Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثانية
المحاضرة الثانية
تمهيد:
تعد النظرية الشخصانية واحدة من النظريات املعاصرة يف الرتبية وتعرف باسم النظرية االنسانية
والالتوجيهية ،وقد قامت يف البداية على أفكار "كارل روجرز" يف علم النفس إذ يعرب الفكر الروجرسي بشكل
جيد على هذا املنظور الرتبوي ،وقد ظهرت البيداغوجيا الالتوجيهية منبثقة عن االجتاه الشخصاين يف الرتبية.
مث ما فتئت النظرية االنسانية أن اتسعت دائرة افكارها ومبادئها على يد احملدثني يف الرتبية واهم هؤالء نذكر
"فوتيناس" صاحب نظرية االنسانية احملدثة واحد ابرز روادها ،وقبل أن نقف على املبادئ اليت أسسوا عليها
نظرياهتم جيدر بنا بداية أن نشرح منطلقاهتا مث نعرض ألهم مبادئ النظرية الشخصانية وأخريا حدود وإمكانية
تأسست النظرية الشخصانية على مرجعيات فلسفية هي البارزة يف فكر "جون جاك روسو" الرتبوي ،وهي
االفكار اليت تدعو إىل حترير الطفل من السلطة الرتبوية ،سلطة الوالدين ،سلطة املدرس ،والقيود اليت تفرضها
املقررات والكتب املدرسية واليت تكبل حريته وتفسد طبيعته اخلرية .وقد برزت جتلياهتا يف الفكر الرتبوي "الوليفي
وقد جاءت النظرية الشخصانية يف الرتبية كرد فعل ضد التيار التقليدي يف الرتبية واملتمركز حول تبليغ املعرفة
اليت تقدم يف قوالب جاهزة ضمن مقررات ومضامني تربوية ال تراعي حاجات التالميذ ورغباهتم الذاتية يف التعلم،
والعالقات البيداغوجية القائمة على فرض املعرفة وكبح الرغبة التلقائية يف االستقاللية وبناء الكينونة الذاتية.
1
بىن أصحاب هذا االجتاه أفكارهم على أنقاض النظرية التقليدية يف الرتبية فقد عارضوا مركزية وسلطة املعلم
ومركزية املعرفة يف الفعل الرتبوي على معارضتهم للرتبية التقليدية واملكانة الضيقة اليت متنحها املتعلم كذات وكينونة.
وركزوا انشغاالهتم أساسا على مفهوم الذات ومفهوم احلرية ومفهوم استقاللية الفرد وانطلقت من فكرة مفادها أن
املتعلم هو املعين يف أي موقف تعلمي بالتحكم يف تربيته باستعمال طاقاته الداخلية لتحقيق منوذج الشخصية
االنسانية احلرة.
والسؤال األساسي الذي إهتمت النظرية الشخصانية باإلجابة عليه ،وطرحه "كارل روجرز" على النظام
التعليمي الراهن هو :هل يعد النظام التعليمي الراهن االفراد لكي يصبحوا كائنات مسؤولة وقادرة على التواصل مع
الغري يف حضارة تنحو حنو الكونية وحتطيم احلدود العرضية ام هبدف تكوين اشخاص منطوين وغري قادرين على
ميكن االجابة على السؤال يف ضوء املبادئ اليت اسستها النظرية الشخصانية فبناء الثقة وتكوين اإلنسان
احلر وحتقيق االندماج االجيايب كلها متطلبات اساسية يف الرتبية لتكوين ملمح اإلنسان الكوين املنفتح على االخر
ومن هنا فإن الرتبية وفق النظرية الشخصانية مطالبة بتحقيق منوذج اإلنسان الكوين الذي ميكنه إن
يؤكد "روجرز" -ضمن االجتاه الشخصاين -أن هذا املواصفات ميكن أن تتحقق إذا ما قام الفعل الرتبوي
على حرية املتعلم وعلى رغباته وعلى ارادته يف التعلم وليس تكاثر املدارس احلرة واملتفتحة والبديلة الذي عرفته
الستينات والسبعينات من هذا القرن سوى برهانا على قوة هذا الفكر الرتبوي من جهة وليس اعتماد هذا التيار يف
صياغته مقاربة االنشغال بالتطور املتكامل للطفل سوى دليال اخر على تلك القوة من جهة ثانية) .برتراند،
(22 :7002
2
فالرتبية -حسب الشخصانية -ال بد أن تتحرر من اإلكرهات اليت تفرضها الربامج التعليمية والسلطة
البيداغوجية حىت متكن املتعلم من بناء الكينونة الذاتية وقدمت النظرية الشخصانية البديل عن بيداغوجيا تقليدية
تروم بناء الذات الفردية وهو منوذج يقوم على احلرية يف العملية التعلمية ويستهدف بناء اإلنسان احلر.
