Professional Documents
Culture Documents
ملخص السيرة العهد المدني
ملخص السيرة العهد المدني
هاجر القوم من ٍ
دار إلى دار :إذا تركوا األولى وفارقوها َ أولهما هو :المصارمة والقطع ،والمفارقة والترك والبعد ،يقال:
إلى الثانية ،وكذا فعل األولون من الهاجرين ،حين هاجروا من مكة إلى المدينة فرًا
ار بالدين .والهجر بهذا المعنى :منه
ما يكون حسيا ،ومنه ما يكون معنويا ،ومنه ما يكون بالبدن ،ومنه ما يكون باللسان ،ومنه ما يكون بالقلب .ولذا قال
غيره ،إما البدن ،أو باللسان ،أو بالقلب.
العالمة المناوي :الهجر :مفارقة اإلنسان َ
شيء آخر ،من" :ال ِهجار" على وزن ٍ ٍ ٍ
يسوى في َ
طرَفيه ُعروتان ،تُشد أحداهما في حبل َّ
كتابٌ : َُ شيء في طوثانيهما :رب ُ
فرس َه ِجٌر. الخ ِ
طو ،فيقال فيهٌ : متقارب َ
َ (ر ْجله األمامية) واألخرى في ِر ْجله حتى يتمشى ُمثَقال
يد الفرس ِ
والتعريف الجامع المانع :ما ذكره ابن األثير في «النهاية» حيث قال" :واشتهرت الهجرة في لسان الشرع اإلسالمي
في انتقال المؤمن من بلد الفتنة والخوف على دينه إلي حيث يأمن على دينه" هذا يشمل طرق الهجرة المختلفة
فيشمل:
من فوائد معرفة األوائل :أنه يفيد عند التحقيق فى معرفة الناسخ والمنسوخ .وقد ورد قوالن فى أول من هاجر كالتالي:
)1ذكر موسى عقبة وابن إسحاق صاحب المغازي :أن أبا سلمة بن عبد األسد هو أول من هاجر من مكة إلى
آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة ،فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة ٍ
بسنة. المدينة بعد أن ْ
َ ٌ َ
ُم َم ْكتُو ٍم َوَك َانا ُيْق ِرَئ ِ
ص َع ُب ْب ُن ُع َم ْي ٍرَ ،و ْاب ُن أ ِ ِ
ان )2وأخرج البخاري عن البراء بن عازب قال :أََّو ُل َم ْن َقد َم َعَل ْي َنا ُم ْ
النِب ِي ﷺ ثَُّم َق ِد َم اب َّ ين ِم ْن أَصح ِ
ْ َ
ط ِ ِ ِ
اب في ع ْش ِر َ
اس ٍر ،ثُ َّم َق ِدم عمر بن الخ َّ
َ ُ َُ ْ ُ َ الناسَ ،فَق ِدم ِب َالل وسعٌد وع َّمار بن ي ِ
َ ٌ َ َ ْ َ َ ُ ُْ َ َّ َ
النِب ُّي ...الحديث.َّ
محاوالت فاشلة إلعاقة الهجرة :من محاوالت قريش لمنع هجرة المسلمين - 1 :منع أموالهم - 2 ،وحجز زوجاتهم
وأطفالهم - 3 ،وباالحتيال إلعادتهم ،ومن النماذج ذلك ما يلي عن هجرة أبي سلمة.
بعيره وحملها عليه ومعها ابنه سلمة ،ثم خرج ولكن لما رأته
)1لما عزم أبو سلمة للخروج إلى المدينة جهز ألم سلمة َ
خطام البعير من يده ،وأخذوا منه أم سلمة
َ رجال بني المغيرة بن عبد هللا من بني مخزوم -منهم أم سلمة -نزعوا
وحده إلى المدينة. ابنه سلمة ،وانطلق أبو سلمة َ وحبسوها عندهم ،وأخذ بنو عبد األسد -ومنهم أبو سلمةَ -
ٍ
ال أ َْب ِكي َحتَّى طح ،فال أ ََز ُ َجلِ ُس باألب َ ِق َب ْيِني َوَب ْي َن َزْو ِجي َوَب ْي َن ْابِنيَ ،ف ُك ْن ُت أ ْ
َخ ُرُج ُك َّل َغ َداة َفأ ْ )2قالت أم سلمةَ :فُفر َ
ال لَِبِني اْل ُم ِغ َيرِة :أ ََال تُ ْخ ِر ُجو َن ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َم َسىَ ،س َن ًة أ َْو َق ِر ًيبا م ْن َهاَ ،حتى َم َّر بي َر ُج ٌل م ْن َبني َعميَ ،ف َأرَى َما بي َف َرح َمني َفَق َ أْ
شئتَ .قاَل ْتَ :وَرَّد َب ُنو َع ْب ِد ه ِذِه اْل ِمس ِكين َةَ ،ف َّرْقتُم بينها وبين َزو ِجها وبين وَل ِدها! َقاَلتَ :فَقالُوا لِي :اْلح ِقي ِب َزو ِجك إن ِ
ْ َ ْ َ ْ ْ ََْ َ َ َْ َ ْ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َ
َس ِد َّ
إلي ِع ْن َد َذلِ َك ْابِني. ْاأل َ
)3ثم أخذت ابنها وارتحلت إلى المدينة ،ولم يكن معها أحد ،حتى إذا كانت بـ"التنعيم" لقيت عثمان بن طلحة
تطوع لمصاحبتها وإحسان ُرفقتها في تلك الرحلة الشاقة الطويلة ،فكان يمشي العبدري ،بعد ما علم حال أم سلمة َّ
ّللَاِ
ولَ :وَ َّ
انصرف راجعا إلى مكةَ ،ف َك َان ْت تَُق ُ
َ بعيرها الذي تركبه هي وابنها ،حتى أوصلها إلى المدينة ،ثم يقود لها َ
ِ ِ ُّ ِ ٍ ِ ِ
ان بن
ان أكرَم م ْن ُع ْث َم َ
صاحًبا َقط َك َ آل أَبي َسَل َم َةَ ،و َما َأرَْي ُت َ
اب َ
َص َ
َص َاب ُه ْم َما أ َ
أهل َب ْيت في ْاإل ْس َال ِم أ َ
َعَل ُم َ
َما أ ْ
طلحة.
3
)4يستفاد مما سبق سالمة الفطرة عند بعض العرب كعثمان بن طلحة ،وقد أسلم عثمان بعد صلح الحديبية في أول
مفتاح الكعبة.
َ العام الثامن الهجري مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ،ثم شهد َ
فتح مكة ،وأعطاه النبي ا
)1وذكر ابن إسحاق:أن النبي بعث مع االثنى عشر رجال مصعب بن عمير العبدري ،ليفقههم ويقرئهم ،فنزل على
أسعد بن ز اررة .فأسلم خلق كثير من األنصار على يده بمعاونة أسعد بن ز ارره حتى فشا اإلسالم بالمدينة .فكان
السنة المقبلة حتى وافى منهم العقبة سبعون مسلما وزيادة.
ذلك سبب رحلتهم فى َّ
)2وروى أبو داود من طريق عبدالرحمن بن كعب بن مالك قال :كان أبى إذا سمع األذان للجمعة استغفر ألسعد
بن ز اررة ،فسألته ،فقال :كان أول من جمع بنا بالمدينة.
)3وقد كان مصعب أحد السابقين ،أسلم قديما والنبي في دار األرقم وكتم إسالمه خوًفا من أمه ،فعلم بإسالمه
محبوسا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة األولىً عثمان بن طلحة فأخبر أهله بإسالمه فأوثقوه ،فلم يزل
بدرا ،ثم أحدا ،وكان معه لواء المسلمين يومئذ إلى أن استشهد بها. ثم رجع إلى مكة ،وهاجر إلى المدينة ،وشهد ً
ص َع ُب
طَل َع ُم ْ
ِ
المسجدِ ،إ ْذ َ ّللَاِ في
ول َّ )4أخرج الترمذي وحسنه من حديث على بن أبي طالب قالِ :إَّنا جلُوس مع رس ِ
ُ ٌ ََ َُ
الن ْع َم ِة َو َّال ِذي ُه َو اْل َي ْوَم
يه ِمن ِ
ان ف ْ
ّللَاِ ب َكى لَِّل ِذي َك ِ ِ
َ ول َّ َ ْب ُن ُعم ْي ٍر ما َعَل ْي ِه ِإ َّال ُب ْرَدةٌ َل ُه م ْرُق َ ِ
وع ٌة بَف ْرو َفَل َّما َرآهُ َرُس ُ َ َ َ
يه..إلخ. ِف ِ
)1الراجح أن عمر هاجر س ار وما روى من إعالنه لهجرته وتهديده من يلحق به فغير صحيح .اتفق عمر مع اثنين
من المسلمين على موعد يجتمعون فيه .فإذا تأخر عنه أحدهم فليمض الباقون دون أن ينتظروه حتى ال يكشف
أمرهم.
لس ْه ِم ُّي. اصي ْب ِن و ِ
ائل ا َّ َ
َّاش بن أَِبي ربِيع َة ،و ِه َشام بن اْلع ِ
َ َ َ ُ ُْ َ الذين اتفقوا مع عمرَ :عي ُ ْ ُ )2
َض ِاة َبِني ِغَف ِار .وصل عمر وعياش إلى المكان لكن حبس عنهم ِ ِ
المكان المتفق عليه لاللتقاء :التناضب م ْن أ َ )3
هشام َوُفِت َن.
