Professional Documents
Culture Documents
تفسير
تفسير
وهي مكية
{ َو الَّس َم اِء َذ اِت اْلُب ُر وِج } أي[ :ذات] المن ازل المش تملة على من ازل الش مس والقم ر ،والك واكب المنتظم ة في س يرها،
على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة اهلل تعالى ورحمته ،وسعة علمه وحكمته.
{ َو اْلَي ْو ِم اْلَمْو ُع وِد } وه و ي وم القيام ة ،ال ذي وع د اهلل الخل ق أن يجمعهم في ه ،ويض م في ه أولهم وآخ رهم ،وقاص يهم
ودانيهم ،الذي ال يمكن أن يتغير ،وال يخلف اهلل الميعاد.
{ َو َش اِهٍد َو َم ْش ُهوٍد } وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف أي :مبصر ومبصر ،وحاضر ومحضور ،وراء ومرئي.
والمقسم عليه ،ما تضمنه هذا القسم من آيات اهلل الباهرة ،وحكمه الظاهرة ،ورحمته الواسعة.
وقيل :إن المقسم عليه قوله { ُقِتَل َأْص َح اُب اُأْلْخ ُد وِد } وهذا دعاء عليهم بالهالك.
وكان أصحاب األخدود هؤالء قوًم ا كافرين ،ولديهم قوم مؤمنون ،فراودوهم للدخول في دينهم ،فامتنع المؤمنون من
ذلك ،فشق الكافرون أخدوًد ا [في األرض] ،وقذفوا فيها النار ،وقعدوا حولها ،وفتنوا المؤمنين ،وعرضوهم عليها ،فمن
اس تجاب لهم أطلق وه ،ومن اس تمر على اإليم ان ق ذفوه في الن ار ،وه ذا في غاي ة المحارب ة هلل ولحزب ه المؤم نين ،وله ذا
لعنهم اهلل وأهلكهم وتوعدهم فقالُ { :قِت َل َأْص َح اُب اُأْلْخ ُد وِد } ثم فسر األخدود بقوله { :الَّن اِر َذ اِت اْلَو ُق وِد ِإْذ ُهْم َع َلْي َه ا
ُقُع وٌد َو ُهْم َع َلى َم ا َيْفَع ُل وَن ِب اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ُش ُهوٌد } وه ذا من أعظم م ا يك ون من التج بر وقس اوة القلب ،ألنهم جمع وا بين
الكف ر بآي ات اهلل ومعان دتها ،ومحارب ة أهله ا وتع ذيبهم به ذا الع ذاب ،ال ذي تنفط ر من ه القل وب ،وحض ورهم إي اهم عن د
إلقائهم فيها ،والحال أنهم م ا نقموا من المؤم نين إال خص لة يمدحون عليها ،وبه ا س عادتهم ،وهي أنهم كانوا يؤمنون
باهلل العزيز الحميد أي :الذي له العزة التي قهر بها كل شيء ،وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله.
{ اَّلِذ ي َلُه ُم ْلُك الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض } خلًقا وعبيًد ا ،يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه َ { ،و الَّل ُه َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِه يٌد
} علًم ا وسمًع ا وبصًر ا ،أفال خاف هؤالء المتمردون على اهلل ،أن يبطش بهم العزيز المقتدر ،أو ما علموا أنهم جميعهم
مماليك هلل ،ليس ألحد على أحد سلطة ،من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن اهلل محيط بأعمالهم ،مجاز لهم على
فعالهم ؟ كال إن الكافر في غرور ،والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل.
قال الحسن رحمه اهلل :انظروا إلى هذا الكرم والجود ،هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته ،وهو يدعوهم إلى التوبة.
ِذ يَن آَم ُن وا } بقل وبهم { َو َع ِم ُل وا ولم ا ذك ر عقوب ة الظ المين ،ذك ر ث واب المؤم نين ،فق الِ { :إَّن اَّل
ِل ِت ِم ِل ِت
} ال ذي حص ل ب ه الفوز برض ا اهلل الَّص ا َح ا } بج وارحهم { َلُهْم َج َّن اٌت َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْن َه اُر َذ َك اْلَف ْو ُز اْلَك ِب يُر
ودار كرامته.
{ ِإَّن َبْط َش َر ِّب َك َلَش ِد يٌد } أي :إن عقوبته ألهل الجرائم والذنوب العظام [لقوية] شديدة ،وهو بالمرصاد للظالمين كما
قال اهلل تعالىَ { :و َك َذ ِلَك َأْخ ُذ َر ِّبَك ِإَذ ا َأَخ َذ اْلُقَر ى َو ِه َي َظاِلَم ٌة ِإَّن َأْخ َذ ُه َأِليٌم َش ِد يٌد }
{ ِإَّنُه ُهَو ُيْب ِد ُئ َو ُيِع ي ُد } أي :هو المنفرد بإبداء الخلق وإ عادته ،فال مشارك له في ذلك َ { ،و ُه َو اْلَغ ُف وُر } الذي يغفر
الذنوب جميعها لمن تاب ،ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب.
