You are on page 1of 36

‫رفع الحرج والتيسير‬

‫في الشريعة اإلسالمية‬

‫ضوابطه وتطبيقاته‬

‫تمهيد ومقدمة‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬كلّف عباده المؤمنين بما يطيقون وبما يستطيعون ووضع عنهم ما هم عنه يعجزون‪،‬‬
‫والصالة والسالم على سيد األنبياء والمرسلين سيدنا محمد الذي جاء برسالة عنوانها السماحة ‪ -‬صاحب‬
‫الوجه األنور والجبين األزهر الشافع المشفع يوم الحشر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن المتتبع والدارس والقارئ للفقه اإلسالمي بدقة وتمعن يجد أنه يتميز بخصائص ومميزات ال يتميز بها‬
‫غيره‪ ،‬جعلته قابالً للنماء والثبات والعطاء طيلة أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمن‪ ،‬وسيبقى كذلك إلى أن‬
‫يرث هللا األرض ومن عليها‪ ،‬ذلك أن الشريعة اإلسالمية ‪-‬لذي يُعد الفقه جزءاً منها‪ -‬ذات صفة عالمية‬
‫ودائمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ولما كانت هذه الشريعة آخر شريعة سماوية‪ ،‬كان البد أن تكون مميزة بخصائص ومميزات تجعلها قابلة‬
‫للثبات واالستمرار ومواكبة لحياة اإلنسان مهما كان‪ ،‬وفي أي عصر كان وفي أي مكان كان‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومن أهم المميزات التي تميزت بها شريعتنا الغراء رفع الحرج عن المكلفين والتيسير عليهم‪ ،‬وهذه ميزة‬
‫ميزت الشريعة اإلسالمية عن غيرها من الشرائع األخرى السابقة التي ضمَّنها هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬من األعمال‬
‫الشاقة ما يتناسب وأحوال وأوضاع تلك األمم التي جاءت لها تلك الشرائع‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة منها‪:‬‬
‫اشتراط قتل النفس للتوبة من المعصية‪ ،‬والتخلص من الخطيئة‪ ،‬ويدل على ذلك قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف ُتوبُوا ِإلَى‬
‫َأ‬
‫ارِئ ُك ْم َفا ْق ُتلُوا ْنفُ َس ُك ْم َذلِ ُك ْم َخ ْي ٌر لَ ُك ْم عِ ْن َد َب ِ‬
‫ارِئ ُك ْم‪ ]1[﴾ ‬ومثله أيضا ً تطهير الثوب بقطع موضع النجاسة منه‪،‬‬ ‫َب ِ‬
‫وبطالن الصالة في غير موضع العبادة المخصوص‪ ،‬وغير ذلك من األمور التي كلّف بها من نزلت عليهم‬
‫تلك الشرائع السابقة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫هذا ولم تسلم شريعة من الشرائع السابقة من المشاق والتشديد والعنت‪ ،‬لذلك علّمنا هللا عز وجل دعا ًء وهو‬
‫ِين مِنْ َق ْبلِ َنا َر َّب َنا َوال ُت َحم ِّْل َنا َما ال َطا َق َة لَ َنا ِب ِه‪[﴾ ‬‬
‫قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ر َّب َنا َوال َتحْ ِم ْل َعلَ ْي َنا ِإصْ راً َك َما َح َم ْل َت ُه َعلَى الَّذ َ‬
‫‪ .]2‬بل إن هذه األمة قد بشرت بنبيها محمد‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬األنبياء الذين سبقوه ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وجاءت صفاته في التوراة واإلنجيل والتي منها أنه سيُبعث ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ميسِ راً ومخفِفا ً‬
‫عن األمة التي سيبعث فيها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ُون الرَّ سُو َل ال َّن ِبيَّ اُألمِّيَّ الَّذِي َي ِج ُدو َن ُه َم ْك ُتوبا ً عِ ْندَ ُه ْم فِي ال َّت ْو َرا ِة َواِإل ْن ِج ِ‬
‫يل َيْأ ُم ُر ُه ْم‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬الَّذ َ‬
‫ِين َي َّت ِبع َ‬
‫ض ُع َع ْن ُه ْم ِإصْ َر ُه ْم َواَأل ْغال َل‬ ‫ت َوي َُحرِّ ُم َعلَي ِْه ُم ْال َخ َب َ‬
‫اِئث َو َي َ‬ ‫ف َو َي ْن َها ُه ْم َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ُي ِح ُّل لَ ُه ُم َّ‬
‫الط ِّي َبا ِ‬ ‫ِب ْال َمعْ رُو ِ‬
‫ض ُع َع ْن ُه ْم ِإصْ َر ُه ْم َواَأل ْغال َل‪ ﴾ ‬أنه ‪ -‬صلى هللا عليه‬ ‫ت َعلَي ِْه ْم‪ .]3[﴾ ‬ومعنى قوله ‪-‬عز وجل‪َ  ﴿ -‬و َي َ‬ ‫الَّتِي َكا َن ْ‬
‫وسلم ‪ -‬جاء بالتيسير والسماحة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل األول‬

‫المبحث األول‬

‫أوالً‪ :‬تعريف رفع الحرج ومقصوده وإطالقاته‪:‬‬

‫لغة‪ :‬نقيض الخفض في ك ّل شي ٍء‪،‬‬ ‫رفع الحرج‪ :‬مر ّكب إضافيّ ‪ ،‬تتو ّقف معريفته على معرف ٍة لفظ ّيةٍ‪ ،‬فالرّفع ً‬
‫شيء ارتفاعا ً إذا عال‪ ،‬ويأتي‬
‫شيء‪ ،‬واألصل في ما ّدة الرّفع العلوّ ‪ ،‬يقال‪ :‬ارتفع ال ّ‬
‫وال ّتبليغ‪ ،‬والحمل‪ ،‬وتقريبك ال ّ‬
‫بمعنى اإلزالة‪.‬‬
‫يقال‪ :‬رفع ال ّ‬
‫شيء‪ :‬إذا أزيل عن موضعه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال في المصباح المنير‪ :‬ال ّرفع في األجسام حقيقة في الحركة واالنتقال‪ ،‬وفي المعاني محمول على ما‬
‫يقتضيه المقام‪ ،‬ومنه قوله صلى هللا عليه وسلم‪« :‬رفع القلم عن ثالثةٍ» والقلم لم يوضع على الصّغير‪ ،‬وإ ّنما‬
‫معناه ال تكليف‪ ،‬فال مؤاخذة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والحرج في اللّغة‪ :‬بفتح الراء وكسرها المكان ال ّ‬


‫ضيّق الكثير ال ّ‬
‫شجر‪ ،]4[ ‬والضّيق واإلثم‪ ،‬والحرام‪ ،‬واألصل‬
‫فيه الضّيق‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال ابن األثير‪ :‬الحرج في األصل‪ :‬الضّيق‪ ،‬ويقع على اإلثم والحرام‪.‬‬
‫وح ِرج إذا كان ضيّق الصّدر‪.‬‬
‫تقول رجل َح َرج َ‬
‫وقال ال ّز ّجاج‪ :‬الحرج في اللّغة أضيق ال ّ‬
‫ضيّق‪ ،‬ومعناه أ ّنه ضيّق ج ّداً‪.‬‬

‫فرفع الحرج في‪ :‬إزالة الضّيق‪ ،‬ونفيه عن موضعه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ث ّم إنّ معنى ال ّرفع في االصطالح ال يخرج عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬

‫والحرج في االصطالح ما فيه مش ّقة وضيق فوق المعتاد‪ ،‬فهو أخصّ من معناه اللّغويّ ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫اق من المش ّقة برفع ال ّتكليف من أصله أو بتخفيفه أو بال ّتخيير فيه‪ ،‬أو‬
‫ش ّ‬‫ورفع الحرج‪ :‬إزالة ما في ال ّتكليف ال ّ‬
‫بأن يجعل له مخرج‪.‬‬

‫ش ّدة خالفا ً لل ّتيسير‪.‬‬


‫فالحرج والمش ّقة مترادفان‪ ،‬ورفع الحرج ال يكون إالّ بعد ال ّ‬

‫والفقهاء واألصوليّون قد يطلقون عليه أيضاً‪« :‬دفع الحرج» و «نفي الحرج»‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الحرج فى اللغة‪ :‬الضيق والشدة‪ .‬قال فى الصحاح‪ :‬مكان َح َرج و َحرج أى ضيق كثير الشجر ال تصل إليه‬
‫الراعية‪ .‬وفى اإلصطالح‪ :‬كل ما يؤدى إلى مشقة زائدة فى البدن أو النفس أو المال حاال أو مآال‪.‬‬

‫والمقصود برفع الحرج‪ :‬إزالة ما يؤدى إلى هذه المشاق‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والمقصود بالتيسير‪ :‬التخفيف عن المكلف ورفع الحرج عنه‪ ،‬فالتيسير ورفع الحرج مؤداهما واحد أو هما‬
‫شىء واحد‪.]5[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانياً‪ :‬المصطلحات ذات العالقة‪:‬‬

‫أ‌‪ -‬ال ّتيسير‪ :‬السّهولة والسّعة‪ ،‬وهو مصدر يسّر‪ ،‬واليسر ض ّد العسر‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬إنّ ال ّدين يسر» أي أ ّنه‬
‫ش ّر‪ ،‬وفي ال ّتنزيل العزيز قوله‪َ  ﴿ :‬ف َس ُن َي ِّس ُرهُ ل ِْليُسْ َرى‪﴾ ‬‬
‫سهل سمح قليل ال ّتشديد‪ ،‬وال ّتيسير يكون في الخير وال ّ‬
‫[الليل‪ .]7 :‬وال ّنسبة بين ال ّتيسير ورفع الحرج أنّ رفع الحرج ال يكون إالّ بعد ش ّدةٍ‪.‬‬
‫شرع لنا في كذا ترخيصا ً وأرخص إرخاصا ً إذا‬ ‫ب‌‪ -‬ال ّرخصة‪ :‬ال ّتسهيل في األمر وال ّتيسير‪ ،‬يقال‪ :‬ر ّخص ال ّ‬
‫يسّره وسهّله‪ .‬ور ّخص له في األمر‪ :‬أذن له فيه بعد ال ّنهي عنه‪ ،‬وترخيص هّللا للعبد في أشياء‪ :‬تخفيفها عنه‪،‬‬
‫وال ّرخصة في األمر وهو خالف ال ّتشديد‪ .‬فالرّ خصة فسحة في مقابلة ال ّتضييق والحرج‪.‬‬
‫ج‌‪ -‬الضّرر في اللّغة ض ّد ال ّنفع‪ :‬وهو ال ّنقصان يدخل في ال ّ‬
‫شيء‪ ،‬فالضّرر قد يكون أثراً من آثار عدم رفع‬
‫الحرج‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫العالقة بين الحرج والضرورة والحاجة‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف المقاصد الحاجية‪:‬‬

‫المصلحة الحاجية‪ :‬هي ما تكون من قبيل ما تدعو حاجة الناس إليها‪ ،]6[ ‬إو المصلحة الواقعة في محل‬
‫الحاجة‪ .‬وتسمى المصلحة الحقيقية الحاجية‪ ،‬أو المصلحة الحاجية اختصاراً‪ ،‬أو الحاجة والحاجيات بشكل‬
‫موجز‪.‬‬

‫قال اإلمام الجويني‪ :‬الوصف الحاجي هو ما يتعلق بالحاجة العامة‪ ،‬وال ينتهي إلى حد الضرورة‪.]7[ ‬‬

‫وقال األصفهاني‪ :‬والمصلحي متضمن لحفظ مقصود هو في محل الحاجة‪.]8[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫والمصلحة الحاجية تقع بعد مرتبة المقاصد الضرورية‪ ،‬ويعتبر تركها غير مفوت لمصالح الدين والدنيا‪،‬‬
‫ولكنه يوقع اإلنسان في الحرج الشديد والمشقة العظمى‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫يقول الشاطبي‪ :‬الحاجيات معناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى‬
‫الحرج والمشقة الالحقة بفوت المطلوب‪ ،‬فإذا دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة‪ ،‬ولكنه ال يبلغ‬
‫مبلغ الفاسد العادي المتوقع في المصالح العامة‪ ،‬وهي جارية في العبادات والعادات والمعامالت والجنايات‪[ ‬‬
‫‪.]9‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانياً‪ :‬أدلة المقاصد الحاجية‪:‬‬

‫ثبتت المقاصد الحاجية باستقراء األدلة واألحكام الشرعية وتتبّعها والنظر فيها‪ ،‬فلم تثبت بدليل واحد أو بعدد‬
‫قليل من األدلة الشرعية‪ ،‬وإنما ثبتت بأدلة كثيرة فوق الحصر‪ ،‬افادت بجموعها أهمية تلك المقاصد ودورها‬
‫في قيام حاجات اإلنسان ومطالبه المهمة القريبة من الضروريات الالزمة واألكيدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫ضوابط المشقة التي تجلب التيسير‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬المشقة التي ال يقدر عليها المكلف‪:‬‬

