Professional Documents
Culture Documents
الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة
الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة
قســـــــــم الحقـــــــــــوق
الدكتور: الطالبة:
بنينـي أحمــــــــد نويري سامية
بيد أن تزايد صالحيات اإلدارة الحديثة ،خاصة بعد أن إرتاادت جااا ت ساةاعة جان صالسش اللالاار ا دار ،
قد أدى إلى تعارر تليايد دقاانش لالاارقا بدساساد جةابدة سجحاددة .فااإلدارة ليةات باةلاة الصاجال ،باو تتناسن جان أفاراد
جبصرين يسااقسن أسضاسا جتغيرة تدتضي جسااقة نو حالة سفدا ليرسفقا الخاصاة بغياة تحدياش الصاالع العااد س اى
أتد ساه ،سجن هلا سلدت الة رة التدديرية لإلدارة.
لد يعد هلاك ادو حسو ضرسرة تجتع اإلدارة بة رة تدديرية .إر ياجع نو جن الفده سالدضاال بانن هارا الةا رة
أس رلك الددر جن الحرية الر تتجتع باه جان أااو تحدياش الصاالع العااد ،يعاد بجثاباة الالارر الةاةاي لحيااة سبداال ناو
إدارة ،خاصة بعد تسةع ستداخو جاا ت ألالرة هرا الخيرة .إ ألقاد جتفداسن فاي لفاا السقات س اى أن هارا الةا رة
التدديرية بد أن تباالر في حدسد الدالسن.
يجنن أن جقجا قيو سن ضرسرة الة رة التدديرية لإلدارة سجقجا قيو في تبريرها ،فإن هرا الة رة
يةسدا جبدأ ةيادة الدالسن ،سإ تحسلت إلى ة رة تعةفية ستحنجية .سجن هلا ييقر تيقر في لياد
ا رتبار سثيدا بين فنرة الة رة التدديرية سجبدأ الجالرسسية.
إرا نان جبدأ الجالرسسية اإلدارية جةياا باج ة جن أالناو الرقابة اإلدارية سالةياةية سالبرلجالية ،فإن
ساسد رقابة قضانية س ى أسجاو اإلدارة بصفة ساجة سة رتقا التدديرية بصفة خاصة ،يعتبر الجيقر العج ي
سالفعاو لحجاية جبدأ الجالرسسية.
جن هرا الجلر ش ،يجنن الدسو أن الرقابة الدضانية س ى حرية تددير اإلدارة لسقانع سيرسش العجو
تجثو جر با ج حا سأةاةيا ،سرلك جن أاو حجاية حدسش الفراد سحرياتقد جن تعةش اإلدارة اإلدار
ساةتبدادها الجحتجو سلد جباالرتقا لت ك الة رة التدديرية.
أوال :أهمية الموضوع
ينتةي جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة أهجية ليرية سسج ية بالغة.
-1األهمية النظرية
سس د اإلدارة الحديث ،بةبب يعتبر الجسضسع جن أنثر الدراةات دقة في لراش الدالسن اإلدار
سججارةة س ةيجا جسضسع الدرار اإلدار ارتباره بالعديد جن الجةانو القاجة في جااو الدالسن اإلدار
صالحيات اإلدارة ستادد ستعدد ستالابك اللالار اإلدار .
تيقر الهجية الليرية لقرا الدراةة ،أيضا ،في أن تنريا الدضال اإلدار الازانر لرقابته س ى
الة رة التدديرية لإلدارة ةسش يدسد إلى إجعان اللير في بعض الجفاهيد الليرية الةاندة في الدالسن اإلدار
ستعزيز أحد خصانصه العاجة ،باستبارا قالسلا جرلا بصفة ساجة .ججا يةقد في ترسير الدالسن اإلدار
يتفاسو جع اليرسش سالجتغيرات سيةتايب ل ترسرات الحاص ة في الحياة اإلدارية ،بسصفه قالسلا رس رابع
قضاني ،يدسد الدضال اإلدار بدسر خالش في إرةال قساسدا سأحناجه.
-2األهمية العملية
تةتايب هرا الدراةة س ى الجةتسى العج ي لالغا ت الجتداضين .فبدسن الك أن رقابة الدضال س ى
ت ك الحرية التي تتجتع بقا اإلدارة لتختار سقت سسةي ة تدخ قا يجثو ضجالة أةاةية لحريات الفراد
سجرانزهد الدالسلية؛ إر ن جا راقب الدضال اإلدارة في اةتخداد ة رتقا ن جا أجن الفراد تعةفقا لن تعلتقا
غير جنجسن الاالب ،سن جا ترنقا تتصرش بحرية فإن الباب يفةع أجاجقا لاللحراش سا ةتبداد.
ثانيا :أسباب اختيار الموضوع
لدد تد اختيار هرا الجسضسع ،لةباب جسضسسية سأخرى راتية.
-1األسباب الموضوعية
ستتجثو فيجا ينتي:
أصبع جلتددا لجا يحتسيه جن إضرار -الجسقش الة بي ل دضال تااا الة رة التدديرية لإلدارة ،الر
بجصالع الجتداضين سإلداص ل ضجالات التي تنفو لقد حجاية حدسققد سحرياتقد ،لجا فيه جن تالايع
س ى تعةش اإلدارة.
-تزايد الحراش اإلدارة في جااو لزع الج نية ل جلفعة العاجة خاصة سةسل اةتعجالقا لقرا اةلية
ا ةتثلانية .سبالتالي الجةاا بحدسش الفراد سحرياتقد ،خاصة سأن ة رات اإلدارة في ترسر ساتةاع
جةتجرين ،سرلك جا بعث اةتيال نبيرا لدى الجقتجين بالدراةات الدالسلية.
-2األسباب الذاتية :ستتجثو فيجا ينتي:
-الرغبة في تزسيد الجنتبة الازانرية بدراةة قالسلية حسو جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة
التدديرية لإلدارة.
-الرغبة في تفعيو دسر الداضي اإلدار الازانر ،رلك أن هرا الخير ياتقد سيبتنر الح سو اللااعة
بجا يتاللد سيصسن الحدسش سالحريات في إرار الجالرسسية ،غير أن ة راته في الرقابة س ى الة رة
التدديرية لإلدارة جحدسدة جدارلة بلييريه الفرلةي سالجصر .
ثالثا :طرح اإلشكالية
أاجعت جخت ش الدراةات الدالسلية س ى أن الرقابة الدضانية س ى أسجاو اإلدارة ليةت جر دة
أسااجدة ،سإلجا تعرش بعض الديسد سالحدسد .فالرقابة الجر دة جن النلقا الو حرنة اإلدارة ججا يؤد إلى
سازها سن ا ضرالع بالجقاد الجلسرة بقا.
تلحصر هرا الديسد في ليرية اليرسش ا ةتثلانية سليرية أسجاو الةيادة سالحنسجة ،سنرلك في
الة رة التدديرية التي تتجتع بقا اإلدارة في جساضع سحا ت جعيلة .سلعو إدراج الة رة التدديرية ضجن
ا ةتثلالات الجسازلة لجبدأ الجالرسسية ،قد يسحي بحصالتقا جن نو أالناو الرقابة الدضانية ،لنن ة رة
تدديرية ،هرا جن اقة .سجن اقة أخرى ،فإن بةر الدضال لرقابته س ى هرا اإلدارة حيلنر ةتنسن تحنجية
الة رة قد يسصش بنله يالنو استدال س ى جبدأ الفصو بين الة رات ،لجا فيه جن إحالو لتددير الداضي
اإلدار جحو تددير راو اإلدارة .سجن هلا نالت اإلالنالية التي تعالاقا هرا الدراةة:
إلى أي مدى يمكن الجزم بوجود رقابة قضائية على السلطة التقديرية لإلدارة بالجزائر؟
وهل أن هذه الرقابة كفيلة بحماية مبدأ المشروعية دون أن تشكل اعتداء على مبدأ الفصل
بين السلطات؟
رابعا :أهداف الدراسة
ترجي هرا الدراةة إلى سدة أهداش ،يجنن تدةيجقا إلى أهداش ليرية سأخرى سج ية.
-1األهداف النظرية
أجاد ق ة الدراةات الجتخصصة في هرا الجااو ،نان هدفلا جن سرال اختيار هرا الدراةة ليريا
بالدراة السلى ،حتى لةاهد في إثرال الجنتبة الدالسلية ببحث اديد في الجادة اإلدارية للير جن خالله درب
رريش نو جن الداضي سالجتداضي إلى فقد جضجسن الة رة التدديرية لإلدارة سحدسدها ،ل سصسو إلى
تسصيات تسضع بعض اللدانص لتنسن جفتاحا لدراةات أخرى في الجسضسع أس في سلصر جله.
-2األهداف العملية
إن أ دراةة لن تنسن رات أهجية جا لد ياد االبقا اللير رريده إلى الاالب العج ي ،لرلك للالد جن
خالو هرا الدراةة السصسو إلى اج ة جن الهداش العج ية سالجتجث ة في السقسش س ى جضجسن سجرتنزات
ا تااهات الحديثة في قضال جا ا الدسلة الفرلةي ل حد جن ة رة اإلدارة التدديرية .إضافة إلى نيفية
إسجاو ت ك اإلتااهات .ني لضعقا أجاد جا ا دسلتلا الفتي فيتسقش سن تدييد لفةه سإسادة إلتاج جساقش
سااتقادات تخ ى سلقا أصحابقا بعد أن ثبت سدد لااستقا ،خاصة سأن هرا ا تااهات أصبحت جر با ج حا
لجسااقة جا يثسر جن لزاسات إدارية في الساقع الازانر ،سالتي برزت س ى إثر جا أصاب هرا الجاتجع
جن ترسرات س ى جخت ش الصعدة.
خامسا :الدراسات السابقة
رغد أهجية هرا الجسضسع ،إ أله لد ي ش ا هتجاد الفدقي الر يةتحده ،إر لدرت الدراةات الدالسلية
الجتخصصة لقرا الجسضسع .سجا ساد جن دراةات فال يتعدى أن ينسن جارد جرااع ساجة في الدالسن
اإلدار تلاسلت هرا الجسضسع بصسرة جسازة خاصة في الازانر.
فإرا نان جسضسع الرقابة الدضانية س ى جالرسسية السجاو اإلدارية قد تلاسلته أقالد نثيرة بالالرح
سالجعالاة؛ فإن جةنلة الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة أس جا يصر ع س ى تةجيته برقابة
الجاللجة ،لد ي ش جثو هرا ا هتجاد ،باةتثلال بعض الدراةات الناديجية الجلالسرة ،سالتي تعد س ى أصابع
اليد الساحدة.
لدد تجنلا -جع رلك -جن الحصسو س ى جرنرة جااةتير جقداة لااجعة قالجة ،جسةسجة ب" :الة رة
التدديرية لإلدارة" لألةتار لرير أسهاب ،الر تلاسو فنرة الة رة التدديرية بالتح يو سالجدارلة بين تربيدقا في
الدضال الةعسد سالجصر سالفده اإلةالجي.
سادسا :المناهج المعتمدة
بجا أن جسضسع الدراةة هس الر يحدد ربيعة الجلقج الجتبع؛ فإن ربيعة هرا الجسضسع تدتضي إتباع
الجلاهج اةتية:
-1المنهج الوصفي :ليرا لن الجسضسع له االب فدقي خاصة فيجا يتع ش بالفصو السو جله ،ججا
يفرض ةرد بعض الجع سجات سالجعريات.
-2المنهج التحليلي :باستبارا الجلقج الجلاةب لجعالاة جخت ش العلاصر الةاةية ل بحث ،الجعتجدة
س ى تح يو اللصسص الدالسلية سالتلييجية الجتع دة بالجسضسع سجحاسلة إةدارقا س ى الساقع العج ي،
قصد اةتلبار الح سو النفي ة بضجان ججارةة رقابة فعالة س ى الة رة التدديرية لإلدارة تاةيدا لجبدأ
الالرسية الدةتسرية .جع اإلالارة إلى الدرارات الدضانية الجدسجة لقرا الدراةة ل سصسو إلى اللتانج
الجراسة جن البحث.
سقد تتخ و هرا الدراةة اةتعالة بنة سب الجدارلة في بعض اسالب الجسضسع ،بغرض ا ةتنلاا
في هرا الجادة، سالفرلةي ،بةبب لدرة ا اتقاد الدضاني الازانر با اتقاد الدضاني سالفدقي الجصر
سهرا في بعض اسالب الجسضسع فدر سجتى اقتضى الجر رلك.
سابعا :الصعوبات المعترضة
استرضت دراةة هرا الجسضسع جالدة نبيرة ،تجث ت في لدرة الجرااع الفدقية الجتخصصة في
الجسضسع في الفده الجدارن ،سالعداجقا باللةبة ل فده الازانر .زيادة س ى لدرة الدرارات الدضانية
الازانرية الجتع دة بالجسضسع.
جدارلة سااقت هرا الدراةة صعسبة أخرى ،تجث ت في ربيعة سجو قضال جا ا الدسلة الازانر
بالدضال الجدارن .إر غالبا جا ينتفي الداضي الفاصو في الجادة اإلدارية الازانر بإلغال الدرار اإلدار دسن
رنر ساه سدد الجالرسسية فيه .ججا اضررلا إلى البحث سالدراةة العجيدة في حيثيات الدرار الدضاني
ل سصسو إلى العيب الر يالسب الدرار اإلدار .
لجعالاة جسضسع الجرنرة ،تد تدةيد جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة إلى
فص ين ،السو سارد تحت سلسان :ماهية السلطة التقديرية والرقابة القضائية .أجا الفصو الثالي جن هرا
الجرنرة ،فدد خصصلاا لدراةة :النظام القانوني للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
جع اإلالارة إلى أن نو فصو تد تريي ه بخالصة ،سالتقت الجرنرة بخاتجة تضجلت اللتانج الجتسصو
إليقا جن خالو البحث جع ربرقا بتسصيات قاب ة ل تربيش العج ي.
الفصل األول
ماهية السلطة التقديرية والرقابة القضائية
من المسلم به أن المشرع حين يقوم بتحديد إحدى اختصاصات اإلدارة العامة ،فإنه يكون مخي ار بين
طريقين :فهو إما أن يقوم بفرض ذلك االختصاص بصفة آمرة وبطريقة محددة وملزمة ،راسما لإلدارة الطريق
الذي تسلكه في ممارسته ومحددا لها الشروط التي تتقيد بها واإلجراءات التي تتبعها بشأن ذلك االختصاص،
دون أن يترك لها أية حرية في اختيار الطريق أو في تحديد الشروط .بحيث ال يكون على اإلدارة سوى أن
تبادر بإصدار القرار الالزم ،واتخاذ اإلجراءات المقررة لتنفيذه دون أي خيار ،وهو ما يسمى باالختصاص
المقيد لإلدارة.
واما أن يقوم المشرع بتحديد ذلك االختصاص بشكل تقديري بحت ،بمعنى أن يترك لإلدارة العامة
سلطة تقدير وقت ممارسة ذلك االختصاص ،والطريقة التي تمارسها به ،والشروط واإلجراءات التي تتبعها
بشأنه .وذلك حسب تقديرها لظروف كل حالة على حده ،دون أن يفرض عليها ذلك بصفة آمرة ،وذلك ما
يسمى بالسلطة التقديرية لإلدارة.
إذا كان كل من الفقه والقضاء قد استقر على أن السلطة التقديرية أمر الزم لإلدارة العامة في عصرنا
الحالي ،كضرورة ال غنى عنها لكي تتمكن من أداء مسؤولياتها الخطيرة وممارسة وظائفها المتشعبة .فقد
استقر أيضا على أن تجاوز اإلدارة حدود سلطتها التقديرية أمر خطير ،يؤدي إلى عواقب وخيمة تضر
بالمصلحة العامة وبحسن سير المرافق العامة وبحقوق األفراد وحرياتهم.
لذلك كانت الرقابة القضائية – أيا كان مداها -أفضل أسلوب لتحقيق التوازن األمثل بين تمكين اإلدارة
من إدارة مرافقها بما يحقق الصالح العام ،وبين حماية حقوق األفراد وحرياتهم.
إنطالقا من ذلك ،فقد ارتأينا أن نتطرق خالل هذا الفصل إلى تحديد ماهية السلطة التقديرية لإلدارة
بكل جوانبها وتفاصيلها من خالل المبحث األول ،أما المبحث الثاني فقد خصصناه لتحديد كل ما يتعلق
بماهية الرقابة القضائية على هذه السلطة التقديرية.
المبحث األول
ماهية السلطة التقديرية لإلدارة
يعتبر موضوع السلطة التقديرية لإلدارة من أهم مواضيع القانون اإلداري على اإلطالق .بل ال يعد
القانون اإلداري –كما ذهب األستاذ فالين– أن يكون عن عبارة عن دراسة للسلطة التقديرية لإلدارة وقيود
ممارسة هذه السلطة .كما تعتبر من أكثر مواضيع القانون اإلداري إثارة للنقاش والجدل بين الفقهاء والقضاة.
فهو موضوع شائك ودقيق ويصعب صياغة نظرية شاملة محكمة تضع له قواعد واضحة ومحددة.
لكننا حاولنا التنظير لهذه السلطة ،وحتى نوضح معالمها فقد ارتأينا تقسيم الدراسة إلى ثالث مطالب:
المطلب األول :مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة.
المطلب الثاني :أساس السلطة التقديرية لإلدارة ومبرراتها.
المطلب الثالث :حدود السلطة التقديرية لإلدارة.
المطلب األول
مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة
تقوم كل جهة إدارية بمباشرة نشاطها وفقا للقانون ،ويكون لها في حدوده سلطة تقديرية .فهي ال تتمتع
بهذه الحرية إال ألن القانون خولها سلطة تقدير مناسبة التصرف .فإذا تجاوزت هذا الحد تكون قد خرجت عن
نطاق القانون ،وبالتالي عن نطاق المشروعية.
إن السلطة التقديرية الزمة لحسن سير اإلدارة؛ وان كان علينا أن نكف تحكم اإلدارة وتسلطها ،فالبد أن
نجنبها أيضا اآللية اإلدارية التي تنبع من تزمت رجل اإلدارة بتطبيق قواعد موضوعية دون أن نترك له
الحرية في التصرف.
حتى تتضح هذه الحرية في التصرف ،سنتناول خالل هذا المطلب تعريف السلطة التقديرية لإلدارة ثم
نبين عالقتها ببعض األفكار المتصلة بها ،حتى نكون على بينة من مضمون هذه السلطة وحدودها.
الفرع األول
تعريف السلطة التقديرية لإلدارة
لقد أصبحت فكرة السلطة التقديرية لإلدارة من أهم األفكار األساسية التي يقوم عليها القانون اإلداري
في مختلف الدول – حتى في دول القضاء الموحد – فقد أدركت النظم المختلفة أن تقييد حرية اإلدارة
بالتشريعات المتعددة يؤدي إلى عواقب وخيمة ويشل حركة اإلدارة و يكبت نشاطها ويقتل روح االبتكار فيها.
تبعا لذلك سنحاول خالل هذا الفرع تعريف السلطة التقديرية لإلدارة لغة واصطالحا ،ثم تعريفها من
وجهة نظر الفقه اإلسالمي والقانوني ،وأخي ار التعريف القضائي لهذه السلطة.
-1أنظر يف ذلك - :ابن منظور ،قاموس لسان العرب ،مطبعة بريوت ،1191 ،ص .023،021والرائد /جربان مسعود (قاموس لغوي معاصر ) ،دار
العلم للماليني ،الطبعة الرابعة ،بريوت ،1181،ص 082و .080
-أبو إبراهيم الفرايب ،ديوان األدب معجم لغوي تراثي ،ترتيب وحتقيق عادل عبد اخليار الشاطي ، 2330 ،ص . 223
-املنجد اإلعدادي ،الطبعة الرابعة ،بريوت ،لبنان ،دار املشرق ،دون تاريخ ،ص .038
-املنجد األجبدي ،صادر عن دار املشرق العريب ،الطبعة الثامنة ،اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،1189 ،ص .231
-2ذهب بعض الباحثني إىل أن الشرع يستخدم مصطلح الوالية بديال عن مصطلح (السلطة) ألنه يتفق مع مقاصد اإلسالم الذي حث على اللطف
باخللق والرمحة هبم .ال االستبداد والسلطة الذي حاربه اإلسالم .بل رأى أن مصطلح الوالية أقوى يف الداللة على املراد منه من مصطلح السلطة .ملزيد من
التفاصيل ،انظر :حممود حممد ناصر بركات ،السلطة التقديرية للقاضي يف القفة اإلسالمي ،دار النفائس ،األردن ،2332 ،ص . 96
-إمكانية القيادة ،في بعض األحوال استخدام امتيازات اإلدارة ،انظر األولوية ) ،(primautéالتبعية
القانونية ). (Subordination juridique
-تفوق واقعي ،سيطرة ،هيمنة:
-التفوق االقتصادي ،puissance économiqueبالنسبة إلى مؤسسة ما ،قوة ،سيطرة اقتصادية ،سلطة
فرض قانونها على السوق ( على مورديها أو زبائنها أو منافسيها ).
-سلطة الزوج ). ( puissance maritale
-سلطة األب ) ( puissance paternelleمجموعة حقوق تعود لألب على شخص أوالده القصر
وأموالهم.
-السلطة العامة). (puissance publique
-مجموعة سلطات الدولة واألشخاص العموميين اآلخرين ،مثال ممارسة السلطة العامة ،انظر السيادة
"."souveraineté
-الدول واألشخاص العموميين اآلخرين(.)1
-2معنى التقدير
التقدير لغة :من قدر يقدر ،وبابه نصر ضرب ،والقدر والقدرة والمقدار :القوة ،الغنى واليسار ،وهو من
ذلك ألن كله قوة ،وقدر كل شيء ومقداره :مقياسه ،و قدر الشيء بالشيء وقدره :قاسه.
والتقدير على وجوه من المعاني :
-أولها :التروي والتفكير في تسوية أمر وتهيئته.
-الثاني :تقديره بعالمات يقطعه عليها.
-الثالث :أن تنوي أم ار بعقدك ،تقول :قدرت أمر كذا وكذا وكذا ،أي نويته وعقدت عليه ،ويقال قدرت األمر
كذا أقدر له ،وأقدر قد ار :إذا نظرت فيه ودبرته وقايسته ،وقدرت أي هيأت وأطلقت وملكت .وقدر عليه الشيء
أي ضيقه(.)2
-1حممد فؤاد عبد الباسط ،القرار اإلداري :التعريف واملقومات ،النفاذ واالنقضاء،دار الفكر اجلامعي ،القاهرة ،دون تاريخ ،ص .219
-2رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .09
-3املرجع نفسه ،ص .08
4
- « C’est le pouvoir discrétionnaire, c’est-à-dire la marge de liberté que les sources de
la légalité peuvent laisser à l’administrateur dans son activité ».voir : Delaubadère, Yves
gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 4eme édition Libraire général de droit de
-5خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .283
-6يطلق القضاء اإلداري اللبناين على السلطة التقديرية تسمية "السلطة االستنسابية".
لها الحق في أن تتدخل بإصدار القرار أو ال تتدخل وال تصدر أي قرار ،كما يكون لها إذا رأت أن تتدخل،
أن تختار بحرية نوعية القرار الذي تراه مالئما لهذه الظروف الواقعية "(.)1
في نفس المجال ،عرفها مجلس شورى الدولة اللبنانية ":هي التي تتيح لإلدارة اتخاذ التدبير بحرية
مطلقة من كل قيد قانوني ،وتنشأ إما عن نص صريح في القانون واألنظمة يوليها هذه السلطة ،واما عن
انتفاء القواعد واألحكام القانونية التي تحد من سلطتها التقديرية في ممارسة عملها اإلداري"(.)2
في هذا السياق ،يقول األستاذ "عمار بوضياف"( ...":)3ابتداء نقول أن مناط التمييز بين اإلرادة الحرة
لإلدارة (السلطة التقديرية) واإلرادة المقيدة ( السلطة المقيدة ) تحددها النصوص القانونية أو التنظيمية،
()4
فقواعد القانون أو التنظيم هي التي تبرز لنا متى نكون أمام إرادة حرة أو إرادة مقيدة"...
بناء على ما تقدم من هذه التعريفات االيجابية للسلطة التقديرية لإلدارة ،نجدها تتفق جميعا على الربط
بين السلطة التقديرية وبين مبدأ المشروعية الذي يحكم النشاط اإلداري في مجموعه .حيث أن هذه السلطة ال
توجد أو ال تتمتع بها اإلدارة إال في حالة عدم وجود نص تشريعي يحكم المسألة( .)5فحيثما تخلو قواعد
القانون مما يلزم اإلدارة بالتصرف على نحو معين ،يكون لإلدارة حرية التقدير .وتدور معظم تعريفات السلطة
التقديرية في هذا اإلطار مع االختالف بينها في معنى قواعد القانون؛ حيث يأحذ البعض بالمعنى الضيق،
()6
بينما يأخذ آخرون بالمعنى الواسع.
غير أن" فينيزيا " يعلق على هذا اإلتجاه ،بأن" :عدم التحديد هو مجرد ظاهرة ثانوية ،ويتساءل :هل
التنظيم القانوني والسلطة التقديرية فكرتان تستبعد إحداهما األخرى؟" ،و يجيب على هذا السؤال بأنه" :غير
مقبول القول أن هناك عدم تحديد في التنظيم القانوني ،ذلك أن عدم التحديد ليس سببا للسلطة التقديرية،
بل هو نتيجة لها وعالمة على وجودها"(.)7
-1حممد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات احلليب احلقوقية ،لبنان ،ص . 682كما عرفها حممد عبد اجلواد حسني":حرية
اإلدارة يف تقدير أمهية احلالة الواقعية أو القانونية مما تراه حمتمال أن حيدث عنها من خطر .وحرية اإلدارة يف اختيار وقت تدخلها وحرية اإلدارة يف اختيار
الوسيلة اليت تواجه هبا حالة واقعية أو قانونية " .انظر يف ذلك :حممد عبد اجلواد حسني ،بني سلطة اإلدارة التقديرية واختصاصها املقيد ،جملة جملس الدولة،
السنة الرابعة ، 1160 ،ص .211
-2نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص .12
-3عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدينة واإلدارية ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر والتوزيع ،2331 ،ص .09
-4إن غالبية الفقه العريب يساند هذا االجتاه يف تعريف السلطة التقديرية .انظر يف ذلك :سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري :قضاء اإللغاء ،دار
الفكر العريب ،1129 ،ص .123وحممد عبد اجلواد حسني ،املقال السابق.212 ،
-5انظر يف ذلك :قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،شعبة القانون اإلداري واملؤسسات الدستورية ،عنابة،
، 2339ص .111حيث يقول بصدد تعريفه للسلطة التقديرية بأهنا":يف حقيقة األمر وسيلة لتطبيق القانون وااللتزام مببدأ املشروعية".
-6خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .283
-7حممد مصطفى حسني ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ، 1129 ،ص.63
كما ينتقد الدكتور سليمان الطماوي()1هذه اآلراء على أساس أن "المسلم به ،أنه إذا لم يحدد المشرع
أفكار معينة في تشريع يصدره ،فليس معنى ذلك استقالل اإلدارة بتضمين تلك الفكرة ما تشاء من
أحكام"( .)2فإذا ضمن المشرع قانونا معنيا فكرة غير محددة ،فإن اإلدارة تحددها وتطبقها تحت رقابة القضاء.
فمفهوم دولة القانون يفرض إخضاع مجموعة ق اررات اإلدارة من حيث األصل إلى رقابة القضاء إال إذا قدر
()3
هذا األخير أن بعض األعمال تخرج عن والية رقابته.
-1لقد رجح األستاذ نذير أوهاب يف مذكرته حول السلطة التقديرية لإلدارة التعريف الذي أعطاه الدكتور" سليمان حممد الطماوي" للسلطة التقديرية يف
كتابه "التعسف يف استعمال السلطة" .معتربا إياه تعريفا جامعا ومانعا لتحديده وضبطه ملاهية هذه السلطة بدقة .والذي متثل يف":هي نوع من احلرية تتمتع
هبا اإلدارة لتقدير خطورة بعض احلاالت الواقعية اليت حتدث ،والختيار وقت تدخلها ،و لتقدير أصلح الوسائل ملواجهة هذه احلالة ".أنظر مؤلفه :سليمان
حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عني مشس ،القاهرة ،1128 ،ص.62
-2سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية-دراسة مقارنة ،-الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص .62وكذلك :محد
عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األوىل ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330،ص .18
-3عمار بوضياف ،املرجع السابق ،ص .09
-4صالح يوسف عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار الفكر اجلمعي ،القاهرة ،2338،ص .82
-5طعمية اجلرف ،مبدأ املشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ،القاهرة ،1190 ،ص.101
-6حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ، 1129 ،ص.122
-7املرجع نفسه ،ص .122
أما عن الفقه الجزائري فقد عرفها الدكتور " حسين فريجة " على أنها ":تلك الحرية التي تتمتع بها
اإلدارة في مواجهة األفراد والقضاء لتختار في حدود الصالح العام وقت تدخلها ووسيلة التدخل")1(.فهذا
التعريف يصب في االتجاه القائل باستبعاد الرقابة القضائية على ذلك القدر من الحرية الذي تتمتع به اإلدارة؛
أي السلطة التقديرية.
بالنسبة لهذا االتجاه الذي يقرر مفهوما سلبيا للسلطة التقديرية ،بحيث يرى أن هذه السلطة ال توجد إال
عند تخلف الرقابة القضائية .فإنه اتجاه يؤدي في الواقع إلى االعتقاد بأن كال من فكرتي الرقابة القضائية
والسلطة التقديرية تستبعد الواحدة منهما األخرى .ومعنى ذلك أن هذا االتجاه يقر بأن تعريف كل من هاتين
الفكرتين يتحدد على أساس وجود أو عدم وجود الفكرة األخرى .وهذا يتنافى في الواقع مع التعريف العلمي
السليم ،الذي يجب أن يجد مضمون الفكرة في ذاتها ال بأمر خارج عنها .إذ ال يمكن القول أن السلطة
التقديرية هي ما ال يخضع للرقابة القضائية ،وأن الرقابة القضائية هي ما ال عالقة له بالسلطة التقديرية.
خاصة وأن تصفح أحكام القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري في هذا الخصوص تبين أن القضاء
اإلداري يضع في كثير من األحيان حدودا للرقابة التي يباشرها على اختصاصات اإلدارة ،كما يبين كذلك
القدر الواجب تركه من هذه االختصاصات لحرية تقدير اإلدارة(.)2
األمر الذي يعني عدم انضباط هذه التعريفات ،ومن ثم عدم إحاطتها بكافة المسائل التي تندرج في
إطار السلطة التقديرية لإلدارة .كما أن "عدم خضوع اإلدارة لرقابة القضاء بمناسبة ممارسة اختصاص ما،
إنما هو نتيجة لكون هذا االختصاص تقديريا وليس العكس ،وعلى هذا األساس يجب أن يحدد مقدما نوع
االختصاص لمعرفة ما إذا كان مقيدا ،فتخضع اإلدارة في ممارسته للقضاء ،أو تقديريا فتمارسه اإلدارة
()3
دون معقب عليها من القضاء".
لذلك نرى أنه لكي نضع معيا ار دقيقا للسلطة التقديرية( ،)4يجب أن نأخذ في االعتبار مضمون كل من
من االتجاهين السابقين ،وهو ما يعبر عنه بمعيار " التنظيم القانوني" ،ذلك المعيار الذي يجسد في ذات
الوقت كال من القواعد التشريعية والقواعد القضائية كمصدرين متكاملين للسلطة التقديرية .بحيث ال نكون أمام
()5
سلطة تقديرية إال إذا لم تقيد القواعد التشريعية والقواعد القضائية مجتمعة اإلدارة في التصرف.
-1حسني فرجية ،السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،بسكرة ،2336 ،ص.82
-2علي خطار الشنطاوي ،موسوعة القضاء اإلداري ،اجلزء األول ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة ،2339 ،ص .98
-3محد عمر محد ،املرجع السابق.18 ،
-4ويف سياق آخر عرفت رئيسة جملس الدولة السابقة " فريدة أبركان" السلطة التقديرية على أهنا " :السلطة التقديرية هي أن تكون اإلدارة حرة متاما يف
التصرف يف هذا االجتاه أو ذلك ،وبدون أن تكون خاضعة ألي شرط ،فهي قادرة على تقدير الشروط اليت تتخذ على ضوئها قرارها ،واملثال على ذلك
سلطة رئيس اجلمهورية يف منح العفو أو الوسام" .انظر يف ذلك -:فريدة أبركان ،رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة ،جملة جملس الدولة،
العدد ، 2332 ، 31ص .02
-5رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .19
ال يكفي إذن لالعتراف بالسلطة التقديرية لإلدارة أن تكون النصوص التشريعية غير محددة أو مشحونة
بالثغرات أو النقائص ،بل البد كذلك من النظر فيما إذا كان القضاء قد وضع من القواعد ما حد بها من
إطالق النصوص التشريعية وسد بها ما وجد من ثغرات)1(.لكن ذلك ال يعني أن اإلدارة خارج تلك القيود
التشريعية والقضائية طليقة من كل قيد بحجة أنها تتمتع بسلطة تقديرية .إذ البد من توفر حد أدنى من
()2
واال كنا أمام سلطة استبدادية مطلقة .فعندما تتمتع اإلدارة بسلطة تقديرية في القواعد التي يتعين احترامها
تطبيق القانون فإنها ال تباشر في ذلك سلطة مطلقة ولكنها تخضع لمبدأ المشروعية وتخضع كذلك لرقابة
القضاء ،وهو األمين على احترام وصيانة هذا المبدأ(.)3
نستطيع تعريف السلطة التقديرية بأنها ":الحرية التي تتمتع بها اإلدارة في مواجهة القاضي والمشرع
على السواء"( .)4ويساندنا في ذلك األستاذ نذير أوهاب ،حيث يقول":ومن ثم كان القول بأن وجود السلطة
التقديرية لإلدارة ناتج من عالقتها بالقواعد القانونية ،اعتمادا على ضرورة إفساح القانون والقضاء مجاال
()5
تتمتع فيه اإلدارة بحرية التصرف -هو المسمى بالسلطة التقديرية"-
ثالثا :تعريف السلطة التقديرية قضاء
يلعب القضاء إلى جانب التشريع والفقه دو ار هاما في إعطاء تعريفات لمختلف التصورات القانونية.
وهو الدور الذي لعبه كل من القضاء الجزائري والمقارن ،فقد قدمت محكمة القضاء اإلداري المصري ما
يمكن اعتباره تعريفا للسلطة التقديرية ،وذلك في قرار لها بتاريخ .)6(1162/2/23و مما جاء فيه ..." :ليس
"...ليس للمحكمة أية رقابة على المناسبات التي تحمل اإلدارة على تقدير المالءمة أو عدم المالءمة في
إصدار قرارها ،أو على االعتبارات التي تراعيها في ذلك إال إذا قام الدليل المقنع على أن هذه المناسبات
واالعتبارات تنطوي في ذاتها على إساءة استعمال السلطة...ذلك أن اإلدارة في تقدير ظروف األمر اإلداري
ومالءمة إصداره ،تحتاج بطبيعة وظيفتها إلى قسط كبير من حرية تقدير مناسبات العمل ومالبساته ووزن
مختلف السبل التي تصح أن تسلكها لتتخير منها أفضلها فيما تجريه من تصرفات .)7("...
-1سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،املرجع السابق ،ص 62و .68
-2فريدة أبركان ،املقال السابق ،ص .02
-3سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112 ،ص 01و ما بعدها.
-4وهو ذات التعريف الذي خلص إليه األستاذ "سليمان حممد الطماوي" .أنظر مؤلفه :نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،املرجع السابق ،ص .99
-5نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص.69
-6الدعوى رقم ، 00السنة الرابعة قضائية ،جبلسة. 1162/2/23 :
-7ختلص وقائع تلك القضية يف أن السيدة "عائشة راتب" كانت قد حصلت على إجازة القوانني املصرية عام 1111بتقدير جيد جدا .وهي من
الدرجات اليت تؤهلها لشغل إحدى الوظائف القضائية .وقد تقدمت للتعيني يف إحدى الوظائف نظرا لرتتيبها املتقدم بني أقراهنا املتقدمني للتعيني يف تلك
السنة .إال أن قرار التعيني صدر خاليا من امسها ،مما ينطوي على إساءة استعمال السلطة .لذلك طعنت يف تعيني الطالب الذي حل حملها يف هذا القرار وقد
تناولت املدعية يف عريضة الدعوى اليت تقدمت هبا حقوق املرأة وما وصلت إليه منها يف البالد األجنبية .وأهنا بلغت آخر مراحل العلم ،وانتهت من هذا
العرض إىل أن عدم تعيينها ينطوي على إساءة استعمال السلطة ،مما سيتوجب اإللغاء والتعويض .انظر يف ذلك -:خالد حممد العرتيس ،دور جملس الدولة
املصري يف التصدي للمسائل املتعلقة بالوظيفة العامة ،جملة جملس الدولة ،عدد خاص مبنازعات الوظيفة العامة ،2332 ،ص .29
لقد اعتبرت المحكمة بأن السلطة التقديرية لإلدارة هي ذلك القسط الكبير من حرية تقدير مناسبات
العمل ومالبساته .التي البد منها لإلدارة كي تستطيع القيام بوظيفتها من حيث مالءمة إصدار قرارها أو عدم
إصداره ،وال يمكن أن تستقيم إذا أخضعت للرقابة من ناحية تقدير األفضلية( .)1واال أدى ذلك إلى عرقلة
()2
الدوالب اإلداري.
أما بالنسبة للقضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري ،فإننا نجده قد كرس فكرة السلطة التقديرية
لإلدارة لكنه لم يقدم تعريفا محددا لها ،مكتفيا بتقديم بعض األمثلة والنماذج عنها .من ذلك قرار الغرفة
اإلدارية بالمحكمة العليا رقم 29202المؤرخ في 1111/0/29في قضية والي والية بشار ضد (ي ب)(،)3
حيث اعترف للوالي بتجريد موظف من منصب نوعي ،ولم يجز لهذا األخير الطعن في هذا القرار بعنوان
االعتراف لإلدارة بالسلطة التقديرية .ومما جاء فيه " :متى كان من المقرر قانونا أن تعيين مدير مؤسسة
وال ئية يتم بموجب مقرر من الوالي ،فإن مقرر العزل لمدير عام مؤسسة عمومية محلية يخضع للسلطة
()4
التقديرية للوالي باعتباره منصبا نوعيا ،ومتى كان كذلك ،سيتوجب رفض الطعن ".
في قرار آخر صادر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى()5تحت رقم 01292 :بتاريخ،1186/9/1 :
،1186/9/1ذهب المجلس إلى أن ":مسؤولية اإلدارة المرفقية ،قد تدفع بها حرصا منها على مصلحة
المرفق عند االقتضاء ،اتخاذ إجراءات ضد موظفيها ،مخولة لها بعنوان سلطتها التقديرية " .وتبعا لذلك
قضت الغرفة بحق السلطة المختصة – عندما تقتضي مصلحة المرفق ذلك – إبعاد الموظف مؤقتا عن عمله
إلى غاية البت في أمره(. )6
-1ل قد ذهب األستاذ خالد حممد العرتيس يف تعليقه على هذا احلكم إىل أن لإلدارة أن تقدر -يف غري تعسف -ما إذا كان الوقت مل حين بسبب بعض
االعتبارات االجتماعية لتتوىل املرأة بعض املناصب والوظائف العامة .وترتخص اإلدارة يف ذلك مبقتضى سلطتها التقديرية يف وزن املناسبات واملالبسات اليت
حتيط هبذه األعمال ،مستهدية يف ذلك بظروف البيئة ،ومبا تفرضه التقاليد من أوضاع وحدود .أنظر :مقاله السابق ،ص 26وما بعدها.
-2يف نفس السياق ،اعترب القضاء اإلداري املصري بأن تقدير اقتصار شغل بعض الوظائف على الرجال دون النساء داخال ضمن السلطة التقديرية لإلدارة
وال معقب عليها يف ذلك من قبل القضاء .ومنها على سبيل املثال :مهنة املأذونني ،سائقي الطائرات والقضاء.
-3انظر :اجمللة القضائية الصادرة عن احملكمة العليا ،قسم املستندات ،العدد األول ،1110 ،ص . 199
-4تتمثل وقائع القضية يف أن السيد (ي ب ) طعن بالبطالن يف قرار مت اختاذه من وايل والية بشار بتاريخ 1181/6/16الذي أوقفه عن مهامه كمدير
عام ملكتب الدراسات التقنية متعددة اخلدمات بوالية بشار .وأسس طعنة بأنه أوىف بكل التزاماته املهنية ،وأن قرار التوقيف بين على نزاع آخر خبصوص سكن
وظيفي.
-5انظر :اجمللة القضائية الصادرة عن احملكمة العليا ،قسم املستندات ،العدد الثالث ،1181،ص .102
-6إن أكرب جمال تظهر فيه السلطة التقديرية لإلدارة هو جمال الوظيفة العمومية .وباألخص يف جمال العقوبات التأديبية ألن السلطة املختصة هلا صالحية
تقدير مدى خطورة اخلطأ املرتكب وتقدير العقوبة املناسبة ،إذ تنص املادة 191من القانون األساسي العام للوظيفة العامة على ":يتوقف حتديد العقوبة
التأديبية املطبق ة على املوظف على درجة جسامة اخلطأ ،والظروف اليت ارتكب فيها ،ومسؤولية املوظف املعين والنتائج املرتتبة على سري املصلحة ،وكذا الضرر
الذي حلق باملصلحة أو باملستفيدين من املرفق العام " .انظر يف ذلك - :مزياين فريدة ،سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري ،امللتقى
الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعة اإلدارية ،قاملة ،2311،ص .38
الفرع الثاني
تمييز السلطة التقديرية عن بعض األفكار المتصلة بها
لقد سبق أن ذكرنا بأن السلطة التقديرية تقابل مفهوم السلطة المقيدة؛ أي أنه البد من أن نفهم جيدا
مفهوم السلطة المقيدة حتى تتضح معالم السلطة التقديرية .وتبعا لذلك كان لزاما علينا أن نميز السلطة
التقديرية عن السلطة المقيدة .كما قد يختلط مفهوم السلطة التقديرية بفكرة األعمال التقديرية ،ولذلك أيضا قمنا
بتمييزها عن هذه األخيرة.
إذا كانت السلطة التقديرية استثناء من االستثناءات الواردة على مبدأ المشروعية ،فقد رأينا أن نميزها
عن باقي هذه االستثناءات؛ أي نظرية الظروف االستثنائية واألعمال الدستورية وأعمال السيادة والحكومة.
1
- André Delaulraderé , Yves gaudement , traité de droit administratif , tome 1, 16 éme édition
, paris , 1999 , p 232
-2سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 01
-3املرجع نفسه ،ص.01
بالتالي فإن السلطة المقيدة لإلدارة توجد حينما يرسم القانون القرار الذي يجب على الموظف اتخاذه
()1
بقوله":إن السلطة المقيدة أو المحدودة اتجاه حالة معينة .وهذا ما عبر عنه األستاذ "جيرو" "" Géraud
توجد حينما ال يترك القانون لإلدارة أي حرية في التقدير ،بل يفرض عليها بنص آمر التصرف الذي يجب
عليها أن تسير وفقا له ،فهي تشبه في هذه الحالة عامل المسرح الذي يلتزم بأن يجلس كل متفرج في
مكانه المحدد له".
وقد عرفها األستاذ سليمان محمد الطماوي بأنها" :عندما يفرض القانون على رجل اإلدارة بطريقة آمرة
وعلى سبيل اإللزام ،الهدف المعين الذي يجب عليه أن يسعى إلى تحقيقه ،ويحدد له األ وضاع التي يجب
عليه أن يخضع لها للوصول إلى هذا الهدف ،فإذا سلك المشرع هذا الطريق ،فإنه يملي مقدما على رجل
اإلدارة فحوى القرار الذي يجب عليه اتخاذه ،و تسمى سلطاته واختصاصاته محددة أو مقيدة"(.)2
وفي نفس السياق عرفها الدكتور عمار بوضياف ":إذا قيد القانون إرادة اإلدارة وألزمها باتخاذ القرار
بتوافر ظروف واجتماع عناصر ووقائع معينة ،كنا أمام إرادة مقيدة "(.)3
كما عرفتها فريدة أبركان ":إنها الوضعية التي تكون فيها اإلدارة ملزمة بالتصرف أو برفض التصرف
عندما تتوفر بعض الشروط ذات الصلة بالواقع أو بالقانون ،فليس لإلدارة هنا أي سلطة للتقدير ،وسلوكها
مفروض عليها ،والمثال على ذلك وجوب إحالة موظف بلغ السن القانونية على التقاعد"(.)4
لذلك قضت الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا بأن عدم مراعاة اإلدارة المعنية للمهلة القانونية بشأن رخص
البناء يعد تجاو از للسلطة( .)5ذلك أن القانون حين يلزم الراغب في الحصول على رخصة بناء التقرب من
جهة إدارية حددها النص .كما يتكفل بتبيان الملف المطلوب وشروط االستفادة من قرار اإلدارة ،ويلزمها
بالتصريح بموقفها بشأن الملف المقدم إن قبوال أو رفضا ،فإنه بذلك يكون قد قيد إرادتها ،مما يسهل على
القاضي عند رفع األمر إليه إخضاعها للرقابة من منطق أن إرادتها مقيدة(.)6
-1بالرغم من أن معىن " السلطة " "le pouvoirخيالف معىن االختصاص " "la compétenceإذ يعين املصطلح األخري جمموع الصالحيات
املخولة جلهة اإلدارة ،أو جمموعة ما خولت اإلدارة القيام به من أعمال .بينما تعين "السلطة" مباشرة االختصاص وتنفيذه أي ترمجته إىل عمل معني ،إال أن
الفقه الفرنسي – على وجه اخلصوص – درج على استعمال مصطلحي " االختصاص املقيد والسلطة التقديرية" .يف حني كان يتعني استعمال عبارة " سلطة
تقديرية أو السلطة مقيدة" .انظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ، 1129 ،ص . 92
-2حسني فرجية ،السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري ،جملة االجتهاد القاضي ،العدد الثاين ،بسكرة ، 2336 ،ص . 239
-3حممد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ و أحكام القانون اإلداري ،منشورات احلليب احلقوقية ،لبنان ،دون تاريخ ،ص . 681
-4سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري :الرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330 ،ص .212
-5إبراهيم عبد العزيز شيحا ،مبادئ وأحكام القضاء اإلداري اللبناين – جملس شورى الدولة ، -الدار اجلامعية ،بريوت ،1119 ،ص .111
من أمثلة الصياغة القانونية الجامدة كذلك الصياغة بطريق الحصر .وهو ما يتحقق في معظم القواعد
اإلجرائية ،كقواعد اإلجراءات أمام القضاء اإلداري( .)1مما ينفي احتمال السلطة التقديرية بشأنها حيث يتعلق
األمر غالبا بمواعيد واجراءات ال يتصور بشأنها عدم التحديد الواضح الدقيق(.)2
األمر الذي يبرر اللجوء إلى أسلوب االختصاص المقيد هو تحقيق االستقرار في المعامالت ،ألن
المخاطبين بأحكام القواعد المنظمة لهذا االختصاص يستطيعون العلم بكيفية تطبيقها واألثر القانوني الذي
سيترتب على هذا التطبيق .حيث أن تطبيق هذه القواعد هو تطبيق منطقي آلي ،إذ ال يقوم المختص
()3
بتطبيقها بأي جهد عقلي إرادي ،ومن ثم ال يباشر أي سلطة تقديرية.
أما عن السلطة التقديرية ،فمن األمثلة التي يسوقها الفقه الفرنسي في هذا الصدد ،نجد حالة منح
األوسمة التنفيذية .أو أن تقوم اإلدارة بترقية الموظفين باالختيار دون أن يقوم المشرع بضبطها بضوابط
وقواعد معينة( .)4وحالة الترخيص لألجانب باإلقامة المؤقتة .حيث تستقل اإلدارة في تقدير مناسباتها بسلطة
مطلقة في حدود ما تراه متفقا مع المصلحة العامة .فاإلقامة العابرة ال تعدو أن تكون صلة وقتيه عابرة
سمحت بها اإلدارة( .)5أو في سلطة رئيس الجمهورية بمنح وسام أو العفو .أو تعديل أو إنشاء سلك من
أسالك الموظفين( .)6وسلطة اإلدارة في تقدير الكفاءة العلمية ألعضاء هيئة التدريس بالجامعات كشرط الزم
للترقية(.)7
نجد أن الفارق بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة من حيث دور المشرع ،هو أن هذا األخير
استطاع في الحالة األولى تحديد الوقائع التي تحقق فيها للقرار غرضه الموضوعي .لذلك قيد اإلدارة بمراعاة
هذه الوقائع وألزمها باتخاذ القرار عند توافرها .أما في السلطة التقديرية فقد عجز المشرع عن تحديد هذه
1- le droit laisse à l’administration un libre pouvoir d’appréciation pour décider si elle doit agir
ou ne pas agir, et si elle agit, pour déterminer elle même le sens de sa décision.sa conduite
n’est pas dictée à l’avance par le droit. C’est l’administration qui fixe ici librement, face à une
situation de fait déterminée, son attitude, alors qu’en compétence liée c’est le droit qui
détermine son attitude. Voir : http://www.fallaitpasfairedudroit.fr.vu le :27/11/2012.
-2فقد حدد األمر 30/39املتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية طرق التوظيف .ففصل بني طريقة التوظيف العادية ،واليت خصص هلا فصال
معنونا ب" :التوظيف" تضمن املواد من 29إىل .82وطريقة التوظيف االستثنائية اليت أفرد هلا فصال معنونا ب " :األنظمة القانونية األخرى للعمل" .الذي
حيتوي على املواد من 11إىل . 20هتدف يف جمملها إىل بيان وضبط معايري التوظيف .حيث نصت املادة 83مثال من األمر السابق الذكر على ما يلي:
"يتم االلتحاق بالوظيفة العمومية عن طريق )1 :املسابقة على أساس االختبارات )2.املسابقة على أساس الشهادات بالنسبة لبعض أسالك املوظفني )0
الفحص املهين )9التوظيف املباشر من بني املرتشحني الذين تابعوا تكوينا متخصصا منصوصا عليه يف القوانني األساسية لدى مؤسسات التكوين املؤهلة".
-3يقننول النندكتور سننليمان حممنند الطمنناوي يف هننذا الصنندد أن الق نوانني احلديثننة توسننع شننيئا فشننيئا مننن نطنناق السننلطة املقينندة لننرتد غائلننة اإلدارة يف بعننض
اإلختصاصننات الننيت أكثننرت مننن التعسننف فيهننا أو االحن نراف هبننا عننن الطريننق السننوي .انظننر مؤلفننه - :النظريننة العامننة للق نرارات اإلداريننة ،املرجننع السننابق،
ص.103
-4سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .291
فيما يتعلق بمدى كل من السلطة التقديرية والسلطة المقيدة ،فإن السلطة التقديرية هي األصل في
مزاولة اإلدارة لنشاطها .أما االختصاص المقيد فهو االستثناء) .(1بمعنى أنه ال يمكن تقييد اختصاص اإلدارة
إال بناء على نص قانوني محدد .وحرية التقدير التي تتمتع بها اإلدارة تختلف ضيقا واتساعا بحسب الظروف
واالعتبارات .على أنه حتى في الحاالت التي يبدو فيها اختصاص اإلدارة مقيدا إلى حد بعيد ،فإنها مع ذلك
تتمتع بقدر ضئيل من السلطة التقديرية) .(2ولمنع التصادم بين السلطتين ،فقد وضع الفقه معيارين لتقرير
الحاالت التي يكون اختصاص اإلدارة فيها مقيدا ،وهما:
-الحاالت التي ينص فيها القانون نفسه على القيد ،ويمكن أن يطلق على هذه الحاالت اسم " السلطة
المقيدة عن طريق المشرع "(.)3
-الحاالت التي يضفي فيها القضاء قيودا ،وغالبا ما تكون متعلقة باإلجراءات اإلدارية المقيدة للحريات
العامة .ويمكن أن يطلق عليها اسم " السلطة المقيدة عن طريق القضاء" .وفيما عدا ذلك فإن اإلدارة تملك
سلطة تقديرية في إصدار ق ارراتها(.)4
د -من حيث إنشاء الحق والكشف عنه
ال يعتبر القرار اإلداري مصد ار للحق إال إذا كان صاد ار عن السلطة التقديرية للجهة التي أصدرته.
وعلى العكس من ذلك نجد في حالة السلطة المقيدة أن القرار اإلداري ال يعتبر مصد ار للحق .والسلطة
التقديرية بالمعنى السابق بيانه هي التي تجعل القرار اإلداري كافيا والزما إلنشاء الحق .فهي تعني أن رجل
اإلدارة قام بعمل إداري يستحق معه أن ينسب إليه األثر الذي ترتب على ق ارره .أما إذا لم يباشر رجل اإلدارة
السلطة التقديرية في إصدار القرار ،وقام بتطبيق القانون آليا في حدود اختصاصه المقيد ،فإن األثر الذي
يترتب على ق ارره في هذه الحالة ال يعد ناشئا عن القرار ذاته ،وانما يعد ناشئا عن القانون مباشرة(.)5
-1نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة،دراسة مقارنة،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية،سنة 1912هجرية ،ص .192
-2محد عمر محد ،املرجع السابق ،ص .139
-3شحاتة توفيق ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النشر للجامعات املصرية ،القاهرة ،1166،ص .119
-4املرجع نفسه ،ص .119
-5سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ، 1116،ص . 11
-6حممد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ و أحكام القانون اإلداري ،املرجع السابق ،ص .682
اإلدارة بطريقة دقيقة ،بحيث لم تترك لها مجاال إلعمال التحكم واالستبداد( .)1إذ كلما قيد القانون اإلدارة في
استخدام سلطاتها كلما أمن األفراد تعسفها ،ألن تعنتها غير مأمون الجانب .وكلما أفسح لها في الحرية ،كلما
انفسح الباب للتعسف واالنحراف(.)2
وبالتالي فإن السلطة المقيدة أو المحددة ،يتجسم فيها أكبر ضمان لحرية األفراد وحمايتهم من تعسف
اإلدارة ،مما يمكن حدوثه عند ممارسة السلطة التقديرية .إذ يكفي أن يثبت الفرد هنا الشروط المادية التي
يتطلبها القانون حتى يتحتم على اإلدارة أن تستجيب لطلباته .فإذا هي عزفت عن الطريق السوي في أمر من
األمور ،فما أسهل أن يردها القضاء إلى جادة الصواب دون أن يكون لها من حريتها درع تستر خلفه
تعسفها( .)3لهذ ا نرى القوانين الحديثة توسع شيئا فشيئا من نطاق السلطات المقيدة حتى ترد اإلدارة إلى طريق
الصواب في بعض االختصاصات التي أكثرت من التعسف فيها واالنحراف بها عن الطريق السوي(.)4
لكن مهما كانت حاجة األفراد إلى وضع قيود على حرية اإلدارة في التصرف ،فإن اإلسراف في التقييد
يترتب عليه أوخم العواقب ،ألنه يؤدي إلى شل حركة اإلدارة والى كبت نشاطها واعدام روح االبتكار فيها،
ويبت اآللية البغيضة في أنحائها .فالسلطة التقديرية إذن الزمة لحسن سير اإلدارة لزوم السلطة المقيدة
لحماية حقوق األفراد وحرياتهـم(.)5
-3نتائج التفرقة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة
يترتب على عملية التفرقة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة العديد من النتائج القانونية المهمة على
الصعيدين اإلداري والقضائي .وهي تتجلى في النقاط اآلتية:
()6
أ -من حيث الميعاد المقرر لسحب القرار الغير مشروع
-1مراد بدران ،الرقابة القضائية على اإلدارة يف ظل الظروف اإلستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،2338 ،ص .22
-2حسني فرجية ،السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،بسكرة ،2336 ،ص 238
-3سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص .02
-4هلذا جند بأن املشرع يف األمر رقم 100/99املتضمن القانون األساسي للوظيفة العامة قد حدد العقوبات التأديبية وترك جلهة اإلدارة احلرية يف تقدير
األخطاء التأديبية وتعسفها .لكنه عدل عن ذلك يف ظل األمر 30/39املتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية .فحاول تعريف األخطاء التأديبية
وحددها حتديدا غري حصري يف املواد من 122اىل 189من هذا األمر .
-5سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص 00
-6يعود التأصيل الفقهي والقانوين حلق اإلدارة يف سحب قراراهتا غري املشروعة إىل كون املشرفني على تدبري أمور اإلدارة واملمارسني لسلطة التسيري فيها هم
بشر .وهؤالء البشر قد خيطئون يف تقدير الواقعة وقد خيطئون حت يف تطبيق القانون .ومن هنا وجب أن نعرتف لإلدارة حبقها يف سحب قرارها غري املشروع
وتصحيح الوضعية وإرجاع احلالة إىل ما كانت عليه قبل اإلصدار –.انظر - :عمار بوضياف ،القرار اإلداري ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر والتوزيع،
اجلزائر ، 2332 ،ص . 206
إذا كانت سلطة السحب بالنسبة لإلدارة يفرضها مبدأ المشروعية ،فإن هذه السلطة ذات اآلثار الخطيرة
على مراكز األفراد المعنيين بالقرار ،ينبغي أن تمارس خالل مدة زمنية معينة ،إن تجاوزتها اكتسب القرار
اإلداري حصانة ضد السحب.
لقد استقر الرأي فقها وقضاء أن المدة القانونية المخولة لجهة اإلدارة لسحب ق ارراتها هي ذات المدة
الممنوحة للقضاء إللغاء القرار اإلداري( .)1وبذلك ال تملك التعرض لق ارراتها غير المشروعة بعد فوات ميعاد
الطعن ،فيعامل القرار غير المشروع معاملة الق اررات السليمة .لهذا يبرز التساؤل عن إمكانية سحب الق اررات
غير المشروعة الصادرة استنادا لسلطة مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي.
باستقراء قضاء محكمة العدل العليا المصرية( ،)2نجد أنها أقامت التفرقة بين الق اررات اإلدارية الصادرة
استنادا لسلطة تقديرية والق اررات الصادرة استنادا لصالحية مقيدة ،فقد أجازت سحب الق اررات المعيبة الصادرة
استنادا لصالحية مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي ،حتى ولو كانت منشئة لحقوق مكتسبة للغير(.)3
بالتالي فإن اختصاص اإلدارة إذا كان مقيدا ،فإن القرار المعيب ال يكتسب أي حصانة ضد اإللغاء،
بحيث يجوز سحبه في أي وقت دون التقيد بمدة معينة ،وعلة ذلك أن الق اررات اإلدارية التي تصدرها اإلدارة
في حدود اختصاصاتها المقيدة ال تنشأ حقا بذاتها ،وانما تقرر حقا يستمده صاحب الشأن من القانون رأسا،
()4
وليس القرار حينئذ إال كاشفا عن الحق مسجال له ،ال منشأ له.
أما عن موقف القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري من هذا االتجاه الحديث لمحكمة العدل
العليا المصرية .والمتمثل في جواز سحب الق اررات الغير المشروعة الصادرة بناءا على سلطة اإلدارة المقيدة
دون التقيد بميعاد الطعن القضائي .فإننا لم نجد – حسب ق اررات مجلس الدولة التي استطعنا اإلطالع عليها–
أي قضية تؤكد هذا التوجه ،حيث اقتصرت تطبيقاته على االستثناءات التقليدية الواردة على مدة السحب.
-1تأسيس ذلك أن ما ال جيوز للقضاء ال جيوز من باب أوىل لإلدارة .فإذا مضت املدة املقررة داخل الدولة لرفع دعوى اإللغاء ،فإن هذه املدة كفيلة أن تغل
يد اإلدارة وتقيدها .فال جيوز هلا بعد انقضاء املدة ممارسة السحب .املرجع نفسه ،ص .208
-2إذ جيب عند النظر لسلطة السحب مراعاة مبدأين إثنني مها :مبدأ املشروعية ومبدأ استقرار احلقوق واملراكز القانونية ،وأن يوازن بينهما .وهو ما يفرض
تقييد سلطة السحب من حيث الزمن .وهذا الزمن ينبغي أال يطول .ذلك أن متكني اإلدارة من سحب قرارها ولو بعد سنة واحدة ،سينجم عنه املساس
باحلقوق املكتسبة واملراكز القانونية الناجتة عن تنفيذ القرار غري املشروع .أنظر - :عمار بوضياف ،القرار اإلداري ،املرجع السابق ،ص . 202
-3فقد قضت حمكمة العدل العليا بأنه ..." :حيث أن اإلدارة وهي تطبق نصوصا قانونية معينة إمنا تتصرف عن إرادة مقيدة بتلك النصوص املعينة ،وأنه إذا
ثبت فيما بعد أن عملها كان معيبا وتصرفها كان خاطئا وخمالفا للنصوص اليت يتطلبها القانون .فلها سحب القرار دون التقيد مبيعاد ،ألن تصرفات اإلدارة
الصادرة بناءا على السلطة مقيدة ،تكون مشروطة بقانونية هذه التصرفات ،وال تكون هذه التصرفات قانونية إال باحرتام اإلدارة هلذه الشروط اليت يتطلبها
القانون واختاذ القرار اإلداري واالمتناع عنه .و ال يرد القول هنا أن هناك حقوقا مكتسبة ال جيوز املساس هبا ."..أنظر يف ذلك - :علي خطار الشنطاوي،
موسوعة القضاء اإلداري ،اجلزء األول ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة ، 4002،ص 00و .08
-4املرجع نفسه ،ص .81
()1
الذي يجوز سحبه في أي وقت دون االحتجاج بانقضاء المدة ،والقرار والتي تمثلت في حالة القرار المنعدم،
المبني على غش أو تدليس ،باإلضافة إلى الق اررات اإلدارية التي لم تنشر أو تعلن ،والتي استقر القضاء
بشأنها على أن لجهة اإلدارة حق سحبها في أي وقت.
وعليه فإننا نأمل أن يساير اإلجتهاد القضائي الجزائري نظيره المصري في هذا التوجه ،فيمنح اإلدارة
سلطة سحب ق ارراتها غير المشروعة الصادرة بناء على سلطة مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي،
لألسباب والمبررات التي سقناها أعاله.
ب -من حيث ميعاد الطعن القضائي
يتعين على الطاعن أن يقدم دعوى تجاوز السلطة في مدة أربعة اشهر من تاريخ تبليغ الق اررات اإلداري
أو نشره .وذلك ما كرسته المادة 821من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية " :يحدد أجل الطعن أمام
المحكمة اإلدارية بأربعة اشهر ،يسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار اإلداري الفردي،أو من
تاريخ نشر القرار اإلداري الجماعي أو التنظيمي ".
تبعا لذلك فإن الدعوى ترفض شكال بفوات الميعاد ما لم يكن القرار منعدما( .)2وأضافت محكمة العدل
العليا المصرية استثناء آ خر يتعلق بالق اررات الصادرة استنادا لصالحية مقيدة ،بحيث ال يتقيد الطعن في هذه
الق اررات بميعاد الطعن القضائي.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري ،فإن الحالة الوحيدة التي تجعل آجال الطعن القضائي مفتوحة هي
الوضعية التي نصت عليها المادة 801من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية .حيث جاء فيها " :ال يحتج
-1والقرار املنعدم هو قرار والعدم سواء ،فهو غري موجود على الساحة القانونية ،عكس القرار الباطل املوجود والذي ينتج آثاره القانونية ،فإذا كان عدم
االختصاص جسيما يف مصدر القرار اإلداري وهو ما يسمى باغتصاب السلطة ،كان القرار املتخذ هبذه الصيغة منعدما ،كحالة صدور القرار اإلداري من فرد
عادي ليست له أية عالقة بالوظيفة اإلدارية ،أو كأن تصدر اإلدارة قرارا يدخل ضمن االختصاصات اخلالصة للسلطة التشريعية أو القضائية .أما عدم
االختصاص البسيط والعيوب املوجودة يف األركان األخرى فإهنا تؤدي إىل البطالن ،ما دام أهنا متت يف إطار الوظيفة اإلدارية ،كأن متارس هيئة إدارية عمال
يدخل يف إطار اختصاصات هيئة أخرى ،أو أن يكون االختصاص للرئيس و يزاوله املرؤوس أو العكس ،أو قيام السلطة الوصائية بعمل يدخل يف اختصاص
اهليئة احمللية أو العكس .و لقد أوضح األستاذ بودريوه عبد الكرمي -يف تعليقه عن قرارين صادرين عن جملس الدولة يف هذا الصدد -بأن جملس الدولة
اجلزائري خيلط بني مصطلحي البطالن واالنعدام يف القرارات الصادرة عنه رغم االختالف اخلطري بني آثار البطالن واالنعدام يف القرار اإلداري ،إذ أن مسألة
انعدام القرار اإلداري من النظام العام حبيث أنه ميكن إثارهتا أمام أية درجة من درجات التقاضي ،كما ميكن للقاضي إثارهتا من تلقاء نفسه ،باإلضافة إىل
كون القرار املعدوم ال يستفيد من احلصانة بعد انقضاء املدة القانونية لرفع دعوى اإللغاء من املخاطب بالقرار أو السحب من طرف اإلدارة ،علما أن القرار
املشوب بالبطالن يتحصن بفوات امليعاد القانوين( 9أشهر).أين يتم رفض الدعوى شكال ،كما ال ميكن لإلدارة سحبه بعد فوات املدة خاصة يف حالة إنشائه
حقا –.ملزيد من التفاصيل انظر:
-بودريوة عبد الكرمي ،جزاء خمالفة القرارات اإلدارية لقواعد املشروعية ،درجات البطالن يف القرارات اإلدارية ،جملة جملس الدولة ،العدد ، 2339 ،36
ص .136وحممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري ،جملس الدولة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،ص 139و .132
-2ياسني قوتال ،الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،عنابة ،2336 ،ص .111
بأجل الطعن المنصوص عليه في المادة 928أعاله ،إال إذا أشير إليه في تبليغ القرار المطعون
فيه "(.)1
قررت هذه المادة عدم االحتجاج بأجل الطعن القضائي المنصوص عليه في المادة 821من ذات
القانون ،عندما ال يشار إليه في مقرر تبليغ القرار اإلداري المطعون فيه .وهذا يعني أنه في حالة عدم إلشارة
إلى آجال الطعن القضائي في سند تبليغ القرار المطعون فيه ،تكون اآلجال مفتوحة حتى ولو حصل بالفعل
()2
تبليغ القرار المطعون فيه.
ج -من حيث نطاق الرقابة القضائية
يرتبط االختصاص المقيد لإلدارة بفكرة المشروعية ارتباطا وثيقا ،وبالتالي يكون مضمون الرقابة
القضائية على عمل اإلدارة في التحقق من مدى مراعاة الشروط التي يتطلبها القانون ،ويكون للقضاء بالتالي
()3
أن يعطل أعمال اإلدارة غير المشروعة؛ أي المخالفة لما نص عليه القانون.
أما السلطة التقديرية فإنها ترتبط بفكرة المالءمة()4؛ إذ أن القانون عندما يمنح اإلدارة سلطة تقديرية،
فإنه بذلك يترك لها حرية تقدير مالءمة أعمالها .وهي في هذه الحالة ال تخضع كقاعدة عامة لرقابة القضاء
()5
إال في حدود ضيقة ،على أساس أن القاضي اإلداري هو قاضي مشروعية وليس قاض مالءمة.
من هنا ،فإن سلطة القاضي في مراقبة أعمال اإلدارة االنفرادية تختلف في مجال تمتعت فيه اإلدارة
بسلطة تقديرية معترف بها بموجب نص عنه عما إذا كانت سلطتها مقيدة .فإذا كان من اليسير على رافع
الدعوى اإلدارية أن يثبت تعسف جهة اإلدارة وخرقها للقانون في حالة ما إذا كانت إرادتها مقيدة ،فاألمر ال
يكون كذلك في حالة تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية(.)6
-1عمار بوضياف ،القرار اإلداري ،دراسة تشريعية قضائية فقهية ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر و لتوزيع ،اجلزائر ،2332،ص .113
-2ياسني قوتال ،املرجع السابق ،ص . 28
-3انظر :اجمللة القضائية الصادرة عن قسم املستندات باحملكمة العليا ،العدد الثالث ،1112 ،ص.161
،)1(308289ومما جاء فيه " :إن إجراء تسليم رخصة البناء يخضع لكيفيات منح وثائق التعمير والتهيئة،
وبالتالي الحصول على رخصة البناء مقابل تنازل المستفيد عن الدين الداخل في ذمة البلدية لصالحه يعد
تصرفا مخالفا للقانون ،ويترتب عليه بطالن الرخصة ".
تجدر اإلشارة إلى أن اإلدارة إذا كانت حرة في ظل االختصاص التقديري في وضع الشروط التي
تمارس في نطاقها أعمالها .غير أنها وبعد تحديدها بكل حرية لهذه الشروط تكون ملزمة باالمتثال للقواعد
التي وضعتها مسبقا؛ أي أن سلطتها في هذه الحالة تصبح مقيدة بالشروط التي فرضتها بمقتضى سلطتها
التقديرية .وهو األمر الذي قررته الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 1112/2/23 :في
قضية بين (س) ضد وزير العدل( ،)2ومما جاء في القرار " :حيث أن وزير العدل في قضية الحال أعلن عن
طريق الصحافة عن تنظيم مسابقة وطنية لاللتحاق بسلك الموثقين ،وأن قرار فتح المسابقة الذي حدد
الشروط الواجب توافرها في المرشحين الجدد ينص على أن كل ملف ناقص أو غير مطابق للشروط
المذكورة أعاله ال يلتفت إليه.
وأن ملف (س) قد قبل بدون تحفظ ،وأن هذا األخير وبعدما أدى االمتحان الكتابي والشفوي قوبل
برفض منحه شهادته ....واإلدارة بالشروط التي وضعتها حددت نطاق اختصاصاتها وحدود سلوكها،
وبالتالي فهي ملزمة باالمتثال له ".
على الرغم من كل هذه الفروقات بين السلطتين التقديرية والمقيدة ،وكذا اآلثار المترتبة على هذا
التمييز والتفرقة .إال أن الواقع هو أ ن االختالف بين السلطتين إنما هو اختالف في الدرجة وليس اختالفا في
الطبيعة أو الجوهر ،أي أن االختالف والتعارض بينهما نسبي( .)3بل إنه يمكن القول بأن االختصاص المقيد
بالكامل هو أمر في غاية الندرة ،وأن األصل هو السماح لإلدارة بقدر من حرية التقدير يختلف ضيقا واتساعا
بحسب الظروف واالعتبارات التي يقدرها القانون .بينما االختصاص المقيد هو االستثناء(.)4
لذلك فإن كل عمل إداري يحتوي على قدر من السلطة التقديرية والسلطة المقيدة معا( .)5وقد تصل
السلطة التقديرية أحيانا في إطالقها إلى حد بعيد وقد تتضاءل أحيانا أخرى لحد شديد ،بحيث تطغى عليها
-1قرار صادر عن الغرفة الثالثة جمللس الدولة ،منشور مبجلة جملس الدولة ،العدد . 2331 ، 31
-2فريدة أبركان( ترمجة عبد العزيز أمقران ) ،رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة ،جملة جملس الدولة ،العدد ، 2332 ،1ص . 08
-3حممد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،لبنان ،ص .613وحممد فؤاد عبد الباسط ،القرار
اإلداري ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2333،ص . 131
-4حسني فرجية ،السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،بسكرة ،2336 ،ص .238
-5وتذهب املدرسة النمساوية اليت تنتسب للفقيه ،Kelsenإىل أنه ليس ةمة جمال منفصل لكل من السلطتني التقديرينة واملقيندة .بنل توجند السنلطتان معنا
يف كننل عمننل أداري .وأن التمييننز بننني التقنندير والتقيينند يف سننلطات اإلدارة مسننألة نسننبية .والفننارق بينهمننا فننارق يف الكننم Quantitativeال يف الكيفيننة
. Qualititativeأشار إليه :سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص.12
فكرة االختصاص المقيد .ولكن يتعذر القول بوجود عمل يحتوي على سلطة تقديرية مطلقة أو سلطة مقيدة
خالصة(.)1
ثانيا :تمييز السلطة التقديرية عن األعمال التقديرية
البد من التفرقة في هذا المجال بين ماكان يسمى باألعمال التقديريةLes actes discrétionnaire
وبين ما يسمى اليوم "بالسلطة التقديرية" .ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي قبل أن يطبق نظرية السلطة التقديرية
أخذ في أول األمر بفكرة األعمال التقديرية التي سبقتها فكرة أخرى وهي ما يعرف "بأعمال اإلدارة البحتة" أو
ق اررات اإلدارة البحتة)2("les actes de pure administration" .بحيث تم إفراد طائفة من الق اررات
اإلدارية التي تستقل اإلدارة بتقدير أهميتها بميزة خاصة هي العصمة من كل رقابة قضائية .وقد كانت تعد
في الواقع عنوانا وتجسيدا للسلطة الواسعة والمطلقة التي كانت تتمتع بها اإلدارة آنذاك(.)3
وقد زاد من حرية اإلدارة واستقاللها ،أن كافة الق اررات التي كانت تصدر عنها في تلك الفترة كانت
تعتبر من قبيل ق اررات اإلدارة البحتة( .)4إال ما كان منها ماسا بحق شخصي أو حق مكتسب؛ إذ كان يجوز
لصاحب المصلحة في هذه الحالة الطعن باإللغاء أمام القضاء اإلداري .بل وقد تم تجاوز هذا القيد في حالة
ما إذا كان القرار متعلقا بمصلحة عامة تهدف اإلدارة إلى تحقيقها أو حمايتها؛ أي أن الق اررات اإلدارية التي
تهدف اإلدارة من ورائها إلى تحقيق مصلحة عامة ،كانت تعد من قبيل ق اررات اإلدارة البحتة .وبالتالي ال
يجوز الطعن فيها قضائيا بأي شكل من األشكال ،وان كانت تمس حقوقا شخصية أو مكتسبة(.)5
-1سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،الرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية.218 ، 2330 ،
-2يذكر الفقه ثالثة مراحل مرت هبا السلطة التقديرية لإلدارة وهي بإجياز - :مرحلة قرارات اإلدارة البحتة :و كانت سلطة اإلدارة خالهلا غاية يف االتساع
بل وشبه مطلقة .حيث مل تكن قراراهتا خاضعة للرقابة القضائية إال إذا انتهكت حقا شخصيا أو مكتسبا لصاحب الشأن -.مرحلة القرارات التقديرية :وفيها
بدأ التقدير اإلداري يف التقلص تدرجييا ،حيث مد جملس الدولة رقابته على عنصري الشكل واالختصاص يف القرار اإلداري- .ج -مرحلة السلطة التقديرية:
وفيها بسط القضاء اإلداري رقابته على عناصر السبب والغاية واحملل يف القرار اإلداري ،وهبذا وضعت مالمح السلطة التقديرية لإلدارة يف صورهتا احلالية،
وأصبحت بذلك مجيع القرارات اإلدارية قابلة للطعن فيها باإللغاء استنادا إىل أي عيب من عيوب املشروعية دون اشرتاط مساسها حبق مكتسب مضار.
انظر يف ذلك - :خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،2331 ،ص
.283
-3نبيل إمساعيل ،سلطة القاضي التقديرية يف املواد املدينة والتجارية ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2332 ،ص . 19
-4لقد ابتدع جملس الدولة الفرنسي أعمال اإلدارة البحتة حلرصه على عدم إساءة الظن به ،ومن مث استمراره و بقائه خوفا من خطر إلغائه من قبل السلطة
التنفيذية .وذلك ما أعطى لإلدارة إمكانية االستقالل باختاذ كثري من القرارات بعيدا عن رقابة القضاء .ملزيد من التفاصيل انظر :
-(A)Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général
de droit de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999.p 225 et suivantes.
-5نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية1912،ه ،ص.68
هكذا ظلت اإلدارة في الربع األول من القرن 11تتمتع بحرية واسعة بل ومطلقة في كثير من األحيان
في تقدير مالءمة أعمالها دون معقب أو رقيب عليها) .(1وقد ترتب على الوضع السابق أن بقيت حقوق
األفراد وحرياتهم دون حماية فعالة ،بل وعرضة لخطر التجاوز دائما .خاصة أنه لم يكن هناك أية التزامات
قانونية على عاتق اإلدارة اتجاه ق اررات اإلدارة البحتة ،كما لم تكن هناك أية قيود تشريعية تحد من السلطة
()2
. الواسعة المعترف بها للهيئات اإلدارية في هذا الشأن
من هنا ،بدأ مجلس الدولة الفرنسي يبتدع الحلول للتلطيف من تلك اآلثار .فاتجه صوب فكرة
االختصاص وجعل منها سببا إللغاء ق اررات اإلدارة البحتة .وذلك دون أن يتدخل في مجال اإلدارة العامة؛ أي
دون أن يتدخل بالبحث في مضمون القرار وفحواه .إذ كان يكتفي في هذه الحالة بإلغاء القرار اإلداري كلما
تبين له أنه مخالف للقوانين واللوائح المتعلقة بموضوع االختصاص فقط(.)3
ثم أخذ مجلس الدولة يوسع من نطاق هذا العيب(عيب االختصاص) فجعله شامال أيضا لعيب الشكل.
مبر ار قضاءه في هذا الشأن بأن اإلدارة ال تكون مختصة بإصدار قرار ما إال إذا راعت قواعد الشكل
واإلجراءات المحددة قانونا لذلك ،واال اعتبرت خارجة عن حدود هذا االختصاص(.)4
هكذا يمكن القول أن عيب الشكل ظهر مشتقا من عيب عدم االختصاص( .)5وبظهور عيب عدم
االختصاص وعيب الشكل كسببين للطعن في القرار اإلداري ،اختفت فكرة "أعمال اإلدارة البحتة" .وظهرت
()6
نظرية "األعمال التقديرية "التي ال تقبل الطعن إال لعيب في الشكل أو االختصاص.
-1إال أن ذلك ال يعين عدم وجود رقابة إدارية على هذه األعمال .فقد أناط مثال قانون 19/2أكتوبر 1213برئيس اجلمهورية والوزراء كل فيما خيصه،
االختصاص بالنظر يف املنازعات اليت تنشأ بني األفراد واإلدارة املركزية بسبب نشاط إداري .وكذلك األمر بالنسبة للمنازعات اليت تثور بني األفراد واإلدارات
احمللية واإلقليمية ،حيث عهد بالنظر فيها ملدراء األقاليم وفقا للقانون 11/9سنة ، 1213مع مالحظة أن هذه الرقابة كانت حترك بتوجيه أصحاب الشأن
التماسات إىل ذات املوظف املسؤول عن التصرف أو إىل رئيسه األعلى .وكان يطبق على هذا النظام آنذاك نظام "اإلدارة القاضية" .ملزيد من التفاصيل
انظر - :رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية ،دار النهضة العربية ،1119 ،ص .28
-2املرجع نفسه ،ص .28
-3السيد حممد إبراهيم ،رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعوى اإللغاء ،الطبعة األوىل ،مطابع جريدة السفري ،اإلسكندرية ، 1190 ،ص .12
-4املرجع نفسه ،ص 12و .10
-5مع ذلك فإن قبول دعوى اإللغاء ضد قرارات اإلدارة البحتة على أساس خمالفتها لقواعد االختصاص والشكل ،وإن كانت تعد خطوة هامة يف سبيل
صياغة أفضل حلقوق األفراد وحرياهتم ،إال أن ما كان يعيب هذا االجتاه هو اشرتاط جملس الدولة لقبول الطعن يف تلك القرارات أن تكون قد مست حقا
شخصيا أو مكتسبا لصاحب الشأن .هلذا مل يرتدد جملس الدولة -بعد أن رست دعائمه بزوال امللكية وعودة اإلمرباطورية الثانية -أن يتخلى عن شرط
املساس حبق مكتسب كعنصر أساسي لقبول دعوى اإللغاء .واكتفى فقط بشرط املصلحة الشخصية املباشرة أو املصلحة البسيطة .انظر يف ذلك :رمضان
حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص . 21
-6يشري "دي كال" بأن هذا التحول منا يف الفرتة ما بني 1299و ،1898عندما أعلن مفوضو الدولة أنه يف بعض احلاالت يكفي –تربيرا للطعن
باإللغاء -قيام املصلحة البسيطة .وهذا ما حيدث عندما توجد خمالفة لشكل أوجبه القانون محاية ملصاحل يعينها .انظر يف ذلك- :حممد مصطفى حسن،
السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ، 1129،ص.66
لقد عرف الفقيه " دي كال " القرار التقديري بأنه ":القرار الذي يتخذ بواسطة السلطة مختصة ،وفي
الشكل المقرر بالقوانين واللوائح ،في صدد ممارسة تقدير حر ،سواء فيما يخص السبب أو المحل أو
الغرض ،فهو ال يختلف إذن عن أعمال الحكومة (السيادة) إال فيما يتعلق بتسليط الرقابة على الشكل
()1
واالختصاص".
إذا كان المشرع الفرنسي قد اعترف بهذا القضاء وسجله صراحة في المادة 31من قانون 20ماي
،1822إال أن مجلس الدولة لم يتوقف عند هذا الحد ،وانما بدأ يطور رقابته على الق اررات اإلدارية .وذلك
بأن اعترف لنفسه بالحق في تجاوز الرقابة الشكلية أو الخارجية لتلك الق اررات والمتعلقة بعيبي االختصاص
والشكل .وهي ما يصطلح عليه برقابة المشروعية الخارجية أو الشكلية ،لتمتد رقابته إلى ما يصطلح عليه
بالمشروعية الداخلية أو الموضوعية للق اررات اإلدارية .فتبنى أوال عيب االنحراف بالسلطة معتب ار أن كل قرار
تقديري ينبغي أن يستهدف مصدره تحقيق المصلحة العامة ،فإن انحرف عنها كان القرار باطال)2(.وبعد أن
أتم مجلس الدولة الفرنسي هذه المرحلة الهامة من تدرج التقييد ،انتقل االجتهاد إلى درجة جديدة من الرقابة
()3
وذلك بمد رقابته إلى عيب المحل فظهر بذلك عيب مخالفة القانون.
وقد عدل مجلس الدولة الفرنسي عن فكرة األعمال التقديرية في حكمه الشهير في قضية" "grazietti
في 01مارس )4(.1132وقد أبان العميد "هوريو" في تعليقه على هذا الحكم عن خطأ فكرة األعمال
-3خمالفة القانون قد تكون مباشرة ،حينما خيالف القرار النصوص اليت تضع الشروط واحلدود للعمل اإلداري .وتكون غري مباشرة عند غياب النص املخول
للسلطة .وقد باشر جملس الدولة الفرنسي ابتداء من سنة 1139حبث عيب خمالفة القانون استقالال عن أي حق مكتسب .أنظر يف ذلك :حممد مصطفى
حسن ،املرجع السابق ،ص .61
-4يتعلق هذا احلكم بإلغاء قرار أصدرته احلكومة الفرنسية ( رئيس الدولة ) حبل أحد اجملالس البلدية استنادا إىل القانون الصادر يف .1889وكانت هذه
القرارات تعد من قبيل األعمال التقديرية اليت ال ختضع للرقابة القضائية .ويف هذا احلكم عدل جملس الدولة الفرنسي عن موقفه السابق وقضى بإلغاء مرسوم
احلل ،واكتفى اجمللس بقبول الطعن بعيب االحنراف بالسلطة يف هذا املرسوم مبجرد توافر شرط املصلحة الشخصية املباشرة للطاعن .وقد حتقق ذلك بانتماء
الطاعن إىل عضوية اجمللس الشعيب البلدي الذي مسه مرسوم احلل .وذات احلل تبناه جملس الدولة أيضا بالنسبة لعيب خمالفة القانون ،إذ اكتفى لقبول الطعن
بشرط املصلحة املضارة دون ضرورة وجود حق مكتسب مسه القرار املطعون فيه .انظر - :محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء
عليها،الطبعة األوىل ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330،ص . 10
التقديرية ،وأن ما يوجد هو ما يسمى بالسلطة التقديرية ،وان اختلف مداها بالنسبة لإلدارة من قرار إلى
()1
آخر.
يتضح مما سبق طرحه أن فكرة السلطة التقديرية تختلف عما كان يسمى باألعمال التقديرية من حيث
نطاق الرقابة القضائية .فإذا كانت األعمال التقديرية كما سبق وأن أشرنا أعاله ال تقبل الطعن باإللغاء إال
لوجود عيب في االختصاص أو في الشكل( ،)2فإن الق اررات اإلدارية الصادرة بناء على سلطة تقديرية تقبل
الطعن باإللغاء أيا كان وجه عدم المشروعية في القرار اإلداري ،أي سواء تعلق األمر بعيوب المشروعية
الخارجية ( الشكل و االختصاص) ،أو بعيوب المشروعية الداخلية ( المحل والسبب والغاية )(.)3
من هنا ،فإن السلطة التقديرية ال تمارس في هامش القانون أو النظام القانوني في مجمله كما كانت
تمارس طائفة األعمال التقديرية .فالسلطة التقديرية ليست إال وسيلة اعترف القانون بوجودها ،كما أنها ليست
()4
إال تنفيذا للقانون بما يتفق مع ظروف الحال والواقع.
تعد نظرية " أعمال السيادة والحكومة " من صنع القضاء اإلداري الفرنسي( .)5فقد كان مجلس الدولة
الفرنسي في خطر بعد سقوط "نابليون بونابرت" واعادة الملكية في فرنسا( ،)6إذ سعت الحكومة الملكية إلى
الحد من سلطات المجلس بكل الوسائل باعتباره من مخلفات نابليون(.)7
-1توفيق شحاتة ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النشر للجامعات املصرية ، 1166 ،ص .99
-2جتدر اإلشارة إىل أنه مل تعد توجد يف فرنسا اليوم أعمال تقديرية أو أعمال إدارية خالصة ،أي مل تعد توجد أعمال إدارية غري قابلة لإللغاء ،ويف ذلك
يقول "" Duguit
« Qu’aujourd’hui, en France, il n’ya plus d’actes discrétionnaires ou de pure administration,
c'est-à-dire d’actes pour lesquels l’intéressé ne serait pas recevable à demander l’annulation
au conseil d’Etat. » voir : http//www.ao-academy.org.
-3وذلك ما ستناوله بالتفصيل يف موضعه.
4
- http//www.ao-academy.org.
5
- Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général de droit
de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999,p 244.
-6إن الباحث يف القانون الفرنسي ال جيد أثرا هلذا النوع من األعمال يف ظل الثورة الفرنسية واإلمرباطورية األوىل ،ولعل مرجع ذلك أن فكرة أعمال السيادة
بوضعها احلاضر مل يكن هلا أية فائدة .فالقاعدة السائدة يف ذلك الوقت هي عدم مسؤولية اإلدارة عن أعماهلا .كما أن قاعدة الفصل بني السلطات حسب
التفسري الفرنسي هلا كانت متنع القاضي العادي من النظر يف كل ما يتعلق باإلدارة ،وتوكل األمر يف ذلك كله إىل اإلدارة العاملة نفسها لتتصرف فيه برأيها.
ملزيد من التفاصيل أنظر :سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ، 1129 ،ص . 109
-7املرجع نفسه ،ص . 101
أمام ذلك ،رأى المجلس أال يصطدم بالعهد الجديد( ،)1فحرص على مجاملته قضائيا باستبعاد األعمال
التي تثير حفيظته السياسية من الخضوع للرقابة القضائية( .)2واستسلم بذلك التجاه الحكم الملكي وسلم
بنظريته في أعمال الحكومة .فوجدت الحكومة فيها تبري ار لمنع القضاء من رقابة بعض أعمالها ،كما اعتبرها
()3
مجلس الدولة بمثابة فدية بسيطة مقابل عدم إقدام السلطة الجديدة على إلغائه.
يبدو أن نشأة هذه النظرية تعود للظروف التي أحاطت بمجلس الدولة الفرنسي ،وما ط أر على مركزه
القانوني من تطور ،استوجب منه أن يلتزم سياسة قضائية تجنبه قدر اإلمكان االصطدام بالحكومة( .)4وحتى
بعد أن أصبح قضاء مجلس الدولة مفوضا ،فإنه لم يتخلى عن نظرية أعمال السيادة .فهو ال يتعرض
للتصرفات التي تتعلق بكيان الدولة الداخلي والخارجي ،ولهذا فقد حدث رد فعل مضاد لهذه النظرية ،وأخذ
()5
الفقهاء يهاجمونها ويحاولون الحد منها على قدر اإلمكان.
