You are on page 1of 27

‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫الرقابة البرلمانية على‬


‫الموازنة العامة فى اإلسالم‬
‫(نموذج لإلقتداء به فى العصر الحديث)‬
‫الدكــــتور محمود صبرى عبد العزيز‬
‫أستاذ مساعد املالية العامة واإلقتصاد‬
‫بكلية احلقوق جامعة العلوم التطبيقية بالبحرين‬

‫تقديم‪:‬‬
‫يتميــز النمــوذج االســامى للرقابــة البرملانيــة علــى املوازنــة العامــة بأنــه يصلــح ألن يقــاس عليــه ‪ ،‬مــا‬
‫يجــرى اتباعــه مــن نظــم برملانيــة فــى دولنــا العربيــة ‪ ،‬تتعلــق بالرقابــة البرملانيــة علــى املوازنــة العامــة‬
‫للدولــة فهــو النمــوذج الــذى أمرنــا اهلل باتباعــه عم ـ ً‬
‫ا بقولــه تعالــى ‪َ ( :‬و َمــا آتَا ُك ـ ُم ال َّر ُســو ُل فَخُ ُذو ُه‬
‫َو َمــا نَ َها ُكـ ْم َعنْـ ُه َفانْتَ ُهــوا ) ((( وهــو مــا قــد نبــه إلــى اتباعــه وعــدم اخلــروج عليــه الرســول ‪ ‬بقولــه‬
‫‪ ( :‬تركــت فيكــم مــا إن متســكتم بــه لــن تضلــوا بعــدى ابــداً ‪ ،‬كتــاب اهلل وســنتى) ((( وقــد وســع النبــى‬
‫‪ ‬مــن ســنته فأحلــق بهــا‪ -‬فــى ضــرورة اتباعهــا‪ -‬ســن اخللفــاء الراشــدين مــن بعــده فقــال‪( :‬عليكــم‬
‫(((‬
‫بســنتى وســنة اخللفــاء الراشــدين املهديــن مــن بعــدى ‪ ،‬عضــوا عليهــا بالنواجــز)‬

‫وعلــى ذلــك فــإن ابــراز هــذا النمــوذج االســامى يتطلــب بيانــه فــى عهــد الرســول ‪ ‬ثــم فــى عهــد‬
‫اخلليفتــن األول والثانــى ‪ :‬أبــى بكــر الصديــق ‪ ،‬وعمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬وذلــك لنضــرب بهــم املثــل‬
‫األعلــى علــى مــدى حســن تطبيــق هــذه الرقابــة فــى الدولــة االســامية ‪ ،‬وهــذا مــا نوزعــه علــى‬
‫فصــول ثالثــة نوضــح فيهــا ك ً‬
‫ال مــن الرقابــة البرملانيــة املاليــة وحــق الشــعب فــى هــذه الرقابــة علــى‬
‫النحــو التالــى ‪:‬‬
‫فصل تمهيدي ‪ :‬بني حق الشعب فى الرقابة البرملانية املالية ومقوماتها ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬حق الشعب فى الرقابة البرملانية املالية‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬مقومات الرقابة البرملانية املالية‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬الرقابة البرملانية فى العهد النبوي‪.‬‬


‫املبحث األول ‪ :‬الرقابة البرملانية للمهاجرين‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬الرقابة البرملانية لألنصار‪.‬‬

‫‪ .1‬سورة الحشر من اآلية (‪)7‬‬


‫‪ .2‬رواه الترمذى وقال حديث حسن‬
‫‪ .3‬رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما‬

‫‪263‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬الرقابة البرملانية فى العهد البكري‪.‬‬


‫املبحث األول ‪ :‬الرقابة اإلدارية فى العهد البكري‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬منوذج للرقابة البرملانية فى العهد البكري‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬الرقابة البرملانية فى العهد العمري‪.‬‬


‫املبحث األول ‪ :‬إجنازات عمر فى مجال املالية العامة‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬منوذج للرقابة البرملانية املالية فى العهد العمري‪.‬‬

‫الفصل التمهيدى‬
‫بين حق الشعب فى الرقابة البرلمانية المالية ومقوماتها‬

‫نصــدر هــذا الفصــل مببحــث نتعــرف فيــه علــى مــدى حــق الشــعب فــى الرقابــة البرملانيــة‬
‫علــى التصرفــات املاليــة العامــة للحاكــم ‪ ،‬ثــم نوضــح مقومــات هــذه الرقابــة البرملانيــة املاليــة فــى‬
‫مبحــث ثــان ‪ ،‬وذلــك بالقــدر الــذى يعــن فــى التعــرض لهــا فــى االســام فــى عصــوره األولــى منــذ عهــد‬
‫النبــى ‪ ، ‬وعهــد اخلليفــة األول أبــى بكــر الصديــق ‪ ،‬وعهــد اخلليفــة الثانــى عمــر بــن اخلطــاب ـ‬
‫رضــى اهلل عنهمــا ـ ‪ ،‬وهــذا علــى النحــو التالــى‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬حق الشعب فى الرقابة البرملانية املالية‪.‬‬


‫املبحث الثاني‪ :‬مقومات الرقابة البرملانية املالية‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫(((‬
‫حق الشعب فى الرقابة البرلمانية المالية‬

‫فــى أوروبــا خاصــة فــى القــرون الوســطى ‪ ،‬لــم يعــرف الغــرب مســألة الفصــل بــن أمــاك‬
‫احلاكــم وأمــاك الدولــة ‪ ،‬إذ أنهــا كلهــا كانــت مملوكــة للحاكــم (أى امللــك ) ‪ ،‬ســواء فــى إيراداتهــا أو‬
‫فــى نفقاتهــا ‪ ،‬يقتطــع مــن أمــوال النــاس بالضرائــب وغيرهــا كيــف يشــاء ! وينفــق منهــا علــى شــئونة‬
‫الشــخصية وحاشــيته حســبما أراد ‪.‬‬
‫وكانــت الكيفيــة التــى ينفــق بهــا هــذه األمــوال مــن األســرار امللكيــة التــى ال يجــوز ألحــد أن‬
‫يتدخــل فيهــا وال أن يراقبهــا مــن نــواب الشــعب ‪ ،‬مهمــا أســرف فيهــا امللــك وحاشــيته ‪.‬‬
‫وقــد اســتخدم نــواب الشــعب فــى اوروبــا حيـ ً‬
‫ا كثيــرة لفــرض رقابتهــم علــى املوازنــة العامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬وكان األســلوب التدريجــى فــى حتقيــق ذلــك هــو األســلوب األمثــل واألجــدى ‪ ،‬حيــث بــدأت‬
‫بفصــل أمــوال احلاكــم عــن أمــوال الدولــة ‪ ،‬ثــم قامــت فــى عــام ‪ 1628‬فــى اجنلتــرا بتقييــد حــق امللــك‬
‫فــى فــرض الضرائــب وحتصيلهــا إال مبوافقــة البرملــان ‪ ،‬ولكــن حــق البرملــان فــى الرقابــة علــى نفقــات‬

‫‪ .1‬راجع ‪ :‬د‪.‬صبرى عبد العزيز ‪ ،‬المالية العامة ‪ ..‬مرجع سابق ص ‪. 274‬‬

‫‪264‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫امللــك تأخــر ملــا يقــرب مــن قرنــن ‪ ،‬ولــم يتقــرر لــه إال فــى عهــد امللكــة فيكتوريــا عــام ‪1837‬م ‪ ،‬ونفــس‬
‫األمــر حــدث فــى فرنســا وباقــى دول أوربــا ‪.‬‬
‫أمــا فــى االســام فــإن حــق الشــعب فــى الرقابــة علــى امليزانيــة العامــة للدولــة ‪ ،‬ولــد مــع‬
‫مولــد الدولــة اإلســامية ‪ ،‬حيــث اســتقلت األمــوال العامــة للدولــة عــن أمــوال احلاكــم وهــو الرســول‬
‫‪ ، ‬بــل إن النبــى ‪ ‬حــرم جانبـاً هامـاً مــن مــوارد الدولــة اإلســامية علــى نفســه وعلــى كل آل بيتــه‬
‫ا ‪( :‬إن هــذه الصدقــات إمنــا هــى أوســاخ النــاس ‪ ،‬وإنهــا ال حتــل حملمــد وال آلل‬ ‫وهــى الــزكاة قائ ـ ً‬
‫(((‬
‫محمــد )‬
‫وانحصــر حقــه فــى باقــى املــوارد العامــة للدولــة فــى مورديــن اثنــن ‪ ،‬وذلــك لالنفــاق منهمــا‬
‫علــى نفســه وعلــى أمــور تســيير احلكــم فــى الدولــة ‪ ،‬وهمــا أمــوال الفــيء والغنائــم ‪ ،‬إذ حــدد القــرآن‬
‫اعل َ ُمــوا‬
‫نصيبــه فيهمــا بخمــس اخلمــس ‪ ،‬أى ‪ % 10‬فقــط منهمــا ‪ ،‬وذلــك بقولــه تعالــى فــى الغنائــم ‪َ ( :‬و ْ‬
‫الس ـبِيلِ )‬ ‫ل خُ ُم َس ـ ُه َولِل َّر ُســولِ َولِذِ ي الْ ُق ْربَـىٰ َوالْ َيتَا َم ـىٰ َو ْال َ َســاكِ ِ‬
‫ني َوابْــنِ َّ‬ ‫ـيءٍ َف ـ َأ َّن ِ َّ ِ‬
‫نــا َغ ِن ْمتُم ِ ّمن َشـ ْ‬‫أَ َّ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫(((() كذلــك بقولــه تعالــى فــى توزيــع أمــوال الفــيء ‪َ ( :‬مــا أ َفــا َء الل َعل ـىٰ َر ُســولِهِ مِ ْن أ ْهــلِ ال ُق ـ َرىٰ‬
‫الس ـبِيلِ ) ((( ويالحــظ أن أمــوال الغنائــم‬ ‫ني َوابْــنِ َّ‬ ‫َف ِللَّــهِ َولِل َّر ُســولِ َو ِلــذِ ي الْ ُق ْربَ ـىٰ َوالْ َيتَا َم ـىٰ َو ْال َ َســاكِ ِ‬
‫هــى التــى وردت إلــى الدولــة اإلســامية مــن األعــداء عنــوة أى بعــد حــرب ‪ ،‬أمــا أمــوال الفــيء فهــى‬
‫التــى حصلــت عليهــا صلحــاً ‪.‬ويالحــظ أن الباقــى بعــد توزيــع اخلمــس فإنــه يــوزع علــى اجلنــود‬
‫الغامنــن أوالفاحتــن‪.‬‬
‫ومــع أن فتــرة النبــوة كانــت فتــرة تشــريع إلهــى مبقتضــى القــرآن املنــزل مــن عنــد اهلل ‪،‬‬
‫نط ُق َعنِ الْ َهـ َوى ِإ ْن ُهـ َو إ َِّل َو ْحـ ٌ‬
‫ـي‬ ‫والســنة املوصــى بهــا مــن رســوله ‪ ، ‬عمـ ً‬
‫ا بقولــه تعالــى ‪َ ( :‬و َما يَ ِ‬
‫وحــى) ‪ ((( .‬مــع كل ذلــك إال أن القــرآن قــرر حــق الشــعب فــى الرقابــة علــى كل شــئون احلكــم ومنهــا‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫األمــور املاليــة ‪ ،‬وذلــك ملــا أمــر النبــى ‪ ‬أن يشــاورهم فــى كل ذلــك بقولــه لــه ‪َ ( :‬وشــاوِ ْر ُه ْم ِ‪ ‬ف ال ْم ِر)‬
‫(((‬

‫بــل إن النبــى ‪ ‬لــم مينــع الشــعب مــن هــذا احلــق البرملانــى ‪ ،‬وقــد حــدث ذلــك فــى أكثــر‬
‫مــن واقعــة ‪ ،‬منهــا ملــا جــاءه ذلــك الرجــل ـ وهــو يــوزع تلــك األمــوال العامــة وتطــاول علــى النبــى ‪‬‬
‫قائـ ً‬
‫ا لــه ‪ (:‬اعطنــى يــا محمــد ‪ ،‬فإنــك ال تعطنــى مــن مالــك وال مــن مــال أبيــك !!) فلمــا أراد عمــر أن‬
‫ينــال منــه نهــاه النبــى ‪ ‬عــن ذلــك بقولــه لــه ‪ ( :‬ال يــا عمــر ‪ :‬مــره بحســن القضــاء ‪ ،‬ومرنــى بحســن‬
‫األداء )‬

‫مــا تقــدم باختصــار شــديد هــو التطــور الــذى مــر علــى حــق الشــعب فــى الرقابــة البرملانيــة علــى‬
‫امليزانيــة العامــة فــى الفكريــن الغربــى واإلســامى ‪ ،‬وننتقــل للمبحــث التالــى لبيــان مقومــات هــذه‬
‫الرقابــة ‪.‬‬

‫رواه مسلم فى صحيحه‬ ‫‪.1‬‬


‫سورة األنفال من اآلية ‪. 41‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سورة الحشر من اآلية ‪. 7‬‬ ‫‪.3‬‬
‫سورة النجم اآلية (‪)3‬‬ ‫‪.4‬‬
‫سورة آل عمران من اآلية (‪)159‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪265‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫المبحث الثانى‬
‫مقومات الرقابة البرلمانية المالية‬
‫تــدور الرقابــة املاليــة مــع املــال العــام وجــوداً وعدمــاً ‪ ،‬فكلمــا زاد حجــم الدولــة واتســع‬
‫نشــاطها اإلدارى واملالــى ‪ ،‬كلمــا تطلــب املزيــد مــن الرقابــة البرملانيــة املاليــة الفعالــة ‪ ،‬التــى تكفــل‬
‫احملافظــة علــى املــال العــام ‪ ،‬وتهــدف مراقبــة القائمــن عليــه فــى مزاولتهــم أعمالهم ومــدى مطابقتها‬
‫(((‬
‫للقوانــن واللوائــح والقواعــد املعمــول بهــا ‪ ،‬ومحاســبتهم إذا خرجــوا عنهــا ‪.‬‬
‫وقــد اتســع نشــاط الدولــة املالــى واإلدارى باتســاع دورهــا ‪ ،‬مــن الدولــة احملايــدة وميزانيتهــا‬
‫احملايــدة التــى كان يــدع إليهــا الفكــر املالــى الكالســيكى ‪ ،‬الــذى كان يحصــر دور الدولــة فــى القيــام‬
‫بالــدور احلراســى الــذى يقتصــر علــى القيــام بالــدور األمنــى الداخلــى واخلارجــى للمجتمــع ‪ ،‬والــدور‬
‫القضائــى داخلي ـاً ‪ ،‬والدبلوماســى خارجي ـاً ‪ ،‬إلــى الدولــة املتدخلــة واملنتجــة وميزانيتهــا الوظيفيــة‬
‫التــى توظــف لتحقيــق أغــراض متعــددة إقتصاديــة واجتماعيــة وسياســية وغيرهــا ‪ ،‬التــى دعــا إليهــا‬
‫الفكــر املالــى احلديــث ‪ ،‬ممــا زاد ميزانيتهــا العامــة ‪ ،‬ووســع مــن الرقابــة املاليــة عليهــا ‪ ،‬وتــدور‬
‫مقومــات هــذه الرقابــة املاليــة حــول مضمونهــا وصورهــا وهمــا مــا نفــرد املطلبــن التاليــن لبيانهمــا‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬مضمون الرقابة املالية ‪.‬‬
‫املطلب الثانى ‪ :‬صور الرقابة املالية ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫مضمون الرقابة المالية‬
‫يختلف مضمون الرقابة فى اللغة وفى القرآن وفى مجال القانون على النحو التالى ‪:‬‬
‫الرقابة لغة (((‪:‬‬
‫تعنــى االنتظــار والرصــد والرعايــة واحلفــظ ‪ ،‬فيقــال ‪ :‬رقبــه يرقبــه رقبــة ورقبانـاً بالكســر‬
‫فيهمــا ‪ ،‬وارتقبــه أى انتظــره ورصــده ‪ ،‬ومنــه ارتقــب أى أشــرف وعــا ‪ ،‬ولذلــك قيــل بــأن الرقيــب هــو‬
‫جنــم مــن جنــوم املطــر يراقــب جنم ـاً آخــر ‪.‬‬
‫والرقابة فى القرآن (((‪:‬‬
‫يذكــر لفــظ الرقيــب كاســم مــن أســماء اهلل احلســنى مبعنــى احلافــظ الــذى ال يغيــب عنــه‬
‫(((‬ ‫شــيء (((‪ .‬وفيــه يقــول اهلل تعالــى ‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬
‫الل َكا َن َعلَيْ ُكــ ْم َرقِ ي ًبــا)‬
‫َّ ُ‬
‫ـيءٍ َرقِ ي ًبــا ) ((( وقولــه علــى لســان ســيدنا عيســى عليــه الســام ‪:‬‬ ‫وقولــه ‪َ ( :‬و َكا َن الل َعلَــى ُك ِ ّل َشـ ْ‬

‫راجع د‪ .‬عوف الكفراوى ‪ ،‬الرقابة المالية فى االسالم ‪ ،‬االسكندرية ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪ 1983 ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪.1‬‬
‫راجع ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬جـ ‪ 4‬ص ‪. 208‬‬ ‫‪.2‬‬
‫انظر ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقى ‪ ،‬المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار الحديث ‪ ، 1996 ،‬ص ‪. 397‬‬ ‫‪.3‬‬
‫جــال الديــن المحلــى ‪ ،‬جــال الديــن الســيوطى ‪ ،‬تفســير الجالليــن الميســر ‪ ،‬القاهـرة ‪ ،‬الشــركة المصريــة العالميــة للنشــر‬ ‫‪.4‬‬
‫(لونجمــان ) ‪. 2003 ،‬‬
‫سورة النساء من اآلية (‪) 1‬‬ ‫‪.5‬‬
‫سورة األحزاب من اآلية (‪)52‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪266‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫احلافــظ ألعمالهــم ‪((( .‬وقد‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـب َعلَيْهِ ـ ْم) ((( فالرقيــب عليهــم هنــا تعنــى‬ ‫ـت أَنْـ َ‬
‫ـت ال َّرقِ يـ َ‬ ‫( َفل َ َّمــا تَ َو َّفيْتَ ِنــي ُكنْـ َ‬
‫(((‬ ‫َ‬
‫َ‪ ‬ف ُمؤْمِ ـ ٍـن إ ًِّل َو َل ذِ َّمة َأول ِئــك هــم ْال ُ ْعتَ ـ ُدونَ)‬
‫وردت مبعنــى الرعايــة فــى قولــه تعالــى ‪( :‬ال يَ ْر ُقبُون ِ‬
‫ّ‬
‫فــا يرقبــون يعنــى أى ال يراعــون ‪ ،‬كمــا ذكــرت مبعنــى االنتظــار فــى قولــه تعالــى ‪َ ( :‬وا ْرتَقِ بُــوا ِإ ِنــي‬
‫ِس ـ َرائِي َل َولَ ـ ْم تَ ْر ُقـ ْ‬
‫ـب‬ ‫ـن بَ ِنــي إ ْ‬ ‫ـيت أَ ْن تَقُو َل َف َّر ْقـ َ‬
‫ـت بَـ ْ َ‬ ‫ـب) ((( أى منتظــر وقولــه ( ِإ ِ ّني َخ ِشـ ُ‬ ‫َم َع ُك ـ ْم َرقِ يـ ٌ‬
‫(((‬
‫َق ْو ِلــي ) ((( أى ولــم تنتظــر قولــى ‪.‬‬

