You are on page 1of 8

‫لعلي أول من ابتدع هذا العنوان‪ ،‬وأرجو أن يكون ذلك نصيبي من البدع‪ ،‬والذي أتوخاه من‬

‫خالل هذا العنوان‪ :‬أن أبين المسلك الفقهي في التعامل مع األوبئة‪ :‬سلوكا وقوال وفعال واعتقادا‪.‬‬
‫ذلك أنه يؤثر عن السلف في التعامل مع األوبئة ما قد يخيل إلى من لم يغص في مقاصد الشرع‬
‫وموارد األصول أنه متناقض‪.‬‬
‫وقبل ذلك ال بد من وقفة قصيرة مع العنوان‪:‬‬
‫“فقه األوبئة”‪.‬‬
‫الفقه معروف لغة واصطالحا‪ ،‬وليس هذا مكان بسط ذلك‪ ،‬غير أنه هنا مصدر مضاف إلى‬
‫مفعوله؛ وهو األوبئة‪ ،‬فالفقه واقع على األوبئة‪ ،‬واألوبئة جمع وباء‪ ،‬قيل إنه اسم للطاعون‪،‬‬
‫وقيل للمرض العام الذي يعم الناس أو البلدان‪ ،‬وقيل يطلق عليهما معا‪ ،‬فالوباء اسم للطاعون‪،‬‬
‫واسم لكل مرض عام‪.‬‬
‫جاء في “العين” للخليل بن أحمد‪:‬‬
‫الطاعون‪ ،‬وهو أيضا ً ك ّل َم َرض عا ّم‪ ،‬تقول‪ :‬أصاب أهل الكورة العام‬ ‫(وبأ‪ :‬الوباء‪ ،‬مهموز‪ّ :‬‬
‫وباء شديد‪ ..‬وأرضٌ َو ِبئة‪ ،‬إذا كثر َمرْ ضُها‪ ،‬وقد استوبأتها‪ ..‬وقد َو ُبَؤ ت [ َت ْوبُُؤ ]‪َ L‬وباء ًة‪ ،‬إذا َك ُثرت‬
‫أمراضها)‪.‬‬
‫ويقول ابن األثيرفي النهاية في غريب الحديث واألثر معلقا على أثر‪:‬‬
‫«إن هذا الوباء رجز»‬
‫(الوبا بالقصر والمد والهمز‪ :‬الطاعون والمرض العام‪ .‬وقد أوبأت األرض فهي موبئة‪ ،‬ووبئت‬
‫فهي وبيئة‪ ،‬ووبئت أيضا فهي موبوءة وقد تكرر فى الحديث)‪.‬‬
‫الو َبُأ‪َّ :‬‬
‫الطاعُونُ ِب ْال َقصْ ِر َو ْال َم ِّد َو ْال َهم ِْز‪َ .‬وقِي َل ه َُو ك ُّل‬ ‫(و َبَأ‪َ :‬‬
‫ويقول ابن منظور في لسان العرب‪َ :‬‬
‫ض عا ٍّم‪َ ،‬وفِي ْال َحدِيثِ‪ِ:‬إن َه َذا َ‬
‫الو َبا َء ِرجْ ز‪L.)..‬‬ ‫َم َر ٍ‬
‫ويرى القاضي عياض أن كل طاعون وباء وال عكس‪ ،‬فليس كل وباء طاعون حيث يقول في‬
‫شرح صحيح مسلم‪:‬‬
‫(قال القاضى‪ :‬أصل الطاعون القروح الخارجة فى الجسد‪ ،‬والوباءُ‪ :‬عموم األمراض‪ ،‬فسميت‬
‫طاعونا ً لشبهها بالهالك بذلك‪ ،‬وإال فكل طاعون وباء‪ ،‬وليس كل وباء طاعونا ً على ما ذكرناه‪،‬‬
‫ويدل على ما أشرنا إليه قوله – عليه السالم – فى حديث أبى موسى‪ ” :‬الطاعون وخز أعدائكم‬
‫من الجن “‪.‬‬
‫ووباء الشام الذى وقع به إنما كانت طاعو ًنا وقروحً ا‪ ،‬وهو طاعون عمواس)‪.‬‬
‫والذي رجحه الحافظ ابن حجر ـ وقد استفاد من كالم القاضي عياض ـ أن الوباء غير‬
‫الطاعون‪ ،‬وأنه ال يطلق عليه إال مجازا‪ ،‬واستدل على ذلك بأمور منها أن الوباء يدخل المدينة‬
‫المنورة بخالف الطاعون‪ ،‬ولعل من األفضل نقل كالمه لما فيه من النفاسة‪ ،‬حيث قال‪ :‬معلقا‬
‫على ترجمة البخاري‪ :‬باب الدعاء برفع الوباء والوجع‪:‬‬
‫(أي برفع المرض عمن نزل به سواء كان عاما أو خاصا وقد تقدم بيان الوباء وتفسيره في‬
‫باب ما يذكر في الطاعون من كتاب الطب وأنه أعم من الطاعون وأن حقيقته مرض عام ينشأ‬