لقد أعطيت عدة تعريفات لهذه النظرية ،وبالتالي سنعطي لمحة عن البعض منها فيما يلي ذكره :
-1بدأت فكرة عمل السيادة يف الظهور ألول مرة يف ظل ملكية يوليو .إذ كان أول حكم طبق هذه الفكرة هو قرار جملس الدولة الصادر يف أول ماي
1822يف قضية " – " Laffitteانظر :حممد تقية ،مبدأ املشروعية ورقابة القضاء على األعمال اإلدارية ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين
لألشغال الرتبوية ،1112،ص .199
-2عدنان عمرو ،مبدأ املشروعية -دراسة مقارنة،-الطبعة الثانية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2339 ،ص .13
-3مراد بدران ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،2338 ،ص . 28
-4عبد اهلل طلبه ،القانون اإلداري :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،1183 ،ص . 232
-5من الفقهاء من أراد القضاء كلية على "أعمال السيادة" واالستغناء عنها وتعويضها بأفكار أخرى أكثر قبوال واتفاقا مع مقتضيات العدالة واملساواة أمام
التكاليف العامة .ومن قبيل ذلك ما ذهب إليه البعض ( مثل ميشو ) من االستغناء عن هذه النظرية اليت تؤدي إىل تقرير عدم االختصاص بالدعوى أو عدم
قبوهلا دون التعرض للموضوع باملرة .ويرى االستعاضة عنها بفكرة سلطة اإلدارة التقديرية اليت تعطي اإلدارة مبقتضاها سلطة واسعة يف تقدير هذه األعمال
اليت تسمى اآلن بأعمال السيادة .وهذه السلطة تؤدي إىل رفض دعوى املسؤولية موضوعيا على أسوء الفروض ،ال احلكم بعدم االختصاص الذي يشعر
املدعي بقصور يف حتقيق العدالة ونكول عن القضاء – .انظر يف ذلك :عثمان خليل عثمان ،جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ،الطبعة اخلامسة،
عامل الكتب ،القاهرة ،سنة ، 1192ص.192
ويبدو أن جملس الدولة الفرنسي يتجه إىل تضييق األعمال اليت تدخل يف طائفة أعمال السيادة .ومن األعمال اليت نزع عنها هذه الصفة جند التصرفات
املتعلقة بالغنائم البحرية ( حكمه الصادر يف – 1199/1/11يف قضية الشركة البلجيكية ( )R . D . P ، 1198 . 80وقرارات رئيس اجلمهورية
اخلاصة باستعمال حق العفو – .انظر يف ذلك :عبد اهلل طلبه ،املرجع السابق ،ص . 231
فقد عرفها الدكتور ما جد راغب الحلو " :أعمال السيادة أو أعمال الحكومة هي طائفة من أعمال
السلطة التنفيذية أخرجها القضاء اإلداري الفرنسي من واليته ألسباب يغلب عليها الطابع التاريخي "(.)1
كما عرفت على أنها ":أعمال السيادة هي طائفة من أعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد
رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها"(.)2
أما األستاذ رشيد خلوفي" ،فقد عرفها بأنها ":إن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة ،كما يسميها بعض
الفقهاء هي ق اررات إدارية تحتوي على جميع عناصر القرار اإلداري ،لكن ال يستطيع القاضي إلغاءها"(.)3
وعرفها الدكتور مراد بدران ":يقصد بأعمال الحكومة أو كما يسميها البعض أعمال السيادة تلك
الطائفة من أعمال السلطة التنفيذية التي تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء ،والتي ال القاضي اإلداري وال
()4
القاضي العادي يعتبر نفسه مختصا بنظرها ،و بالتالي تخرج كلية عن الرقابة القضائية ".
كما عرفت ...":وباختصار يقصد بأعمال السيادة وأعمال الحكومة كل الق اررات التي تتخذها الحكومة
ممثلة في رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو أحد الوزراء ،تطبيقا لتوجه سياسي معين أو اختيار
حكومي محدد ،وكذا الشأن بالنسبة ألعمال المؤسسات السيادية األخرى كالقضاء والبرلمان والمجلس
الدستوري ،فمتى تقررت صفة عمل السيادة ،فليس للقاضي اإلداري إال الحكم بعدم االختصاص أيا كانت
()5
طلبات المدعي في دعواه ،أي سواء تعلقت باإللغاء أو التعويض".
المالحظة التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد ،تتمثل في أن المحاوالت الفقهية السابقة ،بدال من أن
تقوم بإعطاء تعريف دقيق لنظرية أعمال السيادة بطريقة موضوعية .اكتفت جميعها بذكر النتيجة المترتبة
على إعمال هذه النظرية أال وهي استحالة الرقابة القضائية.
وقد اختلف الفقهاء بشأن المعيار الواجب إعماله وتطبيقه للقول أن هذا العمل من أعمال السيادة
وبالتالي يحصن من الرقابة القضائية ،أم أنه عمل إداري عادي يخضع لرقابة القاضي اإلداري .وقد تمثلت
هذه المعايير في معيار الباعث السياسي ،معيار طبيعة العمل أو موضوعه ،و معيار استحالة الرقابة
القضائية.
-1ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333 ،ص .91
-2محد عمر محد ،املرجع السابق ،ص .99
-3رشيد خلويف :قانون املنازعات اإلدارية ،شروط قبول دعوى جتاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1119،ص
.91
-4مراد بدران ،املرجع السابق ،ص . 22
-5عبد العزيز نويري ،املنازعة اإلدارية يف اجلزائر-تطورها و خصائصها،-جملة جملس الدولة ،العدد الثامن ،2339 ،ص .80
وقد أخذ القضاء الجزائري بمعيار الباعث السياسي في قضية ( ي ج ب) ضد وزير المالية ،وهي
القضية المعروفة باستبدال الورقة النقدية من فئة 633دج( ،)1وذلك في قرار للمجلس األعلى بتاريخ
وقد ارتكز القاضي على الحيثيات التالية للفصل في هذا الموضوع( " :)3حيث أن الرقابة التي ()2
1189/1/2
يباشرها القاضي اإلداري على أعمال اإلدارة ال يمكن أن تكون عامة ومطلقة ...حيث أن إصدار وتداول
وسحب العملة يعد إحدى الصالحيات المتعلقة بممارسة السيادة ...حيث أن القرار المستوحى بالتالي من
باعث سياسي غير قابل للطعن فيه بأي من طرق الطعن ،وأن القرار الحكومي المؤرخ في 1892/4/9
والقاضي بسحب األوراق المالية من فئة 055دج من التداول وكذلك قرار فاتح جوان 1892الصادر عن
وزير المالية المتضمن تحديد قواعد الترخيص بالتبديل خارج األجل ،هما ق ارران سياسيان يكتسبان طابع
أعمال الحكومة ،ومن ثمة فإنه ليس من اختصاص المجلس األعلى اإلفصاح عن مدى شرعيتها و ال
مباشرة رقابة على مدى التطبيق".
فقد صرحت الغرفة اإلدارية بوضوح عن موقفها اتجاه مسالة تحديد أعمال السيادة ،بحيث استعملت
الباعث السياسي كمعيار لتحديد أعمال السيادة(.)4
تجدر اإلشارة إلى أن مجلس الدولة الجزائري – حسب علمنا – ومنذ تأسيسه لم يسبق وأن أتيحت له
الفرصة للتعبير عن موقفه من أعمال السيادة والحكومة .ويرى الدكتور " نصر الدين بن طيفور" " :أن ذلك
ليس راجعا إلى رغبة هذا القضاء في بسط رقابته على كل أعمال اإلدارة وعدم تحصين أي منها ،بقدر ما
قد يكون راجعا إلى عدم توصله بأي طعن في قرار ذي أهمية خاصة "(.)5
-1نصر الدين بن طيفور ،الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق و احلريات ،جملة جملس الدولة ،العدد ،2331 ، 31ص .02
-2اجمللس األعلى ،الغرفة اإلدارية ،القرار رقم 09920املؤرخ يف 2جانفي ،1189اجمللة القضائية للمحكمة العليا ،العدد ،9لسنة ، 1181ص
.211
-3تتلخص وقائع القضية يف أن السيد (ي ج ب ) تغيب خارج الرتاب الوطين من تاريخ .1182/9/8ويف 1182/9/10علم وهو خارج الوطن أن
السلطة اإلدارية اجلزائرية اختذت إجراء سحب الورقة 633دج من التداول يف الفرتة ما بني 13و .1182/9/12وبالتايل فإن السيد (ي ج ب) مل
يتمكن من تبديل األوراق من صنف 633دج اليت كانت حبوزته .فرفع تظلما إداريا لوزير املالية وحمافظ البنك املركزي اجلزائري ،وبعد رفض تظلمه توجه إىل
اجمللس األعلى يطلب بطالن القرار الذي رفض تظلمه اإلداري .
-4بشأن هذه القضية ،يقول األستاذ رشيد خلويف " :وما ميكن قوله يف هذا املوضوع هو عدم تطابق مبدأ دولة القانون الذي يفرض رقابة على احرتام مبدأ
املشروعية على كل األشخاص القانونية والطابع اللني للباعث السياسي الذي ترتكز عليه الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا " – انظر رشيد خلويف ،قانون
املنازعات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 99
-5نصر الدين بن طيفور ،الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق واحلريات ،جملة جملس الدولة ،العدد ،2331 ،31ص .20
إذا كانت نظرية أعمال الحكومة تتشابه مع نظرية السلطة التقديرية في كون األعمال في كلتا
النظريتين تصدر عن السلطة التنفيذية وأن كل نظرية منهما تعد نظرية قضائية .وأن كال النظريتين تعمالن
في ميدان واحد وهو اختصاصات السلطة التنفيذية .كما تشترك النظريتان في كون تطبيقهما جائز في أي
وقت ،إذ ال يتوقف إعمالهما على ظرف معين شأن الظروف االستثنائية( ،)1كما سنرى فيما بعد.
لكن بعض الفقهاء يرى بأن أعمال السيادة أو الحكومة هي ما تبقى من األعمال التقديرية( .)2أما
السلطة التقديرية ،فمحلها عنصر أو عناصر معينة من الق اررات اإلدارية(.)3
انطالقا من ذلك يتضح أن أعمال السيادة تفترق عن السلطة التقديرية في الجوانب اآلتية :
أ -إذا توافرت الشروط الشكلية في الدعوى التي يرفعها الشخص على أساس نظرية السلطة التقديرية ،فإن
القاضي يبحث في الموضوع ليقرر اإللغاء أو عدم اإللغاء .أما بالنسبة للدعوى المرفوعة على أساس نظرية
أعمال الحكومة فإن القاضي ال يبحث موضوعها إذا ما اعتبر أن العمل المطعون فيه ينتمي إلى أعمال
الحكومة .ومعنى ذلك أن اإلدارة إعماال لسلطتها التقديرية تبقى خاضعة للرقابة القضائية .وهذا على خالف
نظرية أعمال الحكومة التي تعتبر استثناء حقيقيا على مبدأ المشروعية( ،)4بحيث ال تخضع اإلدارة في
مباشرتها إلى أي رقابة( .)5هذا في حين تخول السلطة التقديرية لإلدارة قد ار الزما من الحرية في حدود قواعد
المشروعية فهي ال تنال من المشروعية ،بل تتكامل معها(.)6
ب -إن تقرير نظرية السلطة التقديرية يرجع إلى أسباب عملية يمكن التأكد من وجودها أو عدم وجودها.
وذلك بالرجوع إلى النص القانوني أو الحكم القضائي الذي يحكم المسألة ،للتأكد فيما إذا كان األمر داخال في
نطاق السلطة التقديرية لإلدارة .أما نظرية أعمال الحكومة فإنها ترجع في الغالب إلى أسباب سياسية ،ألن
إعفاء مثل هذا التصرفات من كل رقابة قضائية تبقى تبريراته سياسية أكثر منها قانونية(.)7
-1محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،الطبعة األوىل ،2330،ص . 61
-2لقد سبق وأن أشرنا إليها يف إطار متييزنا بني السلطة التقديرية األعمال التقديرية.
-3حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص . 86
-4سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330 ،ص .121
" -5و من هنا اعتربت أعمال السيادة و احلكومة نقطة سوداء يف جبني املشروعية ".انظر سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة
مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص . 10
د -إن األعمال الصادرة في إطار السلطة التقديرية يجوز طلب إلغائها ،كما يجوز طلب التعويض عنها.
فالرقابة القضائية على حدود السلطة التقديرية هي رقابة داخلية يعمق بها القاضي إلى موضوع القرار .حيث
يبحث سببه ومحله والغاية منه محققا في ذلك الوالية الكاملة لقواعد المشروعية( .)2أما بالنسبة ألعمال
الحكومة ،فإنها محصنة تماما من الرقابة القضائية سواء عن طريق اإللغاء أو عن طريق التعويض ،وأيا كان
األساس الذي تبنى عليه المسؤولية(.)3
-1يف ذلك تقول احملكمة العليا املصرية ":إن العربة يف حتديد التكييف القانوين ألي عمل جتريه السلطة التنفيذية ملعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أو
عمال إداريا ،هو ب طبيعة العمل ذاته ،فال تتقيد احلكومة وهي بصدد إعمال رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذي خيلعه املشرع على التصرفات
احلكومية وأعماهلا ،مت كانت طبيعتها تتناىف مع هذا الوصف و تنطوي على إهدار حق من احلقوق اليت كفلها الدستور " .انظر :حممد مصطفى حسن،
املرجع السابق ،ص .86
-2املرجع نفسه ،ص . 89
-3بالنسبة ملسلك القضاء اجلزائري ،فإن الدكتور نصر الدين بن طيفور يستغرب بعض الكتابات القانونية اجلزائرية اليت تذهب إىل إطالق وصف أعمال
السيادة أو احلكومة على بعض األعمال .مثل قرارات إعالن احلالة االستثنائية وحاليت الطوارئ أو احلصار بأهنا من األعمال السيادة ،دون أن يكون القضاء
قد قال كلمته فيها .إذ يقول " :فكيف ميكن أن تسمح لنا أنفسنا إعطاء القاضي مربرا مل مينحه له املشرع ومل يفصح هو عن رأيه فيه " .انظر- :نصر الدين
بن طيفور ،الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق واحلريات ،جملة جملس الدولة ،العدد ، 2331 ، 31ص . 02
-4اجمللس الدستوري هو مؤسسة دستورية صنفها املؤسس الدستوري ضمن املؤسسات الرقابية االستشارية .حيث يضطلع دون سواه من املؤسسات
الدستورية باختصاص الرقابة على دستورية القوانني واملعاهدات والتنظيمات طبقا للمادة 196من الدستور .ويتكون اجمللس الدستوري من 31أعضاء (0
أعضاء من بينهم رئيس اجمللس يعينهم رئيس اجلمهورية ،وباقي األعضاء الستة تنتخبهم كل من السلطة التشريعية (عضوان يتم انتخاهبما من طرف اجمللس
الشعيب الوطين ،و عضوان منتخبان من جملس األمة) و القضائية (عضو من احملكمة العليا وعضو من جملس الدولة).و قد وصفه األستاذ بن سهلة بن علي
بأنه" :منط متأصل خبصوصياته" .وأنه"أسلوب حديث يف تطبيق الرقابة الدستورية".مقال منشور يف جملة "إدارة" ،الصادرة عن املدرسة الوطنية لإلدارة،
،2331حتت عنوان اجمللس الدستوري بني الرقابتني السياسية والقضائية ودراسة مقارنة على ضوء التطور الدستوري يف اجلزائر ،ص.10
-5إن القيمة القانونية للنظام الداخلي للمجلس الدستوري مستمدة من نص املادة 192فقرة 2من الدستور اليت تكرس حق اجمللس الدستوري يف حتديد"
قواعد عمله".
فعن طعن في قرار أصدره المجلس الدستوري ،تضمن رفض قبول ترشح أحد المرشحين لالنتخابات
لعدم توفره على الشروط الواردة في المادة 20من دستور .)2(1119قضى مجلس ()1
الرئاسية لسنة 1111
الدولة بتاريخ 2331/11/12:بأنه ":حيث من الثابت أن المجلس الدستوري مكلف بموجب أحكام المادة
163من الدستور بالسهر على صحة عمليات انتخاب رئيس الجمهورية ،ومنها مراقبة الشروط المحددة
في المادة 33من الدستور وتفسيرها ،وحيث أن القرار الصادر في هذا اإلطار يندرج ضمن األعمال
الدستورية التي ال تخضع نظ ار لطبيعتها ،لمراقبة مجلس الدولة كما استقر عليه اجتهاده ،مما يتعين
التصريح بعدم اختصاصه للفصل في الطعن المرفوع"(.)3
طبقا لهذا االجتهاد الحديث نوعا ما لمجلس الدولة الجزائري فإن ق اررات المجلس الدستوري تخرج عن
الرقابة القضائية شأنها في ذلك شأن أعمال السيادة.
إذا سايرنا موقف مجلس الدولة في قضية الحال فإن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري في
إطار مراقبته لصحة عمليات االنتخابات الرئاسية وفقا لنص المادة 20من الدستور .فإنها تخرج عن رقابة
القاضي اإلداري العتبارها أعماال دستورية( .)4لكن األستاذ "غناي رمضان" في تعليقه على هذا القرار
الصادر عن مجلس الدولة ،وا ن كان يتفق مع هذا األخير في عدم قابلية ق اررات المجلس الدستوري لرقابة
مجلس الدولة ،إال أنه ال يرجع ذلك إلى كون هذه الق اررات تندرج صمن األعمال الدستورية ،كما ذهب إليه
قرار المجلس ،وانما في كونها على حد قوله(:)5
أوال :من أعمال المطابقة مع أحكام الدستور التي يختص بها المجلس الدستوري دون سواه من المؤسسات
الدستورية غير قابلة للرقابة القضائية.
-1رغم أن ذلك املرشح كان اجمللس الدستوري قد سبق وأن قبل ترشحه لالنتخابات السابقة لسنة 1116يف ظل دستور .1181أنظر يف ذلك :نويري
عبد العزيز ،املنازعة اإلدارية يف اجلزائر -تطورها وخصائصها ،-م جلة جملس الدولة ،العدد ،2339 ، 38ص .21
-2تشرتط املادة 20من دستور -:1119أن يكون املرشح من جنسية جزائرية أصلية-أن يدين باإلسالم-أن يبل من العمر 93سنة فأكثر-أن يتمتع
بكامل حقوقه املدنية والسياسية-أن يثبت اجلنسية اجلزائرية لزوجه-أن يثبت مشاركته يف ثورة التحرير بالنسبة للمولودين قبل شهر جويلية -1192أن يثبت
عدم تورط أبويه يف أعمال ضد ثورة التحرير بالنسبة للمولودين بعد جويلية -1192أن يقدم التصريح العلين مبمتلكاته العقارية.وباإلضافة إىل هذه الشروط
تنص الفقرة الثانية من هذه املادة على إمكانية إضافة القانون لشروط أخرى.
-3قرار صادر عن جملس الدولة حتت رقم 332821بتاريخ ،2331-11-12:جملة جملس الدولة ،العدد األول ،2332 ،ص.21
-2يصدر اجمللس الدستوري أعماله مبناسبة ممارسته الختصاصه بالرقابة على دستورية القوانني واملعاهدات والتنظيمات يف شكل قرارات و آراء:
-قرارات الرقابة الدستورية :يصدرها مبناسبة ممارسة الرقابة الدستورية على املعاهدات والقوانني والتنظيمات .عندما تكون واجبة التنفيذ(املادة 196فقرة
31من الدستور) ،أي بعد إصدارها من رئيس اجلمهورية و نشرها يف اجلريدة الرمسية .وهذه األعمال غري قابلة لرقابة القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية.
-آراء الرقابة الدستورية :ويتعلق األمر بالرقابة االختيارية لدستورية املعاهدات والقوانني والتنظيمات ،عندما تكون غري واجبة التنفيذ(املادة 196فقرة .)31
والرقابة الوجوبية لدستورية القوانني العضوية واألنظمة الداخلية لغرفيت الربملان (املادة 196فقرة 2و 0من الدستور).
-5غناي رمضان ،عن قابلية خضوع أعمال اجمللس الدستوري لرقابة القاضي اإلداري-تعليق على قرار جملس الدولة الصادر بتاريخ 2331/11/12جملة
جملس الدولة ،العدد ،2330 ،30ص.29
ثانيا :مرتبطة باختصاص مراقبة صحة العمليات االنتخابية التي هي من احتكار المجلس الدستوري ،بعد ما
كانت من نصيب المحكمة العليا في غرفتها اإلدارية ،في ظل دستور 1129ومن نصيب لجنة وطنية في
ظل دستور .1181
زد على ذلك ،فإن عدم قابلية هذه األعمال للرقابة القضائية يمكن استخراجها من مجموعة من
االعتبارات(:)1
-1أن الرقابة القضائية على هته األعمال قد تؤدي إلى ضرب مسعى المؤسس الدستوري الذي ضمانا
للنزاهة المطلوبة في العمليات االنتخابية منح اختص ـ ـ ــاص مراقبة هذه العمليات إلى المجلس الدستوري.
للصفة التي يتحلى بها ،كونه مؤسسة دستورية مستقلة ،يفترض أنها مؤهلة أكثر من غيرها لضمان هذه
النزاهة.
-2أن هذا االختيار الدستوري يحسم مسألة عدم وجوب خضوع أعمال مراقبة العمليات االنتخابية لرقابة
القاضي اإلداري .والعكس يكون صحيحا ،لو أن المؤسس الدستوري حول هذا االختصاص إلى أجهزة السلطة
التنفيذية ،أو أي سلطة مستقلة بسبب أن أعمالها تخضع لرقابة القاضي اإلداري استعماال لمختلف معايير
االختصاص القانونية والقضائية .
-0إن رجال القانون يرفضون فكرة إخضاع هذه الق اررات لرقابة القاضي اإلداري .ذلك أن هذه الق اررات ال
تندرج ضمن المهام اإلدارية ،وانما ضمن النشاطات الدستورية التي تباشرها السلطات العامة .والتي تخرج
بفعلها هذا عن رقابة القضاء( .)2وفي هذا الصدد اعتبر األستاذ" عبد الرزاق زوينة" أن الق اررات واآلراء
الصادرة عن المجلس الدستوري محصنة بالحجية المطلقة(.)3
هذا فيما يخص ق اررات المجلس الدستوري الصادرة عنه في إطار ممارسة اختصاص السهر على صحة
عمليات االنتخابات الرئاسية .أما فيما يتعلق باألعمال االستشارية التي يصدرها المجلس الدستوري لرئيس
الجمهورية وفق الحاالت والمسائل المذكورة في صلب الدستور( .)4فان هذه اآلراء وان كانت ال تنتمي إلى فئة
اآلراء الصادرة عن المجلس الدستوري في إطار ممارسة الرقابة الدستورية ،فإنها رغم ذلك ال يمكن أن تكون
موضوع الرقابة من قبل القاضي اإلداري لسببين:
-1فريدة أبركان ،مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،1112،ص.116
-2غناي رمضان ،املقال السابق ،ص81و.82
-3القانون العضوي 31-18املؤرخ يف 03ماي ،1118املتضمن اختصاصات جملس الدولة وتنظيمه وعمله .املعدل واملتمم بالقانون العضوي
10/11املؤرخ يف 29يونيو ،2311اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية عدد ،.90سنة.2311
-4غناي رمضان ،املقال السابق ،ص.82
-5كان جملس الدولة إىل غاية جوان 2336مستقرا على أن قرارات اجمللس األعلى للقضاء يف تشكيلته التأديبية قابلة للطعن بالبطالن .معتربا إياها أهنا
صادرة عن سلطة إدارية مركزية .وذلك يف قرار له بتاريخ ،1118-32-22:حتت رقم ،122119منشور يف العدد األول من جملة جملس الدولة ،ص
.80ويف 32جوان 2336صدر قرار عن الغرف اجملتمعة حتت رقم 319889غري هذا االجتهاد ،وكرس مبدء جديدا مفاده أن قرارات اجمللس األعلى
للقضاء يف تشكيلته التأديبية تكتسي طابعا قضائيا .وهبذه الصفة ال ميكن الطعن فيها بالبطالن ،وإمنا عن طريق النقض.
الحال بالنسبة للمجلس الدستوري .ولو كان معيار األعمال الدستورية موفقا لدخلت أعمال مجلس المحاسبة
()1
. والمجلس األعلى للقضاء في دائرة األعمال التي تخرج عن رقابة القاضي اإلداري
من خالل ما سبق طرحه ،يتضح أن األعمال الدستورية تفترق عن السلطة التقديرية من ناحيتين:
أوال :من ناحية الحجية :أن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري في إطار مراقبته لصحة عمليات
االنتخابات الرئاسية تكتسي حجية مطلقة( ،)2بينما ال تكتسي الق اررات الصادرة عن اإلدارة بناء على سلطتها
التقديرية مثل هذه الحجية ،ذلك أن هذه الق اررات كما سبق وأن أشرنا أعاله ال تندرج ضمن المهام اإلدارية،
وانما ضمن النشاطات الدستورية.
ثانيا :من ناحية الرقابة القضائية :أن القاضي عندما يتأكد له أنه أمام عمل من األعمال الدستورية ،فليس له
إال أن يقضي بعدم اختصاصه أيا كانت طلبات المدعي في دعواه .أي سواء تعلق األمر باإللغاء أو
التعويض( .)3أما السلطة التقديرية فال ينطبق عليها مثل هذا الوصف ،ألن القاضي الفاصل في المادة
اإلدارية يمارس عليها رقابته (.)4
إذا كان على اإلدارة واجب احترام القواعد القانونية عند قيامها بوظائفها ،فإن هذه القواعد عادة ما
تتناسب مع الظروف العادية فحسب .فإذا طرأت ظروف استثنائية كحالة حرب أو فتنة أو كارثة أو وباء،
وجدت اإلدارة نفسها مضطرة في سبيل القيام بواجباتها – في حفظ النظام العام وتسيير المرافق العامة – إلى
مخالفة بعض هذه القواعد والخروج على مقتضى مبدأ المشروعية كما هو معروف في الظروف العادية .وال
تثريب عليها في ذلك من حيث المبدأ .إذ أن القاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " التي أكدتها الشريعة
اإلسالمية تعد من القواعد المنطقية التي تمليها طبيعة األمور(.)5
لمعالجة حاالت الضرورة التي يمكن أن تواجهها اإلدارة أقام مجلس الدولة الفرنسي نظرية الظروف
االستثنائية .ونظ ار ألن غالبية فقهاء القانون اإلداري يصنفون هذه النظرية ضمن استثناءات مبدأ المشروعية
شأنها في ذلك شأن فكرة السلطة التقديرية .فقد ارتأينا أن نحدد المقصود بهذه النظرية ومضمونها ،ومدى
-1مصطلح" األعمال الدستورية "يفيد معنيني لدى عموم فقهاء القانون الدستوري :إما أن يكون العمل مطابقا ملقتضيات الدستور وإما مستمدا منه.
-2إن عدم حتديد الدستور حلجية قرارات اجمللس الدستوري الصادرة عنه يف إطار ممارسة اختصاص مراقبة مدى صحة العمليات االنتخابية ،يدفع الباحث
إىل استقصاء موقف املؤسس الدستوري الفرنسي من هذه النقطة .حبكم أن اختصاصات اجمللس الدستوري اجلزائري متاثل اختصاصات اجمللس الدستوري
الفرنسي الذي تعترب قراراته يف جمال مراقبة صحة العمليات االنتخابية هنائية حبكم املادة 9من دستور اجلمهورية الرابعة.
-3نويري عبد العزيز ،املقال السابق ،ص .80
-4وذلك ما سنعرض له بالتفصيل خالل الفصل الثاين.
-5ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ، 2333،ص . 92
الرقابة القضائية عليها .حتى نقف على أوجه االختالف بينها وبين السلطة التقديرية ،منعا للخلط بين
المفهومين.
ي كاد يجمع فقهاء القانون اإلداري الفرنسي عل أن نظرية الظروف االستثنائية هي نظرية من خلق
مجلس الدولة الفرنسي( .)1الذي قام بإنشائها من أجل سد العجز في القوانين ،لكي تتمكن اإلدارة من مواجهة
الظروف الصعبة التي تمر بها البالد(.)2
فقد ال حظ مجلس الدولة الفرنسي أن النصوص القانونية التي وضعها المشرع ال يمكن تطبيقها إال من
خالل إتباع شروط واجراءات معينة .وأن تلك الشروط واإلجراءات قد تستغرق مدة زمنية في بعض الحاالت؛
إذ أن ذلك سيحول دون التصرف السريع الذي تقتضيه مواجهة الظروف الصعبة .هذا باإلضافة إلى أن تلك
القوانين مهما كانت دقيقة ،فإنه ليس بإمكانها أن تلم بكل الظروف االستثنائية التي تمر بها الدولة؛ لذلك
اعتبر القاضي اإلداري أن اإلجراءات االستثنائية التي قامت بها اإلدارة خالل تلك الظروف تعد مشروعة
حتى ولو خالفت القواعد القائمة .ومن هنا نشأت نظرية الظروف االستثنائية(.)3
وقد أكد األستاذ " " Delaubadèreعلى هذه الخاصية؛ إذ اعتبر أن نظرية الظروف االستثنائية هي
نظرية قضائية أنشأها مجلس الدولة الفرنسي لمواجهة الظروف الخطيرة التي مرت بها فرنسا خالل الحرب
العالمية األولى( .)4ومقتضى هذه النظرية اعتبار إجراءات البوليس اإلداري غير المشروعة -نظ ار لمخافتها
للقوانين -بمثابة إجراءات مشروعة بسبب الظروف التي تمر بها الدولة .وذلك من أجل حماية النظام العام
وضمان استم اررية خدمات المرفق العام خالل تلك الظروف(.)5
-1لكن الدكتور سامي مجال الدين يذهب إىل أن نظرية الظروف االستثنائية أو كما يسميها " نظرية الضرورة" ،بدأت يف الظهور يف القانون العام يف الفقه
األملاين أوال ،مث تبعهم يف ذلك الفقه الفرنسي .أنظر:سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية،2330،
ص .118
-2مراد بدران ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،2338 ،ص .21
3
- Charles Debbach, droit administratif, 6éme édition, Economica, Paris, 2003, p 384.
-4لذلك كانت النظرية تطبق من قبل القاضي الفرنسي حتت ما عرف باسم " سلطات احلرب " .لتتبلور وتصبح فيما بعد نظرية الظروف االستثنائية .ذلك
أن جملس الدولة الفرنسي مل يقف بالنظرية عند ظرف احلرب ،بل سحب نظرية الظروف االستثنائية إىل فرتة الشدة اليت أعقبت احلربني العامليتني .وطبقها
أيضا يف األوقات الصعبة اليت يتعرض هلا اجملتمع يف فرتة السلم .انظر يف ذلك :ناصر لباد ،الوجيز يف القانون اإلداري ،الطبعة الرابعة ،دار اجملدد ،ص
. 121
5
- Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général de droit
de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999,p 276.
-2تعريف نظرية الظروف االستثنائية
إذا كان القضاء الفرنسي – كما رأينا – هو الذي قام بتأصيل نظرية الظروف االستثنائية ،إال أنه لم
يقم على الرغم من ذلك بوضع تعريف محدد لها أو لحاالتها أو بوضع معيار عام لها .والسبب في ذلك راجع
إلى مرونة الفكرة؛ إذ يمكنها أن تستوعب صو ار كثيرة من األزمات التي تمر بها الدولة(.)1
أما بالنسبة للقضاء الجزائري ،فإنه أسوة بنظيره الفرنسي لم يعرف نظرية الظروف االستثنائية بل أشار
– هو اآلخر – إليها فقط .إذ اعتبرها من صنع القضاء .وقد كان ذلك في قرار صادر عن الغرفة اإلدارية
بالمجلس األعلى بتاريخ 23جانفي 1192في قضية بين الصندوق المركزي إلعادة تأمين التعاضديات
الفالحية ) (C. C. R . M . Aوو ازرة الفالحة واإلصالح الزراعي( .)2فقد أكد القاضي في إحدى حيثياته أن
نظرية الظروف االستثنائية هي نظرية ذات مصدر قضائي( .)3وبالتالي فإن القاضي الجزائري يكون قد أقر
بأن النظرية من صنع القضاء الفرنسي ،على اعتبار أن هذه القضية جاءت مباشرة بعد االستقالل ،فإن
القاضي الجزائري كان يقصد دون أن يشعر القاضي الفرنسي(.)4
-4جتدر اإلشارة إىل أن الصياغة اليت كان يستعملها القاضي اجلزائري بعد االستقالل مباشرة تعد صياغة دالة وواضحة.،كما تدل على متتعه بثقافة قانونية
واسعة .ولكن بعد ذلك وخاصة بعد األ زمة السياسية اليت عرفتها اجلزائر من خالل إلغاء االنتخابات التشريعية لسنة 8998وحل اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ،
جند بأن القرارات القضائية ترددت يف استعمال مصطلح "الظروف االستثنائية" .حيث استعملت بعض القرارات عبارة " القوة القاهرة" لتربير تلك
املخالفات ،على الرغم من أن األمر ال يتعلق بالقوة القاهرة .انظر يف ذلك :مراد بدران ،املرجع السابق ،ص . 28
إذا كان القضاء قد امتنع عن وضع تعريف للظروف االستثنائية ،فإن بعض الفقه قد حاول إعطاء
تعريف لها وذلك من خالل محاولة الدخول في أعماق العبارة .فقد عرفها األستاذ " ريفيرو " على أنها :
"األوضاع الفعلية التي تؤدي إلى نتيجتين :وقف العمل بالقواعد العادية اتجاه اإلدارة ،وذلك بتطبيق
مشروعية خاصة اتجاه هذه القواعد ،و يقوم القاضي بتحديد مقتضيات هذه المشروعية الخاصة "(.)1
أما األستاذ " ،" Delaubadèreفلقد اعتبر أن نظرية الظروف االستثنائية تعد ":بناء قانونيا وضعه
مجلس الدولة الفرنسي ،و الذي بمقتضاه فإن بعض أعمال اإلدارة التي تعتبر غير شرعية في الظروف
العادية ،يمكن أن تصبح أعماال شرعية في بعض الظروف نظ ار ألنها ضرورية لحماية النظام العام ،وسير
المرافق العامة"(.)2
أما األستاذان " "Riveroو" "walineفقد اعتب ار أن الظروف االستثنائية هي عبارة عن " حاالت
مادية ذات أثر مزدوج ،فهي تؤدي من جهة إلى توقيف سلطة القواعد العادية اتجاه اإلدارة ،كما أنها تؤدي
من جهة أخرى إلى تطبيق شرعية خاصة يحدد القاضي متطلباتها على تلك األعمال "(.)3
في نفس السياق ،عرفها األستاذ لحسن بن شيخ آث ملويا كما يلي " :يقصد بعبارة الظروف
االستثنائية ،والتي هي ذات مصدر قضائي ،كل إخالل أو تشويش خطير للحياة االجتماعية ،وينتج عن
ذلك على الخصوص أنه يستحيل على السلطات العامة احترام كل متطلبات الشرعية ،فإذا كان الهدف من
الشرعية هو ضمان النظام في المجتمع المدني ،فإنه بإمكان الظروف المضطربة أن تبرر المساس
بالشرعية بغية إعادة النظام االجتماعي كما كان في السابق"(.)4
إن المالحظة التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد ،تتمثل في أن المحاوالت الفقهية السابقة بدال من أن
تقوم بإعطاء تعريف دقيق لنظرية الظروف االستثنائية بطريقة موضوعية ،فإنها ركزت على عناصر أو
شروط الظروف االستثنائية والمتمثلة في -:وجود أحداث حظيرة واستحالة أو صعوبة كبيرة في التصرف طبقا
لقواعد الشرعية العادية ،وضرورة التصرف بسرعة للحفاظ على مصلحة عامة مهددة بشكل كبير( .)5وانطالقا
1
-" par circonstances exceptionnelles, on entend … certaines situations de fait qui ont le double
effet , de suspendre l’autorité des règles ordinaires à l’égard de l’administration et de
déclencher l’application à ces actes d’une légalité particulière dont le juge définit les
exigences." Voir : Jean Rivero, Jean Waline, droit administratif, 14 Emme édition, Dalloz, Paris,
1999 ,p 88
2
- André Delaubadère, opcit, p 94.
3
- Jean Rivero, Jean Waline, opcit, p 7.
-4حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية ،الطبعة الثانية ،دار هومه ، 2339 ،ص .13
-5مراد بدران ،املرجع السابق ،ص . 00
من ذلك ،فإن جانبا من الفقه قد ذهب إلى أنه ال يمكن إعطاء تعريف لفكرة الظروف االستثنائية ،اعتبا ار من
أنها فكرة غير واضحة ،فهي تختلف من حالة إلى أخرى(.)1
لقد اعترفت الدساتير لرؤساء الدول باتخاذ إجراءات لحماية األرواح والممتلكات عند المساس بالجانب
األمني .فمن حق الرئيس تقرير الوضع غير العادي بإعالن حالة الحصار أو الطوارئ أو الحالة االستثنائية
أو حالة الحرب .بحيث تتخذ السلطة التنفيذية من التدابير ما يكفل استتباب األمن داخل الدولة(.)2
من أهم صالحيات رئيس الجمهورية الحفاظ على أمن الدولة بموجب سلطاته الدستورية في اتخاذ
التدابير واإلجراءات في مجال الضبط اإلداري الوطني ( البوليس اإلداري ) .وبالرجوع إلى الدستور الجزائري،
نجد أن لرئيس الجمهورية أن يتخذ في حالة تهديد األمن واالستقرار الوطني التدابير المناسبة واإلجراءات
الكفيلة بدرء ذلك الخطر .وبالتالي الحفاظ على النظام العام(.)3
من أهم الوسائل القانونية لتحقيق ذلك ،نجد السلطات القانونية المخولة لرئيس الجمهورية في إعالن
حالة الحصار ،حالة الطوارئ ،الحالة االستثنائية و حالة الحرب(.)4
-1هناك من الفقهاء من خيلط بني نظرية الظروف االستثنائية والقوة القاهرة رغم االختالف بينهما .فشروط هذه األخرية تعد أكثر تشددا من شروط
النظرية األوىل .ألن القضاء يتطلب يف حالة القوة القاهرة استحالة مواجهة اخلطر باإلجراءات العادية .أما يف حالة الظروف االستثنائية فإنه يكتفي بوجود
صعوبة كبرية يف إتباع قواعد الشرعية العادية .ومن جهة أخرى ،فإن الواقعة املنشئة للقوة القاهرة جيب أن تكون مستقلة دائما عن إرادة املتعاقد الذي يتمسك
هبا ،يف حني أن الظروف االستثنائية من املتصور أن يكون لإلدارة دخل يف حدوثها .كأن جتتاح البالد اضطرابات هتدد سالمتها نتيجة صدور بعض القرارات
االقتصادية .انظر يف ذلك :تقيده عبد الرمحان ،نظرية الظروف االستثنائية يف النظام القانوين اجلزائري ،رسالة ماجستري ،جامعة عنابة ،1183،ص .131
-2عمار بوضياف ،الوجيز يف القانون اإلداري ،جسور للنشر ، 2332 ،ص . 118
-3حممد الصغري بعلي ،القانون اإلداري ،دار العلوم ،عنابة ،2339 ،ص .292
-4بالنسبة لدستور ،1190فقد اكتفى بالنص يف املادة 61على السلطات املتعلقة بالسلطات االستثنائية فقط .حيث جاء فيها ما يلي" :يف حالة
اخلطر الوشيك الوقوع ميكن لرئيس اجلمهورية اختاذ تدابري استثنائية حلماية استقالل األمة ومؤسسات اجلمهورية " .أما دستور سنة 1129فقد نص عل
عدة حاالت يف املواد من 111إىل ،120واليت متيز بني احلاالت التالية :حالة الطوارئ ،حالة احلصار ،احلالة االستثنائية وحالة احلرب .أما دستور
1181فقد أعاد تبين هذه احلاالت يف مواده من 89إىل 11اليت تنص على هذه الظروف االستثنائية ،واليت تتدرج خطورهتا كما يلي :حالة الطوارئ،
حالة احلصار ،احلالة االستثنائية وحالة احلرب .وقد احتفظ دستور 1119يف مواده من 11إىل 19بنفس احلاالت – .انظر يف ذلك :ناصر لباد،
الوجيز يف القانون اإلداري ،الطبعة الرابعة ،دار اجملدد ،اجلزائر ،بدون تاريخ ،ص .181
أ -حالة الحصار و حالة الطوارئ
لم يميز الدستور الجزائري في المادة 11منه بين حالة الحصار وحالة الطوارئ .إذ ال نجد أي فرق
بين الحالتين ،ما دام أن الجهة المختصة بتقرير الحالتين واحدة .والشروط الموضوعية لتقرير الحالتين واحدة
كذلك( الضرورة الملحة ) .واجراءات ومدة الحالتين والجهة المختصة باتخاذ التدابير الالزمة لمواجهة الحالتين
تعد واحدة هي األخرى .كما أن تمديد الحالتين يكون بنفس الطريقة(.)1
بالنسبة لحالة الحصار ،فقد أعلنت ف الجزائر في 9جوان 1111بموجب المرسوم الرئاسي رقم
119/11الذي نظم حالة الحصار( .)2حيث خولت المادة 32منه ":لرئيس الجمهورية أن يتخذ كافة
اإلجراءات القانونية والتنظيمية بهدف الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة ،واستعادة النظام والتسيير
العادي للمرافق العمومية" .وبناء على ذلك فقد خولت السلطات العسكرية صالحيات واسعة تتمثل فيما
يأتي(:)3
-إمكانية إجراء تفتيشات ليلية ونهارية في المحال العمومية والخاصة وكذلك المساكن.
-منع إصدار المنشورات واالجتماعات والنداءات العمومية التي يعتقد أنها كفيلة بإثارة الفوضى وانعدام
األمن.
تتسم حالة الحصار بالشدة والصرامة ،ويظهر ذلك في السلطات الموسعة التي تخول للسلطة العسكرية
وما يترتب عنها من تقييد للحقوق والحريات.
-1و ذلك رغم اختالف درجة اخلطر يف كل حالة عن األخرى ،حيث تتضمن حالة الطوارئ تقييدا أوسع للحريات العامة هبدف احلفاظ على النظام العام،
من خالل تقييد حرية األشخاص يف االجتماع واالنتقال واملرور والتجول واإلضراب .بينما يتم نقل العديد من سلطات اهليئات واألجهزة املدنية إىل اهليئات
العسكرية يف حالة احلصار .انظر يف ذلك - :صايف عبد اهلل ،سلطات رئيس اجمللس الشعيب البلدي يف الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة أم
البواقي ،2338،ص .111وحم مد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية ،دار العلوم للنشر والتوزيع ، 2331 ،ص 21وعمار بوضياف ،الوجيز
يف القانون اإلداري ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر والتوزيع ،2332،ص . 19
-2املرسوم الرئاسي رقم 119 / 11املؤرخ يف 9جوان 1111املتضمن حالة احلصار ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية ،العدد رقم ،21املؤرخة يف
12جوان ، 1111السنة ، 28ص .1382
-3انظر املادة 8من املرسوم نفسه ،ص ،1388و قد مت رفع حالة احلصار هذه مبوجب املرسوم الرئاسي رقم 009/ 11املؤرخ يف 1111/31/22
املتضمن رفع حالة احلصار ،اجلريدة الرمسية املؤرخة يف 26سبتمرب ،1111العدد ، 99السنة ،28ص . 1989
أما بالنسبة لحالة الطوارئ ،فقد شهدتها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 99/12المتضمن إعالن
حالة الطوارئ ،المؤرخ في 1فبراير .)1(1112الذي أعلنت فيه حالة الطوارئ لمدة 12شهرا ،غير أنه تم
تمديد هذه المدة بموجب المرسوم التشريعي رقم 32 / 10إلى أجل غير مسمى ،حيث تنص المادة األولى
منه على " :تمدد حالة الطوارئ ،المعلنة في المرسوم الرئاسي رقم 44 / 82المؤرخ في 8فبراير 1882
المذكور أعاله "(.)2
أما من حيث االختصاصات الموسعة لإلدارة في حالة الطوارئ ،فحسب المادة 93من المرسوم
الرئاسي رقم ،99 / 12فقد خولت هذه الحالة لوزير الداخلية والوالي ،وفي إطار توجيهات الحكومة
صالحيات القيام بما يلي :
*تنظيم و نقل المواد الغذائية و السلع ذات الضرورة األولى و توزيعها .
*وضع تحت اإلقامة الجبرية كل شخص راشد اتضح أن النشاط الذي يقوم به مضر بالنظام العام.
*تسخير العمال في حالة اإلضراب الغير شرعي ألداء مهامهم ،سواء داخل المؤسسات العامة أو الخاصة.
بالرجوع إلى المادة 11من الدستور نجدها قد أرجعت سبب إعالن الحالتين – الحصار والطوارئ–
إلى قيام الضرورة الملحة بفعل حوادث ووقائع من شأنها تهديد أمن الدولة ،والتي يعود تقرير مدى وجودها
إلى السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية( .)3حيث جاء في المادة 11من دستور " :1119يقرر رئيس
الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة حالة الطوارئ ،أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس األعلى
-1املرسوم الرئاسي رقم ،99/12املؤرخ يف 1فرباير ، 1112املتضمن إعالن حالة الطوارئ ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية ،العدد رقم ،13املؤرخة
يف 1فرباير ،1112ص .286
-2املرسوم التشريعي رقم 32/10املؤرخ يف 9فرباير ،1110املتضمن متديد حالة الطوارئ ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية ،العدد ،38املؤرخة يف
2فرباير ، 1110ص .36و جتدر اإلشارة إىل أن حالة الطوارئ قد مت رفعها مبوجب األمر 31/11املؤرخ يف 20فرباير ،2311املتضمن رفع حالة
الطوارئ ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية ،عدد .12
-3حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 21
األمن واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة والوزير األول ورئيس المجلس
()1
الدستوري ،ويتخذ كل التدابير الالزمة الستتباب الوضع".
نظر للقيود التي ترد على الحريات العامة بفعل هاتين الحالتين ،فإن الدستور جعلهما مؤقتين أي لمدة
ا
محددة تبين في المرسوم الرئاسي المعلن لكل منهما .كما ال يمكن تمديد أي منهما إال بموافقة البرلمان
المنعقد بغرفتيه حماية لتلك الحريات .حيث جاء في المادة 11فقرة األخيرة " وال يمكن تمديد حالة الطوارئ
أو الحصار إال بعد موافقة البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا ".
وقد نصت المادة 12من الدستور عل " :يحدد تنظيم حالة الطوارئ وحالة الحصار بموجب قانون
عضوي"( ،)2وهو ما لم يتم إلى حد اآلن ،بالرغم من أهميته بالنسبة للحقوق في إطار ما يسمى
ب " :المشروعية الخاصة "(.)3
-1إذا قارنا مضمون املادة 11أعاله واملادة 10من الدستور املتعلقة باحلالة االستثنائية ،فإننا جند بأن عبارة " يتخذ كل التدابري الالزمة الستتباب الوضع"
الواردة يف املادة 11واسعة جدا .فهي غري مقيدة مبجاالت حمددة ألهنا تشمل أي تدبري الزم الستتباب الوضع .وذلك خبالف املادة 10املتعلقة باحلالة
االستثنائية .فاختصاصات رئيس اجلمهورية مقيدة ،إذ تشمل فقط اإلجراءات اليت تستوجبها احملافظة على استقالل األمة واملؤسسات الدستورية يف اجلزائر،
دون أن تتعدى إىل غريها من اإلجراءات .لذلك ليس من اخلطأ القول بأن السلطات اليت يتمتع هبا رئيس اجلمهورية يف ظل نظام حالة احلصار والطوارئ
أوسع بكثري من سلطاته يف احلالة االستثنائية .وذلك عكس املشرع الفرنسي الذي جعل سلطات رئيس اجلمهورية يف احلالة االستثنائية أوسع من حاليت
الطوارئ واحلصار ،ألن السلطات االستثنائية اليت يتمتع هبا يف احلالة االستثنائية بإمكاهنا أن متتد لتشمل كل اإلجراءات اليت تتطلبها احلالة االستثنائية .أما
يف حاليت احلصار والطوارئ فإن سلطاته االستثنائية تقتصر عل جمال البوليس اإلداري فقط .أما يف ظل احلالة االستثنائية فإهنا تتجاوز جمال البوليس
اإلداري.ملزيد من التفاصيل راجع :ن مراد بدران ،الرقابة القضائية عل أعمال اإلدارة العامة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية،
اإلسكندرية ، 2338،ص 219إىل . 221
-2إن أهم ما مييز حالة احلصار وحالة الطوارئ عن احلالة االستثنائية يف فرنسا هو أن تنظيم حالة احلصار والطوارئ مرتوك للمجال التشريعي .أما احلالة
االستثنائية فتم تنظيمها بنص دستوري .وال جمال لتدخل املشرع يف تنظيمها .أما بالنسبة للمشرع اجلزائري ،فإننا جند بأن املؤسس الدستوري اجلزائري قامن
على خالف املؤسس الدستوري الفرنسي ن بتحديد اإلجراءات االستثنائية اليت جيوز اختاذها يف حالة احلصار والطوارئ .وإذا تقيدنا هبذه املادة ،فإنه ميكن
القول بأن املؤسس الدستوري اجلزائري مل يرتك أي جمال للمشرع فيما يتعلق حباليت احلصار والطوارئ ،مادام أنه نظم بنفسه كل شيء .سواء السلطة املختصة
بتقرير احلالتني أو اإلجراءات الواجبة اإلتباع يف ذلك أو مدة احلالتني وكيفيه متديدمها .واجلهة املختصة باختاذ اإلجراءات االستثنائية الواجبة ملواجهة
احلالتني .لذلك يتساءل الدكتور "مراد بدران" عن جدوى وجود املادة 12املذكورة أعاله .ذلك أنه إذا كنا قد توصلنا حلد اآلن بأن املؤسس الدستوري مل
يرتك أي جمال للمشرع يف تنظيم حالة الطوارئ أو حالة احلصار .فإن هذه املادة األخرية ال ميكن أن تتماشى مع املادة 11اليت مل ترتك أي جمال للسلطة
التشريعية فيما يتعلق حباليت احلصار والطوارئ .لذلك فهو يتساءل عن املسائل اليت يستطيع أن ينظمها املشرع استنادا للمادة 12من دستور .1119انظر
يف ذلك- :مراد بدران ،املرجع السابق ،ص 223و ما بعدها .
-3حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنزاعات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 21
()1
ب -الحالة االستثنائية
إذا ما تزايد الخطر عل أمن الدولة وأصبح النظام العام مهددا ،يلجأ رئيس الجمهورية إلى إعالن الحالة
االستثنائية( ،)2طبقا للقواعد والشروط الواردة خاصة بالمادة 10الدستور والمتمثلة فيما يأتي :
* يمكن إعالن الحالة االستثنائية لدى وشوك قيام خطر داهم ،والذي يكون من شأنه أن يهدد الدولة في
هيئاتها أو استقالل أو سالمة ترابها .وهو األمر الذي يرجع تحديده إلى رئيس الجمهورية بما له من سلطة
تقديرية(.)3
*لصحة إعالن الحالة االستثنائية بموجب مرسوم رئاسي ،يجب التقيد وااللتزام بمجموعة من اإلجراءات
ضمانا للحريات العامة .وهو ما يتمثل في :استشارة كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس
األمة والمجلس الدستوري ،االستماع من خالل عقد اجتماع تحت رئاسة رئيس الجمهورية إلى كل من
المجلس األعلى لألمن ومجلس الوزراء باإلضافة إلى اجتماع البرلمان .أما بالنسبة للمدة فإنه خالفا للحالتين
السابقتين ،فاألصل أن مدة الحالة االستثنائية غير محددة بفترة معينة .ومع ذلك لرئيس الجمهورية إنهاؤها
ورفعها بموجب مرسوم رئاسي مع اللجوء إلى اإلجراءات نفسها المتعبة لدى إعالنها تطبيقا لقاعدة توازي
األشكال(.)4
يستند إعالن حالة الحرب إلى وجود عدوان خارجي على البالد سواء وقع فعال أو يوشك أن يقع .وذلك
كله طبقا لقواعد القانون الدولي الواردة أساسا في ميثاق األمم المتحدة .وذلك وفقا للمادة 16من الدستور
التي جاء فيها " :إذا وقع عدوان فعلي على البالد أو يوشك أن يقع حسب ما نصت عليه الترتيبات
المال ئمة بميثاق األمم المتحدة ،يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد اجتماع مجلس الوزراء و االستماع
-1إن نطاق االختصاصات اليت ميارسها رئيس اجلمهورية خالل حالة احلصار وحالة الطوارئ تكون مشاهبة لالختصاصات اليت ميارسها خالل احلالة
االستثنائية .لذلك يطرح التساؤل حول جدوى إدراج املادة 10يف الدستور كحالة إضافية تتسع فيها سلطات البوليس اإلداري ،حبيث ال تقتصر على جمال
البوليس بل قد تشمل جماالت أخرى .وهي املالحظة اليت أبداها األستاذ "امحد حميو" عندما كان يتحدث عن تلك احلالة اليت أشار إليها دستور 1129
حيث يقول " :ويف احلقيقة ،فإننا ال نرى يف ظل غياب نص تطبيقي حيدد هذه اإلجراءات االستثنائية بالضبط ،ما هو الفرق املوجود بني احلالة االستثنائية
وحالة الطوارئ أو حالة احلصار ،وبقدر ما يتعلق األمر بتقييد احلريات العامة واحلقوق األساسية ،فإن حاليت الطوارئ و احلصار تسمح بالوصول إىل هذا
اهلدف ،إن إدخال درجة ثالثة من اخلطورة ال تبدو الزمة ." ...انظر يف ذلك - :امحد حميو ،حماضرات يف املؤسسات اإلدارية ،ترمجة حممد عراب صاصيال،
الطبعة الثالثة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،1186 ،ص . 606
-2قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،2339 ،ص. 36
-3لقد عرفت اجلزائر احلالة االستثنائية ابتداء من 0أكتوبر ،1190واليت نتج عنها تطبيق املادة 61من دستور .1190انظر يف ذلك :ناصر لباد،
املرجع السابق ،ص . 181
-4حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية،دار العلوم للنشر التوزيع ،2331،ص .20
إلى المجلس األعلى لألمن ،واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة ،و يجتمع
البرلمان و جوبا ويوجه رئيس الجمهورية خطاب لألمة يعلمها بذلك " .ووفقا للمادة 19فإن إعالن حالة
الحرب يؤدي إلى ترتيب النتائج اآلتية :توقيف العمل بالدستور ،وتولي رئيس الجمهورية جميع السلطات،
وتمديد العهدة الرئاسية إلى غاية نهاية الحرب .
ومقتضى كل هذه اآلثار والنتائج المترتبة على حالة الحرب هو تخويل رئيس الجمهورية السلطات
واالختصاصات التي تمكنه من اتخاذ جميع التدابير الكفيلة باستتباب األمن ،والحفاظ على كيان الدولة
وسالمتها.
بعد إعطائنا لمحة موجزة عن مضمون نظرية الظروف االستثنائية وتطبيقاتها في الجزائر ،يتضح لنا
بأن نظرية السلطة التقديرية تتفق مع نظرية الظروف االستثنائية في أن كال منهما يتضمن توسيعا لدائرة
االختصاصات الممنوحة لإلدارة .كما أن اإلدارة تظل في الحالتين خاضعة لرقابة القضاء إن إلغاء أو
تعويضا .حيث "يختص القضاء اإلداري بفحص مشروعية العمل اإلداري ،بغض النظر عما إذا كان هذا
العمل يتمتع بقوته العادية أم بقوة استثنائية خاصة ،ألن هذه االستثنائية ليس لها أدنى تأثير على خضوع
العمل للرقابة القضائية أو عدم خضوعه له"(.)1
مع ذلك فإن هناك بعض الفروق الهام ــة بين النظريتي ـ ـ ـ ــن تتمثل فيما يأتي:
أ -إن االختصاصات الممنوحة لإلدارة بمقتضى نظرية الظروف االستثنائية تعد أوسع مدى من
االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة بناء على نظرية السلطة التقديرية .فاإلدارة في الحالة األولى لها أن
تخرج عن القواعد القانونية العادية ،وبالتالي اتخاذ اإلجراءات االستثنائية التي تتطلبها مواجهة األزمة التي
تتعرض لها .أما في حالة السلطة التقديرية فإن اإلدارة تبقى تتصرف في حدود الشرعية العادية ،حتى ولو
كان لها حرية التصرف في نطاق تلك الشرعية(.)2
ب -إن االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة في ظل الظروف االستثنائية مرهونة ببقاء واستمرار هذه
الظروف ،لذا فإن اختصاصات اإلدارة هنا تكون مؤقتة( .)3أما االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة في ظل
نظرية السلطة التقديرية فإنها ال تتوقف على فترة زمنية محددة ألنها ال ترتبط بظروف خاصة ،فمن حق
اإلدارة ممارستها في ظل الظروف العادية أو في ظل الظروف االستثنائية .
-1سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري و الرقابة على أعمال االدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330،ص .101
-2مراد بدران ،املرجع السابق ،ص .29
-3عدنان عمرو ،مبدأ املشروعية-دراسة مقارنة ،-الطبعة الثانية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2339 ،ص .26
ج -إذا كان القضاء يسمح لإلدارة بمخالفة القواعد القانونية في ظل الظروف االستثنائية ،فإن ذلك مشروط
بوجود أزمة تهدد اإلدارة وتعذر أو يصعب مواجهتها بواسطة القوانين العادية( .)1أما االختصاصات التقديرية
التي تمارسها اإلدارة ،فإن القضاء ال يشترط مثل تلك الشروط ألن اإلدارة تكون فيها حرة في تقدير مالءمة
التصرفات التي تقوم بها .
الفرع األول
أساس السلطة التقديرية
وكثير ما
ا إن االعتراف بالسلطة التقديرية كسلطة قانونية يستلزم تحديد األساس القانوني لهذه السلطة.
يحدث الخلط بين األساس والمعيار ،لكن األساس هو اإلجابة على التساؤل :ما هو مصدر الفكرة؟ أما
المعيار فهو مضمون السؤال " كيف توجد السلطة التقديرية "؟(.)6
-1لذلك ال يصح القول بأن السلطة التقديرية هي استثناء يرد على مبدأ املشروعية ملوازنته أو للتخفيف من آثاره.انظر يف ذلك :سامي مجال الدين ،القضاء
اإلداري ،املرجع السابق ،ص .18
-2العريب زروق ،التطور القضائي جمللس الدول الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القضاء اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة ،العدد ،38
،2339ص .112
- 3سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة ،القاهرة ،1112 ،ص . 83
-4ذلك أنه يف األعمال اليت تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية يكون املشرع هو من اعرتف لإلدارة بقدر من احلرية يف التصرف ،و إال ملا أطلقنا على العمل
اإلداري أنه صدر بعنوان السلطة التقديرية.
-5سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري و الرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330 ،ص .212
-6حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129 ،ص .99
وقد ظهر أثر الخلط في النظريات التي عرضت لتأصيل أساس السلطة( .)1مع ذلك يمكن تقسيم هذه
االتجاهات إلى نوعين :أحدهما يصدر أساسا عن عالقة القانون بالمعنى الواسع بالسلطة التنفيذيـة ،وثانيهما
يلجأ إلى بحث ذي مالمح تاريخية .واالتجاه األول يسلك منهجا سلبيا ببحثه ما يترك للسلطة التقديرية .أما
اآلخر فسمته اإليجاب ألنه يتابع وجود السلطة التقديرية الذاتي والمستقل .ونناقش كال منهما فيما يأتي:
أوال :النظرية السلبية
تبحث هذه النظرية المجال الذي تتركه القيود والقواعد القانونية لحرية اإلدارة .وقد تبنى هذه الوجهة من
النظر كثير من فقهاء القانون العام .فهناك فكرة التدرج عاصرتها وورثتها نظرية الحق الشخصي ،وأخي ار فكرة
عدم التحديد من جانب القانون(.)2
-1نظرية تدرج القوانين
هي فكرة ترجع في األساس إلى نظرية الفقيه النمساوي "" كيلسن"" .وتعني هذه الفكرة أن القواعد
القانونية في المجتمع إنما تتدرج فيما بينها في مراتب مختلفة .حيث تقيد القاعدة األعلى القاعدة األدنى منها
درجة ،وهذه األخيرة تتضمن تخصيصا للقاعدة األولى .وبمعنى آخر أن كل قاعدة قانونية في التدرج القانوني
بالدولة تتخذ لها صفتين :
فهي قاعدة منفذة ومخصصة للقاعدة األعلى منها درجة من ناحية ،ومنشئة في ذات الوقت للقاعدة
األدنى منها درجة من ناحية أخرى( .)3وهذا اإلنشاء يبدو كضرورة ،فالقاعدة األعلى – وهي مجردة – ال
يمكن أن تحدد كل العناصر المادية التي تدخل في مجال تنفيذها تحديدا كامال .ومن هنا يظهر دور السلطة
التنفيذية في نمو القانون(.)4
إن هذا الرأي ال يمكن فهمه إال على ضوء األفكار التي تقوم عليها المدرسة النمساوية .فهذه المدرسة
ترى أن كل عمل قانوني يتضمن تخصيصا لقاعدة أعلى وتقييدا لقاعدة أدنى .وبمعنى آخر ،ترى هذه
المدرسة أن كل القواعد القانونية ترجع إلى أصل واحد يطلقون عليه ( )Normeهذا األصل العام ال يمكن
تطبيقه إال بإضافة عناصر جديدة إليه لمواجهة الحاالت الفردية( .)5فاألصل العام في المساواة مثال،
يخصص إلى حد ما بالقواعد الواردة في الدساتير كتلك التي تقرر مساواة المواطنين أمام الوظائف العامة ،ثم
-1كما أن اخللط يقوم أيضا بني األساس و اجملال و املربرات .والواقع أنه يتعني اإلشارة إىل أن مربرات السلطة التقديرية هي إجابة عن السؤال :ملاذا
وجدت؟ ،أما األساس :فكيف و جدت؟ ،وعن املعيار فكيف ستوجد ؟ ،وعن اجملال :أين توجد يف عناصر القرار اإلداري.
-2نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص .01
-3سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111 ،ص . 63
-4رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها ،دار
-5سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 62
يتدخل المشرع فيزيد من هذا التخصيص ،إذ يصدر قانونا عاما يوضح فيه القواعد التفصيلية ألحكام الوظيفة
العامة .ثم يزيد التخصيص إلى درجة أكبر حين تصدر السلطة التنفيذية الئحة تنفيذية تتضمن التفاصيل
الجزئية والشروط الالزمة لتنفيذ األحكام التي يتضمنها كل من قانون التوظيف ،والدستور .وأخي ار يصل
التخصيص إلى نهايته ،بحيث تستنفذ القاعدة القانونية أغراضها بصدور قرار إداري بتعيين أحد المواطنين في
وظيفة عامة ،وقيامه بمهام منصبه(.)1
واضح من التدرج السابق أن القاعدة القانونية العليا تقيد الدنيا ،ولكنها في نفس الوقت مقيدة بالقاعدة
التي تعلوها ،حتى نجد في القمة األصل العام ،وفي نهاية السلم القرار التنفيذي( .)2وتدخل السلطة التنفيذية
لتخصيص القاعدة القانونية ال يكون إال بإضافة قيود جديدة إلى القاعدة العليا واال كان التخصيص وهميا(.)3
وهذه الحرية ليست إال السلطة التقديرية لإلدارة .لكن هذا التخصيص ال يصدر عن حرية مطلقة بل عن حرية
مقيدة ،ألن كل قاعدة دنيا يجب أن يتم تخصيصها في نطاق القاعدة العليا حتى نصل إلى األصل العام
الذي يقيد جميع تصرفات السلطة العامة في الدولة .هكذا يكون التقييــد والتقدير متالزمين بحيث ال يمكن
الفصل بينهما(.)4
ال شك أن األفكار التي جاءت بها هذه المدرسة تحتوي على جانب من الصحة ،من حيث تدرج
القواعد القانونية .غير أن ما يؤخذ على هذه النظرية أنها تضيق من نطاق السلطة التقديرية في إطار
التخصيص ووضع العناصر الجديدة .في حين أنه قد تتحقق كذلك حالة االختيار بين ق اررين أو أكثر ،أو
االمتناع عن اتخاذ القرار أو اختيار الوقت المناسب لالتخاذ .وفي هذه الحاالت جميعا ال توجد أية إضافة
لعناصر جديدة على القاعدة القانونية األعلى( .)5كما أن طبيعة السلطة التقديرية تختلف تماما عن طبيعة
القاعدة القانونية( .)6ضف إلى ذلك أن القضاء وحده هو المسلم له بهذا االختصاص سواء عن طريق التفسير
التفسير أو تقييد القاعدة المجردة ،وذلك لما تتميز به ق ارراته من قوة والزام(.)7
-1سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص .92
-2نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة،دراسة مقارنة،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية،سنة 1912هجرية،،ص .92
-3املرجع نفسه ،ص . 98
-4محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة و مدى رقابة القضاء عليها ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ، 2330 ،ص .122
-5تقوم آراء "دايسي" على فكرة أن القاعدة القانونية اليت تعين سيادة القانون على حنو حيول دون ختويل احلكومة أي سلطة حتكمية أو امتياز أو تقدير
مطلق .ويذهب "دايسي" إىل تعريف سيادة القانون تعريفا يرتكز على ثالثة أمور أساسية هي :التمسك بالتزام حدود القانون الصادر من الربملان ،وتأكيد
الوضع املتميز للحريات االجنليزية بوصفها متولدة عن الشريعة العامة .وأخريا إنكار السلطة التقديرية وتأكيد رقابة القضاء يف مقابلتها .ويعد هذا العنصر
األخري أهم ما مييز نظرية "دايسي" ولسيادة القانون يف رأي "دايسي"عدة واجهات متميزة أمهها:
(أ) أن األفراد ال جيوز معاقبتهم أو فرض أي قانون يؤذيهم يف أبداهنم وأمواهلم إال بسبب انتهاك متميز لقانون يكون قد شرع بالطريقة القانونية العادية،
وأن تتقرر املخالفة أمام احملاكم العادية للدولة ،ومن مث فإن سيادة القانون تعارض كل نظام سياسي مؤسس على ممارسة األشخاص الذين يف احلكم
سلطات من القهر واسعة وحتكمية و تقديرية.
(ب) أن كل شخص خيضع للقانون العادي للدولة ،وكل تصرف يكون حمل مساءلة يدخل يف والية احملاكم العادية وحدها...وهلذا فإن الصفة العامة
لشخص املعتدي ال حتميه كفرد.
ويرى "دايسي"أن القانون يتميز متاما عن اإلدارة ،فالقانون هو جمموعة قواعد خاصة تطبقها احملكمة العادية .يف حني أن اإلدارة تعين السلطة
التقديرية والتحكم الوظيفي .لذا عرف "دايسي" سيادة القانون بأهنا "السمو املطلق باملقابلة لتأثري السلطة املتحكمة .وهي تستبعد لذلك وجود
التحكم أو االمتياز أو حت السلطة التقديرية الواسعة من جانب احلكومة" .ملزيد من التفاصيل راجع :سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة
التقديرية لإلدارة ،املرجع السابق ،ص .12
مأخذ هذه الفكرة أنها تخلط بين التاريخ والموضوع .فبحث أساس السلطة التقديرية سابق لبحث القاعدة
وعالقتها بالتقدير .كما أن العالقة بين القواعد واألشخاص القانونية ال تنال من الوضع الواقعي الذي يكون
فيه رجل اإلدارة وحرية تقديره لبعض النواحي المادية .إذ أن هذه النظرية تقتصر فائدتها على تحديد مجال
التقدير أو معيار قيامه ،ال على بيان أساس السلطة التقديرية(.)1
كما ينتقد هذا الرأي بأنه "متطرف" ،ويصل إلى تقييد تصرفات اإلدارة إلى حد بعيد .إذ يجعل منها
مجرد أداة لتطبيق القانون .وهو بذلك يسلبها القدرة على االبتكار ويجردها من عنصر االستقالل في مباشرة
يعض التصرفات على األقل .كما أن هذا الرأي يؤدي إلى توسيع مدلول مبدأ المشروعية على حساب ضغط
()2
سلطة اإلدارة وتقييد دائرة حريتها في التصرف ،بل يصل إلى شل هذه الحرية.
لذلك ذهب البعض إلى عكس هذا الرأي ،بالقول أن الخضوع للقانون"ال يحجب ما تتمتع به الهيئات
العامة من سلطة التقدير الحر لكثير من تصرفاتها ،حتى تتمكن من حسن أدائها وظائفها وحتى ال ينقلب
نشاطها آليا يعطل سير المرافق العامة ويصم القانون بالجمود والتخلف"(.)3
ثانيا :النظرية االيجابية :فكرة المشروع
تقوم هذه الفكرة على أساس أن اإلدارة بما تباشره من أنشطة متعددة ال تختلف عن مشاريع األفراد
الخاصة .بمعنى أن اإلدارة العامة بهيئاتها المختلفة عبارة عن مشروع يشبه إلى حد كبير المشروعات
الخاصة لألفراد .وطالما أن هؤالء األفراد يتمتعون عند إدارتهم لتلك المشروعات بسلطة تقديرية فإنه يجب
االعتراف كذلك لإلدارة بمثل هذه السلطة( .)4وفكرة المشروع إذن هي العامل الذي يجسد نشاط كل من اإلدارة
واألفراد ،ومن ثم فهي أساس تمتع كل منهم بقدر من حرية التصرف عند إدارته النشاط الخاص به(.)5
وهكذا تتبلور اإلجابة عن التساؤل المطروح عن سبب تخلي القواعد القانونية عن تحديد النشاط اإلداري
أحيانا .وبمعنى آخر سبب تمتع اإلدارة باالستقالل وحرية التقدير في ممارسة النشاط اإلداري ،وبالتالي
سلطات اإلدارة بوصفها المدير المسؤول أو الرئيس لهذا المشروع .فالسلطة التقديرية أمر يرتبط بطبيعة
المشروع ،بحيث يتعين النظر إلى النشاط اإلداري بوصفه من المشروعات(.)6
العامة .مث يتطرق "فينيزيا" إىل قضاء جملس الدولة الفرنسي ليحاول التدليل على أن القضاء اإلداري يعرتف أيضا بقيام صفة املشروع يف النشاط اإلداري
وذلك من خالل قضييت"البون"و " هرييه" ،حيث استخلص منهما أنه عندما تقوم املسؤولية على حتقيق غاية معينة يقوم املشروع .وحينئذ توجد السلطة
التقديرية .ملزيد من التفاصيل أنظر يف ذلك :نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص 98و .91نقال عن:عصام عبد الوهاب الربزجني ،السلطة التقديرية والرقابة
القضائية على أعمال االدارة ،دكتوراه ،حقوق القاهرة،1121،ص .999
-1سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص . 23
-2سامي مجال الدين ،التنظيم اإلداري للوظيفة العامة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ، 1113 ،ص 13و ما بعدها.
-3املرجع نفسه ،ص .21
-1يستدل األستاذ "حممد مصطفى حسن" على ذلك بأنه يف جمال املسؤولية اإلدارية والعقود اإلدارية نلمس بوضوح هذا االقتباس املستمر .كما أن
النظريات الدستورية املختلفة يف العقد االجتماعي عند "هوبز" و"جان جاك روسو" تصدر مجيعا عن فكر احلياة اخلاصة .فاحلياة اخلاصة يف األسرة والقبيلة
سبقت بال شك احلياة العامة يف الدولة احلديثة .أنظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص
.21
-2نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص .62
-3املرجع نفسه ،ص .62
-4حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص .21
-5املرجع نفسه ،ص .82
لفرع الثاني
مبررات السلطة التقديرية
إذا كانت السلطة التقديرية تتيح لإلدارة حرية االختيار والتصرف ،فإنها تعد بهذا الوصف جوهر اإلدارة
ذاتها وامتيا از أساسيا ورئيسيا من امتيازاتها ،بل وسمة من السمات المميزة لها .إذ تمارس اإلدارة في الواقع
نشاطا إنسانيا يستعصي بطبيعته على أن يقيد تقييدا تاما بقواعد قانونية محددة وموضوعة سلفا .من هنا
يجمع الفقه على ضرورة االعتراف بها لإلدارة ،ويبررون ذلك بحجج عديدة ارتأينا تصنيفها إلى مبررات عملية
وأخرى فنية.
أوال :المبررات العملية
تستن د السلطة التقديرية لإلدارة إلى اعتبارات عملية تمنح اإلدارة عدة اختيارات لمواجهة الواقع الذي ال
يستطيع المشرع أن يتصوره مسبقا ،وال يمكن للقاضي معايشة مالبساته وتفاصيله(.)1
وحرية اإلدارة التي تتمثل في سلطتها التقديرية ،هي ضرورة عملية فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالمشرع،
وفيما يتعلق بعالقتها بالقضاء(.)2
-1فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالمشرع
إن السبب الرئيسي لقيام السلطة التقديرية يرجع إلى اعتبارين أساسيين :
أ -االعتبار األول
مرده أن السلطة التقديرية لإلدارة تجد أساسها وتبريرها في أن المشرع عند سنه للنصوص القانونية في
شكل عام ومجرد ،ال يمكن أن يحيط علما بمجمل الوقائع بما تحمله من احتماالت مختلفة وحاالت متباينة
وفروع وجزئيات متداخلة ومتشابكة( .)3وال مناص في مثل تلك المجاالت من أن يكتفي المشرع بوضع
الضوابط العامة أو القيود العامة .ويترك اإلدارة في نطاقها تتصرف بقدر من الحرية والتقدير ،ألنها أقدر
بحكم اتصالها بالواقع اليومي أن تواجه األمور بالوسائل المناسبة والمالئمة.
مثال في مجال الضبط اإلداري ،من الممكن أن يحدد المشرع سلطات اإلدارة والقيود الهامة ،ولكنه ال
يستطيع مقدما وبطريقة مسبقة أن يبين أي حالة واقعية بذاتها يمكن استعمال هذه السلطة أو تلك .كذلك في
شأن الترقيات إلى الوظائف العليا ،ال يستطيع المشرع مقدما أن يحدد معايير دقيقة للكفاءة والجدارة في كل
الحاالت ،إذ هناك ضرورة عملية تدعو إلعطاء السلطة اإلدارية قد ار البأس به من التقدير وحرية
االختيار.)4(.
-1حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،2331،ص.11
-2سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص .00
-3حممد فؤاد عبد الباسط ،القرار اإلداري ،اإلسكندرية ،دار الفكر اجلامعي ،2333،ص .212
-4حممد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات احلليب احلقوقية ،دون تاريخ ،ص .611
لذلك نجده -أي المشرع -يعترف لجهة اإلدارة بقدر من الحرية ،اعتبا ار من أنها األقرب ميدانيا واألكثر
اتصاال بالحياة اليومية الجارية ،واألكثر علما بالمعطيات الجديدة والمسائل غير المشمولة بالنص(.)1
ب-االعتبار الثاني
يرجع إلى الخبرة والتجارب التي تكتسبها اإلدارة ووسائلها الخاصة التي تستقي منها معلوماتها ،والروح
العملية التي تستمدها من إشرافها المستمر على الم ارفق العامة في الدولة .ولهذا السبب فإن المشرع مهما
راعى الحذر والتبصر ،ال يمكنه أن يحدد جميع أوجه مناسبة العمل اإلداري(.)2
فعجز المشرع عن اإلحاطة مقدما بكل تفصيالت العمل اإلداري ،خاصة في الدولة المتدخلة التي
غزت مختلف مجاالت النشاط الخاص بما فيه من مفاجآت ومواقف غير متوقعة .جعل المشرع غالبا ما
يكتفي بصياغة قواعد التشريع بشكل عام ومجرد ،تاركا مواجهة دقائق األمور وتفصيالتها لإلدارة صاحبة
االختصاص األول في التنفيذ .بل وحتى في حالة ما إذا وضع المشرع قواعد قانونية تفصيلية لكيفية مباشرة
نشاط معين ،فإن التطورات المتالحقة والتغيرات الدائمة التي تط أر – وهذا أمر حتمي – على هذا النشاط
تباعد في الواقع كثي ار بينه وبين تلك القواعد القانونية التي وضعت لتحكمه في زمن معين أو في ظل ظروف
معينة .والتي يصعب كذلك أن تعدل وتغير بشكل دائم ومستمر ،لما في ذلك من تناقض مع ما يجب أن
يتسم به التشريع من ثبات واستقرار .لذلك فإنه يصبح من الحتمي االعتراف لإلدارة بقسط من الحرية حتى
تواجه مثل هذه التطورات أو تلك التغيرات .أي االعتراف لها بسلطة تقديرية تواجه بها متطلبات الموقف
الجديد( ،)3وتسد عن طريقها ما يشوب التشريع القائم من ثغرات وفجوات دون النظر إلجراءات صدور تشريع
آمر .وهي إجراءات – كما نعلم – صعبة و معقدة تستغرق في الغالب وقتا طويال .خاصة في الحاالت
العاجلة التي تتطلب فيها المصلحة العامة ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ عن أمن الدولة أو على
النظام العام ،أو لمواجهة أية ظروف طارئة لم تكن في الحسبان(.)4
وتخلي المشرع عن تقييد اإلدارة في شأن مسألة إدارية ما ،ال يفيد حتما تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية في
الجوانب التي لم يقيدها المشرع فيها .إذ من المتصور أن يكون مرجع عدم التقييد هو عجز المشرع من
-1عمار بوضياف ،القرار اإلداري ،الطبعة األوىل ،جسور للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2332 ،ص . 98
-2حممد بن طاهر ،املادة 2من القانون 20 – 13وانعكاساهتا على القضاء اإلداري ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية،
،1112ص .126
-3رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص 62و .60
-4هذا ما يؤكده جملس الدولة الفرنسي يف احلكم الصادر يف قضية » « Doublierبتاريخ 20أكتوبر ،1161حيث يقرر يف هذا احلكم أن على
اإلدارة – عند حدوث موقف خطري أو غري متوقع – التزام بالعمل بالتصرف مبواجهة هذا املوقف ،و ذلك دائما حيقق و يصون النظام العام .ومما جاء فيه:
« L’administration a l’obligation d’agir à raison de la gravité du péril résultant d’une situation
particulièrement dangereuse pour le bon ordre, la sécurité et la salubrité publique ».
انظر يف ذلك :نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة -دراسة مقارنة ،-جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص .91
الناحية الفنية أو القانونية عن ذلك ،و ليس التخلي بإرادته الحرة عن التقييد مع توافر القدرة عليه بهدف منح
اإلدارة السلطة التقديرية ،ومثال ذلك إجراءات الضبط اإلداري(.)1
-2فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالقضاء
ال يستطيع القاضي – أيضا -أن يمد رقابته إلى الجانب التقديري من نشاط اإلدارة ألنه مهما وضع
أمامه من معلومات ،ومهما قام بأبحاث وتحريات حول موضوع النزاع سيكون بعيدا عن المكان الذي تتم فيه
الوقائع التي تستلزم تدخل اإلدارة .كما أنه يصدر حكمه عادة بعد مضي زمن قد يمتد سنوات عديدة بعد وقوع
تلك الحوادث .مما يستحيل معه أن يكون صورة مماثلة تمام المماثلة للحالة وقت وقوعها .كما تنقصه الخبرة
الكافية لمواجه الحاالت التي تعرض على اإلدارة .باإلضافة إلى عدم إحاطته بالوسائل التي تتخذها اإلدارة
()2
لدرء هذه الحاالت.
لكل هذه االعتبارات ،يجب التنويه إلى أن سلطة اإلدارة التقديرية مسألة ضرورية ،البد من التسليم بها.
إذ هي ترتبط بطبيعة الوظيفة اإلدارية ويفرضها الصالح العام .ويؤكدها عجز المشرع عن تنظيم جزئيات
وتفصيالت األعمال اإلدارية(.)3
الخالصة أن السلطة التقديرية هي حقيقة واقعية .وهي أمر تستلزمه مقتضيات النشاط اإلداري(.)4
وذلك في وقت تواجه فيه اإلدارة اليوم حركة تحول أساسية ومستمرة ،شملت مختلف الجوانب االقتصادية
()6
والسياسية واالجتماعية( .)5إضافة إلى الثورة التقنية الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر.
ال ريب في أن هذه التحوالت التي تستلزم التغيير والتطور الدائمين ،تتطلب إدارة عامة على أعلى
مستوى من األداء والفاعلية ومن ثم فإن المصلحة العامة لن تتوافق مع إدارة مبرمجة السلوك مثل اإلنسان
اآللي( .)7وانما يستلزم تحقيق هذه المصلحة العامة أن تكون لإلدارة العامة سلطتها التقديرية بالقدر الكافي
لمواجهة التحوالت الكبرى التي يشهدها عالم اإلدارة العامة اليوم في أهدافها ووسائلها ودورها ونشاطها ،حتى
تكون على الدوام متوافقة مع الظروف المتغيرة والمتجددة .ضمانا لحسن يسر العمل اإلداري ،مما ينعكس
باإليجاب على حقوق األفراد وحرياتهم(.)8
من هنا ،تبدو السلطة التقديرية كضرورة اجتماعية ال غنى عنها .وكوسيلة مثلى لتحقيق المصلحة
العامة .بل ولضمان المشروعية في المجتمع .ذلك أن الغاية من النشاط اإلداري هي تحقيق المصلحة العامة
-1صايف عبد اهلل ،سلطات رئيس اجمللس الشعيب البلدي يف الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة أم البواقي ،2338،ص .102
-2توفيق شحاتة ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النشر للجامعات املصرية ،القاهرة ،1166 ،ص .992
-3عبد اهلل طلبه ،القانون اإلداري :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،1121،ص .00
-4حممد رفعت عبد الوهاب ،املرجع السابق ،ص .611
-5ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333 ،ص .63
-6سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف اإلسكندرية ، 2330 ،ص .218
-7عدنان عمرو ،مبدأ املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2339،ص .96
-8سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص .68
وهو ما يمثل عنصر المشروعية فيه( .)1أما الوسائل المؤدية إلى تحقيقها فهي أمر يتعين أن يترك لتقدير
()2
اإلدارة باعتبارها من عناصر المالءمة في هذا العمل أو النشاط.
ثانيا:المبررات الفنية ( اعتبار الكفاءة اإلدارية )
تقضي مبادئ علم اإلدارة بأ ن حسن قيام اإلدارة بوظيفتيها يتطلب تمتعها بقدر من السلطة التقديرية،
يسمح لها باستخدام إرادتها في ممارسة اختصاصاتها وتطبيق القانون بما يتفق والواقع الذي تحتك به .إذ أن
القانون مهما بلغ شموله وزادت دقته ال يقوى على اإلحاطة بجزئيات ال حصر لها .كما أن تطبيق القانون
على الحاالت الفردية يقتضي تشغيل الفكر والتدبر .وتؤدي المبالغة في تقييد حرية اإلدارة إلى جمودها وشل
حركتها وتقليل فعاليتها ،بل وعدم أدائها مهامها على النحو الالئق).(3
وعليه فإ ن اإلدارة ال يمكن أن يقتصر دورها على أن تكون مجرد تابع للقانون .ومجرد آلة صماء أو
أداة لتنفيذه تنفيذا حرفيا .بل يتعين منحها القدرة على االختيار واالعتراف لها بقدر من حرية التصرف ،حتى
ال توصف بالجمود وحتى تنمو لديها ملكة االبتكار والتجديد .مما يكفل في النهاية حسن سير المرافق العامة
بانتظام واطراد(.)4
إن خبرة اإلدارة وتجاربها المكتسبة في إدارة المشروعات العامة ،نتيجة احتكاكها الدائم بالعمل وظروفه
المتغيرة ،يجعلها في الواقع أقدر من غيرها على تقدير مناسبة األعمال المختلفة .وكذلك في استنباط الضوابط
اإلدارية المالئمة لتلك األعمال .األمر الذي يبرر االعتراف لها بقدر من حرية التصرف والتقدير عند مباشرة
مختلف أوجه نشاطاتها .خاصة أن معظم النصوص التشريعية ال تحدد بطريقة صريحة ومحددة وسيلة وكيفية
()5
تنفيذها ،تاركة مثل هذه المسائل لإلدارة صاحبة اإلمكانيات الفنية والخبرة العملية في هذا المجال.
-1حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية،مطبعة عاطف ،1129،ص .123
2
- pour M. Giraud, « la raison d’être du pouvoir discrétionnaire est double : c’est tout d’abord, la difficulté pour le
législateur d’adapter les règles générales qu’il formule à l’extrême variété de la vie sociale , sans cesse
changeante , et la nécessité de laisser l’administration mieux placée pour connaitre et pour juger, procéder sans
entrave aux constatations techniques et générales à la suite desquelles elle prendra les mesures nécessaires pour
assurer la marche des services publics et l’exécution des lois. C’est en second lieu, l’expérience, les moyens
d’information et L’esprit pratique de l’administrateur supérieur à ceux du juge. ». Jean Rivero, Jean Waline, droit
administratif, 14 Emme édition, Dalloz, Paris, 1999 ,p 88.
3
- André Delaubadère,Yves gaudement traité de droit administratif, tome1,Libraire général de
droit de jurisprudence,16 Emme édition, Paris,1999,p225.
4
- Thierry Cathala, le contrôle de la légalité administrative par les tribunaux judiciaires,
L.G.D.J, Paris, 1996,p 29 et suivantes.
-5عدنان عمرو ،املرجع السابق ،ص 99و .96
بالتالي فإن السلطة التقديرية هي أمر ال غنى عنه لإلدارة ،التي أصبحت في الوقت الحاضر إدارة
خدمات .حتى تتمكن من أداء ووظائفها على أكمل وجه تحقيقا للمصلحة العامة في مختلف المجاالت(.)1
فاإلدارة بحكم تنظيماتها الضخمة مآلها في كل الدول إلى الحركة البطيئة الثقيلة .واذا جاء المشرع أو القاضي
ليحدد لها بدقة كل ما يمكن عمله بنصوص مقيدة دائما ،فإن النتيجة ستكون قتل روح الخلق واإلبداع لدى
الجهاز اإلداري .وفي ذلك بال شك ضرر بالمصلحة العامة للمواطنين ،ألن اإلدارة هي ذراع الدولة في البناء
والتعمير وانشاء المرافق العامة وحماية األمن الداخلي والخارجي .وهي ال تستطيع القيام بتلك المسؤوليات
بدون قدر هام من حرية التقدير وبالذات بدون أن يترك لها حق اختيار الوسائل التي تراها مالئمة لتحقيق
المصالح واألهداف العامة).(2
وليس في ذلك االعتراف أي إضرار بحقوق األفراد و حرياتهم) ،(3خاصة مع حرص المشرع والقضاء
على عدم االعتراف بالسلطة التقديرية لإلدارة إال بالقدر الالزم والضروري لتحقيق أهدافها دون أن تضر
بحقوق األفراد و حرياتهم).(4
وعليه فان السلطة التقديرية هي وسيلة إلحياء روح العدالة اإلنسانية في التطبيق الفردي للقاعدة
القانونية .ذلك أ ن هذه القاعدة تقرر في الواقع نفس المبادئ واألحكام لعدد ال نهائي من الحاالت الفردية
المستقبلية التي ال تتطابق حتما مطابقة تامة ،بل هي في الغالب تتفاوت وتختلف عن بعضها البعض بشكل
أو بآخر(.)5
وهذا التفاوت واالختالف يظهر في كثير من األحيان عدم مالءمة القاعدة القانونية ،بل وقسوتها أحيانا في
التطبيق الفردي ،ولذلك فإن اإلدارة تستطيع عن طريق سلطتها التقديرية أن تبعث في التطبيق الفردي للقاعدة
القانونية تلك الروح اإلنسانية والعدالة التي فقدتها بسب تجر يدها وتعميمهما(.)6
والصالح العام ذاته يقتضي أن يكون لإلدارة سلطة تقديرية تواجه بها – في حاالت معينة– كافة
االحتماالت المتوقعة أو غير المتوقعة .وذلك حتى ال يصاب المجتمع في مثل تلك الحاالت بالشلل
واالرتباك .األمر الذي ال يجدي معه أي احترام للقوانين القائمة أو التقيد بأحكامها .ولهذا فقد قيل بأن دور
اإلدارة ال يمكن أن يقتصر على مجرد أن تكون تابعا للقانون ،بل يتعين منحها القدرة على االختيار
واالعتراف لها بقدر من حرية التصرف حتى ال توصم بالجمود ،وحتى تنمو لديها ملكة االبتكار والتجديد.