فقد إنبثق عن النظرية الشخصانية منوذج البيداغوجيا الالتوجيهية هي بيداغوجيا ال تلزم الفرد ال بقواعد وال
بربامج وال مبواد دراسية معينة فهم يضعون الثقة يف الشخص ويف حاجته التلقائية والعفوية إلمتام وإكمال نفسه
ويتحول املكون على غرار ذلك اىل مصدر يتحدد دوره االساسي يف االجابة عن الطلبات واحلاجات املعرب عنها
من طرف املتعلمني .واملدرس الالتوجيهي ينبغي إن يكون على الدوام حاضرا ومستمعا حلاجات ورغبات التالميذ
كما ينبغي عليه االجابة عن طلباهتم بشكل مالئم ومتكيف ).غريب(277 :7002 ،
إذن فهي بيداغوجيا متحررة من إكراهات املناهج التعليمية وضوابطها ومقرراهتا املفروضة على املتعلم
وتسمح للمعلم بأن يتدخل كموجه ومرافق للمتعلم يف حتقيق رغباته .فالالتوجيهية تتيح للمتعلم االخنراط يف التعلم
فالالتوجيهية ) (La Non -directivitéتقوم على فكرة تشخيص وضعية التلميذ يف عالقاته
مبكونات اجملال املدرسي :املدرس ،املعرفة ،الثقافة املدرسيني ،املكان ،الزمان أما فرضية الالتوجيهية األساسية فهي
ليس التعلم جمرد عمل مدرسي جزئي تعلم حساب او قراءة بل هو يف جوهره جتربة متس اخنراط الذات االنسانية
داخل البيئة اليت تعيش فيها انه ميس الشخصية يف كليتها ).منصف(44 :7002 ،
فهي ال تقوم على أهداف تعليمية تصمم يف ضوءها مضامني تعليمية خمطط هلا مسبقا بل إن منطلقها
األساسي ذات املتعلم ،فتدخل املعلم يكون بالقدر الذي ميكن التلميذ من حتقيق اهدافه والوصول إىل غاياته
ورغباته وطموحاته الذاتية ،وعليه فان العالقة البيداغوجية هي عالقة افقية تواصلية تسمح للمتعلم بالتعبري حبرية
3
وهبذا أ سست الشخصانية لرتبية تستهدف املتعلم وتروم بناء الكينونة الذاتية له ،وهي تربية تقوم على منح
احلرية للمتعلم لبناء ذاته وحتقيق أهدافه وال ريب يف أن ذلك يتأتى يف ضوء عالقة بيداغوجية يكون فيها التعلم
-1.2إيجابية المتعلم:
إن التعلم اإلجيايب هو التعلم الذي يصبح فيه املتعلم ذات فاعلة ،وتقاس الفعالية باالخنراط يف التعلم
وتوظيف املكتسبات يف بناء التعلمات وبناءها .وال ريب يف أن إجيابية املتعلم يف الفعل التعليمي /التعلمي مقرتن
مبدى احلرية واالستقاللية املمنوحة من طرف املعلم ،ولذلك يدعو أصحاب النظرية الشخصانية إىل حترير الفعل
البيداغوجي من إكرهات املقررات الدراسية ومن العالقة العمودية السلطوية لبناء شخصية اإلنسان احلر.