‫وأوضحت هناك الرد على من زعم أن‬ ‫ُ‬ ‫عن فساد الهواء وقد يسمى طاعونا بطريق المجاز؛‬
‫الطاعون والوباء مترادفان بما ثبت هناك أن الطاعون ال يدخل المدينة وأن الوباء وقع بالمدينة‬
‫كما في قصة العرنيين وكما في حديث أبي األسود أنه كان عند عمر فوقع بالمدينة بالناس‬
‫موت ذريع وغير ذلك…)‪.‬‬
‫ونكتفي بهذه اإلضاءة على العنوان التي تبين بها أن الوباء غير الطاعون بل هو أعم منه وإن‬
‫أخذ حكمه إقداما وإحجاما‪ ،‬لنلج إلى صلب الموضوع‪ ،‬مقتصرين على ثالثة محاور‪:‬‬
‫المحور األول‪:‬الدعاء؛ المحور الثاني‪ :‬اإلقدام على أرض الوباء والفرار منها؛ المحور الثالث‪:‬‬
‫ترك بعض العبادات عند تفشي الوباء‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫أغلب أدلة الشرع على جواز أن يدعو اإلنسان برفع الوباء وأن ال يتعرض له وال يُحبّ‬
‫اإلصابة به‪ ،‬فمن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره في‬
‫صحيحه‪:‬‬
‫ف َك َما َأ ْخ َرجُو َنا ِمنْ َأرْ ضِ َنا ِإ َلى‬ ‫يع َة‪َ ،‬و ُع ْت َب َة ب َْن َر ِبي َع َة‪َ ،‬وُأ َم َّي َة ب َْن َخ َل ٍ‬
‫(اللَّ ُه َّم ْال َعنْ َش ْي َب َة ب َْن َر ِب َ‬
‫ض ْال َو َبا ِء) ‪ُ ،‬ث َّم َقا َل َرسُو ُل هَّللا ِ (صلى هللا عليه وسلم) ‪( :‬اللَّ ُه َّم َحبِّبْ ِإ َل ْي َنا ْال َمدِي َن َة َك ُح ِّب َنا َم َّك َة‬ ‫َأرْ ِ‬
‫صحِّ حْ َها َل َنا‪َ ،‬وا ْنقُ ْل ُحمَّا َها ِإ َلى ْالجُحْ َفةِ) ‪.‬‬ ‫َأ َأ‬
‫صاعِ َنا‪َ ،‬وفِى ُم ِّد َنا‪َ ،‬و َ‬ ‫اركْ َل َنا فِى َ‬ ‫ْو َش َّد‪ ،‬اللَّ ُه َّم َب ِ‬
‫فدعاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم برفع الحمى صريح في االلتجاء إلى هللا عند وقوع‬
‫الوباء وطلب رفعه‪ ،‬قال ابن بطال في شرح البخاري‪:‬‬
‫(فلما رأى رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) ما نزل بأصحابه من ال ُحمَّى والوباء خشى كراهية‬
‫البلد‪ ،‬لما فى النفوس من استثقال ما تكرهه‪ ،‬فدعا هللا فى رفع الوباء عنهم‪ ،‬وأن يحبب إليهم‬
‫المدينة كحبهم مكة وأشد‪L.)..‬‬
‫ثم صرح ابن بطال بالفقه المستفاد من هذا الحديث قائال‪:‬‬
‫(‪..‬وأما قوله‪( :‬وصححها) ففيه من الفقه أن هللا أباح للمؤمن أن يسأل ربه صحة جسمه وذهاب‬
‫اآلفات عنه إذا نزلت به‪ ،‬كسؤاله إياه فى الرزق والنصر‪ ،‬وليس فى دعاء المؤمن ورغبته فى‬
‫ذلك إلى هللا لوم وال قدح فى دينه‪ ،‬وقد كان من دعاء النبى (صلى هللا عليه وسلم) كثيرً ا أن‬
‫يقول‪( :‬وقونى فى سبيلك) وفى هذا رد على الصوفية فى قولهم‪ :‬إن الولى ال تتم له الوالية إال‬
‫تم له الرضا بجميع ما نزل به وال يدعوا هللا فى كشف ذلك عنه‪ ،‬فإن دعا فليس من الوالية فى‬
‫حال الكمال‪ ،‬وقد [‪ ]. . . . . .‬فى قولهم هذا بمحمد عليه السالم وأصحابه‪ ،‬وقد كان إذا نزل به‬
‫شىء يكثر عليه الدعاء والرجاء فى كشفه)‪.‬‬
‫فصرح هنا بمنهج رسول هللا صلى عليه وسلم عند الوباء وهو كثرة الدعاء وااللتجاء إلى هللا‬