ف بقباءَ ،و َخ َرَج أ َُبو َج ْه ِل ْب ِن ِه َشا ٍم َواْل َح ِار ُث ْب ُن ِه َشا ٍم قال عمرَ :فَل َّما َق ِدمنا اْلم ِدين َة ن َزْلنا ِفي بِني عم ِرو ب ِن عو ٍ
َ َ ْ ْ َْ َْ َ َ َ َ )4
َن َال َي َم َّس االِ :إ َّن أ َّ
ُم َك َق ْد َن َذ َر ْت أ ْ ّللَاِ ِب َم َّك َةَ ،ف َكَّل َماهُ َوَق َ
ول َّ َّاش ،وَكان ابن عمهما ،حتَّى َق ِدما ِ
المد َين َةَ ،وَرُس ُ
َ َ َ ِإَلى َعي ٍ َ َ ْ َ َ
س َحتَّى تََر َ
اك. اك ،وَال تَ ْستَ ِظ َّل ِم ْن َش ْم ٍ َأرْسها م ْش ُ َّ
ط َحتى َتر َ َ ََ ُ
ِ ِ
َخ ُذهُ. حاول عمر أن يمنعه من الذهاب معهما لكن عياشا ذهب معهما قائال :أ ََبر َق َس َم أُميَ ،ولِي ُه َنال َك َم ٌ
ال َفأ ُ )5
طاهُ ،ثُ َّم َد َخ َال ِب ِه َم َّك َةَ ،وَفتََناهُ أي عذباه. فرَب َ
وفى طريقهم إلى مكة َع َد َوا على عياش َ
4
ِ ِِ ِ
ّللَاَ ،ثُ َّم َر َج ُعوا
ص ْرًفا َوَال َع ْد ًال َوَال تَ ْوَب ًةَ ،ق ْوٌم َع َرُفوا َّ
تتن َ ّللَاُ ِبَقاِب ِل َع َّم ْن أُْف َ
ولَ :ما َّالَ :ف ُكَّنا تَُق ُ َ )6ع ْن ُع َم َر في َحديثهَ ،ق َ
ّللَاِ ِإ َّن َّ
ّللَاَ طوا ِمن َّر ْح َم ِة َّ َنف ِس ِه ْم َال تَْق َن ُ
َس َرُفوا َعَلى أ ُين أ ْ
ِ ِ َّ ِ
(وُق ْل َيع َباد َي الذ َ َص َاب ُه ْم .فأنزل هللا تعالى َ
ِ
إَلى اْل ُكْف ِر لَبالء أ َ
ِ
ِ ِ ِ ِ الخ َ ِ الذ ُنوب ج ِميعا َّإنه هو اْل َغُفور َّ ِ ي ْغ ِفر ُّ
ال: طاب َفكتبتهاَ ،وَب َع ْث ُت ب َها إَلى ه َشا ِم ْب ِن اْل َعاصي َق َ ال ُع َم ُر ْب ُن َ يم) َق َ الرح ُ ُ َ َ ً ُ َُ َ ُ
ِ َّ َّ ٍ اصي َفَل َّما أَتَتني َج َعْل ُت أَ ْق َرُؤ َها ِب ِذي ُ َفَقال ِه َشام بن اْلع ِ
ّللَاُ
الَ :فأَْلَقى َّ يهاَ ،ق َ ط ًوى َواد بمكةَ ،-حتى ُقْل ُت :اللهم َف ُه ْمن َ ُ ُْ َ َ
ِ
يريَ ،ف َجَل ْس ُت َعَل ْيه، الَ :ف َر َج ْع ُت ِإَلى َب ِع ِ تَعاَلى ِفي َقْلِبي أَنها ِإَّنما أ ُْن ِزَل ْت ِف َينا ،وِفيما ُكَّنا َنُقول ِفي أ َْنُف ِس َنا ويَق ِ
ال ف َيناَ .ق َ
َُ ُ ُ َ َ َ
ّللَاِ ﷺ َو ُه َو ِباْل َم ِد َين ِة. َفَل ِحْق ُت ِبرس ِ
ول َّ َُ
رسول هللا ،وكان سالم بن معقل ِ مقد ِم
صبة ،قبل َ الع ْ
)7وقد استقر كثير من المهاجرين في قباء في مكان يسمىُ :
مولى أبي حذيفة يومئذ في مسجد قباء ،لكونه أكثرهم قرآنا.
سبب تأخر هجرته صلى هللا عليه وسلم :تأخرت هجرة المصطفى إلى المدينة؛ حتى هاجر معظم القادرين على
مستخفيا ليضرب المثل للمستضعفين من المؤمنين.
ً الهجرة من أصحابه الذين استجابوا لألمر بالهجرة كما هاجر
يت َدار ِهجرِت ُكم َذ َ ِ ِِ اإلذن بالهجرة من هللا تعالىَ :قال َّ ِ ِ ِ
النِب ُّي لْل ُم ْسلم َ
اج َر
اج َر َم ْن َه َ ات َن ْخل َب ْي َن َال َبتَ ْي ِن) َف َه َ ين( :إني أ ُِر ُ َ ْ َ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ض اْل َ ِ اج َر ِبأ َْر ِ ِقَب َل اْل َم ِد َين ِةَ ،وَر َج َع َع َّ
ول هللا :ال َل ُه َرُس ُ حب َشة إَلى اْل َمد َينةَ ،وتَ َج َّه َز أ َُبو َب ْك ِر قَب َل اْل َمد َينةَ ،فَق َ ان َه َ ام ُة َم ْن َك َ
ِ ِِ ِ ِ
«ن َع ْم» َف َح َب َس أ َُبو َب ْك ٍر َنْف َس ُه.
الَ : ال أ َُبو َب ْك ٍرَ :و َه ْل تَ ْر ُجو َذل َك بأَبي أ َْن َت؟ َق َ
َن ُي ْؤَذ َن ليَ ،فَق َ َعَلى ِرْسلِ َك؛ َفِإني أ َْر ُجو أ ْ
شيوم الهجرة :من وقائع يوم الهجرة :عند أحمد :من حديث :عبدهللا بن عباس رضي عنهما ،قالِ :إ َّن المالَ ِم ْن ُق َرْي ٍ
َ
ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
اة الثَّالِثَة األ ْ الحج ِرَ ،فتَعاَقدوا ِب َّ ِ اجتَمعوا ِفي ِ
ام
ُخ َرىَ ،وَنائَل َة َوإِ َساف َل ْو َق ْد َأرَْي َنا ُم َح َّم ًداَ ،لَق ْد ُق ْم َنا إَل ْيه قَي َ الالت َواْل ُع َّزىَ ،و َم َن َ َ ُ ْ ْ َُ
ول َّ ِ
ّللَا َع ْنها تَْب ِكي ،حتَّى َد َخَل ْت َعَلى رس ِ ِ َّ ٍ ٍِ
ال َ :يا ّللَاَ .فَق َ َُ َ َر ُجل َواحدَ ،فَل ْم ُنَف ِارْق ُه َحتى َنْق ُتَل ُهَ .فأَ ْقَبَل ْت ْاب َنتُ ُه َفاط َم ُة َرضي َّ ُ َ
ط ْت أَ ْذَقاتُ ُه ْم
ص َارُه ْمَ ،و َسَق َ ضوا أ َْب َ ضاَ ،ثُ َّم َد َخ َل َعَل ْي ِه ْم اْل َم ْس ِج َدَ ،فَل َّما َأرَْوهَُ ،قاُلواَ :ها ُه َو َذاَ ،و َخَف ُ ضوءاَ ،فتََو َّ ُب َنية أ َِريني َو ُ
ص َب ُه ْم َخ َذ َق ْب َ ِ ُّ ِ وس ِه ْمَ ،فأ َ ّللَاِ َحتَّى َقام َعَلى ُرء ِ ِفي ص ُد ِ ِ
«شا َه ْت اْل ُو ُجوهُ) ثُ َّم َح َ ال َ : ض ًة م ْن الت َرابَ ،فَق َ ُ َ ول َّ
وره ْمَ .فأَ ْقَب َل َرُس ُ ُ
صاةٌ ِإ َّال ُقِت َل َي ْوَم َب ْد ٍر َك ِاف ًرا. صى َح َ
ِ ِ ِ
اب َر ُجالً م ْن ُه ْم م ْن َذل َك اْل َح َ َص َ ِ
ب َهاَ ،ف َما أ َ
ال أ َُبو َب ْك ٍر:
لي في الخروج) َق َ الَ« :فِإِني َق ْد ِأذ َن ِ ِ ِ
)1ومن حديث السيدة عائشة :أتى النبي يوما في َب ْيت أَبي َب ْك ِر فَق َ
ط َع ٌة ِم ْن
اء ِب ْن ُت أَِبي َب ْك ٍر ِق ْ
َس َم ُ
أْ ط َع ْت ول هللاِ ِبالثَّ َم ِنَ .فَق َال َرُس ُ
ِ َف ُخ ْذ ِبأَِبي أ َْن َت َيا َرسول َّ ِ ِ
ّللَا إ ْح َدى َراحَلتي َهاتَ ْي ِنَ ،ق َ ُ َ
ابَ ،فِب َذلِك س ِميت َذات ِ ِ
الحر ِ ط ِاقها َفرب َ ِ ِ
طاَق ْين. الن َ َ ُ َْ َ ط ْت ِبه َعَلى َف ِم َ ن َ َ ََ
ّللَاِ ْب ُن أَِبي َب ْك ٍرَ ،ف ُي ْدلِ ُج
يت ِع ْن َد ُه َما َع ْب ُد َّ يه ثَ َال َث َلي ٍ
ال َيِب ُ َ
ّللَاِ وأَبو ب ْك ٍر ِبغ ٍار في جب ِل ثَوِرَ ،ف َكمنا ِف ِ
ََ ََ ْ َ ول َّ َ ُ َ
ِ
)2ثُ َّم َلح َق َرُس ُ
َم ًار ِإ َّال َو َعاهُ َحتَّى َيأِْتَي ُه َما ب َذلِ َك ليالَ .وَي ْرَعى ٍِ ِم ْن ِع ْن ِد ِهما ِبس َح ٍرَ ،ف ُيصِب ُح مع ُق َرْي ٍ ِ َّ
ش ب َمك َة َكَبائتَ ،ف َال َي ْس َم ُع أ ْ ََ ْ َ َ
ام ُر ْب ُن ُف َه ْي َرًة َم ْوَلى أَِبي َب ْك ِر ِم ْن َح ٌة ِم ْن َغ َنمٍ.