-1العريب زروق ،مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا :النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية ،جملة جملس الدولة ،العدد
الثامن ،2339،ص .113
-2حممد رفعت عبد الوهاب ،املرجع السابق ،ص .612
-3فالسلطة التقديرية ليست خطرية يف ذاهتا ،ولكن اخلطورة تكمن يف ممارسة األشخاص الذين ميتلكوهنا.
-4أنور طلبه ،املرجع السابق ،ص . 00
-5حممود حممد حافظ ،القضاء اإلداري ،دراسة مقارنة ،الطبعة الرابعة ،دار العربية القاهرة ،1192 ،ص .98
-6املرجع نفسه ،ص . 98
مما يكفل في النهاية ليس فقط حسن سير المرافق العامة وما يعود على المجتمع من جراء ذلك من نفع
وخير ،وانما أيضا النهوض واالرتقاء بالمصلحة العامة للجماعة(.)1
هكذا أصبحت فكرة السلطة التقديرية اليوم من أهم األفكار األساسية التي يقوم عليها القانون اإلداري
لدرجة أن» « Walineربط تعريف هذا القانون بتلك الفكرة( .)2وفي ذلك يقول" :إذا كان األمر يستلزم
تعريف القانون اإلداري ،فإنني أقول ،فلندع جانبا ،الجانب الذي يتناول المؤسسات اإلدارية بالتعريف،
والتي يتشابه في نطاق هذا القانون مع غيره من القوانين ،ولكن تعريف القانون اإلداري ينصب أساسا
حول دراسة السلطة التقديرية لإلدارة ،وما يرد عليها من قيود من اجل الحفاظ على حقوق األفراد
والموظفين العموميين"(.)3
autorités administratives et de sa limitation en vue de la sauvegarde des droits des tiers ». Jean Rivero, Jean Waline, droit administratif, 14
-3نبيلة عبد احلليم كامل ،دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية (االجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا) ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،1110،ص.32
المطلب الثالث
حدود السلطة التقديرية
إذا كا نت السلطة التقديرية تثبت لإلدارة نتيجة غياب القواعد القانونية المنظمة للنشاط اإلداري بصدد
موضوع ما .فإنه يتعين علينا أن نبين بدقة كيفية تقييد العمل أو القرار اإلداري أو إطالق حرية اإلدارة في
شأنه أو في شأن عنصر أو أكثر من عناصره ،حتى يتسنى معرفة المجاالت التي تظهر فيها السلطة
التقديرية لإلدارة(.)1
من المسلم به أن للقرار اإلداري خمسة عناصر أو أركان هي :االختصاص ،الشكل ،السبب ،المحل
والهدف .ولقد استقر الفقه والقضاء اإلداريان على أن جميع أركان القرار الخمسة تعد مجاال للتقييد والتقدير
بحسب موقف المشرع والقضاء منها .وأن سلطة اإلدارة التقديرية تختلف من ركن آلخر من أركان القرار(.)2
ومن ثم تجسدت حدود السلطة التقديرية في أوجه المشروعية المختلفة التي يجب على اإلدارة احترامها
()3
وعدم تجاوزها.
الفرع األول
الحدود الخارجية للسلطة التقديرية لإلدارة
تشمل الحدود الخارجية للسلطة التقديرية األركان اآلتية:
ركن االختصاص وركن الشكل واإلجراءات وركن الغاية(.)4
أوال :السلطة التقديرية وركن االختصاص في القرار اإلداري
يعرف ركن االختصاص بأنه " الصفة القانونية والقدرة القانونية التي تعطيها القواعد القانونية
المنظمة لالختصاص في الدولة ،لشخص معين ليتصرف ويتخذ ق اررات إدارية باسم ولحساب الوظيفة
()5
اإلدارية في الدولة ،على نحو يعتد به قانونا".
-1إذا كانت اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية يف مباشرة أعماهلا ،فإننا نصادف تقديرها بصدد كافة أعماهلا القانونية من عقود إدارية وقرارات إدارية ،وكذلك
أعماهلا املادية .ومع ذلك ،فإن التعمق يف حتليل أعمال اإلدارة لتحديد مواطن السلطة التقديرية فيها ،يؤدي بنا إىل الوصول إىل أن هذه السلطة ترتد دوما
إىل القرارات اإلدارية .فالسلطة التقديرية يف جمال العقود اإلدارية ال تثبت إال يف القرارات اإلدارية املتصلة هبذه العقود من قرارات إرساء املناقصات أو
املزايدات ،و قرارات احلرمان من دخوهلا .وقرارات توقيع اجلزاءات على املتعاقد مع اإلدارة أو تعديل التزاماته من جانب اإلدارة .كما أن األعمال املادية
لإلدارة تدور معظمها حول تنفيذ القرارات اإلدارية .مما يعين جبالء أن القرارات اإلدارية وراء كل تصرف من تصرفات اإلدارة أو أعماهلا .انظر يف ذلك:
شهرية بوحلية ،مدى سلطة القاضي اإلداري على اإلدارة ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،32بسكرة ،2339،ص .226
-2سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .198وكذلك إبراهيم عبد العزيز شيحا ،الوسيط يف مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،دار
املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،1111 ،ص .916
-3حمسن خليل ،مبدأ املشروعية وتنظيم القضاء اإلداري ،مطبعة التوين ،اإلسكندرية ، 1110 ،ص .19
-4على الرغم من أن العيب الذي يصيب ركن الغاية يدخل ضمن عيوب املشروعية اخلارجية ،إال أننا تناولنا ركن الغاية ضمن احلدود اخلارجية للسلطة
التقديرية ،لكون اإلدارة ال تتمتع يف شأن هذا الركن بأية سلطة تقديرية ،كما سنرى يف حينه.
-5عمار عوابدي ،نظرية القرارات اإلدارية بني علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري ،دار هرمه ،اجلزائر ،1111 ،ص.91
يهدف ركن االختصاص لرعاية مبدأ التخصص ومبدأ تدرج السلطة الرئاسية ،لضمان حسن سير
اإلدارة بانتظام واطراد بداية .ولحفظ حقوق األشخاص المتعاملين معها .وتحتكم اإلدارة في ذلك لقواعد توزيع
االختصاص المنصوص عليها في الدستور بالنسبة لرئيس الجمهورية ،وفي القوانين واللوائح والق اررات الفردية
()1
بالنسبة لباقي السلطات اإلدارية.
يثور التساؤل حول عالقة عنصر االختصاص بالسلطة التقديرية ،وما إذا كانت اإلدارة تتمتع بأية
سلطة تقديرية في هذا المجال.
يرى غالبية الفقه اإلداري أن السلطة التقديرية لإلدارة غير متصورة في هذا الركن ،ألن الجهة التي
تصدر القرار إما أن تكون مختصة أو غير مختصة( .)2واذا صدر القرار من جهة غير مختصة فإنه سيكون
مشوبا بعيب عدم االختصاص وبالتالي موضعا لإللغاء .فضال على أن قواعد االختصاص من النظام العام،
()3
فالقاضي اإلداري يملك حق التصدي له والبحث فيه من تلقاء نفسه.
أما إذا اقتضت الظروف أن يتولى االختصاص غير رجل اإلدارة المختص لتحقيق غايات اإلدارة،
بصورة تضمن حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد .جاز للشخص المختص تفويض االختصاص أو
الحلول أو اإلنابة في ممارسته .وهذا يعني حسب الدكتور" سامي جمال الدين"()4أن هناك جانب من حرية
()5
التقدير وان كان ضئيال.
()6
ألن القانون قد الحقيقة أنه ال يتصور منطقيا أن تكون هناك سلطة تقديرية في ركن االختصاص.
يعطي للشخص اإلداري سلطة تقديرية ألداء العمل وقد يقيد سلطت ــه ،سواء تمتع بسلطة تقديرية في مجال
أداء العمل أم ال ،فإنه بذلك يكون الحقا على اختصاصه به.
-1دريسية حسني ،حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،2339،ص . 193
-2ماجد راغب احللو ،املرجع السابق ،ص .62
-3نواف كنعان ،القضاء اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع والدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ،عمان ،2332 ،ص .93وعدنان عمرو ،مبدأ
املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2339،ص . 91
-4سامي مجال الدين ،أصول القانون اإلداري ،اجلزء الثاين ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،1119 ،ص .929
-5لكننا نرد على ذلك بأنه حت يف احلاالت اليت جيوز فيها للموظف أن يفوض جزء من اختصاصه ختفيفا ألعبائه من الناحية العملية ،فإن ذلك ال يعترب
تطبيقا للسلطة التقديرية يف جمال االختصاص .ألن التفويض ال يتم إال بناء على شروط حمددة ،وهذه الشروط جتعل من االختصاص سلطة مقيدة وليست
تقديرية حبال من األحوال .ذات األمر ينطبق على احللول الذي يتم ملواجهة خلو الوظيفة نتيجة غياب املوظف ضمانا لسري املرافق العامة بانتظام واطراد.
فليس للموظف املختص أية سلطة تقديرية فيها .فمن توافرت فيه شروط احللول فإنه يتم بقوة القانون .أنظر يف ذلك :محد عمر محد ،السلطة التقديرية
لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األوىل ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330 ،ص .119
-6قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،كلية احلقوق ،2339،ص . 233
ثانيا :السلطة التقديرية وركن الشكل واإلجراءات في القرار اإلداري
يقصد بركن الشكل واإلجراءات " :مجموعة الشكليات واإلجراءات إلى تتعاون وتتكامل في تكوين
وبناء القالب واإلطار الخارجي الذي يكشف ويبرر إرادة السلطة اإلدارية في اتخــاذ واصدار قرار إداري
ظاهر ومعلوما و منتجا آلثاره القانونية ومحتجا به إزاء المخاطبين
ا معين ،وبذلك يصبح القرار اإلداري
()1
به".
ا ألصل أن اإلدارة غير مقيدة في اإلفصاح عن القرار في الشكل الذي تراه مناسبا ،ما لم يحتم القانون
ضرورة إتباع شكل خاص بالنسبة لقرار معين)2(.لذلك ذهب جانب من الفقه إلى أن اإلدارة تملك سلطة
تقديرية أصلية من خالل هذا الركن .كما تستطيع مخالفة الشكليات واإلجراءات المنصوص عليها بالقانون
دون أن يؤدي ذلك إلى ابطال ق ارراتها ،إذا كانت تلك الشكليات ثانوية من حيث تأثيرها على مضمون القرار
()3
اإلداري الصادر عن اإلدارة.
وعليه فإنه ال يوجد مجال أو نطاق للسلطة التقديرية في هذا الركن ،إال في حالة واحدة ،وذلك عندما
يتعلق األمر باألشكال الثانوية( ،)4التي لم يحدد فيها المشرع شكال أو إجراءا معينا أو التي حددها ولم يرتب
()5
البطالن على مخالفتها.
وان كان األستاذ" محمد مصطفى حسن " يرى عكس ذلك .إذ يقول بأن امتناع القضاء عن إلغاء
بعض الق اررات اإلدارية رغم مخالفتها لألشكال التي نص عليها القانــون ،ليس مرجعها قيام السلطة التقديرية،
بل ألسباب أخرى تتعلق بالتفرقة بين عيوب الشكل الجوهري وغير الجوهري .واقرار بعض تصرفات
()6
الموظفين الواقعيين ،حماية لألفراد وضمانا لحسن سير المرافق العامة.
فمتى تطلب القانون أو القضاء شكال أو إجراء معينا ،فال مجال الستخدام اإلدارة لسلطتها التقديرية.
ويستوي في ذلك أن يكون الشكل مقر ار لمصلحة اإلدارة أو لمصلحة األفراد ،حيث أنه لن يكون لإلدارة في
هذه الحالة مجال لالختيار أو الترجيح بين بدائل متعددة ،ومن ثم فإنها تصبح ملتزمة بالشكل أو اإلجراء
-1عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء الثاين ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ، 1118 ،ص .638
-2نواف كنعان ،املرجع السابق ،ص .219
-3عدنان عمرو ،املرجع السابق ،ص 63وماجد راغب احللو ،املرجع السابق ،ص .62وقروف مجال ،املرجع السابق ،ص .233
-4تقسم الشكليات إىل قسمني :شكليات جوهرية وغري جوهرية .والشكليات اجلوهرية هي تلك الشكليات املقررة حلقوق وحريات األفراد .أما الثانوية
فهي الشكليات املقررة ملصلحة اإلدارة ،أين ال ميكن لألفراد حينها الطعن يف القرار مستندين هلذه الشكليات واإلجراءات ألهنا مل تلحق األذى بذاهتا ،عالوة
على أهنا ال ترتب إخالال بالنظام العام .
-5وقد قضى جملس الدولة الفرنسي بذلك يف قضية " بون فوازان " "Bon voisinيف .1111 / 13 / 29حني طعن أحد األفراد يف قرار وزير
احلربية الذي أمهل فيه حتديد خطوط التنظيم يف األماكن العسكرية ،كإجراء الختاذ ذلك القرار وكان الطاعن يهدف إىل إلغاء القرار الذي مس مصلحته
اخلاصة ،إال أن القضاء رفض الدعوى ،لعدم جواز متسك األفراد هبذا العيب ألن هذا اإلجراء قام ملصلحة اإلدارة يف تنظيم األقاليم والقطاعات .انظر يف
ذلك :دريسية حسني ،املرجع السابق ،ص .191
-6حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص . 162
المقرر واال كان قرارها معيبا .أما ما يالحظ من تسامح القضاء في بعض األحيان عن طريق التفرقة بين ما
يعد شكال جوهريا وما يعد شكال ثانويا ،فإنه ال يعني اعترافا من القضاء لإلدارة بسلطة تقديرية في هذا
الصدد .بل يقصد به حرص القضاء على عدم عرقلة عمل اإلدارة بإجراءات أو أشكال غير مطلوبة
()1
وضرورية.
وا ن كنا نرى بأنه إذا لم يشترط القانون أو القضاء شكال أو إجراء معينا للقرار اإلداري .فإن لإلدارة في
هذه الحالة سلطة تقديرية في اختيار الشكل المالئم أو اإلجراء المناسب .وذلك تطبيقا للقاعدة العامة ،وهي
أن تتمتع اإلدارة بسلطة تقديرية طالما تخلفت القواعد القضائية وقواعد النظام القانوني بالمعنى الواسع عن
التحديد أو التقييد.
ثالثا :السلطة التقديرية وركن الغاية في القرار اإلداري
الغاية هي النتيجة النهائية التي يسعى رجل اإلدارة إلى تحقيقيها من وراء اتخاذ ق ارره)2(.فالقرار اإلداري
ليس غاية بل وسيلة لتحقيق غرض معين هو المقصود من اتخاذه .ولذلك فإن األهداف المحددة للوظيفة
اإلدارية تشكل في نفس الوقت حدودا للسلطات الممنوحة لإلدارة ،بحيث يمكن القول في بعض الحاالت أن
اإلدارة قد انحرفت بأهدافها المحددة لها وهو ما يشكل عيب االنحراف بالسلطة.
لقد ذهب غالبية المؤلفين والكتاب في فقه القانون اإلداري ،إلى أنه ليست هناك في القرار اإلداري أي
سلطة تقديرية في اختيار الغرض من قبل رجل اإلدارة المختص ،ألن القرار اإلداري يجب أن يستهدف دائما
الغرض المنصوص عليه قانونا( .)3وفي الحالة التي يفضل فيها النص تخصيص هدف معين لكل قرار على
حده ،فال يمكن أن نفترض لرجل اإلدارة المختص الحرية في تقدير اختيار أي غرض يشاء دون تقييد ،بل ال
بد أن يستهدف في مثل هذه الحالة تحقيق المصلحة العامة واال شاب القرار عيب االنحراف بالسلطة)4(.وفي
ذلك يقول الدكتور" سليمان الطماوي " أن أساس نظرية االنحراف بالسلطة أو التعسف في استعمال السلطة
-كما يسميها قضاؤنا– يقوم على أن تحديد غرض العمل اإلداري هو عمل المشرع ال رجل اإلدارة وأنه
()5
بذلك يدخل ضمن السلطة المحددة ال السلطة التقديرية".
-1من ذلك :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص .162محدي ياسني عكاشة ،القرار اإلداري
يف قضاء جملس الدولة ،الطبعة األوىل ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112،ص .991حممد كامل ليلة ،مبادئ القانون اإلداري ،الطبعة األوىل،1198،
ص . 232وسعاد الشرقاوي ،القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ،1189 ،ص .111وحممد مصطفى بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس
الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة العربية ،1119 ،ص . 68
-2ذلك ما قضت به حمكمة العدل العليا يف فلسطني يف قرار هلا رقم 02لعام 1199حيث قررت ":على رجل اإلدارة أن يستهدف يف أي قرار
يصدره حتقيق اهلدف الذي خصصه القانون ملمارسة سلطته التقديرية ،فإذا خال قراره من حتقيق ذلك اهلدف ،كان مشوبا بعيب إساءة السلطة " .انظر يف
ذلك :عدنان عمرو ،مبدأ املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2339 ،ص . 61
-3ويف ذلك يذهب الدكتور " الرب زجني " إىل أن القواعد اخلاصة هبدف القرار اإلداري تنقسم إىل 0حاالت :
-األوىل :أن تفرد القاعدة القانونية غرضا حمددا بشكل كامل ملمارسة سلطة معينة .فإن اختصاص اإلدارة يكون تبعا لذلك اختصاصا مقيدا ألنه ستكون
يف هذه احلالة وحدة بني فكريت السبب والغرض – .الثانية :هي احلالة اليت ال حيدد فيها القانون غرض القرار بطريقة حمددة ،وإمنا يشري إليه بطريقة أو
بأسلوب عام .ذلك ألن االعتبارات اخلاصة بالغرض يف القرار اإلداري ال يؤدي به إىل التحديد القانوين الدقيق دائما ،بل كثريا ما يفسح املشرع بالنسبة له
جماال لسلطة اإلدارة التقديرية .ومثاله أن مينح املشرع رجل اإلدارة املختص سلطة ضبطية ضمن إطار غرض عام هو املصلحة العامة ،دون أن حيدد هذا
الغرض العام بغرض خاص من أغراض املصلحة العامة ،كحفظ النظام العام مثال .فاملصلحة العامة إطار واسع يشمل عدة أغراض متميزة كاملصلحة املالية
للمنطقة وتطوير تقدم التجارة والصناعة يف املنطقة ...اخل
-الثالثة :وهي احلالة اليت مينح فيها النص القانوين لرجل اإلدارة سلطة تقديرية واسعة دون أن حيدد اهلدف من القرار وبأسلوب عام ،أي خارج "ختصيص
األهداف" .انظر يف ذلك - :نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص 168إىل .193
-4ويف ذلك يقول األستاذ نذير أوهاب بأن البحث يف السلطة التقديرية أو السلطة املقيدة يف القرار اإلداري ال حمل له فيما يتعلق بعناصر االختصاص
والشكل والغاية ،ألن القواعد اخلاصة هبذه العناصر ال حتدد إال عناصر قانونيته اخلارجية .أما عناصر قانونيته الداخلية ،فهي اليت ميكن أن تكون جماال لسلطة
اإلدارة التقديرية أو السلطة املقيدة .أنظر :نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص 198نقال عن :عصام عبد الوهاب الربزجني ،السلطة التقديرية والرقابة القضائية
على أعمال االدارة ،دكتوراه حقوق ،القاهرة ،1121 ،ص 912إىل .918
الفرع الثاني
الحدود الداخلية للسلطة التقديرية لإلدارة
تتمثل العناصر أو الحدود الداخلية للسلطة التقديرية لإلدارة في ركني :السبب والمحل .وهذا ما
سنتناوله فيما يلي :
أوال :السلطة التقديرية وركن السبب في القرار اإلداري
يعرف سبب القرار اإلداري بأنه " :الحالة الواقعية أو القانونيـة ،السابقة على القـرار ،و الدافعة إلى
تدخل اإلدارة التخاذه ،فهو مبرر وسند خارجي إلصداره( ،")1فالسبب إذن عنصر خارجي عن القرار اإلداري
و سابق عليه"(.)2
تتمثل الحالة الواقعية في األوضاع الناجمة عن الطبيعة ( زالزل ،فيضانات ،انتشار وباء ) ...أو
بتدخل إنساني ( حريق ،إضراب أمني ،) ...و التي تكون وراء هذا القرار( .)3ففي هذه الحاالت و أمثالها ال
تتمتع اإلدارة بأية سلطة تقديرية في التحقق من صحة الوقائع التي تتدخل على أساسها إلصدار قرارها
اإلداري ،أو في التكييف القانوني لتلك الوقائع في حالة ثبوت صحتها( .)4فهي ال تملك في هذا الشأن سوى
اختصاصا مقيدا تخضع فيه لحكم القانون واللوائح المنظمة .ومن ثم لرقابة القضاء اإلداري(.)5
-1حممد الصغري بعلي ،القرارات اإلدارية ،دار العلوم ،2336،ص .93ويعرفه الدكتور سليمان الطماوي بأنه " :حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل
اإلدارة ومستقلة عن إرادته تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرارا " .سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق،
ص .233وتعرفه احملكمة اإلدارية العليا املصرية يف حكمها الصادر بتاريخ ، 1118 / 32 / 12بأنه " :حالة واقعية أو قانونية حتمل اإلدارة على
التدخل بقصد إحداث أثر قانوين هو حمل القرار ابتغاء وجه الصاحل العام ،الذي هو غاية القرار" .رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص . 61
-2فالسبب إذن عنصر خارجي عن القرار وسابق عليه .ولكن ليس معىن ذلك أنه ال ميثل – كما ذهب جانب من الفقه الفرنسي – أحد أركانه .ومن مث
ال ميكن أن يكون له أي تأثري على صحته أو مشروعيته .ذلك ألن السبب ،والذي يطلق عليه الفقيه " " Duguitالباعث امللهم " motif impulsif
ال يقتصر دوره على جمرد اإلحياء بفكرة القرار اإلداري ،وإمنا ميثل يف ذات الوقت أساس القرار اإلداري وسبب وجوده ،إذ يلزم لتدخل رجل اإلدارة ملباشرة
اختصاصه بإصدار القرار أن يكون مستندا إىل حقائق موضوعية هي احلالة الواقعية أو القانونية السابقة على قراره ،وذلك حت يتحقق له اهلدف أو الغاية
احملددة لقراراته ،ولذلك فإن الرأي الراجح واملتفق عليه سواء يف فرنسا أو مصر أو اجلزائر هو االعرتاف بعيب السبب باعتباره عيبا مستقال عن أوجه إلغاء
القرار اإلداري األخرى ذات العالقة به ،مثل عييب خمالفة القانون واالحنراف بالسلطة ،هذا من ناحية .ومن ناحية أخرى ،فإن صفة أسبقية السبب على القرار
ال تتناىف مع إمكانية اختاذ القرار من طرف اإلدارة على أساس توقعها حلدوث أسباب أو وقائع معينة يف املستقبل .ذلك ألن األسبقية املطلوبة بالنسبة
للسبب ال يعين أسبقيته التارخيية على القرار بل أسبقيته القانونية .ملزيد من التفاصيل انظر :السيد حممد إبراهيم ،رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف
دعاوى اإللغاء ،الطبعة األوىل ،مطابع جريدة السفري ،اإلسكندرية ،1190،ص . 123
-3حممد الصغري بعلي ،القرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 91
-4رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .93وعدنان عمرو ،املرجع السابق ، 62 ،و محد عمر محد ،املرجع السابق ،ص 129وما بعدها .
-5لقد مر وقت طويل كانت فيه الرقابة القضائية تنصب على عناصر القرار القانونية فقط دون العناصر الواقعية .وكان القضاء اإلداري يف ذلك مشاهبا
لقضاء النقض .لكن جملس الدولة الفرنسي ومع بداية القرن 23م ،انتهى تدرجييا إىل تقدير حقه يف رقابة الوقائع اليت تكون أساسا للقرار اإلداري .فقرر يف
البداية حقه يف رقابة التكييف ،ومن ذلك وصل إىل بسط رقابته على الوقائع ،وانتهى أمر التطور إىل اعتبار الوجود املادي والصحيح للواقعة املكونة لسبب
لكنها تتمتع ب سلطة تقديرية في تقدير مدى الخطورة التي يمكن أن تترتب على الوقائع التي استلزمت
إصدار القرار اإلداري( .)1وبالتالي تملك أن تصدر قرارها أو ال تصدره حسب تقديرها لألمور .باعتبارها في
وضع يسمح لها أكثر من غيرها بتقدير األمور تقدي ار صائبا بقدر اإلمكان .وبالتالي فمن المستحسن أن تترك
لها حرية تقدير األهمية والخطورة التي يمكن أن تترتب على هذه الوقائع ،مادام هدفها في النهاية هو تحقيق
الصالح العام(.)2
فيما يتعلق مثال باالضطرابات ،فإن اإلدارة ،وان كانت تتمتع بسلطة تقدير مدى تهديدها للنظام العام،
باعتبارها في وضع يسمح لها أكثر من هيئة أخرى بإجراء مثل هذا التقدير ،إال أنها ملزمة في ذات الوقت
بأن تكون مستندة في خصوصها إلى وقائع ثابتة و صحيحة ماديا(.)3
كما قد يبنى القرار اإلداري على حالة قانونية ،والتي تتمثل في وجود مركز قانوني معين خاص أو
عام .والتي تشكل أساسا قانونيا للقرار اإلداري ،ومن أمثلتها ارتكاب موظف لخطأ تأديبي .فهذا السلوك من
جانب الموظف ترتب عن مخالفته لتشريع الوظيفة أو للنظام الداخلي .مما فرض ضرورة مساءلته تأديبا،
فإصدار قرار العقوبة التأديبية لم يصدر هكذا دون مبرر ،وانما بسبب ارتكاب الموظف لخطأ تأديبي(.)4
في إطار الحاالت القانونية( ،)5فإن سلطة اإلدارة في الغالب تكون مقيدة .وذلك إذا ما حدد القانون
مجموعة أسباب كمسوغ إلصدار قرار معين .ففي هذه الحالة تكون سلطة اإلدارة مقيدة ،إذ ينبغي عليها
إصدار القرار متى توافرت هذه األسباب دون أن يكون لها خيار .كأن يلزم القانون جهة اإلدارة بمنح ترخيص
القرار شرطا عاما ملشروعية القرار .انظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص 129و
. 126
-1ويف ذلك تقول احملكمة اإلدارية العليا مبصر يف حكم هلا صادر ب ... " : 1166 / 13 / 6و إن كان القرار ...جيب أن يقوم على سبب يربره،
فال تتدخل اإلدارة ...إال إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها ،وللقضاء اإلداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوين ،إال
أن لإلدارة حرية تقدير أمهية هذه احلالة واخلطورة النامجة عنها " ...انظر يف ذلك :رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص . 91
-2وإن كان األستاذ " حممد مصطفى حسن " يرى عكس ذلك ،حيث يذهب إىل أن االختصاص املقيد يف أدىن صوره يعين االكتفاء برقابة قيام األسباب
ماديا .وهو ما يسمى بالرقابة الدنيا ، un contrôle minimumحيث يرتك القضاء لإلدارة حرية التكييف القانوين وتقدير خطورة الواقعة .ويكون
االختصاص مقيدا يف أقصى صوره حينما يراقب القاضي التناسب بني اإلجراء والسبب؛ أي رقابة تقدير خطورة السبب .وتسمى الرقابة القصوى
le contrôle maximumو بني هذا وذلك يوجب االختصاص املقيد العادي contrôle normaleحيث يقف القاضي عند رقابة تكييف
الواقعة ،أي حبث ما إذا كانت الواقعة من طبيعة تربر قانونا القرار املتخذ من اإلدارة .انظر يف ذلك :حممد مصطفي حسن ،املرجع السابق ،ص 198
-3قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،كلية احلقوق ،2339،ص .231
-4عمار بوضياف ،القرار اإلداري ،دراسة تشريعية قضائية فقهية ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2332،ص .169
-5لقد بدأ االهتمام بدراسة األسباب القانونية يف هناية القرن ،11حني ظهر عيب الغلط يف القانون كوسيلة مميزة للطعن باإللغاء .ويف 1111استطاع
املفوض "كورين" أن يقرر أن القضاء يقبل الطعن باإللغاء إذا كان ال يستند إىل تقدير املالءمة أو الواقعة ،وإمنا إىل سبب قانوين .وانتهى األمر إىل أن الغلط
يف القانون يعيب القرار يف حالة القرار السليب .أنظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص.191
في حاالت محددة وضمن شروط واجراءات معينة .أو يلزمها بترقية الموظف األكثر أقدمية .ففي هذه
الحاالت تكون إرادتها مقيدة وتصدر قرارها متى توافرت هذه األسباب(.)1
وقد تشتمل الحالة القانونية على سلطة تقديرية()2عندما يحدد المشرع أكثر من واقعة قانونية إلحداث
األثر القانوني .كما في ق اررات نقل الموظفين ،التي قد تتم بطلب من الموظف المعني أو بناء على تقدير
الرئيس اإلداري لمصلحة العمل(.)3
نخلص من كل سبق إلى أن اإلدارة العامة ال تتمتع بصفة عامة بسلطة تقديرية فيما يتعلق بصحة
الوقائع التي يقوم عليها سبب القرار اإلداري أو في التكييف القانوني لتلك الوقائع ،بل اختصاصها مقيد
بشأنها .ولكنها تتمتع بسلطة تقديرية فيما يتعلق بتقدير النتائج التي قد تترتب على تلك الوقائع ،وما إذا كانت
تلك النتائج تتطلب إصدار قرار إداري بشأنها طالما أن القانون لم يقيد ها في ذلك .وهي سلطة تقديرية
تخضع لرقابة القاضي اإلداري ضمانا لعدم التعسف في استخدامها.
ثانيا :السلطة التقديرية وركن المحل في القرار اإلداري
المحل هو األثر القانوني الفوري والمباشر الذي يترتب على صدور القرار اإلداري .بمعنى هو عملية
التغيير التي تحدث في المركز القانوني .والتي قصد مصدر القرار اإلداري إحداثها ،سواء باإلنشاء أو التعديل
أو اإللغاء(.)4
فبعد أن تتحقق اإلدارة من قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تبرر تدخلها .وبعد أن تكيفها التكييف القانوني
الصحيح ،وتقدر األخطاء التي قد تنجم عنها ،تواجه اتخاذ قرار معين .وهنا يكمن معظم االختصاص
التقديري لإلدارة ،والذي يتمثل في ثالثة عناصر :
-العنصر األول :حرية اإلدارة في أن تتدخل أو أن تمتنع( حرية إصدار القرار أو عدم إصداره)
-1سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عني مشس ،القاهرة ،1128،ص .02
-2انظر األمثلة عند الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،املرجع السابق ،ص ، 99والنظرية العامة للقرارات اإلدارية ،ص .90
-3قروف مجال ،املذكرة السابقة ،ص .231ويف ذلك قضت حمكمة القضاء اإلداري بتاريخ 16مايو " : 1166إن اإلدارة مبا هلا من سلطة تقدير
مناسبات القرار اإلداري ،ترتخص يف تعيني الوقت املالئم إلصداره بال معقب عليها يف هذا الشأن من احملكمة ...وبشرط أال يكون القانون قد عني هلا
ميعاد حيتم إصدار القرار فيه وإال كان إصداره بعد امليعاد احملدد لذلك خمالفا للقانون " -.رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .92وكذلك حكم
جملس الدولة املصري الصادر يف 11جانفي ... " 1169إن دعوة اإلدارة النتخاب العمدة قبل االنتخابات بيوم واحد مسألة تقديرية ال تبطل
االنتخابات ،ألن املادة 13من القانون رقم 191لسنة 1192مل حتدد موعدا معينا لإلعالن .بل يكفي حدوث هذا اإلعالن يف أي وقت قبل يوم
االنتخاب ،خصوصا وأن لكل حالة طابعا ولكل بلدة ظروفها" .انظر يف ذلك :نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد
بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص . 196
-4ومع ذلك فإن القضاء اإلداري يف فرنسا ومصر قد جتاوز احلد السابق إىل رقابة اختيار الوقت ذاته .فعدم حتديد املشرع لوقت حمدد الختاذ القرار ،ال يعين
يف نظر جملس الدولة الفرنسي حرية مطلقة لإلدارة يف هذا اجملال ،بل يتعني عليها أن حتسن اختيار وقت تصرفها ،ألن ضرورة استقرار املعامالت تستلزم أال
تبقى املراكز القانونية مهددة مدة طويلة .من ذلك أن القانون الفرنسي ينص على أنه إذا برأ جملس التأديب ضابطا من هتمة منسوبة إليه ،فإن للوزير احلق يف
أن يوقع عليه عقوبة خمفضة .وتبعا لذلك قضى جملس الدولة الفرنسي يف هذا الشأن أن" :على الوزير إذا أراد استعمال هذه السلطة ،أال ينتظر وقتا طويال
حت ال يبقى سالح العقوبة مسلطا باستمرار على رأس الضابط ،أل ن من حقه أن يستقر مركزه القانوين بعد مدة معقولة تتقرر حبسب ظروف كل حالة".
وملزيد من األمثلة عن قضاء جملس الدولة الفرنسي واملصري يف هذا الشأن ،أنظر :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة
عاطف ،1129 ،ص 028و .021
-5فرجية حسني ،السلطة التقديرية و اجتهاد القاضي اإلداري ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،32بسكرة ،2332 ،ص . 219
-6سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص . 89
المشرع لإلدارة على وجه الدقة مضمون القرار اإلداري الواجب اتخاذه ،تمتعت في هذا الخصوص بسلطة
تقديرية واسعة .بشرط أن يكون هذا األثر على حد تعبير مجلس الدولة المصري ممكنا وجائ از قانونا(.)1
معنى ذلك أن رجل اإلدارة يتمتع بسلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بمحل القرار اإلداري وذلك:
كلما كانت قاعدة القانون قد تركت له حرية في هذا الشأن .كحرية االختيار مثال بين عدة حلول ،إذ
يستطيع بذلك أن يحدد بحرية محل القرار الذي منحه القانون حق إصداره .وفيما يتعلق بالجزاءات التأديبية
مثال ،تملك اإلدارة سلطة اختيار الجزاء المناسب بحرية تامة من بين الجزاءات التي حددها المشرع .وأيضا
فيما يتعلق بمواجهة االضطرابات التي تهدد األمن يكون لإلدارة حرية اختيار الوسيلة المالئمة لمثل هذه
المواجهة ...الخ .
أو كلما كانت قاعدة القانون قد تخلت تماما عن بيان هذا المحل ،كما تخلت عن تحديد ما يمكن
لإلدارة أن ترتبه من اآلثار القانونية ،مكتفية في هذا الخصوص بتحديد الغاية أو الهدف ،إذ تستطيع اإلدارة
في مثل هذا الحالة أن تحدد بحرية محل القرار الذي خولتها القاعدة القانونية حق إصداره ،على أساس أن
كافة الحلول التي يمكن أن تختارها السلطة اإلدارية ،تعد جائزة ومشروعة قانونا(.)2
خالصة القول إذن أن اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بركني السبب والمحل ،ما لم
()3
أو يتدخل القاضي ويفرض رقابته على اختيار السبب أو يتدخل المشرع ويحدد كل منهما على وجه الدقة.
المحل العتبارات يقدرها كما سنرى فيما بعد.
-1رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .90ونذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص .199وسليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية،
املرجع السابق ،ص.90
-2فمثال إذا قرر القانون أن لإلدارة سلطة اختاذ اإلجراءات الالزمة حلماية اآلداب العامة إذا ما تعرضت ألي هتديد باإلخالل .فإنه بذلك يكون قد ترك
لإلدارة سلطة تقديرية كاملة يف ترتيب اآلثار القانونية الكفيلة حبماية اآلداب العامة ،دون خوف من أن يشوب قراراهتا عيب خمالفة القانون .وذلك إزاء ختلي
القانون عن حتديد هذه اآلثار أو تقيد اإلدارة يف شأهنا بأي قيد .انظر يف ذلك - :سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة
العربية ،القاهرة ، 1112 ،ص 210وما بعدها .
-3خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .038
المبحث الثاني
ماهية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
لم يعد هناك جدل أو نقاش من جانب الفقه أو القضاء حول ضرورة تمتع اإلدارة-وهي تباشر
اختصاصاتها ومسؤولياتها القانونية-بسلطة تقديرية ،أو بقدر من حرية التصرف .إذ أن هذه السلطة أو ذلك
القدر من الحرية ،يعد بمثابة الشرط األول لحياة وبقاء كل إدارة ،خاصة بعد تشعب وتداخل مجاالت
ومسؤوليات الدولة الحديثة(.)1
إال أن المنطق يقضي بأنه ال يمكن أن تمارس هذه السلطة التقديرية خارج حدود القانون .واذا ما تم
ذلك ،كان لزاما أن يتم ردها إلى جادة الصواب .وذلك لن يتأتى إال بفرض رقابة قضائية صارمة عليها؛ ألن
القانون يجب أن يفرض احترامه على السلطة اإلدارية وغيرها من السلطات .وبدون احترام هذه اإلرادة ،تصبح
األمور فوضى وال ضابط لها .ويصبح كيان الجماعة مزعزعا ال ثبات له وال مدافع عنه.
نظ ار ألهمية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،فقد رأينا أن نقسم الدراسة إلى ثالث نقاط
أو مطالب:
المطلب األول :مفهوم الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
المطلب الثاني :موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
المطلب الثالث :أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
-1من املسلم به أن اإلدارة جيب أن تعمل فكرها لتواجه املواقف اجلديدة ودون أن حتيل يف كل األحوال إىل نصوص القانون" .فالفقيه املتفهم للقواعد قد ال
يكون إداريا ناجحا ،والشخص الذي يعرف كل معامل الطريق قد ال يكون سائقا ماهرا ،وهدف رجل اإلدارة ليس فقط تطبيق القانون ،بل حتقيق النتائج
املفيدة".أنظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص .90
المطلب األول
مفهوم الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
ال يكفي لحماية الحقوق والحريات أن تتحقق سيادة القانون؛ ألن قيام دولة تخضع للقانون ،وان كان
شرطا أساسيا لقيام الحريات العامة ،إال أنه ليس بالشرط الكافي لهذا الغرض .فال جدال في أن الجزاء األكيد
لمبدأ المشروعية ،والضمان الحقيقي الوحيد إلعمال هذا المبدأ .يتمثل في الرقابة على مشروعية أعمال
اإلدارة .بيد أن الرقابة على أعمال اإلدارة ال تتخذ أسلوبا واحدا ،إذ تتعدد صورها حسب التنظيم السياسي
والقانوني في الدولة .فقد تتركز الرقابة في جهة واحدة .وقد تتعدد الجهات التي تختص بممارسة هذه الرقابة.
ومع ذلك يمكن القول أن طرق الرقابة على أعمال اإلدارة ال تخرج عن صور ثالثة :الرقابة البرلمانية،
اإلدارية والقضائية.
وعليه فإننا سنتطرق إلى تحديد تعريف للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،ثم نقوم بتحديد
خصائصها التي تميزها عن باقي أنواع الرقابة.
الفرع األول
تعريف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
سنبين خالل هذا الفرع تعريف الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة بصفة عامة ثم على السلطة
التقديرية لإلدارة بصفة خاصة.
-الرقابة لغة :رقب :الراء والقاف والباء ،أصل واحد مطرد ،يدل على انتصاب لمراعاة شيء.
رقوبا (بضم الراء) ورقوبا (بفتح الراء) ورقابة ورقبانا ورقبة:حرسه ،انتظره ،حاذره ،والنجم رصده ،راقب:حرسه،
أرقب الدار :جعلها له رقبى ،و الرقبى :جعل له إياها ،ترقب :انتظره ،تراقبا :راقب كل منهما اآلخر ،ارتقب:
ترقبه والمكان عال وأشرف عليه(.)1
وفي أسماء اهلل تعالى ،الرقيب هو الحافظ الذي ال يغيب عنه شيء ،وقد ورد مصطلح الرقابة في قوله
()2
أي مطلعا حفيظا ألعمالكم ،كما ورد في قوله تعالى " :فأصبح في تعالى " :إن اهلل كان عليكم رقيبا"
(. )3
ورقب الشيء ،يرقبه مراقبة ورقابا :حرسه ،والرقيب :الحارس ،الحافظ ،وترقبه: المدينة خائفا يترقب"
انتظره ورصده (.)4
تعرف الرقابة القضائية في الفقه اإلسالمي()5بأنها " :إسناد الرقابة على شرعية أعمال اإلدارة إلى
السلطة القضائية ،بحيث تتولى محكمة مختصة بحث شرعية العمل اإلداري"(.)1
-1املنجد يف اللغة واألعالم ،دار املشرق ،بريوت ،لبنان ،1189 ،ص .011
-2سورة النساء ،اآلية . 31
-3سورة القصص ،اآلية . 18
-4لسان العرب البن املنظور ،ص ، 929 – 909املنجد األجبدي ،الطبعة الثامنة ،املؤسسة الوطنية للكتاب ، 1189 ،ص . 209
-5إن األصل الشرعي للرقابة على أعمال اإلدارة عموما والسلطة التقديرية على وجه اخلصوص يرجع يف اإلسالم إىل أساسني :
أما على المستوى القانوني ،فلقد عرف العديد من الفقهاء الرقابة القضائية .ومن أهم هذه التعريفات
نذكر:
تعريف الدكتور "ماجد راغب الحلو " الذي عرفها بأنها" :هي الرقابة التي تتوالها المحاكم على أعمال
اإلدارة ...وقد تتوالها المحاكم العادية ،فتختص بالفصل في كافة أنواع المنازعات اإلدارية منها وغير
اإلدارية ،وهذا هو نظام القضاء الموحد ،وقد يعهد بالرقابة على أعمال اإلدارة إلى قضاء متخصص يقوم
بالفصل في المنازعات الجنائية والمدينة والتجارية ومنازعات األحوال الشخصية ،وهذا ما يعرف بنظام
القضاء المزدوج "(.)2
أما األستاذ "نذير أوهاب" فقد عرفها " :أن توكل مراقبة أعمال اإلدارة إلى السلطة القضائية ،والتحقق
من مدى مراعاة الشروط التي تطلبها القانون"(.)3
ولقد عرفها الدكتور" :عمار عوابدي" بأنها " :الرقابة القضائية التي تمارسها وتباشرها المحاكم
القضائية على اختالف أنواعها(المحاكم اإلدارية – المحاكم العادية من مدينة أو تجارية ) وعلى مختلف
درجاتها ومستوياتهـا ( ابتدائيا – استئنافا – نقضا ) ،وذلك عن طريق وبواسطة تحريك الدعوى والطعون
المختلفة ضد أعمال السلطات اإلدارية غير المشروعة ،مثل دعوى التعويض أو المسؤولية ،والدعاوى
()4
. المتعلقة بالعقود اإلدارية "
أما األستاذ لعشب محفوظ فيعرفها بأنها " :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة هي :رقابة قانونية في
أساسها واجراءاتها ووسائلها وأهدافها"(.)5
من ثمة فإن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية تختص بها المحاكم ذات الطابع اإلداري بعد
استحداث نظام االزدواجية القضائية سواء كانت المحاكم اإلدارية ومجلس الدولة ،أو عن طريق وسائل قانونية
-أوال :أنه جيب أن تكون قراراهتا وتصرفاهتا موافقة ألحكام الشرع على الدوام .فأي تصرف خيالف أحكام الشرع يكون باطال ،و ليس له أية حجية على
اإلطالق.
-والثاين :أن اإلدارة جيب أن تتوخى دائما يف قراراهتا املصلحة العامة .فويل األمر ومعاونيه كما يقول اإلمام القرايف ":ال حيل هلم أن يتصرفوا إال جللب
مصلحة أو درء مفسدة ،فالوالة واألئمة معزولون عما ال حيقق املصلحة العامة" .أنظر يف ذلك :سعيد احلكيم ،الرقابة على أعمال اإلدارة يف الشريعة
اإلسالمية والنظم القانونية ،الطبعة الثانية ،دار الفكر العريب ،1182،ص .921
-1لقد كان اخللفاء والوالة واملوظفون خيضعون يف أعماهلم لرقابة القضاء باإلضافة إىل رقابة الشعب .وال جيدون غضاضة يف االمتثال ألحكام القضاء
واملوافقة ألحكام الشرع ،ملا كان عليه القضاء يف اإلسالم من اإلجالل واالحرتام ومكانة عظيمة يف نفوس الناس عامة واخللفاء والوالة خاصة .املرجع نفسه،
ص . 616
-2ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333 ،ص . 93
-3نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص . 229
-4عمار عوابدي ،عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء األول ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،
،1182ص . 29
-5لعشب حمفوظ ،املسؤولية يف القانون اإلداري ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1119 ،ص .128
مدعمة لها( .)1والرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ال تنصب على السلطة التقديرية ذاتها ،واال
()2
ترتب على ذلك نقل لحرية التقدير من اإلدارة إلى القاضي ،وانما تتناول تعيين حدودها وظروف استعمالها.
فالقضاء ال يتعرض لتقدير اإلدارة في ذاته ،ولكن للظروف التي أحاطت به ،فإذا ما تبين له أن تلك الظروف
ال يمكن معها إجراء تقدير سليم ،تكون اإلدارة قد خرجت عن التزام قانوني(.)3
الفرع الثاني
خصائص الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارية
ا نطالقا من التعريف السابق لعملية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،الذي يبرز بدقة
أهمية هذه الوسيلة كأداة لحماية المواطن وحقوقه من تعسف اإلدارة .فقد أدى بها ذلك إلي أن تمتاز بجملة
من الخصائص التي تنفرد بها عن باقي أنواع الرقابة األخرى ،وبالتالي تجعلها مؤكدة وعادلة ،ومن بين هذه
الخصائص نجد:
أوال :شمول الرقابة القضائية
يالحظ أن الرقابة القضائية تمتد إلى سلطات الدولة كلها إذ تسري على السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية والسلطة القضائية ذاتها .فبالنسبة للسلطة التشريعية ،نجد القضاء في كثير من الدول ،له حق مراقبة
دستورية القوانين للتأكد من مدى مطابقتها ألحكام الدستور ،وهو بذلك يراقب عمل السلطة التشريعية.
يختص القضاء كذلك بنظر الطعون االنتخابية وق اررات إسقاط العضوية والعزل .كما يكون من حق
القضاء أحيانا الحكم بتعويض عن األضرار التي تسببها بعض القوانين عند تطبيقها أو تنفيذها .وقد يعد
ببعض أجزاء هذه الرقابة إلى محكمة خاصة تنشأ لهذا الغرض .مثل إنشاء محكمة دستورية لرقابة دستورية
القوانين(.)4
بالنسبة للسلطة القضائية ذاتها ،نجد أنها تراقب نفسها عن طريق الطعن في األحكام وبطرق الطعن
العادية وغير العادية(.)5
-1ياسني قوتال ،الرقابة القضائية على القارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ، 2336،ص . 29
-2حممد مصطفى حسني ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129 ،ص . 268
-3سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص .23وتتميز رقابة
السلطة التقديرية عن رقابة القضاء لعيب االحنراف بالسلطة .فرغم أن هذا العيب من عيوب القرار يفرتض وجود السلطة التقديرية ،إال أن رقابته تواجه الغاية
من القرار .وهي مجاع عناصر شخصية وموضوعية ،يف حني أن رقابة السلطة التقديرية هي رقابة حدود هذه السلطة .رقابة ميتد سلطان القاضي فيها إىل
مجيع أركان القرار اإلداري الصادر بناء على السلطة التقديرية مبا يف ذلك ركن الغاية أو اهلدف .أنظر يف ذلك :حممد مصطفى حسني ،املرجع السابق ،ص
.021ونذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص . 200
-4صالح يوسف عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2338،ص 68و . 61
-5تنص املادة 010من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية على ":طرق الطعن العادية هي االستئناف و املعارضة .
طرق الطعن غري العادية هي اعرتاض الغري اخلارج عن اخلصومة و التماس إعادة النظر و الطعن بالنقض".
وبالنسبة للسلطة التنفيذية ،فإن القضاء يراقب تصرفاتها ويعمل على توجيهها نحو ضرورة احترام مبدأ
المشروعية ،وفي ذلك حماية لحقوق األفراد وحرياتهم .فنجد أن رجال السلطة التنفيذية -بحكم عملهم-
يحتكون بالجمهور أكثر من رجال السلطتين التشريعية والقضائية( .)1مثل هذا االحتكاك من شأنه أن يجعلهم
يتأثرون أحيانا باالعتبارات الشخصية المختلفة التي تنحرف بالعمل عن دائرة الصالح العام .ويالحظ أيضا أن
السلطة التنفيذية تتمتع بحكم وظيفتها بمجموعة من االمتيازات الخطيرة التي قد تهدد عند استخدامها حقوق
األفراد وحرياتهم .وربما تلجأ اإلدارة إلى ممارسة سلطتها التقديرية لمحاباة البعض أو لمحاربة البعض اآلخر
أحيانا ،و في الحالتين إضرار بالمصلحة العامة(.)2
ثانيا :االستقالل ،الحياد والموضوعية
مبدأ الحياد كما يعرفه الدكتور بوبشير أمقران ":مركز قانوني يكون فيه القاضي بعيدا عن التحيز
()3
لفريق أو خصم على حساب أخر"
كما عرفه األستاذ الدكتور"عمار بوضياف" ... ":أن يزن القاضي المصالح القانونية للخصوم
بالعدل ،وأن يقف موقفا من الخصومة يجعله بعيدا عن مظنة الميل ألحد األطراف"(.)4
من خالل هذه التعريفات ،نجد أن مبدأ الحياد من المبادئ األساسية المسلم بها في التقاضي ،يكون
من خالله القاضي مستقال في حكمه بعيدا عن أي تحيز أو ميل إلى أحد الخصوم(.)5
ينجم عن ذلك أن حقوق األفراد وحرياتهم ال يمكن ضمانها بصورة جدية إال في ظل الرقابة القضائية،
ألن القضاء -نظ ار الستقالله وحياده وتخصصه -يتمكن من الفصل في المنازعات بكفاءة ونزاهة .كما أن
هذه الرقابة تؤدي – باعتبارها في يد جهة بعيدة عن اإلدارة– إلى حرص اإلدارة على القيام بأعمال وظيفتها
في حدود مبدأ المشروعية ،حتى ال تتعرض للطعن فيها باإللغاء أو طلب التعويض عنها .وحتى ال يكشف
()6
القضاء انحرافها ويظهرها في وضع غير سليم يتنافى مع أهداف وظيفتها.
تبعا لذلك ،فإن القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري ينظر في الدعاوى المرفوعة أمامه بصفة
مستقلة( .)7فال سلطان لإلدارة في غالبية النظم القانونية على القضاء ،خاصة وأن استقالل الجهاز القضائي
صار اليوم يشكل حقا من حقوق اإلنسان تكرس في المادة 13من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان(.)1
-1فال ميكن التسليم مبا يقول به بعض الفقه الفرنسي على إطالقه ،بأنه ليس بالضرورة أن يكون القضاء اإلداري مستقال عن اإلدارة ألن االستقالل لن
يكون يف مجيع األحوال يف صاحل األفراد ،ألن القضاء اإلداري يف حالة استقالله عن السلطة التنفيذية لن يقدم على فرض رقابة جريئة على أعماهلا .أما إذا
كان القضاء قريبا من اإلدارة فإن رقابته ستكون أفضل و أجنع .وذلك راجع إىل اجلرأة اليت تصطب هبا الرقابة القضائية يف جماالت ومسائل معينة ،يعتمد فيها
القضاء اإلداري على عالقته القوية بالسلطة التنفيذية وتتقبلها هذه األخرية ببساطة ،مادامت ال تتجاوز اجملاالت واملسائل اليت ال متثل أمهية خاصة ،آخذة
يف اعتبارها أن القاضي اإلداري ليس غريبا عنها .وهذا ما فعلته احلكومة الفرنسية يف تعديالت 1190من االحتفاظ للقضاء اإلداري مبركز اخلضوع والتبعية
هلا .وحرصها على مقاومة أي اجتاه ينشأ لديه حنو التخلص من هذه التبعية " .وهذا ما تفعله مصر من اجتاه احلكومة فيها حنو ربط أعضاء القضاء اإلداري
هبا ،عن طريق ندهبم لوظائف يف اجلهاز التنفيذي إىل جانب عملهم القضائي مقابل مكافآت تصرف هلم .وال يستقيم يف العقل أن يكون ذلك لتحقيق
وتنشيط فاعلية الرقابة القضائية على أعماهلا" .ملزيد من التفاصيل انظر :صالح يوسف عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار
الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2338،ص 93و . 91
-2سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص . 039
-3و إن كان املشرع اجلزائري قد استحدث آلية فرض الغرامة التهديدية على اإلدارة إلرغامها على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها يف املادة 183من
قانون اإلجراءات املدينة و اإلدارية .
-4سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري :الرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330،ص . 036
األخيرة لها حق اتخاذ كل األعمال التي تناسبها لدى تسييرها للمرافق العامة ،و مع ذلك فهي غير مجبرة
على أن تقوم قانونا بااللتجاء إلى القضاء للدفاع ومحاولة الحصول على حقوقها من األفراد(.)1
المطلب الثاني
موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
لقد انقسم الفقه بشأن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة بين مؤيد ومعارض ،وقد كان لكل
اتجاه حججه التي يستند إليها ويدعم بها موقفه ،وذلك ما سنحاول التطرق إليه فيما يلي ذكره ،مدعمين ذلك
برأينا بخصوص هذا االنقسام واالختالف في اآلراء.
الفرع األول
الموقف المعارض للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
لقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي تماما ولمدة طويلة عن بحث مسألة السلطة التقديرية لإلدارة أو بسط
رقابته على األنشطة التي تباشر بمقتضى هذه السلطة ،معتب ار أنها مما يدخل في إطالقات اإلدارة( ،)2دون
أدنى رقابة عليها من القضاء(.)3
لقد تم االستناد في ذلك إلى عدة حجج :منها اعتبار مجلس الدولة على أنه مماثل لمحكمة النقض من
حيث كونها محكمة قانون فقط .ومن ثم فقد كان على القاضي اإلداري أسوة بقاض محكمة النقض أن يمتنع
عن رقابة الوقائع التي استندت إليها اإلدارة في قرارها ،مكتفيا في هذا الشأن بإنزال حكم القانون عليها.
ومعنى ذلك أن مجلس الدولة كان يحترم سلطة اإلدارة حينما تبحث في الوقائع وتقديرها .فال يناقش صحة
هذه الوقائع وال حتى وجودها المادي ،تماما كما يحترم قضاء النقض هذه السلطة لمحكمة أو لقاضي
الموضوع ،فكالهما إذن قاض قانون ال قاض وقائع(.)4
أما الحجة العملية التي استند إليها أنصار هذا االتجاه ،فتكمن في عجز القاضي عن رقابة الجانب
التقديري من نشاط اإلدارة .ألنه مهما وضع أمامه من معلومات ومهما قام بأبحاث وتحريات حول موضوع
-1عمار عوابدي ،قضاء التفسري يف القانون اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار هومه ، 1111،ص . 811
-2زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة ومدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا،جملة جملس الدولة ،العدد
الثامن ،2339 ،ص .118
-3إذ نتيجة إدراك جملس الدولة الفرنسي أنه وجد كبديل للمحاكم العادية للنظر يف أقضية اإلدارة .تلك احملاكم اليت كان يطلق عليها آنذاك "الربملانات
القضائية " ،اليت منعت من مباشرة تلك املهمة ملا كانت تتسم به من مسعة سيئة ،سواء لدى املواطنني أو لدى رجال الثورة الفرنسية أنفسهم نتيجة تدخلها
الدائم يف أعمال اإلدارة .واحلد بالتايل من استقالهلا وحريتها يف التصرف .بل ونتيجة وقوفها حجر عثرة يف وجه أي إصالح يراد إدخاله على اجلهاز
اإلداري .وترى أ نه ينتقص من امتيازاهتا ،فقد خشي أن يؤدي تدخله يف أعمال اإلدارة وحماسبتها على كل كبرية وصغرية أن يعيد لألذهان تلك الصورة
السيئة .األمر الذي قد يعصف بوجوده ،لذلك فقد فضل أن يكسب ثقة اإلدارة والقائمني عليها .وذلك عن طريق امتناعه عن أية رقابة تؤدي إىل االنتقاص
من حريتها واستقالليتها فيما تباشر من أنشطة تقديرية .مكتفيا يف هذا الصدد مبراقبة مشروعية تلك األنشطة دون مالءمتها .انظر يف ذلك :صالح يوسف
عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2338،ص 20و . 23
-4رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها،دار
النهضة العربية ،1119،ص . 32
النزاع ،فإنه يكون عادة بعيدا عن المكان الذي تتم فيه الوقائع التي تستلزم تدخل اإلدارة .بحيث تنحصر
معلوماته في حدود الدعوى التي ينظرها .كما أنه يصدر حكمه عادة بعد مضي زمن على حدوث تلك
الوقائع .إذ ليس من عادته سرعة التصرف التي يتطلبها سير المرافق العامة بانتظام و اطراد()1إضافة إلى
عدم وجود الخبرة الكافية لديه لمواجهة الحاالت التي تعرض لإلدارة(.)2
باإلضافة إلى هاتين الحجتين اللتين ساقهما القضاء اإلداري الفرنسي ،فإن الفقه يستند في تبريره لرفض
بسط القضاء لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة إلى حجتين أساسيتين :تكمن األولى في اعتبار الرقابة
القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات .أما الحجة الثانية ،فتتمثل في
قصر الرقابة القضائية على مشروعية أعمال اإلدارة دون تعديها إلى مجاالت المالءمة( .)3وسنفصل الحديث
عن كلتا الحجتين فيما يلي:
-1صالح يوسف عبد العليم ،املرجع السابق ،ص .22وهذه االعتبارات هي اليت أدت إىل فصل اإلدارة العاملة عن اإلدارة القاضية .فالقاضي ليس إداريا
" يقضي و ال يدير ".
-2حممد كامل ليله ،مبادئ القانون اإلداري ،الطبعة األوىل ،1198،ص 22و . 28
-3هناك بعض الفقهاء من أنكر متاما وجود سلطة تقديرية لإلدارة .ومن بينهم الفقيه االجنليزي "ديسي" ،صاحب املذهب الليربايل .وقد جسد أفكاره هذه
يف كتابه"فلسفة احلرية االقتصادية" عام .1886تلك الفلسفة اليت تعين ترك األفراد أحرارا فيما يفعلون شرط عدم التدخل يف حريات اآلخرين .على أن
تقتصر وظائف الدولة على حفظ النظام والدفاع والعالقات اخلارجية .ولذلك كان طبيعيا أن يصرف تفكريه ويوجه اهتمامه إىل تأثري الدولة على احلريات
الفردية ومحاية امللكية اخلاصة .ونتيجة لذلك فإنه ال حمل يف أي نظام سياسي عنده للسلطة التقديرية ،تلك السلطة اليت يرجح إساءة استخدامها .ومن مث
تكون وسيلة للتحكم واالستبداد واالعتداء على حريات األفراد .والواقع أن إنكار "دايسي" للسلطة التقديرية هو أمر أثبت الواقع استحالته .فمشروعات
اخلدمة االجتماعية يف اجنلرتا اليت تضطلع هبا الدولة ،ال ميكنها أن تكون موضع التنفيذ بطريقة مرضية إذا مل ترتك بعض تفصيالت تنفيذها جلهة اإلدارة .ملا
هلا من سابق اخلربة يف ها اجملال .وال خشية على حريات األفراد طاملا أن هذه السلطة مقيدة باملصلحة العامة .أنظر ملزيد من التفاصيل:عبد اجلليل حممد
علي ،مبدأ املشروعية يف النظام اإلسالمي واألنظمة القانونية املعاصرة ،عامل الكتب ،القاهرة،1181،ص 61و ما بعدها.
-4خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر،اإلسكندرية،ص .211
-5ويف ذلك يقول:« chevalier » :
« Les juridictions administratives estiment n’avoir pas qualité pour prendre aux lieux et place
» des administrateurs les mesures que ceux-ci sont juridiquement obligés de prendre
أنظر يف ذلك :بن صاولة شفيقة ،إشكالية تنفيذ اإلدارة للقرارات القضائية اإلدارية ،دراسة مقارنة ،دار هومه ،دون تاريخ ،ص .123
بإحالل نفسه محل رجل اإلدارة ويمارس أحد اختصاصاته .وبذلك فإنه يخرج عن دوره كقاض مشروعية
ليصبح رئيسا أعلى لإلدارة(.)1
اعتبارن دفعا ببعض الفقه إلى القول بتعارض رقابة السلطة التقديرية مع مبدأ الفصل بين
ا ثمة
السلطات .هما النظرة الجامدة للمبدأ أوال ،والتي تفسره تفسي ار ضيقا .والتشكيك في قدرة القاضي على القيام
بهذه المهمة ثانيا.
في هذا اإلطار يقول األستاذ "فالين" أن القاضي اإلداري ال يستطيع أن يباشر رقابته على السلطة
التقديرية لإلدارة ليحل تقديره بدال من تقديرها ،مادام تقدير اإلدارة ينهض على أساس من الوقائع الصحيحة
()2
المبررة .واال فإنه يخرج عن حدود اختصاصاته ليصبح رئيسا أعلى لإلدارة.
مفاد ذلك أن القاضي اإلداري بفرضه لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة ،يدخل في مجال التقدير
اإلداري ويعتدي بهذه المثابة على اختصاصات اإلدارة .مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات.
يسير جانب من الفقه المصري في هذا االتجاه( ،)3من ذلك األستاذ "السيد محمد إبراهيم"( ،)4الذي يقرر
أنه ":في نطاق تطبيق مبدأ الفصل بين الهيئات اإلدارية والقضائية ،ليس للقضاء إال الرقابة القانونية على
أعمال اإلدارة ،و لذلك فإنه ال يمد رقابته إال في الحدود القانونية ،أي في حدود التأكد من أن القرار قد قام
على عناصره القانونية ،ومنها أن يكون محققا ألغراضه و للمصالح التي عينها القانون و ليس له أن
يتطرق إلى بحث درجة تحقق هذه المصالح ،إذ أن ذلك مما يخرج عن نطاق مسؤولية اإلدارة القانونية،
التي تخضع لرقابة القضاء ،ويدخل في نطاق مسؤوليتها اإلدارية والسياسية".
وهكذا يخلص هذا االتجاه الفقهي إلى أن فرض القضاء اإلداري رقابته على التناسب فيه اعتداء على
()5
اختصاصات اإلدارة .األمر الذي يشكل إخالال بمبدأ اإلخالل بين الهيئات اإلدارية و القضائية.
-1حممد تقيه ،مبدأ املشروعية ورقابة القضاء على األعمال اإلدارية ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،1112 ،ص .192
وهذا ما أيده " فالني " حني قال " :إن عملية اإلدارة تتمثل أساسا يف االختيار يف نطاق جمموعة القرارات اليت ميكن اختاذها قانونا ،ذلك القرار الذي يتفق
أكثر من غريه مع احتياجات الصاحل العام ،وإذا مسح القاضي لنفسه مبراجعة اإلدارة يف تقديرها هذا وإلغاء القرارات اليت يقدر أهنا ال ختدم الصاحل العام
بدرجة كافية ،فإنه يف هذا الغرض ال يصبح قاضيا ،وإمنا رئيسا أعلى لإلدارة" .انظر يف ذلك :قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري،
مذكرة ماجستري،جامعة عنابة ،كلية احلقوق ،2339،ص 230نقال عن :
- Waline,Etendue et limite du contrôle du juge administratif,G.E,1956,p 27
-2خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص .211
-3من هؤالء جند الدكتور حممد حسنني عبد العال .أنظر رسالته ،فكرة السبب يف القرار اإلداري و دعوى اإللغاء ،دار النهضة العربية ،القاهرة،1121 ،
ص .21
-4السيد حممد إبراهيم ،رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعاوى اإللغاء ،الطبعة األوىل ،مطابع جريدة السفري ،اإلسكندرية ،1190،ص .226
-5جتدر اإلشارة إىل أن الدكتور "السيد حممد إبراهيم" يشري إىل و جود خلط يف الفقه بني مبدأ الفصل بني السلطات الذي ابتدعه مونتيسكيو وطبقته
الثورة الفرنسية .وبني مبدأ الفصل بني اهليئات اإلدارية والقضائية الذي كان قد ظهر قبل قيام الثورة الفرنسية .وذهب البعض إىل حماولة التوفيق بني املبدأين
بالقول أن مبدأ الفصل بني اهليئات أثر خاص ملبدأ الفصل بني السلطات ،أو تفسري فرنسي له أو طريقة لتطبيقه .رغم التناقض بني املبدأين يف األهداف
واآلثار .فمبدأ الفصل بني السلطات مبدأ سياسي هدفه عدم تركيز سلطات الدولة يف يد واحدة وتوزيعها على هيئات منفصلة ومستقلة ،منعا لالستبداد
تبعا لذلك يطرح التساؤل عن فحوى هذا المبدأ ،وكيف نشأ وكيف طبق في الواقع ؟ وهل أخذ به
المؤسس الدستوري الجزائري ؟ .كل هذا األسئلة سنحاول اإلجابة عليها فيما يلي ذكره:
()1
-1مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات
ال يقصد بفصل السلطات أن تستقل كل هيئة أو سلطة عن األخرى تمام االستقالل بحيث تكون كل
منها بمعزل عن األخرى( .)2لكن المقصود بهذا المبدأ هو " :عدم تركيز صالحيات وسلطات الدولة في يد
واحدة ،بل توزيعها على هيئات وسلطات منفصلـــة و متساوية ،بحيث ال يمنع هذا التوزيع و االنفصال من
قيام تعاون و رقابة من السلطات على بعضها البعض"(.)3
إذا كان" مبدأ الفصل بين السلطات" يقترن وينسب إلى الفيلسوف الفرنسي" مونتيسكيو" في كتابه"روح
القوانين" .على اعتبار أن هذا المبدأ سيضمن ممارسة واحترام الحقوق والحريات الفردية( ،)4على أن توزع تلك
السلطات بين ثالث هيئات :سلطة تشريعية تكون بيد الشعب أو ممثليه ،سلطة تنفيذية بيد ملك قوي ،وسلطة
والتحكم .أما مبدأ الفصل بني اهليئات اإلدارية والقضائية فيقوم على عزل اهليئات القضائية عن نظر املنازعات املتعلقة باهليئات اإلدارية .وتبعا لذلك ،إذا
كان مبدأ الفصل بني السلطات حيمي الفرد من تعسف الدولة ،فإن الفصل بني اهليئات حيمي اإلدارة من رقابة القضاء .كما أن مبدأ الفصل بني السلطات
يقسم وظائف الدولة بني سلطات متعددة .أما مبدأ الفصل بني اهليئات ،فيقسم الوظيفة الواحدة .وهي الوظيفة القضائية بني اهليئات اإلدارية والقضائية .ومما
يؤكد عدم االرتباط بني املبدأين ،أنه يف فرنسا عرف مبدأ الفصل بني اهليئات يف النظام امللكي الذي قام على مبدأ وحدة السلطة ،ويف وقت مل يكن قد تألق
فيه مبدأ الفصل بني السلطات .وعلى العكس متاما يف اجنلرتا والواليات املتحدة ،حيث ينكرون مبدأ الفصل بني اهليئات رغم قيام النظام الدستوري على
أساس الفصل بني السلطات .ويدلل على ذلك مبا قاله األستاذ "فديل" بأنه ال التاريخ وال القانون املعاصر يؤكد أن مبدأ الفصل بني اهليئات القضائية
واإلدارية كان مرتبطا مببدأ الفصل بني السلطات .أنظر :خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،نقال عن :السيد حممد إبراهيم ،مبدأ الفصل بني اهليئات
اإلدارية والقضائية ،جملة احلقوق للبحوث القانونية واالقتصادية ،اإلسكندرية.1123 ،
-1جتدر اإلشارة إىل أن الفكر اإلسالمي احلديث يؤكد على أن مبدأ الفصل بني السلطات يف النظام اإلسالمي يقوم و ينفرد على سائر األنظمة بالفصل
التام بني السلطة التشريعية وباقي السلطات .وهذا مل يصل إليه أي نظام دستوري حديث ،إذ تعد السلطة التشريعية -وهي اهلل سبحانه و تعاىل – أوىل
السلطات وأمهها يف اإلسالم – منفصلة متاما عن القائمني بالتنفيذ .وما يضعه أويل األمر أو احلكام إمنا هو للتنفيذ والكشف ال غري ويف حدود التشريع
اإلهلي .إذ ال ميلك اخلليفة حق التشريع لوصفه رئيس السلطة التنفيذية ،وإن كان له حق االجتهاد مت استويف شروطه مثله مثل باقي اجملتهدين .أما عن
السلطة القضائية ،فإهنا يف نظر فقهاء الشريعية اإلسالمية مل تكن مستقلة بذاهتا ،بل كانت تابعة للسلطة التنفيذية .إذ غالبا ما جند ويف خمتلف مراحل الدولة
اإلسالمية القضاة ميارسون إىل جانب وظيفة القضاء أعماال تنفيذية أخرى كقيادة اجليوش واحلسبة ...إال أن هذا اإلدماج العضوي للقضاء مل يكن أبدا
مؤثرا على ممارسة وظيفتهم كقضاة ،ملا كانوا يتمتعون به من استقاللية يف املمارسة وإخالص ال نظري هلما يف الدول املعاصرة .وأساس ذلك هو خضوعهم-
إىل جانب اخلليفة وعلى قدم املساواة -للمسؤولية واملساءلة كباقي أفراد اجملتمع .وتقيدهم بأحكام الشريعية اإلسالمية .انظر يف ذلك :قزو حممد أكلي،
دروس يف الفقه الدستوري والنظم السياسية ،دراسة مقارنة ،دار اخللدونية ،اجلزائر ، 2330،ص . 182
-2سحنني أمحد ،احلريات العامة يف ظل الظروف االستثنائية يف اجلزائر ،جامعة اجلزائر ، 2336 ،ص . 101
-3حاحا عبد العايل ويعيش أمال ،تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ،1119جملة االجتهاد القضائي،العدد الثاين ،بسكرة،2336 ،
ص . 269
-4يرى " مونتيسكيو " أن مبدأ الفصل بني السلطات وسيلة للتخلص من السلطة املطلقة للملوك .فتجمع السلطات يف يد واحدة يؤدي إىل االستبداد
ألن طبيعة البشر ميالة إىل حب السيطرة واالستبداد .وأن احلرية ال توجد إال يف احلكومات املعتدلة ألن اإلنسان يتمادى يف استخدام حقه وسلطته .وللحد
من ذلك وجب وضع قيود على تلك السلطة .وال ميكن أن يتحقق ذلك إال بوجود سلطة مقابلة هلا – السلطة توقف السلطة .-وعليه ال قيمة للقوانني إذا
مل تكن السلطات موزعة بني هيئات خمتلفة تعمل من أجل حتقيق املصلحة العامة ،توقف كل منها األخرى عند االعتداء على اختصاصاهتا .انظر يف ذلك:
فريد علواش ونبيل قرقور ،مبدأ الفصل بني السلطات يف الدساتري اجلزائرية ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،39بسكرة ،ص .222
قضائية تسند إلى هيئة مستقلة( .)1إال أن مبدأ الفصل بين السلطات يجد أصله في الفلسفة اإلغريقية ،فقد
ظهر على لسان "أفالطون" و"أرسطو" .وتلقفه "جون لوك" و"مونتيسكيو" و"روسو" .وانتقل إلى الميدان
التطبيقي على إثر الثورتين الفرنسية واألمريكية(.)2
()3
-2تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري
-1املالحظ أن " مونتيسكيو " مل يذهب إىل املطالبة بالفصل املطلق بني السلطات .فقد كان متيقنا أنه مهما كانت شدة الفصل فإن هذه السلطات
مضطرة للتعاون والتضامن والعمل بطريقة منسقة ،ألن الفصل التام مستحيل يف عامل الواقع .انظر يف ذلك :سحنني أمحد ،املرجع السابق ،ص .108
-2يرى " أفالطون " يف كتابه " القوانني" توزيع السلطة بني عدة هيئات هي أوال :جملس السيادة املكون من 13أعضاء يهيمون على دفة احلكم وفقا
للدستور .ثانيا :مجعية تضم احلكماء مهمتها اإلشراف على التطبيق السليم للدستور .ثالثا :جملس شيوخ منتخب مهمته التشريع .رابعا :هيئة حلل املنازعات
اليت تقوم بني األفراد .خامسا :هيئات البوليس وأخرى للجيش مهمتها احلفاظ على األمن وسالمة الرتاب .سادسا وأخريا :هيئات متثيلية وتعليمية إلدارة
مرافق الدولة .أما أرسطو ،فقد الحظ ضرورة وجود ثالث وظائف :وظيفة املداولة :وهي من اختصاص اجلمعية العامة .ووظيفة األمر :وهي اليت يقوم هبا
احلكام .ووظيفة القضاء اليت تقوم هبا احملاكم .ويرى أنه من األحسن للنظام السياسي توزيع السلطة بني هيئات خمتلفة للتعاون مع بعضها البعض جتنبا لكل
استبداد .أما " جون لوك " ،فيعترب أول فقيه عرب عن مبدأ الفصل بني السلطات بنظريات عامة يف كتابة املشهور" التجربة يف حكومة مدنية " .وقد وضعه يف
أعقاب الثورة الربيطانية عام ،1988وقسم سلطات الدولة إىل أربع مهمات )1( :املهمة التشريعية :وهي سن القوانني )2( ،املهمة التنفيذية :تنفيذ
القوانني واحملافظة على األمن )0( ،املهمة االحتادية :وخصائصها إعالن احلرب وإقرار السلم وعقد املعاهدات والقيام جبميع العالقات مع الدول األخرى.
( )9مهمة التاج :وهي السلطة اليت تتوىل خصائص امللوك وحقوقهم وامتيازاهتم كافة .أما "جون جاك روسو" ،فريى أن الفصل بني السلطتني التشريعية
والتنفيذية أمر ضروري لكنه خيالف "مونتسيكيو" يف كونه يعترب السلطة القضائية جزءا من السلطة التنفيذية .كما أنه ال يقر فكرة تساوي السلطات يف ممارسة
السيادة واستقالهلا .ملزيد من التفاصيل أنظر :علواش فريد ونبيل قرقور،املقال السابق ،ص 229وما بعدها ،عبد العايل حاجا وأمال يعيش ،املقال السابق،
ص . 266وسعيد بوشعري ،القانون الدستوري والنظم السياسية املقارنة ،طرق ممارسة السلطة " أسس األنظمة السياسية و تطبيقات عنها" ،الطبعة الثالثة،
اجلزء ،2ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ، 1111 ،ص.196
-0إن دستور 1190يأخذ ظاهريا مببدأ الفصل بني السلطات .وذلك على النحو التايل :السلطة التشريعية ( املواد 22إىل ،)28السلطة التنفيذية (املواد
من 01إىل ،)61السلطة القضائية(املواد من 93إىل .)92إال أنه يف حقيقة األمر مل يعتمد مبدأ الفصل .إذ آمن واضعو الدستور اجلزائري لسنة
1190بفكرة مفادها "الضمان لالستقرار إال بالنظام القائم على قاعدة تغلب الشعب صاحب السيادة واحلزب الواحد " .وتأسيسا على ذلك حتول "نظام
احلزب الواحد" عن طريق "االستفتاء الشعيب" إىل مبدأ دستوري .وبناء على ذلك قام النظام الدستوري على أساس عدم الفصل بني السلطات ،لكون
املؤسس الدستوري آنذاك ينفر من ذلك الفصل .حيث ينظر فيه جتزئة للسيادة الوطنية .كما أن األحداث والتطورات اليت عرفتها اجلزائر يف تلك املرحلة
جعلت نظام احلكم يقوم على أساس تركيز السلطات ،حيث أصبحت سلطات رئيس اجلمهورية واسعة .فهو يف ذات الوقت رئيس احلكومة ،وهو األمني
العام للحزب .وعليه أصبح جيسد وحدة القيادة للحزب والدولة .انظر يف ذلك :السعيد بوشعري ،املرجع السابق ،ص . 02أما بالنسبة لدستور ،1129
فقد عمق من فكرة وحدة السلطة ،وذلك بتضمني بابه الثاين السلطة وتنظيمها كال من الوظيفة السياسية (املواد من 19إىل ) 130والوظيفة التنفيذية
(املواد من 139إىل ) 126والوظيفة التشريعية ( املواد من 129إىل ) 190والوظيفة القضائية (املواد من 199إىل .) 182فقد كان النظام
الدستوري اجلزائري يف ظل دستور 1129يقوم على فكرة التقسيم الوظيفي للسلطة يف ظل وحدة القيادة .وهي فكرة ال ينتج عنها فصل السلطات ،بل
تساعد على عدم تفتت السلطات ومتكن من تنظيمها وتوزيعها بني أجهزة خمتلفة .واملزج بني املركزية والالمركزية مبفهوم القانون اإلداري ،ولكن ذلك ال يفقد
رئيس اجلمهورية بوصفه املؤسسة األساسية يف النظام صالحيات احللول حمل املؤسسات األخرى يف الدولة كلما ارتأى ذلك ضروريا ،وحت إن مل حيل حملها
مباشرة فإنه يبقى اجلهاز املكمل هلا يف أداء وظيفتها .فبدونه تكون غري قادرة على أداء مهامها .ملزيد من التفاصيل انظر يف ذلك :بورايو حممد "،رئيس
اجلمهورية يف دستور 22نوفمرب ،"1129دراسة حتليلية الختصاصات رئيس اجلمهورية من خالل الدستور اجلزائري لسنة ،1129رسالة ماجستري ،
جامعة اجلزائر ، 1181 ،ص. 93
لقد أقر دستور 1181المعدل سنة 1119التعددية الحزبية بعد اإلعالن عن نهاية سيطرة الحزب
الواحد واعادة توزيع وظائف الدولة المختلفة .حيث تضمن في بابه الثاني تحت عنوان "تنظيم السلطات " كال
من السلطة التنفيذية (المواد من 92إلى )11والسلطة التشريعية ( المواد من 12إلى ) 128والسلطة
القضائية ( المواد من 121إلى ،) 198وأكدت المادة 121على أن السلطة القضائية مستقلة.
المالحظ أن المؤسس الدستوري في ظل دستور – 1181ورغم عدم نصه صراحة على مبدأ الفصل-
يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ،لكنه جعله فصال مرنا .أي اتخذ موقع وسط بين النظام الرئاسي
والبرلماني( ،)1بإحداث هيئات مستقلة ومتوازنة تتميز العالقة بينها بالتعاون والتنسيق .بحيث ال يمكن ألي
منها أن تؤدي مهمتها إال إذا تعاونت مع السلطة األخرى ،وكذلك الستعمال مصطلح " السلطات" وتخصيصه
فصال مستقال لكل سلطة منها(.)2
على الرغم من األحداث المؤلمة والمتسارعة التي شهدتها الجزائر خالل الفترة االنتقالية الممتدة ما بين
1112و .)3(1119إال أن ما تجدر اإلشارة إليه أنه بالنسبة لمبدأ الفصل بين السلطات في ظل التعديل
الدستوري لسنة .1119نجد أن المؤسس الدستوري ظل وفيا للمبدأ التي اعتنقه ،حيث تضمن في بابه الثاني
تحت عنوان" تنظيم السلطات " كال من السلطة التنفيذية (المواد من 23إلى ) 12والسلطة التشريعية (المواد
من 18إلى )102والسلطة القضائية (المواد من 108إلى .) 168وأكد في المادة 108منه على استقالل
السلطة القضائية صراحة .
ما يؤكد على استمرار هذا المنحى ،موقف المجلس الدستوري حين اخطر لرقابة دستورية المادة 32
من األمر المتعلق بالتقسيم القضائي المصادق عليه من قبل المجلس الوطني االنتقالي بتاريخ
،)4(1112/1/9حيث أعلن على":اعتبار المؤسس الدستوري باعتماده مبدأ الفصل بين السلطات كمبدأ
-1موالي أمساء ،التشريع يف ظل الفرتة االنتقالية الواقعة بني 1112و ،1119مذكرة ماجستري ،جامعة اجلزائر ، 2332 ،ص . 111 ، 118
-2ميكن كذلك أن نستشف أخذ املؤسس الدستوري اجلزائري مببدأ الفصل بني السلطات ،من خالل موقف اجمللس الدستوري ،حيث أنه حني اخطر من
أجل رق ابة دستورية القانون املتضمن النظام الداخلي للمجلس الشعيب الوطين و القانون األساسي للنائب أكد على ما يلي :
" -نظرا لكون حمرر الدستور أقام مبدأ الفصل بني السلطات ،باعتباره عنصرا أساسيا يف تنظيم السلطات العمومية .
-و نظرا لكون مثل هذا االختيار يرتتب عليه أن كل سلطة هلا صالحية تنظيم عملها الداخلي و ضبطه " .انظر يف ذلك :رأي رقم – 1ر .ق .م .د .
– ، 1181/8/28اجلريدة الرمسية ،عدد . 1181 ، 02
-3لقد عرفت اجلزائر خالل هذه املرحلة مجلة من األحداث ( اخلاصة بعد وقف املسار االنتخايب ) جعلت السلطة التنفيذية تتمتع بصالحيات أوسع
وأمشل يف كل جماالت عمل الدولة .حبيث مت تركيز السلطة بيد السلطة التنفيذية ،باعتبارها احلاملة خلاصية السلطة التقديرية واملالكة لصفة أعمال السيادة.
األمر الذي يتعارض مع أحد املبادئ الدستورية اجلوهرية أال وهو مبدأ الفصل بني السلطات .خاصة وأن السلطة التنفيذية جتاوزت حدودها من التنفيذ إىل
التشريع ،إضافة إىل االختصاص األصلي هلا ،مربرة ذلك بضرورة السرعة يف العمل وضرورة التخفيف من األضرار النامجة عن هذه احلالة اجلديدة اليت
تستهدف الدولة أو أحد مؤسساهتا ،وإن كان ذلك خمالفا للنصوص القانونية ومبدأ الفصل بني السلطات .انظر يف ذلك :موالي أمساء ،التشريع يف ظل
الفرتة االنتقالية الواقعة بني ، 1119 – 1112مذكرة ماجستري ،اجلزائر ، 2332 ،ص 111و .123
-4فريد علواش ونبيل قرقور ،املقال السابق ،ص .293
أساسي لتنظيم السلطات العمومية ،قد عمد إلى تحديد اختصاص كل منها ،و التي ال يمكن أن تمارسه إال
()1
في المجاالت وفق الكيفيات التي حددها لها الدستور صراحة "...
عليه نخلص من خالل عرضنا للمحة موجزة عن مبدأ الفصل بين السلطات اعتناق المؤسس الدستوري
الجزائري لهذا المبدأ – على األقل من الناحية الشكلية والنظرية( .-)2وذلك ما جعل هذا المبدأ حائال دون
ولوج القاضي الفاصل في المادة اإلدارية في الرقابة على عنصر المالءمة في األعمال اإلدارية .كما ال
يستطيع القاضي أن يمارس سلطة الحلول محلها .وذلك ما جعل السلطة القضائية عاجزة عن رقابة أعمال
الحكومة على أكمل وجه ،طالما أن المشرع لم يمنحها الكثير من اآلليات لمراقبة عمل اإلدارة العامة .إذ تقف
في كثير من األحيان قاصرة عن مراقبة األعمال اإلدارية إما استنادا لنظرية أعمال السيادة واما لمبدأ الفصل
بين السلطات .
()3
ثانيا :اقتصار الرقابة القضائية على المشروعية دون المالءمة
يرتبط االختصاص المقيد لإلدارة بفكرة المشروعية ارتباط وثيقا .لذلك فإن اإلدارة تخضع في ممارسته
للرقابة القضائية ،حيث أن مضمون الرقابة على أعمال اإلدارة هو التحقق من مدى م ارعاة الشروط التي
يتطلبها القانون .ويكون للقضاء بالتالي أن يبطل أعمال اإلدارة المخالفة لما نص عليه القانون"على اعتبار
أن األعمال اإلدارية تخضع في مجال السلطة المقيدة لرقابة القضاء من جانب الشرعية "(.)4
-1رأي رقم ، 9رأ – م د ،مؤرخ يف 1112/2/11حول دستورية املادة الثانية من األمر املتعلق بالتقسيم القضائي املصادق عليه من اجمللس الوطين
االنتقايل بتاريخ . 1112/1/9
-2حيث يذهب األستاذان " عبد العايل حاحا " و "أمال يعيش" يف مقال هلما حتت عنوان "تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور 1119
" ،إىل أن تطبيق مبدأ الفصل بني السلطات يف اجلزائر كان شكليا لعدم احرتامه للتوازن والتعاون وعدم تركيز السلطة مثلما نادى به "مونتيسكيو" .فهناك
تفاوت كبري يف السلطات الستئثار السلطة التنفيذية ممثلة يف رئيس اجلمهورية بكافة الصالحيات والسلطات ،سواء تعلق األمر بالتشريع أو القضاء أو
التنفيذ .وهذا ما أدى ببعض الفقه الدستوري إىل تكييف النظام السياسي اجلزائري بناء على ما سبق على أنه نظام رئاسي .ملزيد من التفاصيل حول املوضوع
انظر :حاحا عبد العايل ويعيش أمال متام ،تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ،1119جملة االجتهاد القضائي ،العدد الرابع ،جامعة حممد
خيضر ،بسكرة ،ص . 222
-3جند بأن الفقه اإلسالمي يؤيد هذا املوقف ،إذ ليس لقاضي املظامل أن يبحث مالءمة التصرف الذي اختذته اإلدارة يف شأن من الشؤون طاملا صدر
موافقا ألحكام الشرع ومتوخيا املصلحة العامة .وذلك ألن القرار اإلداري الصادر من أي سلطة كانت له حجية إذا صدر وفق أصوله الشرعية فإنه يصبح
واجب النفاذ بالنسبة للواقعة اليت صدر فيها ،حبيث ال جيوز ملن أصدره أن يرجع عنه وال لغريه أن ينقضه ولو كان خمالفا ملذهبه .وذلك بالنسبة لألمور اليت
جيوز فيها االجتهاد .فالرئيس اإلداري ليس له أن ينقض من تصرفات مرؤوسيه ما أبرمه أحدهم باجتهاده مادام موافقا ألحكام الشرع ومتوخيا املصلحة
العامة .ومن مث تقصر الرقابة القضائية أن متيد إىل هذا احلد من تصرفات اإلدارة تاركة جماال رحبا لإلدارة تتصرف على حسب ما متليه عليها املصلحة ومبا
يوافق أحكام الشريعة وروحها .أنظر يف ذلك :نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912
هجرية ،ص . 209
-4مزياين فريدة ،سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،
جامعة قاملة ،2311،ص . 38
أما السلطة التقديرية ،فإنها ترتبط بفكرة المالءمة( .)1إذ أن القانون عندما يخول اإلدارة سلطة تقديرية،
فإنه بذلك يترك لها حرية تقدير مالءمة أعمالها ،وهي في هذه الحالة ال تخضع كقاعدة عامة لرقابة القضاء.
على أساس أن القاضي الفاصل في المادة اإلدارية هو قاضي المشروعية دون المالءمة(.)2
تقوم هذه النظرية على فكرة مؤداها أنه يتعين على القاضي اإلداري أن يقول كلمته في مشروعية
أعمال اإلدارة دون التعرض للمالءمة .إذ ينبغي أن تحجز المالءمة للسلطة التقديرية لإلدارة وعلى
القاضي أن يحترم هذا القدر من حرية االختيار .وال يجوز له أن يعتدي على مجالها(.)3
من أنصار هذا االتجاه نجد الفقيه الفرنسي " ميشو " الذي يبرر ذلك باختالف الهدف من عمل كل
من اإلدارة و القاضي " .فاإلدارة حينما تتصرف يكون هدفها المصلحة العامة ،أما القاضي حينما يحكم ...
()4
فيتعين عليه أن يضع نصب عينيه مصلحة العدالة وحدها ،التي تتمثل في تطبيق القاعدة القانونية"
كما يذهب الفقيه " بونار" إلى أن القاضي ملزم باحترام السلطة التقديرية لإلدارة ،ليس فقط لصالح
()5
العدالة ،و لكن أيضا لصالح العمل اإلداري.
من ناحية العدالة ،نجد أن ممارسة القاضي لسلطة إدارية واسعة – األمر الذي تفرضه رقابة
المالءمة– سيفقده بالتدرج ملكة التجرد والحياد في تطبيق القانون .وهما العامالن اللذان يميزان وجدان
القاضي( .)6لذلك نجد العديد من القضاة الجزائريين يتجنبون مراقبة تقدير اإلدارة للوقائع على أساس أنه ال
()7
وجود لقاضي مالءمة.