يرى "روجزر" يف هذا الصدد أن الطالب يكتسب أكرب قدر من اإلستقاللية يف الفكر ،واإلبداع ،ويف الثقة
بالنفس إذا ما أصبح يؤمن بأن النقد والتقومي الذاتيني أمران أساسيان ويؤمن بأن تقوميات االخرين ليست سوى
فالتعلم ميكن أن حيقق اجيابية إذا ما اهتم حباجات املتعلم األساسية كبناء التقدير الذايت وميكن للمتعلم أن
يكون إجيابيا إذا وثق يف ذاته وإمكاناته الذاتية ،واكتساب املتعلم الستقالليته الذاتية يف الفكر واإلبداع مقرتن
بإميانه بأمهية االخنراط واالندماج الذايت يف مهمات التعلم بنقدها وتقوميها االداء ذاتيا وبصورة متكنه من جتريب
فاملسؤولية يف التعلم تقتضي احلرية ولن تتأتى إال يف وجودها فاملتعلم الذي مينح قدرا من احلرية يف صناعة
وبناء معارفه ذاتيا يكون مسؤول عن تعلمه واملسؤولية جتعل املتعلم من بداية االنطالق يف التعلم يقظا يف تعلمه
يفكر يف أهدافه ،يراقبها وخيتار األدوات اليت ميكن أن تبلغه أهدافه ،ويقيم ذاتيا نواتج تعلمه وهو ما من شأنه أن
4
أن يكسب التلميذ حرية التفكري واإلبداع .إذ يصعب أن نرتقي باملتعلم إىل مستويات تفكري عالية وقد حرمناه
إن بلوغ غايات اإلنسانية يف النظرية الشخصانية يتطلب تنظيم الوضعيات التعليمية/التعلمية والعالقة
البيداغوجية بشكل يتيح للمتعلم رسم أهدافه والتخطيط هلا وانتقاء طرق املوصلة إىل املعرفة وتقومي نواتج تعلمه
ويظهر دور املعلم يف النظرية الشخصانية على أنه دور تيسرييا ليس فقط يف الوصول إىل املعرفة بل يف معرفة
الذات االنسانية والوعي هبا ،ومعرفة مواطن قوهتا لبناء الثقة باعتبارها مقوم أساسي لنجاح التعلم الذايت.
يقول "روجرس" ) (Rogers,1970توصلت إىل اعتقاد مفاده أن املعارف الوحيدة اليت يستطيع الفرد
اكتساهبا واليت ميكنها أن حتدث تأثريا على سلوكه هي تلك املعارف اليت يكتشفها بنفسه .فاملعلم امليسر يلعب
دورا كبريا يف وضع ثقته التالميذ بأنفسهم ويساعدهم يف اختيار وتوضيح اهدافهم ونواياهم وحتقيق مشاريعهم.
فالبيئة التعليمية اليت هتيؤ للمتعلم الفرصة ملمارسة التعلم كخربة إمنا متكنه من اكتساب خربات تعليمية وهي
اخلربات اليت تبقى حية يستثمرها يف مواقف ووضعيات خمتلفة .فتيسري التعلم يعتمد على جعل املتعلم مشارك يف
التعلم ال متلقي له وحني يطلب املعلم من تالميذه حتمل مسؤولية تعلمهم يف التخطيط لتعلمهم بوضع أهداف
ومراقبتها وتقييم حتقيقها ذاتيا جيعلهم متيقضني متهيئني ذهنيا لتحمل مسؤولية تعلمهم.
