You are on page 1of 12

‫المحاضرة الثانية‬

‫النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬

‫)‪(La Théorie Personnaliste‬‬

‫‪ ‬تمهيد‪:‬‬

‫تعد النظرية الشخصانية واحدة من النظريات املعاصرة يف الرتبية وتعرف باسم النظرية االنسانية‬

‫والالتوجيهية‪ ،‬وقد قامت يف البداية على أفكار "كارل روجرز" يف علم النفس إذ يعرب الفكر الروجرسي بشكل‬

‫جيد على هذا املنظور الرتبوي‪ ،‬وقد ظهرت البيداغوجيا الالتوجيهية منبثقة عن االجتاه الشخصاين يف الرتبية‪.‬‬

‫مث ما فتئت النظرية االنسانية أن اتسعت دائرة افكارها ومبادئها على يد احملدثني يف الرتبية واهم هؤالء نذكر‬

‫"فوتيناس" صاحب نظرية االنسانية احملدثة واحد ابرز روادها‪ ،‬وقبل أن نقف على املبادئ اليت أسسوا عليها‬

‫نظرياهتم جيدر بنا بداية أن نشرح منطلقاهتا مث نعرض ألهم مبادئ النظرية الشخصانية وأخريا حدود وإمكانية‬

‫تطبيقها يف الواقع الرتبوي‪.‬‬

‫‪ .1‬منطلق النظرية الشخصانية‪:‬‬

‫تأسست النظرية الشخصانية على مرجعيات فلسفية هي البارزة يف فكر "جون جاك روسو" الرتبوي‪ ،‬وهي‬

‫االفكار اليت تدعو إىل حترير الطفل من السلطة الرتبوية‪ ،‬سلطة الوالدين‪ ،‬سلطة املدرس‪ ،‬والقيود اليت تفرضها‬

‫املقررات والكتب املدرسية واليت تكبل حريته وتفسد طبيعته اخلرية‪ .‬وقد برزت جتلياهتا يف الفكر الرتبوي "الوليفي‬

‫ريبول" وأفكار "كارل روجرز" و"فوتيناس" صاحب االنسانية احملدثة‪...‬وغريهم‪.‬‬

‫وقد جاءت النظرية الشخصانية يف الرتبية كرد فعل ضد التيار التقليدي يف الرتبية واملتمركز حول تبليغ املعرفة‬

‫اليت تقدم يف قوالب جاهزة ضمن مقررات ومضامني تربوية ال تراعي حاجات التالميذ ورغباهتم الذاتية يف التعلم‪،‬‬

‫والعالقات البيداغوجية القائمة على فرض املعرفة وكبح الرغبة التلقائية يف االستقاللية وبناء الكينونة الذاتية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بىن أصحاب هذا االجتاه أفكارهم على أنقاض النظرية التقليدية يف الرتبية فقد عارضوا مركزية وسلطة املعلم‬

‫ومركزية املعرفة يف الفعل الرتبوي على معارضتهم للرتبية التقليدية واملكانة الضيقة اليت متنحها املتعلم كذات وكينونة‪.‬‬

‫وركزوا انشغاالهتم أساسا على مفهوم الذات ومفهوم احلرية ومفهوم استقاللية الفرد وانطلقت من فكرة مفادها أن‬

‫املتعلم هو املعين يف أي موقف تعلمي بالتحكم يف تربيته باستعمال طاقاته الداخلية لتحقيق منوذج الشخصية‬

‫االنسانية احلرة‪.‬‬

‫والسؤال األساسي الذي إهتمت النظرية الشخصانية باإلجابة عليه‪ ،‬وطرحه "كارل روجرز" على النظام‬

‫التعليمي الراهن هو‪ :‬هل يعد النظام التعليمي الراهن االفراد لكي يصبحوا كائنات مسؤولة وقادرة على التواصل مع‬

‫الغري يف حضارة تنحو حنو الكونية وحتطيم احلدود العرضية ام هبدف تكوين اشخاص منطوين وغري قادرين على‬

‫التواصل مع الغري‪ ).‬منصف‪(44 :7002،‬‬

‫ميكن االجابة على السؤال يف ضوء املبادئ اليت اسستها النظرية الشخصانية فبناء الثقة وتكوين اإلنسان‬