‫في كشفه‪ ،‬ثم رد على من يظن أن ذلك يتنافى مع قوة اإليمان‪ ،‬أو الرضا بالقدر‪.‬‬
‫وجاء البخاري بجزء من هذا الحديث أيضا في موضع آخر تحت ترجمة‪ :‬باب الدعاء برفع‬
‫الوباء والوجع‪.‬‬
‫وفي هذه الترجمة ما يحقق الغرض‪ ،‬ويوضح الوجهة‪ ،‬ويبين الفقه‪ ،‬وفقه البخاري في تراجمه‪،‬‬
‫وقد علق ابن بطال أيضا على هذا الحديث قائال‪:‬‬
‫(وفى دعائه صلى هللا عليه وسلم برفع الوباء والوجع رد على من زعم أن الولى ال يكره شيًئ ا‬
‫مما قضى هللا عليه‪ ،‬وال يسأله كشفه عنه‪ ،‬ومن فعل ذلك لم تصح له والية هللا‪ ،‬وال خفاء‬
‫بسقوط هذا ألنه قال‪( :‬اللهم حّ بب إلينا المدينة وانقل حماها) ‪ .‬فدعا بنقل الحمى عن المدينة‪،‬‬
‫ومن فيها‪ ،‬وهو (صلى هللا عليه وسلم) داخل فى تلك الدعوة‪ ،‬وال توكل أحد يبلغ توكله‪ ،‬فال‬
‫معنى لقولهم‪L.)..‬‬
‫ويقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪( :‬وقد استشكل بعض الناس الدعاء برفع الوباء ألنه‬
‫يتضمن الدعاء برفع الموت والموت حتم مقضي فيكون ذلك عبثا وأجيب بأن ذلك ال ينافي‬
‫التعبد بالدعاء ألنه قد يكون من جملة األسباب في طول العمر أو رفع المرض وقد تواترت‬
‫األحاديث باالستعاذة من الجنون والجذام وسيء األسقام ومنكرات األخالق واألهواء واألدواء‬
‫فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير ولم يقل بذلك إال شذوذ واألحاديث‬
‫الصحيحة ترد عليهم وفي االلتجاء إلى الدعاء مزيد فائدة ليست في التداوي بغيره لما فيه من‬
‫الخضوع والتذلل للرب سبحانه بل منع الدعاء من جنس ترك األعمال الصالحة اتكاال على ما‬
‫قدر فيلزم ترك العمل جملة ورد البالء بالدعاء كرد السهم بالترس وليس من شرط اإليمان‬
‫بالقدر أن ال يتترس من رمي السهم وهللا أعلم)‪.‬‬
‫وهكذا سار الناس على هذا المنهج‪ ،‬وهو الدعاء برفع البالء والصدقة والصالة والصيام تقربا‬
‫هلل من أجل رفعه‪ ،‬ففي سنة ‪ 749‬وقعت أوبئة شديدة ومات كثير من الناس في كثير من‬
‫البلدان‪ ،‬فقام المجتمع يتقدمه األمراء والعلماء ثم عامة الناس بالصالة والدعاء‪..‬وكان من بين‬
‫العلماء عز الدين بن جماعة وتقي الدين السبكي وغيرهما…‬
‫ولنستمع إلى ابن كثير في البداية والنهاية يصور لنا مشهد تعامل الناس مع األوبئة‪:‬‬
‫ض َر‬‫يع اَأْلوَّ ِل فِي َه ِذ ِه ال َّس َنةِ‪َ ،‬و َح َ‬ ‫صاَل ِة َس ِاب َع َر ِب ٍ‬ ‫(… وقرئ البخاري في َي ْو ِم ْال ُجم َُع ِة َبعْ دَ ال َّ‬
‫ضاةُ َو َج َما َع ٌة م َِن الناس‪ ،‬وقرأ بعد ذلك المقرؤون‪َ ،‬ودَ َعا ال َّناسُ ِب َر ْف ِع ْال َو َبا ِء َع ِن ْال ِباَل دِ‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫ك‬ ‫ْالقُ َ‬
‫ض فِي الس ََّواح ِِل َو َغي ِْر َها ِمنْ َأرْ َجا ِء ْال ِباَل ِد يتوهمون‬ ‫ول َه َذا ْال َم َر ِ‬‫َأنَّ ال َّناس لِ َما َب َل َغ ُه ْم ِمنْ حُ لُ ِ‬
