشت َ ِفي بها األع ُ
ْين ُّ
5
الز ْندُ
ب َّخاطر أثْقَ َ إن ا ْقتَدَ َح ْ
ت في ِ ِ َاط َر فِ ْك َرة يُو َك ُل بِالتَّد ِ
ْبير خ ِ
ناس :تحرك
ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 151الوشاح :وسام من نسيج محلى بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها َ ،
1
واضطرب .
2ـ ديوان المتنبي . 12 / 2 ،
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 159
الرمد :جمع رمِ دة ،ورمد الرجل هاجت عينه .4ـ ديوان المتنبي ، 9 / 2 ،العُدم :الفقر ُّ .
أمر الشيء :صار مرا ً ،ش َ
ِيب ُ :مزج . 5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ُ ، 112ممِ ر ُ :مر من ّ
92
1
الز ْندُ
ب َّنَجيعا ولوال القَ ْد ُح لم يُثْ ِق ِ الر ْم ُح ال ما تَبُلَّهُ
ور ْم ِحي أل ْنتَ ُّ
ُ
يقول ابن زيدون :إن األمير يعالج أفكاره بالتأني والتريث ،وإذا طلبت برزت كالشرر
المضيء المتطاير من الزند .ويقول المتنبي :لوال جودة طبع األمير لم يعمل الرمح شيئا ً ،كما
أنه لوال القدح ،لم تضيء النار ،فاالشتراك بين البيتين :تضمين ،عبارة ( القدح يثقب الزند ) .
والبن زيدون قصيدة المية في مدح ابن جهور ،التي مطلعها :
2
و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل س َِال ُح َخ َما ِئــــ ُل َم َرادُ ُه ُم َحي ُ
ْث ال ّ
ع َو ِام ُل
س ْم ٌر َ
يض و ُ َو َمأْث ُ َ
ورة ٌ بِ ٌ ص َوافِ ٌن
َودُونَ ال ُمنَى فِ ْي ِه ْم ِجيَادٌ َ
عارض فيها قصيدة ألبي تمام في مدح محمد بن عبد الملك الزيات ،مطلعها :
3
َو َق ْلبُكَ ِمنها ُمدّة َ الدَّ ْه ِر آهِــ ُل ! ع ْن ذُ ْهليَّ ِة ال َح ّ
ي ذَا ِه ُل َمت َى أ ْنتَ َ
وقد اتفقت القصيدتان في الغرض " وهو المديح " وكذلك الوزن والقافية ،فكلتا
القصيدتين من البحر الطويل ،والقافية الالمية ،والروي المضموم ،فهي معارضة معنى ومبنى
،فهي إذن معارضة تامة ،وقد قال ابن زيدون قصيدته في مدح ابن جهور مصبغا ً عليه صفات
الكرم والشجاعة والمروءة ،وهي الصفات التي أضفاها أبو تمام على ممدوحه ،وتعد القصيدتان
من القصائد الطوال ،حيث بلغ عدد أبيات قصيدة ابن زيدون اثنين وخمسين بيتا ً ،بينما بلغت
قصيدة أبي تمام ستين بيتا ً .
هيكل القصيدتين :بدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة غزلية يصف صاحبته التي تتمنع وهي راغبة ،
و كعادته يصف المرأة البدوية التي تحميها عشيرتها بقوة السالح وأنواع العتاد والجياد ،فيصعب
الوصول إليها ؛ لحصانتها ،ورغم هذه القوة الضارية وهذه الحصون المنيعة فهي تتسلل وتصل
إليه في خفة ورشاقة ؛ وفا ًء له ،ث َّم يكثر من وصفها خالل هذه المقدمة الغزلية الطويلة تربو عن
سبعة عشر بيتا ً يصف من خاللها كل ما وقعت عليه عيناه في تلك المرأة .
ويتخلص الشاعر بعد هذه المقدمة التي بلغت سبعة عشر بيتا ً إلى غرضه الذي من أجله قيلت
القصيدة ـ وهو المديح ـ بانتقال رائع وسهل ،مستخدما ً أداة التشبيه " كأن " مصرحا ً في البيت
وبعد هذا االنتقال الرائع ظل يمدحه إلى آخر القصيدة مصبغا ً عليه كل الصفات الحميدة
التي يحبها الملوك من كرم ،وشجاعة ،وطاعة ،ورفعة ،وسمو ،وأنه أفضل الملوك حتى أن
الشاعر في آخر قصيدته يصرح متواضعا ً بأن الشعر ليس غريزة طبيعية فيه ،وإنما جره إلى
هذا الشعر تلك الفضائل التي رآها في ممدوحه ،يلخص ذلك قوله :
َزين ،ول ِك ْن أ ْن َ
طقتنِي الفَ َو ِ
اض ُل ت ُ ضيلَةً و َما ال ِ ّ
ش ْع ُر ِم ّما أدَّ ِعي ِه فَ ِ
ومن خالل تتبعنا لمضمون قصيدة ابن زيدون نلمح تشابها ً واضحا ً بينها وبين قصيدة أبي
تمام ،والشك في أن مقدمة ابن زيدون السابقة ال تختلف عن مقدمة أبي تمام ،إال أن أبا تمام بدأ
قصيدته بمقدمة طللية في نحو عشرة أبيات وقف فيها على آثار حبيبته الدارسة والتي خلت من
ساكنيها ،واصفا ً تلك الحبيبة ـ التي لم يسمها ـ بأنها محصنة بين أهلها ،مشبها ً عيونها بعيون
البقر الوحشي على عادة الشاعر الجاهلي في وصفه للمرأة ،ثم ينتقل إلى المديح مناديا ً ممدوحه
دون أن يستخدم حرف النداء ؛ توددا ً إليه ولقربه منه مصرحا ً باسمه متحدثا ً عن علمه ،وفصاحته
،وذكائه ،وحكمته ،وعدله ،مشيرا ً إلى شجاعته وفتكه بأعدائه ،فيتخلص قائالً :
1
خام ُل
ِ ى ُج ْلتَ في أ ْفنانِه َ ،و ْه َو
هو ً سن ال َه َوى ى كانَ ْ
خلسا ً َّ
إن ِم ْن أحْ ِ هو ً
َولُودُ وأ ُ ُّم ال ِع ْل ِ
ـــم َجــدَّا ُء حائــــــ ُل إن ال َج َهـــالةَ أ ُ ُّمهــــــا
أبَا َج ْعفَــــر َّ
وقد ختم أبو تمام قصيدته بالثناء على تلك القصيدة كعادته في كثير من مدائحه ،قائالً :
2 وتَب ُ
ْعث أشجان الفَت َى وهو ذَا ِه ُل منحت ُ َكها ت َ ْش ِفي ال َج َوى ،و ْه َو ال ِع ٌج
َوام ُل
يه ِ هوام ُل َمجْ ِد القَ ْو ِم و ْه َ
ِ ِي أُرسلَ ْ
ت ت َُردُّ قَ َوافيها ِإذَا ه َ
اط ُل ؟
ع ِي َ ت َ ُك ُ
ون وهَذا ُحسنُها َو ْه َ ْف إذا َحلَّ ْيت َها ب ُحليِّها
ف َكي َ
ْش ك ّ
الظ ِّل زَ ائِ ُل خ ََوا ِلدُ ِ ،حينَ ال َعي ُ َبقِيتَ َك َما ت َ ْبقَى َمعا ِليك ! إنَّ َها
األسلوب :من األساليب الالفتة للنظر التي استعان بها ابن زيدون استجابة لنداء المعارضة
أسلوب الجناس القائم على رد العجز على الصدر ،وهذا األسلوب حقق للقصيدة نسقا ً بديعيا ً أنيقا ً
،ويمكننا أن نرصد هذه الظاهرة على هذا النحو :
يقول ابن زيدون } :طويل ـ طوائل /الغزال ـ يغازل /شموالً ـ الشمائل /الحبال ـ الحبائل /
النزال ـ نازل /المستثقل ـ المتثاقل /المحافل ـ حافل /األعمال ـ عامل /غفل ـ غافل /خاله ـ
المخائل /قل ـ قالئل { .
وفي قصيدة أبي تمام نجد هذا التركيب التجانسي } :تمثل ـ المواثل /أغفالها ـ غافل /
أخملت ـ الخمائل /جمال ـ جامل /بعقلك ـ العقائل /الخالخل ـ الخالخل /الشمل ـ الشمائل /
حملت ـ الحمائل ،فضلت ـ فاضل /شغل ـ شاغل /راسلتك ـ الرسائل /احتفلت ـ المحافل /نال ـ
نائل /الحبال ـ الحبائل /مقتل ـ المقاتل /سال ـ سائل /هوامل ـ هوامل { .
ولم يكن هذا كل الجناس التي تزينت به القصيدتان ،إنما هذا ما جاء على شكل رد العجز على
الصدر ،بينما يندر الطباق في القصيدتين .
الصيغ الصرفية :وردت صي ٌغ صرفية في قصيدة ابن زيدون على وزن فعيل ،وهي صفات
ي /زعي ُم /شديدٌ /مقي ٌم { ،وهي صفات لم
ي /وف ٌ
ألبسها شاعرنا على ممدوحه ،كقوله } أب ٌ
ترد في قصيدة أبي تمام ،وهذه الصفات تدل على مبالغة ابن زيدون في وصف ممدوحيه .
التزام القافية األسمية :اعتمد الشاعران في قصيدتيهما على قوافي األسماء دون األفعال أو
الحروف ،حيث وردت هذه القوافي على صيغتين اثنين ،هما :
األولى :على وزن فاعل إذا كانت الكلمة مفردة .الثانية :على وزن مفاعل ،وفواعل إذا كانت
الكلمة في صيغة الجمع .فمن قوافي أبي تمام التي وردت على وزن فاعل } آهل /غافل /جامل
/خامل /حائل /قاصل /فاعل /باسل /فاضل /شاغل /كامل /عامل /وابل /راجل /ناحل /
عادل /باطل /نائل /جاهل /ساحل /سائل /واصل /قائل /حائل /حافل /عاطل /ذاهل {.
91
ومن قوافيه التي جاءت على وزني مفاعل وفواعل } مواثل /خمائل /العقائل /ذوابل /
قبائل /المناقل /نواقل /الشمائل /الخمائل /مقاتل /القنابل /الرسائل /المفاضل /عواسل /
المحافل /حوافل /الجحافل /العواذل /مراحل /المنازل /معاقل /هوامل /مناهل {.
ومن قوافي ابن زيدون التي وردت على وزن فاعل }خاذل /ذابل /هادل /الئل /مائل /حائل
/شاغل /ناضل /طائل /عامل /ماطل /ناقل /ناصل /فاعل /نازل /راحل /حافل /عاطل /
ماحل /قابل /عامل /واصل /باطل /حامل /آمل /غافل /صاقل /زائل /آفل /كامل { .
ومن قوافيه التي جاءت على وزني مفاعل وفواعل } مناهل /عوامل /خمائل /طوائل /
عقائل /شمائل /خالخل /الغوائل /المخائل /الجداول /حبائل /جحافل /قالئل /أصائل /
نوافل /منازل /فواصل { .
وقد أبتدأ ابن زيدون قصيدته بما ختم به أبو تمام من القوافي ،يقول أبو تمام في ختام قصيدته :
1
ظ َمــأ ٌ ُم ْرد وأنتم مناهِــــــ ُل
بنا َ علَينــا فإنَّنَا أكا ِب َرنــــا ْ
عطفا ً َ
و َم ْو ِردُ ُه ْم َحي ُ
ْث ال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل س َِال ُح َخ َمائِــــ ُل َم َرادُ ُه ُم َحي ُ
ْث ال ّ
التراكيب النحوية في قوافي القصيدتين :تنوعت القوافي في القصيد تين ،بين الخبر وبين
الفاعل أو نائبه ،فما ورد منها على هيأة خبر لمبتدأ في قصيدة أبي تمام } قلبك آهل /وهو غافل
/تلك ذوابل /وهو خامل /أمها حائل /وهو كامل /وهو راحل /وهي حوافل /وهي أساحل /
وهو ناحل /فهو عادل /السم قاتل /الضرع حافل /وهو ذاهل /وهي هوامل /وهي عاطل /
أنتم مناهل /الخطب باطل { ،ونالحظ أن أبا تمام قد نوع في المبتدأ بين االسم الظاهر،
والضمير المخاطب إالَّ أن األكثر ضمير لغائب .
وما جاء من قوافيه فاعال أو نائب فاعل } تمثل المواثل /جالت الخالخل /تنظم الشمائل /
حملت الحمائل /قبضت العواذل /يصلها واصل /تخلف الوسائل /تسرم المنازل{.
بعد أن عرضنا التراكيب النحوية في قصيدة أبي تمام ،سنعرض للتراكيب النحوية في
قصيدة ابن زيدون التي تعد معارضة تامة لقصيدة أبي تمام ،حيث إن ابن زيدون في معارضته
المعارضة فتنوعت القافية بين الخبر والفاعل ونائبه ،
َ اتخذ التراكيب النحوية ذاتها في القصيدة
أما قوافي ابن زيدون التي وردت على هيأة فاعل أو نائب فاعل فهي } تناط الخمائل /تدير
الشمائل /تخشى الغوائل /استهلت أنامل /تستطير المخائل /تصيب الجحافل /تندى األصائل /
شيعته النوافل /انطقتني الفواضل { ،نالحظ أن أغلب القوافي التي جاءت على هيأة خبر لمبتدأ
كانت لفظتها مفردة ،في حين أن ما ورد على هيأة فاعل أو نائب فاعل كانت لفظتها مجموعة .
مواطن التأثر بين أبيات القصيدتين :والناظر ألبيات ابن زيدون يرى بعض مظاهر التأثير
الذي يكسو ألفاظه ومعانيه من شعر أبي تمام ،ومن ذلك قوله :
1
ام ُل
ع ِيب ُر ْمح أ َ ْنت ُ ُم فِي ِه َ
أَنَابِ َ س ْر ِو ال ُملُوكُ ،فَ ِخ ْلت ُ ُهم ْ تَفَا َ
ضل في ال َّ
2
ام ُل
ع ِيب َ
ض َّم األنابِ َ
إليْكَ كما َ ع َرى أع َما ِلها بَ ْعدَ فُ ْرقَة
َج َمعْتَ ُ
يقول ابن زيدون :تفاضل الملوك في الشرف والسخاء ،فكانوا مثل أنابيب الرمح ،أنتم
سنانه .ويقول أبو تمام :إنك جمعت شتات هذه الجيوش المتفرقة ،كما يجمع األنابيب ،صاحب
السنان ،والعبارة المشتركة بين البيتين ( أنابيب عامل ) .
3
َوفِي ،فَ َما تِ ْلكَ ِ
الح َبا ُل َحباَئِ ُل أتِي ،فَ َما تِ ْلكَ ال َّ
سما َحةُ نُ ْهزَ ة ٌ
4
ت تَحْ تَ ِ
الح َبا ِل ال َح َبا ِئ ُل إذَا نُ ِ
ص َب ْ غدْرة ت ََرى َح ْبلَه ْ
ُغرثَانَ ِم ْن ك ِّل َ
1
اط ُل
ع ِت َ َحلَّى ِب َها ِجيدٌ ِمنَ الدَّ ْه ِر َ ام َم َحا ِسن
ظ ََمساَع هي ال ِع ْقدُ ا ْنتِ َ
2
اط ُل ؟
ع ِ ت َ ُك ُ
ون وهذا ُح ْسنُ َها وهي َ ْف إذَا َحلّ ْيت َها ِب ُح ِليِّ َها
فَ َكي َ
يقول ابن زيدون :مآثر األمير أصبحت حلية يتحلى بها الزمان ،بعد أن كان عاطالً .ويقول أبو
تمام :إن هذه القصيدة ذات حسن قبل أن تحلى بالحلي .
اتسم شعر ابن زيدون بالرقة والعذوبة ،والصور الشعرية المبتكرة ،وجمال األسلوب ،
،وقد عزا يوسف 2
ورقة المشاعر والموسيقى الشعرية ، 1لذلك لقبه األدباء ببحتري األندلس
فرحات هذا اللقب إلى سببين " :السبب األول طول النفس إذ جاءت أكثر قصائده في المديح
والغزل طويلة ،والسبب الثاني هو ولع ابن زيدون بالزخارف الشعرية ،إذ أكثر من الصنعة
3
فجاءت أبياته كشعر البحتري غنية بالصور البيانية والمحسنات البديعية " .
إذا كان ابن زيدون قد عارض الكثير من قصائد أبي تمام ،فمن باب أولى أن يعارض قصائد
البحتري إذ أنهما اتفقا " في الصنعة الشعرية ،أو الفن الشعري ،فكالهما رائع النظم ساحر
األداء ،وكالهما شاعر فني قبل أن يكون حكيما ً أو فيلسوفا ً أو غواصا ً على المعاني العويصة ،
إنما يستمد كل منهما معانيه من وحي الخيال وجمال الطبيعة ،ال من قضايا العلم والمنطق
والمذاهب الفلسفية " ،4فضالً عن تشابهما في التجربة العاطفية ،فإذا كان ذلك كله ،فال غرابة
من أ ن يبنى ابن زيدون قصائده على غرار قصائد البحتري ،ولعل من أشهر قصائده النونية
الغزلية :
5
ب لقيانا تجافينا
وناب عن ِطي ِ
َ أضْحى التَّنائِي بديال ً من تدانِينا
ونظرا ً لشهرتها فال تكاد تجد باحثا ً أو كاتبا ً أو مؤلفا ً يذكر ابن زيدون دون أن يقف على
6
هذه النونية ،وقد وصفها الصفدي بأنها " سارت في البالد وطارت في العباد ".
وقال الصفدي أيضا ً " :قال بعض األدباء من لبس البياض وتختم بالعقيق ،وقرأ ألبي
عمرو ،وتفقه للشافعي وروى قصيدة ابن زيدون ،فقد استكمل الظرف " 7.ويعتقد الصفدي أن
ابن زيدون عارض بها قصيدة البحتري :
8
فَ َما لَ َجاجُكَ في لَ ْو ِم ال ُم ِح ِبّينَا عا ِذلُنَا في الحُبّ ِ يُ ْغ ِرينَا
َي َكادُ َ
1ـ ينظر ـ بعيون ،سهى ،مقال بعنوان ( شعر ابن زيدون ) ،مجلة الرافد ،دار الثقافة واألعالم ،الشارقة ،عدد ، 12لسنة ،
، 2212ص . 5
-2بنظر الذخيرة . 196 / 1
-3ديوان ابن زيدون تحقيق يوسف فرحات دار الكتاب العربي بيروت ط ، 1661ص . 11
4حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ،ص . 221 ، 225
-5ديوان ابن زيدون ورسائله ،تحقيق علي عبدالعظيم ،ص . 111
-6تمام المتون " . " 11 ، 12
-7تمام المتون . 11
-8المرجع نفسه والصفحة نفسها ،والقصيدة في ديوان البحتري م . 2222 / 1 /
99
يقول الدكتور علي الشناوي :لقد " نظر ابن زيدون إلى نونية البحتري في مدح
خمارويه بن طولون فأعجبته ،فعارضها بقصيدة خالصة في الغزل ،ومن ثم تأتي المعارضة
منصبة على الجزء األول من النص النموذج ،وليس هناك أدنى شك في أن تكون معاني الغزل
التي حوتها مقدمة قصيدة البحتري في أبياتها األحد عشر مصدرا ً إللهام ابن زيدون لصوغ
قصيدة في والدة مع توسع ابن زيدون وتفوقه في الغزل على صاحبه ". 1
أسلوب القصيدتين :تميزت القصيدتان بأسلوبهما السهل الرقراق ،وألفاظهما الواضحة البعيدة
عن الغموض ،والموسيقا فيهما واضحة والقافية جاءت جيدة وليست مصطنعة ،حيث تنتهي
حروف القافية ( بالياء ،والنون ،واأللف ) وقد أعطت هذه الحروف لحنا ً خفيفا ً رقيقا ً تطرب له
اآلذان ،ومن األساليب التي تميز بها ابن زيدون عن البحتري :االزدواج الذي تتساوى فيه البنى
الصرفية بين شطري البيت ،كقول ابن زيدون :
فاالزدواج في هذا البيت على هذا الشكل ( أ ) يتكون من حرف العطف ،والفعل الماضي
المشدد ،واسم الموصول ،ويتكون ( ب ) من كان ،وخبرها ،ويتكون ( ج ) من حرف الجر (
الباء ) ،واالسم المجرور موصوالً بالضمير ( نا ) الدالة على الفاعلين .
المقابلة :أكثر ابن زيدون من استخدام المقابلة ليبرز تلك المفارقة بين زمن الماضي والحاضر ،
في أغلب أبيات القصيدة ،حيث يقابل بين زمن ماض كان فيه ( التداني ،والقرب ،والوصال )
،وبين زمن حاضر أضحى فيه ( التنائي ،والتجافي ،والفراق ) ،يقول ابن زيدون :
2
ب لُ ْقيانا َ ت َ َجافِــينَا ع ْ
ـن ِطي ِ َاب َ
َون َ ض َحى الت َّنائِي بدِيــــال ً ِم ْ
ــن تَدانِيـــــنا أ ْ
يقابل الشاعر بين الماضي ( التداني و والوصال ) وبين الحاضر ( التنائي والتجافي) ؛
ليحصر الماضي بين الحاضر ،كأنه يريد أن يقول إن الزمن الحاضر طغى على الماضي .
1ـ المعارضات في الشعر األندلسي ،القصيدة العباسية نموذجا ً ،مكتبة اآلداب القاهرة ،الطبعة األولى ، 2221 ،ص . 122
-2ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 119 – 111
99
الطباق :لما كان الماضي والحاضر على طرفي نقيض في حب ابن زيدون طغى الطباق على
القصيدة ،وكذلك الشأن عند البحتري ،ومن الطباق الذي ورد في قصيدة ابن زيدون :التنائي
التداني /لقيانا تجافينا /يضحكنا يبكينا /انحل معقودا /تفرقنا تالقينا /ابتلت جفت /يكتمنا يفشينا
/الظلماء الصبح /يروينا يظمينا .وفي قصيدة البحتري :أيامنا ليالينا /قست لينا /يلومنا يعذرنا
/يسخطنا يرضينا /قريبا ً استبعد /تدنو يبعدوا /تبعد قريبينا .
الترديد :لما كثرت المطابقة والمجانسة في القصيدتين غلَّب الشاعران رد األعجاز على الصدور
ق يسقينا /حيَّا يحيينا /كاف تكافينا /نلقاكم تلقونا /عدتنا عوادينا /أرواحنا رواحينا /غنَّانا
اس ِ
غوانينا /دان دينا /صبا يصبينا /نخفيها فتخفينا .
وفي قصيدة البحتري :نعانيه يعنَّينا /الحب المحبينا /تقاضيا ً تقاضينا /فيها فينا /مواتاة
مران مارونا /شئنا ماشينا /تكفنا يكفينا /غابن مغبونا /بالصين الصينا /
يواتينا /الجون جونا َّ /
حينا ً حينا /أمين مأمونا .
العطف :ورد أسلوب العطف منصوبا في آخر القصيدتين ،عطف بينهما بحرف الواو ،كقول
ابن زيدون :تعويذا ً وتزيينا /إيضاحا ً وتبيينا /زقوما ً وغسلينا /غضا ً ونسرينا .وورد في قصيدة
البحتري :ذالً وتوهينا /موهوما ً ومظنونا /إعزازا ً وتمكينا /تفخيما ً وتزيينا .
التأثر ابن زيدون بأبيات االبحتري :القارئ لهاتين القصيدتين يستطيع الوقوف على بعض صور
تأثر ابن زيدون بالبحتري ،فباإلضافة للوزن والقافية نجد أن ابن زيدون تأثر ببعض أبيات
البحتري فمن ذلك قوله :
1
انت بِ ُك ْم بيضا ً ليالينَا
سودا ً ،و َك ْ
ُ ت لف ْق ِد ُك ُم أيَّا ُمنا ،فَغَدَ ْ
ت َحالَ ْ
يشترك البيتان في المعنى المتمثل في تبدل حال الوصال إلى القطيعة ،يقول ابن زيدون :
تغيرت أيامنا بعد فقدكم فأمست سوداء ،بعدما كانت معكم ليالينا بيضاء .
1
تُو ُم العُقُو ِد ،وأ ْد َمتْهُ البُرى ِلينا إذا تَا َ َّودَ آدَتْهُ َرفاهِيةً
2 ت َْزدادُ أ ْع َ
طافُها من ن ْع َمة ِلينا ت ِغ ْلظةً أ ْكبادُها َج َع ْ
لت إذا قَ َ
س ْ
يقول ابن زيدون :هذه المرأة تمشي مشية دالل ،ورفاهية ،لما تحلت به من العقود
والخالخيل ،وقد أدمتها هذه العقود والخالخيل ؛ بسبب رقتها ونعومتها .ويقول البحتري :إن
هذه المرأة قاسية القلب ،لينة األعطاف ،لما فيه من نعيم ورغد العيش .وقد اتفق البيتان في أول
لفظة وآخرها ،وهي ( :إذا مع الفعل الماضي في بداية البيت ،ولفظة لينا المتمثلة في القافية ) .
3 قِ َ
طافُها ،ف َجنَيْنا منهُ ما ِشينا ص ِل دَانِيةً وإ ْذ َه َ
ص ْرنا فُنُون َ
الو ْ
يشبه قول البحتري :
4
ِشيْنا أ َخ ْذنا احْ تِكاما ً فيه ما ِشينا ن ْي ٌل يُ َح َّك ُم في ِه ال ُمجْ تَدُونَ إذا
يشترك البيتان في أخذ المراد ،يقول ابن زيدون :إذا جذبنا أغصان الثمار كانت ثمارها ،
دانية قريبة ،نجني منها ما نشاء .ويقول البحتري :عطاء األمير يحكم فيه طالبو الحاجات ،
يأخذون منه ما شاءوا ،واتفق البيتان في أسلوب الشرط بـ ( إذا ) ،والقافية ( ما شينا ) .
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 115تأود :تمايل .آدته :أثقلته .تؤم العقود :عقود مزدوجة من اللؤلؤ .البرى :الخالخيل .
2ـ ديوان البحتري ، 2221 / 1األعطاف :الجوانب .
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 111
4ـ ديوان البحتري . 2221 / 1 ،
5ـ جرار ،د .صالح ،قراءات في الشعر األندلسي ،دار المسيرة ،األر دن ،الطبعة األولى ، 2229 ،ص. 91
62
ومنها هذه القصيدة ،وقد وقعت قصيدة البحتري في تسعة وثالثين بيتا ً ،بينما اشتملت قصيدة ابن
زيدون على اثنين وخمسين بيتا ً .ورغم اختالفهما في صدق العاطفة من عدمها ،إال أنهما اتفقا
أسلوبا ً وإيقاعا ً ووزنا ً وقافية ،وقد أفاد ابن زيدون من مذهب البحتري في الشعر ،يقول علي
محمد سالمة .. " :وأفاد شعراء األندلس من مذهب البحتري وعلى رأسهم ابن زيدون في سهولة
1
األسلوب وإشراق الديباجة ،حتى لقبه النقاد ببحتري األندلس " .
كان البحتري أستاذا ً من أساتذة اإليقاع الداخلي للشعر ،فهو يُعنى أشد العناية بالتوافق
الصوتي بين الحروف والكلمات ،بحيث نراه كثيرا ً يختار كلمات الشطر – وربما كلمات البيت
– من ذوات حرف معين ،واجدا ً فيه لمحة من القرابة الصوتية تشد كلمات البيت أو الشطر
بعضها إلى بعض ،وتجعل كال ً منها تقبل على أخت لها ،فالكلمات أسرة صوتية واحدة ونصل
إلى الكلمة األخيرة في البيت وصوال ً طبيعيا ً ،فالقوافي محكمة ،وال يعتريها أي نبو بل هي
موضوعة بكل دقة في مكانها السوي 2.فهذا المذهب السلس من التوافق بين الكلمات والحروف
هو المسلك الذي اتخذه ابن زيدون في أغلب قصائده ،فهو ينظم أغلب قصائده ،وخاصة هذه
النونية على فكرة التقابل والتناظر ،واإلكثار من المحسنات البيانية والبديعية ،من غير كلفة وال
مشقة .
ولم يقتصر تأثر ابن زيدون في نونيته السابقة بنونية البحتري " يكاد عاذلنا " ،بل أخذ بعض
أبياتها من نونية أخرى للبحتري في رثاء الخليفة العباسي الموفق ( أبي أحمد بن طلحة بن
المتوكل ت 299/هـ ) ،ومدح خليفته أبا العباس بن الموفق ،ومطلعها :
فالقارئ لهذه القصيدة يجد تشابها ً بينها وبين نونية ابن زيدون ،فباإلضافة إلى التشابه في
الوزن والقافية ،اشتركت القصيدتان في بعض األلفاظ والمعاني ،ففي موقف الشاعرين من
الدهر ،يقول ابن زيدون :
4
وإن لَ ْم يَ ُك ْن ِغبَّا ً تَقَ ِ
اض ْينَا فِ ْي ِه ْ ، عفَةً
سا َ فَ َه ْل أ َ َرى الدَّ ْه َر يَ ْق ِ
ض ْينَا ُم َ
يقول ابن زيدون :فهل الدهر يسعفنا بأن نتقابل ولو غبا ً من األيام ،ويقول البحتري :ليت
الدهر يقرضنا عمرا ً ،ويتأنى في قضائه .كما نلمح تأثر ابن زيدون في قوله :
2 قِ َ
طافُها ،ف َجنَيْنا منهُ ما ِشينا ص ِل دَانِيةً وإ ْذ َه َ
ص ْرنا فُنُون َ
الو ْ
3
عنا فَأ َ َخ ْذنَا ِم ْنهُ ما ِشينَا ُ
ش ُرو َ َولَ ْو نَشَا ُء ش ََر ْعنَا في ت َ َ
ط ُّو ِل ِه
ونرى اتفاقا واضحا بين بعض قوافي القصيدتين مثل ( :يكفينا ،وتقاضينا ،ودينا ،وفينا ،
وأيدينا ،وماشينا ،و يعنينا ) ،على قلة عدد أبيات قصيدة البحتري المؤلفة من ستة عشر بيتا ً
مقارنة بقصيدة ابن زيدون الواقعة في اثنين وخمسين بيتا ً ،مما يعني أن قصيدة ابن زيدون
تشترك مع قصيدة البحتري في أكثر من ثلث كلمات قوافي قصيدة البحتري .
كما نظم ابن زيدون قصيدة ميمية يمدح بها صاحب بطليوس المظفر سيف الدولة أبا بكر
محمد بن مسلم ومطلعها :
4
ي– ُم ْذ بِ ّن َ
عنِّي – لَ َمــ ْم بِعَ ْق ِل َ ســــو ِد اللَّ َمـــــ ْم يض ُّ
الطلَى و ِل ُ ِلبِ ِ
مما سبق يرى الباحث أن ابن زيدون تأثر في كثير من معانيها بقصيدة للبحتري في مدح
عبيد الله بن يحي بن خاقان ومطلعها :
5
وب ال َح ْز ِن فالع َل ِم
سقَيْتَ ُجنُ َ
ل َّما َ علَى إِ َ
ض ِم ش ْدتُك اللهَ ِمن َب ْرق َ
نَ َ
بناء المضمون :بدأ ابن زيدون قصيدته بمقدمة متغزالً بمحبوبته ـ التي لم يسمها خيفة الوشاة
والرقباء ـ واصفا ً جمالها البديع ،وحين افترقت عنه كأنما مسه الجنون وأصابه العمى والصمم ،
وقد المه الصحب عن فعله ومبالغته في ذلك الحنين ،لكنه لم يعبأ لهذ اللوم قائالً :
وقد مزج وصف الطبيعة بغزله ،حينما ذ َّكرته الرياح بحبيبته التي كانت كالرسول بينهما ؛
لتخفف عنه أشواقه التي مزجت دمعه بدمه كما ذكرته تلك الرياح بعهد الحبيب الذي مضى
وانقضى ،وتلك الليالي الحافلة بلقاء الحبيب الذي كان يسري إليه حين تنام عيون الوشاة ،ويغفل
عنه الرقباء ،وقد ظهر هذا الحنين واضحا ً من خالل استخدام أفعال الماضي ،بعد قوله " :أما
وزمان مضى عهده " ،حيث توالت بعد هذا البيت أفعال الماضي ،مثل :جار ،حكم ،قضى ،
انقضى ،اتصل ،انصرم ،نامت ،مالت ،أجنت ،كما ورد في هذه المقدمة بعض األماكن كقوله
:ذي سلم ،وهو واد بالحجاز ،البراق ،وهي قرية بحلب ،أما البحتري فقد مهد لقصيدته بمقدمة
غزلية يتغزل فيها بامرأة مصرحا ً باسمها تدعى ( ليلى ) واصفا ً في تلك المقدمة عينيها وابتسامتها
وعوارضها ،ذاكرا بعض مواضع سكناها ،كقوله ( :إضم ،الحزن ،العلم ) ،وتتفق القصيدتان
في أمور منها ،طريقة االنتقال من المقدمة التقليدية إلى الغزل ،فالبيت الرابع عشر واألخير في
المقدمة التقليدية لدى ابن زيدون هو :
1
صـــــوافِي األدَ ْم ُ
ــــاق ال َحــــواشي َِرقَ ُــــــرو ِد
ُ وأَيا ُمنَــا ُم ْذ َه َبـــاتُ الب
مموهات بالذهب ،البرود :جمع برد وهو ثوب مخطط ،الحواشي :جمع حاشية
ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 126مذهبات ِ ّ :
1
1
علَيها َ فِ ِر ْندَ ال َك َر ْم
ــــرى َ أن "أبَا َب ْكر" األ ْسلَ ِم َّ
ي أجـْــــــــــــــــ َ َك َّ
وهو انتقال ال يختلف عن انتقال البحتري ،فآخر بيت في المقدمة التقليدية عنده ،وهو البيت
التاسع ،قوله :
2
غير ُم ْكتَت َِم
شوق لَ ُجو ٌج ودَ ْم ٌع ُ
ٌ لَقَ ْد َكت َْمتُ هَواهَا لو يُطا ِو ُ
عني
ق وال َّ
ش َي ِم ـأ ثْ َر ْونَ ِمن َك ِرم ْ
األخال ِ ُجار بنِي خَاقانَ إنَّه ُم الـ
الله ُ
فباإلضافة إلى طريقة االنتقال ،أخذ ابن زيدون معنى بيت البحتري في انتقاله وتخلصه من
المقدمة إلى موضوع القصيدة .وقد ختم البحتري قصيدته بقوله لممدوحه :
3
لألقوام بال ِذّ َم ِم
ِ إالَّ َوفاَؤُك َو ِذ َّمة بك لم يُ ْشبِ ْه ت َأ َ ُّكدَها
أما ابن زيدون فأحسن ختام قصيدته بدعاء لممدوحه بأن يظل الدهر بأيامه ولياليه على
خدمتكم وتلبية رغائبكم ،وذلك في قوله :
4
لَ ُكــــ ْم َحشَــــــ ٌم واللَّيالي خَــــــدَ ْم َوالَ يَزَ ِل الدَّ ْه ُ
ـــــر أيَّــا ُمـــهُ
الترديد في القصيدتين :من األساليب التي اتفقت فيها القصيدتان الجناس القائم على رد األعجاز
على الصدور ،فورد في قصيدة ابن زيدون :اللمم لمم /سقم ـ سقم /ساهمته سهم /نامت تنم /
العزيم اعتزم /بهام البهم /الءم التأم /بذمة الذمم /اظلموا َّ
اظلم /نجوم أجم /ناعما ً النعم /الذمام
أذم .وورد في قصيدة البحتري :كتمت مكتتم /تقدم القُدُم /يلومه تلم ِ /
الح ِلم ـ ال ُحلم /ينم ـ يُنم /
الظلم ـ الظلم /يهموا يهم /يعصمه العصم /تقادم القدم /ذمة بالذمم .
-1ديوان ابن زيدون ورسائله . ،الفرند :جوهر السيف ،الشيم الزهر :االخالق الوضاءة ،ص. 126
-2ديوان البحتري . 1691 / 1 ،
-3ديوان البحتري . 1699 / 1 ،
4ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 119الحشم :حاشية الرجل أو عبيده .
61
األنا :اختلفت القصيدتان في األنا فقد ظهرت شخصية ابن زيدون واضحة في القصيدة فأشاد
بذاته في كثير من األبيات ؛ الشتهاره باالعتداد بالنفس ،ومن أمثلة ذلك :مذ َّ
بن عني /ففي
ناظري /في أذني /شماسي /لتعديني /دمعي /وإني أراح /أصبوا /وأهدني /اجهشتُ /أناديك
نر لهذه األساليب أثرا ً في قصيدة البحتري .
/وإن يعدني /وإني ألصفك /وعندي .ولم َ
التأثر في األبيات :ومن األبيات التي تأثر ابن زيدون في معانيها ،بأبيات البحتري ،قوله :
1
ب العَلَ ْم
ت بِ َريَّا َجنُو ِ
ب را َح ْ
ُ أرا ُح إذَا َما ال َجنُو
َوإ ِنّي َ
2
وب ال َحزَ ِن فالع َل ِم
سقَيْتَ ُجنُ َ
ل َّما َ ش ْدتُكَ اللهَ من برق على إِ َ
ض ِم نَ َ
يقول ابن زيدون :أكون أكثر ارتياحا ً ،عندما تهب رياح الجنوب الحافلة بأنفاس الحبيب ،
من الجبل الجنوبي ،أما البحتري ،فيناشد البرق أن يسقي جنوب الحزن فالعلم ،حيث تسكن
حبيبته ،وقد مزج كل من الشاعرين بين الطبيعة والغزل ،فابن زيدون جعل الرياح رسوالً بينه
وبين حبيبته ،وال بحتري ،يدعو بالسقي على ديار محبوبته ،واتفق البيتان في لفظتي ( الجنوب ،
والعلم ) .
3
ب ال ُهدَى فالت َأ ْم
ش ْع َ
وال َءم َ َ أَبُوهُ الَّذِي فَ َّل غ َْر َ
ب الض ََّال ِل
4
غي َْر ُم ْلتَئِ ِم ِم ْن آ ِل لَ ْيلَى و َ
ش ْعبا ً َ غي َْر ُمت َّ ِفق أَ َ
قام ي ْن ُ
شدُ ش َْمال ً َ
يقول ابن زيدون :إن أباه قطع حدة الضالل والءم الشعب ووحده ،ويقول البحتري إن
ذلك البرق ،أقام ينشد شمالً غير متفق من آل ليلى المتصدع ،فالبيتان يدوران حول فكرة ،
مالءمة المتفرق ،وجمعه وتوحيده ،وقد اتفق البيتان في لفظة ( الءم ،شعب ) .
