You are on page 1of 242

‫الجمـــهوريــــة الجزائــــــريـــــة الديـــمقراطيــــة الشعــــبيـــة‬

‫وزارة التعليـــم العـــالــي والبحث العلمــــي‬

‫جامـــعة العربي بن مهيــدي‪-‬أم البواقي‪-‬‬


‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫قســـــــــم الحقـــــــــــوق‬

‫الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬


‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام – تخصص قانون اإلدارة العامة‪-‬‬
‫إشراف‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬
‫الدكتور‪:‬‬

‫الدكتور‪:‬‬ ‫الطالبة‪:‬‬
‫بنينـي أحمــــــــد‬ ‫نويري سامية‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‪:‬‬

‫الصفة‬ ‫الجامعة األصلية‬ ‫الرتبة العلمية‬ ‫اإلسم واللقب‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة قسنطينة‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬مسعود شيهوب‬
‫مشرفا ومقر ار‬ ‫جامعة باتنة‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ /‬بنيني أحمد‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة أم البواقي‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬بريكي لحبيب‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة أم البواقي‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ /‬بوعبد اهلل مختار‬

‫السنة الجامعية ‪2102-2102‬‬


‫من المعروف عن السلطة التنفيذية أنها تتولى مهمة تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية‪ ،‬مما‬
‫يقتضي منها أن تعكس إرادة المشرع دون زيادة أو نقصان‪ .‬وبهذا المعنى العام تكون مهام اإلدارة مقيدة‬
‫باستمرار‪.‬‬

‫بيد أن تزايد صالحيات اإلدارة الحديثة‪ ،‬خاصة بعد أن إرتاادت جااا ت ساةاعة جان صالسش اللالاار ا دار ‪،‬‬
‫قد أدى إلى تعارر تليايد دقاانش لالاارقا بدساساد جةابدة سجحاددة‪ .‬فااإلدارة ليةات باةلاة الصاجال‪ ،‬باو تتناسن جان أفاراد‬
‫جبصرين يسااقسن أسضاسا جتغيرة تدتضي جسااقة نو حالة سفدا ليرسفقا الخاصاة بغياة تحدياش الصاالع العااد س اى‬
‫أتد ساه‪ ،‬سجن هلا سلدت الة رة التدديرية لإلدارة‪.‬‬

‫لد يعد هلاك ادو حسو ضرسرة تجتع اإلدارة بة رة تدديرية‪ .‬إر ياجع نو جن الفده سالدضاال بانن هارا الةا رة‬
‫أس رلك الددر جن الحرية الر تتجتع باه جان أااو تحدياش الصاالع العااد‪ ،‬يعاد بجثاباة الالارر الةاةاي لحيااة سبداال ناو‬
‫إدارة‪ ،‬خاصة بعد تسةع ستداخو جاا ت ألالرة هرا الخيرة‪ .‬إ ألقاد جتفداسن فاي لفاا السقات س اى أن هارا الةا رة‬
‫التدديرية بد أن تباالر في حدسد الدالسن‪.‬‬
‫يجنن أن‬ ‫جقجا قيو سن ضرسرة الة رة التدديرية لإلدارة سجقجا قيو في تبريرها‪ ،‬فإن هرا الة رة‬
‫يةسدا جبدأ ةيادة الدالسن‪ ،‬سإ تحسلت إلى ة رة تعةفية ستحنجية‪ .‬سجن هلا ييقر‬ ‫تيقر في لياد‬
‫ا رتبار سثيدا بين فنرة الة رة التدديرية سجبدأ الجالرسسية‪.‬‬
‫إرا نان جبدأ الجالرسسية اإلدارية جةياا باج ة جن أالناو الرقابة اإلدارية سالةياةية سالبرلجالية‪ ،‬فإن‬
‫ساسد رقابة قضانية س ى أسجاو اإلدارة بصفة ساجة سة رتقا التدديرية بصفة خاصة‪ ،‬يعتبر الجيقر العج ي‬
‫سالفعاو لحجاية جبدأ الجالرسسية‪.‬‬
‫جن هرا الجلر ش‪ ،‬يجنن الدسو أن الرقابة الدضانية س ى حرية تددير اإلدارة لسقانع سيرسش العجو‬
‫تجثو جر با ج حا سأةاةيا‪ ،‬سرلك جن أاو حجاية حدسش الفراد سحرياتقد جن تعةش اإلدارة‬ ‫اإلدار‬
‫ساةتبدادها الجحتجو سلد جباالرتقا لت ك الة رة التدديرية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أهمية الموضوع‬
‫ينتةي جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة أهجية ليرية سسج ية بالغة‪.‬‬
‫‪ -1‬األهمية النظرية‬
‫سس د اإلدارة الحديث‪ ،‬بةبب‬ ‫يعتبر الجسضسع جن أنثر الدراةات دقة في لراش الدالسن اإلدار‬
‫سججارةة‬ ‫س ةيجا جسضسع الدرار اإلدار‬ ‫ارتباره بالعديد جن الجةانو القاجة في جااو الدالسن اإلدار‬
‫صالحيات اإلدارة ستادد ستعدد ستالابك اللالار اإلدار ‪.‬‬
‫تيقر الهجية الليرية لقرا الدراةة‪ ،‬أيضا‪ ،‬في أن تنريا الدضال اإلدار الازانر لرقابته س ى‬
‫الة رة التدديرية لإلدارة ةسش يدسد إلى إجعان اللير في بعض الجفاهيد الليرية الةاندة في الدالسن اإلدار‬
‫ستعزيز أحد خصانصه العاجة‪ ،‬باستبارا قالسلا جرلا‬ ‫بصفة ساجة‪ .‬ججا يةقد في ترسير الدالسن اإلدار‬
‫يتفاسو جع اليرسش سالجتغيرات سيةتايب ل ترسرات الحاص ة في الحياة اإلدارية‪ ،‬بسصفه قالسلا رس رابع‬
‫قضاني‪ ،‬يدسد الدضال اإلدار بدسر خالش في إرةال قساسدا سأحناجه‪.‬‬
‫‪ -2‬األهمية العملية‬
‫تةتايب هرا الدراةة س ى الجةتسى العج ي لالغا ت الجتداضين‪ .‬فبدسن الك أن رقابة الدضال س ى‬
‫ت ك الحرية التي تتجتع بقا اإلدارة لتختار سقت سسةي ة تدخ قا يجثو ضجالة أةاةية لحريات الفراد‬
‫سجرانزهد الدالسلية؛ إر ن جا راقب الدضال اإلدارة في اةتخداد ة رتقا ن جا أجن الفراد تعةفقا لن تعلتقا‬
‫غير جنجسن الاالب‪ ،‬سن جا ترنقا تتصرش بحرية فإن الباب يفةع أجاجقا لاللحراش سا ةتبداد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أسباب اختيار الموضوع‬
‫لدد تد اختيار هرا الجسضسع‪ ،‬لةباب جسضسسية سأخرى راتية‪.‬‬
‫‪ -1‬األسباب الموضوعية‬
‫ستتجثو فيجا ينتي‪:‬‬
‫أصبع جلتددا لجا يحتسيه جن إضرار‬ ‫‪ -‬الجسقش الة بي ل دضال تااا الة رة التدديرية لإلدارة‪ ،‬الر‬
‫بجصالع الجتداضين سإلداص ل ضجالات التي تنفو لقد حجاية حدسققد سحرياتقد‪ ،‬لجا فيه جن تالايع‬
‫س ى تعةش اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -‬تزايد الحراش اإلدارة في جااو لزع الج نية ل جلفعة العاجة خاصة سةسل اةتعجالقا لقرا اةلية‬
‫ا ةتثلانية‪ .‬سبالتالي الجةاا بحدسش الفراد سحرياتقد‪ ،‬خاصة سأن ة رات اإلدارة في ترسر ساتةاع‬
‫جةتجرين‪ ،‬سرلك جا بعث اةتيال نبيرا لدى الجقتجين بالدراةات الدالسلية‪.‬‬
‫‪ -2‬األسباب الذاتية‪ :‬ستتجثو فيجا ينتي‪:‬‬
‫‪ -‬الرغبة في تزسيد الجنتبة الازانرية بدراةة قالسلية حسو جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة‬
‫التدديرية لإلدارة‪.‬‬
‫‪ -‬الرغبة في تفعيو دسر الداضي اإلدار الازانر ‪ ،‬رلك أن هرا الخير ياتقد سيبتنر الح سو اللااعة‬
‫بجا يتاللد سيصسن الحدسش سالحريات في إرار الجالرسسية‪ ،‬غير أن ة راته في الرقابة س ى الة رة‬
‫التدديرية لإلدارة جحدسدة جدارلة بلييريه الفرلةي سالجصر ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬طرح اإلشكالية‬
‫أاجعت جخت ش الدراةات الدالسلية س ى أن الرقابة الدضانية س ى أسجاو اإلدارة ليةت جر دة‬
‫أسااجدة‪ ،‬سإلجا تعرش بعض الديسد سالحدسد‪ .‬فالرقابة الجر دة جن النلقا الو حرنة اإلدارة ججا يؤد إلى‬
‫سازها سن ا ضرالع بالجقاد الجلسرة بقا‪.‬‬
‫تلحصر هرا الديسد في ليرية اليرسش ا ةتثلانية سليرية أسجاو الةيادة سالحنسجة‪ ،‬سنرلك في‬
‫الة رة التدديرية التي تتجتع بقا اإلدارة في جساضع سحا ت جعيلة‪ .‬سلعو إدراج الة رة التدديرية ضجن‬
‫ا ةتثلالات الجسازلة لجبدأ الجالرسسية‪ ،‬قد يسحي بحصالتقا جن نو أالناو الرقابة الدضانية‪ ،‬لنن ة رة‬
‫تدديرية‪ ،‬هرا جن اقة‪ .‬سجن اقة أخرى‪ ،‬فإن بةر الدضال لرقابته س ى هرا‬ ‫اإلدارة حيلنر ةتنسن تحنجية‬
‫الة رة قد يسصش بنله يالنو استدال س ى جبدأ الفصو بين الة رات‪ ،‬لجا فيه جن إحالو لتددير الداضي‬
‫اإلدار جحو تددير راو اإلدارة‪ .‬سجن هلا نالت اإلالنالية التي تعالاقا هرا الدراةة‪:‬‬
‫إلى أي مدى يمكن الجزم بوجود رقابة قضائية على السلطة التقديرية لإلدارة بالجزائر؟‬
‫وهل أن هذه الرقابة كفيلة بحماية مبدأ المشروعية دون أن تشكل اعتداء على مبدأ الفصل‬
‫بين السلطات؟‬
‫رابعا‪ :‬أهداف الدراسة‬
‫ترجي هرا الدراةة إلى سدة أهداش‪ ،‬يجنن تدةيجقا إلى أهداش ليرية سأخرى سج ية‪.‬‬
‫‪ -1‬األهداف النظرية‬
‫أجاد ق ة الدراةات الجتخصصة في هرا الجااو‪ ،‬نان هدفلا جن سرال اختيار هرا الدراةة ليريا‬
‫بالدراة السلى‪ ،‬حتى لةاهد في إثرال الجنتبة الدالسلية ببحث اديد في الجادة اإلدارية للير جن خالله درب‬
‫رريش نو جن الداضي سالجتداضي إلى فقد جضجسن الة رة التدديرية لإلدارة سحدسدها‪ ،‬ل سصسو إلى‬
‫تسصيات تسضع بعض اللدانص لتنسن جفتاحا لدراةات أخرى في الجسضسع أس في سلصر جله‪.‬‬
‫‪ -2‬األهداف العملية‬
‫إن أ دراةة لن تنسن رات أهجية جا لد ياد االبقا اللير رريده إلى الاالب العج ي‪ ،‬لرلك للالد جن‬
‫خالو هرا الدراةة السصسو إلى اج ة جن الهداش العج ية سالجتجث ة في السقسش س ى جضجسن سجرتنزات‬
‫ا تااهات الحديثة في قضال جا ا الدسلة الفرلةي ل حد جن ة رة اإلدارة التدديرية‪ .‬إضافة إلى نيفية‬
‫إسجاو ت ك اإلتااهات‪ .‬ني لضعقا أجاد جا ا دسلتلا الفتي فيتسقش سن تدييد لفةه سإسادة إلتاج جساقش‬
‫سااتقادات تخ ى سلقا أصحابقا بعد أن ثبت سدد لااستقا‪ ،‬خاصة سأن هرا ا تااهات أصبحت جر با ج حا‬
‫لجسااقة جا يثسر جن لزاسات إدارية في الساقع الازانر ‪ ،‬سالتي برزت س ى إثر جا أصاب هرا الجاتجع‬
‫جن ترسرات س ى جخت ش الصعدة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الدراسات السابقة‬
‫رغد أهجية هرا الجسضسع‪ ،‬إ أله لد ي ش ا هتجاد الفدقي الر يةتحده‪ ،‬إر لدرت الدراةات الدالسلية‬
‫الجتخصصة لقرا الجسضسع‪ .‬سجا ساد جن دراةات فال يتعدى أن ينسن جارد جرااع ساجة في الدالسن‬
‫اإلدار تلاسلت هرا الجسضسع بصسرة جسازة خاصة في الازانر‪.‬‬
‫فإرا نان جسضسع الرقابة الدضانية س ى جالرسسية السجاو اإلدارية قد تلاسلته أقالد نثيرة بالالرح‬
‫سالجعالاة؛ فإن جةنلة الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة أس جا يصر ع س ى تةجيته برقابة‬
‫الجاللجة‪ ،‬لد ي ش جثو هرا ا هتجاد‪ ،‬باةتثلال بعض الدراةات الناديجية الجلالسرة‪ ،‬سالتي تعد س ى أصابع‬
‫اليد الساحدة‪.‬‬
‫لدد تجنلا ‪ -‬جع رلك ‪ -‬جن الحصسو س ى جرنرة جااةتير جقداة لااجعة قالجة‪ ،‬جسةسجة ب‪" :‬الة رة‬
‫التدديرية لإلدارة" لألةتار لرير أسهاب‪ ،‬الر تلاسو فنرة الة رة التدديرية بالتح يو سالجدارلة بين تربيدقا في‬
‫الدضال الةعسد سالجصر سالفده اإلةالجي‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬المناهج المعتمدة‬
‫بجا أن جسضسع الدراةة هس الر يحدد ربيعة الجلقج الجتبع؛ فإن ربيعة هرا الجسضسع تدتضي إتباع‬
‫الجلاهج اةتية‪:‬‬
‫‪ -1‬المنهج الوصفي‪ :‬ليرا لن الجسضسع له االب فدقي خاصة فيجا يتع ش بالفصو السو جله‪ ،‬ججا‬
‫يفرض ةرد بعض الجع سجات سالجعريات‪.‬‬
‫‪ -2‬المنهج التحليلي‪ :‬باستبارا الجلقج الجلاةب لجعالاة جخت ش العلاصر الةاةية ل بحث‪ ،‬الجعتجدة‬
‫س ى تح يو اللصسص الدالسلية سالتلييجية الجتع دة بالجسضسع سجحاسلة إةدارقا س ى الساقع العج ي‪،‬‬
‫قصد اةتلبار الح سو النفي ة بضجان ججارةة رقابة فعالة س ى الة رة التدديرية لإلدارة تاةيدا لجبدأ‬
‫الالرسية الدةتسرية‪ .‬جع اإلالارة إلى الدرارات الدضانية الجدسجة لقرا الدراةة ل سصسو إلى اللتانج‬
‫الجراسة جن البحث‪.‬‬
‫سقد تتخ و هرا الدراةة اةتعالة بنة سب الجدارلة في بعض اسالب الجسضسع‪ ،‬بغرض ا ةتنلاا‬
‫في هرا الجادة‪،‬‬ ‫سالفرلةي‪ ،‬بةبب لدرة ا اتقاد الدضاني الازانر‬ ‫با اتقاد الدضاني سالفدقي الجصر‬
‫سهرا في بعض اسالب الجسضسع فدر سجتى اقتضى الجر رلك‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الصعوبات المعترضة‬
‫استرضت دراةة هرا الجسضسع جالدة نبيرة‪ ،‬تجث ت في لدرة الجرااع الفدقية الجتخصصة في‬
‫الجسضسع في الفده الجدارن‪ ،‬سالعداجقا باللةبة ل فده الازانر ‪ .‬زيادة س ى لدرة الدرارات الدضانية‬
‫الازانرية الجتع دة بالجسضسع‪.‬‬
‫جدارلة‬ ‫سااقت هرا الدراةة صعسبة أخرى‪ ،‬تجث ت في ربيعة سجو قضال جا ا الدسلة الازانر‬
‫بالدضال الجدارن‪ .‬إر غالبا جا ينتفي الداضي الفاصو في الجادة اإلدارية الازانر بإلغال الدرار اإلدار دسن‬
‫رنر ساه سدد الجالرسسية فيه‪ .‬ججا اضررلا إلى البحث سالدراةة العجيدة في حيثيات الدرار الدضاني‬
‫ل سصسو إلى العيب الر يالسب الدرار اإلدار ‪.‬‬

‫لجعالاة جسضسع الجرنرة‪ ،‬تد تدةيد جسضسع الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة إلى‬
‫فص ين‪ ،‬السو سارد تحت سلسان‪ :‬ماهية السلطة التقديرية والرقابة القضائية‪ .‬أجا الفصو الثالي جن هرا‬
‫الجرنرة‪ ،‬فدد خصصلاا لدراةة‪ :‬النظام القانوني للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫جع اإلالارة إلى أن نو فصو تد تريي ه بخالصة‪ ،‬سالتقت الجرنرة بخاتجة تضجلت اللتانج الجتسصو‬
‫إليقا جن خالو البحث جع ربرقا بتسصيات قاب ة ل تربيش العج ي‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫ماهية السلطة التقديرية والرقابة القضائية‬
‫من المسلم به أن المشرع حين يقوم بتحديد إحدى اختصاصات اإلدارة العامة‪ ،‬فإنه يكون مخي ار بين‬
‫طريقين‪ :‬فهو إما أن يقوم بفرض ذلك االختصاص بصفة آمرة وبطريقة محددة وملزمة‪ ،‬راسما لإلدارة الطريق‬
‫الذي تسلكه في ممارسته ومحددا لها الشروط التي تتقيد بها واإلجراءات التي تتبعها بشأن ذلك االختصاص‪،‬‬
‫دون أن يترك لها أية حرية في اختيار الطريق أو في تحديد الشروط‪ .‬بحيث ال يكون على اإلدارة سوى أن‬
‫تبادر بإصدار القرار الالزم‪ ،‬واتخاذ اإلجراءات المقررة لتنفيذه دون أي خيار‪ ،‬وهو ما يسمى باالختصاص‬
‫المقيد لإلدارة‪.‬‬
‫واما أن يقوم المشرع بتحديد ذلك االختصاص بشكل تقديري بحت‪ ،‬بمعنى أن يترك لإلدارة العامة‬
‫سلطة تقدير وقت ممارسة ذلك االختصاص‪ ،‬والطريقة التي تمارسها به‪ ،‬والشروط واإلجراءات التي تتبعها‬
‫بشأنه‪ .‬وذلك حسب تقديرها لظروف كل حالة على حده‪ ،‬دون أن يفرض عليها ذلك بصفة آمرة‪ ،‬وذلك ما‬
‫يسمى بالسلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫إذا كان كل من الفقه والقضاء قد استقر على أن السلطة التقديرية أمر الزم لإلدارة العامة في عصرنا‬
‫الحالي‪ ،‬كضرورة ال غنى عنها لكي تتمكن من أداء مسؤولياتها الخطيرة وممارسة وظائفها المتشعبة‪ .‬فقد‬
‫استقر أيضا على أن تجاوز اإلدارة حدود سلطتها التقديرية أمر خطير‪ ،‬يؤدي إلى عواقب وخيمة تضر‬
‫بالمصلحة العامة وبحسن سير المرافق العامة وبحقوق األفراد وحرياتهم‪.‬‬
‫لذلك كانت الرقابة القضائية – أيا كان مداها‪ -‬أفضل أسلوب لتحقيق التوازن األمثل بين تمكين اإلدارة‬
‫من إدارة مرافقها بما يحقق الصالح العام‪ ،‬وبين حماية حقوق األفراد وحرياتهم‪.‬‬
‫إنطالقا من ذلك‪ ،‬فقد ارتأينا أن نتطرق خالل هذا الفصل إلى تحديد ماهية السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫بكل جوانبها وتفاصيلها من خالل المبحث األول‪ ،‬أما المبحث الثاني فقد خصصناه لتحديد كل ما يتعلق‬
‫بماهية الرقابة القضائية على هذه السلطة التقديرية‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫ماهية السلطة التقديرية لإلدارة‬

‫يعتبر موضوع السلطة التقديرية لإلدارة من أهم مواضيع القانون اإلداري على اإلطالق‪ .‬بل ال يعد‬
‫القانون اإلداري –كما ذهب األستاذ فالين– أن يكون عن عبارة عن دراسة للسلطة التقديرية لإلدارة وقيود‬
‫ممارسة هذه السلطة‪ .‬كما تعتبر من أكثر مواضيع القانون اإلداري إثارة للنقاش والجدل بين الفقهاء والقضاة‪.‬‬
‫فهو موضوع شائك ودقيق ويصعب صياغة نظرية شاملة محكمة تضع له قواعد واضحة ومحددة‪.‬‬
‫لكننا حاولنا التنظير لهذه السلطة‪ ،‬وحتى نوضح معالمها فقد ارتأينا تقسيم الدراسة إلى ثالث مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أساس السلطة التقديرية لإلدارة ومبرراتها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حدود السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫تقوم كل جهة إدارية بمباشرة نشاطها وفقا للقانون‪ ،‬ويكون لها في حدوده سلطة تقديرية‪ .‬فهي ال تتمتع‬
‫بهذه الحرية إال ألن القانون خولها سلطة تقدير مناسبة التصرف‪ .‬فإذا تجاوزت هذا الحد تكون قد خرجت عن‬
‫نطاق القانون‪ ،‬وبالتالي عن نطاق المشروعية‪.‬‬
‫إن السلطة التقديرية الزمة لحسن سير اإلدارة؛ وان كان علينا أن نكف تحكم اإلدارة وتسلطها‪ ،‬فالبد أن‬
‫نجنبها أيضا اآللية اإلدارية التي تنبع من تزمت رجل اإلدارة بتطبيق قواعد موضوعية دون أن نترك له‬
‫الحرية في التصرف‪.‬‬
‫حتى تتضح هذه الحرية في التصرف‪ ،‬سنتناول خالل هذا المطلب تعريف السلطة التقديرية لإلدارة ثم‬
‫نبين عالقتها ببعض األفكار المتصلة بها‪ ،‬حتى نكون على بينة من مضمون هذه السلطة وحدودها‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫تعريف السلطة التقديرية لإلدارة‬

‫لقد أصبحت فكرة السلطة التقديرية لإلدارة من أهم األفكار األساسية التي يقوم عليها القانون اإلداري‬
‫في مختلف الدول – حتى في دول القضاء الموحد – فقد أدركت النظم المختلفة أن تقييد حرية اإلدارة‬
‫بالتشريعات المتعددة يؤدي إلى عواقب وخيمة ويشل حركة اإلدارة و يكبت نشاطها ويقتل روح االبتكار فيها‪.‬‬
‫تبعا لذلك سنحاول خالل هذا الفرع تعريف السلطة التقديرية لإلدارة لغة واصطالحا‪ ،‬ثم تعريفها من‬
‫وجهة نظر الفقه اإلسالمي والقانوني‪ ،‬وأخي ار التعريف القضائي لهذه السلطة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف السلطة التقديرية لغة واصطالحا‬


‫‪ -1‬تعريف السلطة‬
‫السلطة لغة‪ :‬من سلط‪ ،‬يسلط‪ ،‬سالطة‪ ،‬والسالطة القهر والحدة‪ ،‬والتسليط‪ :‬إطالق السلطان‪ ،‬وقد سلطه‬
‫اهلل عليه فتسلط‪ ،‬واالسم سلطة‪ ،‬والسلطة بضم السين‪ :‬التسلط والسيطرة والتحكم‪ .‬والسلطة بكسر السين‪ :‬السهم‬
‫الطويل‪ ،‬والجمع سالط‪ .‬والسلطان‪ :‬الحجة والبرهان وقدرة الملك‪ ،‬وقدرة من جعل له ذلك وان لم يكن ملكا‪.‬‬
‫والولي‪ ،‬وسلطان كل شيء‪ :‬شدته وحدته سطوته‪ .‬ويسمى السلطان سلطانا إما لتسلطه أو ألنه حجة من‬
‫حجج اهلل في أرضه‪ ،‬ويقال األمراء سالطين‪ ،‬ألنهم الذين تقام بهم الحجة والحقوق‪.‬‬
‫فالمادة إذن تدل على القوة والقهر والتمكن‪ ،‬وان كان التمكن الزما للقوة والقهر‪ ،‬وتدل على التسليط‬
‫وعلى إطالق السلطة وضبط النظام ولو بالقوة (‪.)1‬‬
‫والسلطة في الفقه اإلسالمي ال تخرج عن القوة والتمكن من تنفيذ أحكام اهلل تعالى على وجه اإللزام(‪.)2‬‬
‫أما إصطالحا فإن السلطة تعني‪:‬‬
‫‪ -‬مرادفة "السلطة" )‪ ،(pouvoir‬واالمتياز‪ ،‬مجموعة سلطات ‪.‬‬
‫‪ -‬حائز هذه السلطات‪ ،‬مثال السلطة العامة )‪. ( pouvoir public‬‬

‫‪ -1‬أنظر يف ذلك‪ - :‬ابن منظور‪ ،‬قاموس لسان العرب‪ ،‬مطبعة بريوت‪ ،1191 ،‬ص‪ .023،021‬والرائد‪ /‬جربان مسعود (قاموس لغوي معاصر )‪ ،‬دار‬
‫العلم للماليني‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬بريوت‪ ،1181،‬ص ‪ 082‬و ‪.080‬‬
‫‪ -‬أبو إبراهيم الفرايب‪ ،‬ديوان األدب معجم لغوي تراثي‪ ،‬ترتيب وحتقيق عادل عبد اخليار الشاطي‪ ، 2330 ،‬ص ‪. 223‬‬
‫‪ -‬املنجد اإلعدادي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.038‬‬
‫‪ -‬املنجد األجبدي‪ ،‬صادر عن دار املشرق العريب‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،1189 ،‬ص ‪.231‬‬
‫‪ -2‬ذهب بعض الباحثني إىل أن الشرع يستخدم مصطلح الوالية بديال عن مصطلح (السلطة) ألنه يتفق مع مقاصد اإلسالم الذي حث على اللطف‬
‫باخللق والرمحة هبم‪ .‬ال االستبداد والسلطة الذي حاربه اإلسالم‪ .‬بل رأى أن مصطلح الوالية أقوى يف الداللة على املراد منه من مصطلح السلطة‪ .‬ملزيد من‬
‫التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬حممود حممد ناصر بركات‪ ،‬السلطة التقديرية للقاضي يف القفة اإلسالمي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬األردن‪ ،2332 ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪ -‬إمكانية القيادة‪ ،‬في بعض األحوال استخدام امتيازات اإلدارة‪ ،‬انظر األولوية ) ‪ ،(primauté‬التبعية‬
‫القانونية )‪. (Subordination juridique‬‬
‫‪ -‬تفوق واقعي‪ ،‬سيطرة‪ ،‬هيمنة‪:‬‬
‫‪ -‬التفوق االقتصادي ‪ ،puissance économique‬بالنسبة إلى مؤسسة ما‪ ،‬قوة‪ ،‬سيطرة اقتصادية‪ ،‬سلطة‬
‫فرض قانونها على السوق ( على مورديها أو زبائنها أو منافسيها )‪.‬‬
‫‪ -‬سلطة الزوج )‪. ( puissance maritale‬‬
‫‪ -‬سلطة األب )‪ ( puissance paternelle‬مجموعة حقوق تعود لألب على شخص أوالده القصر‬
‫وأموالهم‪.‬‬
‫‪ -‬السلطة العامة)‪. (puissance publique‬‬
‫‪ -‬مجموعة سلطات الدولة واألشخاص العموميين اآلخرين‪ ،‬مثال ممارسة السلطة العامة‪ ،‬انظر السيادة‬
‫"‪."souveraineté‬‬
‫‪ -‬الدول واألشخاص العموميين اآلخرين(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬معنى التقدير‬
‫التقدير لغة‪ :‬من قدر يقدر‪ ،‬وبابه نصر ضرب‪ ،‬والقدر والقدرة والمقدار‪ :‬القوة‪ ،‬الغنى واليسار‪ ،‬وهو من‬
‫ذلك ألن كله قوة‪ ،‬وقدر كل شيء ومقداره‪ :‬مقياسه‪ ،‬و قدر الشيء بالشيء وقدره‪ :‬قاسه‪.‬‬
‫والتقدير على وجوه من المعاني ‪:‬‬
‫‪ -‬أولها‪ :‬التروي والتفكير في تسوية أمر وتهيئته‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬تقديره بعالمات يقطعه عليها‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬أن تنوي أم ار بعقدك‪ ،‬تقول ‪ :‬قدرت أمر كذا وكذا وكذا‪ ،‬أي نويته وعقدت عليه‪ ،‬ويقال قدرت األمر‬
‫كذا أقدر له‪ ،‬وأقدر قد ار‪ :‬إذا نظرت فيه ودبرته وقايسته‪ ،‬وقدرت أي هيأت وأطلقت وملكت‪ .‬وقدر عليه الشيء‬
‫أي ضيقه(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬انظر يف ذلك ‪:‬‬