‫ات َج َما َع ٌة ِمنْ َأهْ لِ َها ِب َه َذا الداء‪.‬‬ ‫ويخافون وُ قُوعِ ِه ِب َمدِي َن ِة ِد َم ْش َق‪َ ،‬ح َما َها هَّللا ُ َو َسلَّ َم َها َم َع أ َّنه َق ْد َم َ‬
‫وفي صبيحة يوم تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة وقرأوا متوزعين سورة نوح ثالثة‬
‫صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ين َمرَّ ًة‪َ ،‬عنْ رُْؤ َيا َرج ٍُل َأ َّن ُه َرَأى َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫آالف مرة وثلثمائة وثالث َوسِ ِّت َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫أرشده ِإ َلى ق َِرا َء ِة َذل َِك َك َذلِ َ‬
‫ين وزاد األموات ُك ِّل َي ْو ٍم َع َلى‬ ‫الط َواعِ ِ‪L‬‬‫اض َّ‬ ‫اس ِبَأم َْر ِ‬ ‫ت فِي ال َّن ِ‬ ‫َوفِي َه َذا ال َّشه ِْر َأ ْيضًا َك ُث َر ْال َم ْو ُ‬
‫ُوت َأ ْك َث ُر ُه ْم‪،‬‬ ‫ت اَل َي َكا ُد َي ْخ ُر ُج ِم ْن ُه َح َّتى َيم َ‬ ‫ُون‪َ ،‬وِإ َذا َو َق َع فِي َأهْ ِل َب ْي ٍ‬ ‫ْال ِماَئ ةِ‪َ ،‬فِإ َّنا هَّلِل ِ َوِإ َّنا ِإ َل ْي ِه َرا ِجع َ‬
‫َو َل ِك َّن ُه ِبال َّن َظ ِر ِإ َلى َك ْث َر ِة َأهْ ِل ْال َب َل ِد َقلِيلٌ‪َ ،‬و َق ْد ُتوُ ِّف َي فِي َه ِذ ِه اَأْلي َِّام ِمنْ َه َذا الشهر خلق كثر وج ٌم‬
‫ِير‪َ ،‬و َش َر َع ْال َخطِ يبُ في‬ ‫ِير َكث ٍ‬ ‫ال ِب َكث ٍ‬ ‫َغفِيرٌ‪َ ،‬واَل سِ َّي َما م َِن ال ِّن َسا ِء‪َ ،‬فِإنَّ الموت فيهم َأ ْك َث ُر م َِن الرِّ َج ِ‬
‫يع اآْل خ ِِر‬ ‫ِس َشه ِْر َر ِب ٍ‬ ‫ب َل ْي َل َة ْال ُج ُم َع ِة َساد َ‬ ‫ت َوال ُّد َعا ِء ِب َر ْف ِع ْال َو َبا ِء م َِن ْال َم ْغ ِر ِ‬ ‫ص َل َوا ِ‪L‬‬‫القنوت بسائر ال َّ‬
‫ات فِي َه َذا‬ ‫ت اَأْلم َْو ُ‬ ‫ضرُّ ٌع َوِإ َنا َب ٌة‪َ ،‬و َك ُث َر ِ‬ ‫شو ٌع َو َت َ‬ ‫ك ُخضُو ٌع َو ُخ ُ‬ ‫اس ِب َذلِ َ‬ ‫ص َل لِل َّن ِ‬ ‫ِمنْ َه ِذ ِه ال َّس َنةِ‪َ ،‬و َح َ‬
‫ف َع َد ُد ْال َم ْو َتى‬ ‫ضا َع َ‬ ‫ُون‪َ ،‬و َت َ‬ ‫ْن فِي ُك ِّل َي ْو ٍم‪َ ،‬فِإ َّنا هَّلِل ِ َوِإ َّنا ِإ َل ْي ِه َرا ِجع َ‬ ‫ال َّشه ِْر ِج ًّدا‪َ ،‬و َزا ُدوا َع َلى ْال ِماَئ َتي ِ‬
‫ض َمانُ ْال َم ْو َتى ِج ًّدا‬ ‫ت ْال َم ْو َتى َعنْ ِإ ْخ َرا ِج ِه ْم‪َ ،‬و َزا َد َ‬ ‫اس‪َ ،‬و َتَأ َّخ َر ِ‬ ‫صالِ ُح ال َّن ِ‬ ‫ت َم َ‬ ‫ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬و َت َع َّط َل ْ‬
‫ت شئ َكثِي ٌر ِج ًّدا‪َ ،‬ف َر َس َم َناِئبُ الس َّْل َط َن ِة‬ ‫ضرَّ َر ال َّناسُ َواَل سِ َّي َما الص ََّعالِيكُ‪َ ،‬فِإ َّن ُه يُْؤ َخ ُذ َع َلى ْال َم ِّي ِ‬ ‫َف َت َ‬
‫ك فِي يوم اإلثنين سادس عشر‬ ‫ال َذلِ َ‬ ‫ِي بِِإ ْب َط ِ‬ ‫ِين‪َ ،‬و ُنود َ‬ ‫ِين َو ْال َحمَّال َ‬‫ُوش َو ْال ُم َغ ِّسل َ‬ ‫ان ال ُّنع ِ‬ ‫ض َم ِ‬ ‫ال َ‬ ‫ْط ِ‬‫بِِإب َ‬
‫اس بذلك‪ ،‬ولكن كثرت الموتى فاهلل‬ ‫ِيرةٌ فِي َأرْ َجا ِء ْال َب َل ِد َوا َّت َس َع ال َّن َ‬ ‫ربيع اآلخر‪ ،‬ووقف ُنعُوشٌ َكث َ‬