-1ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 129أراح :ارتاح ،الجنوب :الريح التي تهب منها ،راحت :هبت ،الريَّا :الرائحة العذبة .
-2ديوان البحتري . 1691 / 1 ،
-3ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111ف ّل :كسر أو ثلم ،غرب :حدّ ،الءم :أصلح أو جمع ،التأم :انضم أو انصلح .
-4ديوان البحتري ، 1691 / 1 ،الشعب :الصدع .
65
1
ِن إالَّ ِلت ُ ْع ِديَنِي بال َّ
سقَم ْ ت لَ َح َ
ظاتُ العُيُو فَ َما َ
س ِق َم ْ
2
َحتَّى ت ُ ِجدَّ لَها َخبْال ً ِمن ال َّ
س َق ِم ظ ْ
رت ت ُ ْعدِي القُلُ َ
وب بِعَ ْينَ ْي َها إذا نَ َ
يقول ابن زيدون :فما ذبلت تلك العيون حتى أصابتني بالسقم ،ويقول البحتري :إذا نظرت
بعينها فإنها تعدي القلوب ،وتص بها بالسقم .واتفق البيتان في بعض األلفاظ ،منها ( السقم ،
تعدي ،اللحظ ،العيون ) .وقول ابن زيدون :
3
َوي ُْمناَهُ ُر ْك ُن النَّدَى ال ُم ْستَلَم ْ اف العُفاَة ِ
ط َُج َوادٌ ذَ َراهُ َم َ
4
ُم ْمتاحةً من ب ِعيد ِالد َِّار َّ
والر ِح ِم إن يَزا ُل النَّدى يُدنِي إل ْي ِه يَدا ً
ما ْ
يقول ابن زيدون :إنه كريم الجانب ،كثير العطاء ،يمناه ركن الندى الذي يستلم .وهو
كقول البحتري :الذي يصف فيه سخاء الممدوح ،وبسطه ليده ،حتى بلغت فضائله إلى َم ْن هو
بعيد الدار ،والرحم ،ومن األلفاظ المشتركة في البيتين ( الندى ،ويمناه عند ابن زيدون ،يدا ً
عند البحتري ) .
5 ْف يَ ْ
طلُبُه ُوالقَلَ ْم سي ُ
َج َرى ال َّ َوه َْل فاَتَ شَي ٌء ِمنَ ال َم ْك ُر َما ِ
ت
6
ْف والقَلَم ِ وذُ ْدتَ عن َح ِقّ َها بال ِ ّ
سي ِ طة ً
الخ َالفَةَ إ ْش َرافا ً و َح ِيّ َ
سسْتَ ِ
ُ
يقول ابن زيدون :هل فاته شيء من المكرمات ؟ فإن كان كذلك ،فإنه يطلبه بالسيف والقلم ،
ويقول البحتري :مكنت لخالفتك أحسن تمكين ،ودافعت عن حقها بالسيف والقلم ،وقد اشترك
البيتان في لفظتي ( السيف ،والقلم ) .
1
اره ُيُ ْهت َ َ
ضــــ ْم ْب وال َج ُ
َي ِخـــــــــي ُ َوأ َ ْر َو َ
ع ال ُم ْبت َ ِغي ِر ْفــــــــدِه ِ
2
ث ِللَ ْهفَانَ أو ن ٌ
َصر ل ُم ْهت َ َ
ض ِم غ َْـو ٌ َولَم َيزَ ْل لك ُمـــــ ْذ ُو ِلّيْتَ َح ْوزَ تها
يقول ابن زيدون :األمير رائع المنظر ،بارع الشجاعة ، ،ال يخيب سائله ،وال يذل جاره .
ويقول البحتري :منذ أن وليت الخالفة ،كنت عونا ً للمحتاج ،ولم يهضم حق جارك ،ولم يظلم .
واقد اشترك البيتان في لفظة ( يهتضم ) .وقول ابن زيدون :
3
ع ْفوا ً – إذا َما اللَّ ِئي ُم استَذَم
ِل ـ َ َو ُم ْست َحْ َمد ِب َك ِر ِيم الفَعَا
4
ث ال َك َر ِم َر ّ ِ
ث الفَعَا ِل ،وال ُم ْستَحْ دَ ِ ما ُك ْنتَ فيِ ِه ْم بِ َم ْن ُز ِور النَّوا ِل ،وال
ممدوح ابن زيدون ،كريم االخالق ،يستحمد الفعل الحسن ،ويقول البحتري :إن األمير لم
يكن قليل العطاء ،وال سيء الخلق ،وال مستحدث الكرم ،بل كان الكرم متأصل فيه منذ القدم ،
واأللفاظ المشتركة بين البيتين ( الكرم ،الفعال ) ،والمساواة بين لفظتي ( ُم ْست َحْ َمد ُ ،م ْستَحْ دَ ِ
ث)،
في الوزن .
5
علَي ِه أَذَ ْم إذَا ُحس ُْن َ
ظ ِنّي َ ع ْهدَ ال ِذّ َم ِام غي ُْركَ ْ
أخفَ َر َ َو َ
6
لألقوام بال ِذّ َم ِم
ِ إالَّ َوفاَؤُك َو ِذ َّمة بك لم يُ ْش ِب ْه ت َأ َ ُّكدَها
-1ديوانه ابن زيدون ورسائله ،ص ، 112وفي رواية ،وأروع ال " ُم ْعتَفِي " :أي طالب المعروف .األروع َ :م ْن يُعجبك بحسنه
ومنظره .الرفد :العطاء .يهتضم :ي ْ
ُظ َلم أو ينقص من حقه .
ُ
-2ديوان البحتري ،1691 / 1 ،الحوزة :الناحية .المهتضم :الذي ظلِم واغتصب حقه .
-3ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 111
-4ديوان البحتري ، 1699 / 1 ،المنزور :القليل .الرث :البالي .
-5ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111أخفر الذمام :نقض العهد .أذم :أخذ العهد .
-6ديوان البحتري . 1699 / 1 ،
69
يقول ابن زيدون :إذا حسن ظني في غيرك ،فإنه ينقض العهد ،ويغدر به ،فهو يشير إلى
بيت البحتري السابق فقول ابن زيدون :حسن ظني ،تقابل لفظة البحتري :لم يشبه تأكدها ،
والعهد في بيت ابن زيدون ،تقابل الوفاء عند البحتري ،وقول ابن زيدون :الذمام أذم :تقابل
ذمة أذم عند البحتري .
كما نظم ابن زيدون قصيدة حائية في مدح المعتضد بن عباد ،مطلعها :
1
احي؟
ارتِيَ ِ
ف ْ فَ َه َّز ِمنَ ال َه َوى ِع ْ
ط َ الريَــاحِ
ف ِّع ْر ِ أَ َ
ع ْرفُ ِك َرا َح في ُ
2
َّاحـي؟ سا َمتُها بال َم ْن َ
ظ ِر الض ِ ِأم ا ْبتِ َ صبَاحِ
ض ْو ُء ِم ْ أَلَ ْم ُع بَ ْرق َ
سرى أ ْم َ
س ِْم َ
طي ِْن َوضَّاحِ َض ِل ال ّ
عن أ ْبيَض خ ِ س َم ْ
ت ويَ ْرج ُع اللَّي ُل ُم ْبيَ ًّ
ضا إذا ا ْبت َ َ
تقع قصيدة ابن زيدون في سبعة وأربعين بيتا ً ،وهي على بحر الوافر ،مكسورة الروي ،
أما قصيدة البحتري فهي واحد وعشرون بيتا ً ،في مدح الفتح بن خاقان ،والقصيدة على بحر
البسيط ،والقافية الحائية المكسورة ،وقد اتفقت القصيدتان في الغرض والقافية وحركة الروي ،
واختلفتا في الوزن ،كما اتفقتا في المقدمة االستهاللية ،وطريقة االنتقال إلى المديح ،وقد بدأ
البحتري قصيدته بمقدمة غزلية يصف فيها محبوبته التي ينكرها ليس خوفا ً من أحد ،فها هو
يصرح قائالً :
ع ُم َّ
الالحي ؟ عليك ،وماذا ْ
يز ُ ِ ْيل َحى أخف أحدا ً
ْ عليك فإنِّي لم
ِ أُثْني
ولعل سبب تنكيرها تلهفه لذكر اسم ممدوحه ،وقد شبه بريق أسنانها بالبرق الالمع ،الذي
يجعل الليل صباحا ً ،وأن اهتزازها كاهتزاز الغصن اللين الطري ،وشبه خديها بالتفاح ،مازجا ً
غزله ـ كما نرى ـ بالطبيعة ووصف الخمر ،حانا إلى مواطن حبيبته بالشام ،ثم وصف سرعة
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 129العَرف :الريح طيبة أو خبيثة ،العُرف :موج البحر أو شعر عنق الفرس ،العطف :
الجانب ،العداد :عياج الوجع بعد سنة أو من حين إلى حين أو مس من الجنون ،الماء القراح :الصافي الذي ال تشوبه شائبة ،النشوات
:جمع نشوة وهي السكر ،هفا :ذهب أو مال .
2ـ ديوان البحتري ، 112 / 1،الخضل :اللؤلؤ ،أو الدر الصافي .
69
راحلته التي تشبه دوران الترس ،وبعد أن أتم أحد عشر بيتا ً انتقل إلى المديح ،بادئا ً بذكر اسم
ممدوحه " الفتح " ،يقول البحتري :
حيث يصف الفتح بن خاقان بأنه بدر يضيء الليل أو شمس تشرق بالصباح ،وأنه مهذب
تشرق الدنيا لطلعته ،وأن غرته المعة كبياض السيف الوضاح .
والناظر لمقدمة ابن زيدون في حائيته السابقة يجده قد ابتدأها بحوار مع حبيبته ،ونالحظ أن
الشاعر تراوده فكرة إخفاء الحب وعدم المجاهرة به إالَّ أن حبه الذي أضنى جسمه فضحه ،
وأفصح عن هذا الحب بألسنة فصاح ،فالشاعر ين ِ ّكرها خيفة الواشين ،وفي ذلك يقول :
الر ْس َل أ ْنفَ َ
اس الرياحِ ضيْنا ُّ
َر ِ للُ ِقّ ْينَا ِمنَ َ
الواشينَ حتَّى
2
يقول كم قاسينا من مالحقة الوشاة والرقباء فاكتفينا بأن نحمل أشواقنا وتحياتنا للرياح لعلها
تبلَّغها لألحبة ،وبعد هذه المقدمة الغزلية التي بلغ عدد أبياتها الغزلية أحد عشر بيتا ً ـ كما هو
الشأن عند البحتري ـ يمزج فيها الغزل بوصف الطبيعة ووصف الخمر ،ثم ينتقل إلى المديح بادئا ً
بذكر اسم ممدوحه ،قائالً :
3
الج َماحِ
يِ ِ ع ْن َ
غ ّ َرشادُ ْ
العز ِم َ يف أ ِل ُّج الَ يَثْنِي عنانــــي
و َك َ
ب ِه َبانَ الفَ َ
سادُ ِمنَ اال َّ
صالحِ َو ِم ْن ِس ِ ّر اب ِْن "عبَّاد " دَ ِلي ٌل
األسلوب :من األساليب التي كررها ابن زيدون في قصيدته أسلوب االستفهام ،ال سيما سؤال
المحبوبة ،والذي يبدو سمة بارزة في كثير من قصائده ،ومن أمثلته :
1ـ المصدر نفسه ،ص ، 111المهمهُ :المفازة البعيدة ،الترس ( من جلد األرض ) الغليظ منها .الترس المجن صفحة من الفوالذ
مستديرة تحمل في اليد يتلقى بها ضربة سيف .الرحراح :الواسع المنبسط .
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 126
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 112أل ُّج :أديم اإللحاح ،يثني عناني :يردني ،الغي :الضالل ،الجماح أو الجموح :االندفاع
في عناد وإصرار دون ريث أو روية ،السر :األصل أو اللب أو محض النسب .
66
سا َمتُها بال َم ْن َ
ظ ِر صبَاحِ ؟ ِ /أم ا ْبتِ َ
ض ْو ُء ِم ْ تأثر فيه بالبحتري ،في قوله :أَلَ ْم ُع بَ ْرق َ
سرى أ ْم َ
ع ُم َّ
الالحي ؟ َّاحـي؟ /وماذا ْ
يز ُ الض ِ
المبالغة في المدح :ظهرت في قصيدة ابن زيدون صيغ لوصف ممدوحه جاءت على وزن أفعل
أغر /أص ُّم الجود /أجود بالعطايا /أطعن بالمكايد /أفرس للمنابر /أبهى في
التفضيل منها ُّ :
البرود /أمنعهم حمى /أوسعهم ذرا /أبحر الجود ، /ومن مبالغاته أيضا ً :هو الملك ،سميع
النصر ،هو المبقي ملوك األرض تدمى قلوبهم .
التأثر في األبيات :تأثر ابن زيدون ببعض أبيات البحتري ،ومن ذلك ،قوله :
1
ص َباحِ
ص َباحِ إلى ال َّ
ع ِن ال َّ فَنُ ْب ِ
ت َ ظ َالم ِلَيْل َج َّن فَ ْو ِقي
َو ُربَّ َ
2
صبَاحِ
شم ِس إِ ْ
اجيَة أو ْ
عن بَد ِْر دَ ِ ف الَّلي ُل ِمن َألْالَ ِء ُ
غ َّرتِ ِه ت َ َك َّ
ش َ
َّ
ولكن المحبوبة نابت عن الصباح ،حتى يقول ابن زيدون :لقد انتشر الظالم حتى تغطيت به ،
الصباح ،ويقول البحتري ،انكشف الليل من تأللؤ غرة الحبيبة ،و قول ابن زيدون :
3
ش ْكر ْ
وامتِدَاحِ َو َح ْسبُكَ بِي بِ ُ فَ َح ْسبِي أ ْنتَ ـ ِم ْن ُمسْد ِلنُ ْع َمى ـ
4
َم ْد ًحا يُقَ ِ ّ
ص ُر عنهُ ك ُّل َمدَّاحِ ت ُ ْهدِي إلى "الفَتح" والنُّع َمى بذاك لهُ
يقول ابن زيدون :يكفيني ما يصلني من نعمائك ،ويكفيك ما يأتيك من شكر ومدح ،ويقول
البحتري :الفتح بن خاقان صاحب الفضل والنعمى ،فتهدى له المدائح يقصر عنها كل مداح ،
فالمعنى واحد ،واأللفاظ مشتركة .وقول ابن زيدون:
يتطلع ابن زيدون إلى ما عند األمير من مجد ورفعة ،ويقول البحتري :إن األمير يجود على
أصحاب الحاجات ،في حنو و رقة ،مع أنه يتطلع ببصره إلى المجد والعال .ويشترك البيتان ،
في لفظة ( يسمو ،طماح ،وعيني في بيت ابن زيدون ،وطرف في بيت البحتري ) .
كما أشار ابن زيدون في قصيدته هذه لبعض أبيات للبحتري في مدحه ألبي مسلم الكجي
البصري ،والتي يقول في مطلعها :
2
احــي غلَّ ِتي ْ
وال ِتيَ ِ إطفــاء ُ
ِ َب ْعدَ َه ِيّ ٌن َما يقــــو ُل فيـــــــك الالَّ ِحي
3
َخ ِفيْتُ َخفَا َء َخ ْ
ص ِر ِك في ال ِوشَاحِ ع ِنّي
ع ْن َ فَلَو أَّن الثَّيَ َ
اب نُ ِز َ
4
فوق َخ ْ
صر كثيِر َج ْو ِل ال ِوشَاحِ ْ
فجالت ب ه ََّز ِم ْنها ش َْر ُخ ال َّ
شبا ِ
يقول ابن زيدون :لقد انحلني الحب وأضناني ،فلو خلعت ثيابي لخفي جسمي الذابل ،كما
يخفى خصرك النحيل تحت الوشاح .أما البحتري فيصف خصر المرأة النحيلة ،التي كشف
خصرها الوشاح .وقول ابن زيدون :
5
ـ فَدَ ْيت ُ ِك ـ ْأو َجنَحْ تُ إلى ال ُجنَاحِ اف ُهناَكَ نَ ْفسِي
ت العَفَ َ فَ َه ْل َ
عدَ ِ
صبَابَة من ُجناَحِ
أ ْم على ذِي َ هل إلى ذِي ت َ َجنُّب ِم ْن َ
سبي ِل ؟
6
يقول ابن زيدون كم خلوت بك ،وأنا مشتاق لك ،ولكني لم أتخلى عن العفاف ولم
يصدر مني سوء وإثم ،ويقول البحتري :كيف أصل من يقاطعني ؟ .وقد اتفق البيتان في االبتداء
بـ ( هل ) والقافية ( جناحِ ) .و قول ابن زيدون :
2
يش ال َجنَاحِ حين ت َ ْس ُمو أثِ ُ
يث ِر ِ سبْط ُالخ ََوافي
وكال َجانِبَيكَ َ
والبن زيدون قصيدة حائية أخرى في مدح أبي الحزم بن جهور ؛ مستشفعا ً به ،مطلعها :
3
ص َواحْ
َاوى َ صبِي وأ ْع َ
طاف نَش َ تُ ْ ص َحاحْ أ َ َما ْ
وأل َحاظ ِمراض ِ
َو ْردٌ َ ،وأَثْنَـــــا َء ثَنَــــا َيــــاهُ راحْ ِل َبا ِئن ِبال ُحس ِْن ،في خَــــــ ِدّ ِه
و قد تأثر في بعض معانيها بقصيدتين للبحتري في مدح أبي نوح عيسى بن إبراهيم ،ومطلعها :
هيكل القصيدتين :تقع قصيدة ابن زيدون في واحد وعشرين بيتا ً ،وهي على بحر السريع
وقافية الحاء الساكنة ،وتقع قصيدة البحتري في ثمانية عشر بيتا ً ،وهي على بحر السريع ،
وقافية الحاء الساكنة ،وغرضهما المديح ،وتعد معارضة ابن زيدون لهذه القصيدة من
المعارضات التامة ؛ التفاقهما في ( الغرض ،والوزن ،والقافية ،وحركة الروي ) ،وقد بدأ ابن
زيدون قصيدته متغزالً فيها بغالم ،وربما القصيدة الوحيدة التي بدأها بهذا النوع من الغزل ،وقد
مزج غزله بوصف الراح ،وال شك في أنه متأثر بهذه المقدمة الغزلية بقصيدة البحتري التي
بدأها بالتغزل بساقي الخمر ،ثم ينتقل كل منهما من هذه المقدمة إلى غرضه األصلي وهو المدح
صطفَى َ ،ج ْهورا ً ) ، ص َّ
فين ال ُم ْ ،بادئا ً كل منهما بذكر ممدوحه ،يقول :ابن زيدون ( :أل ْ
ويقول البحتري ( :قُ ْل ألبي نوح ،شقيق النَّدى ) .
األنا في القصيدتين :ظهرت األنا في القصيدتين ففي قصيدة البحتري ،نجد أفعال المضارع :
أمز ُج ،أفدَّيه ،أعوذُ ،والماضي مثل :أغضيتُ ،أرعوى ،أخرجتني ،ومن األسماء :لبي ،
ي ،إ ِنّي .وفي قصيدة ابن زيدون نجد بعض أفعال المضارع مثل :
ومن الحروف :ع ِنّي ،ل َّ
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 119أث النبات :كثر والتف ،الريش :ما يكسو جسم الطائر .
2ـ ديوان البحتري . 156/ 1 ،
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 219بائن :فائق في الفضل والمزية ،ال ُجناح اإلثم .
4ـ ديوان البحتري . 115 / 1 ،
122
س ْرتُ ،يثنني ،وأفعال األمر مثل :انظر ،اختبر ، َّ
أصفين ،أس ِع ُم ،أقتد ُح ،أكن ،ي َّ أجنِ ُح ،
اهتبل ،فاشحذ ،اشفع ،وهي أفعال يخاطب بها الشاعر ممدوحه .
التأثر في األبيات :من األبيات التي تأثر فيها ابن زيدون بأستاذه البحتري ،قوله :
1
صقَ دُونَ ال ِوشَاحْ ِوشَاحهُ َّ
الال ِ َت يَدِي لَ ْيلَةً
س إ ْذ بَات ْ
لَ ْم أ ْن َ
2
أ ْغيدُ َمجْ دُو ُل َم َك ِ
ان ال ِوشَاحْ ي نَدِيما ً حتى الصَّباحْ
باتَ ِل َ
يقول ابن زيدون :لم أنس عندما باتت يدي وشاحا ً له في إحدى الليالي .ويقول البحتري بات
معي ساقي الخمر وهو فتى أغيد نحيل الخصر ،فالبحتري ،يقول :بأنه بات حتى الصباح ،
وابن زيدون يقول :بات ليلة ،واتفق الشاعران في الوصف بالنحول ،فقد وصف البحتري ذلك
الفتي بأنه مجدول مكان الوشاح ،وجعل ابن زيدون يده وشاحا ً له .وقول ابن زيدون :
3
ص َواح ْ
َاوى َ ص ِبي ،وأ ْع َ
طاف نَش َ تُ ْ ص َحاحْ أ َما ْ
وأل َحاظ ِمراض ِ
4
ِل ْلفَتْ ِر من أَجْ فَانِ ِه وهو َ
صاحْ تَحْ ِسبُهُ ن ْش َوانَ إ َّما َرنَا
} وقول البحتري من قصيدة أخرى في مدح أبي مسلم الكجي البصري :
يقول ابن زيدون :نظرات ذابلة ،وأجسام لينة تبدو نشوى في سيرها ،وهي صاحية ـ من
الخمر ـ توقع في الحب ،وهو من قول البحتري :الذي جعل الفتي مفتر األلحاظ من الخمر ،
فتحسبه نشوانا ً وهو صاح .أما بيت البحتري الثاني :فيصف فيه ألحاظ المرأة الذابلة النشوى ،
ولكنها صاحية .وقول ابن زيدون :
َو ْردٌ َ ،وأَثْنَـــــا َء ثَنَــــايَــــاهُ راحْ ِل َبائِن ِبال ُح ْس ِن ،في خَــــــ ِدّ ِه
يصف كال الشاعرين ذلك الفتى ،بأنه بائن الحسن ،نجل العيون ،مورد الخدود مالح ،بين
ثناياه راح .فاتفق ابن زيدون مع البحتري في التغزل بالمرأة ،وبالمذكر على حد سواء .
كما عارض ابن زيدون بعض قصائد المتنبي فمن ذلك قصيدته البائية في مدح وعتاب
الوزير أبي الوليد بن جهور ،وهي قصيدة طويلة تتكون من ثالثة وتسعين بيتا ً ،مطلعها :
1
ع ْن لَ ْو ِن ال ُم ِحبّ ِ ِعت ُ
َاب فَ َي ْق ُ
ص َر َ اب ؟
ش َب ُ أن ال َّ
ش ِفي َع َ ت َّ أ َ َما َ
ع ِل َم ْ
ان ذَه ُ
َاب؟ س ِالح َ
ص ِل ِ ِإذَا َ
ع َّن ِم ْن َو ْ ف ُر َواؤُ هُ ع َال َم ال ِ ّ
صبَا غَض يَ ِر ٌ َ
القارئ للقصيدة ،والمتابع ألبياتها ومعانيها وأسلوبها يعرف أن ابن زيدون يعارض بها
قصيدة المتنبي ،في مدح كافور اإلخشيدي ،ومطلعها :
اب
شبَ ُ يض القُ ُر ِ
ون َ فَيَ ْخفَى بِت َبيِ ِ اب
ض ُياض ِخ َ نى ُك َّن ِلي َّ
أن البَ َ ُم ً
2
هيكل المعارضة :تقع قصيدة ابن زيدون في نحو اثنين وتسعين بيتا ً ،وهي على بحر الطويل ،
وقافيتها الباء المضمومة ،وهي في غرض المديح ،وقد اتفقت مع قصيدة المتنبي ـ التي بلغ عدد
أبياتها ثالثة وأربعين بيتا ً ـ في الغرض والقافية وحركة الروي ،والبحر ،ومن هنا نعدها من
المعارضات التامة ،حيث بدأ المتنبي قصيدته بمقدمة في الشيب ،الذي تمناه في صغره ؛ ألنه
يرى في بياض رأسه وهو في شبابه اتصافه بالحكمة والوقار اللذين ال يأتيان إالَّ مع تقدم العمر ،
وبلوغ الرشد ،فالشاعر يترفع عن سواد شعره أيام شبابه ،والتي كانت النساء يعجبهن سواد
الشعر ويفتنهن ،والشاعر لم يكن يعجبه هذا االفتتان ،بل يعدُّ ه عيبًا ،ثم يحدث نفسه متسائالً ،
عن :عرض . -1ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 111غض :ناعم ،يرف :يهتز ويلمع ،الرواء :المنظر الجميل َّ ،
-2ديوان المتنبي ، 196 ، 199 / 1المنى :جمع منية .القرون :الذوائب .الفوادن :جانبا الرأس يمينا ً وشماالً .
121
كيف أذم الشيب في هذه السن المتقدمة ،وكنت أتمناه وقت شبابي ،وأن النفس الثابتة المقيمة فيه
ال تشيب بمشيبه ،فيقول ،في البيت الخامس :
1
حاب
س ُ دون النُّ ِ
جوم َ إذا حا َل ِمن ِ وإ ِنّي لنج ٌم تهتدي بي ُ
صحْ بتي
فالشاعر كالنجم لهداية رفاقه حين غ َّم عليهم النجم بالسحاب ،و إنه غير مرتبط ببلد معين
فهو مشهور في كل بلد ،و مستغن عن اإلبل التي تحمله في سفره ألنه كالعقاب يعبر الفيافي دون
تعب أو مشقة ،و ال يحتاج للماء ؛ لتحمله وصبره ،وأن الشمس ال تؤثر فيه ،كما أنه كتوم للسر
،و ال يعبأ بالنساء ،فهوايته الحرب ومقارعة األعداء ،وبعد هذه المقدمة التي قالها في الشيب
والفخر بنفسه ،انتقل إلى غرضه األصلي ،وهو المديح ،بادئا ً باسم ممدوحه الذي يصفه بالبحر
الكثير الماء ،عالي األمواج يفوق كل البحور قائالً :
2
باب
ع ُ على ك ِّل بَحْ ر زَ ْخ َرة ٌ َو ُ
َ ض ُّم الَّذي لَه ُ
الخ َ
ْك َِوبَحْ ٌر أبُو ال ِمس ِ
وبعد هذا التخلص الرائع ،يكمل قصيدته مبالغا ً في وصف ممدوحه .وإذا كان المتنبي قد
استحسن الشيب وارتضاه في مقدمته ،فإن ابن زيدون استهل قصيدته مستشفعا ً إلى محبوبته
الحسناء بالشباب وفتنته ،محاوالً إغراءها به ؛ كي تستجيب لرغائبه إذ ال مبرر للعتاب والنفور ،
فهو يؤكد أنه ال قيمة للشباب الغض الرائع إذا لم ينعم المرء في أثنائه بوصال الحسان ،ويتخذ
ابن زيدون من الغزل المشرقي نهجا ً له ،فهو يتغزل بمرأة بدوية ،عقيلة خدر دونها مهالك
وصعاب ،و أهلها غيارى عليها حتى من الطيف والخيال ،وإنه ال يستنشق عطرها ما لم يخالطه
غبار الخيول ،وصليل السيوف واشتداد المعارك ،وبعد هذه المقدمة الغزلية التي بلغت سبعة
وعشرين بيتا ً في الغزل والشكوى من الشيب ،انتقل إلى ممدوحه ذاكرا ً اسمه على عادة شعراء
المشرق ،قائالً :
وبعد هذا التخلص الرائع يبالغ الشاعر في وصف ممدوحه ،ثم يختم قصيدته بمدح شعره .
يهاب
ُ ٌ
جبان ،يُريدُ الطعن ،ثم كأن الثّريّا رايةٌ ُم ْش ِر ٌ
ع لها َّ
ومثاب
ُ نى ،فَ ُخفَاتٌ َم ّرة ً
ض ًَ سها فانِي ال ُحشاش ِة ،شفَّهُ َّ
كأن ال ُّ
وقد جاءت بعد هذه األداة صور جميلة ،ومعان رائعة ،فالثريا كأنها راية يهم بها الجبان
لطعنها ثم يهاب ويتراجع ،وهذا سهيل يرعى النجوم ثم يعود بها من المرعى بعد أن شبعت ،
وهذا السها تفنى روحه فيخفت مرة ،ويثوب مرة أخرى ،وما أجمل الصباح الذي يستقبس
الشمس ،ويلتمس منها الدفء والحرارة ،ثم يقول كأن وجه ممدوحه مشرق كالشمس عندما يبذل
األموال .
121
يحبو ،يحابوا /أربت ،رباب /الحجاب ،حجاب /رهبت ،رهاب /المذنبين ،ذناب /غلبتهم ،
غالب /الثواب ،مثاب /ينوب ،مناب .
األنا :ظهرت األنا بكثرة في القصيدتين من خالل شخصية ناظمها فأشاد كل منهما بذاته ،وقد
جاءت األنا في قصيدة المتنبي ـ والذي عرف باعتداده بنفسه ،وال سيما في قصائده في مدح
كافور ألن الشاعر يستعظم نفسه أمام هذا الممدوح ،ومن صور األنا :الفعل المضارع للمتكلم ،
أُذ ُّم ،أشتهي ،أشكو ،أجاب ،أبل ُغ ،أصدي ،أبدي ،أرى ،أسكتُ ،نصرفه ،تاء الفاعل :
غربْتُ ،كنتُ ،كما ظهرت األنا من خالل األسماء التي اتصلت
أملتُ ،شئتُ ،نلتُ ،ظفرتُ َّ ،
بها ياء النسب مثل :صحبتي ،بناني ،قربي ،نافعي ،سالمي ،فؤادي ،سكوتي ،وكذلك من
ي ،م ِنّي ،إ ِنّي ،إل َّ
ي ،لنا ،بيننا . خالل بعض الحروف والظروف وضمائر المتكلم ،مثل :ل َّ
وقد تأثر ابن زيدون بهذا األسلوب فبرزت األنا عنده واضحة ،ومن أمثلتها في أفعال المضارع :
ُ
ننشق ،نمتري ،سأبكي ،أشكو ،وتاء الفاعل :وردت خلتُ ،أبرحتُ ،وكذلك األفعال نرا ُح ،
التي اتصلت بها ( ناء الفاعلين ) والتي تفيد التفخيم والتعظيم مثل :قضنا ،يغننا ،يثننا ،وافتنا ،
ومن تلك األلفاظ :أنَّا ،أنا ،بنا ،ن َّجدني ،مني ،بي ،لي .
ألفاظ القران ،تكررت في قصيدة ابن زيدون بعض األلفاظ القرآنية كقوله :حسن الثواب ،
خروا ركعا ً وأنابوا ،حسن مآب ،سلطان مبين َّ ،
عز خطاب ،إخالص ،إخبات ،تبتل ،متاب ،
سيخلد في الدنيا ،دار الخلود مآب ،فأنت الشراب العذب وهو سراب ،الجنب ،تتجافى .
االستعطاف :يقول حسن جاد حسن في حديثه عن هذه القصيدة " :وخير ما في هذه األمداح
َّ
انبث في معظم قصائد ابن زيدون التي مدح بها ابن جهور ،فكل الجهورية هو االستعطاف الذي
اعتذاراته و استعطافاته تمتزج بهذا المدح " ، 1ألن هذا االستعطاف يعينه على ما يريد ويشفع له
عند مليكه ،ولعل هذا االستعطاف يدور في الواقع " حول مدح ابن زيدون لنفسه واالعتداد بها ،
والتحدث عن مواهبها النادرة التي كانت سببا في حسد الحاسدين ،وكيد الوشاة ،أو مدح ابن
جهور ليظفر بعفوه وعتباه " ، 2وبعد أن ينتقل الشاعر إلى المدح في قوله :
رغاب
ُ إذا بذ َل األموا َل ،وهي كأن إياه الشمس ِب ْش ُر ُ
بن َج ْهور ، َّ
تتوالى المبالغات حتى نهاية القصيدة ،فإذا نظرنا إلى أول لفظة في كل بيت نجدها " :هو
در نوال ِه ،إذا حسب النيل الزهيد
البشر ،جواد متى استعجلت أولى هباته ،غني عن اإلبساس ُّ
1ـ ص . 159
2ـ المرجع نفسه والصفحة نفسها .
129
ُمنيلهُ ،عطايا يصيب الحاسدون بحمده ،موطأ ُ أكناف السماح ،زعيم المساعي ،مهيب يغض
الطرف ،ألبلج موفور الجالل ،أذا هو أمضى العزم ،عزايم ينصاع العدا عن قراعه ،صوائب
ريش النصر ،حليم تالفى الجاهلين أناته ،إذا عثر الجاني عفا عفو حافظ ،بكم باهت األرض
، "....وباإلضافة إلى هذه المبالغات ،يبرز لديه أسلوب الخطاب الستعطاف الممدوح فأكثر من
استخدام كاف الخطاب ،وتاء الخطاب ،كقوله من األسماء " :حاسديك ،محياك ،يمناك ،
فلهوك ،نعزيك ،بشراك ،فحاشاك ،لعهدك ،أوليائك ،وفي األفعال :جاراك ،رأيتك ،فديتك ،
فغلبتهم ،فتحتَ ،مددت ،الزلت ،جاورت ،وفي الحروف والظروف مثل :فإنك ،وإنك ،منك
،لك ،لديك ،أنت ،فأنت ،وأفعال األمر :فأبل ،أخلف ،فثق ،ال تعدل ،فعد .
مدح الشعر والفخر به :اتبع ابن زيدون نهج الشعراء العباسيين في مدح القصائد عندما
يستوفون ثناءهم لممدوحيهم ،وفي هذه القصيدة تميز ابن زيدون عن المتنبي في الفخر بعلمه
اإلشادة بشعره فيقول :
الشوار ُد غابـــوا
ِ إذا حضـ َر العُ ْق ُم َو الَ تعـــــ ِد ِل ال ُمثْ ِ
نين بي ،فأنا الـذي
ناب
ليس عنه َم ُ
الخصا ِل َ ،
جمي ُع ِ ينوب عن المدااحِ م ِنّــــي واحــــــ ٌد ،
ُ
أُ ٌ
ناس ،لهم في َحجْ ـــرت َ ْي ِه لُـــ ُ
واب َو َردْتُ َمعِينَ ِ ّ
الطبعِ ،إذ ذِي َد دونــــهُ
فقول ابن زيدون :ثق بأسد الشعر وأعرض عن الناس ،فإنهم إالا القليل ذباب ،فال تعدي
بي من هم دوني مرتبة ،فأنا الذي إذا حضرت في ساحة الشعر غابوا ،ألني صاحب علم
الدر في العقد .
تتابعت فنونه وأنواعه ،كما يتتابع ُّ
التأثر بين أبيات القصيدتين :تأثر ابن زيدون ببعض أبيات المتنبي في هذه القصيدة ،فقوله :
1
اب
ضبَ ُ ض ْو ِء النَّ َه ِ
ار َ ع ْن َ َويَ ْغ ُ
طو َ ص ْف َحةَ ال َم ِ
اء ُكدْرة ٌ فَقَ ْد تَتَغَ َّ
شى َ
الفكرة مشتركة بين البيتين ـ وإن اختلف المعنى ـ يقول ابن زيدون :قد يغطي صفحة الماء
كدر يُخفي الصفاء ،ويغطي الضباب ضوء القمر ،فالشاعر عكس معنى المتنبي الذي يقول فيه :
ٌ
إن بياض الشيب كامن في السواد ،فلما زال السواد وانكشف ،فاهتدى صاحبه طريق الرشد ،
كالنهار إذا جال عنه الضباب اهتدى السالك في الضياء .فالضباب عند المتنبي انجاب ليصفو
النهار ،بينما عند ابن زيدون غطى الضوء وحجبه .
ومن أبيات القصيدة ،التي أخذها ابن زيدون ،قول المتنبي :
2
َاب
ان ِكت ُ و َخي ُْر َج ِليْس في َّ
الز َم ِ ع ُّز َمكان في الدُّنَى َ
س ْر ُج سابح أ َ
يقول المتنبي :أفضل مكان عنده هو ظهر الجواد السريع ،وأفضل صديق عنده هو الكتاب
الذي يغنيه عن الصحب ،وقد أخذ ابن زيدون هذا المعنى فقال :
3
َاب فَلَ ْه ُوكَ ِذ ْك ٌر ،وال َج ِل ُ
يس ِكت ُ إذَا َم ْعش ٌَر ْأل َها ُهم ُ ُجلَ َ
ساؤُه ْم
يقول ابن زيدون :إن قلب ممدوحه ( محمد بن جهور ) ممتلئ بحب الله تعالى ،وال
يجتني اللذة إالّ بذكره ،وال تحلو له جلسة إالّ بين رحاب الكتب ،ووسط منتديات العلم ،في حين
أن غيره من الملوك يقبلون مع رفاقهم على مجالس اللهو والشراب .وقول ابن زيدون :
4
اب
عبَ ُ
ضم ِّ ُ َكفاَكَ ِمنَ البَحْ ِر ِ
الخ َ َج َوادٌ َمت َى ا ْست َ ْع َج ْلتَ ْأولَى ِهبَاتِ ِه
5
باب
ع ُ على ك ِّل بَحْ ر زَ ْخ َرة ٌ َو ُ
َ ض ُّم الَّذي لَه ُ
الخ َ
ْك ِالمس ِ
َوبَحْ ٌر أبُو ِ
يقول ابن زيدون :متى استعجلت أولى عطاياه وهباته ،اكتفيت من ذلك البحر الكبير
المعطاء ،ويقول المتنبي :إن بحر كافور ،يربو كل البحور جودا ً ،وكرما ً وعطا ًء .واتفق
البيتان :في ثالثة ألفاظ ،وهي ( بحر ،الخضم ،عباب ) .وقول ابن زيدون :
2
ُوف ِرقَ ُ
اب سي ِْض ال ُّ كما غالَبَ ْ
ت بِي َ وغالَبَهُ األ َ ْعدَا ُء ث ُ َّم َ
عنَوا لَه ُ
3
والرقَ ُ
اب ماج ُم ِ ّ تَخَاذَلَ ْ
ت ال َج ِ إذَا َما ِس ْرتَ في ِ
آثار قَ ْوم
يقول ابن زيدون :امتيازك على منافسيك وسبقك لمناضليك أقر عيون أصدقائك ،
وأخزى قلوب أعدائك وأذل منهم الرقاب .ويقول المتنبي :حاول أعداؤه أن يغلبوه لكنهم عجزوا
عن ذلك ،فخضعوا وانقادوا له كما غالبت الرقاب السيوف .