‫‪ -‬جريار كورنو‪ ،‬معجم املصطلحات القانونية‪ ،‬ترمجة منصور القاضي‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر و التوزيع‪ ،‬ص ‪.038‬‬
‫‪-Charle Debbasch , Yves Daudet : Lexique de termes politiques, 2 eme edition, Dalloz,‬‬
‫‪Paris,1978, p 315.‬‬
‫‪- Ibrahim Dajjar : Nouveau dictionnaire juridique, Liban,2006 , p 228.‬‬
‫‪-Paul Robert, le petit Robert ,Paris, p 115.‬‬
‫‪ -2‬أنظر يف ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬قاموس لسان العرب‪ ،‬مطبعة بريوت‪ ،1191،‬ص ‪. 92‬‬
‫‪ -‬املنجد اإلعدادي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫أما اصطالحا‪ :‬فإن التقدير عن الالتينية )‪ (appretiato‬من الفعل ) ‪ : (appretiare‬قوم (بشد‬
‫السين)‪.‬‬
‫‪ -‬بالمعنى الضيق‪ :‬تقويم يقضي بتخمين مال بقيمه الصحيحة لتحديد ثمنه‪.(évaluation) ،‬‬
‫‪ -‬نمط قرار مبني على األخذ في االعتبار معايير موضوعية مرنة (مالءمة‪ ،‬مصالح ‪...‬الخ )‪ ،‬يترك وزنها‬
‫بالضرورة لمن يقدر حرية معينة (متفاقمة بذاتيتها)‪ ،‬ولذلك كانت العبارات اآلتية ‪ :‬سلطة التقدير‪ ،‬وحريته‬
‫وهامشه ‪ ،‬وهذا هو المعنى الذي يهمنا في بحثنا ‪.‬‬
‫‪ -‬على وجه أكثر تقنية‪ ،‬مجموعة عمليات فكرية ترتكز بالنسبة إلى القضاة على ضبط الوقائع المتنازع فيها‬
‫من أ جل التثبت من وجودها ووزن مداها وخطورتها وقيمتها وخاصيتها‪ ،‬تشمل التقديرات بهذا المعنى إثباتات‬
‫الواقعة التي يفترق أحيانا بعضها عن بعضها اآلخر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬نتيجة حكم له قيمة المديح‪ ،‬مثال تقدير لموظف من قبل رئيسه التسلسلي‪.‬‬
‫تقديري‪ ،‬استنسابي )‪ ،(discrétionnaire‬تخميني)‪.(estimatif‬‬
‫يستنتج مما سبق أن السلطة التقديرية تدل لغة على القوة والصالحية التي تمنح لمعين للقيام بتقدير‬
‫أمر ما‪ ،‬بالتفكير فيه وتهيئته والتدبر فيه بحسب نظر العقل‪ ،‬ومقاسيته على أمور أخرى‪ ،‬فالسلطة التقديرية‬
‫أساسها العمل العقلي والنشاط الذهني بمختلف وجوهه‪.‬‬
‫أما إصطالحا‪ :‬فإ ن السلطة التقديرية هي امتياز اتخاذ قرار مبني على األخذ في االعتبار لمعايير‬
‫موضوعية مرنة ( مالءمة ‪ ،‬مصالح ‪...‬الخ )‪.‬‬
‫هذا وقد تناول فقهاء المسلمين بيان مجال إعمال السلطة التقديرية‪ ،‬عند بحثهم ألنواع الحكم التكليفي‬
‫وبيان األحكام التي يجوز فيها االجتهاد‪ .‬إذ يتنوع الحكم التكليفي باعتبار طلب الفعل أو الترك أو التخيير‬
‫بينهما عند الجمهور إلى خمسة أنواع‪ :‬اإليجاب‪ ،‬التحريم‪ ،‬االستحسان‪ ،‬الكراهية واإلباحة‪ ،‬والمباح هو المجال‬
‫الرئيسي للسلطة التقديرية‪ ،‬حيث يكون لمصدر القرار حرية االختيار أو التقدير دون التقيد بإرادة أخرى غير‬
‫إرادته‪ ،‬لعدم تقيده بقواعد ملزمة منصوص عليها(‪ .)2‬ومن ثم يمكن القول بأن السلطة التقديرية موجودة في‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬وتجد مجال إعمالها حيث ال يوجد في المسألة حكم شرعي بالترك أو الفعل على وجه‬
‫الحتم‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر يف ذلك ‪:‬‬


‫‪ -‬جريار كورنو ‪ ،‬معجم املصطلحات القانونية‪ ،‬ترمجة منصور القاضي‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪- Ibrahim Dajjar : Nouveau dictionnaire juridique, Liban, 2006, p 5.‬‬
‫‪ -2‬سعيد احلكيم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫وعليه فإن السلطة التقديرية في الفقه اإلسالمي تعني‪ " :‬الصالحية التي يتمتع بها المجتهد للقيام‬
‫بعمله بالتفكر والتدبر بحسب النظر والمقايسة إلقامة شرع اهلل في األمور المعروضة عليه في جميع‬
‫مراحلها"(‪.)1‬‬
‫انطالقا من ذلك‪ ،‬فقد عرفها الدكتور مصطفى كمال وصفي بقوله‪ ":‬حيز يتركه النص (أو الدليل‬
‫الشرعي) للمالءمة بين تطبيق النص(أو الدليل) وبين الواقع "(‪.)2‬‬
‫كما عرفها الدكتور الدريني‪ ":‬تلك التي لم يرد بشأنها نص من كتاب أو سنة يحددها‪ ،‬مما يقتضيه‬
‫تنظيم مرافق الدولة وتدبير شؤونها ورعاية الصالح العام‪ ،‬وبالجملة من كل ما يجلب مصلحة أو يد أر‬
‫(‪)3‬‬
‫مفسدة على مقتضى من روح الشريعة‪ ،‬ومقاصدها العامة‪ ،‬ولو لم يرد بشأنها أحكام تفصيلية "‬
‫القرن الكريم والسنة النبوية المطهرة أو إلى األثر‪ ،‬نجد بأن أدلة مشروعية السلطة‬
‫بالرجوع إلى آ‬
‫التقديرية متعددة‪ ،‬نذكر من ذلك ‪:‬‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين‬
‫ففهمناها سليمان وكال آتينا حكما وعلما '(‪.)4‬‬
‫كذلك نجد قوله تعالى ‪ ":‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان اهلل لمع المحسنين "‪.5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫كذلك نجد قوله تعالى " فاعتبروا يأولى األبصار "‪.‬‬
‫من السنة النبوية المطهرة نجد قوله – صلى اهلل عليه وسلم‪": -‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران‪،‬‬
‫وان أخطأ فله أجر"‪ ،‬وفي بعض الروايات أن للمصيب "عشرة أجور"(‪.)7‬‬
‫والحديث صريح في دعوة الحاكم إلى االجتهاد‪ ،‬وان له أج ار حتى ولو أخطأ‪.‬‬

‫‪ -1‬حممود حممد ناصر بركات‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 81‬‬


‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪1912‬هجري‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 4‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ 28‬و ‪ .21‬إذ دلت اآلية على أهنما عليهما السالم اجتهدا وكان كل واحد منهما على حكم وعلم‪ ،‬وثبت احلكمان مبوجب‬
‫اجتهادمها‪ ،‬مث نسخ حكم داود بعد ثبوته ونزل النص بتقرير حكم سليمان‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل أثىن على سليمان بإصابته وجه احلكم‪ .‬أنظر يف ذلك‪:‬حممود‬
‫حممد ناصر بركات‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ -5‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية رقم ‪ .91‬تدل اآلية على بذل اجلهد يف القيام باحلق والعدل‪ ،‬ألن اهلل وعد من يفعل ذلك بأن يهديه سبيله ويكون معه إن كان‬
‫من احملسنني‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -6‬سورة احلشر‪ ،‬اآلية رقم ‪ .2‬واألبصار والعقول ‪ -‬و اآلية و إن نزلت لالعتبار مبا حل ببين النضري‪ .‬فإهنا تدعو أهل األبصار لالتعاظ والتدبر والنظر يف‬
‫األمور لالعتبار‪ ،‬أي للعبور هبا إىل أمور أخرى من جنسها ال حكم فيها‪ ،‬فيوقعون عليها نفس احلكم السابق‪ .‬فاالعتبار رد الشيء إىل نظريه‪ ،‬واملقايسة‬
‫والقياس من أوجه االجتهاد‪.‬‬
‫‪ -7‬الرواية األوىل عند البخاري يف كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ‪":‬باب أجر احلاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ"‪.‬‬
‫وليس معنى الخطأ هنا أنه أخطأ ما كلف‪ ،‬ولكن أنه أخطأ النص فلم يصبه بعد بذل كبير مجهوده‪،‬‬
‫واالجتهاد ال يكون إال من العالم أهل االجتهاد‪ ،‬واال فالجاهل ليس له أن يجتهد ابتداء وال انتهاء(‪.)1‬‬
‫إتضح بجالء منح السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬وان لم يستخدم الفقهاء المسلمون مصطلح " السلطة‬
‫التقديرية " الذي انتشر كثي ار في كتب القانونيين‪ ،‬فإنهم قالوا بها تحت مصطلحات تبين أوجها وآثا ار من هذه‬
‫السلطة‪ .‬ومما استخدموه‪( " :‬رأي)‪( ،‬نظر)‪( ،‬سلطة)‪( ،‬تقدير)‪( ،‬االجتهاد)‪( ،‬حكم)‪ ،‬وهذه المصطلحات بما‬
‫بينها من تداخالت كبيرة فإنها تعد أوجها لشيء واحد نسميه حاليا " بالسلطة التقديرية "(‪.)2‬‬
‫إن السلطة التقديرية لإلدارة ليست مطلقة‪ ،‬وانما يجب على هذه األخيرة أن تتوخى دائما تحقيق‬
‫المصلحة العامة؛ إذ ال يحل لها أن تتصرف إال بما يجلب مصلحة أو يد أر مفسده‪ .‬فنظر اإلمام مقيد‬
‫بالمصلحة(‪ .)3‬ومن هذا المنطلق وجب أن تكون ممارسة السلطة التقديرية في حدود تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬
‫فالسلطة ال تكون مشروعة إال إذا كانت تمارس في نطاق وحدود الغرض الذين منحت من أجله(‪.)4‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تعريف السلطة التقديرية فقها‬


‫اختلف الفقه حول تعريف السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬ويرجع السبب في هذا االختالف إلى عدم اتفاقهم‬
‫حول مصدر التقدير اإلداري وما إذا كان يكمن في إرادة المشرع‪ .‬حيث يأخذ تعريف السلطة التقديرية مفهوما‬
‫ايجابيا‪ .‬أم في إرادة القاضي اإلداري ومن ثم يأخذ هذا التعريف مفهوما سلبيا(‪.)5‬‬
‫وهذا ما سنبينه تباعا فيما يأتي ثم نعقبه برأينا في الموضوع‪.‬‬
‫‪ –1‬التعريف االيجابي للسلطة التقديرية‬
‫لقد ذهب جانب من الفقه(‪)6‬إلى القول بأن مصدر التقدير اإلداري لإلدارة يكمن في إرادة المشرع‬
‫وحدها‪ .‬مما يعني أن المشرع في نظرهم هو صاحب القول الفصل فيما إذا كان لإلدارة تجاه نشاط معين قدر‬

‫‪ -1‬سعيد احلكيم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬


‫‪ -2‬حممود حممد ناصر بركات‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -3‬جتدر اإلشارة إىل أن املصلحة العامة اليت تضبط وتقيد تصرف اإلدارة من خالل سلطتها التقديرية منوطة حبيايت الدنيا واآلخرة معا‪ .‬بل أن النظرة إىل‬
‫مصاحل الدنيا حمكومة بسالمة مصاحل اآلخرة‪ .‬خبالف ميزان املصاحل يف النظم الوضعية الذي اختذه الفالسفة وعلماء األخالق‪ .‬فهو حمدود بعمر الدنيا‬
‫فحسب وقاصر على اللذة املادية فقط‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ -4‬بعد أن ثبتت مشروعية منح السلطة التقديرية لإلدارة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬يتأكد بشكل قاطع سبق اإلسالم يف العديد من ميادين العلوم‪ .‬وإن كان مثار‬
‫الشبهة يف أذهان من يعتقد خالف ذلك هو تقصري املسلمني يف دراستهم للعلوم التنظيمية واإلدارية‪ .‬وبالتايل قصور قدرهتم على طرح ما لديهم من ذخائر‬
‫علمية بأساليب تناسب كل عصر وزمان‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬حممود حلمي‪ ،‬نظام احلكم اإلسالمي مقارنا بالنظم املعاصرة‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬القاهرة‪،1189 ،‬‬
‫ص ‪ .120‬وكذلك نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -5‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬اإل جتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدول الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصدر منها‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1119 ،‬ص‪.09‬‬
‫‪ -6‬من هؤالء جند " ميشو "‪ ،‬و " بونار "‪.‬‬
‫من الحرية في التقدير من عدمه‪ .‬وذلك بتدخله أو عدم تدخله بتنظيم ذلك النشاط أو بتحديد عناصره تحديدا‬
‫دقيقا(‪.)1‬‬
‫معتبر إياها بمثابة حق لإلدارة‬
‫ا‬ ‫من هنا فقد أعطى هذا الجانب الفقهي للسلطة التقديرية تعريف ايجابيا‪،‬‬
‫معترف لها به من قبل المشرع‪ ،‬الذي قد يجد نفسه في وضع يستحيل معه أن يبين لإلدارة األسلوب أو‬
‫المسلك الذي تباشر به نشاطا معينا‪ .‬وبالتالي يرى أنه من األفضل أن يترك لها قد ار من الحرية واالستقاللية‬
‫في مباشرة أعمالها حتى تتمكن من أداء دورها على أكمل وجه(‪.)2‬‬
‫لم يلتفت أنصار هذا الجانب الفقهي عند تعريف السلطة التقديرية أو عند وضع معيار لها إال إلى‬
‫(‪)3‬‬
‫‪:‬‬ ‫الحالة التي يكون عليها التشريع تجاه مسألة معينة‪ ،‬وذلك كاآلتي‬
‫‪ -‬فمن ناحية ال يكون هنالك سلطة تقديرية لإلدارة إال في حالة عدم وجود تشريع خاص بهذه المسألة‪ .‬ومن‬
‫هنا يقال أن لإلدارة سلطة تقديرية بالترك أو اإلغفال‪.‬‬
‫‪ -‬من ناحية أخرى‪ ،‬إذا كان هناك تشريع خاص بتلك المسألة فإن اإلدارة ال تتمتع بأي سلطة تقديرية في‬
‫خصوصها‪ ،‬إال إذا كان هذا التشريع متسما بعدم التحديد أو بعدم اإللزام لإلدارة‪ .‬وهنا يقال بأن لإلدارة سلطة‬
‫التقديرية باإلنابة‪.‬‬
‫من أنصار هذا االتجاه في تعريف السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬نذكر الفقيه "دي لوبالدير"‬
‫)‪ ،(Delaubadère‬الذي عرف السلطة التقديرية بأنها ‪":‬السلطة التقديرية هي القدر من الحرية الذي يتركه‬
‫المشرع لإلدارة كي تباشر وظيفتها اإلدارية على أكمل وجه "‪ )4(.‬وهو التعريف الذي صاغه األستاذ "ميشو"‪،‬‬
‫حينما عرفها بأنها‪ ":‬توجد سلطة تقديرية في كل حالة تتمتع فيها اإلدارة بحرية التصرف دون أن تكون‬
‫هناك قاعدة قانونية تلزمها مقدما بالتصرف على نحو معين"(‪.)5‬‬
‫كما عرفها الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب على أنها ‪ ":‬تتمتع اإلدارة بسلطة تقديرية أو‬
‫استنسابية(‪)6‬في الحاالت التي يترك لها فيها القانون حرية تقدير الظروف الواقعية التي تواجهها‪ ،‬فيكون‬

‫‪ -1‬حممد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬القرار اإلداري‪ :‬التعريف واملقومات‪ ،‬النفاذ واالنقضاء‪،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- « C’est le pouvoir discrétionnaire, c’est-à-dire la marge de liberté que les sources de‬‬

‫‪la légalité peuvent laisser à l’administrateur dans son activité ».voir : Delaubadère, Yves‬‬

‫‪gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 4eme édition Libraire général de droit de‬‬

‫‪jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999.‬‬

‫‪ -5‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.283‬‬
‫‪ -6‬يطلق القضاء اإلداري اللبناين على السلطة التقديرية تسمية "السلطة االستنسابية"‪.‬‬
‫لها الحق في أن تتدخل بإصدار القرار أو ال تتدخل وال تصدر أي قرار‪ ،‬كما يكون لها إذا رأت أن تتدخل‪،‬‬
‫أن تختار بحرية نوعية القرار الذي تراه مالئما لهذه الظروف الواقعية "(‪.)1‬‬
‫في نفس المجال‪ ،‬عرفها مجلس شورى الدولة اللبنانية‪ ":‬هي التي تتيح لإلدارة اتخاذ التدبير بحرية‬
‫مطلقة من كل قيد قانوني‪ ،‬وتنشأ إما عن نص صريح في القانون واألنظمة يوليها هذه السلطة‪ ،‬واما عن‬
‫انتفاء القواعد واألحكام القانونية التي تحد من سلطتها التقديرية في ممارسة عملها اإلداري"(‪.)2‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يقول األستاذ "عمار بوضياف"(‪ ...":)3‬ابتداء نقول أن مناط التمييز بين اإلرادة الحرة‬
‫لإلدارة (السلطة التقديرية) واإلرادة المقيدة ( السلطة المقيدة ) تحددها النصوص القانونية أو التنظيمية‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فقواعد القانون أو التنظيم هي التي تبرز لنا متى نكون أمام إرادة حرة أو إرادة مقيدة‪"...‬‬
‫بناء على ما تقدم من هذه التعريفات االيجابية للسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬نجدها تتفق جميعا على الربط‬
‫بين السلطة التقديرية وبين مبدأ المشروعية الذي يحكم النشاط اإلداري في مجموعه‪ .‬حيث أن هذه السلطة ال‬
‫توجد أو ال تتمتع بها اإلدارة إال في حالة عدم وجود نص تشريعي يحكم المسألة(‪ .)5‬فحيثما تخلو قواعد‬
‫القانون مما يلزم اإلدارة بالتصرف على نحو معين‪ ،‬يكون لإلدارة حرية التقدير‪ .‬وتدور معظم تعريفات السلطة‬
‫التقديرية في هذا اإلطار مع االختالف بينها في معنى قواعد القانون؛ حيث يأحذ البعض بالمعنى الضيق‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫بينما يأخذ آخرون بالمعنى الواسع‪.‬‬
‫غير أن" فينيزيا " يعلق على هذا اإلتجاه‪ ،‬بأن‪" :‬عدم التحديد هو مجرد ظاهرة ثانوية‪ ،‬ويتساءل ‪ :‬هل‬
‫التنظيم القانوني والسلطة التقديرية فكرتان تستبعد إحداهما األخرى؟"‪ ،‬و يجيب على هذا السؤال بأنه‪" :‬غير‬
‫مقبول القول أن هناك عدم تحديد في التنظيم القانوني‪ ،‬ذلك أن عدم التحديد ليس سببا للسلطة التقديرية‪،‬‬
‫بل هو نتيجة لها وعالمة على وجودها"(‪.)7‬‬

‫‪ -1‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪ . 682‬كما عرفها حممد عبد اجلواد حسني‪":‬حرية‬
‫اإلدارة يف تقدير أمهية احلالة الواقعية أو القانونية مما تراه حمتمال أن حيدث عنها من خطر‪ .‬وحرية اإلدارة يف اختيار وقت تدخلها وحرية اإلدارة يف اختيار‬
‫الوسيلة اليت تواجه هبا حالة واقعية أو قانونية "‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬حممد عبد اجلواد حسني‪ ،‬بني سلطة اإلدارة التقديرية واختصاصها املقيد‪ ،‬جملة جملس الدولة‪،‬‬
‫السنة الرابعة‪ ، 1160 ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -3‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدينة واإلدارية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪ ،2331 ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪ -4‬إن غالبية الفقه العريب يساند هذا االجتاه يف تعريف السلطة التقديرية‪ .‬انظر يف ذلك ‪:‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب‪ ،1129 ،‬ص ‪ .123‬وحممد عبد اجلواد حسني‪ ،‬املقال السابق‪.212 ،‬‬
‫‪ -5‬انظر يف ذلك ‪ :‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬شعبة القانون اإلداري واملؤسسات الدستورية‪ ،‬عنابة‪،‬‬
‫‪ ، 2339‬ص ‪ .111‬حيث يقول بصدد تعريفه للسلطة التقديرية بأهنا‪":‬يف حقيقة األمر وسيلة لتطبيق القانون وااللتزام مببدأ املشروعية"‪.‬‬
‫‪ -6‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.283‬‬
‫‪ -7‬حممد مصطفى حسني‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ، 1129 ،‬ص‪.63‬‬
‫كما ينتقد الدكتور سليمان الطماوي(‪)1‬هذه اآلراء على أساس أن "المسلم به‪ ،‬أنه إذا لم يحدد المشرع‬
‫أفكار معينة في تشريع يصدره‪ ،‬فليس معنى ذلك استقالل اإلدارة بتضمين تلك الفكرة ما تشاء من‬
‫أحكام"(‪ .)2‬فإذا ضمن المشرع قانونا معنيا فكرة غير محددة‪ ،‬فإن اإلدارة تحددها وتطبقها تحت رقابة القضاء‪.‬‬
‫فمفهوم دولة القانون يفرض إخضاع مجموعة ق اررات اإلدارة من حيث األصل إلى رقابة القضاء إال إذا قدر‬
‫(‪)3‬‬
‫هذا األخير أن بعض األعمال تخرج عن والية رقابته‪.‬‬

‫‪ -2‬التعريف السلبي للسلطة التقديرية‬


‫اتجه جانب من الفقه إلى أن تعريف السلطة التقديرية يجب أن يرتبط أساسا بالقيود التي يضعها‬
‫القضاء اإلداري على نشاط اإلدارة وهو بصدد مراقباته لهذا النشاط؛ أي في إطار ما هو معترف به للقضاء‬
‫من دور في إنشاء قواعد قانونية جديدة ومستقلة عن إرادة المشرع الصريحة أو المفترضة‪ .‬ولهذا فإنهم ينتهون‬
‫إلى تعريف تلك السلطة بطريقة سلبية بالنسبة لهذا الدور؛ أي بالنسبة لما يباشره القضاء اإلداري من رقابة‬
‫على األعمال اإلدارية‪ .‬على أساس أن السلطة التقديرية ال تتحقق أو ال يعترف بها لإلدارة إال فيما ال يخضع‬
‫من تصرفاتها لرقابة هذا القضاء(‪.)4‬‬
‫إذا كان القضاء اإلداري مصد ار لتقييد اإلدارة‪ ،‬فإنه يعد أيضا مصد ار للتقدير اإلداري؛ إذ ال يكفي أن‬
‫تتخلف النصوص القانونية اآلمرة حتى نكون أمام اختصاص تقديري‪ .‬بل يلزم فوق ذلك أن يعتمد القضاء‬
‫مسلك هذه النصوص‪ .‬فال يضيف من عنده قيودا جديدة يراها الزمة لتحقيق العدالة ولكفالة حسن سير‬
‫المرافق العامة‪ .‬ألنه يكون بذلك قد ضيق من نطاق هذا االختصاص التقديري(‪.)5‬‬
‫من أنصار هذا اإلتجاه في تعريف السلطة التقديرية‪ ،‬نجد األستاذ "دويز" )‪ (duez‬الذي يرى بأن‬
‫السلطة التقديرية توجد حيث ال تكون قيود المشروعية‪ ،‬وحيث تقف الرقابة القضائية(‪ .)6‬ويسانده في ذلك‬
‫(‪)7‬‬
‫األستاذ " لودوفيسي"‪ ،‬الذي يرى بأن " السلطة التقديرية لإلدارة ال تبدأ إال حيث تقف الرقابة القضائية"‪.‬‬

‫‪ -1‬لقد رجح األستاذ نذير أوهاب يف مذكرته حول السلطة التقديرية لإلدارة التعريف الذي أعطاه الدكتور" سليمان حممد الطماوي" للسلطة التقديرية يف‬
‫كتابه "التعسف يف استعمال السلطة"‪ .‬معتربا إياه تعريفا جامعا ومانعا لتحديده وضبطه ملاهية هذه السلطة بدقة‪ .‬والذي متثل يف‪":‬هي نوع من احلرية تتمتع‬
‫هبا اإلدارة لتقدير خطورة بعض احلاالت الواقعية اليت حتدث‪ ،‬والختيار وقت تدخلها‪ ،‬و لتقدير أصلح الوسائل ملواجهة هذه احلالة‪ ".‬أنظر مؤلفه‪ :‬سليمان‬
‫حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪ ،1128 ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس ‪ ،1111،‬ص ‪ .62‬وكذلك‪ :‬محد‬
‫عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -3‬عمار بوضياف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪ -4‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلمعي‪ ،‬القاهرة‪ ،2338،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ -5‬طعمية اجلرف‪ ،‬مبدأ املشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون‪ ،‬القاهرة‪ ،1190 ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ، 1129 ،‬ص‪.122‬‬
‫‪ -7‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫أما عن الفقه الجزائري فقد عرفها الدكتور " حسين فريجة " على أنها ‪ ":‬تلك الحرية التي تتمتع بها‬
‫اإلدارة في مواجهة األفراد والقضاء لتختار في حدود الصالح العام وقت تدخلها ووسيلة التدخل"‪)1(.‬فهذا‬
‫التعريف يصب في االتجاه القائل باستبعاد الرقابة القضائية على ذلك القدر من الحرية الذي تتمتع به اإلدارة؛‬
‫أي السلطة التقديرية‪.‬‬
‫بالنسبة لهذا االتجاه الذي يقرر مفهوما سلبيا للسلطة التقديرية‪ ،‬بحيث يرى أن هذه السلطة ال توجد إال‬
‫عند تخلف الرقابة القضائية‪ .‬فإنه اتجاه يؤدي في الواقع إلى االعتقاد بأن كال من فكرتي الرقابة القضائية‬
‫والسلطة التقديرية تستبعد الواحدة منهما األخرى‪ .‬ومعنى ذلك أن هذا االتجاه يقر بأن تعريف كل من هاتين‬
‫الفكرتين يتحدد على أساس وجود أو عدم وجود الفكرة األخرى‪ .‬وهذا يتنافى في الواقع مع التعريف العلمي‬
‫السليم‪ ،‬الذي يجب أن يجد مضمون الفكرة في ذاتها ال بأمر خارج عنها‪ .‬إذ ال يمكن القول أن السلطة‬
‫التقديرية هي ما ال يخضع للرقابة القضائية‪ ،‬وأن الرقابة القضائية هي ما ال عالقة له بالسلطة التقديرية‪.‬‬
‫خاصة وأن تصفح أحكام القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري في هذا الخصوص تبين أن القضاء‬
‫اإلداري يضع في كثير من األحيان حدودا للرقابة التي يباشرها على اختصاصات اإلدارة‪ ،‬كما يبين كذلك‬
‫القدر الواجب تركه من هذه االختصاصات لحرية تقدير اإلدارة(‪.)2‬‬
‫األمر الذي يعني عدم انضباط هذه التعريفات‪ ،‬ومن ثم عدم إحاطتها بكافة المسائل التي تندرج في‬
‫إطار السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬كما أن "عدم خضوع اإلدارة لرقابة القضاء بمناسبة ممارسة اختصاص ما‪،‬‬
‫إنما هو نتيجة لكون هذا االختصاص تقديريا وليس العكس‪ ،‬وعلى هذا األساس يجب أن يحدد مقدما نوع‬
‫االختصاص لمعرفة ما إذا كان مقيدا‪ ،‬فتخضع اإلدارة في ممارسته للقضاء‪ ،‬أو تقديريا فتمارسه اإلدارة‬
‫(‪)3‬‬
‫دون معقب عليها من القضاء"‪.‬‬
‫لذلك نرى أنه لكي نضع معيا ار دقيقا للسلطة التقديرية(‪ ،)4‬يجب أن نأخذ في االعتبار مضمون كل من‬
‫من االتجاهين السابقين‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بمعيار " التنظيم القانوني"‪ ،‬ذلك المعيار الذي يجسد في ذات‬
‫الوقت كال من القواعد التشريعية والقواعد القضائية كمصدرين متكاملين للسلطة التقديرية‪ .‬بحيث ال نكون أمام‬
‫(‪)5‬‬
‫سلطة تقديرية إال إذا لم تقيد القواعد التشريعية والقواعد القضائية مجتمعة اإلدارة في التصرف‪.‬‬