عَلي ِهما ع ِ
َْ َ َ
5
)3واستأجر رسول هللا وأبو بكر رجال من بني الديل خريتا أي الماهر بالهداية وهو كافر وواعداه براحلتيهما بعد
ثالث ،وانطلق معهما عامر بن فهيرة ،فأخذ بهم طريق السواحل.
ُ )4يستفاد منه :أنه كان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم في الصباح وفى المساء ،ومن ثُ َّم ترجم له البخاري في
اح َب ُه ُك َّل َي ْومٍ ،أ َْو ُب ْك َرًة َو َع ِشيًّا) واختار الظهيرة :ألن الناس تأوى إلى بيوتها
كتاب األدب بقوله« :باب:هل ي ُزور ص ِ
َ ٌ َْ َ ُ َ
للقيلولة لشدة الحر.
)1أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم حفنة من تراب فنثره على رؤوس الكفار كما سبق وهو يتلوا من بداية سورة يس
إلى قوله تعالى (فأغشيناهم فهم ال يبصرون) .فلما أفاقوا جعلوا يتطلعون فيرون عليا على فراشه صلى هللا عليه
وسلم.
)2بعث المشركون فى الصباح على أثر النبي صلى هللا عليه وسلم :ف أروا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه ،وهذه
رويت من طرق حسان .ولم يعارض نقال وال عقال.
)1التوكل على هللا مع األخذ باألسباب :حيث اختار المكوث فى غار حتى ينقطع طالبوه .وهذا الغار عند الصعود
يأخذ أكثر من ثمانين دقيقة حتى الوصول إليه ،وهو بعيد عن المسجد الحرام.
)2ومنه أيضا االستعانة بذكر هللا من اآليات وغيرها .وممن أكرمه هللا بالحفظ من العدو بفضل تالوة آية الحفظ
كأول يس اإلمام القرطبي ت 671ه كما ذكر القصة فى تفسيره.
)3فضل أبي بكر رضي هللا وتحمله الشدائد مع النبي صلى هللا عليه وسلم .وقد حمل أبو بكر رضي هللا عنه فى
ف ِدره ٍم أَو ِستَّ ُة آ َال ٍ
ف يساوي آال ِ
احتَ َم َل أ َُبو َب ْك ٍر َماَل ُه ُكَّل ُهَ ،و َم َع ُه َخ ْم َس ُة َ
َْ ْ تلك الليلة ثروته تحت تصرف رسول هللا ْ
نصف الدية..
وروي أن المشركين َذ َه ُبوا لطلبه على باب أبي بكر وفي ِه ْم أَبو جهل ،فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر َفَقالُوا ُ )4
َل َها :أ َْين أبوك؟ فقالتَ :ال أ َْد ِري ،فلطمها أبو جهل لطمة خرج منها ُقرطها وسقط.
ّللَاِ!
)5معية هللا :من شدة خوف أبي بكر على رسول هللا عند رؤيته ألقدام المشركين عند باب الغار ،قالَ :يا َنِب َّي َّ
ِ َّ ان َّ ِ اس ُك ْت َيا أََبا َب ْكر! ا ْث َن ِ
نص ُروهُ ّللَاُ ثَالثُ ُه َما .وإليه يشير قوله تعالى (إال تَ ُ ال ْ : ص َرهُ َر َآناَ ،ق َ
طأَ َب َ
طْل َ
ض ُه ْم ََل ْو أَ َّن َب ْع َ
اح ِب ِهَ ،ال تَ ْح َزْن ِإ َّن َّ
ّللَاَ َم َع َنا). َخرجه َّال ِذين َكَفروا ثَ ِاني ا ْث َني ِن ِإ ْذ هما ِفي اْل َغ ِار ِإ ْذ يُقول لِص ِ
َ ُ َ َُ َ ْ ّللَاُ ِإ ْذ أ ْ َ َ ُ َ ُ ص َرهُ ََّفَق ْد َن َ
التاريخ ببداية الهجرة
6
)1تواترت األخبار بورود النبي صلى هللا عليه وسلم قباء يوم االثنين لثمان َخَل ْو َن من ربيع األول فى عام 1ه.
الموافق 16سبتمبر 622م ،وكانت بداية العام الهجري فى ليلة الجمعة أول شهر هللا المحرم للعام األول من
الهجرة الموافق 14يوليو 622م .والنبي يومئذ ثالثة وخمسون عاما.
)2والرحلة من الغار إلى قباء اثنا عشر يوما.ومكث النبي بقباء خمسة أيام أسس فيها مسجد قباء ،ثم استقر فى
المدينة ظهر يوم الجمعة 12ربيع األول الموافق 22سبتمبر 622م.
)3ولقد ولد رسول هللا وبعث ،ولحق بالرفيق األعلى دون أن يؤرخ الناس بشيء ،هو معنى الحديث الذى أخرجه
النِبي َوَال ِم ْن َوَف ِات ِهَ :ما َعُّدوا ِإ َّال ِم ْن َمْق َد ِم ِه المدينة( .أي التاريخ
صحيحهما َعُّدوا ِم ْن َم ْب َع ِث َّ
َ البخاري في
اإلسالمي)
)4وروى الحاكم فى اإلكليل أن النبي صلى هللا عليه وسلم قدم المدينة وأمر بالتاريخ فكتب فى أول ربيع األول .لكن
المشهور أن ذلك فى خالفة عمر عام 17من الهجرة.
)5أخرجه أبو نعيم :أن أبا موسى كتب إلى عمر رضي هللا عنهما :أنه يأتينا منك ُكتب ليس لها تاريخ ،فجمع عمر
الناس ،فقال بعضهم :أَرخ بالمبعث ،وبعضهم :أَرخ بالهجرة ،فقال عمر :الهجرة فرقت بين الحق والباطلَ ،فأ َْر ُحوا
بها .وذلك سنة سبع عشرة ،فلما اتفقوا ،قال بعضهم :ابدءوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم؛ فإنه منصرف الناس
من حجهم فاتفقوا عليه.
)6وقيل :أرجعوا البداية إلى المحرم دون ربيع األول ألن ابتداء عزمه صلى هللا عليه وسلم على الهجرة كان فى
المحرم .أو ألن المحرم منصرف الناس من حججهم .والذين أشاروا إلى البداية بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي
هللا عنهم.
)7أربعة وقائع يمكن أن يؤرخ بها وهي :المولد ،البعثة ،الهجرة والوفاة .ومن أسرار بداية التاريخ من الهجرة ما يأتي:
• ما استفادوا من قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم).
• ألن فى الهجرة الفرقان بين الحق والباطل.
)1إن أهل المدينة حينما سمعوا بقدوم رسول هللا ،كانوا يخرجون إلى الحرة وهى أرض ذات حجارة سود ،ينتظرونه
فيظلون كذلك ،حتى يردهم حر الظهيرة ،كل يوم ،فانقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم،
)2فلما أ ََوْوا إلى بيوتهم أبصر رجل من اليهود رسول هللا فنادى بأعلى صوته يا معاشر العرب هذا حظكم الذي
تنتظرون ،فأسرع إليه أشراف بنى النجار فى المدينة وهم أخوال جده عبدالمطلب .وركب رسول هللا ناقته القصواء،
وأبو بكر خلفه.
7
)3وكل يريد نزول ناقة رسول هللا بداره .فيقول رسول هللا ( :دعوها فإنها مأمورة) حتى وصلوا إلى بيت أبي أيوب،
وفى فناء البيت بركت الناقة ،فأخذ َجبَّار بن صخر ينخسها برجله لتقوم :يبغى أن تصل إلى داره ورآه أبو أيوب،
فقال :يا جبار أعن منزلى تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لوال اإلسالم لضربتك بالسيف.
)1المسجد النبوى الشريف هو المسجد الثانى الذى بنى في المدينة بعد مسجد قباء؛ وكالهما يصدق فيه قول الحق
جل في عالهْ﴿ :ل َم ْس ِج ُد أ ُْي َس َعَلى التَّْق َو ٰى ِم ْن أََّو ِل َي ْومٍ}وهو الثاني في الفضل والمنزلة وكثرة الثواب.
صلِي )2وفي صحيح البخاري :أن رسول هللا كان قد اعتزم بناء مسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته ،وكان ُي َ
َس َع َد ْب ِن ُزَرَارَة ،ثُ َّم ِ ٍ ِ َّ ِ ِ يه يومِئ ٍذ ِرجال ِمن اْلمسلِ ِمين ،وَك ِ ِِ
تيم ْي ِن في َح ْج ٍر أ ْ الم ْي ِن َي َ
ان م ْرَب ًدا للت ْم ِر ل ُس َهْيل َو َس ْهل ُ :غ َف َْ َ َ ٌ ْ ُ ْ َ َ َ
َن ّللَاِ اْلغ َالمي ِنَ ،فساومهما ِباْلمرب ِد ليتَّ ِخ َذه مس ِجداَ ،فَقاال :ال بل نهبه َلك يا رسول هللاَِ ،فأَبى رسول َّ ِ
ّللَا أ ْ َ َُ ُ َ ْ ََُ ُ َ َ َ ُ َ َْ َ ُ َ ْ ً َ َ ََُ ول َّ ُ َ ْ َد َعا َرُس ُ
مال ال ِ ِِ الل ِ َّ ط ِفق رسول َّ ِ ِ
ولَ :ه َذا الح ُ ين في َبَيانه َوَيُق ُ ّللَا َينُق ُل َم َع ُه ُم َ َيْقَبَل ُه هب ًة حتى ابتاعه منهما ثُ َّم َبَناهُ َم ْسج ًداَ ،و َ َ َ ُ ُ
الم َها ِج َرهُ .ثمثال ِِ َّ ِ
ص َار َو ُ َج ُر اآلخ َرة َف ْار َح ُم األ َْن َ
َج َر أ ْول« :الل ُه َّم ِإ َّن األ ْ ال َخ ْي َب ُر َ ##ه َذا أََب ُّر َرب ََّنا َوأَ ْ
ط َه ُر َوَيُق ُ ح َم َ
بشعر رجل لم يسم.