4
اب فإن ل ْم يُ ْغنِنِا فَ ِ
ض َر ُ ان ِْط َع ٌ صلَ َها س ِنّ َ
ي َو ْ علَ ْي َها ْ
أن يُ َ َو َماذا َ
5
اب
ض َر ُ ط ْع ٌن واأل َ َ
مام ِ ِرما ٌء و َ صدْرا ً َوخ َْلفهُ
س ُع ما ت َ ْلقَاهُ َ
وأو َ
ْ
يقول ابن زيدون في مقدمته الغزلية :تلك المرأة دونها ،طعان ،وضراب .ويقول المتنبي
:أوسع ما يكون صدرا ً ،إذا اشتدت المعارك مع العدو ،فيكون خلفه الرماء ،والطعن ،وأمامه
الضراب .وقول ابن زيدون :
6
اب
ب ِح َج ُ َم َهابتُهُ دُونَ ِ
الح َجا ِ ف ِم ْنهُ آلذِن ض َّ
الط ْر َ َم ِهيبٌ َيغُ ُّ
حيث يجعل ابن زيدون لممدوحه هيبةً و وقارا ً يحمالنه على أن يغض طرفه لمن يجالسه
حتى ال يحرجه ،كما أن مهابته تجعله في غنى عن الحراس والحجاب ،بينما يقول المتنبي :ال
ينفعني وصولي إليك غير ممتنع من الحجابة ،والذي أؤمله منك محجوب عني ،وهذا كله
يقتضيه بالعطاء .ولم يقتصر ابن زيدون على معارضته لقصيدة المتنبي السابقة ،بل نرى أنه
تأثر في بعض أبياتها بأبيات قصيدة أخري للمتنبي ،وهي في مدح سيف الدولة ،ومطلعها :
2
اب ارما ً ثَلَ َم ال ِ ّ
ض َر ُ ص ِ َو َ
غي َْركَ َ ث الذَّ ُ
ئاب عبِ َ
بِغَي ِْركَ َرا ِعيًا َ
3
ب ِعقا َ ُ
ب ض الذنُو ِ الح ْلم ِ َ
ع ْن بَ ْع ِ إ ِذ ِ َح ِليْــ ٌم ت ََالفَى ال َجا ِهلِينَ أَنَاتُــــــهُ
يقول ابن زيدون :إذا أخطأ المذنب يعفو عنه ،فيكون ذلك عقابا ً له ،ويقول المتنبي :ترفق
عليهم أيها األمير ،فإن ذلك الرفق يكون عتابا ً ،وتوبيخا ً لهم .
5
اب علَيْكَ َ
ص َو ُ ِلعَ ْهدِكَ ْ ،أو يَ ْخفَى َ أن ت ُ ْستَذَ َّم َم ِري َْرة ٌ
َوحاَشَاكَ ِم ْن ْ
اب
ص َو ُ َولَ ِك ْن ُربَّ َما َخ ِف َ
ي ال َّ و َما َج ِهلَ ْ
ت أيادِيكَ البَوادِي
6
2
ب َوذَ َّل لَ ُه ْم ِم ْن العَ َرب ال ِ ّ
صعا َ ُ ض َربُوا األ َ َ
عادِي وتَحْ تَ ِل َوائِ ِه َ
يقول ابن زيدون :األمير كفيل بأن يواجه الشدائد والصعاب ،فتلين له الصعاب ،ويقول
المتنبي :بانتسابهم إلى هذا األمير وخدمته ،تمكنوا من أعدائهم ،فانقادوا لهم .
ص ْن ُع الله نَحْ َ
ـــــوكَ واغتدى ْ
وأن راح ُ لي ْه ِن ال ُهدَى إ ْنجا ُح َ
س ْع ِيكَ في ال ِعدَا
3
وعدلُكَ في ا ْستِئْصا ِل َم ْن َ
جار واعتدى الر ْش ِد في قمعِ َم ْن غوى
س ْب َل ُّ
ون ْه ُجك ُ
وي ُْمسِي ِبما ت َ ْنـــ ِوي أعادِيــ ِه أ ْس َعـــــدَا بض ِدّ ِه
جاف عنهُ ِ
اإلر َ وأن يُ ْكذ َ
ِب ْ ْ
هيكل القصيدتين :تقع معارضة ابن زيدون في سبعة وأربعين بيتا ً بدأها بالتهنئة والثناء ،دون
أن يم ّهد لها بذكر األحبة أو وصف الطبيعة كما اعتاد ذلك وقد مضى في المديح إلى آخر القصيدة
،وهذا شأن أغلب الشعراء في المدائح التي تسجل الحوادث التاريخية ،كالفتح ،أو هزيمة جيش
،أو غير ذلك ،حيث استهل ابن زيدون قصيدته بتهنئة المعتضد بن عباد بنصره على المظفر بن
األفطس بعدما تجرع ـ األخير ـ غصص الوبال ـ وظل في تهنئة ممدوحه في سبعة أبيات ثم
ضة فتقع في اثنين وأربعين بيتا ً ،يمدح ويهنئ فيها سيف الدولة بعيد
أما قصيدة المتنبي المعار َ
األضحى مذكرا ً بأفعال سيف الدولة في خوضه المعارك التي تعود فيها على طعن األعداء ،
وأن هذا األمير كالبحر إذا اتيته مسالما ً ،فتجده هادئا ً تستطيع الغوص فيه ،وإذا أتيته محاربا ً
فاحذر هيجته ،وغضبه ،وفي حال السلم يتصف بالحكمة والكرم والجود والشجاعة والذكاء ،
وقد اتفقت القصيدتان في غرض المدح ،بل كل منهما في مدح أمير ،واتفقتا في الوزن فكالهما
من البحر الطويل ،والقافية الدالية مفتوحة الروي ،ولذلك تعد من المعارضات التامة .
مضمون القصيدتين :ولعل المرتكز الرئيس الذي ترتكز عليه القصيدتان هو اإلشادة بالممدوح
في مواجهة األعداء ،يتضح ذلك من خالل مطلع القصيدتين الذي يشيد فيه الشاعران بكلمة
( العدا ) ،تصاحبها ألفاظ تدل على كف شرورهم ومواجهتهم ،حيث يقرن المتنبي هذه اللفظة
بالطعن ،ويقرنها ابن زيدون بالقمع ،واالستئصال ،والردى ،ويبدو جمال الموسيقى في
القصيدتين من خالل الدال الممدودة ،حيث يمد كال الشاعرين صوته ؛ ليوحي كل منهما بعظمة
ممدوحه ومكانته المرموقة عنده ،فأحدث هذا المد صوتا ً موسيقيا ً رائعا ً يستحسنه المتلقي ،
ويطرب له .ولعل داللة هذه الموسيقى التي أحدثها حرف المد هنا توحي بإظهار االخالص
والصدق للممدوح ،السيما أن ممدوح المتنبي هو سيف الدولة ،الذي كان يؤثره على كافور ،
وأن ممدوح ابن زيدون ابن عباد الذي كان يؤثره على ابن جهور.
االزدواج :وهو أن تتساوى البنية الصرفية مع البنية العروضية للبيت ،أو لجزئه ،وقد ورد
االزدواج في قصيدة المتنبي على هذا النحو :إذا كان ساكنا ً /إذا كان مزبِدا ً ،تفارقه هلكى /
يخفى /ويُؤ َخذُ ما بدا ،فزيَّنَ معروضا ً /ورا َ
ع ُمسدَّدا . س َّجدا ،فيُتْ ِركُ ما ْ
وتلقاهُ ُ
نوضح ذلك في الجدول التالي :فالبيت األول على هذا النحو :
111
نالحظ أن كل كلمة في الشطر األول تقبل على أختها في الشطر الثاني .وفي البيت الثاني
على هذا النحو :
صبح َم ْن عاداك في ْ
غمرةِ الـــــ َّردى وأ ْ وأن باتَ َم ْن واالك في ن ْشوةِ ال ِغنَى
ْ
وارتدى
اعتم ْ
َ ويرضيك ٬في النّادي ٬إذا جر المة
يسركَ ٬في الهيجا ٬إذا ّ
ّ
وبُلّ ْغتُمـــا ٬م ّمـــا ت ُ ِريدانِــــه ٬ال َمــــدَى ضى وأعطيتُما ٬فيما تريغانِ ِه ّ ٬
الر َ
فإذا نظرنا لهذه األبيات األربعة ،نجد أن كل كلمة في الشطر األول ،تقابل أختها في الشطر
الثاني ،فالفعل يقابله فعل ،واالسم يقابله اسم ،والحرف يقابله حرف ،بل االتفاق حتى في
الضمائر المتصلة ،وحركة اإلعراب .
أسلوب الشرط :وردت أساليب للشرط في قصيدة المتنبي كثيرة ،منها :إذا أ ْنتَ أ ْك ْ
رمتَ ال َك َ
ريم
تمردا /غص فيه إذا كان ساكنا ً /وأحذره إذا كان مزبِدا ً /فلو كان وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ
ئيم َّ ملَ ْكتَهُ ْ /
ي ترهبٌ ترهبت األمالك /ومن كان يجعل قرن الشمس ما ًء ألوردا /فإن كان ينجي من عل ّ
تمردا وإن أنتَ أكرمتَ اللَّ َ
ئيم َّ ريم /ملَ ْكتَهُ ْ / الضَّرغام لصيَّ ِد تصيَّده الضرغام /إذا أ ْنتَ أ ْك ْ
رمتَ ال َك َ
صل /إذا أ ُ ْن ِش ْدتَ مدْحا ً فإنَّما بشعري أتاك المادحون َ /م ْن وجدَ اإلحْ سانَ
/إذا شدَّ زندي ضربْتُ بن ْ
قيْدا ً تقيَّدا .وذكر ابن زيدون بعض أساليب الشرط منها :إذا قي َل في ِه ق ْد تناهَى تولّدا /ول ّما
الجسيم تبلّدَا /إذا حاربتَ ٬فارفَ ْع لواءهُ .
َ األمر
َ اعتض ْدتَ اللهَ كنتَ مؤ َّهالً /إذا ج ّ
ش َم
الترديد :رد المتنبي بعض قوافيه على ألفاظ في البيت ،مثل :تعودا ،العدا /اهدى ،ما هدى /
سدا /قيَّ ْدتَ ،تقيَّدا .وفي قصيدة ابن زيدون :العدى ،اغتدى /أحمدت النَّدى ،النَّدا /الح َّ
ساد ،ح َّ
صدى /الودّ ،تودّدا /غمده ،مغ َّمدا ،فأحمدا /أعتضدت ،تُعضدا /الفراق ِد ،فرقدا /ال َّ
صدي ،ال ّ
111
المقابلة :وردت بعض المقابالت في شعر المتنبي ،فمن أمثلتها :مريد ضره ،ضر نفسه /هاد
يعط /فأصبح يجتاب المسوح ،وقد كان يجتاب الدالص /
إلى الجيش ،وما هدى /أعطاك ،لم ِ
يمشي به العكاز ،وما كان يرضى مشي أشقر أجردا /فسار به ،من ال يسير /غنَّى ،من ال
يغني /يرى ،ما ترى .كما اعتمد ابن زيدون في كثير من أبياته على المقابلة ،منها :
الردَى
وأصب َح من عاداكَ في غمرة ّ ْ
وأن باتَ َمن واالكَ في نَشوة ال ِغنى
ظ ِليما ً ُم َ
شــ َّردا أن أمســــى َ
فل ْم يَعدُ ْ ص َّممـا ً
ض َحى ه ِِز ْبــرا ً ُم َ
رأى أنّه أ ْ
الصورة :يصور ابن زيدون النصر العظيم الذي حققه إسماعيل بن المعتضد مزريا ً بابن األفطس
بعد أن تخلى عن ابن حليفه الذي استنجد به وهو المعز بن إسحاق ،فأدت إلى مقتله فجزع عليه
أبوه فبكاه كما بكى لبيد أخاه أربد ،وأخذ ذلك القائد الشجاع يعصف بأعدائه حتى أحال الصباح
المشرق عليهم ليالً مظلما ً بما أثاره فوقهم من غبار كثيف ،وظهر ذلك القائد متأللئا ً وسط مثار
النقع تغمره فرحة النصر كالبدر الوضاء الذي تحسده األقمار ،وفي ذلك يقول :
أربــدا
بكاء لبيــــد حيـــنَ فارقَ ْ صاب بِث ُ ْكلــ ِه
ُ فأصبح يبكيه ال ُم
فحار وثنَّى ِ
ناظ َر الشمس أرمــدا َ الط ْلقَ ليالً عليهم
أعاد الصبا َح َّ
وهي صورة متكاملة رائعة تجسد موقف ذلك القائد المغوار ونصره الذي حققه في المعركة ،
ولعله نظر فيها إلى تصوير المتنبي لحال ابن الدمستق الذي فتك به سيف الدولة ،يقول المتنبي
مصورا ً هذا المشهد :
المسردا
َّ ِّالص
يجتاب الد َ
ُ وقد كانَ تاب المسو َح مخافةً
فأصب َح يجْ ُ
وما كان يرضى م ْشي أ ْشقَ َر أجْ ردَا َّير تائبا ً ويمشي به العُ َّك ُ
از في الد ِ
115
مدح القصيدة :تميز المتنبي عن ابن زيدون في هذه القصيدة بمدحه لشعره يقول في آخرها :
ً1
إذا قُ ْلتُ ِش ْعرا ً أصب َح الد ُ
َّهر ُم ْنشِدا و َما الدَّ ْه ُر إالَّ من ُر َواةِ قالئِدي
بش ْعري أتاكَ ال َمادِحــونَ ُمـــردَّدا أج ْزني إذا أ ُ ْن ِش ْدتَ َمدْحا ً فإنَّما
ِ
صدى
ي واآلخ َُر ال َّ
صائ ُح المحْ ِك ُّ
أنا ال َّ غير صوتي فإنَّنِي ع ُك َّل َ
صوت َ َودَ ْ
يقول المتنبي :ما الدهر إال من رواة قالئدي ،كلما قلت شعرا ً ردده أهل الدهر ،وتغنى به من
ال يعرف التغني بالشعر ،وأن شعري هو األصل ،وكل ما قاله الشعراء ترديد لما قلته .
التأثر في األبيات :تأثر ابن زيدون ببعض أبيات المتنبي ،فمن ذلك قوله :
2
ِلفَ ْيئ َ ِة َم ْن أ ْكر ْمتهُ َّ
فتمردا ولَ ْم ت َأْلُهُ ب ْقيا ً علي ِه ت ُّ
َنظرا ً
يصف ابن زيدون فضائل ابن عباد ،وكرمه البن األفطس ،وتقديمه النصيحة له ؛ إبقا ًء عليه
،وانتظارا ً لعودة من أكرم ،ولكنه تمرد ،مشيرا ً إلى حكمة المتنبي الشهيرة ،التي وصف بها
سيف الدولة ،وموقفه من الدمستق ،قائالً له :إن الكريم يعرف قدر اإلكرام ،فيصير كالمملوك
لك ،إذا أكرمته ،أما اللئيم ،إذا أكرمته يزيد عتوا ً وتمردا ً .وقول ابن زيدون :
5
وي ُْمسي ب َما ت َ ْنوي أعادي ِه أسْعدا بض ِدّ ِه
جاف عنهُ ِ
اإلر َ
ب ْوأن يُ ْك ِذ َ
ْ
11ـ ديوان المتنبي . 262 / 1 ،وفي رواية " من رواة قصائدي " .
ْ
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 192لم تأله نصحا ً :لم تقصر في نصيحته ،البُقيا :االنتظار وترقب الخبر ،الفيئة :العودة .
3ـ ديوان المتنبي . 299 / 1 ،
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 192المطمع :ما يطمع فيه .
5ـ ديوان المتنبي . 291 / 1 ،
111
كم ساعده األعداء فيما يرغب ( ،وهم ال يريدون ذلك ) ،ورأوه أحق بأن يُسعد ،فهم
يظهرون الخير ،ويبطنون الشر ،ويقول المتنبي :إن أعداءه يرجفون بهزيمته ،فيكذبهم بظفره
،ويريدون معارضته ،فيتحرشون به ،فيسعد بذلك ؛ ألنه يظفر عليهم .
1
القذف ـ مثْنى ْ
ومو َحدَا ِ ـ بِ ِمثْ ِل نُ ُج ِ
وم ص ْن ِ
هاجة و" ِزنَات َة يراج ُم ِم ْن " ِ
ِ
2
ت األمالكُ مثْنى ْ
ومو َحدَا ت ََر َّهبَ ْ فلَ ْو كانَ يُ ْن ِجي ِم ْن عل ّ
ي تر ُّهبٌ
يقول ابن زيدون :إن المعتضد يناضل من صنهاجة ،وزناتة ،وهما قبيلتان من البربر ،
فيتساقطون أمامه مثنى وموحدا .ويقول المتنبي :إن ترهبه هذا ال ينجيه من سيف الدولة ،ولو
كان ذلك ينجيه ،لترهبت سائر الملوك ،مثنى وموحدا ،يعني اثنين اثنين ،وواحد واحد ،
متواليين .ويقول ابن زيدون :
5
تَنَاو َل سيْفا ً دُونَهُ فت َقلَّدا سيْفا ً باتِكَ ال َح ِدّ قبْلهُ
ولَ ْم ن ََر َ
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 191راجم في الكالم والعدو والحرب :بالغ بأشد مساجلة ،وتراجموا بالحجارة :تراموا بها ،
نجوم القذف :الشهب التي تصيب الشياطين ،مثنى وموحدا :مزدوجة ومفردة ،والمعنى يقذف األمير أعداءه بفرسان أشداء من قبيلتي
صنهاجة وزناتة أزواجا ً وآحادا ً كما تقذف الشهب الشياطين .
2ـ ديوان المتنبي . 295 / 1 ،
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 192األْولى :األحرى واألفضل ،الحجا :العقل ،اليد :النعمى .
4ـ ديوان المتنبي . 299 / 1 ،
،5ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 199سيف باتك الحد :قاطع مرهف .
119
1
أ َ َما يَت َوقَّى ش ْف َرت َْي ما تقَلَّدا س ْيفُهُ
فَيَا ع َجبَا ِم ْن دائِل أ ْنتَ َ
يقول ابن زيدون :لم نر سيفا ً قاطع الحد قبله ،تناول سيفا ً من دونه وحمله ،ويقول المتنبي:
أما يخشى الدمستق بأن يكون األمير سيفا ً حادا ً ال يؤمن جانبه .وقول ابن زيدون :
2
َولَ ْم ت َكُ كالدَّا ِعي يُجا ِوبهُ ال َّ
صدى ص ُر " :لبَّيكَ " ماثِالً
عوتَ ،فقال النَّ ْ
دَ َ
صدى
ي واآلخ َُر ال َّ
صائ ُح المحْ ِك ُّ
أنا ال َّ غير صوتي فإنَّنِي ع ُك َّل َ
صوت َ َودَ ْ
ومن قصائد المتنبي التي عارضها ابن زيدون ،النونية التي مطلعها :
ُ3
كأس ،وال سكــــن
وال ندي ٌم ،وال ٌ ُ
وطـن بَم َالتّعَلُّ ُل ؟ ال أ ٌهــل وال
4
ش َج ُن ؟
عادَهُ َ وذلك في قصيدة ابن زيدون التي مطلعها :ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ َ
غ ِريْبا ً َ
محتوى القصيدتين :قال المتنبي هذه القصيدة " فيمن كانوا ينعونه عند سيف الدولة ويقولون أنه
مات أو أنه اغتيل أو أنه مرض ومات مرضا ً .ثم أن إحدى اإلشاعات عن موته تعاظمت
وأوشكت أن تتحقق في بالط سيف الدولة ،ونمي األمر إلى المتنبي ،فانتفض ونظم إحدى أبدع
قصائده ألنه صدر فيها عن الوجدان المحض وعن إحساس بالوجود ،بعد أن أوشك وجوده أن
،أما ابن زيدون فقد قال قصيدته لما ح َّل به العيد وهو بعيد عن أهله ، 5
يمحق أو يزول "
(المعارضة) في عشرة أبيات بينما تقع
ِ فناجاهم بهذه األبيات ،وقد وقعت قصيدة ابن زيدون
(المعارضة) في خمسة وعشرين بيتا ً ،وقد اتفقت القصيدتان في الموضوع وهو
َ قصيدة المتنبي
الحنين و الشكوى ،وكلتاهما من البحر البسيط ،و القافية النونية مرفوعة الروي .ورغم قصر
المطلع في القصيدتين :لعل جمال القصيدتين وروعتهما تكمن في هذا المطلع ،الذي جاء
موازيا ً للقصيدة ،فعند سماعنا له ،يعرف مقصود القصيدة ومدلولها ،فيبدأ المتنبي بهذا االستفهام
المحير (،بم التعلل ؟ ال أهل وال وطن ؟ ) فالشاعر يشكو زمانه الذي أبعده عن أهله ووطنه ،
فجعله في غربة وشوق إليهما ،كذلك يبدأ ابن زيدون بهذا االستفهام ( هل تذكرون غريبا ً ) ،
مصرحا ً بهذه الغربة من أول وهلة ،فغربة المتنبي أبعدته عن ممدوحه ومجلسه ،وغربة ابن
زيدون أبعدته عن أميره ومحبوبته ،ثم يؤكد ابن زيدون مأساته ويعزز شكواه ،مواسيا ً المتنبي
في محنته وشكواه ،فيثني بمطلع المتنبي في خاتمة قصيدته ،ليعود على ما بدأ ،وليلفت النظر
إليه ،وهذا التضمين يرمز إلى تأصل التأثر والتأكد على اإلعجاب ودقة االختيار .
البناء األسلوبي :برزت في القصيدتين بعض األساليب ،فمنها ،األنا :من خالل تتبعنا
للقصيدتين نالحظ بروز األنا التي طغت على أغلب أبيات القصيدتين ،من حيث الضمائر ،
والياء ،والتاء ،وأفعال المضارع التي تنسب للمتكلم ،ولعل الغرض من ذلك إنه يريد كل منهما
أن يثبت أمام هذه التجربة القاسية التي أوشكت أن تسقطهما ،وكأنهما يريدان أن يبرزا قوتهما ،
ويعززان وجودهما وتعلو كلمتهما من خالل هذه األنا المتفجرة .
فمن صور األنا التي برزت في ألفاظ ابن زيدون :فبتُ ،أشكو ،أجالس ،أحبهم ،أضيعها ،
أصاحب ،أقي ُم ،أذ ُّل ،ألذُّ /يبلغني ُّ /
مت ، ُ شفَّني ،بيننا ،كنَّا .وورد في ألفاظ المتنبي :أريدُ ،
نعيتُ ،قلتُ ،انتفضتُ ،سهرتُ /بليتُ ،ذكرتُ /مهجتي ،دفني ،عرضي ،رحيلي ،مريري
ي ِ ،بيني ،إني ،بي ،عني ،لك ِنّي .
،مهري /عل ّ
المخاطبة :يخاطب كال الشاعرين معشوقهما ( الوطن ،أو الممدوح ،أو الحبيب ) في كثير من
أبيات القصيدتين ،وقد ورد هذا الخطاب بصيغة الجمع ؛ تفخيما وتعظيما للمخاطب ،فمن تلك
األلفاظ في قصيدة المتنبي :حملتكم ،هوادجكم ،عندكم ،رأيتكم ،جاركم ،مرعاكم ،منكم ،
رفدكم ،منكم ،رفدكم ،بينكم ،لكم ،ودكم ،غيركم ،وعند ابن زيدون ( ذكركم ،عادكم ) .
التباين بين القصيدتين :تميز كل من الشاعرين بأساليب معينة ،حيث نرى تكرار الفعل
الماضي الذي اتصلت به واو الجماعة ،يتحدث فيه عن مبغضيه عند سيف الدولة ،فنراه يكرر
أفعال الماضي ،مثل ( :هووا ،عرفوا ،فطنوا ،تحملوا ،ماتوا ،دفنوا ) ،ليثبت أنه موجود
1ـ الجمل ،إيمان ،المعارضات في الشعر األندلسي ،دار الوفاء اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،سنة ، 2229صـ . 191
116
وأن كيدهم مردود عليهم ،وبذلك تظهر الثنائية في أسلوب قصيدته من خالل التضاد ،كقوله :
( هووا ـ وما عرفوا ) ( ،أن يبلغني ـ ما ليس يبلغه ) ( ،فما يديم سرور ـ ما سررت ) ( ،كم قد
قُ ِتلتُ وكم قد ُّ
مت عندكم ـ ثم انتفضتم فزال القبر والكفن ) ( ،قد كان شاهد دفني قبل قولهم ـ
جماعة ثم ماتوا قبل َمن دفنوا ) ( ،تجري الرياح بما ال تشتهي السفن ) ( ،بيني ـ وبينكم ) ،
( إني أصاحب ـ وال أصاحب ) ( ،سهرت ـ الوسن ) ( ،إن تأخر ـ فما تأخر) .
وقد أشارت الدكتورة إيمان الجمل إلى أن هناك ثمة ميزة انفرد بها ابن زيدون وهي
،ولعل سبب 1
استخدامه للجمل االعتراضية والتي انتشرت في سائر أبياته سوى ثالثة أبيات
كثرة هذه الجمل االعتراضية هو الحيرة والحزن واليأس الذي انتاب ابن زيدون في غربته ،
وحيرته ؛ ومن هنا كثرت االستفهامات في القصيدة كقوله ( :هل تذكرون غريباً؟ ) ( ،أيبقى في
جوانحه فؤاده؟ ) ( ،هل أجالس أقواما ً أحبهم ؟ ) (،بم التعلل؟ ) .
يقول المتنبي :هو الوفي بما وعدني ،غير أنه ال يختبر ما ذكرت له من المحبة ،فلهذا
يتأخر عني ما وعدني به .ويقول ابن زيدون :إنني ال أضيع العهود ،فالكرام يمتحنون بحفظ
العهد ،والوفاء به .
ُ4
سن
الو َ
ع َوى َ
وار َ
يري ْ ث َّم ا ْست َ َم َّر ِ
مر ِ شةً ل ُك ُم
هرتُ ب ْعدَ َر ِحيلي َوحْ َ
س َْ
5
س ُن؟ ـ ِم ْن ِذ ْك ِر ُك ْم ـ َو َجفا أجْ فَانَهُ َ
الو َ ش َج ُن ه َْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريْبا ً َ
عادَهُ َ
ونالحظ أن الشكوى تختلف بين الشاعرين ،فالمتنبي يشكو من الزمن ومبغضيه فيقول :لما
فارقتكم سهرت واستوحشت ثم تصبرت واستقام امري ورجع النوم إلى عيني ،فنمت وذهب ما
كان بي ،في حين نجد أن الشكوى عند ابن زيدون اقتصرت على الزمن الذي أبعده عن أحبته
الذين تذكرهم يوم العيد ،فالمتنبي عندما كان بمصر حن ألهله ووطنه وإلى مجالس سيف الدولة
بحلب ،ولما كان ابن زيدون " نازحا ً عن وطنه ،نائيا ً عن أهله " 1تداعت إلى نفسه تجربة
المتنبي ،فاستحضرت عبقريته قصيدة المتنبي مضمنا لمطلعها ،خاتما ً به قصيدته وقد كرر ابن
زيدون استحضار تجارب الشعراء ،ومن ذلك تجربة البحتري الغزلية ،فعندما تشابهت تجربة
ابن زيدون والبحتري في الحب عارض نونيته الشهيرة ،بنونية مثلها أسلوبا ً وغرضا ً وقافية ،
ألن الشاعر المتأخر عندما تتشابه تجربته مع تجربة سابقه " يجد نفسه مدفوعا ً إلى صاحبها ،
ّ
مشدودا ً إلى شعره ،يستلهم معانيه وأفكاره ويطرح من خاللها صوره ومواقفه دون أن يخشى
اتهاما ً له بالسطو أو السرقة " . 2ومن هنا يمكن القول بأن معارضة ابن زيدون لقصيدة المتنبي
هي استحضار للتجربة والحالة الشعورية ،ولم تكن هذه المعارضة من أجل المباراة والمضاهاة
بالشاعرية ،وإنما ظهر تأثره في الجو النفسي .
:ظهرت معارضات ابن زيدون لقصائد أبي تمام والبحتري والمتنبي جلية في الخالصة
شعره ،وليس غريبا ً أن يتأثر بقصائدهم ويعارض بعضها ،فهو شاعر تتلمذ على هؤالء الفحول
فتشرب مذاهبهم ،واستقى من معانيهم وصورهم وألفاظهم الشيء الكثير ،واستلهم
ّ العباسيين ،
تجاربهم الشعورية والعاطفية ،وتأثر بالكثير من قصائدهم وأبياتهم ،وموضوعاتهم الشعرية ،
وهو إنما يفعل ذلك العتبارات أهمها:
1ـ غدت المعارضات الشعرية لقصائد هؤالء الشعراء العباسيين واضحة في شعر ابن زيدون .
2ـ ولع ابن زيدون بالمعارضة ،والتضمين ،واالقتباس ،والمنافسة لفحول الشعراء العباسيين
حيث كتب أشهر قصائده على غرار القصائد المشهورة ألبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي .
وقد جاءت معارضاته لهؤالء الشعراء بنسب متقاربة ،وإذا نظرنا إلى هذه القصائد التي
عارضها ابن زيدون نجد أن أغلبها في غرض المديح ؛ ولعل السبب في ذلك أن ابن زيدون يريد
-1المصدر نفسه ،ص . 112
2ـ التطاوي ،عبد الله ،المعارضة الشعرية بين التقليد واإلبداع ،دار الثقافة ،الفجالة ،مصر ، 1699 ،ص. 69
121
أن يظهر بمظهر المتمكن أمام ممدوحيه ،لذلك اتخذ المدائح الجياد عند هؤالء الشعراء نموذجا ً
يحتذيه ، .واتضح اتفاق ابن زيدون مع البحتري في حنينه إلى المرأة ومواطنها بعد القطيعة
بينهما ،وكذلك ظهرت بعض األبيات مشتركة بينهما في مقدمات قصائدهم ،واتفق مع أبي تمام
،والمتنبي ،في مدح القصيدة والثناء عليها ،بعد الثناء على الممدوح .
122
المبحث الثالث ،تضمين ابن زيدون ألبيات أبي تمام والبحتري والمتنبي :
عهُ إيااهُ ،كما ت ُو ِدع ُالوعا َء المتاع َ ،وال َمياتَ القَ ْب َر ، شيء ال ا
شيء ْأو َد َ ض امنَ ال ا
التضمين لغة َ :
ض امنت َهُ بَ ْيتا ً .1
عر ما َ ض ام ُن من ال ِ ّ
ش ِ وال ُم َ
والتضمين اصطالحا ً " :قصدك إلى البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو
وسطه كالمتمثل ".2
فالتضمين بالمعنى اللغوي واالصطالحي ،يعني أخذ الشاعر المتأخر بيتا ً أو جزءا ً منه من
قصيدة الشاعر المتقدم ،ووضعه في قصيدته ،من باب اإلعجاب واالستشهاد والتأثر ،ال من
باب األخذ والسرقة .
واستلهام الموروث الشعري قديمه وحديثه ،ظاهرة واضحة في شعر األندلسيين في القرن
الخامس ،غير أن ذلك ال يعني االحتذاء والتقليد بمعناهما المعروف دائما ً ،بل يدل أحيانا ً على
الرغبة في االستفادة من الموروث الذي يمثل عنصرا ً أساسيا ً في تكوينهم ،ويكون أحيانا ً أخرى
تأثرا ً ال شعوريا ً بمحفوظهم الغزير ،وما ترسب في نفوسهم من رواسب الموروث الشعري ،
3
الذي يشكل جز ًءا من تكوينهم باعتبار " أن األدب األندلسي ليس مستقالً بذاته "
ع ِرف ابن زيدون كغيره من الشعراء األندلسيين ـ بتضمينه ألشعار المشارقة ،ويرجع
وقد ُ
هذا إلى عامل التأثر والتأثير بينه وبين الشعراء العباسيين ،وعالوة على ذلك فقد لجأ إليه من
باب اإلعجاب بكبار الشعراء العباسيين أمثال أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي .وفي هذا
المبحث سنتتبع كيفية تضمين ابن زيدون ألشعار أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي .
1ـ ابن منظور ،لسان العرب ،مادة ضمن ،الجزء الرابع .. 2111 ، 2112 ،
2ـ ابن رشيق ،العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ،المكتبة التجارية الكبرى ،الطبعة الثالثة
. 91 /2 ،1611 ،
3ـ لغزيوي ،علي ،أدب السياسة والحرب في األندلس من الفتح إلى نهاية القرن الرابع الهجري ،مكتبة المعارف الرباط ، 1699،
ص . 195
4ـ عمايرة ،د ـ حنان ،األثر المشرقي في شعر ابن خفاجة ،مرجع سابق ،صـ . 215
121
أوالً ،تضمين ابن زيدون ألبيات أبي تمام :
ضمن ابن زيدون بعض أجزاء األبيات من شعر أبي تمام ومن ذلك ما جاء في قصيدته التي
تغنى فيها بذكريات ليالي قرطبة الجميلة ،مفتتنا ً بجمال طبيعتها ،وجمال حبيبته ،حانا ً إلى
مجالس أنسها ،ومطلعه :
بالحمى ْث ْ
أطالل األحبا ِة ِ سقَى الغَي ُ
َ
إلى أن قال :
1 غض َّ
والزمان ُ ُ
غال ُم " ُّ العيش
ُ إذ " فكم َرفَلَ ْ
ت فيها الخرائدُ كالدُّمى
فالشطر الثاني من البيت من قصيدة أبي تمام في مدح المأمون ،ومطلعها :
2
صبر ِه اإللما ُم
ِ كم ح َّل عقدة َ ِد َم ٌن أل َّم بها فقال سالم
4
مأل َ ال َمسام َع " سائال ً و ُم ِجيباً" ولربا َما
صامتا ً ُ مأل َ النا ِ
واظ َر َ
فقوله " سائالً ومجيبا ً " تضمين للبيت ( الثاني ) من قصيدة أبي تمام ،في مدح أبي سعيد
محمد بن يوسف الثغري :
5 ت َ ِج ِد ال ا
ش ْوقَ سائِال ً و ُم ِجيبا ً فا ْسأ َلَ ْنها ،واجْ َع ْل بُ َكاكَ َجوابا ً
-1ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 129رفلت :تهادت وتبخرت ،الخرائد :الفتيات األبكار ،الدمى :تماثيل صغيرة متقنة الصنع ،
وتصنع من الرخام أو العاج يضرب بها المثل في الحسن ،فيقال أحسن من الدمية .
2ـ ديوان أبي تمام ،شرح الخطيب التبريزي ، 92 / 2 ،الدمن :جمع دمنة وهي آثار الديار .
3ـ المصدر نفسه . 91 ،
-4ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 129
-5ديوان أبي تمام . 62 / 1 ،
121
ثانيا ً :تضمين ابن زيدون ألبيات البحتري :
ضمن ابن زيدون الكثير من أجزاء أبيات البحتري ،فمن ذلك قوله :
1
عناا ،و َ
ع ْي ُن ِ ّ
الرضى "ل ْم ت َنَ ْم" َ الوشاةِ
ون ُعي ُ ُ ي نَا َم ْ
ت ُ ليَا ِل َ
2
ع ْن َها ولم يُنِ ِم
اظ ٍر لم يَنَ ْم َ
بِنَ ِ ق يَ ْك َأل ُ َها
علَى اآلفَا ِ
ف ُم ِط ٌّل َ َ
ط ْر ٌ
ومن األبيات التي تأثر فيها ابن زيدن بالبحتري ،قول ابن زيدون :
3
ب ِه بَانَ "الفَ َ
سا ُد ِمنَ ال ا
صالحِ" َو ِم ْن ِس ِ ّر ا ْب ِن "عباا ٍد " َد ِلي ٌل
4
ص َالحْ ؟ أ ْم هل لحا ٍل فَ َ
س َد ْ
ت من َ هل أل ُ ْن ٍس بَانَ ِمن َرجْ َع ٍة
فَ ْ
5
علَيكَ بِ ُ
ص ْن ِع ِه " ال ُم ْغ َدى ال ُم َراحِ" َ َوقَاكَ اللهُ َما ت َْخشَى!! َو َوالَى
حيث اقتبس ابن زيدون قوله ":المغدى المراح " من قول البحتري :
6
س ْي ِبكَ ال ُم ْغ َدى عل ا
ي ال ُم َراحْ ؟! عن َ ت أ َ ْع َدائِي ،وأ َ ْخ َرجْ تنِي
أ َ ْش َم ا
8
ث َ َوى اليَ ْو َم َم ْن ت ُ ْخشَى َ
عل ْي ِه الغ ََوا ِئ ُل َدع ِال َم ْوتَ يغَت َ ْل َم ْن أرا َد فإناهُ
1
اء " َما أ َ ْنتَ فَا ِع ُل ؟"
ف َم ْن ِلي با ْستِ ْيفَ ِ غي ُْر ُم ْق ِ
ص ٍر لكَ ال َخي ُْر !! إ ِنّي قَائِ ٌل َ
فقوله " :ما أنت فاعل " تضمين لقول البحتري :
2
لَهُ في الذاي يأ ْ ِتيْه ِ :ما أ َ ْنتَ فَا ِع ُل ؟ عا ول ْم نَقُ ْل األم َر َ
ط ْو ً َر َد ْدنَا إلَ ْي ِه ْ
3
اط ُل "
ع ِت َ َحلاى ِبها ِج ْي ٌد ِمن "ال اد ْه ِر َ ام َم َحا ِس ٍن
ظ َِي ال ِع ْق ُد ا ْن ِت َ
ساعٍ ه َ
َم َ
4
عاط ُل
ِ قَ َراها َو َح َ
لى ال اد ْهر ،فال اد ْه ُر واألرض ُم ْ
ظ ِل ُم ُ ض،
األر ِ
وكانَ ِس َرا َج ْ
كما ضمن ابن زيدون في بعض قصائده أبياتا ً وأجزا ًء من شعر المتنبي ،يقول ابن شريفة :
" وكان ابن زيدون ريّان من شعر المتنبي يستشهد به في نثره ،ويقتبس منه في شعره " 5وقد
عارض قصيدة المتنبي التي مطلعها:
ٌ6
أس ،وال سكن
وال ندي ٌم ،وال ك ٌ بَم َالت ّ َعلُّ ُل ؟ ال أ ْه ٌل وال و ُ
ط ٌن
7
س ُن؟ ـ من ِذ ْك ِر ُك ْم ـ و َجفَا أجْ فَانَهُ َ
الو َ ش َج ُن َه ْل ت َ ْذ ُك ُرونَ غ َِريبا ً َ
عادَهُ َ
8 ٌ
سكن!" كأس ! ،وال ٌ
وطن ! وال نَدي ٌم ! ،وال ٌ " ِب َم الت َّ َعلُّ ُل ؟ الَ أ ْه ٌل! َ
وال
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ، 161 ،أقصر عنه :كف ونزع مع القدرة عليه .
2ـ ديوان البحتري . 1911 / 1 ،
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ، 165 ،الجيد :العنق .