‫احلر وحتقيق االندماج االجيايب كلها متطلبات اساسية يف الرتبية لتكوين ملمح اإلنسان الكوين املنفتح على االخر‬

‫املستوعب لثقافة االخر مبا ميتلكه من أدوات التواصل‪.‬‬

‫ومن هنا فإن الرتبية وفق النظرية الشخصانية مطالبة بتحقيق منوذج اإلنسان الكوين الذي ميكنه إن‬

‫يستجيب للتحديات اليت يفرضها العامل اليوم‪.‬‬

‫يؤكد "روجرز"‪ -‬ضمن االجتاه الشخصاين‪ -‬أن هذا املواصفات ميكن أن تتحقق إذا ما قام الفعل الرتبوي‬

‫على حرية املتعلم وعلى رغباته وعلى ارادته يف التعلم وليس تكاثر املدارس احلرة واملتفتحة والبديلة الذي عرفته‬

‫الستينات والسبعينات من هذا القرن سوى برهانا على قوة هذا الفكر الرتبوي من جهة وليس اعتماد هذا التيار يف‬

‫صياغته مقاربة االنشغال بالتطور املتكامل للطفل سوى دليال اخر على تلك القوة من جهة ثانية‪) .‬برتراند‪،‬‬

‫‪(22 :7002‬‬

‫‪2‬‬
‫فالرتبية ‪-‬حسب الشخصانية‪ -‬ال بد أن تتحرر من اإلكرهات اليت تفرضها الربامج التعليمية والسلطة‬

‫البيداغوجية حىت متكن املتعلم من بناء الكينونة الذاتية وقدمت النظرية الشخصانية البديل عن بيداغوجيا تقليدية‬

‫تروم بناء الذات الفردية وهو منوذج يقوم على احلرية يف العملية التعلمية ويستهدف بناء اإلنسان احلر‪.‬‬

‫فقد إنبثق عن النظرية الشخصانية منوذج البيداغوجيا الالتوجيهية هي بيداغوجيا ال تلزم الفرد ال بقواعد وال‬

‫بربامج وال مبواد دراسية معينة فهم يضعون الثقة يف الشخص ويف حاجته التلقائية والعفوية إلمتام وإكمال نفسه‬

‫ويتحول املكون على غرار ذلك اىل مصدر يتحدد دوره االساسي يف االجابة عن الطلبات واحلاجات املعرب عنها‬

‫من طرف املتعلمني‪ .‬واملدرس الالتوجيهي ينبغي إن يكون على الدوام حاضرا ومستمعا حلاجات ورغبات التالميذ‬

‫كما ينبغي عليه االجابة عن طلباهتم بشكل مالئم ومتكيف‪ ).‬غريب‪(277 :7002 ،‬‬

‫إذن فهي بيداغوجيا متحررة من إكراهات املناهج التعليمية وضوابطها ومقرراهتا املفروضة على املتعلم‬

‫وتسمح للمعلم بأن يتدخل كموجه ومرافق للمتعلم يف حتقيق رغباته‪ .‬فالالتوجيهية تتيح للمتعلم االخنراط يف التعلم‬

‫بشكل ميكنه من بناء الشخصية املتكاملة يف بعدها املعريف‪ ،‬والوجداين‪ ،‬واملهاري‪.‬‬

‫فالالتوجيهية )‪ (La Non -directivité‬تقوم على فكرة تشخيص وضعية التلميذ يف عالقاته‬

‫مبكونات اجملال املدرسي‪ :‬املدرس‪ ،‬املعرفة‪ ،‬الثقافة املدرسيني‪ ،‬املكان‪ ،‬الزمان أما فرضية الالتوجيهية األساسية فهي‬

‫ليس التعلم جمرد عمل مدرسي جزئي تعلم حساب او قراءة بل هو يف جوهره جتربة متس اخنراط الذات االنسانية‬

‫داخل البيئة اليت تعيش فيها انه ميس الشخصية يف كليتها‪ ).‬منصف‪(44 :7002 ،‬‬

‫فهي ال تقوم على أهداف تعليمية تصمم يف ضوءها مضامني تعليمية خمطط هلا مسبقا بل إن منطلقها‬