)3وصف المسجد :أمر رسول هللا بقطع النخل ونبش قبور المشركين ،وغيبت عظامها وترابها في باطن األرض،
فصفوا النخل حائطا جهة القبلة ،جهة المسجد األقصى ببيت المقدس .وهو مربع الشكل ،أى ما يقارب 16٠٠
مت ار مربعا على تقدير طول الذراع 4٠سم.
)4وجعل للمسجد ثالثة أبواب :باب في مؤخره من جهته الجنوبية ،وباب الرحمة جهة الغرب ،والباب الذى كان
وجعل ُعمد المسجد من جذوع يدخل منه صلى هللا عليه وسلم من جهه الشرق ،وهو الذي ُع ِر َ
ف بباب جبريلُ .
النخل ،وسقفه من الجريد ،وكان النبي ينقل معهم الحجارة واللبن بنفسه حتى اغبر صدره الشريف.
فائدة :وروي أنا عمار بن ياسر أراد أن يمازح النبي صلى هللا عليه وسلم عند البناء فقال :يا رسول هللا! ما لي
وألصحابك؟ فقال :مالك ولهم ؟ ،قال عمار :يريدون قتلى ! يحمل كل واحد منهم لبنة لبنة ،ويحملون علي اللبنتين
والثالث ،فأخذ بيده رسول هللا وطاف به في المسجد يمسح مؤخرة رأسه من التراب وهو يقول” :ويح عمار! تقتله الفئة
الباغية ،يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار“
بعد هجرة النبي ﷺ كادت تخلوا مكة من المسلمين وأغلقت بعض الدور كدار بني جحش .كل ذلك ما بين موسم الحج
وربيع األول ،وبعد أن استقر النبي فى المدينة بأيام قالئل :وصل إليها على بن أبي طالب بعد أن أدى الودائع التي
8
كانت عند رسول هللا إلى أصحابها .قال ابن إسحاق :وتالحق المهاجرون إلى رسول هللا فلم يبق بمكة منهم أحد ،إال
مفتون أو محبوس.
من جملة المحبوسين فى مكة صهيب الرومي ،والصحيح أنه لم يكن روميا وإنما كان عربيا خالصاُ ،نميرى األب
تميمى األم.
)1أن أباه سنان بن مالك النميري كان يتولى األبلة -مدينة دخلت في البصرة وأصبحت جزءاً منها-من قبل كسرى
ملك.
)2مضى صهيب مع أمه ابنها الصغير وطائفة من خدمها إلى قرية «الثني» من أرض العراق طلبا للراحة ،فأغارت
عليهم سرية من سرايا جيش الروم ،فقتلوا وأسروا وممن أسروا صهيب.
)3بيع صهيب في أسواق الرقيق ببالد الروم ،وجعلت تتداوله األيدى فينتقل من :سيد إلى خدمة آخر .هكذا نشأ فى
الروم لكن كره ذلك المجتمع لكثرة الرذائل فيها.
عودته إلى مكة :ولم تفتر أشواقه لحظة إلى اليوم الذى يرجع فيه إلى بالد العرب ،وقد زاده شوقا أنه سمع كاهنا من
كهنة النصارى يقول لسيده :يخرج من مكة في جزيرة العرب نبي ُيصدق رسالة عيسى ابن مريم َعَل ْي ِه َّ
الس َال ُم ،ثم
أتيحت الفرصة لصهيب فولى هارًبا من رق أسياده ،وتوجه شطر مك َة ،واستقر بها .أطلق الناس عليه اسم صهيب
الرومى للكنة لسانه وحمرة شعره ،وقد حالف صهيب سيدا من سادات مكة هو عبدهللا بن جدعان وطفق يعمل فى
التجارة ،فدرت عليه الخير الوفير والمال الكثير.
لقاؤه مع رسول هللا ﷺ :لما أُخبر صهيب بمبعث النبي ﷺ ذهب خفية إلى دار األرقم ليرى رسول هللا .فلقي عما ار عند
باب الدار فدخال معا فأسلما .ولما ِأذ َن الرسول بالهجرة إلى المدينة،
هجرته إلى المدينة :عزم صهيب على أن يمضى في صحبة الرسول صلى هللا عليه وسلم لكن أقامت قريش عليه
من يرقبه .خرج يوما من بين الرقباء كأنه ذهب ليقضي حاجته ،فتوجه شطر المدينة ،فركب الرقباء فى إثره حتى
فقير فاغتنيت وبلغت ما بلغت ،فقال :أرأيتم إن تركت لكم مالى ،أَتُ َخُلو َن
صعلوكا ًا
ً أدركوه .فقالوا له لقد أتيت مكة
سبيلي؟ قالوا :نعم ،فدلهم على موضع ماله فتركوه .ولما وصل قباء ورآه الرسول قال ثالثا (يا أبا يحيى ربع البيع)
فقال :يا رسول هللا ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إال جبريل عليه السالم .وقوله ربح البيع إشارة إلى قوله تعالى:
(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات هللا)
9
أوال :المؤاخاة في العهد المكي :اختلف العلماء في وقوع المؤاخاة قبل الهجرة على قولين:
ِ
البال ُذري وابن عبد البر وابن سيد الناس :ودليلهم :ما روى الحاكم من :حديث ْاب ِن ُع َم َر َرض َي هللاُ األول وقوعه :قاله َ
آخى َب ْي َن أَِبي َب ْك ٍر َو ُع َم َر َ ،وَب ْي َن َ ِ ِ
ان ْب ِن طْل َح َة و ُّ
الزَب ْي ِر َ ،وَب ْي َن ُع ْث َم َ َ َص َحا ِبه َ ،ف َ
آخى َب ْي َن أ ْ
ِ
ال :إ َّن َرُس َ
ول هللا ﷺ َ َع ْن ُه َما َق َ
الرحم ِن ب ِن عو ٍ ِ
المتآخين وارتفاق األدني باألعلى ،ولم يترتب َ ف .وهذه المؤاخاة مقتصرة على المؤازة بين ان َو َع ْبد َّ ْ َ ْ َ ْ َعَّف َ
عليها حقوق التوارث.
الثاني عدم وقوعه :قاله ابن كثير ،بدليل أن المهاجرين كانوا مستغنين بأخوة اإلسالم وأخوة الدار وقرابة النسب عن
عقد مؤاخ ٍاة ،بخالف المهاجرين مع األنصار ،وألن كتب السيرة األولى لم تذكر هذه المؤاخاة( .رجحه المؤلف)
ِ
كالمعونة والرعاية ،أو العونً ،
ماديا )4الحقوق المترتبة على المؤاخاة :قد ترتب عليها المواساة المطلقة في كل ُ
أوجه َ
تقت إلى ما هو أعلى وأعمق من أخوة النسب والدم ،فيتوارث المتآخون دو َن ذوي
معنويا كالنصيحة والتزاور ،بل ار ْ
أرحامهم.
األنصار المهاجرين بأغلى اإليثار فى التاريخ وقد قابله المهاجرون بأحلى العفة ،ومن صور ذلك ما
ُ )1لقد استقبل
يلي:
يقسم بساتين النخيل بينهم وبين المهاجرين؛ ألن النخل مصدر معيشة )2اقترح األنصار على الرسول ﷺ أن ِ
الكثيرين ،ولكن الرسول ﷺ طلب األنصار أن يحتفظوا بها ألنفسهم على أن ُي ِ
شركوا المهاجرين في التَ ْمر.
يشتغل المهاجرون بالزراعة لقلة خبرتهم فيها ،حتى ال يؤدي إلى خفض اإلنتاج
َ والظاهر :أن الرسول ﷺ لم ُي ِرد أن
وضعف االقتصاد ،كما أنه ا يحتاج المهاجرين في مهام الدعوة والجهاد.