4ـ ديوان البحتري . 1911 / 1 ،
5ـ ينظر " أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة " ،ص . 111
-6ديوان المتنبي ،شرح العكبري ، 211 / 1 ،وقد قال هذه القصيدة وهو بمصر عندما َّ
حن إلى مجلس سيف الدولة بحلب .
-7ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 112الشجن :الحزن .الوسن :النوم .
-8المصدر نفسه ،ص ، 111والبيت هو مطلع قصيدة المتنبي المذكورة .
121
فتضمين ابن زيدون لبيت المتنبي هذا ،دلي ٌل على شدّة االرتباط ،وعمق التأثير ،فبعد أن
استلهم ابن زيدون تجربة المتنبي وأحاسيسه ،ختم قصيدته ببيت المتنبي " كنوع من تكثيف
المعنى ومنحه نوعا ً من العمق بما يضفيه على السياق من إيحاءات وبما يكتسبه في سياقه الجديد
من دالالت " .1وقول ابن زيدون :
2
مر الليالي يُع َل ُم بيتا ً َ
علَى ِ ّ قَ ْد قا َل " شا ِع ُر ِك ْندة " فِي َما َم َ
ضى
3
علَى َج َوانِب ِه الدّ ُم"
الرفِي ُع ِمنَ األذَى حت َّى يُ َراقَ َ
رف َّ " ال يسلَ ُم ال َّ
ش ُ
فالبيت الثاني ،تضمين لقول المتنبي في هجاء إسحاق بن إبراهيم ،ويقول ابن زيدون :
4 و َم ْو ِر َد ُه ُم َح ْي ُ
ث "ال ِ ّد َما ُء َمنَا ِه ُل" سال ُح َخ َمائِ ُل َم َرا ُد ُه ُم َح ْي ُ
ث ال ِ ّ
5
ف ِم ْن َم ْزجِ ال ِ ّد َم ِ
اء ال َمنَا ِه ُل ولم ت َ ْ
ص ُ وم ْن أ ّ
ي ِ ماءٍ َكانَ يَ ْس ِقي َجيا َدهُ ِ
6
اب"
ص َو ُ ِل َع ْه ِدكَ ْ ،أو " َي ْخفَى َ
عليكَ َ أن ت ُ ْست َ َذ ام َم ِر َ
يرة ٌ شاكَ ِم ْن ْ
و َحا َ
اب
ص َو ُ َولَ ِك ْن ُربا َما َخ ِف َ
ي ال ا و َما َج ِهلَ ْ
ت أيادِيكَ البَوادِي
7
هكذا كان ابن زيدون في كثير من أشعاره يشير إلى أبيات من شعر أبي تمام والبحتري
والمتنبي ،حتى أصبح هذا التأثر ،وهذه اإلشارة إلى نصوصهم سمة ماثلة في شعر ابن زيدون
،وهذا يدل داللة واضحة على عمق التأثر ،وشدة اإلعجاب بشعر هؤالء الفحول العباسيين .
وقد جاءت نسبة تضمين ابن زيدون ألشعارهم ،بنسب متقاربة .
1ـ صعدور ،أشرف علي ،الغربة في الشعر األندلسي عقب سقوط الخالفة ،مكتبة نهضة الشرق ـ جامعة القاهرة ، 1661 ،ص
.211
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 112فقوله شاعر كندة :يعني بذلك أبا الطيب المتنبي ،وكندة نسبة إلى المحلة التي ولد بها
3ـ ينظر المصدر نفسه ،في الصفحة نفسها ،والبيت مقتبس من قصيدة للمتنبي ،في هجاء ابن كيغلغ ،ومدح أبي العشائر ،ينظر
ديوان المتنبي . 125 / 1 ،
-4ديوان ابن زيدون ورسائله . 199 ،
-5ديوان المتنبي . 111 / 1،
-6ديوان ابن زيدون ورسائله ، 191 ،المريرة :الحبل الشديد الفتل .
-7ديوانه المتنبي . 91 / 1 ،
129
المبحث األول ،أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر ابن
زيدون في بناء القصيدة :
أهتم النقاد العرب األوائل ببناء القصيدة العربية اهتماما ً كبيرا ً ،إذ ارتبط بناؤها في الشعر
العربي بتقاليد فنية معينة أطلق عليها فيما بعد شكل القصيدة التقليدية بأصولها وقواعدها ،
المتمثلة في أجزائها المعروفة ،فوقفوا " طويالً عند مطلع القصيدة ،وعند االنتقال من فاتحتها
إلى الغرض منها ،ثم عند خاتمتها ". 1
وقد خضعت بنية القصيدة الجاهلية وكذلك القصيدة العباسية لهذا التقسيم ،كما خضعت بنية
القصيدة األندلسية لهذا البناء التقليدي المتمثل في المطلع ،وحسن التخلص ،والخاتمة ،ولكل
عنصر من هذه العناصر طابعه الخاص .
ونحن في هذه الجزئية سنتتبع بنية القصيدة التقليدية عند أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،
وأثرها في البنية الشعرية عند ابن زيدون ،وقبل أن نتتبع بنية القصيدة عند ابن زيدون علينا أن
نعلم أن قصائده تنقسم إلى قسمين :األول قصائد طوال ،وهي إما أن يهجم فيها على موضوعه
مباشرة دون أن يقدم له بمقدمة غزلية وغيرها ،وإما يجزئ فيها القصيدة إلى وحدات
وموضوعات صغرى ،تشتمل على أكثر من غرض ،وبالتالي فإنه يعنى فيها بالمطلع ،وحسن
التخلص ،وتجويد الخاتمة ،على طريقة الشعراء العباسيين ،والقسم الثاني مقطوعات ذات
موضوع واحد غالبا ً ما يتجاهل فيها االهتمام بالمطلع ،والتخلص ،والخاتمة .
وإذا نظرنا إلى قصائد ابن زيدون التي عدد موضوعاتها ،نجده في كثير من األحيان
سار على النهج الذي ارتضاه النقاد ،وهو الحرص والعناية بالعناصر األساسية التي تتكون منها
القصيدة ،وهي (المطلع ،وحسن التخلص ،والخاتمة ) ،باإلضافة إلى غرض القصيدة .
أوال ً المطلع :حرص ابن زيدون في معظم قصائده بتحسين المطلع ؛ باعتباره فاتحة النص الذي
يدعو المتلقي إلى الدخول في عالمه الشعري ؛ ألن النقاد جعلوه " بمنزلة الوجه لإلنسان ،
والمفتاح للقفل " . 2وقد اعتنى ابن زيدون بمطالع قصائده ،إذ اختار لها األلفاظ السهلة األنيقة ،
وتنويع الصيغة بين الخبر واإلنشاء ،وحشد المحسنات البديعية ،والعناية بالتصريع ،والمساواة
بين أشطارها ،ومراعاة النظير ؛ الستمالة المتلقي ،ولكي يتطلع إلى ما بعدها بشغف وازدياد .
1ـ بدوي ،أحمد أحمد ،أسس النقد األدبي عند العرب ،مكتبة نهضة مصر ـ القاهرة ،الطبعة الثالثة ، 1611 ،ص . 266
2ـ العسكري ،أبو هالل ،كتاب الصناعتين ،الكتابة والشعر ،تحقيق علي البجاوي ،دار احياء الكتب العربية ،القاهرة ، 1652 ،ص
. 161
129
ولهذا تعددت أنماط مطالعه ،وتنوعت أشكالها ،فمنها ما جاء على نمط القصيدة التقليدية
كالمقدمة الطللية ـ وإن كان نادرا ـ والمقدمة الغزلية ،ومنها ما جاء متماشيا ً مع مالمح التطور
والتجديد ،وهو النهج الذي اتخذه شعراء العصر العباسي ،بعدما طرأ عليهم من أسباب
الحضارة والمدنية ،فتركوا المقدمات التقليدية كالوقوف على األطالل ،والتشبيب بالحبيبة
وديارها ،وغدوا يبتدئون بوصف الطبيعة ،ووصف الخمر ،وأحيانا الدخول في الغرض دون
استهالل .ومن مقدمات ابن زيدون الطللية ،قوله :
1
بالح َمــــــــــــى
ِ ث أَ ْ
طـــالَ َل األ َ ِحـــــبا ِة سقــــــــــى الغَ ْي ُ
فالشاعر يستهل قصيدته بالدعاء بالسقيا لديار المحبوبة ،وآثارها الباقية ،وقد تتبعنا
ابتداءات شعراء العصر العباسي فوجدنا هذا النهج بارزا ً في قصائدهم ،فمن ذلك قول أبي تمام
في مدح محمد بن الهيثم بن شبانة :
2
ت عليه ْم نَض َْرة ٌ ونَ ِعي ُم
غ َد ْ
و َ طلُولَ ُه ُم أ َ َج ُّ
ش هَزي ُم أ َ ْسقَى ُ
3 ف ُ
غيُو ُم َها الوس ِْمي ُو ْ
ط ٌ ِع َها ٌد من َ سو ُمها ْث َحلا ْ
ت ُر ُ ار ل ْيلَى َحي ُ
سقَى َد َ
َ
ومن المقدمات الطللية في الشعر العباسي ،مقدمة الشيب ،حيث دأب شعراء العصر
العباسي ـ السيما البحتري والمتنبي ـ في كثير من مقدماتهم بالحديث عن الشيب والشكوى من
الزمان ،ومن ذلك قول أبي تمام في مدح الحسن بن سهل :
ب
ع َج ِ وآ َل ما كانَ ِم ْن عُجْ ٍ
ب إلى َ ب
ص ِ سى أ َ ْن َرأَتْني ُم ْخ ِل َ
س القُ َ ت أَ ً
أَب َد ْ
4
فالشاعر يعلل لشيبه بما أصابه من أحداث زمانه ،وهموم حياته التي أصابته ؛ فظهرت
على مفرقه وهو في مقتبل العمر .ويقول البحتري في مطلع إحدى فصائده :
2
باللّ َم ِم
س ُن فِ ْعالً ِم ْنهُ ِ
ْف أحْ َ
سي ُ
وال ا َير ُمحْ ت َ ِش ِم ْف ألَ ام َ
برأ ِسي غ َ ضي ٌ
َ
وهذا األسلوب في ابتداء القصائد نجده بكثرة في شعر ابن زيدون ،فكان دائما ً ما تنتابه
شكوى من الدهر ومن الشيب ،ومن قصائده التي بدأها بالشكوى من الزمن ،والدهر قوله :
3
ب ثأ ْ ِري ْ
البر ُق م ْنصلتَ النا ْ
ص ِل ويَ ْ
طلُ َ أن يبْكي الغَما ُم على مثْ ِلي ؟ أَلَ ْم يَ ِ
أن ْ
ع ِم ْن نَثْ ِلي
ق ما ضا َ ِلت َ ْند َ
ُب في اآلفا ِ ت أ ْن ُجــ ُم اللا ْي ِل مــــــأْتما ً
َو َهالا أَقَا َم ْ
رأت ذُلاي
ْ أل َ ْلقَ ْ
ت بِأ ْيدِي الذُّ ِّل لَ امـــــا صفَتْنِي ـ وهي أ ْشكا ُل ِه امتِي ـ
ولو أ ْن َ
فالشاعر يستهل هذه القصيدة " بالتماس الرحمة من كائنات جديرة بمشاركته عواطفه
ومشاعره ،وصعابه ومآسيه ؛ فالغمام آن له أن يبكي على مصابه ،ويطالب البرق بثارات حقه
المهضوم ،وتقيم أنجم الليل المآتم نادبةً ما ا
تعرض له الشاعر من شجن وعناء ،ولو أنصفته
4
هذه النجوم التي هي كف ٌؤ له امته لتهاوت من أبراجها لما ناله من ذ ٍّل وضير"
وأما من حيث ابتداء القصائد بالغزل ،فقد ابتدأ ابن زيدون الكثير من قصائده بالغزل ،على
طريقة الشعراء المشارقة ،ومن قصائده التي بدأها بالغزل ،وبالغ في إطالته ـ قصيدته في مدح
المعتضد بن عباد ،يقول ابن زيدون :
5
احـي ؟
ارتيَ ِ
ف ْ فَ َه َّز ِمنَ ال َه َوى ِع ْ
ط َ الريــــاحِ
ف ِّ ع ْرفُ ِك َرا َح في ُ
ع ْر ِ أ َ
ــــــراحِ
َ ب القَ
صتُ عليه بالعَذ ِ
َص ْ
غ ِ ض أ ْم ِعــــــدادٌ ؟ و ِذ ْك ُر ِك ما َّ
تعر َ
ت راحِ؟ ـ َهفَ ْ
ت بالعق ِل ـ أو نشــــوا ِ شــوق
ت ْ وهل أنا ِم ْن ِك في نَشَوا ِ
س ْق ِم ُجفُونِ ِك ال َم ْرضى ال ِ ّ
ص َحــاحِ ب ُ و َك ْم أ ْسقَم ِ
ت ـ من قلب صحيــح ـ
يستهل الشاعر قصيدته بالحديث عن عبير المحبوبة الذي ضاع فحملته أمواج الرياح ،
وذكراها التي هاجت أحزان النفس وآالمها ،ألنها ذكرته بصدها وهجرها ،ومعاناته ،في هواها
الغالب وضنها بالحب والوصال ،فأمرضت نفسه ،وأسقمت قلبه بلحظات عينيها الفاترة ،
وأفصح نحول جسمه ،وذبول جسده عما حاول إخفاءه من الحب والهيام ؛ فلو خلع الثياب عنه
لخفي جسمه الذابل خفاء خصرها النحيل تحت الوشاح .
و من القصائد التي استهلها بالغزل أيضا ً ،قوله في مدح " ابن عباد " :
1 ف ال َم ُ
شوقَ ُمرا ُد ف ال َك ِل َ
ع َ لَ ْو َ
سا َ ِل ْلحبّ ِ ـ في ِت ْلكَ ال ِقبا ِ
ب ـ َم َرا ُد
ومن المقدمات التي جاءت متماشية مع البيئة األندلسية الحضارية ،تلك المقدمات التي
بدأها بالحديث عن الخمر ،ووصف الطبيعة ،فمن مطالع وصف الخمرة ،قوله :
2
صبحِ ـ في اللايل ـ ت َأ ِشي ُْر
إلى أن بدا لل ُّ ب مدام ٍة أدمنا فيه ُ
ش ْر َ ولي ٍل ْ
ومن مطالع ابن زيدون في وصف الطبيعة ما جاء في قصيدته الضادية في المعتضد ،
عندما أباح له أن يتنزه وحرمه في إحدى جناته ،معتمدا في ذلك على وصف الطبيعة حيث أنه
افتن في وصف تلك البساتين والرياض الجميلة ،متأثرا ً بطريقة أبي تمام في اعتماده على وصف
الطبيعة في مقدمة القصيدة ،يقول ابن زيدون :
3
يــــض
ُ ع ِر غ َم َرتْنِي لَكَ األيَادِي البِي ُ
ْض :نَشَبٌ َوافِ ٌر َ ،و َجاه ٌ َ َ
يــض
ُ ض َّل القَ ِر
َجا َل في وص ِفها فَ َ بوأَتْني نُ ْع َماكَ َجنَّــــــةَ َ
عدْن َّ
ريض
ُ ونسِي ٌم ـ يشفي النَّفُوس ـ َم وظـــــ ٌل َب ُرودٌ
تنى ُمدَّن ِ ،
ُمجْ ً
وكان ابن زيدون في بعض األحيان يخوض في غرضه دون أن يمهد له بغزل ،أو نحوه ،
ومن ذلك قصيدته في مدح المعتضد ،عندما نشبت حروبٌ بين المعتضد بن عبّاد والمظفر ابن
األفطس ،وانتهت بانتصار المعتضد سنة 112هـ ،وكان إسماعيل بن المعتضد وولي عهده قائدَ
جيوشه ؛ فس ّجل الشاعر هذا النصر ،وقال مادحا ً األمير وابنه ،مستهالً قصيدته بقوله :
3
ـــــوكَ وا ْغت َدَى
ص ْن ُع الل ِه نَحْ َ ْ
وأن را َح ُ لي ْه ِن ال ُهدَى إ ْنجا ُح َ
س ْع ِيكَ في ال ِعدَا
وعدلُكَ في ا ْستِئْصا ِل َم ْن َ
جار وا ْعت َدَى الر ْش ِد في قمعِ َم ْن َ
غ َوى س ْب َل ُّ
ون ْه ُجك ُ
الردَى
غمرةِ َّ ص َب َح َم ْن َ
عادَاك في ْ وأ ْ وأن باتَ َم ْن َو َاالك في ن ْشوةِ ال ِغنَى
ْ
هكذا ابتدأ ابن زيدون قصيدته بالمديح دون أن يم ّهد له بشيء ،وقد مضى في المديح إلى
المتكونة من سبعة وأربعين بيتا ً فلم نره يخلط به غرضا ً َ
آخر ،وإن كان النقاد قد ِّ آخر القصيدة
عابوا على الشعراء الخوض في المديح دون أن يمهدوا له بشيء من الغزل ونحوه ،إ ّال أنهم
استثنوا من ذلك المديح الذي يشتمل على الحوادث التاريخية ،كالفتح ،أو هزيمة جيش ،أو غير
ذلك ،يقول ابن األثير " :يجب على الشاعر إذا نظم قصيدا ّ أن ينظر ؛ فإذا كانت مديحا ً صرفا ً ،
فهو مخير بين أن يفتتحها بغزل أو ال ،أما إذا كانت في حادثة من الحوادث كفتح أو هزيمة جيش
أو غير ذلك ،فإنه ال ينبغي االبتداء بالغزل ّ ،
ألن ذلك يدل على ضعف قريحة الشاعر وقصوره
متطلّعة إلى ما يقال
ِ ع تكون ّ
وألن األسما َ عن الغاية ،أو على جهله بوضع الكالم في مواضعه ،
1ـ ينظر األدب األندلسي ـ موضوعاته وفنونه ،دار العلم للماليين الطبعة الثامنة ،1665 ،ص . 115
2ـ ينظر مالمح الشعر األندلسي ،دار الشرق ـ بيروت .211، 1691 ،
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ، ،ص ، 119 ، 119الصنع :الجميل والمعروف .واالك :ناصرك .النشوة :السكرة أو الرائحة
الطيبة .الغمرة :الشدة .وغمرات الموت شدائده .
112
في تلك الحوادث " ، 1وهذا النهج من المديح يذكرنا بمدائح أبي نمام ،والبحتري ،والمتنبي ،
يصورون انتصارات ممدوحيهم ،وفتوحاتهم ،حيث أنّهم في مثل هذه الحاالت ،يعمدون
ِّ عندما
إلى المديح دونما تمهيد ،يقول أبو تمام ،في فتح عمورية:
2
في ح ِدّ ِه الحدُّ َبيْنَ الج ِدّ واللَّع ِ
ب صدَ ُق إ ْن َبا ًء ِمنَ ال ُكت ُ ِ
ب يف أ ْ
س ُال َّ
ومن ذلك ،قصيدة المتنبي الداليّة في مدح سيف الدولة فقد بدأها بالمديح دون أن يم ِ ّهد له
بشيء ،إلى أن ختمها بذلك الغرض ،ومطلعها :
أن القصائد التي بناها ابن زيدون على المديح وحده قليلةٌ جدا ً إذا ما قورنت
ونالحظ ّ
بالقصائد التي استهلها بالغزل ،وغيره .
أما في مجال الصياغة اللفظية فقد اعتنى شعراء العصر العباسي بالمطلع الشعري
لقصائدهم فأحكموا نسج ألفاظه ،وعملوا على زخرفتها بالبديع ،والتصريع ،والمساواة ،
واالزدواج ،يقول حسين عطوان " فصناعة المقدمة والتمهل في نسجها وحبكها وتطريزها
بزخرف البديع ؛ أساس ال يشذّ عنه وال يخرج عليه ،بل يراعيه بكل دقة وتريث " ، 4ومن ذلك
قول المتنبي :
5
سان القُدُو ِد وقَدَّ قُدُودَ ِ
الح ِ أيا َخدَّدَ اللهُ َو ْردَ ال ُخدُو ِد
حيث نرى ابتدا ًء رائعا ً ،جانس بين لفظتين في كل شطر ،وساوى بين شطري البيت ،
وصرع بين عروضه ،وصدره .ومن مطالع ابن زيدون التي اعتنى بصياغتها ،قوله :
6
و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل س َِال ُح َخ َمائِ ُل َم َرادُ ُه ُم َحي ُ
ْث ال ّ
فالشاعر يجانس بين ( َم َرادُ ُه ُم) ،و ( َم ْو ِردُ ُه ْم) ،جناسا ً ناقصا ً ،ويصرع بين ( َخ َمائِلُ) ،و
( َمنَا ِهلُ) ،ويساوي بين شطري البيت .
والمتتبع لتخلصات أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،يجد أنهم قد حرصوا على تحسين
االنتقال من المطلع إلى المديح في بالط األمراء والحكام ،مستجيبين في ذلك لتوجيهات النقاد
القدامى الذين بسطوا القول في هذا المفصل الهام من مفاصل القصيدة المركبة والذين حددوا
شروط التخلص وطرق االنتقال بين موضوعات القصيدة ،ومن ذلك ،قول أبي تمام في مدح
محمد بن الهيثم بن شبانة ،فقد بدأ أبو تمام قصيدته بذكر األحبة والدعاء بالسقيا لديارهم وطلولهم
في نحو ثمانية أبيات ثم تخلص ببراعة إلى ممدوحه قائالً :
4
ِم ْن و ْب ِل ِه َحقا ً لَ َها َم ْعلُو َما اجل
ع ِت ُر َباكَ ب ُك ِّل نَ ْوء َ
س ِق َي ْ
ُ
لَ َ
سقَيت ُ ُه َّن بِ َك ّ ِ
ف إبَرا ِهي َما فَلَو أ َنَّنِي أ ُ ْع ِطيتُ فِي ِه َّن ال ُمنَى
1ـ بدوي أحمد أحمد ،أسس النقد األدبي عند العرب ،ص . 111
2ـ ابن معصوم المدني ،السيد علي صدر الدين ( 1252ـ ، ) 1122أنوار الربيع في أنواع البديع ،الجزء الثالث ،تحقيق شاكر هادي
شكر ،الطبعة األولى ،مكتبة العرفان ـ بكربالء ـ العراق . 211 ، 212 ، 1616 ،
3ـ ديوان أبي تمام . 111 / 2 ،
4ـ ديوان البحتري ، 1615 / 1 ،النوء :المطر .الوبل :المطر الشديد الضخم القطر .
5ـ ديوان المتنبي . 291 / 1 ،
111
ف الدَّ ْول ِة اليَـــ ْو َم ِ
واحـــــدُ ول ِك َّن َ
س ْي َ وف كثِيرة ٌ فال ت َ ْع َجبَا ،إ َّن ال ّ
سيُ َ
وإذا انتقلنا إلى الطرف األندلسي المتمثل في ابن زيدون نرى أنه كان من الشعراء الذين
يحسنون التخلص ،واالنتقال من موضوع آلخر ،مقتفيا ً آثار الشعراء العباسيين في هذا المضمار
،ومن أمثلة حسن التخلص في شعر ابن زيدون ما جاء في قصيدته الرائية في مدح ابن جهور
وهو في السجن كيف استطاع أن ينقلنا من مقدمة غزلية بذكاء وروعة ـ فجاء تخلصا ً لطيفا ً محققا ً
الشرط الذي اشترطه حازم القرطاجني حين قال " :ويجب أن يكون التخلص لطيفا ً " 1ـ وذلك في
البيت الوارد في نهاية المقدمة إلى وصف حاله ،فيقول :
2
ان الَّ ِذي يُ ْن ِبي َ
ع ِن ال َخبَ ِر ض ال ِعيَ ِ
َمحْ ُ ع ْن َحا ِلي فَ َ
شا ِهدُ َها َم ْن يَ ْسأ َ ِل النَّ َ
اس َ
ومثل هذا التخلص ال يمكن أن يصدر إالَّ عن حذق الشاعر وقوة تصرفه ،وقدرته وطول
باعه ،وهذا التخلص المختلس السهل هو الذي ارتضاه الحموى ،في قوله :و " حسن التخلص
هو أن يستطرد الشاعر المتمكن من معنى إلى معنى آخر يتعلق بممدوحه بتخلص سهل يختلسه
اختالسا ً رشيقا ً دقيق المعنى بحيث ال يشعر السامع باالنتقال من المعنى األول إال وقد وقع في
الثاني لشدة الممازجة وااللتئام واالنسجام بينهما حتى كأنما أفرغا في قالب واحد ،وال يشترط أن
يتعين المتخلص منه ،بل يجري ذلك في أي معنى كان ،فإن الشاعر قد يتخلص من نسيب أو
وصف روض ....أو معنى من المعاني يؤدي إلى مدح أو هجوم ....ولكن األحسن أن يتخلص
الشاعر من الغزل إلى المدح " ، 3ومن القصائد التي تخلص فيها ابن زيدون من المقدمة الغزلية
إلى المدح فائيته الطويلة في مدح ابن عباد ،التي يستهلها بقوله :
4
الج ْزعِ َم ْوقِ ُ
ف؟ الو ْق ِ
ف ِب ِ ت َ لَنَا َ :ه ْل ِلذَا ِ ف
ف ُمعَ ِ ّر ُ
ع ْر ٌ
الريحِ َ أ َ َما فِي نَس ِ
ِيم ّ
وظل يتغزل بمفاتن محبوبته في نحو سبعة وعشرين بيتا ً ،ثم تخلّص بسالسة ويسر إلى
المديح دون أن يشعرنا بطفرة ،فقال :
5
ف الط ْودَ ال ُم َع َّ
ظ َم َر ْف َر ُ َو َال َح َم َل َّ والَ قَ ْب َل " عبَّاد " َح َوى البَحْ َر مجْ ِل ٌ
س
1ـ القرطاجني ،حازم ،منهاج البلغاء وسراج األدباء ،تحقيق محمد الحبيب بالخوجة ،دار العرب اإلسالمي ،بيروت ،ط 1691 ، 1 /
. 121 ،
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 251
3ـ الحموي ،ابن حجة ،خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ،دار الهالل ـ بيروت ،الطبعة الثانية . 116/ 2 ، 1661
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ . 196
5ـ المرجع نفسه ،صـ ، 191الطود :الجبل العظيم .الرفرف :ثياب عريضة خضر تُتَّخذ منها مفارش الوسائد واألسرة .
115
يقول علي سالمة " :ثم أخذ يضرب على قيثارة المدح بوصف ابن عباد بالصفات التي
ّ
كالطود ،خير معين على تجاوز صروف يجلها العربي ،فهو جواد كالبحر ،قوي العزيمة
الدهر ونكبات الزمن ،طلق الوجه ولكن في قوة ومضاء كفرند السيف ،يروق رائيه لكنه مرهف
1
الحد ،وظل يمدح ويمدح إلى أن وصل إلى هدفه ".
وله قصيدة ميمية في مدح صاحب بطليوس المظفر سيف الدولة أبي بكر محمد بن مسلم ،
قد بدأها بمقدمة غزلية طويلة ،يقول في مطلعها :
3
بِع ْقلي ـ ُمذ بِ ان عناي ـ ِل َم ْم اللّ َم ْم بيض ا
الطلى و ِلسو ِد ِ ِل ِ
وبعد أربعة عشر بيتا ً من الغزل والشكوى من الشيب والزمن ،تخلص إلى مدح ( أبي
كأن ،ذاكرا ً اسم ممدوحه ،فقال :
بكر محمد بن مسلم ) تخلصا ً حسنا ً ،يبدأ فيه بأداة التشبه ا
والبن زيدون قصيدة تحتوي على ثالثة أغراض يمدح ويهنّئ فيها أبا الوليد بن جهور
عندما تسلَّم زمام الحكم ،وهي قصيدة في أربعين بيتا ً ،ومطلعها :
5
فاك
ط ِ صبا ِع ْ
س ْك ِر ال ِ ّ
فيَ ِمي َل في ُ عيناك
ِ ِيرها ما ِل ْل ُم ِ
دام تُد ُ
اك ظ ْل ِمكَ أو ِبع ْذ ِ
ب لَ َم ِ سالفَ َها ببرود َ
يك ُ ّ
هال َمزَ جْ ِ
ت ِل َعا ِش ِق ِ
حيث ابتدأ الشاعر قصيدته بوصف الخمر ،ثم نراه ّ
يتغزل بمحبوبته ،فيقول :
1ـ األدب العربي في األندلس ،تطوره ـ موضوعاته وأشهر أعالمه ،صـ . 161
2ـ نجا ،أشرف محمود ،قصيدة المديح في األندلس ،عصر الطوائف ( دراسة فنية ) ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ،
اإلسكندرية ، 1661 ،ص . 191
3ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 121
4ـ المصدر نفسه ،ص . 126
5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 111 ، 111البرود :العذب البارد ،اللّمى :سمرة الشفه ،يقول :أتمنى أ ن تمزجي لعاشقيك
كؤوس الراح بريقك العذب البرود .
111
1
اك ضارتُهُ بِب ُْر ِد ِ
صبَ ِ صبِغت َ
غ َ ُ مان كأنّما واها ً ِلعَ ْ
ط ِف ِك ! ! ّ
والز ُ
ويتغزل إلى أن بلغ أثني عشر بيتا ً ،ث ّم تخلّص ببراعة ويسر إلى غرضه
ّ فظل يصف الخمرة
األصلي وهو المديح ،فقال :
2
وض أضْحكهُ الغَ َما ُم الباكي
كالر ِ
ّ ٌ
خـــالئق ي ِ أبي الوليد
و ِللج ْهور ّ
ــالك
خيــر ِم ِ
ُ تدبيـــــرهُ لل ُم ْ
ــــل ِك ُ َّهر منه ُمهذّبٌ
وس الد َ
س َُم ِلكٌ ي ُ
فبدأ تخلصه للممدوح ،بحرف العطف الواو ،ذاكرا ً اسم ممدوحه ،واصفا ً اخالقه بالروض الذي
أضحكه الغمام الهاطل .وأن هذه الملك يسوس الدول أفضل سياسة ،وخير تدبير .
خاتمة القصيدة :وهي آخر ما يقوله الشاعر من تدل على نهايتها ،وقد أطلق عليه بعض النقاد
مصطلح ( المقطع ) وقد أولوه اهتماما ً ال ينقص في أهميته عن المطلع ،وحسن التخلص ،وفي
ذلك يقول ابن رشيق " :وأما االنتهاء فهو القاعدة وآخر ما يبقى في األسماع ،وسبيله أن يكون
محكما ً :ال تمكن الزيادة عليه ،وال يأتي بعده أحسن منه ،وإذا كان أول الشعر مفتاحا ً له ،
وجب أن يكون آخر الشعر قفالً عليه " ، 3وقد اهتم أبو تمام ،والبحتري ،والمتنبي بالخاتمة
اهتماما ً بالغا ً ،ومن أمثلة خواتيم قصائد أبي تمام قوله ،في مدح مهدي بن أضرم :
5
ش ْك ُر
علَ ْينَا ال َح ْم ُد لل ِه وال ُّ
لنا ،و َ على الل ِه إتما ُم ال ُمنى فيك ُك ِلّها
ً6
ت لَكَ ال ُّدنيَا ِف َراقا
َوال َذاقَ ْ س ْرجا ً
ت لَكَ ال َه ْي َجا ُء َ فَال َح ا
ط ْ
وقد علق الدكتور أحمد أحمد بدوي على هذا البيت قائالً " :وجمال هذا المقطع في
إشعاره بأنه دعاء صادر من قلب معجب بمن يثني عليه ،فهو بعد أن صوره في القصيدة ،
1
ورسم خالله الرفيعة ،يكون من الطبيعي أن يختم ذلك بهذا الدعاء الصادر من قلب الشاعر "
1ـ المصدر نفسه ،صـ ، 111واها ً :كلمة تلهف ،أو تعجب ،الغضارة :الخصب والنعمة ،البرد :ثوب مخطط .
2ـ المصدر نفسه ،صـ. 111
3ـ العمدة . 216 / 1 ،
4أ ديوان أبي تمام ، 129 / 1 ،ألن الله قد بلغ بك أقصى المنازل .
5ـ ديوان البحتري . 661 / 2 ،
6ـ ديوان المتنبي . 121 / 2 ،
119
وإذا نظرنا إلى خواتيم قصائد ابن زيدون ،نجده لم يشذ كثيرا ً عن ما ارتضاه النقاد ،فكان في
سنن شعراء العصر العباسي من حيث العناية بخاتمة القصيدة ،فيجعل "
بعض قصائده يستلهم َ
االختتام في كل غرض بما يناسبه ،سارا ً في المديح والتهاني ،وحزينا ً في الرثاء والتعازي "
.2كما نراه في مدائح الملوك واألمراء يعتني بتحسين انتهاءاتها اعتناءه بمطالعها ،مستجيبا ً في
ذلك لتوجيهات النقاد الذين اشترطوا وجوب تضمين خواتيم القصائد حكمة بالغة ،أو مثالً سائرا ً
،أو تشبيها ً بديعا ً ،من أجل إثارة انفعاالت الممدوح وإطالق يده بالمكافأة و إجزال الهدية .3و"
ليس أقدر على إثارة انفعاالت الممدوح ،من الدعاء له بالخير والعزة ودوام األجل والملك
معان" . 4ومن
ٍ وتحقيق األهداف واآلمال والنصر على األعداء والمشركين ،وما شابهها من
قصائد ابن زيدون التي ختمها بالدعاء ،قوله في مدح المظفر بن األفطس التي مطلعها :
5
بعقلي ـ ُمذ بِ ان عنِّي ـ لَمم اللّمم
سو ِد ِ يض ُّ
الطلى و ِل ُ ِلبِ ِ
وقد أسهب الشاعر في مطلع قصيدته في الغزل ،في حوالي خمسة عشر بيتا ً ثم تخلص إلى
المديح الذي بلغ أربعةً وثالثين بيتا ً ،ثم ختم قصيدته ببيت رائع فيه دعاء للممدوح ،قائالً فيه :
6
ش ٌم واللايالي خَــــد ْم
لَ ُك ْم َحــــ َ ـــــــر أياــــا ُمه ُ
ُ َوالَ يَزَ ِل ال اد ْه
فالشاعر يدعو للممدوح ،سائالً الله أن يطيل الدهر بأيامه ولياليه خدمةً للممدوح وتلبيةً
لرغائبه .وإذا تتبعنا قصائد ابن زيدون في المدح نرى أنه يختم أغلبها بالدعاء للممدوح بطول
العمر ودوام النعمة ،ومن ذلك قصيدته في مدح أبي الوليد بن جهور والتي جاءت في نحو
أربعين بيتا ً ،بعد أن مهد لها بغزل رائع في محبوبته والدة ،وهو غزل ممزو ٌج بوصف الخمر،
فختمها بدعاء لممدوحه بطول العمر ،فيقول :
7
َالك
طار بَ ْع َد ه ِ ْ
األخ ُ تَحْ يَا بِكَ ت َحيَاتُكَ ما ا ْستُد ِْمتَ ،فَلَ ْم ت َزَ ْل
َدا َم ْ
وختم ابن زيدون قصيدته التي عزى فيها األمير أبا الوليد بن جهور في أمه ،قائالً :
8
وعز َوالَ ِكب ُْر
ٌ ْ
وحل ٌم والَ عجْ ٌز، من ،و ُح ْك ٌم وال َهو ً
ى ع َ
طا ٌء وال ٌّ َ
ً1 س ْع ِد ،باقِيا ً
دين ودنيا أنتَ فَ ْخ ُر ُه َما َمعا
ِل ٍ ودمتَ ُملقاى أ ْن ُج َم ال ا
ْ
يقول :أدعو الله أن يجعل نجومك طالعة دائما ً بالسعد ،وأن يبقيك مالذا ً للدين والدنيا ،
فأنت زينة للدنيا وعصمة للدين .ولما ثارت بقرطبة فتنة ضد أبي الوليد بن جهور ،التي تولى
كبرها أحمد بن محمد بن ذكوان ،وقد لفحت جذوتها ابن زيدون ففزع إلى األمير متبرئا ً من هذه
الفتنة معلنا ً ما يضمره له بنو ذكوان من البغض ،فقال فيه قصيدة عينية ،ختمها ببيت يتناسب
مع القصيدة ،داعيا ً فيه بالنصر ألميره على األعداء ،يقول ابن زيدون :
2 ص َ
ط َرعُ إن كانَ بَيْنَ ُجدُو ِد النا ِ
اس ُم ْ ْ ع ُه ْم
ص َر ُ الَ زا َل َج ُّدكَ باألع َد ِ
اء يَ ْ
هكذا بدا تأثر ابن زيدون بأبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي في بناء القصيدة المركبة من
حيث العناية بالمطلع وجعله للتغزل بالنساء أو الحديث عن الخمرة أو الشكوى من الزمن
والشيب ،وكذلك تأثر بهم في طريقة التخلص من المطلع إلى الغرض األساسي على طريقتهم ،
ثم التحول إلى الخاتمة والعناية بها ألنها آخر ما يقرع األسماع ،والحرص على جعلها دعا ًء
سائر أو تشبي ٍه
ٍ للممدوح ،أو اإلشادة بدحر األعداء وهزيمتهم ،وقد يختمها بحكمة بالغة أو مث ٍل
بديعٍ ،باإلضافة إلى تأثره بأسلوبهم في بناء القصائد المركبة ،تأثر بهم في بناء القصائد
البسيطة التي تدور حول موضوع واحد ،كما نهج نهجهم في قصائد الحماسة والحث على القتال
،فنراه يندفع إلى الموضوع مباشرة ً دون أن يمهد له بغزل أو نحوه .
، 2
وذكر أن البحتري كان ملما ً بحظوظ مختلفة من الثقافات وأبرزها الثقافة الدينية
والمتتبع لديوانه يلحظ " بشكل جلي اقتباسه من القرآن الكريم ،حيث شكل القرآن رافدا ً مهما ً في
ثقافة الشاعر ،إذ استوحى النص القرآني بآياته وألفاظه ومعانيه وصوره وقصصه ،استيحا ًء
فاعالً يكشف عن أفكاره ،وينقل القارئ من جو الواقع المعيش إلى أجواء تراثية عميقة ". 3
كما كان المتنبي حريصا ً على تزيين شعره بالثقافات التراثية ،والدينية ،ولعل الثقافة
الدينية أكثر حضورا ً في شعره ،وقد تتبع الدكتور عبد الله التطاوي في كتابه الحركة الشعرية
غص بها ديوانه الضخم ،سوا ًء أكان ذلك تضمينا ً أم
ا بين اإلبداع والنقد هذه الظاهرة التي
إشارة ،أم استفادة ً من المعجم اإلسالمي في شعره .4
1ـ تاريخ األدب العربي ،العصر العباسي األول ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة السادسة عشر ،ص . 291
2ـ تاريخ األدب العربي ،العصر العباسي الثاني ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثانية عشر ص. 191
3ـ حسن ،رائدة زهدي رشيد ،الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازنة " ،ص. 151
4ـ ينظر ،التطاوي ،د ـ عبدالله ،الحركة الشعرية بين اإلبداع والنقد ،مستوى الرؤية والتجربة في إبداع المتنبي ،مكتبة األنجلو
المصرية ،القاهرة ،الطبعة األولى ، 2229 ،ص ، 22وما بعدها .