‫وتشتمل المشقة التي ال يطيقها المكلف أو المشقة التي يطيقها ولكنها خارجة على المعتاد الديني والدنيوي‪،‬‬
‫أي المشقة التي فيها التكليف بالزائد عن المطلوب والمأمور به‪ ،‬والتي توقع صاحبها في الملل والسآمة‪،‬‬
‫وتشوش ذهنه وتفوت عليه مصالحه ومنافعه في الدين والدنيا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫مثل‪ :‬دوام قيام معظم الليل‪ ،‬والوصال في الصوم‪ ،‬وفيه مما يفوق تكليف المعتاد مما يوقع في تعطيل مصالح‬
‫أخرى كثيرة كطلب الرزق والعلم وإهمال النفس واألهل‪ ،‬ومشقة إدراك الصلوات وأدائها في أوقاتها‪،‬‬
‫ومخالطة الكثرة من الناس‪ ،‬ووقوع التزاحم والتدافع‪ ،‬وحصول الفرقة والبعد عن األهل واألوطان‪ ،‬وترك‬
‫األموال واألمالك والوظائف‪ ،‬والمشقة في الجهاد في سبيل هللا تعالى وما فيه من ذهاب الحياة وزوال‬
‫األموال واألطراف واألنفس‪ ،‬واإلنفاق المالي بالزكوات والصدقات والتبرعات وما فيه من عنت مخالفة‬
‫النفس الراغبة في تحصيل األموال‪ ،‬قال تعالى ﴿‪َ  ‬وِإ َّن ُه لِحُبِّ ْال َخي ِْر لَ َشدِي ٌد‪[ ﴾ ‬العاديات‪.]10[]8 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫فهذه المشقة وإن بدا فيها الضيق والحرج والشدة ومخالفة الهوى ومكابدة المصاعب ومجاهدة النفس‪ ،‬إال أنها‬
‫أعباء ضرورية ال بد منها في قيام األحكام وأداء التكاليف‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فاألفعال الشرعية من عبادات ومعامالت وأنكحة وجنايات وكفارات مرتبطة بالمشاق واألعباء التي يقدر‬
‫عليها المكلفون‪ ،‬والتي ال توقع أصحابها في الحرج والضرر‪ ،‬وال تؤدي بهم إلى المفاسد والمهالك‪ ،‬وهي‬
‫أمور تتالزم وترتبط بشكل وثيق ومتين باألفعال واألعمال واألقوال واالعتقادات الشرعية‪ ،‬فالتكيف الشرعي‬
‫ال يقوم إال بها‪ ،‬وه تدور معه وجوداً وعدماً‪ .‬والتكليف لم يعتبر تكليفا ً إال لما فيه من الكلفة الشاقة‪ ،‬ولما‬
‫ينضوي عليه من تحمل بعض األتعاب واإلجهاد النفسي والجسدي والعقلي الذي يؤهله لمرتبة التكليف‬
‫المرجوة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وحال هذه المشاق في األفعال الشرعية كحال المشقة في سائر أعمال الدنيا ومختلف الفنون والشؤون‬
‫واألحوال‪ .‬فطلب الرزق والسعي في األرض لتحصيله‪ ،‬ومزاولة الحرف والصناعات واألسفار والرحالت‬
‫وإنجاز األفراح وتنظيم المناسبات والملتقيات وإعمار األرض وتنميتها وتنظيمها‪ ..‬كل ذلك فيه من المشاق‬
‫واألعباء ومن التعب والنصب ما يجعل استبعاد تلك المشاق واألعباء أمراً معطالً لقيام تلك األعمال‪ ،‬ومفوتا ً‬
‫لمصالح المعاش والمعاد‪ ،‬ومشوها ً لنظام الحياة والوجود‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فخذ مثال األكل مثالً أو مثال الجماع لتدرك ما لهذين الفعلين من المشاق والتكلفة وهما على الرغم من ذلك‬
‫ما تلحظ من اإلقبال عليهما والرغبة فيهما وكيف أنهما من أمارات السعادة والسعة ومن عالمات الخير ومن‬
‫ضروب الطيبات والمباحات التي أنعم هللا تعالى تفضالً منه وكرما ً على عباده وخلقه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فاألكل مسبوق بمشاق الضرب في األرض‪ ،‬والبحث عن الرزق وتحصيله وتناوله‪ ،‬وهو متبوع بمشاق‬
‫هضمه وإفرازاته وتطهير مواضعه من األكل نفسه ومن األرض ومحيطها ثم هو قد يتبع بآثار من األضرار‬
‫الصحية والنفسية والبيئية‪ ،‬بل قد يتبع في األجل األبعد عند وفاة اإلنسان وبعث وحشره بسوء الخاتمة وسوء‬
‫الحساب بسبب الكسب الحرام واألكل الحرام‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فتالحظ أن األكل باعتباره عملية يومية عادية وشأنا ً مفرحا ً وطيبا ً ومطلوباً‪ ،‬كيف أن المشاق قد أحاطت به‬
‫من كل جانب وكيف أ‪ ،‬اآلالم قد الزمته في أطوار مختلفة في المعاش والمعاد في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫غير أن األكل ظل وال يزال أمراً ال بد منه وضرورة لقيام النفس والحياة‪ ،‬وأن المشاق التي ينضوي عليها‬
‫ويؤول إليها متالزمة ال تنفك عنه ول تتخلص منه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما بالنسبة للجماع‪ ،‬فهو فعل محبوب ومرغوب‪ ،‬وهو طريق التناسل واإلعمار‪ ،‬وهو سبيل حفظ األعراض‬
‫واألنساب‪ ،‬وهو المنظم للحياة والعالقات‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فالجماع المشروع الحالل موصوف بكل صفات الفضيلة والحسن‪ ،‬وهو استجابة الفطرة وسد الحاجة‪ ،‬وهو‬
‫أداء وظيفة التكليف واالستخالف واإلعمار في هذه األرض‪ ،‬وهو فوق ذلك مدعو إليه ومرغوب فيه‪ ،‬وقد‬
‫أثنت عليه نصوص الكتاب والسنة مما يجعله مقصداً معتبراً وأصالً وسبيالً لمقاصد جمّة ومصالح ع ّدة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫غير أنه منوط بالمشاق واآلالم ومرتبط بالمتاعب واإلعياء‪ ،‬فهو منوط بمشقة االستعداد والتحضير وإعباء‬
‫اإلنفاق والتربية والرعاية‪ ،‬وصور التعب والمتابعة في القيام بواجب الزوجية واألبوة واألمومة‪ ،‬والمسؤولية‬
‫العظمى أمام الخالق جل وعال إن لم تؤ ّد على حقها وشروطها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إن الخالصة لما سبق أن المشقة المقدور عليها ُتتحمّل‪ ،‬و ُتؤ ّدى لتحقيق التكليف وإنجازه وصحته‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانياً‪ :‬المشقة التي يقدر عليها المكلف‪:‬‬

‫وهي المرتبطة بسائر األحكام واإللتزامات الشرعية في مجال العبادات والمعامالت وغيرها من التصرفات‪.‬‬
‫وهذه المشقة ال تنفك عن التكليف وال تتخلص منه‪ ،‬وهي تدور معه وجوداً وعدماً‪ .‬والتكليف ال يعد تكليفا ً إال‬
‫إذا انطوى على ما فيه الكلفة الشرعية والمشقة الالزمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أو هي المشقة التي يستطيع المكلف تحملها غير أنها خارجة عن المعتاد في األعمال العادية‪ ،‬بحيث يحصل‬
‫للنفوس التشوش والقلق في القيام بها لما في ذلك من الحرج الشديد‪ .‬كما يقول الشاطبي – ويقلقها هذا العمل‬
‫بما فيه من هذه المشقة‪.]11[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ولو أردنا ضبط ذلك فيمكن بالنظر في العمل وما يؤدي إليه أداؤه أو الدوام عليه من االنقطاع عنه أو عن‬
‫بعضه أو من وقوع خلل في صاحبه في نفسه وماله وأحواله‪ .‬فإن لم يكن فيه شيء من ذلك في الغالب فال‬
‫يعد مشقة وإن سمي كلفة‪.]12[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫فيالحظ وجود أحد أمرين‪ :‬االنقطاع عن العمل أو وقوع الخلل‪ ،‬ونزيد األمر بسطا ً ووضوحا ً فنقول‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬االنقطاع عن العمل‪ ،‬وهو يتحقق بأحد مظهرين‪:‬‬

‫المظهر األول‪ :‬السآمة والملل‪ :‬وقد أشار إلى ذلك النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بقوله‪( :‬خذوا من األعمال ما‬
‫تطيقون فإن هللا ال يم ّل حتى تملّوا)[‪ .]13‬ويستدل بذلك أيضا ً بأحاديث النهي عن الوصال‪ ،‬فقد نهى ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬أصحابه عنه‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ال تواصلوا‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا! فإنك‬
‫تواصل‪ ،‬قال‪ :‬إني لست كمثلكم‪ ،‬إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني‪ ،‬قال‪ :‬فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يومين وليلتين‪ ،‬ثم رأوا الهالل‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لو تأخر الهالل‬
‫لزدتكم‪ ،‬كالمنكل لهم‪ .‬وقال (لو مد لنا الشهر لواصلت وصاالً يدع المتعمقون تعمقهم‪ ،‬إني لست مثلكم‪ ،‬إني‬
‫أبيت يطعمني ربي ويسقين)[‪.]14‬‬
‫‪ ‬‬

‫المظهر الثاني‪ :‬االنقطاع‪ :‬بسبب تزاحم الحقوق فإنه إذا أوغل في عمل شاق فربما قطعه عن غيره وال سيما‬
‫حقوق الغير التي تتعلق به فتكون عبادته أو عمله الداخل فيه قاطعا ً لما كلفه هللا به فيقصر فيه فيكون بذلك‬
‫ملوما ً ال معذوراً‪ .‬إذ المطلوب منه القيام بجميعها على وجه ال يخل بواحد منها وال بحال من األحوال‪.‬‬
‫فحينما آخى ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بين سلمان وأبي الدرداء ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬رأى سلمان أن أبا الدرداء‬
‫ليس له حاجة في الدنيا‪ .‬فقال له سلمان‪ :‬إن لربك عليك حقا ً ولنفسك عليك حقا ً وألهلك عليك حقاً‪ ،‬فأعط كل‬
‫ذي حق حقه‪ .‬فأتى النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فذكر ذلك له فقال (صدق سلمان)[‪.]15‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقد يعجز الموغل في بعض األعمال عن الجهاد أو غيره وهو من أهل الغناء فيه‪ ،‬ولهذا روي في الحديث‬
‫عن سيدنا داود ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬كان يصوم يوما ً ويفطر يوما ً وال يفر إذا القى)[‪ .]16‬ومن هنا‬
‫تظهر علة النهي عن اإليغال في العمل وأنه يسبب تعطيل وظائف كما يسبب الكسل والترك ويبغض العمل‪.‬‬
‫فإذا وجدت العلة أو كانت متوقعة نهى عن ذلك‪ ،‬وإن لم يكن شيء من ذلك فاإليغال فيه حسن‪ ،‬ويقد يكون‬
‫الدافع إليه هو الخوف أو الرجاء أو المحبة‪.]17[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬وقوع الخلل‪:‬‬

‫العمل الخارج عن المعتاد قد يؤدي إلى وقوع خلل في المكلف‪ ،‬وهذا الخلل قد يكون في النفس سواء أمراض‬
‫بدنية أو نفسية‪ ،‬فإذا علم المكلف أو ظن أنه يدخل عليه في جسمه أو نفسه أو عقله أو عادته فساد يتحرج به‬
‫ويعنته ويكره بسببه العمل فهذا أمر ليس له‪ ،‬وكذلك إن لم يعلم بذلك وال ظن ولكنه لما دخل في العمل دخل‬
‫عليه ذلك‪ ،‬فحكمه اإلمساك عما دخل عليه المشوش وفي مثل هذا جاء عنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬ليس‬
‫من البر الصيام في السفر)[‪ .]18‬وفي مثله كذلك نهى عن الصالة بحضرة الطعام وال هو يدافعه األخبثان‪[ ‬‬
‫‪ .]19‬وقال (ال يقض القاضي وهو غضبان)[‪.]20‬‬

‫‪ ‬‬

‫فحاصل ما تقدم أن المكلف إذا كان يحصل له بسبب إدخال نفسه في العمل هذه المشقة الزائدة على المعتاد‬
‫فتؤثر فيه أو في غيره فسادا أو تحدث له ضجراً أو ملالً وقعوداً عن النشاط إلى ذلك العمل فينقطع في‬
‫الطريق ويبغض إلى نفسه العمل كما هو الغالب في المكلفين‪.]21[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫طريق التعرف على المشقة غير المنصوص عليها‪:‬‬

‫بعد أن ذكرنا ضوابط المشقة غير المعتادة من حيث ما تؤدي إليه من االنقطاع والملل وحصول الخلل‬
‫للمكلف ال بد من التنبيه إلى أن هذه المشقة قد يصعب تلمسها في الواقع التطبيقي‪ ،‬فال بد من ذكر ضابط‬
‫يهتدي به المكلف وبخاصة المفتي والفقيه من أجل إدراك ما يكون مؤثراً في التخفيف بالمقارنة بما نص‬
‫عليه الشارع من مشقات يؤدي الوقوع فيها إلى سلوك سبيل التخفيف والترخيص‪ .‬يقول العز بن عبد السالم‬
‫في ذلك‪ :‬إن الشرع قد ربط التخفيفات بالتشديد واألشد والشاق واألشق غير أن معرفة الشديد والشاق على‬
‫وجه التحديد متعذرة فال بد من التقريب فتضبط مشقة كل عبادة بأدنى المشاق فإذا كانت مثلها أو أزيد ثبتت‬
‫الرخصة‪ ،‬ولن يعلم التماثل إال بالزيادة‪ ،‬إذ ليس في قدرة البشر الوقوف على تساوي المشاق فإذا زادت‬
‫إحدى المشقتين على األخرى علمنا أنهما قد استويا فيما اشتملت عليه المشقة الدنيا منهما وكان ثبوت‬
‫التخفيف والترخيص بسبب الزيادة‪ ]22[ ‬انتهى‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فاألعذار المنصوص على التخفيف من أجلها في عبادة معينة كالسفر والمرض ينظر في المشقة الحاصلة‬
‫بسبب هذا العذر فإذا حصل أشق منها في نفس الظرف وفي نفس العبادة قيل بالتخفيف‪ ،‬فالتأذي بالقمل مبيح‬
‫للحلق في حق المتلبّس بالنسك‪ ،‬فيعتبر ّ‬
‫تأذيه باألمراض بمثل مشقة القمل‪ ،‬ومثلها المشاق المبيحة للبس‬
‫والطيب والدهن وغيرها من المحظورات وكذلك األعذار في ترك الجمعة والجماعة‪ ،‬غير أنه كلما اشتد‬
‫اهتمام الشرع بعبادة من العبادات أو عمل من األعمال شرط في تخفيفه مشاق شديدة وعامة‪ ،‬وما لم يهتم به‬
‫خففه بالمشاق الخفيفة‪ ،‬وقد تخفف مشاقه مع شرفه وعلو مرتبة لتكرر مشاقة كيال يؤدي إلى المشاق العامة‬
‫الكثيرة الوقوع‪.]23[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وجوه االهتمام بالمطلوبات الشرعية‪:‬‬