خيرا ،وابتنى شئت فخذ َّ ٍ
َ منا منازَلنا ،فقال لهم ً فضل في حظها ،وقالوا له إن َ كل
)3كما وهب األنصار للرسول ﷺ َّ
ملكا ٍ
ألحد. اض ليست ً األنصار ،وأر ٍ وهبتها لهم
اض ْ بيوتًا ألصحابه في أر ٍ
ُ
ومن النماذح الفريدة لهذا اإليثار والعفة ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وسعد بن الربيع األنصاري:
َه ِل أن رسول هللا ﷺ آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع األنصاريَ ،فَقال َله سعٌد :أ ِ
َي أَخي ،أََنا أَ ْكثَ ُر أ ْ ْ َ ُ َْ
الر ْح َم ِن:ال َع ْب ُد َّ ظر أَيُّهما أَعجب ِإَليك حتَّى أُ َ ِ
طلَق َهاَ ،فَق َ انَ ،ف ْان ُ ْ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ ام َأرَتَ ِ ِ ِ
ط َر َماليَ ،ف ُخ ْذهَُ ،وتَ ْحتي ْ ظ ْر َش ْ االَ ،ف ْان ُاْل َم ِد َين ِة َم ً
اء ِب َشي ٍء ِم ْن أ َِق ٍط السو ِق ،فذهب فاشترى وباع وربِح ،فج السو ِقَ ،ف َدُّلوهُ َعَلى ُّ َهلِ َك َو َمالِ َكُ ،دُّلوِني َعَلى ُّ ِ
ك هللاُ َل َك في أ ْ َب َار َ
َ َ َ َ َ ْ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ
الَ :يا ِ َّ انَ ،فَقال رسول هللاِ َّ َن َيْل َب َثَ ،ف َجاء َو َعَل ْي ِه َرْدعُ َز ْعَف َر ٍ ِ ٍ
صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َمَ " :م ْه َي ْم " َفَق َ َ َ َُ ُ َ اء هللاُ أ ْ
َو َس ْمن ،ثُ َّم َلب َث َما َش َ
ال " :أ َْولِ ْم َوَل ْو ِب َش ٍاة". ٍ ٍ ِ ِ
الَ :وْزَن َن َواة م ْن َذ َهبَ ،ق َ َص َد ْقتَ َها؟ " َق َالَ " :ما أ ْ ام َأرَةًَ ،فَق َ
ول هللا تََزَّو ْج ُت ْ َرُس َ
َ َٰ ۡ َ َ ۡ َ َٰ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ٗ َ َّ َ ۡ َ َٰ ٗ َ َّ َ ُ ۡ ُ ْ ُۡ َ َٓ ُۡ َ
ج ِرين ٱلذِين أخ ِرجوا مِن دِي ِرهِم وأمول ِ ِهم يبتغون فضلا مِن ٱَّللِ ورِضونا وإلى ذلك يشير قوله تعالى :ﵟل ِلفقرا ِء ٱلمه َٰ ِ
َ َ ۡ ۡ ُ ُّ َ َ ۡ َ َ َ ٱلد َار َوٱلۡإ َ ون َ ٨وٱلَّذ َ
ِين َت َب َّو ُءو َّ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ ٓ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ َّ َٰ ُ َ
اج َر إِل ۡي ِه ۡم َولا يم َٰ َن مِن قبل ِ ِهم يحِبون من ه ِ وينصرون ٱَّلل ورسوله ۚٓۥ أولئِك هم ٱلصدِق
ُ
َ ْ َ َٰٓ َ ۡ َ َ ٗ َّ ٓ ُ ُ ْ َ ُ ۡ ُ َ َ َ َٰٓ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َّ َ ۡ َ َ ُ َ
ك ُهمُ ُ ُ
ي ِجدون فِي صدورِهِم حاجة مِما أوتوا ويؤث ِرون على أنفسِ ِهم ولو كان ب ِ ِهم خصاصة ۚٓ ومن يوق شح نفسِ هِۦ فأولئ ِ
َ ۡ ۡ
ٱل ُمفل ُِحونﵞ
وعرفوا مسالك الرز ِق فيها ،وأصابوا من غنائ ِم بدر الكبرى ما كفاهمُ ،نسخ ف المهاجرو َن َّ ِ َّ )1
جو المدينةَ ، لما أل َ
اإللغاء كان بعد ظروف استثنائية ،وذكر ابن سعد :أن ذلك ٍ مشروعا لمعالجة
َ َ َ ارث بين المتآخين ،ألنه كان ُ ً التو ُ
َّ َ َ ۡ ْ ُ
ﵟوأ ْولوا ٱلأ ۡر َح ِ َ ۡ ُ ُ ۡ ۡ َ ۡ
غزوة بدر ،بنزول قوله تعالىَ :
ب ٱَّللِﵞ [األنفال]75 : ام بعضهم أول َٰي بِبع ٖض فِي كِتَٰ ِ
َ ُ َ َ ۡ َ َ َ َٰ َ َّ َ َ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ ٍ
نسخت
َ ]33 [النساء: ﵞ ون
ان وٱلأقرب ۚٓ عباس رضي هللا عنه أن آي َة :ﵟول ِك ٖل جعلنا مولِي مِما ترك ٱلول ِد ِ )2ويرى ُ
ابن
ك ۡمﵞ هم المهاجرون الذين يرثون َ َّ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ ُ
الورثة ،والمراد بـ ﵟوٱلذِين عقدت أيمن ارث بالمؤاخاة ،فالمراد بـموالىَ :
التو َ
بالمؤاخاة.
)3الخالصة :أن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين لم تُنسخ ،سوى ما يترتب عليها من تو ٍ
ارث فإنه منسو ٌخ ،يمكن
يتآخوا بينهم على المواساة واالرتفاق ويترتب عليها حقو ٌق ُّ
أخص من المؤاخاة العامة ٍ
عصر أن َ للمؤمنين في كل
بين المؤمنين.
)1فيها أقوى مظهر من مظاهر عدالة اإلسالم اإلنسانية األخالقية البناءة ،فالمهاجرون قوم تركوا في سبيل هللا
أموالهم وأراضيهم ،واألنصار قوم أغنياء بزروعهم وأموالهم وصناعتهم ،فليحمل األخ أخاه.
)2وفيها أن أساس الدولة اإلسالمية قائم على العدالة االجتماعية ،وأن أساس العالقة بين المسلمين وغيرهم السلم
ِ
ودفع أذى األشرار عن المجتمع. الحق والعدل :التعاو َن على البر والتقوى و َ
العمل لخير الناسَ ، ِ )3وفيها أن من مبدأ
)4وفيها دليل على إنهاء الصراع الطبقي بين األغنياء والفقراء في اإلسالم ،حيث إنهم كلهم إخوة ،وهم في ٍ
صف
و ٍ
احد.
رسول هللاِ كتابا بين المهاجرين ُ اق :وكتب ال ْاب ُن ِإ ْس َح َ )1معاهدة اليهود فى المدينة بقوله صلى هللا عليه وسلم َق َ
ط َعَل ْي ِه ْم ...لِ َلي ُهوِد ِد ُين ُه ْم
اشتََر َ
ط َهم َو ْ اهم َو َش َر َ أقرهم عَلى ِد ِين ِهم وأَمو ِ
َ َْ واألنصار ،ودعا فيه يهود وعاهدهم و َّ ُ َ
َولِْل ُمسلِ َم ْي ِن ِد َين ُهم َم َوالِي ِهم َوأ َْنُف ُس ُه ْم إال َم ْن َ
ظَل َم َوأ َْي َم َفِإَّن ُه َال ُيوِت ُع ِإال َنْف َس ُه َوأ ْ
َه َل بيته.
12
)2وبهذه المعاهدة أصبحت المدينة المنورة دار إسالم ،وصار من فيها من اليهود أهل ذمة .فيحرم إيذاؤهم أو
ِ ِ
الجَّنةَ ،وإِ َّن ِر َ
يع َها االعتداء عليهم .ومن خالف فقد استحق الوعيد الوارد في قوله َ :م ْن قتل معاهداَ :لم َبرْح َرائ َح َة َ
ِ ِ ِ
اما ،أخرجه البخاري. وج ُد م ْن َمس َيرِة أ َْرَبع َ
ين َع ً تُ َ
)3ومثل هذه األخوة تسمى أخوة المواطنة بين النبي وبين اليهود قد سبق فى األنبياء عليهم الصالة والسالم وإليها
يشير قوله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا) وما أشبه ذلك.
فاألخوة إذن أنواع :األخوة النسبية وهي األصل عند إطالق األخوة \ اإلخوة اإلنسانية تشمل جميع بني آدم\ األخوة
الدينية :وهي األخوة الحقة التى تنفع صاحبها فى الدارين .وتطلق لفظ األخ أيضا على كل من تجمعهم صفة أو
هدف كقوله تعالى (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين).
خالصة الهجرة النبوية :هي خالصة كل ما سبق .لكن نشير إلى نقاط موجزة :أن الناس بعد الهجرة أقسام :تشير إلى
قس َمت المجتمعات البشرية إلى أربعة أقسام:
ذلك خاتمة سورة األنفال حيث َ
)1الكفار بكافة أصنافهم،
)2والمؤمنون الذين لم يهاجروا،
)3والمؤمنون الذين هاجروا وجاهدوا وآووا ونصروا،
)4والمؤمنون الذين جاءوا بعد ذلك.
فصل القرآن الكريم أحداثًا كثيرًة في بعض الغزوات كغزوة بدر في سورة األنفال ،وغزوة أحد وما تبعها من وقائع
قد َّ
فى سورة آل عمران وغزوة الخندق وإجالء يهود بني قريظة في سورة األحزاب ،وإخراج يهود بني النضير وخذالن من
عاونهم من المنافقين في سورة الحشر .وأحداثًا أخرى تُذكر فى حينها في آيات متفرقة في أكثر من سورة كما وقع
مع يهود بني قينقاع ومن عاونهم من المنافقين في اآليات 12 :و 13من سورة آل عمران واآليات 56 :51:من
سورة المائدة ،وبحمد هللا كان النصر فيها للمؤمنين والعاقبة للمتقين.
سبب هذه الغزوة :السبب الرئيسي لوقوع غزوة بدر إلى سماع النبي -صلى هللا عليه وسلم -بقدوم قافلة لكفار قريش
محملة بالبضائع والنقود؛ فطلب رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -من مجموعة من
من الشام ،يقودها أبو سفيانَّ ،
المسلمين أن يذهبوا ألخذ هذه القافلة بدالً من القافلة التي استولى عليها كفار قريش من المسلمين عندما هاجروا من
مكة إلى المدينة.
وهو المسمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين والمشركين.
عدد المسلمين في غزوة بدر ثالثمائة وبضعة عشر رجالً ،معهم َف َرسان وسبعون جمالً ،وكان
عدد الفريقين :كان ُ
ألف ٍ
رجل معهم مئتا فرس. تعداد جيش قريش َ
ُ
وهذه بعض النماذج المثلى التى تجسد ما كان عليه الصحابة من قيم وصدق فى الدين:
)1موقف أبي عبيدة مع أبيه :ففى المعجم الكبير للطبراني بسند جيد أن والد أبي عبيدة كان يتصدى له يوم بدر،
اّللِ
قص َدهُ أبو عبيدة فقتله ،فأنزل هللا تعالى فيه ( :وال تَ ِج ُد َق ْو ًما ُي ْؤ ِم ُنو َن ِب َّ فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ،فلما أكثرَ :
اء ُه ْم أ َْو ِإ ْخ َو َان ُه ْم أ َْو َع ِش َيرُه ْم)..