‫(((‬
‫الرقابة من الناحية القانونية‪:‬‬
‫هــى عبــارة عــن حــق دســتورى يخــول صاحبــه ســلطة إصــدار القــرارات الالزمــة الجنــاح‬
‫مشــروعات اخلطــة ‪ ،‬إذ هــى متثــل نوعــاً مــن الوصايــة مــن جانــب الدولــة لفــرض حــدود وقيــود‬
‫معينــة تــؤدى إلــى حتقيــق أهــداف التنظيــم اإلدارى الــذى تتطلبــه الدولــة ‪ .‬وفــى هــذا يحكــم تعريــف‬
‫الرقابــة ثالثــة اجتاهــات ‪ :‬وظيفيــة وإجرائيــة وإداريــة ونوضحهــا تباعــا ‪:‬‬

‫االتجاه األول ‪ :‬االجتاه الوظيفى ‪:‬‬


‫وهــو يهتــم بوجــود عمليــات معينــة يلــزم توافرهــا إلمــكان حتقيــق الرقابــة ‪ ،‬ويتضمــن حتديــد‬
‫األهــداف التــى ينبغــى حتقيقهــا ‪ ،‬وعلــى ذلــك فهــو يركــز علــى األهــداف املطلــوب حتقيقهــا ‪.‬‬
‫وقــد بــن هنــرى فويــل ‪ Henri Fayol‬أن الرقابــة تعنــى التحقــق مــن أن التنفيــذ يتــم وفقـاً‬
‫للخطــة املقــررة والتعليمــات الصــادرة واملبــادئ املعتمــدة ‪ .‬فهــى عمليــة يقصــد منهــا اكتشــاف عمــا إذا‬
‫كان كل شــيء يســير حســب اخلطــة املوضوعــة ‪ ،‬وذلــك بهــدف الكشــف عــن نقــاط الضعــف واألخطــاء‬
‫ال ‪ .‬ومــن هــذا االجتــاه توجــد ثــاث صــور‬ ‫فــى التنفيــذ وذلــك لعالجهــا وتفــادى تكرارهــا مســتقب ً‬
‫للرقابــة ‪ :‬اإلداريــة وعلــى األداء وعلــى الكفايــة ((( ونبينهــا علــى الترتيــب ‪:‬‬
‫‪ -1‬الرقابــة املاليــة ‪ :‬وتهــدف إلــى احملافظــة علــى األمــوال العامــة مــن ســوء التصــرف فيهــا ‪،‬‬
‫وذلــك بالتأكــد مــن مــدى اتبــاع اإلجــراءات وقواعــد العمــل احملــددة مــن قبــل ‪ ،‬ومــدى تنفيذهــا‬
‫‪ ،‬والتأكــد مــن ســامة حتديــد نتائــج أعمــال الوحــدات ومراكزهــا املاليــة ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرقابــة علــى األداء ‪ :‬وتعمــل هــذه الرقابــة علــى التأكــد مــن حتقيــق اإلدارة أو الوحــدة‬
‫لألهــداف املوضوعــة وعــدم االنحــراف عــن معــدالت األداء املنصــوص عليهــا فــى اخلطــة‬
‫املرســومة ‪.‬‬
‫‪ -3‬الرقابــة علــى الكفايــة ‪ :‬فغــرض هــذه الرقابــة التوقــف علــى فــرص حتســن معــدالت األداء‬
‫املرســومة ‪ ،‬ومــا يترتــب علــى ذلــك مــن تعديــل فــى اخلطــة املوضوعــة ‪.‬‬
‫سورة المائدة من اآلية (‪)117‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تفسير الجاللين ‪ ،‬ص ‪127‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سورة التوبة من اآلية (‪)10‬‬ ‫‪.3‬‬
‫سورة هود آية (‪)93‬‬ ‫‪.4‬‬
‫سورة طه آية (‪) 94‬‬ ‫‪.5‬‬
‫تفسير الجاللين ‪ ،‬ص ‪. 318‬‬ ‫‪.6‬‬
‫د‪ .‬عوف الكفراوى ‪ ،‬الرقابة المالية ‪ ..‬مرجع سابق ص ‪ 13‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫راجع د‪ .‬عوف الكفراوى ‪ ،‬الرقابة المالية ‪ ..‬مرجع سابق ص ‪ 15‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬

‫‪267‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫االتجاه الثانى‪ :‬االجتاه اإلجرائى ‪:‬‬


‫ويعنــى هــذا االجتــاه بالتركيــز علــى اإلجــراءات واخلطــوات الــازم اجراؤهــا للقيــام بعمليــة‬
‫الرقابــة ‪ ،‬مثــل‪ :‬تقييــم الكفــاءة ‪ ،‬ومقارنتهــا بأهــداف اخلطــة ‪ ،‬وحتليــل اإلنحــراف عنهــا ‪ ،‬واتخــاذ‬
‫اإلجــراء التصحيحــى لهــا ‪ ،‬ومتابعــة تقييــم فعاليتــه ‪ ،‬ومــد عمليــة التخطيــط باحلقائــق الالزمــة‬
‫لتحســن مســتويات األداء فــى املســتقبل ‪.‬‬
‫وقــد وضــح لوكيــر((( ‪ Locker‬اخلطــوات الــازم اتباعهــا فــى نظــام ميزانيــة الرقابــة‬
‫‪ ،‬وفــى كل نظــم الرقابــة الصناعيــة ‪ ،‬بأنهــا ينبغــى أن تتضمــن ‪ :‬وضــع خطــة أو ميزانيــة تقديريــة‬
‫ونشــرها ‪ ،‬ووضــع معاييــر تنفيذهــا ‪ ،‬واملقارنــة بــن مســتويات التنفيــذ املوضوعــة واملخففــة ووضــع‬
‫التقاريــر الالزمــة لذلــك ‪ ،‬والقيــام باإلجــراءات التصحيحيــة الالزمــة ‪.‬‬

‫االجتاه الثالث‪ :‬االجتاه اإلدارى ‪:‬‬


‫ويركــز هــذا االجتــاه علــى األجهــزة التــى تتولــى عمليــة الرقابــة ‪ ،‬لتتأكــد مــن حتقيــق الوحــدات‬
‫ألهــداف اخلطــة بكفــاءة ‪ ،‬واتخــاذ القــرارات املناســبة لتصحيحهــا ‪.‬‬
‫وعلــى ذلــك فبينمــا يركــز االجتــاه األول الوظيفــى علــى الهــدف مــن الرقابــة ‪ ،‬فــإن االجتاهــن الثانــى‬
‫والثالــث يهتمــان بوســيلة الرقابــة ســواء اإلجرائيــة أو اإلداريــة ‪.‬‬
‫وبذلــك فــإن ( الرقابــة بوجــه عــام) تتضمــن معانى االشــراف والوصاية والفحــص واملراجعة‬
‫‪ ،‬مــن ســلطة أعلــى أو مســتقلة ‪ ،‬وذلــك للتعــرف علــى تنفيــذ الوحــدة اإلداريــة للخطــة املوضوعــة‬
‫وأهدافهــا حــال تطبيقهــا ‪ ،‬وكشــف أى انحــراف أو خــروج عليهــا بعــد تنفيذهــا حتــى يتــم عالجــه‬
‫ومنــع تكــراره ومحاســبة املســئولني عــن ارتكابــه (((‪.‬‬

‫ممــا تقــدم يتضــح أن الرقابــة املاليــة هــى جــزء مــن الرقابــة العامة‪،‬وانهــا تتعلــق باخلطــة أو‬
‫املوازنــة املاليــة بإيراداتهــا ونفقاتهــا العامــة ‪ ،‬حــال تنفيذهــا أو عقــب تنفيذهــا ‪ ،‬وذلــك للتحقــق مــن‬
‫أن تدفــق أموالهــا النقديــة دخــوالً وخروجــاً ‪ ،‬يتــم طبقــاً للخطــة أو امليزانيــة املاليــة (((‪.‬‬

‫‪ .1‬د‪ .‬عوض الكفراوى ‪ ،‬وأشار إلى ‪:‬‬


‫‪- Lockyer : “production control in practice “ , Pitman , London, 1967, P.5 .‬‬
‫‪ .2‬ارجــع د‪.‬أحمــد الحصــرى ‪ ،‬السياســة االقتصاديــة ‪ ،‬والنظــم الماليــة فــى الفقــه اإلســامى ‪،‬القاهـرة ‪ ،‬مكتبــة الكليــات األزهريــة‬
‫‪ 1984 ،‬ص ‪ 529‬ومــا بعدهــا ‪.‬‬
‫‪ .3‬نفس المرجع السابق ‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫المطلب الثانى‬
‫صــور الرقـــابة الماليـــة‬

‫تتعدد صور الرقابة املالية وتختلف باختالف الزاوية املنظور إليها ‪:‬‬

‫أ‪ -‬فبالنظر إلى توقيتها (((‪:‬‬


‫فإنــه يتــم التمييــز بــن ثالثــة أنــواع مــن الرقابــة علــى املوازنــة العامــة بنفقاتهــا وإيراداتهــا‬
‫العامــة هــى ‪:‬‬

‫‪ -1‬الرقابة السابقة على تنفيذ املوازنة العامة ‪:‬‬


‫تالئــم الرقابــة الســابقة علــى تنفيــذ امليزانيــة العامــة للدولــة جانــب النفقــات العامــة ‪ ،‬ألنهــا‬
‫تتطلــب احلصــول علــى إذن ســابق بالصــرف (أو اإلنفــاق ) مــن اجلهــة املوكــول إليهــا مراقبــة تنفيــذ‬
‫امليزانيــة ‪ ،‬مثــل موافقــة املديريــة املاليــة علــى الصــرف فــى مصــر ‪.‬‬
‫وتتميــز هــذه الطريقــة بأنهــا متنــع اخلطــأ فــى تنفيــذ امليزانيــة قبــل وقوعــه ‪ .‬وتنتشــر فــى عــدد‬
‫مــن الــدول األوربيــة مثــل اجنلتــرا وبلجيــكا ‪ ،‬ولكــن يؤخــذ عليهــا أنهــا تــؤدى إلــى تعقيــد إجــراءات‬
‫تنفيــذ امليزانيــة وإطالتهــا ‪ ،‬ممــا يعرقــل ســير األعمــال احلكوميــة ‪ ،‬ملــا تتطلبــه مــن فحــص وإذن‬
‫ســابقني مــن جهــة أخــرى قبــل الصــرف ‪.‬‬
‫بيــد أنــه يالحــظ أنــه يعتبــر فــى حكــم الرقابــة الســابقة ‪ ،‬ضــرورة اعتمــاد املوازنــة العامــة‬
‫مــن البرملــان قبــل تنفيذهــا ‪ ،‬إذ فــى هــذه احلالــة ال ميكــن للســلطة التنفيذيــة أن تشــرع فــى تنفيــذ‬
‫املوازنــة العامــة للدولــة إال بعــد عرضهــا علــى البرملــان ‪ ،‬ليقــرر حقــه فــى مناقشــتها وتعديلهــا فــى‬
‫حــدود مــا يســمح بــه الدســتور والقانــون ‪ ،‬وإصــداره لقانــون بربــط امليزانيــة ‪.‬‬

‫‪ -2‬الرقابة احلالة أواملعاصرة لتنفيذ املوازنة العامة ‪:‬‬


‫تتولــى جهــات متعــددة الرقابــة علــى حســن تنفيــذ امليزانيــة العامــة للدولــة ‪ ،‬كالســلطة‬
‫التنفيذيــة ‪ ،‬حيــث يختــص جهــاز معــن هــو عــادة مــا يتبــع وزارة املاليــة ‪ ،‬مبراقبــة الــوزارات والدوائــر‬
‫احلكوميــة األخــرى أثنــاء تنفيذهــا للموازنــة العامــة للدولــة ‪ .‬كمــا تشــاركها فــى ذلــك الســلطة‬
‫التشــريعية برقابتهــا احلالــة لتنفيــذ امليزانيــة علــى مــا ســيتضح فــى النقطــة التاليــة ‪ ،‬وتتميــز هــذه‬
‫الطريقــة بأنهــا كالرقابــة الســابقة رقابــة وقائيــة حتــول دون وقــوع املخالفــة ‪.‬‬

‫‪ .1‬راجع ‪ :‬د‪.‬أحمد جامع ‪ ،‬علم المالية العامة ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪. 382‬‬


‫‪-‬د‪.‬محمد حلمى مراد ‪ ،‬مالية الدولة ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪374‬‬
‫‪-‬د‪.‬عــزت البرعــى‪ ،‬د‪.‬مصطفــى حســنى ‪ ،‬محاضـرات فــى مبــادئ االقتصــاد المالــى ‪ ،‬بــدون مــكان نشــر أو ناشــر‪1999 / 89‬‬
‫ص ‪591‬‬

‫‪269‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫‪ -3‬الرقابة الالحقة لتنفيذ امليزانية ‪:‬‬


‫وتعنــى الرقابــة الالحقــة مراقبــة امليزانيــة العامــة بعــد متــام تنفيذهــا ‪ ،‬فهــى ال متنــع وقــوع‬
‫املخالفــة ولكنهــا تكشــف عنهــا بعــد حدوثهــا ‪ .‬ويعيــب هــذه الرقابــة الالحقــة ليســت باحلســم الــذى‬
‫عليــه الرقابــة الســابقة واحلالــة ‪ ،‬إذ أنهــا تأتــى بعــد وقــوع املخالفــة ‪ ،‬فهــى ال متنــع مــن وقوعهــا وال‬
‫تصححهــا ‪ ،‬ولكنهــا تعمــل علــى ضبطهــا وتوقيــع اجلــزاء علــى مرتكبيهــا ‪ ،‬وإن كانــت ال تخــل مــن‬
‫فائــدة ألنهــا تبعــث فــى نفــوس القائمــن علــى تنفيــذ امليزانيــة اخلــوف مــن توقيــع العقــاب عليهــم حــال‬
‫مخالفتهــم ‪ ،‬ممــا يــؤدى إلــى احترامهــم لالنظمــة املاليــة املقــررة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬وبالنظر إلى جهة الرقابة ((( ‪:‬‬


‫فمــن ناحيــة اجلهــة التــى تتولــى الرقابــة علــى تنفيــذ املوازنــة العامــة للدولــة ‪ ،‬ميكــن التمييــز‬
‫بــن ثالثــة أنــواع مــن الرقابــة اإلداريــة والبرملانيــة واملســتقلة علــى النحــو التالــى ‪:‬‬

‫‪ -1‬الرقابة اإلدارية ‪:‬‬


‫وهــى نــوع مــن الرقابــة الذاتيــة التــى تتوالهــا احلكومــة ‪ ،‬إذ تراقــب نفســها بنفســها ‪،‬‬
‫وتتوالهــا فــى مصــر وزارة املاليــة ‪ ،‬حيــث ينتشــر فــى مختلــف الــوزارات واملرافــق والهيئــات ‪ ،‬جهــاز‬
‫مالــى تابــع لــوزارة املاليــة ‪ ،‬يتولــى موظفــوه مراقبــة كافــة اجلهــات احلكوميــة لبنــود امليزانيــة العامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬وتتــردد مراقبتهــم بــن نوعــن مــن الرقابــة همــا ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬رقابة حالة ‪:‬‬


‫ويتوالهــا موظفــو وزارة املاليــة املوزعــن علــى جميــع املصالــح احلكوميــة ‪ ،‬واملكونــن للقســم املالــى‬
‫فــى كل مصلحــة ‪ ،‬ويراقبــون التصرفــات املاليــة للجهــات احلكوميــة التــى ينتشــرون بهــا ‪ ،‬حيــث‬
‫مينعــون تنفيــذ اجلهــة احلكوميــة ألى إجــراء مالــى يخالــف قانــون امليزانيــة ‪ ،‬ويخطــرون اجلهــاز‬
‫املركــزى للمحاســبات بهــا ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬رقابة الحقة ‪:‬‬


‫وهــى رقابــة تأتــى مــن قبــل اجلهــة املاليــة الرقابيــة بعــد تنفيــذ اجلهــة احلكوميــة املتواجديــن‬
‫بهــا للموازنــة العامــة ‪ ،‬حيــث يقومــون بإعــداد حســابات دوريــة شــهرية وربــع ســنوية ‪ ،‬للعمليــات املاليــة‬
‫التــى متــت فــى املصلحــة احلكوميــة التــى يتواجــدون بهــا ‪ ،‬ثــم يقومــون بإرســال هــذه التقاريــر إلــى‬
‫وزارة املاليــة ‪ ،‬مشــفوعة بتقريريــن مــن املراقــب املالــى عــن مــدى ســامة املوقــف املالــى لــكل وزارة أو‬
‫إدارة أو مصلحــة حكوميــة يتواجــدون بهــا ‪.‬‬

‫‪ .1‬راجع ‪ :‬د‪.‬أحمد جامع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 382‬‬


‫‪ -‬د‪.‬أحمد جمال الدين موسى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬
‫‪ -‬د‪.‬صبرى عبد العزيز ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪. 311‬‬

‫‪270‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫‪ -2‬الرقابة البرملانية‪:‬‬
‫وهــذه الرقابــة البرملانيــة هــى املقصــودة بالبحــث هنــا ‪ ،‬وهــى متثــل نوعــاً مــن الرقابــة‬
‫السياســية لنــواب الشــعب فــى برملانــه أى ســلطته التشــريعية ‪ ،‬وهــى تعتبــر مــن أهــم وأخطــر أنــواع‬
‫الرقابــة ‪ ،‬ألنهــا قــد يترتــب عليهــا حــل احلكومــة أو ســحب الثقــة منهــا أو مــن رئيــس الــوزراء أو‬
‫الــوزراء ‪.‬‬