‫‪ -1‬حسني فرجية‪ ،‬السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪ ،2336 ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ -2‬علي خطار الشنطاوي‪ ،‬موسوعة القضاء اإلداري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الثقافة‪ ،2339 ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -3‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪.18 ،‬‬
‫‪ -4‬ويف سياق آخر عرفت رئيسة جملس الدولة السابقة " فريدة أبركان" السلطة التقديرية على أهنا‪ " :‬السلطة التقديرية هي أن تكون اإلدارة حرة متاما يف‬
‫التصرف يف هذا االجتاه أو ذلك‪ ،‬وبدون أن تكون خاضعة ألي شرط‪ ،‬فهي قادرة على تقدير الشروط اليت تتخذ على ضوئها قرارها‪ ،‬واملثال على ذلك‬
‫سلطة رئيس اجلمهورية يف منح العفو أو الوسام"‪ .‬انظر يف ذلك ‪ -:‬فريدة أبركان‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 2332 ، 31‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -5‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫ال يكفي إذن لالعتراف بالسلطة التقديرية لإلدارة أن تكون النصوص التشريعية غير محددة أو مشحونة‬
‫بالثغرات أو النقائص‪ ،‬بل البد كذلك من النظر فيما إذا كان القضاء قد وضع من القواعد ما حد بها من‬
‫إطالق النصوص التشريعية وسد بها ما وجد من ثغرات‪)1(.‬لكن ذلك ال يعني أن اإلدارة خارج تلك القيود‬
‫التشريعية والقضائية طليقة من كل قيد بحجة أنها تتمتع بسلطة تقديرية‪ .‬إذ البد من توفر حد أدنى من‬
‫(‪)2‬‬
‫واال كنا أمام سلطة استبدادية مطلقة‪ .‬فعندما تتمتع اإلدارة بسلطة تقديرية في‬ ‫القواعد التي يتعين احترامها‬
‫تطبيق القانون فإنها ال تباشر في ذلك سلطة مطلقة ولكنها تخضع لمبدأ المشروعية وتخضع كذلك لرقابة‬
‫القضاء‪ ،‬وهو األمين على احترام وصيانة هذا المبدأ(‪.)3‬‬
‫نستطيع تعريف السلطة التقديرية بأنها‪ ":‬الحرية التي تتمتع بها اإلدارة في مواجهة القاضي والمشرع‬
‫على السواء"(‪ .)4‬ويساندنا في ذلك األستاذ نذير أوهاب‪ ،‬حيث يقول‪":‬ومن ثم كان القول بأن وجود السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة ناتج من عالقتها بالقواعد القانونية‪ ،‬اعتمادا على ضرورة إفساح القانون والقضاء مجاال‬
‫(‪)5‬‬
‫تتمتع فيه اإلدارة بحرية التصرف ‪-‬هو المسمى بالسلطة التقديرية‪"-‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعريف السلطة التقديرية قضاء‬
‫يلعب القضاء إلى جانب التشريع والفقه دو ار هاما في إعطاء تعريفات لمختلف التصورات القانونية‪.‬‬
‫وهو الدور الذي لعبه كل من القضاء الجزائري والمقارن‪ ،‬فقد قدمت محكمة القضاء اإلداري المصري ما‬
‫يمكن اعتباره تعريفا للسلطة التقديرية‪ ،‬وذلك في قرار لها بتاريخ ‪ .)6(1162/2/23‬و مما جاء فيه ‪..." :‬ليس‬
‫"‪...‬ليس للمحكمة أية رقابة على المناسبات التي تحمل اإلدارة على تقدير المالءمة أو عدم المالءمة في‬
‫إصدار قرارها‪ ،‬أو على االعتبارات التي تراعيها في ذلك إال إذا قام الدليل المقنع على أن هذه المناسبات‬
‫واالعتبارات تنطوي في ذاتها على إساءة استعمال السلطة‪...‬ذلك أن اإلدارة في تقدير ظروف األمر اإلداري‬
‫ومالءمة إصداره‪ ،‬تحتاج بطبيعة وظيفتها إلى قسط كبير من حرية تقدير مناسبات العمل ومالبساته ووزن‬
‫مختلف السبل التي تصح أن تسلكها لتتخير منها أفضلها فيما تجريه من تصرفات ‪.)7("...‬‬

‫‪ -1‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 62‬و ‪.68‬‬
‫‪ -2‬فريدة أبركان‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -3‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112 ،‬ص ‪ 01‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -4‬وهو ذات التعريف الذي خلص إليه األستاذ "سليمان حممد الطماوي"‪ .‬أنظر مؤلفه‪ :‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -5‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ -6‬الدعوى رقم ‪ ، 00‬السنة الرابعة قضائية‪ ،‬جبلسة‪. 1162/2/23 :‬‬
‫‪ -7‬ختلص وقائع تلك القضية يف أن السيدة "عائشة راتب" كانت قد حصلت على إجازة القوانني املصرية عام ‪ 1111‬بتقدير جيد جدا‪ .‬وهي من‬
‫الدرجات اليت تؤهلها لشغل إحدى الوظائف القضائية‪ .‬وقد تقدمت للتعيني يف إحدى الوظائف نظرا لرتتيبها املتقدم بني أقراهنا املتقدمني للتعيني يف تلك‬
‫السنة‪ .‬إال أن قرار التعيني صدر خاليا من امسها‪ ،‬مما ينطوي على إساءة استعمال السلطة‪ .‬لذلك طعنت يف تعيني الطالب الذي حل حملها يف هذا القرار وقد‬
‫تناولت املدعية يف عريضة الدعوى اليت تقدمت هبا حقوق املرأة وما وصلت إليه منها يف البالد األجنبية‪ .‬وأهنا بلغت آخر مراحل العلم‪ ،‬وانتهت من هذا‬
‫العرض إىل أن عدم تعيينها ينطوي على إساءة استعمال السلطة‪ ،‬مما سيتوجب اإللغاء والتعويض‪ .‬انظر يف ذلك‪ -:‬خالد حممد العرتيس‪ ،‬دور جملس الدولة‬
‫املصري يف التصدي للمسائل املتعلقة بالوظيفة العامة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬عدد خاص مبنازعات الوظيفة العامة‪ ،2332 ،‬ص ‪.29‬‬
‫لقد اعتبرت المحكمة بأن السلطة التقديرية لإلدارة هي ذلك القسط الكبير من حرية تقدير مناسبات‬
‫العمل ومالبساته‪ .‬التي البد منها لإلدارة كي تستطيع القيام بوظيفتها من حيث مالءمة إصدار قرارها أو عدم‬
‫إصداره‪ ،‬وال يمكن أن تستقيم إذا أخضعت للرقابة من ناحية تقدير األفضلية(‪ .)1‬واال أدى ذلك إلى عرقلة‬
‫(‪)2‬‬
‫الدوالب اإلداري‪.‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري‪ ،‬فإننا نجده قد كرس فكرة السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة لكنه لم يقدم تعريفا محددا لها‪ ،‬مكتفيا بتقديم بعض األمثلة والنماذج عنها‪ .‬من ذلك قرار الغرفة‬
‫اإلدارية بالمحكمة العليا رقم ‪ 29202‬المؤرخ في ‪ 1111/0/29‬في قضية والي والية بشار ضد (ي ب)(‪،)3‬‬
‫حيث اعترف للوالي بتجريد موظف من منصب نوعي‪ ،‬ولم يجز لهذا األخير الطعن في هذا القرار بعنوان‬
‫االعتراف لإلدارة بالسلطة التقديرية‪ .‬ومما جاء فيه ‪" :‬متى كان من المقرر قانونا أن تعيين مدير مؤسسة‬
‫وال ئية يتم بموجب مقرر من الوالي‪ ،‬فإن مقرر العزل لمدير عام مؤسسة عمومية محلية يخضع للسلطة‬
‫(‪)4‬‬
‫التقديرية للوالي باعتباره منصبا نوعيا‪ ،‬ومتى كان كذلك‪ ،‬سيتوجب رفض الطعن "‪.‬‬
‫في قرار آخر صادر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى(‪)5‬تحت رقم‪ 01292 :‬بتاريخ‪،1186/9/1 :‬‬
‫‪ ،1186/9/1‬ذهب المجلس إلى أن‪ ":‬مسؤولية اإلدارة المرفقية‪ ،‬قد تدفع بها حرصا منها على مصلحة‬
‫المرفق عند االقتضاء‪ ،‬اتخاذ إجراءات ضد موظفيها‪ ،‬مخولة لها بعنوان سلطتها التقديرية "‪ .‬وتبعا لذلك‬
‫قضت الغرفة بحق السلطة المختصة – عندما تقتضي مصلحة المرفق ذلك – إبعاد الموظف مؤقتا عن عمله‬
‫إلى غاية البت في أمره(‪. )6‬‬

‫‪ -1‬ل قد ذهب األستاذ خالد حممد العرتيس يف تعليقه على هذا احلكم إىل أن لإلدارة أن تقدر ‪ -‬يف غري تعسف‪ -‬ما إذا كان الوقت مل حين بسبب بعض‬
‫االعتبارات االجتماعية لتتوىل املرأة بعض املناصب والوظائف العامة‪ .‬وترتخص اإلدارة يف ذلك مبقتضى سلطتها التقديرية يف وزن املناسبات واملالبسات اليت‬
‫حتيط هبذه األعمال‪ ،‬مستهدية يف ذلك بظروف البيئة‪ ،‬ومبا تفرضه التقاليد من أوضاع وحدود‪ .‬أنظر‪ :‬مقاله السابق‪ ،‬ص ‪ 26‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -2‬يف نفس السياق‪ ،‬اعترب القضاء اإلداري املصري بأن تقدير اقتصار شغل بعض الوظائف على الرجال دون النساء داخال ضمن السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫وال معقب عليها يف ذلك من قبل القضاء‪ .‬ومنها على سبيل املثال‪ :‬مهنة املأذونني‪ ،‬سائقي الطائرات والقضاء‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر‪ :‬اجمللة القضائية الصادرة عن احملكمة العليا‪ ،‬قسم املستندات‪ ،‬العدد األول‪ ،1110 ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪ -4‬تتمثل وقائع القضية يف أن السيد (ي ب ) طعن بالبطالن يف قرار مت اختاذه من وايل والية بشار بتاريخ ‪ 1181/6/16‬الذي أوقفه عن مهامه كمدير‬
‫عام ملكتب الدراسات التقنية متعددة اخلدمات بوالية بشار‪ .‬وأسس طعنة بأنه أوىف بكل التزاماته املهنية‪ ،‬وأن قرار التوقيف بين على نزاع آخر خبصوص سكن‬
‫وظيفي‪.‬‬
‫‪ -5‬انظر‪ :‬اجمللة القضائية الصادرة عن احملكمة العليا‪ ،‬قسم املستندات‪ ،‬العدد الثالث‪ ،1181،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -6‬إن أكرب جمال تظهر فيه السلطة التقديرية لإلدارة هو جمال الوظيفة العمومية‪ .‬وباألخص يف جمال العقوبات التأديبية ألن السلطة املختصة هلا صالحية‬
‫تقدير مدى خطورة اخلطأ املرتكب وتقدير العقوبة املناسبة‪ ،‬إذ تنص املادة ‪ 191‬من القانون األساسي العام للوظيفة العامة على ‪ ":‬يتوقف حتديد العقوبة‬
‫التأديبية املطبق ة على املوظف على درجة جسامة اخلطأ‪ ،‬والظروف اليت ارتكب فيها‪ ،‬ومسؤولية املوظف املعين والنتائج املرتتبة على سري املصلحة‪ ،‬وكذا الضرر‬
‫الذي حلق باملصلحة أو باملستفيدين من املرفق العام "‪ .‬انظر يف ذلك ‪ - :‬مزياين فريدة‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري‪ ،‬امللتقى‬
‫الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعة اإلدارية‪ ،‬قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.38‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫تمييز السلطة التقديرية عن بعض األفكار المتصلة بها‬

‫لقد سبق أن ذكرنا بأن السلطة التقديرية تقابل مفهوم السلطة المقيدة؛ أي أنه البد من أن نفهم جيدا‬
‫مفهوم السلطة المقيدة حتى تتضح معالم السلطة التقديرية‪ .‬وتبعا لذلك كان لزاما علينا أن نميز السلطة‬
‫التقديرية عن السلطة المقيدة‪ .‬كما قد يختلط مفهوم السلطة التقديرية بفكرة األعمال التقديرية‪ ،‬ولذلك أيضا قمنا‬
‫بتمييزها عن هذه األخيرة‪.‬‬
‫إذا كانت السلطة التقديرية استثناء من االستثناءات الواردة على مبدأ المشروعية‪ ،‬فقد رأينا أن نميزها‬
‫عن باقي هذه االستثناءات؛ أي نظرية الظروف االستثنائية واألعمال الدستورية وأعمال السيادة والحكومة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن السلطة المقيدة‬


‫ذ هبت غالبية النظم القانونية إلى االعتراف لجهة اإلدارة بممارسة سلطتها التقديرية‪ ،‬كما ألزمتها في‬
‫حاالت معينة باتخاذ القرار بمضمون معين‪ ،‬وهو ما يطلق عليه بالسلطة المقيدة لإلدارة‪ .‬وسنتولى فيما يأتي‬
‫التفرقة والتمييز بين هاتين السلطتين‪ ،‬وفي سبيل ذلك سنبين ماهية كل سلطة وأوجه االشتراك واالختالف‬
‫بينهما‪ ،‬ثم نتطرق في نقطة ثالثة إلى آثار هذه التفرقة أو التمييز‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف السلطة المقيدة‬
‫لقد أعطيت عدة تعريفات للسلطة المقيدة لإلدارة‪ ،‬و بالتالي سنكتفي بعرض البعض منها فيما يأتي‪:‬‬
‫عرفها "دي لوبادير"‪ " :‬إن السلطة المقيدة توجد كلما كانت اإلدارة إزاء ظروف معينة من الواقع‬
‫ملتزمة باتخاذ قرار ما‪ ،‬فليس لها الخيار بين عدة ق اررات ممكنة‪ ،‬وانما يكون سلوكها محددا بالقاعدة‬
‫القانونية "(‪.)1‬‬
‫وقد وصف األستاذ " ميشو " هذا النوع من السلطة وان كان قد أهمل اصطالح " سلطة مقيدة " فقال‪:‬‬
‫"إن على اإلدارة أن تتخذ ق اررات فرضها القانون مقدما‪ ،‬فمهمتها مقصورة على تطبيق القانون على‬
‫الحاالت التي تصادفها عندما تتحقق أسبابها "(‪.)2‬‬
‫وقد قارن األستاذ "فالين" بين عمل اإلدارة وعمل القاضي في هذه الحالة فكالهما يقتصر على مجرد‬
‫تطبيق القانون عند تحقق الشروط التي يستلزمها المشرع(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- André Delaulraderé , Yves gaudement , traité de droit administratif , tome 1, 16 éme édition‬‬
‫‪, paris , 1999 , p 232‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 01‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫بالتالي فإن السلطة المقيدة لإلدارة توجد حينما يرسم القانون القرار الذي يجب على الموظف اتخاذه‬
‫(‪)1‬‬
‫بقوله‪":‬إن السلطة المقيدة أو المحدودة‬ ‫اتجاه حالة معينة‪ .‬وهذا ما عبر عنه األستاذ "جيرو" "‪" Géraud‬‬
‫توجد حينما ال يترك القانون لإلدارة أي حرية في التقدير‪ ،‬بل يفرض عليها بنص آمر التصرف الذي يجب‬
‫عليها أن تسير وفقا له‪ ،‬فهي تشبه في هذه الحالة عامل المسرح الذي يلتزم بأن يجلس كل متفرج في‬
‫مكانه المحدد له"‪.‬‬
‫وقد عرفها األستاذ سليمان محمد الطماوي بأنها‪" :‬عندما يفرض القانون على رجل اإلدارة بطريقة آمرة‬
‫وعلى سبيل اإللزام‪ ،‬الهدف المعين الذي يجب عليه أن يسعى إلى تحقيقه‪ ،‬ويحدد له األ وضاع التي يجب‬
‫عليه أن يخضع لها للوصول إلى هذا الهدف‪ ،‬فإذا سلك المشرع هذا الطريق‪ ،‬فإنه يملي مقدما على رجل‬
‫اإلدارة فحوى القرار الذي يجب عليه اتخاذه‪ ،‬و تسمى سلطاته واختصاصاته محددة أو مقيدة"(‪.)2‬‬
‫وفي نفس السياق عرفها الدكتور عمار بوضياف ‪":‬إذا قيد القانون إرادة اإلدارة وألزمها باتخاذ القرار‬
‫بتوافر ظروف واجتماع عناصر ووقائع معينة‪ ،‬كنا أمام إرادة مقيدة "(‪.)3‬‬
‫كما عرفتها فريدة أبركان‪ ":‬إنها الوضعية التي تكون فيها اإلدارة ملزمة بالتصرف أو برفض التصرف‬
‫عندما تتوفر بعض الشروط ذات الصلة بالواقع أو بالقانون‪ ،‬فليس لإلدارة هنا أي سلطة للتقدير‪ ،‬وسلوكها‬
‫مفروض عليها‪ ،‬والمثال على ذلك وجوب إحالة موظف بلغ السن القانونية على التقاعد"(‪.)4‬‬
‫لذلك قضت الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا بأن عدم مراعاة اإلدارة المعنية للمهلة القانونية بشأن رخص‬
‫البناء يعد تجاو از للسلطة(‪ .)5‬ذلك أن القانون حين يلزم الراغب في الحصول على رخصة بناء التقرب من‬
‫جهة إدارية حددها النص‪ .‬كما يتكفل بتبيان الملف المطلوب وشروط االستفادة من قرار اإلدارة‪ ،‬ويلزمها‬
‫بالتصريح بموقفها بشأن الملف المقدم إن قبوال أو رفضا‪ ،‬فإنه بذلك يكون قد قيد إرادتها‪ ،‬مما يسهل على‬
‫القاضي عند رفع األمر إليه إخضاعها للرقابة من منطق أن إرادتها مقيدة(‪.)6‬‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ -3‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار جسور‪ ، 2331 ،‬ص ‪ .08‬ويسانده يف ذلك األستاذ‬
‫محدي ياسني عكاشة‪ ،‬حيث يعرف السلطة املقيدة على أهنا‪ ":‬إذا مل يرتك القانون لإلدارة أي حرية يف التقدير فيفرض عليها بطريقة آمرة التصرف الذي‬
‫جيب عليها مراعاته"‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬محدي ياسني عكاشة‪ ،‬القرار اإلداري يف قضاء جملس الدولة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،1112،‬ص‬
‫‪.961‬‬
‫‪ -4‬فريدة أبركان ‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ، 2331 ،1‬ص‪.02‬‬
‫‪ -5‬أنظر يف ذلك‪ :‬قرار احملكمة العليا ‪ ،‬الغرفة اإلدارية ‪ ،‬ملف ‪ ،98293‬بتاريخ ‪ ، 1113/2/28‬اجمللة القضائية ‪ ،‬العدد األول‪ ،1112 ،‬ص ‪160‬‬
‫وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -‬قرار جملس الدولة بتاريخ ‪ ، 2330/0/11‬الغرفة الثالثة‪ ،‬امللف ‪ ، 332209‬جملة جملس الدولة ‪ ،‬العدد ‪ ، 2330 ، 0‬ص ‪. 198‬‬
‫‪ -6‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدينة و اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 08‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -2‬أوجه االختالف بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة‬
‫تختلف السلطة التقديرية عن السلطة المقيدة من عدة جوانب‪ ،‬وقد حاولنا تقديم البعض منها في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬من حيث دور المشرع‬
‫إ ن السلطة المقيدة هي تلك السلطة التي يستطيع المشرع فيها أن يحدد لإلدارة شروطا لممارسة‬
‫االختصاص‪ ،‬ويرسم لها حدوده ويجبرها على التدخل في حالة توافر هذه الشروط‪ .‬أما السلطة التقديرية فهي‬
‫التي يترك فيها المشرع لإلدارة قد ار من حرية التقدير‪ ،‬سواء بالنسبة التخاذ اإلجراء أو عدم اتخاذه أو بالنسبة‬
‫ألسباب اتخاذه‪ .‬بحيث تملك اإلدارة في هذه السلطة‪-‬التقديرية‪ -‬تقدير مالءمة التصرف واختيار الوقت‬
‫المناسب لذلك(‪.)2‬‬
‫وتطبيق السلطة اإلدارية للقواعد القانونية المصاغة صياغة جامدة‪ ،‬يعني أن اختصاصها الوارد في‬
‫هذه القواعد هو اختصاص مقيد‪ .‬أما تطبيقها للقواعد القانونية المصاغة صياغة مرنة‪ ،‬فإنه يعني أن اإلدارة‬
‫تباشر في ذلك اختصاصا تقديريا أو سلطة تقديرية(‪ .)3‬ومن ثم يلزم فهم االختصاص المقيد بوضوح حتى‬
‫نتبين المدلول الحقيقي للسلطة التقديرية‪.‬‬
‫من أمثلة السلطة المقيدة والصياغة القانونية الجامدة‪ :‬استخدام األرقام والحسابات في صياغة القواعد‬
‫القانونية المحددة لهذا االختصاص‪ .‬كما يحدث مثال في نطاق القانون الضريبي‪ .‬فالقاعدة التي تلزم الممولين‬
‫بدفع ضريبة محددة بنسبة معينة من صافي الدخل أو الربح‪ ،‬تجعل سلطة اإلدارة في تطبيق هذه القواعد‬
‫سلطة مقيدة ال تملك اإلدارة حيالها أي سلطة تقديرية؛ إذ أن تحقيق الممول لربح أو دخل معين يحتم على‬
‫(‪)4‬‬
‫اإلدارة فرض ضريبة بنسبة محددة من هذا الدخل أو الربح‪.‬‬
‫يسوق الفقه الفرنسي مثاال تقليديا على االختصاص المقيد‪ ،‬يتمثل في حالة الحصول على تراخيص‬
‫أسلحة الصيد ؛ إذ يتعين على اإلدارة منح هذا الترخيص لكل شخص يطلبه طالما قد استوفى جميع الشروط‬
‫التي يتطلبها القانون‪ .‬دون أن يكون لإلدارة حق بحث مالءمة أو عدم مالءمة منح هذا الترخيص أو رفض‬
‫ذلك على أساس أن طالبه مثال ال يحسن الرماية بالسالح‪ .‬كما ال يكون من حق اإلدارة إضافة شروط أخرى‬
‫(‪)5‬‬
‫جديدة خالفا للشروط التي تطلبها القانـون‪.‬‬

‫‪ -1‬بالرغم من أن معىن " السلطة " ‪ "le pouvoir‬خيالف معىن االختصاص "‪ "la compétence‬إذ يعين املصطلح األخري جمموع الصالحيات‬
‫املخولة جلهة اإلدارة‪ ،‬أو جمموعة ما خولت اإلدارة القيام به من أعمال‪ .‬بينما تعين "السلطة" مباشرة االختصاص وتنفيذه أي ترمجته إىل عمل معني‪ ،‬إال أن‬
‫الفقه الفرنسي – على وجه اخلصوص – درج على استعمال مصطلحي " االختصاص املقيد والسلطة التقديرية"‪ .‬يف حني كان يتعني استعمال عبارة " سلطة‬
‫تقديرية أو السلطة مقيدة"‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ، 1129 ،‬ص ‪. 92‬‬
‫‪ -2‬حسني فرجية ‪ ،‬السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري ‪،‬جملة االجتهاد القاضي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪ ، 2336 ،‬ص ‪. 239‬‬
‫‪ -3‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬لبنان ‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪. 681‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330 ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -5‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬مبادئ وأحكام القضاء اإلداري اللبناين – جملس شورى الدولة‪ ، -‬الدار اجلامعية‪ ،‬بريوت‪ ،1119 ،‬ص ‪.111‬‬
‫من أمثلة الصياغة القانونية الجامدة كذلك الصياغة بطريق الحصر‪ .‬وهو ما يتحقق في معظم القواعد‬
‫اإلجرائية‪ ،‬كقواعد اإلجراءات أمام القضاء اإلداري(‪ .)1‬مما ينفي احتمال السلطة التقديرية بشأنها حيث يتعلق‬
‫األمر غالبا بمواعيد واجراءات ال يتصور بشأنها عدم التحديد الواضح الدقيق(‪.)2‬‬
‫األمر الذي يبرر اللجوء إلى أسلوب االختصاص المقيد هو تحقيق االستقرار في المعامالت‪ ،‬ألن‬
‫المخاطبين بأحكام القواعد المنظمة لهذا االختصاص يستطيعون العلم بكيفية تطبيقها واألثر القانوني الذي‬
‫سيترتب على هذا التطبيق‪ .‬حيث أن تطبيق هذه القواعد هو تطبيق منطقي آلي‪ ،‬إذ ال يقوم المختص‬
‫(‪)3‬‬
‫بتطبيقها بأي جهد عقلي إرادي‪ ،‬ومن ثم ال يباشر أي سلطة تقديرية‪.‬‬
‫أما عن السلطة التقديرية‪ ،‬فمن األمثلة التي يسوقها الفقه الفرنسي في هذا الصدد‪ ،‬نجد حالة منح‬
‫األوسمة التنفيذية‪ .‬أو أن تقوم اإلدارة بترقية الموظفين باالختيار دون أن يقوم المشرع بضبطها بضوابط‬
‫وقواعد معينة(‪ .)4‬وحالة الترخيص لألجانب باإلقامة المؤقتة‪ .‬حيث تستقل اإلدارة في تقدير مناسباتها بسلطة‬
‫مطلقة في حدود ما تراه متفقا مع المصلحة العامة‪ .‬فاإلقامة العابرة ال تعدو أن تكون صلة وقتيه عابرة‬
‫سمحت بها اإلدارة(‪ .)5‬أو في سلطة رئيس الجمهورية بمنح وسام أو العفو‪ .‬أو تعديل أو إنشاء سلك من‬
‫أسالك الموظفين(‪ .)6‬وسلطة اإلدارة في تقدير الكفاءة العلمية ألعضاء هيئة التدريس بالجامعات كشرط الزم‬
‫للترقية(‪.)7‬‬
‫نجد أن الفارق بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة من حيث دور المشرع‪ ،‬هو أن هذا األخير‬
‫استطاع في الحالة األولى تحديد الوقائع التي تحقق فيها للقرار غرضه الموضوعي‪ .‬لذلك قيد اإلدارة بمراعاة‬
‫هذه الوقائع وألزمها باتخاذ القرار عند توافرها‪ .‬أما في السلطة التقديرية فقد عجز المشرع عن تحديد هذه‬