‫ويمكن أن يقال أن هذا االهتمام بالمطلوبات الشرعية يتمايز بالنظر إلى عدة اعتبارات من أبرزها‪:‬‬

‫‪ -1‬النظر في العبادات وغير العبادات‪.‬‬

‫‪ -2‬النظر في المأمورات والمنهيات‪.‬‬

‫‪ -3‬النظر في المقاصد والوسائل‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬النظر في العبادات وغير العبادات‪:‬‬

‫إن تقدير المشقة في العبادات قد يختلف عنه في غيرها من عادات ومعامالت‪ ،‬ومر ّد ذلك إلى اهتمام الشرع‬
‫بجانب العبادات‪ ،‬حيث إن العبادات مشتملة على مصالح العباد وسعادة الدنيا واآلخرة‪ .‬فال يليق تفويتها‬
‫بمسمى المشقة مع يسر احتمالها‪ ،‬ولذلك قال من قال أن ترك الرخص في كثير من العبادات أولى وألن‬
‫تعاطي العبادة مع المشقة أبلغ في إظهار الطواعية وأبلغ في التقرب‪ .‬ولذلك قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫(أفضل العبادات أحمزها)[‪ .]24‬وقال (أجرك على قدر نصيك)[‪ .]25‬وأما المعامالت فتحصل مصالحها‬
‫التي بذلت األعراض فيها بمسمى حقائق الشرع والشروط بل التزام غير ذلك يؤدي إلى كثرة الخصام ونشر‬
‫الفساد وإظهار العناد‪ .]26[ ‬وللشاطبي وجهة نظر في بعض العقود كالقارض والسلم والمساقاة فهي عقود‬
‫مستثناة لكن استثناؤها ليس للمشقة‪ ،‬إنما هو الحاجة من غير وجود مشقة كما هو المفترض في الرخص‬
‫االصطالحية حسب تعريفه‪ .]27[ ‬ذلك أن هذه العقود يجوز التعامل بها حيث ال عذر وال عجز‪ ،‬ولو كانت‬
‫مستثناة من أصل ممنوع وإنما يكون مثل هذا داخالً في أصل الحاجيات الكليات‪.]28[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬النظر في المأمورات والمنهيات‪:‬‬

‫قرر العلماء أن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات‪ ،‬لذا قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬إذا‬
‫أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم‪ ،‬وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)[‪.]29‬‬

‫‪ ‬‬

‫فالمنهيات تجتنب على اإلطالق‪ ،‬أما المأمورات فيأتي اإلنسان منها بقدر االستطاعة‪ .‬ومن ثم سومح في ترك‬
‫بعض الواجبات بأدنى مشقة كالقيام في الصالة والفطر والطهارة ولم يسامح في اإلقدام على المنهيات‬
‫وخصوصا ً الكبائر‪ ،‬وكل ذلك يرجع إلى قاعدة – درء المفاسد أولى من جلب المصالح‪.-‬‬

‫‪ ‬‬

‫االعتبار الثالث‪ :‬النظر في المقاصد والوسائل‪:‬‬

‫يقصد به النظر إلى المشقة من حيث كون الفعل مقصوداً في نفسه أو وسيلة إلى غيره كالوضوء من أجل‬
‫الصالة والسفر من أجل الحج‪ ،‬وقد تكون تابعة من أفعال هي قاصد في حد ذاتها كأفعال الصالة الحج‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وهذا الموضوع له جهتان‪ :‬إحداهما جهة األجر النائيء عن االختالف في الوسائل كمن كان منزله بعيداً عن‬
‫المسجد بالنسبة لمن هو قريب منه‪ ،‬وكذلك الوضوء في شدة البرد بالنسبة لمثله في الزمن المعتدل‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما الجهة األخرى‪ :‬فهو االغتفار في األمور إذا كانت وسائل مما ال يغتفر مثله في المقاصد‪ .‬وقد قالوا‪ :‬يغتفر‬
‫في الوسائل ما ال يغتفر في المقاصد‪ .]30[ ‬فالشيء الذي هو مقصود في نفسه من شأنه أال يترك في المكره‬
‫والمنشط إذ ال يتحقق شيء من العمل عند تركه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما ما شرع لكونه وسيلة إلى غيره فهذا القسم من شأنه أن يرخص فيه عند المكاره‪ ،‬وعلى هذا يخرج‬
‫الرخص في ترك استقبال القبلة إلى التحرّي في الظلمة ونحوها‪ ،‬وترك ستر العورة لمن لم يجد ثوبا ً فهو‬
‫يصلي على حسب حاله‪ ،‬وكذلك االنتقال من الوضوء إلى التيمم لمن لم يجد الماء‪ ،‬وترك الفاتحة إلى ذكر‬
‫من األذكار لمن ال يقدر عليها‪ ،‬وتر القيام إلى القعود واالضطجاع لمن ال يستطيعه‪ ،‬وترك الركوع والسجود‬
‫إلى االنحناء لمن ال يستطيعهما‪.]31[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول‬

‫أدلة رفع الحرج‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬األدلة من القرآن الكريم‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬النص على نفي الحرج‪ :‬جاء في القرآن الكريم آيات كريمة فيها النص على نفي الحرج عن‬
‫هذا الدين‪ ،‬آيتان منها تنفي الحرج عن الدين كله وبخاصة آية الحج‪ .‬واآليات األخر تنفي الحرج عن فئات‬
‫معينة وفي حاالت خاصة‪ ،‬وهذا ال يعني أنها قاصرة في الداللة على من نصت عليهم اآليات كما سيتضح‬
‫من كالم أهل العلم‪ ،‬والعبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬قال تعالى ﴿‪َ  ‬ما ي ُِري ُد هَّللا ُ لِ َيجْ َع َل َعلَ ْي ُك ْم مِنْ َح َر ٍج َولَكِنْ ي ُِري ُد لِ ُي َطه َِّر ُك ْم َولِ ُي ِت َّم نِعْ َم َت ُه َعلَ ْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َت ْش ُكر َ‬
‫ُون‪[﴾ ‬‬
‫‪ .]32‬هذا جزء من آية كريمة في سورة المائدة جاء ختاما ً للكالم عن أحكام الوضوء والغسل والجنابة‬
‫والتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله‪ ،‬مما يتبين أن الغاية في هذه التشريعات ليس االنات والمشقة‪،‬‬
‫إنما هو تكليف مع تخفيف للتطهير وإمام النعمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ين مِنْ َح َر ٍج ِملَّ َة َأ ِبي ُك ْم ِإب َْراهِي َم‪ .]33[﴾ ‬هذا جزء من آية كريمة جاء‬ ‫‪ -2‬قال تعالى ﴿‪َ  ‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ‬
‫تعقيبا ً بعدما أمر هللا تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالركوع والسجود واإلتيان بمجمل الطاعات من العبادة‬
‫ِين آ َم ُنوا ارْ َكعُوا َواسْ ُج ُدوا‬ ‫وفعل الخير والمجاهدة في هللا تعالى حق جهاده حيث يقول عز وجل ﴿‪َ  ‬يا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ُون‪َ  * ‬و َجا ِه ُدوا فِي هَّللا ِ َح َّق ِج َها ِد ِه ه َُو اجْ َت َبا ُك ْم َو َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي‬
‫َواعْ ُب ُدوا َر َّب ُك ْم َوا ْف َعلُوا ْال َخي َْر لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِح َ‬
‫ين مِنْ َح َر ٍج ِملَّ َة َأ ِبي ُك ْم ِإب َْراهِي َم‪.]34[﴾ ..‬‬ ‫ال ِّد ِ‬
‫‪ ‬‬

‫يقول أهل التفسير‪ :‬إن هللا سبحانه وتعالى ما كلف عباده ما ال يطيقون‪ ،‬وما ألزمهم بشيء يشق عليهم إال‬
‫جعل هللا لهم فرجا ً ومخرجاً‪ .‬صح عن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬إنما ذلك سعة اإلسالم وما جعل‬
‫هللا فيه من التوبة والكفارات‪ ،‬فليس هناك ضيق إال ومنه مخرج ومخلص‪ ،‬فمنه ما يكون بالتوبة ومنه ما‬
‫يكون برد المظالم‪ ،‬فليس في دين اإلسالم ما ال سبيل إلى الخالص من عقوبته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولقد كانت الشدائد والعزائم في األمم فأعطى هللا هذه األمة من المسامحة واللين ما لم يعط أحداً قبلها رحمة‬
‫من هللا وفضالً‪ ،‬فأعظم حرج رفع المؤاخذة بما نبدي في أنفسنا ونخفيه وما يقترن به من إصر وضع ع ّنا‪،‬‬
‫وتوبتنا تكون بالندم والعزم على ترك العود واالستغفار بالقلب واللسان‪ ،‬أما من قبلنا فقيل لهم ﴿‪َ  ‬ف ُتوبُوا ِإلَى‬
‫َأ‬
‫ارِئ ُك ْم‪ .]35[﴾ ‬يقول ابن العربي‪ :‬ولو ذهبت إلى تعديد نعم هللا في‬ ‫ارِئ ُك ْم َفا ْق ُتلُوا ْنفُ َس ُك ْم َذلِ ُك ْم َخ ْي ٌر لَ ُك ْم عِ ْن َد َب ِ‬
‫َب ِ‬
‫رفع الحرج لطال المرام‪.]36[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫بل لقد قال اإلمام أبو بكر الجصاص‪ :‬ولما كان الحرج هو الضيق ونفى هللا عن نفسه إرادة الحرج بنا ساغ‬
‫االستدالل بظاهره في نفي الضيق وإثبات التوسعة في كل ما اختلف فيه من أحكام السمعيات فيكون القاتل‬
‫بما يوجب الحرج والضيق محجوجا ً بظاهر هذه اآلية‪.]37[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫صحُوا‬‫ون َح َر ٌج ِإ َذا َن َ‬
‫ون َما ُي ْنفِقُ َ‬ ‫ِين اَل َي ِج ُد َ‬ ‫ض َع َفا ِء َواَل َعلَى ْال َمرْ َ‬
‫ضى َواَل َع َلى الَّذ َ‬ ‫ْس َعلَى ال ُّ‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى ﴿‪ ‬لَي َ‬
‫يل َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َرحِي ٌم‪ .]38[﴾ ‬هذه اآلية أصل في سقوط التكليف عن‬ ‫ِين مِنْ َس ِب ٍ‬ ‫هَّلِل ِ َو َرسُولِ ِه َما َعلَى ْالمُحْ سِ ن َ‬
‫العاجز‪ ،‬فكل من عجز عن شيء سقط عنه فتارة إلى بدل هو فعل‪ ،‬وتارة إلى بدل هو غرم‪ ،‬ور فرق بين‬
‫العجز من جهة القوة العجز من جهة المال‪ ،‬ونظير ذلك قوله تعالى ﴿‪ ‬اَل ُي َكلِّفُ هَّللا ُ َن ْفسً ا ِإاَّل وُ سْ َع َها‪.]39[﴾ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫والمراد بالضعفاء‪ :‬العاجزون عن العدو وتحمل المشاق وإن كانوا أصحاء كالشيخ والصبي والمرأة‬
‫والنحيف‪ .‬أما المرضى‪ :‬فهم العاجزون بأمر عرض لهم كالعمى والحرج‪ .‬والذين ال يجدون ما ينفقون‪ :‬هم‬
‫الفقراء ولو كانوا أقوياء وأصحاء‪.]40[ ‬فكل هؤالء ليس عليهم إثم وال ذنب إذا تخلفوا عن الجهاد إذا نصحوا‬
‫هلل ورسوله وأخلصوا اإليمان والعمل الصالح فلم يرجفوا ولم يثيروا الفتن وأوصلوا الخير إلى المجاهدين‬
‫وقاموا بمصالح بيوتهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك ونقل األخبار السارة عن المجاهيدن‪ ،‬فكل ذلك من األمور‬
‫التي هي في مجرى اإلعانة على الجهاد‪.]41[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬آيات التيسير والتخفيف‪ :‬وهذا النوع في آيات التفسير والتخفيف والرحمة‪ ،‬وهذه األوصاف ال‬
‫يمكن أن تجامع الحرج فهي جلية بينة في رفع الحرج ونفيه عن هذه الشريعة السمحة‪ ،‬وهي آيات ال يمكن‬
‫حصرها إنما نقتصر على طائفة منها واضحة الداللة مع بعض تقريرات أهل العلم عليها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ ِب ُك ُم ْاليُسْ َر َواَل ي ُِري ُد ِب ُك ُم ْالعُسْ َر َولِ ُت ْك ِملُوا ْال ِع َّد َة‪ .]42[﴾ ..‬تبين اآلية الكريمة أنه‬
‫سبحانه وتعالى أراد بتشريعه األحكام اليسر‪ ،‬واليسر‪ :‬كل ما يجهد النفس وال يثقل الجسم‪ ،‬أما العسر فهو ما‬
‫يجهد النفس ويضر الجسم‪ ،‬وداللتها على المقصود ظاهرة جلية‪ .‬فإذا أراد هللا اليسر ونفى العسر فقد نفى‬
‫الحرج‪ ،‬وهل الحرج أال عسر وكذا إذا أراد اليسر نفى الحرج‪ .‬واآلية وإن كانت في شأن الرخص في‬
‫الصيام إال أن المراد منها العموم‪ ،‬كما صرح بذلك غير واحد من المفسرين‪.]43[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ك ل ِْليُسْ َرى‪ .]44[﴾ ‬أي للحنفية السمحة السهلة التي هي أيسر الشرائع وأوفقها بحاجة‬
‫‪ -2‬قوله تعالى ﴿‪َ  ‬و ُن َي ِّس ُر َ‬
‫البشر مدى الدهر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ضعِي ًفا‪ .]45[﴾ ‬واآلية الكريمة وردت في بيان‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى ﴿‪ ‬ي ُِري ُد هَّللا ُ َأنْ ي َُخ ِّف َ‬
‫ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َِق اِإْل ْن َسانُ َ‬
‫المحرمات في النكاح وما أبيح من نكاح اإلماء عند العجز عن الحرائر‪ .‬لذا رأى بعض العلماء أن المراد من‬
‫التخفيف إباحة نكاح اإلماء عند الضرورة‪ ،‬وأن الضعف في اإلنسان هو الضعف أمام الشهوة‪ .‬والقول‬
‫الراجح الذي صرح به كثير من المفسرين أن المراد عموم التخفيف في الشريعة وذلك يبتني على ضعف‬
‫اإلنسان أمام رغباته ومغريات الحياة‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل يسرد لهذا المخلوق الضعيف التخفيف والرحمة‬
‫واليسر ورفع الحرج والمشقة وإزالة الضرر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫واآليات في هذا المجال من أكثر ما تحصى‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانياً‪ :‬األدلة من السنة النبوية المط ّهرة‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬في بيان يسر الدين وسماحته ورفع الحرج عنه‪:‬‬