‫وهى تتنوع كذلك إلى نوعني من الرقابة هى ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬رقابة حالة ‪:‬‬


‫وتتحقــق هــذه الرقابــة للجــان الفنيــة للبرملــان أو ألحــد نوابــه ‪ ،‬إذ يحــق لهــم أن يطلبــوا مــن‬
‫احلكومــة تقــدمي كافــة البيانــات واملســتندات التــى تــدل علــى مــدى حســن تنفيذهــم للميزانيــة العامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬مســتخدمني فــى ذلــك كافــة األدوات الرقابيــة مــن ‪ :‬أســئلة وطلبــات إحاطــة واســتجوابات ‪،‬‬
‫للمســئولني ورؤســاء املصالــح واحملافظــن والــوزراء ورئيــس الــوزراء ونوابــه ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬رقابة الحقة ‪:‬‬


‫وتتقــرر لهــم بعــد تنفيــذ امليزانيــة ‪ ،‬إذ ينبغــى علــى وزارة املاليــة ورئيــس الــوزراء تقــدمي حســاب‬
‫ختامــى للميزانيــة للبرملــان ‪ ،‬خــال مــدة معينــة يحددهــا الدســتور أو القانــون مــن تاريــخ إنتهــاء الســنة‬
‫املاليــة ‪ ،‬وذلــك كــى يعتمدهــا البرملــان ‪ ،‬وعــادة مــا يتولــى مراجعــة احلســاب اخلتامــى قبــل عرضهــا‬
‫علــى البرملــان ‪ ،‬جهــة مســتقلة كاجلهــاز املركــزى للمحاســبات فــى مصــر ‪.‬‬

‫‪ -3‬الرقابة املستقلة ‪:‬‬


‫وتكــون الرقابــة املســتقلة جلهــاز مســتقل عــن الســلطتني التشــريعية والتنفيذيــة ‪ ،‬يتخصــص‬
‫فــى إجــراء املراقبــة املاليــة علــى كافــة الدوائــر احلكوميــة فــى تنفيذهــا للميزانيــة العامــة وإدارتهــا‬
‫لألمــوال العامــة ‪ .‬بحيــث يتولــى هــذا اجلهــاز كشــف املخالفــات املاليــة التــى تقــع مــن اجلهــات‬
‫احلكوميــة أثنــاء تنفيذهــا للموازنــة العامــة للدولــة وتوجيههــم نحــو تالفــى هــذه املخالفــات ذاتي ـاً ‪،‬‬
‫وإال أحالهــم إلــى الســلطة التشــريعية ألعمــال رقابتهــا البرملانيــة عليهــم ‪.‬‬
‫ويختــص بالقيــام بهــذه الرقابــة املســتقلة فــى مصــر والبحريــن جهــاز مســتقل عــن الســلطة التنفيذيــة‬
‫‪ ،‬هــو فــى مصــر ‪ :‬اجلهــاز املركــزى للمحاســبات ‪ ،‬الــذى أنشــيء بالقانــون رقــم ‪ 129‬لســنة ‪، 1964‬‬
‫ويعتبــر أحــد أجهــزة مجلــس الشــعب (أو النــواب) فــى مصــر منــذ عــام ‪ ، 1975‬ويتمتــع باالســتقالل‬
‫التــام عــن احلكومــه ‪ ،‬حتــى أن رئيســه ال يســتطيع أن يعينــه أو يعزلــه رئيــس اجلمهوريــة إال مبوافقــة‬
‫مجلــس الشــعب (أو النــواب) ‪ ،‬وهــذا اجلهــاز فــى البحريــن هــو ديــوان الرقابــة املاليــة ‪ ،‬والــذى أنشــيء‬
‫باملرســوم بقانــون رقــم ‪ 16‬لســنة ‪ 2002‬م ‪ ،‬وهــو يتبــع جاللــة امللــك ‪.‬‬

‫مبــا تقــدم نكــون قــد قدمنــا بإيجــاز للرقابــة البرملانيــة املاليــة ســواء فيــه مقوماتهــا أو فــى‬
‫مــدى تطــور حــق الشــعب فيهــا ‪ ،‬وهــو مــا ميهــد بحــق للولــوج فــى موضوعــات هــذا البحــث املتعلقــة‬

‫‪271‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫بالعهــود البرملانيــة األولــى النبويــة والبكريــة والعمريــة ‪.‬‬

‫الفصل األول‬
‫الرقابة البرلمانية فى العهد النبوي‬

‫عهــد النبــوة يزخــر مبثــل تلــك الرقابــة املاليــة للبرملــان االســامي علــى التصرفــات املاليــة العامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬واألمثلــة علــى ذلــك كثيــرة ‪ ،‬ولكننــا ســنقتصر هنــا علــى منوذجــن ماليــن بــن الفقــراء مــن‬
‫املهاجريــن واألغنيــاء مــن األنصــار ‪ ،‬قضــي فيهمــا النبــى ‪ r‬بقضائــه كحاكــم مســلم ‪ :‬مــس أحدهمــا‬
‫املهاجريــن ملــا تعــرض النبــى ‪ r‬لظاهــرة الريــع فــى املدينــة ‪ ،‬ومــس األمــر اآلخــر األنصــار فــى توزيعــه‬
‫ألراضــى خيبــر علــى املهاجريــن دون االنصــار ‪.‬‬
‫ونوزع هذين النموذجني على مبحثني بالترتيب التالي‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬الرقابة البرملانية للمهاجرين ‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬الرقابة البرملانية لألنصار‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫الرقابة البرلمانية للمهاجرين‬
‫مــن أبــرز املواقــف التــى تــدل علــى الرقابــة البرملانيــة للمهاجريــن ‪ ،‬ملــا جــاء املهاجــرون‬
‫يشــكون أكثــر مــن مــرة إلــى رســول اهلل ‪ ‬مــن الشــروط اإليجاريــة الريعيــة التــى كان كبــار مــاك‬
‫األراضــى مــن األنصــار يفرضونهــا عليهــم عنــد اســتئجارهم ألراضيهــم الزراعيــة ‪ .‬وهــى كانــت‬
‫شــروطاً مجحفــة بهــم ‪ ،‬فرضهــا زيــادة الطلــب علــى اســتئجار األراضــى الزراعيــة فــى املدينــة فــى‬
‫بدايــة الهجــرة عــن املعــروض منهــا ‪ ،‬ممــا أدى إلــى رفــع قيمــة إيجارهــا ســواء النقــدى أو العينــى‬
‫(((‬
‫(باملغــاالة فــى شــروط املزارعــة) ‪.‬‬
‫وقــد عبــر عنهــا البخــارى بأنهــا كانــت شــروطاً اســتثنائية وهــى تقابــل فــى االقتصــاد‬
‫الشــروط الريعيــة ‪ ،‬التــى يســتغل بهــا املؤجــر حاجــة املســتأجر فيفرضهــا عليــه مســتوليا علــى جــل‬
‫دخــل يحققــه املســتأجرمنها‪ .‬يــروى ذلــك البخــارى فــى صحيحــه إلــى واحــد مــن أكبر مــاك األراضى‬
‫الزراعيــة فــى املدينــة هــو وعائلتــه مــن االنصــار ‪ ،‬وهــو رافــع بــن خديــج ‪ ،‬بقولــه ‪ ( :‬كنــا أكثــر أهــل‬
‫املدينــة مزدرع ـاً ‪ :‬كنــا نكــرى األرض بالناحيــة منهــا مســمى لســيد األرض ! فقــال ‪ :‬فممــا يصــاب‬
‫ذلــك وتســلم األرض ‪ ،‬وممــا يصــاب األرض ويســلم ذلــك ‪ ،‬فنهينــا) ‪ ((( .‬كمــا وضحهــا البخــارى فــى‬
‫روايــة رافــع بــن خديــج بصــورة أخــرى مــن أنهــم (كانــوا يكــرون (((األرض علــى عهــد النبــى ‪ ، ‬مبــا‬
‫ينبــت علــى األربعــاء ‪ ،‬أو شــيء يســتثنيه صاحــب األرض ‪ ،‬فنهــى النبــى ‪ ‬عــن ذلــك) ‪ (((.‬واألربعــاء‬
‫هــى مســاقى مليــاه مــن تــرع وغيرهــا ‪.‬‬

‫ارجــع تفصيــل هــذه الشــروط الريعيــة وكيــف عالــج رســول اهلل ‪ r‬ظاه ـرة الريــع التــى وقعــت فــى المدينــة عنــد نشــأة الدولــة‬ ‫‪.1‬‬
‫اإلســامية ‪ ،‬لــدى د‪.‬صبــرى عبــد العزيــز ‪ ،‬مبــادئ االقتصــاد والتعــاون فــى الفكريــن الوضعــى واإلســامى ‪ ،‬المحلــة الكبــرى‬
‫‪ ،‬مكتبــة الصفــا ‪ 2008 / 2007 ،‬ص ‪ 270‬ومــا بعدهــا ‪.‬‬
‫رواه البخارى فى صحيحه ‪ ،‬م س ‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪49‬‬ ‫‪.2‬‬
‫يكرون أى يؤجرون‬ ‫‪.3‬‬
‫رواه البخارى فى صحيحه ‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪49‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪272‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫وقــد روى أحمــد عــن ســعد بــن أبــى وقــاص مــا يؤكــد هــذه الشــروط الريعيــة التــى شــكا منهــا‬
‫املهاجــرون بقولــه ‪ ( :‬إن أصحــاب املــزارع كانــوا يكــرون مزارعهــم ‪ ،‬مبــا يكــون علــى الســواقى ومــا‬
‫ســعد باملــاء ممــا حــول النبــت فجــاءوا رســول اهلل ‪ ‬فاختصمــوا بعــد ذلــك فنهاهــم أن يكــروا بذلــك‬
‫(((‬
‫‪ ،‬وقــال ‪ :‬أكــروا بالذهــب والفضــة) ‪.‬‬
‫بــل إن النبــى ‪ ‬اســتدعى رافــع بــن خديــج وســأله فــى ذلــك ‪ ،‬يــروى ذلــك رافــع بــن خديــج نفســه‬
‫فيقــول ‪( :‬دعانــى رســول اهلل ‪ ، ‬قــال ‪ :‬مــا تصنعــون مبحافلكــم ؟ قلــت ‪ :‬نؤجرهــا علــى ‪ :‬الربــع‬
‫وعلــى األوثــق مــن التمــر والشــعير ‪ ،‬قــال ‪ :‬ال تفعلــوا إزرعوهــا أو أزرعوهــا أو أمســكوها ‪ ،‬قــال رافــع‬
‫(((‬
‫‪ :‬قلــت ‪ :‬ســمعاً وطاعــة) ‪.‬‬
‫فلقــد مثلــت هــذه املشــكلة الريعيــة ‪ ،‬أكبــر املشــاكل االقتصاديــة اخلطيــرة التــى واجهــت الدولــة‬
‫االســامية فــى نشــأتها ‪ .‬ومــع كل تلــك احللــول التــى دعــا إليهــا رســول اهلل ‪ r‬فإنهــا قــد خففــت‬
‫فحســب مــن ظاهــرة الريــع ‪ ،‬ولكنهــا لــم تنــه عليهــا نهائيـاً فــى بدايــة األمــر ‪ ،‬لذلــك عضدهــا النبــى‬
‫‪ ‬بحــل آخــر خفــف أكثــر مــن ظاهــرة الريــع ‪ ،‬إعتمــد فيــه علــى عقيــدة األنصــار وقــوة إميانهــم ‪،‬‬
‫وذلــك ملــا رغــب النبــى ‪ r‬فــى ثــواب اآلخــرة ليكــون حافــزاً أساســياً لعــاج هــذه املشــكلة ‪ ،‬فدعــى‬
‫مــاك األراضــى مــن أغنيــاء األنصــار إلــى أن مينحــوا أراضيهــم أو شــطراً منهــا إلخوانهــم املهاجريــن‬
‫لفقرهــم ‪ ،‬دون أن يأخــذوا عليهــا إيجــاراً (أى خرج ـاً ) معين ـاً ‪.‬‬
‫فاســتجاب األنصــار لدعــوة ‪ ‬فيمــا ســمى بعــد ذلــك (باملنيحــة) ‪ ،‬التــى هــى جــزء مــن عمليــة‬
‫(املؤاخــاة) التــى أجراهــا النبــى ‪ ‬بــن األنصــار واملهاجريــن فــى املدينــة ‪ ،‬ولــم يشــهد التاريــخ لهــا‬
‫مثــاالً ‪ .‬وذلــك ملــا قــال لهــم النبــى ‪ ( : ‬أن مينــح أحدكــم أخــاه ‪ ،‬خيــر لــه مــن أن يأخــذ عليــه خرجـاً‬
‫(((‬
‫معلوم ـاً) ‪.‬‬
‫ولــم يكتــف النبــى ‪ ‬مبــا تقــدم بــل عضدهــا بحــل ناجــع قضــى بــه نهائيــا علــى ظاهــرة الريــع فــى‬
‫الدولــة اإلســامية ‪ ،‬وذلــك ملــا ملــك األراضــى الفضــاء بــدون مقابــل ملــن يســتصلحها ‪ ،‬فقــال ‪( :‬مــن‬
‫أحيــا أرضــا ميتــة فهــي لــه صدقــة) ((( ولقــد اســتخدم يف ذلــك أســلوب الدعــوة االقتصاديــة والدعــوة‬
‫اإلميانيــة ‪ :‬االقتصاديــة بتمليــك األرض حملييهــا ‪ ،‬واإلميانيــة بوعــده بالثــواب عمــن يــأكل مــن اخلــارج‬
‫منهــا ‪ .‬وهــي مــع إميانيتهــا إال أنهــا تنطــوي يف حقيقتهــا علــي حافــز لــه علــي العمــل فيهــا بعــد إحيائها‬
‫حتــى ينتفــع بثمارهــا شــخصيا ويســتفيد إميانيــا بانتفــاع غيــره منهــا ‪ .‬فذلــك احلــل أدى علــى املــدى‬
‫الطويــل إلــى زيــادة عــرض األراضــى ليتــوازى مــع الطلــب عليهــا ‪ ،‬مقضيــا بذلــك علــى أهــم شــروط‬
‫قيــام الريــع ‪.‬‬
‫يــدل مــا تقــدم علــى أن أول وأخطــر املشــاكل اإلقتصاديــة واإلجتماعيــة التــى ظهــرت فــى مهــد الدولــة‬
‫اإلســامية ‪ ،‬قــد نوقشــت فــى البرملــان اإلســامى ‪ .‬حيــث إســتمع فيــه النبــى ‪ r‬إلــى طرفــى النــزاع‬
‫مــن املهاجريــن واألنصــار ‪ ،‬ووضــع احللــول اإلقتصاديــة املالئمــة حتــى قضــى عليهــا ‪.‬‬

‫رواه البخارى فى صحيحه ‪ ،‬م س ‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪49‬‬ ‫‪.1‬‬


‫رواه البخارى فى صحيحه ‪ ،‬م س ‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪46‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ذكره الشوكانى ‪ ،‬فى نيل األوطار ‪ ،‬جـ ‪ 5‬ص ‪ ، 279‬وذكر أن فى الفتح قيل أن رجاله ثقات‬ ‫‪.3‬‬
‫راجع ‪ :‬فيها البخاري في صحيحه ‪,‬م‪.‬س‪ .‬جـ‪ , 3‬ص ‪. 15‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪273‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫المبحث الثاني‬
‫الرقابة البرلمانية لألنصار‬

‫ننتقــى مــن تلــك األمثلــة للرقابــة البرملانيــة لألنصــار مــا حــدث فــى توزيــع النبــى ‪ ‬ألمــوال‬
‫خيبــر علــى املهاجريــن فقــط ‪ ،‬ولــم يــوزع علــى األنصــار منهــا أى شــيء ‪ ،‬ســوى علــى اثنــن مــن‬
‫األنصــار فقــط لفقرهــم ‪ ،‬فاعتــرض األنصــار علــى ذلــك ‪ ،‬فعقــد النبــى ‪ r‬اجتماع ـاً برملاني ـاً خاص ـاً‬
‫باألنصــار وحدهــم وفــى مقــر خــاص بهــم ‪ .‬ليــس فــى مقــر البرملــان االســامى الرئيســى وهــو املســجد‬
‫‪ ،‬ولكــن فــى مقــر خــاص عبــر عنــه مســلم فــى صحيحــه بأنــه (قبــة)‪.‬‬
‫ومــا عقــد النبــى ‪ ‬هــذا االجتمــاع لألنصــار وحدهــم فــى مقــر خــاص إال ليبــن لهــم مــدى‬
‫إهتمامــه بشــكواهم مــن ناحيــة ‪ ،‬ثــم لكــى يعطــى لهــم احلريــة الكاملــة كــى يتحدثــوا عنهــا دون تدخــل‬
‫مــن اجلنــاح اآلخــر لألمــة اإلســامية وهــم املهاجــرون مــن ناحيــة أخــرى ‪ .‬خاصــة وأن هنــاك شــبهة‬
‫ميكــن أن يدخــل منهــا الشــيطان وأعوانــه مــن املنافقــن كــى يحدثــوا الوقيعــة بــن جناحــى األمــة مــن‬
‫املهاجريــن واألنصــار ‪ ،‬نظــرا ألن املهاجريــن هــم أقــارب رســول اهلل ‪ ‬وإيثــاره بهــم وحدهــم بالتوزيــع‬
‫يثيــر شــبهة محاباتــه لهــم علــى حســاب األنصــار ‪ ،‬وحــاش لــه أن يفعــل ذلــك فهــو منــزه عــن الهــوى‬
‫وحــى)‬ ‫نط ُق َعنِ الْ َه ـ َوى ِإ ْن ُه ـ َو إ َِّل َو ْحـ ٌ‬
‫ـي يُ َ‬ ‫‪ ،‬وفق ـاً لقولــه تعالــى ( َو َما يَ ِ‬
‫(((‬