فالربامج التعليمية التقليدية حسب "روجرز" وطرقه االلقائية وأساليب امتحاناته ال تسهل التعلم اخلربايت
الذي حيمل وحده داللة ومعىن بالنسبة للطالب واهلدف االمسى هو أن يصل الطالب إىل تعليم نفسه بنفسه بكل
5
يقدم أصحاب النظرية الشخصية التعلم اخلربايت كنموذج للتعلم الفعال من حيث أنه يؤهله إىل توظيف
مهاراته وقدراته يف حل مشكالت يف وضعيات خمتلفة .ذلك أن املعارف امللقنة واليت تلتصق بالذهن يف الغالب
تبقى كمعارف ميتة ال يتمكن من توظيفها يف وضعيات جديدة لتحقيق الفعالية املطلوبة .فاخلربة احلية هي اليت
تؤهل املتعلم لالخنراط يف وضعيات ومواقف غري مألوفة تتطلب بيئة تعليمية ووضعيات تعليمية يؤدي فيها املعلم
أدوارا فاعلة.
يقول "روجرز" ) (Rogers,1970يبدو يل إن كل ما نستطيع تعليمه لألخر يعد بدون فائدة نسبيا إذ
ال يكون له إال تأثري قليل إن مل نقل ال تأثري له على مستوى سلوك الفرد) .برتراند(27 :7002 ،
فالنظرية الشخصانية تدعو إ ىل حترير الفعل الرتبوي من سلطة املعلم املبلغ للمعرفة وفسح جمال للتلميذ لبناء
ذاته واملهارات التعلمية وال يتأتى ذلك إال اذا كان املعلم ميسرا للتعلم موجها للمتعلم حنو طرق اكتساب املعرفة.
فقد متحورت اهتمامات النظرية حول حرية املتعلم كهدف وعلى املعلم كميسر أن يدير الفعل التعليمي بطريقة
يتيح للتلميذ الفرصة لتجريب قدراته ومتكنه من حتقيق تعلم ذايت كأن يضع اهدافا لتعلمه ويعمل جاهدا على
لكن السؤال المطروح كيف يمكن أن نؤسس لعالقات بيداغوجية تتوخى تكوين اإلنسان أو الشخص
الحر؟
يرى "روجرز" أنه على املدرس أن يأخذ بعني االعتبار متثالت املتعلم وخرباته واحتياجاته ويعينه على
اكتساب وحل املشكالت ويدفعه لتطوير تعلم ذايت دون أن يقدم له معارف جاهزة بل مينحه قدر االمكان الثقة
يف قدرته على التعلم ويعززها مبختلف االليات البيداغوجيىة والديداكتيكية اليت تدعم لدى املتعلم تعلما فعاال قائما
6
فانتقال املدرس من منوذج العالقات البيداغوجية املبنية على عالقات خطية باملعلم وبسلطة املعرفة أو سلطة
املؤسسة إىل منوذج العالقات البيداغوجية األفقية القائمة على االحرتام واالعرتاف بشخصية املتعلمني وبنسبية
املعارف والقيم مما جيعل فضاء الفصل الدراسي فضاء حلرية اصيلة وفعلية جتعل املتعلمني يعيشون حرية االختيار
إضافة إىل هذا ،فإنه ينبغي أن يعطي املدرس التالميذ الثقة يف قدرهتم على التعلم وهو حني يركز على
تسهيل التعلم أكثر من القيام مبهام التدريس التقليدي ينظم وقته ويوزع جهوده بشكل خيتلف كثرا عما يقوم به
املدرس التقليدي وعوض إن خيصص وقتا طويال جدا لتنظيم دروسه وإعدادها تراه حياول جتميع خمتلف الوسائل
اليت تسمح للمتعلمني باجناز تعلم قائم على اخلربة الذاتية ومالئم حلاجاهتم ويكرس كل جمهوداته أيضا ليجعل تلك
الوسائل يف متناول املتعلمني وذلك بالتخطيط احملكم واملبسط ملختلف املراحل اليت ينبغي عليهم قطعها ألجل
استعماهلم تلك الوسائل وال تتضمن هذه الوسائل ما عهدناه من مصادر اكادميية فقط كتب جمالت فضاءات
فبلوغ غايات اإلنسان احلر يتطلب تنظيم الوضعيات التعليمية /التعلمية والعالقة البيداغوجية واختيار
الوسائل التعليمية والنشاطات غري املألوفة بشكل يتيح للمتعلم رسم اهدافه والتخطيط لتعلمه ومراقبة مسار تعلمه
وتقومي نواجته وتصحيح مساره وهو النموذج املتمركز حول ذات املتعلم.