أما عن صالح العمل اإلداري ،فإنه ينبغي للقاضي أال يتدخل في مجاالت اإلدارة العاملة في تقديرها
لمالءمة ق ارراتها .إذ أنها تخضع في ذلك لرقابة البرلمان الذي يحدد مسؤوليتها ،ألنه ال يعلم كافة الظروف
-1يف نفس االجتاه يرى االستاذ» « (G) VEDELأنه ليس للقاضي اإلداري أن يراقب اإلدارة وهي متارس اختصاصها التقديري .وذلك لعدة
اعتبارات منها ما يتعلق بنوعية االختصاص ،ومنها ما يتعلق بالقاضي اإلداري يف حد ذاته .أما ما تعلق منها بنوعية االختصاص :فتتمثل يف أنه ليس من
املعقول أن مينح املشرع لإلدارة حرية التصرف يف بعض القرارات مث يفرض على هذه احلرية رقابة ،إذ تصبح احلرية هنا بال جدوى.كما أن القاضي اإلداري
ليس قاض مالءمة وإمنا هو قاض مشروعية فقط .وإذا كان كذلك فهو ينصب نفسه رئيسا على اإلدارة وهذه األخرية متثل االعتبارات املتعلقة بالقاضي .أنظر
يف ذلك :هاجي هين موسى ،طبيعة النظام القضائي اجلزائري ومدى فعاليته يف مراقبة أعمال اإلدارة ،رسالة ماجستري يف اإلدارة املالية العامة ،جامعة
اجلزائر ،1186،ص .62
-2سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية النظرية العامة للقرارات اإلدارية،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس
،1111،ص . 13
-3عبد اهلل طلبه ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،ص .00ويف ذلك يقول األستاذ حممد بن الطاهر ... " :ومعىن ذلك
أن ختضع تصرفات وأعمال اإلدارة لرقابة القضاء .فهذا األخري ينظر يف مدى مشروعية القرار من عدمها ،وال متتد رقابة القضاء إىل مالءمة هذا القرار ويظل
القاضي يف جمال ممارسة الرقابة قاض مشروعية وليس قاض مالءمة " .حممد بن الطاهر ،املادة 32من القانون 20-13وانعكاساهتا على القضاء االداري،
ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،1112،ص .126
-4حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية -وسائل املشروعية-الطبعة الثانية ،دار هومه.029 ،2339،
بحسب موقف القضاء من هذا العمل ،حيث يأتي دوره الحقا لدور المشرع في استكمال عناصر التقييد(.)1
ل ذلك يمكن القول بأن القضاء اإلداري يخلق أحيانا حاالت جديدة االختصاص المقيد لإلدارة ،ويلزمها بإتباعـه
واال تعرض تصرفها المخالف لما قرره لإللغاء(.)2
يستند أنصار هذا االتجاه في تبرير ذلك إلى دور القاضي اإلداري اإلنشائي والذي يتمثل في إضافة
()3
مبادئ قانونية عامة للنصوص المكتوبة.
مع تقديرنا التام لكافة اآلراء التي اعترضت على تغلغل سلطة القاضي اإلداري إلى مالءمة العمل
اإلداري ،إال أن هذا التخوف راجع إلى الصياغة التقليدية التي درج الفقه عليها ورددتها بعض ق اررات مجلس
الدولة .التي تقصر دور القاضي في دعوى اإللغاء على فحص المشروعية دون المالءمة(.)4
فمع التسليم بصحة هذه القاعدة ،إال أن فكرتي المشروعية والمالءمة ليستا على طرفي نقيض( .)5فمشروعية
تصرف معين تقاس بمدى التزامه بقواعد القانون .وبالتالي فإن المشروعية فكرة مستمدة من النظام القانوني.
أ ما مالءمة تصرف معين فإنها فكرة مادية وعملية ينظر فيها إلى مدى موافقة هذا التصرف لمركز معين أو
حالة معينة بالنظر لما يحيط بهذا المركز أو هذه الحالة من اعتبارات الزمان والمكان والظروف المحيطة(.)6
من ثم فال يمكن أن يكونا على طرفي نقيض.
من الواضح أن فكرتي المشروعية والمالءمة ليستا على خط واحد .فالمشروعية نقيضها هو عدم
المشروعية .كما أن نقيض المالءمة هو عدم المالءمة .وكما توجد ق اررات مشروعة ولكنها غير مالئمة فإن
()7
هناك ق اررات غير مشروعة ،ولكنها تكون مالئمة.
لذلك فإننا نتفق مع ما ذهب إليه بعض الفقهاء ،من أن المشروعية والمالءمة فكرتان غير متناقضتين.
وأن تحليل كل منهما يفيد هذا التفسير .فمشروعية تصرف ما تعني أن هذا التصرف التزم جانب القواعد
التشريعية ،بينما تعني المالءمة بالنسبة لتصرف ما أن هذا التصرف كان مناسبا أو موافقا أو صالحا من
حيث المكان والزمان واالعتبارات المحيطة.
-1مراد بدران ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،2338،ص .29
-2حممد كامل ليله ،مبادئ القانون اإلداري ،الطبعة األوىل ،1198،ص . 28
-3عبد اجلليل مفتاح و مصطفى خبوش ،دور القاضي اإلداري وضع القاعدة القانونية أم تطبيقها؟،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،جامعة حممد
خيضر ،بسكرة ،2332،ص 111وما بعدها .وقد سبق وأن وضحا ذلك يف إطار حديثنا عن التحديد القضائي للسلطة التقديرية لإلدارة.
-4صالح يوسف عبد العليم ،املرجع السابق ،ص .80
-5ويف ذلك تقول األستاذة "فريدة أبركان" ... :إن احلدود ضيقة بني املفهومني االثنني ،حيث أن رقابة املالءمة متاثل أمناط الرقابة املنصبة على السلطة
التقديرية اليت مل تزل تقلت من الرقابة ال قضائية حبسب النصوص واالجتهادات التقليدية اليت ظلت حتوز الرقابة القضائية على مدى جتاوز السلطة".فريدة
أبركان ،مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،1112،ص .111
-6سعاد الشرقاوي ،القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ، 1189 ،ص . 131
-7صالح يوسف عبد العليم ،املرجع السابق ،ص . 86
الفرع الثاني
الموقف المؤيد للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
نظ ار لالنتقادات التي وجهت لالتجاه المعارض لفرض رقابة قضائية على السلطة التقديرية لإلدارة،
ذهب جانب من الفقه إلى أنه لم يعد سائغا الربط بين ممارسة اإلدارة للسلطة التقديرية وافالت هذه الممارسة
من رقابة القضاء اإلداري .فالسلطة التقديرية كما أكدنا سلفا هي سلطة قانونية مصدرها القانون .وهي سلطة
تهدف إلى التوصل إلى الحل المالئم بصدد الموضوع محل القرار .فإذا لم تتحقق هذه المالءمة نتيجة مباشرة
هذه السلطة ،فإن مفاد ذلك أن تلك المباشرة لم تكن سليمة ،بل وغير مشروعة لعدم تحقق الغاية منها ،أي
مالءمة القرار اإلداري( .)1مما يبرر فرض الرقابة القضائية عليها.
وقد استند أنصار هذا االتجاه إلى حجتين رئيسيتين ،بحيث ذهب جانب من الفقه إلى تفسير هذه
الرقابة على أساس أن القاضي اإلداري يمثل رئيسا أعلى لإلدارة( .)2أما الجانب اآلخر فقد فسرها على اعتبار
أن الرقابة القضائية أصبحت تتعدى حدود المشروعية لتمس جوانب المالءمة .وسنتطرق لكلتا الحجتين فيما
يأتي:
()3
أوال :النظرية القائلة بأن القاضي اإلداري هو الرئيس األعلى لإلدارة
ال ينكر أصحاب هذه النظرية أن مهمة القاضي مهمة قضائية قبل كل شيء .إال أنه من المالحظ من
الناحية العملية أن القاضي يقوم بعمل اإلدارة ويتصرف كرئيس عليها .وأن هذا التجاوز لوظيفة القاضي
()4
القضائية يتصل بطبيعة القضاء اإلداري ،إذ يرجع ذلك إلي طريقة تكوينه وطريقة ممارسته لمهمته.
من األسباب التي دعت بعض الفقهاء إلي الحديث عن هذه الرقابة التسلسلية للقاضي (أي كالرئيس
اإلداري) على اإلدارة(:)5
-1أن القاضي اإلداري ال يكتفي بإيجاد حلول قانونية بحتة للمشاكل التي تعرض عليه ،أي ال يقف دوره
عند إنزال حكم القانون فقط وعند حد الرقابة على المشروعية فحسب .بل يتغلغل كرجل اإلدارة في مجال
المالءمة.
-2أن الطابع الرئاسي للرقابة القضائية التي يباشرها القاضي اإلداري يجد أساسه في قانون السلطة العامة
الذي خلق القضاء اإلداري .فالقاضي اإلداري عندما يحكم بتعويض األفراد تحده في ذلك اعتبارات العدالة
-1سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330،ص .203
-2سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص . 020
-3ترتكز هذه النظرية على اعتبارات تارخيية .فمرحلة اإلدارة القاضية اليت مر هبا تطور القضاء اإلداري الفرنسي كانت تعرب عن هذا الوضع ،حبيث كانت
ختصص هي نفسها أعضاء فيها تعهد إليهم بالفصل يف املنازعات اإلدارية .وطبيعي أن يفرتض يف هؤالء األعضاء اإلملام الواسع بطبيعة مهمة السلطات
اإلدارية ومتطلباهتا.
-4املرجع نفسه ،ص . 012
-5صالح يوسف عبد العليم ،املرجع السابق ،ص 83و . 81
ومقتضيات الصالح العام .فهو يتصرف في هذا المجال حسب وجدانه ،كما يفعل رئيس اإلدارة وليس كقاض
حسب القانون.
-0هناك سبب آ خر يشير إليه أنصار هذه النظرية ،وهو أن قواعد حسن اإلدارة أو السلوك اإلداري الذي
يفرضه القاضي على اإلدارة بضرورة احترامها ليست إال تنظيما للسلطة التقديرية .وهو نظام داخلي أو جده
القاضي كرئيس إداري داخل مجال الحرية التي يتركها القانون لرجل اإلدارة.
-9يدلل جانب من الفقه على صحة النظرية أيضا موضحا أن القاضي– في بعض األحيان – يتبع اإلدارة
في مخالفة مبدأ المشروعية بسبب خطر داخلي أو خارجي على الدولة .فهو يدافع عن اإلدارة ويترك حينئذ
دوره كقاضي ويتصرف كرئيس إداري يضحي بالمشروعية أمام اعتبارات مالءمة طارئة .وأبرز مثال على
هذا الموقف ما يالحظ في نظرية الظروف االستثنائية .
-6يستند هؤالء كذلك إلى الرقابة على تدابير الضبط اإلداري ،التي تفسر من وجهة نظرهم الطابع التسلسلي
للرقابة التي يبشرها القاضي اإلداري .فالقاضي من خالل رقابته على تلك التدابير يسن داخل القانون الئحة
أكثر إعدادا ويفرضها على اإلدارة تماما كما تقوم بذلك أي سلطة رئاسية عندما تواجه اإلدارة في ممارسة
سلطتها اإلدارية .
-9أن القاضي في إطار ممارسة مهمته في حماية التوازن بين حقوق األفراد وامتيازات اإلدارة يكون مدفوعا
بالضرورة إلى تقدير المصلحة العامة المعنية ومداها ،ومن هنا يصبح رجل إدارة .
()1
وقد كانت هذه النظرية محل انتقاد الذع من الفقه تأسيسا على اعتبارين:
-االعتبار األول
أن القاضي اإلداري عندما يباشر رقابته على عمل اإلدارة ،فإن كل ما يقضي به -في مثل هذه
الحالة– أن هذا العمل ال يحقق المصلحة العامة نتيجة عدم مالءمة التقدير الذي قامت به اإلدارة .ومن ثم
عليها أن تعيد هذا التقدير مرة أخرى للتوصل إلى تحقيق هذا الهدف .وبذلك فإنه ال يحل نفسه محل رجل
()2
وال يقوم بهذا التقدير بداءة .فالتقدير قائم وموجود سلفا ،وقد قام به رجل اإلدارة من قبل ،ثم جاء اإلدارة
القاضي ليباشر رقابته على هذا التقدير الموجود أصال ،وفي النطاق الذي جرى فيه من جانب اإلدارة(.)3
-االعتبار الثاني
-1سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،املرجع السابق ،ص 010نقال عن :إمساعيل علم الدين ،التزام اإلدارة القانوين يف ممارسة
السلطة التقديرية يف الفقه والقضاء ،جملة العلوم اإلدارية ،السنة ،10عدد ،1121 ،0ص . 11
-2يف ذلك قضت حمكمة القضاء اإلداري يف مصر ... " :أن احملكمة ليست من هيئات اإلدارة العامة ،فال متلك أن تصدر أوامر إدارية ،ومن باب أوىل
أن تقوم مقام اإلدارة يف اختاذ إجراء معني " ...انظر :حسن السيد بسيوين ،دور القضاء يف املنازعة اإلدارية :دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية يف مصر
و فرنسا واجلزائر ،عامل الكتب ،القاهرة ،بدون تاريخ ،ص .090
-3وقد تقرر ذلك يف حكم حمكمة القضاء اإلداري املصرية اليت قضت بأن ...« :إن احملكمة ال ختتص بأحقية املدعني يف احلصول على درجة الدكتوراه يف
الفلسفة ألن ذلك مبثابة منحها هذه اإلجازة ،واحملكمة ليست سلطة إدارية عليا حت تستطيع أن حتل حمل اإلدارة يف إصدار القرارات أو أن تلزمها بإصدار
شيء منها" .املرجع نفسه ،ص .090
أن دور القاضي – في فحص هذا التقدير– إنما يدخل في حدود وظيفته األصلية في الرقابة على
مشروعية أعمال اإلدارة .حيث تتحدد سلطته إزاء الق اررات اإلدارية وليس في استخالص أحد عيوب
المشروعية في طريق اإلدارة ،وانما يقف في طريق انحرافها بالسلطة بهدف الحيلولة دون أن تكون هذه
السلطة التقديرية سلطة تعسفية أو مطلقة.
ال يقتصر االنتقاد الموجه إلى النظرية على هذين االعتبارين فقط .فقد ذهب جانب آخر من الفقه إلى
أن هذه النظرية تشكل خط ار يتمثل في قيام حكومة القضاء ،منذ اللحظة التي تؤدي فيها الرقابة القضائية
على اإلدارة إلى إلغاء سلطتها التقديرية في الواقع(.)1
أمام االنتقادات الشديدة التي تعرضت إليها هذه النظرية في تفسير الرقابة القضائية على السلطة
التقديرية لإلدارة ،ذهب جانب آخر من الفقه إلى تفسير هذه الرقابة على أساس أن دور القاضي اإلداري قد
تطور بحيث لم يعد يقتصر على رقابة مشروعية تصرفات اإلدارة فحسب ،وانما امتد ليشمل اعتبارات
المالءمة .وذلك ما ستفصله في النقطة الموالية.
ثانيا :امتداد الرقابة القضائية إلى حدود المالءمة
لقد ذهب جانب من الفقه إلى تأييد الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،تأسيسا على أن
الرقابة القضائية قد" أصبحت تتاخم حدود الرقابة على المالءمة وتكاد تقتحم أرضها"(.)2
إذا كانت رقابة القضاء – باعتبارها رقابة مشروعية– تهيمن على اختصاصات اإلدارة المقيدة ألن تلك
االختصاصات البد أن تحترم مبدأ المشروعية( .)3فإن األمر ال يكون كذلك إذا ما تعلق باختصاصات اإلدارة
التقديرية .فالمفروض أن القاضي اإلداري ال يمارس رقابة المشروعية ،وانما يتعرض إلى رقابة المالءمة مادام
النص لم يلزم اإلدارة بإتيان التصرف أو باالمتناع عنه(.)4
-1ويستدل على ذلك بنص املادة 98من الدستور املصري اليت حتظر حتصني أعمال اإلدارة وقراراهتا من رقابة القضاء ،بالتنسيق مع املادة 13من قانون
جملس الدولة اليت حددت أوجه إلغاء القرارات اإلدارية .سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص . 222
-2ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333،ص .66
-3سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .221
-4ميهوب يزيد ،رقابة القاضي اإلداري على أعمال الضبط اإلداري ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،جامعة
قاملة ،2311،ص .39
تأسيسا على ما تقدم ،يمكن القول أنه إذا تعلق األمر بالحريات العامة فإن االعتراف لإلدارة بقدر من
السلطة التقديرية بصدد الق اررات المتعلقة بها ،ال يمنع من خضوع هذه الق اررات لرقابة القضاء في كافة
عناصرها و أركانها .وعندما يقوم القاضي برقابة العناصر التي تتمتع اإلدارة شأنها بحرية تقديرية ،فإنه يقوم
في هذه الحالة برقابة المالءمة استثناء من كونه قاض مشروعية(.)1
إن مشروعية ومالءمة إجراء معين ال تتعلقان بفكرتين متناقضتين .فاإلجراء اإلداري يمكن أن يوصف
في وقت واحد بالمشروعية وعدم المالءمة .بل أن التشريع ذاته يمكن أن يكون غير مالئم مع أنه مشروع
وملزم .لذا فإن اعتبارات المالءمة يلزم أن تساهم إلى جانب االعتبارات األخرى في تكوين األساس الذي
تصدر عنه القاعدة القانونية(.)2
يستطرد هذا الرأي مشي ار إلى أن الحدود الفاصلة بين المشروعية والمالءمة قد ال تتغير بفعل المشرع،
وانما عن طريق القضاء( .)3ألن الدور اإلنشائي الذي يمارسه القاضي اإلداري في خلق القواعد القانونية ،قد
يؤدي إلى تغيير الحدود الفاصلة بين نظامي المشروعية و المالءمة(.)4
في كثير من األحوال يفرض القاضي اإلداري على اإلدارة احترام قواعد قضائية إلى جانب القواعد
القانونية ،وبالتالي فمن الخطأ حصر رقابة القاضي اإلداري في إطار مشروعية األعمال اإلدارية .إذ كلما
أنشأ القاضي قواعد قضائية فهو في الواقع يقلل من مساحة السلطة التقديرية لإلدارة ويقيد مجال المالءمة(.)5
وفي ذلك تقول األستاذة "فريدة أبركان" " :فالتقسيم أصال بين الرقابة الشرعيـة والرقابة المالءمة ،إنما هي
ثمرة المواقف القضائية التي لم ترسم لها معالم حدود نهائية ،وانما تستقر على مواقف معينة يلزم بها
القاضي إلى غاية االجتهاد على تغيير الموقف ،فيسمى اجتهادا جديدا ،وهو ما يصطلح عليه بالعدول
()6
االجتهادي".
ينتهي هذا الرأي إلى أنه إذا كان صحيحا أنه البد أن يقتصر دور القاضي في دعوى اإللغاء على
توخي المشروعية ،بحيث ال يجوز أن يلغي ق ار ار مشروعا جزاء عدم مالءمته .إال أنه يجب أال نغفل أن
السلطات الواسعة التي يمتلكها القاضي اإلداري ،والتي تصل إلى حد إنشاء وتقرير قواعد قانونية جديدة،
-1محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330 ،ص .121
-2سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية ،املرجع السابق ،ص . 110
-3ويف ذلك يقول "دي لوبادير" ":إن الرقابة القضائية على املالءمة ،إمنا جتد أساسها يف القواعد القانونية اليت يضعها القاضي اإلداري باعتباره مصدرا من
مصادر املشروعية ،ويقيد هبا بالتايل االختصاص التقديري لإلدارة ،حبيث ميكن القول أنه إىل جوار السلطة املقيدة بواسطة املشرع ،توجد سلطة مقيدة بواسطة
القضاء ،وهي اليت تكمن يف أساس رقابته لعناصر املالءمة".
Voir : Manuel de droit administratif, 11 Emme édition, L.G.D.J, Paris.p 123.
-4قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،كلية احلقوق ،2339 ،ص 239و . 236
-5صالح يوسف عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2338،ص . 88
-6فريدة أبركان ،مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية ،ملتقى قضاة الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية. 111 ،1112،
تمكنه من أن يدخل بعض عناصر المالءمة ضمن شروط مشروعية القرار .لذا فإنه بالنسبة للقانون القائم أو
الموجود فليس هناك إطالقا رقابة على المالءمة .أما بالنسبة للقانون أثناء تكوينه فإن القاضي يراقب بعض
()1
عناصر المالءمة عن طريق تقرير قواعد قانونية توسع من نطاق المشروعية.
ال يقتصر هذا الموقف على مجال الطعن باإللغاء ،لكنه يظهر أيضا في مجال الطعن بالتعويض.
فالقاضي -وهو بصدد عقد مسؤولية اإلدارة -يلجأ في أغلب األحيان إلى تقدير المالءمة .وهذا ما يفسر أن
أي خطأ ال يستوجب أن يعقد مسؤولية اإلدارة .وبالعكس يمكن أن تعقد هذه المسؤولية في غيبة خطأ يمكن
نسبته لإلدارة(.)2
نحن نميل تماما مع هذا الرأي في تقريره لرقابة القاضي اإلداري على المالءمة ،ألنه يقترب بالفعل
من الواقع القضائي السائد .عالوة على عدم اإلخالل بضوابط مبدأ المشروعية والحرص على إعالء كلمتها.
فالقاضي اإلداري عند بسطه لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة ،فإنه ال يجعل من نفسه رئيسا على هذه
األخيرة .خاصة وأن القضاء اإلداري ال يفرض رقابته بطريقة نظرية جامعة ،بل يراعي ظروف كل حالة مما
يترك لإلدارة – في العديد من الحاالت -سلطة تقديرية واسعة.
وهو الموقف الذي يؤيده األستاذ"محمد فريد الزهيري" ،الذي يرى أن الرقابة القضائية على السلطة
التقديرية لإلدارة ال تتعارض مع مبدأ الفصل بين الهيئات اإلدارية والقضائية .وذلك العتبارين :أولهما أن
مفهوم مبدأ الفصل ليس مفهوما مطلقا جامدا ،وانما يسمح بنوع من التعاون بين الهيئات .وثانيهما أن مبدأ
الفصل قد يصدق في عالقة القاضي العادي باإلدارة ،أما فيما يتعلق بعالقة اإلدارة والقضاء اإلداري ،فإن
ه ناك صالت قوية بينهما ،تجعل من القضاء اإلداري دائم البحث عن نقطة التوازن بين المصلحة العامة
()3
ومصلحة الفرد ،واضعا في اعتباره مستلزمات حسن االدارة.
وعليه نخلص من خالل عرض موقف الفقه من رقابة القضاء على السلطة التقديرية لإلدارة ،إلى "أن
زمن السلطة التحكمية أو التعسفية قد انتهى ،ومن ثمة فال تعارض بين االعتراف لإلدارة بحرية في التقدير
()4
و بين إخضاع هذه الحرية للرقابة القضائية ،فالسلطة التقديرية ليست مطلقة".
-1سامي مجال الدين ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2330 ،ص . 228
-2زكي حممد النجار ،فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص .11
المطلب الثالث
أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
تمارس اإلدارة اختصاصاتها وسلطتها التقديرية باستمرار .وهذا ما يترتب عليه في أحيان كثيرة وقوع
احتكاكات وتصادمات بينها وبين النظام القانوني في الدولة ،من جهة .وحقوق وحريات األشخاص من جهة
أخرى .مما قد يؤدي إلى تحريك عملية الرقابة القضائية التي تهدف إلى ضمان مبدأ المشروعية( ،)1وتحقيق
العدالة وحماية المصلحة العامة وحقوق وحريات األشخاص .وهي تعتبر أهداف ساكنة لها قيمتها من الناحية
النظرية والقانونية والسياسية .كما يمكنها تحقيق أهداف عملية فعلية ،ال تكون إال بفضل القاضي الفاصل في
المادة اإلدارية أثناء فصله في النزاع القائم .وعليه فأهداف الرقابة تنقسم إلى قسمين :أهداف ساكنة وأهداف
متحركة(.)2
الفرع األول
األهداف الساكنة
إن الهدف األساسي من عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة هو الوصول إلى درجة من
الحماية لحقوق وحريات األفراد .وبالتالي تفعيل آلية الرقابة على أعمال اإلدارة أو الدولة ،على اعتبار أن
النظرة القانونية للرقابة القضائية ما هي إال عبارة عن المدافع والحامي لحقوق المواطنين من أعمال
وتصرفات صادرة عن اإلدارة ،بموجب ما تمتع به من سلطة تقديرية بصفة خاصة .حيث نصت المادة 101
من دستور 28نوفمبر 1119على ما يلي ":تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن للجميع
ولكل واحد المحافظة على حقوقهم األساسية " .
كما أن الهدف األسمى من تحريك عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة وسلطتها
التقديرية ،هو المحافظة على المصلحة العامة ،بالنظر إلى كونها هدفا بحد ذاته والغاية األساسية التي تهدف
اإلدارة إلى تحقيقها من خالل القيام بالعديد من النشاطات والوظائف في إطار تسيير المرافق العامة.
وبالمقابل فإنها تنعكس إيجابا على حسن تسيير المرافق بانتظام واطراد .ومن ثمة تحقيق إشباع تام وكلي
لألفراد .على اعتبار أن الرقابة في هذا المجال ،تعتبر أداة فعالة في حماية االقتصاد الوطني من التخريب
وعدم التبذير .والتقيد بالنصوص القانونية المنظمة لكل مجال(.)3
-1املادة 189فقرة 30من دستور .1129واملادة 162من دستور .1181واملادة 192من دستور .1119اليت تنص على ":املؤسسات
الدستورية وأجهزة الرقابة مكلفة بالتحقق من تطابق العمل التشريعي والتنفيذي مع الدستور ،ويف ظروف استخدام الوسائل املادية واألموال العمومية
وتسيريها".
-2قروف مجال ،املرجع السابق ،ص .31
-3ياسني قوتال ،الرقابة القضائية على القارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،2336 ،ص .82
وبالتالي نجد أن الرقابة القضائية في هذا الصدد هي ضمان عدم خروج األعمال واألنشطة ذات الطابع
اإلداري عن المصلحة العامة(.)1
تهدف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة أيضا إلى التركيز على مدى سالمة ومشروعية
األعمال اإلدارية التقديرية من الزاوية القانونية .بحيث إذا تم اكتشاف أي خروج عن نطاق المشروعية السائدة
في الدولة -وذلك عن طريق التالعب وعدم االلتزام بالضوابط اإلدارية المنصوص عليها قانونا ،-وجب
مباشرة إلغاؤها أو تعديلها أو سحبها بحسب جسامة الخطأ المقترف من طرف اإلدارة .ومحاولة إعادة الموقف
قدر اإلمكان إلى ما كان عليه وجعله أكثر تالؤما واتفاقا مع النصوص القانونية(.)2
بالتالي نجد أن مبدأ المشروعية يعد اللبنة األولى واألساسية التي تبنى عليها وسيلة أو عملية الرقابة
القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،طبقا لما جاء في نص المادة 189من دستور 1129والمادة 193
من لدستور .)3(1119
كما ترمي عملية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة إلى تحقيق المالءمة للنشاط اإلداري
في الدولة .حيث تعد اإلدارة العامة الدعامة األساسية في تسيير دواليب الدولة ،بالنظر إلى االحتكاك الكبير
بينها وبين المواطن .ومن جهة فإننا نجد أن هذه األخيرة تقوم بتجسيد كل البيانات والمعلومات في كل
المجاالت ،بما يتفق مع التوجه السياسي للدولة .والذي بدوره ينعكس بشكل ايجابي على مختلف الجوانب في
الدولة .وبالتالي البد أن تستمد عملية الرقابة القضائية من روح الفلسفة السائدة داخل المجتمع ،والتي تعد
عامال أساسيا إلمكانية ممارسة هذه الرقابة بما يتالءم وهذه الفلسفة(.)4
تهدف الرقابة القضائية كذلك إلى التعرف على مواطن الخلل في اإلدارة .على اعتبار أن الرقابة
القضائية دعامة أساسية في مجال الجودة والفعالية من جانب الحياد والموضوعية .وبالتالي القدرة على
التعرف على أوجه مختلفة لألخطاء والصواب في العمل ،والتعرف على موضوع الرقابة محل الطعن في
مشروعيته(.)5
بالتالي نجد أن الرقابة تلعب دو ار في إدارة طبيعة أعمال األشخاص ،وليس الهدف من هذه الرقابة تقيد
األخطاء أو التهويل والتشهير بمرتكبيها والتخويف والترهيب( .)6أي أن الرقابة ال تقتصر على كف التناقض
-1عمار عواب دي ،عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء األول ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،
،1182ص . 39
-2ياسني قوتال ،املرجع السابق ،ص . 82
-3عمار عوابدي ،املرجع السابق ،ص . 36
-4املرجع نفسه ،ص . 39
-5ويف ذلك يقول األستاذ محد عمر محد...":و بكلمة أخرى ،نقول أنه بغري رقابة يباشرها القضاء على أعمال اإلدارة املخالفة للقانون ،ميكن لإلدارة أن
تأيت من التصرفات التحكمية ما تشاء ،فتصبح كالربملان االجنليزي ،قادرة على كل شيء إال حتويل الرجل إىل امرأة أو املرأة إىل رجل .".أنظر مؤلفه :السلطة
التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األوىل ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330 ،ص 81و .82
-6ياسني قوتال ،املرجع السابق ،ص . 80
واالنحرافات فقط ،بل تتعدى ذلك إلى عالنية اإللغاء أو تعديل أو سحب هذا العمل القائم عن عمل الموظف.
وهذه األخيرة بالرغم من إلغائها إال أنها تعمد إلى تحقيق زيادة في فعالية اإلدارة وبالتالي نجد أن هذه الرقابة
تساعد في القضاء على هذه األفعال ،وليس فقط البحث عن األخطاء(.)1
الفرع الثاني
األهداف المتحركة
إن الهدف المتحرك من الرقابة القضائية هو هدف عالجي ،حيث يقوم القاضي الفاصل في المادة
اإلدارية بتحريك األهداف الساكنة .وذلك بالفصل في النزاع القائم بين حقوق وحريات األفراد واعمال اإلدارة
لسلطتها التقديرية .ويعكس الحكم دور القاضي في إقامة التوازن بين الحريات العامة وأعمال اإلدارة التقديرية.
كما يتحتم عليه في بعض األحيان ،عندما يكون نقص أو فراغ في التشريع أن ينشأ ويخلق ويبدع حلوال
قانونية للفصل في النزاع(.)2
لذلك تتمثل األهداف المتحركة للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة في:
أوال :إن الهدف المباشر للرقابة القضائية هو فصل القاضي في النزاع القائم .وال يتعدى دوره حدود الحكم.
ويستعمل في ذلك إجراءات قضائية للوصول إلى اإلنصاف .ويتقيد بمذكرات األطراف وطلباتهم .ويسهر على
أن يكون فصله في النزاع مطابقا للقانون(.)3
ثانيا :باإلضافة إلى الهدف المباشر وهو الفصل في النزاع ،قد يكون الهدف المتحرك من الرقابة القضائية
غير مباشر أو عرضيا .ويتمثل فـي مشاركة القاضي في إنشـاء وابتكار القواعد القانونية أثناء فصله في
النزاعات .فالقاضي يستوحي الحلـول من التشريع واالجتهــاد القضائي والفقه .كما يستوحي الحلول وفقا
العتبارات سياسية واجتماعية اقتصادية(.)4
ثالثا :كما أن الهدف المتحرك للرقابة القضائية هو تحقيق التوازن بين أعمال اإلدارة التقديريــة والحريات
العامة .وذلك أثناء الفصل في النزاع القائم بينهم ،حيث يوازن القاضي الفاصل في المادة اإلدارية بين طرفي
النزاع ويحكم على تصرف اإلدارة إذا كان غير مشروع باإللغــاء .وبذلك يعد الحكم ضابطا من ضوابط
التوازن ،وهدفا متحركا من أهداف الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة(.)5
-1شهرية بوحلية ،مدى سلطة القاضي اإلداري على اإلدارة ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،32بسكرة ،2339 ،ص .220
-2قروف مجال ،املرجع السابق ،ص . 13
-3املرجع نفسه ،ص . 13
-4عبد اجلليل مفتاح ومصطفى خبوش ،دور القاضي اإلداري وضع القاعدة القانونية أم تطبيقها؟،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،جامعة حممد
خيضر ،بسكرة ، 2332،ص . 29
-5قروف مجال ،املرجع السابق ،ص 13و . 11
خالصة الفصل:
لقد تطرقنا خالل هذا الفصل إلى ماهية السلطة التقديرية لإلدارة وماهية الرقابة القضائية عليها .وفيما
يخص الشق األول من هذه الدراسة؛ أي السلطة التقديرية ،بينا مفهومها وذلك من خالل تعريف هذه األخيرة
وتبيان العالقة بينها وبين األفكار المشابهة والمتصلة بها.
ثم تناولنا بعد ذلك أساس السلطة التقديرية لإلدارة ،ومختلف النظريات واآلراء التي قيلت في هذا
الصدد .وقد بينا أنها لم تسلم جميعها من النقد ،وان كان الفقهاء قد غلبوا النظرية اإليجابية التي تظهر في
فكرة المشروع.
وقد بينا مبررات السلطة التقديرية وأسباب منح اإلدارة سلطة تقديرية في أداء أعمالها ووظائفها،
تلخصت في مبررات عملية وأخرى فنية .تمثلت المبررات العملية في اعتبار السلطة التقديرية ضرورة
اجتماعية ال غنى عنها ووسيلة مثلى لتحقيق المصلحة العامة .أما المبررات الفنية فتركزت حول فكرة أن
خبرة اإلدارة بالعمل وظروفه المتغيرة تجعلها أقدر من غيرها على تقدير مناسبة األعمال المختلفة.
بما أن كل سلطة ال يمكن أن تكون مطلقة وانما البد أن تجد حدودا لها ،فإن السلطة التقديرية شأنها
شأن جميع السلطات تخضع لحدود خارجية وأخرى داخلية .وفيما يتعلق بالحدود الخارجية والتي تظهر في
ركن االختصاص والشكل و الغاية .فقد وجدنا بأن السلطة التقديرية ال تلعب دو ار أساسيا أو هاما ،بل وتكاد
تكون منعدمة في إطارها.
عكس الحدود الداخلية ،التي تتمثل في ركني المحل والسبب ،التي تتجسد فيها مظاهر السلطة
التقديرية بشكل واضح .ما لم يتدخل المشرع و يحدد كل منهما على وجه الدقة ،أو يتدخل القاضي ويفرض
رقابته على اختيار السبب أو المحل العتبارات يقدرها هو.
وقد وصلنا إلى أن ركن المحل هو الموضع األصيل لممارسة السلطة التقديرية لإلدارة ،فهي تتمتع
بسلطة تقديرية واسعة .فلها حرية التصرف في أن تتدخل أو تمتنع عن التدخل .كما تملك حرية اختيار وقت
التدخل ،والذي يعتبر من أبرز عناصر السلطة التقديرية لإلدارة .هذا باإلضافة إلى حرية اإلدارة في اختيار
فحوى وموضوع القرار.
أما الشق الثاني من الدراسة فتمحور حول ماهية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،حيث
عرفنا هذه الرقابة .وبينا أنها من أنجع وسائل الرقابة على السلطة التقديرية لإلدارة ،ألن الجهة التي تمارسها
هي القضاة ،وهم فئة مشهود لها بالحياد واالستقالل(.)1
-1وقد بني األستاذ "دريد كمال" الصفات اليت يتحلى هبا القاضي اإلداري ومدى توافرها يف القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية اجلزائري .أمهها ضرورة اإلملام
باإلدارة العامة ومشكالهتا .والتحرر من عقلية القضاء النظامي وتفكريه .والقدرة على ابتداع سياسات قضائية حكيمة .ملزيد من التفاصيل حول الصفات
اليت يتحلى هبا القاضي اإلداري ،أنظر :دريد كمال ،الصفات الواجب توافرها يف القاضي اإلداري لالضطالع بسلطاته املنوطة به ،امللتقى الوطين األول حول
سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،جامعة قاملة.1133،
كما بينا موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة؛ حيث انقسم بين مؤيد
ومعارض .وقد كان لكل إتجاه أسسه وأسانيده .لكننا نرجح الرأي المؤيد للرقابة القضائية على السلطة
التقديرية لإلدارة ،ألن الموقف المعارض لهذه الرقابة ال تعدو حججه أن تكون سوى أسانيد نظرية ،بالنظر
إلى المبررات التي تقوم عليها السلطة التقديرية .فهي بصفة أساسية اعتبارات عملية ،تتعلق بعالقة اإلدارة
بالمشرع و بعالقة اإلدارة بالقاضي .فالمؤكد أن إعطاء المشرع لإلدارة قد ار من حرية التقدير في إصدار
ق ارراتها ،ال يعني أكثر من حرصه على أن تصدر اإلدارة أفضل الق اررات مالءمة للظروف.
وقد ختمنا هذا الفصل بسرد أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،والتي تنوعت بين
أهداف ساكنة وأخرى متحركة .وقد تمثلت األولى في ضمان مبدأ المشروعية وتحقيق العدالة وحماية
المصلحة العامة وحقوق وحريات األشخاص .أما الثانية فهي أهداف عملية فعلية ،تظهر أثناء فصل القاضي
اإلداري في النزاع المعروض أمامه.
الفصل الثاني
النظام القانوني للرقابة القضائية
على السلطة التقديرية لإلدارة
إذا كان تبني نظام اإلزدواجية القضائية()1بموجب المادة 162من دستور ،1119يمثل المآل والتطور
الطبيعي للنظام القضائي الجزائري ،فإنه ال يشكل السبب واالعتبار الوحيد .ذلك أن التحول الذي عرفته
الجزائر بموجب دستور 1181المؤكد على ضرورة رد االعتبار لمفهوم دولة القانون وتطبيق مبادئ
الديموقراطية وحقوق اإلنسان .استلزم وضع اآلليات الكفيلة بتحقيق هذه األهداف العليا واقعيا .ولعل أهم
ضمان لحماية وصيانة هذه المبادئ يكون بتنصيب سلطة قضائية قوية ومستقلة وفعالة ،تقف في وجه كل
تصرف من شأنه المساس بمفهوم دولة القانون.
لما كان تعسف اإلدارة في استعمال سلطتها التقديرية يمس بهذا المفهوم؛ أي مفهوم دولة القانون ،فقد
مارس القضاء اإلداري نظاما قانونيا معينا للرقابة على سلطة اإلدارة التقديرية ،تجسد في استعانته بمجموعة
من الوسائل وانتهاجه جملة من األساليب ،سنبينها من خالل مبحثين:
المبحث األول :وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
المبحث الثاني :أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة.
-1جتدر اإلشارة إىل أن اإلزدواجية القضائية اليت تبنتها اجلزائر إبتداء من دستور 3669مل تبق حكرا على فرنسا ،حيث أصبح وجود قضاء إداري
متخصص يف تسوية النزاعات اإلدارية هو النموذج السائد يف أوروبا .إذ من بني 12دولة عضو يف اإلحتاد األورويب ال جند سوى 5بلدان فقط ال تتوفر
مطلقا أو تقريبا على جهات متخصصة يف جمال القضاء اإلداري .ونقصد هبا :اململكة املتحدة ،إيرلندا ،الدامنارك ،مالطا وقربص .أما بقية دول االحتاد فمنها
من تبىن إزدواجية قضائية كاملة ،كأملانيا والسويد وفنلندا .ومنها من تبىن إزدواجية قضائية على مستوى القمة فقط .وهناك منوذج أخري يقوم على عكس
النموذج السابق ،بتبنيه لإلزدواجية القضائية على مستوى القاعدة فقط .وهو احلال بالنسبة إلسبانيا واجملر ورومانيا وسلوفينيا ولوفاكيا وإيستونيا وليتوانيا .أنظر
يف ذلك :تريي أولسون ،القضاء اإلداري يف أوروبا :تقارب أم اختالف؟ ،يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري ،إقامة القضاة ،1133 ،ص .1-3
المبحث األول
وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
األصل أن تمارس السلطات اإلدارية أعمالها محترمة مقتضيات المشروعية ،وخاضعة لحكم القانون
في كافة مجاالت تدخلها ،إال أن احتمال تصرف اإلدارة على نقيض هذه القواعد وارد ،وقد يؤدي إلى
المساس بحقوق وحريات األفراد ،مما استوجب تقرير وسائل لمصلحة هؤالء تقيهم من جور اإلدارة و تعسفها.
ومن بين هذه الوسائل نجد الدعاوى اإلدارية ،فهي أداة تحريك أي رقابة قضائية ضد سلطة اإلدارة
التقديرية ،كما أنها الوسيلة الوحيدة لممارسة و تجسيد سلطات القاضي ضد تعسف اإلدارة في استعمال هذه
السلطة.
وان كانت الدعاوى اإلدارية متعددة إال أننا نجد بأن أهم وسيلة تجسد رقابة القضاء على السلطة
التقديرية لإلدارة ،تتمحور في دعاوى اإللغاء والتعويض .وذلك بإلغاء العمل اإلداري وتعويض األفراد عما
أصابهم من أضرار بسببه ،أو صورة التعويض فقط.
المطلب األول
)(1
الطعن باإللغاء القضائي في الق اررات التقديرية
ف ــي خضـــم نشـ ــاط اإلدارة الع ــادي ،فإنهـ ــا تصـــدر العديـــد م ــن الق ـ ـ اررات ،ال ــبعض منه ــا يرحـــب بـــه مـــن
قب ـ ــل مـ ـ ـن يهم ـ ــه األم ـ ــر ،وال ـ ــبعض اآلخ ـ ــر يج ـ ــد معارض ـ ــيه باعتب ـ ــاره أمـ ـ ـ ار مجحف ـ ــا بحق ـ ــوقهم ،وه ـ ــذه الحال ـ ــة
تنش ـ ــة ص ـ ــورة ع ـ ــدم مطابق ـ ــة موق ـ ــف اإلدارة ف ـ ــي ش ـ ــكل القـ ـ ـرار اإلداري لمص ـ ــالح األفـ ـ ـراد أو الم ـ ــوظفين مم ـ ــا
يف ـ ــتح أبـ ـ ـواب الن ازعــ ــات ،والت ـ ــي البــ ــد م ـ ــن عرضــ ــها عل ـ ــى ســ ــلطة محاي ـ ــدة للب ـ ــت فيه ـ ــا باعتبــ ــار أن اإلدارة
طـ ـ ــرف مـ ـ ــن أط ـ ـ ـراف الن ـ ـ ـزاع .وان كانـ ـ ــت ال تعـ ـ ــد مـ ـ ــن األط ـ ـ ـراف العاديـ ـ ــة ،فهـ ـ ــي تتمتـ ـ ــع بحمايـ ـ ــة قانونيـ ـ ــة
فرضـ ـ ــت علـ ـ ــى المشـ ـ ــرع -بـ ـ ــالنظر إلـ ـ ــى خصوصـ ـ ــيتها -أن يخضـ ـ ــع نزاعاتهـ ـ ــا إلـ ـ ــى قضـ ـ ــاء متخصـ ـ ــص،
سـ ـ ـواء كان ـ ــت المح ـ ــاكم اإلداري ـ ــة أو مجل ـ ــس الدول ـ ــة ،كم ـ ــا أدرج له ـ ــا مجموع ـ ــة م ـ ــن القواع ـ ــد اإلجرائي ـ ــة الت ـ ــي
تنظم طرق التقاضي على مستوى الجهات القضائية المختلفة).(2
و تعتبـ ــر دعـ ــوى اإللغـ ــاء مـ ــن أهـ ــم الوسـ ــائل الرقابيـ ــة علـ ــى أعمـ ــال اإلدارة العامـ ــة) ،(3علـ ــى اعتبارهـ ــا
ذات قــ ـ ــوة وفاعليـ ـ ـ ــة فـ ـ ـ ــي حمايــ ـ ــة دولـ ـ ـ ــة القــ ـ ــانون وحقــ ـ ــوق اإلنسـ ـ ـ ــان والم ـ ـ ـ ـواطن بصـ ـ ـ ــفة عامــ ـ ــة .وحمايـ ـ ـ ــة
-1لقد استعملنا مصطلح " القرارات التقديرية " كناية عن القرارات اإلدارية الصادرة عن اإلدارة بناء على سلطتها التقديرية .وال نقصد بالقرارات التقديرية
األعمال التقديرية ،اليت سبق وأن ميزنا بينها وبني السلطة التقديرية خالل الفصل األول.
- 2لعرويب ،دعوى اإللغاء أو الطعن بالبطالن ،ملتقى الغرف اإلدارية ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،1112 ،ص .38
-3لقد عرفها األستاذ" ديلوبادير " على أهنا " :هي الدعوى القضائية ،اليت يرفعها أصحاب الصفة واملصلحة أمام اجلهة القضائية املختصة ،بإلغاء القرار
اإلداري غري املشروع ،وتنحصر سلطة القاضي يف هذه الدعوى يف فحص مدى املشروعية أو عدم مشروعية القرار اإلداري املطعون فيه ،واحلكم بإلغائه إذا
ما ثبت عدم مشروعيته بواسطة حكم قضائي ،حجيته عامة ومطلقة ،ومتتاز دعوى اإللغاء بأهنا دعوى عينية وموضوعية ،وأهنا من دعاوى قضاء
الشرعية ".أنظر يف ذلك:
الم ـ ــوظفين ف ـ ــي مواجه ـ ــة ع ـ ــدم مش ـ ــروعية الس ـ ــلطة اإلداري ـ ــة الرئاس ـ ــية ،وخاص ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ،حي ـ ــث
يقوم القضاء بإلغاء الق اررات اإلدارية غير المشروعة بأثر رجعي وكأنها لم توجد إطالقا).(1
واذا اس ـ ـ ــتوفت عريض ـ ـ ــة افتت ـ ـ ــاح ال ـ ـ ــدعوى جمل ـ ـ ــة م ـ ـ ــن الش ـ ـ ــروط الش ـ ـ ــكلية) ،(2فـ ـ ـ ـإن القاض ـ ـ ــي اإلداري
يقبلهـ ــا شـ ــكال ،ثـ ــم يعمـ ــد بعـ ــد ذلـ ــك إلـ ــى د ارسـ ــة ملـ ــف الـ ــدعوى مـ ــن الناحيـ ــة الموضـ ــوعية .وال يـ ــتم ذلـ ــك إال
بد ارسـ ــة حـ ــاالت اإللغـ ــاء ،فيبحـ ــث القاضـ ــي فـ ــي مـ ــدى ت ـ ـوافر الق ـ ـرار اإلداري علـ ــى أركانـ ــه لـ ــيفحص انطالقـ ــا
منها مدى مشروعيته.
ف ـ ــإذا اتض ـ ــح ل ـ ــه أن عيب ـ ــا ق ـ ــد أص ـ ــاب أح ـ ــد األرك ـ ــان ،فل ازم ـ ــا علي ـ ــه أن يحك ـ ــم باإللغ ـ ــاء بس ـ ــبب ع ـ ــدم
المشـ ـ ــروعية ،أمـ ـ ــا إذا تبـ ـ ــين مـ ـ ــن خـ ـ ــالل د ارسـ ـ ــته مختلـ ـ ــف أركـ ـ ــان ومحتويـ ـ ــات الق ـ ـ ـرار أنهـ ـ ــا خاليـ ـ ــة مـ ـ ــن أي
عيب ،فإنه يصدر ق ار ار برفض إلغاء القرار اإلداري.
وأسـ ـ ــباب إلغـ ـ ــاء الق ـ ـ ـرار اإلداري الصـ ـ ــادر بنـ ـ ــاءا علـ ـ ــى سـ ـ ــلطة تقديريـ ـ ــة لـ ـ ــإلدارة هـ ـ ــي نفـ ـ ــس األسـ ـ ــباب
الت ـ ــي ت ـ ــؤدي إل ـ ــى إلغ ـ ــاء القـ ـ ـ اررات اإلداري ـ ــة الص ـ ــادرة بن ـ ــاء عل ـ ــى اختص ـ ــاص مقي ـ ــد) ،(3والت ـ ــي تصـ ـ ـيب أح ـ ــد
Delaubadere, Manuel de droit administratif, 11 Emme édition, L.G.D.J, Paris, p 105 .
أما األستاذ عدنان عمرو ،فقد عرفها على أهنا ":قيام القاضي بإبطال القرارات اإلدارية الصادرة عن اإلدارة فيما إذا صدرت خمالفة ملبدأ املشروعية ،أو
هو تقرير مدى إتفاق أو خمالفة القرار املطعون فيه للقواعد القانونية" .أنظر يف ذلك -:عدنان عمرو ،إبطال القرارات اإلدارية الضارة باألفراد واملوظفني،
دون رقم الطبعة ،اهليئة الفلسطينية املستقلة حلقوق املواطن ،رام اهلل ،2331 ،ص .1
- 1ياسني قوتال ،الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،2336 ،ص .112
-2لإلطالع على هذه الشروط أنظر :عدنان عمرو ،املرجع السابق ،ص 16و ما بعدها.
- 3لقد صنف األستاذ " دي لوبادير " وسائل املشروعية أو أوجه اإللغاء إىل مخسة أوجه وهي :عيب االختصاص ،الشكل ،االحنراف بالسلطة ،احملل،
والسبب .وهو تصنيف يقوم على أساس أركان القرار اإلداري ومل مييز بني املشروعية اخلارجية والداخلية .أنظر يف ذلك:
-André DeLaubadère, Yves Gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 16 Emme édition,
Libraire général de droit de jurisprudence, Paris,1999, p 533 et suivantes.
أما األستاذان "أويب" و "دراجو" ،فقسماها إىل عيوب مشروعية خارجية وأخرى داخلية .جاعلني عيب السبب ممستقال ،أما األستاذ "ديباش" فقد جعل
عيب السبب ضمن حاالت عيب خمالفة القانون ،وذات األمر ينطبق على األستاذ .Ricciأنظر يف ذلك:
-Charles Debbasch et Jean-claude Ricci, contentieux administratif, Dalloz, 1999, p 664. et
Charles Debbasch, institutions et droit administratif, tome 2, 4 éme édition, P.U.F, 1998, p 646
et suivantes.
أما األستاذ" أمحد حميو" فقد جعل عيب السبب ضمن عيب خمالفة القانون .أنظر يف ذلك:
Mahiou(A),cours du contentieux administratif, 2 Emme édition, O.P.U,1981, Alger, p 204 et
suivantes.
أما األستاذان "عمار عوابدي" و"عمار بوضياف" ،فقد أخذا بالتقسيم الكالسيكي أعاله .جاعلني عيب السبب عيبا مستقال .أنظر يف ذلك-:عمار
عوابدي ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء األول ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،1182،ص .126وعمار
بوضياف ،دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،الطبعة األوىل،دار جسور للنشر والتوزيع ،2331،ص .116
أركان ـ ــه وتجعل ـ ــه غي ـ ــر مش ـ ــروع ،ويقـ ـ ـول بع ـ ــض الفقه ـ ــاء ف ـ ــي ه ـ ــذا المج ـ ــال أن عملي ـ ــة الفص ـ ــل ب ـ ــين أوج ـ ــه
اإللغـ ـ ــاء غيـ ـ ــر ممكنـ ـ ــة ،ألنهـ ـ ــا متداخلـ ـ ــة مـ ـ ــع بعضـ ـ ــها فأغلبهـ ـ ــا تشـ ـ ــترك مـ ـ ــع عيـ ـ ــب مخالفـ ـ ــة القـ ـ ــانون نصـ ـ ــا
وروحـ ـ ـ ــا ،ومـ ـ ـ ــا عمليـ ـ ـ ــة التقسـ ـ ـ ــيم إال داللـ ـ ـ ــة علـ ـ ـ ــى الوجـ ـ ـ ــه العـ ـ ـ ــام علـ ـ ـ ــى عـ ـ ـ ــدم مشـ ـ ـ ــروعية الق ـ ـ ـ ـرار اإلداري
المعيب).(1
الفرع األول
تتمثـ ـ ــل عيـ ـ ــوب المشـ ـ ــروعية الخارجيـ ـ ــة فـ ـ ــي عيـ ـ ــب عـ ـ ــدم االختصـ ـ ــاص وعيـ ـ ــب الشـ ـ ــكل واالج ـ ـ ـراءات،
التي سنسلط عليها الضوء ،مركزين على المجال الذي يخصنا؛ أال و هو مجال السلطة التقديرية:
)(1 )(5
قد اعترضوا على هذا الربط لوضوح اإلختالف بين المعنيين. معظم فقهاء القانون العام
-خالد مساره الزغيب ،القرار اإلداري بني النظرية والتطبيق ،الطبعة الثانية ،مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع ،عمان ،ص .96
-عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،الطبعة األوىل ،دار جسورللنشر والتوزيع ،2331،ص .121
-نبيل صقر ،الوسيط يف شرح قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،دار اهلدى ،اجلزائر ،2331،ص .123
-1ذلك أن قواعد اإلختصاص يف القانون العام هتدف إىل محاية املصلحة العامة .بينما ينحصر هدف قواعد األهلية يف القانون اخلاص إىل محاية الفرد.
كما أن سبب عدم األهلية يعود إىل عدم النضج العقلي للشخص ،بينما يتمثل الباعث يف حتديد االختصاص وحتقيق التخصص يف العمل .وتقسيم العمل
بني أعضاء السلطة اإلدارية مبا حيققه من مزايا .كما أن األهلية على صعيد القانون اخلاص عبارة عن رخصة يستعملها الفرد أو ال يستعملها ،ولعله يكلف
غريه للقيام بالتصرف نيابة عنه رغم متتعه باألهلية القانونية .بينما على صعيد القانون اإلداري ال متلك اإلدارة كمبدأ عام نقل االختصاص إىل جهة إدارية
أخرى ،إال إذا خوهلا الدستور أو القانون أو التنظيم صراحة هذه السلطة .انظر- :عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء ،املرجع السابق ،ص .122
-2عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112،ص .189
-3نبيل صقر ،املرجع السابق ،ص .191
-4إرجع إىل املبحث الثاين من الفصل األول.
-5دريسية حسني ،حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،2339،ص .193
-6باإلضافة إىل هذا التقسيم ،فإن هناك جانبا من الفقه يقسم عيب اإلختصاص إىل عيب اإلختصاص اإلجيايب ،ويشمل حالة عيب االختصاص االجيايب
اجلسيم وحاالت عيب االختصاص االجيايب البسيط .أما عيب االختصاص السليب فيشمل احلالة اليت يظن املوظف خطأ فيها أنه غري خمتص بأمر من األمور،
يف حني خيوله القانون هذا االختصاص .انظر يف ذلك - :عثمان خليل عثمان ،جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ،الطبعة اخلامسة ،عامل الكتب ،
القاهرة ،سنة ، 1192ص .996
)(1
أ -عدم اإلختصاص الجسيم أو إغتصاب السلطة
وهي الصورة التي يصدر فيها القرار اإلداري عن شخص ليست له أي سلطة إدارية؛ أي أنه ال ينتمي
لإلدارة أصال) ،(2وهذا ما رتب عليه القضاء اإلداري إنعدام القرار .وقد ظل القضاء اإلداري الفرنسي متحفظا
إلى زمن قريب تجاه الحكم بانعدام القرار المعيب بعدم االختصاص الجسيم ،لكنه عدل في العقود األربعة
األخيرة عن ذلك ،واستقر على أنها ق اررات منعدمة) ،(3خاصة إذا كان الضرر المترتب عنها ماسا بالحقوق
والحريات).(4
ويتخذ القرار المعيب بعيب عدم االختصاص الجسيم صو ار عدة ،فقد يصدر عن فرد عادي ال عالقة
له باإلدارة ،كما قد يصدر عن السلطة التنفيذية ( اإلدارة العامة ) بصورة تعتدي فيها على إختصاص باقي
السلطات التشريعية أو القضائية .وذلك ما سنفصله فيما يلي ذكره:
-صدور القرار االداري من فرد عادي
وذلك بأن يصدر القرار اإلداري عن فرد عادي ال يحوز الصفة القانونية اإلدارية سواء بصفته موظفا
).(5
واألصل أن أعمال هذا األخير تكون منعدمة ،إال أن القضاء اإلداري أقر نظرية الظاهر في أو منتخبا
)(6
الظروف العادية .وذلك عن طريق نظرية الموظف الفعلي ،ونظرية الضرورة في الظروف االستثنائية.
-1وقد مسي باغتصاب السلطة ،ألن خمالفة ركن اإلختصاص قد بلغت حدا من اجلسامة لدرجة تفقده صفته اإلدارية ،حيث يتحول إىل عمل مادي،
ويكون مصدره مغتصبا لسلطة مل خيوهلا له املشرع.
-2أمحد حميو ،املنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،جامعة اجلزائر ،2338،ص .183
-3درسية حسني ،املرجع السابق ،ص .191
-4عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .682
-5درسية حسني ،املرجع السابق ،ص .191
-6حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية ،دار العلوم للنشر التوزيع ،2331 ،ص .181وذلك ما قضت به حمكمة القضاء اإلداري املصرية،
من " :أن العمل اإلداري ال يكون معدوما إال اذا كان مشوبا مبخالفة جسيمة ،ومن صورها أن يصدر القرار من فرد عادي أو أن يصدر القرار من سلطة يف
شأن من إختصاص سلطة أخرى ،كأن تتوىل السلطة التنفيذية عمال من أعمال السلطة القضائية أو السلطة التشريعية' .أنظر يف ذلك :عبد الغين بسيوين
عبد اهلل ،املرجع السابق ،ص .113
غموض نصوص الدستور واطالقها) .(1لهذا نجد القضاء اإلداري متحفظا في هذا الموضوع ،حيث يعد العيب
في هذا المجال بسيطا وليس جسيما ،السيما لعدم يقينه من المعيار الذي بنى عليه حكمه).(2
ومن أمثلة اإلعتداء على السلطة القضائية ،أن تقوم اإلدارة المركزية ممثلة في الوزير األول ،بإصدار
مرسوم تنفيذي يمس أحد المجاالت الواردة في المادة 122من الدستور ،والمخولة أصال للبرلمان (3).وتعتبر
هذه الصورة األخيرة ،من أغلب حاالت عيب عدم اإلختصاص الجسيم في الجزائر .وتبعا لذلك قضت الغرفة
اإلدارية بالمجلس األعلى في قرار لها ب 10 :ديسمبر ،1181بإبطال القرار الصادر عن لجنة النزاعات
التابعة للبلدية ،الذي فصل في أصل الملكية بين أحد المالك الخواص ومستأجر ألمالك الدولة).(4
وقد جاء في حيثيات القرار المذكور" :حيث يستخلص من عناصر القضية والسيما القرار المطعون
فيه المؤرخ في 13ديسمبر ،1891أن لجنة النزاعات التابعة للمجلس الشعبي البلدي قد فصلت في نزاع
قائم بخصوص الملكية بين أحد المالك الخواص ومستأجر ألمالك الدولة.
حيث أنه ليس من سلطات الرئيس أو المجلس الشعبي البلدي الحلول محل الجهة القضائية ،والبت في
قضية من قضايا الملكية أو شغل مكان ما يخص الجهة القضائية ،إذ أن دورها يجب أال يتعدى تحقيق
المصالحة بين الطرفين ،حيث أن القرار المتخذ بالتالي على النحو السابق عرضه ،مشوب بعيب تجاوز
السلطة الواضح ويستوجب من أجل هذا البطالن".
يالحظ هنا أن المجلس األعلى بين إختصاصات البلدية ،المتمثلة في تحقيق المصالحة بين الطرفين
المتنازعين .كما بين اإلختصاص القضائي الذي اعتدت عليه البلدية ،والمتمثل في الفصل في المنازعات بين
األفراد ،خاصة إذا تعلق األمر بحق الملكية ،وبناءا على ذلك قضى بإبطال القرار اإلداري).(5
غير أن ما نسب إلى االدارة في هذه القضية ،يعد إعتداءا جسيما على إختصاصات السلطة القضائية،
وبالتالي فإن قرارها يعتبر منعدما وكأنه لم يكن؛ أي أن المجلس األعلى ال يجد ق ار ار إداريا ليبطله ،بل
يجد ق ار ار منعدما .فهو ال يصدر ق ار ار قضائيا منشئا ،وانما ق ار ار كاشفا ومقر ار لحالة اإلنعدام .وقد عبر األستاذ
" أحمد محيو" عن ذلك عندما قال " :فهي تحمل القاضي على التصريح ليس فقط ببطالن مثل ذلك القرار،
-1هلذا وضع الفقه عدة معايري للتميز ،منها املعيار الشكلي واملعيار املوضوعي .وكذا معيار تدرج القواعد القانونية .وهي معايري قاصرة عن الفصل التام،
ويف جمملها متدنا مبعيار رابع أكثر مشولية ودقة يف التمييز كخالصة للمواءمة بينهم أنظر :عمار عوابدي ،نظرية القرارات االدارية بني علم اإلدارة و القانون
اإلداري ،د.م.ج ،اجلزائر ،2332،ص .111 119
-2سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري :قضاء اإللغاء ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .933
-3حممد الصغري بعلي ،املرجع السابق ،ص .139
-4اجمللة القضائية ،العدد الثالث ،صادرة عن قسم الوثائق باحملكمة العليا ،1181 ،ص 113وما بعدها.
5
-لقد صدرت ع ن اجمللس األعلى قرارات أخرى ألغى فيها تصرف اإلدارة لكونه يشكل إعتداءا على عمل القضاء .انظر يف ذلك :القرار املؤرخ يف / 12
، 1182 / 1اجمللة القضائية ،العدد الثالث ،سنة ،1113ص 191و ما بعدها .وكذلك قراره ب 26 :مارس ، 1181اجمللة القضائية ،العدد الثالث،
ص .129
بل بأنه منعدم ،وهذا بالتصريح باإلنعدام ،فيعتبر القرار محل الدعوى مجرد واقعة ،والتي لم تنشئ أبدا ،وال
)(1
يمكن أن ينشئ أي أثر قانوني "...
من الواضح أن القاضي اإلداري الجزائري يخلط بين مصطلحي البطالن واإلنعدام ،رغم اإلختالف
الخطير بين نتائج وآثار المعنيين .
وقد سبق وأن ذكرنا بأن عيب عدم اإلختصاص يعتبر من النظام العام ،و إذا ما اتسم هذا العيب
بالجسامة فإن النتائج تكون أكثر صرامة ،بحيث يترتب كما ذكرنا على ذلك بطالن التصرف .ويترتب على
ذلك مجموعة من النتائج واآلثار نجملها فيما يأتي :
في حالة ثبوت انعدام القرار اإلداري ،فإن تنفيذه يشكل إعتداءا ماديا مرتبا آلثار تختلف عن تلك التي
يرتبها القرار الباطل في حالة تنفيذه ،سواء في مجال االختصاص القضائي واإلستفادة من الحماية القانونية
أو في مجال المسؤولية ،ولقد أقر مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع هذا التصور في أحكام عديدة(.)2
ففي مجال االختصاص القضائي ،يمارس القاضي اإلداري رقابته على صحة وسالمة القرار االداري.
ويعود إليه هذا اإلختصاص بصفة أصيلة .بينما إذا تأكد خروج القرار اإلداري عن قواعد المشروعية خروجا
صارخا ،واعتبر بالتالي منعدما ،فإن أمر عرض النظر فيه للقاضي اإلداري أو العادي سواء( .)3وغالبا ما
يتم عرضه على القضاء العادي ،بإعتباره الحامي الطبيعي لحقوق وحريات المواطنين .وألن القرار المنعدم
تنتفي فيه مواصفات العمل القانوني المستحق للحماية(.)4
لكن هذا الوضع وان كان مقبوال في القضاء اإلداري الفرنسي ،على إعتبار أن هذا األخير يأخذ
بالمعيار الموضوعي .لكنه ال يكون مقبوال بالنسبة للقاضي اإلداري الجزائري ،على إعتبار أن هذا األخير
سيكون مختصا في جميع الحاالت بنظر المنازعات التي تكون اإلدارة العامة طرفا فيها ،بغض النظر عن
طبيعة النزاع ،إداريا كان أم عاديا(.)5
1
- Ahmed Mahiou,Cours de Contentieux administratif,4 eme édition,O.P.U, 1981,P225.
-2بودريوة عبدالكرمي ،جزاء خمالفة القرارات اإلدارية لقواعد املشروعية-درجات البطالن يف القرارات اإلدارية ،-جملة جملس الدولة ،العدد اخلامس،
،2339ص .111
3
- Charles Debbash et Jean Claude Ricci, contentieux administratif, 7éme édition, 1999, p 553
-4عمار عوابدي ،عميلة الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام اجلزائري ،اجلزء األول ،ديوان املطبوعات اجلامعية، 1180 -1182 ،ص
.21
- 5ذلك ما جعل بعض الفقهاء يرفضون وصف "القاضي اإلداري اجلزائري" ،ويفضلون استعمال وصف "القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية اجلزائري" .ألن
هذا األخري سيختص جبميع منازعات اإلدارة العامة حت لو تصرفت هذه األخرية كشخص عادي .فعلى الرغم من أن النزاع سيكون خاصا لكن القاضي
اإلداري أو القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية ،سيفصل فيه إعماال للمعيار العضوي ،نظرا ألن اإلدارة طرف يف النزاع .انظر يف ذلك:
- Bouabdellah Mokhtar, Le pouvoir du juge statuant en matière administratives à travers le
critère organique et les principes constitutionnelles, communication au séminaire national «les
autorités du juge administratif », Université de Guelma,2011,p 2 .Et - Bouabdellah Mokhtar,
ولذلك ذهب األستاذ "لحسين بن شيخ آث ملويا" ،إلى انتقاد موقف األستاذ "عمار عوابدي"( ،)1الذي
يقول فيه " :أن الدعاوى والطعون القضائية ضد هذه األعمال االدارية المنعدمة ،تصبح من إختصاص
القضاء العادي ( المحاكم والغرف المدنية والتجارية والجنائية منها) بالرغم من أن هذه األعمال صادرة من
جهات و سلطات إدارية ،وهذا اإلستثناء يقرره القضاء".
() 3 ()2
قد "خلط بين ما هو موجود في القضاء الفرنسي إذ يقول في ذلك أن األستاذ "عمار عوابدي"
وأراد تطبيقه على القانون الجزائري ،فالمادة السابعة من قانون اإلجراءات المدنية واضحة ،وال يجود أي
مقتضى قانوني يستثني الق اررات المنعدمة من إختصاص القضاء اإلداري".
وانطالقا من الفكرة السابقة ،والتي مفادها انتقاء مواصفات العمل القانوني في القرار المنعدم ،يستتبع
عدم استحقاقه للحماية القانونية .والتي تظهر في أوجه عديدة :أولها أن مسألة إنعدام القرار اإلداري من
النظام العام بكل ما يترتب عن ذلك من نتائج( ،)4كما أن القرار المنعدم ال يستفيد من الحصانة بعد انقضاء
المدة القانونية لرفع دعوى اإللغاء من طرف المخاطب بالقرار أو السحب من طرف االدارة( ،)5حيث يمكن
سحبه أو إلغائه حتى بفوات الميعاد المحدد للطعن فيه أمام القضاء(.)6
أما في مجال المسؤولية اإلدارية الخطئية ،فإذا كنا نعلم أن صدور القرار اإلداري بالمخالفة للقانون
يشكل خطأ يمنح للفرد المتضرر حق طلب تعويض الضرر .واذا كان القضاء اإلداري المقارن والجزائري قد
استقر على التفرقة بين الخطأ الشخصي والمرفقي .بحيث يترتب عن األول مسؤولية شخصية بينما سيترتب
-1لقد كانت أول تفرقة بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي من طرف القضاء يف عام ،1820بعدما تقرر مبدأ مسؤولية اإلدارة العامة يف فرنسا يف حكم
"بيلييت" .راجع يف ذلك:
-عمار عوابدي ،نظرية املسؤولية اإلدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،1119 ،ص ، 120و كذلك:
-فارة مساح ،املسؤولية االدارية عن اخلطأ املرفقي،مذكرة ماجستري ،قاملة ، 2339 ،ص 2و مابعدها.
-2لقد تطرق هلذه املعايري العديد من املؤلفات نذكر منها:
-سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،دار الفكر اجلامعي ،1119 ،ص 132و ما بعدها.
-لعشب حمفوظ ،املسؤولية يف القانون اإلداري ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1119ص 92و ما بعدها.
-رشيد خلويف ،قانون املسؤولية اإلدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1119 ،ص .13
-حممد الصغري بعلي ،الوجيز يف املنازعات اإلدارية ،دار العلوم ،2332 ،ص .161
-حسني فرجيه ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها ،جملة جملس الدولة ،العدد اخلامس 2339 ،ص 02و ما بعدها.
-3حبيث يعد معيار اخلطأ اجلسيم الذي جاء به األستاذ "جاز" معيارا فقهيا للتفرقة بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي .انظر يف ذلك - :فارة مساح،
املذكرة السابقة ،ص .9
-4بودريوة عبد الكرمي ،املقال السابق ،ص .112
-5ملزيد من التفاصيل حول موضوع حظر توجيه أوامر لإلدارة ،أنظر :حسينة شرون و عبد احلليم بن مشري ،سلطة القاضي اإلداري يف توجيه أوامر لإلدارة
بني احلظر واإلباحة ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،بسكرة ،2336 ،ص 228وما بعدها .وبن صاولة شفيقة ،إشكالية تنفيذ اإلدارة للقرارات
القضائية اإلدارية -دراسة مقارنة ،-دار هومه ،اجلزائر ،ص 229وما بعدها .وعصام جناح ،تنفيذ القرارات القضائية اإلدارية حجة على مقاس اإلدارة؟،
امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة .2311،وفاضل إهلام ،سلطات قاضي اإللغاء لضمان تنفيذ
أحكامه يف التشريعني الفرنسي واجلزائري ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة .2311،وفاضل إهلام،
تنفيذ قرارات اإللغاء القضائية -دراسة مقارنة ،-مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،كلية احلقوق.2336 ،
-6لكن القاضي اإلداري اجلزائري قد أصبح يتمتع بسلطة توجيه أوامر لإلدارة العامة ،سواء تعلق األمر خبطأ بسيط أو جسيم .وذلك مبوجب املواد 128
121و 182من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية.
-2عدم االختصاص البسيط
يعتبر عدم اإلختصاص البسيط الشكل األكثر شيوعا لعيب عدم اإلختصاص ،وهو يقع داخل السلطة
إدارتها وهيئاتها و موظفيها( ،)1و يأخذ الصور الرئيسية اآلتية:
التنفيذية نفسها بين ا
أ-عدم االختصاص الموضوعي
يتحقق هذا العيب في حالة صدور القرار اإلداري ممن ال يملك أحقية إصداره في مسألة معينة تدخل
ضمن إختصاص هيئة أو عضو آخر( ،)2و من صوره:
()3
-إعتداء هيئة إدارية على إختصاص هيئة موازية لها
على الرغم من محاولة النصوص توزيع اإلختصاصات بين مختلف الموظفين والهيئات اإلدارية ،إال
أن ترابط العالقات االدارية وتشابكها داخل اإلدارة العامة ،قد يؤدي إلى تدخل واعتداء هيئة إدارية على
إختصاص هيئة موازية لها .ولعل أبرز مثال على ذلك ،تدخل وزير معين في صالحيات وزير آخر ،كأن
يصدر وزير التربية ق ار ار يعود أساسا لوزير التكوين المهني أو وزير التعليم العالي والبحث العلمي(.)4
-إعتداء هيئة مركزية على إختصاص هيئة المركزية
إذا كانت الهيئات الالمركزية تتمتع باإلستقاللية القانونية لممارسة إختصاصاتها طبقا للقانون ،واذا
كانت هذه األخيرة تخضع لنوع من الرقابة في إطار ما يعرف بالوصاية اإلدارية من طرف اإلدارة المركزية،
إال أن ذلك ال يعني أن تتدخل هذه األخيرة و تعتدي على إختصاصات الهيئات الالمركزية المرفقية منها
والمحلية .كأن تتدخل و ازرة الداخلية مثال لممارسة اإلختصاصات الموكلة للبلدية وفقا للقانون.
()5
-إعتداء الرئيس على إختصاص المرؤوس
إذا كان للرئيس سلطة واسعة على أعمال مرؤوسه توجيها وتصديقا وتعديال وسحبا والغاءا( ،)6إال أن
لتلك السلطة حدودا يشكل تجاوزها إعتداءا على إختصاصات المرؤوس إال في حالة الحلول(.)7
()1
-إعتداء المرؤوس على إختصاص الرئيس
-1حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،دار العلوم للنشر التوزيع ،2331،ص .180
-2عمار عوابدي ،نظرية القرار اإلداري بني علم اإلدارة و القانون ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2332 ،ص .20
-3ياسني قوتال ،الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،2336،ص .120
-4حممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون رقم الطبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ ،ص .139
-5أمحد حميو ،املنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،جامعة اجلزائر ،2338 ،ص .182
-6انظر :حممد الصغري بعلي ،القانون اإلداري ،دار العلوم ،عنابة ،اجلزائر ،2339 ،ص 91و ما بعدها .وأمحيد هنية ،عيوب القرار اإلداري ،جملة املنتدى
القانوين ،العدد اخلامس ،جامعة حممد خيضر ،بسكرة ،2338،ص .63
-7يقصد باحللول يف اجملال اإلداري أن يغيب صاحب االختصاص األصيل وأن يعرتضه مانع سواء كان ماديا كاالستقالة أو اإلمتناع عن العمل ،وسواء كان
غري إرادي كاملرض و املوت .وعندئذ حيل من يعين ه املشرع حمل األصيل ،وتكون سلطات و اختصاصات من سيمارس احللول ذاهتا سلطات األصيل .انظر:
عمار بوضياف ،دعوى االلغاء ،املرجع السابق ،ص .181
هي الحالة المعاكسة للحالة السابقة ،كأن يصدر مدير إلحدى المصالح والمديريات الموجودة بالواليات
()2
(مدير الفالحة) ق ار ار يدخل في صالحيات وزير الفالحة ،إال في حالة التفويض.
ب -عدم االختصاص المكاني
إذا كانت بعض الهيئات والسلطات االدارية تمارس إختصاصها عبر إقليم الدولة مثل رئيس الجمهورية
و الوزير األول ،فإن هيئات أخرى يقيد القانون نطاق إختصاصها االقليمي( ،)3مثل الوالي و رئيس المجلس
الشعبي البلدي ،حيث يترتب على تجاوزها لذلك النطاق بطالن ق ارراتها ألنها مشوبة بعدم اإلختصاص
المكاني ،كأن يصدر رئيس بلدية ق ار ار يمتد أثره إلى بلدية أو بلديات أخرى(.)4
وتعتبر هذه الصورة من عدم اإلختصاص من أقل الصور حدوثا في الحياة العملية؛ حيث يحرص كل
عضو في العادة على ممارسة نشاطه في الحيز الجغرافي الذي حدده له القانون( ،)5لذلك فإن معظم
التطبيقات القضائية في هذا الصدد تتعلق بأفراد غيروا محل إقاماتهم من مكان إلى آخر بدون علم اإلدارة،
ولهذا تصدر الق اررات بشأنهم من السلطة التي يتبعها محل اإلقامة األول ،في حين أن اإلختصاص بإصدار
القرار يكون للسلطة التي يتبعها محل اإلقامة الجديد(.)6
ج -عدم االختصاص الزمني
ويقصد به أن يزاول أحد رجال االدارة إختصاصه دون مراعاة للقيود الزمنية الموضوعة لذلك).(7
ويحدث ذلك في حالتين :فإما أن يصدر القرار قبل أن يتقلد الموظف مهام منصبه أو بعد إنتهاء المدة الزمنية
التي حددها القانون إلصداره).(8
)(9
ثانيا :عيب الشكل واإلجراءات
ال يكفي أن يلتزم رجل اإلدارة حدود إختصاصه لكي يصبح القرار اإلداري سليما ،بل يجب أن يصدر
هذا القرار وفقا لإلجراءات التي حددها المشرع و في الشكل المرسوم له.
-1يضيف األستاذ أمحد حميو هلذه احلاالت حالة أخرى وهي على حد قوله ... " :وهي احلالة اليت يعتقد فيها بأن رأيا هليئة إستشارية يقيده ،بينما الواقع
غري ذلك" .وقد استند يف ذلك إىل حكم جملس الدولة الفرنسي الصادر يف 9مارس - .1198أنظر مؤلفه :املنازعات اإلدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية،
جامعة اجلزائر ،2338،ص .182
-2التفويض قد يكون تفويضا يف االختصاص أو تفويضا يف التوقيع .انظريف ذلك :أمحد حميو ،املرجع السابق ،ص .182
-3عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112،ص .119
-4حممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون رقم الطبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ .ص .138
-5أمحد حميو ،املنازعات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .180
-6سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .239
-7املرجع نفسه ،ص .232
-8حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .186
-9هناك من الفقهاء الفرنسيني من يعترب عيب الشكل مستقال عن عيب اإلجراءات ،حبيث جيعل للقرار اإلداري ستة عيوب بدال من مخس عيوب .ومن
هؤالء جند األستاذ "روين شايب" ،الذي جعل عيب اإلجراءات منفصال عن عيب الشكل ،كما جعل عيب السبب مستقال عن عيب خمالفة القانون.
" وقواعد الشكل واإلجراءات ليست مجرد روتين أو عقبات ،وانما هي في حقيقتها ضمانات لإلدارة
تمنعها من التسرع وتهديد حقوق األفراد وحرياتهم ،وحملها على التروي في ذلك ،ووزن المالبسات
والظروف المحيطة بموضوع القرار تحقيقا للمصلحة العامة ،وهو األمر الذي يحقق أيضا ضمانات لألفراد
ضد إحتماالت تعسف االدارة ،وكما يقول الفقيه األ لماني" أهرنج " ،فإن الشكليات و اإلجراءات تعد األخت
)(1
التوأم للحرية ،وهي العدو اللدود للتحكم واإلستبداد ".
فقواعد الشكل واإلجراءات تقوم كحاجز وموازن لسلطات اإلدارة الخطيرة في مجال الق اررات اإلدارية،
فإذا كانت اإلدارة تتمتع في هذا الخصوص بحق التنفيذ المباشر والسلطة التقديرية ،فإن عليها أن تسلك
السبيل الذي ترسمه القوانين واللوائح إلصدار تلك الق اررات).(2
وما يالحظ على الشكليات واإلجراءات أنها في الغالب قبلية على إتخاذ القرار) ،(3حيث يكون لها
الفضل في تجنيب اإلدارة التسرع)(4في استعمال سلطتها التقديرية بما قد يعرض أعمالها الحقا لرقابة
القضاء).(5
ويمكن تعريف عيب الشكل واإلجراءات بأنه " عدم إحترام القواعد اإلجرائية أو الشكلية المقررة في
القوانين واللوائح إلصدار الق اررات اإلدارية ،سواء كان ذلك بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئيا").(6
جزئيا").(6
ويقصد بإجراءات القرار اإلداري " التراتيب التي تتبعها اإلدارة قبل إتخاذ القرار واصداره نهائيا").(7
)(8
،احترام قواعد التبليغ ،الكتابة وتحديد تاريخ صدور الق ارر. وتأخذ اإلجراءات عدة صور منها :االستشارة
واألصل أن اإلدارة العامة غير ملزمة بتسبيب ق ارراتها ،إذ يفترض استنادها قي ذلك إلى سبب أو
أسباب مشروعة .ونظ ار ألهمية وخطورة هذا الشرط ،فقد حرص القضاء على رقابة توفره إن كان متطلبا
قانونا لصحة القرار اإلداري ،كما أسس وفقا لسلطته في ابتداع المبادئ العامة القانونية شرط التسبيب
)(9
في العديد من الق اررات اإلدارية التي يتطلب القانون فيها صراحة التصريح بأسباب اتخاذها ومن الوجوبي
ذلك الحاالت اآلتية:
-1سامي مجال الدين ،الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،دون تاريخ ،ص .219
-2سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .232
-3عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء الثاين ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،1118،ص .662
-4حممد الصغري بعلي ،القرارات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .20
-5سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .612
-6سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .232
-7حممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون رقم طبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ ،ص .110
-8ياسن قوتال ،الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،2336 ،ص .126
-9لقد طبق املشرع الفرنسي مبدأ التسبيب الوجويب ألول مرة مبوجب القانون رقم 582/26بتاريخ 33يوليو 3626بشأن تسبيب القرارات اإلدارية
وحتسني العالقة بني اإلدارة و اجلمهور ،لكنه مل يعتمد هذا املبدأ كقاعدة عامة ،وإمنا قصره على بعض القرارات اإلدارية فقط .و ملزيد من التفاصيل حول هذا
)(1
-إلزامية التسبيب في القرار الضابط في صورة جزاء
حيث يجد الفرد نفسه مخاطبا بجزاء ال يعلم حجة اإلدارة في توقيعه عليه ،فيتطلب التسبيب إلفصاح
اإلدارة عن دافعها ،وحتى يتمكن الفرد من تخير سبل الدفاع عن حريته.
وقد صدر عن مجلس الدولة الجزائري قرار في هذا الصدد ،في قضية " جمعية منتجي الحليب " ضد
والي والية مستغانم بتاريخ 01جانفي .2331وتتلخص وقائع القضية في أن هذا األخير أصدر ق ار ار ضبطيا
بوقف أشغال هذه الجمعية دون سبب معروف .ومما جاء في الحكم أنه " على الوالي أن يسبب قراره حتى
الجزء ،وهذا مبدأ عام للقانون ال
ا يتمكن المعنيون من االطالع المسبق على األسباب المؤدية لتوقيع هذا
يمكن تجاهله ...وحيث بالفعل وبالرجوع إلى المقرر موضوع اإلستئناف لم يذكر ضمن طياته سبب اتخاذ
قرار إلغاء مقرره ،حتى يتسنى للمستأنف عليه من اإلطالع عليه وأبدى مالحظاته بشأنه ،وهو الحق
المكرس دستوريا وقانونيا باعتباره حقا من حقوق الدفاع) ،(2هذا مع العلم أن الوالي قد تأسس على دفوع
لم ترد بنص القرار الضابط ،متعلقة بالنظام العام والسمعة السيئة والخطرة ألعضاء الجمعية".
-إلزامية تسبيب القرار لمباشرة القضاء وظيفة الرقابة
إن هذه الحالة تتعلق حصريا بق اررات الضبط اإلداري ،ذلك أن هذه األخيرة تمس بالحريات العامة
لألفراد ،وبالتالي وجب تسببيها حتى يقف القاضي على مشروعية القرار من عدمه .وتبعا لذلك قضى مجلس
الدولة الجزائري باإللغاء بتاريخ 2330 / 12 / 19في الملف رقم 313160في قضية ( خوجة ع ) ضد
والي معسكر) ،(3الذي أصدر ق ار ار يرفض بموجبه تقديم رخصة فتح مقهى للمعني دون بيان األسباب كتابة،
وجاء في نص الحكم " :حيث أنه ال يمكن لوالي معسكر التأكيد على أنه غير ملزم بتقديم شرح لتبرير
قراره ،ذلك ألنه إذا كانت االدارة غير ملزمة بتسبب كل قرار من ق ارراتها ،فعليها تقديم كافة الشروحات التي
تسمح للعدالة بممارسة سلطتها في الرقابة في أحسن الظروف "
تجدر اإلشارة إلى أن القضاء ال يعتد باألسباب التي تقدمها اإلدارة ولم تنص عليها في القرار كتابة
بالرغم من حجيتها .فقد قدم الوالي في القضية المشار إليها أعاله عدة أسباب ،منها تقرير نتيجة إجراء
التحقيق المطلوب قانونا ،والذي مفاده رفض السكان إقامة المقهى بحيهم .كما قدم رسالة رئيس المجلس
الشعبي البلدي الذي التمس فيها العدول عن رخصة فتح المقهى .عالوة على إرسالين متتاليين من سكان
الحي يقرران رفضهم إقامة المقهى بالحي .وفي هذا الصدد علينا أن نبين بأن القضاء قد رتب البطالن بناءا
القانون وظروف اصداره و موقف الفقه الفرنسي واملقارن من هذا األخري ،أنظر -:أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة
يف تسبيب القرارات اإلدارية ،دون دار النشر ،دون مكان النشر ،1115 ،ص 339و ما بعدها.
-1و هذا طبعا خارج إطار الوظيفة العامة.
-2مشار إليه يف رسالة دريس ية حسني ،حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،2339،ص
.162
-3جملس الدولة يف 2330 / 12 / 19قضية ( خوجة ع ) ،ملف ، 313160فهرس رقم ، 139قرار غري منشور.
على الجانب الشكلي ،رغم أن الجانب الموضوعي ملح ورغم أن شكلية التسبيب ممكنة التدارك ،وال ترق
ار مدعما بتلك األسباب الواقعية ،ألن فكرة النظام العام ببعدي األمن والسكينة تتقدم على التسبيب،
لتلغي قر ا
خاصة وأن اإلدارة قد مكنت القاضي في هذه القضية من األسباب أثناء سير الدعوى).(1
واذا كانت هذه هي صور عيب الشكل و االجراءات ،فحري بنا أن نشير إلى أن هذا العيب ال يؤدي
إلى بطالن القرار اإلداري في جميع الحاالت التي يجعلها المشرع واجبة االتباع.
فإذا كان األصل هو بطالن الق اررات اإلدارية التي تصدر خالف اإلجراءات واألشكال المقررة ،دون
حاجة إلى نص يقرر هذا الجزاء .وهو ما يعني عدم تمتع اإلدارة بأية سلطة تقديرية في اتباع الشكل أو عدم
اتباعه .إال أن القضاء اإلداري قد ذهب في أحكامه الحديثة إلى أنه يتعين التخفيف من حاالت البطالن
لعيب الشكل واإلجراءات في القرار اإلداري ،وعدم التشدد في الحكم بعدم المشروعية لهذا العيب .خاصة إذا
ثبت له إنعدام تأثير الشكليات واإلجراءات التي لم تتبع على مضمون القرار اإلداري أو على الضمانات
المقررة لألفراد ،حتى ال يكون من شأن إبطال كل قرار معيب شكال عرقلة العمل االداري).(2
ومن هذه الحاالت نذكر ما يأتي :
-مخالفة الشكليات المقررة لصالح االدارة
إذا كانت القاعدة أن الشكليات مقررة لمصلحة األفراد واإلدارة على السواء ،فقد ذهب الفقه اإلداري إلى
أن المشرع قد يقرر بعض اإلجراءات والشكليات لمصلحة اإلدارة وحدها ،بحيث يكون لها حرية تقدير مالءمة
اتباعها أو عدم اتباعها في اصدار ق ارراها اإلداري ،دون أن يحق لألفراد التمسك ببطالن القرار اإلداري
استنادا إلى مخالفتها( ،)3وتأسيسها على أن الشكليات المقررة لمصلحة اإلدارة ال يجوز لسواها التمسك
بإتباعها(.)4
-مخالفة الشكليات الثانوية غير الجوهرية
لقد أقام القضاء اإلداري تفرقة بين الشكليات الجوهرية ،والتي يلزم على السلطة اإلدارية دوما احترامها
و اتباعها و رتب على تخلفها بطالن القرار اإلداري .وبين الشكليات الثانوية التي ال يترتب على مخالفتها
بطالن التصرف.