‫يشــير إلــى هــذه الواقعــة مســلم فــى صحيحــه ‪ ،‬الــذى رواه عــن أنــس بــن مالــك بقولــه ‪:‬‬
‫(وأصــاب رســول اهلل ‪ ‬غنائــم كثيــرة فقســم فــى املهاجريــن والطلقــاء ‪ ،‬ولــم يعــط االنصــار شــيئاً ‪،‬‬
‫فقــال األنصــار ‪ :‬إذا كانــت الشــدة فنحــن ندعــى ‪ ،‬وتعطــى الغنائــم غيرنــا ‪ ،‬فبلغــه ذلــك ‪ ،‬فجمعهــم‬
‫فــى قبــة فقــال ‪ :‬يــا معشــر األنصــار مــا حديــث بلغنــى منكــم ؟ فســكتوا ‪ ،‬فقــال يــا معشــر األنصــار‬
‫أمــا ترضــون أن يذهــب النــاس بالدنيــا ‪ ،‬وتذهبــون مبحمــد حتوزونــه إلــى بيوتكــم ؟ قالــوا ‪ :‬بلــى يــا‬
‫رســول اهلل رضينــا ((()‬
‫فيالحــظ هنــا أن النبــى ‪ ‬لــم يتــرك املشــكلة تســتفحل ‪ ،‬بــل بــادر فــوراً مبواجهتهــا ‪ ،‬فعقــد االجتمــاع‬
‫فــى قبــة وهــى مقــر مســتدير مقــوس مجــوف ‪ ،‬مثــل املقــرات البرملانيــة احلديثــة (((‪ ،‬وســمح لهــم بــأن‬
‫يناقشــوه ‪ ،‬ولكنهــم الحترامهــم لرســول اهلل ‪ ، ‬أبــوا أن يناقشــوه فــى األمــر ـ رغــم قــوة حجتهــم ـ‬
‫فخيرهــم بــن الدنيــا (أى األمــوال) وبــن مــا هــو أغلــى مــن أمــوال الدنيــا كلهــا وهــو رســول اهلل ‪، ‬‬
‫فاختــاروا الفــوز برســول اهلل ‪. ‬‬
‫ورغــم أن اجلائــزة التــى أعطاهــا رســول اهلل ‪ r‬لألنصــار وأرضاهــم بهــا هــى جائــزة معنويــة ‪،‬‬
‫وهــى حــب رســول اهلل ‪ r‬ومجاورتــه ‪،‬وقــد رضــوا وفرحــوا بهــا وفضلوهــا علــى األمــوال التــى وزعهــا‬
‫علــى املهاجريــن دونهــم ‪ .‬إال أن النبــى ‪ ‬عوضهــم عنهــا بجائــزة ماليــة أخــرى ‪ ،‬تتمثــل فــى أنهــم ملــا‬
‫اســتجابوا لدعــوة رســول اهلل‪ r‬لهــم بــأن مينحــوا جــزءا مــن أراضيهــم الزراعيــة إلخوانهــم الفقــراء‬
‫مــن املهاجريــن ‪ ،‬دون أن يأخــذوا عليهــا خرجـاً معلومـاً ‪ ،‬أى دون مقابــل إيجــارى معــن ( فيمــا ســمى‬
‫باملنيحــة)‪.‬‬
‫ملــا فعــل األنصــار ذلــك واســتجابوا لدعــوة الرســول ‪ ‬فــى موضــوع املنيحــة ‪ ،‬ثــم ملــا اســتجابوا لــه‬
‫مــرة أخــرى فــى توزيعــه ألراضــى الفتــح علــى املهاجريــن فقــط دون األنصــار‪ ،‬هنــا أجــرى الرســول‬
‫‪ .1‬سورة النجم اآلية (‪)3‬‬
‫‪ .2‬رواه مسلم فى صحيحه ‪ ،‬طبعة دار التحرير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬جـ ‪ 3‬ص ‪107‬‬
‫‪ .3‬راجع ‪ :‬المعجم الوجيز ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.487‬‬

‫‪274‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫‪ ‬عمليــة إعــادة توزيــع للثــروة القوميــة بــن األنصــار واملهاجريــن كانــت هــى اجلائــزة التــى منحهــا‬
‫لألنصــار ‪ .‬وهــى أنــه أمــر املهاجريــن أن يــردوا إلــى األنصــار منائحهــم مــن األراضــى التــى أخذوهــا‬
‫منهــم دون مقابــل ‪ .‬يــروى هــذا البخــارى عــن أنــس بــن مالــك ‪ ( :‬أن النبــى ‪ ‬ملــا فــرغ مــن قتــل أهــل‬
‫خيبــر ‪ ،‬فانصــرف إلــى املدينــة ‪ ،‬رد املهاجــرون إلــى األنصــار منائحهــم التــى كانــوا منحوهــم مــن ثمــار‬
‫(((‬
‫‪ ،‬فــرد النبــى ‪ ‬إلــى أمــه عذاقهــا ((( وأعطــى رســول اهلل ‪ ‬أم أميــن مكانهــن مــن حائطــه) ‪.‬‬

‫بذلــك تكــون مشــاكل األنصــار املاليــة قــد نوقشــت حتــت قبــة البرملــان اإلســامى ‪ ،‬وأجــرى‬
‫النبــى ‪ ‬احللــول املالئمــة لهــا ‪ ،‬ليحقــق بذلــك عدالــة اقتصاديــة واجتماعيــة بــن جناحــى األمــة‬
‫اإلســامية فــى ذلــك الوقــت مــن األنصــار واملهاجريــن ‪.‬‬
‫جملــة مــا تقــدم ينطــوى علــى وقائــع برملانيــة حدثــت فــى عهــد النبــى ‪ ، ‬تــدل علــى أن حــق‬
‫الشــعب فــى الرقابــة البرملانيــة املاليــة ‪ ،‬كان مكفــوالً لهــم منــذ ميــاد الدولــة اإلســامية ‪ .‬وكانــت‬
‫الواقعــة البرملانيــة األولــى ملــا اســتجاب النبــى ‪ ‬لشــكاوى املهاجريــن مــن الشــروط الريعيــة التــى‬
‫فرضهــا عليهــم كبــار مــاك األنصــار‪ ،‬ليســتمع إلــى طرفــى النــزاع ويضــع احللــول االقتصاديــة الكفيلة‬
‫بالقضــاء علــى ظاهــرة الريــع أخطــر املشــاكل االقتصاديــة التــى واجهــت الدولة اإلســامية فــى املدينة‬
‫‪ .‬وكانــت الواقعــة البرملانيــة الثانيــة ملــا اســتمع النبــى ‪ ‬داخــل البرملــان إلــى شــكوى األنصــار املاليــة‬
‫‪ ،‬واعتراضهــم املبدئــى علــى إنفــاق جانــب مــن األمــوال العامــة للدولــة علــى املهاجريــن فقــط دون‬
‫األنصــار ‪ ،‬ومــع إقناعــه لهــم إال أنــه اســتجاب لدعواهــم بــأن أعــاد توزيــع الثــروة القوميــة لصاحلهــم‬
‫محدثـاً توزانـاً فــى توزيــع الدخــول والثــروات بــن الفئــات االجتماعيــة مــن األنصــار واملهاجريــن ‪ ،‬ممــا‬
‫حقــق العدالــة االقتصاديــة واالجتماعيــة بينهــم‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫الرقابة البرلمانية فى العهد البكري‬

‫متيــزت فتــرة خالفــة أبــى بكــر الصديــق ‪ ،‬بأنهــا شــهدت رقابــة إداريــة أو ذاتيــة شــديدة‬
‫ونظــراً لوجــود كبــار الصحابــة كعمــر وعلــى وعثمــان حولــه ‪ ،‬فكانــوا يــردوه فــى العديــد مــن قراراتــه‬
‫ا عمــا واجهــه فــى عهــده مــن أخطــر القضايــا التــى تعرضــت لهــا الدولــة اإلســامية‬ ‫املاليــة ! فض ـ ً‬
‫وهــى قضيــة الــردة عــن اإلســام ‪ ،‬ومــا اقتــرن بهــا مــن قضيــة الــردة املاليــة املتمثلــة فــى اإلمتنــاع عــن‬
‫دفــع الــزكاة ‪ ،‬ومــا دار حولهــا مــن مناقشــات برملانيــة كبيــرة ‪.‬‬

‫لذلــك فســيتم التعــرض لهاتــن الرقابتــن ‪ :‬الرقابــة اإلداريــة فــى عهــد أبــى بكــر الصديــق مــن ناحيــة‬
‫‪ ،‬ومنــوذج الرقابــة البرملانيــة املاليــة فــى عهــده مــن ناحيــة أخــرى ‪ ،‬وذلــك فــى مبحثــن علــى النحــو‬
‫التالــى ‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬الرقابة اإلدارية املالية فى العهد البكري‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬منوذج الرقابة البرملانية املالية فى العهد البكري‪.‬‬
‫‪ .1‬العزق كل غصن له شعب ‪ ،‬راجع المعجم المفهرس ص ‪. 411‬‬
‫‪ .2‬رواه البخارى فى صحيحه ‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪. 97‬‬

‫‪275‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫المبحث األول‬
‫الرقابة اإلدارية المالية فى العهد البكري‬
‫تعرضنــا فــى الفصــل التمهيــدى ألنــواع الرقابــة املاليــة بالنظــر إلــى جهــة الرقابــة ‪ ،‬وأنهــا‬
‫تتمثــل فــى ثالثــة أنــواع مــن الرقابــة هــى ‪ :‬الرقابــة اإلداريــة والرقابــة البرملانيــة‪ ،‬والرقابــة املســتقلة‬
‫(((‪.‬‬
‫فالرقابــة اإلداريــة ‪ :‬تتوالهــا احلكومــة علــى نفســها بنفســها ‪ ،‬حيــث تقــوم بهــا إدارة تابعــة للســلطة‬
‫التنفيذيــة ‪ ،‬ممثلــة فــى وزارة املاليــة ‪ ،‬لتراقــب األداء املالــى لغيرهــا مــن الــوزارات أو املصالــح‬
‫احلكوميــة األخــرى ‪ ،‬وذلــك عــن طريــق قســمها املالــى املنتشــر فــى كل الــوزارات واملصالــح (((‪.‬‬
‫وفــى عهــد أبــى بكــر الصديــق كان قــد ولــى عمــر بــن اخلطــاب هــذه املهمــة ‪ ،‬ليقــوم بالرقابــة‬
‫علــى التصرفــات املاليــة للحكومــة ‪ ،‬فيراجعهــا ويعتمدهــا بخــامت الدولــة الــذى كان عهدتــه وحــده‪.‬‬
‫وكمــا أشــرنا ســلفاً فــإن فتــرة خالفــة أبــى بكــر الصديــق متيــزت بنشــاط هــذه الرقابــة اإلداريــة‬
‫أو الذاتيــة‪ ،‬بســبب كثــرة كبــار الصحابــة حولــه ‪ ،‬ومتيــزه باشــراكهم فــى احلكــم ‪ ،‬فكانــت الرقابــة‬
‫اإلداريــة مــن أبــرز أنــواع الرقابــة املاليــة التــى ظهــرت فــى عهــد أبــى بكــر ‪ ،‬لذلــك تعــددت وقائعهــا‬
‫التــى ننتقــى منهــا واقعتــن ‪ ،‬لنــرى مــدى التــزام أبــى بكــر الصديــق بــرأى املنتقديــن لــه فيهــا ‪ ،‬وهمــا ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬قضية إقطاع األرض ‪:‬‬


‫كانــت األراضــى القدميــة التــى ال مالــك لهــا منــذ عهــد (عــاد) ‪ ،‬تســمى بعــادى األرض ‪،‬‬
‫وفيهــا روى أبوعبيــد بســنده إلــى ابــن طــاووس عــن أبيــه قــال ‪ ( :‬قــال رســول اهلل ‪ : ‬عــادى‬
‫األرض هلل ولرســوله ثــم هــى لكــم ‪ ،‬قــال قلــت ‪ :‬ومــا يعنــى ؟ قــال ‪ :‬تقطعونهــا للنــاس ) ‪ (((.‬ويعنــى‬
‫ذلــك أن هــذه األراضــى هــى ممــا يدخــل فــى األمــوال العامــة العقاريــة اململوكــة للدولــة(أى أمــوال‬
‫الدومــن العقــارى) ‪ .‬ولكــن نظــراً ألنهــا تتطلــب رعايــة خاصــة الســتصالحها وإحيائهــا واســتزراعها‬
‫‪ ،‬فــى الوقــت الــذى لــم تكــن الدولــة لديهــا عمــال يكفونهــا ذلــك ! لذلــك فــإن النبــى أجــاز لولــى‬
‫األمــر أن يقطعهــا لألفــراد الذيــن ميكنهــم أن يســتغلونها بــدالً مــن تركهــا بــا اســتثمار وهــو مــا يشــبه‬
‫(((‬
‫اخلصخصــة اليــوم ‪.‬‬
‫وقــد ســار علــى نفــس النهــج أبــو بكــر الصديــق فــى خالفتــه ‪ ،‬وهــذا مــا رواه أبــو عبيــد قــال‬
‫‪ ( :‬أقطــع أبــو بكــر طلحــة بــن عبيــد اهلل أرضـاً ‪ ،‬وكتــب لــه بهــا كتابـاً وأشــهد لــه ناسـاً فيهــم عمــر ‪،‬‬
‫فأتــى طلحــة عمــر بالكتــاب ‪ ،‬فقــال ‪ :‬اختــم علــى هــذا ! فقــال ‪ :‬ال اختــم ‪ ،‬أهــذا كلــه لــك دون النــاس‬
‫؟ قــال ‪ :‬فرجــع طلحــة مغضبـاً إلــى أبــى بكــر ‪ ،‬فقــال ‪:‬واهلل مــا أدرى ‪ ،‬أنــت اخلليفــة أم عمــر ؟ فقــال‬
‫(((‬
‫‪ :‬بــل عمــر ‪ ،‬ولكنــه أبــى )‪.‬‬

‫ارجــع ‪ :‬د‪.‬شــوقى عبــده الســاهى ‪ ،‬مراقبــة الموازنــة العامــة للدولــة فــى ضــوء اإلســام ‪ ،‬القاهـرة ‪ ،‬بــدون ناشــر ‪ 1403 ،‬ه ـ‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ 1983 ،‬م ص ‪ 31‬ومــا بعدهــا‬
‫نفس المرجع السابق‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو عبيد ‪ ،‬األموال ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪ ،‬ودار الفكر ‪ 1401 ،‬هـ ـ ‪ 1981‬م ‪ ،‬ص ‪. 457 – 453‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ارجــع فــى معنــى الخصخصــة ‪ :‬د‪ .‬أحمــد جمــال الديــن موســى ‪ ،‬قضيــة الخصخصــة ‪ ،‬د ارســة تحليليــة ‪ ،‬المنصــورة ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مجلــة كليــة الحقــوق جامعــة المنصــورة ‪ ،‬عــدد إبريــل ‪. 1993‬‬
‫أبو عبيد ‪ ،‬األموال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 256‬ورواه عن معاذ وأزهر السمان ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪276‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫وقــد تكــرر هــذا األمــر مــع عيينــه بــن حصــن ‪ ،‬فيمــا رواه أبــو عبيــد ‪ :‬أن أبــا بكــر قطــع‬
‫لعيينــه بــن حصــن قطعــة ‪ ،‬وكتــب لــه بهــا كتاب ـاً ‪ ،‬فقــال لــه طلحــة ـ أو غيــره ـ إنــا نــرى هــذا الرجــل‬
‫ســيكون مــن هــذا األمــر بســبيل ـ يعنــى عمــر ـ فلــو أقرأتــه كتابــك ‪ ،‬فأتــى عيينــه عمــر ‪ ،‬فأقــرأه كتابــه‬
‫‪ ،‬ثــم ذكــر مثــل حديــث ابــن عــوف ‪ ،‬وزاد فيــه ‪ ،‬أنــه بصــق فــى الكتــاب ومحــاه ‪ ،‬قــال ‪ :‬فســأل عيينــه‬
‫(((‬
‫أبــا بكــر أن يجــدد لــه كتابـاً ‪ ،‬فقــال ‪ :‬واهلل ال أجــدد شــيئاً رده عمــر) ‪.‬‬
‫فهاتــان الواقعتــان تــدالن علــى أنــه كانــت هنــاك رقابــة ذاتيــة (أو إداريــة ) مــن داخــل‬
‫احلكومــة اإلســامية علــى تصرفــات احلاكــم املاليــة ‪ ،‬وأن عمــر بصفتــه مســئوالً عــن اعتمــاد مثــل‬
‫هــذه التصرفــات بخــامت الدولــة ‪ ،‬فقــد ردهــا ‪ ،‬ولــم يجزهــا ‪ .‬ولعــل فــى موقــف أبــى بكــر الصديــق ‪،‬‬
‫وموافقتــه علــى رأى عمــر املخالــف لرأيــه مــا يــدل علــى أن هــذه الرقابــة اإلداريــة كانــت فعالــة ‪ ،‬وأن‬
‫الشــورى وحريــة التعبيــر عــن الــرأى كانــت متاحــة ‪ ،‬وأن الشــورى وحريــة التعبيــر عــن الــرأى ولــو فــى‬
‫مواجهــة احلاكــم ‪ ،‬كانــا ســائدين ومعمــوالً بهمــا لــدى اخللفــاء الراشــدين ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬قضية املؤلفة قلوبهم ‪:‬‬