{ اْل َو ُد وُد } الذي يحب ه أحباب ه محب ة ال يش بهها شيء فكم ا أن ه ال يش ابهه ش يء في ص فات الجالل والجم ال ،والمع اني
واألفعال ،فمحبته في قلوب خواص خلقه ،التابعة لذلك ،ال يشبهها شيء من أنواع المحاب ،ولهذا كانت محبته أصل
العبودي ة ،وهي المحب ة التي تتقدم جميع المح اب وتغلبها ،وإ ن لم يكن غيرها تبًع ا لها ،كانت عذاًبا على أهلها ،وهو
تعالى الودود ،الواد ألحبابه ،كما قال تعالىُ { :يِح ُّبُهْم َو ُيِح ُّبوَن ُه } والمودة هي المحبة الصافية ،وفي هذا سر لطيف،
حيث قرن { الودود } بالغفور ،ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى اهلل وأنابوا ،غفر لهم ذنوبهم وأحبهم ،فال
يقال :بل تغفر ذنوبهم ،وال يرجع إليهم الود ،كما قاله بعض الغالطين.
بل اهلل أفرح بتوبة عبده حين يتوب ،من رجل له راحلة ،عليها طعامه وشرابه وما يصلحه ،فأضلها في أرض فالة
مهلكة ،فأيس منها ،فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت ،فبينما هو على تلك الحال ،إذا راحلته على رأسه ،فأخذ
بخطامها ،فاهلل أعظم فرًح ا بتوبة العبد من هذا براحلته ،وهذا أعظم فرح يقدر.
فلله الحمد والثناء ،وصفو الوداد ،ما أعظم بره ،وأكثر خيره ،وأغزر إحسانه ،وأوسع امتنانه"
{ ُذ و اْلَع ْر ِش اْلَم ِج ي ُد } أي :ص احب الع رش العظيم ،ال ذي من عظمت ه ،أن ه وس ع الس ماوات واألرض والكرس ي ،فهي
بالنس بة إلى الع رش كحلق ة ملق اة في فالة ،بالنس بة لس ائر األرض ،وخص اهلل الع رش بال ذكر ،لعظمت ه ،وألن ه أخص
المخلوق ات ب القرب من ه تع الى ،وه ذا على ق راءة الج ر ،يك ون { المجي د } نعت ا للع رش ،وأم ا على ق راءة الرف ع ،ف إن
المجيد نعت هلل ،والمجد سعة األوصاف وعظمتها.
{ َفَّعاٌل ِلَم ا ُيِر يُد } أي :مهما أراد شيًئا فعله ،إذا أراد شيًئ ا قال له كن فيكون ،وليس أحد فعااًل لما يريد إال اهلل.
فإن المخلوقات ،ولو أرادت شيًئا ،فإنه ال بد إلرادتها من معاون وممانع ،واهلل ال معاون إلرادته ،وال ممانع له مما
أراد.
ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله ،فقالَ { :هْل َأَتاَك َح ِد يُث اْلُجُن وِد ِفْر َع ْو َن َو َثُم ود } وكيف كذبوا
المرسلين ،فجعلهم اهلل من المهلكين.
{ َب ِل اَّلِذ يَن َكَف ُر وا ِف ي َتْك ِذ يٍب } أي :ال يزالون مستمرين على التكذيب والعناد ،ال تنفع فيهم اآليات ،وال تجدي لديهم
العظات.
{ َو الَّلُه ِم ْن َو َر اِئِه ْم ُم ِح يٌط } أي :قد أحاط بهم علًم ا وقدرة ،كقولهِ { :إَّن َر َّبَك َلِباْلِم ْر َص اِد } ففيه الوعيد الشديد للكافرين،
من عقوبة من هم في قبضته ،وتحت تدبيره.
{ َب ْل ُهَو ُقْر آٌن َم ِج يٌد } أي :وسيع المعاني عظيمها ،كثير الخير والعلم.
{ ِف ي َلْو ٍح َم ْح ُفوٍظ } من التغيير والزيادة والنقص ،ومحفوظ من الشياطين ،وهو :اللوح المحفوظ الذي قد أثبت اهلل فيه
كل شيء.
وهذا يدل على جاللة القرآن وجزالته ،ورفعة قدره عند اهلل تعالى ،واهلل أعلم.