Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثانية شلف
المحاضرة الثانية شلف
ـ تمهيد:
تشعبت موضوعات الفلسفة وتنوعت الفلسفات ،وتبعا لذلك لم نجد للفلسفة منهجا واحدا يسلكه العقل الفلسفي بصورة
مطلقة ودائمة ،وإنما على العكس من ذلك تماما ،فهناك مناهج متعددة ومتنوعة تنوع ميادين وحقول البحث الفلسفي ذاته ،وهذا
ما ستعرض له في هذه المحاضر.
-1منهج الشك و القين ( العقلي) :ظهر هذا المنهج في الساحة الفكرية الفلسفية على يد ديكارت مؤسس المنهج العقلي
ورائد الفلسفة الحديثة .
لقد تبنى ديكارت الشك كمنهج لبلوغ الحقيقة واليقين ،مؤكدا على أن المنهج الشكي هو المنطلق الناجع لتأسيس فلسفة علمية
،حيث يقودنا هذا المنهج إلى نزع الثقة عن كل معرفة تمنح لنا فليس علينا تبنيها إالّ بعد التأكد من صحتها أو فسادها ،لذلك
يقول ديكارت ":وفي السنوات التسع التالية كلها لم أصنع شيئا إالّ الطواف هنا وهناك في العالم ...وإنما كنت أخص تفكيري في
كل شيء يمكن أن يكون موضعا للشك ويكون سببا في خطئنا ".1
والشك عند ديكارت فعل من أفعال اإلرادة يركز على األحكام وليس التصورات ألن التصورات ال تكون صادقة أو كاذبة إالّ إذا
أضيف إليها حكما معيّنا ،وإذا كان الشك منهجا فإنه يقود الباحث إلى الحقيقة واليقين ،على أن اليقين هو االعتقاد الجازم
الثابت الذي ال يزول بشك ،إنه حالة ذهنية تقوم على اطمئنان النفس إلى الشيء،2ولئن كان الشك المنهجي هو أول الطريق فإن
اليقين هو النهاية التي يأمل الباحث إدراكها أو الوصول إليها .
إن الوصول إلى اليقين عند ديكارت مشروط –ال محالة -ببدء البحث انطالقا من وضع مجمل المعارف التي نتلقاها موضع
شك تام ،إضافة إ لى وضع كل معتقداتنا العامة موضع تساؤل وارتياب ،كما ينبغي تجاوز كل األحكام المسبقة ،ولعلها المسألة
يمكن أن نذكر على سبيل المثال -ال الحصر -الفلسفة األولى وهي عند أرسطو تدل على الجزء العلمي الذي يدعوه العلم اإللهي،وهي عند ديكارت قسم من
الفلسفة يتعلق بالعلل والمبادئ األولى ،أي الله،الخلق ،الجواهر،الحقائق األزلية...إلخ،كما نجد مصطلح فلسفة عامة ،وهو مصطلح يكثر أوغست كونت استعماله
للتدليل على مجمل قضايا الفلسفة التي يثيرها علم النفس،المنطق ،األخالق ،أو الجمال ،والتي ال تعود إلى مجال خاص بأي من هذه العلوم ،إضافة إلى هذا نجد
فلسفة الطبيعة وهي تشير إلى مجمل التنظيرات المثالية الرومانسية األلمانية ،كما نجد الفلسفة الشعبية وهي اسم يطلق على مجمل المنشورات الفلسفية التي
ت ّدعي في ألمانيا متابعة العمل التحرري الذي بدأه وولف ...إضافة إلى كل من فلسفة التاريخ ،فلسفة األخالق وغيرها (...ينظر :الالند ،أندريه ،موسوعة الالند
الفلسفية ،تعريب خليل أحمد خليل ،منشورات عويدات ،بيروت ،ط ،2001 ،2ص ).389-389
1رينيه ،ديكارت ،مقالة الطريقة ،ترجمة جميل صليبا ،موفم للنشر ،الجزائر ،1331،ص . 93
2صليبا ،جميل المرجع السابق ،ص .888
1
الحاسمة التي دفعت ديكارت إلى تأليف كتابه مقالة الطريقة ،وفيه حاول صياغة منهجه القائم على الشك المنهجي ،والذي ح ّدد
بأربع قواعد وهي :
أ -قاعدة البداهة والوضوح (اليقين) :ومفادها عدم قبول أي شيء على أنه صدق ما لم يتبيّن بما ال يدع مجاال للشك صدقه
ووضوحه ،أي ضرورة تجنب التسرع أو التحيز في األحكام ،فال يقبل منها إالّ ما كان حاضر أمام العقل بوضوح تام وتميّز شديد
،ولذلك تعني البداهة الرؤية الذهنية المباشرة لألشياء نح و قولنا المساويان لثالث متساويان ،ومن ثم نجد ديكارت يؤكد على أن"
العقل هو الذي يجعل األشياء بديهية لنا ،أما الرؤية الحسية فال يمكنها أن تتيح لنا هذا ،وكلما كانت الفكرة واضحة بذاتها ال
يمكن للعقل التشكيك فيها".3
ب -قاعدة التحليل :وتعني هذه القاعدة أن يعمد العقل إلى تفكيك وتجزيء المشكلة –موضوع الدراسة -إلى ما أمكن من
يتيسر فهمه واستيعابه .