-1إن معظم احلاالت اليت أبطل فيها القاضي اجلزائري القرار اإلداري لعيب يف الشكل ،تأخذ صورة عدم التسبيب .أنظر يف ذلك - :قرار الغرفة االدارية
رقم 30829املؤرخ يف 13مارس ، 1111اجمللة القضائية ،العدد ،1110 ،1ص .101
-2سامي مجال الدين ،الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،دون تاريخ ،ص .203
-3املرجع نفسه ،ص .203
-4وقد قضى جملس الدولة الفرنسي بذلك يف قضية " بونفوازان " يف .1111 / 13 / 29حيث طعن أحد األفراد يف قرار وزير احلربية الذي أمهل فيه
حتديد خطوط التنظيم يف األماكن العسكرية كإجراء الختاذ ذلك القرار .وكان الطاعن يهدف إىل إلغاء القرار الذي مس مصلحته اخلاصة ،إال أن القضاء
رفض الدعوى لعدم جواز متسك األفراد هبذا العيب .ألن هذا االجراء قام ملصلحة االدارة يف تنظيم األقاليم والقطاعات ،إال أن هذا االستثناء قليل التطبيق
يف أحكام القضاء اإلداري الفرنسي ،ألن مصلحة اإلدارة كثريا ما ختتلط باملصلحة العامة .أنظر يف ذلك :سليمان حممد الطماوي ،القضاء االداري ،املرجع
السابق ،ص .992
وبهذا فإن اغفال و تجاهل الشكليات الجوهرية ،يعيب القرار ويؤدي إلى بطالنه ،أما الشكليات
واإلجراءات الثانوية فال تعيب القرار وال تؤدي إلى إلغائه .وبذلك فإذا لم ينل عيب الشكل من جوهر القرار ولم
يؤثر عليه أو يغير من موضوع القرار في ذاته ،كان العيب ثانويا .والحكمة من وراء ذلك هو عدم إرهاق
االدارة بشكليات و إجراءات قد تؤدي إلى تعطيل سير المرافق العامة واإلضرار بالمصلحة العامة(.)1
وتعتبر الشكليات جوهرية إذا ما كانت مقررة لحماية مصالح وحقوق األفراد ،مثل شكلية النشر والتبليغ،
وشكلية تسبيب الق اررات و شكلية الكتابة ،كما أن الشكليات تكون جوهرية إذا ما كانت مقررة صراحة في نص
قانوني يلزم بإتباعها واحترامها عند عملية اتخاذ واصدار الق اررات اإلدارية ،وتكون الشكليات جوهرية كذلك إذا
(.)2
أما الشكليات الثانوية ما ساهمت في التكوين الشكلي و المادي لمضمون الق اررات اإلدارية بصورة جوهرية
فهي تلك األشكال التي لم ينص القانون على ضرورة اإللتزام بها أو مقررة فقط لمصلحة اإلدارة(.)3
وعليه فإذا حدد القانون أشكاال أو إجراءات محددة يلزم بإتباعها عند إصدار القرار اإلداري ،فإن سلطة
اإلدارة بصدد هذا الركن تكون مقيدة بضرورة اتباع هذه الشكليات وتلك اإلجراءات التي يحرص المشرع دوما
على تحديدها على وجه الدقة ،دون أن يترك لإلدارة أي حرية في التقدير ،و إال تعرض قرارها لإلبطال لعيب
الشكل واإلجراءات ،وذلك ما لم يتحقق بشأنه أحد أسباب التغاظي عن هذا العيب .أما إذا تخلى المشرع عن
تحديد أية إجراءات أو شكليات الصدار القرار اإلداري ،فإنه يكون لإلدارة سلطة تقديرية في اتباع واختيار
شكليات معينة أو عدم اتباعها.
تتمث ـ ــل أوج ـ ــه المش ـ ــروعية الداخلي ـ ــة ،أو عي ـ ــوب المش ـ ــروعية الداخلي ـ ــة ف ـ ــي عي ـ ــب الس ـ ــبب وعي ـ ــب
مخالفة القانون وعيب االنحراف بالسلطة .وذلك ما سنبينه فيما يلي ذكره:
يلعـ ـ ــب السـ ـ ــبب دو ار هامـ ـ ــا بإعتبـ ـ ــاره أحـ ـ ــد أركـ ـ ــان الق ـ ـ ـرار اإلداري ،كمـ ـ ــا أن دوره بصـ ـ ــدد الرقابـ ـ ــة
القض ـ ــائية عل ـ ــى مش ـ ــروعية القـ ـ ـرار يتع ـ ــاظم عل ـ ــى حس ـ ــاب أرك ـ ــان القـ ـ ـرار األخ ـ ــرى ،ب ـ ــالرغم م ـ ــن كون ـ ــه
آخر العناصر التي أخضعها القضاء اإلداري الفرنسي لرقابته.
ويع ـ ــرف الس ـ ــبب بأن ـ ــه الحال ـ ــة القانوني ـ ــة أو الواقعي ـ ــة الت ـ ــي تس ـ ــوغ إص ـ ــدار القـ ـ ـرار اإلداري؛ أي أن
السبب هو الوقائع والظروف المادية والقانونية التي دفعت اإلدارة إلصدار قرارها(.)1
قـ ــد يتجـ ــه المشـ ــرع إلـ ــى إل ـ ـزام اإلدارة باتخـ ــاذ تصـ ــرف محـ ــدد بالـ ــذات لمجـ ــرد ت ـ ـوافر شـ ــروط معينـ ــة
يحـ ـ ــددها القـ ـ ــانون تتمثـ ـ ــل فـ ـ ــي األسـ ـ ــباب التـ ـ ــي يجـ ـ ــب أن تقـ ـ ــيم اإلدارة عليهـ ـ ــا قرارهـ ـ ــا ،بحيـ ـ ــث ال يك ـ ـ ـون
للمخ ـ ــتص ب ـ ــذلك أي ـ ــة س ـ ــلطة تقديري ـ ــة ف ـ ــي ص ـ ــدد تحدي ـ ــد مض ـ ــمون القـ ـ ـ ارر( ،)2وان ك ـ ــان ذل ـ ــك األس ـ ــلوب
نادر الوقوع ،وال يمثل إال قد ار ضئيال من نشاط اإلدارة(.)3
أم ـ ــا ف ـ ــي حال ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ،فـ ـ ـإن المش ـ ــرع ق ـ ــد ال يح ـ ــدد األس ـ ــباب الت ـ ــي يج ـ ــب أن يس ـ ــتند
إليهـ ــا الق ـ ـرار اإلداري ،أو أن يقـ ــوم بتحديـ ــدها مـ ــع تـ ــرك الحريـ ــة لـ ــإلدارة فـ ــي اختيـ ــار نوعيـ ــة الق ـ ـرار الـ ــذي
يصـ ــدر بنـ ــاءا عليهـ ــا .كمـ ــا هـ ــو الشـ ــأن بالنسـ ــبة لواجـ ــب اإلدارة فـ ــي المحافظـ ــة علـ ــى النظـ ــام العـ ــام عنـ ــد
حدوث إخالل به(.)4
وفـ ـ ــي هـ ـ ــذه الحالـ ـ ــة يتضـ ـ ــاءل دور السـ ـ ــبب فـ ـ ــي مجـ ـ ــال الرقابـ ـ ــة علـ ـ ــى مشـ ـ ــروعية الق ـ ـ ـرار دون أن
يكـ ـ ــون لـ ـ ــذلك أثـ ـ ــر فـ ـ ــي وجـ ـ ــود السـ ـ ــبب كأحـ ـ ــد أركـ ـ ــان الق ـ ـ ـرار اإلداري ،فـ ـ ــإذا كانـ ـ ــت السـ ـ ــلطة التقديريـ ـ ــة
الواس ــعة الت ــي تتمت ــع به ــا اإلدارة ف ــي ه ــذه الحال ــة ت ــؤدي إل ــى تع ــذر الرقاب ــة عل ــى مش ــروعية القـ ـرار ،إال
أن ذلـ ــك ال يعنـ ــي إنعـ ــدام أسـ ــباب الق ـ ـرار فلكـ ــل ق ـ ـرار إداري سـ ــببه ،س ـ ـواء كشـ ــفت جهـ ــة اإلدارة عـ ــن هـ ــذا
-1يالحظ أن األستاذ " أمحد حميو" مل يقدم تعريفا لعيب السبب ،لكونه ال يعرتف به كعيب مستقل وجعله جزءا من عيب خمالفة القانون .وكذا احلال
بالنسبة لألستاذ الطماوي .أنظر مؤلفه - :دروس يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .290
- 2عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء ،املرجع السابق ،ص .112
- 3سامي مجال الدين ،الدعاوى اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .299
- 4مزياين فريدة ،سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،جامعة
قاملة،2311 ،ص .2
السـ ـ ــبب أو لـ ـ ــم تكشـ ـ ــف عنـ ـ ــه .فـ ـ ــإذا كشـ ـ ــفت اإلدارة باختيارهـ ـ ــا عـ ـ ــن السـ ـ ــبب الـ ـ ــذي اسـ ـ ــتندت إليـ ـ ــه ف ـ ـ ـإن
الرقابـ ــة عليـ ــه تعـ ــود م ـ ـرة أخـ ــرى للظهـ ــور ،ويحـ ــق للقاضـ ــي التحقـ ــق مـ ــن وجـ ــود هـ ــذا السـ ــبب ،ممـ ــا يثبـ ــت
انتف ـ ـاء حالـ ــة انعـ ــدام األسـ ــباب .وهـ ــو أمـ ــر وان كـ ــان يتصـ ــل بـ ــركن الشـ ــكل فـ ــي الق ـ ـرار اإلداري كمـ ــا بينـ ــا
()1
سلفا ،إال أنه يؤدي إلى تحقق الرقابة على السبب في هذه الق اررات.
تتـ ـ ـدرج وظيف ـ ــة القاض ـ ــي وه ـ ــو ي ـ ــتفحص م ـ ــدى ت ـ ــوفر رك ـ ــن الس ـ ــبب ومش ـ ــروعيته ،بداي ـ ــة م ـ ــن التثب ـ ــت
مـ ــن حقيقـ ــة وجـ ــود الوقـ ــائع التـ ــي بنـ ــت عليهـ ــا اإلدارة قرارهـ ــا .لينظـ ــر بعـ ــد ذلـ ــك مـ ــدى انسـ ــجام تلـ ــك الوقـ ــائع
والـ ــنظم القانونيـ ــة التـ ــي تحججـ ــت بهـ ــا اإلدارة فـ ــي تقييـ ــد الحريـ ــة؛ أي مـ ــدى تبريرهـ ــا القـ ــانوني .و أخي ـ ـ ار يتأكـ ــد
القاضــ ــي مــ ــن مـ ـ ــدى خطــ ــورة تلــ ــك الوقـ ـ ــائع كســ ــبب دافــ ــع بـ ـ ــاإلدارة إلص ـ ــدار الق ـ ـ ـرار القـ ـ ــائم علــ ــى سـ ـ ــلطتها
التقديرية خاصة ومدى توسع اإلدارة في استخدام تلك السلطة(.)2
وق ــد كـ ــان ل ــتمكن القضـ ــاء اإلداري م ــن رقابـــة مـــدى تـ ـوافر األس ــباب فضـ ـال ع ــن نظ ــر مـ ــدى مالءمـــة
الق ـ ـ اررات أو اإلج ـ ـراءات اإلداريـ ــة ،الضـ ــابط فـ ــي الموازنـ ــة بـ ــين احت ـ ـرام الحريـ ــة واق ـ ـرار النظـ ــام العـ ــام ،عظـ ــيم
ال ـ ــدور ف ـ ــي انتق ـ ــاء مكان ـ ــة أفض ـ ــل للقض ـ ــاء اإلداري ف ـ ــي حماي ـ ــة الحري ـ ــة م ـ ــن س ـ ــلطة اإلدارة التقديري ـ ــة فــ ــي
نظر اإلدارة و الفرد.
-1ملزيد من التفاصيل حول سلطة اإلدارة التقديرية يف ركن احملل ،أنظر :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة
عاطف ،1129،ص .201-221
-2عثمان خليل عثمان ،جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ،الطبعة اخلامسة ،عامل الكتب ،القاهرة ،1192 ،ص.962
-3املرجع نفسه ،ص .962
-4ال يثري األمر صعوبة فيما يتعلق مبخالفة الق رار اإلداري للدستور يف اجلزائر ،ما دام قد تقرر عندنا حق القضاء يف الرقابة على دستورية القوانني .أما
حيث ال يباشر القاضي هذه الرقابة ،كما هو احلال يف فرنسا ،فيتقيد حقه يف مراقبة دستورية القرار اإلداري ،بأال يتضمن التعرض لدستورية قانون من
القوانني ،فيسلم القرار اإلداري من اإللغاء إذا كان عيبه استناده إىل قانون غري دستوري أو مطعون يف دستوريته.
-5عبد اهلل طلبه ،القضاء اإلداري :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،1121،ص .289وعمار عوابدي ،نظرية القرارات
اإلدارية بني علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2332،ص .122
-6درسية حسني ،حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،2339،ص .21
-7ياسني فوتال ،املرجع السابق ،ص 122
عمل يحتمه القانون أو إتيان عمل يحظره القانون؛ أي أن مخالفة النصوص القانونية قد تكون إيجابية أو
()1
ونتناولها كما يأتي : سلبية.
-المخالفة االيجابية للقاعدة القانونية
تحدث هذه المخالفة في حالة خروج اإلدارة بطريقة عمدية عن حكم القاعدة القانونية األعلى من القرار
اإلداري ،وهذا النوع من المخالفات يكون واضحا في الواقع العملي ،مثل حالة قيام اإلدارة بالتنفيذ المباشر في
حالة لم ينص عليها القانون( .)2ويستوي أن تتم هذه المخالفة المباشرة لقاعدة قانونية مكتوبة ،كمخالفة نص
دستوري أو النحي ،أو تحدث هذه المخالفة لقاعدة غير مكتوبة ،كمخالفة قاعدة عرفية أو مبدأ من المبادئ
العامة للقانون(.)3
وفي هذه الحالة ال تتمتع االدارة بأية سلطة تقديرية ،فسلطتها مقيدة سلفا بنصوص القانون ،ومن هنا
ثار
يعتبر قرارها مشوبا بعيب مخالفة القانون إذا خالفت هذه القاعدة على نحو يخالف القانون ،بأن أنتجت آ ا
قانونية معينة( .)4ومن األمثلة على ذلك :زيادة اإلدارة لشروط جديدة غير تلك الواردة في القانون من منطلق
سلطتها في اصدار اللوائح التنفيذية للقانون ،وتمتعها بسلطة تقديرية كلما امتنع المشرع عن تقييدها بشروط
محددة(.)5
وتعتبر حالة المخالفة اإليجابية للقاعدة القانونية من أبسط الحاالت إثباتا ،إذ ما على طالب اإللغاء إال
أن يثبت قيام القاعدة القانونية التي يستند إليها ،و أن اإلدارة قد تجاهلت هذه القاعدة كليا أو جزئيا.
وغالبا ما يثور النزاع في حالة المخالفة المباشرة اإليجابية حول وجود القاعدة القانونية ،كمنازعة اإلدارة
في وجود عرف قانوني يتمسك به أحد األفراد ،أو اإللغاء الجزئي أو الكلي للقاعدة القانونية( .)6ذلك أن القرار
القرار اإلداري تحكم مشروعيته القواعد القانونية النافذة وقت صدوره ،مع مراعاة التدرح في تلك القواعد
وخضوع القاعدة األدنى للقاعدة األعلى ،شرط أن تكون تلك القواعد نافذة في حق األفراد(.)7
والغالب هو أ ن تحدث المخالفة المباشرة نتيجة عدم التأكد من وجود القاعدة القانونية ،إما بسبب توالي
التشريعات و النصوص القانونية( ،)8مما يدفع إلى البحث عما يظل نافذا من هذه النصوص وما يعتبر الغيا
1
- Gustave Peiser, contentieux administratif, Dalloz, 11 eme édition, 1999, p 183.
-2سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .226
-3عبد اهلل طلبه ،القضاء اإلداري :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،1121،ص .286
-4سليمان حممد الطماوي ،املرجع السابق ص .226
-5درسية حسني ،املذكرة السابقة ،ص .196
-6عبد اهلل طلبه ،املرجع السابق ،ص .189
-7سليمان حممد الطماوي ،القضاء االداري ،املرجع السابق ،ص .291
-8فالتطور السريع للقانون اإلداري ،جيعل مهمة القاضي صعبة وهو يتعقب التشريعات والتنظيمات اليت تنظم املوضوع حمل النزاع .ويف ذلك يقول األستاذ
" أمحد حميو" " :مبجرد االطالع على اجلريدة الرمسي ة فإهنا تبدو يف الوقت احلاضر كأهنا جريدة للقانون اإلداري ،حبكم كثرة النصوص اخلاصة باملواد اإلدارية".
أنظر مؤلفه - :حماضرات يف املؤسسات اإلدارية ،الطبعة الثالثة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،1186 ،ص .9
الغيا منها بصدور تشريع جديد ،و إما بسبب الطبيعة غير المكتوبة للقواعد القانونية التي ترجع إلى المبادئ
()1
العامة للقانون أو العرف ،و خاصة إذا وقع نزاع حول وجودها و إعتراف القضاء بها.
ومن القضايا التي ألغى فيها القاضي اإلداري الجزائري القرار االداري إلرتكاب مخالفة مباشرة إيجابية
ار لمجلس الدولة في 2مايو ( 2331قضية قيتي موسى ضد بوروبة و والي والية
للقانون ،نجد قر ا
الجزائر)( ،)2قضى بإبطال قرار بلدية بوروبة المؤرخ في 1مارس ،1111المتضمن إلغاء رخصة البناء
الممنوحة للسيد قيتي موسى ،و الزام البلدية بمنحه تعويضا قدره مائتي ألف دينار ،لكون القرار اإلداري
مخالف للقانون ،و مما جاء في منطوق القرار " :حيث أن إلغاء رخصة البناء بالطريقة التي لجأت إليها
البلدية مخالفة للقانون و تعد تجاو از و تعسفا في استعمال سلطتها و أن إلغاءها تعسفيا و سبب ضر ار
كبي ار للمستأنف ،نتيجة لتوقفه عن البناء لفترة طويلة.
حيث أن المستأنف يلتمس منحه تعويضا عن الضرر الذي لحقه و أنه بتوقفه عن البناء لفترة
طويلة يكون قد تعرض فعال إلى ضرر ،مما يتعين اإلستجابة إلى طلبه و إلغاء القرار المستأنف ،مع إبطال
قرار إلغاء رخصة البناء و منح المستأنف تعويضا مناسبا ".
-المخالفة السلبية للقاعدة القانونية ( إمتناع اإلدارة عن مباشرة سلطتها التقديرية)
وتتمثل هذه المخالفة في حالة إمتناع اإلدارة عن تطبيق القاعدة القانونية ،أو رفض تنفيذ ما فرض
عليها من إلتزامات ،و يحدث ذلك عندما يلزم القانون اإلدارة بالقيام بعمل معين أو إجراء تصرف محدد ،فإذا
اتخذت االدارة موقفا سلبيا إزاء هذا اإللتزام ،فإنها تكون قد ارتكبت بذلك مخالفة للقانون تجعل قرارها الصادر
في هذا الصدد معيبا و قابال لإللغاء(.)3
ومن أمثلة المخالفة السلبية للقانون :حالة امتناع اإلدارة عن منح رخصة ألحد األفراد رغم استيفائه
الشروط القانونية لذلك إذا كان القانون يلزمها بمنح الترخيص في هذه الحالة( ،)4أو أن ترفض اإلدارة في
إطار مسابقة للتوظيف على أساس اإلختبارات تعيين الناجح األول في القائمة وتعين غيره ،مع أن قانون
الوظيفة العمومية يوجب عليهما التعيين بترتيب النجاح في المسابقة .وعليه فإن الطعن باإللغاء لرفض
-1ال تندرج حتت خمالفة القانون اليت نتحدث عنها خمالفة اإلدارة عقدا من العقود اإلدارية .فال تعترب هذه املخالفة خمالفة للقانون باملعىن الذي حنن
بصدده ،مامل تكن املخالفة لنص الئحي يف عقد إداري كعقد االلتزام .فهنا تعترب خمالفة للقانون ،ولكن ال يقبل من الطرف املتعاقد اإلستناد إليها يف اإللغاء.
وإمنا يتم رفعها وفقا لدعوى القضاء الكامل .أما غري املتعاقدين فأجبين عن العقد ،ومن مث ال حيق له الطعن يف خمالفة اإلدارة هلذا العقد أمام القاضي املختص
بدعوى القضاء الكامل أو اإلستناد أمامه إىل هذه املخالفة .ولكنه يستطيع خمالفة النصوص يف العقد أو األخذ بنظرية القرارات اإلدارية القابلة لإلنفصال يف
العمليات املركبة .أنظر يف ذلك -:عثمان خليل عثمان ،جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ،الطبعة اخلامسة ،عامل الكتب ،القاهرة ،سنة ، 1192
ص .990
-2قرار غري منشور ،فهرس ( 912الغرفة الثانية ) .
-3عثمان خليل عثمان ،املرجع السابق ،ص .991
-4سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .226
السلطات االدارية أو امتناعها عن إتخاذ إجراء معين ،كان من الواجب اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح ،هو ما
يسمى بالقرار السلبي.
وطبقا لذلك قضت المحكمة العليا في قرارها بتاريخ 28يوليو ( 1113قضية ت ع ضد والي
()1
بإبطال قرار الوالي السلبي المتمثل في رفض منح تسيلم رخصة البناء بعد مضي أكثر من أربعة البويرة)
أشهر ،لمخالفتها المادة السادسة من األمر رقم ،31 / 86المتضمن تنظيم رخص البناء .ومما جاء في
تسبيب القرار " :وحيث أن رسالة الوالي المتضمنة الرفض ألسباب غير ثابتة جاءت بتاريخ / 0 / 29
تجاوز للسلطة
ا 1899حيث أن عدم اإلجابة أو اإلجابة سلبيا بعد مضي فترة أربعة أشهر القانونية ،يعد
يترب عنه البطالن "
وعلينا أن ننوه إلى أن مناط وجود القرار السلبي ،هو أن تكون اإلدارة ملزمة قانونا بإتخاذ إجراء ما
ولكنها مع ذلك تمتنع عن اتخاذه .أما إذا لم تكن اإلدارة ملزمة قانونا بشيء طبقا للقانون واللوائح ،فإن
سكوتها عن اتخاذ مثل هذا القرار ال يشكل االمتناع المقصود .إذ ال يجوز في مجال السلطة التقديرية
()2
افتراض قيام ق اررات سلبية دون نص صريح " .فالمالءمات تنفي فكرة القرار السلبي".
وينتقد هذا الجانب الفقهي ،على أساس أنه ال يتفق مع المبادئ العامة في دعوى اإللغاء ،وال يتفق مع
النية الحقيقية للمشرع ،فال يمكن أن يكون المشرع قد أراد أن يجعل والية اإللغاء بالنسبة للقرارت الضمنية
والسلبية مقصورة على المجاالت التي تتصرف فيها اإلدارة بسلطة مقيدة دون المجاالت التي تتصرف فيها
بسلطة تقديرية .فرقابة القضاء اإلداري توجد في الحالة األخيرة أيضا .ومهما اتسع مجال السلطة التقديرية
لإلدارة ،فإن هناك مجاال لرقابة القضاء ينصب على وجود أو عدم وجود عيب اإلنحراف بالسلطة(.)3
وفي الحقيقة فإننا نساند اإلتجاه الثاني و نؤيد موقف األستاذ " سامي جمال الدين "()4الذي اعتبر
امتناع االدارة عن إتخاذ القرار اإلداري في المجاالت التي تتمتع فيها بسلطة تقديرية مخالفة سلبية للقانون،
فامتناع االدارة عن تعيين أحد األشخاص في وظيفة ما أو اإلمتناع عن اإلفراج عن أحد المعتقلين هو قرار
إداري مثل أي قرار آخر ،أما من حيث مشروعية القرار فقد يكون هذا القرار السلبي غير مشروع بالرغم من
التزام االدارة بإصداره .مثل رفض اصدار ترخيص لمزاولة نشاط معين رغم استيفاء المعني لجميع الشروط
الواجبة لذلك.
ال تكتمل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ،إال ببحث عيب اإلنحراف في إستعمال
السلطة التقديرية .إذ لم تعد الرقابة القضائية ألعمال اإلدارة بصورة عامة والسلطة التقديرية بصورة خاصة،
تقتصر على فحص المشروعية الخارجية أو الظاهرة للقرار اإلداري من حيث الشكل واإلختصاص ،و كذلك
ويدل ذلك على مدى التوسع في رقابة القضاء اإلداري لمشروعية أعمال اإلدارة ،وعلى مدى أهمية
فحص هذا العيب في فرض رقابته على مخالفة روح القانون وغايته -كما يسميه بعض الفقه -عندما تحتمي
اإلدارة بمظهر العمل اإلداري الصحيح ،مما يعيد ثقة المتقاضين في أحكام القضاء اإلداري(.)2
ولتوضيع هذا العيب فإننا سنتناول فيما يأتيي مفهومه ،مجاله وصوره:
لقد تعددت التعريفات التي أعطاها الفقه لعيب اإلنحراف بالسلطة ،و يعتبر الفقيه (أكوك) أول من
استعمل تعبير "اإلنحراف بالسلطة" ،وقد عرفه بأنه " :يوجد عيب اإل نحراف بالسلطة حينما يستعمل رجل
اإلدارة سلطاته التقديرية ،مع مراعاة الشكل الذي فرضه القانون ،ومع اتخاذ قرار يدخل في اختصاصه،
ولكن لتحقيق أغراض وحاالت أخرى غير التي من أجلها منح هذه السلطة "(.)3
أما األستاذ " دي لوبادير" فعرفه " :نكون بصدد إنحراف بالسلطة عندما تمارس سلطة إدارية ما
تصرفا يدخل في اختصاصاتها ،ولكن بغرض تحقيق هدف غير الذي يمكن القيام بذلك التصرف من أجله
بصورة مشروعة"(.)4
في حين نجد األستاذان "ديباش و ريكي" قد تبنيا التعريف القضائي لعيب اإلنحراف على أنه " :نكون
بصدد إنحراف بالسلطة عندما تستعمل السلطة اإلدارية سلطاتها لتحقيق هدف غير الذي منحت من أجله
تلك السلطات "( .)5وقد تبنى " أحمد محيو" تعريف مجلس الدولة الفرنسي أعاله ،بقوله " :يكون هناك
-1وهو ما دعا األستاذ "سليمان الطماوي" إىل القول ...":فهي ال تتيح للقاضي أن خيضع األغراض اليت تتوخاها اإلدارة لرقابته فحسب ،ألهنا تتيح له أن
ميد هذه الرقابة إىل ما يدور يف نفس رجل اإلدارة من بواعث ،وما جييش يف صدره من دوافع وهو يتخذ القرار ،وهذا تقدم يف عامل القانون ،يدعو إىل
اإلعجاب".أنظر يف ذلك مؤلفه :نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عني مشس ،القاهرة ،1128،ص .19
- 2خاصة بالنظر لطبيعة اجملتمع اجلزائري ،الذي ال يزال يتحرز من مقاضاة اإلدارة ،ألسباب يف الغالب صورية ،خاصة وأن الفرد خصمه اإلدارة اليت يعطي
هلا اجملتمع تصورا مهيبا باعتبارها متثل السلطة العامة ،احلكومة...إخل مبا يولد الرهبة والعزوف .ملزيد من التفاصيل حول هذا املوضوع ،أنظر - :ناجي هين
موسى ،طبيعة النظام القضائي اجلزائري ومدى فعاليته يف مراقبة أعمال اإلدارة،رسالة ماجستري،جامعة اجلزائر1186،
-3سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،املرجع السابق ،ص .98
4
- Delaubadère, Yves Gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 16 Emme édition,
5
- Charles Debbasch et Ricci, contentieux administratif, Dalloz,1999, p 683.
انحراف بالسلطة عندما تستعمل هيئة إدارية سلطاتها لغرض مغاير لذلك الذي منحت من اجله السلطة"(.)1
ومن هذه التعريفات نجد أن عيب االنحراف بالسلطة يقصد به استخدام اإلدارة لسلطاتها من أجل
تحقيق غاية غير مشروعة ،سواء باستهداف غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو بابتغاء هدف مغاير للهدف
الذي حدده لها القانون .فعيب االنحراف بالسلطة – كما ذكرنا – يشكل مظه ار من مظاهر اتساع الرقابة
القضائية عن أعمال اإلدارة ،التي أصبحت تكشف على النوايا والبواعث النفسية التي تدفع اإلدارة إلى مباشرة
سلطاتها التقديرية خاصة(.)2
تشكل السلطة التقريرية المجال األصيل لعيب اإلنحراف بالسلطة؛ إذ حينما يعترف المشرع لإلدارة بقدر
من الحرية في تقدير مناسبة القرار واختيار وقت التدخل وأهمية بعض الوقائع ،فإنه يمكن أن تنحرف اإلدارة
عن تحقيق المصلحة العامة ،ويكون قرارها حينئذ مشوبا بعيب االنحراف بالسلطة .و لذلك اعتبر الفقه أن
الغاية هي الحد الخارجي للسلطة التقديرية.
وفي ذلك يقول األستاذ "محمد مصطفى حسن"... :أما سبب القول بأن االنحراف هو عيب السلطة
التقديرية ،فهو أن مجلس الدولة الفرنسي عند بحثه مباشرة السلطة التقديرية ،يبدأ من غايتها "(.)3
وتبعا لذلك يكون هذا اإلتجاه الفقهي قد حصر مجال عيب اإلنحراف بالسلطة في حالة وحيدة وهي
حالة تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية ،لكن هذا الوجه من أوجه اإللغاء -أي االنحراف -ال يظهر في حالة
االختصاص المقيد لإلدارة .فالعمل اإلداري الصادر بناءا على سلطة مقيدة ،ال يمكن أن يكون غير مشروع
من ناحية عنصر الغاية ،ألنه ما دامت اإلدارة ملزمة بإصدار القرار على نحو معين فال يهم باعثها أو
دافعها وراء إصداره ،إذ في هذه الحالة توجد قرينة غير قابلة إلثبات العكس بأن أهداف القرار سليمة ،ما
دامت اإلدارة قد التزمت حدود القانون(.)4
في ذلك يقول األستاذان " ديباش و ريكي " " :وحتى يكون قرار ما مشوبا بعيب االنحراف بالسلطة
يجب أن يكون صحيحا في شكله ،أي ال يشوبه أي عيب يمكن أن يكشف مشروعيته الخارجية ،ويجب
أيضا أن تكون السلطة التي اتخذت ذلك القرار متمتعة بسلطة تقديرية متفاوتة في قوته ،و حتى نكون
بصدد انحراف ،يجب أن يكون اإلختيار لإلدارة ممكننا ،فال وجود النحراف في حالة االختصاص المقيد"(.)5
- 1أمحد حميو (ترمجة فائز أجنق و بيوض خالد) ،املنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،د.م.ج ،جامعة اجلزائر ،2338،ص .112
-2مسعود شيهوب ،املبادئ العامة للمنازعات اإلدارية ،اجلزء الثاين ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1111 ،ص .002
-3حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129،ص .282
-4سامي مجال الدين ،الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة املعارف للنشر ،اإلسكندرية ،دون تاريخ ،ص .031
5
- Charles Debbasch et Ricci, opcit, p 683 et suivantes.
غير أن جانبا آخر من الفقه قد ذهب إلى أن السلطة التقديرية هي الموطن األساسي لعيب االنحراف
وليست الموطن الوحيد لذلك .ولئن كانت فرصة اإلنحراف بالسلطة أمام مصدر القرار تزداد في مجال السلطة
التقديرية ،إال أن ذلك ال يمنع من إمكان وجود هذا العيب في مجال االختصاص المقيد ،خاصة عندما يؤخر
رجل اإلدارة إصدار القرار ليضر بمن تعلقت مصلحته بالقرار أو ليوفت عنه مراده(.)1
وفي ذلك يقول "محمد مصطفى حسن " ..." :ومن السهل التمييز بين االنحراف وعيوب السلطة
التقديرية ....إذ كل قرار يتعين أن يحقق مصلحته العامة ،واذا كنا بصدد سلطة مقيدة تماما ،فال بد أن
يكون القرار محققا ألهداف الجماعة ،ألن اإلدارة ليست آلة صماء"(.)2
وعلى الرغم من عدم نفي هذا الرأي لخاصية مالزمة عيب االنحراف للسلطة التقديرية ،إال أننا نرى أنه
ال يمكن تصور عيب اإلنحراف في ظل السلطة المقيدة ،حيث يفترض افتراضا غير قابل إلثبات العكس -
كما ذكرنا -أن ركن الغاية في القرار سليم ما دام قد صدر تنفيذا للقانون .وذلك ما يؤكده الفقيه "والتر" "...أن
وجه اإللغاء المستمد من عيب اإل نحراف ال يمكن أن يطلق على األعمال التي نفذت فيها اإلدارة إرادة
المشرع تنفيذا دقيقا ...والغرض من العمل اإلداري ال يمكن للقضاء أن يخضعه لرقابته ،إال في الحالة التي
يكون لإلدارة أن تتصرف ببعض الحرية إزاء القاعدة القانونية "(.)3
لقد اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لعيب اإلنحراف بالسلطة :فمنهم من يدخل هذا العيب
في مجال الرقابة على المشروعية ،ومنهم من يرى أن هذا العيب يتجاوز فكرة المشروعية ،ليندرج في مجال
أفسح و أعمق ،وهو ما يسميه أصحاب هذا االتجاه برقابة الجانب الخلقي ألعمال اإلدارة(.)4
وقد ربط "هوريو" بين فكرة األخالق اإلدارية وعيب اإلنحراف بالسلطة ،على أساس أن اإلنحراف
بالسلطة يشكل غشا في بعض األحيان ،وتدخل القاضي في البحث عن نية الغش يعني تدخله في األخالق
اإلدارية( .)5ويرى " هوريو" أن مجلس الدولة حين ينظر عيب االنحراف ،يقع عليه عبة استلهام روح القانون
ليواجه روح العمل اإلداري" ،فهو ال يبحث المشروعية ،ولكن القيم األدبية في السلوك الذي تبعته
اإلدارة"(.)6
-1عبد العزيز عبد املنعم خليفة ،اإلحنراف بالسلطة كسبب إللغاء القرار اإلداري ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .99
-2حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص .281
-3عبد العزيز عبد املنعم خليفة ،املرجع السابق ،ص .99
-4حممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون رقم الطبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ ،ص .122
-5حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .219
-6حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص .212
وحسب "هوريو" فإ ن السلطة التقديرية و رقابة المشروعية ،على طرفي النقيض ،وكل منهما يستبعد
اآلخر ،و لكن الذي يمكن تناوله بالبحث هو أخالقيات اإلدارة في صدد العمل المطروح( .)1وتختلف األخالق
اإلدارية عن المشروعية من حيث أن هذه األخيرة هي مجموعة القواعد العامة الجامدة والثابتة ،بينما األخالق
اإلدارية تتحرك مع القاضي باختالف الحاالت الفردية ،وروح القانون هي الحدود التي تفرض على الحقوق
لمصلحة العدالة ،بينما روح األخالق هي الحدود التي تفرض على الواجبات لمصلحة حسن اإلدارة ،والفارق
كبير بين ما يعتبر "عادال" وبين ما يعتبر "حسنا"(.)2
إال أن نظرية "هوريو"عن األخالق اإلدارية ،لم تحظ بالقبول لدى معظم فقهاء القانون اإلداري( ،)3حيث
انتقد هؤالء نظرية األخالق اإلدارية ،واعتبروا بأن الرقابة على انحراف اإلدارة بسلطتها التقديرية هي رقابة
مشروعية ،ألن رجل اإلدارة عندما يتنكر للغاية التي قصدها المشرع صراحة أو ضمنا ،يكون قد خرج عن
القانون حتى ولو احترم القانون من حيث الظاهر(.)4
أما كون االنحراف بالسلطة التقديرية يرتبط بالنوايا الداخلية لمصدر القرار ،بحيث ال يظهر أثره في
الشكل الخارجي للقرارات اإلدارية " ،فإن ذلك ال يتعارض مع جعل ذلك االنحراف وجه من أوجه عدم
المشروعية ،ومن أن إلغاء القرار لعيب اإلنحراف بالسلطة ،هو نوع من العقاب على عدم المشروعية"(.)5
لكن الفقيه "فوديل" له منحى خاص في هذه المسألة ،فهو يوفق بين نظرية "هوريو" حول األخالق
اإلدارية و بين الرأي المتمسك برقابة المشروعية .إذ يقول في ذلك "....ولكن وال يجب استبعاد الفكرة ،ألن
القاضي اإلداري يملك سلطة واسعة في تحديد المشروعية وخلق قواعد القانون ،ومن ثم يستطيع تحت
غطاء روح القانون أو تحت غطاء القواعد القانونية العامة أن يكمل المشروعية بفكرة التوجيهات الخلقية،
ومن هنا يمكن القول أن نظرية االنحراف تتناول قواعد خلقية بجانب المشروعية "(.)6
لكننا نرى أن التكييف القانوني السليم لعيب االنحراف بالسلطة ،هو اعتباره وجها من أوجه الرقابة على
المشروعية ،ذلك أن فكرة األخالق اإلدارية فكرة مرنة ومطاطة وغامضة ،وال تصلح دائما كمبرر إللغاء
الكثير من الق اررات المشوبة بعيب اإلنحراف بالسلطة ،وتبعا لذلك فإن األخذ بها سيؤدي إلى إفالت العديد من
الق اررات غير المشروعة من الرقابة القضائية وتحصنها ضد دعوى اإللغاء ،لكونها ال تتنافى وفكرة األخالق
اإلدارية.
يأخذ عيب االنحراف إحدى الصورتين :فإما أن يستهدف مصدر القرار الخروج عن المصلحة العامة،
أو يخالف قاعدة تخصيص األهداف.
وهذه الحالة أو الصورة خطيرة جدا ،ألن االنحراف مقصود فرجل اإلدارة يستغل سلطاته التقديرية
(.)1
إذ أن اإلدارة تقوم بمهامها متمتعة بإمتيازات السلطة العامة لتحقيق أغراض ال تمت بصلة للصالح العام
بهدف تحقيق المصلحة العامة( ،)2واذا لم يكن رائد اإلدارة في فاعليتها ونشاطها اإلداري هدف تحقيق
المصلحة العامة عرضت تصرفاتها لإللغاء ،مشوبة بعيب اإلنحراف بالسلطة.
وأوجه اإلنحراف عن المصلحة العامة متعددة ،نذكر منها :استعمال السلطة لتحقيق نفع شخصي،
ومباشرة السلطة التقديرية بغرض اإلنتقام ،و استخدام السلطة التقديرية لغرض سياسي أو حزبي ،باإلضافة
إلى القرار الذي يهدف إلى التحايل على تنفيذ األحكام اإلدارية(.)3
يجب على عضو اإلدارة أن يسعى إلى تحقيق الهدف الذي حدده النص المخول لالختصاص ،و إال
كان منحرفا بالسلطة ،حتى و إن كان يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة( .)4ويتجلى تخصيص األهداف
بوضوح في لوائح الضبط اإلداري ،باعتبارها ق اررات تهدف إلى تحقيق هدف معين هو الحفاظ على النظام
العام في أحد مدلوالته المعروفة :األمن العام ،الصحة العامة ،السكينة العامة...إلخ(.)5
ومن التطبيقات القضائية في الجزائر لعيب اإلنحراف ،نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم
،1098المؤرخ في 1128/0/19في قضية ( خيال ع )( ،)6الذي ألغت من خالله ق ار ار صاد ار عن المجلس
المجلس الشعبي البلدي لعين البنيان ،الذي منع بموجبه بيع و استهالك الخمور في المقاهي والمطاعم
-1عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112،ص .990
-2ويف هذا السياق جاءت املادة 9من املرسوم رقم ،101/88 :الذي ينظم عالقة اإلدارة باملواطن ":تسهر اإلدارة دوما على تكييف مهامها وهياكلها
مع احتياجات املواطنني".
-3وإذا سبق وأن ذكرنا بأن عدم إ حرتام اإلدارة لألحكام القضائية احلائزة على قوة الشيء املقضي به ،جيعل القرار مشوبا بعيب خمالفة القانون ،لكن اإلدارة
يف هذه احلالة تتحايل على األحكام القضائية ،حبيث تتهرب من تنفيذها بطريق غري مباشر .ويف هذه احلالة يعترب القرار مشوبا بعيب االحنراف .وملزيد من
التفاصيل حول موضوع تنفيذ أحكام اإللغاء أنظر - :فاضل إهلام ،تنفيذ قرارات اإللغاء القضائية -دراسة مقارنة ،-مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،كلية
احلقوق.2336 ،
-4حممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون طبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ ،ص .123
-5املرجع نفسه ،ص .123
-6اجمللس األعلى ،الغرفة اإلدارية ،فهرس رقم ،98قرار غري منشور.
والدكاكين ،عدى المركب السياحي لمنطقة الجميلة .ومما جاء في الحكم "...حيث أنه كان لرئيس المجلس
الشعبي البلدي لبلدية عين البنيان أن يستعمل السلطات التي يخولها له القانون البلدي لتنظيم بيع
الخمور حفاظا على األمن العام ،قد اتضح بعد التحقيق أن البواعث التي أدت إلى اتخاذ القرار ترجع إلى
اعتبارات أخرى ،ال سيما أن بيع واستهالك الخمور الممنوعة عن المدعى ال يزال مباحا في مجاالت أخرى
على مستوى البلدية".
على الرغم من أن القضاء لم يفصح عن نية رئيس البلدية وهدفه الحقيقي ،إال أنه ألغى القرار اإلداري
إلخالله بمبدأ المساواة .ثم نجده في قضية مشابهة يرفض الحكم بإلغاء القرار لإلنحراف بالسلطة .وذلك في
قضية (ي ر) ضد رئيس البلدية ،الذي أغلق محله التجاري لبيع الخمور لنفس األسباب والغايات .ومما جاء
في الحكم ":حول التحايل على السلطة ،حيث في هذه الظروف يوجد تجار آخرون ...ال يزالون يقدمون
المشروبات الكحولية ...فهذه الوقائع ليس لها أهمية ...ألن اإلدارة بقرارها المتخذ ال يعد إهماال منها ...
و إنما هو تطهير الحياة اإلجتماعية في المدينة "(.)1
يتضح مما سبق أن القضاء اإلداري الجزائري غير مستقر فيما يخص عيب االنحراف بالسلطة ،فتارة
يأخذ به و يلغي الق اررات على أساسه وتارة ينكر وجوده بالقرار .رغم أن الفقه ما انفك يسلط عليه الضوء أثناء
تحليل و نقد أحكام القضاء اإلداري ،لكن السبب الغالب في دفع القضاء إلى هذا المنحى ،هو اعتبار هذا
العيب عيبا احتياطيا ،يستند إليه في إبطال القرار كآخر وسيلة أو وجه من أوجه اإللغاء.
المطلب الثاني
الطعن بالتعويض في الق اررات التقديرية
إذا كان ـ ــت الرقاب ـ ــة القض ـ ــائية عل ـ ــى الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ل ـ ــإلدارة ف ـ ــي ظ ـ ــل قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء ق ـ ــد تط ـ ــورت
واتسـ ـ ــعت سـ ـ ــلطات القاضـ ـ ــي اإلداري فـ ـ ــي إطارهـ ـ ــا حتـ ـ ــى شـ ـ ــملت بعـ ـ ــض جوانـ ـ ــب المالءمـ ـ ــة التـ ـ ــي كانـ ـ ــت
متروكـ ـ ــة لحريـ ـ ــة تقـ ـ ــدير اإلدارة .إال أن المالحـ ـ ــظ أن سـ ـ ــلطة اإلدارة التقديريـ ـ ــة تحصـ ـ ــن وتخـ ـ ــرج فـ ـ ــي كثيـ ـ ــر
مـ ـ ــن األحيـ ـ ــان عـ ـ ــن رقاب ـ ـ ـة قضـ ـ ــاء اإللغـ ـ ــاء ،كمـ ـ ــا تمنـ ـ ــع القاضـ ـ ــي مـ ـ ــن التعـ ـ ــرض للجوانـ ـ ــب التقديريـ ـ ــة فـ ـ ــي
الق ـ ـ اررات اإلداريـ ــة .ممـ ــا يـ ــؤدي إلـ ــى إفـ ــالت الكثيـ ــر مـ ــن الق ـ ـ اررات اإلداريـ ــة مـ ــن رقابـ ــة اإللغـ ــاء بحجـ ــة أنهـ ــا
صادرة إستنادا إلى سلطة اإلدارة التقديرية(.)2
-1احملكمة العليا ،الغرفة اإلدارية ،1182/11/22 ،قضية (ق ع) ،ملف رقم ،29932اجمللة القضائية ،احملكمة العليا ،قسم الوثائق ،العدد األول،
،1181ص .280
ٍ
-2تتجلى أمهية دعوى التعويض عندما يكون اللجوء إىل دعوى اإللغاء غري جمد ،إما يف حالة عدم جواز رفع دعوى اإللغاء لفوات املواعيد ،أو لتحصني
القرار اإلداري لوجود نص حيظر الطعن فيه باإللغاء ،أو ألن تصرف اإلدارة يكون عمالً مادياً ومت تنفيذه بالفعل .مثل :تنفيذ قرار هدم مبىن .ودعوى
التعويض تكفل للقضاء فرض رقابته على األعمال املادية اليت تقوم هبا جهة اإلدارة ،ألن دعوى اإل لغاء يقتصر نطاق الرقابة القضائية فيها على القرارات
اإلدارية فقط .أنظر - :ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333،ص .992
لك ـ ــن قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي وتبع ـ ــه ف ـ ــي ذل ـ ــك القض ـ ــاء المقـ ـ ـارن ،م ـ ــد نط ـ ــاق رقابت ـ ــه إل ـ ــى
كيفيـ ــة ممارس ـ ــة السـ ــلطة التقديري ـ ــة فـ ــي مج ـ ــال قضـ ــاء التع ـ ــويض ،وبالتـ ــالي أخض ـ ــع عنصـ ــر المالءم ـ ــة ف ـ ــي
حد ذاته ،والذي يمثل صميم السلطة التقديرية لرقابته القضائية.
وعليـ ـ ــه تكـ ـ ــون اإلدارة مسـ ـ ــؤولة أثنـ ـ ــاء ممارسـ ـ ــة سـ ـ ــلطتها التقديريـ ـ ــة عـ ـ ــن أعمالهـ ـ ــا الماديـ ـ ــة والقانونيـ ـ ــة
وم ـ ـ ــا تحدث ـ ـ ــه ه ـ ـ ــذه األعم ـ ـ ــال م ـ ـ ــن أضـ ـ ـ ـرار تج ـ ـ ــاه الغي ـ ـ ــر .فيح ـ ـ ــق للش ـ ـ ــخص المتض ـ ـ ــرر أن يطال ـ ـ ــب اإلدارة
بـ ــالتعويض عمـ ــا أصـ ــابه مـ ــن أض ـ ـرار ج ـ ـراء تعسـ ــفها فـ ــي اسـ ــتعمالها لسـ ــلطتها التقديريـ ــة .ومـ ــن هنـ ــا تظهـ ــر
م ـ ــدى األهمي ـ ــة القانوني ـ ــة ل ـ ــدعوى التع ـ ــويض بالنس ـ ــبة لخص ـ ــم اإلدارة العام ـ ــة ،إذ عل ـ ــى أساس ـ ــها ي ـ ــتم إقـ ـ ـرار
مسؤولية اإلدارة ومن ثم التعويض للمعني.
وقـ ـ ـ ــد تمحـ ـ ـ ــورت د ارسـ ـ ـ ــة دعـ ـ ـ ــوى التعـ ـ ـ ــويض وفقـ ـ ـ ــا للفـ ـ ـ ــروع اآلتيـ ـ ـ ــة :الفـ ـ ـ ــرع األول :مفهـ ـ ـ ــوم الطعـ ـ ـ ــن
بالتعويض ،الفرع الثاني :شروطه ،الفرع الثالث :أساسه.
الفرع األول
لتحديـ ــد مفهـ ــوم الطعـ ــن ،سـ ــنتناول فـ ــي نقطـ ــة أول ـ ـى تعريـ ــف دعـ ــوى التعـ ــويض ،ثـ ــم فـ ــي نقطـ ــة ثانيـ ــة
خصائص هذه الدعوى.
تع ــرف دع ــوى التع ــويض عل ــى أنه ــا " الــــدعوى القضــــائية الذاتيــــة التــــي يحركهــــا ويرفعهــــا أصــــحاب
الصــــفة والمصــــلحة أمــــام الجهــــات القضــــائية المختصــــة وطبقــــا للشــــكليات واإلجــــراءات المقــــررة قانونــــا،
للمطالبــــة بــــالتعويض الكامــــل والعــــادل الــــالزم لألضــــرار التــــي أصــــابت حقــــوقهم بفعــــل النشــــاط اإلداري
الضار"(.)1
يمكـ ــن أن نسـ ــتخلص مـ ــن تعريـ ــف دعـ ــوى التعـ ــويض أعـ ــاله جملـ ــة مـ ــن الخصـ ــائص التـ ــي تنفـ ــرد بهـ ــا
دعوى التعويض ،ومن بينها:
-1عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء الثاين ،نظرية الدعوى اإلدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية،
اجلزائر ،1118،ص .699
-1دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض اإلداري هـ ـ ــي دعـ ـ ــوى قضـ ـ ــائية ،تتميـ ـ ــز عـ ـ ــن العديـ ـ ــد مـ ـ ــن األعمـ ـ ــال والتص ـ ـ ـرفات
اإلداري ـ ــة القض ـ ــائية ،مث ـ ــل الـ ـ ـتظلم اإلداري المس ـ ــبق بإعتب ـ ــاره طعن ـ ــا إداري ـ ــا يختل ـ ــف ع ـ ــن الطع ـ ــن القض ـ ــائي
المتمثل في الطعون القضائية المختلفة ،مثل دعوى التعويض(.)1
-2دعـ ــوى التع ـ ــويض م ـ ــن دع ـ ــاوى القض ـ ــاء الكام ـ ــل؛ بحيـ ــث يك ـ ــون للقاض ـ ــي اإلداري ف ـ ــي شـ ـ ـأن النــ ـزاع
كامـ ــل السـ ــلطة .علـ ــى خـ ــالف قضـ ــاء اإللغـ ــاء ،الـ ــذي يق ـ ـف عنـ ــد حـ ــد إلغـ ــاء الق ـ ـرار المطعـ ــون فيـ ــه ،دون أن
ي ـ ــأمر اإلدارة بفع ـ ــل ش ـ ــيء أو االمتن ـ ــاع ع ـ ــن عم ـ ــل ش ـ ــيء ،وال ينبغ ـ ــي وص ـ ــف قض ـ ــاء التع ـ ــويض بالقض ـ ــاء
الكامل ألنه مكمل لقضاء اإللغاء ،وانما يعني أن للقضاء سلطة كاملة في النزاع المتعلق به(.)2
-0دع ـ ــوى التع ـ ــويض دع ـ ــوى ذاتي ـ ــة شخص ـ ــية ،فـ ـ ـإذا ك ـ ــان مح ـ ــل دع ـ ــوى اإللغ ـ ــاء ه ـ ــو مخاص ـ ــمة قـ ـ ـرار
إداري ،فـ ـ ـإن مح ـ ــل دع ـ ــوى التع ـ ــويض ه ـ ــو المطالب ـ ــة بح ـ ــق م ـ ــن الحق ـ ــوق الشخص ـ ــية ،ف ـ ــي ص ـ ــورة تع ـ ــويض
نق ـ ــدي( ،)3بمعن ـ ــى أن ص ـ ــاحب الشـ ـ ـأن يس ـ ــتمد حق ـ ــه فيه ـ ــا م ـ ــن الق ـ ــانون مباشـ ـ ـرة ،أو يس ـ ــتند فيه ـ ــا ال ـ ــى س ـ ــند
ذات ــي ويطال ــب فيه ــا بـ ـأثر م ــن آث ــار المرك ــز الق ــانوني ال ــذي أنشـ ـأه ذل ــك الس ــند .والس ــند ال ــذاتي ه ــو العق ــد أو
الواقعــ ـ ـ ــة القانونيــ ـ ـ ــة للق ـ ـ ـ ـ ـرار اإلداري أو العمـ ـ ـ ـ ــل المـ ـ ـ ـ ــادي الص ـ ـ ـ ــادر عـ ـ ـ ـ ــن اإلدارة( ،)4أو الحكــ ـ ـ ــم القضـ ـ ـ ـ ــائي
الصادر في منازعة ذاتية(.)5
-9يتنـ ــاول القض ـ ــاء اإلداري بالنس ـ ــبة ل ـ ــدعوى التع ـ ــويض إل ـ ــى جان ـ ــب بح ـ ــث مش ـ ــروعية القــ ـرار التصـ ـ ـدي
لجانـ ــب المالءمـ ــة فـ ــي إصـ ــدار الق ـ ـرار ،بمعنـ ــى أنـ ــه إذا كـ ــان مـ ــن حـ ــق اإلدارة اختيـ ــار وقـ ــت إصـ ــدار الق ـ ـرار
مـ ـ ــثال ،ف ـ ـ ـإن عليهـ ـ ــا أن تصـ ـ ــدره فـ ـ ــي وقـ ـ ــت معقـ ـ ــول ،حتـ ـ ــى ال يضـ ـ ــار صـ ـ ــاحب الش ـ ـ ـأن مـ ـ ــن الت ارخ ـ ـ ـي فـ ـ ــي
إصداره(.)6
-6للحكـ ــم الص ـ ـادر فـ ــي دعـ ــوى اإللغـ ــاء حجي ـ ـة مطلقـ ــة ،بمعنـ ــى أن ــه يتعـ ــدى طرفـ ــي الـ ــدعوى ،فهـــو ينف ـ ـذ
ف ــي مواجهـ ــة كافـ ــة أط ـ ـراف الـ ــدعوى والغيـ ــر .فـ ــي حـــين أن الحكـ ــم الصـ ــادر فـ ــي دع ــوى التعـ ــويض لـــه حجـ ــة
نس ــبية تقتص ــر علـ ــى أطـ ـراف الن ـ ـزاع وال تتع ــدى الغيـ ــر ،غي ــر أن ذل ــك ال يح ــول دون قي ــام هـــذا الغي ــر برفـ ــع
دعوى تعويض عن األضرار التي تكون قد أصابته هو اآلخر.
م ـ ــن أج ـ ــل ض ـ ــمان رف ـ ــع دع ـ ــوى التع ـ ــويض أم ـ ــام الجه ـ ــات القض ـ ــائية ال ب ـ ــد عل ـ ــى ك ـ ــل متض ـ ــرر أو
رافع للدعوى ،أن يلتزم بهذه الشروط ،والمتمثلة في:
-1المصلحة
يشـ ـ ــترط فـ ـ ــي دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض مصـ ـ ــلحة فـ ـ ــي ارفـ ـ ــع الـ ـ ــدعوى ،ألنهـ ـ ــا ذات منفعـ ـ ــة وفائـ ـ ــدة للمـ ـ ــدعي
تس ـ ــاعده ف ـ ــي عملي ـ ــة اإللتج ـ ــاء إل ـ ــى الجه ـ ــات القض ـ ــائية للمطالب ـ ــة بحقوق ـ ــه والتع ـ ــويض ع ـ ــن األضـ ـ ـرار الت ـ ــي
أصـ ــابته .ويتحقـ ــق شـ ــرط المصـ ــلحة فـ ــي المتقاضـ ــى عنـ ــدما يكـ ــون هنـ ــاك مركـ ــز قـ ــانوني ثابـ ــت وذاتـ ــي إلـ ــى
جانـ ــب حـ ــق مكتس ـ ـب معلـ ــوم وثابـ ــت فـ ــي إطـ ــار النظـ ــام القـ ــانوني المتبـ ــع فـ ــي الدولـ ــة ،علـ ــى أن يكـ ــون هـ ــذا
الحـ ــق قـ ــد وقـ ــع عليـ ــه اعتـ ــداء مـ ــن قبـ ــل اإلدارة ،ويـ ــؤدي إلـ ــى الت ـ ـأثير علـ ــى المركـ ــز القـ ــانوني للموظـ ــف ،لـ ــذا
يشترط القانون في المصلحة أن تكون شخصية ومباشرة وحالة(.)1
-2الصفة
تعنـ ـ ــي الصـ ـ ــفة فـ ـ ــي دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض أن ترفـ ـ ــع مـ ـ ــن طـ ـ ــرف صـ ـ ــاحب المركـ ـ ــز القـ ـ ــانوني الـ ـ ــذاتي أو
الح ـ ـ ــق الشخص ـ ـ ــي المكتس ـ ـ ــب ،سـ ـ ـ ـواء ك ـ ـ ــان شخص ـ ـ ــيا أو نائب ـ ـ ــه أو وكيل ـ ـ ــه الق ـ ـ ــانوني أو الق ـ ـ ــيم أو الوص ـ ـ ــي
عليه(.)2
إن ميع ـ ــاد األربع ـ ــة أش ـ ــهر المنصــ ــوص عليه ـ ــا ف ـ ــي المــ ــادتين 821و 132م ـ ــن ق ـ ــانون اإلج ـ ـ ـراءات
المدنيـ ـ ـ ــة واإلداريـ ـ ـ ــة المتعلقـ ـ ـ ــة بالطلـ ـ ـ ــب القضـ ـ ـ ــائي إللغـ ـ ـ ــاء الق ـ ـ ـ ـ اررات اإلداريـ ـ ـ ــة ،ال يسـ ـ ـ ــري علـ ـ ـ ــى طلبـ ـ ـ ــات
التع ــويض الت ــي يج ــوز رفعه ــا م ــا دام الح ــق ل ــم يس ــقط ف ــي إقامته ــا طبق ــا للقواع ــد العام ــة ،ويع ــود ذل ــك إل ــى
أن طلـ ـ ـ ــب التعـ ـ ـ ــويض منـ ـ ـ ــوط بوقـ ـ ـ ــوع الضـ ـ ـ ــرر والـ ـ ـ ــذي ال يترتـ ـ ـ ــب حتمـ ـ ـ ــا علـ ـ ـ ــى نشـ ـ ـ ــر الق ـ ـ ـ ـرار االداري أو
تبليغه( ،)3بل أن الضرر يترتب على تنفيذ القرار(.)4
-1عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري ،اجلزء الثاين ،املرجع السابق ،ص .911 -932
- 2املرجع نفسه ،ص .929 -929
- 3فارة مساح ،املقال السابق ،ص .31
- 4وقد كانت الفرصة جمللس الدولة اجلزائري ،أن تعرض ملسالة ميعاد رفع دعوى التعويض يف قراره الصادر ب .2336/1/01 :وواضح من خالله أنه
جعل ميعاد الطعن القضائي يف دعوى التعويض قائما بقيام مدة حياة احلق .انظر يف ذلك - :حلسني بن شيخ آث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة،
اجلزء األول ،دارهومه ،اجلزائر ،2332،ص .12
ثالثا :شرط ذكر مبلغ التعويض في الطلب القضائي
يشـ ــترط أن يـ ــتم تقـ ــدير التعـ ــويض مـ ــن جانـ ــب الضـ ــحية أو ذوي الحقـ ــوق ،ويترتـ ــب علـ ــى عـ ــدم تقـ ــدير
المبل ـ ـ ــغ رف ـ ـ ــض ال ـ ـ ــدعوى القض ـ ـ ــائية ،و ق ـ ـ ــد أش ـ ـ ــارت الغرف ـ ـ ــة اإلداري ـ ـ ــة بالمحكم ـ ـ ــة العلي ـ ـ ــا س ـ ـ ــابقا إل ـ ـ ــى ذل ـ ـ ــك
بقولهــا " :حيـــث أنـــه و قبـــل تعـــويض الضـــرر يشـــترط تقـــديره و يشـــمل هـــذا التقـــدير تحديـــد مجـــال الضـــرر
و كذلك تقييمه المالي"(.)1
م ـ ـ ــن خ ـ ـ ــالل اس ـ ـ ــتقراء بع ـ ـ ــض القض ـ ـ ــايا الت ـ ـ ــي عرض ـ ـ ــت عل ـ ـ ــى مجل ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة الج ازئ ـ ـ ــري ،نج ـ ـ ــدها
()2
متضمنة لمبلغ التعويض.
تج ـ ــدر اإلش ـ ــارة إل ـ ــى أن القاض ـ ــي اإلداري إذا ك ـ ــان يتمت ـ ــع بحري ـ ــة واس ـ ــعة ف ـ ــي تقي ـ ــيم الض ـ ــرر القاب ـ ــل
للتعـ ـ ــويض ،ف ـ ـ ـإن إرادة المشـ ـ ــرع و إرادة األط ـ ـ ـراف تسـ ـ ــتطيع أن تضـ ـ ــع لهـ ـ ــا حـ ـ ــدودا ،إذ ال يمكـ ـ ــن للقاضـ ـ ــي
اإلداري أن يم ـ ــنح تعويض ـ ــا يفـ ـ ـوق التع ـ ــويض المح ـ ــدد م ـ ــن قب ـ ــل المش ـ ــرع ف ـ ــي قض ـ ــايا معين ـ ــة ،كم ـ ــا تش ـ ــكل
إرادة الضـ ـ ــحية حـ ـ ــدا لحريـ ـ ــة القاضـ ـ ــي بتحديـ ـ ــدها الحـ ـ ــد األقصـ ـ ــى للتعـ ـ ــويض ،ذلـ ـ ــك أن القاضـ ـ ــي ال يحكـ ـ ــم
()3
بأكثر مما يطلبه الخصوم.
الفرع الثالث
لقـ ـ ــد اختلـ ـ ــف الفقـ ـ ــه ح ـ ـ ـول تحديـ ـ ــد أسـ ـ ــاس المسـ ـ ــؤولية اإلداريـ ـ ــة ،أو ب ـ ـ ـاألحرى أسـ ـ ــاس تحمـ ـ ــل اإلدارة
التع ـ ــويض ع ـ ــن األضـ ـ ـرار الت ـ ــي يرتكبه ـ ــا موظفوه ـ ــا و أعوانه ـ ــا ،فم ـ ــنهم م ـ ــن يعتب ـ ــر أن الخط ـ ــأ و المخ ـ ــاطر
مـ ـ ــن شـ ـ ــروط المسـ ـ ــؤولية وليسـ ـ ــت أساس ـ ـ ـا لهـ ـ ــا ،أمـ ـ ــا أساسـ ـ ــها فـ ـ ــيكمن فـ ـ ــي مبـ ـ ــدأ المسـ ـ ــاواة أمـ ـ ــام األعبـ ـ ــاء
1
-رشيد خلويف ،قانون املسؤولية اإلدارية :شروط قبول دعوى جتاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر 1119،ص
.102
- 2انظر :حلسني بن شيخ آث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،املرجع السابق ،ص ،11و ص 131و ص .202
3
- voir : www. arpe- paca.org. et : www.Fr.wikepedia.org/laresp.De l’ad francaise.
العام ـ ــة( ،)1وم ـ ــنهم م ـ ــن يعتب ـ ــر الخطـ ـ ـأ والمخ ـ ــاطر ه ـ ــي أس ـ ــس المس ـ ــؤولية االداري ـ ــة( ،)2وه ـ ــو الموق ـ ــف ال ـ ــذي
تبناه القضاء اإلداري الجزائري و المقارن.
تبع ـ ــا ل ـ ــذلك ت ـ ــم تص ـ ــنيف المس ـ ــؤولية االداري ـ ــة إل ـ ــى مس ـ ــؤولية إداري ـ ــة خطئي ـ ــة ومس ـ ــؤولية إداريـ ـ ـة غي ـ ــر
خطئيـ ـ ـة ،وذل ـ ــك م ـ ــا سنفص ـ ــل الح ـ ــديث عن ـ ــه فيم ـ ــا يـ ـ ـأتي ،مركـ ـ ـزين عل ـ ــى نط ـ ــاق الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة بص ـ ــفة
خاصة دون باقي التفاصيل التي ال تتصل بموضوع دراستنا :
لقـ ــد كـ ــان هـ ــذا النـ ــوع مـ ــن المسـ ــؤولية اإلداريـ ــة أول مـ ــا تكـ ــرس فـ ــي إجتهـ ــاد القضـ ــاء اإلداري ،ذلـ ــك أن
()3
ف ـ ـ ــي تنظيم ـ ـ ــه أو تس ـ ـ ــييره، مس ـ ـ ــؤولية اإلدارة العام ـ ـ ــة ال تق ـ ـ ــوم إال ع ـ ـ ــن النش ـ ـ ــاط الخ ـ ـ ــاطة للمرف ـ ـ ــق الع ـ ـ ــام
وسـ ـ ـواءا ك ـ ــان مص ـ ــدر المس ـ ــؤولية عم ـ ــال مادي ـ ــا أو عم ـ ــال قانوني ـ ــا ،ف ـ ــي ص ـ ــورة ع ـ ــدم أداء مهام ـ ــه أو تـ ـ ـأخره
فيها أو إهماله ...فالخطأ مناط المسؤولية اإلدارية الذي ال تقوم إال به(.)4
واذا كان ـ ــت المس ـ ــؤولية اإلداري ـ ــة القض ـ ــائية تش ـ ــترك م ـ ــع المس ـ ــؤولية المدني ـ ــة ف ـ ــي قيامه ـ ــا عل ـ ــى ثالث ـ ــة
أركـ ـ ــان أال وهـ ـ ــي الخط ـ ـ ـأ ،الضـ ـ ــرر ،والعالقـ ـ ــة السـ ـ ــببية( ،)5إال أننـ ـ ــا ارتأينـ ـ ــا أن نسـ ـ ــلط الضـ ـ ــوء علـ ـ ــى ركـ ـ ــن
الخطأ فقط ،نظ ار لصلته الوثيقة بموضوع السلطة التقديرية لإلدارة.
وعلينـ ــا أن نن ـ ــوه بـ ـ ـأن الخطـ ـ ـأ نوع ـ ــان :خطـ ـ ـأ شخص ـ ــي وآخ ـ ــر مرفق ـ ــي ،فأم ـ ــا الخطـ ـ ـأ الشخص ـ ــي :فه ـ ــو
الخط ـ ـ ـأ الـ ـ ــذي ينسـ ـ ــب إلـ ـ ــى الموظـ ـ ــف ،وتتحقـ ـ ــق بـ ـ ــذلك مسـ ـ ــؤوليته الشخص ـ ــية ،فيكـ ـ ــون هـ ـ ــذا الموظـ ـ ــف هـ ـ ــو
المسـ ـ ــؤول وحـ ـ ــده عـ ـ ــن األض ـ ـ ـرار التـ ـ ــي نتجـ ـ ــت عـ ـ ــن هـ ـ ــذا الخط ـ ـ ـأ ،وعليـ ـ ــه أن يـ ـ ــدفع التعـ ـ ــويض مـ ـ ــن ذمتـ ـ ــه
- 1من هؤالء جند األستاذ " أمحد حميو " الذي يقول " :يف احلقيقة ميكن التساؤل فيما إذا كان من غري اجملدي البحث عن مبدأ عام وموحد لتأسيس
املسؤولية اإلدارية ،أليس هذا بالتأكيد جمرد وشكلي عندما نقول مبساواة مجيع األفراد أمام األعباء العامة ،إن التمعن يف اجملتمع يظهر لنا بأنه يتضح بعدم
مساواة أكثر من املساواة " .انظر مؤلفه :املنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،جامعة اجلزائر ،2338،ص .120
- 2من هؤالء جند األستاذ مسعود شيهوب ،املسؤولية عن املخاطر ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2333 ،وكذلك مؤلفه :املسؤولية عن اإلخالل
مبدأ املساواة وتطبيقاهتا يف القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ،دبوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.2333 ،
3
-Rachid zouaimia et Marie christine Rouault , droit administrattif, Berti editoin, 2009, p 295.
- 4ملزيد من التفاصيل حول املسؤولية اخلطئية .انظر :فارة مساح ،املسؤولية اإلدارية عن اخلطأ املرفقي ،دراسة مقارنة،مذكرة ماجستري ،كلية احلقوق ،قاملة ،
.2336
- 5حممد رفعت عبد الوهاب ،القضاء اإلداري ،دار املطبوعات اجلديدة ،اإلسكندرية ،2333 ،ص .180
الشخص ــية( .)1أمـ ــا الخط ـ ـأ المرفقـ ــي ،فهـــو الخطـ ـأ الـ ــذي ينســـب إلـ ــى المرف ــق ،حت ــى ول ــو ك ــان الـ ــذي قـ ــام بـــه
ماديا أحد الموظفين ،إذا لم يعتبر الخطأ شخصيا(.)2
وسنتناول فيما يأتي صور هذا الخطأ ،وتأثيره على مشروعية الق اررات اإلدارية.
إن األفعـ ـ ــال المكونـ ـ ــة للخط ـ ـ ـأ المرفقـ ـ ــي ،هـ ـ ــي تلـ ـ ــك األفعـ ـ ــال التـ ـ ــي يتجس ـ ـ ـد فيه ـ ـ ـا الخط ـ ـ ـأ ،والتـ ـ ــي
ت ـ ــؤدي إل ـ ــى إح ـ ــداث األضـ ـ ـرار .ويمك ـ ــن رد األفع ـ ــال الت ـ ــي تك ـ ــون الخطـ ـ ـأ المرفق ـ ــي حس ـ ــب تقس ـ ــيم الفقي ـ ــه
"دوي ــز" ،وال ــذي م ــا زال يأخ ــذ ب ــه فق ــه الق ــانون الع ــام ومجل ــس الدول ــة الفرنس ــي ،إل ــى ث ــالث فئ ــات كب ــرى،
تمث ـ ــل ف ـ ــي ذات الوق ـ ــت التط ـ ــور الت ـ ــاريخي لقض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ف ـ ــي ه ـ ــذا الص ـ ــدد ،وتتمث ـ ــل
ف ــي أداء المرف ــق للخدم ــة عل ــى وج ــه س ــيء أو ع ــدم تأديت ــه له ــذه الخدم ــة ،أو أدائه ــا ببط ــة ش ــديد يف ــوق
المعقول.
ينـ ــدرج تحـ ــت هـ ــذه التسـ ــمية جميـ ــع األعمـ ــال اإليجابيـ ــة الصـ ــادرة عـ ــن المرفـ ــق العـ ــام والمنطويـ ــة علـ ــى
خط ـ ـأ ،وح ـ ــاالت المس ـ ــؤولية م ـ ــن ه ـ ــذا القبي ـ ــل ه ـ ــي التـ ــي أقره ـ ــا القض ـ ــاء ف ـ ــي أول األم ـ ــر ،ويمك ـ ــن تص ـ ــنيفها
إلى أعمال مادية وأعمال قانونية:
ق ــد ينشـ ـأ الض ــرر ع ــن عم ــل ص ــادر م ــن أح ــد الم ــوظفين أو األعـ ـوان وه ــو ي ــؤدي واجب ــه عل ــى وجـــه
سـ ــيء ،كمـ ــا لـ ــو كـ ــان أحـ ــد الجنـ ــود يطـ ــارد ثـ ــو ار هائجـ ــا فـ ــي الطريـ ــق العـ ــام وأطلـ ــق عليـ ــه رصاصـ ــة فجرحـ ــت
أح ـ ــد األف ـ ـ ـراد وهــ ــو داخـ ـ ــل منزلــ ــه )3(.وقــ ــد يك ـ ــون الضـ ـ ــرر ناش ـ ــئا ع ـ ــن أش ـ ــياء أو حيوان ـ ــات تملكهـ ـ ــا اإلدارة،
كإهمـ ــال خيـ ــل مملوكـ ــة لهـ ــا فتـ ــؤدي إلـ ــى إحـ ــداث أض ـ ـرار بـ ــاألفراد( .)4وقـ ــد يكـ ــون مرجـ ــع الضـ ــرر إلـ ــى سـ ــوء
تنظيم المرفق العام.
1
-لقد وضعت عدة معايري لتمييز وحتديد اخلطأ الشخصي .انظر يف ذلك :رشيد خلويف ،قانون املسؤولية االدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،
،1119ص .13
-حسني فررحية ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها ،جملة جملس الدولة ،العدد اخلامس ،2339 ،ص 02وما بعدها.
- 2سليمان حممد الطماوي ،دروس يف القضاء اإلداري ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،1129 ،ص .032
3
-قضية توماس جركيو سنة ،1136انظر :سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،قضاء التعويض ،دار الفكر اجلامعي ،القاهرة،
،3669ص .122
- 4املرجع نفسه ،ص .122
وقـ ــد أخـ ــذ القضـ ــاء اإلداري المصـ ــري بهـ ــذا التقسـ ــيم فـ ــي أحكامـ ــه ،ومـ ــن ذلـ ــك الحكـ ــم بـ ــالتعويض عـ ــن
واقعة حجز مواطن خالفا للقانون(.)1
بالنس ـ ـ ــبة للخطـ ـ ـ ـأ الق ـ ـ ــانوني ،فإن ـ ـ ــه يق ـ ـ ــع عن ـ ـ ــد قي ـ ـ ــام اإلدارة بـ ـ ـ ـإجراءات تح ـ ـ ــدث ض ـ ـ ــر ار ب ـ ـ ــاألفراد ،دون
وج ـ ــود س ـ ــند ق ـ ــانوني .كم ـ ــا ل ـ ــو تعجل ـ ــت اإلدارة ف ـ ــي تنفي ـ ــذ حك ـ ــم قض ـ ــائي أو طبق ـ ــت اإلدارة الق ـ ــانون تطبيق ـ ــا
خاطئ ـ ـ ـ ــا ،أو قي ـ ـ ـ ــام اإلدارة بتقيي ـ ـ ـ ــد نش ـ ـ ـ ــاط أح ـ ـ ـ ــد المح ـ ـ ـ ــالت التجاري ـ ـ ـ ــة دون أس ـ ـ ـ ــاس ق ـ ـ ـ ــانوني و بالمخالف ـ ـ ـ ــة
للقانون(.)2
وم ـ ــن تطبيق ـ ــات ه ـ ــذه الحال ـ ــة ف ـ ــي القض ـ ــاء الج ازئ ـ ــري ،نج ـ ــد قـ ـ ـرار الغرف ـ ــة االداري ـ ــة بالمحكم ـ ــة العلي ـ ــا
فـ ـ ـ ــي قضـ ـ ـ ــية "بـ ـ ـ ــن مشـ ـ ـ ــيش" فيمـ ـ ـ ــا يتعلـ ـ ـ ــق بمكافحـ ـ ـ ــة الح ارئـ ـ ـ ــق" :حيـــــــــث أنـــــــــه يـــــــــنجم مـــــــــن الملـــــــــف
أن الظروف التي تمت فيها مكافحة الحريق تبين نقص في الوسائل"(.)3
وينطـ ـ ــوي تحـ ـ ــت هـ ـ ــذه الصـ ـ ــورة إمتنـ ـ ــاع اإلدارة عـ ـ ــن أداء واجـ ـ ــب يـ ـ ــرى مجلـ ـ ــس الدولـ ـ ــة أنهـ ـ ــا ملزمـ ـ ــة
قانون ـ ــا بأدائ ـ ــه ،إذا ك ـ ــان م ـ ــن شـ ـ ـأن ه ـ ــذا اإلمتن ـ ــاع أن يص ـ ــيب األفـ ـ ـراد بالض ـ ــرر .إذ أن المس ـ ــؤولية هن ـ ــا ال
تق ـ ــوم عل ـ ــى أس ـ ــاس فع ـ ــل إيج ـ ــابي ض ـ ــار ص ـ ــادر ع ـ ــن المرف ـ ــق مث ـ ــل الحال ـ ــة األول ـ ــى ،ولك ـ ــن عل ـ ــى أسـ ـ ـاس
موقف سلبي وقفته اإلدارة بإمتناعها عن إتيان تصرف معين(.)4
وهـ ــذه الصـ ــورة حديثـ ــة نسـ ــبيا ،وترجـ ــع إلـ ــى تبلـ ــور األفكـ ــار الخاصـ ــة بتسـ ــيير الم ارفـ ــق العامـ ــة ،واتسـ ــاع
رقاب ـ ـ ــة القض ـ ـ ــاء اإلداري إزاء الس ـ ـ ــلطة التقديري ـ ـ ــة ل ـ ـ ــإلدارة ،فس ـ ـ ــلطات اإلدارة ل ـ ـ ــم تع ـ ـ ــد إمتي ـ ـ ــا از له ـ ـ ــا تباش ـ ـ ــرها
كيفم ـ ــا تش ـ ــاء ومت ـ ــى أرادت ،ولكنه ـ ــا واج ـ ــب عل ـ ــى الموظ ـ ــف يؤدي ـ ــه بك ـ ــل أمان ـ ــة وم ـ ــع حرص ـ ــه الت ـ ــام عل ـ ــى
المصـ ـ ــلحة العامـ ـ ــة ،وال يصـ ـ ــدق ذلـ ـ ــك علـ ـ ــى اإلختصاصـ ـ ــات المقيـ ـ ــدة فحس ـ ـ ـب ولكنـ ـ ــه يسـ ـ ــري أيضـ ـ ــا علـ ـ ــى
اإلختصاصات التقديرية(.)5
وبه ـ ــذه الكيفي ـ ــة إس ـ ــتطاع القض ـ ــاء اإلداري أن يم ـ ــد رقابت ـ ــه بطريق ـ ــة غي ـ ــر مباشـ ـ ـرة إل ـ ــى كيفي ـ ــة مزاول ـ ــة
اإلدارة لسـ ـ ــلطاتها التقديريـ ـ ــة .ف ـ ـ ـإذا كـ ـ ــان مـ ـ ــن المسـ ـ ــلم بـ ـ ــه أن القضـ ـ ــاء اإلداري ال يسـ ـ ــتطيع أن ي ـ ـ ـأمر اإلدارة
ب ـ ـأن تتـ ــدخل لمواجهـ ــة حالـ ــة معينـ ــة أو أن تتصـ ــرف علـ ــى نحـ ــو مع ـ ـين إذا كـ ــان القـ ــانون قـ ــد تـ ــرك لهـ ــا حريـ ــة
- 1فارة مساح ،املسؤولية اإلدارية عن اخلطأ املرفقي ،دراسة مقارنة ،مذكرة ماجستري ،كلية احلقوق ،قاملة ،2336 ،ص .03
- 2املرجع نفسه ،ص 03و .01
- 3رشيد خلويف ،قانون املنازعات االدارية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1119 ،ص .21
-4عمار عوابدي ،نظرية املسؤولية اإلدارية ،الطبعة الثالثة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2332 ،ص .160
- 5سليمان حممد الطماوي ،قضاء التعويض ،املرجع السابق ،ص .129
الت ـ ــدخل و إختيـ ـ ــار الوســ ــيلة ،ف ـ ـ ـإن القضــ ــاء اإلداري إســ ــتطاع أن ي ارق ـ ــب اإلدارة ف ـ ــي ه ـ ــذا المجــ ــال بطريقــ ــة
غي ـ ــر مباش ـ ـ ـرة ،وذلـ ـ ــك إذا زاولــ ــت إختصاصـ ـ ــها التقـ ـ ــديري علــ ــى نحـ ـ ــو يلحـ ـ ــق ب ـ ــاألفراد أض ـ ـ ـ ار ار بـ ـ ــدون وجـ ـ ــه
حق ،حتى ولو كان عمل اإلدارة اليندرج تحت وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة(.)1
وتتحقـ ـ ــق صـ ـ ــورة عـ ـ ــدم أداء الخدمـ ـ ــة فـ ـ ــي القضـ ـ ــاء الج ازئـ ـ ــري فـ ـ ــي قضـ ـ ــية "بلقاسـ ـ ــمي " ضـ ـ ــد وزيـ ـ ــر
الع ــدل س ــنة " ،1122حيــــث أن إهمــــال كاتــــب الضــــبط تنــــدرج ضــــمن أعمالــــه المهنيــــة كموظــــف ،ونظــــر
ـــرر للســــيد " بلقاســــمي" كخطــــأ
قاضــــي الغرفــــة االداريــــة بالمحكمــــة العليــــا لهــــذا العمــــل الــــذي ســــبب ضـ ا
مرفقي لعدم سير مرفق القضاء"(.)2
فـ ــي هـ ــذه الحالـ ــة تس ـ ـأل اإلدارة العامـ ــة إذا تباط ـ ـأت أكثـ ــر مـ ــن الـ ــالزم فـ ــي أداء الخـ ــدمات ،إذا لحـ ــق
األفــ ـراد ض ـ ــرر م ـ ــن جـ ـ ـراء ه ـ ــذا التـ ـ ـأخير( ،)3حي ـ ــث اعتب ـ ــر تعس ـ ــفا ف ـ ــي إس ـ ــتعمال اإلدارة لحقه ـ ــا ف ـ ــي إختي ـ ــار
وق ـ ــت الت ـ ــدخل( .)4واذا ك ـ ــان م ـ ــن المس ـ ــلم ب ـ ــه أن إختي ـ ــار الوق ـ ــت ه ـ ــو م ـ ــن أب ـ ــرز أرك ـ ــان الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة
ل ـ ــإلدارة ،وأن ـ ــه اليمك ـ ــن أن يس ـ ــتمد من ـ ــه س ـ ــبب لإللغ ـ ــاء ،فـ ـ ـإن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي حرص ـ ــا من ـ ــه عل ـ ــى
حماية األفراد ،قد أخضع هذا الجانب من نشاط اإلدارة لرقابته في مجال قضاء التعويض(.)5
ومـ ــن تطبيقـ ــات القضـ ــاء الج ازئـ ــري لهـ ــذه الصـ ــورة ،نجـ ــد قضـ ــية " حميـ ــدوش " سـ ــنة " :1199حيـــــث
أن اإلدارة توظــــف شخصــــا فــــي ظــــروف غيــــر نظاميــــة ،ثــــم تنتظــــر ثمــــاني ســــنوات لكــــي تالحــــظ ذلــــك
وتصــــحح التــــدبير ،رفــــع النــــزاع إلــــى المجلــــس األعلــــى الــــذي صــــرح بــــأن هــــذا التــــأخير يشــــكل خطــــأ
مصلحيا لمسؤولية اإلدارة"(.)6
- 1هلذا كثريا ما حيكم جملس الدولة الفرنسي باملسؤولية عن إمتناع اإلدارة عن القيام بتصرفات معينة مل يكن ليحكم بعدم مشروعيتها لو أثريت أمامه عن
طريق قضاء اإللغاء .مثل إمتناع اإلدارة عن تنفيذ القوانني واللوائح ،وكذا امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء .أنظر :سليمان حممد الطماوي ،دروس يف
القضاء اإلداري ،املرجع السابق ،ص .129
- 2رشيد خلويف ،املرجع السابق ،ص.22
- 3سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،املرجع السابق ،ص.103
- 4فارة مساح ،املذكرة السابقة ،ص.00
- 5ليس املقصود هنا أن يكون القانون قد حدد ميعادا جيب على اإل دارة أن تؤدي خدماهتا خالله ،ألن هذا يندرج حتت الصورة الثانية من حاالت
املسؤولية .ولكن املقصود هنا أن تكون االدارة غري مقيدة مبدة معينة ،ومع ذلك تبطىء أكثر من الالزم وبغري مربر مقبول .وإذا كان إختيار الوقت هو أبرز
أركان السلطة التقديرية لإلدارة ،حبيث ال ميكن أن يستمد منه سبب لإللغاء .فإن قواعد العدالة ومحاية حقوق األفراد تتطلب أن خيضع هذا اجلانب من
نشاط اإلدارة لرقابته يف جمال التعويض .وهذا ما أقره جملس الدولة الفرنسي .أنظر - :سليمان حممد الطماوي ،الكتاب الثاين ،املرجع السابق ،ص .166
-6أمحد حميو ،املرجع السابق ،ص 216و .213
-2الخطا المرفقي في الق اررات االدارية
األص ـ ـ ـ ــل أن ع ـ ـ ـ ــدم مش ـ ـ ـ ــروعية القـ ـ ـ ـ ـرار اإلداري يك ـ ـ ـ ــون فع ـ ـ ـ ــال خاطئ ـ ـ ـ ــا ،وه ـ ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ــي الحقيق ـ ـ ـ ــة خطـ ـ ـ ـ ـأ
مصـ ـ ــلحي( ،)1ألن أول واجـ ـ ــب يقـ ـ ــع عـ ـ ــن المرفـ ـ ــق العـ ـ ــام أن يحتـ ـ ــرم الق ـ ـ ـوانين العامـ ـ ــة ،ف ـ ـ ـإذا قـ ـ ــام الموظـ ـ ــف
المش ــرف علي ــه بإتخـ ــاذ قـ ـرار غيـ ــر مش ــروع ،يكـــون المرف ــق قـــد خ ــرج ع ــن أول واجبات ــه وبالتـــالي أت ــى عمـــال
إيجابيا ضا ار يستوجب مسؤولية اإلدارة(.)2
واذا كانـ ـ ــت العيـ ـ ــوب التـ ـ ــي تص ـ ـ ـيب المشـ ـ ــروعية هـ ـ ــي عيـ ـ ــب الشـ ـ ــكل ،عـ ـ ــدم االختصـ ـ ــاص ،مخالفـ ـ ــة
الق ـ ــانون واإلنح ـ ـ ـراف بالسـ ـ ــلطة ،ف ـ ـ ـإن هنـ ـ ــاك بعــ ــض أوجــ ــه عــ ــدم المشـ ـ ــروعية تول ـ ــد مس ـ ـ ـؤولية اإلدارة بشـ ـ ــكل
دائ ـ ــم ،وقداش ـ ــترط القض ـ ــاء اإلداري إلمك ـ ــان تحق ـ ــق ه ـ ــذه المسـ ـ ـؤولية أن يك ـ ــون الخطـ ـ ـأ ال ـ ــذي تحتـ ـ ـوي علي ـ ــه
فكرة عدم المشروعية له بعض صفات الجسامة(.)3
وتبعـ ـ ــا لمعي ـ ـ ــار جسـ ـ ــامة الخطـ ـ ـ ـأ ،قـ ـ ــرر مجل ـ ـ ــس الدولـ ـ ــة الفرنس ـ ـ ــي أن عيـ ـ ــب الغاي ـ ـ ــة وعيـ ـ ــب المح ـ ـ ــل
يول ـ ــدان دائم ـ ــا مسـ ـ ـؤولية االدارة ،ألن ع ـ ــدم المش ـ ــروعية ف ـ ــي ه ـ ــذين ال ـ ــوجهين يتص ـ ــف بالجس ـ ــامة الت ـ ــي تول ـ ــد
المسـ ــؤولية ،بينمـ ــا يكـ ــون الخط ـ ـأ الـ ــذي تتصـ ــف بـ ــه األوجـ ــه األخـ ــرى غيـ ــر دائـ ــم الجسـ ــامة إلـ ــى حـ ــد تقريـ ــر
المسؤولية بصفة دائمة(.)4
لقـ ـ ـ ــد اعتـ ـ ـ ــرف مجلـ ـ ـ ــس الدولـ ـ ـ ــة الفرنسـ ـ ـ ــي بنظريـ ـ ـ ــة المخـ ـ ـ ــاطر فـ ـ ـ ــي قضـ ـ ـ ــية "الكونـ ـ ـ ــت" ،بشـ ـ ـ ــأن
مس ـ ــؤولية مص ـ ــالح الش ـ ــرطة عل ـ ــى أس ـ ــاس المخ ـ ــاطر بت ـ ــاريخ 29يوني ـ ــو .1191حي ـ ــث أنشـ ـ ـأ نوع ـ ــا آخ ـ ــر
م ـ ــن المس ـ ــؤولية اإلداري ـ ــة ال عالق ـ ــة ل ـ ــه بفكـ ـ ـرة الخطـ ـ ـأ ،بمعن ـ ــى أن ـ ــه ق ـ ــرر مب ـ ــدأ التع ـ ــويض ع ـ ــن أضـ ـ ـرار
نجم ـ ــت ع ـ ــن تص ـ ــرف مش ـ ــروع م ـ ــن جان ـ ــب اإلدارة وال تش ـ ــوبه ش ـ ــائبة .فأق ـ ــام المس ـ ــؤولية علـ ـ ـى الض ـ ــرر
الواق ـ ــع م ـ ــن المرف ـ ــق الع ـ ــام ،وأس ـ ــاس المس ـ ــؤولية هن ـ ــا ه ـ ــي فكـ ـ ـرة الغ ـ ــرم ب ـ ــالغنم أو مس ـ ــاواة األفـ ـ ـراد أم ـ ــام
التك ـ ــاليف العام ـ ــة .إذ يج ـ ــب علـ ـ ـى الجماع ـ ــة أن تتحم ـ ــل مخ ـ ــاطر النش ـ ــاط االداري إذام ـ ــا أص ـ ــاب بع ـ ــض
األفـ ـ ـراد أضـ ـ ـرار ،ألن اإلدارة م ـ ــا قام ـ ــت ب ـ ــه إال لص ـ ــالحهم ،فيج ـ ــب أال يتحم ـ ــل غرم ـ ــه أفـ ـ ـراد قالئ ـ ــل م ـ ــن
بينهم وانما يجب أن تتوزع أعباؤه على الجميع( ،)5وهذا األساس يستبعد تماما فكرة الخطأ(.)6
1
- Réné chapus , droit administratif, tome 1, 9 eme édition , montchrestien, 1995, p 1137.