‫الص َد َقـ ُ‬
‫ـات‬ ‫املؤلفــة قلوبهــم يســتحقون نصيبهــم مــن الصدقــات مبوجــب قولــه تعالــى ‪( :‬إ َّ َ‬
‫ِنا َّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن َو ِف َس ـبِيلِ ِ‬
‫الل َوابْــنِ‬ ‫ـاب َوالْ َغارِ مِ ـ َ‬ ‫ني َعلَيْ َهــا َو ْال ُ َؤ ّلَ َفــةِ ُقلُوبُ ُه ـ ْم َو ِف ِ ّ‬
‫الر َقـ ِ‬ ‫ِلل ْ ُف َق ـ َراءِ َو ْال َ َســاكِ ِ‬
‫ني َوالْ َعامِ ِل َ‬
‫الل ۗ َوالل َعلِيــ ٌم َحكِ يــ ٌم ) وفــى إطــار هــذه اآليــة فــإن املؤلفــة قلوبهــم‬
‫(((‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يضــ ًة مِ ــ َن ِ‬ ‫الســبِيلِ ۖ َف ِر َ‬ ‫َّ‬
‫يســتحقون نصيبـاً مــن أمــوال الــزكاة (((‪ ،‬ولكــن الــذى حــدث فــى عهــد أبــى بكــر الصديــق‪ ،‬أن بعضـاً‬
‫منهــم أرادوا أن يتجــاوز ذلــك باحلصــول علــى أرض واألراضــى ليســت مــن أمــوال الــزكاة ‪ ،‬فكتــب‬
‫لهــم أبــو بكــر خطاب ـاً فتناولــه عمــر بــن اخلطــاب ومزقــه ! وقــال ( هــذا شــيء كان رســول اهلل ‪‬‬
‫يعطيكمــوه ليتألفكــم علــى اإلســام ‪ ،‬واآلن وقــد أعــز اهلل اإلســام وأغنــى عنكــم ‪ ،‬فــإن ثبتــم علــى‬
‫(((‬
‫اإلســام ‪ ،‬وإال بيننــا وبينكــم الســيف ‪ ،‬فأقــر أبــو بكــر عمــر علــى رأيــه) ‪.‬‬
‫ويالحــظ فــى هاتــن القضيتــن ‪ ،‬أن الرقابــة هنــا كانــت رقابــة داخليــة مــن داخــل احلكومــة‬
‫االســامية ‪ ،‬مــن املكلــف باعتمــاد مثــل تلــك النفقــات املاليــة العامــة وهــو عمــر ‪ ،‬وفيهمــا لــم يــرد‬
‫اخلليفــة (أو احلاكــم) رأى عمــر املخالــف لرأيــه ‪.‬‬
‫أمــا الرقابــة البرملانيــة علــى التصرفــات املاليــة العامــة ‪ ،‬فنتعــرف عليهــا مــن خــال املطلــب‬
‫التالــى ‪ ،‬وعمــا إذا كان احلاكــم قــد اقــر املعارضــة البرملانيــة بقيــادة عمــر علــى رأيهــم كمــا أقــر رقابتــه‬
‫اإلداريــة هنــا مــن عدمــه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫نموذج الرقابة البرلمانية المالية فى العهد البكري‬
‫مــن أبــرز القضايــا التــى نوقشــت فــى البرملــان االســامى فــى عهــد اخلليفــة األول أبــى‬

‫أبو عبيد ‪ ،‬األموال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬ ‫‪.1‬‬


‫سورة التوبة آية ‪60‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ارجــع فــى ســهم المؤلفــة قلوبهــم والخــاف بيــن الفقهــاء فيمــن يســتحقونه منهــم ‪ ،‬هــل هــم فقراؤهــم فقــط ‪ ،‬أم لغيرهــم ‪ ،‬إمــا لدفــع‬ ‫‪.3‬‬
‫أذاهم أو لتثبيتهم على اإلسالم ‪ ،‬د‪.‬يوسف القرضاوى ‪ ،‬فقه الزكاة ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ـ جـ ‪2‬ص ‪. 620‬‬
‫راجع ‪ :‬ابن جرير الطبرى ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬المطبعة الحسينية المصرية جـ ‪ 3‬ص ‪. 275‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪277‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫بكــر الصديــق ‪ ،‬قضيــة مانعــى الــزكاة ‪ ،‬فالــزكاة هــى أحــد أهــم املــوارد املاليــة العامــة الدوريــة فــى‬
‫االســام ‪ ،‬حتــى أنــه إذا مــا ذكــرت الصــاة إال وذكــرت الــزكاة ردفهــا ‪ ،‬وقــد ورد ذلــك فــى القــرآن فــى‬
‫ســبع وعشــرين آيــة اقترنــت بهــا فــى آيــة واحــدة ‪ ،‬وثــاث آيــات أخــرى ذكــرت مــع الصــاة ولكــن فــى‬
‫ســياقها ‪ ،‬فذكــرت الــزكاة ثالثــن مــرة فــى القــرآن وذكــرت الصدقــة والصدقــات فــى إثنتــى عشــرة‬
‫مــرة (((‪.‬‬
‫فهنــاك مــن القبائــل مــن ارتــدت إرتــداداً جزئيـاً ‪ ،‬إذ بقــوا علــى عقيدتهــم اإلســامية ‪ ،‬ولكنهــم أبــوا‬
‫أن يــؤدوا الــزكاة ألبــى بكــر ‪ ،‬ومــن أبرزهــم قبائــل عبــس وذبيــان وغطفــان وذى الفضــة ‪ ،‬وكانــت‬
‫حجتهــم التــى ذكرتهــا وفودهــم التــى حضــرت إلــى املدينــة ‪ ،‬أن اهلل تعالــى أمــر بــأداء الــزكاة إلــى‬
‫النبــى ‪ ‬كــى يطهرهــم بهــا فــى قولــه تعالــى ‪( :‬خُ ـ ْذ مِ ـ ْن أَ ْم َوالِهِ ـ ْم َ‬
‫ص َد َق ـ ًة ت َُط ِّه ُر ُه ـ ْم َوتُ َز ِّكيهِ ـ ْم ِب َهــا‬
‫اللُ َســمِ ي ٌع َعلِيـ ٌم ) ((( فقالــوا ال نرضــى بطهــارة أبــى بكــر بديـ ً‬ ‫ـك سـ َك ٌن لَ ُهـم َو َّ‬ ‫صـ ِّل َعلَيْهِ ـ ْم إ َِّن َ‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫صالتَـ َ َ‬ ‫َو َ‬
‫عــن طهــارة النبــى ‪ ‬وامتنعــوا عــن أداء الــزكاة ‪.‬‬
‫وإلــى جانــب قضيــة مانعــى الــزكاة فقــد بــرزت قضيــة الــردة وهــى مــن أكبــر القضايــا التــى‬
‫واجهــت اخلليفــة األول بعــد وفــاة الرســول ‪ ،((( ‬إذ مــا لبثــت بعــض القبائــل العربيــة أن علمــوا أن‬
‫املدينــة بــا غطــاء عســكرى بعــد أن ارســل أبــو بكــر الصديــق ‪ ‬جيشـاً كبيــرا بقيــادة أســامة بــن زيــد‬
‫علــى الــروم ‪ ،‬حتــى بــدأوا يتمــردون عليــه ‪ ،‬وظهــر بينهــم مدعــوا النبــوة مثــل مســيلمة فــى بنــى حنيفــة‬
‫‪ ،‬وطليحــة فــى بنــى أســد (((‪.‬‬
‫وحتمـاً كان البــد مــن أن يواجــه أبــو بكــر الصديــق هــذا التمــرد مــن الفريقــن املرتديــن كليـاً‬
‫أو جزئيـاً ‪ ،‬فجمــع أبــو بكــر كبــار الصحابــة فــى البرملــان اإلســامى ‪ ،‬كــى يشــاورهم فــى االمــر ‪ ،‬إذ لــو‬
‫تــرك الفريقــن دون مواجهــة وهادنهــم حتــى يرجــع جيــش أســامة ‪ ،‬فــإن أمرهــم سيســتفحل ويتســع‬
‫(الَ ْعـ َر ُ‬
‫اب أَ َشـ ّ ُد ُك ْفـ ًرا َو ِن َفا ًقــا)‬ ‫ليشــمل باقــى اجلزيــرة العربيــة ‪ ،‬خاصــة وأن اهلل تعالــى قــال فيهــم ‪ْ :‬‬
‫(((‬

‫فاتفــق الطرفــان علــى قتــال املرتديــن ارتــداداً كلي ـاً ‪ ،‬ولكنهــم اختلفــوا فــى قتــال مانعــى‬
‫الــزكاة إلــى طائفتــن ‪ ،‬أكثرهــم بقيــادة عمــر بــن اخلطــاب ‪ t‬ورأوا عــدم قتالهــم ‪ ،‬والطائفــة الثانيــة‬
‫بقيــادة أميــر املؤمنــن أبــى بكــر الصديــق وذهبــت إلــى قتالهــم ‪.‬‬
‫وكانــت حجــة الكثــرة حجــة كبيــرة ‪ ،‬إذ قــال عمــر ألبــى بكــر ‪ ( :‬يــا خليفــة رســول اهلل ‪،‬‬
‫تألــف النــاس وارفــق بهــم ‪ ،‬كيــف تقاتــل النــاس وقــد قــال رســول اهلل ‪ ‬أمــرت أن أقاتــل النــاس‬
‫حتــى يقولــوا ال إلــه إال اهلل وأن محمــداً رســول اهلل ‪ ،‬فمــن قالهــا عصــم منــى مالــه ودمــه إال بحقهــا‬
‫وحســابهم علــى اهلل) ‪ ((( .‬ولكــن رد ابــى بكــر كان حاســماً وحجتــه هــو اآلخــر كانــت قويــة‪ ،‬إذ قــال‬
‫‪ ( :‬واهلل ألقاتلــن مــن فــرق بــن الصــاة والــزكاة ‪ ،‬فــإن الــزكاة حــق اهلل فــى املــال ‪ ،‬وقــد قــال ‪ :‬إال‬
‫بحقهــا) ‪ ((( .‬وكأن أبــا بكــر التقــط حجــة عمــر فــى احلديــث الــذى استشــهد بــه مــن أن قتــال املســلمني‬
‫ال يكــون إال بحقــه ليقــول بــأن حقــه هــو منعهــم حلــق اهلل فــى املــال وهــو الــزكاة ! وليعضــد ذلــك ابــو‬

‫راجع ‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوى ‪ ،‬فقه الزكاة ‪ ،‬بيروت ‪ 1406‬هـ ـ ‪1985‬م ‪ ،‬ص ‪. 42‬‬ ‫‪.1‬‬
‫سورة التوبة من اآلية ‪103‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو الحسن الندوى ‪ ،‬ردة وال أبو بكر لها القاهرة ‪ ،‬المختار اإلسالمى ‪ 1398 ،‬هـ ـ ‪ 1978‬م ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫محمد حسين هيكل ‪ ،‬أبو بكر الصديق ‪ 1402 ،‬هـ ـ ‪ 1982‬م ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬ ‫‪.4‬‬
‫سورة التوبة من اآلية ‪97‬‬ ‫‪.5‬‬
‫عباس العقاد ‪ ،‬عبقرية الصديق ‪ 1385 ،‬هـ ـ ‪ 1965‬م ص ‪132‬‬ ‫‪.6‬‬
‫نفس المرجع السابق‬ ‫‪.7‬‬

‫‪278‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫ا ‪ ( :‬واهلل لــو منعونــى عقــاالً ـ وفــى روايــة عناق ـاً ـ كانــوا يؤدونــه‬
‫بكــر الصديــق بحجــة أخــرى قائ ـ ً‬
‫لرســول اهلل ‪ ‬لقاتلتهــم علــى منعــه ) والعقــال هــو احلبــل الــذى يربــط بــه رأس البعيــر ‪ ،‬أمــا العنــاق‬
‫فهــو ولــد املاعــز الصغيــر ((( ‪ ،‬وكالهمــا ال تؤخــذ منــه اللــزكاة ‪ ،‬ومــع ذلــك فهــو قــد ضــرب بهمــا‬
‫أبــو بكــر املثــل فــى عــدم التهــاون فــى حــق اهلل فــى املــال وهــو الــزكاة ‪ ،‬التــى مــن أهميتهــا اقترنــت‬
‫بالصــاة ـ رأس العبــادات ـ فــى القــرآن فــى هــذه املواضــع الكثيــرة ! والتــى مــن خطــورة منــع إيتائهــا‬
‫اعتبرهــا اهلل تعالــى فــى قرآنــه نوعـاً مــن الشــرك فقــال (وويــل للمشــركني ‪ ،‬الذيــن ال يؤتــون الــزكاة‬
‫(((‬
‫‪)...‬‬
‫وهنــا علــت حجــة فريــق أبــى بكــر ‪ ،‬واقتنــع الفريــق اآلخــر برأيهــم فــى قتــال مانعــى الــزكاة ‪ ،‬ويؤكــد‬
‫ا ‪ ( :‬فــواهلل مــا هــو إال أن رأيــت اهلل‬‫ذلــك عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬إذ أثنــى علــى رأي أبــى بكــر قائـ ً‬
‫شــرح صــدر أبــى بكــر للقتــال ‪ ،‬فعرفــت أنــه احلــق ((()‬
‫وهنــا اســتقر الــرأى علــى قتــال مانعــى الــزكاة ‪ ،‬التــى هــى أحــد أهــم املــوارد املاليــة الهامــة للدولــة‬
‫االســامية ‪ ،‬لتكــون الدولــة اإلســامية هــى الدولــة الوحيــدة فــى التاريــخ التــى قاتلــت مــن أجــل‬
‫الفقــراء ‪.‬‬
‫وانتصــرت الدولــة اإلســامية ‪ ،‬وتكالبــت كل القبائــل العربيــة املمتنعــة وغيــر املمتنعــة عــن آداء الــزكاة‬
‫إلــى املدينــة ‪ ،‬ليــؤدوا فــروض الطاعــة والــوالء ‪ ،‬وهنــا يســجل عمــر بــن اخلطــاب صــواب رأى ابــى بكــر‬
‫وفريــق القتــال ‪ ،‬ليقبــل رأس أبــى بكــر أمــام املجتمعــن فــى البرملــان اإلســامى ‪.‬‬
‫يصــور ذلــك أبــو رجــاء البصــرى قائــا ً‪ ( :‬دخلــت املدينــة فرأيــت النــاس مجتمعــن ((( ‪ ،‬ورأيــت رجـ ً‬
‫ا‬
‫يقبــل رأس رجــل ويقــول لــه ‪ :‬أنــا فــداؤك ولــوال أنــت لهلكنــا ! قلــت ‪ :‬مــن املق ِّبــل ‪ ،‬ومــن املق َّبــل ؟! قالــوا‬
‫(((‬
‫‪ :‬هــو عمــر يقبــل رأس أبــى بكــر فــى قتــال أهــل الــردة ‪ ،‬إذ منعــوا الــزكاة حتــى أتــوا بهــا صاغريــن) ‪.‬‬
‫ولعــل مــا تقــدم يــدل علــى منــوذج برملانــى حــول مــورد مــن مــوارد امليزانيــة العامــة للدولــة ‪ ،‬إحتــدم‬
‫النقــاش حولــه ‪ ،‬وانتهــت بإقــرار رأى القلــة ‪ ،‬الــذى ثبــت بعــد نفــاذه صحتــه ‪ ،‬مدلـ ً‬
‫ا علــى أن الرقابــة‬
‫املاليــة فــى الدولــة إلســامية كانــت فعالــة فــى العهــد البكــرى ‪ ،‬فهــل هــى كانــت علــى ذلــك فــى العهــد‬
‫العمــرى ؟! هــذا مــا ســنجيب عليــه فــى ســطور الفصــل التالــي‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫الرقابة البرلمانية فى العهد العمري‬
‫القضايــا البرملانيــة املاليــة فــى عهــد عمــر بــن اخلطــاب كثيــرة جــداً ‪ ،‬بســبب كثــرة الفتوحــات واتســاع‬
‫الدولــة اإلســامية فــى عهــده ‪ ،‬ممــا انعكــس علــى موازنتهــا العامــة بإيراداتهــا ونفقاتهــا العامــة ‪،‬‬
‫ا عــن اجتهــادات عمــر بــن اخلطــاب املاليــة ‪ ،‬التــى ثــار النقــاش حولهــا بــن كبــار الصحابــة فــى‬ ‫فضـ ً‬
‫عصــره ‪.‬‬
‫وتتعــرض هنــا ألهــم إجنــازات عمــر بــن اخلطــاب املاليــة فــى عهــده ‪ ،‬ثــم نبــرز أحــد أهــم القضايــا‬

‫راجع ‪ :‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مجلد ‪ 6‬ص ‪ ، 375‬ص ‪ ، 478‬والمعجم الوجيز ص ‪. 478 ، 429‬‬ ‫‪.1‬‬
‫سورة فصلت من اآليتين ‪7 ، 6‬‬ ‫‪.2‬‬
‫حامد الجوهرى ‪ ،‬الصديق أبو بكر تحليل ودراسة ‪ ،‬مؤسسة اخبار اليوم ‪ ،‬كتاب اليوم ‪ 1407‬هـ ‪ 1987‬م ص ‪51‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الحظ قوله ‪ :‬مجتمعين ‪ ،‬ويعنى أنه كان اجتماعاً برلمانياً على مستوى األمة‬ ‫‪.4‬‬
‫عباس العقاد ‪ ،‬عبقرية الصديق ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪. 131‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪279‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫املاليــة البرملانيــة التــى نالــت نقاشـاً وجــدالً كبيــراً فيــه داخــل البرملــان اإلســامى ‪ ،‬ونــوزع ذلــك علــى‬
‫مبحثــن علــى النحــو التالــى‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬اهم إجنازات عمر فى مجال املالية العامة‪.‬‬
‫املبحث الثانى ‪ :‬منوذج الرقابة البرملانية املالية فى العهد العمري‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫أهم إنجازات عمر فى مجال المالية العامة‬
‫إجنــازات عمــر بــن اخلطــاب املاليــة العامــة فــى عصــره كثيــرة جــداً ‪ ،‬ويصعــب اإلحاطــة‬
‫بهــا جميعـاً فــى هــذه املســاحة الضيقــة مــن البحــث ممــا قــد يعرضــه إلــى عــدم التــوازن فــى عــرض‬
‫موضوعاتــه ‪ ،‬لذلــك ومــن هــذا املنطلــق فســنركز علــى أهــم تلــك اإلجنــازات وهــى املتعلقــة بأمريــن‬
‫همــا‪:‬‬
‫‪ -1‬تدوين املوازنة العامة للدولة‪.‬‬
‫‪ -2‬إتخاذ خزانة عامة للدولة (بيت املال)‪.‬‬
‫ونوضحهما تباعاً فى مطلبني على الترتيب‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫تدوين الموازنة العامة‬
‫وجــود ميزانيــة عامــة للدولــة اإلســامية ‪ ،‬ولــد مبولــد الدولــة اإلســامية (((‪ ،‬فــى عهــد‬
‫النبــى ‪ ، ‬حيــث كانــت للدولــة اإلســامية ‪ ،‬مواردهــا املاليــة العامــة ‪ ،‬منهــا مــا هــو دورى ‪ ،‬مثــل دخــل‬
‫أمــاك الدولــة والــزكاة ‪ ،‬والضرائــب ( كاجلزيــة ‪ /‬هــى ضريبــة شــخصية ) والضرائــب علــى االمــوال‬
‫‪ ،‬كاخلــراج والعشــور ( التــى هــى ضريبــة جمركيــة ) والتــى فرضــت فــى عهــد عمــر بــن اخلطــاب ‪‬‬
‫ومــن هــذه اإليــرادات العامــة مــا هــو غيــر دورى مثــل ‪ :‬أمــوال الفــيء التــى حصلــت عليهــا الدولــة‬
‫اإلســامية صلح ـاً ‪ ،‬وأمــوال الغنائــم التــى اكتســبتها مــن األعــداء عنــوة أى بعــد قتــال ‪.‬‬
‫وفــى املقابــل فــإن ميزانيــة الدولــة اإلســامية كانــت تتضمــن إلــى جانــب إيراداتهــا العامــة نفقاتهــا‬
‫العامــة‪ ،‬التــى تنفقهــا علــى الشــئون العامــة املدنيــة للمســلمني أو العســكرية (فــى ســبيل اهلل) ‪ ،‬أو‬
‫مصــارف الــزكاة والفــيء والغنائــم احملــددة حصــراً فــى القــرآن الكــرمي ‪ ،‬وغيرهــا مــن النفقــات العامــة‬
‫(((‬
‫‪.‬‬
‫ولكــن يالحــظ أن املوازنــة العامــة للدولــة اإلســامية ‪ ،‬لــم تــدون كتابــة بإيراداتهــا ونفقاتهــا العامــة‬
‫فــى عهــد الرســول ‪ ، ‬وذلــك ألن اإليــرادات العامــة للدولــة كانــت تــوزع أوالً بــأول بصفــة يوميــة ‪،‬‬
‫وال يــزد حفظهــا فــى بيــت مــال املســلمني دون أن تــوزع علــى مســتحقيها علــى ثالثــة أيــام ‪ ،‬وهــو مــا‬