‫األساسي ذات املتعلم‪ ،‬فتدخل املعلم يكون بالقدر الذي ميكن التلميذ من حتقيق اهدافه والوصول إىل غاياته‬

‫ورغباته وطموحاته الذاتية‪ ،‬وعليه فان العالقة البيداغوجية هي عالقة افقية تواصلية تسمح للمتعلم بالتعبري حبرية‬

‫عن افكاره وآراءه توجهاته ورغباته‪...‬ملمارسة حرية بناء الذات‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وهبذا أ سست الشخصانية لرتبية تستهدف املتعلم وتروم بناء الكينونة الذاتية له‪ ،‬وهي تربية تقوم على منح‬

‫احلرية للمتعلم لبناء ذاته وحتقيق أهدافه وال ريب يف أن ذلك يتأتى يف ضوء عالقة بيداغوجية يكون فيها التعلم‬

‫متمركزا حول املتعلم‪.‬‬

‫‪ .2‬مبادئ النظرية الشخصانية‪:‬‬

‫‪ -1.2‬إيجابية المتعلم‪:‬‬

‫إن التعلم اإلجيايب هو التعلم الذي يصبح فيه املتعلم ذات فاعلة‪ ،‬وتقاس الفعالية باالخنراط يف التعلم‬

‫وتوظيف املكتسبات يف بناء التعلمات وبناءها‪ .‬وال ريب يف أن إجيابية املتعلم يف الفعل التعليمي‪ /‬التعلمي مقرتن‬

‫مبدى احلرية واالستقاللية املمنوحة من طرف املعلم‪ ،‬ولذلك يدعو أصحاب النظرية الشخصانية إىل حترير الفعل‬

‫البيداغوجي من إكرهات املقررات الدراسية ومن العالقة العمودية السلطوية لبناء شخصية اإلنسان احلر‪.‬‬

‫يرى "روجزر" يف هذا الصدد أن الطالب يكتسب أكرب قدر من اإلستقاللية يف الفكر‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬ويف الثقة‬

‫بالنفس إذا ما أصبح يؤمن بأن النقد والتقومي الذاتيني أمران أساسيان ويؤمن بأن تقوميات االخرين ليست سوى‬

‫أمور ثانوية‪).‬برتراند‪(27 :7002 ،‬‬

‫فالتعلم ميكن أن حيقق اجيابية إذا ما اهتم حباجات املتعلم األساسية كبناء التقدير الذايت وميكن للمتعلم أن‬

‫يكون إجيابيا إذا وثق يف ذاته وإمكاناته الذاتية‪ ،‬واكتساب املتعلم الستقالليته الذاتية يف الفكر واإلبداع مقرتن‬

‫بإميانه بأمهية االخنراط واالندماج الذايت يف مهمات التعلم بنقدها وتقوميها االداء ذاتيا وبصورة متكنه من جتريب‬

‫قدراته والوقوف عند مواطن القوة والضعف فيها‪.‬‬

‫فاملسؤولية يف التعلم تقتضي احلرية ولن تتأتى إال يف وجودها فاملتعلم الذي مينح قدرا من احلرية يف صناعة‬

‫وبناء معارفه ذاتيا يكون مسؤول عن تعلمه واملسؤولية جتعل املتعلم من بداية االنطالق يف التعلم يقظا يف تعلمه‬

‫يفكر يف أهدافه‪ ،‬يراقبها وخيتار األدوات اليت ميكن أن تبلغه أهدافه‪ ،‬ويقيم ذاتيا نواتج تعلمه وهو ما من شأنه أن‬

‫‪4‬‬
‫أن يكسب التلميذ حرية التفكري واإلبداع‪ .‬إذ يصعب أن نرتقي باملتعلم إىل مستويات تفكري عالية وقد حرمناه‬

‫حرية التفكري وإبداء الرأي‪.‬‬

‫‪ -2.2‬تحويل االستاذ المبلغ إلى أستاذ ميسر‪:‬‬

‫إن بلوغ غايات اإلنسانية يف النظرية الشخصانية يتطلب تنظيم الوضعيات التعليمية‪/‬التعلمية والعالقة‬

‫البيداغوجية بشكل يتيح للمتعلم رسم أهدافه والتخطيط هلا وانتقاء طرق املوصلة إىل املعرفة وتقومي نواتج تعلمه‬