- 2سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،قضاء التعويض ،دار الفكر اجلامعي ،القاهرة،1119،ص ،109وحمسن خليل ،القضاء
االداري ،دون بلد النشر ،الدار اجلامعية ،دون تاريخ ،ص.101
-3حممد رفعت عبد الوهاب ،القضاءاإلداري :الكتاب الثاين ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،2330،ص.223
-4املرجع نفسه ،ص .223ولإلطالع على تطبيقات القضاء اجلزائري يف هذا اجملال ،أنظر :فارة مساح ،املذكرة السابقة ،ص .93
-5فارة مساح ،املقال السابق ،ص.9
- 6سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،املرجع السابق ،1119،ص.121
وي ـ ـ ــرى غالبي ـ ـ ــة الفق ـ ـ ــه تبع ـ ـ ــا ل ـ ـ ــذلك أن أس ـ ـ ــاس المس ـ ـ ــؤولية اإلداري ـ ـ ــة غي ـ ـ ــر الخطئي ـ ـ ــة ه ـ ـ ــي فكـ ـ ـ ـرة
المخاطر()1ومبدأ المساواة أمام األعباء العامة(.)2
المالح ـ ــظ أن ه ـ ــذه الح ـ ــاالت ه ـ ــي عب ـ ــارة ع ـ ــن تطبيق ـ ــات لنظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي إس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق
اإلداري ـ ــة .إذ ي ـ ــرى الكثي ـ ــر م ـ ــن الفقه ـ ــاء الفرنس ـ ــين أن نظري ـ ــة التعسـ ـ ـف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة
التق ـ ــوم عل ـ ــي أس ـ ــاس الخطـ ـ ـأ ،فه ـ ــي وان كان ـ ــت تق ـ ــوم علي ـ ــه ف ـ ــي بع ـ ــض األحي ـ ــان إال أنه ـ ــا أوس ـ ــع من ـ ــه
نطاقا ،فاإلدارة تسأل عن الضرر الذي ألحقته باألفراد و لو لم تكن مخطئة(.)3
لـ ـ ــذلك سـ ـ ــنتناول نظريـ ـ ــة التعس ـ ـ ـف فـ ـ ــي اسـ ـ ــتعمال الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة فيمـ ـ ــا ي ـ ـ ـأتي ،باعتبـ ـ ــار هـ ـ ــذه
األخيرة تجد المجال الحقيقي لتطبيقها في نطاق السلطة التقديرية لإلدارة:
لق ـ ــد ث ـ ــار جـ ـ ـدل فقه ـ ــي كبي ـ ــر ف ـ ــي فرنس ـ ــا ح ـ ــول االعتـ ـ ـراف بقي ـ ــام نظري ـ ــة التعسـ ـ ـف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال
الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة كنظري ـ ــة مس ـ ــتقلة ب ـ ــذاتها ومختلفـ ـ ـة ع ـ ــن نظري ـ ــة االنحـ ـ ـراف بالس ـ ــلطة .وم ـ ــن ذل ـ ــك م ـ ــا
ذه ـ ــب إلي ـ ــه الفقه ـ ــاء "دوج ـ ــي" و "بون ـ ــار" ،ب ـ ــل أن ه ـ ــذا األخي ـ ــر ق ـ ــد اعتب ـ ــر أن جمي ـ ــع ح ـ ــاالت التعس ـ ــف
ليس ـ ــت إال ح ـ ــاالت خاص ـ ــة لع ـ ــدم المش ـ ــروعية ،وأن إس ـ ــاءة اس ـ ــتعمال الح ـ ــق م ـ ــا ه ـ ــو إال تطبي ـ ــق لحال ـ ــة
عدم المشروعية(.)4
غي ـ ــر أن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ق ـ ــد اعتب ـ ــر أن ـ ــه ال خ ـ ــالف فيم ـ ــا توص ـ ــل إلي ـ ــه الفقه ـ ــاء ،فيم ـ ــا
تعل ـ ــق بمج ـ ــال قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء ،إذا أمك ـ ــن التس ـ ــليم أن مج ـ ــال النظـ ـ ـريتين واح ـ ــد .أم ـ ــا ف ـ ــي مج ـ ــال قض ـ ــاء
-1األمر الذي أدى باملشرع إىل إصدار جمموعة من التشريعات تنص على قيام املسؤولية االدارية على أساس املخاطر .فقد أصدر املشرع الفرنسي قوانينا
أسست مسؤولية اإلدارة على املخاطر يف بعض احلاالت .ومثال ذلك التشريع الفرنسي الصادر يف عام 3868الذي يقيم املسؤولية على أساس خماطر أو
تبعات احلرفة .وقانون 3636وتشريع عام 3613اللذان يوجبان قيام مسؤولية الدولة إزاء ضحايا احلرب واملصانع احلربية (مصانع الذخرية احلية) ،خماطر
الدفاع الوطين .وقانون عام 3611الذي يقيم املسؤولية على أساس خماطر الطريان .وقانون عام 3615الذي ينص على املسؤولية اإلدارية على أساس
خماطر النشاطات الصناعية ،التجارية والزراعية .وقانون 3619/31/11الذي يعقد مسؤولية اإلدارة على أساس خماطر العمل .باإلضافة اىل جمموعة
التشريعات الالحقة اليت أصدرها املشرع الفرنسي واليت تقرر مسؤولية الدولة عن األضرار النامجة عن الكوارث القومية املختلفة على أساس نظرية املخاطر،
تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي جاء يف ديباجة دستور عام .3619أنظر :عزوز سكينة ،عملية املوازنة بني أعمال الضبط اإلداري واحلريات العامة ،حبث
لنيل شهادة املاجستري ،جامعة اجلزائر ،معهد احلقوق والعلوم اإلدارية3661 ،م ،ص 81ومابعدها.
-2ينظر يف ذلك -:عزوز بلقاسم علي ،املساواة أمام األعباء العامة ،جملة احلقوق اإلدارية ،العدد السادس ،السنة الثانية ،اجلزائر ، 1111 ،ص .11ولقد
تزايد نطاق إعمال املسؤولية دون خطأ يف فرنسا .وذلك بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي الذي ولد أشياء و آالت تزداد خطورهتا مبجرد استعماهلا،
والنتشار فكرة التضامن االجتماعي والتوسع يف مفهوم العدالة .أنظر يف ذلك - :صالح يوسف عبد العليم ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري
للدولة ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،2338،ص.082
-3إبراهيم السيد أمحد ،رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعاوى اإللغاء ،الطبعة األوىل ،مطابع جريدة السفري باإلسكندرية ،1190 ،ص 91و ما
بعدها.
- 4فارة مساح ،املذكرة السابقة ،ص.68
التع ـ ـ ــويض ،فإن ـ ـ ــه ق ـ ـ ــد أق ـ ـ ــر نظري ـ ـ ــة التعس ـ ـ ــف ف ـ ـ ــي إس ـ ـ ــتعمال الحق ـ ـ ــوق اإلداري ـ ـ ــة مس ـ ـ ــتقلة ع ـ ـ ــن نظري ـ ـ ــة
اإلنحـ ـ ـ ـراف بالس ـ ـ ــلطة ،وال أدل ع ـ ـ ــل ذل ـ ـ ــك م ـ ـ ــن أن العم ـ ـ ــل اإلداري الواح ـ ـ ــد ق ـ ـ ــد رف ـ ـ ــض مجل ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة
إلغـ ـ ــاءه بنـ ـ ــاءا عل ـ ـ ـى عي ـ ـ ـب االنح ـ ـ ـراف ولكنـ ـ ــه قضـ ـ ــى بـ ـ ــالتعويض عنـ ـ ــه ،ألن اإلدارة قـ ـ ــد تتعسـ ـ ــف فـ ـ ــي
اسـ ـ ــتعمال حقهـ ـ ــا باتخـ ـ ــاذه ،وبالتـ ـ ــالي فمجـ ـ ــال بحـ ـ ــث نظريـ ـ ــة التعسـ ـ ــف فـ ـ ــي اسـ ـ ــتعمال الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة
محصـ ــور فـ ــي قضـ ــاء التعـ ــويض( .)1وحيـ ــث يكـ ــون الق ـ ـرار اإلداري سـ ــليم األركـ ــان ،ف ـ ـإن نظريـ ــة التعسـ ــف
ف ـ ـ ــي اس ـ ـ ــتعمال الحق ـ ـ ــوق اإلداري ـ ـ ــة تق ـ ـ ــوم بكيانه ـ ـ ــا الخ ـ ـ ــاص والمس ـ ـ ــتقل ،إذا ك ـ ـ ــان القـ ـ ـ ـرار غي ـ ـ ــر مالئ ـ ـ ــم
خاصة(.)2
"فهــــذا التطــــور نتيجــــة منطقيــــة لقضــــاء مجلــــس الدولــــة الفرنســــي فــــي المســــؤولية بصــــورة
عامـــة ،فهـــو قـــد وصـــل الـــي تقريـــر نـــوع مـــن المســـؤولية اإلداريـــة عـــن أضـــرار تحـــدثها اإلدارة و لـــو
لـــم ترتكـــب خطـــأ مـــا ،و مـــادام و صـــل إلـــى هـــذه المرحلـــة مـــن التطـــور ،فـــال بـــد مـــن بـــاب أولـــى أن
يقـــرر مســـؤولية اإلدارة حـــين تتعســـف فـــي اســـتخدام رخصـــها اإلداريـــة ،ألن أقـــل مـــا يوصـــف بـــه ذلـــك
التعسف هنا أنه خطأ مرفقي"(.)3
ي ــتلخص مفه ــوم ه ــذه النظري ــة ف ــي "أن رجــــل اإلدارة الــــذي يتســــم عملــــه بالتعســــف هــــو صــــاحب
إختصــــاص و تصــــرفه فــــي نطــــاق المشــــروعية ،إال أنــــه اســــتخدم اختصاصــــه فــــي ظــــروف تــــنم عــــن
التعسف ،رغم أنه تصرف في نطاق دائرة المشروعية"(.)4
ويظهـ ـ ــر مــ ــن هــ ــذا التعريــ ــف أن مجــ ــال اســ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة ه ـ ــو السـ ـ ــلطة التقديريــ ــة بـ ـ ــال
جـــدال ،وأن هـ ــذه النظريـ ــة()5ال تـ ــؤدي إل ـ ـى الحكـ ــم بإلغـ ــاء الق ـ ـرار المتعسـ ــف فيـ ــه ،واال أتينـ ــا عل ـ ـى السـ ــلطة
التقديري ـ ــة ل ـ ــإلدارة ،ألن العناص ـ ــر الت ـ ــي تق ـ ــوم عليه ـ ــا ه ـ ــذه النظري ـ ــة ه ـ ــي ذات أرك ـ ــان الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة،
فمجال التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية هو قضاء التعويض ال قضاء اإللغاء.
- 1سليمان حممد الطماوي ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاين ،املرجع السابق ،ص.122
- 2فارة مساح ،املذكرة السابقة ،ص.61
- 3املرجع نفسه ،ص.93
- 4عمار عوابدي ،نظرية املسؤولية اإلدارية ،املرجع السابق ،ص.190
-5لقد أخذ املشرع اجلزائري هبذه النظرية يف املادة 91من القانون املدين.
ثانيا :حاالت التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية المرتبة للمسؤولية
لق ـ ــد أق ـ ــر القض ـ ــاء اإلداري نظريــ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة وحك ـ ــم بالمســ ــؤولية
اإلداري ـ ـ ــة ،وذل ـ ـ ــك ف ـ ـ ــي حال ـ ـ ــة تعج ـ ـ ــل اإلدارة ف ـ ـ ــي اتخ ـ ـ ــاذ القـ ـ ـ ـرار اإلداري ،وحال ـ ـ ــة اتخ ـ ـ ــاذ اإلدارة ل ـ ـ ــبعض
الق اررات غير المالئمة ،وكذلك حالة تراخيها في اتخاذ القرار إذا ترتب عن ذلك ضرر(.)1
فــ ــإذا كانـ ـ ــت القاعـ ـ ــدة الغالبـ ـ ــة فـ ـ ــي القـ ـ ــانون اإلداري وخاصـ ـ ــة الج ازئـ ـ ــري ،مـ ـ ــا ت ـ ـ ـزال تمنـ ـ ــع قاضـ ـ ــي
اإللغ ـ ــاء م ـ ــن التعـ ـ ـرض للجوان ـ ــب التقديري ـ ــة ف ـ ــي القــ ـ اررات اإلداري ـ ــة ،فـ ـ ـإن نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال
الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة ،ق ـ ــد جعل ـ ــت القض ـ ــاء يم ـ ــد رقابت ـ ــه إل ـ ــى كيفي ـ ــة ممارس ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ف ـ ــي مج ـ ــال
التعويض( .)2وذلك على النحو اآلتي:
-1الحكـــــم علـــــى اإلدارة بـــــالتعويض لتعجلهـــــا فـــــي اتخـــــاذ القـــــرار اإلداري " إصـــــدار القـــــرار اإلداري
فجأة"
تتجس ـ ــد ه ـ ــذه الحال ـ ــة ف ـ ــي إص ـ ــدار اإلدارة لقـ ـ ـرار س ـ ــليم م ـ ــن الناحي ـ ــة القانوني ـ ــة ،إال أنه ـ ــا أص ـ ــدرته
فج ــأة ،أي ف ــي وق ــت غي ــر مناس ــب .ويش ــرح " بونـ ـار" ه ــذه الحال ــة ف ــي إط ــار تعليق ــه عل ــى حك ــم "من ــاجم
س ــيرجي" ،ق ــائال " :أن اإلدارة لهـــا الحــــق قطعـــا فــــي اتخـــاذ هـــذا اإلجــــراء ،وأمـــر الشــــركة بـــالكف عــــن
اإلســـتغالل غيـــر المشـــروع ،ولكنهـــا لـــم تتخيــــر الوقـــت المناســـب ،إذ بعـــد أن تركـــت الشـــركة تســــتغل
مع علمها بذلك ،تقدمت فجأة وأمرتها بالكف عن ذلك االستغالل "(.)3
وف ـ ـ ــي هــ ـ ــذا الخصــ ـ ــوص ،قضــ ـ ــى مجلـ ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة الفرنس ـ ـ ــي ف ـ ـ ــي قض ـ ـ ــية " أوليفيـ ـ ـ ــه زيمرمــ ـ ــان "
بمس ـ ــؤولية اإلدارة .وتنحص ـ ــر وق ـ ــائع ه ـ ــذه القض ـ ــية ف ـ ــي أن اإلدارة ق ـ ــد تس ـ ــرعت ف ـ ــي تنفي ـ ــذ حك ـ ــم ص ـ ــادر
-1لقد مت حتديد أوجه تعسف اإلدارة يف استعمال حقوقها اإلدارية من طرف الفقيه " بونار" .وذلك يف إطار تعليقه على حكم جملس الدولة يف قضية
"مناجم سيجري" سنة .1121واليت تتلخص وقائعها يف أن مرسوم 9يوليو 1881قد نظم طريقة استغالل مناجم الذهب يف املستعمرات ،فقضى بأن
حيتفظ باستغالل الطبقات العليا ألهايل تلك املستعمرات ،على أن يكون للشركة حق استغالل الطبقات السفلى اليت ال يصل إليها األهايل بوسائلهم
البدائية .وجعل للمحاكم حق منح وسحب رخص االستغالل .وحدث وأن اعتدت شركة مناجم سيجري على الطبقات املخصصة لألهايل من سكان
املستعمرات ،وكان ذلك االعتداء بعلم من اإلدارة ،ولكنها تركتها رغم ذلك تباشر هذا االستغالل غري املشروع فرتة من الزمن .مث تراءى لإلدارة أن تصحح
ذلك الوضع القائم ،ففاجأت الشركة دون سابق إنذار وأمرهتا بالكف فورا عن استغالل الطبقات العليا .فطعنت الشركة يف هذا القرار طالبة إلغائه والتعويض
ملا سببه هلا تنفيذه من أضرار ،لكن جملس الدولة رفض اإللغاء مقررا أن األمر اإلداري كان سليما ،ولكنه حكم على الشركة بالتعويض ،ألن اإلدارة وإن كان
هلا احلق يف إصدار ذلك القرار ،لكنها استعملت حقوقها استعماال تعسفيا .وانطالقا من هذا احلكم وضع " بونار" أوجه تعسف اإلدارة يف استعمال حقوقها
كاآليت -:أن يكون القرار اإلداري فجائيا -.أن يكون القرار اإلداري من غري فائدة -.أن يكون القرار االداري بال القسوة.
أنظر :سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال احلقوق اإلدارية ،املرجع السابق ،ص.122-129
- 2محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األوىل ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،2330 ،ص .111
- 3سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،املرجع السابق ،ص .128
لصـ ـ ــالحها بصـ ـ ــفة ابتدائيـ ـ ــة مـ ـ ــن مجلـ ـ ــس المديريـ ـ ــة ،دون أن تنتظـ ـ ــر حكـ ـ ــم االسـ ـ ــتئناف المنظـ ـ ــور أمـ ـ ــام
مجلس الدولة ،الذي انتهى بإلغاء الحكم االبتدائي .وذلك في 22فيفري .)1(1130
كم ـ ــا قض ـ ــى مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي بتع ـ ــويض الم ـ ــوظفين ال ـ ــذين يفص ـ ــلون فج ـ ــأة نتيج ـ ــة إلغ ـ ــاء
الوظيف ـ ــة إلغ ـ ــاء قانوني ـ ــاز وق ـ ــد طب ـ ــق المجل ـ ــس ذل ـ ــك بص ـ ــدد حكم ـ ــه الص ـ ــادر ف ـ ــي 11ديس ـ ــمبر 1130
ف ـ ــي قضـ ـ ـية " فيلن ـ ــاف "( .)2والحقيق ـ ــة أن قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ه ـ ــذا ل ـ ــم يـ ـ ـأتي إال بع ـ ــد جه ـ ــد
كبي ــر منـ ــه ،فقـــد كان ــت القاعـــدة المسـ ــلم بهـ ــا أن قـ ـرار فصـ ــل الم ــوظفين ه ــو قـ ـرار تقـ ــديري لـ ــيس بطبيعتـــه
أن يؤدي إلى مسؤولية اإلدارة(.)3
أمـ ــا عـ ــن القضـ ــاء الج ازئـ ــري ،فقـ ــد طبـ ــق مجلـ ــس الدولـ ــة الج ازئـ ــري نظريـ ــة التعسـ ــف فـ ــي اسـ ــتعمال
الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة وقض ـ ــى بتع ـ ــويض الش ـ ــخص المض ـ ــرور دون إلغ ـ ــاء قـ ـ ـرار االدارة ،لك ـ ــون ه ـ ــذا األخي ـ ــر
مشـ ـ ــروعا .وذلــ ــك فــ ــي ق ـ ـ ـرار مجلـ ـ ــس الدولــ ــة فــ ــي 2331/6/2فـ ـ ــي قض ـ ــية ( ل.ا ) ضــ ــد رئـ ـ ــيس بلديـ ـ ــة
حاسـ ـ ـ ــي بحـ ـ ـ ــبح .4وتـ ـ ـ ــتلخص وقـ ـ ـ ــائع القضـ ـ ـ ــية فـ ـ ـ ــي أن السـ ـ ـ ــيد ( ل.ا ) قـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ــم تسـ ـ ـ ــجيله فـ ـ ـ ــي قائمـ ـ ـ ــة
المسـ ــتفيدين مـ ــن السـ ــكنات التطوريـ ــة الواقعـ ــة قـ ــرب المستشـ ــفى ،وذلـ ــك بموج ـ ـب ق ـ ـرار مـ ــن بلديـ ــة حاسـ ــي
بح ـ ــبح ف ـ ــي اجتم ـ ــاع له ـ ــا ف ـ ــي ،1116/9/29إال أنـ ـ ـه بع ـ ــد مض ـ ــي م ـ ــدة طويل ـ ــة ،قام ـ ــت البلدي ـ ــة بتعلي ـ ــق
قائمة أخرى ،ولكن بحذف اسم المستأنف.
وبالتـ ــالي تكـ ــون اإلدارة قـ ــد فاجـ ــأت المسـ ــتأنف بقرارهـ ــا التعسـ ــفي ،ومـ ــن ثـ ــم قضـ ــى مجلـ ــس الدولـ ــة
بتأيي ـ ــد حك ـ ــم المحكم ـ ــة اإلداري ـ ــة ،والمتمث ـ ــل ف ـ ــي رف ـ ــض طلب ـ ــه المتض ـ ــمن تس ـ ــليمه الس ـ ــكن ،والـ ـ ـزام اإلدارة
بتعويضه بمبلغ 23.333دج ،تعويضا عن الضرر الذي لحق به من قرار اإلدارة الفجائي.
وفـ ـي ذل ــك قض ــى مجل ــس الدول ــة " :حيـــث أن الضـــرر الـــذي لحـــق بـــه يتمثـــل فـــي خيبـــة األمـــل
التـــي أحـــس بهـــا بعـــد حـــذف اســـمه مـــن القائمـــة ،وأن تســـجيل اســـمه بالقائمـــة مـــن بـــين المســـتفيدين
مــن طــرف البلديــة ولــد أمــال لديــه ،ولكــن لــيس بحــق مكتســب ،وعليــه فــإن مبلــغ التعــويض الممنــوح
للمستأنف كافيا ،ويتناسب والضرر الالحق به ،مما ينبغي تأييد القرار محل االستئناف ".
والمالح ـ ــظ م ـ ــن ه ـ ــذه القض ـ ــية أن القاض ـ ــي الج ازئ ـ ــري ق ـ ــد أعم ـ ــل نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال
الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة لكـ ـ ــن دون أن يشـ ـ ــير إلـ ـ ــى ذلـ ـ ــك ص ـ ـ ـراحة .ذلـ ـ ــك أن اإلدارة لـ ـ ــم ترتكـ ـ ــب عمـ ـ ــال غيـ ـ ــر
مش ـ ــروع ،ألنه ـ ــا منح ـ ــت الس ـ ــكنات ل ـ ــذوي ال ـ ــدخل المتوس ـ ــط ألنه ـ ــم يس ـ ــتطيعون إتم ـ ــام األش ـ ــغال المتبع ـ ــة
- 1عمار عوابدي ،نظرية املسؤولية االدارية ،املرجع السابق ،ص .199وجتدر اإلشارة إىل أن طرق الطعن العادية يف اجلزائر أيضا هلا أثر موقف ،وذلك ما
تضمنته املادة 020من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية " :يوقف تنفيذ احلكم خالل أجل الطعن العادي كما يوقف بسبب ممارسته ".
- 2سليمان حممد الطماوي ،قضاء التعويض ،املرجع السابق ،ص .111
- 3املرجع نفسه ،ص .111
- 4حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية-وسائل املشروعية،-الطبعة الثانية ،دار هومه ،اجلزائر ،2339 ،ص .28
واتمـ ــام المسـ ــاكن علـ ــى أحسـ ــن مـ ــا ي ـ ـرام بـ ــدال مـ ــن المسـ ــتفيدين األوائـ ــل ،الـ ــذين كـ ــانوا غيـ ــر قـ ــادرين علـ ــى
إتمـ ــام البنـ ــاء وبإمكـ ــانهم االسـ ــتفادة مـــن السـ ــكنات الجـ ــاهزة ،لكـ ــن مفاجأتهـــا للطـ ــاعن بإ ازلـ ــة اسـ ــمه بطريقـ ــة
فجائية وطول انتظاره حملها مسؤولية تعويضه عن الضرر الذي أصابه.
وهـ ـ ــي الصـ ـ ــورة العكسـ ـ ــية للحالـ ـ ــة السـ ـ ــابقة ،وقـ ـ ــد رأينـ ـ ــا أن أبـ ـ ــرز مظـ ـ ــاهر السـ ـ ــلطة التقديريـ ـ ــة لـ ـ ــإلدارة
تتمثـ ـ ــل فـ ـ ــي حريـ ـ ــة اإلدارة فـ ـ ــي تقـ ـ ــدير الوقـ ـ ــت المناسـ ـ ــب التخـ ـ ــاذ قرارهـ ـ ــا ،وأن حريتهـ ـ ــا فـ ـ ــي هـ ـ ــذا الشـ ـ ــأن ال
تخض ـ ــع لرقاب ـ ــة قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء .وم ـ ــع ذل ـ ــك فـ ـ ـإن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ي ـ ــرى أن ع ـ ــدم تحدي ـ ــد المش ـ ــرع
لوقـ ـ ـت زمن ـ ــي مح ـ ــدد التخ ـ ــاذ القــ ـرار اإلداري ال يعن ـ ــي حري ـ ــة اإلدارة المطلق ـ ــة ف ـ ــي ه ـ ــذا المج ـ ــال ،ب ـ ــل يتع ـ ــين
عليهـ ـ ـ ــا حسـ ـ ـ ــن اختيـ ـ ـ ــار وقـ ـ ـ ــت تص ـ ـ ـ ـرفها ،ألن ضـ ـ ـ ــرورة اسـ ـ ـ ــتقرار المعـ ـ ـ ــامالت تسـ ـ ـ ــتلزم أال تبقـ ـ ـ ــى الم اركـ ـ ـ ــز
القانونية غير محددة لمدة طويلة(.)1
وطبقـ ــا له ـ ــذا التوج ـ ــه ،قضـ ــى مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي فـ ــي 29جويلي ـ ــة 1118ب ـ ــالحكم عل ـ ــى اإلدارة
بـ ــالتعويض لتراخيهـ ــا فـ ــي اتخـ ــاذ ق ـ ـرار يمنـ ــع أحـ ــد األف ـ ـراد مـ ــن مزاولـ ــة مهنتـ ــه الخط ـ ـرة ،والمتمثلـ ــة فـ ــي تم ـ ـرين
الـ ـ ـراغبين ف ـ ــي األعي ـ ــاد عل ـ ــى إط ـ ــالق الن ـ ــار واص ـ ــابة اله ـ ــدف ألن ذل ـ ــك يع ـ ــرض س ـ ــالمة الجمه ـ ــور للخط ـ ــر،
وقـ ــد حـ ــدث بالفعـ ــل أن أصـ ــيبت إحـ ــدى الم ـ ـارات برصاصـ ــة طائشـ ــة فـ ــي أرسـ ــها ،فقضـ ــى مجلـ ــس الدولـ ــة فـ ــي
ه ـ ــذا الخص ـ ــوص ب ـ ــالتعويض( .)2واس ـ ــتقر قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي عل ـ ــى ه ـ ــذه القاع ـ ــدة ،فحك ـ ــم ف ـ ــي
ح ـ ــاالت أخـ ـ ــرى بمســ ــؤولية اإلدارة لتراخيهـ ـ ــا فــ ــي إصـ ـ ــدار الق ـ ـ ـرار بإعفـ ـ ــاء ش ـ ــاب مـ ـ ــن تطوعــ ــه للخدمـ ـ ــة فـ ـ ــي
الفرقـ ــة األجنبيـ ــة ،ممـ ــا أدى إلـ ــى وفاتـ ــه فـ ــي إحـ ــدى المعـ ــارك .وت ارخـ ــي سـ ــلطات البـ ــوليس فـ ــي اإلف ـ ـراج عـ ــن
كلـ ــب رغ ـ ــم مطالبـ ــة ص ـ ــاحبه بـ ــه مم ـ ــا أدى إلـ ــى إع ـ ــدام الكلـ ــب .وك ـ ــذلك تـ ــأخر اإلدارة أكث ـ ــر مـ ــن س ـ ــنة دون
مبرر عن تسليم أحد األفراد ترخيصا بالبناء(.)3
-3الحكم على اإلدارة بالتعويض إل تخاذها بعض الق اررات غير المالئمة
إن مالءم ـ ـ ــة العقوب ـ ـ ــة التأديبي ـ ـ ــة للجريم ـ ـ ــة التأديبي ـ ـ ــة ه ـ ـ ــي مسـ ـ ـ ـألة تس ـ ـ ــتقل اإلدارة ف ـ ـ ــي تق ـ ـ ــديرها كم ـ ـ ــا
سـ ـ ــنتناوله فـ ـ ــي حينـ ـ ــه ،لكـ ـ ــن مجلـ ـ ــس الدولـ ـ ــة الفرنسـ ـ ــي أخضـ ـ ــع مالءمـ ـ ــة الج ـ ـ ـزاءات التأديبيـ ـ ــة لرقابتـ ـ ــه فـ ـ ــي
مجال قضاء التعويض دون قضاء اإللغاء(.)4
أم ـ ــا بالنس ـ ــبة للقض ـ ــاء اإلداري الج ازئ ـ ــري ،فإن ـ ــه ال يخض ـ ــع مالءم ـ ــة اإلدارة ف ـ ــي اختي ـ ــار وق ـ ــت اتخ ـ ــاذ
ق ارراتهـ ــا لرقابتـ ــه كقاعـ ــدة عامـ ــة؛ إذ تملـ ــك السـ ــلطة اإلداريـ ــة علـ ــى حـ ــد قـ ــول األسـ ــتاذ "عمـ ــار عوابـ ــدي" حريـ ــة
مالءمـ ـ ــة وتقـ ـ ــدير وقـ ـ ــت التـ ـ ــدخل إلصـ ـ ــدار ق ـ ـ ـ اررات التعيـ ـ ــين فـ ـ ــي الوظـ ـ ــائف اإلداريـ ـ ــة .إذ تملـ ـ ــك السـ ـ ــلطات
اإلداريــ ـ ــة المختصــ ـ ــة أن تعـ ـ ـ ــين أو ال تعــ ـ ــين إذا أرادت أن تتـ ـ ـ ــدخل إلص ـ ـ ــدار ق ـ ـ ـ ـرار التعيـ ـ ـ ــين ،فلهـ ـ ـ ــا حريـ ـ ـ ــة
المالءمـ ــة والتقـ ــدير فـ ــي اختيـ ــار وقـ ــت التعيـ ــين ومضـ ــمون التعيـ ــين دون معقـ ــب عليهـ ــا مـ ــن طـ ــرف القضـ ــاء
اإلداري فيما يخص اختيار وقت التدخل(.)2
نح ـ ــن نرج ـ ــو م ـ ــن قض ـ ــائنا اإلداري أن يلتف ـ ــت إل ـ ــى نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة
وأن يأخ ـ ــذها بع ـ ــين االعتب ـ ــار ف ـ ــي تطبيقات ـ ــه .خاص ـ ــة وأن قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء يمتن ـ ــع ف ـ ــي كثي ـ ــر م ـ ــن األحي ـ ــان
عـ ــن بسـ ــط رقابتـ ــه علـ ــى ركـ ــن المحـ ــل خاصـ ــة فـ ــي مجـ ــال سـ ــلطة اإلدارة التقديريـ ــة ،السـ ــيما إذا كـ ــان الق ـ ـرار
اإلداري مش ـ ــروعا وس ـ ــلمت جمي ـ ــع أركان ـ ــه ،وبالت ـ ــالي فـ ـ ـإن نظري ـ ــة التعس ـ ــف س ـ ــتكون خي ـ ــر ح ـ ــل لمن ـ ــع اإلدارة
من التعسف في استعمال سلطاتها التقديرية أمام عجز قضاء اإللغاء عن ذلك(.)3
- 1سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات االدارية ،املرجع السابق ،ص .18
- 2عمار عوابدي ،مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،اجلزائر،1189 ،ص.032
- 3ختتلف نظرية التعسف يف احلقوق اإلدارية عن نظرية اإلحنراف بالسلطة يف أن هذه األخرية يكون جماهلا يف قضاء اإللغاء والتعويض على السواء ،وال يتم
اعماهلا إال إذا كان القرار اإلداري معيبا يف هدفه أو غايته .أما نظرية التعسف فتجد جماهلا يف قضاء التعويض فقط ،ويتم تطبيقها حت ولو كان القرار
اإلداري سليما يف مجيع أركانه.
المبحث الثاني
أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة
لقد تنوعت األساليب التي اتبعها القضاء في إطار بسطه للرقابة على السلطة التقديرية لإلدارة ،فكانت
رقابته على ركن السبب خطوة تقليدية في هذا الصدد ،حيث كانت البداية هي التثبت من حقيقة وجود الوقائع
التي بنت عليها اإلدارة قرارها ،لينظر بعد ذلك مدى انسجام تلك الوقائع والنظم القانونية التي تحججت بها
اإلدارة ،وأخي ار يتأكد القاضي من مدى خطورة تلك الوقائع كسبب دافع باإلدارة إلصدار القرار اإلداري.
لكن وأمام إحساس القضاء بعدم كفاية هذه اإلتجاهات ،أو عدم كفاية ما تنطوي عليه من أساليب
رقابة ،لما تشتمل عليه من نقاط ضعف أو من ثغرات تسمح لإلدارة في بعض األحيان بأن تباشر سلطتها
التقديرية بشكل تحكمي و تعسفي ،خاصة في المجاالت الحديثة للدولة المعاصرة ،فقد خطا خطوات هامة في
هذا المجال .
وتمثلت أولى تلك الخطوات ،فيما يعرف برقابة الخطأ البين في التقدير ،أما الخطوة الثانية فتمثلت في
انتهاجه أسلوب الموازنة بين المنافع واألضرار في الرقابة.
وتبيانا لهذا اإلجمال ،نتناول فيما يلي ذكره أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة،
التقليدية منها ثم الحديثة.
المطلب األول
أساليب الرقابة التقليدية
تعتبر رقابة القضاء اإلداري على سبب القرار اإلداري من أهم الضمانات األساسية الحترام اإلدارة
لمبدأ المشروعية في ق ارراتها اإلدارية ،ذلك أن الق اررات الصادرة عن اإلدارة يجب أال تصدر عن الهوى
والتحكم ،وانما يجب أن تستند إلى أسباب صحيحة وواقعية تبرر إتخاذها.
واذا كان السبب ركنا في كل قرار إداري ،فإن دوره يختلف من قرار إلى آخر ،ذلك أن المشرع قد
فرض على اإلدارة أال تتصرف إال إذا قام سبب بعينه ،وحينئذ يعد اختصاص اإلدارة مقيدا .وال بد أن يتحقق
السبب بالشروط التي فرضها المشرع لكي يكون القرار مشروعا ،أما إذا لم يفرض على اإلدارة سببا بعينه
للتدخل فإن لها أن تختار ما تشاء من األسباب التي تبرر تدخلها.
لكن حرية اإلدارة في اختيار سبب تدخلها -إذا لم يحدد المشرع سببا بعينه -ال يعني حرية اإلدارة
المطلقة في هذا الصدد ،بل يتعين عليها أن تختار السبب الذي من شأنه أن يبرر تدخلها .وان كان دور
خاصة في مجال السبب -في مجال الرقابة القضائية -يتضاءل في حالة االختصاص التقديري لإلدارة
اإلثبات ،إال أن القضاء اإلداري قد ابتكر وتدرج في إعمال رقابته على ركن السبب في مجاالت السلطة
التقديرية .فكانت البداية مراقبة الوجود المادي للوقائع التي تدعيها اإلدارة ،ثم رقابة تكييفها القانوني) ،(1وأخي ار
رقابة التناسب.
وتبعا لذلك سنتناول هذه األساليب من خالل ثالث فروع:
الفرع األول :رقابة الوجود المادي للوقائع.
الفرع الثاين :رقابة التكييف القانوني للوقائع.
الفرع الثالث :رقابة التناسب.
الفرع األول
رقابة الوجود المادي للوقائع
يتصل القرار اإلداري -أيا كان نوعه -بواقعة مادية توجد في عالم الواقع ،وعندما يصدر القرار
اإلداري فإنه يأخذ في االعتبار هذه الحالة المادية المعينة .واذا كانت القاعدة القانونية تتصف بالعموم
والتجريد ،فإن الحالة المادية تشكل تجسيدا وتخصيصا يتيح وضع قاعدة القانون العامة والمجردة موضع
)(2
التنفيذ.
" فإذا لم توجد هذه الحالة المادية ،فإن معنى ذلك أن مضمون القاعدة القانونية ال يمكن أن يوضع
موضع التنفيذ في مواجهة حالة موهومة أو مزعومة ليس لها قوام في الواقع") .(3لذلك يتعين على القاضي
)(4
بالضرورة أن يبحث فيما إذا وجدت حقا تلك الحالة المادية في الواقع ،والتي صدر القرار بهدف مواجهتها.
إذ تعتبر رقابة القضاء اإلداري على وجود الوقائع المادية التي استندت إليها اإلدارة في إصدار
ق ارراتها ،أول درجات الرقابة القضائية على سبب القرار اإلداري ،والحد األدنى لهذه الرقابة في هذا الميدان).(5
-1هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن رقابة التكييف القانوين للوقائع تشمل رقابة الوجود املادي هلذه األخرية .وبالتايل فإنه ال معىن هلذه املرحلة ألن حبث
التكييف يشملها بالضرورة .ومن هؤالء جند " أويب " Aubyو " دي كال " .غري أن الدكتور حممد مصطفى حسن يفند ذلك ،على أساس أنه يف حالة
ما إذا اثبت أن موظفا ما متت إحالته على التقاعد بناء على طلب مل يثبت تقدميه ،فإننا نكون هنا بصدد ختلف الواقعة ماديا ،أما إذا كان األمر متعلقا
بسبب أدى باإلدارة إىل استخالص ذلك من ورقة ال تنتج هذا املعىن ،كنا بصدد خطأ يف التكييف .انظر يف ذلك :حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية
يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف ،1129 ،ص .182
-2مقاليت مىن وعمورة حكيمة ،رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك ،امللتقى الوطين األول حول سلطات
القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة ،2311،ص .250
-3نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة-دراسة مقارنة ،-جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1412هجري ،ص .296
-4سليمان حممد الطماوي ،نظرية التعسف يف استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عني مشس ،القاهرة،1128،ص .029
-5عبد الغين سيوىن عبد اهلل ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112 ،ص .263
فقد ذهب مفوضو الحكومة في فرنسا إلى القول بأن " :التحقق من الوجود المادي للوقائع ،هو أحد
عناصر الحد األدنى من الرقابة ،الذي يجب على المجلس القيام به في جميع الحاالت بصدد سائر الق اررات
)(1
اإلدارية".
والوقائع التي نقصد فرض الرقابة القضائية عليها ،هي الوقائع التي ال أساس لها في القانون؛ أي أنها
ليست معتبرة كشرط يتطلبه القانون التخاذ قرار ما ،وانما مجرد وقائع مادية تذرعت بها اإلدارة من تلقاء
نفسها واتخذتها سندا لق ارراتها ،وهو ما يمثل -كما ذكرنا -جوهر السلطة التقديرية لإلدارة .
وعليه فإن التساؤل يطرح حول أساس الرقابة القضائية على مثل هذه الوقائع؛ أي حول أساس رقابة
القاضي اإلداري ألسباب ووقائع لم يشترطها القانون للعمل اإلداري.
وتبيانا لكل ذلك ،سنتناول في نقطة أولى أساس الرقابة القضائية على الوجود المادي للوقائع ،ثم نبين
موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه الرقابة.
أوال :أساس الرقابة على الوجود المادي للوقائع في مجال السلطة التقديرية
)(2
تبري ار لفرض هذا لقد وجد مجلس الدولة الفرنسي في فكرة السبب القانوني cause juridique
النوع من الرقابة على سلطة اإلدارة التقديرية ،معتب ار أن الوقائع المدعاة من طرف اإلدارة بمثابة سبب قانوني
له ،فإذا لم تكن تلك الوقائع موجودة أصال أو كانت موجودة و لكنها غير صحيحة ،كان القرار مستندا إلى
سبب غير صحيح ومن ثم كان واجب اإللغاء(.)3
أما عن الفقه ،فإنه لم يسلك مسلكا واحدا في تفسير هذا اإلتجاه القضائي الجديد .فبالنسبة لبعض
الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه " Duguitدوجي " ،فإنه ال وجود لعيب السبب في مجال القانون العام .ولقد
استمد أفكاره من فكرة السبب إلى تحليله الخاص لعناصر العمل القانوني ونظرته إلى العمل اإلداري على
وجه العموم(.)4
-1حممد حسنني عبد العال ،الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1111،ص .31ومن بني
مفوضي احلكومة الفرنسيني الذين حثوا جملس الدولة على فرض رقابته على الوجود املادي للوقائع ،جند الفقيه » « Hopitalالذي قال " :إن اجمللس هو
قاضي جماوزة السلطة جيب عليه أن يفحص الوقائع ...وإذا مل يقم اجملل س بفحص الوقائع فإن احلق املقرر للجميع يف أن يلجا إليه...سيصبح حقا ومهيا
ويصبح الطعن مبجاوزة السلطة عدمي اجلدوى" .انظر يف ذلك -:أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب
القرارات اإلدارية ،دون رقم الطبعة ،القاهرة ،2336 ،ص .90
-2وهذا ما أفصح عنه جملس الدولة الفرنسي يف قضية "تريبون" ،حبيث أنكر على احلكومة أن تؤسس قرارها بإحالة املذكور على التقاعد بناء على سبب
غري موجود فعال وحقيقة .وهلذا فقد ألغي ذلك القرار الستناده – كما يقول احلكم – إىل سبب قانوين غري موجود sur une cause juridique
– inexistanteانظر يف ذلك :رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف
جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة العربية ،1119 ،ص .21
-3أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،املرجع السابق ،ص .92
-4ذلك أن العمل القانوين يف نظره مير مبراحل ثالث وهي - :مرحلة التخيل :وفيها يتخيل رجل اإلدارة ما جيب عليه أن يقوم به من عمل .مث مرحلة
التفكري و التدبر :ينصب فيها تفكري مصدر القرار على ركين احملل و الغاية .وأخريا مرحلة اختاذ القرار وتنفيذه :وهي املرحلة اليت يقوم فيها رجل اإلدارة
في حين اعترف فريق ثان من الفقهاء وعلى رأسهم " هوريو " وفوديل" بوجود السبب ،لكن ليس كعيب
()1
سواء كان اختصاص اإلدارة مقيدا أو تقديريا .فلقد مستقل وقائم بذاته ،بل أدرجه ضمن وجه مخالفة القانون
اعتبر "هرريو" أن السبب القانوني هو الواقعة التي تلحق القرار بطائفة قانونية معينة ،فإذا لم تكن هذه الواقعة
صحيحة انعدم السبب القانوني ،وحق إلغاء القرار اإلداري لعيب مخالفة القانون(.)2
أما " فوديل " رغم اعترافه بركن السبب كركن مستقل من أركان القرار اإلداري ،إال أنه أدرج عيب
السبب ضمن وجه مخالفة القانون ،وذلك مع توسيع فكرة السبب لتشمل باإلضافة إلى الخطأ في الواقع -الذي
تحدث عنه هوريو -الخطأ في القانون (. )3
وثمة إتجاه ثالث ،برر مسلك القضاء اإلداري في رقابة الوقائع التي تدعيها اإلدارة لق ارراتها ،بأنه يندرج
في إطار عيب عدم االختصاص ،ويتزعم هذا االتجاه الفقيه ، Régaladeحيث يذكر أن القانون حينما
يخول اإلدارة اإلختصاص بإجراء تصرف ما ،فإن هذا القانون يتضمن في الوقت ذاته عدم مباشرة
االختصاص إال إذا وجدت فعال وحقيقة وقائع وأسباب مبررة لهذا التصرف بحيث ال ينعقد االختصاص،
وبالتالي يكون التصرف باطال إذا لم توجد هذه الوقائع أو تلك األسباب ،حتى وان كان المشرع قد ترك لرجل
اإلدارة قد ار من الحرية الختيار الوقائع التي يؤسس عليها هذا التصرف؛ فوجود الوقائع أو األسباب عند اتخاذ
قرار ما يعد بمثابة شرط تطلبه المشرع ضمنا لكي ينعقد االختصاص بداءة لرجل اإلدارة باتخاذ هذا القرار،
ومن ثم فإن الوقائع لم تعد في هذا الصدد من مسائل الواقع ،وانما أيضا من مسائل القانون(.)4
غير أن الرأي الراجح في الفقه الفرنسي هو الربط بين أركان القرار اإلداري والعيوب التي يمكن أن
تصيبه فتؤدي إلى إلغائه ،فاعتبر عيب السبب عيبا مستقال عن كل من عيب مخالفة القانون الذي يرتبط
بمحل القرار اإلداري وعيب االختصاص الذي يتصل بركن االختصاص( ،)5ونذكر من هؤالء الفقهاء " دي
لوبادير" ،و " ريفيرو " و " بونار "(.)6
بصياغة قراره و تنفيذه على املخاطبني به.ن انظر يف ذلك :حلسني بن الشيخ أث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية-وسائل املشروعية-الطبعة الثانية،دار
هومه ،2339،ص 068و . 061
-1املرجع نفسه ،ص . 093 ، 061
-2ماجد راغب احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ، 2333،ص 939و .936
-3املرجع نفسه ،ص .936
-4رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص . 88
-5لقد تأكد عيب السبب كعيب مستقل عند إصدار جملس الدولة الفرنسي لقراره املؤرخ يف 1ديسمرب ،1811يف قضية بنديال ، Bonduelle
فصار بذلك عيبا خامسا ومستقال بذاته عن العيوب األربعة األخرى.
-6ماجد راغب احللو ،املرجع السابق ،ص .936
يتضح من هذا العرض الموجز لمختلف اآلراء التي قيلت لتبرير رقابة مجلس الدولة الفرنسي للوقائع
التي تتذرع بها اإلدارة كأساس للق اررات الصادرة عنها بمقتضى سلطتها التقديرية ،أنها تنطلق من أن رقابة
الوجود المادي للوقائع تدخل ضمن رقابة المشروعية(.)1
أما بالنسبة لمسلك القضاء المصري ،فإن محكمة القضاء اإلداري قد ترددت في أحكامها بين االستناد
إلى عيب مخالفة القانون في بعض األحيان والى عيب إساءة السلطة أو االنحراف بها في أحيان أخرى،
وذلك إلى أن استقر بها المطاف في نهاية األمر بإلحاق العيوب التي تصيب ماديات وقائع الق اررات اإلدارية
بوجه الطعن باإللغاء لمخالفة القانون( .)2ولكن ذلك لم يمنع المحكمة اإلدارية العليا من اإلستناد إلى عيب
السبب إلبطال كثير من الق اررات اإلدارية (.)3
أما عن موقف الفقه المصري من هذه المسألة ،فنجد أن األستاذ "سليمان محمد الطماوي" يعترض على
استقالل عيب السبب على الرغم من إعترافة بركن السبب كركن مستقل .ويرى أن المشرع المصري لم يذكر
سوى أربع أوجه للطعن باإللغاء في قانون مجلس الدولة وأن عيب السبب يندرج في هذه العيوب األربعة ألنه
ال يعتبر عيبا قائما بذاته ،فهو يندرج ضمن عيب مخالفة القانون إذا كان اختصاص اإلدارة مقيدا ،أو عيب
االنحراف بالسلطة إذا كان تقديريا(.)4
غير أن هذه النظرية منتقدة ،ذلك أن السبب يختلف عن الغاية رغم ما بينهما من عالقة وطيدة،
فالسبب – وهو الحالة الموضوعية الخارجية التي تدفع إلى إصدار القرار – يتميز عن الغاية ،وهي الحالة
النفسية لمصدر القرار ،وما تنطوي عليه من قصد لتحقيق هدف معين بإصداره( .)5فعيب االنحراف بالسلطة
-1أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،املرجع السابق ،ص .91
-2تقول احملكمة اإلدارية العليا ":ومن حيث أن القرار التأدييب كأي قرار إداري آخر ،جيب أن يقوم على سبب يربره ،فال تتدخل اإلدارة لتوقيع اجلزاء إال إذا
قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها ،وللقضاء اإلداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوين ،ورقابة القضاء اإلداري لصحة
احلالة الواقعية أو القانونية اليت تكون ركن السبب جتد حدها الطبي عي يف التحقق مما إذا كانت النتيجة اليت انتهى إليها القرار يف هذا الشأن مستخلصة
استخالصا سائغا من أصول تنتجها ماديا أو قانونيا ،فإذا كانت النتيجة منتزعة من غري أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول ال تنتجها ،أو كان
تكييف الوقائع – على فرض و جودها ماديا – ال ينتج النتيجة اليت يتطلبها القانون ،كان القرار فاقدا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع خمالفا للقانون".
أنظر يف ذلك :ماجد راغب احللو ،املرجع السابق ،ص . 910و هو ذات الرأي الذي انتهت إليه األستاذة " سعاد الشرقاوي " ،حينما قالت " :إذا ترك
املشرع لإلدارة سلطة اختيار السبب فال تسري الرقابة على هذا السبب إال عن طريق فكرة الباعث وإساءة استعمال السلطة" .انظر :سعاد الشرقاوي ،القضاء
اإلداري ،دار النهضة العربية ،1189 ،ص . 18
-3ومن ذلك حكم حمكمة القضاء اإلداري املصرية يف 8ماي ،1112الذي جاء فيه أنه ":إذا مل يسبب القرار ومل تكن هناك قاعدة تلزم اإلدارة بذلك،
فإما أن يكون لإلدارة سلطة اختيار السبب وعدم اإلعالن عنه ،ويف هذه احلالة ال توجد إمكانية رقابة السبب وال تفسر الرقابة إال عن طريق تطبيق فكرة
الباعث" .ماجد راغب احللو ،املرجع السابق ،ص . 932
-4سليمان حممد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية-دراسة مقارنة ،-الطبعة السادسة ،مطبعة جامعة عني مشس ،1111،ص 28وما بعدها.
-5يدعي البعض أن سبب القرار اإلداري ليس شيئا موضوعيا ،وإمنا هو ذو طبيعة شخصية .وذلك ألن السبب يتمثل يف اعتبارات واقعية أو قانونية تدفع
مصدر القرار إىل إصداره ،وأمر تقدير هذه االعتبارات وإصدار القرار أو عدم إصداره إمنا يرجع لرجل اإلدارة .أنظر يف ذلك :ماجد راغب احللو ،املرجع
السابق ،ص . 913
يصيب ركن الغاية من القرار وركن الغاية اليختلط بركن السبب ،بل هو متميز ومنفصل عنه ،ونتيجة لذلك
فإن العيب الذي يصيب أيا منهما ،يجب أيضا أن تكون له استقاللية عن العيب الذي يصيب الركن اآلخر،
ولهذا ال يصح القول أن السبب والغرض و هما ركنان مستقالن ومتميزان – كما ذكرنا – يصيبهما عيب
()1
واحد هو عيب االنحراف.
وبالتالي كان الرأي الراجح في مصر هو الربط بين أركان القرار اإلداري و العيوب التي يمكن أن
تصيبه فتؤدي إلى إلغائه ،فاعتبروا عيب السبب مستقال عن كل من عيب مخالفة القانون واالنحراف
بالسلطة .ومن هؤالء نجد " عبد الغني بسيوني عبد اهلل " و " ماجد راغب الحلو " و " محمد مصطفى حسن"
و " إبراهيم عبد العزيز شيحا " ،حيث يقول هذا األخير ... " :وهكذا يستقل عيب السبب عن وجه مخالفة
القانون الذي يتصل بمحل القرار اإلداري ،و عيب االنحراف بالسلطة ،الذي يرتبط بالغاية المراد تحقيقها
()2
من إصدار القرار ،ومن باب أولى عن عيب الشكل وعيب عدم االختصاص ".
()3
أما بالنسبة ألساس الرقابة على الوجود المادي للوقائع في الجزائر ،فقد أدخل األستاذ "أحمد محيو"
عيب السبب ضمن حاالت عيب مخالفة القانون .وهو في ذلك يساند ما ذهب إليه جانب من الفقه الفرنسي
وعلى رأسهم "هوريو" و "فوديل" .ويقول في ذلك " :يجب أن نفهم عبارة "مخالفة القانون" بمفهومها الواسع،
و تشمل مخالفة الدستور ،القوانين ،اللوائح ...و عندما تتصرف اإلدارة يجب أن تخضع إللتزام مزدوج:
-إلتزتما إيجابيا ،يفرض عليها تطبيق القاعدة القانونية بكل النتائج المتمخضة عنها.
-إلتزاما سلبيا ،و يفرض عليها اإلمتناع عن عمل ما هو محظور من طرف القانون ،و إال ارتكبت
مخالفة للقانون تفتح طريق دعوى تجاوز السلطة".
لقد قسم األستاذ " أحمد محيو" عيب مخالفة القانون إلى ثالث حاالت ،وتتمثل الحالة الثالثة في "رقابة
األسباب" ،من غلط في القانون أو الوقائع ،وعلى ذلك فإنه يعتبر الخطأ في الوجود المادي للوقائع داخال
ضمن حاالت عيب مخالفة القانون لكونه ال يعتبر عيب السبب عيبا مستقال بذاته(.)4
نحن نرى أن هذا الموقف منتقد ،ذلك أن تكييف العيب الذي يكتنف انعدام الوجود المادي للوقائع على
أنه عيب مخالفة القانون ،وان كان مقبوال في حالة األسباب القانونية التي تكون اإلدارة بصددها في نطاق
سلطة مقيدة .فإن الوضع يختلف بالنسبة لألسباب الواقعية ،والتي تكون أساسا للسلطة التقديرية لإلدارة ،فإذا
-2إبراهيم عبد العزيز شيحا ،الوسيط يف مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،1111 ،ص .120
3
-.Mahiou(A),cours du contentieux administratif, 2 Emme édition,1981,OPU Alger,p 112.
- 4أما بالنسبة للمؤلفني والكتاب يف القانون اإلداري اجلزائري ،فإننا جندهم مسلمني باإلجتاه احلديث يف فقه القانون اإلداري الفرنسي الذي يعترب عيب
السبب عيبا مستقال بذاته .جند من ذلك :عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،الطبعة األوىل ،دار جسور للنشر و التوزيع،
،2331ص ،121وحممد الصغري بعلي ،القضاء اإلداري(جملس الدولة) ،دون رقم الطبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون تاريخ ،ص .132
لم تكن هذه الوقائع أو األسباب موجودة أصال أو كانت غير صحيحة فإنه ال يمكن القول أن اإلدارة قد
خالفت بذلك القانون ،أو أن العيب الذي أصاب هذه الوقائع يندرج ضمن عيب مخالفة القانون .وانما نقول أن
الرقابة على الوقائع في ظل السلطة التقديرية لإلدارة هي رقابة مالءمة( ...")1وهي رقابة ال تتطلب ضرورة
النص عليها في القانون ،وبالتالي ال تحتاج إلى إلحاق العيب الذي يلحق الوقائع التي تدعيها اإلدارة في
حالة السلطة التقديرية بواحد من العيوب التي جعلها القانون سببا لإللغاء.)2("...
ثانيا :موقف القضاء من رقابة الوجود المادي للوقائع في مجال السلطة التقديرية لإلدارة
لقد ظهرت رقابة الوجود المادي للوقائع في قضاء مجلس الدولة الفرنسي بعد نشأته ب ـ 06عاما
تقريبا) ،(3وكان ذلك بمقتضى ق ارره الصادر في قضية " " Monodأو مونو سنة .(4) 1907
وابتداءا من هذه القضية ،بدأ مجلس الدولة الفرنسي في رقابته للوجود المادي للوقائع)(5؛ إذ أصبح
يشترط لصحة ق اررات اإلدارة ضرورة استنادها إلى وقائع صحيحة سواء تعلق األمر باختصاص تقديري
لإلدارة أم باختصاص مقيد.
أما في مجال السلطة التقديرية ،فقد أصبح القاضي اإلداري يقضي بإلغاء الق اررات اإلدارية الصادرة
بناء على سلطة تقديرية لإلدارة متى كانت مؤسسة على وقائع غير موجودة ماديا .وذلك ما نلمسه من موقف
مجلس الدولة الفرنسي في عدة قضايا الحقة لقضية "مونو" ،ففي قضية مشابهة تدعى قضية "تريبون " انتهى
إلى القول أنه " :يتبين من أوراق الملف أن الطاعن إذ لم يعرب عن رغبته في إحالته على التقاعد ...
-1وهو املوقف أو النتيجة اليت انتهى إليها األستاذ " رمضان حممد بطيخ".أنظر :رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي
للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة العربية ،1119 ،ص .12
-2أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،املرجع السابق ،ص .20
-3مراد بدران ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،2338،ص .010وماجد راغب
احللو ،القضاء اإلداري ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،2333 ،ص " .113فإن كان القرن التاسع عشر هو عصر اإلطالق بالنسبة لسلطات اإلدارة ،فإن
القرن العشرين هو عصر تقييدها".أنظر يف ذلك:زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي
اإلداري اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة ،العدد الثامن،2339 ،ص .111
-4تتلخص وقائعها يف أنه قد صدر قرار بإحالة أحد احملافظني يدعى " مونو " إىل التقاعد .وقد استند هذا القرار إىل واقعة تقدمي احملافظ املذكور طلبا
بذلك يف الوقت الذي مل يتقدم فيه بطلب كهذا على اإلطالق .وهلذا فقد طالب السيد "مونو" إلغاء هذا القرار الستناده إىل جمرد واقعة مدعاة من جانب
اإلدارة ال أساس لوجودها يف الواقع .وقد كان على جملس الدولة – طبقا لقضائه املستقر يف هذا اخلصوص – أن يرفض التصدي لواقعة تقدمي الطلب اليت
ذكرت سببا للقرار ،إال انه مل يسلك هذا السبيل و تصدى بالفعل هلذه الواقعة وانتهى إىل صحتها .انظر يف ذلك :عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء
اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112،ص . 263وأشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف
تسبيب القرارات اإلدارية ،دون رقم الطبعة ،القاهرة ،2336 ،ص .99
-5إن سبب امتناع جملس الدولة يف املاضي عن رقابة الوقائع ،يتمثل يف أن اجمللس كان يعترب نفسه بأنه قاض موضوع وليس قاض وقائع .ولقد اعترب
اجمللس أنه لو قام بإلغاء قرار إداري بسبب عدم الصحة املادية للوقائع ،فإنه يكون قد اعتدى على سلطات اإلدارة .وذلك نظرا ملا كان سائدا يف جمال التمييز
بني الوظيفة القضائية واإلدارية .ملزيد من التفاصل أنظر:
Charles Debbasch, J-C Ricci, le contentieux administratif,7 emme édition, Dalloz, p 691.
فإن القرار محل الدعوى والذي قرر أن تلك اإلحالة إنما كانت على أساس من طلبه ،يكون ق ار ار مستندا
إلى واقعة غير صحيحة ماديا ،ومن ثم فإن وزير الداخلية يكون بذلك قد أعطى قراره سببا قانونيا
)(1
منعدما"
ومن الحيثيات الهامة التي تذكر في هذا الصدد ،تلك التي تضمنها قرار مجلس الدولة الفرنسي في
قضية caminoالصادرة سنة " ، 1119ذلك الحكم الذي يعتبره رجال الفقه الفيصل الحقيقي بين منهج
مجلس الدولة في رفض بحث أو رقابة أية وقائع لم يشترطها القانون لتدخل اإلدارة ،وبين منهجه في بسط
تلك الرقابة على مثل هذه الوقائع"(2).وقد ورد في هذه الحيثية أنه " :إذا كان مجلس الدولة ال يستطيع
تقدير مالءمة اإلجراءات التي تعرض عليه بطريق دعوى مجاوزة السلطة ،فإنه يملك التحقق من ماديات
)(3
الوقائع التي بررت هذه اإلجراءات".
وقد توالت الق اررات التي أخذ فيها مجلس الدولة الفرنسي برقابة الوجود المادي للوقائع في حالة
االختصاص التقديري لإلدارة ،ومن ثم يمكننا القول أن مجلس الدولة الفرنسي سجل بدءا من عام 1132
تحوال رئيسيا في منهجه الرقابي ،وذلك بفرض رقابته على الوقائع التي ال يشترطها القانون لتدخل اإلدارة؛ أي
على الوقائع التي تثبتها اإلدارة بمحض اختيارها وبمطلق حريتها في التقدير كأساس لق ارراتها ،واستقر في هذا
الصدد على وجوب إلغاء القرار اإلداري -بصرف النظر عن موضوعه -إذا ثبت أن اإلدارة قد استندت في
تبريره إلى وقائع غير صحيحة من الناحية المادية) .(4ويستوي في ذلك أن تكون اإلدارة حسنة النية؛ أي
-1حممد رمضان بطيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار
النهضة العربية ،1119،ص .29وتتخلص وقائع القضية يف أن املدعي ،وهو حمافظ أحيل على التقاعد بقرار من وزير الداخلية ،وقد أسس هذا األخري
قراره على أن التقاعد كان بناء على طلب من املدعي .لكن السيد "تريبون " جلأ إىل القضاء ،وحتديدا إىل جملس الدولة الفرنسي طاعنا يف قرار وزير الداخلية،
مستندا يف ذلك إىل أنه مل يقدم طلبا إلحالته على التقاعد .أما وزير الداخلية فقد أجاب بأنه قد دارت بينه وبني املدعى حمادثة قام من خالهلا باملوافقة على
أمر إحالته على التقاعد ،لكن مفوض احلكومة "ريفي" يف تقريره عن هذه الدعوى ،نفى حقيقة أن يكون هناك طلب مقدم من املدعي ،ألن موافقة هذا
األخري ما كانت إال خضوعا لسلطة رئيسه اإلداري .وعليه طلب املفوض إلغاء القرار.
-2خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،االسكندرية ،ص .029
-3تتلخص وقائع القضية يف أن السيد "كامينو" عمدة إحدى القرى ،قد مت فصله بسبب اهتامه بعدم احرتام جنازة كان يسري فيها ،لكن جملس الدولة
الفرنسي ألغى قرار الفصل بعد أن ثبت له أن االهتام املوجة للمذكور .واملتمثل يف تنكره لالحرتام الواجب للجنازة ،ليس صحيحا وال أساس له من الواقع.
ولقد انتقد جملس الدولة الفرنسي يف هذه القضية ،بأنه جيعل من القاضي اإلداري قاضيا للوقائع وهذا ما ينبئ بشيء من اجلرأة " فالقاضي ال يبقى يف ميدانه
العادي ،واملتمثل يف تطبيق القانون" .أنظر :دري سيه حسني ،سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة
قاملة ،2339،ص.191
-4تلحق حبالة انعدام الوجود املادي للوقائع املدعاة من طرف اإلدارة حالة أخرى تسمى حبالة " السبب غري املؤكد " ، incertainكأن تكون
االدعاءات املقدمة من اإلدارة لتربير موقفها غامضة أو غري ثابتة .وأن اإلثبات احملتشم الذي أتت به اإلدارة لتربير تلك االدعاءات من درجة جتعلها وكأهنا
منعدمة .وذلك ما قضى به جملس الدولة الفرنسي يف 23نوفمرب 1106يف قضية شركة " إينوفا " ، envovaو يف 11ماي 1120يف قضية
.Sanglienأنظر يف ذلك :دريسية حسني ،املرجع السابق ،ص .192
اعتقدت خطأ قيام الوقائع التي تدعيها ،أو على العكس كانت سيئة النية؛ أي كانت عالمة بانعدام هذه
الوقائع ،ففي الحالتين يلغى القرار الستناده إلى وقائع غير صحيحة ).(1
أما في مصر ،فقد التزمت محكمة القضاء اإلداري منذ إنشائها ،على رقابة وجود وصحة الوقائع
)(2
بحيث أصبح هذا اإلتجاه يشكل مبدأ عاما ومستق ار يحد به القضاء المادية التي تدعيها اإلدارة لق ارراتها.
)(3
اإلداري من سلطة اإلدارة التقديرية.
أما بالنسبة لموقف القضاء اإلداري الجزائري من رقابة مدى الوجود المادي للوقائع المدعية من جانب
اإلدارة ،فحتى وان لم يعترف القاضي الجزائري صراحة بوجود عيب السبب كعيب مستقل عن عيب مخالفة
القانون ،إال أننا نجد الكثير من حاالت هذا العيب في ق اررات المجلس األعلى والمحكمة العليا ،وكذا في
ق اررات مجلس الدولة بعد سنة .1118من ذلك قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى الصادر عنها ب11 :
()4
1189 / 2 /في القضية التي جمعت السيد ( أوعمران رابح ) مدعي والسيد وزير الداخلية مدعى عليه،
والتي تتلخص وقائعها في ما يأتي :
أن السيد "أوعمران" شاغل لفيلة واقعة ببئر خادم 0نهج اإلخوة جيالني ،قرر بناء سور يحيط بساحة
مسكنه ،حيث استصدر رخصة مسبقة من رئيس المجلس الشعبي البلدي ببئر خادم بتاريخ /13 /28
،1128ثم تحصل على قرار من هذا األخير يتضمن رخصة للبناء مؤرخ في ،1121/1 /19إال أن رئيس
ار بتاريخ 1121 / 6 / 21بوقف األشغال على أساس أن البناء المزمع
دائرة "بئر مراد رايس" أصدر قر ا
انجازه من شأنه أن يمس بالنظام العام .
طعن المدعي في قرار المدعى عليه باإللغاء لتجاوز السلطة مؤيدا طعنه بوجه يتمثل في أن المدعي
قد تحصل على جميع الرخص اإلدارية الالزمة إلحاطة سكنه ،و السبب المتمسك به من جهة أخرى من
طرف المدعى عليه غير مبرر.
ومما جاء في حيثيات هذا القرار "...ولكن حيث أنه كان في اإلمكان قانونا رفض تسليم رخصة
البناء أو منحها مع التحفظ بخصوص وجوب مراعاة مقتضيات خاصة ،وذلك في حالة ما إذا كانت طبيعة
البناءات من شأنها أن تخل من حيث موقعها وأبعادها بالصحة العامة واألمن العام ،فإنه يتعين على
اإلدارة معاينة وفحص كل حالة على إنفراد ،لتتوصل وعلى ضوء خطورة المساس الذي يلحقه البناء
-1أنظر :درسية حسني ،املرجع السابق ،ص ،198وقروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة،2339،
ص .80
-2قروف مجال ،املرجع السابق ،ص . 89
-3وهذا املوقف ينطبق على العديد من الدول العربية ،من ذلك قرار احملكمة العليا الليبية بالغاء قرار تأدييب مبعاقبة أحد املدرسني الهتامه باجلمع بني وظيفته
كمدرس والعمل بالتجارة ،النتفاء ثبوت قيامه بالبيع أو العمل يف احملل التجاري الذي وجد فيه .أنظر يف ذلك :خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص
.022
-4مشار إليه يف :عمور سالمي ،الضبط اإلداري البلدي يف اجلزائر ،رسالة ماجستري ،معهد العلوم القانونية واإلدارية ،بن عكنون ،جامعة اجلزائر ،
،1188ص .116
بالصحة العامة أو باألمن العام ،إال إذا كان من المالئم رفض منح رخصة البناء ،أو االكتفاء بالنص على
وجوب اتباع هذا أو ذلك.
حيث أنه كان على اإلدارة فحص هذه النقطة أثناء مباشرة التحقيق بخصوص طلب السيد(أوعمران)،
حيث أن اإلدارة رأت فيما يتعلق بهذه القضية أنه ال مجال هناك لرفض منح رخصة البناء ،وال تربطها
باحترام مقتضيات خاصة ،ومن ثم فإن قرار رئيس دائرة بئر مراد رايس مشوب بخطأ واضح وما دام كذلك،
مستوجب اإلبطال" .وبناء على ما سبق ،صرح المجلس األعلى ببطالن القرار السالف الذكر.
وهو ذات األمر الذي قضت به الغرفة اإلدارية بالمحكمة في قرار لها بتاريخ 9أكتوبر( 1111قضية
س،ع) ضد والي والية بسكرة( .)1وتتخلص وقائع القضية في كون السيد (س،ع) قد استفاد من قطعة أرض
قصد فالحتها بموجب قرار استفادة صادر عن والي والية بسكرة ب ،1186/ 12 /1 :و بتاريخ 22مارس
1181أصدر الوالي ق ار ار آخر ألغى بمقتضاه قرار االستفادة ،بدعوى عدم مبادرة المدعي في استغالل
األرض الممنوحة له ،فرفع هذا األخير دعوى يطالب فيها إبطال ق اررالوالي على أساس أنه شرع فعال في
فالحة األرض وذلك ما يؤكده محضر المعانية ،باإلضافة إلى حذف نص المادة 11من القانون المتعلق
()2
بحيازة الملكية العقارية الفالحية ،والتي تحدد مدة 6سنوات للفالح للشروع في فالحة األرض الممنوحة له.
فقضت المحكمة العليا بإجابة المدعي وأبطلت قرار الوالي .ومما جاء في القرار ":حيث أن القرار
المطعون فيه علل سبب تراجع والي الوالية عن قرار االستفادة المذكور ،كون الطاعنة وبقية المستفيدين
لم يشرعوا في العمل ...حيث أن هذا التعليل غير صحيح ،وينفيه محضر منفذ محكمة سيدي عقبة الذي
يثبت استغالل األرض من طرف الطاعن بفالحة الحبوب" .وأضاف القول ... ":حيث أن القرار المطعون
فيه جاء معيبا ،وأن الوجه القانوني المثار من الطاعن وجيه ويجب األخذ به ،لذا يتعين إبطال القرار
المطعون فيه".
يتبين بجالء بأن والي والية بسكرة قد أخطأ في الوجود المادي لواقعة استصالح األرض ،عندما
أسس ق ارره على كون المدعي لم يبادر في استغالل األرض الممنوحة له في حين أن محضر المعاينة
المطروح بالملف يثبت أن المدعي قام بحفر بئر وغرس عدة نباتات في األرض الممنوحة له ،مما يؤكد
االستصالح فعال.
كما نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا الصادر في 19مايو ،1116في قضية الجمعية الوطنية
لمسيري قاعات السينما ضد المنشور الوزاري الصادر بتاريخ 19مايو 1119عن و ازرة الداخلية والجماعات
-2حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املنازعات اإلدارية ( وسائل املشروعية) ،الطبعة الثانية ،دار هومة ،2339،ص . 913
يالحظ أن مجلس الدولة قد أيد قرار مجلس قضاء وهران الذي أبطل قرار والي والية تلمسان ،وذلك
لوجود عيب من عيوب القرار اإلداري وهو عيب السبب في صورته المتمثلة في انعدام الوجود المادي
للوقائع .وقد عبر مجلس الدولة عن ذلك بعبارة "منعدم األساس" و"عيب اغتصاب السلطة" .وهو الصورة
الجسمية لعيب عدم االختصاص؛ ألن الوالي بإلغائه قرار استفادة المستأنف عليه يكون قد اعتدى على
اختصاص السلطة القضائية لكون المرسوم رقم 61/ 13أوجب اللجوء إلى القضاء القصاء أحد المستفيدين
من المستثمرة الفالحية وأن قرار الوالي في مركز القرار المنعدم(.)1
إذا كانت أغلب األمثلة التي طرحناها حول موقف القضاء اإلداري الجزائري من الرقابة على الوجود
المادي للوقائع ،قد اقتصرت على الحالة التي تكون فيها سلطة اإلدارة في إصدار القرار مقيدة وليست
تقديرية ،إال أننا نعتقد أن سلطة القاضي في بحث مدى صحة الوجود المادي للوقائع المدعاة من طرف
اإلدارة ال يختلف عما إذا كانت سلطة اإلدارة مقيدة أو تقديرية ،ذلك أن تقدير اإلدارة للوجود المادي للوقائع ال
يتعلق بحريتها في التصرف حتى يمكن الحديث عن سلطة تقديرية تترك لها ،وانما يتعلق بتقرير الواقعة كما
كانت في الحياة ،فالواقعة إما أن تكون موجودة أو غير موجودة( ،)2وبالتالي فإن اإلدارة ال تتمتع بسلطة
تقديرية فيما يتعلق بتقدير الوقائع من الناحية المادية ،وهي تخضع دائما لرقابة القضاء في هذا الصدد(.)3
الفرع الثاني
رقابة التكييف القانوني للوقائع
يراقب القاضي اإلداري في هذا الميدان -أي ميدان أومجال السلطة التقديرية -الوصف القانوني
للوقائع التي استندت إليها اإلدارة في إصدار قرارها ،فإذا اتضح له أن اإلدارة أخطأت في تكييفها القانوني
لهذه الوقائع فإنه يحكم بإلغاء القرار اإلداري لوجود عيب في سببه.
وسوف ندرس فيما يأتي مفهوم رقابة التكييف القانوني وطبيعة الرقابة القضائية عليها ،ثم سنتناول في
نقطة أخرى إستثناءات رقابة التكييف القانوني ،وفي نقطة أخيرة موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه
الرقابة.
-1نالحظ هنا أن جملس الدولة أشار يف احملل األول إىل عيب السبب ويف احملل الثاين إىل عيب عدم اإلختصاص .وكان بإستطاعته اإلكتفاء هبذا العيب
األخري دون التطرق لعيب السبب .كما يالحظ أن جملس الدولة يثري عيب خمالفة القانون حت وإن ثبت عدم وجود الوقائع اليت أسس عليها القرار.
-3نذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة-دراسة مقارنة ،-جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص . 292
أوال :مفهوم التكييف القانوني للواقائع و طبيعة الرقابة القضائية عليه
سنتناول فيما يأتي مفهوم التكييف القانوني للوقائع ،ثم طبيعة الرقابة القضائية على هذا التكييف في
مجال السلطة التقديرية لإلدارة.
-1مفهوم التكييف القانوني للوقائع
تتطلب عملية التكييف القانوني للوقائع اخضاع واقعة معينة أو حالة خاصة لقاعدة القانون المراد
تطبيقها ،وذلك عن طريق نقل هذه القاعدة من وضع العمومية والتجريد إلى وضع الخصوصية والتجسيد
للواقعة محل التكييف ،فالمقصود من عملية التكييف هو " إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة
قانونية").(1
فالتكييف القانوني هو " :إلحاق حالة واقعية بمبدأ قانوني ،وذلك بتصنيف هذه الواقعة وردها الى
الفئة القانونية التي تنطبق عليها") .(2كما عرف التكييف القانوني على أنه" :عبارة عن مجموعة من
العمليات الذهنية التي يقوم بها القاضي بقصد مقارنة الوقائع المعروضة عليه بقاعدة قانونية يراها
صالحة في نظره لحسم النزاع "( .)3فالتكييف إذن هو إخضاع الواقع لقاعدة قانونية معينة.
ويعرف "عصام عبد الوهاب البرزنجي" في رسالته عملية التكييف القانوني على أنها ":إعطاءالواقعة
الثابتة لدى رجل اإلدارة اسما وعنوانا يحدد موضعها داخل نطاق قاعدة القانون التي يراد تطبيقها ،أو
يدخلها ضمن الطائفة القانونية من المراكز أو الحاالت المشار إليها في قاعدة القانون"(.)4
وتجدر اإلشارة إلى أن عملية التكييف القانوني للواقعة ليست باألمر الهين ،وانما تقتضي من
القائم بها جهدا مزدوجا فيما يخص عنصري القانون و الواقع:
أ -عنصر القانون
يتمثل في تخصيص النص القانوني العام والمجرد ،و ذلك بإعطائه معنى أكثر تحديدا أو أقل عمومية
مما هو عليه.
ب -عنصر الواقع
يتمثل في تجريد الواقعة المادية التي يستند إليها القرار من فرديتها والوصول بها إلى مستوى عمومية
القاعدة القانونية ،وبالتالي فإنه "عن طريق تخصيص القاعدة القانونية وتجريد الواقعة المادية ،يمكن
التوصل إلى قيام التطابق بينهما"(.)1
-1خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص
.021
2
- Marie Christine Rouault, Droit administratif , Galino éditeur ,Paris,2002,p 269.
-3الغوثي بن ملحة ،أفكار حول اإلجتهاد القضائي ،اجمللة القضائية ،العدد األول ،سنة ،2333ص.60
-4نذير أوهاب ،املرجع السابق ،ص .98وسليمان حممد الطماوي ،التعسف يف استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عني مشس ،القاهرة،
،1128ص .026
فإذا كان التكييف القانوني يتم بنقل قاعدة القانون من العمومية إلى التخصيص ،والحالة الواقعية من
الفردية أو التخصيص إلى العمومية ،فإن رقابة التكييف القانوني تتمثل في" اخضاع الوقائع -بعد التأكد من
وجودها المادي والتأكد من صحتها -لحكم القانون ليقرر ما إذا كانت تتفق مع ما قصد إليه المشرع ،أي
).(2
رقابة مدى تبريرها للقرار الذي يستند إليها "
وبعبارة أخرى "،فإن التكييف القانوني للوقائع هو عملية ذهنية تنتقل بقاعدة القانون من حالة
السكون؛ أي العمومية والتجريد ،إلى حالة الحركة أي الخصوصية والتجسيد ،وذلك بانزال حكم القانون
)(3
على الوقائع"
فإذا ما بدر عن الموظف فعل ما وقدرت الجهة المختصة أنه ينطوي على إخالل بواجبات الوظيفة،
فإنه يقع على السلطة التأديبية واجب تكييف هذا الفعل من الناحية القانونية للتحقق مما إذا كان يشكل جريمة
تأديبية في نظر القانون ،أم أنه مجرد واقعة عادية ال تندرج في مكونات ذلك التوجه ،مما ينفي عنه وصف
)(4
الجريمة التأديبية.
-1حممد أشرف عبد الفتاح أبو اجملد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب القرارات اإلدارية ،دون رقم الطبعة ،دون دار النشر ،القاهرة،
،2336ص .22
-2املرجع نفسه ،ص 22و .28
- 3املرجع نفسه ،ص .28
- 4املرجع نفسه ،ص .28
- 5املرجع نفسه ،ص .28
ب -رقابة التكييف في حالة السلطة التقديرية رقابة مالءمة
ذهب جانب آخر من الفقه الفرنسي والمصري إلى أن الرقابة القضائية للتكييف القانوني للوقائع التي
تستند إليها اإلدارة في ق ارراتها المتخذة بناءا على سلطتها التقديرية ،تدخل ضمن الرقابة على المالءمة .ولذلك
ذهب الفقيه "دوبسون" إلى أن القاضي في رقابة التكييف يقوم بإحالل تقديره الشخصي للوقائع محل تقدير
اإلدارة ،و بهذا الوصف يتجاوز عمله إطار فحص الشرعية ويندرج تحت رقابة المالءمة(.)1
وهذا ما يؤكده الفقيه "جيز" ،حينما يقول أن الرقابة التي يباشرها القاضي اإلداري في مجال تكييف
الوقائع هي رقابة على المالءمة( .)2تلك الرقابة التي تتم -كما يقول األستاذ "كان" -في كل مرة يكون فيها
إحالل من جانب القاضي لتقديره الشخصي محل تقدير جهة اإلدارة .ففي قضاء المناظر األثرية مثال ال
يخفى ما تنطوي عليه عملية التكييف من تقديرات شخصية تقوم بها جهة االدارة لتحديد ما إذا كان المنظر
من قبيل المناظر األثرية ،ثم يأتي دور القاضي بعد ذلك في الرقابة على صحة هذا التقدير .وذلك بالتحقق
من صحة أ و عدم صحة الوصف الذي إنتهت إليه جهة اإلدارة وفقا لتقديره الخاص ،ودون الرجوع إلى أية
قاعدة قانونية ،ولذلك فإن الذي يفصل في توافر هذه الصفة هو خبير فني و ليس رجل قانون ،ومع ذلك فقد
أقام مجلس الدولة الفرنسي من نفسه خبي ار فنيا و أخضع المسألة لحكمه(.)3
وهو الرأي الذي انتهى إليه جانب من الفقه المصري ،حيث ذهب إلى أن رقابة القاضي اإلداري
للتكييف القانوني للوقائع تمثل رقابة على سلطة اإلدارة التقديرية ال على حدودها ،بإعتبار التكييف القانوني
للوقائع يعد مجاال للمالءمة المتروكة لإلدارة تتصرف فيه بحرية تامة ،ومن ثمة فإن رقابة القاضي اإلداري
لهذا المجال الذي يعمل فيه تقديره الذاتي ،تخرجه من حدوده الطبيعية في الرقابة على الق اررات اإلدارية،
وتدخله في مجال الرقابة على المالءمة(.)4
وبين الرأي القائل بأن رقابة التكييف القانوني لوقائع الق اررات اإلدارية المتخذة بناء على السلطة
التقديرية هي رقابة مشروعية ،وبين اإلتجاه القائل بأنها رقابة مالءمة لألسباب والحجج التي ذكرناها أعاله(.)5
نجد إتجاها ثالثا يقف موقف وسط بين الحلين ،يمثله الدكتور "محمد مصطفى حسن"( ،)6الذي أعاله(.)5
-1حممد حسنني عبد العال ،الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1113 ،ص 66و .69
-2رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .192
-3املرجع نفسه ،ص 192و .190
-4ومن بني الفقهاء املصريني الذين سايروا هذا اإلجتاه ،جند الدكتور رمضان حممد بطيخ ،و قد أوضح وجهة نظره مستندا يف ذلك إىل عدة حجج.
-5أما حنن فإننا نرجح الرأي القائل بأن رقابة التكييف القانوين متثل رقابة مالءمة ،ذلك أن هذه األخرية متثل مرحلة متطورة من مراحل الرقابة التقليدية
للقضاء اإلداري .حيث كان القصد منها احلد من السلطة التقديرية ،وذلك بوضع قيد جديد على تصرفات اإلدارة ،يتمثل يف ضرورة مراعاهتا -عند إختيار
الوقائع اليت تدعيها لقراراهتا -أن تكون هذه الوقائع مربرة يف ذاهتا ،أو مؤدية بالقرار املستند عليها إىل حتقيق الغرض الذي قصده املشرع من وراء اختاذ مثل
هذا القرار.
-6حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية ،مطبعة عاطف،1129 ،ص 266و .269
يرى بأن الرقابة القضائية على التكييف القانوني للوقائع في مجال السلطة التقديرية تدخل في نطاق رقابة
المشروعية أو رقابة المالءمة ،بحسب طبيعة النص الذي يمنح اإلختصاص لرجل اإلدارة؛ إذ يقول في ذلك:
" ...وليست مهمة القاضي واحدة في مجال التكييف :فقد يتحدد الوصف بالقانون أو الالئحة ،فيكون
األمر سهال ...وقد يكتفي المشرع بالتحديد المجرد – كما في الجرائم التأديبية ... -فإذا باشر القاضي
رقابة التكييف فعليه أن يحدد هذا المضمون بنفسه عن طريق انشاء ضوابط أو االحتفاظ بسلطة تقدير كل
عمل على حدة ،وفي كل مناسبة .وقد يصل األمر بالقاضي إلى مباشرة دور إيجابي وهام ...فيستلهم الحل
الذي سكت عنه المشرع من روح التشريع ثم يراقب ضوابط هذا الحل ...وقد يترك القضاء اإلداري أمر
التكييف لإلدارة ،وذلك حينما يقترب التكييف من المالءمة ،فيستشعر الحرج من التضييق على اإلدارة،
ويبدو هذا واضحا في مجال إج ارءات الضبط العام المتعلقة بإقامة األجانب وممارسة أنشطتهم داخل
البالد.)1("...
و "رمضان محمد بطيخ"( ،)3فقد اعتب ار أن الرقابة ()2
أما األستاذان" أشرف عبد الفتاح أبو المجد محمد"
على التكييف القانوني للوقائع التي حددها المشرع؛ أي تلك التي تدخل ضمن السلطة المقيدة لإلدارة ،تندرج
ضمن رقابة المشروعية ،وأن الرقابة على التكييف القانوني للوقائع التي لم يحددها المشرع؛ أي تلك التي
تدخل ضمن السلطة التقديرية لإلدارة ،هي رقابة مالءمة .ذلك أن مناط هذه الرقابة ليس مدى تطابق تصرف
اإلدارة مع نص قانوني ،ولكن مناطها مدى مالءمة تكييفها لهذه الوقائع .وبالتالي فإن الرقابة هنا هي رقابة
مالءمة وليست رقابة مشروعية.
ثانيا :إستثناءات رقابة التكييف القانوني للوقائع
إن رقابة القضاء على التكييف القانوني للوقائع ليست مطلقة ،إذ قد يرفض إعمال هذه الرقابة في
بعض الحاالت اإلستثنائية ،بحيث يقتصر في هذه الحاالت على مجرد التحقق من الوجود المادي للوقائع
دون أن يتطرق إلى بحث صحة التكييف الذي خلعته اإلدارة عليها .ولقد قسمها الفقه إلى حالتين( ،)4نذكرها
فيما يأتي:
-1يرى الدكتور حممد مصطفى حسن أن رقابة التكييف سابقة يف ظهورها عن رقابة الوجود امل ادي للوقائع ،على اعتبار أن اخلطأ يف التكييف ميثل خطأ يف
القانون ،واخلطأ يف القانون كوسيلة متميزة للطعن بااللغاء قد ظهر يف هناية القرن ،11أي قبل ظهور رقابة الوجود املادي للوقائع .املرجع نفسه ،ص .269
-2أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،املرجع السابق ،ص 21و .83
-3لقد عرض األستاذ رمضان حممد بطيخ حججا عديدة فند من خالهلا ادراج رقابة التكييف القانوين للوقائع املتخذة من اإلدارة بناء على سلطتها
التقديرية ضمن رقابة املشروعية .حبيث قدم نقدا الذعا ألنصار هذا اإلجتاه .أنظر يف ذلك مؤلفه :اإلجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد
من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة العربية ،1119 ،ص 196و ما بعدها.
-4باإلضافة إىل هاتني احلالتني ،يضيف جملس الدولة الفرنسي بعض اإلستثناءات األخرى .من ذلك القرارات اخلاصة مبوضوع الوظيفة العامة فيما يتعلق
باالشرتاك يف املسابقات املعدة للدخول يف الوظيفة العامة .فمجلس الدولة ال يبحث يف التكييف القانوين للوقائع اخلاصة بتقييم العمل .وال يف تقدير الوزير
لإلعتبارات اليت دفعته لتحديد الشروط اليت ميكن مبوجبها تولية موظفي وزارته بعض الوظائف اخلاصة...كما ال ميارس اجمللس رقابته على قرارات االنعام
-1المسائل ذات الصبغة الفنية والعلمية
لقد رفض القضاء اإلداري القيام برقابة التكييف القانوني فيما يتعلق بمجموعة من الق اررات التي تتسم
بطابع عملي معقد ،ذلك أن القضاء يكون عاج از عن مباشرة الرقابة بنفسه دون اإلستعانة برأي الخبراء من
أهل العلم و اإلختصاص .لذلك يفضل القضاء رفض القيام برقابة تكييف اإلدارة للوقائع بالنسبة لهذا النوع
من الق اررات ،مع أن دور القضاء في هذه الحالة من الناحية الفعلية سيقتصر على مجرد إعتماد أري الخبراء
العلميين فقط(.)1
ومن هنا ،فقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي عن رقابة تكييف كثير من الق اررات المتعلقة ببعض األدوية
أو المستحضرات الطبيعية ،سواء من حيث قيمتها العالجية أو من حيث خطورتها على األفراد .ومن ذلك
إمتناعه عن رقابة التكييف القانونني لرفض لجنة القراء بالمسرح الكوميدي "فرانسيز" عرض مسرحية أدبية(.)2
ولقد انتهج مجلس الدولة المصري ذات المسلك الذي سار عليه القضاء الفرنسي ،حيث يمتنع عن
(.)3
إال أنه لم يلتزم هذا المنهج على إطالقه إذ اعتمد اجراء رقابة التكييف القانوني في المسائل العلمية والفنية
مسلكا مغايرا ،حيث قرر اخراج عدد من الق اررات الصادرة في مسائل علمية وفنية وأخضعها لرقابة التكييف
القانوني .وهي الق اررات التي تمس الحريات الشخصية مستعينا في ذلك برأي أهل الخبرة والعلم ،ومن ذلك
مثال حكم المحكمة اإلدارية العليا الصادر في يونيو 1162الذي يقول فيه أنه " :إذا كانت سلطة مركز
مراقبة األمراض العقلية في تقدير ما إذا كان الشخص المصاب بمرض عقلي أم ال ،هي في األصل سلطة
تقديرية بإعتبارها من األمور الفنية ذات التقدير الموضوعي ،بحيث ما كان يجوز التعقيب عليها إال عند
إساءة استعمال السلطة ،إال أنه لما كان األمر يتعلق بالحرية الشخصية ،فمن ثم يجوز للقضاء اإلداري
اتخاذ ما يلزم للتحقق من قيام هذه الحالة المرضية أو عدم قيامها ،وله في هذا الصدد أن يندب من يراهم
من أهل الخبرة إذا قام لديهم من الشواهد ما يبرر ذلك "(.)4
أما في الجزائر ،فنجد الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا قد أكدت في بعض ق ارراتها على إمتناعها عن
رقابة التكييف القانوني للوقائع فيما يخص المسائل الفنية والعلمية ،وخاصة في مجال نزع الملكية ألجل
باألومسة .فإذا كان الوسام املزمع االنعام به يتطلب ميزة شخصية ،فإن تقدير جدارة املرتشح هو تقدير تقوم به اإلدارة على أساس من سلطتها التقديرية .أنظر
يف ذلك :نذير أوهاب ،املذكرة السابقة ،ص .263
-1سامي مجال الدين ،الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة املعارف للنشر ،اإلسكندرية ،دون تاريخ.ص .012
-2املرجع نفسه ،ص .021
-3من أشهر التطبيقات القضائية هلذا النوع من القرارات يف مصر تقدير درجة اإلمتحان .حيث ذهبت حمكمة القضاء اإلداري إىل أن التصحيح وتقدير
درجات ا إلجابة عملية فنية حبتة ،ال جيوز قانونا أن ختضع لرقابة القضاء اإلداري .حيث يؤدي ذلك إىل التدخل يف أمور فنية تقديرية من إختصاص اإلدارة.