اء ُه ْم أ َْو أ َْبَن َ َواْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر ُي َو ُّادو َن َم ْن َح َّاد َّ
ّللَاَ َوَرُسوَل ُهَ ،وَل ْو َك ُانوا َءا َب َ
)2موقف أبي حذيفة مع أبيه :عن عائشة قالت :لما أُْلُقوا -يعني قتلى المشركين يوم بدر ،وقف رسول هللا عليهم
ُّك ْم َحًّقا؛ فقد َو َج ْد ُت َما
وقال« :يا عتبة ،ويا شيبة ،ويا أمية بن خلف ،ويا أبا جهل َ -ه ْل َو َج ْدتُ ْم َما َو َع َد ُك ْم َرب ُ
َو َع َدِني َربِي َحًّقا؟» وفى رواية :أن رسول هللا نظر عند مقالته هذه في وجه أبي حذيفة بن عتبة فرآه كئيباً قد تغير،
فقال رسول هللا :لعلك دخلك من شأن أبيك شيء؟ قال :ال ،وهللا ما شككت في أبى وال في مصرعه ،ولكنى كنت
ف من أبى رأيا وحلما وفضالً ،فكنت أرجو أن ُيقربه ذلك إلى اإلسالم. ِ
أعر ُ
)3موقف مصعب بن عمير مع أخيه الشقيق أبي عزيز بن عمير :كان أبو عزيز من أسرى بدر وهو صاحب لواء
المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث .روى ابن إسحاق :قال أبو عزيز َم َّر بي أخي مصعب بن عمير ورجل
صاتُك بي؟!! فقال له
من األنصار يأسرنى فقال :اشدد يديك به فإن أمه ذات .فقال أبو عزيز :يا أخي! هذه َو َ
الي َسر الذي أسره -أخى دونك .وقد أكرم هللا أبا عزيز باإلسالم بعد ذلك .وليس بصحيح أنه
مصعب :إنه-أي أبو َ
قتل يوم أحد كافرا.
نتيجة الغزوة :بانتصار المسلمين على قريش ،وكان قتلى قريش سبعين رجالً ،وأُسر منهم سبعون آخرون ،وكان
أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم ،وُقتل من المسلمين أربعة عشر رجال.
)1لما انتصر المسلمون في بدر أظهر اليهود الحسد والغضب فجمعهم النبي ونصحهم ودعاهم إلى اإلسالم .فقالوا:
يا محمد ال يغرنك من نفسك أنك قتلت نف ار من قريش كانوا أغما ار ال يعرفون القتال .فأضمرت بنو قينقاع نقض
العهد الذي بينهم وبين المسلمين وأخذوا يتحينون الفرصة السانحة لمناوشة المسلمين.
)2حتى جاءتهم فرصتهم الحقيرة عندما جاءت امرأة من العرب قدمت بجلب لها ،فباعته بسوق بني قينقاع ،وجلست
إلى صائغ لها ،فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت ،فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده بشوكة إلى ظهرها،
فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً ،وشدت اليهود
على المسلم فقتلوه.
)3فغضب المسلمون وحين علم رسول هللا ﷺ بذلك سار إليهم على رأس جيش من المهاجرين واألنصار ،وذلك
السبت للنصف من شوال من السنة الثانية للهجرة ،وكان الذي حمل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبدالمطلب.
)4واستخلف صلى هللا عليه وسلم على المدينة :أبا لبابة بن عبد المنذر العمري .ونبذ إلى اليهود العهد كما أمره هللا
﴿وإِما تَ َخاَف َّن ِمن َق ْو ٍم ِخ َي َان ًة َفأ َْنِب ْذ ِإَل ْي ِه ْم َعَلى َس َو ٍاء ِإ َّن َّ
ّللَاَ َال ُي ِح ُّب الخائنين}. تعالى في قولهَ :
موقف ابن سلول من الحادثة :فحاصرهم النبي ﷺ خمس عشرة ليلة ،حتى جاء ابن سلول رأس المنافقين واشتد على
النبي ﷺ فى فك أسرهم .فخلى رسول هللا ﷺ سبيلهم ،ثم أجالهم من المدينة .ثم جاء ابن سلول مرة أخرى ليطلب من
النبي ﷺ أن يقرهم لكنه لم يستجب له .واستجابة النبي ﷺ له فى األولى من باب أسلوب المداراة تجنبا للفتنة وليظهر
حقيقة ابن سلول.
وعلى نقيض ذلك موقف عبادة بن الصامت رضي هللا عنه :لقد تب أر عبادة إلى هللا تعالى ورسوله ﷺ من حلف
َّ ِ
لهم ض ُهم أ َْولِ َياء َب ْع ٍ
ض َو َمن َيتََو ُ ُ اء َب ْع ُ ْ ِ
ص َارى أ َْول َي َ
الن َ ام ُنوا َال تَتَّ ِخ ُذوا اْلَي ُه َ
ود َو َّ ين َء َ اليهود وواليتهم ،وفيه نزلت (يأيها الذ َ
ين) .فأمر النبي ﷺ عبادة أن ُي ْجلِي بني قينقاع. َّ ِ ِ ِ نك ْم َفِإَّن ُه ِم ْن ُه ْم ِإ َّن َّ
ِم ُ
ّللَاَ َال َي ْهدى اْلَق ْوَم الظلم َ
النتيجة :خرجوا من المدينة صاغرين قد ألقوا سالحهم وتركوا أموالهم غنيمة للمسلمين ،بذلك الذت القبائل اليهودية
بالصمت والهدوء فترة من الزمن.
سبب الغزوة :أراد الكفار االنتقام من المسلمين لما أصابهم فى بدر .وقتها :يوم السبت منتصف شهر شوال العام
الثالث من الهجرة .قائد قريش :أبو سفيان .عدد المشركين :ثالثة آالف.
نزول الرماة من المسلمين عن الجبل مخالفين وصية الرسول طلبا للغنيمة .قتل سبعون من المسلمين منهم حمزة بن
عبدالمطلب وبقرت هند بنت عتبة بطنه واستخرجت كبده ،فضال عمن جرح وأصيب ،ثم أشيع أن الرسول قد قتل.
السبب :وبعد ما أصاب المسلمين من ابتالء في أحد ،ظنت القبائل خارج المدينة في الجزيرة العربية أنها تستطيع أن
تُوقع بالمسلمين أمثالها ،فأخذوا يكيدون ،ويظهرون خالف ما يبطنون.
(الرجيع) ماء لقبيلة هذيل قرب مكان وهو موضع بين عسفان ومكة ،كانت الوقعة عنده فسميت به .و(بئر معونة)
قبائل ِرعل -بكسر الراء وذكوان وغيرهم ،وتعرف
ُ وح َّرِة بني سليم ،حيث غدر بالقراء:
هي بين أرض بني عامر َ
صحابيا .و(الرجيع) و (بئر معونة) متقاربتان في الزمان والمكان؛ حتى إن
ً بسرية القراء الذين كان عددهم سبعين
بعض مصنفي السير خلط بينهما .والرجيع قبل بئر معونة على المشهور.
16
)1ضرورة بث الدعوة جعلت النبي ﷺ ليتسجيب ألبي براء؛ عامر بن مالك الملقب بـ( مالعب األسنة) حين عرض
عليه أن ُيرسل وفدا من الدعاة ينشرون اإلسالم بين قبائل نجد .قال أبو براء للنبي ﷺ" :أنا لهم جار" كأنه يضمن
سالمتهم.
)2وخرج الدعاة من المدينة حتى بلغوا (بئر معونة) وكانوا سبعين من خيار المسلمين ُيعرفون بالقراء .غدر بهم وُقتل
الس َال ُم وأخبره جميعهم إال عمرو بن أمية الضمري أسر ثم ترك .ولما قدم عمرو على الرسول َعَل ْي ِه َّ
الص َالةُ َو َّ
َخِبر عَّنا ِإ ْخواننا ِبما ر ِ ِ ِ
ض َينا َ ََ َ َ َص َح َاب ُك ْم َق ْد أُص ُيبوا َ ،وإَِّن ُه ْم َق ْد َسأَلُوا َرب ُ
َّه ْم َفَقالُواَ :ربََّنا أ ْ ْ َ الخبر ،قال النبي للناس« :إ َّن أ ْ
يت َعَّنا) . ِ
َع ْن َك َوَرض َ
)3وفى طريق عمرو إلى المدينة لقي رجلين ظنهما من بني عامر فقتلهما ثائ ار ألصحابه ،ثم تبين أنهما من بني
َديَّن ُهما) وانشغلﷺ بجمع دياتها من
كالب وأنها معاهدين للمسلمين .ثم قال النبي لعمروَ(:لَق ْد َق َتْل َت َقتيَل ْي ِن أل َ
المسلمين وحلفائهم اليهود.
)1كذلك فى أول السنة الرابعة بعث الرسول عيونا إلى مكة وهم عشرة رجال :عاصم بن ثابت بن أبى األقلح وهو
وح َب ْيب بن عدى األنصاري ،وزيد بن الدينة األنصاري ،وخالد بن بكير حليف
أميرهم ومرثد بن أبي مرثد الغنويُ ،
بني عدي بن كعب ،وعبدهللا بن طارق بن عمرو بن مالك البلوى ،ومعتب بن عبيد أخو عبدهللا بن طارق ألمه.
بالس َح ِر فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة باألرض ،فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما ،فرأت النواة فأنكرت
)2فنزلوا َّ
صغرها ،وقالت :هذا تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتُم ،فجاءوا في طلبهم ،وكان ذلك بمكان يسمي (الهداة
وعسفان على سبعة أميال منها.
( )٨5بين مكة ُ
)3أما عاصم أميرهم وستة معه منهم لم يستسلموا لألسر بل آثروا القتال .فقال عاصم( :أما أنا فلن أنزل في ذمة
عهدا من مشرك ،اللهم أخبر عنا رسولك ،اللهم إني أحمي لك اليوم دينك؛ فاحم لي جسدى) أي
كافر ،وال أقبل ً
من أيدي المشركين.
استجابة هللا لدعوة عاصم :أخبر هللا رسوله خبره ،فلم يقدروا على مس شيء منه ،حيث أرادت هذيل قطع رأسه
وجالس ابني طلحة العبدري اللذين قتلهما عاصم يوم أحد، ليبيعوه المرأة يقال لها :سالفة بنت سعد؛ أم مسافع ُ
وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه ،فأرسل هللا على جسده مثل الظلة من ِ
الد ْبر -
جماعة النحل والزنابير -حتى صارت كالسحابة كلما اقتربوا منه طارت في وجوههم تلدغهم .فبعث هللا الوادي سيال
فاحتمل عاصماً فذهب به ،وكان عمر يقول لما بلغه خبره :يحفظ هللا العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته.