فالعالقة البيداغوجية المتمركزة حول المتعلم يتحول فيها االستاذ من مبلغ إلى مسهل وموجه ،لكن
هل يكفي تغيير وظيفة المدرس ألجل إحداث تغيير جذري في المجال المدرسي بكل مكوناته؟
هذا ما ال تقتنع به الالتوجيهية وتتجاوز التحديدات الديداكتيكة للمدرس واكتشاف املعيقات اليت تشل
فكر الفرد وحركته داخل اجملال املدرسي نذكر منها على اخلصوص قلق العالقة باألخر وباملكان املدرسي
7
وموضوعاته وقيمه املادية والرمزية وخصوصا املعرفة ألهنا حمور العالقة الرتبوية داخل بيداغوجيا املعرفة املدرسية
إذن تنظر الشخصانية إىل املعلم على أن دوره ال بد أن يتجاوز حدود اكساب املعرفة لطالبه إىل دور
إنساين حياول من خالله فهم معيقات النفسية واالجتماعية والرتبوية اليت تعيق حتقيق اندماج املتعلم االجيايب
باملدرسة.
وأكثر ما ينتج آثارا سيئة على شخصية املتعلم وعلى اندماجه سلطة املدرس واملؤسسة فهي تشكل هتديدا
للذات وبالتايل يتعرض للمقاومة وذلك بسبب الضغط واإللزام املمارسني على الذات وغالبا ما خيلق هذا االلزام
وذلك الضغط معيقات نفسية تؤثر على سلوك الطفل واملتعلم داخل اجملال املدرسي احملكوم بعالقات السلطة
سلطة املدرس ،سلطة املعرفة ،سلطة التقومي ،غالبا ما تنتج هذه املعيقات قلقا شخصيا من فشل ممكن أو سابق) .
منصف(44 :7002،
فاملقررات واملضامني اليت تفرض على املتعلم واليت يراد ترسيخها يف أذهان التالميذ دون أي رغبة أو قابلية
أو إختيار لن يكون هلا إال تأثري ضار على إندماجهم املدرسي وشعورهم مبتعة التعلم ،ويعمق لديهم مشاعرهم
السلبية جتاه املدرسة كالكره ،وينتج ردود فعل عنيفة تعرب عن رفضهم ملكوناهتا.
-2.2التعليم الخبراتي:
يعرب التعليم اخلربايت يف ضوء النظرية الشخصانية عن ذلك النمط من التعليم الذي يسمح للمتعلم من
التعبري عن مكنوناته الداخلية سواء اكانت معرفية او وجدانية وهو التعليم الذي خيرج عن قوالب معدة لإلصغاء
اىل طرق وأمناط متعددة حمفزة على التعلم ولكي يتحقق ذلك حبسب النظرية الشخصانية وجب تنظيم الفعل
التعليمي يف مراحل تبدأ مبرحلة خلق وضعيات االستكشاف والرجوع اىل الذات للوصول اىل متثالته وأفكاره
ومشاعره وانفعاالته وهي مرحلة متكن املتعلم من الولوج اىل ذاته بعدها يتم تبادل الطالب فيما بينهم ...فهو
8
تعليم من اجل معرفة الكينون ة الذاتية فالتعلم ال بد إن ينطلق من الذات وال بد للفعل الرتبوي إن ينتظم يف ضوء
حاجات ورغبات ومتثالت التالميذ فهي تربية منطلقها الذات االنسانية وهدفها تأكيد الذات االنسانية.