‫ذاتيا وتصحيح مسار تعلمه وهي عالقة متمركزة حول املتعلم‪.‬‬

‫ويظهر دور املعلم يف النظرية الشخصانية على أنه دور تيسرييا ليس فقط يف الوصول إىل املعرفة بل يف معرفة‬

‫الذات االنسانية والوعي هبا‪ ،‬ومعرفة مواطن قوهتا لبناء الثقة باعتبارها مقوم أساسي لنجاح التعلم الذايت‪.‬‬

‫يقول "روجرس" )‪ (Rogers,1970‬توصلت إىل اعتقاد مفاده أن املعارف الوحيدة اليت يستطيع الفرد‬

‫اكتساهبا واليت ميكنها أن حتدث تأثريا على سلوكه هي تلك املعارف اليت يكتشفها بنفسه‪ .‬فاملعلم امليسر يلعب‬

‫دورا كبريا يف وضع ثقته التالميذ بأنفسهم ويساعدهم يف اختيار وتوضيح اهدافهم ونواياهم وحتقيق مشاريعهم‪.‬‬

‫)برتراند‪(27 :7002 ،‬‬

‫فالبيئة التعليمية اليت هتيؤ للمتعلم الفرصة ملمارسة التعلم كخربة إمنا متكنه من اكتساب خربات تعليمية وهي‬

‫اخلربات اليت تبقى حية يستثمرها يف مواقف ووضعيات خمتلفة‪ .‬فتيسري التعلم يعتمد على جعل املتعلم مشارك يف‬

‫التعلم ال متلقي له وحني يطلب املعلم من تالميذه حتمل مسؤولية تعلمهم يف التخطيط لتعلمهم بوضع أهداف‬

‫ومراقبتها وتقييم حتقيقها ذاتيا جيعلهم متيقضني متهيئني ذهنيا لتحمل مسؤولية تعلمهم‪.‬‬

‫فالربامج التعليمية التقليدية حسب "روجرز" وطرقه االلقائية وأساليب امتحاناته ال تسهل التعلم اخلربايت‬

‫الذي حيمل وحده داللة ومعىن بالنسبة للطالب واهلدف االمسى هو أن يصل الطالب إىل تعليم نفسه بنفسه بكل‬

‫حرية‪) .‬برتراند‪(27 :7002 ،‬‬

‫‪5‬‬
‫يقدم أصحاب النظرية الشخصية التعلم اخلربايت كنموذج للتعلم الفعال من حيث أنه يؤهله إىل توظيف‬

‫مهاراته وقدراته يف حل مشكالت يف وضعيات خمتلفة‪ .‬ذلك أن املعارف امللقنة واليت تلتصق بالذهن يف الغالب‬

‫تبقى كمعارف ميتة ال يتمكن من توظيفها يف وضعيات جديدة لتحقيق الفعالية املطلوبة‪ .‬فاخلربة احلية هي اليت‬

‫تؤهل املتعلم لالخنراط يف وضعيات ومواقف غري مألوفة تتطلب بيئة تعليمية ووضعيات تعليمية يؤدي فيها املعلم‬

‫أدوارا فاعلة‪.‬‬

‫يقول "روجرز" )‪ (Rogers,1970‬يبدو يل إن كل ما نستطيع تعليمه لألخر يعد بدون فائدة نسبيا إذ‬

‫ال يكون له إال تأثري قليل إن مل نقل ال تأثري له على مستوى سلوك الفرد‪) .‬برتراند‪(27 :7002 ،‬‬

‫فالنظرية الشخصانية تدعو إ ىل حترير الفعل الرتبوي من سلطة املعلم املبلغ للمعرفة وفسح جمال للتلميذ لبناء‬

‫ذاته واملهارات التعلمية وال يتأتى ذلك إال اذا كان املعلم ميسرا للتعلم موجها للمتعلم حنو طرق اكتساب املعرفة‪.‬‬

‫فقد متحورت اهتمامات النظرية حول حرية املتعلم كهدف وعلى املعلم كميسر أن يدير الفعل التعليمي بطريقة‬

‫يتيح للتلميذ الفرصة لتجريب قدراته ومتكنه من حتقيق تعلم ذايت كأن يضع اهدافا لتعلمه ويعمل جاهدا على‬