‫‪ -1‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬قيل يا رسول هللا‪ .‬أي األديان أحب إلى هللا؟ قال‪ :‬الحنفية السمحة‪.‬‬
‫[‪.]46‬وأخرجه الب ّزار من وجه آخربلفظ‪ :‬أي اإلسالم؟‪ .‬قال ابن حجر وإسناده حسن‪.‬‬

‫‪ -2‬أورد الهيتمي في مجمع الزوائد والسيوطي في األشباه أحاديث بألفاظ متقاربة وأسانيد مختلفة كـ (بعثت‬
‫بالحنفية السمحة) و (إن أحب الدين إلى هللا الحنفية السمحة)‪ .‬وعن أبي بن كعب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫أقرأني النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬إن الدين عند هللا الحنفية السمحة ال اليهودية وال النصرانية)‬

‫‪ -3‬عن غاضرة بن عروة الفقيمي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنا ننتظر النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فخرج‬
‫يقطر رأسه من وضوء أو غسل فصلى‪ ،‬فلما قضى الصالة جعل الناس يسألونه‪ :‬يا رسول هللا‪ .‬أعلينا حرج‬
‫في كذا؟ فقال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬ال‪ ،‬أيها الناس‪ ،‬إن دين هللا عز وجل في يسر‪ ،‬إن دين هللا عز وجل‬
‫في يسر‪ ،‬إن دين هللا عز وجل في يسر‪]47[.‬‬

‫‪ ‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬في خشيته‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أن يكون قد شق على أمته‪:‬‬

‫‪ -1‬عن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه خرج من عندها مسروراً ثم رجع‬
‫إليها وهي كئيب‪ ،‬فقال‪ :‬إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون‬
‫قد شققت على أمتي‪.]48[ ‬‬

‫‪ -2‬أنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬صلى ذات ليلة من رمضان فصلى الناس بصالته‪ ،‬ثم صلى القابلة فكثر‬
‫الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم‪ ،‬فلما أصبح قال‪ :‬قد رأيت الذي صنعتم فلم‬
‫يمنعني من الخروج إليكم إال أني خشيت أت تفرض عليكم‪ ،‬وفي رواية فتعجزا عنها‪.]49[ ‬‬

‫‪ -3‬قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬إني ألقوم إلى الصالة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّ ز‬
‫كراهية أن أشق على أمّه)[‪.]50‬‬

‫‪ ‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬في أمره‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بالتخفيف ونهي أصحابه عن التعمق والتشديد وإنكاره‬
‫عليهم‪:‬‬

‫‪ -1‬كان معاذ ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬يصلي معه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ثم يأتي فيؤم قومه‪ ،‬فصلى ذات ليلة مع‬
‫النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة‪ ،‬فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحد‬
‫وانصرف‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أنافقت يا فالن؟ قال‪ :‬ال وهللا وآلتين رسول هللا فألخبرنه‪ ،‬فأتى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ .-‬فقال‪ :‬يا رسول هللا إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار‪ ،‬وإن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى‬
‫فافتتح بسورة البقرة‪ ،‬فأقبل ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على معاذ‪ ،‬فقال‪ :‬يا معاذ أف ّتان أنت؟! اقرأ بكذا‪ .‬وفي‬
‫الرواية األخرى سبح اسم ربك األعلى والليل إذا يغشى والضحى‪.]51[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬جاء رجل إلى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬إني أتأخر عن صالة الصبح من أجل فالن مما‬
‫يطيل بنا‪ .‬يقول راوي الحديث وه أبو مسعود األنصاري‪ ،‬فما رأيت النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬غضب‬
‫في موعظة أشد مما غضب يومئذ‪ ،‬فقال‪ :‬أينا الناس إن منكم منفرين فأيكم أ ّم الناس فليوجز فإن ورائه الكبير‬
‫والضعيف ذا الحاجة‪.]52[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وتوجيهاته ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في هذا مما يجل عن الحصر في مثل هذا المقام فالسهولة والرفق واألخذ‬
‫باأليسر ومراعاة أحوال الناس ديدنه عليه أفضل الصالة وأت ّم التسليم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫مظاهر التيسير في األحكام‪ A‬وغيرها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬األحكام المتعلقة بالعبادات‪:‬‬

‫‪ -1‬الفرائض‪:‬‬

‫األصل في العبادات التوقيف‪ ،‬فال يتعبد هللا إال بما شرعه في كتابه وعلى لسان نبيه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫فالعبادة حق خالص له سبحانه وتعالى قد طلبه من عباده بمقتضى ربوبيته لهم‪ ،‬وكيفية العبادة وهيئاتها‬
‫والتقرب بها ال يكون إال على الوجه الذي شرعه وأذن به‪ ،‬قال تعالى ﴿‪َ ‬أ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫ش َر َكا ُء َش َرعُوا لَ ُه ْم م َِن ال ِّد ِ‬
‫ين‬
‫َما لَ ْم َيْأ َذنْ ِب ِه هَّللا ُ‪ .]53[﴾ ‬وجانب اليسر في هذا القصر والتحديد ظاهر‪ ،‬فالعبادات تمثل مطلوبات شرعية‪،‬‬
‫والمطلوب ثقيل على النفس‪ ،‬فمن رحمة هللا تعالى أنه لم يكله إلى المخلوقين وإال ألدخل بعض المكلفين‬
‫أنفسهم العنت والمشقة‪ .‬وقد أراد بعض الصحابة هذا السلوك في التعمق والتشدد لكنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬بين لهم أن ذلك رغبة عن سنة اإلسالم فاإلسالم في مجال العبادات محدود ال يقبل الزيادة‪ .‬والعبادة‬
‫المفروضة سهلة ميسرة‪ ،‬فالصالة التي هي عمود اإلسالم ال تجب في اليوم أكثر من خمس مرات على كيفية‬
‫خفيفة ميسرة‪ ،‬إضافة إلى مراعاة تخفيفها العتبارات أخرى كضعف المصلي أو مرضه أو حاجته‪ ،‬فاإلنسان‬
‫لو بذل غاية الطاقة يستطيع فوق ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما الزكاة فهي فريضة مالية على األغنياء من المسلمين إذا تحققت شروطها سواء ما يتعلق بالمال أو مالكه‪،‬‬
‫وهذه الفريضة ال تمثل إال نسبة من المال الفائض عند المالك‪ ،‬ومعلوم أن الزكاة ال تجب في كل ما يملك‬
‫اإلنسان فالدار التي يسكنها والمركب الذي يركبه وكل ما يستهلكه مهما بلغ من قيمة وال يحول عليه الحول‬
‫ال زكاة فيه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما الصيام فقد بيّن سبحانه وتعالى فقال ﴿‪ ‬ي ُِري ُد هَّللا ُ ِب ُك ُم ْاليُسْ َر َواَل ي ُِري ُد ِب ُك ُم ْالعُسْ َر َولِ ُت ْك ِملُوا ْال ِع َّد َة‪ .]54[﴾ ‬مما‬
‫يبين أن المقصود من شرعية الصيام تهذيب النفس والوصول بها إلى مراقي التقوى ال العسر والمشقة‬
‫باألمساك عن الطعام والشراب والشهوة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أما الحج فإنه ال يجب في عمر المكلف أكثر من مرة إذا توافرت شروطه من قدرة بدنية ومالية وأمن طريق‬
‫اع ِإلَ ْي ِه َس ِبياًل ‪.]55[﴾ ‬‬
‫﴿‪َ  ‬م ِن اسْ َت َط َ‬
‫‪ ‬‬

‫هذه هي أهم العبادات في اإلسالم‪ ،‬سهلة ميسرة في األحوال والظروف المعتادة‪ ،‬أم في الحاالت الطارئة‬
‫والظروف االستثنائة فتأخذ هيات وأحكام تناسب مع وضع الملكف في تلك الظروف واألحوال‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬النوافل‪:‬‬

‫شرعت النوافل للمحافظة على الفرائض ولتربية النفس المسلمة وتقوية صلة المسلم باهلل عز وجل‪ .‬وطلب‬
‫المواظبة على بعض النوافل ليس المراد منه االتيان بها على هيئة ثقيلة شاقة‪ ،‬إنما المداومة على هيئة ال‬
‫تؤدي إلى االنقطاع‪ ،‬فأحب الدين إلى هللا تعالة ما داوم عليه صاحبه وإن قل‪ .‬يقول لنووي رحمه هللا‪ :‬إن دوام‬
‫القليل به تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة واإلخالص‪ ،‬واإلقبال على هللا بخالف الكثير الشاق حتى ينمو‬
‫القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا ً كثيرة‪ .‬ويقول ابن الجوزي‪ :‬إن مداوم الخير مالزم‬
‫للخدمة وليس من الزم الباب في كل يوم وقتا ً كمن الزم يوما ً كامالً ثم انقطع‪.]56[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫والمقصود من الطاعات استقامة النفس ودفع اعوجاجها ال اإلحصاء وبلوغ الغاية فإنه كالمتعذر‪ ،‬وفي ذلك‬
‫قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬استقيموا ولن تحصوا)[‪.]57‬‬

‫‪ ‬‬

‫واالستقامة تحصل بمقدار معين يسير مع المداومة عليه على وجه ال يفضي إلى إهمال االرتفاقات‬
‫الالزمة‪ ‬وال إلى غمط حق من الحقوق كما قال سلمان ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬ألبي الدرداء ‪ -‬رضي هللا عنه ‪:-‬‬
‫إن لنفسك عليك حقا ً وإن لزوجك عليك حقاً‪ ،‬وقد صدقه عليه الصالة والسالم بل هو قوله وفعله حيث قال‬
‫(أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)[‪]58‬‬

‫‪ ‬‬

‫وإن من مقاصد التشريع سد باب التعمق والتنطع في الدين لئال يتمسك بها جيل فيأتي من بعدهم فيظنوا أنها‬
‫من الطاعات المفروضة عليهم ثم مع تعاقب الزمن يتحول الظن إلى يقين فيقع الحرج بل قد يصل إلى‬
‫التحريف والزيغ وهو ما ذكره هللا في قوله عز وجل ﴿‪َ  ‬و َرهْ َبا ِني ًَّة ا ْب َتدَ عُو َها َما َك َت ْب َنا َها َعلَي ِْه ْم ِإاَّل ا ْبت َِغا َء‬
‫ان هَّللا ِ َف َما َر َع ْو َها َح َّق ِر َعا َي ِت َها‪ .]59[﴾ ‬ولقد وجه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أمته أن يقتصدوا في العمل‬ ‫ِرضْ َو ِ‬
‫وأن ال يجاوزا إلى حد يفضي إلى الملل أو إهمال الحقوق‪ ،‬وفي السنة من ذلك ما ال يكاد يحصى كقوله عليه‬
‫الصالة والسالم (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إال غليه فسدوا وقاربوا وأبشروا)[‪.]60‬‬

‫‪ ‬‬

‫هذا هو المسلك في النوافل طريق لتحصيل الثواب وإكمال لما يعتري الفرائض من خلل من غير مشقة أو‬
‫حرج ولكن أخذ باليسير من األمر‪ ،‬أما التشديد واإلثقال المؤدي إلى االنقطاع فهذا غير مأمور به وحال‬
‫صاحبه كالمنبت ال ظهراً ابقى وال أرضا ً قطع‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫األحكام المشروعة لألعذار‪:‬‬

‫الرخصة في اللغة هي اليسر والسهولة‪ ،‬وفي االصطالح اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفا ً عن‬
‫المكلين ورفعا ً للحرج عنهم‪.]61[ ‬‬

‫أو هي ما وسع للمكلف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السبب المحرم‪.]62[ ‬‬