17
أما الثالثة الباقية من العشرة :أي عبدهللا بن طارق ،وزيد بن الدثنة ،وخبيب بن عدي .فهم في بادئ األمر قد رضوا
بالرخصة بدل العزيمة حيث استسلموا لألسر وثوقا بعهد المشركين وميثاقهم .لكن المشركين غدروا بهم.
)1أما عبد هللا بن طارق :فقد استشهد عندما أبى أن يصحبهم ،سحبوه عنفا وجروه وقيل :رموه بالحجارة حتى قتل.
ِ
الدينة :فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف. )2وأما زيد بن
)3وأما خبيب بن عدى :فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ليقتلوه بأبيهم الحارث الذي قتله خبيب يوم بدر.
ال لهم ُخ َب ْي ٌبَ :د ُعو ِن ِ ِ ِ ِ ِ
الح َرِم ل َيْقُتلُوهُ في الحل -فى التنعيمَ -ق َ • جاء فى حديث أبي هريرة الطويلَ :فَلما َخ َر ُجوا ِبه م ْن َ
ص ِه ْمالله َّم أَح ِ
َّ َن تَ ْح ِس ُبوا أ َّ ِ أُصلِي رْكعتي ِنَ ،فترُكوه َفرَكع رْكعتي ِن َفَقال :و َّ ِ
الْ ُ : َن َما بي َج َزعٌ َل ِزْد ُت ،ثُ َّم َق َ ّللَا َل ْوال أ ْ َ َ ََ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َْ
نب َك ِ ِ ِ ِ ِ
ص َرِعي ان َّّلل َم ْين أَ ْق َتل مسلما** َعَلى أَي َج ٍ َ ولَ :فَل ْس ُت أ ََبالي ح َ َع َد ًداَ ،وا ْق ُتْل ُه ْم َب َد ًداَ ،وَال تُْب ِق م ْن ُه ْم أ َ
َح ًدا ،ثُ َّم أ َْن َشأَ َيُق ُ
طب لم يتغير منه شيء،
• وأرسل النبي المقداد والزبير في إنزال ُخبيب عن خشبته ،فحمله الزبير على فرسه وهو َر ْ
فلحق بهم المشركون فقذفه الزبير فابتلعت األرض جثمانه فسمي ”بليع األرض“.
)1أن لألسير المسلم أال يمكن من نفسه العدو ولو أدى ذلك إلى قتله حياة إذا أراد األخذ بالعزيمة ،فإن رغب في
الرخصة فله أن يقع في األسر ،قال الحسن البصري :ال بأس بذلك ،وكرهه سفيان الثوري.
)2أن المؤمن يفي للمشركين بالعهد،
)3وأنهم مع كفرهم كانوا يعظمون الحرم واألشهر الحرم حيث أخرجوا خبيبا من الحرم عند قتله.
)4قوة اليقين والثبات على المعتقد ،حيث صلى ركعتين قبل القتل.
)5أن هللا عز وجل استجاب دعاء عاصم وأصحابه ،وأكرمهم في حياتهم وبعد استشهادهم.
)1وهي تسمى بغزوة األحزاب ألن قريشا انضم إليهم قبائل أخرى واليهود والمنافقون .وسميت بالخندق :ألن المسلمين
حفروا الخندق حول المدينة.
)2والسببَّ :
أن مجموعة من يهود بني النضير ممن أجالهم النبي -صلى هللا عليه وسلم -من المدينة ،ذهبوا إلى
مكة ،لتحريض المشركين على القتال ،بهدفهم القضاء على اإلسالم واستئصاله بشكل نهائي.
ّللَاِ ِإَلى الخندق َفِإ َذا اْل ُم َها ِج ُرو َن
ول َّ )3وفي حديث أنس بن مالك رضي هللا َع ْن ُه المتفق عليه يقولَ :خ َرَج َرُس ُ
ص ِب َواْل ُجوِع لهم َف َال َأرَى َما ِب ِه ْم ِم ْن َّ ِ ٍ ِ ِ ِ
الن َ يد َي ْع َملُو َن َذل َك ْ معه ْم َعِب ٌ
ص ُار َي ْحف ُرو َن في َغ َداة َب ِارَدة َفَل ْم َي ُك ْن ُ َواأل َْن َ
ص ِار َواْل ُم َها ِج َره). ش ْاآل ِخرهَ ،ف ْ ِ َقال َّ
(:الل ُه َّم ِإ َّن اْل َع ْي َ
اغف ْر ْلأل َْن َ َُ ش َع ْي ُ َ
18
من نماذج الشدائد التى واجهها المسلمون فى الخندق :ما أخرج اإلمام أحمد بسند حسن ،من حديث البراء بن
الخ ْند ِق ال تَأ ُ ِ الخ ْند ِقَ ،قال :وعرض َلنا ص ْخرةٌ ِفي م َك ٍ ِ عازب رضي هللا عنه قال :أَمرنا رسول َّ ِ
يها
ْخ ُذ ف َ ان م ْن َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ّللَا ِب َحْف ِر َ َ َََ َ ُ ُ ُ َْ ُ
الِ « :ب ْس ِم الص ْخرِةَ ،فأ َ ِ ول هللاِ َ ،فجاء رسول َّ ِ اْلمع ِاولَ ،قالَ :ف َش َكو َها ِإَلى رس ِ
َخ َذ اْلم ْع َو َل َفَق َ ط ِإَلى َّ َ ض َع ثَ ْوَب ُه ،ثُ َّم َه َب َّللَا َف َو َ َ َ َُ ُ َُ ْ ََ ُ َ
ِ ِ ِ ِ يح َّ
الشامِ ،و َّ ِ ِ ِ َّ ِ
ورَها اْل ُح ْم َر م ْن
صَ ّللَا إني َأل ُْبص ُر ُق ُ َ يت َمَفات َ ُعط ُ «ّللَاُ أَ ْك َب ُر ،أ ْ
الَّ : الح َج ِرَ ،وَق َ ض ْرَب ًة َف َك َس َر ُثُل َث َ
ض َر َب َ ّللَاَ ،ف َ
ّللَاِ ِإِني
يح َف ِار َسَ ،و َّ ِ
يت َمَفات َ ُعط ُ
«ّللَا أَ ْكبر ،أ ِ
الْ ُ َ ُ َّ : ُخ َرى َف َك َس َر ُثلُ َث اْل َح َج ِر َفَق َ ض َر َب أ ْ
ِ
الِ« :ب ْس ِم هللاَ ،و َ ان َه َذا ،ثُ َّم َق ََم َك ِ
الح َج ِر، ِ ان ه َذا» ،ثُ َّم َقالِ« :بس ِم َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ُخ َرى َفقَل َع َبقَّي َة َ ض ْرَب ًة أ ْ ض َر َب َّللَاَ ،و َ ْ َ ض م ْن َم َك ِ َ قص َرَها ْاأل َْب َي َ
الم َدائ َن َوأ ُْبص ُر ْ أل ُْبص ُر َ
ص ْن َعاء ِم ْن َم َك ِ ِ «ّللَا أَ ْكبر ،أُع ِطيت مَف ِاتيح اْليم ِن ،و َّ ِ ِ
ان َه َذا». اب َ َ ّللَا ِإني أل ُْبص ُر أ َْب َو َ الَ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َّ : َفَق َ
وهذه اللمحة من الشدائد التي تعرض لها المسلمون في هذه الغزوة :فيها تعليم وتأديب للخلف بعدم االجتراء بتمني
يم ِ ِ
حضور تلك المشاهد يوضحها لنا حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه في الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده إلى :إ ْب َراه َ
يهَ ،قالُ :كَّنا ِعند ح َذيَف َةَ ،فَقال رجلَ :لو أَدرْكت رسول َّ ِ بن ي ِزيد التَّي ِم ِي ،عن أَِب ِ
ال ُح َذ ْيَفةُ :أ َْن َت ّللَا َق َاتْل ُت َم َع ُه َوأَْبَل ْي ُتَ ،فَق َ َ َ ُ ٌ ْ َْ ُ َ ُ َ َْ ُ ْ َ َْ ْ ِ َ
ول هللاِ :أ ََال ال َرُس ُيح َشد َيدةٌ َوُقٌر -أي :برد َ ،فَق َ
اب ،وأَخ َذ ْتنا ِر ِ
َح َز ِ َ َ َ ٌ
ول َّ ِ
ّللَا َلْيَل َة ْاأل ْ
نت تَْفعل َذلِ َك؟ َلَق ْد أرَْيتَُنا مع رس ِ
ََ َُ َ ُك َ َ ُ
ِ بر اْلَقو ِم جعَله هللا م ِعي يوم اْل ِقي ِ ِِ ِ
ال النبيُ« :ق ْم َيا َحٌد -إلى أن قال َ-فَق َ امة؟ َف َس َك َتنا َفَل ْم ُي َج ْي ُه مَّنا أ َ َر ُج ٌل َيأْتيني ب َخ ِ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ
َمشي ِفي َّ ِ ِ ِ ِ ُح َذ ْيَف ٌةَ ،فأِْتَنا ِب َخ ِ
ِ،وَال تَ ْذ َع ْرُه ْم َعَل َّي أي :ال تعلمهم بنفسك .قال :فلما َول ْي ُت م ْن ع ْنده َج َعْل ُت َكأَنما أ ْ بر اْلَق ْوم َ
َن أ َْرِم َي ُه، ض ْع ُت س ْهما ِفي َكِب ِد اْلَق ْو ِ
س َفأ ََرْد ُت أ ْ الن ِار -أي :يدفئهَ ،ف َو َ صِلي َ
ظ ْه َرهُ ِب َّ َح َّما ِم َحتَّى أَتَ ْيتُ ُه ْمَ ،ف َأرَْي ُت أََبا ُس ْف َي َ
ان َي ْ
َ
ول هللاِ َ :وَال تَ ْذ َع ْرُه ْم َعَل َّي...الخ. َف َذ َكر ُت َقول رس ِ
ْ ْ َ َُ
وكانت النتيجة ما يأتي:
ود َفأ َْرَسْل َنا ِ )1أن هللا نصرهم فانتصروا وفيها يقول تعالى( :يـٰأيها َّال ِذين ءامنوا ا ْذ ُكروا ِنعم َة َّ ِ
اء ْت ُك ْم ُج ُن ٌ ّللَا َعَل ْي ُك ْم إ ْذ َج َ ُ َْ َ َ َُ
ين َكَف ُروا ِب َغ ْي ِظ ِه ْم َل ْم َي َناُلوا َّ ِ
تعالى(وَرَّد هللاُ الذ َ
َ ير) إلى قوله ص ًاّللَا ِبما تَعمُلو َن ب ِ
َ ان َّ ُ َ ْ َ
عَليهم ِريحا وجن َّ
ودا ل ْم تََرْو َها َوَك َ َ ُُ ً َْ ْ
ِ ِ
ان هللاُ َق ِويًّا َع ِز ًيزا)ال َوَك َين اْلقتَ َ ّللَاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ
َخ ْي ًار َوَكَفى َّ
اب ِمن َه ِل اْل ِكتَ ِ ظاهر ِ َّ ِ
وهم م ْن أ ْ ين َ َ ُ ُ َنزَل الذ َ (وأ َ
)2كما حلت النقمة بيهود بني .قريظة؛ لنقضهم العهد قال سبحانهَ :
ئوها
ط َ ضا َّل ْم تَ َ اله ْم َوأ َْر ًَم َو ُ
ِ
ض ُه ْم َود َي َارُه ْم َوأ ْ الر ْع َب َف ِريًقا تَْق ُتلُو َن َوتَأ ِْسُرو َن َف ِريًقا َوأ َْوَر ُ
ثك ْم أ َْر َ ف ِفي ُقلُوبِ ِه ُم ُّ ِ
ص َياصي ِه ْم َوَق َذ َ َ
ِ ٍ
ّللَاُ َعَلى ُك ِل َشيء َقد ًيرا) ان َّ
ْ َوَك َ
)3وكان ذلك بحكم سعد بن معاذ بن النعمان :أبي عمرو األنصاري ،سيد األوس الذي ُرمى بسهم يوم الخندق،
َ
شهر حتى حكم في بني قريظة ،وأجيبت دعوته في ذلك ،ثم انتقض ُج ْر ُحه فمات شهيدا. وعاش بعد ذلك ًا
كان غزوة األحزاب أول بشائر الفتح حيث قال عليه الصالة والسالم :اآلن نغزوهم وال يغزوننا نحن نسير إليهم.