‫حتقيقها عن طريق عالقة بيداغوجية تعاقدية تستهدف بناء ذات التلميذ‪.‬‬

‫لكن السؤال المطروح كيف يمكن أن نؤسس لعالقات بيداغوجية تتوخى تكوين اإلنسان أو الشخص‬

‫الحر؟‬

‫يرى "روجرز" أنه على املدرس أن يأخذ بعني االعتبار متثالت املتعلم وخرباته واحتياجاته ويعينه على‬

‫اكتساب وحل املشكالت ويدفعه لتطوير تعلم ذايت دون أن يقدم له معارف جاهزة بل مينحه قدر االمكان الثقة‬

‫يف قدرته على التعلم ويعززها مبختلف االليات البيداغوجيىة والديداكتيكية اليت تدعم لدى املتعلم تعلما فعاال قائما‬

‫على فاعليته وخربته الذاتية ومالئما حلاجاته وتطلعاته‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫فانتقال املدرس من منوذج العالقات البيداغوجية املبنية على عالقات خطية باملعلم وبسلطة املعرفة أو سلطة‬

‫املؤسسة إىل منوذج العالقات البيداغوجية األفقية القائمة على االحرتام واالعرتاف بشخصية املتعلمني وبنسبية‬

‫املعارف والقيم مما جيعل فضاء الفصل الدراسي فضاء حلرية اصيلة وفعلية جتعل املتعلمني يعيشون حرية االختيار‬

‫وحرية العبري وحرية الوجود‪.‬‬

‫إضافة إىل هذا‪ ،‬فإنه ينبغي أن يعطي املدرس التالميذ الثقة يف قدرهتم على التعلم وهو حني يركز على‬

‫تسهيل التعلم أكثر من القيام مبهام التدريس التقليدي ينظم وقته ويوزع جهوده بشكل خيتلف كثرا عما يقوم به‬

‫املدرس التقليدي وعوض إن خيصص وقتا طويال جدا لتنظيم دروسه وإعدادها تراه حياول جتميع خمتلف الوسائل‬

‫اليت تسمح للمتعلمني باجناز تعلم قائم على اخلربة الذاتية ومالئم حلاجاهتم ويكرس كل جمهوداته أيضا ليجعل تلك‬

‫الوسائل يف متناول املتعلمني وذلك بالتخطيط احملكم واملبسط ملختلف املراحل اليت ينبغي عليهم قطعها ألجل‬

‫استعماهلم تلك الوسائل وال تتضمن هذه الوسائل ما عهدناه من مصادر اكادميية فقط كتب جمالت فضاءات‬

‫للعمل قاعات املخترب ومواده ادوات اشرطة تسجيالت‪ ).‬منصف‪(42 :7002،‬‬

‫فبلوغ غايات اإلنسان احلر يتطلب تنظيم الوضعيات التعليمية‪ /‬التعلمية والعالقة البيداغوجية واختيار‬

‫الوسائل التعليمية والنشاطات غري املألوفة بشكل يتيح للمتعلم رسم اهدافه والتخطيط لتعلمه ومراقبة مسار تعلمه‬

‫وتقومي نواجته وتصحيح مساره وهو النموذج املتمركز حول ذات املتعلم‪.‬‬

‫فالعالقة البيداغوجية المتمركزة حول المتعلم يتحول فيها االستاذ من مبلغ إلى مسهل وموجه‪ ،‬لكن‬

‫هل يكفي تغيير وظيفة المدرس ألجل إحداث تغيير جذري في المجال المدرسي بكل مكوناته؟‬

‫هذا ما ال تقتنع به الالتوجيهية وتتجاوز التحديدات الديداكتيكة للمدرس واكتشاف املعيقات اليت تشل‬

‫فكر الفرد وحركته داخل اجملال املدرسي نذكر منها على اخلصوص قلق العالقة باألخر وباملكان املدرسي‬

‫‪7‬‬
‫وموضوعاته وقيمه املادية والرمزية وخصوصا املعرفة ألهنا حمور العالقة الرتبوية داخل بيداغوجيا املعرفة املدرسية‬