‫أو هي ما شرع من األحكام لعذر مع قيام المحرم لوال العذر لثبتت الحرمة‪.]63[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫فنلحظ من خالل تلك التعاريف بأن المكلف في األصل أنه قد شرع في حقه أحكام يجب أن يلتزم بها‪ ‬وهي ما‬
‫تسمى بالعزيمة وهي األحكام التي شرعت ابتدا ًء دون وجود ظروف طارئة يمر بها المكلف‪ ،‬ولكن قد يحدث‬
‫وأن تمر على المكلف ظروف طارئة‪ ،‬وأعذار تستدعي التخفيف‪ ،‬لوالها لبقي الحكم األصلي ولكن تخفيفا‬
‫عن المكلفين ورفعا ً للحرج عنهم‪ ،‬ودفعا ً للمشقة عنهم شرعت الرخصة والتي هي استثناء جزئي من كلي‪،‬‬
‫وسبب االستثناء مالحظة الشارع الضرورات واألعذار‪ ،‬ولذا فإن األصوليين يعدون تشريع الرخص من‬
‫باب المصالح الحاجية والتي شرعت لحاجة الناس إليها‪ ،‬والتي لو لم تشرع لوقع الناس في حرج ومشقة‬
‫وعنت‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والرخصة بهذا المعنى تشمل األحكام اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬ما انتقل فيه الحكم من المنع الذي يقتضيه الدليل إلى الجواز الذي يعم الوجوب كأكل الميتة للمضطر‬
‫بالقدر الذي يدفع به عن نفسه الهالك وهذا ثابت بقوله تعالى‪َ  ﴿ :‬وال ُت ْلقُوا ِبَأ ْيدِي ُك ْم ِإلَى ال َّت ْهلُ َك ِة‪ ]64[﴾ ‬ودل‬
‫اغ َوال َعا ٍد َفال ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه ِإنَّ هَّللا َ َغفُو ٌر َرحِي ٌم‪،]65[﴾ ‬وهذا على خالف‬ ‫ُ‬
‫عليه قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف َم ِن اضْ طرَّ َغي َْر َب ٍ‬
‫قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن َما َحرَّ َم َعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْي َت َة‪ ]66[﴾ ‬كما يعم أيضا ً الندب مثاله‪ :‬كقصر الصالة الرباعية للمسافر عند‬
‫َمن يرى بأن ذلك مندوب وهو ثابت بقوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬صدقة تصدق هللا بها عليكم فاقبلوا‬
‫صدقته)[‪ ]67‬على خالف الدليل الموجب لإلتمام وهو قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( -‬وصلوا كما رأيتموني‬
‫أصلي)‪ ]68[ ‬كما يعم اإلباحة كرؤية الطبيب المعالج لعورة المرأة ‪-‬إذا لم توجد الطبيبة المسلمة‪ -‬فقد كان‬
‫ممنوعا ً محرما ً إالّ أنه أبيح لرفع الحرج وتيسيراً على المكلفين‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ويعم أيضا ً خالف األولى كالفطر في نهار رمضان لمن ال يتأذى من الصوم الثابت بقوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف َمنْ َك َ‬
‫ان‬
‫َّام ُأ َخ َر‪ ]69[﴾ ‬وهو على خالف قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف َمنْ َش ِهدَ ِم ْن ُك ُم ال َّشه َْر‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ِم ْن ُك ْم َم ِريضا ً ْو َعلَى َس َف ٍر َف ِع َّدةٌ مِنْ ي ٍ‬
‫ُون‪.]71[﴾ ‬‬ ‫َف ْل َيصُمْ ُه‪ ]70[﴾ ‬وكان خالف األولى لقوله تعالى‪َ  ﴿ :‬وَأنْ َتصُومُوا َخ ْي ٌر لَ ُك ْم ِإنْ ُك ْن ُت ْم َتعْ لَم َ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬ما جاء به النص مخالفا ً للقياس كالسلم إذ القياس يقتضي بطالنه ألنه بيع معدوم‪ ،‬وبيع المعدوم من‬
‫المقرر فقها ً أنه باطل لقوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لحكيم بن حزام رضي هللا عنه‪( :‬ال تبع ما ليس عندك)‪[ ‬‬
‫‪ ،]72‬ولكن ورد النص بجوازه وهو قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ ( -‬من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن‬
‫معلوم إلى أجل معلوم)‪.]73[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وما شرعت اإلجارة والمضاربة‪ ..‬وغيرها من العقود التي صححت على خالف القياس إالّ من باب‬
‫التيسير‪ ‬ورفع الحرج عن المكلفين وذلك لحاجتهم الماسة إلى تصحيح تلك العقود التي لو لم تصحح لوقع‬
‫المكلفون في حرج ومشقة وعنت ال يطيقونه وال يتحملونه تخفيفا ً عنهم شرعت وصححت تلك العقود على‬
‫خالف القياس‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬ما انتقل فيه الحكم من الوجوب الذي يقتضيه الدليل إلى الترك الذي يعم الحرام‪ ،‬ومثاله‪ :‬كحرمة صوم‬
‫المريض إذا كان الصوم يؤدي به إلى الهالك المؤكد‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أقسـام الرخصة‪:‬‬

‫‪ -1‬رخصة فعل‪ :‬وهي التي يدعو فيها الشارع بسبب الضرورة أو الحاجة إلى فعل ما نهى عنه المكلف‪ ،‬فقد‬
‫نهى عن أكل الميتة فرخص فيها عند الحاجة والضرورة الملحة تيسيراً على المكلف‪.‬‬

‫‪ -2‬رخصة ترك‪ :‬وهي التي يدعو الشارع فيها بسبب الضرورة أو الحاجة إلى ترك ما أوجبه‪ ،‬مثاله‪ :‬كترك‬
‫الصوم في رمضان للمريض والمسافر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أنواع الرخصة‪:‬‬

‫‪ -1‬إباحة المحظورات عند الضرورة فمن ُأكره على التلفظ لكلمة الكفر وقلبه مطمئن باإليمان أبيح له ذلك‬
‫ُأ‬
‫ان‪ ]74[ ﴾ ‬أو اضطر إلى تناول محرم لضرورة فيباح له‬ ‫لقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إال َمنْ ْك ِر َه َو َق ْل ُب ُه م ُْط َمِئنٌّ ِباِألي َم ِ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وأما حكم هذا النوع‪ :‬وجوب العمل بالرخصة إذا تعينت طريقا ً لدفع الضرر عن النفس‪ ،‬ولكن في حالة التلفظ‬
‫بكلمة الكفر فاألولى عند األحناف عدم األخذ بالرخصة واألولى األخذ بالعزيمة لما في ذلك من إغاظة للكفار‬
‫وإظهار للتمسك بالعقيدة‪ ،]75[ ‬ولكن إن أخذ بالرخصة أخذه بها مشروع وجائز‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬إباحة ترك الواجب في حالة وجود عذر يجعل أداءه شاقا ً على المكلف فرفعا ً للحرج وتيسيراً عليه أبيح‬
‫له ترك الواجب‪ ،‬ومثال ذلك إباحة الفطر في نهار رمضان للمريض أو المسافر‪ ،‬وذلك ألن المريض متلبس‬
‫بعذر يجعل أداء ما كلف به صعبا ً عليه وشاقا ً على النفس فلو لم تشرع تلك الرخصة لوقع المكلف في حرج‬
‫وضيق‪ ،‬فتيسيراً عليه ورفعا ً للحرج عنه أبيح له ترك الواجب‪ ،‬وكذا األمر بالنسبة للمسافر وكذلك يباح‬
‫للمسافر تيسيراً عليه ورفعا ً للحرج عنه أن يقصر من الصالة الرباعية والتي تؤدى ركعتين بدالً من‬
‫ْس َعلَ ْي ُك ْم ُج َنا ٌح َأنْ َت ْق ُ‬
‫صرُوا‬ ‫ض َفلَي َ‬‫ض َر ْب ُت ْم فِي اَألرْ ِ‬ ‫أربع‪ ،‬دل على ذلك التخفيف والتيسير قوله تعالى ﴿‪َ  ‬وِإ َذا َ‬
‫م َِن الصَّال ِة ِإنْ ِخ ْف ُت ْم َأنْ َي ْف ِت َن ُك ُم الَّذ َ‬
‫ِين َك َفرُوا ِإنَّ ْال َكاف ِِر َ‬
‫ين َكا ُنوا لَ ُك ْم َع ُدوّ اً م ُِبينا ً‪.﴾ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫حكم هذا النوع‪ :‬عند الجمهور العمل بالعزيمة أفضل من العمل بالرخصة بشرط أال يترتب على ذلك ضرر‬
‫بيّن بالمكلف‪ ،‬فإذا ترتب ضرر يلزم حينئذ العمل بالرخصة الذي يكون متحتما ً وواجبا ً لدرء المفسدة ولدفع‬
‫الضرر الذي يحصل جراء األخذ بالعزيمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والذي يدل على ذلك أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى‬
‫إذا بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له‪ :‬إن الناس قد شق عليهم الصوم‪ .‬وإن الناس ينظرون فيما‬
‫فعلت فدعا بقدح من ماء فشربه والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وظل البعض اآلخر صائما ً فقيل له ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إن بعض الناس قد صام فقال عليه الصالة والسالم‪( :‬أولئك العصاة أولئك العصاة)‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فقوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أولئك العصاة تنفير من هذا العمل الذي قاموا به وهو بقاؤهم صائمين بالرغم‬
‫من إفطار الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فلو كان فعلهم مشروعا ً وجائزاً لما وصفهم الرسول ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بذلك الوصف‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬تصحيح بعض العقود االستثنائية التي لم تتوافر فيها الشروط العامة النعقاد العقد وصحته‪ ،‬ولكن جرت‬
‫بها معامالت الناس وصارت من حاجاتهم حكم هذا النوع‪ :‬األخذ بها جائز ألنه يؤدي إلى رفع الحرج‬
‫والمشقة عن الناس لحاجتهم لتلك المعامالت التي ال تخلو منها حياتهم العملية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أسباب الرخصة‪ :‬للرخصة أسباب منها‪:‬‬


‫‪ -1‬الضرورة وهذا السبب مبني على أصل تشريعي وهو أن الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬وقد تقدم فيما‬
‫سبق أمثلة على ذلك تدل على مبدأ رفع الحرج والتيسير على المكلفين‪.‬‬

‫‪ -2‬رفع الحرج والضيق والمشقة وهذا السبب مبني على أصل تشريعي وهو أن المشقة تجلب التيسير‪ ،‬ومرّ‬
‫معنا فيما سبق أمثلة على ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أسباب التخفيف‪ :‬أورد اإلمام السيوطي ‪-‬يرحمه هللا‪ -‬في كتابه األشباه والنظائر سبعة أسباب للتخفيف كلها‬
‫تدل بمجموعها على أصالة مبدأ رفع الحرج والتيسير على المكلفين‪ ،‬وأنه سمة بارزة وقد ذكرناها في مكانها‬
‫وال داعي لتكرارها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫بعد ما أوردناه فيما سبق من بيان ألصالة مبدأ رفع الحرج والتيسير في شرعنا الحنيف البد أن نشير إلى أنه‬
‫ليس معنى يسر الشريعة وسماحتها أن يركن اإلنسان ويهمل التكاليف الشرعية‪ ،‬ويجعل من التيسير ورفع‬
‫الحرج مدخالً للهروب مما كلف به اإلنسان‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وأيضا ً مع سماحة اإلسالم ويسره فهو قد وبخ المتشددين الذين يشددون على المسلمين ويغلو الواحد منهم في‬
‫دينه‪ ‬ويبالغ في ذلك الغلو وحتى كأن السمة البارزة لإلسالم هي الغلو‪ ،‬والذي يعد األخذ به اتباعا ً للهوى ألنه‬
‫مخالف لدين هللا الذي من سماته أنه دين اليسر والسماحة وال يمكن أن يجتمع اليسر والتشدد في آن واحد‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وصفة الغلو وبخ هللا عز وجل أصحابها من األمم السالفة وأنكر عليهم غلوهم ونهاهم عن ذلك في موعظة‬
‫يستفيد منها المسلمون‪ ،‬فقال تعالى‪َ  ﴿ :‬يا َأهْ َل ْال ِك َتا ِ‬
‫ب ال َت ْغلُوا فِي دِي ِن ُك ْم‪ ]76[﴾ ‬ولما كان األمر متعلقا ً بأمم‬
‫سبقت هذه األمة فعلى هذه األمة اإلسالمية أن تتجنب الوقوع بما وقعت يه تلك األمم من الغلو وأن تبتعد عن‬
‫أسبابه حتى ال يصيبها ما أصاب تلك األمم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ويكفي هنا أن نسوق كالما ً قيما ً البن القيم في كتابه القيم أعالم الموقعين ما يدل داللة واضحة على سمات‬
‫بارزة في هذه الشريعة فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي‬
‫عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى‬
‫ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل‬
‫فالشريعة عدل هللا بين عباده ورحمته بين خلقه‪.]77[ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫بعض القواعد الفقهية المتعلقة برفع الحرج‪:‬‬

‫الضرورات تبيح المحظورات‪:‬‬

‫شرح القاعدة ومعناها‪:‬‬

‫الضرورة فى اللغة‪ :‬مأخوذة من اإلضطرار‪ ،‬وهو الحاجة الشديدة‪ ،‬والمحظورات جمع محظور‪ :‬وهو الحرام‬
‫المنهى عنه شرعا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وعلى ذلك يكون معنى القاعدة‪ :‬أن الممنوع من فعله شرعا يباح عند الضرورة‪.]78[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقد تأتى الضرورة بمعنى الضرر‪ ،‬وأما الضُر فهو سوء الحال الذى النفع معه يساويه أو يزيد عليه‪ ،‬فإن‬
‫كان معه نفع يساويه أو يزيد عليه فال يسمى حينئذ ضررا‪ ،‬ومن ثم فال يطلق على تناول جرعات األدوية‬
‫المرة مثال ضرر لما تشمله من المنفعة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومثله اإلضطرار‪ ،‬وهو حمل اإلنسان على ما فيه الضرر‪ ،‬سواء كان الحامل من داخل اإلنسان كالجوع‬
‫والمرض‪ ،‬أو من خارجه كاإلكراه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وأفضل تعريف للضرورة هو ما جاء فى مجلة العدل الدولية‪ :‬أنها هى العذر الذى يجوز بسببه إجراء الشىء‬
‫الممنوع‪ .‬وإباحة الضرورات للمحظورات تسمى فى علم أصول الفقه‪ :‬رخصة‪.]79[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫دليل القاعدة‪:‬‬

‫ف ِإِل ْث ٍم َفِإنَّ هَّللا َ َغفُو ٌر َرحِي ٌم‪ .]80[ ﴾ ‬قال ابن كثير‪ :‬أى‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف َم ِن اضْ ُ‬
‫طرَّ فِي َم ْخ َم َ‬
‫ص ٍة َغي َْر ُم َت َجا ِن ٍ‬
‫فمن احتاج إلى تناول شىء من هذه المحرمات التى ذكرها هللا تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله وهللا‬
‫غفور رحيم له‪ ،‬ألنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له[‪.]81‬‬