‫‪ .1‬ارجــع د‪ .‬صبــرى عبــد العزيــز ‪ ،‬الماليــة العامــة د ارســة مقارنــة إســامياً ‪ ،‬المحلــة الكبــرى ‪ ،‬مكتبــة الصفــا ‪ 2010 ،‬ص‬
‫‪ 115‬ومــا بعدهــا ‪ ،‬ص ‪279‬‬
‫‪ .2‬ارجــع هــذه النفقــات تفصيـاً لــدى ‪ :‬د‪.‬عــوف الكفـراوى ‪ ،‬سياســة اإلنفــاق العــام فــى اإلســام وفــى الفكــر المالــى الحديــث ‪،‬‬
‫د ارســة مقارنــة ‪ ،‬اإلســكندرية ‪ ، 1983‬مؤسســة شــباب الجامعــة ‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫حــدث كذلــك فــى عهــد أبــى بكــر الصديــق ‪. t‬‬


‫ولكــن التاريــخ أثبــت أن أول ميزانيــة عامــة للدولــة اإلســامية مكتوبــة ‪ ،‬وجــدت فــى عهــد عمــر بــن‬
‫اخلطــاب (((‪ ،‬حيــث أنــه أول مــن دون الدواويــن فــى اإلســام ‪ ،‬خاصــة ديــوان بيــت مــال املســلمني ‪،‬‬
‫حســبما اســتدل علــى ذلــك أبــو يوســف فــى كتابــة اخلــراج (((‪.‬‬
‫فعمــر أول مــن حــرر ميزانيــة عامــة للدولــة اإلســامية ‪ ،‬وهــو أول مــن أخــذ مببــدأ املوازنــة العامــة‬
‫‪ ،‬هــذا مــا ذكــره أبــو يوســف فــى اخلــراج بقولــه ‪ ( :‬إن عمــر بــن اخلطــاب جمــع أناسـاً مــن أصحــاب‬
‫رســول اهلل ‪ - ‬الحــظ يف هــذا فكــرة الشــوري والبرملــان فقــال ‪ :‬مــا تــرون ‪ ،‬فإنــى أرى أن أجعــل‬
‫عطــاء النــاس فــى كل ســنه ‪ ،‬وأجمــع املــال ‪ ،‬فإنــه أعظــم للبركــة ‪ ،‬قالــوا اصنــع مــا رأيــت فإنــك إن‬
‫(((‬
‫شــاء اهلل موفــق ‪ .‬قــال ‪ :‬ففــرض األعطيــات‪.)..‬‬
‫وممــا يــدل كذلــك علــى وجــود ميزانيــه فــى وثيقــه مكتوبــة يف عهــد عمــر بــن اخلطــاب ‪ ، ‬مــا ذكــره‬
‫النــووي املتوفــى ســنة ‪733‬هـــ يف كتابــه اإلرب فــى فنــون األدب ‪ ،‬مــن أن كاتــب ديــوان بيــت املــال فــى‬
‫عهــد عمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬كان يلتــزم برفــع حســابات ســنوية يوضــح فيهــا جملــة اإليــرادات مخصومـاً‬
‫(((‬
‫منهــا جملــة املصروفــات ‪ ،‬وعمــا إذا كان هنــاك عجــز أو فائــض ‪.‬‬
‫فقيامــه بعمــل هــذا احلســاب اخلتامــي ‪ ،‬ليتولــى رفعــه إلــى أميــر املؤمنــن عمــر بــن اخلطــاب ‪، ‬‬
‫يــدل داللــة واضحــة علــى وجــود ميزانيــة مكتوبــة فــى عهــده ‪ ،‬وهــذا مــا دفــع بعــض املعاصريــن إلــى‬
‫(((‬
‫صياغــة بنــود وأرقــام هــذه املوازنــة وتقديرهــا ‪.‬‬
‫ولــم يكتــف عمــر بصياغــة املوازنــة العامــة للدولــة بــل إنــة اتخــذ لهــا خزانــة عامــة علــى النحــو‬
‫الــذى نوضحــه فــى املطلــب التالــى ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫اتخــاذ خــزانة عامة ( بيت المال )‬
‫علــى الرغــم مــن أن النبــى ‪ ‬اتخــذ بيتـاً ملــال املســلمني وســار علــى ذلــك أبــو بكــر الصديــق ‪ ‬فــى‬
‫عهــده ‪ ،‬إال أنــه يالحــظ أن األمــوال العامــة لــم تكــن حتفــظ لفتــرة طويلــة فــى بيــت املــال يف العهديــن‬
‫النبــوي والبكــرى ‪ ،‬إذ كانــت تــوزع فــى مصارفهــا أول بــأول وال يحتفــظ بهــا إال أليــام معــدودة ‪.‬‬
‫ولكــن يحســب لعمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬أنــه مــع توســع الدولــة اإلســامية فــى عهــده ‪ ،‬فقــد اتســعت‬
‫امليزانيــة العامــة للدولــة وبــدأ يحتفــظ باألمــوال العامــة ملــدة ســنة ‪ ،‬ينفقهــا خــال الســنة ليرســى‬
‫بذلــك مبــدأ الســنوية للميزانيــة العامــة ‪.‬‬

‫راجع ‪ :‬د‪.‬بدوى عبد اللطيف ‪ ،‬الميزانية األولى فى اإلسالم ‪ ،‬القاهرة ‪ 1990‬سلسلة الثقافة اإلسالمية ص ‪18‬‬ ‫‪.1‬‬
‫راجع ‪ :‬أبا يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بدون عام نشر ‪ ،‬ص ‪ ، 45‬كذلك ‪ :‬الماوردى ‪ ،‬األحكام‬ ‫‪.2‬‬
‫السلطانية والواليات الدينية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار النصر ‪ ، 1983 ،‬ص ‪. 172‬‬
‫راجع ‪ :‬أبا يوسف في الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.44‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ارجــع ‪ :‬شــوقى عبــده الســاهى ‪ ،‬مراقبــة الموازنــه العامــه للدولــه فــى ضــوء اإلســام ‪ ،‬القاهـره ‪ ،‬بــدون ناشــر ‪1403 ،‬ه ـ ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫‪1983‬م ص ‪.297‬‬
‫أنظر ‪ :‬بدوى عبد اللطيف ‪ ،‬الميزانية األولي في اإلسالم ‪ ،‬القاهره ‪ ،‬سلسلة الثقافة األسالمية ‪1990 -1379 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫كذلك ‪ :‬قطب إبراهيم ‪ ،‬النظم المالية فى اإلسالم ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬ص ‪.180‬‬ ‫‪-‬‬
‫كذلك قطب إبراهيم ‪ ،‬النظم السياسية الماليه لعمر بن الخطاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.1984 ،‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪281‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫يــروي أبــو يوســف مــا يــدل علــى ذلــك بقولــة ‪ ( :‬وحدثنــا املجالــد بــن ســعيد عــن الشــعبى عمــن شــهد‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬قــال ‪ :‬ملــا فتــح اهلل عليــه وفتــح فــارس والــروم ‪ ،‬جمــع أناس ـاً مــن أصحــاب‬
‫رســول اهلل ‪ ‬فقــال مــا تــرون فإنــى أرى أن أجعــل عطــاء النــاس فــى كل ســنة وأجمــع املــال فإنــه‬
‫(((‬
‫أعظــم البركــة قالــوا ‪ :‬إصنــع مــا رأيــت فإنــك إن شــاء اهلل موفــق )‬
‫كمــا يــروى أبــو يوســف مــا يفصــل ذلــك فيمــا رواه عــن أبــى هريــرة ‪ ‬قــال ‪ ( :‬قدمــت مــن البحــر‬
‫بخمســمائة ألــف درهــم ‪ ،‬فأتيــت عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬ممســياً ‪ ،‬فقلــت يــا أميــر املؤمنــن إقبــض‬
‫هــذا املــال ‪ ،‬قــال ‪ :‬وكــم هــو ؟ قلــت ‪ :‬خمســمائة ألــف درهــم ‪ ،‬قــال وكــم تــدرى كــم خمســمائة الــف‬
‫؟ قــال قلــت ‪ :‬نعــم مائــة الــف خمــس مــرات ‪ ،‬قــال ‪ :‬أنــت ناعــس ‪ ،‬أذهــب فبــت الليلــة حتــى تصبــح ‪،‬‬
‫فلمــا أصبحــت أتيتــه فقلــت إقبــض منــي هــذا املــال ‪ ،‬قــال وكــم هــو ؟ قــال قلــت خمســمائة ألــف درهــم‬
‫‪ ،‬قــال ‪ :‬أمــن طيــب هــو ؟ قــال قلــت ‪ :‬ال أعلــم إال ذاك ‪ ،‬فقــال عمــر رضــى اهلل عنــه ‪ :‬أيهــا النــاس ‪،‬‬
‫إنــه قــد جــاء مــال كثيــر فــإن شــئتم أن نكيــل لكــم كلنــا‪ ،‬وإن شــئتم أن نعــد لكــم عددنــا ‪ ،‬وإن شــئتم أن‬
‫نــزن لكــم وزنــا لكــم ‪ ،‬فقــال رجــل مــن القــوم ‪ :‬يــا أميــر املؤمنــن ‪ ،‬دون للنــاس دواويــن يعطــون عليهــا‬
‫‪ ،‬فاشــتهي عمــر ذلــك ‪ :‬ففــرض للمهاجريــن خمســة أالف و لألنصــار ثالثــة أالف وألزواج النبــى ‪‬‬
‫(((‬
‫إثنــى عشــر ألفـاً‪ ((( ...‬وقــد تكــرر ذلــك املوقــف مــع أبــى موســى األشــعرى ‪.‬‬
‫وهنــا أنشــأ عمــر بــن اخلطــاب مــا ميثــل اخلزانــة العامــة للدولــة حديثـاً ‪ ،‬وســمى بالديــوان ‪ ،‬لذلــك‬
‫(((‬
‫قــال املــاوردي ‪(:‬وأول مــن وضــع الديــوان يف اإلســام عمــر بــن اخلطــاب رضــى اهلل عنــه)‬
‫وقــد مت التوســع فــى الدواويــن فــى عهــد عمــر حيــث قســمها إلــى أربعــة دواويــن هــى ‪ :‬ديــوان اجليــش‬
‫‪ ،‬وديــوان األعمــال ‪ ،‬وديــوان العمــال‪ ،‬وديــوان بيــت مــال املســلمني مــن دخــل وخــراج ‪ ،‬الــذى قســمه إلــى‬
‫(((‬
‫أربعــة أقســام هــى ‪ :‬الــزكاة ‪ ،‬اجلزيــة ‪ ،‬واخلــراج ‪ ،‬واخلمــس ‪ ،‬وآخرهــا للضوائــع ومــن ال وارث لــه ‪.‬‬
‫تلــك باختصــار كانــت أهــم إجنــازات عمــر بــن اخلطــاب ‪ t‬يف مجــال املاليــة العامــة للدولــة ‪ ،‬وهــو‬
‫مــا ميهــد لبيــان النمــوذج العمــرى للرقابــة البرملانيــة علــى هــذه امليزانيــة ‪ ،‬والــذي ميكــن أن يســتدل‬
‫بــه بحــق علــى مــدى احتــرام عمــر لــرأى ورقابــة نــواب الشــعب علــى التصرفــات املاليــة للحاكــم‬
‫واحلكومــة اإلســامية ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫نموذج الرقابة البرلمانية المالية في العهد العمري‬
‫القضايــا البرملانيــة املاليــة يف عهــد عمــر بــن اخلطــاب كثيــرة جــداً ‪ ،‬بســبب كثــرة الفتوحــات فــى عهده‬
‫‪ ،‬وأتســاع بالتالــي األحــوال العامــة وامليزانيــة العامــة للدولــة اإلســامية ‪ ،‬فضـ ً‬
‫ا عــن اجتهــادات عمــر‬
‫بــن اخلطــاب املاليــة العقالنيــة ‪ ،‬التــى ثــار النقــاش حولهــا فــى عصــره بــن كبــار الصحابــه مــن نــواب‬

‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪،‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪. 46 ،44‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪. 46 ،44‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الماوردي ‪ ،‬االحكام السلطانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 172‬‬ ‫‪.4‬‬
‫راجع الماوردى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ود‪ .‬عوف الكفراوى ‪ ،‬الرقابة المالية في األسالم ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.99‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪282‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫(((‬
‫األمــة ‪.‬‬
‫ومــن أخطــر تلــك القضايــا املاليــة توزيــع أراضــى الفــيء علــى الفاحتــن ‪ ،‬إذ أن القــرآن يقضــى‬
‫بتوزيــع أربعــة أخماســها علــى اجلنــود الذيــن فتحــوا تلــك البــاد صلحـاً ‪ ،‬بعــد أن يــوزع خمســها علــى‬
‫اللُ َعلَـىٰ َر ُســولِهِ مِ ـ ْن أَ ْهــلِ الْ ُقـ َرىٰ‬‫املصــارف التــى حددتهــا اآليــة الكرميــة فــى قولــه تعالــى ‪َ ( :‬مــا أَ َفــاء َّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ـن ْالَ ْغ ِن َيــاءِ‬
‫ـي َل يَ ُكــو َن ُدولَ ـ ًة بَـ ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬
‫ِيلِ‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫َف ِللَّــهِ َولِل َّر ُســولِ َو ِلــذِ ي الْ ُق ْربَ ـىٰ َوالْ َيتَا َم ـىٰ َو ْال َ َســاكِ ِ‬
‫ني َوابْــنِ َّ‬
‫(((‬
‫مِ ن ُكـ ْم ۚ)‬
‫فظاهــر اآليــة واضــح الداللــة علــى أن أمــوال الفــيء يقســم خمســها علــى تلــك املصــارف ‪ ،‬واألربعــة‬
‫أخمــاس علــى الفاحتــن ‪ ،‬وهــذا مــا فعلــه الرســول ‪ ‬فــى توزيعــه ألرض خيبــر ‪ ،‬إذ أعطــى األربعــة‬
‫أخمــاس للفاحتــن(((‪.‬‬
‫ولكــن تأويــل اآليــة يقــود إلــى أن يتــم وقــف األربعــة أخمــاس كفــيء عــام أو أمــوال عامــة متلــك للدولــة‬
‫اإلســامية بــدالً مــن الفاحتــن ‪ ،‬ويخصــص خراجهــا (أى دخلهــا ) ‪ ،‬كمــورد عــام يصــرف علــى‬
‫الشــئون العامــة للمســلمني ! هــذا التأويــل يحتــاج إلــى اجتهــاد ومشــورة ألعضــاء البرملــان اإلســامى‬
‫(((‬
‫‪.‬‬
‫وقــد بــدأت املشــكلة مــع الفتوحــات اإلســامية الكبيــرة ‪ ،‬خاصــة فتــح العــراق علــى يــد ســعد بــن أبــى‬
‫وقــاص ‪ ،‬وفتــح مصــر علــى يــد عمــرو بــن العــاص (((‪.‬‬
‫وقــد حــذر معــاذ بــن جبــل ‪ ‬عمــر ملــا قــدم اجلابيــة ‪ ،‬وأراد عمــر أن يقســم األرض علــى الفاحتــن ‪،‬‬
‫فقــال لــه معــاذ ‪( :‬واهلل إذن ليكونــن مــا تكــره ‪ ،‬إن قســمتها صــار الريــع العظيــم فــى أيــدى القــوم ‪ ،‬ثــم‬
‫يبيــدون ‪ ،‬فيصيــر ذلــك إلــى الرجــل الواحــد أو املــرأة الواحــدة ‪ ،‬ثــم يأتــى مــن بعدهــم قــوم يســدون‬
‫(((‬
‫مــن اإلســام مســداً وهــم ال يجــدون شــيئاً ! فانظــر أمــراً يســع أولهــم وآخرهــم) ‪.‬‬
‫وقد انقسم الصحابة من نواب الشعب من توزيع هذا الفىء إلى فريقني (((‪:‬‬