‫المستعان‪.‬‬
‫َّام َوَأنْ َي ْخ ُرجُوا فِي‬ ‫َأ‬
‫اس َثاَل َث َة ي ٍ‬ ‫ِي فِي ْال َب َل ِد َأنْ َيصُو َم ال َّن َ‬ ‫ين ِم ْن ُه ُنود َ‬ ‫وفي يوم االثنين ثالث َو ْال ِع ْش ِر َ‬
‫ُون ِإ َلى هَّللا ِ َو َيسْ َألُو َن ُه فِي َر ْف ِع ْال َو َبا ِء‬ ‫ضرَّ ع َ‬ ‫ْال َي ْو ِم الرَّ ِاب ِع َوه َُو َي ْو ُم ْال ُج ُم َع ِة ِإ َلى عِ ْن ِد َمسْ ِج ِد ْال َق ْد ِم َي َت َ‬
‫ان‪ ،‬فلمَّا‬ ‫ض َ‬ ‫ون فِي َشه ِْر َر َم َ‬ ‫اس َو َنا َم ال َّناسُ فِي ْال َجام ِِع َوَأحْ َيوُ ا اللَّ ْي َل َك َما َي ْف َعلُ َ‬ ‫صا َم َأ ْك َث ُر ال َّن ِ‬ ‫َع ْن ُه ْم‪َ ،‬ف َ‬
‫ْ‬ ‫َأ‬
‫فج عميق‪،‬‬ ‫صْ َب َح ال َّناس َي ْو َم ال ُج ُم َع ِة السابع والعشرين منه خرج ال َّناس يوم الجمعة من كل ٍ‬
‫ص ْب َيانُ ‪َ ،‬و ْالفُ َق َرا ُء َواُأْل َم َرا ُء َو ْال ُك َب َرا ُء‬ ‫ارى َوالسَّام َِرةُ‪َ ،‬وال ُّشيُو ُخ َو ْال َع َجاِئ ُز َوال ِّ‬ ‫ص َ‬ ‫َو ْال َيهُو ُد َوال َّن َ‬
‫ان‬ ‫ُون هَّللا َ َت َعا َلى َح َّتى َت َعا َلى ال َّن َها ُر ِج ًّدا‪َ ،‬و َك َ‬ ‫ْح َف َما َزالُوا ُه َنال َِك َي ْدع َ‬ ‫صب ِ‬ ‫صاَل ِة ال ُّ‬ ‫ضاةُ ِمنْ َبعْ ِد َ‬ ‫َو ْالقُ َ‬
‫َي ْومًا َم ْشهُو ًدا)‪.‬‬
‫وتكرر المشهد في زمان جالل الدين البلقيني والحافظ ابن حجر العسقالني فخرج الناس إلى‬
‫الصعدات يجأرون بالدعاء ويتصدقون ويبتهلون‪ ،‬وخرج الحافظ ابن حجر العسقالني وجالل‬
‫الدين البقيني في ذلك المشهد‪.‬‬
‫وتتبع هذا يكثر‪ ،‬وهو منهج معروف وسالك‪.‬‬
‫غير أن هذا الفقه الحذر من الوباء المبتهل إلى هللا في رفعه يشكل عليه موقف آخر يمدح‬
‫الطاعون‪ ،‬ويرغب في إصابته‪ ،‬وال يأخذ حذره منه‪..‬‬
‫فمن ذلك ما ثبت في الحديث من وصفه صلى هللا عليه وسلم للطاعون ـ ومثله جميع األوبئة ـ‬
‫بأنه رحمة‪ ،‬ومنه دعوته على أمته بالطاعون‪ ،‬ومنه دعاء معاذ بن جبل على نفسه بان يصيبه‬
‫الطاعون‪ ،‬ونحو هذا من الفقه الخارج عن المنهج األول‪ ،‬ولهذا لما ذكر المقريزي في كتابه‬
‫السلوك لمعرفة دول الملوك المشهد الذي خرجت فيه الناس للصحراء طلبا للدعاء ولجوءا إلى‬
‫هللا وهو المشهد الذي حضره البلقيني وابن حجر‪ ،‬علق عليه بقوله‪:‬‬
‫ان َع َل ْي ِه السّلف الصَّالح فقد خرج اِإل َمام َأحْ مد – َعن شهر بن َح ْو َشب‬ ‫(…ِإاَّل َأنه ِب ِخاَل ف َما َك َ‬
‫– فِي َحدِيث طاعون عمواس َأن َأ َبا ُع َبيْدَة بن ْالجراح َقا َم َخطِ يبًا َف َقا َل‪َ :‬أي َها ال َّناس ِإن َه َذا الوجع‬
‫َرحْ َمة من رب ُكم ودعوة َن ِبي ُكم َو َم ْوت الصَّالِحين قبل ُك ْم َوَأن َأ َبا ُع َب ْيدَة يسْ َأل هللا َأن يقسم لنا حظا ً‬
‫ات‪ .‬واستخلف م َعاذ بن جبل َف َقا َم َخطِ يبًا بعده َف َقا َل‪َ :‬أي َها ال َّناس ِإن َه َذا الوجع‬ ‫ِم ْن ُه فطعن َف َم َ‬
‫َرحْ َمة من رب ُكم ودعوة َن ِبي ُكم َو َم ْوت الصَّالِحين قبل ُك ْم َوَأن م َع ًاذا يسْ َأل هللا َأن يقسم آلل م َعاذ‬