‫التقليدية‪ ).‬منصف‪(44 :7002،‬‬

‫إذن تنظر الشخصانية إىل املعلم على أن دوره ال بد أن يتجاوز حدود اكساب املعرفة لطالبه إىل دور‬

‫إنساين حياول من خالله فهم معيقات النفسية واالجتماعية والرتبوية اليت تعيق حتقيق اندماج املتعلم االجيايب‬

‫باملدرسة‪.‬‬

‫وأكثر ما ينتج آثارا سيئة على شخصية املتعلم وعلى اندماجه سلطة املدرس واملؤسسة فهي تشكل هتديدا‬

‫للذات وبالتايل يتعرض للمقاومة وذلك بسبب الضغط واإللزام املمارسني على الذات وغالبا ما خيلق هذا االلزام‬

‫وذلك الضغط معيقات نفسية تؤثر على سلوك الطفل واملتعلم داخل اجملال املدرسي احملكوم بعالقات السلطة‬

‫سلطة املدرس‪ ،‬سلطة املعرفة‪ ،‬سلطة التقومي‪ ،‬غالبا ما تنتج هذه املعيقات قلقا شخصيا من فشل ممكن أو سابق‪) .‬‬

‫منصف‪(44 :7002،‬‬

‫فاملقررات واملضامني اليت تفرض على املتعلم واليت يراد ترسيخها يف أذهان التالميذ دون أي رغبة أو قابلية‬

‫أو إختيار لن يكون هلا إال تأثري ضار على إندماجهم املدرسي وشعورهم مبتعة التعلم‪ ،‬ويعمق لديهم مشاعرهم‬

‫السلبية جتاه املدرسة كالكره‪ ،‬وينتج ردود فعل عنيفة تعرب عن رفضهم ملكوناهتا‪.‬‬

‫‪ -2.2‬التعليم الخبراتي‪:‬‬

‫يعرب التعليم اخلربايت يف ضوء النظرية الشخصانية عن ذلك النمط من التعليم الذي يسمح للمتعلم من‬

‫التعبري عن مكنوناته الداخلية سواء اكانت معرفية او وجدانية وهو التعليم الذي خيرج عن قوالب معدة لإلصغاء‬

‫اىل طرق وأمناط متعددة حمفزة على التعلم ولكي يتحقق ذلك حبسب النظرية الشخصانية وجب تنظيم الفعل‬

‫التعليمي يف مراحل تبدأ مبرحلة خلق وضعيات االستكشاف والرجوع اىل الذات للوصول اىل متثالته وأفكاره‬

‫ومشاعره وانفعاالته وهي مرحلة متكن املتعلم من الولوج اىل ذاته بعدها يتم تبادل الطالب فيما بينهم ‪ ...‬فهو‬

‫‪8‬‬
‫تعليم من اجل معرفة الكينون ة الذاتية فالتعلم ال بد إن ينطلق من الذات وال بد للفعل الرتبوي إن ينتظم يف ضوء‬

‫حاجات ورغبات ومتثالت التالميذ فهي تربية منطلقها الذات االنسانية وهدفها تأكيد الذات االنسانية‪.‬‬

‫يعترب "روجرس" التعلم اخلربايت التزاما شخصيا تنغمس فيه الشخصية بكاملها كما انه يقوم على مبادرات‬

‫الطالب وكل تعلم يؤدي اىل تغري يف منظومة الذات او يف ادراك االنا حيدث شعورا بالتهديد ومن مثة منيل اىل‬

‫مقاومته وكلما كان املتعلم ميتلك جزءا من املسؤولية عن التعلم كلما صار التعلم أكثر سهولة إن التعلم يبلغ اقصى‬

‫مداه عندما يقوم املتعلم بتحديد مشكالته اخلاصة وباختيار موارد حلوهلا بنفسه‪).‬برتراند‪(22 :7002 ،‬‬

‫فالتعليم اخلربايت هو التعليم الذي ميكن املتعلم من إن يعيش جتربة التعلم مبدركاته وانغعاالته ويؤدي اىل تغري‬

‫يف شخصيته فاملواقف اليت ميارس من خالهلا اخلربة لخلخل لديه التوازنات املعرفية واالنفعالية وتؤدي اىل انغماس‬