‫‪ -1‬فالنص اإلجرائي نص أعمى كما يقال‪.‬‬


‫‪ -2‬من قبيل األمثلة أيضا‪ ،‬القرارات الصادرة بشأن مننح تنراخيص إنشناء الصنيدليات‪ .‬حينث قضنت احملكمنة اإلدارينة العلينا املصنرية يف ‪": 1128/1/28‬أن‬
‫سلطة وزارة الصحة يف إصدار تراخيص إنشاء الصيدليات سلطة مقيدة ال جمال فيها للتقدير‪ ...‬ويتعني إصندار القنرار بنالرتخيص منت ثبنت تنوافر الشنروط‬
‫اليت يتطلبها القانون يف الصيدلية"‪ .‬أشار إليه‪ -:‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 210‬‬
‫‪ -4‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬طبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -5‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدا رة العامة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338 ،‬ص‬
‫‪.22‬‬
‫‪ -6‬فريدة أبركان‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -7‬وإن كان األستاذ "حسني فرجية" يرى أنه البد من وضع مقاييس مسبقة جيب أن تعتمدها اللجنة العلمية لرتقية األساتذة‪ .‬ألن املعايري غري احملددة جعلت‬
‫هذه اللجان تلجأ يف كل مرة لوضع معايري وفق املنهاج الذي تراه‪.،‬كما أن اإلدارة تلجأ يف كل مرة لتكوين جلان ترقية األستاذة‪ .‬وهذه اللجان تكون مشكلة‬
‫وفقا هلوى ومعايري اإلدارة املركزية‪ .‬وهذا قد يلحق ظلما بأعضاء هيئة التدريس‪ ،‬وقد يرقى من ال حيتاج إىل الرتقية وخيرج منها من حيتاج إليها‪ .‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫حسني فرجية‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫الوقائع والحاالت المبررة إلصدار القرار‪ .‬وبذلك يكون قد أحل اإلدارة محله في تقدير الوقائع‪ ،‬وخول لها‬
‫السلطة في هذا التقدير في الحدود وبالمعايير التي يجري بها تقديره(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬من حيث سهولة التطبيق‬
‫تتميز القواعد المنظمة لالختصاص المقيد بسهولة التطبيق بالنسبة للموظف المختص بذلك‪ .‬وهي‬
‫سهولة الزمة نظ ار لتعدد الروابط اإلدارية وتشابكها وتزايد احتماالت المنازعة بشأنها‪ .‬فإذا حدد القانون مثال‬
‫أن كل من لديه الكفاءة الفنية والعلمية التي تتصل بعمل معين يولى الوظيفة العامة المخصصة لهذا العمل‪،‬‬
‫ألدى ذلك إلى تعطيل واعاقة اإلدارة وعدم تمكنها من الحصول على عمل الراغبين في تولي الوظائف العامة‬
‫إال بعد إرهاق وأبحاث دقيقة مضنية‪ .‬أما مع وجود القاعدة التي تحدد صالحية الموظف الفنية والعلمية‬
‫بحصوله على شهادة دراسية متخصصة معينة تؤهله للعمل في الوظيفة المخصصة له‪ ،‬فإنه يكفي أن تتأكد‬
‫اإلدارة من حصول المتقدم للوظيفة على هذه الشهادة لتعتبره مؤهال لشغل الوظيفة‪ ،‬ما لم يثبت عكس ذلك‬
‫أثناء االختبار)‪ .(2‬لذلك فإ ن الصياغة الجامدة للقاعدة القانونية قد ال تحقق العدل في بعض الحاالت القليلة‪،‬‬
‫ولكنها تحقق العدل في معظم األحوال)‪ ،(3‬وتحقق االستقرار واليسر في كل الحاالت)‪.(4‬‬

‫ج‪ -‬من حيث األولوية في التطبيق‬

‫‪1- le droit laisse à l’administration un libre pouvoir d’appréciation pour décider si elle doit agir‬‬
‫‪ou ne pas agir, et si elle agit, pour déterminer elle même le sens de sa décision.sa conduite‬‬
‫‪n’est pas dictée à l’avance par le droit. C’est l’administration qui fixe ici librement, face à une‬‬
‫‪situation de fait déterminée, son attitude, alors qu’en compétence liée c’est le droit qui‬‬
‫‪détermine son attitude. Voir : http://www.fallaitpasfairedudroit.fr.vu le :27/11/2012.‬‬

‫‪ -2‬فقد حدد األمر ‪ 30/39‬املتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية طرق التوظيف‪ .‬ففصل بني طريقة التوظيف العادية‪ ،‬واليت خصص هلا فصال‬
‫معنونا ب‪" :‬التوظيف" تضمن املواد من ‪ 29‬إىل ‪ .82‬وطريقة التوظيف االستثنائية اليت أفرد هلا فصال معنونا ب‪ " :‬األنظمة القانونية األخرى للعمل"‪ .‬الذي‬
‫حيتوي على املواد من ‪ 11‬إىل ‪ . 20‬هتدف يف جمملها إىل بيان وضبط معايري التوظيف‪ .‬حيث نصت املادة ‪ 83‬مثال من األمر السابق الذكر على ما يلي‪:‬‬
‫"يتم االلتحاق بالوظيفة العمومية عن طريق ‪ )1 :‬املسابقة على أساس االختبارات‪ )2.‬املسابقة على أساس الشهادات بالنسبة لبعض أسالك املوظفني ‪)0‬‬
‫الفحص املهين ‪ )9‬التوظيف املباشر من بني املرتشحني الذين تابعوا تكوينا متخصصا منصوصا عليه يف القوانني األساسية لدى مؤسسات التكوين املؤهلة"‪.‬‬
‫‪ -3‬يقننول النندكتور سننليمان حممنند الطمنناوي يف هننذا الصنندد أن الق نوانني احلديثننة توسننع شننيئا فشننيئا مننن نطنناق السننلطة املقينندة لننرتد غائلننة اإلدارة يف بعننض‬
‫اإلختصاصننات الننيت أكثننرت مننن التعسننف فيهننا أو االحن نراف هبننا عننن الطريننق السننوي‪ .‬انظننر مؤلفننه‪ - :‬النظريننة العامننة للق نرارات اإلداريننة‪ ،‬املرجننع السننابق‪،‬‬
‫ص‪.103‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫فيما يتعلق بمدى كل من السلطة التقديرية والسلطة المقيدة‪ ،‬فإن السلطة التقديرية هي األصل في‬
‫مزاولة اإلدارة لنشاطها‪ .‬أما االختصاص المقيد فهو االستثناء)‪ .(1‬بمعنى أنه ال يمكن تقييد اختصاص اإلدارة‬
‫إال بناء على نص قانوني محدد‪ .‬وحرية التقدير التي تتمتع بها اإلدارة تختلف ضيقا واتساعا بحسب الظروف‬
‫واالعتبارات‪ .‬على أنه حتى في الحاالت التي يبدو فيها اختصاص اإلدارة مقيدا إلى حد بعيد‪ ،‬فإنها مع ذلك‬
‫تتمتع بقدر ضئيل من السلطة التقديرية)‪ .(2‬ولمنع التصادم بين السلطتين‪ ،‬فقد وضع الفقه معيارين لتقرير‬
‫الحاالت التي يكون اختصاص اإلدارة فيها مقيدا‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -‬الحاالت التي ينص فيها القانون نفسه على القيد‪ ،‬ويمكن أن يطلق على هذه الحاالت اسم " السلطة‬
‫المقيدة عن طريق المشرع "(‪.)3‬‬
‫‪ -‬الحاالت التي يضفي فيها القضاء قيودا‪ ،‬وغالبا ما تكون متعلقة باإلجراءات اإلدارية المقيدة للحريات‬
‫العامة‪ .‬ويمكن أن يطلق عليها اسم " السلطة المقيدة عن طريق القضاء"‪ .‬وفيما عدا ذلك فإن اإلدارة تملك‬
‫سلطة تقديرية في إصدار ق ارراتها(‪.)4‬‬
‫د‪ -‬من حيث إنشاء الحق والكشف عنه‬
‫ال يعتبر القرار اإلداري مصد ار للحق إال إذا كان صاد ار عن السلطة التقديرية للجهة التي أصدرته‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك نجد في حالة السلطة المقيدة أن القرار اإلداري ال يعتبر مصد ار للحق‪ .‬والسلطة‬
‫التقديرية بالمعنى السابق بيانه هي التي تجعل القرار اإلداري كافيا والزما إلنشاء الحق‪ .‬فهي تعني أن رجل‬
‫اإلدارة قام بعمل إداري يستحق معه أن ينسب إليه األثر الذي ترتب على ق ارره‪ .‬أما إذا لم يباشر رجل اإلدارة‬
‫السلطة التقديرية في إصدار القرار‪ ،‬وقام بتطبيق القانون آليا في حدود اختصاصه المقيد‪ ،‬فإن األثر الذي‬
‫يترتب على ق ارره في هذه الحالة ال يعد ناشئا عن القرار ذاته‪ ،‬وانما يعد ناشئا عن القانون مباشرة(‪.)5‬‬

‫ه‪ -‬من حيث ضمان حريات األفراد وحقوقهم‬


‫إذا كان االختصاص المقيد يتمثل في الحالة التي تفرض فيها القاعدة القانونية على اإلدارة اتخاذ قرار‬
‫معين عندما تتوفر الشروط التي حددتها‪ .‬أما السلطة التقديرية فتتمثل في الحالة التي تترك فيها القاعدة‬
‫القانونية لإلدارة حرية التقدير في ممارسة االختصاص(‪ .)6‬فال جدال أن االختصاص المقيد بهذا الشكل يعد‬
‫األسلوب األمثل من زاوية حقوق وحريات األفراد‪ ،‬ما دام أن القاعدة القانونية قد حددت نطاق اختصاص‬

‫‪ -1‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬دراسة مقارنة‪،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -2‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -3‬شحاتة توفيق‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1166،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -5‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1116،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ -6‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.682‬‬
‫اإلدارة بطريقة دقيقة‪ ،‬بحيث لم تترك لها مجاال إلعمال التحكم واالستبداد(‪ .)1‬إذ كلما قيد القانون اإلدارة في‬
‫استخدام سلطاتها كلما أمن األفراد تعسفها‪ ،‬ألن تعنتها غير مأمون الجانب‪ .‬وكلما أفسح لها في الحرية‪ ،‬كلما‬
‫انفسح الباب للتعسف واالنحراف(‪.)2‬‬
‫وبالتالي فإن السلطة المقيدة أو المحددة‪ ،‬يتجسم فيها أكبر ضمان لحرية األفراد وحمايتهم من تعسف‬
‫اإلدارة‪ ،‬مما يمكن حدوثه عند ممارسة السلطة التقديرية‪ .‬إذ يكفي أن يثبت الفرد هنا الشروط المادية التي‬
‫يتطلبها القانون حتى يتحتم على اإلدارة أن تستجيب لطلباته‪ .‬فإذا هي عزفت عن الطريق السوي في أمر من‬
‫األمور‪ ،‬فما أسهل أن يردها القضاء إلى جادة الصواب دون أن يكون لها من حريتها درع تستر خلفه‬
‫تعسفها(‪ .)3‬لهذ ا نرى القوانين الحديثة توسع شيئا فشيئا من نطاق السلطات المقيدة حتى ترد اإلدارة إلى طريق‬
‫الصواب في بعض االختصاصات التي أكثرت من التعسف فيها واالنحراف بها عن الطريق السوي(‪.)4‬‬
‫لكن مهما كانت حاجة األفراد إلى وضع قيود على حرية اإلدارة في التصرف‪ ،‬فإن اإلسراف في التقييد‬
‫يترتب عليه أوخم العواقب‪ ،‬ألنه يؤدي إلى شل حركة اإلدارة والى كبت نشاطها واعدام روح االبتكار فيها‪،‬‬
‫ويبت اآللية البغيضة في أنحائها‪ .‬فالسلطة التقديرية إذن الزمة لحسن سير اإلدارة لزوم السلطة المقيدة‬
‫لحماية حقوق األفراد وحرياتهـم(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬نتائج التفرقة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة‬
‫يترتب على عملية التفرقة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة العديد من النتائج القانونية المهمة على‬
‫الصعيدين اإلداري والقضائي‪ .‬وهي تتجلى في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أ‪ -‬من حيث الميعاد المقرر لسحب القرار الغير مشروع‬

‫‪ -1‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على اإلدارة يف ظل الظروف اإلستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -2‬حسني فرجية‪ ،‬السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪ ،2336 ،‬ص ‪238‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -4‬هلذا جند بأن املشرع يف األمر رقم ‪ 100/99‬املتضمن القانون األساسي للوظيفة العامة قد حدد العقوبات التأديبية وترك جلهة اإلدارة احلرية يف تقدير‬
‫األخطاء التأديبية وتعسفها‪ .‬لكنه عدل عن ذلك يف ظل األمر ‪ 30/39‬املتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ .‬فحاول تعريف األخطاء التأديبية‬
‫وحددها حتديدا غري حصري يف املواد من ‪ 122‬اىل ‪ 189‬من هذا األمر ‪.‬‬
‫‪ -5‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪00‬‬
‫‪ -6‬يعود التأصيل الفقهي والقانوين حلق اإلدارة يف سحب قراراهتا غري املشروعة إىل كون املشرفني على تدبري أمور اإلدارة واملمارسني لسلطة التسيري فيها هم‬
‫بشر‪ .‬وهؤالء البشر قد خيطئون يف تقدير الواقعة وقد خيطئون حت يف تطبيق القانون‪ .‬ومن هنا وجب أن نعرتف لإلدارة حبقها يف سحب قرارها غري املشروع‬
‫وتصحيح الوضعية وإرجاع احلالة إىل ما كانت عليه قبل اإلصدار‪ –.‬انظر‪ - :‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ، 2332 ،‬ص ‪. 206‬‬
‫إذا كانت سلطة السحب بالنسبة لإلدارة يفرضها مبدأ المشروعية‪ ،‬فإن هذه السلطة ذات اآلثار الخطيرة‬
‫على مراكز األفراد المعنيين بالقرار‪ ،‬ينبغي أن تمارس خالل مدة زمنية معينة‪ ،‬إن تجاوزتها اكتسب القرار‬
‫اإلداري حصانة ضد السحب‪.‬‬
‫لقد استقر الرأي فقها وقضاء أن المدة القانونية المخولة لجهة اإلدارة لسحب ق ارراتها هي ذات المدة‬
‫الممنوحة للقضاء إللغاء القرار اإلداري(‪ .)1‬وبذلك ال تملك التعرض لق ارراتها غير المشروعة بعد فوات ميعاد‬
‫الطعن‪ ،‬فيعامل القرار غير المشروع معاملة الق اررات السليمة‪ .‬لهذا يبرز التساؤل عن إمكانية سحب الق اررات‬
‫غير المشروعة الصادرة استنادا لسلطة مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي‪.‬‬
‫باستقراء قضاء محكمة العدل العليا المصرية(‪ ،)2‬نجد أنها أقامت التفرقة بين الق اررات اإلدارية الصادرة‬
‫استنادا لسلطة تقديرية والق اررات الصادرة استنادا لصالحية مقيدة‪ ،‬فقد أجازت سحب الق اررات المعيبة الصادرة‬
‫استنادا لصالحية مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي‪ ،‬حتى ولو كانت منشئة لحقوق مكتسبة للغير(‪.)3‬‬
‫بالتالي فإن اختصاص اإلدارة إذا كان مقيدا‪ ،‬فإن القرار المعيب ال يكتسب أي حصانة ضد اإللغاء‪،‬‬
‫بحيث يجوز سحبه في أي وقت دون التقيد بمدة معينة‪ ،‬وعلة ذلك أن الق اررات اإلدارية التي تصدرها اإلدارة‬
‫في حدود اختصاصاتها المقيدة ال تنشأ حقا بذاتها‪ ،‬وانما تقرر حقا يستمده صاحب الشأن من القانون رأسا‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وليس القرار حينئذ إال كاشفا عن الحق مسجال له‪ ،‬ال منشأ له‪.‬‬
‫أما عن موقف القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري من هذا االتجاه الحديث لمحكمة العدل‬
‫العليا المصرية‪ .‬والمتمثل في جواز سحب الق اررات الغير المشروعة الصادرة بناءا على سلطة اإلدارة المقيدة‬
‫دون التقيد بميعاد الطعن القضائي‪ .‬فإننا لم نجد – حسب ق اررات مجلس الدولة التي استطعنا اإلطالع عليها–‬
‫أي قضية تؤكد هذا التوجه‪ ،‬حيث اقتصرت تطبيقاته على االستثناءات التقليدية الواردة على مدة السحب‪.‬‬

‫‪ -1‬تأسيس ذلك أن ما ال جيوز للقضاء ال جيوز من باب أوىل لإلدارة‪ .‬فإذا مضت املدة املقررة داخل الدولة لرفع دعوى اإللغاء‪ ،‬فإن هذه املدة كفيلة أن تغل‬
‫يد اإلدارة وتقيدها‪ .‬فال جيوز هلا بعد انقضاء املدة ممارسة السحب‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫‪ -2‬إذ جيب عند النظر لسلطة السحب مراعاة مبدأين إثنني مها‪ :‬مبدأ املشروعية ومبدأ استقرار احلقوق واملراكز القانونية‪ ،‬وأن يوازن بينهما‪ .‬وهو ما يفرض‬
‫تقييد سلطة السحب من حيث الزمن‪ .‬وهذا الزمن ينبغي أال يطول‪ .‬ذلك أن متكني اإلدارة من سحب قرارها ولو بعد سنة واحدة‪ ،‬سينجم عنه املساس‬
‫باحلقوق املكتسبة واملراكز القانونية الناجتة عن تنفيذ القرار غري املشروع‪ .‬أنظر‪ - :‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 202‬‬
‫‪ -3‬فقد قضت حمكمة العدل العليا بأنه‪ ..." :‬حيث أن اإلدارة وهي تطبق نصوصا قانونية معينة إمنا تتصرف عن إرادة مقيدة بتلك النصوص املعينة‪ ،‬وأنه إذا‬
‫ثبت فيما بعد أن عملها كان معيبا وتصرفها كان خاطئا وخمالفا للنصوص اليت يتطلبها القانون‪ .‬فلها سحب القرار دون التقيد مبيعاد‪ ،‬ألن تصرفات اإلدارة‬
‫الصادرة بناءا على السلطة مقيدة‪ ،‬تكون مشروطة بقانونية هذه التصرفات‪ ،‬وال تكون هذه التصرفات قانونية إال باحرتام اإلدارة هلذه الشروط اليت يتطلبها‬
‫القانون واختاذ القرار اإلداري واالمتناع عنه‪ .‬و ال يرد القول هنا أن هناك حقوقا مكتسبة ال جيوز املساس هبا ‪ ."..‬أنظر يف ذلك‪ - :‬علي خطار الشنطاوي‪،‬‬
‫موسوعة القضاء اإلداري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الثقافة‪ ، 4002،‬ص ‪ 00‬و ‪.08‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي يجوز سحبه في أي وقت دون االحتجاج بانقضاء المدة‪ ،‬والقرار‬ ‫والتي تمثلت في حالة القرار المنعدم‪،‬‬
‫المبني على غش أو تدليس‪ ،‬باإلضافة إلى الق اررات اإلدارية التي لم تنشر أو تعلن‪ ،‬والتي استقر القضاء‬
‫بشأنها على أن لجهة اإلدارة حق سحبها في أي وقت‪.‬‬
‫وعليه فإننا نأمل أن يساير اإلجتهاد القضائي الجزائري نظيره المصري في هذا التوجه‪ ،‬فيمنح اإلدارة‬
‫سلطة سحب ق ارراتها غير المشروعة الصادرة بناء على سلطة مقيدة دون التقيد بميعاد الطعن القضائي‪،‬‬
‫لألسباب والمبررات التي سقناها أعاله‪.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث ميعاد الطعن القضائي‬
‫يتعين على الطاعن أن يقدم دعوى تجاوز السلطة في مدة أربعة اشهر من تاريخ تبليغ الق اررات اإلداري‬
‫أو نشره‪ .‬وذلك ما كرسته المادة ‪ 821‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ " :‬يحدد أجل الطعن أمام‬
‫المحكمة اإلدارية بأربعة اشهر‪ ،‬يسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار اإلداري الفردي‪،‬أو من‬
‫تاريخ نشر القرار اإلداري الجماعي أو التنظيمي "‪.‬‬
‫تبعا لذلك فإن الدعوى ترفض شكال بفوات الميعاد ما لم يكن القرار منعدما(‪ .)2‬وأضافت محكمة العدل‬
‫العليا المصرية استثناء آ خر يتعلق بالق اررات الصادرة استنادا لصالحية مقيدة‪ ،‬بحيث ال يتقيد الطعن في هذه‬
‫الق اررات بميعاد الطعن القضائي‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع الجزائري‪ ،‬فإن الحالة الوحيدة التي تجعل آجال الطعن القضائي مفتوحة هي‬
‫الوضعية التي نصت عليها المادة ‪ 801‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ .‬حيث جاء فيها‪ " :‬ال يحتج‬

‫‪ -1‬والقرار املنعدم هو قرار والعدم سواء‪ ،‬فهو غري موجود على الساحة القانونية‪ ،‬عكس القرار الباطل املوجود والذي ينتج آثاره القانونية‪ ،‬فإذا كان عدم‬
‫االختصاص جسيما يف مصدر القرار اإلداري وهو ما يسمى باغتصاب السلطة‪ ،‬كان القرار املتخذ هبذه الصيغة منعدما‪ ،‬كحالة صدور القرار اإلداري من فرد‬
‫عادي ليست له أية عالقة بالوظيفة اإلدارية‪ ،‬أو كأن تصدر اإلدارة قرارا يدخل ضمن االختصاصات اخلالصة للسلطة التشريعية أو القضائية‪ .‬أما عدم‬
‫االختصاص البسيط والعيوب املوجودة يف األركان األخرى فإهنا تؤدي إىل البطالن‪ ،‬ما دام أهنا متت يف إطار الوظيفة اإلدارية‪ ،‬كأن متارس هيئة إدارية عمال‬
‫يدخل يف إطار اختصاصات هيئة أخرى‪ ،‬أو أن يكون االختصاص للرئيس و يزاوله املرؤوس أو العكس‪ ،‬أو قيام السلطة الوصائية بعمل يدخل يف اختصاص‬
‫اهليئة احمللية أو العكس‪ .‬و لقد أوضح األستاذ بودريوه عبد الكرمي ‪-‬يف تعليقه عن قرارين صادرين عن جملس الدولة يف هذا الصدد‪ -‬بأن جملس الدولة‬
‫اجلزائري خيلط بني مصطلحي البطالن واالنعدام يف القرارات الصادرة عنه رغم االختالف اخلطري بني آثار البطالن واالنعدام يف القرار اإلداري‪ ،‬إذ أن مسألة‬
‫انعدام القرار اإلداري من النظام العام حبيث أنه ميكن إثارهتا أمام أية درجة من درجات التقاضي‪ ،‬كما ميكن للقاضي إثارهتا من تلقاء نفسه‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫كون القرار املعدوم ال يستفيد من احلصانة بعد انقضاء املدة القانونية لرفع دعوى اإللغاء من املخاطب بالقرار أو السحب من طرف اإلدارة‪ ،‬علما أن القرار‬
‫املشوب بالبطالن يتحصن بفوات امليعاد القانوين(‪ 9‬أشهر)‪.‬أين يتم رفض الدعوى شكال‪ ،‬كما ال ميكن لإلدارة سحبه بعد فوات املدة خاصة يف حالة إنشائه‬
‫حقا‪ –.‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪ -‬بودريوة عبد الكرمي ‪ ،‬جزاء خمالفة القرارات اإلدارية لقواعد املشروعية‪ ،‬درجات البطالن يف القرارات اإلدارية‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪، 2339 ،36‬‬
‫ص ‪ .136‬وحممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬جملس الدولة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪ 139‬و ‪.132‬‬
‫‪ -2‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬عنابة‪ ،2336 ،‬ص ‪.111‬‬
‫بأجل الطعن المنصوص عليه في المادة ‪ 928‬أعاله‪ ،‬إال إذا أشير إليه في تبليغ القرار المطعون‬
‫فيه "(‪.)1‬‬
‫قررت هذه المادة عدم االحتجاج بأجل الطعن القضائي المنصوص عليه في المادة ‪ 821‬من ذات‬
‫القانون‪ ،‬عندما ال يشار إليه في مقرر تبليغ القرار اإلداري المطعون فيه‪ .‬وهذا يعني أنه في حالة عدم إلشارة‬
‫إلى آجال الطعن القضائي في سند تبليغ القرار المطعون فيه‪ ،‬تكون اآلجال مفتوحة حتى ولو حصل بالفعل‬
‫(‪)2‬‬
‫تبليغ القرار المطعون فيه‪.‬‬
‫ج‪ -‬من حيث نطاق الرقابة القضائية‬
‫يرتبط االختصاص المقيد لإلدارة بفكرة المشروعية ارتباطا وثيقا‪ ،‬وبالتالي يكون مضمون الرقابة‬
‫القضائية على عمل اإلدارة في التحقق من مدى مراعاة الشروط التي يتطلبها القانون‪ ،‬ويكون للقضاء بالتالي‬
‫(‪)3‬‬
‫أن يعطل أعمال اإلدارة غير المشروعة؛ أي المخالفة لما نص عليه القانون‪.‬‬
‫أما السلطة التقديرية فإنها ترتبط بفكرة المالءمة(‪)4‬؛ إذ أن القانون عندما يمنح اإلدارة سلطة تقديرية‪،‬‬
‫فإنه بذلك يترك لها حرية تقدير مالءمة أعمالها‪ .‬وهي في هذه الحالة ال تخضع كقاعدة عامة لرقابة القضاء‬
‫(‪)5‬‬
‫إال في حدود ضيقة‪ ،‬على أساس أن القاضي اإلداري هو قاضي مشروعية وليس قاض مالءمة‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن سلطة القاضي في مراقبة أعمال اإلدارة االنفرادية تختلف في مجال تمتعت فيه اإلدارة‬
‫بسلطة تقديرية معترف بها بموجب نص عنه عما إذا كانت سلطتها مقيدة‪ .‬فإذا كان من اليسير على رافع‬
‫الدعوى اإلدارية أن يثبت تعسف جهة اإلدارة وخرقها للقانون في حالة ما إذا كانت إرادتها مقيدة‪ ،‬فاألمر ال‬
‫يكون كذلك في حالة تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬علي خطار الشنطاوي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 81‬‬


‫‪ -2‬يرى األستاذ "غناي رمضان" بأن هلذا املوقف نتائج جد مهمة‪ .‬فهو من جهة حيمي حقوق املتقاضني من خالل االلتزام بتحديد آجال الطعن القضائي‬
‫يف سندات تبلي القرارات اإلدارية‪ .‬وهذا حتت طائلة عدم االحتجاج هبا‪ .‬ومن جهة أخرى هو موقف يلزم القضاء اإلداري بالتخلي عن األخذ بقرينة العلم‬
‫اليقيين‪ .‬فاألخذ هبذه القرينة كان وال يزال ي عترب سببا لرفض القاضي اإلداري الطعون باإللغاء إلتياهنا خارج املواعيد‪ ،‬كلما تبني أن الطاعن كان على علم‬
‫بالقرار املطعون فيه‪ .‬وأن الطعن القضائي حصل بعد فوات اآلجال املقررة له حمتسبة من تاريخ حصول العلم ولو قبل تبلي القرار اإلداري املطعون فيه‪ .‬انظر‬
‫يف ذلك‪ - :‬غناي رمضان‪ ،‬قراءة أولية لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬جملة حمس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ،31‬سنة ‪ .2331‬و ملزيد من التفاصيل حول نظرية‬
‫العلم اليقيين انظر‪ - :‬غناي رمضان‪ ،‬عن موقف جملس الدولة من نظرية العلم اليقيين‪ ،‬تعليق على القرار ‪ ،193632‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد الثاين‪،‬‬
‫‪ ،2332‬ص ‪ 121‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -3‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية اإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112 ،‬ص ‪.198‬‬
‫‪ -4‬مزياين فريدة‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري‪ ،‬مداخلة للمشاركة يف امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف‬
‫املنازعة اإلدارية‪ ،‬قاملة‪ ، 2311 ،‬ص ‪. 38‬‬
‫‪ -5‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ -6‬ياسني قوتال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫لنا لالستدالل على درجة صعوبة رقابة القاضي اإلداري ألعمال تمتعت فيها اإلدارة بقدر من الحرية‬
‫في التصرف وأعمال قيدت فيها إرادتها‪ ،‬أن نضرب المثال التالي(‪ :)1‬إذا بادر شخص إلى رفع دعوى ضد‬
‫رئيس المجلس الشعبي البلدي لرفضه منحه رخصة بناء‪ ،‬فالقاضي يراقب تصرف اإلدارة من خالل تطبيقها‬
‫لنصوص القانون بشأن منح رخص البناء‪ .‬فإذا تأكدت جهة القضاء اإلداري أن رئيس المجلس الشعبي البلدي‬
‫تعسف في إصدار قرار الرفض‪ ،‬وليس له مقتضى من التشريع أو التنظيم أو صدر مخالفا لهما‪ ،‬تعين حينئذ‬
‫التصريح قضاء بإلغاء القرار اإلداري الصادر عن رئيس المجلس الشعبي البلدي‪ .‬بينما إذا رفع شخص دعوى‬
‫ضد جهة إدارية موضوعها المطالبة بدرجة وظيفية أعلى بعنوان الترقية‪ ،‬وكان القانون أو التنظيم قد بنى‬
‫أساس الترقية على معيار الكفاءة‪ ،‬وحصل رافع الدعوى على تنقيط "متوسط أو ضعيف"‪ ،‬فمن الصعب في‬
‫دعوى الحال أن يثبت ارفع الدعوى تعسف جهة اإلدارة‪ .‬ومن الصعب أن يقتنع القضاء اإلداري بموضوعها‬
‫اعتبا ار من أن اإلدارة في هذا المجال تتمتع بسلطة تقديرية ‪.‬‬
‫بالرجوع إلى القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري‪ ،‬نجده قد مارس رقابته على االختصاص‬
‫المقيد لإلدارة بشكل واضح في المجال التأديبي(‪ .)2‬إذ حماية للموظف المسؤول تأديبيا‪ ،‬ألزم المشرع جهة‬
‫اإلدارة بتوفير جملة من الضمانات‪ ،‬منها حق الموظف في اإلطالع على الملف التأديبي‪ .‬فإن أصدرت‬
‫اإلدارة ق ار ار تأديبيا دون مراعاة هذه الضمانة ودون إتباع هذا اإلجراء عد قرارها معيبا‪ .‬ففي قرار لها صدر‬
‫بتاريخ ‪ ،1113/39/21‬ملف رقم ‪( ،632-26‬ف ب) ضد وزير العدل(‪ ،)3‬ذهبت الغرفة اإلدارية بالمحكمة‬
‫العليا إلى‪:‬‬
‫" من المقرر قانونا أنه يحق لكل موظف الذي يحال على لجنة الموظفين التي تجتمع في مجلس تأديبي‬
‫أن يطلع على ملفه التأديبي فور الشروع في إجراءات القضية التأديبية‪ ،‬ويمكن أن يقدم أي توضيح كتابي‬
‫أو شفوي‪ ،‬كما أن يعين بأي مدافع يختاره للدفاع عنه‪.‬‬
‫ومن ثم فإن قرار فصل الطاعنة المتخذ دون احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية‪ ،‬يعد مشوبا بعيب‬
‫تجاوز السلطة "‪.‬‬
‫من خالل هذا القرار يتضح لنا أن القاضي اإلداري تمكن من مراقبة أعمال اإلدارة في صورة ما إذا‬
‫كانت إرادتها مقيدة بإلزام القانون لها بإتباع إجراءات أو مراعاة ضمانات‪ .‬فإن حادت عليها نطق القاضي‬
‫اإلداري بإبطال القرار اإلداري الصادر عنها ‪.‬‬
‫ذات األمر ينطبق على إجراءات منح رخص البناء‪ ،‬إذ أن هذه األخيرة تدخل ضمن االختصاص‬
‫المقيد لرئيس المجلس الشعبي البلدي‪ ،‬وبالتالي يسهل على القضاء الفاصل في المادة اإلدارية بسط رقابته‬
‫عليها‪ .‬وهو األمر الذي قضى به مجلس الدولة في قرار له بتاريخ ‪ ،2338/39/03‬تحت رقم ‪،)4(308289‬‬