‫احته‪َ .‬و َل َقد َرَأيْته‬ ‫دَعا ربه ل َنفسِ ِه فطعن فِي َر َ‬ ‫ات‪ .‬ث َّم َقا َم َف َ‬ ‫َحظه ِم ْن ُه فطعن ابْنه عبد الرَّ حْ َمن َف َم َ‬
‫ينظر ِإ َلى ال َّس َماء ث َّم يقبل َكفه َو َيقُول‪َ :‬ما أحب َأن لي ِب َما فِيك َشيْئا من ال ُّد ْن َيا َو َمات‪ .‬فاستخلف‬
‫أعزك هللا َأف َعال الص ََّحا َبة‪َ .‬وقد عكس أهل َز َمان َنا اَأْلمر‬ ‫الحدِيث‪َ .‬ف َه ِذ ِه ّ‬ ‫اص َفذكر َ‬ ‫َعمْ رو بن ْال َع ِ‬
‫فصاروا يسْ َألُوا هللا َرفعه َع ْنهُم)‪.‬‬
‫والذي يظهر لي أن اعتراضه هذا غير مسلم‪ ،‬فهو اعتراض بالجزئي على الكلي‪ ،‬أو بالخاص‬
‫على العام‪ ،‬أوبقضايا األعيان على العموم‪ ،‬كما سأبينه إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫وأود أن أفرد كل مسألة تخالف المنهج العام المتقدم بمناقشة على حدة‪.‬‬
‫أوال إخباره صلى هللا عليه وسلم بأن الطاعون رحمة وبأن المطعون شهيد‪ ،‬وهذا خرج منه‬
‫صلى هللا عليه وسلم مخرج التسلي للمصاب المؤمن المحتسب جراء صبره واحتسابه‪ ،‬وليس‬
‫فيه مدح للمرض أو الوباء في حد ذاته‪ ،‬بدليل أن منزلة الشهادة إنما هي للمصاب المحتسب‬
‫وليست لغيره وكذلك الرحمة‪ ،‬ويعضده الحديث الصحيح‪ :‬عن َعاِئ َش َة‪َ ،‬أ َّن َها َسَألت ال َّن ِبىّ عليه‬
‫ان َع َذابًا َي ْب َع ُث ُه هَّللا ُ َع َلى َمنْ َي َشاء‪َ ،‬ف َج َع َل ُه هَّللا ُ َرحْ َم ًة‬ ‫ُون‪َ ،‬فَأ ْخ َب َر َها َأ َّن ُه َك َ‬
‫الطاع ِ‬ ‫السالم َع ِن َّ‬
‫ب‬‫ص ِابرً ا َيعْ َل ُم َأ َّن ُه َلنْ يُصِ ي َب ُه ِإال َما َك َت َ‬
‫ث فِى َب َل ِد ِه َ‬ ‫الطاعُونُ ‪َ ،‬ف َي ْم ُك ُ‬ ‫ْس ِمنْ َع ْب ٍد َي َق ُع َّ‬ ‫ل ِْلمُْؤ ِمن َ‬
‫ِين‪َ ،‬ف َلي َ‬
‫ان َل ُه م ِْث ُل َأجْ ِر ال َّش ِهيدِ)‬
‫هَّللا ُ َل ُه ِإال َك َ‬
‫قال ابن بطال في شرح البخاري‪( :‬قال المؤلف‪ L:‬هذا الحديث مثل قوله‪( :‬الطاعون شهادة) ‪،‬‬
‫(والمطعون شهيد) أنه الصابر عليه المحتسب أجره على هللا‪ ،‬العالم أنه لن يصيبه إال ماكتب‬
‫هللا عليه‪ ،‬ولذلك تمنى معاذ بن جبل أن يموت فيه لعله إن مات فيه فهو شهيد‪ ،‬وأما من جزع‬
‫من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل فى معنى الحديث)‪.‬‬
‫فلو كان المدح للوباء نفسه لما خص المسلم المحتسب الصابر دون غيره‪ ،‬ولما دعا النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم أن يذهب وباء المدينة إلى الجحفة‪ ،‬ولما منع من القدوم على الوباء في الحديث‬
‫الصحيح‪ ،‬فتبين أن الشهادة والرحمة إنما هي لمن لم يتسبب في الوباء ثم صبر واحتسب إن هو‬
‫أصابه‪ ،‬فالمرض في ذاته ال يستحق مدحا‪ ،‬وإنما الممدوح تصرف المؤمن تجاهه وهو الذي‬
‫استحق عليه الشهادة والرحمة‪.‬‬
‫ثانيا دعوته صلى هللا عليه وسلم على أمته بالطاعون‪.‬‬
‫هذه أيضا من المسائل الجزئية التي تشكل على ذلك المنهج العام‪ ،‬والخطب فيها سهل إذا عرف‬