يعترب "روجرس" التعلم اخلربايت التزاما شخصيا تنغمس فيه الشخصية بكاملها كما انه يقوم على مبادرات
الطالب وكل تعلم يؤدي اىل تغري يف منظومة الذات او يف ادراك االنا حيدث شعورا بالتهديد ومن مثة منيل اىل
مقاومته وكلما كان املتعلم ميتلك جزءا من املسؤولية عن التعلم كلما صار التعلم أكثر سهولة إن التعلم يبلغ اقصى
مداه عندما يقوم املتعلم بتحديد مشكالته اخلاصة وباختيار موارد حلوهلا بنفسه).برتراند(22 :7002 ،
فالتعليم اخلربايت هو التعليم الذي ميكن املتعلم من إن يعيش جتربة التعلم مبدركاته وانغعاالته ويؤدي اىل تغري
يف شخصيته فاملواقف اليت ميارس من خالهلا اخلربة لخلخل لديه التوازنات املعرفية واالنفعالية وتؤدي اىل انغماس
وهذا يتطلب اعادة تنظيم الفعل الديداكتيكي بشكل يتيح للمتعلم ممارسة التعلم كخربة وحتقيق جتربة
يرى منظروا الشخصانية انه علينا إستدراج الطالب انطالقا من واقعه الوجداين واملعريف مث منكنه من التعبري
عن هذا الواقع بأساليب خمتلفة الكلمة النص املسرح الرسم ....ولتحقيق ذلك جيب توفري عدد من التمارين ومن
املمكن ان نتبع هلذا الغرض العديد من املراحل مرحلة خلق وضعيات االستكشاف والرتكيب والتواصل مث الرجوع
اىل الذات وتسمح هذه الوضعيات اليت تستعمل متارين مالئمة بتحقيق االتصال بني الفرد وذاته وهو ما يساعده
يف الوصول اىل انطباعاته وتصوراته وأحاسيسه وأفكاره وحاجاته النفسية ورغباته فاألمر هنا يتعلق بالولوج اىل
الذات مث يتبادل االشخاص فيما بينهم اكتشافاهتم املختلفة مث يتم وضع خالصة ويف االخري لختتم العملية بالرجوع
إىل الذات هبدف القيام حبوصلة ملا مت تعلمه ).برتراند(22 :7002 ،
9
إذن هو تعلم الكتشاف الذات املعرفية واالنفعالية والوعي بوسائل ووضعيات حتقق الوعي بالذات ولخرج
مل تتوقف مبادئ وأفكار الشخصانية عند "روجزر" ولقد ذهب "فوتيناس" صاحب االنسانية احملدثة إىل
اقرتاح بناء الشخصية احلرة باالهتمام بالربامج التكوينية اليت تستهدف تنمية شخصية اإلنسان احلر .فقد رأى أن
تكوين الشخصية املستقلة يرتبط بالربامج التكوينية اليت ال بد إن تستهدف تطوير الذات االنسانية.
اقرتح "فوتيناس" ) (Torossian ,Fotinasاعطاء وجهة اخرى للربامج التكوينية تستهدف تطور
الشخص ومميزاته اخلاصة يستهدف الدرس عنده تكوين افرادا قادرين على التدخل بفعالية يف الوسط الرتبوي.