‫‪ -1‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دراسة تشريعية قضائية فقهية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر و لتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ -2‬ياسني قوتال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪ -3‬انظر‪ :‬اجمللة القضائية الصادرة عن قسم املستندات باحملكمة العليا‪ ،‬العدد الثالث‪ ،1112 ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ ،)1(308289‬ومما جاء فيه‪ " :‬إن إجراء تسليم رخصة البناء يخضع لكيفيات منح وثائق التعمير والتهيئة‪،‬‬
‫وبالتالي الحصول على رخصة البناء مقابل تنازل المستفيد عن الدين الداخل في ذمة البلدية لصالحه يعد‬
‫تصرفا مخالفا للقانون‪ ،‬ويترتب عليه بطالن الرخصة "‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن اإلدارة إذا كانت حرة في ظل االختصاص التقديري في وضع الشروط التي‬
‫تمارس في نطاقها أعمالها‪ .‬غير أنها وبعد تحديدها بكل حرية لهذه الشروط تكون ملزمة باالمتثال للقواعد‬
‫التي وضعتها مسبقا؛ أي أن سلطتها في هذه الحالة تصبح مقيدة بالشروط التي فرضتها بمقتضى سلطتها‬
‫التقديرية‪ .‬وهو األمر الذي قررته الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا في قرار لها بتاريخ‪ 1112/2/23 :‬في‬
‫قضية بين (س) ضد وزير العدل(‪ ،)2‬ومما جاء في القرار‪ " :‬حيث أن وزير العدل في قضية الحال أعلن عن‬
‫طريق الصحافة عن تنظيم مسابقة وطنية لاللتحاق بسلك الموثقين‪ ،‬وأن قرار فتح المسابقة الذي حدد‬
‫الشروط الواجب توافرها في المرشحين الجدد ينص على أن كل ملف ناقص أو غير مطابق للشروط‬
‫المذكورة أعاله ال يلتفت إليه‪.‬‬
‫وأن ملف (س) قد قبل بدون تحفظ‪ ،‬وأن هذا األخير وبعدما أدى االمتحان الكتابي والشفوي قوبل‬
‫برفض منحه شهادته ‪ ....‬واإلدارة بالشروط التي وضعتها حددت نطاق اختصاصاتها وحدود سلوكها‪،‬‬
‫وبالتالي فهي ملزمة باالمتثال له "‪.‬‬
‫على الرغم من كل هذه الفروقات بين السلطتين التقديرية والمقيدة‪ ،‬وكذا اآلثار المترتبة على هذا‬
‫التمييز والتفرقة‪ .‬إال أن الواقع هو أ ن االختالف بين السلطتين إنما هو اختالف في الدرجة وليس اختالفا في‬
‫الطبيعة أو الجوهر‪ ،‬أي أن االختالف والتعارض بينهما نسبي(‪ .)3‬بل إنه يمكن القول بأن االختصاص المقيد‬
‫بالكامل هو أمر في غاية الندرة‪ ،‬وأن األصل هو السماح لإلدارة بقدر من حرية التقدير يختلف ضيقا واتساعا‬
‫بحسب الظروف واالعتبارات التي يقدرها القانون‪ .‬بينما االختصاص المقيد هو االستثناء(‪.)4‬‬
‫لذلك فإن كل عمل إداري يحتوي على قدر من السلطة التقديرية والسلطة المقيدة معا(‪ .)5‬وقد تصل‬
‫السلطة التقديرية أحيانا في إطالقها إلى حد بعيد وقد تتضاءل أحيانا أخرى لحد شديد‪ ،‬بحيث تطغى عليها‬

‫‪ -1‬قرار صادر عن الغرفة الثالثة جمللس الدولة‪ ،‬منشور مبجلة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪. 2331 ، 31‬‬
‫‪ -2‬فريدة أبركان( ترمجة عبد العزيز أمقران )‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ، 2332 ،1‬ص ‪. 08‬‬
‫‪ -3‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪ .613‬وحممد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬القرار‬
‫اإلداري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2333،‬ص ‪. 131‬‬
‫‪ -4‬حسني فرجية‪ ،‬السلطة التقديرية واجتهاد القاضي اإلداري‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪ ،2336 ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪ -5‬وتذهب املدرسة النمساوية اليت تنتسب للفقيه ‪ ،Kelsen‬إىل أنه ليس ةمة جمال منفصل لكل من السلطتني التقديرينة واملقيندة‪ .‬بنل توجند السنلطتان معنا‬
‫يف كننل عمننل أداري‪ .‬وأن التمييننز بننني التقنندير والتقيينند يف سننلطات اإلدارة مسننألة نسننبية‪ .‬والفننارق بينهمننا فننارق يف الكننم ‪ Quantitative‬ال يف الكيفيننة‬
‫‪ . Qualititative‬أشار إليه‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫فكرة االختصاص المقيد‪ .‬ولكن يتعذر القول بوجود عمل يحتوي على سلطة تقديرية مطلقة أو سلطة مقيدة‬
‫خالصة(‪.)1‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن األعمال التقديرية‬
‫البد من التفرقة في هذا المجال بين ماكان يسمى باألعمال التقديرية‪Les actes discrétionnaire‬‬
‫وبين ما يسمى اليوم "بالسلطة التقديرية"‪ .‬ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي قبل أن يطبق نظرية السلطة التقديرية‬
‫أخذ في أول األمر بفكرة األعمال التقديرية التي سبقتها فكرة أخرى وهي ما يعرف "بأعمال اإلدارة البحتة" أو‬
‫ق اررات اإلدارة البحتة‪)2("les actes de pure administration" .‬بحيث تم إفراد طائفة من الق اررات‬
‫اإلدارية التي تستقل اإلدارة بتقدير أهميتها بميزة خاصة هي العصمة من كل رقابة قضائية‪ .‬وقد كانت تعد‬
‫في الواقع عنوانا وتجسيدا للسلطة الواسعة والمطلقة التي كانت تتمتع بها اإلدارة آنذاك(‪.)3‬‬
‫وقد زاد من حرية اإلدارة واستقاللها‪ ،‬أن كافة الق اررات التي كانت تصدر عنها في تلك الفترة كانت‬
‫تعتبر من قبيل ق اررات اإلدارة البحتة(‪ .)4‬إال ما كان منها ماسا بحق شخصي أو حق مكتسب؛ إذ كان يجوز‬
‫لصاحب المصلحة في هذه الحالة الطعن باإللغاء أمام القضاء اإلداري‪ .‬بل وقد تم تجاوز هذا القيد في حالة‬
‫ما إذا كان القرار متعلقا بمصلحة عامة تهدف اإلدارة إلى تحقيقها أو حمايتها؛ أي أن الق اررات اإلدارية التي‬
‫تهدف اإلدارة من ورائها إلى تحقيق مصلحة عامة‪ ،‬كانت تعد من قبيل ق اررات اإلدارة البحتة‪ .‬وبالتالي ال‬
‫يجوز الطعن فيها قضائيا بأي شكل من األشكال‪ ،‬وان كانت تمس حقوقا شخصية أو مكتسبة(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.218 ، 2330 ،‬‬
‫‪ -2‬يذكر الفقه ثالثة مراحل مرت هبا السلطة التقديرية لإلدارة وهي بإجياز‪ - :‬مرحلة قرارات اإلدارة البحتة‪ :‬و كانت سلطة اإلدارة خالهلا غاية يف االتساع‬
‫بل وشبه مطلقة‪ .‬حيث مل تكن قراراهتا خاضعة للرقابة القضائية إال إذا انتهكت حقا شخصيا أو مكتسبا لصاحب الشأن‪ -.‬مرحلة القرارات التقديرية‪ :‬وفيها‬
‫بدأ التقدير اإلداري يف التقلص تدرجييا‪ ،‬حيث مد جملس الدولة رقابته على عنصري الشكل واالختصاص يف القرار اإلداري‪- .‬ج‪ -‬مرحلة السلطة التقديرية‪:‬‬
‫وفيها بسط القضاء اإلداري رقابته على عناصر السبب والغاية واحملل يف القرار اإلداري‪ ،‬وهبذا وضعت مالمح السلطة التقديرية لإلدارة يف صورهتا احلالية‪،‬‬
‫وأصبحت بذلك مجيع القرارات اإلدارية قابلة للطعن فيها باإللغاء استنادا إىل أي عيب من عيوب املشروعية دون اشرتاط مساسها حبق مكتسب مضار‪.‬‬
‫انظر يف ذلك‪ - :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،2331 ،‬ص‬
‫‪.283‬‬
‫‪ -3‬نبيل إمساعيل‪ ،‬سلطة القاضي التقديرية يف املواد املدينة والتجارية‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2332 ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪ -4‬لقد ابتدع جملس الدولة الفرنسي أعمال اإلدارة البحتة حلرصه على عدم إساءة الظن به‪ ،‬ومن مث استمراره و بقائه خوفا من خطر إلغائه من قبل السلطة‬
‫التنفيذية‪ .‬وذلك ما أعطى لإلدارة إمكانية االستقالل باختاذ كثري من القرارات بعيدا عن رقابة القضاء‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر ‪:‬‬
‫‪-(A)Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général‬‬
‫‪de droit de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999.p 225 et suivantes.‬‬

‫‪ -5‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪1912،‬ه‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫هكذا ظلت اإلدارة في الربع األول من القرن ‪ 11‬تتمتع بحرية واسعة بل ومطلقة في كثير من األحيان‬
‫في تقدير مالءمة أعمالها دون معقب أو رقيب عليها)‪ .(1‬وقد ترتب على الوضع السابق أن بقيت حقوق‬
‫األفراد وحرياتهم دون حماية فعالة‪ ،‬بل وعرضة لخطر التجاوز دائما‪ .‬خاصة أنه لم يكن هناك أية التزامات‬
‫قانونية على عاتق اإلدارة اتجاه ق اررات اإلدارة البحتة‪ ،‬كما لم تكن هناك أية قيود تشريعية تحد من السلطة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الواسعة المعترف بها للهيئات اإلدارية في هذا الشأن‬
‫من هنا‪ ،‬بدأ مجلس الدولة الفرنسي يبتدع الحلول للتلطيف من تلك اآلثار‪ .‬فاتجه صوب فكرة‬
‫االختصاص وجعل منها سببا إللغاء ق اررات اإلدارة البحتة‪ .‬وذلك دون أن يتدخل في مجال اإلدارة العامة؛ أي‬
‫دون أن يتدخل بالبحث في مضمون القرار وفحواه‪ .‬إذ كان يكتفي في هذه الحالة بإلغاء القرار اإلداري كلما‬
‫تبين له أنه مخالف للقوانين واللوائح المتعلقة بموضوع االختصاص فقط(‪.)3‬‬
‫ثم أخذ مجلس الدولة يوسع من نطاق هذا العيب(عيب االختصاص) فجعله شامال أيضا لعيب الشكل‪.‬‬
‫مبر ار قضاءه في هذا الشأن بأن اإلدارة ال تكون مختصة بإصدار قرار ما إال إذا راعت قواعد الشكل‬
‫واإلجراءات المحددة قانونا لذلك‪ ،‬واال اعتبرت خارجة عن حدود هذا االختصاص(‪.)4‬‬
‫هكذا يمكن القول أن عيب الشكل ظهر مشتقا من عيب عدم االختصاص(‪ .)5‬وبظهور عيب عدم‬
‫االختصاص وعيب الشكل كسببين للطعن في القرار اإلداري‪ ،‬اختفت فكرة "أعمال اإلدارة البحتة"‪ .‬وظهرت‬
‫(‪)6‬‬
‫نظرية "األعمال التقديرية "التي ال تقبل الطعن إال لعيب في الشكل أو االختصاص‪.‬‬

‫‪ -1‬إال أن ذلك ال يعين عدم وجود رقابة إدارية على هذه األعمال‪ .‬فقد أناط مثال قانون ‪ 19/2‬أكتوبر ‪ 1213‬برئيس اجلمهورية والوزراء كل فيما خيصه‪،‬‬
‫االختصاص بالنظر يف املنازعات اليت تنشأ بني األفراد واإلدارة املركزية بسبب نشاط إداري‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة للمنازعات اليت تثور بني األفراد واإلدارات‬
‫احمللية واإلقليمية‪ ،‬حيث عهد بالنظر فيها ملدراء األقاليم وفقا للقانون ‪ 11/9‬سنة ‪ ، 1213‬مع مالحظة أن هذه الرقابة كانت حترك بتوجيه أصحاب الشأن‬
‫التماسات إىل ذات املوظف املسؤول عن التصرف أو إىل رئيسه األعلى‪ .‬وكان يطبق على هذا النظام آنذاك نظام "اإلدارة القاضية"‪ .‬ملزيد من التفاصيل‬
‫انظر‪ - :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -3‬السيد حممد إبراهيم‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مطابع جريدة السفري‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1190 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 12‬و ‪.10‬‬
‫‪ -5‬مع ذلك فإن قبول دعوى اإللغاء ضد قرارات اإلدارة البحتة على أساس خمالفتها لقواعد االختصاص والشكل‪ ،‬وإن كانت تعد خطوة هامة يف سبيل‬
‫صياغة أفضل حلقوق األفراد وحرياهتم‪ ،‬إال أن ما كان يعيب هذا االجتاه هو اشرتاط جملس الدولة لقبول الطعن يف تلك القرارات أن تكون قد مست حقا‬
‫شخصيا أو مكتسبا لصاحب الشأن‪ .‬هلذا مل يرتدد جملس الدولة‪ -‬بعد أن رست دعائمه بزوال امللكية وعودة اإلمرباطورية الثانية‪ -‬أن يتخلى عن شرط‬
‫املساس حبق مكتسب كعنصر أساسي لقبول دعوى اإللغاء‪ .‬واكتفى فقط بشرط املصلحة الشخصية املباشرة أو املصلحة البسيطة‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬رمضان‬
‫حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪ -6‬يشري "دي كال" بأن هذا التحول منا يف الفرتة ما بني ‪ 1299‬و ‪ ،1898‬عندما أعلن مفوضو الدولة أنه يف بعض احلاالت يكفي –تربيرا للطعن‬
‫باإللغاء‪ -‬قيام املصلحة البسيطة‪ .‬وهذا ما حيدث عندما توجد خمالفة لشكل أوجبه القانون محاية ملصاحل يعينها‪ .‬انظر يف ذلك‪- :‬حممد مصطفى حسن‪،‬‬
‫السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ، 1129،‬ص‪.66‬‬
‫لقد عرف الفقيه " دي كال " القرار التقديري بأنه‪ ":‬القرار الذي يتخذ بواسطة السلطة مختصة‪ ،‬وفي‬
‫الشكل المقرر بالقوانين واللوائح‪ ،‬في صدد ممارسة تقدير حر‪ ،‬سواء فيما يخص السبب أو المحل أو‬
‫الغرض‪ ،‬فهو ال يختلف إذن عن أعمال الحكومة (السيادة) إال فيما يتعلق بتسليط الرقابة على الشكل‬
‫(‪)1‬‬
‫واالختصاص‪".‬‬
‫إذا كان المشرع الفرنسي قد اعترف بهذا القضاء وسجله صراحة في المادة ‪ 31‬من قانون ‪ 20‬ماي‬
‫‪ ،1822‬إال أن مجلس الدولة لم يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬وانما بدأ يطور رقابته على الق اررات اإلدارية‪ .‬وذلك‬
‫بأن اعترف لنفسه بالحق في تجاوز الرقابة الشكلية أو الخارجية لتلك الق اررات والمتعلقة بعيبي االختصاص‬
‫والشكل‪ .‬وهي ما يصطلح عليه برقابة المشروعية الخارجية أو الشكلية‪ ،‬لتمتد رقابته إلى ما يصطلح عليه‬
‫بالمشروعية الداخلية أو الموضوعية للق اررات اإلدارية‪ .‬فتبنى أوال عيب االنحراف بالسلطة معتب ار أن كل قرار‬
‫تقديري ينبغي أن يستهدف مصدره تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬فإن انحرف عنها كان القرار باطال‪)2(.‬وبعد أن‬
‫أتم مجلس الدولة الفرنسي هذه المرحلة الهامة من تدرج التقييد‪ ،‬انتقل االجتهاد إلى درجة جديدة من الرقابة‬
‫(‪)3‬‬
‫وذلك بمد رقابته إلى عيب المحل فظهر بذلك عيب مخالفة القانون‪.‬‬
‫وقد عدل مجلس الدولة الفرنسي عن فكرة األعمال التقديرية في حكمه الشهير في قضية" ‪"grazietti‬‬
‫في ‪ 01‬مارس ‪)4(.1132‬وقد أبان العميد "هوريو" في تعليقه على هذا الحكم عن خطأ فكرة األعمال‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪ -2‬يشري بعض الفقهاء إىل أن عيب االحنراف كان خمتلطا بعيب عدم االختصاص‪ ،‬على أساس أن استهداف رجل اإلدارة لغرض معني ليس له احلق يف‬
‫استهدافه يعد جتاوزا منه حلدود اختصاصه‪ ،‬و بعبارة أخرى يصف " ‪ " laferrière‬عيب االحنراف بالسلطة يف هذه األثناء‪:‬‬
‫‪« l’illégalité qui résulte de ce que l’administrateur poursuit un but qu’il n’a pas le droit de‬‬
‫‪poursuivre par les moyens qu’il emploie ou qui lui est même complètement interdit comme‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪étant en dehors des attributions de l’administration. 69‬‬

‫‪ -3‬خمالفة القانون قد تكون مباشرة‪ ،‬حينما خيالف القرار النصوص اليت تضع الشروط واحلدود للعمل اإلداري‪ .‬وتكون غري مباشرة عند غياب النص املخول‬
‫للسلطة‪ .‬وقد باشر جملس الدولة الفرنسي ابتداء من سنة ‪ 1139‬حبث عيب خمالفة القانون استقالال عن أي حق مكتسب‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى‬
‫حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -4‬يتعلق هذا احلكم بإلغاء قرار أصدرته احلكومة الفرنسية ( رئيس الدولة ) حبل أحد اجملالس البلدية استنادا إىل القانون الصادر يف ‪ .1889‬وكانت هذه‬
‫القرارات تعد من قبيل األعمال التقديرية اليت ال ختضع للرقابة القضائية‪ .‬ويف هذا احلكم عدل جملس الدولة الفرنسي عن موقفه السابق وقضى بإلغاء مرسوم‬
‫احلل‪ ،‬واكتفى اجمللس بقبول الطعن بعيب االحنراف بالسلطة يف هذا املرسوم مبجرد توافر شرط املصلحة الشخصية املباشرة للطاعن‪ .‬وقد حتقق ذلك بانتماء‬
‫الطاعن إىل عضوية اجمللس الشعيب البلدي الذي مسه مرسوم احلل‪ .‬وذات احلل تبناه جملس الدولة أيضا بالنسبة لعيب خمالفة القانون‪ ،‬إذ اكتفى لقبول الطعن‬
‫بشرط املصلحة املضارة دون ضرورة وجود حق مكتسب مسه القرار املطعون فيه‪ .‬انظر‪ - :‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء‬
‫عليها‪،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330،‬ص ‪. 10‬‬
‫التقديرية‪ ،‬وأن ما يوجد هو ما يسمى بالسلطة التقديرية‪ ،‬وان اختلف مداها بالنسبة لإلدارة من قرار إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫آخر‪.‬‬
‫يتضح مما سبق طرحه أن فكرة السلطة التقديرية تختلف عما كان يسمى باألعمال التقديرية من حيث‬
‫نطاق الرقابة القضائية‪ .‬فإذا كانت األعمال التقديرية كما سبق وأن أشرنا أعاله ال تقبل الطعن باإللغاء إال‬
‫لوجود عيب في االختصاص أو في الشكل(‪ ،)2‬فإن الق اررات اإلدارية الصادرة بناء على سلطة تقديرية تقبل‬
‫الطعن باإللغاء أيا كان وجه عدم المشروعية في القرار اإلداري‪ ،‬أي سواء تعلق األمر بعيوب المشروعية‬
‫الخارجية ( الشكل و االختصاص)‪ ،‬أو بعيوب المشروعية الداخلية ( المحل والسبب والغاية )(‪.)3‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن السلطة التقديرية ال تمارس في هامش القانون أو النظام القانوني في مجمله كما كانت‬
‫تمارس طائفة األعمال التقديرية‪ .‬فالسلطة التقديرية ليست إال وسيلة اعترف القانون بوجودها‪ ،‬كما أنها ليست‬
‫(‪)4‬‬
‫إال تنفيذا للقانون بما يتفق مع ظروف الحال والواقع‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن أعمال السيادة والحكومة‬

‫تعد نظرية " أعمال السيادة والحكومة " من صنع القضاء اإلداري الفرنسي(‪ .)5‬فقد كان مجلس الدولة‬
‫الفرنسي في خطر بعد سقوط "نابليون بونابرت" واعادة الملكية في فرنسا(‪ ،)6‬إذ سعت الحكومة الملكية إلى‬
‫الحد من سلطات المجلس بكل الوسائل باعتباره من مخلفات نابليون(‪.)7‬‬

‫‪ -1‬توفيق شحاتة‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية‪ ، 1166 ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -2‬جتدر اإلشارة إىل أنه مل تعد توجد يف فرنسا اليوم أعمال تقديرية أو أعمال إدارية خالصة‪ ،‬أي مل تعد توجد أعمال إدارية غري قابلة لإللغاء ‪ ،‬ويف ذلك‬
‫يقول "‪" Duguit‬‬
‫‪« Qu’aujourd’hui, en France, il n’ya plus d’actes discrétionnaires ou de pure administration,‬‬
‫‪c'est-à-dire d’actes pour lesquels l’intéressé ne serait pas recevable à demander l’annulation‬‬
‫‪au conseil d’Etat. » voir : http//www.ao-academy.org.‬‬
‫‪ -3‬وذلك ما ستناوله بالتفصيل يف موضعه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- http//www.ao-academy.org.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général de droit‬‬
‫‪de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999,p 244.‬‬
‫‪ -6‬إن الباحث يف القانون الفرنسي ال جيد أثرا هلذا النوع من األعمال يف ظل الثورة الفرنسية واإلمرباطورية األوىل‪ ،‬ولعل مرجع ذلك أن فكرة أعمال السيادة‬
‫بوضعها احلاضر مل يكن هلا أية فائدة‪ .‬فالقاعدة السائدة يف ذلك الوقت هي عدم مسؤولية اإلدارة عن أعماهلا‪ .‬كما أن قاعدة الفصل بني السلطات حسب‬
‫التفسري الفرنسي هلا كانت متنع القاضي العادي من النظر يف كل ما يتعلق باإلدارة‪ ،‬وتوكل األمر يف ذلك كله إىل اإلدارة العاملة نفسها لتتصرف فيه برأيها‪.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل أنظر‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ، 1129 ،‬ص ‪. 109‬‬
‫‪ -7‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 101‬‬
‫أمام ذلك‪ ،‬رأى المجلس أال يصطدم بالعهد الجديد(‪ ،)1‬فحرص على مجاملته قضائيا باستبعاد األعمال‬
‫التي تثير حفيظته السياسية من الخضوع للرقابة القضائية(‪ .)2‬واستسلم بذلك التجاه الحكم الملكي وسلم‬
‫بنظريته في أعمال الحكومة‪ .‬فوجدت الحكومة فيها تبري ار لمنع القضاء من رقابة بعض أعمالها‪ ،‬كما اعتبرها‬
‫(‪)3‬‬
‫مجلس الدولة بمثابة فدية بسيطة مقابل عدم إقدام السلطة الجديدة على إلغائه‪.‬‬

‫يبدو أن نشأة هذه النظرية تعود للظروف التي أحاطت بمجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬وما ط أر على مركزه‬
‫القانوني من تطور‪ ،‬استوجب منه أن يلتزم سياسة قضائية تجنبه قدر اإلمكان االصطدام بالحكومة(‪ .)4‬وحتى‬
‫بعد أن أصبح قضاء مجلس الدولة مفوضا‪ ،‬فإنه لم يتخلى عن نظرية أعمال السيادة‪ .‬فهو ال يتعرض‬
‫للتصرفات التي تتعلق بكيان الدولة الداخلي والخارجي‪ ،‬ولهذا فقد حدث رد فعل مضاد لهذه النظرية‪ ،‬وأخذ‬
‫(‪)5‬‬
‫الفقهاء يهاجمونها ويحاولون الحد منها على قدر اإلمكان‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف أعمال السيادة والحكومة‬

‫لقد أعطيت عدة تعريفات لهذه النظرية‪ ،‬وبالتالي سنعطي لمحة عن البعض منها فيما يلي ذكره ‪:‬‬

‫‪ -1‬بدأت فكرة عمل السيادة يف الظهور ألول مرة يف ظل ملكية يوليو‪ .‬إذ كان أول حكم طبق هذه الفكرة هو قرار جملس الدولة الصادر يف أول ماي‬
‫‪ 1822‬يف قضية " ‪ – " Laffitte‬انظر‪ :‬حممد تقية‪ ،‬مبدأ املشروعية ورقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين‬
‫لألشغال الرتبوية ‪ ،1112،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ -2‬عدنان عمرو‪ ،‬مبدأ املشروعية‪ -‬دراسة مقارنة‪،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -3‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338 ،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القانون اإلداري ‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1183 ،‬ص ‪. 232‬‬
‫‪ -5‬من الفقهاء من أراد القضاء كلية على "أعمال السيادة" واالستغناء عنها وتعويضها بأفكار أخرى أكثر قبوال واتفاقا مع مقتضيات العدالة واملساواة أمام‬
‫التكاليف العامة‪ .‬ومن قبيل ذلك ما ذهب إليه البعض ( مثل ميشو ) من االستغناء عن هذه النظرية اليت تؤدي إىل تقرير عدم االختصاص بالدعوى أو عدم‬
‫قبوهلا دون التعرض للموضوع باملرة‪ .‬ويرى االستعاضة عنها بفكرة سلطة اإلدارة التقديرية اليت تعطي اإلدارة مبقتضاها سلطة واسعة يف تقدير هذه األعمال‬
‫اليت تسمى اآلن بأعمال السيادة‪ .‬وهذه السلطة تؤدي إىل رفض دعوى املسؤولية موضوعيا على أسوء الفروض‪ ،‬ال احلكم بعدم االختصاص الذي يشعر‬
‫املدعي بقصور يف حتقيق العدالة ونكول عن القضاء‪ – .‬انظر يف ذلك ‪ :‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪،‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ، 1192‬ص‪.192‬‬
‫ويبدو أن جملس الدولة الفرنسي يتجه إىل تضييق األعمال اليت تدخل يف طائفة أعمال السيادة‪ .‬ومن األعمال اليت نزع عنها هذه الصفة جند التصرفات‬
‫املتعلقة بالغنائم البحرية ( حكمه الصادر يف ‪ – 1199/1/11‬يف قضية الشركة البلجيكية ( ‪ )R . D . P ، 1198 . 80‬وقرارات رئيس اجلمهورية‬
‫اخلاصة باستعمال حق العفو‪ – .‬انظر يف ذلك‪ :‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫فقد عرفها الدكتور ما جد راغب الحلو‪ " :‬أعمال السيادة أو أعمال الحكومة هي طائفة من أعمال‬
‫السلطة التنفيذية أخرجها القضاء اإلداري الفرنسي من واليته ألسباب يغلب عليها الطابع التاريخي "(‪.)1‬‬