‫‪ ‬‬
‫ان‪ ،]82[﴾ ‬فمن ُأكره على‬ ‫ُأ‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬منْ َك َف َر ِباهَّلل ِ مِنْ َبعْ ِد ِإي َما ِن ِه ِإاَّل َمنْ ْك ِر َه َو َق ْل ُب ُه م ُْط َمِئنٌّ ِباِإْلي َم ِ‬
‫النطق بكلمة الكفر وأنذر بالقتل إن لم يفعل نطق بها وال حرج عليه ما دام قلبه مطمئنا باإليمان‪ ،‬وإن لم‬
‫ينطق بها فقتل مات شهيدا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فقد أخذ المشركون عمار بن ياسر – كما روى ابن جرير فى تفسيره‪ – ]83[ ‬فعذبوه حتى قاربهم فى بعض‬
‫ما أرادوا‪ ،‬فشكا ذلك إلى النبى ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فقال النبى ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ " :-‬كيف تجد‬
‫قلبك؟ قال‪ :‬مطمئن باإليمان‪ ،‬قال النبى ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪" :-‬إن عادوا فعد" أى‪ :‬إن عادوا إلى تعذيبك‬
‫وحملك على النطق بكلمة الكفر فقل ما كنت تقول حتى يخلوا سبيلك‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫تطبيقات القاعدة‪:‬‬

‫لهذه القاعدة تطبيقات وصور عديدة‪ ،‬وقد ذكر السيوطى بعضا منها فى كتابه األشباه والنظائر حيث قال‪:‬‬

‫ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة‪ ،]84[ ‬وإساغة اللقمة بالخمر‪ ،‬والتلفظ بكلمة الكفر لإلكراه‪ ،‬وكذا‬
‫إتالف المال‪ ،‬وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه‪ ،‬ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله‪ ،‬ولو ع ًم الحرام‬
‫قطرا بحيث اليوجد فيه حالل إال نادرا فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه وال يقتصر على الضرورة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال اإلمام‪ :‬واليرتقى إلى التبسط وأكل المالذ‪ ،‬بل يقتصر على قدر الحاجة‪.]85[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫ضوابط الضرورة الشرعية‪:‬‬

‫البد للمفتى من مراعاة الضوابط للضرورة الشرعية عند اإلفتاء بالرخصة‪ ،‬ومن أهم هذه الضوابط‪:‬‬

‫الضابط األول‪ :‬أن تكون الضرورة متحققة المتوهمة‪ ،‬بمعنى أن تكون متيقنة أو مظنونة ظنا قويا‪.‬‬

‫الضابط الثانى‪ :‬أال يكون من الممكن تالشيها أو التخلص منها بوجه مشروع‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال الشاطبى‪ :‬وأسباب الرخص أكثر ما تكون مقدرة ومتوهمة المحققة‪ ،‬فربما عدها شديدة وهى خفيفة فى‬
‫نفسها فأدى ذلك إلى عدم صحة التعبد‪ ،‬وصار عمله ضائعا وغير مبنى على أصل‪ ،‬وكثيرا ما يشاهد اإلنسان‬
‫ذلك‪ ،‬فقد يتوهم األمور صعبة وليست كذلك إال بمحض التوهم‪.]86[ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أمثلة للضرورة المتوهمة‪:‬‬

‫قد ضرب هللا فى القرآن الكريم للضرورة المتوهمة أمثلة كثيرة منها‪:‬‬

‫ِين َت َو َّفا ُه ُم ْال َماَل ِئ َك ُة َظالِمِي َأ ْنفُسِ ِه ْم َقالُوا فِي َم ُك ْن ُت ْم َقالُوا ُك َّنا مُسْ َتضْ َعف َ‬
‫ِين فِي‬ ‫‪ -1‬ما جاء فى قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إنَّ الَّذ َ‬
‫ت مَصِ يرً ا‪.]87[﴾ ‬‬ ‫ِئك َمْأ َوا ُه ْم َج َه َّن ُم َو َسا َء ْ‬
‫ض َقالُوا َألَ ْم َت ُكنْ َأرْ ضُ هَّللا ِ َواسِ َع ًة َف ُت َها ِجرُوا فِي َها َفُأولَ َ‬
‫اَأْلرْ ِ‬
‫‪ ‬‬

‫فقولهم‪ :‬كنا مستضعفين فى األرض اعتذار بضرورة وهمية‪ ،‬ألنهم كانوا قادرين على التحول عنها إلى‬
‫أرض أخرى يجدون فيها األمن والحرية فى التعبد‪ ،‬ولذا اليقبل هللا عذرهم حين يعتذرون‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫طوا‪ ،]88[﴾ ‬أى ائذن لى‬‫‪ -2‬ما جاء فى قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬و ِم ْن ُه ْم َمنْ َيقُو ُل اْئ َذنْ لِي َواَل َت ْف ِت ِّني َأاَل فِي ْالفِ ْت َن ِة َس َق ُ‬
‫بالتخلف عن غزو الروم معك يا رسول هللا والتفتنى ببنات بنى األصفر‪ ،‬وهو ساقط فى الفتنة من رأسه إلى‬
‫قدميه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إن الضرورة الوهمية التطمئن النفس إليها عند عرضها على المفتى‪ ،‬وإن كان المستفتى يرى أنها ضرورة‪،‬‬
‫كمن يكون الماء منه على بُعد يستطيع الوصول إليه بالسيارة فى زمن قصير‪ ،‬فيتمسك بأقوال بعض الفقهاء‬
‫بأن الماء إذا كان على بُعد ميل جاز التيمم‪ ،‬ولم يأخذ فى اعتباره تغير األحوال وتيسر السبل‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وكذلك من يكون مريضا مرضا خفيفا فيجعله رخصة فى الفطر‪ ،‬مع أن المرض الذى يبيح الفطر هو ما يجد‬
‫المسلم فيه مع الصوم مشقة تزيد فى مرضه أو تعوق شفاءه‪ ،‬وليس مطلق مرض كما يتوهم بعض من يأخذ‬
‫بظواهر النصوص‪.]89[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫عالقة القاعدة بالرخص الشرعية‪:‬‬

‫الرخص التى تخرج على قاعدة الضرورة ثالثة أنواع‪:‬‬

‫األول‪ :‬يفيد إباحة المرخص به ما دامت حالة الضرورة‪ ،‬كأكل الميتة للمضطر بقدر دفع الهالك عند‬
‫المجاعة‪ ،‬وأكل لحم الخنزير وإساغة اللقمة بالخمر عند الغصة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫فهذه األشياء تباح عند اإلضطرار لقوله تعالى‪" :‬إال ما اضطررتم إليه"‪ ،‬أى دعتكم شدة المجاعة ألكلها‬
‫واإلستثناء من التحريم إباحة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الثانى‪ :‬نوع من الرخص التسقط حرمته بحال‪ ،‬أى أن الفعل يبقى حراما لكن رخص فى اإلقدام عليه لحالة‬
‫الضرورة كإتالف مال المسلم‪ ،‬أو القذف فى عرضه أو إجراء كلمة الكفر على لسانه مع اطمئنان القلب‬
‫باإليمان – إذا كان اإلكراه تاما‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فهذه األفعال فى نفسها محرمة مع ثبوت الرخصة‪ ،‬فأثر الرخصة فى تغيير حكم الفعل وهو المؤاخذة فقط‪،‬‬
‫الفى تغيير وصفه أى حرمته‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الثالث‪ :‬أفعال التباح بحال‪ ،‬واليرخص فيها أصال ال باإلكراه التام والغيره كقتل المسلم أو قطع عضو منه‬
‫أو الزنا أو ضرب الوالدين أو أحدهما‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فهذه األفعال اليباح اإلقدام عليها‪ ،‬والترتفع المؤاخذة وال اإلثم لو فعل مع اإلكراه‪ ،‬ألنه قد تعارض هنا‬
‫مفسدتان روعى أشدهما بارتكاب أخفهما‪ :‬فقتل المسلم أشد من تهديده بالقتل‪ ،‬ولو قتل فى هذه الحالة كان‬
‫مأجورا ولو َق َتل كان ظالما‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ولو زنا تحت اإلكراه التام فإنه يسقط عنه الحد للشبهة لكن اليرتفع اإلثم‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فهذه القاعدة‬
‫التتناول النوع األخير ألنه اليباح بحال من األحوال‪ ،‬فهو مستثنى من هذه القاعدة‪ ،‬وهى إنما تتناول النوع‬
‫األول مع ثبوت إباحته والنوع الثانى مع بقاء حرمته‪ ،‬والترخيص إنما هو فى رفع اإلثم كنظر الطبيب إلى‬
‫ما اليجوز انكشافه شرعا من مريض أو جريح فإنه ترخيص فى رفع اإلثم ال الحرمة‪.]90[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المشقة تجلب التيسير‪:‬‬

‫شرح القاعدة ومعناها‪:‬‬

‫المشقة فى اللغة هى‪ :‬الجهد والتعب‪ ،‬والمراد بالمشقة التى تكون سببا فى التيسير‪ ،‬هى المشقة التى تنفك عنها‬
‫التكليفات الشرعية‪ ،‬أما المشقة التى التنفك عنها التكليفات الشرعية كمشقة الجهاد‪ ،‬وألم الحدود ورجم الزناة‬
‫وقتل البغاة والمفسدين والجناة‪ ،‬فال أثر لها فى جلب تيسير وال تخفيف‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫والتيسير فى اللغة هو السهولة والليونة‪ ،‬والمعنى اللغوى هذا يفيد أن الصعوبة والعناء تصبح سببا للتسهيل‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والمعنى الشرعى للقاعدة اصطالحا‪ :‬أن األحكام التى ينشأ عنها حرج على المكلف ومشقة فى نفسه أو ماله‬
‫فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج‪.]91[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫دليل القاعدة‪:‬‬

‫قامت األدلة على هذه القاعدة من الكتاب والسنة واإلجماع ومشروعية الرخص‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬اَل ُي َكلِّفُ هَّللا ُ َن ْف ًسا ِإاَّل وُ سْ َع َها‪.]92[﴾ ‬‬

‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ َأنْ ي َُخ ِّف َ‬


‫ف َع ْن ُك ْم‪.]93[﴾ ‬‬

‫وقوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ما ي ُِري ُد هَّللا ُ لِ َيجْ َع َل َعلَ ْي ُك ْم مِنْ َح َر ٍج‪ ،]94[﴾ ‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬السنة‪ :‬وأما الدليل من السنة فكثير منه‪:‬‬

‫قوله‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا)‪.]95[ ‬‬

‫وقوله‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬إن أحب الدين إلى هللا الحنيفية السمحة)[‪.]96‬‬

‫وقوله‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬إنما بُعثتم ميسرين‪ ،‬ولم ُتبعثوا معسرين)‪.]97[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وغيرها كثير حتى قال العلماء‪ :‬يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬اإلجماع‪ :‬اإلجماع قد انعقد بين علماء األمة على عدم وقوع المشقة غير المألوفة فى أمور الدين‪ ،‬ولو‬
‫كان ذلك واقعا لحصل التناقض واإلختالف فى الشريعة وذلك منفى عنها‪ ،‬ألن األدلة على سماحة الشريعة‬
‫أكثر من أن تحصر‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ومن أجل ذلك أباح الشارع اإلنتفاع بملك الغير بطريق اإلجارة واإلعارة‪ ،‬والقرض‪ ،‬وسهل األمر باإلستعانة‬
‫بالغير وكالة وإيداعا‪ ،‬وشركة ومضاربة‪ ،‬ومساقاة‪ ،‬وأجاز اإلستيفاء من غير المديون حوالة‪ ،‬وبإسقاط بعض‬
‫الدين صلحا أو إبراء‪ ،‬وبالتوثيق على الدين برهن أو كفيل‪.]98[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪-4‬ما ثبت من مشروعية الرخص‪ :‬وهذا أمر مقطوع به ومما علم من دين األمة بالضرورة كرخص القصر‬
‫والفطر والجمع‪ ،‬وتناول المحرمات فى اإلضطرار‪ ،‬فإن هذا نمط يدل قطعا على مطلق رفع الحرج‬
‫والمشقة‪ ،‬والتيسير والتسهيل على الناس‪.]99[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫تطبيقات هذه القاعدة‪:‬‬

‫قال الفقهاء يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته‪ ،‬وأسباب التخفيف فى العبادات وغيرها‬
‫ثمانية‪:‬‬

‫‪-1‬لسفر‪ :‬فالمسافر يرخص له فى قصر الصالة والفطر والمسح على الخفين والجمع‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪-2‬لمرض‪ :‬فالمريض يرخص له فى التيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء‪ ،‬أو عدم وجود من يعينه‬
‫على ذلك‪ ،‬ويرخص له فى الفطر إذا وجد فى الصوم مشقة‪ ،‬والقعود فى صالة الفرض إن لم يتمكن من‬
‫القيام‪ ،‬واإلستنابة فى الحج ورمى الجمار‪ ،‬وإباحة محظورات اإلحرام مع الفدية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪-3‬إلكراه‪ :‬المكره على الكفر يرخص له فى التلفظ بكلمة الكفر ما دام قلبه مطمئنا باإليمان‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪-4‬لنسيان‪ :‬وهو عدم تذكر الشىء عند الحاجة إليه‪ ،‬واتفق العلماء على أنه مسقط للعقاب‪ ،‬ومن فاته شىء من‬
‫الصالة مثال بسبب النسيان فإنه يعذر فيه واليؤاخذ على تركه وما عليه إال القضاء‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪-5‬لجهل‪ :‬الجاهل يعذر بجهله فى أمور كثيرة نص عليها الفقهاء فى كتبهم كمن تناول شيئا محرما دون علمه‬
‫أنه محرم‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ 7،6‬العسر وعموم البلوى‪ :‬من تعسر عليه فعل شىء من الواجبات سقط عنه بدليل قوله تعالى‪ ﴿ :‬اَل ُي َكلِّفُ‬
‫هَّللا ُ َن ْف ًسا ِإاَّل وُ سْ َع َها‪ .]100[﴾ ‬وإذا كان هناك أمر شاع وانتشر ولم يستطع المسلمون دفعه إال بمشقة بالغة –‬
‫قُبل عذرهم فى السكوت عليه وعدم دفعه أو التحرز منه – كالصالة مع النجاسة التى يشق على المصلى‬
‫إزالتها مثل دم القروح والدمامل والبراغيث والقيح والصديد‪ ،‬وقليل دم األجنبى‪ ،‬وطين الشوارع وذرق‬
‫الطيور إذا عم فى المساجد والمطاف‪ .‬ومن ذلك الجمع فى المطر‪ ،‬وعدم وجوب الصالة على الحائض‬
‫لتكررها بخالف الصوم وبخالف المستحاضة لندرة ذلك‪ ،‬ومن ذلك مشروعية اإلستجمار بالحجر‪ ،‬وجواز‬
‫المسح على العمامة لمشقة استيعاب الرأس ومسح الخف فى الحضر لمشقة نزعه فى كل وضوء إال الغسل‬
‫لعدم تكرره‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -8‬النقص‪ :‬النقص الذى يجلب التخفيف هو الذى يؤدى التكليف معه إلى مشقة غير متحملة غالبا‪ ،‬فال يكلف‬
‫الصبى والمجنون بما يكلف به البالغ العاقل لنقص األهلية‪ ،‬واليكلف النساء بكثير مما يجب على الرجال‬
‫كالصالة مع الجماعة وحضور صالة الجمعة‪ ،‬والجهاد فى سبيل هللا‪ ،‬وغير ذلك من األمور التى يشق عليهن‬
‫القيام بها‪.]101[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫تطبيقات أخرى فى غير العبادات‪:‬‬