‫كلي يف جتربة التعلم من أجل الوصول إىل جوهر املعرفة‪.‬‬

‫وهذا يتطلب اعادة تنظيم الفعل الديداكتيكي بشكل يتيح للمتعلم ممارسة التعلم كخربة وحتقيق جتربة‬

‫االندماج الذايت لبناء اخلربة‪.‬‬

‫يرى منظروا الشخصانية انه علينا إستدراج الطالب انطالقا من واقعه الوجداين واملعريف مث منكنه من التعبري‬

‫عن هذا الواقع بأساليب خمتلفة الكلمة النص املسرح الرسم ‪....‬ولتحقيق ذلك جيب توفري عدد من التمارين ومن‬

‫املمكن ان نتبع هلذا الغرض العديد من املراحل مرحلة خلق وضعيات االستكشاف والرتكيب والتواصل مث الرجوع‬

‫اىل الذات وتسمح هذه الوضعيات اليت تستعمل متارين مالئمة بتحقيق االتصال بني الفرد وذاته وهو ما يساعده‬

‫يف الوصول اىل انطباعاته وتصوراته وأحاسيسه وأفكاره وحاجاته النفسية ورغباته فاألمر هنا يتعلق بالولوج اىل‬

‫الذات مث يتبادل االشخاص فيما بينهم اكتشافاهتم املختلفة مث يتم وضع خالصة ويف االخري لختتم العملية بالرجوع‬

‫إىل الذات هبدف القيام حبوصلة ملا مت تعلمه‪ ).‬برتراند‪(22 :7002 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫إذن هو تعلم الكتشاف الذات املعرفية واالنفعالية والوعي بوسائل ووضعيات حتقق الوعي بالذات ولخرج‬

‫عن إطار العالقة البيداغوجية التوجيهية بني املدرس والطالب‪.‬‬

‫مل تتوقف مبادئ وأفكار الشخصانية عند "روجزر" ولقد ذهب "فوتيناس" صاحب االنسانية احملدثة إىل‬

‫اقرتاح بناء الشخصية احلرة باالهتمام بالربامج التكوينية اليت تستهدف تنمية شخصية اإلنسان احلر‪ .‬فقد رأى أن‬

‫تكوين الشخصية املستقلة يرتبط بالربامج التكوينية اليت ال بد إن تستهدف تطوير الذات االنسانية‪.‬‬

‫اقرتح "فوتيناس" )‪ (Torossian ,Fotinas‬اعطاء وجهة اخرى للربامج التكوينية تستهدف تطور‬

‫الشخص ومميزاته اخلاصة يستهدف الدرس عنده تكوين افرادا قادرين على التدخل بفعالية يف الوسط الرتبوي‪.‬‬

‫خلق وضعيات التعلم املتمركزة حول الشخص بدال من التعلم املتمركز حول حمتويات الربامج وطرائق‬

‫تنفيذها وتظل اهداف مثل هذه الوضعيات مفتوحة على اعتبار إن املنهجية الديداكتيكية ترتك للتالميذ حرية‬

‫حتديد اهدافهم ومعايري تقومي انفسهم وبالتايل فان الربنامج التكويين يتم بناؤه مع مرور الوقت وبالرتكيز احلاجات‬

‫املرغوب حتقيقها‪ ).‬برتراند‪(22 :7002 ،‬‬

‫إذن فالربامج التكوينية ال تعد سلفا من اجل حتقيق اهداف لخطيط هلا مهندسوا الرتبية واملناهج التعليمية بل‬

‫يتم بناء والتخطيط هلا انطالقا من حاجات التالميذ الذاتية والوعي مبا يرغب يف حتقيقه وعي بطرق التعلم‬

‫وبوسائل التقومي الذاتية ومعايريه‬

‫والسؤال الذي يطرح كيف نبني البرامج التعليمية انطالقا من حاجات الطالب؟‬

‫يرى "فوتيناس" )‪ (Fotinas‬إن ذلك يعتمد على جمموعة من اإلسرتاتيجيات لتحقيق ذلك‪:‬‬

‫‪ ‬مرحلة املمارسة الصفية وتعتمد على التفكري واالستكشاف للقيم الدوافع واحلاجات الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬مرحلة بناء املوقف التعليمي وتنطلق من طرح مشكالت‪.‬‬