‫كما عرفت على أنها‪ ":‬أعمال السيادة هي طائفة من أعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد‬
‫رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها"(‪.)2‬‬

‫أما األستاذ رشيد خلوفي"‪ ،‬فقد عرفها بأنها‪ ":‬إن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة‪ ،‬كما يسميها بعض‬
‫الفقهاء هي ق اررات إدارية تحتوي على جميع عناصر القرار اإلداري‪ ،‬لكن ال يستطيع القاضي إلغاءها"(‪.)3‬‬

‫وعرفها الدكتور مراد بدران ‪ ":‬يقصد بأعمال الحكومة أو كما يسميها البعض أعمال السيادة تلك‬
‫الطائفة من أعمال السلطة التنفيذية التي تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء‪ ،‬والتي ال القاضي اإلداري وال‬
‫(‪)4‬‬
‫القاضي العادي يعتبر نفسه مختصا بنظرها‪ ،‬و بالتالي تخرج كلية عن الرقابة القضائية "‪.‬‬

‫كما عرفت‪ ...":‬وباختصار يقصد بأعمال السيادة وأعمال الحكومة كل الق اررات التي تتخذها الحكومة‬
‫ممثلة في رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو أحد الوزراء‪ ،‬تطبيقا لتوجه سياسي معين أو اختيار‬
‫حكومي محدد‪ ،‬وكذا الشأن بالنسبة ألعمال المؤسسات السيادية األخرى كالقضاء والبرلمان والمجلس‬
‫الدستوري‪ ،‬فمتى تقررت صفة عمل السيادة‪ ،‬فليس للقاضي اإلداري إال الحكم بعدم االختصاص أيا كانت‬
‫(‪)5‬‬
‫طلبات المدعي في دعواه‪ ،‬أي سواء تعلقت باإللغاء أو التعويض"‪.‬‬

‫المالحظة التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد‪ ،‬تتمثل في أن المحاوالت الفقهية السابقة‪ ،‬بدال من أن‬
‫تقوم بإعطاء تعريف دقيق لنظرية أعمال السيادة بطريقة موضوعية‪ .‬اكتفت جميعها بذكر النتيجة المترتبة‬
‫على إعمال هذه النظرية أال وهي استحالة الرقابة القضائية‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء بشأن المعيار الواجب إعماله وتطبيقه للقول أن هذا العمل من أعمال السيادة‬
‫وبالتالي يحصن من الرقابة القضائية‪ ،‬أم أنه عمل إداري عادي يخضع لرقابة القاضي اإلداري‪ .‬وقد تمثلت‬
‫هذه المعايير في معيار الباعث السياسي‪ ،‬معيار طبيعة العمل أو موضوعه‪ ،‬و معيار استحالة الرقابة‬
‫القضائية‪.‬‬

‫‪ -1‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري ‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333 ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -2‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -3‬رشيد خلويف‪ :‬قانون املنازعات اإلدارية ‪ ،‬شروط قبول دعوى جتاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1119،‬ص‬
‫‪.91‬‬
‫‪ -4‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫‪ -5‬عبد العزيز نويري‪ ،‬املنازعة اإلدارية يف اجلزائر‪-‬تطورها و خصائصها‪،-‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد الثامن‪ ،2339 ،‬ص ‪.80‬‬
‫وقد أخذ القضاء الجزائري بمعيار الباعث السياسي في قضية ( ي ج ب) ضد وزير المالية‪ ،‬وهي‬
‫القضية المعروفة باستبدال الورقة النقدية من فئة ‪ 633‬دج(‪ ،)1‬وذلك في قرار للمجلس األعلى بتاريخ‬
‫وقد ارتكز القاضي على الحيثيات التالية للفصل في هذا الموضوع(‪ " :)3‬حيث أن الرقابة التي‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪1189/1/2‬‬
‫يباشرها القاضي اإلداري على أعمال اإلدارة ال يمكن أن تكون عامة ومطلقة ‪ ...‬حيث أن إصدار وتداول‬
‫وسحب العملة يعد إحدى الصالحيات المتعلقة بممارسة السيادة‪ ...‬حيث أن القرار المستوحى بالتالي من‬
‫باعث سياسي غير قابل للطعن فيه بأي من طرق الطعن‪ ،‬وأن القرار الحكومي المؤرخ في ‪1892/4/9‬‬
‫والقاضي بسحب األوراق المالية من فئة ‪055‬دج من التداول وكذلك قرار فاتح جوان ‪ 1892‬الصادر عن‬
‫وزير المالية المتضمن تحديد قواعد الترخيص بالتبديل خارج األجل‪ ،‬هما ق ارران سياسيان يكتسبان طابع‬
‫أعمال الحكومة‪ ،‬ومن ثمة فإنه ليس من اختصاص المجلس األعلى اإلفصاح عن مدى شرعيتها و ال‬
‫مباشرة رقابة على مدى التطبيق"‪.‬‬

‫فقد صرحت الغرفة اإلدارية بوضوح عن موقفها اتجاه مسالة تحديد أعمال السيادة ‪ ،‬بحيث استعملت‬
‫الباعث السياسي كمعيار لتحديد أعمال السيادة(‪.)4‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن مجلس الدولة الجزائري – حسب علمنا – ومنذ تأسيسه لم يسبق وأن أتيحت له‬
‫الفرصة للتعبير عن موقفه من أعمال السيادة والحكومة‪ .‬ويرى الدكتور " نصر الدين بن طيفور"‪ " :‬أن ذلك‬
‫ليس راجعا إلى رغبة هذا القضاء في بسط رقابته على كل أعمال اإلدارة وعدم تحصين أي منها‪ ،‬بقدر ما‬
‫قد يكون راجعا إلى عدم توصله بأي طعن في قرار ذي أهمية خاصة "(‪.)5‬‬

‫‪ -2‬أوجه االختالف بين نظرية السلطة التقديرية وأعمال الحكومة‬

‫‪ -1‬نصر الدين بن طيفور‪ ،‬الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق و احلريات‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ،2331 ، 31‬ص ‪.02‬‬

‫‪ -2‬اجمللس األعلى‪ ،‬الغرفة اإلدارية‪ ،‬القرار رقم ‪ 09920‬املؤرخ يف ‪ 2‬جانفي ‪ ،1189‬اجمللة القضائية للمحكمة العليا‪ ،‬العدد ‪ ،9‬لسنة ‪ ، 1181‬ص‬
‫‪.211‬‬
‫‪ -3‬تتلخص وقائع القضية يف أن السيد (ي ج ب ) تغيب خارج الرتاب الوطين من تاريخ ‪ .1182/9/8‬ويف ‪ 1182/9/10‬علم وهو خارج الوطن أن‬
‫السلطة اإلدارية اجلزائرية اختذت إجراء سحب الورقة ‪633‬دج من التداول يف الفرتة ما بني‪ 13‬و‪ .1182/9/12‬وبالتايل فإن السيد (ي ج ب) مل‬
‫يتمكن من تبديل األوراق من صنف ‪633‬دج اليت كانت حبوزته‪ .‬فرفع تظلما إداريا لوزير املالية وحمافظ البنك املركزي اجلزائري‪ ،‬وبعد رفض تظلمه توجه إىل‬
‫اجمللس األعلى يطلب بطالن القرار الذي رفض تظلمه اإلداري ‪.‬‬
‫‪ -4‬بشأن هذه القضية‪ ،‬يقول األستاذ رشيد خلويف‪ " :‬وما ميكن قوله يف هذا املوضوع هو عدم تطابق مبدأ دولة القانون الذي يفرض رقابة على احرتام مبدأ‬
‫املشروعية على كل األشخاص القانونية والطابع اللني للباعث السياسي الذي ترتكز عليه الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا " – انظر رشيد خلويف‪ ،‬قانون‬
‫املنازعات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ -5‬نصر الدين بن طيفور‪ ،‬الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق واحلريات‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ،2331 ،31‬ص ‪.20‬‬
‫إذا كانت نظرية أعمال الحكومة تتشابه مع نظرية السلطة التقديرية في كون األعمال في كلتا‬
‫النظريتين تصدر عن السلطة التنفيذية وأن كل نظرية منهما تعد نظرية قضائية‪ .‬وأن كال النظريتين تعمالن‬
‫في ميدان واحد وهو اختصاصات السلطة التنفيذية‪ .‬كما تشترك النظريتان في كون تطبيقهما جائز في أي‬
‫وقت‪ ،‬إذ ال يتوقف إعمالهما على ظرف معين شأن الظروف االستثنائية(‪ ،)1‬كما سنرى فيما بعد‪.‬‬

‫لكن بعض الفقهاء يرى بأن أعمال السيادة أو الحكومة هي ما تبقى من األعمال التقديرية(‪ .)2‬أما‬
‫السلطة التقديرية‪ ،‬فمحلها عنصر أو عناصر معينة من الق اررات اإلدارية(‪.)3‬‬

‫انطالقا من ذلك يتضح أن أعمال السيادة تفترق عن السلطة التقديرية في الجوانب اآلتية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا توافرت الشروط الشكلية في الدعوى التي يرفعها الشخص على أساس نظرية السلطة التقديرية‪ ،‬فإن‬
‫القاضي يبحث في الموضوع ليقرر اإللغاء أو عدم اإللغاء‪ .‬أما بالنسبة للدعوى المرفوعة على أساس نظرية‬
‫أعمال الحكومة فإن القاضي ال يبحث موضوعها إذا ما اعتبر أن العمل المطعون فيه ينتمي إلى أعمال‬
‫الحكومة‪ .‬ومعنى ذلك أن اإلدارة إعماال لسلطتها التقديرية تبقى خاضعة للرقابة القضائية‪ .‬وهذا على خالف‬
‫نظرية أعمال الحكومة التي تعتبر استثناء حقيقيا على مبدأ المشروعية(‪ ،)4‬بحيث ال تخضع اإلدارة في‬
‫مباشرتها إلى أي رقابة(‪ .)5‬هذا في حين تخول السلطة التقديرية لإلدارة قد ار الزما من الحرية في حدود قواعد‬
‫المشروعية فهي ال تنال من المشروعية‪ ،‬بل تتكامل معها(‪.)6‬‬

‫ب‪ -‬إن تقرير نظرية السلطة التقديرية يرجع إلى أسباب عملية يمكن التأكد من وجودها أو عدم وجودها‪.‬‬
‫وذلك بالرجوع إلى النص القانوني أو الحكم القضائي الذي يحكم المسألة‪ ،‬للتأكد فيما إذا كان األمر داخال في‬
‫نطاق السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬أما نظرية أعمال الحكومة فإنها ترجع في الغالب إلى أسباب سياسية‪ ،‬ألن‬
‫إعفاء مثل هذا التصرفات من كل رقابة قضائية تبقى تبريراته سياسية أكثر منها قانونية(‪.)7‬‬

‫‪ -1‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2330،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ -2‬لقد سبق وأن أشرنا إليها يف إطار متييزنا بني السلطة التقديرية األعمال التقديرية‪.‬‬
‫‪ -3‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪. 86‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330 ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪ " -5‬و من هنا اعتربت أعمال السيادة و احلكومة نقطة سوداء يف جبني املشروعية "‪.‬انظر سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية ‪،‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111،‬ص ‪. 10‬‬

‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬


‫‪ -7‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫ج‪ -‬إن الضمانات التي يتمتع بها األف ارد خالل ممارسة السلطة التقديرية أقوى من الضمانات التي يتمتع بها‬
‫األفراد في حالة أعمال الحكومة‪ .‬إذ يسمح لألفراد الطعن في الق اررات الصادرة بناء على سلطة تقديرية‬
‫لإلدارة‪ .‬أما بالنسبة ألعمال الحكومة فإن الضمانة الوحيدة التي يتمتع بها األفراد تتمثل في أن القاضي هو‬
‫الذي يكيف عمل اإلدارة الذي ادعته بأنه من أعمال الحكومة(‪.)1‬‬

‫د‪ -‬إن األعمال الصادرة في إطار السلطة التقديرية يجوز طلب إلغائها‪ ،‬كما يجوز طلب التعويض عنها‪.‬‬
‫فالرقابة القضائية على حدود السلطة التقديرية هي رقابة داخلية يعمق بها القاضي إلى موضوع القرار‪ .‬حيث‬
‫يبحث سببه ومحله والغاية منه محققا في ذلك الوالية الكاملة لقواعد المشروعية(‪ .)2‬أما بالنسبة ألعمال‬
‫الحكومة‪ ،‬فإنها محصنة تماما من الرقابة القضائية سواء عن طريق اإللغاء أو عن طريق التعويض‪ ،‬وأيا كان‬
‫األساس الذي تبنى عليه المسؤولية(‪.)3‬‬

‫رابعا‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن األعمال الدستورية‬


‫إلى جانب أعمال السيادة والحكومة‪ ،‬نجد أن ق اررات المجلس الدستوري(‪)4‬في الجزائر تخرج عن الرقابة‬
‫القضائية‪ .‬وهو ما نصت عليه المادة ‪ 91‬من النظام الداخلي المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري حيث‬
‫جاء فيها أن ‪ ":‬آراء المجلس الدستوري ملزمة لكافة السلطات العمومية والقضائية واإلدارية‪ ،‬وغير قابلة ألي‬
‫طعن"(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬يف ذلك تقول احملكمة العليا املصرية‪ ":‬إن العربة يف حتديد التكييف القانوين ألي عمل جتريه السلطة التنفيذية ملعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أو‬
‫عمال إداريا‪ ،‬هو ب طبيعة العمل ذاته‪ ،‬فال تتقيد احلكومة وهي بصدد إعمال رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذي خيلعه املشرع على التصرفات‬
‫احلكومية وأعماهلا‪ ،‬مت كانت طبيعتها تتناىف مع هذا الوصف و تنطوي على إهدار حق من احلقوق اليت كفلها الدستور "‪ .‬انظر‪ :‬حممد مصطفى حسن‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪ -3‬بالنسبة ملسلك القضاء اجلزائري‪ ،‬فإن الدكتور نصر الدين بن طيفور يستغرب بعض الكتابات القانونية اجلزائرية اليت تذهب إىل إطالق وصف أعمال‬
‫السيادة أو احلكومة على بعض األعمال‪ .‬مثل قرارات إعالن احلالة االستثنائية وحاليت الطوارئ أو احلصار بأهنا من األعمال السيادة‪ ،‬دون أن يكون القضاء‬
‫قد قال كلمته فيها‪ .‬إذ يقول‪ " :‬فكيف ميكن أن تسمح لنا أنفسنا إعطاء القاضي مربرا مل مينحه له املشرع ومل يفصح هو عن رأيه فيه "‪ .‬انظر‪- :‬نصر الدين‬
‫بن طيفور‪ ،‬الطبيعة القانونية جمللس الدولة وأثر ذلك على محاية احلقوق واحلريات‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ، 2331 ، 31‬ص ‪. 02‬‬
‫‪ -4‬اجمللس الدستوري هو مؤسسة دستورية صنفها املؤسس الدستوري ضمن املؤسسات الرقابية االستشارية‪ .‬حيث يضطلع دون سواه من املؤسسات‬
‫الدستورية باختصاص الرقابة على دستورية القوانني واملعاهدات والتنظيمات طبقا للمادة ‪ 196‬من الدستور‪ .‬ويتكون اجمللس الدستوري من ‪ 31‬أعضاء (‪0‬‬
‫أعضاء من بينهم رئيس اجمللس يعينهم رئيس اجلمهورية‪ ،‬وباقي األعضاء الستة تنتخبهم كل من السلطة التشريعية (عضوان يتم انتخاهبما من طرف اجمللس‬
‫الشعيب الوطين‪ ،‬و عضوان منتخبان من جملس األمة) و القضائية (عضو من احملكمة العليا وعضو من جملس الدولة)‪.‬و قد وصفه األستاذ بن سهلة بن علي‬
‫بأنه‪" :‬منط متأصل خبصوصياته"‪ .‬وأنه"أسلوب حديث يف تطبيق الرقابة الدستورية"‪.‬مقال منشور يف جملة "إدارة"‪ ،‬الصادرة عن املدرسة الوطنية لإلدارة‪،‬‬
‫‪ ،2331‬حتت عنوان اجمللس الدستوري بني الرقابتني السياسية والقضائية ودراسة مقارنة على ضوء التطور الدستوري يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -5‬إن القيمة القانونية للنظام الداخلي للمجلس الدستوري مستمدة من نص املادة ‪ 192‬فقرة ‪ 2‬من الدستور اليت تكرس حق اجمللس الدستوري يف حتديد"‬
‫قواعد عمله"‪.‬‬
‫فعن طعن في قرار أصدره المجلس الدستوري‪ ،‬تضمن رفض قبول ترشح أحد المرشحين لالنتخابات‬
‫لعدم توفره على الشروط الواردة في المادة ‪ 20‬من دستور ‪ .)2(1119‬قضى مجلس‬ ‫(‪)1‬‬
‫الرئاسية لسنة ‪1111‬‬
‫الدولة بتاريخ‪ 2331/11/12:‬بأنه‪ ":‬حيث من الثابت أن المجلس الدستوري مكلف بموجب أحكام المادة‬
‫‪ 163‬من الدستور بالسهر على صحة عمليات انتخاب رئيس الجمهورية‪ ،‬ومنها مراقبة الشروط المحددة‬
‫في المادة ‪ 33‬من الدستور وتفسيرها‪ ،‬وحيث أن القرار الصادر في هذا اإلطار يندرج ضمن األعمال‬
‫الدستورية التي ال تخضع نظ ار لطبيعتها‪ ،‬لمراقبة مجلس الدولة كما استقر عليه اجتهاده‪ ،‬مما يتعين‬
‫التصريح بعدم اختصاصه للفصل في الطعن المرفوع"(‪.)3‬‬
‫طبقا لهذا االجتهاد الحديث نوعا ما لمجلس الدولة الجزائري فإن ق اررات المجلس الدستوري تخرج عن‬
‫الرقابة القضائية شأنها في ذلك شأن أعمال السيادة‪.‬‬
‫إذا سايرنا موقف مجلس الدولة في قضية الحال فإن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري في‬
‫إطار مراقبته لصحة عمليات االنتخابات الرئاسية وفقا لنص المادة ‪ 20‬من الدستور‪ .‬فإنها تخرج عن رقابة‬
‫القاضي اإلداري العتبارها أعماال دستورية(‪ .)4‬لكن األستاذ "غناي رمضان" في تعليقه على هذا القرار‬
‫الصادر عن مجلس الدولة‪ ،‬وا ن كان يتفق مع هذا األخير في عدم قابلية ق اررات المجلس الدستوري لرقابة‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬إال أنه ال يرجع ذلك إلى كون هذه الق اررات تندرج صمن األعمال الدستورية‪ ،‬كما ذهب إليه‬
‫قرار المجلس‪ ،‬وانما في كونها على حد قوله(‪:)5‬‬
‫أوال‪ :‬من أعمال المطابقة مع أحكام الدستور التي يختص بها المجلس الدستوري دون سواه من المؤسسات‬
‫الدستورية غير قابلة للرقابة القضائية‪.‬‬

‫‪ -1‬رغم أن ذلك املرشح كان اجمللس الدستوري قد سبق وأن قبل ترشحه لالنتخابات السابقة لسنة ‪ 1116‬يف ظل دستور ‪ .1181‬أنظر يف ذلك‪ :‬نويري‬
‫عبد العزيز‪ ،‬املنازعة اإلدارية يف اجلزائر‪ -‬تطورها وخصائصها ‪،-‬م جلة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ،2339 ، 38‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -2‬تشرتط املادة ‪ 20‬من دستور ‪ -:1119‬أن يكون املرشح من جنسية جزائرية أصلية‪-‬أن يدين باإلسالم‪-‬أن يبل من العمر ‪ 93‬سنة فأكثر‪-‬أن يتمتع‬
‫بكامل حقوقه املدنية والسياسية‪-‬أن يثبت اجلنسية اجلزائرية لزوجه‪-‬أن يثبت مشاركته يف ثورة التحرير بالنسبة للمولودين قبل شهر جويلية ‪-1192‬أن يثبت‬
‫عدم تورط أبويه يف أعمال ضد ثورة التحرير بالنسبة للمولودين بعد جويلية ‪-1192‬أن يقدم التصريح العلين مبمتلكاته العقارية‪.‬وباإلضافة إىل هذه الشروط‬
‫تنص الفقرة الثانية من هذه املادة على إمكانية إضافة القانون لشروط أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬قرار صادر عن جملس الدولة حتت رقم ‪ 332821‬بتاريخ‪ ،2331-11-12:‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد األول‪ ،2332 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ -2‬يصدر اجمللس الدستوري أعماله مبناسبة ممارسته الختصاصه بالرقابة على دستورية القوانني واملعاهدات والتنظيمات يف شكل قرارات و آراء‪:‬‬
‫‪-‬قرارات الرقابة الدستورية‪ :‬يصدرها مبناسبة ممارسة الرقابة الدستورية على املعاهدات والقوانني والتنظيمات‪ .‬عندما تكون واجبة التنفيذ(املادة ‪ 196‬فقرة‬
‫‪ 31‬من الدستور)‪ ،‬أي بعد إصدارها من رئيس اجلمهورية و نشرها يف اجلريدة الرمسية‪ .‬وهذه األعمال غري قابلة لرقابة القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية‪.‬‬
‫‪-‬آراء الرقابة الدستورية‪ :‬ويتعلق األمر بالرقابة االختيارية لدستورية املعاهدات والقوانني والتنظيمات‪ ،‬عندما تكون غري واجبة التنفيذ(املادة ‪ 196‬فقرة ‪.)31‬‬
‫والرقابة الوجوبية لدستورية القوانني العضوية واألنظمة الداخلية لغرفيت الربملان (املادة ‪ 196‬فقرة ‪ 2‬و ‪ 0‬من الدستور)‪.‬‬
‫‪ -5‬غناي رمضان‪ ،‬عن قابلية خضوع أعمال اجمللس الدستوري لرقابة القاضي اإلداري‪-‬تعليق على قرار جملس الدولة الصادر بتاريخ ‪2331/11/12‬جملة‬
‫جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ،2330 ،30‬ص‪.29‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرتبطة باختصاص مراقبة صحة العمليات االنتخابية التي هي من احتكار المجلس الدستوري‪ ،‬بعد ما‬
‫كانت من نصيب المحكمة العليا في غرفتها اإلدارية‪ ،‬في ظل دستور‪ 1129‬ومن نصيب لجنة وطنية في‬
‫ظل دستور ‪.1181‬‬
‫زد على ذلك‪ ،‬فإن عدم قابلية هذه األعمال للرقابة القضائية يمكن استخراجها من مجموعة من‬
‫االعتبارات(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬أن الرقابة القضائية على هته األعمال قد تؤدي إلى ضرب مسعى المؤسس الدستوري الذي ضمانا‬
‫للنزاهة المطلوبة في العمليات االنتخابية منح اختص ـ ـ ــاص مراقبة هذه العمليات إلى المجلس الدستوري‪.‬‬
‫للصفة التي يتحلى بها‪ ،‬كونه مؤسسة دستورية مستقلة‪ ،‬يفترض أنها مؤهلة أكثر من غيرها لضمان هذه‬
‫النزاهة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذا االختيار الدستوري يحسم مسألة عدم وجوب خضوع أعمال مراقبة العمليات االنتخابية لرقابة‬
‫القاضي اإلداري‪ .‬والعكس يكون صحيحا‪ ،‬لو أن المؤسس الدستوري حول هذا االختصاص إلى أجهزة السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬أو أي سلطة مستقلة بسبب أن أعمالها تخضع لرقابة القاضي اإلداري استعماال لمختلف معايير‬
‫االختصاص القانونية والقضائية ‪.‬‬
‫‪ -0‬إن رجال القانون يرفضون فكرة إخضاع هذه الق اررات لرقابة القاضي اإلداري‪ .‬ذلك أن هذه الق اررات ال‬
‫تندرج ضمن المهام اإلدارية‪ ،‬وانما ضمن النشاطات الدستورية التي تباشرها السلطات العامة‪ .‬والتي تخرج‬
‫بفعلها هذا عن رقابة القضاء(‪ .)2‬وفي هذا الصدد اعتبر األستاذ" عبد الرزاق زوينة" أن الق اررات واآلراء‬
‫الصادرة عن المجلس الدستوري محصنة بالحجية المطلقة(‪.)3‬‬
‫هذا فيما يخص ق اررات المجلس الدستوري الصادرة عنه في إطار ممارسة اختصاص السهر على صحة‬
‫عمليات االنتخابات الرئاسية‪ .‬أما فيما يتعلق باألعمال االستشارية التي يصدرها المجلس الدستوري لرئيس‬
‫الجمهورية وفق الحاالت والمسائل المذكورة في صلب الدستور(‪ .)4‬فان هذه اآلراء وان كانت ال تنتمي إلى فئة‬
‫اآلراء الصادرة عن المجلس الدستوري في إطار ممارسة الرقابة الدستورية‪ ،‬فإنها رغم ذلك ال يمكن أن تكون‬
‫موضوع الرقابة من قبل القاضي اإلداري لسببين‪:‬‬

‫‪ -1‬املقال نفسه‪ ،‬ص‪29‬و‪.22‬‬


‫‪ -2‬حممد تقية‪ ،‬مبدأ املشروعية ورقابة القضاء على أعمال اإلدارة‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112،‬ص‪.192‬‬
‫‪ -3‬عبد الرزاق زوينة‪ ،‬الرأي االستشاري جمللس الدولة‪:‬والدة كاملة ومهمة مبتورة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪، 1‬سنة ‪،2332‬ص‪.22‬‬
‫‪ -4‬بالنسبة لألعمال االستشارية فإن اجمللس الدستوري يصدرها يف احلاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عندما يستشار من قبل رئيس اجلمهورية بشأن إعالن حاليت الطوارئ واحلصار وكذا احلالة االستثنائية طبقا للمواد ‪ 13‬فقرة ‪ 9‬واملادة ‪ 10‬فقرة ‪ 2‬من‬
‫الدستور‪.‬‬
‫‪-‬عندما يستشار من قبل رئيس اجلمهورية فيما إذا كان مشروع تعديل الدستور ال ميس املبادئ الدستورية العامة‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 129‬من الدستور‪.‬‬
‫‪-‬عندما يستشار بشأن متديد مهمة الربملان عندما يتعذر إجراء انتخابات عادية حلدوث ظروف خطرية‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 132‬من الدستور‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أنها مجرد آراء استشارية ليس بوسعها تغيير المراكز القانونية‪ .‬بمعنى أنها ال تنتج آثا ار قانونية في‬
‫مواجهة من تعنيهم‪ ،‬لكونها تفتقر إلى أهم مواصفات القرار اإلداري وفق ما استقر عليه االجتهاد القضائي‪،‬‬
‫أال و هي خاصية النفاذ(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنها أعمال الحقة لقرار رئيس الجمهورية‪ ،‬الذي بواسطته يلتمس من المجلس الدستوري إبداء رأيه حول‬
‫المسألة المعروضة عليه‪ .‬هذا القرار هو قرار سيادي يمنحه الدستور خصيصا لرئيس الجمهورية‪ ،‬الذي له‬
‫سلطة المالءمة في اتخاذه أو عدم اتخاذه‪ ،‬دون أن يكون في ذلك معرضا للرقابة القضائية‪.‬‬
‫وعليه فإ ن قرار مجلس الدولة السابق الذكر ال يمكن تعميمه على كافة أعمال المجلس الدستوري وذلك‬
‫ألن‪)2(:‬مجلس الدولة لم يرفض اختصاصه بالنسبة لجميع أعمال المجلس الدستوري‪ .‬بل رفضه فيما يخص‬
‫الق اررات الصادرة عن المجلس الدستوري في إطار اختصاص السهر على صحة العمليات االنتخابية‬
‫الرئاسية‪.‬‬
‫ضف إلى ذلك أن أعمال المجلس ال تنحصر في مجال ممارسة االختصاصات الدستورية فقط‪ ،‬بل‬
‫تصدر عنه أعمال ذات طابع إداري‪ .‬وذلك عندما يتصرف بصفته شخصا اعتباريا عاما‪ .‬يحتوي على أمانة‬
‫عامة‪ ،‬وموظفين وأعوان عموميين له ذمة مالية مستقلة‪ ،‬ويتمتع بأهلية الوجوب واألداء‪ .‬وذلك إذا ما افترضنا‬
‫أ خذ المجلس الدستوري في حكم الهيئات العمومية الوطنية التي تدخل ق ارراتها ضمن مجال اختصاص مجلس‬
‫الدولة عمال بنص المادة ‪ 31‬من القانون العضوي ‪. )3(31-18‬‬
‫تبعا لكل ما سبق طرحه‪ ،‬فإن رفض مجلس الدولة اختصاصه بدعوى أن قرار المجلس الدستوري‬
‫المعروض على رقابته هو من" األعمال الدستورية "هو رفض ال يتناسب مع ما لمجلس الدولة من اختصاص‬
‫في رقابة أعمال المؤسسات الدستورية األخرى‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لق اررات مجلس المحاسبة(‪)4‬التي تقبل‬
‫الطعن بالنقض فيها أمام مجلس الدولة بموجب نص المادة ‪ 11‬من القانون العضوي ‪.31/18‬‬
‫ونفس المالحظة يمكن إبداؤها بالنسبة للق اررات التأديبية الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء(‪ ،)5‬كما‬
‫أن مجلس المحاسبة والمجلس األعلى للقضاء يستمدان اختصاصاتهما من أحكام الدستور‪ ،‬تماما كما هو‬