تفاصيل وجزئيات ،تفضي إلى اتضاح معالمه وخصائصه ،حتى ّ
ج -قاعدة التركيب :ومفادها ضرورة توجيه العقل –أفكاره -توجيها منظما ابتداء بأبسط األشياء أو القضايا ،وهي ما كانت
معرفتنا بها أكثر وضوحا ،ثم التدرج بعد ذلك شيئا فشيئا نحو المعرفة األكثر تعقيدا وصعوبة.
د -قاعدة اإلحصاء :ومفادها قيام العقل بعملية استقراء تام يشمل مجمل ما تم الوصول إليه انطالقا من الخطوات السابقة
،ومن ثم فال ينبغي إغفال دراسة أي عنصر أو جزء من المسألة موضوع الدراسة ،حتى يتمكن في نهاية المطاف من إدراك
العالقات التي تربط بين مختلف العناصر و األجزاء بصورة بديهية واضحة ".4
-2المنهج الحدسي :الحدس أحد أبرز المناهج الفلسفية تعبير عن الروح الفلسفية – خاصة عند الفلسفة الروحيين
والمثاليين -وبالعودة إلى المنهج السابق .
يعرف الحدس بأنه المعرفة الحاصلة في الذهن دفعة واحدة من غير نظر أو استالل عقلي ،5وإنما يكون بلوغ المعرفة عيانا أو
مكاشفة –بلغة المتصوفه – وبصورة مباشرة دون مقدمات وال جهد ذهني يذكر.
وقد يطلق الحدس على تلك القدرة الذاتية –النفسية – على تأمل الذات لذاتها ،تأمال يفضي إلى اكتشاف ما يجري داخلها
دون أي وسائط ،ويمكن اإلشارة هنا إلى أن برجسون )1391-1883( Henri Bergsonهو أحد أبرز ممثلي المنهج الحدسي
،حيث تبنى الحدس منهجا له ،مؤكدا قدرة اإلنسان على إدراك الحقيقة الباطنية على نحو مباشر ،وذلك حينما يتحد الشعور
بالتفكير والصيرورة اتحادا تاما وكليا ،فضال عن أننا بواسطة الحدس يمكننا أن ندرك أحوالنا الباطنية إدراكا مباشرا ،كما يمكننا
معرفة أحوالنا الباطنية وكذا أسباب قلقنا وتوترنا أو فرحنا وسعادتنا .
6هنري ،برجسون ،الطاقة الروحية ،ترجمة سامي دروبي ،الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،القاهرة، 1331،ص 00-08
7صليبا ،جميل ،المعجم الفلسفي ،ج ،1دار الكتاب اللبناني ،بيروت (،1312،د ط) ،ص .289
8صليبا ،جميل ،المعجم الفلسفي ،ج1ا،لمرجع السابق،ص .289
9محمود ،زيدان ،مناهج البحث الفلسفي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة (،د ط) ، 7711،ص .17
9
كما يجدر بنا اإلشارة إلى جملة من المناهج األخرى – التي لم نتطرق لها سابقا – التي قد يكون لها عالقة وثيقة بالمناهج
سالفة الذكر كالمنهج الجدلي ،والتأويلي ،التفكيكي ،الجينيالوجي ،وغيرها من المناهج التي كان لها كبير األثر في ميدان الفكر
الفلسفي .
وأخيرا يجب ال تنويه إلى أنه على الرغم من هذا التعدد والتنوع في مناهج البحث الفلسفي ،غير أن هذا ال يمنع من وجود خطوات
منهجية مح ّدد ومحل اتفاق لدى جل الفالسفة القدماء والمعاصرين على ح ّد سواء ،ونعني بها أوال طرح اإلشكالية التي يتم
فيها ضبط التساؤل الجوهري موضوع البحث،وثانيا تحديد الموقف ،فبعد صياغة اإلشكالية ينبغي على الفيلسوف أن
يفصح عن موقفه منها بوضوح ودقة ،وثالثا تدعيم موقفه بالحجج والبراهين التي تؤكد صحة طرحه ،وله أن يستقي حججه
من مختلف المجاالت الفكرية ،فقد تكون عقلية أو تجريبية أو حتى تاريخية أو سياسية .
9