‫‪ ‬مرحلة التوعية باملمارسة وتتضمن الدراسة والتحليل وإيضاح املوقف املشكل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ ‬اختيار املشكلة‪.‬‬

‫‪ ‬املمارسة الواعية وتتضمن البحث عن املعلومات وتوضح االهداف التعليمية وصياغتها يف عبارات تشري‬

‫إىل ممارسات ينبغي اكتساهبا‪.‬‬

‫‪ ‬مشاهدة افالم حبثية او التعرف على حبوث نظرية‪.‬‬

‫‪ ‬املمارسة الواعية وتتضمن املهارات اليت مت اكتساهبا‪.‬‬

‫‪ ‬تقومي املكتسبات والقيم املعاشة واملواقف املبتكرة‪) .‬برتراند‪(22 :7002 ،‬‬

‫إذن البيئة التعليمية اليت ميكن أن حتقق أهداف النظرية الشخصانية هي بيئة مشجعة على التعلم الذايت‬

‫وليست مهيأة لإلصغاء والتلقي السليب فهي تعتمد على جهد املتعلم الذايت يف التفكري والوعي بالتفكري وبطرقه‬

‫املوصلة يف النهاية إىل أهدافه اليت هي مكتسبات وخربات مبدعة ومبتكرة‪.‬‬

‫ورغم ما قدمته النظرية الشخصانية من اسهامات خاصة يف التأسيس لبيداغوجيا التوجيهية تنطلق من ذات‬

‫املتعلم وتنفذ من خالهلا لبناء كينونته الذاتية إال أن مبدأها العام ال يتالءم مع ضرورات التعلم احلايل القائم وما‬

‫يفرضه ضمن براجمه من غايات فلسفية تروم الرتبية بلوغها ومن مبادئ وتوجهات تربوية تفرضها السياسة التعليمية‪.‬‬

‫فأكثر املعيقات اليت يطرحها مبدأ تعميم التعليم الذايت ما يقتضيه التعليم حاليا من تعميم املعرفة على‬

‫قطاعات عريضة من املتعلمني فالالتوجيهيه تتطلب االشتغال مع جمموعات صغرى تشكل حاالت خاصة ومنفردة‬

‫يف التعليم أما التعليم العمومي فهو مطالب بتحقيق أهداف التعليم العامة وأمام تزايد عدد التالميذ أصبح‬

‫االهتمام منصبا على االهتمام بتقنيات التدريس والتكوين والتقومي ورغم رفض انصار النظرية الالتوجيهية جعل‬

‫املعرفة املوضوع االساسي للتعلم املدرسي فإهنم مل يستطيعوا لخليص املدرس من كل عالقة ممكنة باملعرفة‪) .‬‬

‫منصف‪(24 :7002،‬‬

‫‪11‬‬
‫عالوة على ذلك فالعالقة السلطوية يف وضعيات معينة تصبح ضرورية للحفاظ على معرفة معينة تقتضيها‬

‫الضرورة البيداغوجية‪ .‬فاخنراط املتعلم يف عالقة بيداغوجية يكون احد اطرافها املعلم كمرافقا للمتعلم وميسرا للتعلم‬

‫وموجها له فهذا البديل اكرب دليل على دور املعلم وسلطته يف التعلم‪.‬‬

‫فإذا كانت الالتوجيهية تدعو إىل التخلص من العالقة التقليدية بني املدرس والتلميذ القائمة على نقل‬

‫املعرفة فانه يف وضعيته الالتوجيهية يتجه اىل اقامة عالقة جديدة قائمة على ضرورة املعرفة باألخر وبالذات معا‪).‬‬

‫منصف‪(24 :7002،‬‬

‫إن ما ميكن قوله يف االخري إن ما ترنو اليه البيداغوجيات احلديثة عموما يضعها أمام رهان حتقيق املواءمة‬

‫بني احلاجات الفردية للمتعلم كبناء الذات وتأكيدها واالمتثال لرغباهتا واحتياجاهتا والغايات االجتماعية اليت‬

‫تقرضها الضرورة االجتماعية كالرتبية على ثقافة اجملتمع واحملافظة على الرتاث والقيم االجتماعية وحتقيق التوافق بني‬

‫الكونية واخلصوصية يف بناء اإلنسان الذي تفرضه العوملة يف عامل اليوم‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like