‫سببها وسياقها‪ ،‬وهو أنه صلى هللا عليه وسلم دعا أن ال يكون بأس أمته بينها فمنع من ذلك‬
‫فدعا بهذه الدعوة تفضيال للطاعون على الفتنة‪ ،‬فليس هو اختيار محض‪ ،‬وال دعاء مختار‪،‬‬
‫وإنما هو من باب ارتكاب أخف الضررين‪ L‬واختيار أدنى الشرين‪ ،‬وهو شأن العقالء فكيف‬
‫باألنبياء؟!‬
‫يقول ابن بطال في شرح صحيح البخاري (وروى أيوب عن أبى قالبة‪ ،‬عن عمرو بن العاص‬
‫قال‪( :‬تفرقوا عن هذا الرجز فى الشعب واألدوية ورؤوس الجبال‪ .‬فقال معاذ بن جبل‪ :‬بل هو‬
‫معاذا وأهله نصيبهم من رحمتك‪ .‬فطعن فى كفه‪ ،‬قال‬ ‫ً‬ ‫شهادة ورحمة ودعوة نبيكم‪ :‬اللهم أعط‬
‫أبو قالبة‪ :‬قد عرفت الشهادة والرحمة‪ ،‬مادعوة نبيكم‪ ،‬فسألت عنها فقيل‪ :‬دعا عليه السالم أن‬
‫يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا أن اليجعل بأس أمته بينهم فمنعها‪ ،‬فدعا بهذا)‪.‬‬
‫بل في كالم القاضي عياض ما يجلو غمة هذا الحديث ويفرغه من معنى الدعاء االبتدائي إلى‬
‫االختيار بين أحد أمرين ال مناص من أحدهما‪ ،‬حيث يقول في شرحه على مسلم (قال أبو‬
‫قالبة‪ :‬ما معنى‪ :‬دعوة نبيكم‪ .‬قال‪ :‬دعا أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون‪.‬‬
‫قال القاضى‪ :‬كذا رواه جماعتهم‪ ،‬والصحيح من الرواية أنه – عليه السالم – أخبره جبريل أن‬
‫فناء أمته بطعن أو طاعون فقال‪ ” :‬اللهم فبالطاعون ” وهذا هو الذى يوافق حديثه اآلخر‪ ” :‬أال‬
‫يجعل بأ َسهم بينهم وال يسلط عليهم عدواً من غيرهم ” وإن كان منع من إحداهما كما جاء فى‬
‫الحديث)‪.‬‬
‫فاتضح بهذا أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يدع على أمته بالطاعون أبدا‪ ،‬وإنما اختار أحد‬
‫األمرين المقدرين في علم هللا تعالى كما أخبره جبريل عليه السالم‪.‬‬
‫ثالثا تمني معاذ بن جبل رضي هللا عنه اإلصابة بالطاعون‪.‬‬
‫وهذه هي ثالثة األثافي التي تعكر ذلك المنهج العام‪ ،‬وال سيما أنها صادرة من صحابي جليل‬
‫توجه صلى هللا عليه وسلم بأنه “أعلمكم بالحالل والحرام” ولكن بعرضها على مقاصد الشرع‬
‫وموارد األصول ينجلي إشكالها‪.‬‬
‫فهذا الصحابي الجليل كان في أرض حل بها الوباء وغلب على ظنه عدم السالمة منه وعلم أن‬
‫من أصابه فصبر واحتسب نال الشهادة‪ ،‬وقد يكون خاف الفتنة أو رأى ما يجعله يطلب الموت‬
‫فرحا بلقاء هللا‪ ،‬وتصديقا لوعده فهو كمن القى عدوا فينتظر الشهادة‪ ،‬وقد جاء النهي عن تمنني‬
‫الموت مقيدا بمن دافعه له الضر الذي نزل به‪ ،‬وأما من دافعه الشوق إلى لقاء هللا أو خوف‬
‫الفتنة فهو خارج عن النهي ال يدخل في عمومه‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪( :‬وأما حديث عمر وعلى ففيها بيان معنى نهيه عليه السالم عن تمنى الموت وأن‬
‫المراد بذلك إذا نزل بالمؤمن ضر أو ضيق فى دنياه فال يتمنى الموت عند ذلك‪ ،‬فأما إذا خشى‬
‫أن يصاب فى دينه فمباح له أن يدعو بالموت قبل مصابه بدينه‪ ،‬ويشهد لصحة هذا قوله عليه‬