‫‪ -1‬إباحة النظر عند الخطبة والتعليم‪ ،‬واإلشهاد‪ ،‬والمعاملة والمعالجة‪.‬‬

‫‪ -2‬مشروعية الطالق لما فى البقاء على الزوجية من المشقة عند التنافر وكذا مشروعية الخلع واإلفتداء‬
‫والفسخ بالعيب ونحوه‪ ،‬والرجعة فى العدة‪.‬‬

‫‪ -3‬مشروعية السلم والخيار ومشروعية الرد بالعيب‪ ،‬والحوالة والرهن والصلح والشركة‪ ،‬والحجر والوكالة‬
‫واإلجارة والمزارعة والوديعة‪ ،‬والوكالة وغير ذلك من تيسيرات البيوع‪.‬‬

‫‪ -4‬مشروعية التخيير بين القصاص والدية تيسيرا على الجانى والمجنى عليه‪.‬‬

‫‪ -5‬مشروعية الوصية عند الموت ليتدارك اإلنسان ما فرط منه فى حال الحياة‪.‬‬

‫‪ -6‬مشروعية التخيير فى كفارة الظهار واليمين تيسيرا على المكلفين‪.‬‬

‫‪ -7‬إباحة أربع نسوة‪ ،‬فلم يقتصر على واحدة تيسيرا على الرجال وعلى النساء أيضا لكثرتهن‪.]102[ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫أنواع المشقة وضوابطها‪:‬‬

‫المشقة على ثالثة أقسام‪:‬‬


‫األول‪ :‬مشقة عادية محتملة‪ :‬وهى ال تنفك عن أى نوع من أنواع التكليف فهذه ال ال تخفيف فيها‪ ،‬ألنها جزء‬
‫من العبادة‪ ،‬ولو استجاب الشارع إلزالة هذا النوع من المشقة النهدم التكليف من أساسه‪.‬‬

‫الثانى‪ :‬مشقة متوسطة‪ :‬وهذه فيها الرخصة‪ ،‬من شاء أخذ بها‪ ،‬ومن شاء تحمل المشقة وله أجره عند هللا‬
‫تعالى‪ ،‬واألجر على قدر المشقة‪ ،‬كالفطر الذى هو رخصة للمريض مرضا ال يخشى عليه منه لو صام أن‬
‫يزداد مرضه أو تأخر البرء منه‪ ،‬وهذه المشقة المتوسطة الضابط لها إال العرف‪ ،‬والمقصود هو عرف‬
‫العلماء ال عرف العوام‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬مشقة غير محتملة‪ :‬وهى التى يقع فيها التخفيف حتما رحمة من هللا بعباده‪ ،‬والرخصة فيها تتحول‬
‫إلى عزيمة يجب على المكلف األخذ بها‪ ،‬كمن عضه الجوع ولم يجد إال الميتة‪ ،‬فإنه يجب عليه األكل منها‬
‫اغ َواَل َعا ٍد‬ ‫ُ‬
‫حفظا على حياته‪ ،‬بحيث ال يتجاوز أكله قدر الضرورة‪ ]103[ ‬لقوله تعالى‪َ  ﴿ :‬ف َم ِن اضْ طرَّ َغي َْر َب ٍ‬
‫َفاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه ِإنَّ هَّللا َ َغفُو ٌر َرحِي ٌم‪.]104[﴾ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫إن المتتبع والدارس والقارئ للفقه اإلسالمي بدقة وتمعن يجد أنه يتميز بخصائص ومميزات ال يتميز بها‬
‫غيره‪ ،‬جعلته قابالً للعطاء طيلة أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمن‪ ،‬يستوعب كل جديد ويدلي بالكلمة‬
‫الفصل فيه إن كان موافقا ً لمبادئ الشريعة اإلسالمية أخذ به‪ ،‬وإن كان مخالفا ً لمبادئ التشريع وروحه‬
‫رفضه‪ ،‬فالفقه هو الحاكم على الواقع وليس الواقع هو الحاكم عليه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومن أهم الميزات التي تميزت بها الشريعة اإلسالمية ‪-‬والفقه جزء منها‪ -‬السماحة واليسر ورفع‬
‫الحرج‪ ،‬جعلتها هذه الميزة شريعة مميزة عن باقي الشرائع السماوية السابقة والتي وجد فيها من األعمال‬
‫الشاقة ما يتناسب وأحوال وأوضاع تلك األمم التي جاءت لها تلك الشرائع‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقد ذكرت ‪-‬صفة الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بأنه ميسر ومبشر ورافع لتلك األغالل التي كانت على‬
‫تلك األمم السالفة‪.‬‬

‫ُون الرَّ سُو َل ال َّن ِبيَّ اُألمِّيَّ الَّذِي َي ِج ُدو َن ُه َم ْك ُتوبا ً عِ ْندَ ُه ْم فِي ال َّت ْو َرا ِة َواِأل ْن ِج ِ‬
‫يل َيْأ ُم ُر ُه ْم‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬الَّذ َ‬
‫ِين َي َّت ِبع َ‬
‫ض ُع َع ْن ُه ْم ِإصْ َر ُه ْم‪.﴾ ‬‬ ‫ت َوي َُحرِّ ُم َعلَي ِْه ُم ْال َخ َب َ‬
‫اِئث َو َي َ‬ ‫ف َو َي ْن َها ُه ْم َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ُي ِح ُّل لَ ُه ُم َّ‬
‫الط ِّي َبا ِ‬ ‫ِب ْال َمعْ رُو ِ‬

‫‪ ‬‬
‫واألدلة على مبدأ التيسير ورفع الحرج كثيرة‪ ،‬منها قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ‬
‫ين مِنْ َح َر ٍج‪ ﴾ ‬فما‬
‫نافية‪ ،‬الدين يعم كل األحكام أي معنى ما سبق أن ال يوجد في ديننا اإلسالمي حكم في تطبيقه حرج على‬
‫المكلفين‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ ِب ُك ُم ْاليُسْ َر َوال ي ُِري ُد ِب ُك ُم ْالعُسْ َر‪ ﴾ ‬فهي واضحة الداللة بينة في معناها من أن هللا عز‬
‫وجل يريد أن ييسر علينا‪ ،‬وال يعسر علينا‪ ،‬ومن التيسير أن يشرع لنا من األحكام ما يسهل تطبيقها وال يشق‬
‫ذلك على المكلفين مطلقاً‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فإننا إذا نظرنا في ال ُس ّنة النبوية نجد نبي السماحة والتيسير والرحمة واللين ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يوصي‬
‫الدعاة من أمته ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من خالل حديثه مع صحابيين جليلين بعثا للدعوة وهما أبوموسى‬
‫األشعري ومعاذ بن جبل ‪ -‬رضي هللا عنه ‪( :-‬يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا وتطاوعوا وال‬
‫تختلفوا)‪.‬‬

‫فالرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بهذا يضع أسسا ً راسخة لفقه الدعوة إلى هللا عز وجل‪ ،‬بدأ وصيته باألمر‬
‫بالتيسير على الناس وعدم التعسير عليهم‪ ،‬أوصى أيضا ً كل الدعاة بالتبشير وعدم التنفير‪ ،‬فكل الدعاة البد أن‬
‫يتمثلوا روح هذا النص النبوي وتتشرب نفوسهم معاني ذلك الحديث وتلك الوصية الجامعة‪ ،‬فالداعي إلى هللا‬
‫عز وجل عليه أن يتذكر أنه على نهج أول الدعاة إلى هللا سيدنا محمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬خير من دعا‬
‫إلى هللا بحكمة وبموعظة حسنة بأن ييسر وال يعسر‪ ،‬وأن يبشر وأال ينفر‪ ،‬فإن كان في موطن يقتضي‬
‫التيسير وعسر على الناس فهو مخالف لسنة أول الدعاة إلى هللا وإن نفر في موطن يحتاج إلى تبشير فهو‬
‫مخالف لسنة رسول هللا‪ - ‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬أحكام القرآن ألبي بكر ابن العربي‪.‬‬

‫‪ -2‬الجامع ألحكام القرآن البن عبد هللا القرطبي‪.‬‬

‫‪ -3‬صحيح البخاري لمحمد بن إسماعيل البخاري‪.‬‬


‫‪ -4‬فتح الباري لشهاب الدين ابن حجر العسقالني‪.‬‬

‫‪ -5‬شرح النووي على صحيح مسلم ليحيى بن شرف النووي‪.‬‬

‫‪ -6‬اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬

‫‪ -7‬جامع األصول البن األثير‪.‬‬

‫‪ -8‬الجامع الصحيح لمحمد بن عيسى الترمذي‪.‬‬

‫‪ -9‬السنن لمحمد بن يزيد القزويني ابن ماجة‪.‬‬

‫‪ -10‬القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪.‬‬

‫‪ -11‬مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي‪.‬‬

‫‪ -12‬األحكام في أصول األحكام لعلي بن أبي علي اآلمدي‪.‬‬

‫‪ -13‬البرهان في أصول الفقه ألبي المعالي الجويني‪.‬‬

‫‪ -14‬الموافقات في أصول الفقه إلبراهيم بن موسى الشاطبي‪.‬‬

‫‪ -15‬قواعد األحكام في مصالح األنام للعز بن عبد السالم‪.‬‬

‫‪ -16‬أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي‪.‬‬

‫‪ -17‬األشباه والنظائر لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪.‬‬

‫‪ -18‬حجة هللا البالغة لشاه ولي هللا الدهلوي‪.‬‬

‫‪ -19‬الوجيز في أصول الفقه لعبد الكريم زيدان‪.‬‬

‫‪ -20‬المستصفى في أصول الفقه لمحمد بن محمد أبي حامد الغزالي‪.‬‬

‫‪ -21‬التلويح على التوضيح لسعد الدين التفتازاني‪.‬‬

‫‪ -22‬المبسوط ألبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي‪.‬‬

‫‪ -23‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية‪.‬‬

‫‪ -24‬القواعد الفقهية لمصطفى الزرقا‪.‬‬

‫‪ -25‬مقاصد الشريعة اإلسالمية لمحمد طاهر عاشور‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ــــــــــــــــ‬

‫[‪ ]1‬سورة البقرة اآلية ‪.54‬‬

‫[‪ ]2‬سورة البقرة اآلية ‪.286‬‬

‫[‪ ]3‬سورة األعراف اآلية ‪.157‬‬

‫[‪ ]4‬القاموس المحيط ج‪ 1‬ص‪ 182‬مادة حرج‪.‬‬

‫[‪ ]5‬مختار الصحاح ص‪.54‬‬

‫[‪ ]6‬أحكام اآلمدي ‪.3/273‬‬

‫[‪ ]7‬البرهان ‪.2/924‬‬

‫[‪ ]8‬المنهاج بشرح األصفهاني ‪.2/685‬‬

‫[‪ ]9‬الموافقات ‪.2/11‬‬

‫[‪ ]10‬سورة العاديات آية (‪.)8‬‬

‫[‪ ]11‬أنظر الموافقات للشاطبي ج‪ 2‬ص‪-425‬ص‪.426‬‬

‫[‪ ]12‬أنظر قواعد األحكام ج‪ 1‬ص‪.14‬‬

‫[‪ ]13‬أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث‪ :‬أن رسول هللا كان له حصير يبسطه بالنهار‬
‫ويحتجزه بالليل‪ ،‬فثاب إليه ناس فصفوا وراءه‪ ...‬الحديث‪ .‬وفيه‪ :‬خذوا من األعمال ما تطيقون‪ .‬رواه البخاري‬
‫في الصالة (‪ )1 :232‬عن إبراهيم بن المنذر‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي بكر بن أبي فديك‪ ،‬عن ابن أبي ذئب‬
‫وفي اللباس (‪ )43‬عن محمد بن أبي بكر‪ ،‬عن معتمر بن سليمان‪ ،‬عن عبيد هللا بن عمر كالهما عن سعيد‬
‫المقبري به‪ .‬ومسلم في الصالة (‪ )1 :138‬عن محمد بن مثنى‪ ،‬عن عبد الوهاب الثقفي‪ ،‬عن عبيد هللا بن‬
‫عمر به‪ .‬والترمذي فيه (الصالة ‪ )1 :318‬عن قتيبة‪ ،‬عن الليث‪ ،‬عن ابن عجالن‪ ،‬عن سعيد المقبري‬
‫ببعضه‪ :‬اكلفوا من العمل ما تطيقون‪ ...‬الحديث‪ .‬والنسائي في (الصالة ‪ )180‬عن قتيبة بتمامه‪.‬‬