أنظر يف ذلك :زكي حممد النجار ،فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة،1112 ،ص .28
-4رمضان حممد ب طيخ ،االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها ،دار
النهضة العربية ،1119 ،ص .102
المنفعة العمومية .حيث تجد المحكمة العليا نفسها عاجزة عن مباشرة الرقابة بنفسها فيما يخص مدى مالءمة
اختيار األرض محل نزع الملكية دون اإلستعانة بخبراء في هذا المجال .وهذا ما يقرره أحد ق ارراتها رقم
99193الصادر في ،)1(1113/39/21 :الذي قضت فيه ":من المستقر عليه قضاءا أن القاضي اإلداري
غير مؤهل بمراقبة مسح مالءمة اختيار اإلدارة لأل راضي محل نزع الملكية قصد إنجاز المشروع ذي
المنفعة العامة.
ومن ثم النعي على القرار اإلداري المطعون فيه بأن صفة المنفعة العامة غير مقدرة في غير محله".
-2ق اررات الضبط الخاصة بنشاط األجانب و إقامتهم
لقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي عن فرض رقابة التكييف في بعض مجاالت الضبط وترك لإلدارة
سلطة تقديرية واسعة بشأنها ،واقتصر دوره فقط على الرقابة على الوجود المادي للوقائع دون بحث التكييف،
ومن هذه اإلستثناءات :الق اررات الصادرة لتنظيم إقامة ونشاط األجانب في فرنسا ،كمنع األجانب من الدخول
إلى فرنسا وتقييد إقامتهم فيها ،وحل الجمعيات المؤسسة من قبل األجانب( ،)2وكذلك طرد األجانب ،والق اررات
الخاصة بمنع ترويج وتوزيع وبيع الصحف والمحررات األخرى من مصدر أجنبي ،و ق اررات منح الترخيص
الالزم لممارسة األجنبي لألعمال التجارية في فرنسا( .)3بل وقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى أبعد من
ذلك ،بأن منع رقابة التكييف القانوني على ق اررات الضبط المتعلقة بالترخيص لألفراد بالسفر إلى خارج البالد،
باإلمتناع عن منحهم جوازات السفر الالزمة لذلك(.)4
وقد سار القضاء الجزائري على دربه في قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم 08691المؤرخ
في ،1180 -0 -16في قضية (حاج ق) ضد دائرة بوفاريك( ،)5حيث جاء في منطوق القرار ..." :وأنه
يجوز لإلدارة من حيث المبدأ رفض أو تمديد أجل جواز السفر ألحد الرعايا الجزائريين إذا ما رأت بأن تنقله
إلى الخارج من شأنه أن يمس باألمن العام ،وأن التقدير الذي تقوم به اإلدارة غير قابل للمناقشة أمام
قاض تجاوز السلطة".
-1اجمللة القضائية ،العدد الثاين ،تصدر عن قسم املستندات والنشر للمحكمة العليا ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،اجلزائر ،1112،ص .168
-2حممد مصطفى حسن ،املرجع السابق ،ص .019
-3نذير أوهاب ،املذكرة السابقة ،ص 291و .263حبيث قرر جملس الدولة الفرنسي أن القرارات الصادرة عن وزير الداخلية يف هذا الصدد ،بنيت على
وقائع تتعلق باألمن العام ،وأن هذه الوقائع ال جيوز مناقشتها أمام اجمللس .انظر يف ذلك:رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .120
-4دريسية حسني ،حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري ،مذكرة ماجستري ،جامعة قاملة ،2339،ص .122
-5اجمللة القضائية ،احملكمة العليا ،قسم الوثائق ،العدد الرابع،1181 ،ص .222
()1
ثالثا :موقف القضاء من رقابة التكييف القانوني للوقائع
لقد ظهرت رقابة التكييف القانوني في قضاء مجلس الدولة الفرنسي منذ سنة ،1119في حكم
"جوميل" الشهير) ،(2إذ انطالقا من هذه القضية منح لإلدارة الحق في فرض بعض القيود على أصحاب
العقارات قصد حماية المناظر ذات األهمية األثرية والتاريخية .وفي هذه الحالة ال يكون قرار اإلدارة بفرض
بعض القيود على أصحاب العقارات صحيحا إال إذا كان تقديرها وتكييفها للمناظر أو المواقع التاريخية األثرية
صحيحا من الناحية العملية والفنية( ،)3فإذا كان ما ذهبت إليه اإلدارة مجرد إدعاء غير قائم على أسس علمية
وفنية فإن قرارها بفرض القيود على األفراد لحماية المنظر أو المكان ،يكون قابال لإللغاء لعدم التكييف
الصحيح للواقعة المادية التي يستند إليها(.)4
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا القضاء على المنازعات التي عرضت عليه سواء في الوظيفة
العامة أم في مجال النشر والصحافة والسينما ،وخاصة الرقابة على الجوانب األخالقية في هذه األعمال(.)5
ففي مادة الوظيف العمومي ،نجد قضية اآلنسة "ويس" في قرار مجلس الدولة في 28أفريل ،1108
وتتمثل وقائعها في كون معلمة متربصة قامت بواسطة رسالة شخصية بدعوة تلميذ معلم éléve maitre
للحضور أثناء العطلة لالستماع لمحاضرات ذات طابع ديني ،ولقد اعتبر المجلس بأن ذلك ال يعتبر خرقا
لمبدأ الحياد المدرسي ،وقام تبعا لذلك بإبطال القرار الرافض ترسيمها في وظيفتها(.)6
-1وهذا النوع من الرقابة قد وجد مكانه يف كافة األنظمة القانونية تقريبا .فهو يعد يف النظام اإلجنليزي امتدادا لفكرة احلقائق القضائية ،وهي نفسها فكرة
الرقابة على مشروعية األسباب يف النظام الفرنسي واملصري .ولعل أشهر القضايا اليت أبرزت فكرة الرقابة على التكييف القانوين للوقائع يف القضاء اإلجنليزي
قضية" هوايت و كلني" ضد وزير الصحة سنة .1101واملهم يف هذا احلكم أن رقابة القضاء قد امتدت إىل تكييف الوقائع اليت تعطي للسلطة اإلدارية
أهلية إختاذ القرار .وهذا ما عرب عنه احلكم عندما اعترب مسألة ما إذا كانت األرض موضوع النزاع تكون أو ال تكون جزءا من بستان ،هي مسألة سابقة على
ممارسة اإلدارة إلختصاص إصدار القرار ،وهذا القرار يأيت نتيجة التكييف الصحيح للواقعة ،وهو بذلك خيضع لرقابة هذه احملكمة .أنظر يف ذلك :رمضان
حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .112
-2تتلخص وقائعها يف أن السيد "جوميل" قد طلب الرتخيص له بالبناء يف ميدان "بوفو" بباريس .فرفضت اإلدارة طلبه ملا حيدثه البناء يف هذا امليدان من
مساس بأحد املعامل األثرية .وعندما حبث جملس الدولة الفرنسي هذا األمر وجد أن امليدان املذكور ال يدخل يف عداد املعامل األثرية ،وألغى بذلك قرار االدارة
ملا شابه من خطأ يف التكييف القانوين للوقائع اليت قام عليها .أنظر يف ذلك :خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص .003و أشرف عبد الفتاح أبو اجملد
حممد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب القرارات اإلدارية ،2336 ،ص .29
-3يرى األستاذ chapusأن قرار جوميل ميثل أكرب خطوة خطاها جملس الدولة الفرنسي يف طريق رقابة مشروعية القرار.أنظر يف ذلك:
René Chapus, Droit administratif général, tome 1, Montchestien, 9 emme édition, p 917 à
920.
-4عبد اهلل طلبه ،القضاء اإلداري :الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،املطبعة اجلديدة ،دمشق ،1121 ،ص .213
-5عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1112 ،ص .266
6- René chapus, opcit, p 918.
وفيما يتعلق بالقضاء اإلداري المصري فقد بسط رقابته على التكييف في معظم األحوال ،ليطمئن إلى
انطباق الوصف القانوني الذي قالت به اإلدارة على الوقائع ،وامتدت هذه الرقابة إلى العديد من المجاالت
)(1
وخاصة في ميدان الوظيفة العمومية وكل ما يتصل بها من ترقية وتأديب واستقالة واحالة على المعاش ...
أما بالنسبة للقضاء اإلداري الجزائري ،فقد أرسى أسس هذه الرقابة وذلك في كل حالة تخضع فيها
سلطة اإلدارة في إتخاذ قرار معين إلى ضرورة توافر شروط واقعية معينة ينص عليها القانون ،بحيث يحق
للقاضي اإلداري في هذه الحالة أن يراقب إلى جانب الوجود المادي لهذه الوقائع ،التكييف القانوني الذي
تضفيه اإلدارة عليها ليتحقق من أنها تندرج فعال داخل إطار الفكرة القانونية التي يتضمنها النص ،وهو ما
يعني الرقابة على تقدير اإلدارة لمدى توافر الوصف القانوني في الوقائع التي استند إليها القرار.
ومن أهم تطبيقات الرقابة على التكييف القانوني للوقائع في القضاء اإلداري الجزائري نجد مايأتي:
أ -الق اررات المتعلقة بالتأميم
لقد ألغت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى العديد من الق اررات اإلدارية لعدم صحة التكييف القانوني
للوقائع المستندة إليها ،منها قرارها الصادر في قضية " تومارون " ،حيث تتلخص وقائع هذه القضية في أن
محافظ الجزائر أصدر ق ار ار بتأميم أمالك السيد "تومارون" تطبيقا للمرسوم المتعلق بتأميم اإلستغالالت
الزراعية العائدة لألجانب ،إال أن األمالك هنا مخصصة لإلستعمال السكني ،وهنا ألغى المجلس األعلى قرار
محافظ الجزائر لوجود خطأ في التكييف القانوني للوقائع ،والذي صححه القاضي بإلغاء قرار المحافظ(.)2
ار مماثال تم اصداره من وزير الفالحة ،حيث استند على
كما ألغى المجلس األعلى-الغرفة اإلدارية -قر ا
نفس المرسوم الصادر في ،1190/13/1:إلتخاذ عقوبات في مواجهة الصندوق المركزي إلعادة التأمين
والتعاقد الفالحي ) ،(CCRMAإال أنه على الرغم من أن أنشطة الصندوق تتعلق بالقطاع الفالحي ،إال أنها
ال تدخل ضمن اإلستغالالت الزراعية ،وبالتالي فمن الخطأ تطبيق المرسوم المشار إليه ،وتبعا لذلك قام
()3
المجلس األعلى بإلغاء هذا القرار لعدم صحة التكييف القانوني للوقائع.
-1ومن تطبيقات ذلك يف القضاء اإلداري املصري ،ما قضت به احملكمة اإلدارية العليا يف حكمها الصادر بتاريخ 1162/1/6بإلغاء قرار فصل مأذون
شرعي الهتامه باإلقدام على الزواج بعقد عريف .معتربة أن هذا الفعل اليشكل إخالال من املدعي بواجبات وظيفته؛ إذ مل يكن يباشر عند زواجه عمله الرمسي
كمأذون شرعي .وبالتايل ال مانع من أن يتزوج زواجا عرفيا دون أن يوثقه.أنظر يف ذلك :خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة
واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .001ويف حكم يتعلق بفصل أحد املوظفني من اخلدمة بينت احملكمة
أن قيام املوظف بتغيري ديانته من املس يحية إىل اإلسالم لتحقيق غرض خاص ،مث ارتداده بعد ذلك إىل املسيحية ميكن تكييفه بأنه من قبيل سوء السلوك
الشديد الذي يربر فصله .وملزيد من األمثلة أنظر :عبد الغين بسيوين عبد اهلل ،املرجع السابق ،ص .269
2
- Bouchahda (H) et Kheloufi (R), Recueil d’arrêts, jurisprudence administrative, OPU Alger,
1985.p 9.
-3أمحد حميو(،ترمجة فائز أجنق وبيوض خالد) ،املنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،جامعة اجلزائر ،2338،ص.181
ب -الق اررات المتعلقة بنزع الملكية
كذالك استقر المجلس األعلى على إلغاء الق اررات اإلدارية المشوبة بخطأ في التكييف القانوني ،حيث
قضى بأنه " :من المقرر قانونا أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يعود لألشخاص العامة المعنوية
ومختلف الهيئات في إطار إنجاز عمليات معينة طبقا لما هو محدد فيهما ألجل المنفعة العمومية ،ومن ثم
فإن هذه الطريقة في اكتساب العقارات أو الحقوق العينية العقارية التستخدم إال في فائدة الكيانات
القانونية اآلنفة الذكر ،وليس لصالح هيئات المداولة فيه.
ولما كان ثابتا في قضية الحال أن قرار الوالي نص على أن المستفيد من إجراء نزع الملكية هو
المجلس الشعبي البلدي ،فإن بالنص على إستفادة مقررة لصالح هيئة تداولية اشتمل على خطأ القانوني
...ومتى كان كذلك إستجوب إبطال القرار المطعون فيه بالبطالن"(.)1
ومن العرض السابق ،يتضح لنا مدى اتساع سلطات القاضي اإلداري في رقابته على صحة تكييف
اإلدارة للوقائع ،وشمول هذه الرقابة لغالبية صور الق اررات اإلدارية ،بحيث أصبحت تمثل رقابة الحد األدنى
التي يمارسها القضاء في الطعن بتجاوز السلطة.
ل كن تجدر اإلشارة إلى أن القضايا التي راقب فيها القاضي الجزائري التكييف القانوني للوقائع تعد
نادرة ،وعليه ال يمكن الجزم بأن هذه الرقابة تعد قاعدة عامة في القضاء الجزائري ،خاصة وأن هذا األخير لم
يلعب دو ار كبي ار في الرقابة على الوجود المادي للوقائع.
الفرع الثالث
رقابة التناسب
إذا كانت القاعدة األساسية التي تحكم رقابة القضاء اإلداري على أعمال اإلدارة العامة ،تتمثل في أن
هذه الرقابة تنصب على مشروعية األعمال اإلدارية تاركة مجال المالءمة لتقدير اإلدارة ،فإن هذه القاعدة قد
ط أر عليها إستثناء هام في مجال الرقابة القضائية على عيب السبب ،تمثل فيما يعرف "برقابة التناسب أو
المالءمة".
فإذا كانت رقابة القضاء اإلداري على الوجود المادي للوقائع ،تبحث عن إجابة للتساؤل عما إذا كانت
الوقائع التي أسس عليها القرار قد وقعت بالفعل من الناحية المادية أم أنها لم تحدث .وأن رقابته على
التكييف القانوني للوقائع تهدف إلى التأكد مما إذا كانت هذه الوقائع تطابق ما خلقته عليها اإلدارة من وصف
قانوني أم ال .فإن الرقابة القضائية على تناسب القرار اإلداري فرضت لمعرفة مدى التناسب بين الوقائع
ومضمون القرار اإلداري الذي صدر بناءا عليها.
ومن هنا يطرح التساؤل حول ماهية هذه الرقابة وخاصة موقف القضاء الجزائري منها.
-1قرار الغرفة اإلدارية باحملكمة العليا ،رقم ،02939الصادر يف ،1181/12/21 :اجمللة القضائية ،العدد األول ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية،
اجلزائر ،1113 ،ص .239
أوال :ماهية الرقابة على التناسب
سنتناول مفهوم الرقابة على التناسب ثم طبيعة هذه الرقابة.
)(1
-1مفهوم الرقابة على التناسب
التناسب فكرة أساسية من أفكار القانون اإلداري) ،(2و يقصد به في مجال الق اررات اإلدارية؛ "تحقيق
ا لتوافق بين سبب القرار ومحـله ،أو هو اشتراط عالقة تطابق بين الوقائع الثابتة واإلجراء المتخذ بشأنها،
ويمكن أن ينشأ التناسب من عالقة تطابق بين وسيلة وهدف في نص معين ،والتناسب بهذا المعنى يمكن
أن يتغير تبعا للحالة المتوقعة والمضار المتحصلة ،كما يمكن أن ينشأ بعمل حساب ختامي للمزايا
المتوقعة وللمضار ودرجة خطورة الحالة وأهمية الهدف الواجب الوصول إليه ،والضيق الذي تسببه
)(3
لألفراد".
ومن هنا كان المراد بالتناسب هو " اختيار اإلجراء المالئم الذي يتفق ويتناسب مع أهمية الوقائع").(4
أما في مجال التأديب فيقصد بمبدأ التناسب ":أن تأخذ بعين االعتبار خطورة األفعال المنسوبة
للموظف وما يناسبها من جزاء تحت رقابة القضاء ضمانا لشرعية العمل اإلداري وحسن سير اإلدارة"(.)5
وفي مجال الضبط اإلداري يقصد بالتناسب...":ال يكفي لتدخل اإلدارة قيام سبب مشروع ،بل البد أن
تكون اإلجراءات التي تتخذها اإلدارة مناسبة لألسباب التي استدعتها ،بمعنى أن تكون وسائل اإلدارة
(.)6
ضرورية والزمة لتحقيق أغراض النظام العام"
يقصد برقابة التناسب بصفة عامة ،أن يتحقق القاضي من مدى تناسب التصرف محل الرقابة
والظروف و اإلعتبارات الواقعية المحيطة بكل من اإلدارة و المتعاملين ،دون المساس بمبدأ الفصل بين
السلطات)7(.كما يقصد برقابة التناسب "رقابة مدى التناسب بين اإلجراء الذي اتخذته اإلدارة وبين الوقائع
أو األسباب التي دفعتها إلى إتخاذ مثل هذا اإلجراء ،وذلك ما يتطلب من السلطة اإلدارية المختصة أن
-1بالبحث يف قواميس اللغة العربية ،جند أن لفظ التناسب مشتق من أصل كلمة "نسب"" .والنسب يعين القرابة ،وانتسب واستنسب ،أي ذكر نسبه،
وناسب مناسبة ،ماثله وشاكله والءمه .وتناسب أي متاثال وتشاكال ،واستنسب الشيء ،وجده مناسبا مالئما ،والنسبة ،القرابة و ايقاع التعلق واالرتباط بني
شيئني .والتماثل بني عالقات األشياء والكميات .والنسبة تعين الصلة ،ويف علم الرياضيات تعين نتيجة مقارنة إحدى كميتني من نوع واحد باألخرى،
وتناسب الشيئني أي تشاكال ،والتناسب التشابه ".أنظر يف ذلك - :قاموس لسان العرب البن منظور ،دار املعارف ،مصر ،ص .9936و قاموس املنجد
يف اللغة واإلعالم ،دار املشرق ،بريوت ،ط ،1181/26ص .830وقاموس املعجم الوجيز ،جممع اللغة العربية ،طبعة وزارة التعليم مبصر ،1111 ،ص
.912
-2ح احا عبد العايل و أمال بعيش ،الرقابة على تناسب القرار اإلداري وحمله يف دعوى اإللغاء ،جملة املنتدى القانوين ،بسكرة ،ص.109
-3خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2331 ،ص .19
-4نذيرأوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة،دراسة مقارنة،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ،ص.269
-5عبيوط حمند وعلي ،الضمانات التأديبية يف القانون األساسي العام للوظيفة العمومية ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات
اإلدارية،جامعة قاملة.2311،
-6حممد مصطفى حسن ،السلطة التقديرية يف القرارات االدارية ،مطبعة عاطف ،1129 ،ص .003
-7سامي مجال الدين ،فضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص .8
تقوم بعملية تقييم وتقدير جيد ودقيق ألهمية وخطورة هذه الوقائع أو األسباب ،حتى يتسنى لها إختيار
(.)1
اإلجراء المالئم لها"
ولعل في إجراء تمييز بين مفهوم التناسب بالمعنى السالف البيان وبين أكثر المصطلحات القانونية
مقاربة له ،وهو المالءمة ،ما يبدد أي غموض أو لبس قد يكتنف ذلك المفهوم .فالمالءمة من أكثر
المصطلحات القانونية التي تختلط وتتداخل مع اصطالح التناسب للدرجة التي يتم فيها غالبا استعمالهما
كمترادفين.
ينصرف مدلول المالءمة في اإلصطالح القانوني بوجه عام ،إلى توافق العمل القانوني مع ظروف
الزمان و المكان واإلعتبارات المحيطة بإصداره من كافة جوانبه( .)2أما التناسب فهو " يشير إلى الصلة
الداخلية بين بعض مكونات القرار اإلداري وأركانه وعناصره ،وبالتحديد بين سببه ومحله "(.)3
فإذا كان إصطالح المالءمة يعني توافق القرار االداري مع جميع العوامل والظروف المحيطة باصداره
من كافة جوانبه ،فإن إصطالح التناسب ال يعني سوى توافق اإلجراء المتحذ – أي محل القرار االداري – مع
السبب المصاحب له ،وبالتالي فهو ينصب على أحد جوانب المالءمة في القرار ،وليس على جميع جوانبها،
فالتناسب بهذا المعنى أحد مالءمات القرار اإلداري في مجال السلطة التقديرية لإلدارة(.)4
إن مفهوم المالءمة أوسع إذن من مفهوم التناسب ،بل إن المفهوم األول يستغرق الثاني ويستوعبه،
()5
باعتباره يندرج في أحد أجزائه أو مكوناته ،و من ثم فإنهما ال يتطابقان معا ،وال يعد أحدهما مرادفا لآلخر.
()5
لآلخر.
-1رمضان حممد بطيخ ،اإلجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة
العربية ،1119 ،ص .12وجتدر اإلشارة إىل أن اجمللس الدستوري املصري يف اعرتافه بدستورية مبدأ التناسب ،يشري إىل أن هذا املبدأ يعد نتيجة منطقية
للمبدأ املنصوص عليه يف املادة 38من إعالن حقوق االنسان و املواطن؛ ونعين به مبدأ وجوب أن تكون العقوبة املختارة ضرورية بشكل قاطع وصريح.
أنظر يف ذلك :حممد باهي أبو يونس ،الرقابة القضائية على شرعية اجلزاءات اإلدارية العامة ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2333،ص .119
-2خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص .11
3
جورجي شفيق ساري ،رقابة التناسب يف نطاق القانون الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2333 ،ص .20
-4خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص .131
-5املرجع نفسه ،ص .131
()1
- 2طبيعة رقابة التناسب
إذا كان القضاء اإلداري سواء في فرنسا أم في مصر أم في الجزائر قد باشر رقابة التناسب في
مجاالت عدة ،فقد ثار التساؤل حول أساس تلك الرقابة ،بمعنى هل تعد حقيقة صورة من صور الرقابة على
المالءمة أم أنها ال تعدو أن تكون مظه ار من مظاهر تطور الرقابة على المشروعية؟.
وهنا نجد اختالفا بينا بين الفقهاء ،حيث ذهب جانب منهم إلى اعتبار الرقابة في مجال التناسب –حتى
وان كانت تتم في مجال المالءمة -رقابة مشروعية ،على أساس أن دور القاضي اإلداري في دعوى اإللغاء
يقتصر فقط على مجرد فحص المشروعية دون المالءمة .لذالك فهم يبررون ذلك بتفسيرات تتالءم ووجهة
نظرهم ،في حين أن جانبا آخر من الفقه يرى أنه ال تعارض على اإلطالق بين ما تجريه اإلدارة وهي بصدد
مباشرة سلطتها التقديرية من مالءمة وبين أن تخضع هذه المالءمة للرقابة القضائية ،فقاضي اإللغاء لم يعد
قاض مشروعية فقط وانما أصبح قاضيا للمالءمة.
فأي من هذين الفريقين أولى باإلتباع؟ هذا ما سنبينه فيما يأتي:
أ-المشروعية أساس رقابة التناسب
يكاد يجمع الفقه على أن هذه الصورة من الرقابة ال يمارسها القضاء اإلداري على الق اررات االدارية إال
على سبيل اإلستثناء من القاعدة العامة في رقابته على مشروعية األعمال اإلدارية ،والتي تقتصر في األصل
على التحقق من صحة الوجود المادي للوقائع ومن سالمة تكييفها القانوني ،وال تتعداه إلى الرقابة على تقدير
أهمية الوقائع و خطورتها .لتعلق هذا التقدير بأحد عناصر المالءمة التي تترخص فيها اإلدارة؛ ذلك أن دور
القاضي اإلداري يتحدد –كقاعدة عامة -برقابة مشروعية الق اررات االدارية ،دون التعرض لبحث مدى
مالءمتها.
وتبعا لذلك ،يرى أنصار هذا اإلتجاه بأن القاضي اإلداري يراقب مدى تناسب اإلجراء الذي اتخذته
اإلدارة مع أهمية وخطورة الوقائع التي استندت اليها؛ وهو ما يجسد جوهر السلطة التقديرية لالدارة ،إال أنهم
يرون أن هذه الرقابة ال تخرج عن كونها رقابة مشروعية ،مستندين في ذلك إلى كون التناسب شرطا أو
عنص ار من عناصر مشروعية القرار اإلداري ،وذلك ألن القاضي ال يراقب ممارسة التقدير لكنه يراقب
()2
مشروعية الفعل بحيث تصبح مالءمة التصرف شرطا لمشروعيته.
-1يدرج غالبية فقه القانون العام الرقابة القضائية على التناسب ضمن احللقة األخرية من الرقابة القضائية على ركن السبب يف القرار االداري .إال أن جانبا
آخر من الفقه أمثال سامي مجال الدين ،وخليفة سامل اجلهمي ،قد ذهب اىل أن هذه الصورة من الرقابة أقرب اىل الرقابة على عنصر احملل منها اىل الرقابة
على عنصر السبب ،ألن تقدير أمهية الوقائع اليت يقوم عليها القرار هي خطوة أوىل إذا ما حتققت تتلوها خطوة أخرى ،وهي تقدير اخلطورة النامجة عن تلك
الوقائع لتربير مضمون وفحوى القرار للوقوف على مدى التوافق بينهما .أنظر يف ذلك- :سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لالدارة ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،1112،ص 219وما بعدها .وخليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص 002و .000
-2سامي مجال الدين ،قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،املرجع السابق ،ص .38
وهكذا يخلص أنصار هذا اإلتجاه إلى أن رقابة القاضي اإلداري للمالءمة تعتبر هذه األخيرة شرطا من
شروط مشروعية ق اررات الضبط اإلداري ،ولذلك يصبح من واجب القاضي -باعتباره قاضيا للمشروعية-
رقابة هذا الشرط للتأكد من سالمة تقدير اإلدارة له .فالقاضي اإلداري ال يراقب سوى مشروعية الق اررات
اإلدارية دون مالءمتها ،واذا اضطر لرقابة هذه المالءمة فإن ذلك يكون حينما تعتبر شرطا من شروط
المشروعية ،أما المالءمة في ذاتها كظاهرة مستقلة ومنفردة ،فإنها ال تخضع بحال من األحوال لرقابة
القضاء(.)1
ب -المالءمة أساس رقابة التناسب
يرى أنصار هذا اإلتجاه عدم وجود تعارض بين أن يكون لإلدارة مكنة إجراء تناسب أو تالؤم في
ق اررتها ،وبين أن يباشر القضاء رقابته على هذه المكنة .فرقابة القاضي اإلداري لمدى تناسب الق اررات
اإل دارية ال تتعارض البتة مع ما يجب أن تتمتع به اإلدارة من إستقالل أو حرية في هذا الشأن ،ومن ثم فهي
ال تمثل اعتداءا عليها من جانب القاضي مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات ،كما يقول بذلك جانب آخر
(.)2
من الفقه
خاصة إذا ما وضعنا في اإلعتبار أن هذه الرقابة ال تعني على اإلطالق أن يحل القاضي اإلداري
نفسه محل رجل اإلدارة ،أو أن يعتدي على اختصاصه في هذا الشأن ،ذلك أن ما يتوصل إليه رجل اإلدارة
من تقدير لهذا التناسب هو الذي يشكل اإلطار أو النطاق الدي تدور فيه رقابة القاضي.
ورقابة القاضي قد تنتهي إما باإلبقاء على القرار المتضمن لهذا التقدير واما بإلغائه دون تعديل؛ أي
دون أن يصل األمر الى حد إصدار القاضي لقرار جديد بدال من القرار الملغى ،أو إلى حد التعديل في
مضمون هذا القرار مع اإلبقاء عليه .إذ في هذه الحالة فقط يمكن القول بوجود اعتداء من جانب القاضي
على استقالل وحرية السلطات االدارية ،وهو ما لم يحدث مطلقا مما يؤكد احترام القاضي اإلداري لوظيفته
القضائية(.)3
صفوة القول أن رقابة القاضي االداري للتناسب هي رقابة مالءمة وليست رقابة مشروعية .ولهذا
نالحظ أن القضاء اإلداري يزحف بتلك الرقابة إلى األمام كلما وجد الفرصة سانحة لذلك ،وهو ما تظهره
اإلتجاهات الحديثة في قضائه()4والتي نتناولها في المطلب الثاني.
-1يرجع األستاذ "عمار عوابدي" السبب يف ذلك إىل كون فكرة املالءمة فكرة ذات طابع مادي وعملية فنية غري قانونية ،تتمثل أساسا يف إجياد التناسب
بني الوقائع واإلجراءات أو القرارات املتخذة واألغراض أو األهداف منها .أنظر :عمار عوابدي ،النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي
اجلزائري ،اجلزء الثاين ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1118ص 669و .669
-2انظر يف الفقه الفرنسي "هوريو" و "بونار" ،أما يف الفقه املصري فنجد "السيد حممد إبراهيم"" ،سعد عصفور" و حمسن خليل".
-3رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .113
-4جتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي مل يعمم هذه الرقابة على قرارات الضبط اإلداري كافة ،حيث أخرج منها عدداً من القرارات تاركاً لإلدارة يف
خصوصها حرية واسعة يف التقدير .ومن ذلك ما تتخذه اإلدارة من إجراءات بوليس عليا ومن قرارات ذات مسة سياسية واحلاالت املتعلقة باملسائل الفنية.
وهي ذات احلاالت اليت إمتنع فيها عن رقابة اإلدارة فيما جتريه من تكييف الوقائع اليت تدعيها يف خصوصها .للمزيد من التفاصيل حول جماالت الضبط
()1
ثالثا :موقف القضاء من رقابة التناسب
لقد كان الضبط االداري المجال الخصب الذي أعمل فيه مجلس الدولة الفرنسي رقابة التناسب)2(،ولقد
شكلت الق اررات اإلدارية الضبطية الصادرة عن السلطات المحلية ،وهي ما يطلق عليه ب" :إجراءات الضبط
المحلية" المجال األساسي الذي باشر فيه مجلس الدولة الفرنسي رقابته لمدى التناسب بين إجراء الضبط
المحلي وبين الخطر الذي اتخذ من أجله(.)3
ويعد حكم Benjaminالشهير نقطة اإلنطالق الحقيقية لتلك الرقابة في قضاء مجلس الدولة
الفرنسي( ،)4فقد صدر هذا الحكم بمناسبة قرار أصدره عمدة مدينة ، Néversيمنع بمقتضاه اجتماعا عاما
بسبب تخوفه من اإل ضطرابات التي قد يتسبب فيها هذا االجتماع وما قد يؤدي إليه ذلك من إخالل باألمن
والنظام في المدينة .ومع اعتراف المجلس بإمكنية حدوث مثل هذه اإلضطرابات إال أنه ألغى مع ذلك قرار
العمدة ،حيث تبين له بعد فحص ظروف الدعوى واجراء التحقيقات الالزمة ،أن االضطرابات المحتملة التي
اإلداري اليت إمتنع القاضي اإلداري يف خصوصها عن رقابة املالءمة أنظر - :أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف
تسبيب القرارات اإلدارية ،2336 ،ص .89
-1جتدر اإلشارة إىل أن فكرة التناسب قد وجدت تطبيقات هلا يف الشريعة اإلسالمية يف ميدان التعازير .وهي العقوبة اليت مل حيددها الشارع لكل معصية
ليس فيها حد وال كفارة وإمنا ترك أمر تقديرها للقاضي ،لكن ذلك ال يعين تركها هلوى هذا األخري ألن الغرض األساسي من التعزير يف اإلسالم هو الزجر.
وبالتايل فالعقوبة البد أن تكون حمققة هلذا الغرض .فال جيوز أن تقف دون احلد الذي يتحقق معه الزجر بالتفريط أو التساهل .وال تكون أزيد مما يلزم
لتحقيق ذلك بالغلو أو اإلفراط ،بل يتعني أن تكون على قدر احلاجة مبا يتحقق معه الغرض من فرضها دون زيادة أو نقصان .فتقدير العقوبة ال يتم بصورة
حتكمية وإمنا يتحدد مبا يتناسب مع جسامة اجلرمية وخطورة مرتكبها .أنظر يف ذلك :فؤاد معوض ،تأديب املوظف العام يف الفقه اإلسالمي والقانون
الوضعي ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،2339 ،ص .118
-2وقد قيل يف تربير ظهور الرقابة يف جمال الضبط اإلداري يف قضاء جملس الدولة الفرنسي أن جمال الضبط يتصل إتصاال وثيقا باحلريات العامة ،وأن موضوع
احلريات العامة يعترب مسألة قانونية .وبالتايل فهو يشكل عنصرا من عناصر مشروعية إجراء الضبط .ويبدو أن اعتبار موضوع احلريات العامة مسألة قانونية ال
يقدم تربيرا كافيا ،لذلك اعترب الدكتور عصام عبد الوهاب الربزجني ويسانده يف ذلك الدكتور خليفة سامل اجلهمي أن احنصار رقابة التناسب يف بداية ظهورها
يف جمال الضبط اإلداري فرتة من الزمن ،يرجع إىل إعتبارات عملية تتعلق بالسياسة القضائية اليت دأب جملس الدولة الفرنسي على انتهاجها ،واليت اتسمت
حنو االتساع يف فرض رقابته على أعمال االدارة .وليس أدل على ذلك من قيام اجمللس مبد هذا النوع من الرقابة إىل جماالت عديدة من النشاط اإلداري.
انظر :خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ض .009-006
-3رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق،ص .162
-4ل قد سبقت هذه القضية قضايا أخرى ،وقد كان ذلك إبتداء من سنة 1132حينما أصدر اجمللس حكمه يف قضية " شركة الفيلهارموين املوسيقية"
بإلغاء قرار عمدة Fumayالقاضي برفض الرتخيص هلذه الشركة مبمارسة مهنتها حبجة احملافظة على النظام العام ،حيث وجد اجمللس أن األسباب أو
الوقائع اليت استند إليها القرار املذكور ليست من شأهنا اإلخالل هبذا النظام .ويف عام 1131أصدر اجمللس حكما مشاهبا للحكم السابق أشار فيه صراحة
إىل أن مهمة القاضي جيب أن متتد يف جمال الضبط اإلداري إىل حبث ما إذا كانت اإلدارة قد اختذت طبقا لظروف الدعوى قرارا ال تربره ضرورات احملافظة
على النظام العام .ملزيد من التفاصيل حول املوضوع أنظر - :أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد ،موقف قاضي اإللغاء من تسبيب اإلدارة للقرارات اإلدارية،
دون دار النشر ،القاهرة ،2336 ،ص .80
تذرع بها العمدة ال تبلغ خطورتها الدرجة التي يعجز معها بما لديه من سلطات البوليس عن المحافظة على
النظام العام إذا ما سمح بعقد االجتماع(.)1
إضافة إلى األحكام الخاصة بحرية اإلجتماعات العامة فقد صدرت أحكام أخرى تتعلق بالعديد من
الحريات العامة مثل :حرية العبادة ،حرية الصناعة والتجارة ،حرية الصحافة( ...)2ففي مجال حق الملكية
والحقوق الفردية األخرى ،باشر مجلس الدولة الفرنسي رقابة التناسب على ق اررات نزع الملكية واإلستيالء ،فقد
قضى مثال بإلغاء قرار عمدة مدينة Nanteباإلستيالء على شقة سكنية إلحدى األرامل إلتخاذها مأوى
لمنكوبي الحرب العالمية الثانية ،مؤسسا حكمه على أن مشكلة ايجاد مأوى لهؤالء المنكوبين ليست سببا كافيا
لنزع ملكية تلك الشقة ،حيث يمكن تدبير هذا المأوى بوسيلة أخرى غير اإلستيالء(.)3
في مجال الوظيف العمومي أو الق اررات التأديبية ،فإن القضاء الفرنسي ثابت على أن تقدير خطورة
الذنب اإلداري وتقدير الجزاء المناسب له من مطلقات السلطة االدارية( .)4أما فيما يتعلق بمسائل الفصل،
فإننا نجد مجلس الدولة يتشدد في خصوصها عموما ،ولذلك فقد بسط رقابته في بعض القضايا على مالءمة
هذه الق اررات ومدى تناسب قرار الفصل مع الوقائع واألفعال المنسوبة إلى الموظف المفصول( ،)5أما في غير
هذه الحالة – أي ق اررات الفصل – ،فإن مجلس الدولة الفرنسي ال يمارس رقابته على التناسب تاركا هذا
(.)6
المجال لحرية اإلدارة مادام سلوكها بريئا من أي انحراف
بالنسبة للوضع في الجزائر ،فعلى الرغم من أن مبدأ التناسب لم يستقر بعد ولم تتضح معالمه في
القضاء اإلداري الجزائري ،إال أن هذا األخير قد أخذ ببعض أحكام ومبادئ نظرية التناسب في مجال الق اررات
أو الجزاءات التأديبية أسوة بالقضاء الفرنسي والمصري.
-1ميهوب يزيد ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة
قاملة ،2311،ص .2ونذير أوهاب ،السلطة التقديرية لإلدارة ،دراسة مقارنة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،سنة 1912هجرية ص .269
حيث جاء يف منطوق القرار :
« Qu’il résulte de l’instruction que l’éventualité des troubles alléguées , le maire de nevers ne
présentait pas un degré de gravité tel qu’il n ait pas pu, sans interdire la conférence maintenir
» l’ordre en édictant les mesures de police qu’ il lui appartenait de prendre
- 2املذكرة نفسها ،ص .262
-3مراد بدران ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،2338،ص 093
-4املرجع نفسه ،ص .000
-5من أوائل أحكام جملس الدولة الفرنسي يف هذا الصدد ،حكمه يف قضية Vinolayو .Lebonأنظر يف ذلك :محد عمر محد ،السلطة التقديرية
لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض ،الطبعة األوىل ، 2330،ص .122
-6مع ذلك جتدر اإلشارة إىل أن هناك عددا حمدودا جدا من األحكام اليت فرض فيها جملس الدولة رقابة التناسب ،وذلك فيما يتعلق مبسائل التطهري
اإلداري .فعندما وقعت فرنسا حتت اإلحتالل األملاين أصدرت حكومة "فيشي" قانونا يف 1191/2/12ملعاجلة آثار القانون األول .وذلك بتطهري اجلهاز
اإلداري ممن تعاونوا مع سلطات اإلحتالل .وهنا جند أن جملس الدولة مل ي بحث مدى صحة الوقائع املنسوبة للموظف أو تكييفها القانوين فقط ،وإمنا جتاوز
ذلك إىل حبث مدى تناسب الوقائع مع اخلطورة ،حبيث تربر إجراء التطهري.أنظر - :مراد بدران ،املرجع السابق ،ص .006
ففي قرار للغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم 19912المؤرخ في ،1128/30/18رفض القاضي
بسط رقابته على التناسب ،ومما جاء في القرار ..." :أن لدى اإلدارة سلطة تقديرية للتصرف حسب مشيئتها
للعقوبة التأديبية التي تأمر بها نظ ار لخطورة الخطيئة المرتكبة ،وليس لدى القاضي اإلداري الفاصل في
قضية تجاوز السلطة تقدير أهمية العقوبة المتخذة من السلطة اإلدارية ومدى مناسبتها لخطورة الخطيئة
()1
المسببة لها"...
على خالف ذلك ،نجد ق ار ار للغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم ،92698الصادر ب 2 :ديسمبر
1186في قضية (ب م ش) ضد (وزير الداخلية والمدير العام لألمن الوطني )( ،)2حيث راقب المجلس
األعلى مدى مالءمة الجزاء التأديبي مع المخالفة المرتكبة ،وانتهى إلى أن اإلدارة كانت محقة في تقديرها
لمدى التناسب بين المخالفة المرتكبة والجزاء المقدر .ومما جاء في حيثيات القرار " :من المقرر قانونا أن
األخطاء التأديبية تشمل كل تقصير مرتكب في ممارسة الوظيفة واألفعال المرتكبة خارج الوظيفة والتي
تمس من حيث طبيعتها بشرف واعتبار الموظف أو الكفيلة بالحط من قيمة الفئة التي ينتمي إليها ،أو
ار بعزل الموظف الذي
المس بصورة غير مباشرة بممارسة الوظيفة ،ومن ثم فإن اإلدارة العامة بإتخاذها قر ا
كان قد انتهج سلوكا ال يتماشى وصفته كعون من أعوان الشرطة والذي كان في نفس الوقت قد خرق
التزام االحترام والطاعة للسلطة الرئاسية ،التزمت بتطبيق القانون وكان بذلك قرارها سليما.
ولما كانت األخطاء المهنية المرتكبة من الموظف كافية لتبرير عزله ،فإن اإلدارة كانت محقة في قرارها
بتسليط هذا الجزاء ".
()3
الذي من الق اررات الحديثة في هذا المجال ،نجد قرار مجلس الدولة الصادر في 29جوان 1111
أقر وطبق مبدأ التناسب في مجال الق اررات التأديبية ،ومما جاء في حيثيات القرار " :حيث يثبت من عناصر
الملف أن المستأنف توبع بجريمة إنشاء محل للفسق وأدين بعقوبة سالبة للحرية تتمثل في تسليط عليه
شهرين حبسا نافذة و غرامة قدرها 2555دج.
حيث أن المستأنف يعمل في حقل التربية والتعليم وان كان يشغل منصب مقتصد مما يفترض معه
أن يكون هذا الفضاء سليما من كل السلوكيات األخالقية غير السوية التي تلوث عالم البراءة.
حيث أن العقوبة المسلطة على المستأنف تتنافى مع الواجبات المفروضة ...ذلك أن الفعل الذي
أدين به المستأنف جزائيا وهو من األفعال التي تمس بشرف الوظيفة قطعا ،فضال عن كونها تدل على
اخالل بالسلوك القويم الواجب التحلي به من طرف الموظف العمومي.
وحيث ترتيبا على ذلك فإن المستأنف يكون قد ارتكب خطأ مهنيا ثابتا ،مما يبرر تسليط عليه عقوبة
تأديبية خالفا إلدعاءاته.
-1أنظر :حسن السيد بسيوين ،دور القضاء يف املنازعة اإلدارية ،عامل الكتب ،القاهرة ،1121 ،ص .012
-2اجمللة القضائية ،العدد األول ،الديوان الوطين لألشغال الرتبوية ،اجلزائر ،1113 ،ص .216
-3حلسني بن شيخ آث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،اجلزء األول ،دارهومه ،اجلزائر ،2332 ،ص .180
وحيث من جهة أخرى فإل ن من الثابت فقها وقضاءا أن رقابة القاضي اإلداري ال تمتد إلى تقدير نسبة
درجة العقاب المسلط إال اذا تبين له عدم التالزم الواضح بين نسبتي الخطأ و العقوبة ،و هو أمر غير
متحقق في قضية الحال بالنظر إلى خطورة الخطأ الثابت في حق المستأنف.
وحيث بات في ضوء ما تقدم أن العقوبة المسلطة على العارض قائمة على أساس من الواقع والقانون"(.)1
نستنتج من هذا القرار أن القاضي اإلداري قد قام بالتحقق من صحة الوصف المعطى للخطأ التأديبي
وكذلك الدرجة التي يدخل فيها ،وكذا من حيث تناسب درجة العقوبة مع درجة الخطأ المرتكب .كما يملك
القاضي اإلداري سلطة رقابة واسعة في إعادة الموظف المعزول إلى منصبه إذا ما ثبت عدم مشروعية قرار
الفصل وانجر عن هذا القرار عواقب وخيمة خالل فترة العزل كإيقاف المرتب ،عدم الترقية...
هذا فيما يتعلق برقابة التناسب في مجال الق اررات التأديبية ،أما في مجال الضبط اإلداري فإن رقابة
القاضي اإلداري الجزائري لمالءمة الق اررات الصادرة في مجال الضبط اإلداري نادرة بل وتكاد تكون منعدمة،
()2
خاصة في ظل الظروف االستثنائية.
ولعل حساسية هذا النوع من الق اررات وحداثة مجلس الدولة ونظام ازدواجية القضاء ،باإلضافة إلى
اإلضطرابات األمنية الخطيرة التي كانت تعيشها البالد منذ إعالن حالة الطوارئ بمقتضى المرسوم الرئاسي
رقم 99/ 12المؤرخ في ،1112/2/1قد كانت السبب في امتناع مجلس الدولة الجزائري عن مد رقابته إلى
هذا النوع من الق اررات .كما أن هذا المرسوم قد منح لهيئات الضبط اإلداري سلطات تقديرية واسعة في مجال
تقييد الحريات العامة ،إال أ نه لم يؤمن بالمقابل حماية لحقوق وحريات األفراد من تعسف سلطات الضبط
()3
اإلداري في استعمال سلطاتها.
ومن القضايا التي أخذ فيها القضاء الجزائري بهذا البعد الحديث لرقابة التناسب على سلطة اإلدارة
التقديرية في مجال الضبط اإلداري ،نجد قضية "شركة سوتريبال " ضد (والي والية برج بوعريريج) في
،1119/2/29حيث جاء في مضمون قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا ":أن القاضي اإلداري مؤهل
بتقدير مالءمة التدابير المأمور بها لمتطلبات الوضعية"( ،)4وعليه فسلطة القضاء اإلداري تتسع بنظر
التناسب إن تعلق األمر بحرية أساسية ،فيتجاوز الرقابة العادية إلى التأكد بأن اإلجراء الضابط ضرورة ال
مناص منها لتحقيق الحد األدنى المطلوب إلستقرار النظام العام ،واال عد القرار الضابط معيبا في ركن
السبب لسوء تقدير المالءمة.
المطلب الثاني
أساليب الرقابة الحديثة على السلطة التقديرية لإلدارة
()2
في مجال رقابته على السلطة التقديرية لإلدارة ،سياسة قضائية اتسمت لقد سلك القضاء اإلداري
بالتدرج الهادئ والثابت ،فقد إتجه بداية -كما رأينا -إلى إنكار كل دور رقابي له في مجال تلك األعمال ،ثم
ما لبث أن غير هذه السياسة ،حيث بدأ برقابة الغلط في القانون ثم الغلط في الوقائع ،ثم مد هذه الرقابة
كقاعدة عامة إلى التكييف القانوني للوقائع .وأخي ار إنتهى إلى بسط رقابته على تقدير اإلدارة لخطورة وأهمية
الوقائع ومدى تناسب اإلجراء الذي إتخذته مع هذه الخطورة أو تلك األهمية ،ولكن استثناء من القاعدة العامة
في قضائه ،إلى درجة أنه قام -في بعض الحاالت -بإحالل تقديره للوقائع بدال من تقدير وتقييم رجل اإلدارة.
وأمام إحساس مجلس الدولة الفرنسي بعدم كفاية هذه األنماط الرقابية لما تشتمل عليه من نقاط ضعف
وثغرات تسمح لإلدارة بأن تمارس سلطتها التقديرية بشكل تحكمي وتعسفي ،خاصة في المجاالت الحديثة
للدولة المعاصرة ،فقد ابتكر المجلس نظريات جديدة في مجال الحد من سلطة اإلدارة التقديرية بغرض تحقيق
التوازن بين تمكين هذه األخيرة من إدارة مرافقها بما يحقق صالح المجتمع ويصون النظام العام فيه ،وبين
حماية وضمان حقوق األفراد و حرياتهم .
وتمثلت أولى تلك الخطوات في رقابة الخطأ البين في التقدير ثم تلتها نظرية الموازنة بين المنافع
واألضرار.
الفرع األول
رقابة الخطأ البين
تعد نظرية رقابة الخطأ البين من المستجدات التي استحدثها مجلس الدولة الفرنسي في رقابته للسلطة
التقديرية لإلدارة ،وحتى نقف على مدلولها ،فإننا سنتناول مفهومها ونطاقها وطبيعة الرقابة القضائية عليها،
وأخي ار موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه النظرية.
-1قروف مجال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستري ،جامعة عنابة ،كلية احلقوق ،2339،ص .129
- 2ونقصد بذلك جملس الدولة الفرنسي.
()1
أوال :مفهوم الخطأ البين
إذا كان الفضل في ظهور نظرية "الخطأ البين" في مجال السلطة التقديرية يعود إلى مجلس الدولة
()2
-كما سنرى فيما بعد ،-إال أن هذا األخير قد إكتفى بابتداع النظرية دون وضع معيار محدد الفرنسي
لها( .)3ولذلك وضع الفقه معيارين لتمييز وتحديد الخطأ البين :المعيار اللغوي أو الوصفي والمعيار
الموضوعي.
()4
-1المعيار اللغوي
هو المعيار الذي يشير فقط إلى المعنى اللغوي أو اإلصطالحي لصفة "البين" أو "الظاهر"
manifesteالتي يوصف بها الخطأ الذي ترتكبه اإلدارة في تقدير الوقائع التي تستند إليها في ق ارراتها(.)5
فالخطأ البين طبقا لهذا المعيار"،هو الخطأ البديهي ) (évidenteأو الجسيم ) (grossiéreأو
الصارخ ) (flagranteأو الخطير ) (graveأو الجلي ) (éclatanteأو الفاحش ) .(lourdeفإذا تحقق
و صف واحد من تلك األوصاف في الخطأ ،أصبح بينا ومن ثم يكون القرار اإلداري المشتمل عليه جدي ار
باإللغاء"(.)6
ولهذا يعرف األستاذان "أوبي" و "دراجو" الخطأ البين على أنه ":الخطأ الواضح والجسيم الذي يكون
مرئيا حتى بالنسبة لغير المتخصصين من رجال القانون" .أو كما يقول األستاذ "فوديل" " :هو الخطأ الذي
يقفز أمامنا بحيث يمكن مالحظته بمجرد النظر إليه ومن أول وهلة دون الحاجة إلى اإلستعانة بأهل الخبرة
-1ذهب بعض الفقه إىل تسمية هذه النظرية باسم "الغلط البني" ،مثل األستاذ حيي اجلمل وحممود سالمة جرب ،إال أن األستاذ رمضان حممد بطيخ -
ونشاطره الرأي -يفضل استعمال مصطلح "اخلطأ البني" حت ال خيتلط األمر مع نظرية الغلط يف القانون املدين ،خاصة أن لكال النظريتني أحكاما تتميز هبا
عن األخرى ،سواء من حيث املضمون أم من حيث جماالت التطبيق أم من حيث أطراف العالقة .أنظر يف ذلك :رمضان حممد بطيخ ،االجتاهات املتطورة
يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار النهضة العربية.1119 ،
-2جتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي مل يكن أول من قال هبذه الفكرة ،فقد سبق للمحكمة اإلدارية بسويسرا أن أخذت هبا.كما أخذ هبا القضاء
اإلجنليزي إستنادا إىل فكرة "عدم املعقولية" وأخذ هبا جملس الدولة البلجيكي .وكان جملس الدولة املصري أسبق من نظريه الفرنسي يف األخذ هبا وإن قصرها
على جمال التأديب وأمساها بنظرية الغلو ،وجملس الدولة الفرنسي طور هذه النظرية وعممها لتصبح نظرية عامة يف فقه القانون العام .أنظر :خليفة سامل
اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،االسكندرية،2331،ص . 193
-3من املعروف عن جملس الدولة الفرنسي أنه حيرص عادة على أال يضع تعريفات يف أحكامه تكون سببا يف إعاقة قضائه يف املستقبل.
-4للخطأ يف اللغة العربية معان متعددة ،منها أنه ضد الصواب أو احليدة عنه .واخلاطئ من تعمد ما ال ينبغي ،وهلذا فقد يأيت مبعىن الذنب .أنظر- :قاموس
لسان العرب البن منظور ،دار املعارف ،مصر ،ص .112أما يف اإلصطالح القانوين ،فإن اخلطأ هو اخالل بالتزام قانوين.أنظر :عبد الرزاق السنهوري،
الوسيط يف شرح القانون املدين اجلديد ،اجلزء األول ،دار احياء الرتاث العربني بريوت ،ص .228
أما فيما يتعلق بلفظ الظاهر ،فيقصد به يف اللغة العربية :ظهر ظهورا ،أي برز بعد اخلفاء .والظاهر خالف الباطن ،وظاهر البلد خارجه ،وظاهر اجلبل،
أعاله ،وخارج العيون ،جاحظها .وهي ذات املعاين اليت تشري إليها قواميس اللغة الفرنسية.
-5رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .226
-6خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق،ص .106
والتخصص في إكتشافه" .أما األستاذ "ريفيرو" فيرى أن الغلط البين هو" :الغلط الذي ينكر ويتعارض
والمنطق السليم"(.)1
وقد اعتمد مجلس الدولة المصري معيار الجسامة أو المعيار اللغوي كمعيار مميز للخطأ البين في
التقدير " ،وهو الخطأ الذي يكون مرئيا لغير المتخصصين ،أو هو الخطأ الذي يجري على عكس ما
تقتضيه طبيعة األشياء أو الذي ال تخطئه العين"(.)2
أما في المجال الفني و العلمي ،فقد عرف الفقه الخطأ البين على أنه" :الخطأ البديهي أو البين الذي
يدرك أو يمكن التعرف عليه من قبل غير المتخصصين في تلك المجاالت" ،أو كما يقول مفوض الحكومة
الفرنسي " Braibantيمكن التعرف عليه حتى من قبل جاهل"(.)3
وهو الخطأ البعيد عن كل شك ،فإذا ما شك القاضي في وضوح وجسامة الخطأ ،انتفت عنه صفة
"الخطأ البين" ،فمع الشك ينتفي كل خطأ بين ومع اليقين يتحقق هذا الخطأ .ولهذا نجد األستاذ Kahnيعرف
الخطأ البين بأنه" :الخطأ الذي ال يثير في نفس القاضي أدنى شك في وجوده فإن تطرق إليه الشك افتقد
صفته كخطأ بين ،حيث يفسر الشك لصالح اإلدارة"(.)4
واذا كانت كلمة "بين" وفقا لهذا المعيار اللغوي ،توحي بأن هذا الخطأ قد وصل الى درجة من الوضوح
تكفي إلقناع القاضي بوجود مثل هذا الخطأ ،أو تكفي إلزالة أي شك لديه حول هذا الخطأ ،إال أن هذا
المعنى اللغوي أو اإلصطالحي للخطأ البين ،لم يكن محل إجماع من جانب رجال القانون والفقه ،على أساس
أن وصف "الجسامة" قد يكون وصفا مالزما للخطأ البين كما هو الحال لألخطاء واإلجراءات التأديبية ،وقد
يكون غير مالزما أو ضروريا للخطأ البين .كما هو الحال في مجال إجراءات البوليس العالي(.)5
-2المعيار الموضوعي
ال يشترط في الخطأ البين أن يكون ظاه ار أو واضحا ،إذ قد يكون عند ظاهره مما يقتضي إجراءات
بحث معمق في الدعوى اإلدارية ،ومن هنا تبنى جانب آخر من الفقه المعيار الموضوعي .بحيث يميز
البعض بين الخطأ البين والخطأ غير البين على أساس مدى قدرة الشخص العادي على التعرف عليه.
-1حممود سالمة جرب ،رقابة جملس الدولة على الغلط البني يف تكييف الوقائع وتقديرها يف دعوى اإللغاء ،جملة هيئة قضايا الدولة ،السنة ،02العدد ،1
القاهرة ،مارس ،1110 ،ص .212
-2زكي حممود النجار ،فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1112 ،ص .91
-3رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .226
-4وهذا ما دفع مفوض احلكومة ، M.Galabertإىل التخلي عن إقرتاح له بإلغاء قرار وزير الصحة مبنع بيع دواء معني للجمهور على أساس اخلطأ البني
يف تقدير األخطار النامجة عن هذا الدواء .وقد ركز يف تقريره على نغمة الشك ،وانتهى إىل القول -الذي تبعه فيه جملس الدولة -أن اإلدارة مل ترتكب خطأ
بينا يف تقديرها للخطر الذي ينطوي عليه الدواء .أنظر :رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .229،222
-5خليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص .106
فالخطأ البين أو الظاهر هو الخطأ الذي يمكن التعرف عليه من طرف شخص عادي في ثقافته مأخوذا في
أما غيره فال يمكن التعرف عليه إال من قبل المتخصصين(.)2 ()1
االعتبار كافة الظروف المحيطة به؛
لكن هذا اإل تجاه أيضا كان محل انتقاد من قبل رجال الفقه ،على إعتبار أنه يغالي في حقيقة صفة
البيان أو الوضوح التي يجب أن يكون عليها الخطأ في التقدير ،لدرجة يقال معها أن الشخص العادي
يستطيع بيانه أو إكتشافه فمثل هذه األخطاء لن يقع فيها رجل اإلدارة ،حيث يفترض فيه أن يكون على قدر
من التخصص و الخبرة في الشؤون اإلدارية بما يجنبه الوقوع في مثل هذه األخطاء.
أمام اإلنتقادات الموجهة للمعيارين – اللغوي والموضوعي ،-نجد أن المعيارين يكمالن كل منهما
الآلخر؛ بحيث ال يمكن اإلعتماد على واحد من بينهما فقط للتعرف على الخطأ ،فالوضوح والجسامة في
الخطأ ( وهو المعيار اللغوي أو اإلصطالحي) ،يساعد القاضي عند فحصه لملف الدعوى أو الظروف التي
أحاطت بتقدير اإلدارة للوقائع (وهو المعيار الموضوعي) من سرعة إكتشاف هذا الخطأ أو التعرف عليه.
ومن هنا يمكننا تعريف الخطأ البين في التقدير بأنه " الخطأ الذي يرى فيه القاضي من خالل بحثه
لملف الدعوى ولمختلف الظروف التي جرى فيها هذا التقدير تجاو از لحدود المعقولية ووضوحا لدرجة
البداهة"(.)3
ثانيا :طبيعة الرقابة القضائية على الخطأ البين في التقدير
لن نتساءل في هذا الموضع فيما إذا كانت رقابة الخطأ البين تدخل ضمن رقابة المشروعية أو
المالءمة كما فعلنا بالنسبة ألنواع الرقابة التقليدية على السلطة التقديرية .ذلك أن رقابة الخطأ البين تنصب
طبعا على مالءمة القرار اإلداري وليس على مشروعيته ،خاصة أنها تهدف كما يقول - kahnمفوض
الحكومة -إلى تصحيح كل ما تنطوي عليه نظرية السلطة التقديرية من إمكانية للتجاوز أو التعسف(.)4
-1وهذا ما يؤكده مفوض احلكومة braibantحينما خاطب جملس الدولة قائال " :ليس هناك أدىن شك يف أن القاضي ال يستطيع أن حيل تقديره
حمل تقدير رجل اإلدارة يف احلاالت اليت تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية ،ومع ذلك فقد توسعتم يف نطاق الرقابة اليت ميارسها اجمللس منذ إثين عشرة سنة
من خالل نظرية اخلطأ البني يف التقدير حت مشلت هذه السلطة".رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .220
-2املرجع نفسه ،ص .220
3
-Alain Moyrand, le droit administratif, l’hermès, Lyon, 1992, p 166-167. et voir : Gustave
Peiser, contentieux administratif,12 eme édition ,Dalloz, 1999, p 189 et 190.
4
-حيي اجلمل ،رقابة جملس الدولة على الغلط البني لإلدارة يف تكييف الوقائع ،جملة القانون واإلقتصاد ،حقوق القاهرة ،العدد الثالث والرابع ،السنة احلادية
واألربعون ، 1122 ،ص . 206
والمسائل العلمية والفنية ،وبالتالي فالقاضي اإلداري لم يلجأ إلى فكرة الخطأ البين إال للتغلب على الصعوبات
التي تواجهه لبسط رقابة التكييف القانوني على مسائل تتسم بالدقة والتقنية أو تتطلب خبرة عملية معينة
إلرتباطها بالواقع العملي أكثر من إرتباطها بالواقع النظري ،ومن ثم فقد إعتبرت رقابة الخطأ البين آنذاك
()1
وسيلة ناجعة لسد الثغرات التي تصيب تلك الرقابة.
وقد أدرج جانب ثالث من الفقه رقابة الخطأ البين ضمن الرقابة القصوى؛ ذلك أن الواقع العملي قد
أثبت -كما سنرى عند دراستنا للتطبيقات القضائية -بأن رقابة الخطأ البين لم تعد تباشر فقط في مجال
التكييف القانوني للوقائع .وانما إمتد مجال إعمالها إلى تقدير اإلدارة للوقائع في ذاته .لهذا يقال للرقابة هنا
بأنها رقابة مالءمة ،ومن ثم فقد أطلق على رقابة القاضي للخطأ البين في هذه الحالة اسم "رقابة الخطأ البين
في التقييم"(.)2
بل وقد امتد مجال إعمال نظرية الخطأ البين إلى مدى تناسب مضمون أو محل القرار اإلداري مع
الوقائع التي يستند إليها هذا القرار ،وهو ما يقال له رقابة التناسب( .)3وفي ذلك ذهب األستاذ "شانتي"
chantaإلى أن "قضاء الغلط الظاهر يعدل مجال المالءمة ،حيث تنصب الرقابة على مالءمة هذا التقدير،
ومن ثم يمكن أن يستند الخطأ إلى مبدأ التناسب"(.)4
ومما سبق طرحه ،فإننا نرى بأن رقابة الخطأ البين في مجال المنازعات اإلدارية بصفة عامة والسلطة
التقديرية بصفة خاصة تشمل :الخطأ البين في تكييف الوقائع ،الخطأ البين في تقييم وتقدير هذه الوقائع،
والخطأ البين في مالءمة القرار لظروف الواقع(.)5
ثالثا :نطاق الرقابة القضائية على الخطأ البين
لقد أشرنا في إطار حديثنا عن طبيعة الرقابة القضائية على الخطأ البين في التقدير بأن هذه األخيرة قد
شملت المجاالت التي كانت تخرج عن رقابة التكييف القانوني للوقائع مثل :معادلة الوظائف ،مبادلة األراضي
الزراعية ،تقدير حالة منتج دوائي معين ...
لكن هذه الرقابة قد اتسعت لتشمل جوانب المالءمة ،وبالتالي أصبحت شاملة لكافة نزاعات العمل
اإلداري التي لم تكن مجاال ألية رقابة قضائية من قبل ،سواء تلك التي تثور في المجاالت التقليدية لهذا
-1زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة ومدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة ،العدد
،2339 ،8ص .120
-2عمورة حكيمة ومقالين مىن ،رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك ،امللتقى الوطين األول حول سلطات
القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة.2311،
-3زروق العريب ،املقال السابق ،ص .120
-4زكي حممود النجار ،املرجع السابق ،ص .02وجورج فوديل ،بيار دلقولقية ،القانون اإلداري ،اجلزء الثاين ،ترمجة منصور القاضي ،املؤسسة اجلامعية
للدراسات والتوزيع ، 2331،ص .299
-5جتدر اإلشارة إىل أن األستاذ "زروق العريب " يف مقاله السابق الذكر ،قد اعترب بأن رقابة اخلطأ البني هلا شقني فقط مها رقابة التكييف القانوين ورقابة
املالءمة .ولكنه مل يذكر رقابة الوجود املادي للوقائع.
(.)1
وتبعا لذلك سنتناول في هذا الفرع المجاالت العمل ،أم النزاعات التي تثور في المجاالت الحديثة له
التقليدية لرقابة الخطأ البين ثم المجاالت الحديثة لهذه الرقابة .
-1المجاالت التقليدية لرقابة الخطأ البين
تعتبر نزاعات الوظيفة العامة والضبط اإلداري عصب المجاالت التقليدية لرقابة الخطأ البين ،وذلك
لكونهما يجسدان التناقض بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة .فاإلدارة تسعى إلى تسيير مرافقها العامة
والمحافظة على النظام العام ولو تعارض ذلك في بعض األحيان مع المصلحة الخاصة وحقوق األفراد
وحرياتهم ،وهؤالء سيسعون إلى تحقيق مآربهم الخاصة ،ولو كان ذلك على حساب تعطيل مصلحة المرافق
العامة أو تهديد النظام العام .
"فمجال الوظيفة العامة والضبط اإلداري يشكالن إذن التربة التي نمت وتطورت فيها الرقابة القضائية
حتى وصلت إلى الصورة التي هي عليها اآلن ،ولهذا يعد أم ار منطقيا أن تظهر في إطارها أولى تطبيقات
نظرية الخطأ البين"(.)2
ففي مجال الضبط اإلداري ،كان القاضي اإلداري الفرنسي يرفض دائما أن يباشر رقابته على مدى
التناسب بين طبيعة وخطورة الوقائع المدعاة من جانب اإلدارة ومقتضيات ومتطلبات القانون .إذ كان يكتفي
بالتحقق من أن اإلجراء محل الطعن قد اتخذ من قبل سلطة مختصة وطبقا لإلجراءات واألشكال المحددة
قانونا( ،)3وانطالقا من وقائع صحيحة وعلى أساس سند قانوني صحيح( .)4وفيما عدا ذلك فإن اإلدارة كانت
تستطيع أن تسبغ على سلوكيات ومواقف األجنبي أو على مضمون ومحتوى المطبوعات الجامعية ،الوصف
()5
الذي تراه مبر ار إلجراء الطرد أو المنع.
األمر الذي رأى معه أنه من األفضل أن يرتك لإلدارة يف خصوصها سلطة تقديرية واسعة .انظر يف ذلك :رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص 298و
.291
-1تتلخص وقائع هذه القضية يف أن مكتبة "فرانسوا ماسبريو" تقدمت بطعن أمام جملس الدولة تطلب فيه إلغاء قرار وزير الداخلية الصادر بتاريخ 22
يناير ،1191والقاضي مبنع نشر وتوزيع وبيع جملة القارات الثالث اليت تصدرها هذه املكتبة .مستندة يف ذلك إىل أن تقدير الوزير خلطورة اجمللة املذكورة
على النظام العام ليس تقديرا صحيحا .فتناول جملس الدولة الفرنسي بالبحث والدراسة تقدير الوزير ملدى خطورة جملة القارات الثالث السابقة على النظام
العام .وانتهى إىل القول بأن هذا التقدير ليس مشوبا خبطأ بني.أنظر :املرجع نفسه ،ص 222و ص .220
-2فقد إقرتح السيد "كان" يف مذكرته املقدمة للمجلس خبصوص قضية اآلنسة "شيفرو" ،اليت كانت تعمل مساعدة ممرضة يف إحدى املراكز الطبية بإلغاء
اجلزاء املوقع عليها على أساس اخلطأ البني .قائال يف هذه املذكرة " :إن التقارب بني اجلزاء املقرتف (عدم معاملة أحد املرضى بلطف ورقة ) ،والعقوبة املوقعة
( العزل من اخلدمة) يبدو أنه تفاوت غري مقبول أوغري مالئم...وأن احلل التقليدي بعدم رقابة هذا التفاوت يتسم بالقسوة ومل يعد مربرا يف الواقع" .مث يضيف
قائال " :إذا كان من غري العدل توقيع عقوبة اإلنذار أو اللوم لفعل ال يربر بطبيعته توقيع أي جزاء فإنه يكون من غري العدل أيضا توقيع عقوبة العزل أو الطرد
من اخلدمة ،جملرد إرتكاب املوظف خلطأ طفيف أو عرضي" .ومن جانبه ،يدافع أيضا السيد braibantمفوض احلكومة عن اإلقرتاح بضرورة تطبيق رقابة
اخلطأ البني يف اجملال التأدييب ،حيث يتساءل متهكما وساخرا عما يستطيع أن يفعله موظف عوقب بالطرد من اخلدمة جملرد وصوله متأخرا بعض الوقت إىل
موقع عمله؟ .أنظر :املرجع نفسه ،ص 291و . 263
-3إذ ليس من العدل ،كما يرى جانب من الفقه ،أن ترتك السلطة اإلدارية املختصة لتتصرف حبرية تامة على بيانو اجلزاءات وختتار ما تراه حمققا للنغمة
اليت ترغب يف مساعها .فهذا من شأنه اإلخالل اخلطري بضمانات وحقوق املوظفني املشروعة .املرجع نفسه ،ص .293
هذا ويالحظ أن القضاء اإلداري ال يتطلب عند اعماله لتلك الرقابة ضرورة أن يكون هناك تناسب
صارم بين الخطأ المرتكب والعقوبة التأديبية الموقعة .وانما يتطلب فقط أال يكون التفاوت صارخا عن عدم
تناسب بين فإن كان التفاوت كذلك ،أي صارخا قضى بإلغاء القرار الصادر بالعقوبة التأديبية(.)1
تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن رقابة الخطأ البين في المجال التأديبي ال تقتصر على الحاالت
التي تكون فيها الجزاءات متسمة بالغلظة ،وانما تباشر أيضا في حالة ما إذا كان هناك تساهل وتسامح
ملحوظ في العقاب من جانب اإلدارة عن أخطاء ووقائع ال تتالءم البتة وهذا التساهل(.)2
-1وهو ما حدث يف قضية " ، " vinolayحيث الحظ أن التقارب بني األخطاء املسندة للموظف ،وهي القسوة الصارمة يف معاملته ملرؤوسه وبني
عقوبة العزل من اخلدمة يعد تفاوتا صارحا و بينا ،بل وقد وجد هلذا القضاء تطبيقات يف جمال الوظيفة العامة احمللية ،حيث قضى جملس الدولة مبناسبة توقيع
عقوبة الفصل على س كرتري عمدة إحدى القرى الصغرية ،بأن األخطاء املنسوبة هلذا السكرتري ال تربر على اإلطالق توقيع عقوبة الفصل اليت تعد أشد
العقوبات التأديبية .املرجع نفسه ،ص .292
-2فقد ألغى جملس الدولة الفرنسي يف أحد أحكامه اجلزاء التأدييب املوقع على سائق حافالت بإحدى القرى ،نظرا لعدم تناسب هذا اجلزاء مع خطورة
الذنب املقرتف .حيث يتبني من التحقيق أن هذا السائق كان يقود إحدى سيارات البلدية حتت تأثري املشروبات الكحولية .وهو سلوك يشكل يف حقيقته –
كما يقول اجمللس-ن خطأ تأديبيا على درجة من اخلطورة .مما يتناقض وما إتسم به قرار السلطة التأديبية من تساهل مفرط .أنظر يف ذلك - :سامي مجال
الدين ،الدعاوى اإلدارية ،املرجع السابق ،ص .091وجتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي قد أعمل رقابة اخلطأ البني يف كل ما يتعلق باملنازعات
الوظيفية ،حبيث طبقها فيما خيص قرارات اإللتحاق بالوظيفة العمومية أو تقارير كفاءة املوظفني أو قرارات اإلحالة على اإلستيداع أو الفصل ،إىل جانب
القرارات واجلزاءات التأديبية ،و اليت فصلنا احلديث عنها أعاله.
-3زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة ،
العدد ،2339 ،8ص .121
-4رمضان بطيخ ،املرجع السابق،ص .221
يستند إليها مصدر القرار لتطبيق هذه السياسيات .وانما يهتم بشكل مباشر بظروف الواقع العملي ذاته وما
يسوده من قيم إجتماعية معينة ،بمعنى أنه يراقب ق اررات تخطيط المدن من منظور بيئي؛ أي في إطار البيئة
اإلجتماعية التي صدرت فيها .وهنا تلعب رقابة الخطأ البين دو ار أساسيا ،وذلك إما لغياب النصوص
التشريعية في هذا المجال ،أوا لعدم وضوح ودقة هذه النصوص(.)1
أما في المجال اإلقتصادي ،فقد أعمل القاضي اإلداري هذا النمط الرقابي ويستدل على ذلك بعديد
()2
القضايا التي فصل فيها مجلس الدولة الفرنسي.
وفيما يخص مجال البيئة ،فقد بدأ القضاء اإلداري يعطي المنازعات المتعلقة بهذا المجال إهتماما
متزايدا ،خاصة وأن التنظيمات القانونية المتعلقة به الزالت في مختلف دول العالم تقريبا حديثة العهد
ومحدودة التطبيق ،األمر الذي يلقي على عاتق القضاء دو ار أكبر من أجل حماية أفضل للبيئة.
ولذلك نالحظ أن سياسة الدولة ،لم تعد تهتم فقط بالمسائل المتعلقة بحماية حق الملكية الخاصة لألفراد
ومنع أي اعتداء قد يقع على هذا الحق .وانما أصبحت تهتم كذاك بكافة المسائل ذات العالقة بنوعية وجودة
الحياة البيئية ،بحيث أصبحت الدولة حريصة على أن تؤكد للمواطنين أن لهم الحق في أن تكون البيئة التي
يعيشون فيها نظيفة وصحية ،ولهذا فقد ظهر في معظم دول العالم تقريبا حق جديد لصالح األفراد يعرف ب:
"الحق في البيئة"( ، le droit de l’environnement)3وتحقيقا لهذه السياسة وتدعيما لهذا الدور ،فقد عمل
مجلس الدولة الفرنسي على حماية جانبي البيئة( ،)4من خالل إعماله لرقابة الخطأ البين في جميع المنازعات
التي تثور في هذا الصدد( ،)5وهي رقابة تنصب على التكييف القانوني الذي تضفيه اإلدارة على الوقائع التي
-1وقد عرب جملس الدولة الفرنسي عن هذا اإلجتاه صراحة يف حكم حديث نسبيا حينما قضى بأنه " :يتبني من فحص ملف الدعوى أن البناء املزمع
تشييده ليس من شأنه أن يعرض للخطر محاية موقع أثري أو أن خيل بالتنظيم اجلمايل للمدينة ،أو أن يتناىف مع الرغبة يف وجود مساحات بيئية خضراء ،أو
أن يؤدي إمجاال إىل نتائج سلبية أو مؤسفة على البيئة ،فتقدير اإلدارة لكافة هذه العناصر مل يكن مشوبا خبطأ بني ".املرجع نفسه ،ص .196
-2فريدة أبركان ،رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة ،جملة جملس الدولة ،العدد األول ،2332،ص .93
-3املقال نفسه ،ص .93
4جملة جملس الدولة ،العدد ، 2332 ، 31ص 80و . 89
وتتمثل األفعال المنسوبة للقاضي ،في أنه يملك في الشياع عقارات منها مخبر للصور مسير من
طرف أخيه ،كما أنه تدخل لصالح أحد أفراد عائلته أمام جهة قضائية جزائية ،وأخي ار تغيبه بدون مبرر عن
منصب عمله بالذهاب خارج الوطن ،فقام القاضي المعزول برفع دعوى ابطال القرار التأديبي أمام مجلس
الدولة متمسكا بالوجه المأخوذ من خرق األشكال الجوهرية لإلجراءات ،فأصدر مجلس الدولة بتاريخ:
1118/2/22القرار موضوع التعليق الحالي ،متمسكا بإختصاصه بالفصل في دعاوى إلغاء الق اررات التأديبية
()1
الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء.
وفي الموضوع ،القضاء بإبطال القرار المطعون فيه أحذا ألول مرة بنظرية "الخطأ الظاهر في التقدير"،
وقد جاء في حيثيات القرار ...":حيث أن الق اررات الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء الفاصل في القضايا
التأديبية ،تعد ق اررات صادرة عن سلطة إدارية مركزية وبهذه الصفة تكون قابلة للطعن فيها باإلبطال ...
حيث أن القاضي مثله مثل كل موظف للدولة يستفيد وجوبا بحقوق مضمونة دستوريا ،أن القاضي اإلداري
ملزم بمراقبة إحترام هذه الضمانات ...حيث أنه حتى ولو كانت هذه األفعال ذات طابع يبرر عقوبة
تأديبية ،فإن المجلس األعلى للقضاء قد إرتكب بالرغم من هذا خطأ صارخا في التقرير( )2بتسليط العقوبة
األشد".
وقد قبل مجلس الدولة الطعن باإللغاء على الرغم من أن المادة 11فقرة 32من القانون األساسي
الملغى لم تكن تجيز الطعن في هذه الق اررات ،مستندا في ذلك إلى وجه قانوني غير مألوف يخرج عن األوجه
الخمسة المعروفة لقبول دعوى تجاوز السلطة ،وهو الغلط الصارخ في التقدير.
حيث إعتبر مجلس الدولة أن المجلس األعلى للقضاء بتقديره لعقوبة العزل يكون قد إرتكب غلطا
صارخا في تقدير الوقائع ،مما أدى به إلى تسليط عقوبة العزل التي ال تتناسب وفق تقديره مع طبيعة األفعال
المنسوبة للقاضي محل المتابعة التأديبية.
-1لق د إعترب جملس الدولة القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس األعلى للقضاء ،قرارات صادرة عن سلطة إدارية مركزية ،وبالتايل يكون خمتصا بالفصل يف
الطعون املقدمة ضد هذه القرارات كقاض أول وآخر درجة ،طبقا للمادة 1من القانون العضوي 31 / 18املعدل واملتمم بالقانون العضوي .10 /11
لكن هذا املوقف لقي إعرتاضا من طرف بعض أساتذة القانون ،بسبب اإل عتقاد بأن اجمللس األعلى للقضاء هو مبثابة جهة قضائية عندما ينعقد للفصل يف
القضايا التأديبية .وبالتايل من املفروض أن يطعن بالنقض يف قراراته التأديبية بإعتباره جهة قضائية متخصصة .حبيث جند األستاذ "رشيد خلويف" يف معرض
حديثه عن " الطعن يف قرارات اجمللس اجمللس األعلى للقضاء عن نشاطه التأدييب" ،خلص إىل تأكيده على الطبيعة القضائية للمجلس األعلى للقضاء عندما
يبت يف املسائل التأديبية .لكن األستاذ "غناي رمضان" يف معرض تعليقه على القرار املذكور أعاله ،قد ساق جمموعة من احلجج تؤيد رأيه يف اعتبار جملس
الدولة حمقا يف التمسك باختصاصه للفصل يف دعوى ابطال القرارات التأديبية للمجلس األعلى للقضاء كقاضي أول وآخر درجة لكن جملس الدولة اجلزائري
قد حسم هذا اخلالف عندما أصدر سنة 2336قرارا بتشكيلة الغرف جمتمعة ،اعترب من خالله قرارات اجمللس األعلى للقضاء يف اجملال القضائي قرارات
قضائية تقبل الطعن بالنقض فيها أمام جملس الدولة .أنظر :رشيد خلويف ،القضاء اإلداري (تنظيم و اختصاص) ،ديوان املطبوعات اجلامعية، 2332،ص
181و .119
-2واألصح واألسلم هو اخلطأ الصارخ يف التقدير ال التقرير.
ولقد أبدى األستاذ "غناي رمضان "()1من خالل تعليقه على هذا القرار ،جملة من المالحظات واألبعاد
المترتبة عن األخذ بوجه الغلط الصارخ في التقدير نجملها فيما يأتي :
-إن إجتهاد مجلس الدولة في غاية األهمية ،ألن من شأنه توسيع دائرة رقابة المشروعية وتقليص
السلطة التقديرية التي تتمتع بها اإلدارة في إصدار ق ارراتها.
-أن هذا اإلجتهاد القضائي جعل قاضي اإللغاء يتعدى عقبة طالما منعته من ممارسة رقابة كاملة
على الق اررات الصادرة بمحض سلطة اإلدارة التقديرية .مما كان يجعل الرقابة القضائية على هذه
الق اررات رقابة ضيقة ال تشمل جميع نواحيها ،فكلما غابت ضوابط المشروعية كانت تغيب معها
رقابة قاضي تجاوز السلطة.
-أن عدم خضوع اإلدارة لرقابة القضاء ،ولو في المجاالت التي تتمتع فيها سلطة تقديرية هو
وضع صار محل نقد من قبل فقهاء القانون .ألن دولة القانون والحق تقتضي خضوع اإلدارة
للقانون وتقتضي خضوع أعمالها لرقابة القضاء ،ومن هنا بدأت أعمال السيادة تتراجع وتفقد
مصداقيتها.
-أن األخذ بهذا اإلجتهاد فيما يخص رقابة الق اررات التأديبية الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء،
هي في الحقيقة بداية لمشوار يمكن أن يؤدي إلى إستعمال هذا االجتهاد في مجاالت كثيرة جد
حساسة بالنظر إلى أهميتها .وبالنظر لما تتمتع به اإلدارة من سلطة تقديرية واسعة ،مثل الق اررات
اإلدارية المتعلقة باألجانب (إقامة ،رخص عمل،طرد )...وكل أنواع الق اررات التي تحتكر اإلدارة
فيها سلطة تقدير مدى مالءمتها لتعلقها بالنظام العام.
-أن إستعمال هذا اإلجتهاد في منازعات الوظيف العمومي ،من شأنه توسيع رقابة القاضي
اإلداري على الق اررات المهمة بالنسبة لمسار الموظفين .إال أن القضاء كان يمتنع عن رقابتها
نظ ار لكونها من مجاالت السلطة التقديرية ،ومثال ذلك الق اررات المتعلقة بتنقيط الموظفين
والتسجيل في قوائم التأهيل وغيرهما.
إن إ عتماد هذا اإلجتهاد في مجال رقابة الق اررات التأديبية الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء -
بإمكانه أن يرتب عواقب وخيمة في حالة سوء إستعمال وتوجيه هذا اإلجتهاد ،إذ بإمكان القاضي
اإلداري أن يتدخل في مسائل تخص سير أعمال القضاء العادي ،عندما يتمسك بإختصاصه
()2
لرقابة ق اررات تأديبية تتعلق بوقائع ذات صلة بأداء المهام القضائية.
-1غناي رمضان ،تعليق على قرار " عن موقف جملس الدولة من الرقابة على القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس األعلى للقضاء(حالة الغلط الصارخ يف
التقدير)" ،جملة جملس الدولة ،العدد السادس ،2336،ص 62و .60
-2وذلك ما جعل جانبا من الفقه يعرتض على هذا اإلجتاه ،فيما تضمنه من منح القضاء سلطة التعقيب على القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس
األعلى للقضاء .إذا كان هناك عدم تناسب صارخ بني الوقائع املنسوبة للقاضي حمل املتابعة والعقوبة املقررة .حبيث إعترب هذا اجلانب الفقهي بأن هذا اإلجتاه
وتبدو أهمية هذا القرار ،إلى جانب كونه أول قرار قضائي كرس نظرية الخطأ البين في التقدير ،في
أنه يمثل أول حالة معروفة إستجاب فيها المشرع إلى ما إستقر عليه القضاء لدى إعداده لنصوص قانونية
جديدة ،وذلك بإستبعاد القانون العضوي رقم 12/39لعدم إمكانية الطعن في الق اررات التأديبية الصادرة عن
المجلس األعلى للقضاء ،إذ بتعريف المادتين 91و 92للخطأ التأديبي الجسيم ،وبتحديد المادة 90للحاالت
التي يتعرض فيها القاضي إلى عقوبة العزل ،فإن ذلك يشكل تقييدا للسلطة التقديرية التي كان المجلس
األعلى للقضاء يتمتع بها في ظل القانون القديم ،فمثلما يمكن للمشرع سن قوانين يؤكد فيها إجتهاد القضاء،
يمكنه سن قوانين تضع حدا إلجتهاد قضائي غير مناسب.
()1
رقابة الخطأ البين ،وان لم ولقد أعمل مجلس الدولة الجزائري في قرار الحق له في1111/9/29 :
يلغ القرار التأديبي محل الطعن باإلستئناف ،ولكنه برر ذلك بعدم وجود خطأ صارخ في تقدير العقوبة ،إذ
كانت العقوبة المقررة مناسبة ومالئمة للفعل المرتكب( .إنشاء محل للفسق).
وقد جاء في تسبيب القرار" :حيث يتبين من عناصر الملف أن المستأنف توبع بجريمة إنشاء محل
للفسق وأدين بعقوبة سالبة للحرية ،تتمثل في تسليط عليه شهرين حبسا نافدة وغرامة قدرها 2555دج.
حيث أن المستأنف يعمل في حقل التربية والتعليم ،وان كان يشغل منصب مقتصد مما يفرض معه أن
يكون هذا الفضاء سليما من كل السلوكيات األخالقية غير السوية التي تلوث عالم البراءة.
حيث أن العقوبة المسلطة على المستأنف تتنافى مع الواجبات المفروضة ...ذلك أن الفعل الذي أدين به
المستأنف جزائيا وهو األفعال التي تمس بشرف الوظيفة قطعا ،فضال عن كونها تدل على إخالل بالسلوك
القويم الواجب التحلي به من طرف الموظف العمومي ...وحيث من جهة أخرى ،فإن من الثابت فقها
وقضاءا أن رقابة القاضي اإلداري ال تمتد إلى تقدير نسبة درجة العقاب المسلط ،إال أذا تبين له عدم
التالزم الواضح بين نسبتي الخطأ والعقوبة وهو أمر غير محقق في قضية الحال بالنظر إلى خطورة الخطأ
الثابت في حق المستأنف.
وحيث بات في ضوء ما تقدم أن العقوبة المسلطة على العارض قائمة على أساس سليم من الواقع
والقانون".
يتبين من خالل هذا القرار أن القاضي الجزائري الفاصل في المادة اإلدارية ،قد أعمل مرة أخرى رقابة
الخطأ البين في التقدير في مجال الق اررات التأديبية ،بحيث رفض إلغاء قرار اإلدارة بعزل الموظف الذي
يشغل منصب مقتصد لكون العقوبة مالئمة للذنب المرتكب وال يوجد بينهما تفاوت أو عدم تناسب واضح.
خيالف القواعد األصولية اخلاصة مببدأ الفصل بني السلطة القضائية والسلطة التنفيذية .أنظر يف ذلك - :فريدة مزياين و آمنة سلطاين ،مبدأ حظر توجيه أوامر
من القاضي اإلداري واالستثناءات الواردة عليه يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ،جملة املفكر ،العدد ، 2بسكرة، 2331 ،ص .102
-1قرار رقم 1209 29الصادر يف 1111 / 9 / 29منشور ب- :حلسني بن شيخ آث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،اجلزء األول ،دار
هومه ،اجلزائر ،ص . 180
وهذا ما تم في قضية "يحياوي ضد وزير العدل" ،حيث ذهبت المحكمة العليا إلى أن" :المشرع تطبيقا
للمادة 031من قانون اإلجراءات المدنية ،الخاصة بطلبات المراجعة تركت لوزير العدل تقدير األسس التي
حر في إحضار أو عدم إحضار النائب العام
يؤسس عليها طلب المراجعة ،و بالنتيجة فإن وزير العدل ّ
بطلب المراجعة مادام ذلك يدخل في نطاق اإلختصاص التقديري .
غير أن قراره من منع ممارسة حق محمي قانونا ،أي حق الدفاع فإنه يشكل في نفس الوقت مساسا خطي ار
بحرية أحد اإلفراد ،و إن مثل هذا القرار يجب أن يكون مسببا ،وأن وزير العدل قراره قد ارتكب غلطا
()1
واضحا في تقدير أسس طلب المراجعة المقدم من الطاعن".
يتضح من خالل الق اررات القضائية الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري في مجال رقابة الخطأ البين
في التقدير ،أن هذا األخير قد أعمل هذا النوع من الرقابة في مجال الق اررات التأديبية ،و لهذا نأمل أن يمد
القاضي اإلداري في الجزائر رقابة الخطأ البين لتشمل بقية الق اررات اإلدارية التي تصدر بمقتضى سلطة
اإلدارة التقديرية في مختلف مجاالت العمل اإلداري ،تماما كما فعل نظيره الفرنسي حينما عمم تطبيق نظرية
الرقابة على الخطأ البين لتتناول مختلف ق اررات اإلدارة التقديرية ،كما أوضحنا من قبل.
الفرع الثاني
رقابة الموازنة بين المزايا واألض ارر
لقد أدت عدم فعالية الرقابة التقليدية على السلطة التقديرية لإلدارة إلى تزايد إنحرافها وسوء استعمالها
لهذه اآللية ،وبالتالي المساس بحقوق األفراد وحرياتهم .خاصة وأن سلطات اإلدارة في تطور واتساع
مستمرين .ولقد اضطر هذا الوضع القضاء اإلداري إلى اعادة تقييم سلطاته في مجال الرقابة على السلطة
التقديرية ،بأن يوازن بين ما تتمتع به اإلدارة من امتيازات وحدود ما يجوز لها من المساس بحقوق االفراد
وحرياتهم .وهو ما دفع مجلس الدولة الفرنسي إلى إرساء نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار المترتبة عن
الق اررات االدارية كقيد على السلطة التقديرية لإلدارة.