‫‪ -1‬فريدة أبركان‪ ،‬مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112،‬ص‪.116‬‬
‫‪ -2‬غناي رمضان‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص‪81‬و‪.82‬‬
‫‪ -3‬القانون العضوي ‪ 31-18‬املؤرخ يف ‪ 03‬ماي ‪،1118‬املتضمن اختصاصات جملس الدولة وتنظيمه وعمله‪ .‬املعدل واملتمم بالقانون العضوي‬
‫‪ 10/11‬املؤرخ يف ‪ 29‬يونيو ‪،2311‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية عدد ‪ ،.90‬سنة‪.2311‬‬
‫‪ -4‬غناي رمضان‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ -5‬كان جملس الدولة إىل غاية جوان ‪ 2336‬مستقرا على أن قرارات اجمللس األعلى للقضاء يف تشكيلته التأديبية قابلة للطعن بالبطالن‪ .‬معتربا إياها أهنا‬
‫صادرة عن سلطة إدارية مركزية‪ .‬وذلك يف قرار له بتاريخ‪ ،1118-32-22:‬حتت رقم ‪ ،122119‬منشور يف العدد األول من جملة جملس الدولة‪ ،‬ص‬
‫‪ .80‬ويف ‪32‬جوان ‪ 2336‬صدر قرار عن الغرف اجملتمعة حتت رقم ‪ 319889‬غري هذا االجتهاد‪ ،‬وكرس مبدء جديدا مفاده أن قرارات اجمللس األعلى‬
‫للقضاء يف تشكيلته التأديبية تكتسي طابعا قضائيا‪ .‬وهبذه الصفة ال ميكن الطعن فيها بالبطالن‪ ،‬وإمنا عن طريق النقض‪.‬‬
‫الحال بالنسبة للمجلس الدستوري‪ .‬ولو كان معيار األعمال الدستورية موفقا لدخلت أعمال مجلس المحاسبة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫والمجلس األعلى للقضاء في دائرة األعمال التي تخرج عن رقابة القاضي اإلداري‬
‫من خالل ما سبق طرحه‪ ،‬يتضح أن األعمال الدستورية تفترق عن السلطة التقديرية من ناحيتين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من ناحية الحجية‪ :‬أن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري في إطار مراقبته لصحة عمليات‬
‫االنتخابات الرئاسية تكتسي حجية مطلقة(‪ ،)2‬بينما ال تكتسي الق اررات الصادرة عن اإلدارة بناء على سلطتها‬
‫التقديرية مثل هذه الحجية‪ ،‬ذلك أن هذه الق اررات كما سبق وأن أشرنا أعاله ال تندرج ضمن المهام اإلدارية‪،‬‬
‫وانما ضمن النشاطات الدستورية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من ناحية الرقابة القضائية‪ :‬أن القاضي عندما يتأكد له أنه أمام عمل من األعمال الدستورية‪ ،‬فليس له‬
‫إال أن يقضي بعدم اختصاصه أيا كانت طلبات المدعي في دعواه‪ .‬أي سواء تعلق األمر باإللغاء أو‬
‫التعويض(‪ .)3‬أما السلطة التقديرية فال ينطبق عليها مثل هذا الوصف‪ ،‬ألن القاضي الفاصل في المادة‬
‫اإلدارية يمارس عليها رقابته (‪.)4‬‬

‫خامسا ‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن الظروف االستثنائية‬

‫إذا كان على اإلدارة واجب احترام القواعد القانونية عند قيامها بوظائفها‪ ،‬فإن هذه القواعد عادة ما‬
‫تتناسب مع الظروف العادية فحسب‪ .‬فإذا طرأت ظروف استثنائية كحالة حرب أو فتنة أو كارثة أو وباء‪،‬‬
‫وجدت اإلدارة نفسها مضطرة في سبيل القيام بواجباتها – في حفظ النظام العام وتسيير المرافق العامة – إلى‬
‫مخالفة بعض هذه القواعد والخروج على مقتضى مبدأ المشروعية كما هو معروف في الظروف العادية‪ .‬وال‬
‫تثريب عليها في ذلك من حيث المبدأ‪ .‬إذ أن القاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " التي أكدتها الشريعة‬
‫اإلسالمية تعد من القواعد المنطقية التي تمليها طبيعة األمور(‪.)5‬‬

‫لمعالجة حاالت الضرورة التي يمكن أن تواجهها اإلدارة أقام مجلس الدولة الفرنسي نظرية الظروف‬
‫االستثنائية‪ .‬ونظ ار ألن غالبية فقهاء القانون اإلداري يصنفون هذه النظرية ضمن استثناءات مبدأ المشروعية‬
‫شأنها في ذلك شأن فكرة السلطة التقديرية‪ .‬فقد ارتأينا أن نحدد المقصود بهذه النظرية ومضمونها‪ ،‬ومدى‬

‫‪ -1‬مصطلح" األعمال الدستورية "يفيد معنيني لدى عموم فقهاء القانون الدستوري‪ :‬إما أن يكون العمل مطابقا ملقتضيات الدستور وإما مستمدا منه‪.‬‬
‫‪ -2‬إن عدم حتديد الدستور حلجية قرارات اجمللس الدستوري الصادرة عنه يف إطار ممارسة اختصاص مراقبة مدى صحة العمليات االنتخابية‪ ،‬يدفع الباحث‬
‫إىل استقصاء موقف املؤسس الدستوري الفرنسي من هذه النقطة‪ .‬حبكم أن اختصاصات اجمللس الدستوري اجلزائري متاثل اختصاصات اجمللس الدستوري‬
‫الفرنسي الذي تعترب قراراته يف جمال مراقبة صحة العمليات االنتخابية هنائية حبكم املادة ‪ 9‬من دستور اجلمهورية الرابعة‪.‬‬
‫‪ -3‬نويري عبد العزيز‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ -4‬وذلك ما سنعرض له بالتفصيل خالل الفصل الثاين‪.‬‬
‫‪ -5‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، 2333،‬ص ‪. 92‬‬
‫الرقابة القضائية عليها‪ .‬حتى نقف على أوجه االختالف بينها وبين السلطة التقديرية‪ ،‬منعا للخلط بين‬
‫المفهومين‪.‬‬

‫‪ -1‬نشأة نظرية الظروف االستثنائية‬

‫ي كاد يجمع فقهاء القانون اإلداري الفرنسي عل أن نظرية الظروف االستثنائية هي نظرية من خلق‬
‫مجلس الدولة الفرنسي(‪ .)1‬الذي قام بإنشائها من أجل سد العجز في القوانين‪ ،‬لكي تتمكن اإلدارة من مواجهة‬
‫الظروف الصعبة التي تمر بها البالد(‪.)2‬‬

‫فقد ال حظ مجلس الدولة الفرنسي أن النصوص القانونية التي وضعها المشرع ال يمكن تطبيقها إال من‬
‫خالل إتباع شروط واجراءات معينة‪ .‬وأن تلك الشروط واإلجراءات قد تستغرق مدة زمنية في بعض الحاالت؛‬
‫إذ أن ذلك سيحول دون التصرف السريع الذي تقتضيه مواجهة الظروف الصعبة‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن تلك‬
‫القوانين مهما كانت دقيقة‪ ،‬فإنه ليس بإمكانها أن تلم بكل الظروف االستثنائية التي تمر بها الدولة؛ لذلك‬
‫اعتبر القاضي اإلداري أن اإلجراءات االستثنائية التي قامت بها اإلدارة خالل تلك الظروف تعد مشروعة‬
‫حتى ولو خالفت القواعد القائمة‪ .‬ومن هنا نشأت نظرية الظروف االستثنائية(‪.)3‬‬

‫وقد أكد األستاذ " ‪" Delaubadère‬على هذه الخاصية؛ إذ اعتبر أن نظرية الظروف االستثنائية هي‬
‫نظرية قضائية أنشأها مجلس الدولة الفرنسي لمواجهة الظروف الخطيرة التي مرت بها فرنسا خالل الحرب‬
‫العالمية األولى(‪ .)4‬ومقتضى هذه النظرية اعتبار إجراءات البوليس اإلداري غير المشروعة ‪-‬نظ ار لمخافتها‬
‫للقوانين‪ -‬بمثابة إجراءات مشروعة بسبب الظروف التي تمر بها الدولة‪ .‬وذلك من أجل حماية النظام العام‬
‫وضمان استم اررية خدمات المرفق العام خالل تلك الظروف(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬لكن الدكتور سامي مجال الدين يذهب إىل أن نظرية الظروف االستثنائية أو كما يسميها " نظرية الضرورة"‪ ،‬بدأت يف الظهور يف القانون العام يف الفقه‬
‫األملاين أوال‪ ،‬مث تبعهم يف ذلك الفقه الفرنسي‪ .‬أنظر‪:‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف ‪،‬اإلسكندرية‪،2330،‬‬
‫ص ‪.118‬‬
‫‪ -2‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،2338 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Charles Debbach, droit administratif, 6éme édition, Economica, Paris, 2003, p 384.‬‬
‫‪ -4‬لذلك كانت النظرية تطبق من قبل القاضي الفرنسي حتت ما عرف باسم " سلطات احلرب "‪ .‬لتتبلور وتصبح فيما بعد نظرية الظروف االستثنائية‪ .‬ذلك‬
‫أن جملس الدولة الفرنسي مل يقف بالنظرية عند ظرف احلرب‪ ،‬بل سحب نظرية الظروف االستثنائية إىل فرتة الشدة اليت أعقبت احلربني العامليتني‪ .‬وطبقها‬
‫أيضا يف األوقات الصعبة اليت يتعرض هلا اجملتمع يف فرتة السلم ‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬ناصر لباد‪ ،‬الوجيز يف القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار اجملدد‪ ،‬ص‬
‫‪. 121‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Delaubadère, Yves gaudement, traité de droit administratif, tome 1, Libraire général de droit‬‬
‫‪de jurisprudence, 16 Emme édition, Paris,1999,p 276.‬‬
‫‪ -2‬تعريف نظرية الظروف االستثنائية‬

‫إذا كان القضاء الفرنسي – كما رأينا – هو الذي قام بتأصيل نظرية الظروف االستثنائية‪ ،‬إال أنه لم‬
‫يقم على الرغم من ذلك بوضع تعريف محدد لها أو لحاالتها أو بوضع معيار عام لها‪ .‬والسبب في ذلك راجع‬
‫إلى مرونة الفكرة؛ إذ يمكنها أن تستوعب صو ار كثيرة من األزمات التي تمر بها الدولة(‪.)1‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء الجزائري‪ ،‬فإنه أسوة بنظيره الفرنسي لم يعرف نظرية الظروف االستثنائية بل أشار‬
‫– هو اآلخر – إليها فقط‪ .‬إذ اعتبرها من صنع القضاء‪ .‬وقد كان ذلك في قرار صادر عن الغرفة اإلدارية‬
‫بالمجلس األعلى بتاريخ ‪ 23‬جانفي ‪ 1192‬في قضية بين الصندوق المركزي إلعادة تأمين التعاضديات‬
‫الفالحية )‪ (C. C. R . M . A‬وو ازرة الفالحة واإلصالح الزراعي(‪ .)2‬فقد أكد القاضي في إحدى حيثياته أن‬
‫نظرية الظروف االستثنائية هي نظرية ذات مصدر قضائي(‪ .)3‬وبالتالي فإن القاضي الجزائري يكون قد أقر‬
‫بأن النظرية من صنع القضاء الفرنسي‪ ،‬على اعتبار أن هذه القضية جاءت مباشرة بعد االستقالل‪ ،‬فإن‬
‫القاضي الجزائري كان يقصد دون أن يشعر القاضي الفرنسي(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 29‬‬

‫‪ -2‬انظر القرار التايل‪:‬‬

‫‪C . S 20 janvier 1967 C.C.R.M.A , Ministre de l’ agriculture et de la réforme agraire R.A.J.A.‬‬


‫‪Bouchahda (H) et Kheloufi (R), Recueil d’arrêts, jurisprudence administrative, OPU Alger,‬‬
‫‪1985.‬‬

‫‪ -3‬و لقد جاء يف القرار ما يلي‪:‬‬


‫‪" Attendu que la théorie… des circonstances exceptionnelles (est une) création empirique de‬‬
‫‪la jurisprudence… Attendu que la théorie des circonstances exceptionnelles n’a eu pour champ‬‬
‫‪d’application que les décisions administratives prises notamment en temps de guerre, sans que‬‬
‫‪les prescriptions de la loi eussent été respectées, la situation du moment empêchant de le‬‬
‫‪faire. Attendu que cette constatation ne les soustrait d’ailleurs point au contrôle du juge de‬‬
‫‪l’excès de pouvoir, qu’elle permet seulement de couvrir des nullités que l’on viendrait à tirer‬‬
‫"‪de l’inobservation des règles prescrites pour leur validité dans les conditions normales.‬‬

‫‪ -4‬جتدر اإلشارة إىل أن الصياغة اليت كان يستعملها القاضي اجلزائري بعد االستقالل مباشرة تعد صياغة دالة وواضحة‪.،‬كما تدل على متتعه بثقافة قانونية‬
‫واسعة‪ .‬ولكن بعد ذلك وخاصة بعد األ زمة السياسية اليت عرفتها اجلزائر من خالل إلغاء االنتخابات التشريعية لسنة ‪ 8998‬وحل اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪،‬‬
‫جند بأن القرارات القضائية ترددت يف استعمال مصطلح "الظروف االستثنائية"‪ .‬حيث استعملت بعض القرارات عبارة " القوة القاهرة" لتربير تلك‬
‫املخالفات‪ ،‬على الرغم من أن األمر ال يتعلق بالقوة القاهرة‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫إذا كان القضاء قد امتنع عن وضع تعريف للظروف االستثنائية ‪ ،‬فإن بعض الفقه قد حاول إعطاء‬
‫تعريف لها وذلك من خالل محاولة الدخول في أعماق العبارة‪ .‬فقد عرفها األستاذ " ريفيرو " على أنها ‪:‬‬
‫"األوضاع الفعلية التي تؤدي إلى نتيجتين ‪ :‬وقف العمل بالقواعد العادية اتجاه اإلدارة‪ ،‬وذلك بتطبيق‬
‫مشروعية خاصة اتجاه هذه القواعد‪ ،‬و يقوم القاضي بتحديد مقتضيات هذه المشروعية الخاصة "(‪.)1‬‬

‫أما األستاذ "‪ ،" Delaubadère‬فلقد اعتبر أن نظرية الظروف االستثنائية تعد‪ ":‬بناء قانونيا وضعه‬
‫مجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬و الذي بمقتضاه فإن بعض أعمال اإلدارة التي تعتبر غير شرعية في الظروف‬
‫العادية‪ ،‬يمكن أن تصبح أعماال شرعية في بعض الظروف نظ ار ألنها ضرورية لحماية النظام العام‪ ،‬وسير‬
‫المرافق العامة"(‪.)2‬‬

‫أما األستاذان "‪ "Rivero‬و" ‪ "waline‬فقد اعتب ار أن الظروف االستثنائية هي عبارة عن " حاالت‬
‫مادية ذات أثر مزدوج‪ ،‬فهي تؤدي من جهة إلى توقيف سلطة القواعد العادية اتجاه اإلدارة‪ ،‬كما أنها تؤدي‬
‫من جهة أخرى إلى تطبيق شرعية خاصة يحدد القاضي متطلباتها على تلك األعمال "(‪.)3‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬عرفها األستاذ لحسن بن شيخ آث ملويا كما يلي‪ " :‬يقصد بعبارة الظروف‬
‫االستثنائية‪ ،‬والتي هي ذات مصدر قضائي‪ ،‬كل إخالل أو تشويش خطير للحياة االجتماعية‪ ،‬وينتج عن‬
‫ذلك على الخصوص أنه يستحيل على السلطات العامة احترام كل متطلبات الشرعية‪ ،‬فإذا كان الهدف من‬
‫الشرعية هو ضمان النظام في المجتمع المدني‪ ،‬فإنه بإمكان الظروف المضطربة أن تبرر المساس‬
‫بالشرعية بغية إعادة النظام االجتماعي كما كان في السابق"(‪.)4‬‬

‫إن المالحظة التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد‪ ،‬تتمثل في أن المحاوالت الفقهية السابقة بدال من أن‬
‫تقوم بإعطاء تعريف دقيق لنظرية الظروف االستثنائية بطريقة موضوعية‪ ،‬فإنها ركزت على عناصر أو‬
‫شروط الظروف االستثنائية والمتمثلة في‪ -:‬وجود أحداث حظيرة واستحالة أو صعوبة كبيرة في التصرف طبقا‬
‫لقواعد الشرعية العادية‪ ،‬وضرورة التصرف بسرعة للحفاظ على مصلحة عامة مهددة بشكل كبير(‪ .)5‬وانطالقا‬

‫‪1‬‬
‫‪-" par circonstances exceptionnelles, on entend … certaines situations de fait qui ont le double‬‬
‫‪effet , de suspendre l’autorité des règles ordinaires à l’égard de l’administration et de‬‬
‫‪déclencher l’application à ces actes d’une légalité particulière dont le juge définit les‬‬
‫‪exigences." Voir : Jean Rivero, Jean Waline, droit administratif, 14 Emme édition, Dalloz, Paris,‬‬
‫‪1999 ,p 88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- André Delaubadère, opcit, p 94.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Jean Rivero, Jean Waline, opcit, p 7.‬‬
‫‪ -4‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه‪ ، 2339 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -5‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫من ذلك‪ ،‬فإن جانبا من الفقه قد ذهب إلى أنه ال يمكن إعطاء تعريف لفكرة الظروف االستثنائية‪ ،‬اعتبا ار من‬
‫أنها فكرة غير واضحة‪ ،‬فهي تختلف من حالة إلى أخرى(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬أساليب تنظيم نظرية الظروف االستثنائية في الجزائر‬

‫لقد اعترفت الدساتير لرؤساء الدول باتخاذ إجراءات لحماية األرواح والممتلكات عند المساس بالجانب‬
‫األمني‪ .‬فمن حق الرئيس تقرير الوضع غير العادي بإعالن حالة الحصار أو الطوارئ أو الحالة االستثنائية‬
‫أو حالة الحرب‪ .‬بحيث تتخذ السلطة التنفيذية من التدابير ما يكفل استتباب األمن داخل الدولة(‪.)2‬‬

‫من أهم صالحيات رئيس الجمهورية الحفاظ على أمن الدولة بموجب سلطاته الدستورية في اتخاذ‬
‫التدابير واإلجراءات في مجال الضبط اإلداري الوطني ( البوليس اإلداري )‪ .‬وبالرجوع إلى الدستور الجزائري‪،‬‬
‫نجد أن لرئيس الجمهورية أن يتخذ في حالة تهديد األمن واالستقرار الوطني التدابير المناسبة واإلجراءات‬
‫الكفيلة بدرء ذلك الخطر‪ .‬وبالتالي الحفاظ على النظام العام(‪.)3‬‬

‫من أهم الوسائل القانونية لتحقيق ذلك‪ ،‬نجد السلطات القانونية المخولة لرئيس الجمهورية في إعالن‬
‫حالة الحصار‪ ،‬حالة الطوارئ ‪ ،‬الحالة االستثنائية و حالة الحرب(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬هناك من الفقهاء من خيلط بني نظرية الظروف االستثنائية والقوة القاهرة رغم االختالف بينهما‪ .‬فشروط هذه األخرية تعد أكثر تشددا من شروط‬
‫النظرية األوىل‪ .‬ألن القضاء يتطلب يف حالة القوة القاهرة استحالة مواجهة اخلطر باإلجراءات العادية‪ .‬أما يف حالة الظروف االستثنائية فإنه يكتفي بوجود‬
‫صعوبة كبرية يف إتباع قواعد الشرعية العادية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن الواقعة املنشئة للقوة القاهرة جيب أن تكون مستقلة دائما عن إرادة املتعاقد الذي يتمسك‬
‫هبا‪ ،‬يف حني أن الظروف االستثنائية من املتصور أن يكون لإلدارة دخل يف حدوثها‪ .‬كأن جتتاح البالد اضطرابات هتدد سالمتها نتيجة صدور بعض القرارات‬
‫االقتصادية‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬تقيده عبد الرمحان‪ ،‬نظرية الظروف االستثنائية يف النظام القانوين اجلزائري‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،1183،‬ص ‪.131‬‬

‫‪ -2‬عمار بوضياف ‪ ،‬الوجيز يف القانون اإلداري‪ ،‬جسور للنشر ‪ ، 2332 ،‬ص ‪. 118‬‬

‫‪ -3‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬عنابة ‪ ،2339 ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪ -4‬بالنسبة لدستور ‪ ،1190‬فقد اكتفى بالنص يف املادة ‪ 61‬على السلطات املتعلقة بالسلطات االستثنائية فقط‪ .‬حيث جاء فيها ما يلي‪" :‬يف حالة‬
‫اخلطر الوشيك الوقوع ميكن لرئيس اجلمهورية اختاذ تدابري استثنائية حلماية استقالل األمة ومؤسسات اجلمهورية "‪ .‬أما دستور سنة ‪ 1129‬فقد نص عل‬
‫عدة حاالت يف املواد من ‪ 111‬إىل ‪ ،120‬واليت متيز بني احلاالت التالية‪ :‬حالة الطوارئ‪ ،‬حالة احلصار‪ ،‬احلالة االستثنائية وحالة احلرب‪ .‬أما دستور‬
‫‪ 1181‬فقد أعاد تبين هذه احلاالت يف مواده من ‪ 89‬إىل ‪ 11‬اليت تنص على هذه الظروف االستثنائية‪ ،‬واليت تتدرج خطورهتا كما يلي ‪ :‬حالة الطوارئ‪،‬‬
‫حالة احلصار‪ ،‬احلالة االستثنائية وحالة احلرب ‪ .‬وقد احتفظ دستور ‪ 1119‬يف مواده من ‪ 11‬إىل ‪ 19‬بنفس احلاالت‪ – .‬انظر يف ذلك‪ :‬ناصر لباد‪،‬‬
‫الوجيز يف القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار اجملدد ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫أ‪ -‬حالة الحصار و حالة الطوارئ‬

‫لم يميز الدستور الجزائري في المادة ‪ 11‬منه بين حالة الحصار وحالة الطوارئ‪ .‬إذ ال نجد أي فرق‬
‫بين الحالتين‪ ،‬ما دام أن الجهة المختصة بتقرير الحالتين واحدة‪ .‬والشروط الموضوعية لتقرير الحالتين واحدة‬
‫كذلك( الضرورة الملحة )‪ .‬واجراءات ومدة الحالتين والجهة المختصة باتخاذ التدابير الالزمة لمواجهة الحالتين‬
‫تعد واحدة هي األخرى‪ .‬كما أن تمديد الحالتين يكون بنفس الطريقة(‪.)1‬‬

‫بالنسبة لحالة الحصار‪ ،‬فقد أعلنت ف الجزائر في ‪ 9‬جوان ‪ 1111‬بموجب المرسوم الرئاسي رقم‬
‫‪ 119/11‬الذي نظم حالة الحصار(‪ .)2‬حيث خولت المادة ‪ 32‬منه ‪ ":‬لرئيس الجمهورية أن يتخذ كافة‬
‫اإلجراءات القانونية والتنظيمية بهدف الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة‪ ،‬واستعادة النظام والتسيير‬
‫العادي للمرافق العمومية"‪ .‬وبناء على ذلك فقد خولت السلطات العسكرية صالحيات واسعة تتمثل فيما‬
‫يأتي(‪:)3‬‬

‫‪ -‬إمكانية إجراء تفتيشات ليلية ونهارية في المحال العمومية والخاصة وكذلك المساكن‪.‬‬

‫‪ -‬منع إصدار المنشورات واالجتماعات والنداءات العمومية التي يعتقد أنها كفيلة بإثارة الفوضى وانعدام‬
‫األمن‪.‬‬

‫‪ -‬األمر بتسليم األسلحة والذخائر ‪.‬‬

‫تتسم حالة الحصار بالشدة والصرامة‪ ،‬ويظهر ذلك في السلطات الموسعة التي تخول للسلطة العسكرية‬
‫وما يترتب عنها من تقييد للحقوق والحريات‪.‬‬

‫‪ -1‬و ذلك رغم اختالف درجة اخلطر يف كل حالة عن األخرى‪ ،‬حيث تتضمن حالة الطوارئ تقييدا أوسع للحريات العامة هبدف احلفاظ على النظام العام‪،‬‬
‫من خالل تقييد حرية األشخاص يف االجتماع واالنتقال واملرور والتجول واإلضراب‪ .‬بينما يتم نقل العديد من سلطات اهليئات واألجهزة املدنية إىل اهليئات‬
‫العسكرية يف حالة احلصار‪ .‬انظر يف ذلك ‪ - :‬صايف عبد اهلل‪ ،‬سلطات رئيس اجمللس الشعيب البلدي يف الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة أم‬
‫البواقي‪ ،2338،‬ص ‪ .111‬وحم مد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع ‪، 2331 ،‬ص ‪ 21‬وعمار بوضياف‪ ،‬الوجيز‬
‫يف القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪ ،2332،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪ -2‬املرسوم الرئاسي رقم ‪ 119 / 11‬املؤرخ يف ‪ 9‬جوان ‪ 1111‬املتضمن حالة احلصار‪ ،‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،21‬املؤرخة يف‬
‫‪ 12‬جوان ‪ ، 1111‬السنة ‪ ، 28‬ص ‪.1382‬‬

‫‪ -3‬انظر املادة ‪ 8‬من املرسوم نفسه‪ ،‬ص ‪ ،1388‬و قد مت رفع حالة احلصار هذه مبوجب املرسوم الرئاسي رقم ‪ 009/ 11‬املؤرخ يف ‪1111/31/22‬‬
‫املتضمن رفع حالة احلصار‪ ،‬اجلريدة الرمسية املؤرخة يف ‪ 26‬سبتمرب ‪ ،1111‬العدد ‪ ، 99‬السنة ‪ ،28‬ص ‪. 1989‬‬
‫أما بالنسبة لحالة الطوارئ‪ ،‬فقد شهدتها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪ 99/12‬المتضمن إعالن‬
‫حالة الطوارئ‪ ،‬المؤرخ في ‪ 1‬فبراير ‪ .)1(1112‬الذي أعلنت فيه حالة الطوارئ لمدة ‪ 12‬شهرا‪ ،‬غير أنه تم‬
‫تمديد هذه المدة بموجب المرسوم التشريعي رقم ‪ 32 / 10‬إلى أجل غير مسمى‪ ،‬حيث تنص المادة األولى‬
‫منه على‪ " :‬تمدد حالة الطوارئ‪ ،‬المعلنة في المرسوم الرئاسي رقم ‪ 44 / 82‬المؤرخ في ‪ 8‬فبراير ‪1882‬‬
‫المذكور أعاله "(‪.)2‬‬