‫[‪ ]14‬أخرجه أحمد ‪ )12273(3/124‬قال‪ :‬ح َّدثنا ابن َأبي َعدِي‪ ،‬عن ُح َميْد‪ .‬وفي ‪)13101( 3/200‬‬
‫قال‪ :‬ح َّدثنا َي ِزيد‪ ،‬ح َّدثنا ُح َميْد‪ .‬وفي ‪ )13691(3/253‬قال‪ :‬ح َّدثنا َع َّفان‪ ،‬ح َّدثنا َحمَّاد بن َسلَ َمة‪َ  .‬‬
‫و"عبد بن‬
‫اري" ‪ 7241‬قال‪ :‬ح َّدثنا َعيَّاش‬ ‫حُميد" ‪ 1353‬قال‪ :‬ح َّدثني ُسلَيْمان بن َحرْ ب‪ ،‬ح َّدثنا َحمَّاد بن َسلَ َمة‪ .‬و"الب َُخ ِ‬
‫ِيرة‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن َأ َنس‪ ،‬عن‬ ‫اري‪َ  :‬تا َب َع ُه ُسلَيْمان بن ُمغ َ‬ ‫َأل‬
‫الولِيد‪ ،‬ح َّدثنا َعبْد ا عْ لَى‪ ،‬ح َّدثنا ُح َميْد‪ .‬قال الب َُخ ِ‬
‫بن َ‬
‫ال َّن ِبيِّ صلى هللا عليه وسلم‪ .‬و"مسلم" ‪ 2539‬قال‪ :‬ح َّدثنا عاصم بن ال َّنضْ ر ال َّت ْيمِي‪ ،‬ح َّدثنا خالد‪َ  ،‬يعْ نِي ابن‬
‫الحارث‪ ،‬ح َّدثنا ُح َميْد‪.‬‬

‫[‪ ]15‬أخرج البخاري ومسلم – جامع األصول في أحاديث الرسول ج‪ 1‬ص‪.96‬‬


‫[‪ ]16‬أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن عبد هللا بن عمرو بن العاص – ‪.1/4478‬‬

‫[‪ ]17‬أنظر الموافقات للشاطبي ج‪ 2‬ص‪-96‬ص‪..103‬‬

‫[‪ ]18‬وفي رواية‪« :‬ليس من البرِّ الصو ُم في السفر»‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪.‬‬

‫وفي أخرى للنسائي‪َ« :‬أنَّ رسو َل هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬مرَّ برجل في ظِ ِّل شجرة‪ ،‬ي َُرشُّ عليه الماء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما با ُل صاحبكم؟ قالوا‪ :‬يا رسو َل هللا‪ ،‬صائم‪ ،‬قال‪ِ :‬إ َّن ُه َ‬
‫ليس من البرِّ أن تصوموا في ال َّس َف ِر‪ ،‬وعليكم‬
‫ص لكم‪َ ،‬فا ْق َبلُوها»‪ .‬جامع األصول البن األثير ‪4638‬‬ ‫بر ُْخ َ‬
‫ص ِة هللا التي َر َّخ َ‬
‫[‪ ]19‬أخرجه البخاري ومسلم بمعناه من حديث أبي بكر عبد هللا بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر الصديق عن عائشة‪-‬كتاب الجمع بين الصحيحين لمحمد بن فتوح الحميدي ‪.4/72‬‬

‫[‪ ]20‬اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي ‪.1/536‬‬

‫[‪ ]21‬أنظر الموافقات للشاطبي ج‪ 2‬ص‪-98‬ص‪ ،100‬وانظر القرطبي ج‪ 8‬ص‪.226‬‬

‫[‪ ]22‬أنظر قواعد األحكام للعز بن عبد السالم ج‪ 2‬ص‪-15‬ص‪.16‬وانظر الفروق للقرافي ج‪ 1‬ص‪.120‬‬
‫واألشباه والنظائر للسيوطي ص‪.89‬‬

‫[‪ ]23‬أنظر قواعد األحكام ج‪ 2‬ص‪.11‬‬

‫[‪ ]24‬قال المزي‪ :‬هو من غرائب األحاديث ولم يرو في شيء من الكتب الستة انتهى‪ ،‬وهو منسوب في‬
‫النهاية البن األثير البن عباس بلفظ‪ :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أي األعمال أفضل؟ قال أحمزها‪،‬‬
‫وهو بالمهملة والزاي أي أقواها وأشدها‪.‬‬

‫[‪ ]25‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه و له شاهد صحيح‪ - ‬المستدرك بتعليق الذهبي‬
‫لإلمام الحاكم أبي عبد هللا محمد بن عبد هللا ج‪ 2‬ص‪.119‬‬

‫[‪ ]26‬أنظر الفروق للقرافي ج‪ 1‬ص‪ .120‬وانظر قواعد العز بن عبد السالم ج‪ 2‬ص‪-16‬ص‪.17‬‬

‫[‪ ]27‬قال الشاطبي‪ :‬الرخصة‪ :‬ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع االقتصار على‬
‫مواضع الحاجة فيه‪ /‬أنظر الموافقات ج‪ 2‬ص‪.205‬‬

‫[‪ ]28‬أنظر الموافقات ج‪ 2‬ص‪.205‬‬

‫[‪ ]29‬وهو طرف حديث رواه أ بو هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬عنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬دعوني ما‬
‫تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختالفهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم‬
‫بأمر فأتوا منه ما استطعتم "‪ .‬رواه البخاري (‪ )422 / 4‬وكذا مسلم (‪ )1 9 / 7‬وأحمد (‪ )258 / 2‬من‬
‫طريق أبي الزناد عن األعرج عنه‪ .‬وله طرق أخرى عن أبي هربرة فرواه مسلم وابن ماجه (رقم ‪ 1‬و ‪)2‬‬
‫عن أبي صالح عنه‪ .‬ومسلم عن أبي سلمه بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب كالهما معا عنه‪ .‬وهو‬
‫والنسائي (‪ )2 / 2‬وأحمد (‪ 448 - 447 / 2‬و ‪ )467‬عن محمد بن زياد عنه وفيه عند النسائي سبب‬
‫الحديث قال‪ :‬خطب رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) الناس فقال‪ :‬إن هللا عز وجل قد فرض عليكم الحج‬
‫فقال رجل‪ :‬في كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثالثا فقال‪ :‬لو قلت‪ :‬نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها‬
‫ذروني ما تركتكم الحديث‪ .‬وهو رواية لمسلم (‪ )102 / 4‬وكذا رواه‪ .‬الدارقطني في سننه (ص ‪.)281‬‬
‫ورواه هو وأحمد (‪ )313 / 2‬عن همام بن منبه عنه‪.‬‬

‫[‪ ]30‬أنظر األشباه والنظائر للسيوطي ص‪.175‬‬

‫[‪ ]31‬أنظر كتاب حجة هللا البالغة للشيخ شاه ولي هللا الدهلوي‪ .‬ج‪ 1‬ص‪.221‬‬

‫[‪ ]32‬سورة المائدة اآلية ‪.6‬‬

‫[‪ ]33‬سورة الحج االية ‪.78‬‬

‫[‪ ]34‬سورة الحج من اآليات ‪.78-77‬‬

‫[‪ ]35‬سورة البقرة اآلية ‪.54‬‬

‫[‪ ]36‬أحكام القرآن البن العربي ج‪.456 3‬‬

‫[‪ ]37‬أنظر أحكام القرآن للجصاص ج‪ 2‬ص‪-391‬ص‪ .396‬وانظر تفسير ابن كثير ج‪ 4‬ص‪.668‬‬

‫[‪ ]38‬سورة التوبة اآلية ‪.92‬‬

‫[‪ ]39‬تفسير القرطبي ج‪ 8‬ص‪.226‬‬

‫[‪ ]40‬أنظر تفسير الرازي ج‪ 16‬ص‪.160‬‬

‫[‪ ]41‬أنظر تفسير ابن كثير ج‪ 3‬ص‪ .440‬وتفسير الرازي ج‪ 16‬ص‪.160‬‬

‫[‪ ]42‬سورة البقرة من اآلية ‪.185‬‬

‫[‪ ]43‬أنظر تفسير ابن عطية ج‪ 2‬ص‪.84‬‬

‫[‪ ]44‬سورة األعلى اآلية ‪.8‬‬

‫[‪ ]45‬سورة النساء اآلية ‪.28‬‬

‫[‪ ]46‬فتح الباري ج‪ 1‬ص‪ .94‬وانظر األشباه والنظائر للسيوطي ص‪.84‬‬

‫[‪ ]47‬أخرجه الطبراني في مجمع الزوائد ج‪ 1‬ص‪ .62‬وأحمد ‪ 20688‬وقال الهيتمي رواه أحمد وأبو يعلى‬
‫في الكبير‪.‬‬
‫[‪ ]48‬سنن أبي داود ج‪ 9‬ص‪..373‬‬

‫[‪ ]49‬صحيح مسلم ج‪ 6‬ص‪41‬‬

‫[‪ ]50‬سنن أبي داود ج‪ 5‬ص‪ 3‬من رواية أبي قتادة‪ -‬رضي هللا عنه ‪.-‬‬

‫[‪ ]51‬صحيح مسلم ج‪ 1‬ص‪.181‬‬

‫[‪ ]52‬صحيح مسلم ج‪ 1‬ص‪.184‬‬

‫[‪ ]53‬سورة الشورى اآلية ‪.21‬‬

‫[‪ ]54‬سورة البقرة اآلية ‪.185‬‬

‫[‪ ]55‬سورة آل عمران اآلية ‪.97‬‬

‫[‪ ]56‬انظر فتح الباري ج‪ 1‬ص‪.103‬‬

‫[‪ ]57‬أخرج اإمام مالك في موطئه من حديث ثوبان وعبد هللا بن عمرو‪ ،‬انظر تنوير الحوالك للسيوطي ج‪1‬‬
‫ص‪.56‬‬

‫[‪]58‬‬

‫[‪ ]59‬سورة الحديد اآلية‪.27‬‬

‫[‪]60‬‬

‫[‪ ]61‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬عبدالكريم زيدان‪ ،‬ص‪.50‬‬

‫[‪ ]62‬المستصفى للغزالي ‪.1/98‬‬

‫[‪ ]63‬التلويح ‪ ،2/127‬اإلحكام في أصول األحكام ‪.1/188‬‬

‫[‪ ]64‬سورة البقرة آية ‪.195‬‬

‫[‪ ]65‬سورة البقرة من اآلية ‪.173‬‬

‫[‪ ]66‬سورة البقرة آية ‪.173‬‬

‫[‪ ]67‬رواه الترمذي في سننه تاب التفسير ‪ 5/227‬حديث رقم ‪.3034‬‬

‫[‪ ]68‬رواه البخاري كتاب اآلذان باب اآلذان للمسافر إذا كانوا جماعة حديث ‪ ،631‬كما في الفتح ‪.2/111‬‬

‫[‪ ]69‬سورة البقرة من اآلية ‪.184‬‬


‫[‪ ]70‬سورة البقرة من اآلية ‪.185‬‬

‫[‪ ]71‬سورة البقرة آية ‪.184‬‬

‫[‪ ]72‬رواه أبو داود في سننه كتاب البيوع واإلجارات باب في الرجل يبيع ما ليس عنده ‪ 3/769‬حديث‬
‫‪.3503‬‬

‫[‪ ]73‬رواه البخاري في صحيحه في السلم باب السلم في كيل معلوم ‪ 4/428‬حديث رقم ‪.2239‬‬

‫[‪ ]74‬سورة النحل آية ‪.106‬‬

‫[‪ ]75‬أصول السرخسي ‪.1/118‬‬

‫[‪ ]76‬سورة النساء من اآلية ‪.171‬‬

‫[‪ ]77‬أعالم الموقعين ‪.3/14‬‬

‫[‪ ]78‬المقاصد الشرعية‪.111 :‬‬

‫[‪ ]79‬القواعد الفقهية‪ ،73 :‬موسوعة القواعد الفقهية‪.263 / 6 :‬‬

‫[‪ ]80‬سورة المائدة اآلية ‪.3‬‬

‫[‪ ]81‬تفسير ابن كثير‪.14 / 2 :‬‬

‫[‪ ]82‬سورة النحل اآلية ‪.106‬‬

‫[‪ ]83‬تفسير الطبري‪.20 / 5 :‬‬

‫[‪ ]84‬المخمصة اسم بمعنى‪ :‬المجاعة أو شدة الجوع – (مختار الصحاح‪.)190 :‬‬

‫[‪ ]85‬اِباه والنظائر‪ 211 / 1 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫[‪ ]86‬الموافقات‪.131 / 1 :‬‬

‫[‪ ]87‬سورة النساء اآلية ‪.97‬‬

‫[‪ ]88‬سورة التوبة اآلية ‪ ،49‬وقد نزلت في الجد بن قيس أخي بني سلمة‪.‬‬

‫[‪ ]89‬القواعد الفقهية‪ 75 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫[‪ ]90‬المقاصد الشرعية‪ 113-111 :‬بتصرف‪.‬‬

‫[‪ ]91‬األشباه والنظائر‪ ،1/92 :‬المقاصد الشرعية‪ 98 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫[‪ ]92‬سورة البقرة اآلية ‪.286‬‬

‫[‪ ]93‬سورة النساء اآلية ‪.28‬‬

‫[‪ ]94‬سورة المائدة اآلية ‪.6‬‬

‫[‪ ]95‬رواه البخاري في كتاب العلم‪ ،196 :‬ومسلم في كتاب الجهاد والسير‪.1734 :‬‬

‫[‪ ]96‬رواه البخاري تعليقا في كتاب اإليمان‪ ،116 :‬وأحمد في مسنده‪.2108 :‬‬

‫[‪ ]97‬رواه البخاري في كتاب الوضوء‪ ،386 :‬وأبو داود‪ ،1/263 :‬والترمذي‪.1/275 :‬‬

‫[‪ ]98‬المقاصد الشرعية‪.101 :‬‬

‫[‪ ]99‬المصدر السابق‪.‬‬

‫[‪ ]100‬سورة البقرة اآلية ‪.286‬‬

‫[‪ ]101‬األشباه والنظائر‪ ،203-196 /1 :‬القواعد الفقهية‪ ،83 – 82 :‬المقاصد الشرعية‪ ،102 :‬شرح‬
‫القواعد الفقهية للزرقا‪.162-157 :‬‬

‫[‪ ]102‬األشباه والنظائر‪.203 – 200 / 1 :‬‬

‫[‪ ]103‬القواعد الفقهية‪.86 – 84 :‬‬

‫[‪ ]104‬سورة البقرة‪.173 :‬‬

‫رابط الموضوع‪https://www.alukah.net/sharia/0/22338/#ixzz7F2fW3yBj  :‬‬

You might also like