112
ويبدو أن ابن زيدون تأثر بهم في هذا النهج ،فال شك في أنه كان من أكثر الشعراء
استلهاما ً للتراث ،وكانت له دراية واسعةً بعلوم الدين ،واألدب ،والتاريخ ،وقد ضمن ثقافته
تلك في كثير من أشعاره ،فال نكاد نجد له قصيدة إال وفيها ذكر لحادثة ،أو مثل استمده من
مصادر معارفه ،يقول األستاذ علي عبد العظيم :لقد " ولع الشاعر باالقتباس واإلشارة إلى
الم أثور من الحكم واألمثال ،وفرائد الشعر القديم ،ثم الشغف باإلشارة إلى األحداث التاريخية
والنوادر األدبية " ، 1وقد كان القرآن الكريم في مقدمة المصادر المعرفية التي أفاد منها الشاعر
،حيث ظهرت ألفاظه ومعانيه جليةً في معجمه الشعري ،واتخذ من قصصه وسيلة لعرض
قضيته ،ومن ذلك قوله :
2
صري ِْم صب َح ْ
ت كال ا ل َ
ظاهَا فأ ْ نار بَ ْغي ٍ َ
سرى إلى َجنا ِة األ ْم ِن ُ
إبراهيم
ِ سالما ً ِ
كنار و َ إن تَشَأ ْ ت َكُ بَ ْردا ً
ِبأبِي أ ْنتَ !! ْ
وز اج به في السجن بفعل دسائس الوشاة الذين كانوا كإخوة يوسف ـ عليه ب ُ والشاعر نُ ِك َ
السالم ـ حين ألقوا به في غيابات الجبّ ِ ،واتهموا الذئب زورا ً وبهتانا ً بدمه ،يقول :
4
ب و ُك ْنتُ ال ِذّ ْيبَا أسْبا َ
ط يَعقُو ٍ الوشَاة ُ ـ وقَ ْد ُمنِيتُ بإ ْف ِكه ْم ـ
َكانَ ُ
وخاطب الشاعر أمه من سجنه وذ ّكرها بأم موسى ـ عليه السالم ـ ؛ ليصبّرها على فراقه ،
ويؤملها بلقائه ،يقول :
1ـ ابن زيدون ،سلسلة أعالم الفكر ،دار الكاتب العربي ـ القاهرة ، 1619،ص . 221
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 291الصريم :الزرع المحصود ،أو الليل المظلم .
3ـ القلم :اآلية . 22 ، 16
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص 112
5ـ المصدر نفسه ،ص ، 211فالشاعر في هذه األبيات يناجي أمه على كثب ،ويناشدها بأن تتحلّى بالصبر ،وتتأسّى بما أصاب أم
موسى عليه السالم .
111
حيث يشير الشاعر ـ في البيت الثالث ـ إلى قوله تعالى " :إ ْذ أ َ ْو َح ْينَا إلى أ ُ ّمكَ َما يُو َحى ،
دو لَهُ . 1"...ع ٌّعد ٌُّو ِلي َو َ اح ِل يَأ ُخ ْذهُ َ
س ِت فا ْقذِفيه في الي ِ ّم فلي ُْل ِق ِه اليَ ُّم بال ا
أ َ ِن اقذفي ِه في التاابُو ِ
مرة ً أخرى بموسى ـ عليه السالم ـ حين ّ
برر هروبه من السجن ،فقال : الشاعر ّ
ُ سى
وتأ ّ
ُ2
فر موسى حين ه ّم به ال ِق ْبط
فقد ّ ار إِ َرابَةٌ
فإن قالُوا ال ِف َر ُ
َف َر ْرتُ ْ ،
وخاطب سجانه نافيا ً ما اتهم به موضحا ً أن ال يعقل أن ينكث فيه القصائد التي نظمها في
مدحه :
3
وال أ ْقتَدِي اإال بِناقِ َ
ض ِة الغ َْز ِل؟ أَأ َ ْن ُك ُ
ث فِيكَ ال َم ْد َح ِم ْن بَ ْع ِد قوةٍ
ويشير الشاعر في هذا البيت إلى اآلية الكريمة " وال تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد
قوة أنكاثا ً ". 4
ّ
وعندما التمس الشاعر شفاعة صديقه أبي حفص بن برد عبر عن المحبة التي يكنها له ،
وقد كانت تلك المحبة كالنص الذي ال يخالفه قياس :
5
ل ْم يُخَا ِل ْفهُ ال ِق َي ُ
اس َو ِو َدادِي لَك ن ٌّ
َص
لقد د ال الشاعر في هذا البيت على علمه بأصول الفقه ،حيث يعد النص سوا ًء أكان من
القرآن أم السنة الشريفة أقوى مصادر التشريع ،ويفوق غيره من المصادر األخرى كاالجتهاد
والقياس ،وعبّر الشاعر في القصيدة ذاتها عن بؤسه وشقائه حين شكا أصدقاءه الذين تنكروا له
وانقلبوا عليه بعد نكبته :
سوا؟ لُوا ِ
عن ال َع ْهد ِوخَا ُ َما ت َرى في َم ْعش ٍَر َب ْع َد َما َحا
6
اس
س ُ يُتاــقَى ِم ْنهُ ِ
المــــ َ ـــــــــــــــام ِرياا ً
ِ سور ْأونِي َ
َ
والشاعر في هذين البيتين يشير إلى قصة السامري الذي عبد العجل فعوقب بأن منع من
مس الناس ُح ام الماس والممسوس ،فتحامى الناس وتحاموه ،وكان
مخالطة الناس ،فكان إذا ا
يصيح فيهم :ال مساس .وإلى جانب معرفته الدينية ،رأينا ابن زيدون يوظف معرفته التاريخية
الواسعة في أشعاره فها هو يخاطب سجانه قائالً :
7
أن ت ُ ْم ِلي ل َما َكانَ بِدْعا ً ِم ْن َ
س َجايَاكَ ْ َط ْيئ َــةً ولَو أنانِي واقَ ْعتُ َ
ع ْمدًا خ ِ
الرسْـــــ ِل ُم ِس ْي ِل َمةً إ ْذ قا َل إنِّي ِمنَ ُّ ار َولَ ْم ِ
أط ْع فَل ْم أ ْستَثِ ْر َح ْر َ
ب ال ِف َج ِ
ُ3
سار كوكبٌ بات يُكأل
وأبطأ ٍ
4
ب
بطئ الكـــــواكـــ ِ
ِ ولي ٍل أُقاسيه كليني له ٍ ّم يا أُميمة ناص ِ
ب
ص َر ،أ ْن ِ
ت ِم ْن قَ ْو ِم ُمو َ
سى ا ْهبِ ِطي ِم ْ ت ِم ْنه ُ لَي َ
ْس ِم ْن ِك ال َه َوى ،وال أ ْن ِ
7
8
طعام واح ٍد اهبطوا مصر "
ٍ يشير إلى قوله تعالى " :وإ ِذ ْق ْلتُم يا ُموسى لن نا ْ
ص ِب َر على
يشير إلى المثل المشهور" كمستبضع التمر إلى هجر " ، 2وهو مثل يقال عند الخط ِأ في نقل
األشياء إلى األماكن التي تكثر فيها ، ...وقول ابن زيدون :
يشير إلى المثل " المرء يعجز ال محالة " ، 4وقول ابن زيدون :
5
ومزا ُج الوصا ِل ِم ْن ت ْسنِ ِيم
ِ س اوغِ ِم ْسكٌ
الرضا ال ُم َ
وإذ ِختا ُم ِ ّ
7
ب زَ قوما ً و ِغسْلينا
والكوثر العذ ِ
ِ يا جناة الخلد أُبدِلنا بسدْرتها
يشير فيه عدة ألفاظ قرآنية ،فـ ( السدرة ) ،وردت في قوله تعالى " :إ ْذ يَ ْغشَى ال ِ ّ
سد َْرةِ َما
يَ ْغشَى " ، 8و ( الكوثر ) وردت في قوله تعالى " :إناا أ ْع َ
ط ْينَاك ال َك ْوثَر " ، 9و ( الزقوم )
،و( الغسلين ) وردت في قوله 10
طعَا ُم األثِ ِيم " الزقُّ ِ
ومَ ، ش َج َرة َ ا وردت في قوله تعالى " :ا
إن َ
طعَا ٌم اإال ِم ْن ِغ ْس ِليْن " ،. 11وقول ابن زيدون :
وال َ
تعالى َ " :
ُ 12
يارتُهُ غِبٌّ ،وإل َما ُمهُ ْ
فرط ِز َ اجر وأ اما ال َك َرى ُم ْذ لَ ْم ْ
أزركم فَ َه ٌ
يشير إلى قولهم " :زر غباا تزدد حباا " ، 13وقول ابن زيدون :
14
كمث ِل القطا ،لو يُتْر ُكونَ لنَا ُموا ذر إناهم
ب العُ ِ
و َما ضاقَ عنهم َجانِ ُ
" ُك ُّل غَانِ َية ِه ْندُ " 5مثل يضرب للتساوي في الشر ، .و قول ابن زيدون :
6
فال ُح ُّر َمن دانَ إ ْنصافا ً كما ِديْنا ظةً
علَى ال َع ْه ِد ـ َما د ُْمنَا ـ ُم َحا ِف َ
ُومي َ
د ِ
يشير إلى المثل " :كما تدين تدان " ، 7وقول ابن زيدون :
8 ا
عز ناس ذ ال ُ
ناس الدهر إذا ما
ُ وكذا
يشير إلى المثل " :الدهر يومان يوم لك ويوم عليك " ، 9فمعروف أن اليوم الذي هولك تعز
فيه ،أما اليوم الذي هو عليك فإنك تذل فيه .
ويقول ابن زيدون :
ُّ 10 بيان يُبَيِّ ُن ـ للسامعينَ ـ ا
أن ِمنَ الساحْ ِر َما يست َ َحل ُ
وأن من ال ا
ش ْع ِر لحكمة " ، 11ويقول : أن من البيان لسحرا ،ا
نظر في هذا البيت إلى قول النبي " ا
12
كمعتقد الناب اُوة ِ في َ
س َجاحِ سة في سواه و ُمعت ِق ُد ِ ّ
الريا َ
سجاح :فتاة مسيحية نشأت في بالد النهرين عند أخوالها من قبيلة تغلب ،ولما ارت اد كثير
من العرب عن اإلسالم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ،وادّعى بعضهم النبوة اداعت هي
أيضا ً النبوة ودخلت في حروب مع المسلمين وتزوجت مسيلمة الكذاب ( مداعي النبوة ) ،ويقال
إنها أسلمت في زمن معاوية هي وقومها .13إلى غير ذلك من الثقافات المتعددة التي بثها في
شعره ،وفي ذلك دليل على سعة اطالعه ،وتعدد ثقافاته .
1ـ الميداني ،مجمع األمثال ، 191 / 2 ،و أبوهالل العسكري ،جمهرة األمثال ،الجزء الثاني ،ص. 161
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 112
3ـ أبو هالل العسكري ،جمهرة األمثال ،الجزء األول ،ص. 511
-4ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 111
5ـ الميداني ،مجمع األمثال . 112 / 2 ،
6ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 119
7ـ الميداني ،مجمع األمثال . 151 / 2 ،
8ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 291
9ـ مجمع األمثال . 151 / 2 ،
10ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 121
11ـ أبو هالل العسكري ،جمهرة األمثال ،الجزء األول ،ص . 11 ، 11
12ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 111
13ـ الزركلي ،خير الدين ،األعالم ،الجزء الثالث ،دار العلم للماليين ـ لبنان ،الطبعة الخامسة عشرة ، 2222 ،ص . 99
115
األلفاظ التاريخية :
استعمل ابن زيدون كثرة وافرة من األلفاظ التاريخية ،في شعره فهو يعمد إليها موظفا ً
مر على مواقف تشبهها في عصره ،ومن
ومواقف كلما ا
َ دالالتها في شعره ؛ ليخدم بها أغراضا
األلفاظ التاريخية التي استخدمها في شعره أسماء وشخصيات تاريخية قديمة ،كقوله في إحدى
قصائده في المعتضد :
1
كون ُم ْلكٍ ل ْم ي ُِح ْلهُ فســا ُد
ِ في نــــذرين " ِكليهما
ِ أناي رأيتُ " ال ُم
تخلــ ُ ُق األبْـــرا ُدـ ل ْم يَ ْخلُقا ـ إ ْذ ْ ق" ث " ُم َح ِ ّر ٍص ْرتُ بالب ُْردين إر ِ
وب ُ
ِل َج ِذيْمةَ َ
الوضااحِ حـــين يـكا ُد ع ْم ٍرو ثأ ْ َرهُ ق َ ع َر ْفتُ َم ْن ذِي ا
الط ْو ِ َو َ
المـــــــــيال ُد نجْ ٌم تلقاى َ
ســ ْعدهُ ِ يم ِه ـ
يوم نَعــــــ ِ ِ وأَتى َ
بي النُّ ْعمانَ ـ َ
2
3
الوفاـا ُد
ــر َوة ُ " َ
ع ْ لَ ْم يَ ْست َِط ْعها " ُ فكأناني طــال ْعــــت ُ ُه ْم ِب ِوفــــــــــا َدةٍ
4
وك ،إ ِذ ال ُملُ ِ
وك ِوهـا ُد فوقَ ال ُملُ ِ أهـــــــ ُل ال َمنـاذرةِ الذين ُه ُم ُّ
الربــــــــا
ماء ،فــــ ُه ْم لــــها أوال ُد
س ِ ما ُء ال ا ع ِقيلةً ـ عـــــــــد ْ
ات ـ َم َع اد َ قــو ٌم إذا ُ
5
سماحِ إيا ُد
ب " بال ِ ّ
وصف " ك ْع ٍ
ِ عن ض ْ
ت ع ْم َرها ْ ،
بل أع َْر َ نَ ِس َي ْ
ت ز ِبي ٌد َ
6
لَعَنَا " ال ُم ِغيرة ُ " أو ا
أقر " ِزيــــادُ" فلو تَقَد َام َ
ع ْه ُدهُ فَ َ
ض َح الدُّهاة َ ْ ،
يحشد ابن زيدون في هذه األبيات كثيرا ً من الشخصيات التاريخية ،فالمنذر ،ومحرق ،
وذو الطوق عمرو ،وجذيمة ،والنعمان ،وعروة بن الورد ،وماء السماء ،وزبيد ،وكعب ،
والمغيرة وزياد شخصيات تاريخية وتراثية تم توظيفها كقيمة تراثية تعمق تجربته الشعرية .
وإضافة لذلك فقد تأثر ابن زيدون باألشعار التي نظمت قبله ال سيما المشرقية منها ،حيث
أفاد من معانيها وألفاظها وصورها ،ويظهر هذا األمر جليا ً واضحا ً في رسائله النثرية التي
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله 151 ،ـ ، 156الكون والفساد :تعبيران فلسفيان يدوران حول التكوين والهدم أو اإليجاد والفناء ،
محرق :هو
والمنذران هما :المنذر بن امرئ القيس ويسمى المنذر األكبر بن ماء السماء ،وابنه المنذر ويسمى المنذر األصغر ّ ِ ،
حرق مائة من بني تميم في ثأر أخ له في الرضاع ،وقد حرق نخل اليمامة أو َّمحرقا ً ألنه َّ
َّ عمرو بن المنذر المسمى بعمر بن هند ،س ِّمي
قتله عمرو بن كلثوم ،وقال :فيه معلقته المشهورة التي مطلعها " أال هبِّي بصحنِكِ فاصبحينا " ،والبردان :عرضهما المنذر األكبر
العز والعدد في معد ثم في نزار ..ثم في بهدلةعلى وفود العرب ليأخذهما أعزهم ،فقام عامر بن أحيمر فأخذهما وارتداهما قائالً ّ " :
فمن أنكر هذا فلينافرني " فسكت الناس .لجذيمة :ملك جذيمة بن مالك الوضاح وينعت بأبرش الحيرة ،قيل :إنه قصد في جيش كثيف
إمارة عمرو بن الظرب العاملي فقتله ،ولما تولت الزبا الحكم مكان أبيها عمرو دبرت حيلة قتلت بها جذيمة األبرش فانتقم له ابن أخته
عمر بن عدي الذي ورث ملك خاله وأسس أسرة اللخميين بالحيرة ،وسبب تسميته بذي الطوق أن أمه كانت تزينه وتضع في هنقه طوقا ً
عمرو عن الطوق " فسارت مثالً لإلنسان يكبر عن شيء الذي ال يالئمه . ٌ فلما كبر قال خاله " :شبَّ
2ـ كان للمنذر بن ماء السماء نديمان قتلهما في سكره ،ثم ندم على قتلهما ثم بنى لهما قبرين يسميان الغرييَّن فكان يخرج إليهما يومين في
العام ،األول يسمى يوم النعيم يعطي فيه أو َل من يطلع فيه مائة من اإلبل ،والثاني يسمى يوم البؤس يقتل فيه أول من يفد عليه ،ويقال
إنه قتل في هذا اليوم عبيد بن األبرص الشاعر الجاهلي المشهور .
3ـ عروة الوفاد :عروة بن الورد الذي كان يغزو ويوزع الغنائم على الفقراء .
4ـ الربا :المكان المرتفع ،الوهاد :المكان المنخفض .
5ـ زبيد :قبيلة يمنية .عمرو بني زبيد :هو عمرو بن معد يكرب الزبيدي من فرسان العرب وشعرائها أدرك اإلسالم فأسلم ثم ارتد عقب
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى اإلسالم وأبلى في موقعتي اليرموك والقادسية أحسن البالء .كعب :هو كعب بن مامة
اإليادي من قبيلة إياد العدنانية يضرب به المثل في الجود .
6ـ المغيرة :هو المغيرة بن شعبة من دهاة ال عرب المعدودين ،وزياد :هو زياد بن أبيه اعترف معاوية بنسبته إلى أبيه أبي سفيان ،وهو
من الفرسان والخطباء األفذاذ .
111
ضمنها الكثير من األشعار المشرقية ،أما في قصائده فقد تأثر بكثير من الشعراء الذين سبقوه ،
وليس هناك أد ُّل على ذلك من تتبعنا ألثر أبي تمام والبحتري والمتنبي في شعره ،وكيف كان
يعارض قصائدهم ،ويضمن أشعارهم ،ويأخذ معانيهم وألفاظهم ،كما أثبتنا في الفصل األول .
فاإلشارة إلى المعاني واأللفاظ ،والتضمين ،والمعارضة ،دليل على اتفاق ابن زيدون
مع شعراء العصر العباسي في انتقاء األلفاظ والكلمات ،كما أنه ال يختلف معهم في روافد
معجمه اللفظي المستفاد من األصول التراثية ،والدينية ،والتاريخية ،أ اما األلفاظ التي آثرنا أن
نقف عليها في تأثر ابن زيدون بأبي تمام والبحتري والمتنبي في المعجم اللغوي ،فهي تلك
األلفاظ البارزة التي كثر استعمالها في معجمه الشعري ،منها :
معجم الطبيعة في سياق الربيع والنباتات :
فاألندلس هي بالد الطبيعة الجميلة الثرية الساحرة ،واألندلسيون قوم يغلب عليهم األدب ،
ويأسرهم الشعر فتفننوا في قوله وإنشائه ،فكان للطبيعة نصيب كبير من العناية بها ،واالفتنان
بما حباها الله من حدائق وبساتين ورياض وأزاهير ،وورد ونوار وحمائم وأطيار ،وجداول
ق ،وخضر وأثمار ،وثلوج وأمطار ،وكل ما يخطر على النفس من وأنهار ،وبرك وسوا ٍ
جميل يتصل بالطبيعة وصفوه وصفا ً بديعا ً ،وصوروه تصويرا ً فاتنا ً مختلف األلوان منمنم
3
األصباغ .
لذا فقد أكثر الشاعر األندلسي من ألفاظ وصف الطبيعة ؛ " استجابة منهم لمؤثرات البيئة
وما انطوت عليه بالدهم من مشاهد الفتنة ومظاهر الحسن ،وهكذا انفعلت نفوسهم بما
استشعرت حولها من عناصر الجمال ،وفاضت قرائحهم ببديع القول تجاه تلك الربوع التي
4
شغفوا بها ...وهكذا دخلت الطبيعة حياة األندلسيين ،وخالطت نفسهم وتغلغلت في أشعارهم "
1ـ ينظرـ الركابي ،جودت ،الطبيعة في الشعر األندلسي ،مكتبة أطلس ،دمشق ،ط ، 1692 ، 2ص . 22
2ـ كروم ،بومدين ،الطبيعة في شعر ابن خفاجة األندلسي ،رسالة ماجستير ،جامعة دمشق ،سنة ، 1691ص. 122
3ـ ينظر :األدب األندلسي ،موضوعاته وفنونه . 111 /
4ـ الدقاق ،عمر ،مالمح الشعر األندلسي ،دار الشرق بيروت 221 ، 1691 ،ـ.229
119
َف بالطبيعة فإن ذلك قد منحهم خياالً جميالً ،فكانت الرقة ،والنعومة
شغ ٌ
،وإذا كان لألندلسيين َ
ميزة أشعارهم ،والفضل في ذلك لألندلس ،وما لربوعها من تأثير في نفوسهم. 1
وقد شكلت الطبيعة رافدا ً أساسيا ً ،ونبعا ً ثريا ً استقى منه ابن زيدون معجمه الشعري ،فمن
قصائده التي تزخر بمصطلحات الطبيعة ،قوله :
فحار وثنَّى ِ
ناظ َر الشمس أرمــدا َ الط ْلقَ ليالً عليهم
أعاد الصبا َح َّ
يصف ابن زيدون ما فعله إسماعيل بن المعتضد في حربه ضد المظفر بن األفطس ،حيث جعل
إسماعيل بن المعتضد الصباح المشرق ليالً مظلما ً ،بما أثاره عليهم غبار المعركة ،وقد جعل ابن
زيدون ممدوحه هالالً صغيرا ً ،ورغم صغره فإن جميع األقمار والكواكب تحسده ،فالشاعر في
هذه األبيات يستعين بألفاظ الطبيعة في إثراء معجمه الشعري ،فالصباح ،والليل ،والشمس ،
والهالل ،والظالم ، ،والعجاج ،واألقمار ،كلها ألفاظ للطبيعة أستعان بها الشاعر في إيصال
صورته الفنية للمتلقي .
ويقول ابن زيدون في نونيته الشهيرة ،التي صاغها في والدة بعد أن جفته وصدت عنه :
يتحسر الشاعر على أيام وصاله مع محبوبته ،التي كانت كالروضة بل كانت نعيما ً لحياته ،
فيتمنى أن تعود إليه ،وتعيده إلى جنته التي وصفها بجنة الخلد ،فإن لم ينل منها شيئا ً في الدنيا
،سيظفر به في اآلخرة ،فهو ال يفقد األمل بلقائها .
ب ،زقّوما ً وغسلينَا
والكوثر العذ ِ
ِ بسدرتِـها
َ يا جنّةَ الخلــ ِد أُبدِلنا ،
أجفان َواشينَا
ِ سع ُد قَ ْد غ ا
َض من َوال ّ ت ،والوص ُل ثالثُنَــا ،
كأنّنَا لم نبِ ْ
فاأللفاظ :روضةً ،وردا ً ،الصبا ،غضا ً ،نسرينا ،زهرتها ،نعيما ً ،جنة ،سدرتها ،
الكوثر ،زقوما ً ،الظلماء ،الصبح ،كلها ألفاظ للطبيعة جعلها الشاعر رافدا ً خصبا ً في تكوين
معجمه الشعري .يقول شوقي ضيف " :ويمزج الشاعر األندلسي في كثير من غزله بين حبه
وبين عناصر الطبيعة مزجا ً ال نعرفه عند المشارقة إال نادرا ً ،إذ نراه يشرك تلك العناصر معه
في مشاعره وأحاسيسه ،على نحو ما يلقانا عند ابن زيدون في قافيته التي خاطب بها صاحبته
والدة " ، 1وهي قوله :
2
األرض قد راقا
ِ واأل ْف ُق ْ
طل ٌق ومرأى ــراء ُمشتاقــــا ً إني ذكرتُك ِ َّ
بالز ْه ِ
كأنَّـــهُ َّ
رق لي ،فاعتـــــل إشفاقــــا وللنسيم اعتـــال ٌل في أصائ ِلـــــ ِه
كما شقَ ْقـــتَ ـ عن اللبَّات ـ أطواقــــا ي ِ مبت ِس ٌم
ض ّ
والروض عن مائِ ِه ال ِف ِ ّ
ُ
جا َل النَّدى فيه ،حتى مال أعناقــــا نلهو بما يستمي ُل العينَ من زهـــر
هكذا مزج ابن زيدون حبه للطبيعة بحب والدة ،فتغنى باالثنين معا ً ،ولهذا اطلق عليه علي
عبد العظيم لقب ( شاعر الحب والطبيعة ) ، 3فألفاظ الطبيعة التي وردت في األبيات :األرض ،
النسيم ،الروض ،الماء ،الزهر الندى .ويبدو أن المزج بين الطبيعة والغزل ،قد التزمه
الشاعر بعد أن حصلت الجفوة بينه وبين والدة فأكثر من الحنين إليها متخذا ً من الطبيعة رسوالً
بينه وبينها ،فعندما كان ابن زيدون الجئا ً في بطليوس وهو في حال من الثورة ،واالشتياق
أرسل الريح إلى والدة لتحمل سالمه وتحياته ،يقول ابن زيدون :
4
ُم ْش ِرقـــــا ً َم ْن سئِ َم الت َّ ِغريبــــا
سمعْتَ ال َمث َ َل المض ُْروبَــــا :
أ َما ِ
واستشر ل ِبيبا "
ْ "أر ِسل حكيما ً ،
ْ
إذَا أتيْتَ الوطـــــنَ الحبيبــــــا
ض َح ال َع ِجيبـــا
وال َجا ِنب المستو َ
اض َر ال ُم ْنفَسِح َ َّ
الر ِحيبـــــا وال َح ِ
1ـ فصول من الشعر ونقده ،دار المعارف ،الطبعة الثالثة ، 1699 ،ص . 151
2ـ ديون ابن زيدون ورسائله ،ص . 116
3ـ ينظر ،عبد العظيم ،علي ،في كتابه عن ابن زيدون ،ص. 229
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 155
116
ي ِ ِم ْنهُ َما َرأى ال ُجنُوبَـــــا
فَ َحـــ ّ
وللريح مع ابن زيدون عالقة وثيقة فهي رسوله الدائم التي تحمل سالمه إليهم ،وتحمل
رسائل األحبة ،وتحمل إليه سالمهم ،ومن ذلك قوله :
1
ب
الغـــــر ِ
ْ الم إلى
س َ ت َ َح ُّملَها منه ال َّ ق يَ ْش ُك ُر ل ِل َّ
صبا يب بأقصى ال َّ
ش ْر ِ غ َِر ُ
ب س َال َم هَو ً
ى يُ ْهدي ِه ِج ْس ٌم إلى القل ِ َ صبا في احتِمالها
أنفاس ال َّ
َ ضر
وما َّ
كما كان ابن زيدون دائم الحنين والشوق إلى معاهد لهوه ،وصباه في قرطبة ،فعندما
أضناه الشوق والوجد أكثر من ذكر أودية ،وغدران ،ورياض قرطبة ،علّها تطفئ لهيب شوقه
لقرطبة ومن فيها ،فيقول :
2 زَ َك ْ
ت ،وعلى وادي ال َع ِقيق سال ُم ي م ِنّي ت َِحيَّـــــةً
شهد ّ على الثَّغ ِ
ب ال َّ
بأرجائها ،يبكي عليــــــه غ َمــــا ُم
ْ ضاحـــكٌ
ِ نور في الرصافَة
وال زا َل ٌ
تُ ُ
ــدار علينا للم ُجــــــــون ِ ُمـــــدا ُم معاهِد ل ْهو ،لَم ْ
تزل ،في ِظاللهـــا
ــــرور ِج َمــــــا ُم
ِ سف ،وأمواه ال ُّ
ت َِر ُّ يش ُخض ٌْر ن ِ
َواض ٌر زَ مانَ ِر ُ
ياض ال َع ِ
فالشاعر يحلق في فضاء قرطبة حانّا ً إلى طبيعتها الجميلة مرسالً إليها بتحيّاته ،فللغدير
( الثغب الشهدي ) تحية عطرة ،وتحية سالم على ( وادي العقيق ) ،فالشاعر في حنين دائم
ألماكن قرطبة الطبيعية مرسالً إياها سالمه ،وقد أكثر من معجم الطبيعة في أبياته ،كقوله :
الوادي ،الغمام ،الرياض .
ومن خالل تتبعنا أللفاظ الطبيعة في شعر ابن زيدون ،نجده لم يصف الطبيعة لذاتها ،
وإنما مزجت بالمدح والغزل ،حيث يربط بين ألفاظ الطبيعة ،وخصال الممدوح تارة ،و يربط
بين ألفاظ الطبيعة ،وحبه لوالدة تارة أخرى .
وإذا نظرنا في آثار الحياة الجديدة في لغة الشعراء العباسيين ،نجد ألفاظ الطبيعة ،قد
ظهرت بشكل واضح في أشعارهم ،حيث مالت ألفاظهم " إلى الرقة والعذوبة ،وخرجت من
أسر محاكاة الجاهليين ،فعكف الشاعر العباسي على تبسيط المعاني واختيار ألفاظ ذات رونق لم
يغرب إال في القليل من شعره ،فأفرد الشعراء القصائد لوصف عناصر الطبيعة أحيانا ً ،
واستهلوا بها قصائدهم أحيانا ً أخرى بدالً من البكاء على األطالل أو وصف الراحلة ،فوصفوا
2
وغ َدا الثارى في َح ْليِ ِه يت َك ا
س ُر رقا ْ
ت َحوا ِشي ال اد ْه ِر فهي ت َ َم ْر َم ُر
فمن ألفاظ الطبيعة التي وردت في األبيات :الشتاء ،والصيف ،والثرى ،تثمر ،وبله ،
مطر ،الصحو ،غيثان ،األنواء ،ندى السحاب ،الربيع ،األزهر ،الروض .
و يصف البحتري المروج الواسعة التي تشتمل على ألوان شتى من النباتات ،فيذكر فيها "
الخزامي " ،و " الحوذان " ،ويذكر " البهار " فيصوره بالثغر الضاحك ،وكذلك لفظة "
شقائق النعمان " التي جعل لها عيونا قائالً :
1ـ إبراهيم ،هند ماهر أبو العطا ،تطور المعجم الشعري في شعر الطبيعة في العصر العباسي ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ـ
القاهرة ، 2225 ،ص . 161
2ـ ديوان أبي تمام ، 111 ، 112 / 1 ،تتمرمر :تموج وتضطرب لينا ً ونعمة .الثرى :التراب .هشائم :جمع هشيمة وهي الشجرة
اليابسة .لمم الثرى :النبت الذي سقط عليه الندى .
151
ت َْزهَى ُخزَ ا َماهُ على ال َحو َذ ِ
ان راص ُمفَ او ٌ
ف مم ُرو ُج ال ِع ِ
وال َم ْر ُج ْ
1
ــــــــران
ِ ت َْخت َا ُل بينَ نَوا ِع ٍم أ َ ْق الرقاةُ البي َ
ضا ُء " كال ُخو ِد التي و" ا
ض ٍر بَ ِهجٍ ،وأَحْ َم َر ِ
قان في ْ
اخ َ صفَ َر فــاقِعٍ ، أبيض يَقَ ٍ
ق ،وا ْ ٍ من
ـــــان
ِ ق النُّ ْع َم
شقَائِ ِ عي ُ
ُون َ فِيها ُ شقاقَت
ضها وت َ َ
بأر ِ
ار ْض ِحكَ البَ َه ُ
َ
ويقول أيضا ً :
وله قصيدة في مدح الحسن بن الحسن بن سهل ،يعدد فيها ألوانا ً شتى من أصناف الزهور
والورود ،يقول فيها :
3
ــــــــــدان
ِ نَ َخ ِلياا ً ِم ْن ُك ِّل ما ت َِج َيث إ ْذ بكاها ْ
وإن كــا أ ْس ِعــــــدا الغ َ
األلــــــــــــوان
ِ ُحلَالً ِم ْنهُ َج امةَ جــــــــــا َد فيها بنف ِس ِه فا ْست َ َجـــــــد ْ
ات
ض ِر ُحسْنا ً َو َو ْش ِي ِه ْ
األر ُجوانــي ـ َ ي ت َ ْهت َُّز بينَ إ ْف ِر ْنـــــ ِد ِه ْ
األخــــــــــ فَ ْه َ
ـــــــــــان
ِ ق النُّعمـ َ أ ْن ُج ٌم ِم ْن َ
ش ِقائ ِ وض ،فيها في س َماءٍ من ُخض َْرةِ ا
الـر ِ
يــــــــــان
ِ كاجْ ِتماعِ اللُّ َجي ِْن وال ِع ْق اض
ض ٍرار من ْلو ِن ِه وا ْب ِي َ
واصـــــــــ ِف ٍ
ـــــــــــران
ِ ور ا
والز ْع َف بِنَ ِس ِيم ال َكافُ ِ َــــــــر اد ُد فيــها
َ صبا ت ا
وكــــــــــأن ال ا
وإذا كان الشاعر العباسي قد اهتم بوصف الربيع والرياض والزهور ،فإن األندلسيين قد
أكثروا من وصف تلك األشياء ،فوصفوا الورود والزهور كـ " زهرة اآلس واألقحوان
1ـ ديوان البحتري ، 2199 / 1 ،المرج :األرض الواسعة فيها نبت كثير .العراص :جمع عرصة وهي ساحة الدار ،أو كل بقعة ليس
فيها بناء .المفوف :المخطط .الخزامي :عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء .الحوذان :نبت من نبات السهل يرتفع قدر
الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة .
2ـ المصدر نفسه ،ص . 2211
3ـ ديوان البحتري ، 2169 ، 2169 / 2 ،اإلفرند :جوهر السيف ووشيه .األرجواني :ذو اللون األحمر نسبة إلى األرجوان وهو صبغ
أحمر .شقائق النعمان :زهر أحمر اللون مبقع بنقط سوداء كبيرة .اللجين :الفضة .العقيان :الذهب الخالص .الحوذان :نبت من
نبات السهل يرتفع قدر الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة .األقحوان :زهرة اللؤلؤ وهو نبات الربيع مفرض
الورق دقيق العيدان له نور أبيض ،وهو البابونج ،ويكنى به عن ثغور الحسناوات .الياقوت :من الجواهر حجر صلب رزين صاف
شفاف .المرجان :جنس حيوانات بحرية له هيكل وكلس أحمر يعدُّ من األحجار الكريمة .
152
والبنفسج والنرجس ...والسوسن والنيلوفر والورد والياسمين ، 1"...وغيرها ،وهي ألفاظ
كثيرا ً ما تالقينا في أغلب قصائد ابن زيدون .
ومن األلفاظ التي ذكرها ابن زيدون ،و تكررت في شعر أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي
لفظة ( ورد الخدود ) ،التي ترمز إلى حمرة خد المحبوبة وفتنتها وجاذبيتها ،كما يحمل هذا
اللون داللة الخجل والعفة اللتين تبدوان في خدود الحبيب ،فها هو ابن زيدون يصور حبيبه
وقد ظهر له بجيده في المالبس البيضاء ،وخده كأنه مصبوغ بالزعفران ،في قوله :
2
َوجـ َ َـال الخَــــ اد في َم َجا ِس َد ُح ْ
ـــم ِر يـــض
ٍ الجي َد في غ ََالئِ َل بِ
أب َْرزَ ِ
ويقول ابن زيدون :
3
ُج ْر ٌد ـ ت ُ ِبلّغُنِي جناهُ ـ ِورا ُد أَ ْ
صبُوا إلى " َو ْر ِد ال ُخدُو ِد " إذا َ
ع َدت ْ
َك ِمثْ ِل فِ ِر ْن ِد َ
الو ْر ِد في َخجْ لَ ِة ال َخ ِ ّد ق فِ ِر ْن ُدهُ لَ َدى زَ َم ٍن غ ٍ ّ
َض أني ٍ
4
ويقول:
5
واجْ تَنِي َ
الو ْر َد ِمنَ ال َخ ِ ّد الرا َح ِم ْن ِري ِق ِه ، فَبِ ُّ
ت أ ْس ِقي ا
وقد وردت هذه األلفاظ بكثرة في شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي ،ومن أمثلة ذلك قول
أبي تمام :
6
سجا ً َو ْردَ ال ُخدو ِد
يُ ِعيدُ بَنَف َ لَ َها ِم ْن لَ ْو َ
ع ِة البَي ِْن التِدا ٌم
7
ووردُ خدُود
جنى ْ
ً دان َ :و ْردُ
َو ْر ِ عي ٌ
ُون راقها سفَ ْرنَ ،فامتألت ُ
و َ
1ـ بيريس ،هنري ،الشعر األندلسي في عصر الطوائف ( مالمحه العامة وموضوعاته الرئيسية وقيمته التوثيقية ) ،ترجمة الطاهر
أحمد مكي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة األولى ، 1699 ،ص . 116
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 211الجيد العنق ،المجاسد :جمع مجسد وهو الثوب المصبوغ بالجساد أي الزعفران .
3ـ المصدر السابق ،ص ، 151صبا :مال إلى الجهل والفتوة ،عدت :جرت ،الجرد :جمع أجرد وهو الفرس قصير الشعر رقيقة
وهي صفة مستحبة في الخيل ،الجنى :الثمر الغض ،ال ِوراد :جمع ورد وهو لون بين الحمرة القانية والشقرة في الخيل .
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 522أنيق :حسن معجب ،فرند السيف ،جوهره وحليته ،الفرند :الورد األحمر .
5ـ ديوان ابن زيدون ،تحقيق د .يوسف فرحات ،ص . 19
6ديوان أبي تمام ، 252 / 1االلتدام :أن تضرب المرأة وجهها وصدرها لتصبح حمرة وجهها كالبنفسج .