‫‪ .1‬راجع فى ذلك ‪:‬‬


‫‪ -‬أحمد التاجى ‪ ،‬سيرة عمر بن الخطاب الخليفة الرائد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة الحلبى ‪ 1404 ،‬هـ ‪ 1984 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬خالد محمد خالد ‪ ،‬بين يدى عمر ‪ ،‬القاهرة ولبنان ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬بدون عام نشر ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬ســليمان الطمــاوى ‪ ،‬عمــر بــن الخطــاب وأصــول السياســة واإلدارة الحديثــة ‪ ،‬د ارســة مقارنــة ‪ ،‬القاهـرة ‪ ،‬دار الفكــر العربــى‬
‫‪. 1976 ،‬‬
‫‪ -‬عباس العقاد ‪ ،‬عبقرية عمر ‪ 1399 ،‬هـ ‪ 1979 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬عبــد العزيــز دنيــا ‪ ،‬العدالــة العمريــة ومبــادئ اإلســام ‪ ،‬القاهـرة ‪ ،‬مجمــع البحــوث اإلســامية ‪ ،‬سلســلة البحــوث اإلســامية ‪،‬‬
‫‪ 1408‬هـ ‪1988 ،‬م ‪ ،‬الســنة ‪.19‬‬
‫‪ -‬قطب إبراهيم ‪ ،‬السياسة المالية لعمر بن الخطاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬المكتبة المصرية العامة للكتاب ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الشــيخ محمــد المدنــى ‪ :‬نظ ـرات فــى فقــه الفــاروق عمــر بــن الخطــاب ‪ ،‬القاه ـرة ‪ ،‬المجلــس األعلــى للشــئون اإلســامية ‪،‬‬
‫‪1428‬ه ـ ‪2007 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ .2‬سورة الحشر من اآلية ‪7‬‬
‫‪ .3‬راجع ‪ :‬أبا عبيد ‪ ،‬كتاب األموال ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 58‬وما بعدها‬
‫‪ .4‬ارجــع فــى معنــى الخـراج ‪ :‬د‪ .‬محمــد ضيــاء الديــن الريــس ‪ ،‬الخـراج لنظــم الماليــة للدولــة اإلســامية ‪ ،‬القاهـرة ‪ ،‬مكتبــة دار‬
‫التراث ‪ 1985 ،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪ .5‬راجع فى ذلك ‪ :‬أبا عبيد ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪ ، 60‬وأبا يوسف ‪ :‬كتاب الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 24‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ .6‬أبــو عبيــد ‪ ،‬األم ـوال ‪ ،‬مرجــع ســابق ص ‪ ، 61‬وهــو رأى ســبق بــه معــاذ بــن جبــل عصـره‪ ،‬فــى إشــارة بليغــة إلــى ظاهـرة‬
‫اإلقطــاع بآثارهــا الســلبية ‪ ،‬التــى سيتســبب فيهــا تقســيم األ ارضــى الزراعيــة علــى عــدد محــدود مــن الجنــود‪.‬‬
‫‪ .7‬راجع ‪ :‬أبا يوسف ‪ ،‬فى الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص‪ ،35‬أبا عبيد ‪ :‬األموال ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪62‬‬

‫‪283‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫أحدهمــا ‪ :‬بقيــادة بــال بــن ربــاح ‪ :‬ومعــه عــدد مــن كبــار الصحابــة أمثــال ‪ :‬عبــد الرحمــن بــن عــوف‬
‫‪ ،‬والزبيــر بــن العــوام ‪ ،‬ويــروا تخميســها وقســمة الباقــى علــى الفاحتــن ‪.‬‬
‫واآلخــر ‪ :‬بقيــادة عمــر بــن اخلطــاب ‪ :‬يعضــده هــو اآلخــر عــدد مــن كبــار الصحابــة أمثــال ‪ :‬عثمــان‬
‫وعلــى وطلحــة وابــن عمــر ‪ ،‬ومعــاذ بــن جبــل ‪ ،‬وعمــرو بــن العــاص ‪ ،‬وســعد بــن أبــى وقــاص رضــى‬
‫اهلل عنهــم أجمعــن‪.‬‬
‫وهنــا ال ينفــرد عمــر برأيــه بــل يبــدأ فــى استشــارة كبــار الصحابــة ‪ ،‬ويعقــد جلســات برملانيــة‬
‫موســعة ومصغــرة ‪ ،‬للوصــول إلــى الــرأى الصحيــح ‪ ،‬مســتعيناً بــاهلل تعالــى وتوفيقــه ‪ ،‬وكان يدعــو اهلل‬
‫ال ‪( :‬اللهم اكفنى بالالً وأصحابه ((()‬ ‫قائ ً‬
‫وبــدأ هــذه املناقشــات بــن الفريقــن ‪ ،‬خاصــة مــن عمــر تــدل علــى منتهــى الدميقراطيــة وعــدم‬
‫ا ‪ ( :‬إنــى دعوتكــم لتشــاركونى أمانــة مــا حملــت‬ ‫التعصــب للــرأى مــن رجــل هــو رئيــس الدولــة ‪ ،‬قائـ ً‬
‫مــن أموركــم ‪ ،‬فإنــى واحــد كأحدكــم ‪ ،‬وأنتــم اليــوم تقــرون باحلــق ‪ ،‬خالفنــى مــن خالفنــى ‪ ،‬ووافقنــى‬
‫مــن وافقنــى ‪ ،‬ولســت أريــد أن تتبعــوا هــواى ‪ ،‬فمعكــم مــن اهلل كتــاب ينطــق باحلــق ‪ ،‬فــواهلل لئــن كنــت‬
‫(((‬
‫نطقــت بأمــر أريــده ‪ ،‬فمــا أريــد بــه إال احلــق)‬
‫وقــد خلــص بــال وصحبــه حجتهــم بقولــه لعمــر‪ :‬إقســمها بيننــا أى بــن اجلنــود وخــذ خمســها‬
‫علــى اعتبــار أن تلــك البــاد فتحــت عنــوة ‪ ،‬وهــى غنائــم تــوزع علــى اجلنــود بعــد تخميســها ‪ ،‬عمـ ً‬
‫ا‬
‫ـيءٍ َفـ َأ َّن ِ َّ ِ‬
‫ل خُ ُم َسـ ُه َولِل َّر ُســولِ َو ِلــذِ ي الْ ُق ْربَـىٰ َوالْيَتَا َمـىٰ‬ ‫اعل َ ُمــوا أَ َّ َ‬
‫نــا َغ ِن ْمتُم ِ ّمن َشـ ْ‬ ‫بقولــه تعالــى ‪َ ( :‬و ْ‬
‫ا بعمــل الرســول ‪ ‬فــى تخميســه ألرض خيبــر‪.‬‬ ‫الس ـبِيلِ ) ((( وعم ـ ً‬ ‫َو ْال َ َســاكِ ِ‬
‫ني َوابْــنِ َّ‬
‫وعمــر وفريقــه يــرون أن الــذى يفــرق وفق ـاً لــرأى بــال ومــن معــه هــى أمــوال الفــىء املنقولــة‪ ،‬أمــا‬
‫األمــوال (العقاريــة ) فتظــل فيئ ـاً عام ـاً جلميــع املســلمني ‪ .‬لذلــك رد عمــر علــى بــال قائــا لــه ‪( :‬‬
‫ال ‪ ،‬هــذا عــن املــال ‪ ،‬ولكنــى أحبســه فيمــا يجــرى عليهــم وعلــى املســلمني) ‪ ((( .‬ويســتدل عمــر بآيــة‬
‫الفــيء ‪ ،‬فيــرد عليــه بــال إقســمها بيننــا وخــذ خمســها ‪ ،‬فيــرد عمــر بدعــاء اهلل قائــا ‪ ( :‬اللهــم‬
‫اكفنــى بــاالً وذويــه ) (((‪.‬‬
‫وحتتــدم حــدة النقــاش بــن عمــر وعبــد الرحمــن بــن عــوف‪ ،‬فيقــول عمــر ‪ ( :‬فكيــف فمــن يأتــى مــن‬
‫املســلمني فيجــدون األرض بعلوجهــا ((( قــد قتســمت وورثــت عــن اآلبــاء وحيــزت ‪ ،‬مــا هــذا بــرأى ) ‪،‬‬
‫فيــرد عليــه عبــد الرحمــن بــن عــوف ‪ ( :‬فمــا الــرأى؟ مــا األرض والعلــوج إال ممــا أفــاء اهلل عليهــم )‬
‫‪ ،‬وهنــا يــرد عليــه عمــر ‪ ( :‬مــا هــو إال كمــا تقــول ولســت أرى ذلــك ‪ ،‬واهلل ال يفتــح بعــدى بلــد فيكــون‬
‫ال علــى املســلمني ‪ ،‬فــإذا قســمت أرض العــراق بعلوجهــا ‪،‬‬ ‫فيــه كبيــر نيــل ‪ ،‬بــل عســى أن يكــون ك ً‬
‫وأرض الشــام بعلوجهــا ‪ ،‬فمــا يســد بــه الثغــور ‪ ،‬ومــا يكــون للذريــة واألرامــل بهــذا البلــد وبغيــره مــن‬
‫أرض الشــام والعــراق)‬
‫وهنــا أكثــر الفريــق اآلخــر علــى عمــر وقالــوا لــه ‪ ( :‬أتقــف مــا أفــاء اهلل علينــا بأســيافنا علــى قــوم لــم‬
‫يحضــروا ولــم يشــهدوا ‪ ،‬وألبنــاء قــوم وألبنــاء أبنائهــم ولــم يحضــروا ؟ فــكان عمــر ال يزيــد علــى أن‬

‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪35‬‬ ‫‪.1‬‬


‫انظر ‪ :‬خالد محمد خالد ‪ ،‬بين يدى عمر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪109‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سورة األنفال ‪ :‬من اآلية ‪41‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أبو عبيد ‪ ،‬األموال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪60‬‬ ‫‪.4‬‬
‫نفس المرجع السابق‬ ‫‪.5‬‬
‫العلج ‪ :‬نبت أخضر مظلم الخضرة ليس فيه ورق ‪ ،‬راجع ‪ :‬ابن منظور مجلد ‪ 6‬ص ‪394‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪284‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫يقــول ‪ :‬هــذا رأى ‪ ،‬قالــوا ‪ :‬فاستشــر) ‪.‬‬


‫ا بحــق الشــعب بــكل أطيافــه‬ ‫وهنــا يوســع عمــر بــن اخلطــاب مــن دائــرة النقــاش البرملانــى عمــ ً‬
‫وفئاتــه فــى إعمــال الرقابــة املاليــة علــى امليزانيــة العامــة للدولــة ‪ ،‬فيبــدأ فــى استشــارة جناحــى األمــة‬
‫اإلســامية املهاجريــن واالنصــار ‪.‬‬
‫فيبــدأ عمــر باملهاجريــن األولــن ولكنهــم اختلفــوا ‪ ،‬منهــم مــن أيــده مثــل عثمــان وعلــى وطلحــة وابــن‬
‫عمــر ‪ ،‬ومنهــم مــن عارضــه مثــل عبــد الرحمــن بــن عــوف وبــال ‪ ،‬فيعقــد اجتماعــاً برملانيــاً مــع‬
‫اجلنــاح اآلخــر لألمــة وهــم األنصــار ‪ ،‬فأرســل إلــى عشــرة مــن األنصــار ‪ :‬خمســة مــن األوس وخمســة‬
‫مــن اخلــزرج مــن كبرائهــم وأشــرافهم ‪.‬‬
‫قــدا شــرع عمــر جلســته البرملانيــة مــع االنصــار ‪ ،‬باحلمــد هلل والثنــاء عليــه مبــا هــو أهلــه ‪ ،‬ثــم قــال‬
‫‪( :‬إنــى لــم أزعجكــم إال ألن تشــتركوا فــى أمانتــى فيمــا حملــت مــن أموركــم ‪ ،‬فإنــى واحــد كأحدكــم ‪،‬‬
‫وأنتــم اليــوم تقــرون باحلــق ‪ ،‬خالفنــى مــن خالفنــى ‪ ،‬ووافقنــى مــن وافقنــى ! ولســت اريــد أن تتبعــوا‬
‫هــذا الــذى هــواى ! معكــم مــن اهلل كتــاب ينطــق باحلــق ‪ ،‬فــواهلل لئــن كنــت نطقــت بأمــر أريــده مــا‬
‫(((‬
‫أريــد بــه إال احلــق) ‪ .‬وهنــا يــرد عليــه نــواب األنصــار ‪( :‬قــل نســمع يــا أميــر املؤمنــن)‬
‫ا ‪ ( :‬قــد ســمعتم كالم هــؤالء القــوم الذيــن زعمــوا أنــى‬ ‫ويبــدأ عمــر فــى عــرض وجهــة نظــره قائ ـ ً‬
‫أظلمهــم حقوقهــم ‪ ،‬وإنــى أعــوذ بــاهلل أن ارتكــب ظلمـاً ‪ ،‬لئــن كنــت ظلمتهــم شــيئاً هــو لهــم وأعطيتــه‬
‫غيرهــم ‪ ،‬لقــد شــقيت ! ولكــن رأيــت أنــه لــم يبــق شــيء يفتــح بعــد أرض كســرى ‪ ،‬وقــد غنمنــا اهلل‬
‫أموالهــم وأرضهــم وعلوجهــم ‪ ،‬فقســمت مــا غنمــوا مــن أمــوال بــن أهلــه ‪ ،‬وأخرجــت اخلمــس فوجهتــه‬
‫وجهــه وأنــا فــى توجيهــه ‪ ،‬وقــد رأيــت أن أحبــس األرضــن بلعوجهــا ‪ ،‬وأضــع عليهــم فيهــا اخلــراج‬
‫وفــى رقابهــم اجلزيــة يؤدونهــا ‪ ،‬فتكــون فيئـاً للمســلمني ‪ ،‬املقاتلــة والذريــة وملــن يأتــى بعدهــم ‪ .‬أرأيتــم‬
‫هــذه الثغــور ‪ ،‬البــد لهــا مــن رجــال يلزمونهــا ‪ ،‬أرأيتــم هــذه املــدن العظــام كالشــام واجلزيــرة والكوفــة‬
‫والبصــرة ومصــر ‪ ،‬البــد لهــا مــن أن تشــحن باجليــوش وإدرار الطعــام عليهــم ‪ ،‬فمــن أيــن يعطــى هــؤالء‬
‫إذا قســمت األرضــون والعلــوج ؟ )‬
‫وهنــا وبعــد هــذا العــرض املســتفيض لعمــر لرأيــه بعــد أن عــرض رأى اآلخريــن ‪ ،‬كــون األنصــار رأيهــم‬
‫وأيــدوه فــى رأيــه قائلــن ‪ :‬الــرأى رأيــك ‪ ،‬فنعــم مــا قلــت ومــا رأيــت ‪ .‬إن لــم تشــحن هــذه الثغــور وهــذه‬
‫املــدن بالرجــال وجتــرى عليهــم مــا يتقــوون بــه ‪ ،‬رجــع أهــل الكفــر إلــى مدنهــم ‪ .‬وهنــا يثنــى علــى رأيهــم‬
‫ا ‪( :‬قــد بــان لــى األمــر) ‪ ((( .‬أى قــد وضــح األمــر واســتقر ‪.‬‬ ‫عمــر بــن اخلطــاب قائـ ً‬
‫وظــل عمــر يستشــير النــاس ويعقــد االجتماعــات البرملانيــة لعــدة أيــام (((‪ .‬ثــم عقــد اجتماعـاً أخيــراً‬
‫حاســماً مــع أصحــاب الفريــق املعــارض ‪ ،‬وقــال لهــم ‪( :‬إنــى وجــدت حجــة ‪ :‬قــال اهلل تعالــى فــى‬
‫ط‬ ‫اب َولَكِ ـ َّن َّ َ‬
‫الل يُ َس ـ ِلّ ُ‬ ‫اللُ َعلَــى َر ُســولِهِ مِ نْ ُه ـ ْم َف َمــا أَ ْو َج ْفتُ ْم َعلَيْــهِ مِ ـ ْن َخيْـ ٍـل َوال رِ َك ٍ‬‫كتابــه ‪َ [ :‬و َمــا أَ َفــاء َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ـيءٍ َقدِ يـ ٌر ] ((( حتــى فــرغ مــن شــأن بنــى النضيــر فهــذه عامــة‬ ‫ُر ُسـل َ ُه َعلَــى َمـ ْن يَ َشــاءُ َوالل َعلَــى ُك ِ ّل َشـ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫فــى القــرى كلهــا ‪ ،‬ثــم قــال تعالــى ‪َّ ( :‬مــا أ َفــا َء الل َعلَـىٰ َر ُســولِهِ مِ ـ ْن أ ْهــلِ الْ ُقـ َرىٰ َف ِللَّــهِ َولِل َّر ُســولِ َو ِلــذِ ي‬
‫ـن ْالَ ْغ ِنيَــاءِ مِ ن ُكـ ْم ۚ َو َمــا آتَا ُكـ ُم ال َّر ُســو ُل‬
‫ـي َل يَ ُكــو َن ُدولَـ ًة بَـ ْ َ‬‫السـبِيلِ َكـ ْ‬ ‫ني َوابْــنِ َّ‬ ‫الْ ُق ْربَـىٰ َوالْيَتَا َمـىٰ َو ْال َ َســاكِ ِ‬

‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ ، 24‬ص ‪25‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ ، 24‬ص ‪25‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو يوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص‪ ،25‬ص ‪28 ، 27 ، 26‬‬ ‫‪.3‬‬
‫سورة الحشر آية ‪6‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪285‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫ـاب) ((( ثــم قــال تعالــى ‪ِ ( :‬لل ْ ُف َقـ َراءِ‬ ‫الل َشــدِ ي ُد الْعِ َقـ ِ‬‫الل ۖ إ َِّن َّ َ‬ ‫فَخُ ـ ُذوهُ َو َمــا نَ َها ُكـم َعنْـ ُه َفانتَ ُهــوا ۚ َوا َّت ُقــوا َّ َ‬
‫ْ‬
‫اللَ‬‫ضوا ًنــا َويَنصــرو َن َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ضــا ِ ّمــ َن ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اج ِريــ َن ا ّلَذِ يــ َن أخْ ِر ُجوا مِ ن دِ يَارِ ِهــ ْم َوأ ْم َوالِهِ ْم يَبْتَغُــو َن ف ْ‬ ‫ْال ُ َه ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫الل َورِ ْ َ‬
‫الصادِ ُقــونَ) ((( ثــم لــم يــرض حتــى خلــط بهــم غيرهــم فقــال ‪َ ( :‬وا َّلذِ يـ َن تَبَـ َّوءُوا‬ ‫ـك ُهـ ُم َّ‬ ‫َو َر ُســولَ ُه ۚ أُو َ ٰل ِئـ َ‬
‫مــا أُوتُــوا‬ ‫اج ـ ًة ِّ َّ‬
‫صدُورِ ِه ـ ْم َح َ‬ ‫اج ـ َر ِإلَيْهِ ـ ْم َو َل يَ ِج ـ ُدو َن ِف ُ‬ ‫ميــا َن مِ ــن َقبْلِهِ ـ ْم يُ ِح ُّبــو َن َم ـ ْن َه َ‬ ‫ال َ‬ ‫الـ َّـدا َر َو ْ ِ‬
‫ـك ُهـ ُم ْال ُ ْفل ُِحــونَ) (((‬ ‫اصـ ٌة ۚ َو َمــن يُــو َق ُشـ َّـح نَف ِْســهِ َفأُو َ ٰل ِئـ َ‬ ‫ص َ‬ ‫َويُ ْؤ ِثـ ُرو َن َعل َـىٰ أَنف ُِســهِ ْم َولَـ ْو َكا َن بِهِ ـ ْم َخ َ‬
‫فهــذا فيمــا بلغنــا ـ واهلل أعلــم) ‪.‬‬
‫ويضيــف عمــر معضــداً رأيــه يقولــه ‪ :‬ثــم لــم يــرض حتــى خلــط بهــم غيرهــم فقــال ‪َ ( :‬وا َّلذِ يــ َن‬
‫ت َع ـ ْل ِف ُقلُو ِبنَــا‬ ‫ميــانِ َو َل َ ْ‬ ‫اغفِ ـ ْر لَنَــا َو ِ ِلخْ َوا ِننَــا ا َّلذِ ي ـ َن َس ـ َبقُونَا ب ْ ِ‬
‫ِال َ‬ ‫َجــاءُوا مِ ــن بَ ْعدِ ِه ـ ْم يَقُولُــو َن َر َّبنَــا ْ‬
‫وف َّر ِحيـ ٌم ) يقــول عمــر ‪ ( :‬فكانــت هــذه عامــة ملــن جــاء بعدهــم‬ ‫(((‬ ‫ـك َرءُ ٌ‬ ‫ِغـ ًّـا ِّللَّذِ يـ َن آ َمنُــوا َر َّبنَــا ِإ َّنـ َ‬
‫‪ ،‬فقــد صــار هــذا الفــيء بــن هــؤالء جميعـاً ‪ ،‬فكيــف نقســمه لهــؤالء ونــدع مــن تخلــف بعدهــم بغيــر‬
‫(((‬
‫قســم؟ ) ‪.‬‬
‫وبعــد هــذا العــرض املســتفيض مــن عمــر لرأيــه علــى مــن عارضــوه فــإن الذيــن عارضــوه اســتدلوا‬
‫بآيــة الغنائــم ‪ ،‬واســتدل هــو بآيــات الفــيء ‪ ،‬حيــث اعتبــر هــذه األراضــى العقاريــة وقفـاً عامـاً لصالــح‬
‫جميــع املســلمني ‪ ،‬وأن خراجهــا هــو يفء لعامــة املســلمني حاضرهــم ومســتقبلهم ‪ ،‬وهنــا أصــدر‬
‫اجلميــع قــراراً باإلجمــاع بتأييــد رأى عمــر ‪ ،‬وتــرك هــذه األراضــى ملــكاً عام ـاً للمســلمني وجمــع‬
‫(((‬
‫خراجهــا ‪ ،‬وفــى هــذا يقــول أبــو يوســف ‪( :‬فاجمــع علــى تركــه (((وجمــع خراجــه ) ‪.‬‬
‫ويوفــق أبــو عبيــد بــن الرأيــن ‪ :‬فيقــول معقبـاً عليهمــا معتبــراً أن رأى بــال اتبــع فعــل النبــى ‪ r‬فــى‬
‫تقســيم أرض خيبــر ‪ ،‬وكال احلكمــن فيــه قــدوة ومنبــع مــن الغنيمــة والفــيء إال أن الــذى اختــاره مــن‬
‫ذلــك ‪ :‬يكــون النظــر فيــه إلــى اإلمــام ‪ ،‬كمــا قــال ســفيان ‪ ،‬وذلــك أن الوجهــن جميعـاً داخــان فيــه ‪،‬‬
‫وليــس فعلــى النبــى ‪ r‬يــراد لفعــل عمــر (((‪ ،‬ولكنــه ‪ r‬اتبــع آيــة مــن كتــاب اهلل تبــارك وتعالــى فعمــل بهــا‬
‫(((‪ ،‬واتبــع عمــر آيــة أخــرى فعمــل بهــا (‪ ،((1‬وهمــا آيتــان محكمتــان فيمــا ينــال املســلمون مــن أمــوال‬
‫املشــركني ‪ ،‬فيصيــر غنيمــة وفيئـاً (‪.((1‬‬
‫ا (‪ :((1‬فــكان عمــر يبنــى اجتهــاده علــى‬‫كمــا علــق الدكتــور ســليمان الطمــاوى ‪ :‬علــى رأى عمــر ‪ ،‬قائـ ً‬
‫ثالثــة أمــور مصلحيــة‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬منــع امللكيــة الكبيــرة ‪ :‬إذ أن أراضــى العــراق تعــد بألــوف األلــوف مــن األفدنــة ‪ ،‬وســوف تقســم‬

‫سورة الحشر آية ‪7‬‬ ‫‪.1‬‬


‫سورة الحشر آية ‪8‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سورة الحشر آية ‪9‬‬ ‫‪.3‬‬
‫سورة الحشر آية ‪10‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أبو يوسف ‪ :‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪27‬‬ ‫‪.5‬‬
‫فاجمع على تركه أى على ترك أراضى الفيء وجمع خراجه ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أبو بوسف ‪ ،‬الخراج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪27‬‬ ‫‪.7‬‬
‫يقصد بذلك أن الفريق اآلخر استدل بفعل النبى ‪ r‬فى تقسيم أرض خيبر غنيمة على المقاتلين ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫وهى آية الغنيمة‬ ‫‪.9‬‬
‫وهى آية الفيء‬ ‫‪.10‬‬
‫أبو عبيد ‪ ،‬االموال ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪62 ، 61‬‬ ‫‪.11‬‬
‫د‪ .‬سليمان الطماوى ‪ :‬عمر بن الخطاب وأصول السياسة واإلدارة الحديثة ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪. 223‬‬ ‫‪.12‬‬

‫‪286‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫علــى عشــرات األلــوف مــن النــاس ‪ ،‬وبذلــك يكــون احتــكاراً لــأرض الزراعيــة‪.‬‬
‫وثانيها ‪ :‬أن خراج هذه األراضى إذا منعت قسمتها يكون ملصالح الدولة واجلهاد فى سبيل اهلل‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬أنها لو قسمت ما كان مال ينفق منه على الضعفاء من اليتامى واألرامل واملساكني ‪.‬‬
‫هــذا هــو النمــوذج العمــرى الــذى يــدل بحــق علــى أنــه أول صياغــة مكتوبــة للموازنــة العامــة للدولــة‬
‫فــى العالــم وليــس فــى اإلســام فحســب ‪ ،‬كمــا يــدل علــى مــدى احترامــه لنــواب الشــعب وحلقهــم فــى‬
‫الرقابــة البرملانيــة علــى التصرفــات املاليــة للحاكــم املســلم واحلكومــة اإلســامية الــذى تقتــرن فيــه‬
‫املبــادئ بالتطبيــق فــى منــوذج لــم يصــل إليــه الغــرب إال مؤخــراً فــى العصــر احلديــث‪.‬‬

‫ختــام البحـــث‬

‫يف ختــام مــا تقــدم فقــد ثبــت أن حــق الشــعب فــى الرقابــة البرملانيــة علــى املوازنــة العامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬مقــرر فــى اإلســام قبــل ظهــوره فــى النظــم الغربيــة ‪ ،‬حيــث شــهد العصــر النبــوى أسس ـاً‬
‫لهــذه الرقابــة البرملانيــة‪ ،‬أرســاها النبــى ‪ ، ‬وظهــرت تطبيقاتهــا العمليــة مــع جناحــى هــذه األمــة ‪:‬‬
‫األنصــار واملهاجريــن ‪.‬‬
‫وهــو مــا قــد ســار عليــه خليفتــه األول أبــو بكــر الصديــق ‪ ‬فيمــا أرســاه فــى عهــده مــن أســس‬
‫للرقابــة املاليــة اإلداريــة واحترامــه للمعارضــن فــى تصرفاتــه املاليــة العامــة فــى واقعتــى ‪ :‬إقطاعــه‬
‫لبعــض األراضــى العامــة املهجــورة ملــن يرعاهــا ويســتصلحها ويســتزرعها مــن املســلمني ‪ ،‬وكذلــك فــى‬
‫قضيــة تخصيصــه جــزءاً مــن االمــوال العامــة العقاريــة للمؤلفــة قلوبهــم ‪ ،‬ليؤلفهــم علــى اإلســام ‪.‬‬
‫حيــث اعتــرض عليــه فيهمــا عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬فأقــره وتراجــع عــن رأيــه نــزوالً علــى رأى عمــر ‪.‬‬
‫ومــع ذلــك فإنــه فــى منوذجــه البكــرى لــم ينــزل علــى رأى عمــر فــى واقعــة رفــض عمــر لقتــال مانعــى‬
‫الــزكاة ‪ ،‬حيــث وافــق أبــو بكــر علــى رأى مــن ذهبــوا إلــى قتالهــم حتــى ال يــؤدى ذلــك إلــى ارتــداد كثيــر‬
‫مــن أهــل اجلزيــرة العربيــة عــن اإلســام ‪ ،‬وفقــدان املوازنــة العامــة اإلســامية لواحــدة مــن أهــم‬
‫مواردهــا املاليــة وهــى الــزكاة ‪.‬‬
‫وقــد ضــرب عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬فــى عهــده املثــل األعلــى فــى هــذا املجــال بإجنازاتــه فيــه ‪ :‬بتدوينــه‬
‫املبكــر للموازنــة العامــة للدولــة فــى وثيقــة مكتوبــة قبــل أن يعرفهــا الغــرب ‪ ،‬واتخــاذه خلزانــة عامــة‬
‫للدولــة ‪ ،‬وفــى منوذجــه الفريــد الــذى احتــرم فيــه رأى معارضيــه فــى البرملــان اإلســامى بقيــادة‬
‫بــال بــن ربــاح ‪ ، ‬حــن رفــض عمــر أن يــوزع أراضــى الفــيء علــى الفاحتــن ‪ ،‬ليتجنــب بحــق ظهــور‬
‫اإلقطــاع مبســاوئه املعروفــة فــى الدولــة اإلســامية ‪ ،‬وهــو مــا لــم يصــل إليــه إال بعــد نقــاش طويــل‬
‫مــع معارضيــه حتــى توصــل اجلميــع إلــى رأى واحــد عــن اقتنــاع ‪.‬‬
‫وهــو مــا نعتقــد فــى ختــام هــذا البحــث بــأن النمــوذج اإلســامى فــى الرقابــة البرملانيــة علــى املوازنــة‬
‫ا ألن يقــاس عليــه‬ ‫العامــة للدولــة ‪ ،‬بعهــوده الثالثــة األولــى النبويــة والبكريــة والعمريــة ‪ ،‬يصلــح فع ـ ً‬
‫وتقتــدى بــه النظــم البرملانيــة املعاصــرة ‪.‬‬

‫‪287‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬


‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫قائمة المراجـــــع‬
‫ابن جرير الطبرى ‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬املطبعة احلسينية املصرية جـ ‪. 3‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مجلد ‪ 6‬ص‬ ‫‪-2‬‬
‫أبــو احلســن النــدوى ‪ ،‬ردة وال أبــو بكــر لهــا القاهــرة ‪ ،‬املختــار اإلســامى ‪ 1398 ،‬هـــ ـ ‪1978‬‬ ‫‪-3‬‬
‫م ‪.‬‬
‫أبــو عبيــد ‪ ،‬األمــوال ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬مكتبــة الكليــات األزهريــة ‪ ،‬ودار الفكــر ‪ 1401 ،‬هـــ ـ ‪1981‬‬ ‫‪-4‬‬
‫م‪.‬‬
‫أبو يوسف ‪ ،‬اخلراج ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪ ،‬دار املعرفة ‪ ،‬بدون عام نشر‬ ‫‪-5‬‬
‫أحمــد التاجى‪،‬ســيرة عمــر بــن اخلطــاب اخلليفــة الرائــد ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬مكتبــة احللبــى‪1404 ،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫هـــ ‪ 1984 ،‬م ‪.‬‬
‫أحمــد احلصــرى ‪ ،‬السياســة االقتصاديــة ‪ ،‬والنظــم املاليــة فــى الفقــه اإلســامى ‪،‬القاهــرة ‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫مكتبــة الكليــات األزهريــة ‪ 1984 ،‬ص ‪ 529‬ومــا بعدهــا ‪.‬‬
‫أحمد جامع ‪ ،‬علم املالية العامة ‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫أحمــد جمــال الديــن موســى ‪ ،‬قضيــة اخلصخصــة ‪ ،‬دراســة حتليليــة ‪ ،‬املنصــورة ‪ ،‬مجلــة كليــة‬ ‫‪-9‬‬
‫احلقــوق جامعــة املنصــورة ‪ ،‬عــدد إبريــل ‪. 1993‬‬
‫‪ -10‬بــدوى عبــد اللطيــف ‪ ،‬امليزانيــة األولــى فــى اإلســام ‪ ،‬القاهــرة ‪ 1990‬سلســلة الثقافــة‬
‫اإلســامية‬
‫‪ -11‬بــدوى عبــد اللطيــف ‪ ،‬امليزانيــة األولــي يف اإلسالم‪،‬القاهره‪،‬سلســلة الثقافــة األســامية‪،‬‬
‫‪1990-1379‬م‬
‫‪ -12‬جــال الديــن احمللــى ‪ ،‬جــال الديــن الســيوطى ‪ ،‬تفســير اجلاللــن امليســر ‪ ،‬القاهــرة ‪،‬‬
‫الشــركة املصريــة العامليــة للنشــر (لوجنمــان ) ‪. 2003 ،‬‬
‫‪ -13‬خالد محمد خالد ‪ ،‬بني يدى عمر ‪ ،‬القاهرة ولبنان ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬بدون عام نشر ‪.‬‬
‫‪ -14‬سليمان الطماوى ‪ :‬عمر بن اخلطاب وأصول السياسة واإلدارة احلديثة‬
‫‪ -15‬ســليمان الطمــاوى ‪ ،‬عمــر بــن اخلطــاب وأصــول السياســة واإلدارة احلديثــة ‪ ،‬دراســة مقارنــة‬
‫‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬دار الفكــر العربــى ‪. 1976 ،‬‬
‫‪ -16‬شــوقى عبــده الســاهى ‪ ،‬مراقبــة املوازنــة العامــة للدولــة فــى ضــوء اإلســام ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬بــدون‬
‫ناشــر ‪ 1403 ،‬هـــ ‪ 1983 ،‬م‬
‫‪ -17‬شــوقى عبــده الســاهى ‪ ،‬مراقبــة املوازنــه العامــه للدولــه فــى ضــوء اإلســام ‪ ،‬القاهــره ‪ ،‬بــدون‬
‫ناشــر ‪1403 ،‬هـــ ‪1983 ،‬م‬
‫‪ -18‬الشــيخ محمــد املدنــى ‪ :‬نظــرات فــى فقــه الفــاروق عمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬املجلــس‬
‫األعلــى للشــئون اإلســامية ‪1428 ،‬هـــ ‪2007 ،‬م ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫الرقابة البرلمانية على الموازنة العامة فى اإلسالم‬

‫‪ -19‬صبــرى عبــد العزيــز ‪ ،‬املاليــة العامــة دراســة مقارنــة إســامياً ‪ ،‬احمللــة الكبــرى ‪ ،‬مكتبــة‬
‫الصفــا ‪2010 ،‬‬
‫‪ -20‬صبــرى عبــد العزيــز ‪ ،‬مبــادئ االقتصــاد والتعــاون فــى الفكريــن الوضعــى واإلســامى ‪ ،‬احمللــة‬
‫الكبــرى ‪ ،‬مكتبــة الصفــا ‪. 2008 / 2007 ،‬‬
‫‪ -21‬عباس العقاد ‪ ،‬عبقرية الصديق ‪ 1385 ،‬هـ ـ ‪ 1965‬م ‪.‬‬
‫‪ -22‬عباس العقاد ‪ ،‬عبقرية عمر ‪ 1399 ،‬هـ ‪ 1979 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -23‬عبــد العزيــز دنيــا ‪ ،‬العدالــة العمريــة ومبــادئ اإلســام ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬مجمع البحوث اإلســامية‬
‫‪ ،‬سلســلة البحــوث اإلســامية ‪ 1408 ،‬هـــ ‪1988 ،‬م ‪ ،‬الســنة ‪.19‬‬
‫‪ -24‬عــزت البرعــى‪ ،‬د‪.‬مصطفــى حســنى ‪ ،‬محاضــرات فــى مبــادئ االقتصــاد املالــى ‪ ،‬بــدون مــكان‬
‫نشــر أو ناشــر‪ 1999 / 89‬ص ‪591‬‬
‫‪ -25‬عــوف الكفــراوى ‪ ،‬الرقابــة املاليــة فــى االســام‪ ،‬االســكندرية‪ ،‬مؤسســة شــباب اجلامعــة ‪،‬‬
‫‪ 1983‬ص ‪11‬‬
‫‪ -26‬عــوف الكفــراوى ‪ ،‬سياســة اإلنفــاق العــام فــى اإلســام وفــى الفكــر املالــى احلديــث ‪ ،‬دراســة‬
‫مقارنــة ‪ ،‬اإلســكندرية ‪ ، 1983‬مؤسســة شــباب اجلامعــة ‪.‬‬
‫‪ -27‬قطــب إبراهيــم ‪ ،‬النظــم السياســية املاليــه لعمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬الهيئــة املصريــة‬
‫العامــة للكتــاب ‪.1984 ،‬‬
‫‪ -28‬قطب إبراهيم ‪ ،‬النظم املالية فى اإلسالم ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب ‪.‬‬
‫‪ -29‬املاوردى ‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار النصر ‪1983 ،‬‬
‫‪ -30‬املاوردى‪،‬املرجــع الســابق ‪ ،‬ود‪ .‬عــوف الكفــراوى ‪ ،‬الرقابــة املاليــة يف األســام ‪ ،‬مرجــع ســابق‬
‫ص ‪.99‬‬
‫‪ -31‬محمد حسني هيكل ‪ ،‬أبو بكر الصديق ‪ 1402 ،‬هـ ـ ‪ 1982‬م‬
‫‪ -32‬محمد حلمى مراد ‪ ،‬مالية الدولة ‪،‬‬
‫‪ -33‬محمــد ضيــاء الديــن الريس‪،‬اخلــراج لنظــم املاليــة للدولــة اإلســامية‪،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبــة دار‬
‫التــراث ‪1985 ،‬‬
‫‪ -34‬محمــد فــؤاد عبــد الباقــى ‪ ،‬املعجــم املفهــرس أللفــاظ القــرآن الكرمي‪،‬القاهــرة‪،‬دار احلديــث‪،‬‬
‫‪.1996‬‬
‫‪ -35‬يوسف القرضاوى ‪ ،‬فقه الزكاة ‪ ،‬بيروت ـ لبنان ـ جـ ‪2‬‬

‫‪289‬‬ ‫العدد السابع ‪-‬‬

You might also like