‫السالم‪( :‬وإذا أردت بالناس قتنة‪ ،‬فأقبضنى إليك غير مفتون) فاستعمل عمر هذا المعنى حين‬
‫خشى عند كبر سنه وضعف قوته أن يعجز عن القيام بما فرض هللا عليه من أمر األمة أو أن‬
‫يفعل مايالم عليه فى الدنيا واآلخرة‪ ،‬فلذلك قال‪ :‬فاقبضنى إليك غير عاجز والملوم‪ ،‬فأجاب هللا‬
‫دعاءه وأماته قبل انسالخ الشهر‪ .‬وكذلك خشى على بن أبى طالب من سآمته لرعيته وسآمتهم‬
‫له أن يحملهم ذلك على مايئول إلى سخط هللا وإلى ماال يرقع فتقه‪ ،‬فكان ذلك من قبلهم فقتلوه‬
‫وتقلدوا دمه وباءه وبإثمه وهو إمام عدل بر تقى لم يأت مايستحق عليه التأنيب فضال عن‬
‫غيره؛ فلذلك سأل هللا أن يريحه منهم فليس فى شىء من ذلك تعارض وال اختالف‪ ،‬بل كل ذلك‬
‫يفسر بعضه بعضًا)‪.‬‬
‫وقد صرح ابن عبد البر عن أحد الذين تمنوا اإلصابة بالطاعون بما يرفع اإلشكال حيث أخرج‬
‫في التمهيد بسنده إلى (أبي اليقظان عن زاذان أبي عمر عن عليم قال كنت مع عبس الغفاري‬
‫على سطح له فرأى قوما يتحملون من الطاعون فقال يا طاعون خذني إليك ثالثا (يقولها) فقال‬
‫له عليم لم تقول هذا ألم يقل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال يتمنى أحدكم الموت فإنه عند‬
‫انقطاع عمله وال يرد فيستعتب فقال عبس إني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‬
‫بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرةالشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ونشوا‬
‫يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن وإن كان أقلهم فقها وهذا حديث مشهور‬
‫روي عن عبس الغفاري من طرق قد ذكرناها في كتاب البيان عن تالوة القرآن والحمد هلل‪.‬‬
‫وفي قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اللهم إذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون‬
‫ما يوضح لك معنى هذا الحديث ومثل هذا قول عمر اللهم قد ضعفت قوتي وكبرت سني‬
‫وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع وال مفرط فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض رحمة‬
‫هللا عليه )‪.‬‬
‫فاتضح بهذا أن المنهج القويم والفقه السليم في التعامل مع األوبئة هو الحذر والدعاء والصدقة‪،‬‬
‫وأن ما يظن أنه خارج عن هذا المنهج يرجع إليه عند التأمل والبحث‪ ،‬وال يتوارد معه على‬
‫محل واحد‪.‬‬
‫فعليكم باألخذ باألسباب من تحرز ودعاء وصابون ونظافة… والدعاء هو أعالها شأنا وأكثرها‬
‫تأثيرا في الدنيا واألخرى لما فيه من االنكسار بين يدي هللا تعالى والتذلل له؛ وقد تقدمت إشارة‬
‫الحافظ ابن حجر إلى ذلك؛ فلنزاحم غير المسلمين في األخذ باألسباب ولنختص بأكثرها‬
‫نجاعة؛ وأقربها ضراعة؛ أال وهو الدعاء واالستغفار والتسبيح‪.‬‬
‫وبهذا ننهي الكالم على المحور األول من هذا المقال‪.‬‬
‫ونؤجل الكالم عن المحورين األخيرين مخافة التطويل‪.‬‬

You might also like