7ـ ديوان البحتري ،المجلد الثاني ،ص . 169
151
الربيع ْ
طلقا ً َو َو ْردُ ْه ُجلَّ ُ وال ُخدو ِد ِ
نار َّ ِ سان يَ ْب َهى عليها
الح ِ
1
2
ـــ ِل و ُح ْمرة ال َخ ِدّ ال ُم َو َّر ْد ف العَ ِليـــــــــــ ف ال َّ
ط ْر ِ بت َ َ
ص َّر ِ
ويقول :
3
ــض في وجه ِه َو َو ْردَ ال َخدُو ِد
ِ الر ْو سؤا َل يَ ْن ُ
ش ُر َو ْردَ َّ َّ
وكأن ال ُّ
كما كان المتنبي يستعمل هذه اللفظة في شعره فمن ذلك قوله :
ويقول المتنبي في مطلع إحدى قصائده في مدح شجاع بن محمد الطائي المنبجي :
5
سان القُدُو ِد ّوقدَّ قُدُودَ ِ
الح ِ أَيا َخدَّدَ اللهُ َوردَ ال ُخدُو ِد
معجم المائيات :إن الماء ومسبباته من ريح وسحب وبرق ورعد ،وكذلك مجاريه من بحار
وأنهار وجداول وأودية وبرك ،من " المواضيع التي عرض لها الشعراء منذ العصر الجاهلي
" ، 6إالا أن أحاديثهم عنها " كانت أحاديث عرضية عابرة ،ولم يشكل الماء عندهم فنا ً مستقالً
له سماته الفنية ". 7
ومع مرور العصور وتعدد البيئات وتجددها ـ السيما في العصر العباسي ـ أدرك الشعراء
أهميتها ،وغدت الطبيعة المائية " تسيطر على الشعراء ،فاندفعوا بشاعريتهم ت ُ ْذكيها المناظر
الخالبة التي وقعت عليها عيونهم ،فكان ذلك كله مجاالً خصبا ً لفنهم ،فبرزت معالم ( الشعر
المائي ) واتضحت صورته بوصفه ضربا ً مستقالً من ضروب الشعر ،له خصائصه وسماته
ومميزاته " ، 8والناظر ألشعار شعراء العصر العباسي " كأبي تمام والبحتري ،والمتنبي "
يرى أنهم قد أكثروا من ذكر الماء ومسبباتها ومجاريها ؛ ولعل ذلك راجع إلى البيئة التي عاشوا
ومن أمثلة ذكر المياه ومسبباته في شعر أبي تمام ،قوله في مدح محمد بن الهيثم بن شبانة :
حيث نراه قد وقف طويالً عند " غيمة " ثم ينتقل من كرم السحاب إلى كرم الممدوح ،حيث
يقول :
1
يث بِ َها الث ا َرى الم ْك ُر ُ
وب ُم ْست َ ِغ ٌ ــــــــوب
ُ س ُك ِدي َمةٌ َ
س ْم َحة ُال ِقيَا ِد َ
ِيـــب ُ
المكان ال َجد ُ لَ َ
سعَى نَحْ َوها ت بُ ْقعَةٌ إل ْع َ
ظ ِام نُ ْع َمــــى لَ ْو َ
س َع ْ
لـــــوب
ُ ت فَعانَقَتْها القُ
ــطي ُع قا َم ْ
ِ اب ،فَلَ ْو تَسْـ
ط َ لذا ُ
شؤْ بُوبُ َها ،و َ
2
ضر م ْنهُ وبَا ِد
ض حا َ ٌ
ور او َ
َ سبَ ُل الع َها ِد سقَى َ
ع ْه َد الح َمى َ َ
وقد ذكر المتنبي الماء في شعره في مواضع كثيرة ،ومن أمثلة ذلك قوله يصف بحيرة
ي بن إبراهيم التنوخي ،حيث يقول :
طبرية في قصيدته التي مدح بها عل ّ
4
ئ وماؤُها شَبـِـــ ُم
ـغ َْو ُر دف ٌ لوالكَ لم أَتْ ُر ِك البُ َحي َْرة َ والـ
طـــ ُمت َ ْهد ُِر فيها وما بها قَ َ وال َمو ُج ِمثْ ُل الفُ ُحو ِل ُم ْزبِ َدة ٌ
سانَ ب ُْل ٍ
ق تَخ َْونها اللُّ ُج ُم فُ ْر َ ب تَحْ ُ
س ِبها ير فوقَ ال َحبَا ِ ا
والط ُ
هاز ٌم و ُم ْن َهز ٌم
غى ِ :
َج ْيشَا َو ً كأناها ِ ّ
والريـَـــا ُح تض ِْربُهــــا
1ـ ديوان أبي تمام ، 159 / 1 ،الديمة :المطر يدوم في سكوت .القياد :الهطول .الشؤبوب :المطر الشديد .
2ـ .ديوان أبي تمام ، 169 / 1 ،سبل العهاد :مطر من أمطار الربيع .
3ـ ديوان البحتري . 2111 / 1 ،
4ـ ديوان المتنبي 11 / 1 ،ـ ، 19هدر الفحل :إذا هاج وأخ رج زبدة .القطم :شهوة الضراب .الحباب :طرائق الماء .األبلق :ما كان
حف :أحاط .جنانها :جمع جنة ،وهي البستان .جادت :من الجود ،وهو المطر .والديم :جمع ديمة ،وهي فيه سواد وبياض َّ .
المطر الدائم في سكون .الماوية :المرآة ،شبهت بالماء لصفائها .مطوقة :لها طوق فضة أو ذهب .الغشاء :الغطاء .األدم :جمع
األديم .
155
ف ب ِه ِم ْن ِجنانِها ُ
ظلَــ ُم َح ا ــــــارها قَ َم ٌ
ـــــر ِ كأناها في نَهـ َ
لها بناتٌ وما لها َر ِحــــ ُم عظام لهـــــا
َ سم ال نا ِع َمةُ ِ
الج ِ
وض حول َها ال ِ ّديَ ُم
الر َ
ت او َجاد ِ ير في َجوانِبهــــــا ت ا
الط ُ تغنا ِ
ـــر َد عنها غشاؤُ ها األ َ َد ُم
ُج ِ ّ فـــهي َك َمـــا ِويا ٍة ُم َ
ط اوقــــــ ٍة
والمتتبع للشعراء العباسيين الثالثة ،يرى أنهم قد اهتموا بالماء وأكثروا منها في شعرهم ،
أثناء حديثهم عن جمال طبيعة بالدهم وما تتميز به من كثرة مجاري المياه ومواضعها .
و إذا انتقلنا من البيئة العباسية إلى البيئة األندلسية التي وصفت بأنها من " أغنى بقاع
المسلمين منظرا ً وأوفرها جماالً ،ترتفع فيها الجبال الخضراء ،وتمتد في بطاحها السهول
الواسعة ،وتجري فيها الجداول واألنهار " ، 1نجد أن شعراءها قد تفننوا في وصف طبيعتها
المائية فاكثروا من ذكر ( البحار ،واألنهار ،والبحيرات ،النافورة ،السحب ،والغمام ،المطر
،والقطر ،والسيل ،والطل ،والندى ،والريح ،والبرد ،والعاصفة ،والرعد ،والبرق ،
وغيرها ) ،ولعل ابن زيدون ـ الذي عرف بأنه شاعر الطبيعة والحب ـ يعد من أبرز شعراء
األندلس ذكرا ً أللفاظ الماء حيث حفل معجمه الشعري بهذه األلفاظ ،ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا ال
تخلو قصيدة واحدة البن زيدون من ذكر الماء ومسبباته ،ومن أمثلة ذلك قوله :
2
صاب
ُ لها باللُّها في المعتفين َم ُه َو ال ِب ْش ُر ِشمنا منهُ برق َ غمام ٍة
اب
عبَ ُ
ضم ِّ ُ َكفاَكَ ِمنَ البَـحْ َر ِ
الخ َ َجـ َوادٌ َمت َى ا ْست َ ْع َج ْلتَ ْأولَى ِهبَاتِ ِه
طاب للراحِ ال ا
شمو ِل قِ ُ كما الما ُء ا ش َهامةُ ن ْف ٍس في سالمــة َم ْذهـ ٍ
ب
سحاب
ُ شموس وأي ٍد في المحو ِل
ٌ سما َء فَ ْأو ُجهٌ
األرض ال ا
ُ ت
بكم با َه ِ
ور ثَغ ُ
َاب وي ْمناكَ بحْ ـــ ٌر والبحـــ ُ دور أهلاــهُ
بدر والبــــ ُ
ُم َحياـــــاكَ ٌ
يكثر الشاعر في األبيات من المعجم المائي ،فيستخدم لفظة :البرق ،والغمام ،البحر الخضم ،
الماء ،سحاب .
1 يب ب ِه ال ّ
ش ْه ُد َيلَذُّ لهم كال َم ِ
اء ِش َ ُم ِم ٌّر لمن عاداهُ إ ْذ أ َ ْولياؤُ هُ
ويقول :
2
نار في ِه لل ُم ْست َ ِشف نُ ٌ
ور َو ُ عيم منهُ بِ اخ ٍد
َجا َل ما ُء النا ِ
نالحظ أن ابن زيدون في هذه األمثلة ـ وغيرها كثير في ديوانه ـ يستخدم ألفاظ الماء
ومسبباته ،وقد وردت أغلبها في غرض المديح ،واستخدمت كناية عن كرم الممدوح وعطائه .
ويستعطف ابن زيدون أبا الحزم بقصيدة المية نظمها في سجنه ،استهلها بعناصر
الطبيعة ؛ لكي تشاركه آالمه ومشاعره ،فالغمام آن له أن يبكي مصابه ،ويطلب البرق بأخذ
حقه المهضوم ،وتقيم أنجم اليل المآتم نادبة ما تعرض له الشاعر من سجن وإقصاء ،ولو
أنصفته هذه النجوم التي هي كفؤ لهمته ؛ لتهاوت من أماكنها لما ناله الشاعر من ذل وظلم ،
وفي ذلك يقول :
ع من نثلـي
ق ما ضا َ
ُب في اآلفا ِ
لت َند َ أقامــــت أ ْن ُجــــ ُم اللّيل َمأتما ً
ْ َوهَـالا
رأت ذُ ِلّي
ْ أللقَت بأيـــدي الــــذّ ّل ل ّما وهي أ ْشكا ُل همتي ،
َ صفتني ،
ولو أن َ
اهر من شمــلي
فرقَ الد ُ بِ َم ْ
طل ِعها ما ا قت س ْب ُع الثُّرياا ،وغَا َ
ضها ، َو ال ْف َ
تر ْ
لقد أكثر ابن زيدون من ألفاظ الطبيعة المائية في شعره ،واتفق مع الشعراء العباسيين
الثالثة في اإلكثار منها ،إالا أن هذه األلفاظ لم ترد مقصودة لذاتها من حيث الوصف ،وإنما
جاء كناية على كرم الممدوح ،وأحيانا ً يجعلها تشاركه آالمه ومشاعره ،بخالف الشعراء
ــــــــوب )
ُ س ُك العباسيين الثالثة الذين أخصوها بالوصف .فأبو تمام يصف ( دِي َمةٌ َ
س ْم َحة ُال ِق َيا ِد َ
،والبحتري يصف ( عارض منهل ) ،والمتنبي يصف ( بحيرة ) .
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 112ممر :صار مرا ً ،شِيب ُ :م ِز َج .
2ـ المصدر نفسه ،ص ، 125المستشف :المتطلع إلى ما وراء الشيء أو ما خفي منه .
159
معجم الحيوانات
استعمل ابن زيدون معجم الحيوانات ،بل احتلت الحيوانات مكانا بارزا ً في شعره ،وقد
ارتبطت " ارتباطا ً وثيقا ً بالحرب وأدواتها " ، 1ويبدو أن أغلب ألفاظ الحيوانات الواردة في شعر
ابن زيدون ،هي أسماء الخيول ،واألسود ،التي " ال ترد منفصلة عن الحرب والسيف
والحسام لما لها من صلة وثيقة بذلك ،ألن الخيل هي األداة األولى في القتال ومعظم هذه األلفاظ
نمط تراثي ظل يتردد في النماذج األندلسية " ، 2وكذلك كان األسد ـ وما في معناه ـ من األلفاظ
التي لها داللة على القوة والشجاعة ال سيما عندما يستخدمه الشعراء في المدح رمزا ً للخليفة
واألمير ،وأحيانا ً يستخدمه الشعراء في الفخر ،إلظهار شجاعتهم ،وفي هذا المبحث سنقتصر
على هذين الصنفين ،ألنهما يمثالن ظاهرة بارزة في شعر ابن زيدون.
عد العرب منذ القدم الخيل من كرام الحيوانات ،بل إن اإلسالم أعطاها كرامتها
وقداستها ،والحديث عن الخيل حديث عن الشجاعة والشجعان ،ولذا وجد الشعراء منذ القدم في
وصفها انتشا ًء وقوة فاكثروا من ذكرها ومدحها ووصفها في أشعارهم ،ولذلك آثرها الكثير من
الشعراء بالحديث مثل امرئ القيس الذي وصف بأنه " نعات الخيل " ، 3وقد أكثر شعراء
العصر العباسي من ذكرها ،كالمتنبي الذي " كان يؤثرها على اإلبل لما يقوم في نفسه من
التهيب بذكر الخيل ،وتعاطي الشجاعة " ، 4وإذا نظرنا إلى الشعر األندلسي نجد أن ذكر
الخيل قد شغل منه نصوصا ً كثيرة " وليس اهتمام األندلسيين بها وليد بيئتهم ،أو إبداع مخيلتهم
وإنما كانت العناية بها منصرفة إليها منذ أقدم مراحل الشعر العربي ،ففي األدب الجاهلي
إشارات إليها وأوصاف عديدة فيها ،ولكن تجدد العناية بها والترنم بمفاخرها دليل على تعشقهم
لها وحبهم إياها ،وهي عادة التزال قائمة في مجتمعنا العربي حتى اآلن " ، 5يقول ابن زيدون
في الخيل :
6
ف
ُواألرض بالخي ِل تر ُج ُ
ُ ع َجاجت َه
َ البس
ٌ فإذا نحن طالعنا ه ُواألُفُ ُق
1ـ عبد القادر ،محمد سلمان السعدي ،الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ،
رسالة ماجستير ،جامعة عين شمس ـ القاهرة ، 1691 ،ص . 292
2ـ المرجع نفسه ،والصفحة نفسها .
3ـ ابن رشيق ،العمدة . 261/ 2 ،
4ـ ابن رشيق ،العمدة . 226 / 1 ،
5ـ السعيد ،د .محمد مجيد ،الشعر في عهد المرابطين والموحدين في األندلس ،الدار العربية للموسوعات ،الطبعة الثانية ، 1695 ،
ص . 115
6ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 161
159
والبيت السابق من قول البحتري :
1
يض ت َْل َم ُع ،واأل ِسنَّةُ ت َْزه َُر
والبِ ُ ص َه ُل والفَ َو ِار ُ
س تَد ّ ِعي ؛ فال َخ ْي ُل ت َ ْ
وقول ابن زيدون :
ش ْك ِل
ص َها ِله ِ َما نَالَه ُ ِم ْن أذَى ال َّ
ِبت َ ْ صافِنًا ً في مربط ِال ُه ِ
ون َي ْشت َ ِكي ث َ َوى َ
2
3 ّ
فيهن ت َصها ُل ظهور َج ْري فلي
َ وإن ت ُك ْن ُمحكماتُ ال ّ
شكل تمنعُني
1ـ ديوان البحتري ،تحقيق حسن كامل الصيرفي ،المجلد الثاني ،ص ،1292تدَّعى :أي تعتز بأنسابها .البيض :السيوف .تزهر :
تلمع .
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ . 219
3ـ ديوان المتنبي ،شرح أبي البقاء العكبري ضبط وتصحيح مصطفى السّقا ،إبراهيم األبياري ،عبد الحفيظ شلبي ،دار المعرفة ـ
بيروت ــ لبنان ،الجزء الثالث ،صـ ، 299أحكم شكاله :عجز عن الجري .
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،صـ ، 299صافنٌ :قائ ٌم على ثالث قوائم ،والمس بحوف الرابعة على األرض ّ ،
تخونه :ذمه وعابه
،الشكل :القيد .
ي :جدير ،السابق :الجواد ،العتق :الحسن ،التطهيم :الجمال البارع . س
َ ٌع ، 292 ص ، نفسه 5ـ المصدر
6ـ ديوان المتنبي ، 119 / 1 ،الجمام :أن يترك الفرس فال يركب .
156
ثانيا ً ألفاظ األسد :
يقول الجاحظ :األسد هو " سيد السباع " 1هو " المضروب به المثل في النجدة والبسالة ،
وفي شدة اإلقدام والصولة فيقال :ما هو إال أسد على براثنه ،وهو أشد من األسد ،وهو أجرأ
من الليث العادي ،وفالن أسد البالد ، 2" ...وقد كان لألسد حضور قوي في الشعر العربي ،
حيث إنهم استلهموا صورته في مواضيع المدح ،والفخر ،والتغني بالذات والبطوالت ؛ ألنه
مضرب مثل للشجاعة والنجدة والبسالة والبطش والشدة واإلقدام و ـ كما ذكر الجاحظ ـ ،
وقد وصف البحتري منازلة حقيقية بين الفتح بن خاقان واألسد ،يقول :
وقد صور المتنبي في إحدى قصائده حادثة حقيقية ،هجم فيها بدر بن عمار على أسد
بسوطه ،وهاجه عن بقرةٍ كان يفترسها ،يقول المتنبي :
4
صقُوال
ارم َ ال َم ْ
ص ِِل َم ِن ا ادخ َْرتَ ال ا س ْو ِط ِه أ َ ُمعَ ِفّر اللاي ِ
ث ال ِهزَ ب ِْر بِ َ
5
َمـــض
ْ ونَبْهتَهُ إذ َه َدا فا ْغت ض أَث َ ْرتَ هِزب َْر ال ا
ش َرى إ ْذ َربَ ْ
6
ظ ِليما ً ّ
مشردا فلم يعدُ إن أمسى َ رأى أنّهُ أضحى ِهزَ بْرا ً ُمص ِ ّمما ً
1ـ الجاحظ ،الحيوان ،تحقيق ،عبد السالم هارون ،دار الجبل ـ بيروت . 229 / 1 ، 1699 ،
2ـ المصدر نفسه والصفحة نفسها .
3ـ ديوان البحتري ،المجلد األول ،ص ، 166مخدر :مستتر في عرينه .
4ـ ديوان المتنبي ، 219 / 1 ،العفر التراب .الهزبر :األسد .الصارم :السيف القاطع .
5ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 592الهزبر :األسد القوي ،الشرى :مأسدة أي مكان تجمع األسود ،ربض :أوى إلى عرينه ،
هدأ :نام ،اغتمض :اطمأن ،البغي :الظلم ،انقبض :انكمش ،سام الخسف :أهانه ،امتعض :تذمر وغضب .
6ـ المصدر نفسه ،ص ، 191المصمم :الماضي في عزمه إلى غايته ،الظليم :ذكر النعام .
112
وهو من قول المتنبي :
1
ضيْتَ ُم ْن َه ِزما ً وال و ِع ُل
َو َم َ فأَتَيْتَ ُم ْعت َِزما ً وال أ َ
سدٌ
2
يجْ لُو الدجى ،وال ا
ض ْيغَ ُم الضارغا ُم؟ حاب ال َجو ُد ،والقَ َم ُر الذاي
س ُ أين ال ا
وقد تأثر بهم ابن زيدون في اإلكثار من أسماء األسود وتعددها ،كاألسد ،والشبل ،والليث ،
سبنتي ،والورد ،وال ِهزَ ب ِْر ،وغيرها .
والضرغام ،والضيغم ،والغضنفر ،وال ا
3
الو ْر ُد
عكَ األس ُد َ ع َجبٌ ْ
أن يُو َ فال َ أطراف َو ْع َك ٍة
ُ فإن ت َكُ قد نالتْكَ
ْ
5
الو ْر ِد لَهُ ِم ْخلَبٌ َو ْر ٌد ِمنَ األ َ
س ِد َ َدرياةُ خ ْي ٍل ما يَزا ُل ل َدى الوغَى
6
الو ْر ِد
س ِد َ أُصار ُ
ع ِم ْنهُ هادِي األ َ لَ َدي ُخلُ ٍ
ق جا ِسي الناواحي كأنانِي
1
سب ْنت َى ال ا
ض ْي َغ ُم َراع ال ُكلَي َ
ْب بها ال ا ت ،فَزَ أرتَ زَ أرة َ زَ ِ
اج ٍر فِ َر ٌق َ
ع َو ْ
2
ع ُد َموتٌ ،فريص المو ِ
ت منه ت َْر َ س ٌد َد ُم األ َ
س ِد ال ِهزَ ب ِْر ِخضابُهُ أ َ
3
فَلَرباما ُوعِكَ ال ِهزب ُْر الخاد ُِر ْ
إن أ ْعنَتَ الجس َْم ال ُم َك ار َم َو ْع َكها
ويقول :
4
َم َهاة ٌ َح َمتْها ـ في َم َراتِعها ـ أ ُ ْسدُ أ ُ َجل ،أن ً ل ْيلَى َح ُ
يث أحياؤُها األ َ ْسدُ
وإذا تتبعنا ألفاظ األسد وجدناها متكررة بكثرة في شعر ابن زيدون ،ولكنه لم يستخدمها
بمعناها المجرد ،بل استخدمها استخدا ًما مجازيا ،ومنحها داللة رمزية فهي ترمز للخليفة ،
واألمير وأحيانا يجعلها رمزا ً لقوته وشجاعته ،وكان كثيرا ً ما يربط بينها وبين أدوات الحرب
والقتال ،فتكون متصلة بالسيوف ،والرماح ،واألسناة .
" وقد ربط ابن زيدون كلمة الليث ـ وهي من أسماء األسد ـ بالنزال والحرب والسيف
ليمنحها داللة خاصة تتعلق بالقوة " ، 5فقال :
6
صورا ً وبحْ را ً ِخ َ
ض ْم ُل لَيْثا ً ه ُ ـــــــــــؤا
َ سيَ ِهي ُج ال ِنّزا ُل به وال ُّ
ض ِل النُّهى والحـِك ْم
وخص بِف ْ ب
الخطـــا ِ وتي فَ ْ
ص َل ِ ُ
ا ش ِهدنا أل َ
َ
ْف َي ْ
طلُبُه ُوالقَلــــــ ْم سي ُ
َج َرى ال ا َوه َْل فاَتَ شَي ٌء ِمنَ ال َم ْك ُر َما ِ
ت
فنالحظ أن " االستخدام اللغوي لكلمة الليث الهصور جاء مرتبطا ً بالعالقة القائمة بين الخليفة
واألسد ،وبالمقارنة نزع الشاعر من الليث داللة القوة ليمنحها للخليفة ". 7
يقول الشاعر إنه كان ليثا ً شجاعا ً منذ كان طفالً في مهده عندما كانت دموعه تبل ثيابه .
ومن معاني األسد " الضيغم " ،يقول ابن زيدون :
2
ْب الذي ال يَك َه ُم
سا ُمكَ العَض ُ
و ُح َ وجنانُكَ الثابْتُ الذي ال ي ْنثَـــنِي
صريمةُ َ
ضيغَ ُم والمجْ ُد أ ْش َم ُخ ،وال ا عوالي َج َمةٌ
س ُع ،والَ َ
والحا ُل أو َ
استخدم الشاعر لفظة ضيغم ،وهي األسد القوي ،وقد ربطها بأدوات القتال المتمثلة في
السيف ،ليمنحها داللة خاصة تتعلق بقوة الخليفة .
كما وردت كلمة الهزبر في أكثر من موضع محملة بداللة القوة التي يتصف بها الممدوح
يقول ابن زيدون :
3
و َج ًها إلَيْها ،ا
والردى ُمت َ َج ِ ّه ُم ط ِلّ ٌق
يوم الوغَى ـ ُمت َ َ َج ُ
ذالن ـ في ِ
الخض ِْر ُم
ض ُّم ِ
الخ َ
اش ُِجو ٌد َ ،ك َما َج َ َبأ ْ ٌ
س َك َما صا َل ال ِهزَ ب ُْر ،إزَ ا َءهُ
استعمل الشاعر التعبير اللغوي المتمثل في " الهزبر " وهو األسد الضخم الشديد ،وهي
صفة منحها الشاعر ليدلل بها على شجاعة الخليفة ،وقد أضفى الشاعر للفظة الهزبر دالالت
متعددة ـ تنم على أن هذا االستعمال للخليفة ال للحيوان ـ منها :يوم الوغى ،الردى ،البأس ؛
لتسهم في إيضاح مدلول اللفظة ،فيما يسمى بترشيح المعنى في البالغة .
لقد جاءت مفردات األسد ـ وما في معناها ـ متناثرة بكثرة في شعر ابن زيدون ،غير أنها
لم تحمل معناها الحقيقي التي هي وصف لألسد ،وإنما جاءت لتحمل معنى مجازيا ً يمنح
للممدوح أحيانا ً وأحيانا ً أخرى تأتي وصفا ً للشاعر نفسه .
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 122أبَّل :غلب وامتنع .األب ُّل :األلد الجدل أو الشديد اللوم .
2ـ المصدر نفسه ،ص ، 126الجنان :القلب .العضب :القاطع .يكهم :يك َّل .العوالي :جمع عالية وهي أعلى القناة أو رأسها أو
النصف الذي يلي السنان .أشمخ :أعلى .الصريمة :العزيمة .الضيغم :األسد .
3ـ المصدر نفسه ،ص ، 111الهزبر :األسد أو الغليظ الضخم أو الصلب أو الشديد .جاش :هاج واضطرب .الخضم :البحر أو
الجمع الكثير .الخضرم :البحر العظيم أو البئر الكثيرة الماء .
111
السيف واأللفاظ التي تتعلق به :
شغلت األلفاظ المتعلقة بالسالح في شعر ابن زيدون حيزا ً كبيرا ً ومن هذه األلفاظ القتالية :
السيف ،والرمح ،والسهام ،والدروع ،والنبال ،وتعد لفظة السيف من أبرز أدوات القتال
التي وردت في شعره ،وقد كررت هذه اللفظة بمعاني كثيرة منها :الحسام ،والفرند ،الغمد ،
المهند ،وغيرها .
وقد جاءت لفظة السيف في شعر ابن زيدون في سياق المدح والفخر ووصف المعارك ،
فعندما يصف الخليفة أو األمير يكثر الشاعر من استخدام لفظة السيف وما في معناها فتكون
لفظة السيف لفظة مجازية إشارة للممدوح ،حيث يقيم الشاعر عالقة بين السيف والخليفة ،
ويأخذ داللة السيف في مضائه وحدته وشدة عزيمته ليمنحها للممدوح على سبيل التصوير
الخيالي المستند إلى التشبيه أو االستعارة ،وأحيانا ً يستخدم الشاعر لفظة السيف أو الحسام إشارة
للشاعر نفسه في مواقف الفخر .
2
ِي
صــــــد ْ َك ِف ِر ْن ٍد عا َد في َ
سيْفٍ َ ـــــــــــــرنا
ِ صبحت َدولتُهُ في ع ْ
ص ْ أ ْ
3
ف دما ُء ال ِعدا دأْبا ً بِغ َْربَ ْي ِه ت ُ ْ
ظلَ ُ سيــــــــــــــف دولتِكَ
َ ـــــــردُ فيه
ِّ ت ُ َج
1ـ المصدر السابق ، 111 ،النهيكُ :الشجاع أو السيف القاطع ،جن :ستر ،العجاج :الغبار ،جنح الليل :قطعة منه ،بدرتم :قمر
ي وهو الشجاع المدجج بالسالح ،والبه ُم :جمع بهمة وهي كامل ،شام السيف :أغمده أو سله ،الهامة :الرأس ،الكماة :جمع كم ّ
صغار الضأن والماعز والبقر ،والبُهم :الشجاع أو الجيش .
صدي :عاله الصدأ .
ْ 2ـ المصدر السابق ،ص ، 119فرند السيف :صفحته ،
3ـ ديوان ابن زيدون ، 161 ،غربُ السيف :حده ،تظلف :تباح وتهدر .
111
ويقول :
1
ُ ْف وال َحدُّ ُم ْره
َــــــف وق فِ ِر ْندُ ال َّ
سي ِ يَ ُر ُ ط َالقَةُ وجْ ه في َم َ
ضاء َك ِمـــــــث ِل َما َ
وض من تلك َّ
الطالق ِة ُز ْخ ُر ُ
ف الر ِ
وفي َّ س ٌم يف من ْتلكَ ال َّ
شهام ِة م ْي َ س ِعلى ال َّ
كقول البحتري :
2
صقيلُ"
يف ال ّ
س ُس ُن ال َّ
وقد يُستَحْ َ س ُن دلُّها والموتُ فِي ِه
ويحْ ُ
3
صقي ِل
يف ال ّ
س ِمس في ال ّ ع ال ّ
ش ِ ُ
شعَا َ ي ُِريكَ تأَلُّق ُال ُم ْع ُر ِ
وف في ِه
ومن ألفاظ السيف التي استخدمها ابن زيدون لتدل عليه ،قوله :
4
هاب
فوس نِ ُ ُ
حيث آما ُل النُّ ِ إلى فغربْ صريمةً
يقُولون :ش ِ َّر ْق أو ِ ّ
بــــاب
ُ ع ِّ
ط َل ِم ْنهُ َمض ِْربٌ وذُ و ُ ْب أصدِئ متْنُهُ
فأنتَ ال ُحسا ُم العَض ُ
وعند تتبعنا لمعجم ابن زيدون اللغوي تطالعنا لديه بروز" األنا " وهي ظاهرة واضحة في
شعره ،وهي ظاهرة واضحة في شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي ،لذلك تجد في شعرهم
األلفاظ الدالة على هذه األنا ،فنراهم يكثرون من استخدام ( أنا السيف ) ( ،أنا الجواد ) ،
وغيرهما ،ويرى الدكتور حسن جاد حسن ،ـ في حديثه عن نفسية ابن زيدون في شعره ـ أنه
يتمتع بـ " نفس معتزة أبية ،تتأبى على األحداث وتتسامى عن الهوان ،وتترفع عن مسامرة
الثرى إلى منادمة النجوم .تسري فيها روح الكبرياء والثقة ،واالعتزاز ،فهي لذلك صارخة
1ـ المصدر نفسه ،ص ، 196مرهف :ماضي الحد ،ميسم :عالمة ،الزخرف :ألوان النبات الزاهية .
2ـ ينظر الذخيرة ،القسم األول ـ المجلد األول ، 199 ،والبيت في ديوان البحتري ،المجلد الثالث ،ص . 1922 ،
3ـ ديوان البحتري ،المجلد الثالث ،صـ . 1919
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 192الصريمة :العزيمة ،النهاب :جمع نهب وهو الغنيمة ،الحسام العضب :السيف القاطع ،
المتن :الصفحة مضرب السيف :حده ،ذُنابُهُ :طرفه المدبب .
115
في وجه الخطوب دائما ً ،متكبرة على أن تغشى حماها " ، 1يقول في إحدى مدائحه مفتخرا ً
بنفسه :
2
ْف الذي ت َْطب ُع اله ْن ُد
سي ُ
إذا ما نَ َبا ال ِ ّ السيف ال ي ْنبو مع ال َه ِ ّز غ َْربُهُ
ُ أنا
3
ارم الذا َك ِر
ص ِ ع ال َج ْفنَ َح ُّد ال ا
ق ْد يُو ّد َ سِجْ ِن إيداعي فالَ ع َجبٌ إن َ
طا َل في ال ّ ْ
ومن االستخدامات اللغوية عند ابن زيدون لصفات السيف ( الفرند ) وقد ربط الشاعر بين
هذه الصفة للسيف وبين شمائل الخليفة ،ومزجها في صفة واحدة تحاكي في جمالها الحدائق
الغناء ،يقول ابن زيدون :
4
ض ال َح ْز ِن ِج ْي َد فأ ْينَعَا ُ
حدائق َر ْو ِ خالئ ُق ُم ْمهاة ُ ال ِف ِر ْن ِد ،كأنها
5 ْف ْ
واخش َْوشَنَ ال َح ُّد كما النَ َمتْ ُن ال ا
سي ِ له عزمةٌ ْ
مطوياةٌ في سك ْينَ ٍة
ويقول :
6
ْب الذي ال يَكـــــــ َه ُم
وحسا ُمكَ العض ُ وجنانُكَ الثابْتُ الذي ال ينثني
ويقول :
7
ـــميم ِ
ص ِ ــــاء والت ا ْ
ض ِ ِمنهُ بَ ْع َد ال َم َ ســــام في ال َجـــ ْف ِن يَثْنِي
ِ وبَقا ُء ال ُح
ويقول :
8
ص ِقي ِل نُدُوبَا
ب ال ا ِل ْل َج ْف ِن فِي العَ ْ
ض ِ س ْمنِي الحادثاتُ فَق ْد أرى فَ ْ
لئن ت َ ُ
وخالصة القول إن معجم ابن زيدون الشعري ال يختلف كثيرا ً عن معجم شعراء العصر
العباسي المحدثين ،كأبي تمام والبحتري والمتنبي فقد تأثر بهم في االقتباس من الثقافة الدينية
والتراثية وحشد األمثال والحكم ،كما تأثر بهم في معجم الطبيعة ( الطبيعية ) المتمثلة في
ومن األلفاظ المشتركة بين ابن زيدون ،والشعراء العباسيين الثالثة ( ألفاظ الفلك ) ،وهي
أوصاف كثيرا ً ما ترد في تشبيه الممدوح أو وصف الحبيبة ،ومن هذه األلفاظ ( الشمس ـ القمر
ـ البدر ـ الهالل ـ النجم ـ سهيل ـ الثريا ـ الزهرة ـ المشتري ـ األرض ـ السماء ـ الشهب ) .
ومن األلفاظ التي وردت في شعر ابن زيدون ،وفي الشعر العباسي ( ألفاظ الروائح )
كالمسك ،والعنبر والعرف ،والطيب والعطر ،وغيرها .
ومن األلفاظ التي وردت في شعر ابن زيدون بكثرة ،واشتهر بها شعراء العصر العباسي ،
لفظتا ( :الدهر والزمن ) ؛ الرتباطهما باإلنسان أينما كان ،وأينما حل ،في سروره وسعادته ،
وفي قلقه وشقاوته ،ألن الشعراء العباسيين الثالثة وابن زيدون قد اشتهروا بالشكوى من الزمن
،وإذا كانت هذه األلفاظ عامة ومشتركة بين الشعراء فإن هناك ألفاظا ً بعينها كررها ابن زيدون
وقد تناولها البحتري في شعره بكثرة ،وهي لفظة ( :نائل الغمر ) وهي كلمة تدل على كثرة
العطاء ،ومنها في شعر ابن زيدون قوله :
َو َم ْذ َهبُ َك ْم قَ ْ
ص ٌد ،ونائلك ْم غ َْم ُر طريقَت ُ ُك ْم ُمثْلَى ،و َه ْديُ ُكم ِر ً
ضى َ
1
1ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 519مثلى :فضلى ،النائل :العطاء ،الغمر :الكثير .
2ـ المصدر نفسه ،ص ، 511الدثر :الكثير .
3ـ ديوان البحتري . 619/ 2
119
ويقول في مطلع إحدى مدائحه في المتوكل :
1
َوب ْنتَ بفَ ْخ ٍر ما يُشا ِكلُهُ فَ ْخ ُر أبر على األنواء نائلُكَ الغ َْم ُر
ا
ويقول في مدح المعتز :
2
ـــوافي وفي نائِ ِل ِه الغَ ْم ِر أر كال ُم ْعت ِ َّز في ِ
حلم ِه الــ ل ْم َ
ويقول :
3
ضةُ والغ َْم ُر
إلى نائ ٍل فيه ال َمخَا َ تالفَيْتنِي في َ
ظ ْمأةٍ فَ َدفَ ْعتنِي
ويقول :
4
بِ ُر امت ِه ،أو َرا َح نائلُكَ الغ َْم ُر ؟ وما قَد ُْرهُ في َج ْن ِ
ب ُجودِكَ إن غَدا
ويقول:
5
بحرهُ فيها ونائلُهُ الغ َْم ُر َ
ط َما ُ ق" ِبقُ ْر ِب ِه
ض " ال ِعرا ِ
أر َ
ول اما َحبَا ْ
ويقول:
6
ِم ْن نَ ْي ِله والغ َْم ِر من إحْ سانِ ِه ب في اللُّهى
بن و ْه ٍ
الحسن ِ
ِ يا عا ِذ َل
هذه أغلب ألفاظ ابن زيدون التي اشتمل عليها معجمه اللغوي ،وإذا كان ابن زيدون
اعتمد في أغراضه الشعرية على ( المدح ،والغزل ،والطبيعة ) ،وإذا كان قد قصر مديحه
كثير
ٌ حضور
ٌ على األمراء ،وقصر غزله على محبوبة واحدة فإنه ال شك في أن يكون للطبيعة
في شعره ،وبالتالي فإنه إذا أراد وصف ممدوحه ،فإنه يصفه بما كان يصف الشعراء
العباسيون ممدوحيهم ،فنراهم يشبهونهم بالكواكب ،وبالغيث ،والمطر ،والبحر ،وإذا كان
حضور في
ٌ كال الطرفين تصاحبهما نغمة األنا ،فإنه الشك أن يكون للسيف ،والخيل ،واألسد
معجمهم الشعري ،وكذلك اعتمد ابن زيدون في غزله على الطبيعة فشبه محبوبته بما كان
الشعراء العباسيون يشبهون محبوباتهم حيث يشبه الوجه بالبدر ،والعينين بالنرجس ،والقد
بالغصن ،وبياض األسنان بالبرق ،وإذا كان خلفاء العصر العباسي ،وأمراء األندلس قد اهتموا
1ـ المصدر نفسه ،ص . 661
2ـ المصدر نفسه ،ص . 1212
3ـ المصدر نفسه ،ص ، 961المخاضة :موضع الخوض في الماء .
4ـ المصدر نفسه ،ص . 1216
5ـ المصدر نفسه ،ص . 1266
6ـ ديوان البحتري ، 2212 / 1 ،اللهى :العطايا أو أجزلها .
119
بالقصور وزخرفتها ،وإحاطتها بمجاري المياه ،وكل أصناف الزهور والورود ،فكل هذا
مدعاة ٌ لوجود شعراء يصفون زخرفة القصور ،وما أحاطها ،وهذا ما نلمسه بوضوح في شعر
ابن زيدون وشعر البحتري ،ولعل هذا االتفاق بينها ما جعل نقاد األندلس يسمونه باسمه ،
وخالصة القول أن معجم ابن زيدون الشعري ال يختلف كثيرا ً عن معجم أبي تمام والبحتري
حضور
ٌ والمتنبي ،وهو معجم يغلب عليه البساطة والسهولة والوضوح ،وكان للطبيعة بنوعيها
في معجمهم الشعري .
116
المبحث الثالث :أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون في المحسنات البديعية :
ولع ابن زيدون بالمحسنات البديعية وقد جرى في ذلك على سنن شعراء العصر العباسي
الذين أكثروا منها في أشعارهم ،سوا ًء أكان عفويا ً نابعا ً من صدق التجربة الشعورية ،أو
متكلفا ً متصنعا ً ،وسندرس أهم المحسنات اللفظية والمعنوية ،التي وردت في شعر ابن زيدون ،
وعند أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي .
أوال ً الجناس :هو لون من األلوان البديعية الموسيقية وأهمها ،وقد سماه ابن المعتز "
التجنيس " ،ويعرفه بقوله " :وهو أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكالم .
ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها " ،1وعرفه المحدثون تعريفا ً أشمل وأوسع ،وهو:
التشابه بين لفظتين في اإليقاع ( النطق ) مع اختالفهما في المعنى ،وهو على ضربين :الجناس
التام :وهو ما اتفق اللفظان في أنواع األصوات ،وعددها ،وترتيبها ،وهيئتها الحاصلة من
الحركات والسكنات ،ويكون فيه اإليقاع متطابقا ً ،والجناس الناقص :هو ما اختلف فيه اللفظان
في واحد من األربعة المتقدمة .2
ولعل أبا تمام من أبرز شعراء العصر العباسي المولعين بالجناس فمن قصائده التي أكثر
فيها من الجناس قصيدته في مدح محمد بن عبد الملك الزيات ،يقول في مطلعها :
َماحـ ُل ف ْ
األزم ِة ال ُمت ِ ص ْر ُ
يِ َ
على الح ّ تَعَفَّيْنَ ِم ْن زَ ا ِد العُفـــاةِ إذا ا ْنتحــى
وهي قصيدة يبلغ عدد أبياتها ستين بيتا ً بنى أغلب أبياتها على الجناس ،وإنما نحن ههنا نمثل
بمقدمة القصيدة فقط ،فالجناس في البيت األول بين ( ذُ ْهليَّ ِة ،ذَا ِه ُل ،آهِــــــــ ُل ) ،وفي البيت
الثاني يجانس بين (ت ُ ِط ُّل ُّ ،
الطلُو ُل ،وبين َوت َْمث ُ ُل ،ال َمواثِ ُل ) ،وفي البيت الثالث يجانس بين
1ـ ابن المعتز ،عبد الله ،كتاب البديع ،اعتنى به إغناطيوس كراتشقوفسكي ،دار المسيرة بيروت ،الطبعة الثالثة ، 1692 ،ص. 25
2ـ ينظر ،سلطان ،منير ،البديع تأصيل وتجديد ،منشأة المعارف ـ اإلسكندرية ، 1691 ،ص . 91
-3ديوان أبي تمام . 51 / 2 ،
192
حائب
ُ س س ْ
حبت ،وال ا عها ،وبين أغفا ِلها ،وغافِـ ُل ) ،وفي البيت الرابع يجانس بين ( َ (الربي ُع ُربُو َ
ا
لت وال َخ َمائِ ُل ) وفي البيت الخامس يجانس بين ( تَعَفَّيْنَ ،العُفاةِ ،وبين ا ْنتحى ،و ،وبين أ ُ ِ
خم ْ
ام ٌر ،وبين جما ٌل َ ،و َج ِ
ام ُل ) ،ففي هذه س ِس ْم ُر َ ،و َ
َماحلُ) ،وفي البيت السادس يجانس بين ( ُ
ال ُمت ِ
األبيات نالحظ أنه يبالغ في جناسه بين الكلمات فهو يكرر جناسه في البيت الواحد ،كما كان
يعتمد على الجناس الذي يشمل القافية ؛ ليربط بينها وبين حشو البيت أي أنه يعتمد على رد
االعجاز على الصدور ،وقد خلط أبو تمام جناسه بالمطابقة ،فها هو يطابق بين ( الجفاف
والربيع ) ،كما خلط مجانسته بالتصوير ،فـ " الطلو ُل ت ُطل الدمع والربيع ال يجفو الربوع وال
1
يمر بها غافالً ،ثم تلك السحائب التي تجرر أذيالها وتلك الخمائل التي أُخملت بالنور "
ويضيف ،شوقي ضيف ،قائالً :و " هذا ما يجعلنا نلتفت إلى جانب مهم في استخدام ألوان
التصنيع ،ذلك أنها تستخدم على طريقتين :الطريقة األولى أن تأتي متعاقبة ال يتعلق بعضها
ببعض ،كما نجد ذلك عند البحتري .أما الطريقة الثانية فتمتزج فيها هذه األلوان ،ويمر
بعضها في بعض فتتغير شياتها وهيئاتها ،كما نجد عند أبي تمام في أكثر أحواله " ،2وهذه
القصيدة من القصائد التي عارضها ابن زيدون ،وذلك في قصيدته في مدح ابن جهور ومطلعها :
3
و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َمـا ُء َمنَاهِـــــ ُل س َ
ِــال ُح َخ َمائِــ ُل َم َرادُ ُه ُم َحي ُ
ْث ال ّ
الر ْمـــــحِ ِم ْنهُ ال َحمائِــ ُل تُنَا ُ
ط ِب َمتْ ِن ُّ ِل ُك ِّل ن َِجيْد في ال ِنّ َجــا ِد َ ،كأنَّمــــا
ـوس َ
ط َوائِـــ ُل ت النُّفُ ِ َّ
كأن صبَابَـــــا ِ ظـــة طــ ِوي ٌل علينا لَ ْيلُهُ ِم ْ
ـن َح ِفي َ َ
َــــاز ُل ِب َها اللَّي ُ
ْث َي ْعدُو ،والغَزَ ا ُل يُغ ِ شرى في َمحـلَّة
ناس دنا منهُ ال َّ
ِك ٌ
اء القَ ِ
ساط ُل ؟ ض َح ِ
س ال ُّ َوال َح َجبَ ْ
ت ش َْم َ ب القَنَا أ َ َمحْ ُجوبَةٌ ليْلى ولَ ْم ت ُ ْخ َ
ض ِ
فباإلضافة التفاق القصيدتي ن في الغرض " وهو المديح " و الوزن والقافية ،فكال القصيدتين
من البحر الطويل ،والقافية الالمية ،والروي المضموم ،عارض أسلوبها القائم على الجناس ،
حيث نالحظ أن الجناس يتزاحم في هذه المقدمة الغزلية ،ففي البيت األول يجانس بين ( َم َرادُ ُه ُم
وَ ،م ْو ِردُ ُه ْم) ،وفي البيت الثاني يجانس بين (ن َِجيْد ،و ال ِنّ َجا ِد ) ،وفي الثالث يجانس بين طرفي
ط ِوي ٌل ،و َ
ط َوائِـ ُل ) ،وفي البيت الرابع يجانس بين آخر البيت أي بين أول كلمة وآخر كلمة فيه ( َ
َاز ُل ) ،وفي البيت الخامس يجانس بين (أ َ َمحْ ُجو َبةٌ ،وبين َوال
كلمتين في البيت ( الغَزَ ا ُل ،يُغ ِ
1
ت تَحْ تَ ِ
الح َبا ِل ال َح َبائِ ُل إذَا نُ ِ
ص َب ْ غدْرة ت ََرى َح ْبلَه ْ
ُغرثَانَ ِم ْن ك ِّل َ
فطريقة الجناس في آخر البيت ،هي نفس الطريقة التي ارتضاها ابن زيدون في قوله :
2
َوفَي ،فَ َما تِ ْلكَ ِ
الح َبا ُل َحباَئِ ُل أتِي ،فَ َما تِ ْلكَ ال َّ
سما َحةُ نُ ْهزَ ة ٌ
وهذا األسلوب من الجناس المتمثل في المجانسة بين القافية وما قبلها أسلوب التزمه أبو تمام
في كثير من قصائده وهو أسلوب نجده في قصائد ابن زيدون بكثرة ،غير إنه لم يكلف بهذه
األلوان المختلطة كثيرا ً " أو يوغل فيها هذا اإليغال ،وإنما كان يأخذ منها بقدر ،وعلى حسب
ما تسمح به ثقافته العربية الخالصة " ، 3في حين كان أبو تمام " يلح إلحاحا ً ،ويوغل إيغاالً
شديدا ً ،ويعمل فكره وعقله ،نتيجة لتأثره بالدراسات الفلسفية ونحوها " ،4فيجانس ويطابق
آن واحد مع عمق المعاني وصعوبة األلفاظ .ومما جعل ابن زيدون
ويكثر من التصوير في ٍ
بعيدا عن التعقيد في الجناس ،أن شعره في جملته يتسم بالرقة والسهولة والنعومة ،وهو بهذا
يتفق مع البحتري في سهولة المحسنات البديعية وعدم تكلفها .
-1ديوانه . 56 / 2
-2ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص . 162األتي :الجدول أو السيل ،نهزة :فرصة ،الحبال :الوصال والعهد واألمانة ،الحبائل جمع
حبالة :وهي الشرك الذي ينصب للصيد .
3ـ حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون حياته وثقافته وأدبه ،ص. 196
4ـ المرجع نفسه ،والصفحة نفسها .
5ـ ينظرـ القزويني ( ،جالل الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب ) ،التلخيص في علوم البالغة ،ضبط وشرح عبد الرحمن
البرقوقي ،دار الفكر العربي ،الطبعة األولى 161 ، 1621وما بعدها .
صدَ َر ) .
6ـ ابن منظور ،لسان العرب ،مادة ( َ
7ـ العمدة ،تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد . 1 /2 ،
192
1
ض َج ْهد ال َجاه ِد فال اد ْم ُع يُ ْذ ُ
هب بَ ْع َ ؤون و َ
غ ْربِ ِه ش ِ فا ْفزَ ْ
ع إلى ْ
ذخر ال ُّ
فالتصدير في البيت األول بين آخر كلمة في البيت وما قبلها ،حيث وافق بين ( جهد ،
وجاهد ) ،وفي البيت الثاني وافق آخر كلمة في البيت مع كلمتين في صدر البيت ،على هذا
النحو ( فقدت ،وتفقد ،وفاقد ) ،ومن أمثلته في شعر البحتري قوله :
2
وما خ َْونُها ال َم ْخ ِش ُّ
ي عناا بغَا ِف ُل غ ْفل ٍة ،
ع َ عن األي ِاام ْ
أط َو َ غفَ ْلنَا ِ
َ
ففي هذا البيت وافق البحتري بين آخر كلمة في البيت و أول كلمة فيه ( ،غفلنا ،وغافل ) .
ورد العجز على الصدر يعد نوعا ً من التكرار أهميته أنه يحدث جرسا ً موسيقيا ً في
البيت الشعري ،وقد حرص أبو تمام والبحتري والمتنبي على هذا النمط في شعرهم ؛ ليربطوا
بين القافية وبقية البيت ،وليحدثوا توازيا ً في بنية البيت الشعري .
وإذا انتقلنا إلى شعر ابن زيدون نجده قد اعتنى بهذا األسلوب الموسيقي ،مبالغا ً فيه حيث
نراه في أغلب أبياته الشعرية معتمدا ً على رد األعجاز على الصدور ،ففي قصيدته في مدح
الوزير محمد بن جهور نالحظ هذا األسلوب قد تخلل أغلب أبيات القصيدة ،فهو تارة يوافق بين
القافية ومطلع البيت ،أو حشوه ،أو آخره ،وتارة يوافق بين القافية ومطلع الشطر الثاني من
البيت ،أو حشوه ،أو بين القافية وما قبلها ـ كما هو الحال في قصيدته في مدح الوزير محمد
بن جهورـ على هذا النحو :
3
راب
صهي ِل ِع ُ
ب فيها بال ا
َجاو ُ
ت َ ب ِحلا ٍة ، أالحت ِم ْن أ َ
عاري ِ ْ عروبٌ
َ
عـــــــــذَ ُ
اب يم َ أ َ َبانَ لها َّ
أن النَّ ِع َ صـــــم
ِوار ِب ِم ْع َ
س ِض ال ّ يُ َع ِذّبُها َ
ع ُّ
عروبٌ ) ،
راب و َ
ففي الب يتين السابقين يوافق بين القافية ،ومطلع الشطر األول ،أي بين ( ِع ُ
وبين (يُعَ ِذّبُها و َ
عذَ ُ
اب ) .
1
أن ت َ ُخبَّ ِر ُ
كاب فَ َهانَ عليهم ْ ب َوجْ ها ً َم َ
ضوا لهُ الر ْك ُ
إذا ما أحبَّ َّ
بـــــاب
ُ س ْعدٌ دُونَها ِ
ور تَ َ
سانَدُ َ ع ِقيْلــــــةٌ
بــــاب َ
َ الر َولَ ْم يَثْنِنَا َّ
أن َّ
سـاب
ُ ب ِح
الحسا ِ
ف َما ِل َعطا َياهُ ِ الزهِيــ َد ُم ِنيلُهُ ،
ب الناي َل ا
ســــ َ
إذا َح َ
يوافق بين القافية ،ومطلع الشطر الثاني من البيت ،أي بين القافية ( رباب ) ،ومطلع
الشطر الثاني ( أرب ْ
ات ) .وفي هذه األبيات :
3
بـاب
ت قِ ُ ت بِقُبّ ِ ال ا
سابِحا ِ و َحفا ْ دور أ ِسناةٌ ، وأن ُر ِ ّك ْ
زت حو َل ال ُخ ِ ْ
عليها ،ول ْم يَحْ بُوا بِها فَيُحابُـــوا صبُّ ال َحاسِدونَ بِ َحم ِد ِه
عطايا يُ َ
َ
باب ) ،و يوافق بين القافية وحشو الشطر الثاني ،أي بين ( ِبقُبّ ِ و قِ ُ
باب ) ،و ( َحبَابٌ و ُح ُ
( َيحْ بُوا ويُحابُوا ) .وفي هذه األبيات :
4
َــــاب
ُ َاب ـ َجن لها ـ ُكلَّما قِ ْ
ظنا ال َجن َ الحمى ص ِل إ ْذ ْ
مربَ ُع ِ َو ُم ْس ِعفَة َ
بالو ْ
ســــاب
ُ ب ِح
الحســـا ِ
ف َما ِل َعطا َياهُ ِ الزهِيـــ َد ُم ِنيلُــهُ ،
ب الناي َل ا
س َ
إذا َح َ
ـــــاب
ُ ب ِح َج َم َهابتُــــهُ دُونَ ِ
الح َجا ِ ف ِم ْنهُ آلذِن
ـــر َ
الط ْض َّ
َم ِهيبٌ يَغُ ُّ
َـــــاب
ُ ِبنُ ْع َمى لَها في ال ُمــــ ْذ ِن ِبيْنَ ِذن ع ْف َو َحـا ِفظ عث َ َر ال َجا ِني َ
عفَا َ إذَا َ
1ـ المصدر نفسه ،ص 119ـ ، 191تخب الركاب تسرع ،العقيلة :كريمة الحي ،سعد :تطلق على عدة قبائل منها سعد تميم ،وسعد
قيس ،وسعد هذيل ،وسعد بكر .رباب :أح ياء ضبة ،حسب :عد ،منيل :باذل النوال ،عطاياه الحساب :عطاياه الكثير الكافية .
2ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص ، 195الروضة الغناء :الكثيرة العشب ،األكناف :الجوانب ،طلَّة :مبللة بالندى ،أرب بالمكان :
لزمه وأقام به .
3ـ المصدر نفسه ،ص 192ـ ، 191السابحات القبّ :الخيل الضامرة السريعة العدو ،تهادى :تمايل ،نمتري :نشك َ ،حبَاب الماء :
صبَّ :محق ،يحبوه :يهبه ،حابى :جامل وسامح . نفاخاته التي تعلوه ُ ،حباب :الحية ُ ،
4ـ المصدر نفسه ،ص 119ـ ، 191قاظ اليوم :اشتد حره ،حسب :عدّ :منيل :باذل النوال وهو العطاء ،آذن :مستمع ،الذِّناب :
جمع ذنوب وهو الحظ والنصيب .
191
َاب) في البيت األول ،وبين يوافق الشاعر بين القافية وما قبلها ،أي بين (ال َجن َ
َاب و َجن ُ
اب) في البيت الثالث ،وكذلك يوافق
وح َج ُ
ب ِ ساب) في البيت الثاني ،وبين ( ِ
الح َجا ِ وح ُ ب ِ الحسا ِ ( ِ
بين (ال ُمــــ ْذنِبِيْنَ و ِذنَـــــ ُ
اب) في البيت الرابع .
ثانيا ً الطباق :يعد الطباق من المحسنات البديعية التي تعتمد على " الجمع بين الشيء وضده أو
بين معنيين متضادين " ، 1وقد اعتمد الشعراء على الطباق في كثير من األبيات ،وما من شك
أن الجمع بين األشياء المتطابقة أو المتضادة له إيقاع خاص يكسو القصيدة جماالً ورونقا ً " ،
ولكن وظيفة الطباق ال تقف عند هذا الزخرف وتلك الزينة الشكلية ،بل تتعداها إلى غايات
أسمى ،فالبد أن يكون هناك معنى لطيف ومغزى دقيق وراء جمع الضدين في إطار واحد ،
ّ
وإال كان هذا الجمع عبثا ً وضربا ً من الهذيان " 2فقديما ً قالوا ( :الضد يظهر حسنه الضد ) .
وكان ابن زيدون من الشعراء الذين استخدموا الطباق بكثرة " واستخدامه لمثل هذا النوع
من أنواع البديع ينم عن حسن تصرفه في األلفاظ وتمكنه من اللغة ،واستفادته من الطاقة
3
اللغوية الكبيرة ،والناظر في ديوان الشاعر يقع على أمثلة كثيرة من الطباق في شعره " .
4
يَجْ َرح ُال اد ْه ُر ويَا ُ
سو اس
ي بَ ُ علَى َ
ظ ِنّـ َ َما َ
َاس َذ ال ن ٌ
َاس عـــ از ن ٌ
َ َو َك َذا ال اد ْه ُر ،إذا َما
ففي هذه األبيات يطابق ابن زيدون بين ( يجرح ،وياسو ) ،وبين ( إغفال ،واحتراس ) ،
ا
وعز ) ،وفي قوله : وبين ( ذ ال ،
وقوله :
6
ـز َل ُ
ف دن لل ُم ِطي ِعينَ تـ ُ ْ
ع ٍوجناةُ َ شبُّ َوقُو ُدهُ
اصي ِه يُ َ
َج ِحي ٌم ِل َع ِ
ش ْري ِ يُ ْن َق ُ
ف عا َداهُ َكال ا
ت َعُو ُد ِل َم ْن َ س َجايَا ل َم ْن واالَهُ كاأل َ ْري ِ ت ُجْ ت َنَى
َ
1ـ الصابوني ،محمد ،الموجز في البالغة العربية والعروض ،بيروت ،ط ، 1669 ، 1ص. 95
2ـ أنيس ،د .إبراهيم ،موسيقى الشعر ،ط ، 1691 ، 5 /ص. 15
3ـ حسن ،رائدة زهدي رشيد ،الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازية " ص. 152
4ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص 291ـ ، 291ياسو :يداوي .
5المصدر نفسه . 129 ،
ي :العسل ،الشرى :الحنظل ،ينقف :يشق .
قرب ،األر ُ
6ـ المصدر نفسه ،ص ، 162 ، 196أزلف ّ :
195
ففي البيت األول يطابق بين ( معاديا ً ومواليا ً ) ،وبين ( معاقبا ً ومثيبا ً ) ،وفي البيت
الثاني يطابق بين ( جحيم ،وجنة ) ،وبين ( عاصيه ،والمطيعين ) ،وفي البيت الثالث يطابق
بين ( األرى والشرى ) وبين ( وااله ،وعاداه ) ،ومن خالل هذه األبيات ترى أن طباق ابن
زيدون طباق سهل ال تعقيد فيه وال غموض كما عهدناه عند أبي تمام الذي يتعمده ،وإنما يأتي
على لسانه سهالً يشبه تداعي المعاني فكل كلمة ما بين األقواس " تقبل على أختها ،كأن
الكلمات من أسرة واحدة ،هي أسرة الطباق الصوتي ". 1
وقد كان البحتري ،مولعا ً بالطباق ،مكثرا ً له في شعره وكان يأتي على لسانه سهالً ال
تكلف فيه ،فها هو يقول :
2
صـــــدو َد ِم ْنهُ وأ َ ْبــ َدا
وأ َعـــا َد ال ُّ لي حبِيبٌ قد لَ اج في ال َهجْ ر ِجدا ً
ولع البحتري في هذه األبيات بالطباق الخالص فلم يخلط به شيئا ً من المحسنات األخرى ،
يذكر ( يدنو ) يتذكر ( يبعد ) محققا ً بذلك طباقا ً سهالً لينا ً ،كما
ُ وإنما ترى طباقا سهالً ،فعندما
طابق بين ( وصالً ،وصدا ً ) ،وبين ( راضيا ً ،وغضبان ) ،وبين ( أمسى ،وأصبح ) ،وبين
( مولى ،وعبدا ً ) وهو طباق " كطباق ابن زيدون ،وال يختلط بصور أخرى ،وإنما هو طباق
حقيقي تدعو فيه كل كلمة أختها ،وتذكر بها " ، 3ومن هذا الطباق السهل قول البحتري في مدح
الفتح بن خاقان :
4
ي ذُ ال وفيــــك ِكب ُ
ْـــر وفِ ا وم ْنكَ هَجْ ُ
ـر ص ٌل ِ ِم ِنّ َ
يو ْ
ــــر
س ُّ سو ُء الاذي يَ ُ
وقد يَ ُ أنتَ نَ ِعيمي وأنتَ بُؤْ ِسي ،
1ـ حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون حياته وأدبه وثقافته ،ص . 199
،2ديوان البحتري . 911 / 2 ،
3ـ حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون حياته وأدبه وثقافته ،ص . 229
4ـ ديوان البحتري . 1252 / 2 ،
191
حيث تتوالى المتطابقات في هذه األبيات وتتزاحم بشكل منتظم ،فقد طابق بين ( وصل ،
وهجر ) ،وبين ( ذ ّل ،وكبر ) ،وبين ( سهل ،ووعر ) ،وبين ( حرا ً ،وعبد ) وبين ( عبدا ً ،
وحر ) ( ،نعيمي ،وبؤسي ) ( ،يسوء ،ويسر ) ،فالطباق في هذه األبيات سهل ومنتظم ،
ومتسا ٍو ،فاالسم مع االسم ،والفعل مع الفعل ،حتى إذا أضاف شيئا ً في كلمة ،أتبعه في
ن ظيرتها ،عندما يضيف ياء المتكلم في ( نعيمي ) يضيفها في ( بؤسي ) حفاظا على هذا النسق
المتساوي .
هكذا اتفق ابن زيدون والبحتري إذن في الفن الشعري والصنعة الشعرية ،من سهولة اللفظ
ووضوح المعنى وتجنب التعقيد والفلسفة ،ويسر الصنعة واإلكثار من الطباق بنوع خاص في
سهولة ويسر ولين ،واتفق مع أبي تمام في اإلكثار من الجناس ،ولكنه لم يتكلفه أو يتصنعه ،
وإنما جاء سهالً طوعا ً حسب الحاجة .
ثالثا ً ،التصريع :وهو من أبرز األشكال اإليقاعية الداخلية ،وهو صورة من صور التكرار
الجالب للموسيقى ،وهو " استواء آخر جزء في صدر البيت ،وآخر جزء في عجزه في الوزن
والروي واإلعراب ،وهو أليق ما يكون بمطالع القصائد ،وفي وسطها ربما تمجه األذواق
واألسماع " ، 1إذن األصل فيه أن يأتي في مطلع القصيدة .
ويشكل التصريع ظاهرة بارزة في شعر ابن زيدون لما له من أثر في إغناء عناصر
الموس يقى برافد دائم يدفعنا إلى تتبع أبيات القصيدة ؛ ألنه يعتبر مركز جذب لقراءة القصيدة من
ناحية ،ومن ناحية أخرى يشير إلى القافية في وقت مبكر قبل انتهاء البيت األول ،لهذا أهتم ابن
زيدون بتصريع مطالع قصائده ،فقد أتت معظم قصائده مصرعة .
وسنذكر بعض مطالع ابن زيدون المصرعة ،مرفقا ً معها البيت الثاني حتى يتبين لنا إن
كان ثمة اختالف في وزن عروض البيت األول والثاني أم ال ،ومن الشواهد على التصريع ،
في شعر ابن زيدون ،قوله :
2
و َم ْو ِردُ ُه ْم َحيْث ُال ِدّ َما ُء َمنَا ِه ُل س َِال ُح َخ َمـــائِ ُل َم َرادُ ُه ُم َحي ُ
ْث ال ّ
ع َو ِام ُل
وسم ٌر َ
يض ْومأثُورة ٌ بِ ٌ ص َوافِ ٌن
ودونَ ال ُمنى فيهم ِجيادٌ َ
1ـ الحموي ،ابن حجة ،خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ،دار الهالل ـ بيروت ،الطبعة الثانية . 299 / 2 ، 1661
-2ديوان ابن زيدون ورسائله ، 199المراد :مكان طلب النجعة .الخمائل :األشجار الكثيفة المتشابكة .المورد :مكان الورود إلى
الماء .مناهل :مشارب .الصوافن :جمع صافن وهو الجواد القائم على ثالث قوائم ويمس طرف الحافر الرابع األرض .مأثورة :
سيوف في متونها آثار زخرفة .
199
في الوزن والروي َخ َما ِئ ُل ) موافقة للضرب ( َمنَا ِه ُل ) في البيت األول العروض (
واإلعراب ،وقد خالفت باقي القصيدة في العروض والضرب .
وقد تتبعنا قصائد ابن زيدون فوجدنا أغلبها مصرعة المطالع ،وهذا دليل على قدرته
وبالغته ؛ ألن " التصريع عند النقاد دليل قدرة الشاعر وسعة فصاحته ،واقتداره في بالغته ".1
وكان النقاد يرون ضرورة التصريع ولزومه ؛ ألنه مذهب الشعراء المطبوعين المجيدين ؛
وألن بنية الشعر إنما هي التسجيع والتقفية فكلما كان الشعر أكثر اشتماالً عليه كان أدخل في
باب الشعر ، 2وإذا كان ابن زيدون ـ الذي تأثر بشعراء العصر العباسي تأثرا ً واسعا ً ـ قد برع
في التصريع ،فهو ال شك أنه قد تأثر بهم في هذا النهج الذي ا
افتن به شعراء العصر العباسي ،
وقد تتبعنا قصائد أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي فرأينا هذه الظاهرة واضحة في معظم
قصائدهم ،ومن ذلك قول أبي تمام في مدح ملك بن طوق التغلبي :
3 ف من شَأ ْ َو ْي ِه ُ
طو ُل ِعتا ِ
ب ْأو َك َّ أن دً ْهرا ً ردَّ َرجْ َع َجوا ِ
ب ْلو َّ
فالتصريع هنا بين (الصَّباحْ ) و(ال ِوشَاحْ ) ،من أمثلة التصريع في شعر المتنبي ،قوله في
مدح سيف الدولة :
فصرع المتنبي بين ( شكول ) ،و( طويل ) وقد اتفق العروض والضرب ،في الوزن والروي
واإلعراب .
3
ــــــر ِويـــــا ً ُ ،كـــ ال لُ ْهــ َذ ْم
ْ َو ُم ضيـــا ً ُ ،كــــ ال ِم ْخـــ َذ ْم
َيــــا ُم ْر ِ
فابن زيدون يقسم البيت إلى أربعة أجزاء ،حيث نرى قسمين في الشطر األول ،وقسمين
في الشطر الثاني ،على هذا النحو :
ــــــر ِويـــــا ً )
ْ ضيـــا ً ) ،ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( َو ُم
( َيــــا ُم ْر ِ
4
( ُكــــ ال ِم ْخـــ َذ ْم ) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ُ ( ،كـــ ال لُ ْهــ َذ ْم )
يقوم هذا الترصيع على التجانس الصوتي ،ويشكل قافيةً داخلية ،تختلف عن القافية
الخارجية ،حيث أن القافية الخارجية تشكل بنا ًء عموديا ً ،أما القافية الداخلية ( الترصيع ) تشكل
بنا ًء أفقيا ً ،وإذا كانت القافية الخارجية " تحدث تنسيقا ً صوتيا ً موسيقيا ً خارج البيت ،فإن
الترصيع يحدث توازيا ً صوتيا ً داخله " ، 5وقوله :
6
ســـــأل
ـــؤ ِ ّمـله ،مـــا َ َوأ َ ْع َ
طـــــى ُم َ فَلَقاــى ُمــنَا ِوئَهُ ،مـــا اتاـقَـــى
1
صلَ ْيتِنِي
ار بَ ْر ٌد ِ ،ع ْن َد َما أ ْ
والنا ُ ش ْه ٌد ،ـ ِع ْند َما َج ار ْعتِنِي ـ
صب ُْر ُ
ال ا
س َم ابن زيدون البيت إلى أربع وحدات األولى والثانية في الشطر األول ،تقابل الثالثة
حيث ق ا
والرابعة في الشطر الثاني ،على هذا النحو :
ـــــــــــر ٌد ( ) 3
ْ ش ْهــــ ٌد ) ( ،)1ــــــــــــــــــــــــــــــــ والنا ُ
ار بَ صب ُْر ُ
( ال ا
هذه بعض نماذج الترصيع في شعر ابن زيدون ،التي اتخذها الشاعر أسلوبا ً في ديوانه ،
متأثر في هذا النهج بشعراء العصر العباسي فها هو أبو تمام يكثر من الترصيع
ٌ وهو كما يبدو
في شعره ومن ذلك قوله في المعتصم :
2
ب
ب ،في الله ُمرت ِغ ِ
لل ِه ُم ْرت ِق ٍ تص ٍم ،بالله ُم ْن ٍ
تقم تدبير ُم ْع ِ
ُ
نالحظ هنا أن أبا تمام يقسم البيت إلى أربع وحدات متساوية في الوزن ،ويشتمل كذلك على
قوافٍ داخلية ( الميم في الصدر ) ( ،والباء في العجز ) فيأتي التوازي في هذا البيت على شكل
ب ـ ت َ ِغ ٍ
ب ) ،ثم تتجاوب بقية التكرارات في تصم ،تقم ٍ) ،وكذلك ( ت ِق ٍ
ٍ لوحة تشكيلية هي (
البيت لتشيع فيه الموسيقى ؛ كتكراره للفظ الجاللة ( بالله ،لله ،في الله مصاحبة لحروف الجر
:الباء ،والالم ،وفي ) .
وقد منحت تكرار صيغة اسم الفاعل البيت موسيقا صاخبة تتناسب مع قوة اسم الفاعل إذ
تتفاعل فيما بينها وتبعث إيقاعا ً داخليا ً منشؤه الفكرة وحركة النفس المنتشية .ويزخر ديوان أبي
2
ب ،تَثَناى في ت َُّأو ِد ِه ِمثْ ِل القَ ِ
ضي ِ ِمثْ ِل ال َكثِي ِ
ب ،ت َ َعالى في ت ََرا ُك ِم ِه ،
نالحظ ا
أن البحتري يقسم البيت إلى أربع وحدات ،اثنتان في الصدر ،تقابلهما اثنتان في
العجز ،تتمثل هذا الشكل :
3
يف ِم ْن أسْمائِ ِه
س ُقُ َرنا ِئ ِه ،وال ا ساد ِه ،والنا ُ
صر ِم ْن الشمس ِم ْن ح ا
ُ
فالمتنبي يقسم البيت إلى ثالث وحدات متساوية ،األولى في الشطر ،والثانية بين الشطر
ساد ِه ) ،و(قُ َرنائ ِه) ،
والعجز ،والثالثة في العجز ،تشكل ثالث قوافي داخلية ،وهي (ح ا
(أسْمائه ) ،ونالحظ ا
أن هذه الكلمات الثالث تتفق في الوزن ،واألعراب ،والقافية ،وهي تمثل
هذا الشكل :
وقد منح تكرار حرف الجر و المبتدأ المتكرر البيت موسيقى صاخبة ،وإيقاعا ً داخليا ً
تتناسب مع كل سجعة في البيت ،وأتى الشاعر ببيت بعد هذا البيت ،قسم عجزه إلى ثالث
كلمات تقابل السجعات التي في البيت األول المتمثلة في خصال الممدوح ،وهو قوله :
4
ِم ْن ح ْسنِ ِه ،وإبائِ ِه ،ومضائِ ِه ؟ أيْنَ الثاالثَةُ ِم ْن ثال ِ
ث ِخال ِل ِه :
1ـ ينظر ـ البداينة ،خالد فرحان ،التكرار في شعر العصر العباسي األول ،رسالة دكتوراه ،جامعة مؤتة ـ األردن ، 2221 ،ص . 55
2ـ ديوان البحتري . 166 / 1 ،
3ـ ديوان المتنبي . 1 / 1 ،
4ـ ديوان المتنبي ، 1 / 1 ،الخالل :جمع خلة ،وهي الخصلة .إبائه :هو أن يأبى الذل فال يرضاه .
191
فتكون على هذا النحو:
المضاء.
ِ ؛ ألن اسمه سيف الدولة ويشبهه في يف ِم ْن أسْمائه
س ُوال ا
ً1
ش َرفا ً َ
ع ِظيما وت ُ ِ
عطي َم ْن َم َ
ضى َ فَت ُ ْع ِطي َم ْن بَقى ماالً َج ِسيما ً
ففي هذا البيت نالحظ أن الترصيع ثنائي ؛ أي أنه جاء بين شطري البيت ( الصدر
والعجز ) ،إذا نظرنا لحشو البيت ،وجعلناه فواصل ،نجده يحتوي على ترصيع رباعي ،حيث
كل كلمة في الصدر تقابلها أختها في العجز ؛ لتحدث معها تنويعا ً موسيقيا ً مؤثرا ً تطرب له
األسماع ،وتجذب انتباه القارئ أو المتلقي عن طريق إعادة اإليقاع الداخلي للشطرين ،فيقابل
كل كلمة في الشطر األول بكلمة من الشطر الثاني ،كما هو واضح في هذا الشكل :
ع ِظيـــــــــــــــــــما ً
ضــــــى ش ََرفا ً َ َم ْ
ـــــن َم َ وت ُ ِ
عطــــــــــــــــــي
فهذا النسق التقابلي الذي استخدمه المتنبي ـ واستخدمه كل من أبي تمام ،والبحتري ـ
نجده كثيرا ً في شعر ابن زيدون ،هكذا كان ابن زيدون متفقا ً مع الشعراء العباسيين الثالثة ،في
هذه األساليب ،ومن أمثلة هذا النسق المنتظم التقابلي في شعر ابن زيدون قوله :
فقوله :يا بهيج في الشطر األول تتفق مع يا مهيج ،والعذب تتفق مع الصعب ،وتشكل
قوافٍ داخلية .
ومن األمثلة السابقة نستنتج أن الترصيع كعنصر من عناصر الموسيقى يثري موسيقى
الشعر ،ويعطيها جرسا ً إيقاعيا ً تطرب له األسماع وتحرك مشاعر المتلقي وقد استخدمه ابن
زيدون في شعره بكثرة ،وهذا يدل على تمكنه من الشعر ،وقدرته على التنويع الموسيقي الذي
يطرب المتلقي .ومن ناحية أخرى يدل على عمق تأثره بشعراء العصر العباسي الذين أبدعوا
في هذا الفن أيما إبداع ،متفننين فيه غاية التفنن ،وقد رأينا كيف برع فيه كل من أبي تمام ،
والبحتري ،والمتنبي وأكثروا منه في دواوينهم ،وما ذكرنا لبعض أبياتهم المرصعة إالا تمثيالً .
خامسا ً ،حسن التقسيم :وهو " عبارة عن استيفاء المتكلم أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه "، 2
وحسن التقسيم :يقوم على تقسيم الكلمات على أساس الوزن بحيث تمثل هذه الكلمات وحدات
موسيقية لها أثرها على أذن المتلقي ،وتحقق للبيت جرسا ً موسيقيا ً ،وبخاصة إذا اتفقت هذه
( الوحدات الموسيقية ) في نهايتها .3ومن األمثلة ،على حسن التقسيم في شعر ابن الكلمات
زيدون قوله في المظفر :
4
ث َ ِق ْي ُ
ف العَ ِز ِيم إذا ما ا ْعت َزَ ْم اء
ب اإلبَ ِ َذلُو ُل ال اد َماث ِة َ
ص ْع ُ
ْ5
سل
ف يُ َ
س ْي ٌ
يض ،و َ
وبَحْ ٌر يَ ِف ُ ــــــر ،
ُ س ت ُنِ ْي غ َما ٌم ي ُِطـ ُّل ،و َ
ش ْم ٌ َ
أديب ال َج َد ْل
ُ وار ،
الح ِ سماحِ ،لَ ِط ُ
يف ِ قَ ِسي ُم ال ُمحياا َ ،
ض ُحوكُ ال ا
فالشاعر في هذه األبيات جمع معظم صفات المظفر ال ُخلُقية وال َخ ْلقية في إطار موسيقي
رائع ،حيث عمد الشاعر في البيت األول إلى تعداد صفات الممدوح ال ُخلُقية محدثا ً موازنةً
أما في البيت الثاني فعدد فيه صفات الممدوح ال َخ ْلقية ،معتمدا ً على جمل متناسقة مقسمة
متلهف على إضفاء هذه الصفات على
ٌ متكئا ً على الفواصل دون العطف بـ ( الواو ) ،كأنه
الممدوح ،يريد أن ينطق بها جميعا ً في آن واحد ،وقد أبدع ابن زيدون في وصف ممدوحه ،
وأبدع في العناية بإيقاعه .ومن حسن التقسيم في شعر ابن زيدون ،قوله :
تتضح عناية ابن زيدون بالتقسيم الداخلي واإليقاع الموسيقي بين الكلمات ،فقد أتى بلفظة
( الثُّريا ) فألحقها بنفسها فجاءت مكررة في اللفظ والمعنى ،فالشاعر حينما يعمد إلى التقسيم ،
ينوع في عناصر موسيقاه ففي هذا الشطر نجد التكرار ،أو الجناس التام بين ( الثُّريا ) ،و
( الثُّريا ) ثم يقسم باقي البيت إلى أربع كلمات ،ثالث كلمات متفقة وهي ( نصبةً ،وإفادة ً ،
وإنافةً ) ،ثم الرابعة المخالفة ،وهي ( جماالً ) ،فهذه الكلمات المرتبة تعطي البيت إيقاعا ً
صوتيا ً رائعا ً ،باإلضافة إلى تكرار حرف العطف ( الواو ) الذي يوحي بتعدد صفات الممدوح
معين داخل البيت ،فبالتالي يسهم في زيادة
ٍ وكثرتها ،كما يعمل هذا التكرار على ترديد إيقاعٍ
موسيقاه الداخلية .ومن حسن التقسيم ،في شعر ابن زيدون ـ الذي مزجه بالطباق ـ قوله :
2
س ،والنا َدى يتغيا ُم
وال ِب ْش ِر يُ ْش ِم ُ بالقَد ِْر َي ْبعُ ُد ،والتاوا ُ
ضعِ َي ادنِي
تظهر عناية الشاعر باإليقاع الداخلي المتمثل في هذه الجمل المتساوية ،وتكرار حرف
العطف ( الواو ) الذي ينتج عن ترديد إيقاع معين يتكرر بانتظام ،كما نالحظ هذا النسق
المنتظم بين األسماء واألفعال ،التي يمكننا أن نصنفها على هذا النحو :
،يُ ْش ِم ُ
س ،يتغيا ُم . األسماء :القدر ،التواضع ،البشر ،الندى ــ األفعال :يَ ْبعُ ُد ،يدنِي
باإلضافة إلى هذا الطباق الرائع بين هذه األفعال ( يبعد ،ي ادني ) ،و ( يشمس ،يتغيم )
1ـ المصدر نفسه ،ص 522اإلنافة :اإلشراف ،يقال :أناف على الشيء :أشرف عليه .