ولتحديد معالم هذه النظرية بوضوح فإننا سنتناول أوال مضمون نظرية الموازنة ،ثم معيارها ،ثم مجاالت
إعمالها ،وفي نقطة رابعة طبيعة الرقابة القضائية عليها ،وأخي ار موقف القضاء من هذه النظرية.
أوال :مضمون نظرية الموازنة
ينصب تطبيق نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار أساسا على محل القرار االداري؛ أي على موضوع
أو مضمون هذا القرار ،وبمعنى أدق ينصب على األثر القانوني الذي تتجه اإلدارة الى إحداثه) ،(2مع
)(1
مالحظة أن تطبيق هذه النظرية يقتصر على الحاالت التي تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية.
-1زروق العريب ،مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا :النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية ،جملة جملس الدولة ،العدد ،8
،2339ص .102
-2خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية،2331 ،
ص.162
3
- www. Academon.fr/Disseration-L’avenir du controle de proportionnalité dans le contentieux
administratif /26254 .Vu le : 27/9/2012.
4
- Ibid.
5
- Martine Lombard, op.cit, p 281.et voir : Jacqueline Morand-Devili, op.cit, p 286.
-6نبيلة كامل عبد احلليم ،دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية ( اإلجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا)،
دار النهضة العربية ،القاهرة ،1110 ،ص 6و .9
المعطيات والظروف التي تحيط به؛ أي أنه يباشر تقييما حقيقيا لذات التقييم الذي أجرته اإلدارة في هذا
)(1
الشأن ليقرر بعد ذلك ما إذا كان التقييم معقوال أو غير معقول.
-1زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة،
العدد ،2339 ،8ص .129
-2حكيمة عمورة ومقاليت مىن ،رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك ،امللتقى الوطين األول حول سلطات
القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة.2311،
-3زروق العريب ،مبدأ املوازنة بني التكاليف و املزايا ،املقال السابق ،ص .109
4
Long, M, et autres, Les grands arrets de la jurisprudence administrative, Dalloz, 12 eme
édition, Paris, 1999, P 632.
-5زورق العريب ،مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا ،املقال السابق ،ص .109وحكيمة عمورة ومقاليت مىن ،املقال السابق.
حدوده وتنظيم أماكن األلعاب بشكل أفضل؛ حيث عبر مجلس الدولة الفرنسي عن هذه المنفعة العمومية
)(1
"بالمنفعة جد محدودة".
وهو ما قضى به أيضا في قضية "المدينة الجديدة" كما سنرى ،أين اعتبر بأن الفوائد التي قد تترتب
)(2
عن إقامة هذا المشروع تفوق األضرار التي ستصيب أصحابها.
-2معيار التكاليف المالية للعملية
يتوجب على القاضي -وفقا لهذا المعيار -أن يأخذ بعين اإلعتبار أثناء قيامه بعملية الموازنة،
)(3
فالقاضي ال التكاليف المالية التي ستتحملها الجهة المنفذة للمشروع وما إذا كانت قادرة فعال على التنفيذ.
يكتفي بتقدير هذه التكاليف ،بل يراقب المقدرة المالية للجهة القائمة على التنفيذ.
إذ أن مشروعا معينا قد يكون صالحا للتنفيذ على مستوى إقليم أو مدينة كبرى ،حيث تستطيع الجهة
القائمة على التنفيذ أن تتحمل تكاليف إنشائه دون أن يصيبها إرهاق مالي ،بينما قد ال يكون هذا المشروع
صالحا للتنفيذ في قرية صغيرة ذات موارد محدودة ،حيث يسبب مثل هذا القرار أو التنفيذ أعباءا مالية تفوق
)(4
قدرتها.
-0معيار التكلفة االجتماعية للمشروع
أو بمعنى أدق ،اآلثار االجتماعية التي قد يتسبب هذا المشروع في إلحاقها سواء باألفراد أم بالبيئة).(5
)(6
،société civile Sainte Marieقام مجلس الدولة الفرنسي ففي قضية "مستشفى األمراض العقلية"
بالموازنة بين مصلحتين :المحافظة على الصحة العامة من ناحية و إنشاء طريق سريع ،وما يترتب عليه من
سهولة وسير في المرور من ناحية أخرى ،ثم إنتهى بترجيح المصلحة األولى ومن ثم إلغاء القرار الصادر
)(7
تفوق الفوائد المحتملة بنزع الملكية للمنفعة العامة .نظ ار لما قد يترتب على هذا القرار من مساوئ وأضرار،
من إنشاء الطريق السريع.
ثالثا :مجاالت الرقابة القضائية على الموازنة
-1إقلويل حممد ،سل طات القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،
جامعة قاملة ،2311،ص .39
-2رمضان بطيخ ،املرجع السابق ،ص .010
-3إقلويل حممد ،املقال السابق ،ص .36
-4ويف هذا اإلطار ،جند أن جملس الدولة الفرنسي قد قضى بإلغاء مشروع بإنشاء مطار يف إحدى القرى ،عندما وجد التكاليف املالية الالزمة هلذا املشروع
ال تتناسب متاما مع املصادر املالية لتلك القرية ،فقد اعترب أن ذلك من شأنه أن يسبب أضرارا لإلقتصاد احمللي ،و املقدرة ب 833.333فرنك تفوق
بكثري الفوائد اليت قد ترتتب عن إنشاء املطار .املقال نفسه ،ص 6و . 9
-5زروق العريب ،نظرية املوازنة بني املزايا واألضرار ،املقال السابق ،ص .102
-6تتخلص وقائعها يف صدور قرار بإنشاء طريق سريع مشال مدينة "نيس" يربط هذه املدينة وما حييط هبا من مناطق بدولة إيطاليا ،وكان من شأن هذا
الطريق إزالة جزء من مستشفى األمراض العقلية صاحب التخصص الوحيد يف املنطقة .أنظر :نبيلة كامل عبد احلليم ،املرجع السابق ،ص 29و .26
-7وتتمثل يف هدم مبىن حيتوي على 83سرير ،وحرمان املستشفى من املساحة اخلضراء احمليطة به ومن أماكن توقف السيارات.
لقد ظهرت نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ،وقد يرجع
السبب في ذلك إلى ماالحظه مجلس الدولة الفرنسي من أن اإلدارة تتمتع في هذا المجال بسلطة تقديرية
واسعة ،السيما فيما يتعلق بتقرير فكرة المنفعة العامة ،حيث لم يكن يحدها في هذا الشأن سوى عيب
اإلنحراف بالسلطة .وهو عيب يتسم بطبيعته بصعوبة اإلثبات خاصة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة،
كما قد يرجع السبب في ذلك إلى كون فكرة المنفعة العامة ذاتها فكرة مرنة تتسم بعدم التحديد والوضوح،
األمر الذي أدى إلى إستخدامها لمصالح تخرج عن النفع العام(1).كما قد يرجع السبب في ذلك إلى كون
المجاالت الحديثة وخاصة المتصلة بالعقارات واألموال ،غالبا ما تحكمها نصوص قانونية وتنظيمية ينقصها
الوضوح والدقة ،بل وتتسم في الغالب بالمرونة وعدم الثبات ،مما يجعل القاضي اإلداري مجردا من كل سالح
)(2
فعال لمراقبتها.
وقد يعود السبب في ظهور نظرية الموازنة في مجال نزع الملكية ،إلى تغير مضمون المنفعة العامة
ذاتها()3تحت تأثير التدخالت االقتصادية واإلجتماعية للدولة وتغير فلسفة العالقة بين الفرد والسلطة ،فلم تعد
فكرة المنفع ة العامة فكرة مجردة ذات مضمون مطلق يقابل بينها وبين المنفعة الخاصة ،بل أصبحت فكرة
موضوعية تقدر وفقا لظروف المشروع وما يحققه من مزايا إقتصادية واجتماعية ،تأخذ في االعتبار األضرار
المترتبة عليه وما يكلفه من أعباء مالية ،قصد إقامة توازن بين المزايا والتكاليف.
لقد مر مفهوم "المنفعة العامة" في قضاء مجلس الدولة الفرنسي بثالث مراحل هي كاآلتي:
-1المرحلة األولى :المنفعة العامة ال تتوافر إال في حاالت معينة
خالل هذه المرحلة ،كان القاضي اإلداري يقر قرار نزع الملكية ألجل المنفعة العامة ،إذا كان هذا
األخير ضمن الحاالت التي حددها المشرع على سبيل الحصر .ومثال ذلك نزع الملكية للقيام بأشغال عامة
)(4
كإقامة الطرق والميادين العامة.
وقد كانت حاالت الملكية محددة للغاية ،خاصة وأن القضاء كان يشترط أن يكون نزع الملكية للضرورة
العامة) .(5لكن القضاء الفرنسي أحل فكرة "المنفعة العامة " محل " الضرورة العامة" حتى تتمكن اإلدارة من
-1ويالحظ يف هذا الصدد ،أنه نظرا للنطاق الضيق الذي كانت اإلدارة تباشر فيه نزع امللكية فإن جمموعة أحكام جملس الدولة الفرنسي املعروفة باسم
،Lebonمل تكن تورد بني تقسيماهتا كلمة نزع امللكية ،expropriationو إمنا كانت تورد حاالت نزع امللكية حتت اسم "األشغال العمومية"،
.travaux publics
-2لقد ظهرت فكرة املرفق العام ابتداء من حكم بالنكو الشهري يف 8فيفري .1820
-3نبيلة كامل عبد احلليم ،املرجع السابق ،ص . 11
-4املرجع نفسه ،ص .11
-5حكيمة عمورة ومقاليت مىن ،امللتقى السابق.
-6نبيلة كامل ،املرجع السابق ،ص .19
-7تتخلص وقائع القضية يف أنه مت الطعن باإللغاء يف قرار نزع ملكية أحد الفنادق ،إلنشاء فندق جديد وكازينو مبدينة "نيس" ،لكن جملس الدولة الفرنسي
قضى بعدم الغاء القرار ألن إزالة الفندق القدمي سيسمح بتخطيط املنطقة على حنو يتيح باإلضافة إىل إقامة الفندق اجلديد والكازينو إقامة دار بلدية جديدة.
وبذلك يتوافر يف قرار نزع امللكية شرط املنفعة العامة غري املباشرة .أنظر :نبيلة كامل عبد احلليم ،املرجع السابق ،ص 10و .19
كما تبين من خالل هذه المرحلة أنها كانت تمهيدا للتحول الهائل الذي أدى بالقاضي اإلداري إلى
الموازنة بين مزايا القرار اإلداري ومساوئه ليقدر فيما بعد إذا كان يستحق اإللغاء أم ال.
هذا وقد قرر مجلس الدولة الفرنسي ثالث مبادئ تحكم عملية نزع الملكية بصفة عامة ،وهي كاآلتي:
المبدأ األول :أن نزع الملكية ال يمكن أن يستند إلى إعتبارات مالية بحتة).(1
المبدأ الثاني :أن قرار نزع الملكية يكون موسوما بعدم المشروعية ،إذا كان الهدف من ورائه تعطيل
تنفيذ حكم قضائي .أو أن يكون القرار قد إتخذ بهدف اإلضرار بأحد األفراد ،كالقرار الصادر بنزع الملكية
بقصد حرمان المالك من إقامة مدرسة خاصة أو القرار الصادر بنزع ملكية أحد القصور بقصد منع مالكه
)( 2
من بيعه ألحد المستثمرين األجانب.
المبدأ الثالث :أن قرار نزع الملكية ال يمكن إتخاذه من أجل تحقيق منفعة خاصة ،وان كان مجلس
الدولة الفرنسي يتجه إلى مساندة اإلدارة لتحقيق منفعة خاصة إذا كان ذلك يؤدي بذاته إلى تحقيق منفعة
عامة .بمعنى أن المجلس يقبل أن تتحقق المنفعة العامة بطريق غير مباشرعن طريق منفعة خاصة .وأشهر
)(3
أحكام مجلس الدولة في هذا الصدد الحكم الصادر في 1121والمعروف باسم شركة "."Peugeot
هذا فيما يخص المبادئ التي أرساها مجلس الدولة الفرنسي في مجال نزع الملكية ألجل المنفعة
العامة ،أما فيما يتعلق بالرقابة القضائية على هذا النزع ،فيمكننا القول أنها مرت بمراحل ثالث ،بحيث
أصبحت رقابة القاضي اإلداري لق اررات المنفعة العامة ،طبقا لنظرية الموازنة تمر بثالث مراحل على النحو
التالي ذكره):(4
-المرحلة األولى
فيها يتأكد القاضي اإلداري من وجود منفعة عامة تبرر نزع الملكية) ،(5وقد بينا كيف أن مفهوم المنفعة
المنفعة العامة قد توسع إلى درجة تم ربطه فيها بمفهوم المصلحة العامة .وبالتالي فإن دور القاضي اإلداري
-1ويف ذلك قضى جملس الدولة الفرنسي بأن القرار الصادر بنزع امللكية هبدف ختلص اإلدارة من عقد إجيار ومن اإللتزمات املالية امللقاة على عاتقها يكون
قرارا غري مشروع.
-2نبيلة كامل عبد احلليم ،املرجع السابق ،ص .16
-3إذ أن اإلدارة أصدرت بناء على طلب شركة Peugeotللسيارات ،قرارا بنزع امللكية من أجل تعديل مسار طريق كان مير بني املصانع التابعة للشركة.
حبيث يسمح التعديل اجلديد الطريق مير جبانب املصانع دون أن يفصل بينهما الجراء توسعات ضرورية للمصانع .وقد قرر جملس الدولة يف هذا الصدد" :إن
املصلحة العامة تتوافر يف هذه احلالة إذ تدعو اليها يف آن واحد ،ضرورات تطوير الطرق العامة ومتطلبات تطوير جممع صناعي على درجة كبرية من األمهية،
ملا سيساهم يف دعم االقتصاد احمللي" .املرجع نفسه ،ص .18
-4انظر - :زروق العريب ،مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا :النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية ،جملة جملس الدولة ،العدد
.2339 ،8ص 109و 106و .109ورمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص 038اىل .013
-5مما ساعد اإلدارة على الوصول اىل نتائج دقيقة ،اعتمادها على وقائع ثابتة بنتائج التحقيق املسبق الذي يوضح وبشكل دقيق الوضعية الفعلية للعقار
وما إذا كان املشروع ذو منفعة عمومية حقيقية .أنظر :عمورة حكيمة و مقالين مىن ،رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية
حقوق املالك ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية ،جامعة قاملة.2311،
في هذه المرحلة يتجسد في مجرد التأكد من أن عملية نزع الملكية التي تطالب بها اإلدارة ليس لها هدف
سوى تحقيق المنفعة العامة ،فإذا تثبت من ذلك إنتقل إلى المرحلة الثانية.
-المرحلة الثانية
فيها يتأكد القاضي اإلداري من أن نزع الملكية العقارية الذي تطالب به اإلدارة أمر حتمي والزم
لتحقيق المنفعة العامة .بمعنى أن القاضي اإلداري يراقب ماإذا كان المشروع المزمع إقامته لن يحقق منفعة
)(1
عامة إال اذا أقيم في ذات موقع العقار الذي ستنزع ملكيته.
-المرحلة الثالثة
تمثل قمة تطور الرقابة القضائية على ق اررات اإلدارة المتضمنة منفعة عامة ،حيث لم يعد القاضي
اإلداري يكتفي برقابة ما إذا كان المشروع هو الذي يحقق المنفعة التي تدعيها اإلدارة ،بل أصبح يراقب
إضافة إلى ذلك ما إذا كان المشروع الذي تطالب اإلدارة بنزع الملكية من أجل إقامته يحقق مزايا وفوائد تفوق
ما قد يترتب عليه من عيوب ومضار مستعينا في ذلك بالخبرة إن لزم األمر.
وان كانت األستاذة "ليلى زروقي" قد انتقدت موقف القاضي اإلداري الجزائري في هذا المجال ،على
أساس أن الجهات القضائية اإلدارية تتعامل مع المنازعات المتعلقة بنزع الملكية كما يتعامل القاضي اإلداري
مع األطراف .أي أنه يكتفي بما يقدم له من أدلة ،وكثي ار ما يحال النزاع على خبير في مجال رقابة يملك
القاضي فيه كل الصالحيات والوسائل لحسمه دون اللجوء إلى الخبرة(.)2
وعليه فإن الرقابة القضائية في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ،لم تعد تقتصر فقط على رقابة الوجود
المادي للوقائع وما إذا كانت هذه الوقائع تبرر أو ال تبرر قرار المنفعة العامة .وانما أصبحت تتناول
باإلضافة إلى ذلك ،مضمون هذه الق اررات بما تشتمل عليه – كما ذكرنا -من منافع وأضرار ،وذلك في
ضوء كافة المعطيات واإلعتبارات البيئية واإلجتماعية والمالية واإلقتصادية) ،(3وغيرها من المعطيات السائدة
)(4
. وقت تقدير أو تقييم هذا المضمون
-1املداخلة نفسها .وبإ ستقراء بعض أحكام القضاء اجلزائري نالحظ تأثره يف جمال نزع امللكية بأساليب الرقابة التقليدية ،وهو ما أكده قرار الغرفة االدارية
للمحكمة العليا رقم 99133املؤرخ يف 21ابريل .1113والذي جاء فيه " :من املستقر عليه قضاءا أن القاضي اإلداري غري مؤهل ملراقبة مسألة
مالءمة اختيار اإلدارة لألراضي حمل نزع امللكية قصد اجناز مشروع ذي املنفعة العامة ،ومن ةمة فإن النعي على القرار اإلداري املطعون فيه بأن صفة املنفعة
العمومية غري مقدرة يف غري حمله" .وقد علق األستاذ "زروق العريب" على القرار اآلنف ذكره قائال " :ما ميكن استخالصه من هذا احلكم اجلديد أن القاضي
اإلداري ليس مؤهال لرقابة اختيار االدارة لألماكن وذلك إلجناز املشاريع للمنفعة العامة ".
انظر - :زروق العريب ،التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لالدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا ،جملة جملس الدولة،
العدد الثامن ،2339،ص .123
-2املقال نفسه ،ص .21
3
- www. Academon.fr, vu le : 27/09/2012.
-4جتدر اإلشارة إىل أن األحكام الصادرة بإ لغاء القرارات اإلدارية املتعلقة بنزع امللكية يف فرنسا نزوال على اإلجتاه اجلديد ،تظل حمدودة العدد ،بل ويالحظ
أن جملس الدولة الفرنسي مل يستخدم فكرة املوازنة إللغاء أي قرار من قرارات نزع ملكية املشروعات الكربى املدنية والعسكرية .أنظر يف ذلك:
إذا كان مجال نزع الملكية للمنفعة العامة هو المجال الذي سيتأثر بمعظم أحكام القضاء اإلداري
الخاصة بقضاء الموازنة .إال أنه ال يمثل مع ذلك المجال الوحيد لتلك األحكام؛ إذ طبقت هذه النظرية في
مجاالت أخرى عديدة ،ومن أهمها تلك المتعلقة بالتخطيط أو التنظيم العمراني ،(1) l’urbanismeوباألخص
)(2
المجاالت الخاصة بتراخيص المباني التي تصدر بالمخالفة لقواعد التخطيط أو التنظيم.
وتجدر اإلشارة إلى أن القواعد القانونية التي تحكم هذا التخطيط أو ذلك التنظيم ،تتسم بالمرونة في
التطبيق حتى تكون دائما متالئمة مع ما قد يحدث في المجتمع من تطورات إجتماعية واقتصادية وبيئية
وغيرها .وذلك ما نالحظه في الواقع العملي؛ إذ يندر أن نجد قواعد قانونية من هذا النوع ال تتضمن موادا أو
نصوصا تسمح لإلدارة بمالءمة خطة تنظيم المدينة مع كافة التغيرات اإلجتماعية ،و ذلك عن طريق ما
يسمى باإلجراء اإلستثنائي .مما يجعل هذا اإلجراء من إطالقات اإلدارة تباشره بجدية تامة وطبقا لما تتمتع به
)(3
من سلطة تقديرية.
وحتى ال تتحول هذه الحرية المتروكة لإلدارة إلى إجراء تعسفي ،فإن القضاء اإلداري إبتكر تطبيق
نظرية الموازنة في هذا المجال ،ذلك أن القاضي في هذه الحالة يجد نفسه أمام مصلحتين متناقضتين :األولى
مصلحة األفراد أو الفرد الذي يطالب بتمتعه باإلستثناء من قواعد التنظيم العمراني .وهي مصلحة تجسد في
واقع األمر حق الملكية الخاصة الواجب حمايته من قبل القضاء .أما الثانية فتجسد مصلحة كافة المواطنين
)(4
في تنظيم عمراني معين وضرورة اإلعتراف لهؤالء بحق التمتع ببيئة حضرية مالئمة.
وقد كانت أولى القضايا التي باشر فيها مجلس الدولة الفرنسي رقابة الموازنة على اإلجراء اإلستثنائي
في الدعوى المرفوعة باسم "دعوى مدينة ليموج" » ،« la ville de Limogeأين إنتهى القاضي إلى وضع
مبدأ هام مفاده أنه ":ال يمكن السماح قانونا بأي إجراء إستثنائي على قواعد التنظيم العمراني ،إال اذا كانت
األضرار التي يلحقها هذا اإلجراء بالمنفعة العامة ،ليست مفرطة أو مبالغ فيها .وذلك بالنظر إلى المنفعة
العامة التي يرتبها اإلجراء االستثنائي".
ومعنى ذلك ،أن القضاء اإلداري يفترض في هذه الحالة أن هناك منفعتين عامتين هما في الغالب
متعارضتين :المنفعة التي ترمي إليها قواعد التنظيم العمراني ،والمنفعة التي يرمي إليها اإلجراء اإلستثنائي.
وهنا يجب أال يمنح هذا اإلجراء -من حيث المبدأ -لتحقيق منفعة خاصة لصاحب الشأن فحسب .بل يجب
- Charles Debasch et autres : institutions et droit administratif, P.U.F, Paris, 1991, p 239 et
240.
-1زروق العريب ،مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا ،املقال السابق ،ص .108
2
Voir : www. Academon . fr vu le 27/09/2012
-3رمضان حممد بطيخ ،اإل جتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها ،دار
النهضة العربية ،1119،ص .206
-4املرجع نفسه ،ص .026
إضافة إلى ذلك أن تكون األضرار التي يلحقها بالمنفعة العامة أقل بكثير من األضرار التي ستترتب إذا تم
)(1
رفضه من جانب اإلدارة.
ومن المجاالت األخرى التي طبقت فيها نظرية الموازنة بين المنافع والضرار ،مجاالت حماية البيئة)(2؛
حيث يعمل القاضي من خالل هذه النظرية على البحث عما إذا كانت اإلجراءات التي ترغب اإلدارة في
إتخاذها أو تتخذها بالفعل لحماية الطبيعة أو ذلك اإلرث الطبيعي لتحقيق التوازن بين المصلحة العامة
والخاصة .أو بمعنى آخر يبحث فيما إذا كانت األضرار المترتبة على تلك اإلجراءات تتجاوز بشكل مفرط
المزايا الناجمة عنها لحماية الطبيعة أو اإلرث الطبيعي ،مما يؤثر سلبا على الحق المقرر لألفراد على
الملكية الخاصة لكل منهم .
كما إمتد تطبيق هذه المادة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى مجاالت أخرى ،من ذلك مجال
اإلرتفاقات اإلدارية ،ومجال إنشاء مناطق محمية حول األماكن العامة ،ومجال تسريح العمال ،ومجال ق اررات
)(3
اإلستيالء ،ومجال ق اررات الجزاءات في العقود االدارية.
رابعا :موقف القضاء اإلداري من رقابة الموازنة
لقد سبق وأن ذكرنا أن رقابة الموازنة قد عرفت وجودها األول عن طريق مجلس الدولة الفرنسي إعتبا ار
)(4
من صدور ق ارره الخاص "بقضية المدينة الشرقية" التي كان مقر ار إقامتها شرق مدينة "ليل" الفرنسية.
وتتلخص وقائع هذه القضية أنه في محاولة إلعادة تخطيط مدينة "ليل" ،وقصد نقل الجامعة من وسط
المدينة نظ ار لما يسببه وجودها من مشكالت في المواصالت والمرور ،وتواجد عدد كبير من طالب الجامعة
-1وهلذا فقد قضى بأن بناء فندق من ثالثة طوابق ،على أساس من إجراء استثنائي لقواعد التنظيم العمراين يف وسط مدينة ليس هبا فنادق حتقق منفعة
عامة أكثر من تلك اليت حيققها إعداد سبعة مواقف سيارات تتضمنها خطة التنظيم العمراين هلذه املدينة.أنظر يف ذلك:
CE ,08 Dec, 1976, ministre de l’équipement. pris de :www. Légifrance.fr
-2وقد طبق املشرع الفرنسي هذه النظريات مبوجب القانون الصادر سنة 1129اخلاص حبماية الطبيعة ،الذي مت تعديله مبوجب قانون 12يوليو
.1180قصد إعادة تنظيم إجراءات محاية البيئة وجعلها أكثر فعالية ،ملواجهة التغريات اليت طرأت يف هذا اجملال .أنظر :رمضان بطيخ ،املرجع السابق ،ص
021ونبيلة كامل عبد احلامي ،املرجع السابق ،ص .22
-3خليفة سامل اجلهمي ،الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية،2331 ،ص
.166
-4جتدر اإلشارة إىل أن هذا التطور اهلائل يف قضاء جملس الدولة الفرنسي ،وإن كان يؤرخ له ابتداء من حكم "املدينة الشرقية اجلديدة" ،خاصة بسبب
وضوح العبارات اليت استخدمها احلكم و املذكرة من حيث ضرورة إجراء املوازنة بني املصاحل اليت ميسها القرار .لكن هذا احلكم وإن كان األول من نوعه من
حيث الوضوح يف حتديد اإلجتاه احلديث جمللس الدولة الفرنسي ،إال أنه مل يصدر فجأة وبدون مقدمات .فقد سبق جمللس الدولة الفرنسي أن جلأ إىل معيار
املنفعة اإلقتصادية للقول بصحة ومشروعية قرار نزع امللكية .واستخدم أيضا فكرة "حسن إستخدام وسط البلد" ،من حيث اجياد مكان النتظار السيارات
للقول بوجود مربر كاف لنزع امللكية .ويف قضية أخرى اشتهرت باسم "البقع احلمراء" استند القضاء اإلداري للحكم بصحة قرار نزع امللكية إىل ما يستهدفه
هذا القرار من منفعة عامة تتمثل يف الدفاع عن البيئة ومحايتها من التلوث ،لكن معظم رجال الفقه يرجعون الفضل يف ظهور نظرية املوازنة إىل حكم "املدينة
الشرقية اجلديدة" ،نظرا لوضوح عباراته .لكن هذا احلكم كما ذكرنا ليس سوى إستمرارية ملا سبق جمللس الدولة الفرنسي أن سار عليه .أنظر :نبيلة كامل عبد
احلليم ،دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية (اإلجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا) ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،1110 ،ص .22
(حوالي 03ألف طالب ) وأساتذتها والعاملين بها .رأت السلطات المحلية نقل الجامعة بكافة كلياتها
ومعاهدها ومبانيها وخدماتها الى شرق المدينة ،مع إقامة حي جديد يتسع لعدد من السكان يتراوح ما بين 23
و 26ألف نسمة.
وكان هذا التخطيط الجديد يقتضي نزع ملكية ما يقارب 633هكتار من األراضي بتكلفة مليار فرنك
فرنسي .غير أن تنفيذ هذا المشروع كان يقتضي نزع الملكية وازالة 263منزال ،كان بعضها حديث البناء ،بل
وبعضها كان مقاما وفقا لتراخيص بناء لم يمضي عليها أكثر من سنة.
وأمام إحتجاج سكان المنطقة بشدة ،حاولت اإلدارة التخفيف من اآلثار التي تترتب على المشروع،
فقامت بتخفيض عدد المنازل المطلوب إزالتها إلى 88منزال فقط .لكن "جمعية الدفاع عن منازل السكان
المراد نزع ملكيتهم " قد طالبت بعدم هدم أي منزل من المنازل الواقعة بالمنطقة .لكن اإلدارة تجاهلت مطلب
هذه الجمعية وأصدرت ق ارراها بنزع ملكية 88شخصا وازالة منازلهم التي تعوق تنفيذ المشروع وفقا للتخطيط
الموضوع له .وقد صدر بالفعل قرار وزير التخطيط واإلسكان بتاريخ 0أبريل ،1198وقد طعنت جمعية
"الدفاع عن السكان " في القرار المشار إليه.
وقد صدر الحكم في هذه القضية مقر ار أن " :أي مشروع ال يمكن أن تتوافر فيه صفة المنفعة
العامة ،إال إذا كانت األضرار التي يلحقها بالملكية الخاصة والتكلفة المالية التي يقتضيها ،واآلثار
اإلجتماعية الناشئة عنه متوازنة مع ما ينشأ عنه من منفعة ".
إنتهى الحكم إلى أنه " :نظ ار لألهمية التي يمثلها هذا المشروع في مجمله ،فإن ما يقتضيه تنفيذه
من إزالة بعض المباني السكنية ال يمكن أن ينفي عنه توافر شرط المنفعة العامة ،ولذلك يتعين رفض
الطعن في هذا القرار تأسيسا على اإل نحراف بالسلطة ").(1
من خالل سرد منطوق الحكم ،نستنتج أن مجلس الدولة الفرنسي قد إنتهى إلى صياغة نظريته الجديدة
في الموازنة بين التكاليف والنفقات التي ستترتب على المشروع وبين المزايا التي سيحققها .وذلك على النحو
السالف بيانه ،األمر الذي غدت معه سلطات القاضي اإلداري في الرقابة على ق اررات نزع الملكية للمنفعة
العامة أكثر إتساعا عن ذي قبل" .إذ لم يعد يكتفي بالنظر إلى المنفعة العامة التي يحققها قرار نزع الملكية
نظرة مجردة ،inabstradoوانما نظرة موضوعية ،Inconcertoتسمح له بتقييم كافة المعطيات أو
)(2
الظروف الموضوعية في الميزان والتي تحيط بتلك المنفعة".
1
- Le : 28 mai 1971, Ministre de l’équipement et du logement du Fédération de défense des
personnes concernées par le projet actuellement dénommé « ville nouvelle est »,M. Long et
autre, les grands arrêts de la jurisprudece administrative, Dalloz édition, paris 1999, P 641 et
suivantes.
-2رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص 023و.021
واعماال لهذه النظرية ،فقد إنتهى المجلس في الدعوى السابقة إلى رفض الطعن ،حيث وجد أن الموازنة
بين المنافع التي ستترتب على المشروع .وهي إقامة مجمع سكاني و بناء سكن للطالب وتخفيف اإلزدحام
في المدينة .وبين المخاطر أو العيوب التي ستنجم عنه ،والمتمثلة في اإلعتداء على الملكية الخاصة ،التكلفة
المالية التي يتطلبها المشروع واألضرار اإلجتماعية الناجمة عنه ...وقد كانت هذه الموازنة لصالح المنافع
أكثر من كونها لصالح العيوب .
وقد توالت الق اررات القضائية التي أعمل فيها مجلس الدولة الفرنسي رقابة الموازنة في مجال نزع
الملكية للمنفعة العامة ،إلى أن توسع نطاق هذه الرقابة لتشمل العديد من المجاالت الحديثة :اإلجتماعية،
اإلقتصادية ،البيئية والعمرانية ...كما سبق وتناولناها في إطار حديثنا عن مجاالت رقابة الموازنة(.)1
هذا عن موقف مجلس الدولة الفرنسي من رقابة الموازنة ،أما القضاء اإلداري المصري ممثال في
مجلس الدولة ،فإنه لم يتبن بشكل حاسم نظرية الموازنة حيث يبدو من أحكامه التي أصدرها أنه ال يزال وفيا
للمبادئ المستقرة في هذا الشأن ،فقد رفض مد رقابته إلى عنصر المالءمة في الق اررات الخاصة بها مكتفيا
في هذا الشأن برقابة مدى صحة الوقائع المادية ،تاركا لإلدارة حرية تقدير المنفعة العامة التي تبرر إلتجاءها
إلى نزع ملكية العقارات وتحديد المساحات الالزمة لتحقيق الغاية التي لجأت من أجلها إلى نزع الملكية(،)2
واختيار مواقع العقارات التي ترى نزع ملكيتها( ،)3باإلضافة إلى تحديد الزمان الذي تراه مناسبا لنزع
)(4
الملكية.
أما بالنسبة للقضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري ،فقد أخذ ببعض أحكام نظرية الموازنة وطبقها
في مجال ق اررات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ،إال أن هذا التطبيق يختلف عن تطبيقات القضاء
اإلداري الفرنسي السابقة ،ذلك أنه أعمل في هذا المجال بعض أحكام نظرية الغلط البين في التقدير.
وهذا ما تؤكده األستاذة "فريدة أبركان" بقولها ":يمكننا التفرقة بين اإلجتهاد القضائي للغلط الواضح في
التقدير وبين نظرية الحصيلة -نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار -المطبقة في نزع الملكية ألجل
المنفعة العامة ،فقاضي تجاوز السلطة يثبت هذا من مدى تحقيق الشرط المتعلق بالمنفعة العامة ،ومن
- 1وذلك ما جعل الفقيه Jean Riveroحيذر من التمادي يف إعمال هذا النوع من الرقابة ،ألن جملس الدولة الفرنسي قد حتول من وظيفة القضاء
إىل وظيفة احلكم .أنظريف ذلك :محد عمر محد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األوىل،أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية،
الرياض ،2330 ،ص .121
-2ويف ذلك قضت احملكمة اإلدارية العليا يف حكم هلا صدر ب 1191 / 6 / 11:بأن " للجهة اإلدارية سلطة تقدير حالة األجزاء الباقية من عقار
إستملكت جزءا منه من حيث صالحيتها لإلنتفاع هبا من عدمه " .أنظر حكم احملكمة االدارية العليا الصادر بتاريخ ، 1191 / 6 / 11أشار إليه:
رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .021
-3فقد قضت احملكمة اإلدارية العليا يف حكم هلا عام ... " : 1122من املقرر قانونا أن جلهة اإلدارة سلطاهتا يف اختيار املوقع وحتديد العقارات اليت
يشملها التخصيص للنفع العام مبا تراه حمققا للمصلحة العامة ...ومثل هذا اإل ختيار مما يدخل يف نطاق سلطتها التقديرية ودون تعقيب القضاء اإلداري ".
القضية رقم 621لسنة 29ص . 111املرجع نفسه ،ص .092
-4
نبيلة كامل عبد احلليم ،املرجع السابق ،ص .96
جهة أخرى يستخلص ويأخذ نتائج هذا القرار بعين اإلعتبار ،وفي الواقع العملي فإن المسعى الملموس
للقاضي عندما يقرر هذا القرار ،قريب جدا من ذلك المسعى الذي يستعمله بخصوص نظرية الغلط الواضح
)(1
في التقدير ،بمعنى أن القاضي يراقب العمليات غير المعقولة المبالغ فيها بصورة كبيرة".
وعليه فإن هذه النظرية تستند إلى وجوب مراقبة مدى مشروعية قرار إعالن المنفعة العمومية ،وضرورة
خضوع ذلك إلى إعتبارات قانونية ،بأن تكون منافع العملية أكثر من مساوئها.
إن مدى إ عمال القاضي لهذه النظرية فيما يتعلق بنزع الملكية يتحقق إذا شاب القرار االداري خطأ
واضح في التقدير ،وبالتالي يربط القاضي الفاصل في المادة االدارية الجزائري بين نظرية الغلط البين ونظرية
)(2
رغم الفروق الواضحة بين الموازنة ،فال يطبق نظرية الموازنة إال إذا شاب القرار خطأ بارز في التقدير،
)(3
النظريتين.
ولعل األستاذة "فريدة أبركان" ،قد استندت لتبرير هذا الموقف إلى الق ارر الصادر عن المحكمة العليا،
الغرفة االدارية ،في " :1111/31/10:حيث يستخلص من تقرير الخبير بأن العملية المسطرة ال تستجيب
ألية حاجة من حاجيات المنفعة العمومية ،و إنما هي في صالح عائلة واحدة المتوفرة من قبل الطريق.
حيث أن الهدف المتوخى من العملية ،أي إشباع حاجة ذات طابع عام ال يبرر المساس بملكية
)(4
الطاعن"....
)(5
ومن هنا قضت المحكمة العليا بإلغاء قرار نزع الملكية" ،ألنه مشوب بغلط فادح".
لكننا نجد في قضايا أخرى بأن القاضي اإلداري الجزائري قد أعمل رقابة الموازنة بين المنافع واألضرار
في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة .وان لم يشر صراحة إلى ذلك.
ومن ذلك نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا رقم 21020الصادر في ،1111/31/10 :في
قضية بن جياللي ومن معه ضد والي والية تيزي وزو ومن معه .حيث وازن القاضي بين المنفعة العامة
المتوخاة من مشروع إنجاز جزء من الطريق وبين الملكية الخاصة للمدعين ،عندما أشار إلى أن ":الجزء
المسخر من الطريق بطول 955م ال يمثل أي منفعة عامة ويؤدي الى تخريب الملكية الزراعية
)(6
للمدعين".
1
فريدة أبركان ،رقابة القاضي االإاري على السلطة التقديرية لالدارة ،جملة جملس الدولة ،العدد األول،2332، ،ص.93
-2يكون القضاء اجلزائري بذلك قد ساند جانبا من الفقه الفرنسي أمثال هوريو وفالني ،الذي يرى بأنه ال يوجد فرق بني النظريتني ،على أساس أن جماالت
إعمال كل منهما متطابقة .أنظر :رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .000
-3ملعرفة هذه الفروقات بالتفصيل ،انظر :رمضان حممد بطيخ ،املرجع السابق ،ص .001-009وخليفة سامل اجلهمي ،املرجع السابق ،ص -161
.199
-4فريدة أبركان ،املقال السابق ،ص .93
-5املقال نفسه ،ص .91
-6إ قلويل حممد ،سلطات القاضي يف الرقابة على شرط املنفعة العامة ،امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية،جامعة
قاملة ،2311،ص .6
فقد غلب القاضي كفة الملكية الزراعية المقرر للمدعين على المنفعة التي ستجنيها الوالية من جراء
عملية نزع الملكية.
وفي قضية أخرى ،أخذ القاضي اإلداري الجزائري بمعيار المنفعة اإلجتماعية للمشروع ،في قرار الغرفة
)(1
االدارية بالمحكمة العليا المؤرخ في ،1113/30/13 :في قضية بوثلجة لخضر ضد والي والية المدية.
ومما جاء في القرار ":إن قطعة األرض المتنازع عليها مخصصة كموقع إل نجاز مجمع دراسي،
الشيء الذي يكتسي طابعا إجتماعيا ذا أولوية."...
نالحظ أن القاضي أعطى أهمية كبيرة للمعيار اإلجتماعي ومنحه األولوية مقارنة بالملكية الخاصة
التي مستها عملية نزع الملكية ،و بذلك رفض الطعن ضد مقرر والي والية المدية.
لكن هذه األحكام التي إستطعنا العثور عليها في إطار رقابة الموازنة ،والتي اقتصرت على المجال
التقليدي الذي ظهرت فيه هذه الرقابة وهو مجال نزع الملكية ،وان كانت تشكل خطوة هامة وبداية موفقة
لتطبيق هذه النظرية ،إال أننا نرى أنه ال يمكن اإلعتماد عليها للقول بأنها تمثل إتجاها حديثا لرقابة السلطة
التقديرية في الجزائر.
لكن إتجاه مجلس الدولة الجزائري على النحو السابق ،وان كان ال يزال متواضعا وال يمكن أن يستدل
منه على موقف حاسم في هذا الشأن .إال أنه يمثل في نظرنا خطوة هامة وجادة على الطريق الصحيح ،نأمل
أن يدعمها بخطوات أخرى في هذا اإلتجاه ،مقتديا في ذلك بما حققه مجلس الدولة الفرنسي من تطور في
هذا الخصوص ،خاصة في المجاالت التي أصبحت تهم األفراد كثيرا ،كالمجاالت اإلقتصادية ،اإلجتماعية
والبيئية ،و هي مجاالت جديرة –دون شك -بالحماية والرعاية.
()1
لم يتبنى حتى يومنا هذا أساليب الرقابة الحديثة هذا وتجدر اإلشارة إلى أن مجلس الدولة الجزائري
على السلطة التقديرية ،سواء تعلق األمر بنظرية الخطأ الواضح في التقدير أو نظرية الموازنة بين المنافع
واألضرار.
-1جتدر اإلشارة إىل أن قضاة جملس الدولة اجلزائري قد فتحت بغرض تكوينهم دورات متخصصة يف إطار برامج تبادل يف إطار إتفاقيات مع جمالس دول
فرنسا وبلجيكا ومصر ،لذا نأمل أن يسايرها فيما وصلت إليه من أساليب رقابة حديثة على سلطة اإلدارة التقديرية خاصة ،إذ تشري اإلحصائيات أن 11
قاضيا قد استفادوا من دورات على مستوى جملس الدولة لبلجيكا من 1115إىل .1131كما استفاد 11قاضيا من دورات على مستوى جملس الدولة
لفرنسا أو حماكم اإلستئناف اإلدارية يف باريس ويف مرسيليا يف إطار برنامج التبادل بني اجلزائر وفرنسا قبل التوقيع على معاهدة التوأمة يف مارس .1131كما
استقبل 18قضاة يف إطار هذه اإلتفاقية .منهم 11على مستوى حمكمة اإلستئناف اإلدارية يف مرسيليا ،وإثنان منهم يف حماكم اإلستئناف اإلدارية يف
باريس وإثنان على مستوى جملس الدولة .كما استفاد 18قضاة من دورات على مستوى جملس الدولة املصري خالل الفرتة املمتدة من 1111إىل سنة
.1119أنظر يف ذلك - :ميينة عبد الوهاب ،تطور القضاء اإلداري يف اجلزائر ،يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري ،إقامة القضاة ،1133 ،ص 31
وما بعدها.
خاتـــــــــــمة
في لقاية هرا الدراةة ،لخ ص إلى أن اإلدارة تتجتع بة رة تدديرية في حالتين:
-إرا أتاح الجالرع لقا قدرا جن حرية ا ختيار بين سدة ح سو في خصسص جةنلة جعيلة.
-إرا تخ ى الجالرع سن سضع أية ح سو ،جنتفيا بتحديد الغاية أس القدش جن الدرار اإلدار .
غير أن الحالة الثالية تلرس س ى خرسرة قصسى ،جفادها أن اتخار جضجسن الدرار س ى هرا اللحس
يتاللد جع جدتضيات الجص حة العاجة .نجا قد يؤثر ة با س ى اللالار اإلدار ،إرا جا نان هرا الجضجسن
يجنله أن يضر بجص حة الفراد ،جتى نان الجضجسن جلرسيا س ى أضرار تب غ دراة ج حسية جن سدد
التعادو أس التسازن بين الجصالع.
تتجيز الة رة التدديرية -بقرا الجعلى -سن بعض الفنار الجالابقة لقا أس الجتص ة بقا ،نالة رة
الجديدة سالسجاو التدديرية .باإلضافة إلى باقي ا ةتثلالات الساردة س ى جبدأ الجالرسسية؛ أ ليرية أسجاو
الةيادة سالسجاو الدةتسرية سليرية اليرسش اإلةتثلانية .فدد تسص لا إلى ألقا تالترك جعقا في صدسرها
سن الة رة التلفيرية سألقا اجيعقا ليريات قضانية ،لنلقا تخت ش سلقا في اسالب سدة ،سلعو أهجقا أن
السجاو اإلدارية -في إرار الة رة التدديرية -ياسز ر ب إلغاؤها ،أجا باللةبة لباقي اةتثلالات جبدأ
الجالرسسية ،فإلقا جحصلة تجاجا جن الرقابة الدضانية ،خاصة فيجا يتع ش بنسجاو الةيادة ،للقا تتضجن
خرساا صريحا ساستدال صارخا س ى الدالسن ،بو ستااهال تاجا له.
تلاسللا بعد رلك أةاا الة رة التدديرية لإلدارة سجخت ش الليريات ساةرال التي سردت في هرا
الصدد .فتسص لا إلى أن هرا الليريات لد تة د اجيعقا جن ا لتداد.
نجا بيلا جبررات جلع الة رة التدديرية لإلدارة .حيث ت خصت في جبررات سج ية سأخرى فلية.
غلى سلقا سسةي ة جث ى لتحديش تجث ت الجبررات العج ية في استبار الة رة التدديرية ضرسرة ااتجاسية
الجص حة العاجة .أجا الجبررات الفلية ،فترنزت حسو استبار خبرة اإلدارة بالعجو سيرسفه الجتغيرة تاع قا
أقدر جن غيرها س ى تددير جلاةبة السجاو الجخت فة.
تتحسو إلى اسر ستعةش ،فإن الة رة التدديرية بجا أن نو ة رة بد أن تاد حدسدا لقا حتى
النلقا النن اجيع الة رات تخضع لضسابر خاراية سأخرى داخ ية .ففيجا يتع ش بالحدسد الخاراية ،التي
ت عب دسرا أةاةيا أس هاجا بو تيقر في أرنان ا ختصاص سالالنو سالغاية ،سادلا بنن الة رة التدديرية
ستناد تنسن جلعدجة في إرارها.
س ى العنا جن رلك ،فإن الحدسد الداخ ية – التي تتجثو في رنلي الةبب سالجحو -تتا ى فيقا
جياهر الة رة التدديرية بالنو ساضع ،جا لد يتدخو الجالرع سيحدد نو جلقجا س ى ساه الدقة ،أس يتدخو
الداضي سيفرض رقابته س ى اختيار الةبب أس الجحو ستبارات جعيلة.
لدد بيلا خالو هرا البحث جسقش الفده جن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية ،حيث الدةد بين
جؤيد سجعارض لقرا الرقابة .فنان لنو اتااا حااه التي يةتلد إليقا.
يراقب ةسى جالرسسية الدرارات الر ش رافضس هرا الرقابة جن لدرة ساحدة ،سهي أن الداضي اإلدار
تعارض س ى اإلرالش بين أن ينسن لإلدارة ة رة تدديرية سبين أن يراقب اإلدارية .لنللا التقيلا إلى أله
الداضي اإلدار نيفية جباالرة اإلدارة لقرا الة رة ،خاصة أن هرا الرقابة تعد الضجان السحيد لعدد تحسو
الة رة التدديرية إلى ة رة اةتبدادية.
استجدت الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة س ى جاجسسة جن السةانو تجث ت خاصة في
دسسى اإللغال سدسسى التعسيض.
ففيجا يتع ش بدسسى اإللغال ،لاد أن الدرارات اإلدارية جقجا نالت دراة التددير فيقا ،فقي تخضع لديد هاد،
سهس ضرسرة صدسرها سن ة رة جختصة سسفدا ل الن يات ساإلارالات الدالسلية ،سإ نالت بار ة .سجن ثد
رنلي ا ختصاص سالالنو يجارا الدضال رقابة صارجة س ى أساه الجالرسسية الخاراية؛ أ
ساإلارالات ،ةسال نان اختصاص اإلدارة في إصدار الدرار اإلدار جديدا أس تدديريا.
أجا سن أساه الجالرسسية الداخ ية ،فدد سادلا أن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية قد اجتدت
إلى رنن الةبب سلنن بصفة جحتالجة سفي لراش ضيش ادا ،لد يتعد جارد الرقابة س ى الساسد الجاد
سالتنييش الدالسلي ل سقانع .بو أن لراققا يتسقش -أحيالا -سلد العلصر السو جن الرقابة فدر .باإلضافة إلى
الرقابة س ى رنن الجحو التي تناد تنسن جلعدجة ،رلك أن هرا الخير يجثو جااو الة رة التدديرية سأبرز
سلاصرها .ججا أدى إلى تحصله في نثير جن الحا ت ضد دسسى اإللغال.
سجاللجته حين تصدرا بلال س ى لنن إرا نالت اإلدارة حرة في تددير جلاةبة قرارها اإلدار
ينسن جحال لرقابة أس تعديب جن االب الدضال .فإله ياب أن لالحي أن اةتعجاو ة رتقا التدديرية ،بحيث
اإلدارة لة رتقا التدديرية في هرا الالنن ،بد أن ينسن بعيدا سن إةالة اةتعجاو الة رة سإ الاب سج قا
البرالن.
رغد الدسر الر ي عبه قضال اإللغال في الرقابة س ى الة رة التدديرية لإلدارة ،إ أن هرا الدضال
غالبا جا يجتلع سن التعرض ل اسالب التدديرية في الدرارات اإلدارية .أجا قضال التعسيض فقس يجد رقابته
إلى نيفية ججارةة الة رة التدديرية ،لينجو جا ساز قضال اإللغال سن تدارنه برقابته.
الجدارن يبةر أجاد تزايد تعةش اإلدارة في اةتعجاو ة رتقا التدديرية ،فدد سجد الدضال اإلدار
رقابته س ى هرا الة رة ،بعدجا نان يجتلع تجاجا سن رلك .حيث أقر للفةه الحش في رقابة نافة سقانع
الدرارات اإلدارية ،بعد أن نان يتخر جسقفا ة بيا تااهقا .فبدأ رلك برقابة صحة الساسد الجاد لت ك السقانع،
جعججا رقابته س ى نافة الدرارات اإلدارية دسن اةتثلال.
ثد بةر رقابته س ى التنييش الدالسلي ل سقانع .لنله أسرد س ى هرا الرقابة اةتثلالات سديدة تجث ت في
جاا ت جعيلة :نالضبر اإلدار سالجاا ت رات الةجة الفلية أس التدلية ،تارنا لإلدارة في هرا الخصسص
حرية إارال سج ية التنييش الدالسلي دسن أن يفرض رقابته س يقا.
ثد اتةعت رقابة الداضي تدريايا لتالجو الرقابة س ى التلاةب ،أ رقابته س ى تددير اإلدارة لهجية
سخرسرة السقانع التي تدسيقا لدراراتقا سجدى تلاةب اإلارال الجتخر جع هرا التددير .سالتي بدأت في جااو
الرقابة س ى قرارات الضبر اإلدار سالدرارات التنديبية لتالجو بعد رلك جعيد الدرارات اإلدارية.
باللةبة ل دضال الازانر ،يبدس أله لد يةتدر بعد س ى تربيش جبدإ التلاةب .سجع رلك فقس قد أخر
ببعض أحناد ليرية التلاةب بالنن قرارات اإلدارة الصادرة في جااو الازالات التنديبية أةسة بالدضال
الفرلةي سالجصر ،دسن أن يعججقا لتالجو الجاا ت الحديثة التي أصبحت اإلدارة تخسضقا اليسد.
ل سقانع سرقابة التنييش سرقابة التلاةب -في رأيلا -ا تااهات لدد جث ت رقابة الساسد الجاد
التد يدية ل دضال اإلدار ل حد جن ة رة اإلدارة التدديرية.
لنن تزايد لالار الدسلة سترسر سيانفقا سجن ثد تعدد جاا ت العجو اإلدار ،أيقر ضعش سقصسر
ألجار ا تااهات التد يدية في الرقابة الدضانية .سقد أدرك جا ا الدسلة الفرلةي هرا السضع ،ججا دفعه إلى
ابتداع ليرية رقابة الخرن البين ليسااه بقا الجاا ت التي اجتلع في خصسصقا سن رقابة التنييش الدالسلي
ل سقانع ،ثد جدها بعد رلك إلى نافة جاا ت العجو اإلدار .
بيد أن السقسش س ى حديدة هرا البلال الدضاني الحديث ،اقتضى تحديد جاهيته سبيان جضجسله سجعيار
إسجاله ،خاصة أن أحناد جا ا الدسلة الفرلةي قد خ ت جن سضع تعريش ل خرن البين أس جخت ش العلاصر
الجبيلة له.
لنن جا ا الدسلة الفرلةي جا لبث أن خ ش بلال قضانيا اديدا أنثر ارأة ،أ سهس جا يعرش برقابة
الجسازلة بين الجلافع سالضرار .سهي الرقابة التي تتيع ل داضي أن ينخر في استبارا -سلد تدييد جضجسن
الدرار -نافة الاسالب الجتع دة بقرا الجضجسن ،فيجا يخص الجةاسئ الجترتبة س يه أس الجزايا اللااجة سله.
فإرا التقت هرا الجسازلة بترايع الضرار تعين الحند بإلغال الدرار .أجا إرا نالت الجزايا هي الرااحة ،يع ن
الداضي سن صحة سجالرسسية رلك الدرار.
باللةبة لجا ا الدسلة الازانر ،فإله قد تبلى ا تااهات التد يدية التي اةتدرت في قضال جا ا
الدسلة الفرلةي دسن أن تالجو رقابته اجيع الجاا ت ،حيث اقتصرت س ى الدرارات التنديبية فحةب.
سبالنن ا تااهات الحديثة ل دضال الفرلةي ،سالتي تجث ت في رقابة الخرن البين سرقابة الجسازلة ،فإن
لد يربش حتى اةن هرا الليريات بالنو حاةد .إر اقتصر في تربيدقا س ى الازانر الداضي اإلدار
الجااو التنديبي سفي بعض الدضايا سالحا ت اللادرة فدر.
يادر بلا في لقاية هرا الدراةة ،أن لةتخ ص أهد اللتانج التي تجخضت سلقا .ثد إبدال اقتراحات
ستسصيات لعتدد أن جن النن الخر بقا تدرير هرا اللسع جن الرقابة س ى حرية التددير التي تتجتع بقا
الة رات اإلدارية ،ججا يحدش فاس ية اإلدارة جن اقة ،سينفو حدسش سحريات الفراد جن اقة أخرى.
النتائج:
يساد في جاجسع -1تعد الة رة التدديرية لإلدارة ضرسرة زجة لةد الفراغ أس تنج ة اللدص الر
اللياد الدالسلي ،بةبب سدد قدرة الجالرع س ى التلبؤ باليرسش الجحيرة بنو تصرش سجالبةاته.
-2تعتبر ليرية أسجاو الةيادة سالحنسجة ثغرة خريرة في البلال الدالسلي ستالنو تقديدا لجبدأ
الجالرسسية .لن هرا الليرية تتضجن خرساا صريحا ساستدال صارخا س ى الدالسن.
-0تسةع جا ا الدسلة الازانر في تدييد لفةه باستجادا جا يةجى بالسجاو الدةتسرية .سهس جسقش
يتجاالى جع جا لقرا القينة الدضانية الع يا جن دسر ت عبه في جااو رقابة أسجاو الجؤةةات الدةتسرية
الخرى.
س ى استجاد سيب ا لحراش بالة رة بالنو حاةد .فقس تارة الازانر -9لد يةتدر الدضال اإلدار
ينخر به سي غي الدرارات س ى أةاةه ،ستارة يلنر ساسد هرا العيب بالدرار اإلدار .ججا اعو تساقه
هرا جحو لدد.
-6إن اإلدارة الازانرية غير ج زجة بجبدأ التةبيب الساسبي لدراراتقا ،خاصة في جااو ة رتقا
التدديرية .ججا يضر بجص حة الجتعاج ين جعقا ،جن اقة؛ سيصعب الجقجة س ى الدضال في بةر رقابته،
جن اقة أخرى.
-9سلدجا يحدد الدالسن أالنا أس إارالات جعيلة سي زد اإلدارة بإتباسقا سلد إصدار الدرار اإلدار ،فإن
ة رتقا تنسن جديدة بضرسرة إتباع هرا الالناو أس ت ك اإلارالات ،سإ تعرض قرارها لإلبراو بةبب
سيب الالنو أس اإلارالات .أجا إرا تخ ى الجالرع سن تحديد أية ضسابر الن ية لتدييد اإلدارة في إصدار
قراراتقا ،فإله تنسن لقرا الخيرة ة رة تدديرية في إتباع ساختيار تدابير جعيلة حةب جا يبدس لقا.
-2إن إسجاو اإلدارة لة رتقا التدديرية ليا رخصة لقا .بو هس التزاد غايته تحديش إدارة خبيرة سقادرة س ى
إيااد الح سو الجث ى .سسدد تلفير هرا ا لتزاد يجثو جخالفة ة بية ل دالسن يةتساب إلغال الدرار اإلدار سفدا
لعيب جخالفة ل دالسن.
-8يعد سيب جخالفة الدالسن أحد الحدسد الداخ ية التي تحد جن اةتعجاو اإلدارة لة رتقا التدديرية .سيدع
التزاد س ى ساتش اإلدارة سلد جباالرتقا ة رتقا التدديرية ،بن تخالش الدالسن جخالفة إياابية أس ة بية سأ
تخرئ في تفةيرا ،سإ الاب قرارها سيب جخالفة الدالسن.
-1تعتبر الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة رقابة جاللجة سليةت رقابة جالرسسية .رلك أن
هرا اللسع جن الرقابة يجثو الترسر الربيعي ل ةياةة الدضانية في الدالسن الجدارن .سهس جا لد يلتبه إليه
اجقسر الفده الر يو جحبسةا داخو إرار رقابة الجالرسسية ،سرفض الخرسج بالرقابة الدضانية إلى
لراش أسةع يةتريع الدضال فيه إسادة التسازن في العالقة بين الفرد ساإلدارة.
تقدر جبدأ الفصو بين الة رات .فإرا نان هرا -13إن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة
النو نان في أسجاو الة رة اإلدارية ،فإن تدخو الداضي بن الجبدأ يدتضي أ يتدخو الداضي اإلدار
يالنو تقديدا أس التقانا لجبدأ الفصو بين الة رات .نسن الدضال بإسجاو أةاليب الرقابة التد يدية أس الحديثة
يديد الة رة التدديرية لإلدارة ،سإلجا يبتغي جن سرال جباالرة هرا الرقابة إرةال لسع جن التسازن. –هلا-
سرلك سن رريش سضع جعايير اديدة تةقو اةتخداد هرا الة رة التدديرية لإلدارة ،سبالجدابو تحد جن ةسل
اةتعجالقا.
-11لد يتبن الداضي اإلدار الازانر جسقفا ساضحا يجنن س ى أةاةه الدسو أله أخر با تااهات التد يدية
التي اةتدرت في الدضال الجدارن ،سخاصة جا ا الدسلة الفرلةي في جااو الرقابة الدضانية س ى الة رة
التدديرية لإلدارة.
س ى ة رة اإلدارة التدديرية لد تعد تتجاالى جع يقسر الازانر -12إن أةاليب رقابة الداضي اإلدار
سيانش الدسلة الحديثة ،لتياة تدخ قا في نافة الجيادين سس ى اجيع الصعدة .سهس الجر الر أسرى اإلدارة
جبررا ل تسةع في ة رتقا التدديرية س ى حةاب حدسش الفراد سحرياتقد .ججا يبين سدد نفاية هرا الةاليب
الرقابية ل دضال.
-10تةتقدش أةاليب الرقابة الحديثة س ى الة رة التدديرية لإلدارة غرضين إثلين :أسلقجا الحي سلة دسن
إصدار الدرارات الجتعا ة سالدرارات غير الجلردية .سثاليقجا إلزاد الاقات اإلدارية الجخت فة بتدديد جبررات
ادية لدراراتقا ستصرفاتقا الدالسلية بصفة ساجة .سس يه فإن إهجاو هرا الرقابة ةيؤثر س ى اللالار اإلدار
في حد راته ،سليا س ى حدسش الفراد فدر.
-19بجرااعة جا تسفر لديلا جن قرارات جا ا الدسلة الازانر ،لد لاد لليرية الخرن البين في التددير
لقا نليرية ساجة في الدالسن ،خالفا لجا هس س يه في تربيدات قضانية تسحي بتبلي الداضي الازانر
الدضال اإلدار الفرلةي .نجا أن الدرارات الدضانية التي أسجو فيقا جا ا الدسلة الازانر رقابة الخرن
البين ،أس س ى القو اةتعجو فيقا هرا التةجية ،قد اقتصر س ى جااو الدرارات التنديبية ،سبالخص س ى
قرارات الفصو.
يقرت فيه ببعض أحناد ليرية الجسازلة ،سربدقا في الجااو الر الازانر -16أخر الداضي اإلدار
لسو جرة في الدضال الفرلةي ،أ سهس جااو لزع الج نية جن أاو الجلفعة العاجة .غير أن هرا التربيش
يخت ش سن تربيدات لييرا الفرلةي .رلك أله خ ر في هرا الجااو بين رقابة الجسازلة سرقابة الخرن البين
في التددير رغد ا ختالش الساضع بين الليريتين.
-19لد ياعو الداضي الازانر جن ليرية الجسازلة جبدأ ساجا يربش في جخت ش جاا ت اللالار اإلدار
نجا هس الحاو باللةبة للييرا الفرلةي .حيث يبدس جن أحناجه التي أصدرها في الجاا ت التي تربش فيقا
هرا الليرية خاصة رلك الجااو الر يقرت فيه لسو جرة -سهس جااو لزع الج نية ل جلفعة العجسجية ،-أله
زاو سفيا ل جبادئ التد يدية الجةتدرة في هرا الالنن.
-12تتعاجو الاقات الدضانية اإلدارية جع الجلازسات الجتع دة بلزع الج نية نجا يتعاجو الداضي اإلدار
جع الرراش؛ أ أله ينتفي بجا يددد له جن أدلة ،سنثيرا جا يحاو اللزاع س ى خبير في جااو رقابة يج ك
الداضي فيه نو الصالحيات سالسةانو لحةجه دسن ال اسل إلى الخبرة.
تتد إ إرا االت تلفيرا -18أثبتت للا بعض تربيدات الدضال اإلدار الازانر أن سج يات لزع الج نية
لعج يات لاتاة سن تربيش إارالات لياجية ،تتع ش بإلالال تاقيزات اجاسية سجلالآت سأسجاو نبرى رات
جلفعة سجسجية .لنن هرا الةاا الجعتجد س يه للزع الج نية قد تد تااسزا جيداليا ،بحيث نثيرا جا يتد لزع
جالرسع ساد س يقا .إر ألقا تحسو لغراض خاصة لااز الجالك العدارية ل خساص دسن أن يلفر أ
تعاسليات سدارية ستسزيعقا قرعا ل خساص لااز ةنلات فردية .سرلك رااع إلى نسن جصر ع "الجلفعة
العاجة" جفقسد ساةع غير جحدد.
-11جن خالو اإلرالع س ى بعض قرارات جا ا الدسلة الازانر ،ييقر للا ا ةتعجاو الخارئ لبعض
الجصر حات الدالسلية أس اةتعجالقا في غير جسضعقا .بحيث نثيرا جا تتضجن صياغة الدرارات الدضانية
تفيد الجعلى الجدصسد أس ينسن إرارها أسةع أس أضيش ججا ياب. سبارات
-23لالحي س ى قرارات جا ا الدسلة الازانر ألقا تنتي قصيرة ادا سجدتصرة في جاج قا س ى ةرد
تتسةع أةبابقا (حيثياتقا) ،بحيث تغيب أحيالا اإلالارة إلى الجراع أس الةاا السقانع ساإلارالات .بيلجا
الدالسلي الجةتلد إليه .فال تيقر ربيعة الةاا جن بين جصادر الدالسن اإلدار الجعرسفة ،نجا تتا ى سدد
الدقة سالسضسح في إحصال العيسب ساللدانص التي تالسب السجاو اإلدارية .ةسال نان رلك في جااو
الدرارات اإلدارية أس العدسد اإلدارية أس الجةؤسلية اإلدارية.
الازانر ،إ أللا لثلي س يه قياجه بلالر قراراته في -21رغد ا لتدادات الجساقة إلى الدضال اإلدار
جا ة جتخصصة تدسى ' جا ة جا ا الدسلة' ،خاصة ت ك الدرارات التي تتضجن جساقش ااتقادية جعتبرة،
ججا يةجع لرس ا ختصاص سالحدسقيين بجتابعة سجلاقالة جةانو قالسلية رات أهجية .غير أللا لبد جالحية
ق ة أسداد الجا ة جلر تنةيا جا ا الدسلة ةلة 1118إلى اليسد :العدد جن 31إلى .31نجا أن العدد
الخير جن هرا الجا ة يفتدر إلى التربيدات الدضانية الخاصة بالغرفة السلى بجا ا الدسلة (غرفة الصفدات
العجسجية).
التوصيات:
الرالقا جن اللتانج الجتسصو إليقا جن هرا الدراةة ،لدترح التسصيات اةتية:
-1يحبر أن يةاير ا اتقاد الدضاني الازانر لييرا الجصر في جلع اإلدارة ة رة ةحب قراراتقا غير
الجالرسسة الصادرة بلال س ى ة رة جديدة ،دسن ا لتزاد بجيعاد الرعن الدضاني ،جع جراساة الحدسش
الجنتةبة ل جةتفيدين جن هرا الدرارات.
يديد لفةه بجا أةجاا" :السجاو الدةتسرية" نديد س ى أ -2جن الجةتحةن لجا ا الدسلة الازانر
أن يرفض إسجاو رقابته س ى هرا السجاو ،فإله جن اختصاصاته الدضانية .سإرا نان جن الضرسر
الجةتحب أن يةبب رفضه ،ليا بنسلقا جن السجاو الدةتسرية ،سإلجا لنسلقا جن أسجاو الجرابدة
الدةتسرية.
-0تحةيا الجسارلين ساجة سالجتداضين خاصة ،بنله في حالة اجتلاع اإلدارة سن إصدار قرارات
يعسد لة رتقا التدديرية للقا هي الجةؤسلة س ى الحفاي الضبر اإلدار ياسز جداضاتقا ،سأن رلك
س ى اللياد العاد.
إلى ا بتعاد سن تدييد لفةه بإدراج رقابة الة رة التدديرية ضجن رقابة -9دسسة الدضال الازانر
يةتريع الغسص في جااو الجاللجة .لن رلك يعد سجال الجالرسسية ،بحاة أن الداضي اإلدار
يزاو جتخسفا جن سةد يجلعه جن ججارةة هرا الة رة .سإرا نان الدضال أةاا له ،جاداد الجالرع
تصرفه س ى هرا اللحس س ى أله استدال س ى جااو الجاللجة الجخصص لإلدارة ،فبإجناله أن يدخو هرا
الدضال -أ قضال الجاللجة -في لراش الجالرسسية ،بفعو الة رة الخالقة الجعترش بقا ل دضال اإلدار
في إلالال الدساسد الدالسلية.
إلى الترنيز س ى الخر برقابة سيب ا لحراش بالة رة نعيب قاند الازانر -6دسسة الداضي اإلدار
تصو براته .بحيث يتةع جااو ا لحراش بالة رة ليالجو الرقابة س ى ة رة اإلدارة التدديرية ،سهرا الجدى
إليه الرقابة س ى سيب الةبب أس سيب جخالفة الدالسن.
-9دسسة اإلدارة إلى ا لتزاد بتةبيب قراراتقا اإلدارية الصادرة بلال س ى ة رتقا التدديرية .رلك أن
الالنن جن إلزاجقا بتدديد الجةتلدات التزاجقا بالتةبيب ةيدسد جسقفقا ،جن اقة .نجا أن رلك يجنن رس
سالسراش الجتع دة باإلثبات في الدسسى ،جن اقة ثالية .سيجنن الدضال ،جن اقة ثالثة سأخيرة ،جن ججارةة
رقابته س ى أنجو ساه.
إلى ليرية التعةش في اةتعجاو الحدسش اإلدارية ،سأن الازانر -2يفضو أن ي تفت الدضال اإلدار
ينخرها بعين ا ستبار في تربيداته .لن هرا الليرية تعتبر السةي ة الفعالة لجسااقة ا تةاع غير الجحدسد
سالخرير ل ة رة التدديرية لإلدارة .خاصة سأن قضال اإللغال لد يةترع أن يسقش هرا الة رة سلد حدها إلى
أن أصبحت رقابة الجالرسسية غير نافية سحدها ل حد جن هرا الة رة.
جسقفا ساضحا بالنن أةاليب الرقابة التد يدية س ى الة رة التدديرية -8لنجو أن يتبلى قضاؤلا اإلدار
لإلدارة .سأن يةاير رنب الترسر الر سصو إليه لييرا الفرلةي في هرا الجااو .بحيث يةارع في تربيدقا
في نافة الجاا ت الحديثة التي تخسضقا اإلدارة اليسد.
لليرية الخرن البين نليرية ساجة في جااو الرقابة الدضانية س ى -1ضرسرة استجاد الدضال الازانر
الة رة التدديرية ،دسن أن يدصرها س ى جااو الدرارات التنديبية .بحيث يسةعقا لتالجو اجيع الجاا ت.
ليرا لتزايد لالار الدسلة سترسر سيانفقا ،سجن ثد تعدد جاا ت العجو اإلدار .
إلى إسجاو رقابة الجسازلة بصسرة جةتد ة سن رقابة الخرن البين، الازانر -13دسسة الدضال اإلدار
ليرا لالختالش الساضع بين الليريتين.
هرا الجقجة بعجش -11ياب أ يبدى جفقسد الجلفعة العاجة بدسن تسضيع .بحيث يجارا الداضي اإلدار
في أحناجه ،سنا جا هس جعجسو به جن اللاحية الساقعية ،سهس ترك القينات اإلدارية حرة في التحدش جن
ساسد الجلفعة العاجة جن سدجقا.
-12لنجو أن يتد تعجيد ا تااهات الحديثة لجا ا الدسلة الفرلةي في رقابة الة رة التدديرية لتالجو اجيع
الجاا ت ،دسن أن يدصرها الدضال اإلدار الازانر س ى الدرارات الصادرة في الجادة التنديبية.
-10يراى أن يةتدرك جا ا الدسلة الازانر اللدانص التي تعتر سج ه .بدلا بتحديد العيب الر ينتلش
يةتلد إليه جن بين جصادر الدالسن بدقة ،ستبرير قراراته سجلاقالتقا ،ستبيان الةاا الر الدرار اإلدار
الحديث اللالنة في إرار اةجاو اإلدار ،ساةتعجاو الجصر حات الدقيدة .سرلك لسضع الدضال اإلدار
سالهداش الجلالسد ب سغقا ،سا رتدال إلى الجنالة التي يةتحدقا.
نجا سلسسا -19ياب س ى الدسلة أن ترسر آليات العجو الدضاني جن خالو ا هتجاد بالعلصر البالر
(العدد سالتخصص).سإرا نالت هرا التسصية صالحة ل اقاز الدضاني ننو ،فإلقا تنسن جساقة إلى الدضال
يحتاج إلى رساية خاصة جن باب أسلى ،ليرا لحداثة سقد الازانر با زدسااية الدضانية الر اإلدار
ساهتجاد جتجيز.
قائمـة المراجــــع
أوال :النصوص القانونية:
-1دستور الجزائر ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم ،29:سنة .1119
-2القانون العضوي رقم 31/18المؤرخ في 1118/36/03المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه
وعمله ،المعدل والمتمم بالقانون العضوي 10/11المؤرخ في 29يونيو ،2311الجريدة الرسمية للجمهورية
الجزائرية عدد ،90سنة.2311
-0القانون العضوي رقم 32/11الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة وعملهما ،وكذا
العالقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
-9القانون العضوي رقم 11/39المؤرخ في 9 :سبتمبر ،2339المتضمن القانون األساسي للقضاء،
الجريدة الرسمية ،عدد .61
-6القانون المدني الجزائري.
-9األمر 30/39المؤرخ في 16يونيو 2339المتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العامة ،الجريدة
الرسمية للجمهورية الجزائرية ،عدد 99سنة .2339
-2األمر رقم 169/99المؤرخ في 1199/39/38المعدل والمتمم ،المتضمن قانون اإلجراءات المدنية
المعدل والمتمم ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية،عدد .92
-8األمر رقم 31/11المؤرخ في 20فبراير ،2311المتضمن رفع حالة الطوارئ ،الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية ،عدد .12
-8القانون رقم 31/38المؤرخ في 26فيفري ،2338المتضمن قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،الجريدة
الرسمية للجمهورية الجزائرية ،عدد ،21سنة .2338
-1القانون رقم 32/18المؤرخ في 1118/36/03المتعلق بالمحاكم اإلدارية ،الجريدة الرسمية للجمهورية
الجزائرية ،عدد .02
ثانيا :النصوص التنظيمية:
-1المرسوم الرئاسي رقم 119 / 11المؤرخ في 9جوان 1111المتضمن حالة الحصار ،الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية ،العدد رقم ،21المؤرخة في 12جوان 1111السنة .28
-2المرسوم الرئاسي رقم 009/ 11المؤرخ في 1111/31/22المتضمن رفع حالة الحصار ،الجريدة
الرسمية المؤرخة في 26سبتمبر ،1111العدد ،99السنة .28
-0المرسوم الرئاسي رقم ،99/12المؤرخ في 1فبراير ،1112المتضمن إعالن حالة الطوارئ ،الجريدة
الرسمية للجمهورية الجزائرية ،العدد رقم ،13المؤرخة في 1فبراير.1112،
-9المرسوم التشريعي رقم 32/10المؤرخ في 9فبراير ،1110المتضمن تمديد حالة الطوارئ ،الجريدة
الرسمية للجمهورية الجزائرية ،العدد ،38المؤرخة في 2فبراير.1110 ،
ثالثا :الكـــــــــــــــــــتب
أ -باللغة العربية
-1إبراهيم السيد محمد ،رقابة القضاء اإلداري على الوقائع في دعاوى اإللغاء ،الطبعة األولى ،مطابع جريدة
السفير ،اإلسكندرية.1190 ،
-2أبو المجد محمد أشرف عبد الفتاح ،موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة في تسبيب الق اررات اإلدارية،
دون رقم الطبعة ،القاهرة.2336 ،
-0أبو يونس محمد باهي ،الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات اإلدارية العامة ،دار الجامعة الجديدة
للنشر ،اإلسكندرية.2333 ،
-9البنا محمود عاطف ،حدود سلطات الضبط اإلداري ،دون رقم الطبعة ،دون دار النشر ،القاهرة.1183،
-6الحكيم سعيد ،الرقابة على أعمال اإلدارة في الشريعة اإلسالمية والنظم القانونية ،الطبعة الثانية ،دار
الفكر العربي.1182 ،
-9الجهمي خليفة سالم ،الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة والجريمة في مجال التأديب ،دار
الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية.2331،
-2الحلو ماجد راغب ،القضاء اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.2333 ،
-8الزغبي خالد سمارة ،القرار اإلداري بين النظرية والتطبيق ،الطبعة الثانية ،مكتبة دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،عمان .1111 ،
-1السنهوري عبد الرزاق ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء األول ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت ،دون تاريخ.
-13الشنطاوي علي خطار ،موسوعة القضاء اإلداري ،الجزء األول ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة.2339،
-12الشرقاوي سعاد ،القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة. 1189 ،
-10الطماوي سليمان محمد ،نظرية التعسف في استعمال السلطة ،الطبعة الثالثة ،مطبعة جامعة عين
شمس ،القاهرة.1128،
-19ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،الطبعة السادسة ،مطبعة
جامعة عين شمس.1111 ،
-16ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القانون اإلداري ،مطبعة جامعة عين شمس ،القاهرة.1188 ،
-19ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري :قضاء اإللغاء ،دار الفكر العربي ،القاهرة.1129،
-12ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري :الكتاب الثاني :قضاء التعويض ،دار الفكر الجامعي،
القاهرة.3669 ،
-38ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في القضاء اإلداري ،دار الفكر العربي ،القاهرة.1129 ،
-11النجار زكي محمد ،فكرة الغلط البين في القضاء الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1112 ،
-23باينه عبد القادر ،القضاء اإلداري :األسس العامة والتطور التاريخي ،دار توبقال للنشر ،المغرب،
.1186
-21بدران مراد ،الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة في ظل الظروف االستثنائية ،دار المطبوعات
الجامعية ،اإلسكندرية. 2338 ،
-22بركات محمود محمد ناصر ،السلطة التقديرية للقاضي في الفقه اإلسالمي ،دار النفائس،
األردن.2332،
-20بعلي محمد الصغير ،القضاء اإلداري(مجلس الدولة) ،دون طبعة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،دون
تاريخ.
-29ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الوسيط في المنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،دار
العلوم للنشر التوزيع.2331،
-26ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الق اررات اإلدارية ،دار العلوم،عنابة ،الج ازئر.2336 ،
-29بعلي محمد الصغير و يسري أبو العال ،المالية العامة ،دار العلوم ،عنابة.2330،
-22بسيوني حسن السيد ،دور القضاء في المنازعة اإلدارية ،دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية في
مصر وفرنسا والجزائر ،عالم الكتب ،القاهرة.1121،
-28بسيوني عبد الرؤوف هاشم ،المرافعات اإلدارية (إجراءات رفع الدعوى اإلدارية وتحضيرها) ،دار الفكر
الجامعي ،اإلسكندرية.2338 ،
-21بطيخ رمضان محمد ،االتجاهات المتطورة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة
التقديرية وموقف مجلس الدولة المصري منها ،دار النهضة العربية.1119 ،
-03بن الشيخ آث ملويا لحسن ،المنتقى في قضاء مجلس الدولة ،الجزء األول ،دار هومه ،الجزائر،
.2332
-01ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في المسؤولية اإلدارية ،الكتاب الثاني ،المسؤولية اإلدارية بدون خطأ،
دار الخلدونية ،الجزائر العاصمة.2332،
-02ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في المنازعات اإلدارية-وسائل المشروعية ،-الطبعة الثانية ،دار
هومه ،الجزائر.2339،
-00بن صاولة شفيقة ،إشكالية تنفيذ اإلدارة للق اررات القضائية اإلدارية ،دراسة مقارنة ،دار هومه2313،
.
-09بو بشير محند أمقران ،النظام القضائي الجزائري ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الطبعة الثانية ،الجزائر،
.1119
-06بوضياف عمار ،القرار اإلداري ،دراسة تشريعية قضائية فقهية ،الطبعة األولى ،دار جسور للنشر
والتوزيع ،الجزائر.2332 ،
09ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دعوى اإللغاء في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،الطبعة األولى ،دار جسور للنشر
والتوزيع.2331،
-02ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الوجيز في القانون اإلداري ،الطبعة األولى ،دار جسور للنشر والتوزيع.2332،
-08ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظام القضائي الجزائري ،الطبعة األولى ،دار الريحانة ،الجزائر.2330 ،
-01بوشعير السعيد ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة "طرق ممارسة السلطة أسس األنظمة
السياسية وتطبيقات عنها" ،الجزء الثاني ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائري ،دون تاريخ.
-93جمال الدين سامي ،قضاء المالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1112 ،
91ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري :الرقابة على أعمال اإلدارة ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.2330،
92ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ التنظيم اإلداري للوظيفة العامة ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.1113،
90ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أصول القانون اإلداري ،الجزء الثاني ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية،
.1119
99ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة المعارف للنشر،
اإلسكندرية ،دون تاريخ.
-96حافظ محمود محمد ،القضاء اإلداري -دراسة مقارنة ،-الطبعة الرابعة ،دار النهضة العربية ،دون
تاريخ.
-99حبيب محمود أبو السعود ،االختصاص التشريعي لرئيس الجهورية في الظروف االستثنائية ،دار الثقافة
الجامعية ،مصر.1113 ،
-92حسن محمد مصطفى ،السلطة التقديرية في الق اررات اإلدارية ،مطبعة عاطف.1129،
-98حلمي محمود ،نظام الحكم اإلسالمي مقارنا بالنظم المعاصرة ،الطبعة السابعة ،القاهرة.1189 ،
-91حمادة محمد أنور ،الق اررات اإلدارية ورقابة القضاء ،اإلسكندرية ،دار الفكر الجامعي.2339،
-63حمد عمر حمد ،السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها ،الطبعة األولى ،أكاديمية نايف
العربية للعلوم األمنية ،الرياض.2330 ،
-61خلوفي رشيد ،قانون المنازعات اإلدارية ،شروط قبول دعوى تجاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل،
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1119 ،
-62ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قانون المسؤولية اإلدارية،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1119 ،
-60ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري(تنظيم واختصاص ) ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر.2332،
-51خليفة عبد العزيز عبد المنعم ،االنحراف بالسلطة كسبب إللغاء القرار اإلداري ،دار الفكر الجامعي،
اإلسكندرية.1113 ،
-66خليل محسن ،مبدأ المشروعية وتنظيم القضاء اإلداري ،مطبعة التوني ،اإلسكندرية.1110 ،
-69خليل محسن ،القضاء اإلداري ،دون بلد النشر ،الدار الجامعية ،دون تاريخ.
-62راضي مازن ليو ،الوجيز في القانون اإلداري ،الجزء األول.2339 ،
-68ساري جورجي شفيق ،قواعد وأحكام القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية.2330،
-61ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رقابة التناسب في نطاق القانون الدستوري ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
.2333
-93سكاكني باية ،دور القاضي بين المتقاضي واإلدارة ،دار هومه ،الجزائر.2339،
-91شحاتة توفيق ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النشر للجامعات المصرية ،القاهرة.1166،
-92شيحا عبد العزيز إبراهيم ،الوسيط في مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،دار المطبوعات الجامعية،
اإلسكندرية.1111 ،
-90ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مبادئ وأحكام القضاء اإلداري اللبناني – مجلس شورى الدولة ،-الدار
الجامعية ،بيروت.1119 ،
-99شيهوب مسعود ،المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية :نظرية اإلختصاص ،الجزء الثالث ،ديوان
المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1111،
96ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المسؤولية عن اإلخالل بمبدأ المساواة وتطبيقاتها في القانون اإلداري-دراسة مقارنة،-
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2333،
99ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية ،األنظمة القضائية المقارنة والمنازعات
اإلدارية ،الجزء األول ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1111 ،
92ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية ،الهيئات واإلجراءات أمامها ،الجزء الثاني،
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1111،
98ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المسؤولية عن المخاطر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2333 ،
-91صقر نبيل ،الوسيط في شرح قانون اإلجراءات المد نية واإلدارية ،دار الهدى ،الجزائر.2331،
-23طلبه عبد اهلل ،القضاء اإلداري:الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،المطبعة الجديدة ،دمشق.1121،
-21طعيمة الجرف ،مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ،القاهرة.1190 ،
-22عبد الباسط محمد فؤاد ،القرار اإلداري ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية.2333 ،
-20عبد الجليل محمد علي ،مبدأ المشروعية في النظام اإلسالمي واألنظمة القانونية المعاصرة ،عالم
الكتب ،القاهرة.1181 ،
-29عبد العليم صالح يوسف ،أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة ،دار الفكر الجامعي،
اإلسكندرية.2338 ،
-26عبد اهلل عبد الغني بسيوني ،القضاء اإلداري -قضاء اإللغاء ،-منشأة المعارف ،اإلسكندرية.1112،
-29عبد الوهاب محمد رفعت ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات الحلب الحقوقية ،لبنان ،دون
تاريخ.
-22عبد الوهاب محمد رفعت وحسين عثمان محمد عثمان ،القضاء اإلداري ،دار المطبوعات الجديدة،
اإلسكندرية.2333 ،
-28عثمان خليل عثمان ،مجلس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ،الطبعة الخامسة ،عالم الكتب،
القاهرة ،سنة .1192
-21عكاشة حمدي ياسين ،االقرار اإلداري في قضاء مجلس الدولة ،الطبعة األولى،منشأة المعارف،
اإلسكندرية.1112،
-83عمر إسماعيل نبيل ،سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر،
اإلسكندرية.2332،
-81عوابدي عمار ،مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر،1189 ،
-82ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نظرية الق اررات اإلدارية بين علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري،ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر.2332،
-80ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري،الجزء الثاني،
نظرية الدعوى اإلدارية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1118،
-89ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة في النظام القضائي الجزائري،
الجزء األول ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1182 ،
-86ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري ،الجزء الثاني،
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1118،
-89ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نظرية المسؤولية اإلدارية ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية.2332 ،
-82عمرو عدنان ،مبدأ المشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.2339 ،
88ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إبطال الق اررات اإلدارية الضارة باألفراد ،دون رقم الطبعة ،الهيئة الفلسطينية المستقلة
لحقوق المواطن ،ارم اهلل.2331 ،
-81عبد العال محمد حسنين ،الرقابة القضائية على ق اررات الضبط اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار النهضة
العربية ،القاهرة ،مصر.1111،
-13فوديل جورج ،بيار دلقولقية (ترجمة منصور القاضي) ،القانون اإلداري ،الجزء الثاني ،المؤسسة
الجامعية للدراسات والتوزيع.2331،
-11قزو محمد أكلي ،دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية -دراسة مقارنة ،-دار الخلدونية ،الجزائر،
.2330
-12كامل نبيلة عبد الحليم ،دور القاضي اإلداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية
(االتجاه الحديث لمجلس الدولة في مصر و فرنسا) ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1110،
-10لباد ناصر ،الوجيز في القانون اإلداري ،الطبعة الرابعة ،دار المجدد للنشر والتوزيع ،دون تاريخ.
-19لعشب محفوظ ،المسؤولية في القانون اإلداري ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.1119،
-16ليله محمد كامل ،مبادئ القانون اإلداري ،الطبعة األولى.1198 ،
-19محيو أحمد (ترجمة فائز أنجق وبيوض خالد)،المنازعات اإلدارية ،الطبعة السابعة ،ديوان المطبوعات
الجامعية ،جامعة الجزائر.2338،
-12ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ محاضرات في المؤسسات اإلدارية(ترجمة محمد عراب صاصيال) ،الطبعة الثالثة،
ديوان المطبوعات الجامعية.1186،
-18معوض فؤاد ،تأديب الموظف العام في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ،دار الجامعة الجديدة للنشر،
اإلسكندرية.2339،
-11نواف كنعان ،القضاء اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع والدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ،عمان،
.2332
-133يونس محمد باهي ،الرقابة البرلمانية بين النظامين المصري و الكويتي ،دار الجامعة الجديدة،
اإلسكندرية.2332،
الرسائل واألطروحات:رابعا
باللغة العربية-أ
سنة، جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية، دراسة مقارنة، السلطة التقديرية لإلدارة، أوهاب نذير-1
. هجرية1912
، رسالة لنيل درجة دكتوراه دولة في القانون، اختصاص القضاء اإلداري في الجزائر، بوجادي عمر-2
.2311 ، تيزي وزو،جامعة مولود معمري
" دراسة تحليلية إلختصاصات رئيس1129 نوفمبر22 "رئيس الجمهورية في دستور، بورايو محمد-0
.1181 ، جامعة الجزائر، رسالة ماجستير،1129 الجمهورية من خالل الدستور الجزائري لسنة
-9تقيدة عبد الرحمان ،نظرية الظروف االستثنائية في النظام القانوني الجزائري ،رسالة ماجستير ،جامعة
عنابة.1183،
-6دريسية حسين ،حدود سلطة الضبط اإلداري في مواجهة الحرية في التشريع الجزائري ،مذكرة ماجستير،
جامعة قالمة.2339 ،
-9صافي عبد اهلل ،سلطات رئيس المجلس الشعبي البلدي في الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستير ،جامعة أم
البواقي.2338 ،
-2سحنين أحمد ،الحريات العامة في ظل الظروف االستثنائية في الجزائر ،جامعة الجزائر.2336 ،
-8عزوز سكينة ،عملية الموازنة بين أعمال الضبط اإلداري والحريات العامة ،بحث لنيل شهادة الماجستير،
جامعة الجزائر ،معهد الحقوق والعلوم اإلدارية1113 ،م.
-1عمور سالمي ،الضبط اإلداري البلدي في الجزائر،رسالة ماجستير ،اإلدارية و المالية ،معهد العلوم
القانونية واإلدارية ،بن عكنون ،جامعة الجزائر.1188 ،
-13عمورة حكيمة ،الضمانات القانونية للملكية العقارية في إطار نزعها للمنفعة العمومية ،مذكرة ماجستير،
جامعة باتنة ،سنة .2331
-11فارة سماح ،المسؤولية اإلدارية عن الخطأ المرفقي ،دراسة مقارنة ،كلية الحقوق ،قالمة.2336 ،
-12فاضل إلهام ،تنفيذ ق اررات اإللغاء القضائية -دراسة مقارنة ،-مذكرة ماجستيرن جامعة قالمة ،كلية
الحقوق.2336 ،
-10قروف جمال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة ماجستير،جامعة عنابة ،كلية
الحقوق.2339 ،
-19قوتال ياسين ،الرقابة القضائية على القارات التأديبية في التشريع الجزائري ،مذكرة ماجستير ،جامعة
عنابة.2336 ،
-16موالي أسماء ،التشريع في ظل الفترة اإلنتقالية الواقعة بين 1112و ،1119مذكرة ماجستير ،جامعة
الجزائر2332 ،
-19ناجي هني موسى ،طبيعة النظام القضائي الجزائري و مدى فعاليته في مراقبة أعمال اإلدارة ،رسالة
ماجستير في اإلدارة المالية العامة ،جامعة الجزائر.1186،