19
سبب قبول قريش للصلح :ما لقوا من الهزيمة فى الخندق جعلهم يطلبون الصلح لما أروا من ضعفهم تجاه المسلمين.
والسبب أيضا :أنه في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة ،أعلن النبي ﷺ أنه يريد المسير إلى مكة ألداء
العمرة وذلك بعد رؤيته في منام أنه يطوف بالبيت الحرام.
)1فلما نزل النبي ﷺ بالحديبية ،ثم أرسل عثمان بن عفان إلى قريش وقال له"( :أخبرهم أنا لم نأت لقتال ،وإنما جئنا
َم َره أن يأتي رجاالً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ،فيبشرهم بالفتح)
عمارا ،وادعهم إلى اإلسالم ،وأ َ
)2فانطلق عثمان ،فأتى قريشاً ،فأخبرهم بكالم رسول هللا ﷺ ولكن احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين،
فخاف النبيﷺ عليه ،وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل فدعا إلى البيعة ،فتبادروا إليه ،وهو تحت الشجرة ،فبايعوه
على أن ال يفروا ،وهذه هي بيعة الرضوان.
)3ثم أرسل قريش سهيل بن عمرو لصلح ،فلما رآه النبي قال:قد سهل لكم أمركم أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
)4فلما اتفق الطرفان على الصلح دعا رسول هللا علي بن أبي طالب فقال له « :اكتب :بسم هللا الرحمن الرحيم ».
)5فقال سهيل :أما الرحمن ،فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب :باسمك اللهم كما كنت تكتب .فقال المسلمون :وهللا ال
نكتبها إال بسم هللا الرحمن الرحيم ،فقال« :اكتب :باسمك اللهم » ثم قال « :اكتب :هذا ما قاضى عليه محمد
رسول هللا » فقال سهيل :وهللا لو نعلم أنك رسول هللا ما صددناك عن البيت ،ولكن اكتب محمد بن عبد هللا،
فقال « :إني رسول هللا ،وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد هللا ».
)6ثم تمت كتابة الصحيفة على الشروط التالية:
• وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه ،ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه.
• ويمنعوا الحرب لمدة 1٠سنين.
• أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل.
• عدم االعتداء على أي قبيلة أو على بعض مهما كانت األسباب.
• أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه ،وأال ترد قريش من يعود إليها من المسلمين .ودخلت
قبيلة خزاعة في عهد محمد ﷺ ،ودخل بنو بكر بن عبد مناة من كنانة في عهد قريش.
فلما فرغ من قضية الكتاب ،قال ﷺ ألصحابه"« :قوموا فانحروا ،ثم احلقوا ،وما قام منهم رجل ،حتى قالها ثالث
مرات .فلما لم يقم منهم أحد ،قام ولم يكلم أحدا منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه ؛ فلما أروا ذلك قاموا فنحروا ،وجعل
بعضهم يحلق بعضاً ،حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما"».
الحكمة فى موافقة الرسول على هذه البنود :وافق الرسول على شروط المعاهدة ،التي بدى للبعض أن فيها إجحافا
وذالً للمسلمين ،ومنهم عمر ـ رضي هللا عنه ـ الذي قال للنبي ـ صلى هللا عليه وسلم ( :ألسنا على الحق وعدونا على
20
الباطل؟ ،قال ـ صلى هللا عليه وسلم ـ بلى ،فقالَ :فلِ َم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟) ،لكن الرسول كان مدركا وموقنا أن
هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك .ثم انصرف رسول هللا قاصدا المدينة .فأنزل هللا على
نبيه سورة الفتح ،في طريق عودته للمدينة المنورة.
أميرا ،داخل الجزيرة ثم واصل النبي تبليغ دعوة اإلسالم إلى ملوك وأمراء األرض في ذلك الزمان فما ترك ملكا وال ً
الِ :إ َّنّللَاُ َع ْن ُه َق َ
وخارجها إال أرسل إليه الكتاب تلو الكتاب .أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي َّ
ّللَاِ تَ َعاَلى :أ َْسلِم تَ ْسَل ْمُ ،ي ْؤِت َك
وه ْم ِإَلى َّ الن َجاشيَ ،وإَِلى ُك ِل َجب ٍ
َّارَ :ي ْد ُع ُ ص َر َ ،وإَِلى َّ ِ ِ
ّللَا ﷺ َكتَ َب إَلى ك ْس َرىَ ،وإَِلى َق ْي َ
نِبي َّ ِ
َ َّ
ِ َّ
ك َم َّرتَ ْي ِنَ ،فِإ ْن تََول ْي َت َف َعَل ْي َك ِإ ْث ُم األ َِريس َ
يين. َج َر َ
هللاُ أ ْ
بعض أحداث العام السادس
• فبعد غزوة الخندق بنحو أربعة أشهر :قاد النبي طائفة من أصحابه وغ از بهم بني لحيان الذين غدروا بأصحاب
الرجيع وقتلوا خبيبا وأصحابه ووصل النبي بأصحابه إلى ُع ْسَفان.
• وفى العودة من غزوة بني المصطلق سنة ست نرى موقفاً حدث بين عبدهللا بن أبى ابن سلول ،رأس النفاق في
المدينة ،وبين ابنه عبدهللا بن عبد هللا الصحابي البار.
• والحاصل :أنه حدث سباب بين مهاجر وأنصاري فلما سمع النبي ذلك قال ” :ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها
َع ُّز ِم ْن َها األ َّ ِ ِ م ْنِتنة “ .ولما سمع عبد هللا بن أبي ذلك قال و َّ ِ ِ
ال ُع َم ُر: َذلَ ،فَق َ ّللَا َلئ ْن َر َج ْع َنا ِإَلى اْل َمد َينة َل ُي ْخ ِر َج َّن ْاأل َ َ ُ
النِب ُّي َ :د ْعها ال َيتَ َحَّد ُث َّ ال َّ ِ ِ ِ
ال
َص َح َاب ُهَ ،فَق ََن ُم َح َّم ًدا َيْق ُت ُل أ ْاس أ َّ
الن ُ َض ِر ْب ُعنق َه َذا ُ
المناف ِقَ ،فَق َ ول هللا َد ْعني أ ْ َيا َرُس َ
ول هللاِ اْل َع ِز ُيزَ ،فَف َعل .الترمذي وصححه. الذليلَ ،وَرُس ُ
ُ قر أََّن َك ّللَاِ ال تَ ْنَقلِ ُب َحتَّى تُ َّ
ّللَاَِ :و َّ
ّللَاِ ْب ُن َع ْب ِد َّ
نه َع ْب ُد َّ
َل ُه ْاب ُ
ابَ :لِئ ْن ِش ْئ َت َآل َّ ِ َّ ِ َّ ِ
تين َك • فلما رأى أباه يؤذى رسول هللا :قال :يا رسول هللا َوالذي أَ ْك َرَم َكَ ،والذي أ َْن َزَل َعَل ْي َك اْلكتَ َ
ِ ِ ِ ِ ِِ
ص ْحبتَه». اكَ ،وأَ ْحس ُن ُ ول هللا َ :ال َ ،وَلك ْن ِب َّر أ ََب َ ال َرُس ُ ب َأرْسهَ ،فَق َ
والحمد هلل رب العالمين