2ـ المصدر السابق ،ص . 115
191
ومن حسن التقسيم ،في شعره ـ والذي مزجه بالجناس ـ قوله :
1
ور ثِغَ ُ
اب ويُ ْمنَاكَ َبحْ ٌر ،والبُ ُح ُ ُور أهِلاة ،
ُم َحيااكَ َبد ٌْر ،والبُد ُ
نالحظ هذا التناسق في الجمل والعبارات ،والتكرار المتمثل في حرف العطف ( الواو) ،
والبحور) ،ونالحظ أيضا ً األفراد
ُ بحر ،
ٌ البدور ) ،وبين (
ُ بدر ،و
وكذلك الجناس بين ( ٌ
والجمع ،بدرـــــــــــ بدور ،بحر ــــــــــــــــــــ بحور .كما نالحظ التناغم بين أول كلمة
في الشطر األول ( ُمحيااك ) ،وبين أول كلمة في الشطر الثاني ( يمناك ) ؛ لتشكال ترصيعا ً في
بداية كل شطر .وقد تتبعنا جل قصائده ،فال نكاد نرى قصيدة ً له تخلو من البديع ،والذي فيما
يبدو إنه تأثر فيه بشعراء البديع في العصر العباسي ،ولعل من أكثر عناصر الموسيقى الداخلية
في شعر ابن زيدون حسن التقسيم ،وهذا النهج ـ فيما يبدو ـ تأثر فيه بأبي تمام ،والبحتري ،
والمتنبي ،حيث ولعوا به في أشعارهم ،فمن أمثلته في شعر أبي تمام ،قوله :
2
صحْ ٌو يَكا ُد من الغَضارةِ ي ُْم ِط ُر حو منهُ وبَ ْع َدهُ
ص ُ ط ُر يَذُ ُ
وب ال ا َم َ
ض َم ُر لَكَ َوجْ ُههُ ،والصاحْ ُو غ ٌ
َيث ُم ْ َيثان فاألنوا ُء غ ٌ
َيث ظاه ٌِر غ ِ
حيث إن التقسيم في بيت أبي تمام الثاني ،المتمثل في قوله في آخر الشطر األول (غ ٌ
َيث
ض َم ُر) ،وثمة ملحوظة هامة أشار إليها .خالد فرحان ظاه ٌِر ) ،و آخر الشطر الثاني (غ ٌ
َيث ُم ْ
البداينة ،وهي " :أن التقسيم لم يقصد لذاته بل يكشف عن شكل خاص من اإليقاع ،وكذلك بنية
التوازي التي تشكلت من هذا التقسيم "} . 3غيثان { ( :فاألنواء غيث ظاهر) ( ،والصحو غيث
مضمر) .جعل أبو تمام " من تكرار الغيث إبداعا ً في الموسيقا والداللة ،وهذه الثنائيات هي
محرك اإليقاع واإلبداع " 4باإلضافة إلى جمال البديع المتمثل في الجناس بين ( مطر ،ويمطر )
،و ( الصحو ،و صحو ) ،و ( غيث ) ،و غيث ) ،وكذلك الطباق بين ( ظاهر ،ومضمر ).
و من حسن التقسيم في شعره ،فمن ذلك ،قوله في مدح المتوكل :
5
يض ت َْل َم ُع ،واأل ِسنَّةُ ت َْزه َُر
والبِ ُ س تُدّ ِعي ؛
ص َه ُل ،والفَ َو ِار ُ
فال َخ ْي ُل ت َ ْ
حيث إن البحتري قسم البيت إلى أربع فقرات متساوية ،وقد جمع في كل فقرة بين مبتدأ
مفرد مرفوع ،وخبر جملة فعلية فعلها مضارع ،فاعلها أو نائبه ضمير مستتر يعود على المبتدأ
1ـ المصدر نفسه ،ص ، 199الثغاب :جمع ثغب وهو الغدير في ظل جبل ال ت ناله شمس ؛ فيبرد ماؤه ،فليس شيء أصفى منه أو أبرد.
2ـ ديوان أبي تمام ، 112 / 1 ،الصحو :غب المطر .
3ـ التكرار في شعر العصر العباسي األول ،ص . 11
4ـ المرجع نفسه ،ص. 19
5ـ ديوان البحتري ،تحقيق حسن كامل الصيرفي ، 1292 / 2 ،تدَّعي :تعتز بأنسابها .البيض :السيوف .تزهر :تلمع .
195
.معتمدا ً على تكرار حرف العطف ( الواو ) في كل فقرة ؛ ليسهم في ترديد إيقاع ثابت منتظم .
ومن أمثلة حسن التقسيم في شعر المتنبي قوله :
1
يف الناسبْ الج ِر ا
شى ،ش َِر ُ َك ِر ْي ُم ِ أغر اللاقَبْ
باركُ االس ِْم ُّ ،
ُم َ
حيث يقسم المتنبي البيت إلى أربعة أجزاء متساوية ،جاعالً كل اثنين في شطر ،ويتكون
كل جزء من أسمين نكرة ومعرفة ،أي مضاف ومضاف إليه ،وقد أعطى هذا التركيب
اإلضافي ـ باإلضافة إلى التصريع بين (اللقب ،والنسب ) ـ البيت إيقاعا ً رائعا ً يتكرر في كل
فقرة .ومن التقسيم في شعر المتنبي قوله :
2
اربا
ض ِْأو َجحْ فالً ْأو طا ِعنا ً أو َ إن ْتلقَهُ ال ْتلقَ إالا قَ ْس َ
طالً ْ
ْأو َرا ِهبـا أو ها ِلكـا أو نا ِدبــا طا ِلبا ً ْأو َرا ِغبا ً
اربا ً أو َ
ْأو َه ِ
ولعل من الطريف الذي الحظناه في الشعر العباسي ،خاصة عند شعرائنا الثالثة ،هي
ذكر الشيء معدودا ً ثم يفصل ويقسم في البيت ،كقول أبي تمام :
3
ض َم ُر لَكَ َوجْ ُههُ ،والصاحْ ُو غ ٌ
َيث ُم ْ َيثان فاألنوا ُء غ ٌ
َيث ظاه ٌِر غ ِ
صل ذلك بقوله ( :غيث ظاهر) ،و( غيث مضمر ) ،وقوله أيضا ً :
فعندما ،قال ( :غيثان ) ف ا
4
والقلم
ِ السيف
ِ حصائ َد المرهفَ ِ
ين : لوال مناشدة ُ القُربى لغا َد َركم
فعندما يذكر أبو تمام ( المرهفين ) معدودا ً بالتثنية ،يفصل ذلك فيقول ( السيف ،والقلم ) .
ومن أمثلته في شعر البحتري قوله :
ووردُ ُخدُود
نى ْدان َ :و ْردُ َج ً
َو ْر ِ ُون راقَها
عي ٌسفَ ْرنَ ،فامتألت ُ
و َ
2
ُخاف وي ُْر َجى ِل ِكال حالَتَي ِْن :نَ ْفع ،و َ
ض ِ ّر ف ،ي ُ ُمتْ ِل ٌ
ف ُ ،م ْخ ِل ٌ
3
يف ِم ْن أسْمائه
س ُقُ َرنائ ِه ،وال ا ساد ِه ،والنا ُ
صر ِم ْن الشمس ِم ْن ح ا
ُ
فحينما يذكر الخصال الثالث ،يعددها على هذا النحو 1 :ـ ( ح ْسنِ ِه ) 2ـ ( وإبائِ ِه )
3ـ ( ومضائِ ِه ) .وقوله أيضا ً :
4
كر ُه ُم َو ْق ُ
ف ش ُ فناَئِلُهُ َو ْق ٌ
ف،و ُ ُوقُوفَي ِْن في و ْقفي ِْن ُ :
ش ْك ٍر ونائ ٍل
5
س ِ ّر وال َع َل ِن
اح ُد الحالَتين ِ :ال ا
والو ِ
َ ض ُّر بِ ِه ألقائ ُل ال ا
صدقَ فيه ما يَ ُ
صلهما إلى ( السر ،والعلن ) ،وإذا انتقلنا إلى شعر ابن زيدون وجدنا
فلما قال الحالتين :ف ا
أمثلة كثيرة من هذا النوع ،فمن ذلك قوله :
6
القرب والبع ُد
ُ اان منها في الهوى :
سي ِفَ َ يمانِيّةٌ تدنو ،ويَ ْنأَى َمزَ ُ
ارها
1ـ ديوان البحتري ،المجلد الثاني ،ص ، 169 ، 169بذي األراك :واد قرب مكة . .
2ـ ديوان البحتري . 1292 ،
3ـ ديوان المتنبي . 1 / 1 ،
4ـ ديوان المتنبي . 291 / 2
5ـ ديوان المتنبي ، 211 / 1 ،السر :ما يسره اإلنسان .العلن :ضده .أضر به :حمله على الضر .
6ـ ديوان ابن زيدون ورسائله ،ص. 151
7ـ المصدر نفسه ،ص ، 151شيحان :غيور أو طويل .ماضي الهم :صارم العزم .فاتك :مقدام جسور جلد :صلب متين .
199
ومنها ،قوله :
1
(و َج ْل)
دم ) ،أو َ
ع ٍَان ِ :م ْن ( َ
أ َمان ِ مى ال َيزَ ا ُل ِل َم ْن َحلاهُ
ِح ً
2
مان ( :األ ُ الوة ُ ) ،و( النا ْد )
تَنَاثى النا ُمو ِ سرى ُج ْن َح ل ْي ِلها إذا ا ْستُحْ ِف َ
ظ ْ
ت ِس ار ال ُّ
هذه أهم عناصر الموسيقى الداخلية في شعر ابن زيدون ،التي تأثر فيها بشعراء العصر
العباسي ،ولم تكن وحدها فقد كان شعره يحوي بعض العناصر األخرى كالتكرار ،ورد
الصدور على األعجاز ،والتدوير ،وغيرها .
1ـ المصدر نفسه ،ص ، 125ال َعدَم والعُدم :الفقر .الوجل :الخوف .
األلوة :عود يتبخر به ،النِّد :ضرب من الطيب .
،2المصدر السابق ،ص . 151تناثى :تحدث أي أشاع الحديث َّ ،
199
الخـاتـــمــــــــة
ْ
تناولت هذه الدراسة أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام والبحتري والمتنبي ) في شعر
ابن زيدون ،وأوضحت كيفية وصول األدب المشرقي إلى األندلسي ،وذلك عن طريق
مجموعة من النقاط ،أهمها :
1ـ الفتوحات اإلسالمية ،التي تعد بدايات اتصال األندلسيين بالمشرق ،حيث دخل مع الفاتحين
نفر من العلماء والفقهاء واألدباء ،بل كان منهم من شارك في تلك الفتوحات كالشاعر أبي
الخطار ،حسام بن ضرار ،وكان فارسا ً شجاعا ً لُ ِقّ َ
ب بعنترة األندلس .
2ـ الرحالت ،من وإلى األندلس ،حيث وفد على األندلس نفر من الشخصيات األدبية واللغوية
والدينية ،وبعض المثقفين الذين كان لهم دور في نقل الثقافة المشرقية إلى األندلس ،كالمغني
زرياب ،وأبي علي القالي ،وغيرهما من الشخصيات .وفي المقابل رحل نفر من األندلسيين
إلى المشرق حجاجا ً وطالب ٍ
علم ،فالتقوا بعلماء المشارقة ،وأدبائهم ،وشعرائهم ؛ ليأخذوا
عنهم علومهم وأشعارهم .كعثمان بن المثنى الذي رحل إلى األندلس ،فلقي أبا تمام فقرأ عليه
شعره وأدخله إلى األندلس .
ومما أسهم في نقل الثقافة المشرقية إلى األندلس إقبال األندلسيين على تلك الثقافة المستوردة
من المشرق ،وقد أتاح األمويون وخاصة في عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر
فرصا ً عظيمة ليقبلوا على الدراسات العلمية ،فأحدث كل هذا نهضة علمية وفكرية في األندلس
فبرز في ذلك اإلقليم الكثير من الشعراء واألدباء والعلماء ،ومن بين هؤالء الشعراء ابن زيدون
،الذي تبن من خالل البحث أنه تأثر تأثرا ً واسعا ً بأبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،وليس
شاعر كابن زيدون ،أن يكون قد اطلع على دواوين هؤالء الشعراء الثالثة ،وارتوى
ٍ غريبا ً من
من ثقافتهم األصيلة ،وال سيما أنه شاعر ينتمي إلى قبيلة مخزوم القرشية .
وكل هذا قد تناوله البحث في التمهيد ،ثم انطلق البحث لدراسة الفصل األول وهو " أثر
شعراء العصر العباسي ( أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ) في شعر ابن زيدون من حيث
المضمون " ،وقد جاء هذا الفصل في ثالثة مباحث كلها في صميم التأثيرات التي نحن بصددها
،فالمبحث األول يتمثل في دراسة أثر معاني أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي في شعر ابن
زيدون ،وقد اتضح للباحث أن هناك تأثيرات كثيرة لمعاني هؤالء الشعراء على ابن زيدون ،
وقد جاءت هذه المعاني بنسب متفاوتة ،فكان البحتري األكثر تأثيرا ً في معاني ابن زيدون ،ثم
196
المتنبي ،ثم أبو تمام ،وقد جاءت هذه المعاني في شكل إشارات جزئية إلى أبيات مشهورة عند
هؤالء الشعراء .
وتناول المبحث الثاني معارضة ابن زيدون لقصائد أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،
فتبين من خالل البحث أن البن زيدون معارضات كثيرة لقصائد أبي تمام ،والبحتري ،
والمتنبي ،وقد تفاوتت المعارضات بين التامة والناقصة ،وذلك حسب االتفاق في العناصر
األساسية للمعارضة ،المتمثلة في ( الغرض ،والوزن ،والقافية ،وحركة الروي ) ،كما تبين
من خالل المعارضات أن الشاعر تأثر بهؤالء الشعراء الثالثة ،في كثير من األساليب البالغية
،والنحوية ،والصرفية ،وتأثر بهم في فكرة مدح القصائد ،وال سيما عند أبي تمام الذي اشتهر
بمدحه لقصائده والثناء عليها في ختام القصيدة ،كما برزت لدى الشاعر األنا في شعره ،
واالعتداد بالنفس ،واإلشادة بها ،وهو نهج اشتهر به المتنبي ،وبخاصة في مدائحه لكافور
اإلخشيدي ،التي تسودها المجاملة في بعض األحيان ،فيجعل المديح لذاته ،ال للممدوح ،ومن
خالل تتبعنا ألغراض القصائد التي عارضها ابن زيدون ،اتضح أن أغلب القصائد كانت في
غرض المديح ،ولعل الغرض من ذلك ،أن ابن زيدون يريد أن يظهر بمظهر المتمكن أمام
ممدوحه ،واتضح أن أشهر تلك القصائد كانت موضع اهتمامه في معارضاته الشعرية ،وقد
جاءت هذه المعارضات بنسب متقاربة بين أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،واتفق ابن زيدون
مع البحتري في الحنين إلى المحبوبة ،واتفق مع أبي تمام والمتنبي في مدح القصيدة .
وقد تناول المبحث الثالث " تضمينات ابن زيدون ألبيات أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي "
،وهي تضمينات جزئية ألبياتهم الشعرية ،فلم يضمن قصائده بيتا ً تاما ً من أبياتهم سوى بيتين
للمتنبي ،وال شك في أن المعارضة والتضمين أكبر دليل على قوة التأثر والمتابعة ألشعارهم ،
ب متفاوتة ،فكان المضمن من شعر البحتري ،والمتنبي
واإلعجاب بها ،وقد ورد التضمين بنس ٍ
أكثر حظا ً في شعر ابن زيدون ،من أبي تمام .
أما في الفصل الثاني فخصص لدراسة" أثر شعراء العصر العباسي ( أبي تمام ،والبحتري ،
والمتنبي ) في شعر ابن زيدون من حيث الشكل " ،حيث درست فيه تلك الخصائص الفنية
المشتركة بين ابن زيدون والشعراء العباسيين في ضوء كالم النقاد والدارسين ،وتبين أن شعر
ابن زيدون شارك شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي في أبرز الخصائص التي اتسم بها الشعر ،
كبناء القصيدة ،والمحسنات الشعرية ،وقد تناول هذا الفصل ثالثة مباحث ،فالمبحث األول
خصص لدراسة أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون بناء القصيدة فالحظ الباحث
اتفاق ابن زيدون مع أبي تمام ،والبحتري ،والمتنبي ،في بناء القصيدة المركبة من حيث
162
العناية بالمطلع ،وحسن التخلص ،والخاتمة ،فالمطلع يعنى فيه باختيار األلفاظ وجمال
الصياغة ،وغالبا ً ما يشتمل على المجانسة والمطابقة أو الترصيع أو التصريع وغيرها ،
واستهلوا قصائدهم بالغزل ،أو الحديث عن الخمرة ،أو وصف الطبيعة ،وكذلك حرصوا على
تحسين االنتقال إلى الغرض األصلي للقصيدة فاستخدموا أدوات الربط ،مثل كأن المخففة أو
الثقيلة والكاف ،والواو ،والفاء ،و أو ،وأساليب الشرط والقصر واالستفهام غير الحقيقي ؛
إليهام المتلقي باتصال المعنى داخل السياقات المختلفة وانسيابه انسيابا ً عفويا ً ،أما القصائد التي
تصف المعارك ففيها يهجم الشاعر على موضوعه دون أن يمهد له بغزل أو نحوه ،وهذا النهج
سلكه الشعراء العباسيون وابن زيدون على ح ِ ّد سواء ،وكذلك اهتموا بالخاتمة ألنها آخر ما يبقى
في األذهان ،وقد استجابوا في ذلك لتوجيهات النقاد الذين اشترطوا وجوب تضمين خواتيم
القصائد حكمة بالغة ،أو مثالً سائرا ً ،أو تشبيها ً بديعا ً ،من أجل إثارة انفعال الممدوح وإطالق
يده بالمكافأة و إجزال الهدية .
ودرس في المبحث الثاني " أثر الشعراء الثالثة في شعر ابن زيدون في المعجم الشعري "،
ومن خالل البحث لُ ِح َ
ظ أن معجم ابن زيدون الشعري قد اتفق مع معجم الشعراء العباسيين من
حيث حشد الثقافات المتعددة في أشعارهم ،كالثقافة الدينية ،واألدبية ،والتاريخية ،والتراثية ،
كما اتفق معهم في معجم الطبيعة في سياق الربيع والنباتات ،والمعجم المائي ،وهو معجم قريب
الصلة بغرض المديح .
كما اتفق ابن زيدون مع الشعراء العباسيين في المعجم الحيواني المتمثل في اإلكثار من ألفاظ
الخيول واألسود ،وهي ألفاظ غالبا ً ما ترد في سياق المدح والفخر ،ومن األلفاظ التي كثر
ورودها في معجمهم الشعري ألفاظ السيوف وما يتعلق بها .
وتناول المبحث الثالث أثر شعراء العصر العباسي في شعر ابن زيدون في المحسنات
البديعية ومن خالل البحث اتضح أن ابن زيدون قد اتفق مع البحتري في الفن الشعري
والصنعة الشعرية ،من حيث سهولة اللفظ ووضوح المعنى وتجنب التعقيد والفلسفة ،واإلكثار
من الطباق بنوع خاص في سهولة ويسر ولين ،واتفق مع أبي تمام في اإلكثار من الجناس ،
ولكنه لم يتكلفه أو يتصنعه ،وإنما جاء سهالً طوعا ً حسب الحاجة ،كما اتفق معهم في التصريع
،والترصيع ،وحسن التقسيم .
161
فكل هذه التأثيرات والتأثرات تدل على اعتزاز ابن زيدون بشعره الذي ورثه من الشعراء
العباسيين ،وإصراره على ربط شعره بشعرهم وأنه جزء منه ،حتى لو بعُد المكان .
وهناك حقيقة يجب أن يشير إليها الباحث ،وهي :إذا كان ابن زيدون قد تأثر بأبي تمام
والبحتري والمتنبي ،في بعض المعاني ،وعارض بعض قصائدهم ،وضمن بعض قصائده
أبياتا ً من أبياتهم ،وأن هذه المباحث ،تدل على االعجاب والتأثر والمتابعة لهم ؛ فإن ما ورد في
معان مشتركة بينهم .
ٍ مباحث الفصل الثاني ،تعد اتفاقا ً بين الشعراء ؛ ألنها
وأخيرا ً أرجو أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة ووضعتُها موضعها الصحيح ،وأن
تكون هذه التأثيرات قد حددت مسار ابن زيدون في طريقة تعامله مع شعراء العصر العباسي .
الباحث
162
قائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم ،برواية حفص عن عاصم .
أوال ً ،المصـــــــادر :
ـ ابن اآلبار ( ،أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ) ،التكملة لكتاب الصلة ،
نشر عزت العطار الحسيني ـ القاهرة ،سنة 1655م .
ـ الحلة السيراء ،الجزء األول ،والثاني ،تحقيق حسين مؤنس ،دار المعارف ـ القاهرة ،
الطبعة الثانية .1215 ،
ـ ابن األثير ( ،ضياء الدين ) ،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،الجزء الثالث ،تحقيق
أحمد الحوفي ،والدكتور بدوي طبانة ،دار نهضة مصر ،القاهرة ،د /ت .
ـ امرؤ القيس ،ديوانه ،شرح عبد الرحمن المسطاوي ،دار المعرفة بيروت ـ لبنان ،الطبعة
الثانية . 2221 ،
ـ البحتري ( :أبو عبادة الوليد بن عبد الله ) ،ديوانه ( 1ـ ، ) 1شرح وتعليق حسن كامل
الصيرفي ،دار المعارف ـ القاهرة ،الطبعة الثالثة ،د /ت .
ـ ابن بسام ( :أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني ) ،الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ،الجزء
األول ،تحقيق إحسان عباس ،دار الثقافة ـ بيروت ،طبعة . 1669 /
ـ أبو تمام ( :حبيب بن أوس ) ،ديوانه ( 1ـ ، ) 2شرح الخطيب التبريزي ،قدم له راجي
األسمر ،دار الكتاب العربي ـ بيروت ،طبعة .1661 /
الجاحظ ( ،أبو عثمان عمرو بن بحر ) الحيوان ،الجزء األول ،تحقيق ،عبد السالم هارون ،
دار الجبل ـ بيروت . 1211 ،
ـ ابن حزم األندلسي ( ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد) جمهرة أنساب العرب ،الجزء األول ،
تحقيق عبد السالم محمد هارون ،دار المعارف ـ مصر ،الطبعة الخامسة ،
. 1212
ـ الحموي ،ابن حجة ،خزانة األدب وغاية األرب تحقيق عصام شعيتو ،الجزء الثاني ،دار
الهالل ـ بيروت ،الطبعة الثانية . 1221
ـ الحميدي ( ،أبو عبد الله محمد أبي النصر فتّوح بن عبد الله األزدي ) ،جذوة المقتبس في
ذكر والة األندلس ،الدار المصرية للتأليف والترجمة ،إدارة إحياء التراث ،
.1222
161
ـ ابن خاقان ( ،أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي اإلشبيلي ) ،قالئد العقيان ومحاسن
األعيان ،تحقيق حسين يوسف خربوش ،مكتبة المنار ـ األردن ،الجزء األول ،
الطبعة األولى . 1696
ـ ابن خير ( :أبو بكر محمد بن خير ) ،فهرسة ما رواه عن شيوخه ،الجزء الثاني ،تحقيق
إبراهيم األبياري ،دار الكتاب المصري ـ القاهرة ،الطبعة األولى .1696 ،
ـ الذبياني ،النابغة ،الديوان ،تقديم عباس الساتر ،دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ،الطبعة
الثالثة . 1222 ،
ـ ابن رشيق ،الحسن ،العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ،تحقيق محمد محيي الدين عبد
الحميد ،المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ،الجزء األول ،والثاني ،الطبعة
الثالثة .1223 ،
ـ الزبيدي ( ،أبو بكر محمد بن الحسن ) ،طبقات النحويين واللغويين ،تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ،دار المعارف ـ القاهرة ،الطبعة الثانية ،د /ت .
ـ الزركلي ،خير الدين ،األعالم ،الجزء الثالث ،دار العلم للماليين ـ لبنان ،الطبعة الخامسة
عشرة . 2112 ،
ـ ابن زيدون ( ،أبو الوليد أحمد بن عبد الله ) ،الديوان ،تحقيق يوسف فرحات دار الكتاب
العربي ـ بيروت ،ط . 1661
وكذلك ( ديوانه ورسائله ،شرح وتحقيق علي عبد العظيم ،نهضة مصر . ) 1252 ،
ـ الصفدي ( ،خليل ابن أيبك ) ،تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ،تحقيق محمد أبو
الفضل إبراهيم ،منشورات المكتبة العصرية ،صيدا ـ بيروت ،الطبعة األولى
. 1222 ،
ـ الوافي بالوفيات ،الجزء السابع ،تحقيق أحمد األرناؤوط ـ و تركي مصطفى ،دار إحياء
التراث العربي ،بيروت ـ لبنان ،الطبعة األولى . 2111 ،
ـ الضبي ( ،أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة ت 522 /هـ ) ،بغية الملتمس في تاريخ رجال
األندلس ،أعتنى به إدارة إحياء التراث ،دار الكتاب العربي ـ القاهرة . 1222،
ـ العسكري ،أبوهالل ،جمهرة األمثال ،الجزء األول ،والثاني ،تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ،و عبد الحميد قطامش ،دار الفكر ،بيروت ،الطبعة الثانية .1211 ،
161
ـ كتاب الصناعتين ،الكتابة والشعر ،تحقيق علي البجاوي ،دار احياء الكتب العربية ،القاهرة
. 1252 ،
ـ الفحل ( ،علقمة بن عبدة ) ،الديوان ،شرح األعلم الشنتمري ،قدم له ووضع هوامشه
وفهارسه حنا نصر الحتي ،دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ الطبعة األولى ،
. 1223
ابن الفرضي ( ،أبو الوليد عبد الله بن محمد ) ،تاريخ علماء األندلس ،الجزء األول ،دار
الكتاب المصري القاهرة ،تحقيق إبراهيم األبياري ،الطبعة الثانية . 1696 ،
ـ ابن قتيبة (،أبي محمد عبد الله بن مسلم ) ،الشعر والشعراء ،تحقيق أحمد محمد شاكر ،
دار المعارف ـ القاهرة . 1222 ،
ـ قدامة ( ،أبو الفرج ـ ت 332هـ ) ،نقد الشعر ،الطبعة الثالثة ،تحقيق :كمال مصطفى ،
مكتبة الخانجي ،القاهرة .1221 ،
ـ القزويني ( ،جالال الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب ) ،التلخيص في علوم البالغة ،
ضبطه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي ،دار الفكر العربي ،الطبعة األولى ،
.1214
ـ القرطاجني ( :أبو الحسن ،حازم ) ،منهاج البلغاء وسراج األدباء ،تحقيق محمد الحبيب
بالخوجة ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثالثة . 1211 ،
ـ المتنبي ( :أحمد بن الحسين ) ،ديوانه ( 1ـ ، ) 1شرح العكبري ،ضبطه مصطفى السقا ،
وإبراهيم األبياري ،عبد الحفيظ شلبي ،دار المعرفة ـ بيروت ،د /ت .
ـ ابن المعتز ،كتاب البديع ،اعتنى به إغناطيوس كراتشقوفسكي ،دار المسيرة ،بيروت ،
الطبعة الثالثة . 1212
ـ ابن معصوم المدني ( ،السيد علي صدر الدين 1152ـ ، ) 1121أنوار الربيع في أنواع
البديع ،الجزء الثالث ،والخامس ،تحقيق شاكر هادي شكر ،الطبعة األولى ،
مكتبة العرفان ـ بكربالء ـ العراق . 1222،
ـ المقري ( ،أحمد بن محمد ) ،نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،الجزء األول ،والجزء
الثالث ،تحقيق إحسان عباس ،دار صادر ـ بيروت .1699 ،
ـ ابن منظور ،لسان العرب ،تحقيق عبد الله علي الكبير ،محمد أحمد حسب الله ،هاشم محمد
الشاذلي ،الجزء الرابع ،دار المعارف ـ القاهرة ،د /ت .
165
ـ الميداني ،مجمع األمثال ،الجزء األول ،والثاني ،تحقيق محيي الدين عبد الحميد ،دار
الفكر ،بيروت ،الطبعة الثالثة . 1222 ،
ـ ابن نباته ،المصري ،سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ت محمد أبو الفضل إبراهيم
،صيداـ بيروت .1224،
ثانيا ً ،المـــــــــــراجع :
ـ ابراهيم ،مصطفي عبدالرحيم ،في النقد األدبي عند العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،
.1221
ـ أنيس ،د .إبراهيم ،موسيقى الشعر ،األنجلو المصرية ـ القاهرة ،الطبعة الخامسة .1211 ،
ـ بالنثيا ،آنجل جنثالث ،تاريخ الفكر األندلسي ،ترجمة حسين مؤنس ،مكتبة النهضة المصرية
ـ القاهرة . 1655
ـ بدوي ،أحمد أحمد ،أسس النقد األدبي عند العرب ،مكتبة نهضة مصر ،الطبعة الثالثة ،
. 1224
ـ البستاني ،بطرس ،أدباء العرب في األندلس وعصر االنبعاث ،دار الثقافة بيروت ،الطبعة
السادسة . 1221 ،
ـ بيريس ،هنري ،الشعر األندلسي في عصر الطوائف ( مالمحه العامة وموضوعاته الرئيسية
وقيمته التوثيقية ) ،ترجمة الطاهر أحمد مكي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة
األولى . 1211 ،
ـ تبرماسين ،عبد الرحمن ،البنية اإليقاعية للقصيدة الجزائرية ،دار الفجر للتوزيع والنشر ،
الطبعة الثانية . 2113 ،
ـ التطاوي ،د .عبدالله ،الحركة الشعرية بين اإلبداع والنقد ،مستوى الرؤية والتجربة في
إبداع المتنبي ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،الطبعة األولى . 2112 ،
ـ المعارضة الشعرية بين التقليد واإلبداع ،دار الثقافة ،الفجالة ،مصر . 1211 ،
ـ جرار ،د .صالح ،قراءات في الشعر األندلسي ،دار المسيرة ،األر دن ،الطبعة األولى ،
. 2112
ـ الجمل ،د .إيمان ،المعارضات في الشعر األندلسي ،دار الوفاء اإلسكندرية ،الطبعة األولى
،سنة .2112
161
ـ جوميث ،إميليو جارثيا ،الشعر األندلسي ،بحث في تطوره وخصائصه ،ترجمة د .حسين
مؤنس ،مكتبة النهضة المصرية القاهرة ط .1616 ، 1
ـ أبو حاتم ،نبيل خليل ،اتجاهات الشعر العربي في القر الرابع الهجري ،دار الثقافة ـ الدوحة
.1215 ،
ـ حسن ،حسن جاد ،ابن زيدون عصره ـ حياته ـ أدبه ،المطبعة المنيرية باألزهر . 1655 ،
ـ دعدور ،أشرف علي ،الصورة الفنية في شعر ابن دراج القسطلي األندلسي ،مكتبة نهضة
الشرق ( ،د .ت ) ،القاهرة .
ـ الدقاق ،د .عمر ،مالمح الشعر األندلسي ،دار الشرق ـ بيروت .1691 ،
ـ الركابي ،جودت ،الطبيعة في الشعر األندلسي ،مكتبة أطلس ،دمشق ،الطبعة الثانية ،
. 1221
ـ في األدب األندلسي ،دار المعارف ،الطبعة الرابعة . 1695 ،
ـ رومية ،وهب ،شعر ابن زيدون قراءة جديدة ،الهيئة العامة السورية للكتاب ،دمشق ،
. 2114
ـ السعيد ،محمد مجيد ،الشعر في عهد المرابطين والموحدين في األندلس ،الدار العربية
للموسوعات ،الطبعة الثانية .1215 ،
ـ سالمة ،علي محمد ،األدب العربي في األندلس تطوره موضوعاته وأشهر أعالمه ،الدار
العربية للموسوعات ،بيروت ـ لبنان . 1696 ،
ـ سلطان ،منير ،البديع تأصيل وتجديد ،منشأة المعارف ـ اإلسكندرية 1212 ،
ـ الشايب ،أحمد ،تاريخ النقائض في الشعر العربي ،مكتبة النهضة المصرية ،مطبعة السعادة
،الطبعة الثانية ،القاهرة 1651
ـ ابن شريفة ،محمد ،أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة ،دار الغرب اإلسالمي بيروت ،
الطبعة األولى . 1691 ،
ـ الشكعة ،مصطفى ،األدب األندلسي موضوعاته وفنونه ،دار العلم للماليين ،الطبعة الثامنة
.1225 ،
ـ الشناوي ،د .علي محمد ،المعارضات في الشعر األندلسي ـ القصيدة العباسية نموذجا ً ـ
مكتبة اآلداب ـ القاهرة ،الطبعة األولى . 2113 ،
ـ شيخة ،جمعة ،عصر ابن زيدون ،مؤسسة البابطين ،الكويت 2221 ،
169
ـ الصابوني ،محمد ،الموجز في البالغة العربية والعروض ،بيروت ،الطبعة األولى ،
.1221
ـ صعدور ،أشرف علي ،الغربة في الشعر األندلسي عقب سقوط الخالفة ،مكتبة نهضة الشرق
جامعة القاهرة . 1222 ،
ـ ضيف ،شوقي ،تاريخ األدب العربي ( العصر اإلسالمي ) ،دار المعارف ،الطبعة العشرون
. 2112 ،
ـ تاريخ األدب العربي ،عصر الدول واإلمارات ـ األندلس ـ دار المعارف ،الطبعة الثانية
.1212
ـ تاريخ األدب العربي ،العصر العباسي األول ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة السادسة عشر.
ـ تاريخ األدب العربي ،العصر العباسي الثاني ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثانية عشر .
ـ ابن زيدون ،دار المعارف ،الطبعة الثانية ،د /ت .
ـ فصول من الشعر ونقده ،دار المعارف ،الطبعة الثالثة . 1211 ،
ـ الفن ومذاهبه في الشعر العربي ،دار المعارف ،الطبعة الحادية عشرة . 1612 /
ـ في التراث والشعر واللغة ،دار المعارف ،القاهرة .1212 ،
ـ الطرابلسي ،محمد الهادي ،خصائص األسلوب في الشوقيات ،منشورات الجامعة التونسية ،
طبع بالمطابع الرسمية بالجمهورية التونسية .1691 ،
ـ عاصي ،د .ميشال ،الشعر والبيئة في األندلس ،المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع ،
بيروت ،الطبعة األولى . 1221 ،
ـ عباس ،إحسان ،تاريخ األدب األندلسي " عصر سيادة قرطبة " دار الثقافة بيروت ،الطبعة
السابعة ،د /ت .
ـ عبد الرحيم ،مصطفى عليان ،تيارات النقد األدبي في األندلس في القرن الخامس الهجري ،
مؤسسة الرسالة ـ بيروت ،الطبعة األولى . 1691
ـ عبد العظيم ،علي ،ابن زيدون ،سلسلة أعالم الفكر ،دار الكاتب العربي ـ القاهرة .1222،
ـ ابن زيدون عصره وحياته وأدبه ،مكتبة األنجلو المصرية ،طبعة .1655 /
ـ عنان ،محمد عبد الله ،دولة اإلسالم في األندلس ،الجزء األول ،مكتبة األسرة برعاية السيدة
سوزان مبارك . 2221 ،
169
ـ الغزيوي ،علي ،أدب السياسة والحرب في األندلس من الفتح إلى نهاية القرن الرابع
الهجري ،مكتبة المعارف الرباط .1212،
ـ الفقي ،عصام عبد الرؤوف ،تاريخ المغرب واألندلس ،مكتبة نهضة الشرق /القاهرة ،
. 1691
ـ هيكل ،أحمد ،األدب األندلسي من الفتح إلى سقوط الخالفة ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة
الثامنة .1692 ،
ـ إبراهيم ،هند ماهر أبو العطا ،تطور المعجم الشعري في شعر الطبيعة في العصر العباسي ،
رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ـ القاهرة . 2115 ،
ـ أسعد ،محمد جاسر جبالي ،االستعطاف في الشعر األندلسي عصر ملوك الطوائف ( 422ـ
، ) 414رسالة ماجستير ،جامعة النجاح ،نابلس ـ فلسطين . 2113،
ـ البداينة ،خالد فرحان ،التكرار في شعر العصر العباسي األول ،رسالة دكتوراه ،جامعة
مؤتة ـ األردن . 2112 ،
ـ حسن ،رائدة زهدي رشيد ،الماء في شعر البحتري وابن زيدون " دراسة موازنة " رسالة
ماجستير ،جامعة النجاح ـ فلسطين . 2112 ،
ـ السهلي ،إبراهيم بن موسى أثر شعر المحدثين العباسيين في الشعر األندلسي ،رسالة دكتوراه
،جامعة أم القرى ،سنة .1661
ـ السيد ،أحمد كامل ،البنيات األسلوبية في شعر ابن هانئ األندلسي ،رسالة دكتوراه ،جامعة
عين شمس ـ اإلسكندرية . 2113
ـ عبد القادر ،محمد سلمان السعدي ،الشعر في عصر ملوك الطوائف باألندلس ( دراسة في
الدالالت اللغوية والتشكيالت الفنية ) ،رسالة ماجستير ،جامعة عين شمس ـ
القاهرة . 1213 ،
ـ كروم ،بومدين ،الطبيعة في شعر ابن خفاجة األندلسي ،رسالة ماجستير ،جامعة دمشق ،
سنة 1213
166
ـ نجا ،أشرف محمود حنفي ،قصيدة المديح في األندلس عصر الطوائف " دراسة فنية " ،
رسالة دكتوراه ،جامعة عين شمس ،اإلسكندرية . 1661 ،
222