خلق وضعيات التعلم املتمركزة حول الشخص بدال من التعلم املتمركز حول حمتويات الربامج وطرائق
تنفيذها وتظل اهداف مثل هذه الوضعيات مفتوحة على اعتبار إن املنهجية الديداكتيكية ترتك للتالميذ حرية
حتديد اهدافهم ومعايري تقومي انفسهم وبالتايل فان الربنامج التكويين يتم بناؤه مع مرور الوقت وبالرتكيز احلاجات
إذن فالربامج التكوينية ال تعد سلفا من اجل حتقيق اهداف لخطيط هلا مهندسوا الرتبية واملناهج التعليمية بل
يتم بناء والتخطيط هلا انطالقا من حاجات التالميذ الذاتية والوعي مبا يرغب يف حتقيقه وعي بطرق التعلم
والسؤال الذي يطرح كيف نبني البرامج التعليمية انطالقا من حاجات الطالب؟
يرى "فوتيناس" ) (Fotinasإن ذلك يعتمد على جمموعة من اإلسرتاتيجيات لتحقيق ذلك:
مرحلة املمارسة الصفية وتعتمد على التفكري واالستكشاف للقيم الدوافع واحلاجات الشخصية.
10
اختيار املشكلة.
املمارسة الواعية وتتضمن البحث عن املعلومات وتوضح االهداف التعليمية وصياغتها يف عبارات تشري
إذن البيئة التعليمية اليت ميكن أن حتقق أهداف النظرية الشخصانية هي بيئة مشجعة على التعلم الذايت
وليست مهيأة لإلصغاء والتلقي السليب فهي تعتمد على جهد املتعلم الذايت يف التفكري والوعي بالتفكري وبطرقه
ورغم ما قدمته النظرية الشخصانية من اسهامات خاصة يف التأسيس لبيداغوجيا التوجيهية تنطلق من ذات
املتعلم وتنفذ من خالهلا لبناء كينونته الذاتية إال أن مبدأها العام ال يتالءم مع ضرورات التعلم احلايل القائم وما
يفرضه ضمن براجمه من غايات فلسفية تروم الرتبية بلوغها ومن مبادئ وتوجهات تربوية تفرضها السياسة التعليمية.
فأكثر املعيقات اليت يطرحها مبدأ تعميم التعليم الذايت ما يقتضيه التعليم حاليا من تعميم املعرفة على
قطاعات عريضة من املتعلمني فالالتوجيهيه تتطلب االشتغال مع جمموعات صغرى تشكل حاالت خاصة ومنفردة
يف التعليم أما التعليم العمومي فهو مطالب بتحقيق أهداف التعليم العامة وأمام تزايد عدد التالميذ أصبح
االهتمام منصبا على االهتمام بتقنيات التدريس والتكوين والتقومي ورغم رفض انصار النظرية الالتوجيهية جعل
املعرفة املوضوع االساسي للتعلم املدرسي فإهنم مل يستطيعوا لخليص املدرس من كل عالقة ممكنة باملعرفة) .
منصف(24 :7002،
11
عالوة على ذلك فالعالقة السلطوية يف وضعيات معينة تصبح ضرورية للحفاظ على معرفة معينة تقتضيها
الضرورة البيداغوجية .فاخنراط املتعلم يف عالقة بيداغوجية يكون احد اطرافها املعلم كمرافقا للمتعلم وميسرا للتعلم
وموجها له فهذا البديل اكرب دليل على دور املعلم وسلطته يف التعلم.
فإذا كانت الالتوجيهية تدعو إىل التخلص من العالقة التقليدية بني املدرس والتلميذ القائمة على نقل
املعرفة فانه يف وضعيته الالتوجيهية يتجه اىل اقامة عالقة جديدة قائمة على ضرورة املعرفة باألخر وبالذات معا).
منصف(24 :7002،
إن ما ميكن قوله يف االخري إن ما ترنو اليه البيداغوجيات احلديثة عموما يضعها أمام رهان حتقيق املواءمة
بني احلاجات الفردية للمتعلم كبناء الذات وتأكيدها واالمتثال لرغباهتا واحتياجاهتا والغايات االجتماعية اليت
تقرضها الضرورة االجتماعية كالرتبية على ثقافة اجملتمع واحملافظة على الرتاث والقيم االجتماعية وحتقيق التوافق بني
12