‫أما من حيث االختصاصات الموسعة لإلدارة في حالة الطوارئ‪ ،‬فحسب المادة ‪ 93‬من المرسوم‬
‫الرئاسي رقم ‪ ،99 / 12‬فقد خولت هذه الحالة لوزير الداخلية والوالي‪ ،‬وفي إطار توجيهات الحكومة‬
‫صالحيات القيام بما يلي ‪:‬‬

‫*تنظيم و نقل المواد الغذائية و السلع ذات الضرورة األولى و توزيعها ‪.‬‬

‫*وضع مناطق من أجل اإلقامة المنظمة لغير المقيمين ‪.‬‬

‫*تحديد ومنع مرور األشخاص و السيارات في أماكن و أوقات معينة ‪.‬‬

‫*وضع تحت اإلقامة الجبرية كل شخص راشد اتضح أن النشاط الذي يقوم به مضر بالنظام العام‪.‬‬

‫*منع أي شخص راشد من اإلقامة لنفس العلة السابقة‪.‬‬

‫*تسخير العمال في حالة اإلضراب الغير شرعي ألداء مهامهم‪ ،‬سواء داخل المؤسسات العامة أو الخاصة‪.‬‬

‫بالرجوع إلى المادة ‪ 11‬من الدستور نجدها قد أرجعت سبب إعالن الحالتين – الحصار والطوارئ–‬
‫إلى قيام الضرورة الملحة بفعل حوادث ووقائع من شأنها تهديد أمن الدولة‪ ،‬والتي يعود تقرير مدى وجودها‬
‫إلى السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية(‪ .)3‬حيث جاء في المادة ‪ 11‬من دستور ‪" :1119‬يقرر رئيس‬
‫الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة حالة الطوارئ‪ ،‬أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس األعلى‬

‫‪ -1‬املرسوم الرئاسي رقم ‪ ،99/12‬املؤرخ يف ‪ 1‬فرباير ‪ ، 1112‬املتضمن إعالن حالة الطوارئ‪ ،‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،13‬املؤرخة‬
‫يف ‪ 1‬فرباير ‪ ،1112‬ص ‪.286‬‬

‫‪ -2‬املرسوم التشريعي رقم ‪ 32/10‬املؤرخ يف ‪ 9‬فرباير ‪ ،1110‬املتضمن متديد حالة الطوارئ‪ ،‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬املؤرخة يف‬
‫‪ 2‬فرباير ‪ ، 1110‬ص ‪ .36‬و جتدر اإلشارة إىل أن حالة الطوارئ قد مت رفعها مبوجب األمر ‪ 31/11‬املؤرخ يف ‪ 20‬فرباير ‪ ،2311‬املتضمن رفع حالة‬
‫الطوارئ‪ ،‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية‪ ،‬عدد ‪.12‬‬

‫‪ -3‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫األمن واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة والوزير األول ورئيس المجلس‬
‫(‪)1‬‬
‫الدستوري‪ ،‬ويتخذ كل التدابير الالزمة الستتباب الوضع"‪.‬‬

‫نظر للقيود التي ترد على الحريات العامة بفعل هاتين الحالتين‪ ،‬فإن الدستور جعلهما مؤقتين أي لمدة‬
‫ا‬
‫محددة تبين في المرسوم الرئاسي المعلن لكل منهما‪ .‬كما ال يمكن تمديد أي منهما إال بموافقة البرلمان‬
‫المنعقد بغرفتيه حماية لتلك الحريات‪ .‬حيث جاء في المادة ‪ 11‬فقرة األخيرة " وال يمكن تمديد حالة الطوارئ‬
‫أو الحصار إال بعد موافقة البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا "‪.‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 12‬من الدستور عل ‪ " :‬يحدد تنظيم حالة الطوارئ وحالة الحصار بموجب قانون‬

‫عضوي"(‪ ،)2‬وهو ما لم يتم إلى حد اآلن‪ ،‬بالرغم من أهميته بالنسبة للحقوق في إطار ما يسمى‬
‫ب‪ " :‬المشروعية الخاصة "(‪.)3‬‬

‫‪ -1‬إذا قارنا مضمون املادة ‪ 11‬أعاله واملادة ‪ 10‬من الدستور املتعلقة باحلالة االستثنائية‪ ،‬فإننا جند بأن عبارة " يتخذ كل التدابري الالزمة الستتباب الوضع"‬
‫الواردة يف املادة ‪ 11‬واسعة جدا‪ .‬فهي غري مقيدة مبجاالت حمددة ألهنا تشمل أي تدبري الزم الستتباب الوضع‪ .‬وذلك خبالف املادة ‪ 10‬املتعلقة باحلالة‬
‫االستثنائية‪ .‬فاختصاصات رئيس اجلمهورية مقيدة‪ ،‬إذ تشمل فقط اإلجراءات اليت تستوجبها احملافظة على استقالل األمة واملؤسسات الدستورية يف اجلزائر‪،‬‬
‫دون أن تتعدى إىل غريها من اإلجراءات‪ .‬لذلك ليس من اخلطأ القول بأن السلطات اليت يتمتع هبا رئيس اجلمهورية يف ظل نظام حالة احلصار والطوارئ‬
‫أوسع بكثري من سلطاته يف احلالة االستثنائية‪ .‬وذلك عكس املشرع الفرنسي الذي جعل سلطات رئيس اجلمهورية يف احلالة االستثنائية أوسع من حاليت‬
‫الطوارئ واحلصار‪ ،‬ألن السلطات االستثنائية اليت يتمتع هبا يف احلالة االستثنائية بإمكاهنا أن متتد لتشمل كل اإلجراءات اليت تتطلبها احلالة االستثنائية‪ .‬أما‬
‫يف حاليت احلصار والطوارئ فإن سلطاته االستثنائية تقتصر عل جمال البوليس اإلداري فقط‪ .‬أما يف ظل احلالة االستثنائية فإهنا تتجاوز جمال البوليس‬
‫اإلداري‪.‬ملزيد من التفاصيل راجع‪ :‬ن مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية عل أعمال اإلدارة العامة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية ‪ ، 2338،‬ص ‪ 219‬إىل ‪. 221‬‬

‫‪ -2‬إن أهم ما مييز حالة احلصار وحالة الطوارئ عن احلالة االستثنائية يف فرنسا هو أن تنظيم حالة احلصار والطوارئ مرتوك للمجال التشريعي‪ .‬أما احلالة‬
‫االستثنائية فتم تنظيمها بنص دستوري‪ .‬وال جمال لتدخل املشرع يف تنظيمها‪ .‬أما بالنسبة للمشرع اجلزائري‪ ،‬فإننا جند بأن املؤسس الدستوري اجلزائري قامن‬
‫على خالف املؤسس الدستوري الفرنسي ن بتحديد اإلجراءات االستثنائية اليت جيوز اختاذها يف حالة احلصار والطوارئ‪ .‬وإذا تقيدنا هبذه املادة‪ ،‬فإنه ميكن‬
‫القول بأن املؤسس الدستوري اجلزائري مل يرتك أي جمال للمشرع فيما يتعلق حباليت احلصار والطوارئ‪ ،‬مادام أنه نظم بنفسه كل شيء‪ .‬سواء السلطة املختصة‬
‫بتقرير احلالتني أو اإلجراءات الواجبة اإلتباع يف ذلك أو مدة احلالتني وكيفيه متديدمها‪ .‬واجلهة املختصة باختاذ اإلجراءات االستثنائية الواجبة ملواجهة‬
‫احلالتني‪ .‬لذلك يتساءل الدكتور "مراد بدران" عن جدوى وجود املادة ‪ 12‬املذكورة أعاله‪ .‬ذلك أنه إذا كنا قد توصلنا حلد اآلن بأن املؤسس الدستوري مل‬
‫يرتك أي جمال للمشرع يف تنظيم حالة الطوارئ أو حالة احلصار‪ .‬فإن هذه املادة األخرية ال ميكن أن تتماشى مع املادة ‪ 11‬اليت مل ترتك أي جمال للسلطة‬
‫التشريعية فيما يتعلق حباليت احلصار والطوارئ‪ .‬لذلك فهو يتساءل عن املسائل اليت يستطيع أن ينظمها املشرع استنادا للمادة ‪ 12‬من دستور ‪ .1119‬انظر‬
‫يف ذلك‪- :‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 223‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -3‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنزاعات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ب‪ -‬الحالة االستثنائية‬

‫إذا ما تزايد الخطر عل أمن الدولة وأصبح النظام العام مهددا‪ ،‬يلجأ رئيس الجمهورية إلى إعالن الحالة‬
‫االستثنائية(‪ ،)2‬طبقا للقواعد والشروط الواردة خاصة بالمادة ‪ 10‬الدستور والمتمثلة فيما يأتي ‪:‬‬

‫* يمكن إعالن الحالة االستثنائية لدى وشوك قيام خطر داهم‪ ،‬والذي يكون من شأنه أن يهدد الدولة في‬
‫هيئاتها أو استقالل أو سالمة ترابها‪ .‬وهو األمر الذي يرجع تحديده إلى رئيس الجمهورية بما له من سلطة‬
‫تقديرية(‪.)3‬‬

‫*لصحة إعالن الحالة االستثنائية بموجب مرسوم رئاسي‪ ،‬يجب التقيد وااللتزام بمجموعة من اإلجراءات‬
‫ضمانا للحريات العامة‪ .‬وهو ما يتمثل في ‪ :‬استشارة كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس‬
‫األمة والمجلس الدستوري‪ ،‬االستماع من خالل عقد اجتماع تحت رئاسة رئيس الجمهورية إلى كل من‬
‫المجلس األعلى لألمن ومجلس الوزراء باإلضافة إلى اجتماع البرلمان‪ .‬أما بالنسبة للمدة فإنه خالفا للحالتين‬
‫السابقتين‪ ،‬فاألصل أن مدة الحالة االستثنائية غير محددة بفترة معينة‪ .‬ومع ذلك لرئيس الجمهورية إنهاؤها‬
‫ورفعها بموجب مرسوم رئاسي مع اللجوء إلى اإلجراءات نفسها المتعبة لدى إعالنها تطبيقا لقاعدة توازي‬
‫األشكال(‪.)4‬‬

‫ج‪ -‬حالة الحرب‬

‫يستند إعالن حالة الحرب إلى وجود عدوان خارجي على البالد سواء وقع فعال أو يوشك أن يقع‪ .‬وذلك‬
‫كله طبقا لقواعد القانون الدولي الواردة أساسا في ميثاق األمم المتحدة‪ .‬وذلك وفقا للمادة ‪ 16‬من الدستور‬
‫التي جاء فيها ‪ " :‬إذا وقع عدوان فعلي على البالد أو يوشك أن يقع حسب ما نصت عليه الترتيبات‬
‫المال ئمة بميثاق األمم المتحدة ‪ ،‬يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد اجتماع مجلس الوزراء و االستماع‬

‫‪ -1‬إن نطاق االختصاصات اليت ميارسها رئيس اجلمهورية خالل حالة احلصار وحالة الطوارئ تكون مشاهبة لالختصاصات اليت ميارسها خالل احلالة‬
‫االستثنائية‪ .‬لذلك يطرح التساؤل حول جدوى إدراج املادة ‪ 10‬يف الدستور كحالة إضافية تتسع فيها سلطات البوليس اإلداري‪ ،‬حبيث ال تقتصر على جمال‬
‫البوليس بل قد تشمل جماالت أخرى‪ .‬وهي املالحظة اليت أبداها األستاذ "امحد حميو" عندما كان يتحدث عن تلك احلالة اليت أشار إليها دستور ‪1129‬‬
‫حيث يقول ‪ " :‬ويف احلقيقة‪ ،‬فإننا ال نرى يف ظل غياب نص تطبيقي حيدد هذه اإلجراءات االستثنائية بالضبط‪ ،‬ما هو الفرق املوجود بني احلالة االستثنائية‬
‫وحالة الطوارئ أو حالة احلصار‪ ،‬وبقدر ما يتعلق األمر بتقييد احلريات العامة واحلقوق األساسية‪ ،‬فإن حاليت الطوارئ و احلصار تسمح بالوصول إىل هذا‬
‫اهلدف‪ ،‬إن إدخال درجة ثالثة من اخلطورة ال تبدو الزمة ‪ ." ...‬انظر يف ذلك ‪- :‬امحد حميو‪ ،‬حماضرات يف املؤسسات اإلدارية‪ ،‬ترمجة حممد عراب صاصيال‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1186 ،‬ص ‪. 606‬‬
‫‪ -2‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2339 ،‬ص‪. 36‬‬
‫‪ -3‬لقد عرفت اجلزائر احلالة االستثنائية ابتداء من ‪ 0‬أكتوبر ‪ ،1190‬واليت نتج عنها تطبيق املادة ‪ 61‬من دستور ‪ .1190‬انظر يف ذلك‪ :‬ناصر لباد‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪،‬دار العلوم للنشر التوزيع‪ ،2331،‬ص ‪.20‬‬
‫إلى المجلس األعلى لألمن‪ ،‬واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة‪ ،‬و يجتمع‬
‫البرلمان و جوبا ويوجه رئيس الجمهورية خطاب لألمة يعلمها بذلك "‪ .‬ووفقا للمادة ‪ 19‬فإن إعالن حالة‬
‫الحرب يؤدي إلى ترتيب النتائج اآلتية‪ :‬توقيف العمل بالدستور‪ ،‬وتولي رئيس الجمهورية جميع السلطات‪،‬‬
‫وتمديد العهدة الرئاسية إلى غاية نهاية الحرب ‪.‬‬

‫ومقتضى كل هذه اآلثار والنتائج المترتبة على حالة الحرب هو تخويل رئيس الجمهورية السلطات‬
‫واالختصاصات التي تمكنه من اتخاذ جميع التدابير الكفيلة باستتباب األمن‪ ،‬والحفاظ على كيان الدولة‬
‫وسالمتها‪.‬‬

‫‪ -4‬أوجه االختالف بين الظروف االستثنائية و السلطة التقديرية‬

‫بعد إعطائنا لمحة موجزة عن مضمون نظرية الظروف االستثنائية وتطبيقاتها في الجزائر‪ ،‬يتضح لنا‬
‫بأن نظرية السلطة التقديرية تتفق مع نظرية الظروف االستثنائية في أن كال منهما يتضمن توسيعا لدائرة‬
‫االختصاصات الممنوحة لإلدارة‪ .‬كما أن اإلدارة تظل في الحالتين خاضعة لرقابة القضاء إن إلغاء أو‬
‫تعويضا‪ .‬حيث "يختص القضاء اإلداري بفحص مشروعية العمل اإلداري‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان هذا‬
‫العمل يتمتع بقوته العادية أم بقوة استثنائية خاصة‪ ،‬ألن هذه االستثنائية ليس لها أدنى تأثير على خضوع‬
‫العمل للرقابة القضائية أو عدم خضوعه له"(‪.)1‬‬

‫مع ذلك فإن هناك بعض الفروق الهام ــة بين النظريتي ـ ـ ـ ــن تتمثل فيما يأتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن االختصاصات الممنوحة لإلدارة بمقتضى نظرية الظروف االستثنائية تعد أوسع مدى من‬
‫االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة بناء على نظرية السلطة التقديرية‪ .‬فاإلدارة في الحالة األولى لها أن‬
‫تخرج عن القواعد القانونية العادية‪ ،‬وبالتالي اتخاذ اإلجراءات االستثنائية التي تتطلبها مواجهة األزمة التي‬
‫تتعرض لها‪ .‬أما في حالة السلطة التقديرية فإن اإلدارة تبقى تتصرف في حدود الشرعية العادية‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان لها حرية التصرف في نطاق تلك الشرعية(‪.)2‬‬

‫ب‪ -‬إن االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة في ظل الظروف االستثنائية مرهونة ببقاء واستمرار هذه‬
‫الظروف‪ ،‬لذا فإن اختصاصات اإلدارة هنا تكون مؤقتة(‪ .)3‬أما االختصاصات التي تتمتع بها اإلدارة في ظل‬
‫نظرية السلطة التقديرية فإنها ال تتوقف على فترة زمنية محددة ألنها ال ترتبط بظروف خاصة‪ ،‬فمن حق‬
‫اإلدارة ممارستها في ظل الظروف العادية أو في ظل الظروف االستثنائية ‪.‬‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري و الرقابة على أعمال االدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -2‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬عدنان عمرو‪ ،‬مبدأ املشروعية‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339 ،‬ص ‪.26‬‬
‫ج‪ -‬إذا كان القضاء يسمح لإلدارة بمخالفة القواعد القانونية في ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬فإن ذلك مشروط‬
‫بوجود أزمة تهدد اإلدارة وتعذر أو يصعب مواجهتها بواسطة القوانين العادية(‪ .)1‬أما االختصاصات التقديرية‬
‫التي تمارسها اإلدارة‪ ،‬فإن القضاء ال يشترط مثل تلك الشروط ألن اإلدارة تكون فيها حرة في تقدير مالءمة‬
‫التصرفات التي تقوم بها ‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫المطلب الثاني‬
‫أساس السلطة التقديرية لإلدارة ومبرراتها‬
‫انتهينا فيما سبق إلى أن السلطة التقديرية لإلدارة هي وسيلة لتطبيق القانون وااللتزام بمبدأ‬
‫المشروعية‪)1(.‬فعندما يباشر رجل اإلدارة سلطته التقديرية في تطبيق القانون‪ ،‬فإنه ال يستمد هذه السلطة من‬
‫ذاته‪ ،‬لكنه يستمدها من القاعدة القانونية المرنة التي يقوم بتطبيقها(‪ .)2‬فالسلطة التقديرية تظهر بمناسبة تطبيق‬
‫قاعدة قانونية وتباشر في حدود هذه القاعدة‪ ،‬وبالتالي فإن مباشرة هذه السلطة تخضع دائما لمبدأ المشروعية‬
‫(‪)3‬‬
‫وسيادة القانون‪.‬‬
‫إن السلطة التقديرية أمر يتصل بتطبيق القانون(‪ ،)4‬ومن ثم فإنها ترجع بالدرجة األولى إلى موقف‬
‫المشرع عند سن القواعد القانونية‪ .‬فقد يتولى صياغتها في صورة جامدة بحيث ال يملك أحد سلطة تقديرية في‬
‫تطبيقها‪ .‬وقد يصيغها في صورة مرنة‪ ،‬حيث ينطبق على الحاالت الخاصة وفقا للسلطة التقديرية لمن يتولى‬
‫هذا التطبيق سواء كان قاضيا أم رجل إدارة أم أحد األفراد العاديين المخاطبين بأحكام هذه القواعد‬
‫القانونية(‪.)5‬‬
‫من هنا يطرح التساؤل حول أساس السلطة التقديرية ومبرراتها‪:‬‬

‫الفرع األول‬
‫أساس السلطة التقديرية‬
‫وكثير ما‬
‫ا‬ ‫إن االعتراف بالسلطة التقديرية كسلطة قانونية يستلزم تحديد األساس القانوني لهذه السلطة‪.‬‬
‫يحدث الخلط بين األساس والمعيار‪ ،‬لكن األساس هو اإلجابة على التساؤل‪ :‬ما هو مصدر الفكرة؟ أما‬
‫المعيار فهو مضمون السؤال " كيف توجد السلطة التقديرية "؟(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬لذلك ال يصح القول بأن السلطة التقديرية هي استثناء يرد على مبدأ املشروعية ملوازنته أو للتخفيف من آثاره‪.‬انظر يف ذلك‪ :‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -2‬العريب زروق‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدول الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القضاء اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪،38‬‬
‫‪ ،2339‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 3‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬القاهرة‪ ،1112 ،‬ص ‪. 83‬‬
‫‪ -4‬ذلك أنه يف األعمال اليت تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية يكون املشرع هو من اعرتف لإلدارة بقدر من احلرية يف التصرف‪ ،‬و إال ملا أطلقنا على العمل‬
‫اإلداري أنه صدر بعنوان السلطة التقديرية‪.‬‬
‫‪ -5‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري و الرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330 ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129 ،‬ص ‪.99‬‬
‫وقد ظهر أثر الخلط في النظريات التي عرضت لتأصيل أساس السلطة(‪ .)1‬مع ذلك يمكن تقسيم هذه‬
‫االتجاهات إلى نوعين‪ :‬أحدهما يصدر أساسا عن عالقة القانون بالمعنى الواسع بالسلطة التنفيذيـة‪ ،‬وثانيهما‬
‫يلجأ إلى بحث ذي مالمح تاريخية‪ .‬واالتجاه األول يسلك منهجا سلبيا ببحثه ما يترك للسلطة التقديرية‪ .‬أما‬
‫اآلخر فسمته اإليجاب ألنه يتابع وجود السلطة التقديرية الذاتي والمستقل‪ .‬ونناقش كال منهما فيما يأتي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬النظرية السلبية‬
‫تبحث هذه النظرية المجال الذي تتركه القيود والقواعد القانونية لحرية اإلدارة‪ .‬وقد تبنى هذه الوجهة من‬
‫النظر كثير من فقهاء القانون العام‪ .‬فهناك فكرة التدرج عاصرتها وورثتها نظرية الحق الشخصي‪ ،‬وأخي ار فكرة‬
‫عدم التحديد من جانب القانون(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬نظرية تدرج القوانين‬
‫هي فكرة ترجع في األساس إلى نظرية الفقيه النمساوي "" كيلسن""‪ .‬وتعني هذه الفكرة أن القواعد‬
‫القانونية في المجتمع إنما تتدرج فيما بينها في مراتب مختلفة‪ .‬حيث تقيد القاعدة األعلى القاعدة األدنى منها‬
‫درجة‪ ،‬وهذه األخيرة تتضمن تخصيصا للقاعدة األولى‪ .‬وبمعنى آخر أن كل قاعدة قانونية في التدرج القانوني‬
‫بالدولة تتخذ لها صفتين ‪:‬‬
‫فهي قاعدة منفذة ومخصصة للقاعدة األعلى منها درجة من ناحية‪ ،‬ومنشئة في ذات الوقت للقاعدة‬
‫األدنى منها درجة من ناحية أخرى(‪ .)3‬وهذا اإلنشاء يبدو كضرورة‪ ،‬فالقاعدة األعلى – وهي مجردة – ال‬
‫يمكن أن تحدد كل العناصر المادية التي تدخل في مجال تنفيذها تحديدا كامال‪ .‬ومن هنا يظهر دور السلطة‬
‫التنفيذية في نمو القانون(‪.)4‬‬
‫إن هذا الرأي ال يمكن فهمه إال على ضوء األفكار التي تقوم عليها المدرسة النمساوية‪ .‬فهذه المدرسة‬
‫ترى أن كل عمل قانوني يتضمن تخصيصا لقاعدة أعلى وتقييدا لقاعدة أدنى‪ .‬وبمعنى آخر‪ ،‬ترى هذه‬
‫المدرسة أن كل القواعد القانونية ترجع إلى أصل واحد يطلقون عليه (‪ )Norme‬هذا األصل العام ال يمكن‬
‫تطبيقه إال بإضافة عناصر جديدة إليه لمواجهة الحاالت الفردية(‪ .)5‬فاألصل العام في المساواة مثال‪،‬‬
‫يخصص إلى حد ما بالقواعد الواردة في الدساتير كتلك التي تقرر مساواة المواطنين أمام الوظائف العامة‪ ،‬ثم‬

‫‪ -1‬كما أن اخللط يقوم أيضا بني األساس و اجملال و املربرات‪ .‬والواقع أنه يتعني اإلشارة إىل أن مربرات السلطة التقديرية هي إجابة عن السؤال‪ :‬ملاذا‬

‫وجدت؟‪ ،‬أما األساس‪ :‬فكيف و جدت؟‪ ،‬وعن املعيار فكيف ستوجد ؟‪ ،‬وعن اجملال‪ :‬أين توجد يف عناصر القرار اإلداري‪.‬‬

‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111 ،‬ص ‪. 63‬‬

‫‪ -4‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار‬

‫النهضة العربية سنة ‪ ،1119‬ص ‪. 99‬‬

‫‪ -5‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 62‬‬
‫يتدخل المشرع فيزيد من هذا التخصيص‪ ،‬إذ يصدر قانونا عاما يوضح فيه القواعد التفصيلية ألحكام الوظيفة‬
‫العامة‪ .‬ثم يزيد التخصيص إلى درجة أكبر حين تصدر السلطة التنفيذية الئحة تنفيذية تتضمن التفاصيل‬
‫الجزئية والشروط الالزمة لتنفيذ األحكام التي يتضمنها كل من قانون التوظيف‪ ،‬والدستور‪ .‬وأخي ار يصل‬
‫التخصيص إلى نهايته‪ ،‬بحيث تستنفذ القاعدة القانونية أغراضها بصدور قرار إداري بتعيين أحد المواطنين في‬
‫وظيفة عامة‪ ،‬وقيامه بمهام منصبه(‪.)1‬‬
‫واضح من التدرج السابق أن القاعدة القانونية العليا تقيد الدنيا‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت مقيدة بالقاعدة‬
‫التي تعلوها‪ ،‬حتى نجد في القمة األصل العام‪ ،‬وفي نهاية السلم القرار التنفيذي(‪ .)2‬وتدخل السلطة التنفيذية‬
‫لتخصيص القاعدة القانونية ال يكون إال بإضافة قيود جديدة إلى القاعدة العليا واال كان التخصيص وهميا(‪.)3‬‬
‫وهذه الحرية ليست إال السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬لكن هذا التخصيص ال يصدر عن حرية مطلقة بل عن حرية‬
‫مقيدة‪ ،‬ألن كل قاعدة دنيا يجب أن يتم تخصيصها في نطاق القاعدة العليا حتى نصل إلى األصل العام‬
‫الذي يقيد جميع تصرفات السلطة العامة في الدولة‪ .‬هكذا يكون التقييــد والتقدير متالزمين بحيث ال يمكن‬
‫الفصل بينهما(‪.)4‬‬
‫ال شك أن األفكار التي جاءت بها هذه المدرسة تحتوي على جانب من الصحة‪ ،‬من حيث تدرج‬
‫القواعد القانونية‪ .‬غير أن ما يؤخذ على هذه النظرية أنها تضيق من نطاق السلطة التقديرية في إطار‬
‫التخصيص ووضع العناصر الجديدة‪ .‬في حين أنه قد تتحقق كذلك حالة االختيار بين ق اررين أو أكثر‪ ،‬أو‬
‫االمتناع عن اتخاذ القرار أو اختيار الوقت المناسب لالتخاذ‪ .‬وفي هذه الحاالت جميعا ال توجد أية إضافة‬
‫لعناصر جديدة على القاعدة القانونية األعلى(‪ .)5‬كما أن طبيعة السلطة التقديرية تختلف تماما عن طبيعة‬
‫القاعدة القانونية(‪ .)6‬ضف إلى ذلك أن القضاء وحده هو المسلم له بهذا االختصاص سواء عن طريق التفسير‬
‫التفسير أو تقييد القاعدة المجردة‪ ،‬وذلك لما تتميز به ق ارراته من قوة والزام(‪.)7‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 62‬‬


‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني الشمس‪ ،‬القاهنرة‪ ،‬ص ‪ 63‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -4‬ل قد استقر األمر فقها وقضاء على أن تدرج القواعد القانونية املدونة فيما بينها‪ ،‬حبيث حتتل قمتها القواعد الدستورية وتليها القواعد التشريعية وأخريا‬
‫القواعد الالئحية‪ .‬أما بصدد القواعد القانونية غري املدونة‪ ،‬فإن اخلالف الفقهي بشأن مرتبتها مازال قائما‪ .‬والسائد فقها وقضاء أن املبادئ العامة للقانون‬
‫تتمتع مبرتبة القواعد التشريعية‪ ،‬أي القانون الذي يقره الربملان‪ .‬يف حني أن العرف يتمتع بصفة عامة مبرتبة أدىن من القانون‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول هذه‬
‫النظرية أنظر‪ :‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪،‬ا ملرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -5‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 92‬و ‪.98‬‬
‫‪ -6‬سامي مجال الدين ‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 02‬و ‪. 08‬‬
‫‪ -7‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫وعليه فإن هذه النظرية تشير إلى وجود السلطة التقديرية وتؤكدها‪ ،‬لكن دون أن تبين أساس منحها‪.‬‬
‫فتدرج القواعد ال يخدم البحث في أساس السلطة التقديرية قدر ما يخدم تبرير قيام هذه السلطة(‪ .)1‬وبهذا ال‬
‫تصلح مثل هذه الفكرة لبيان األساس القانوني للسلطة التقديرية(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬نظرية الحق الشخصي‬
‫من المؤكد أن االختصاص المقيد يشكل الضمان األساسي لحقوق األفراد‪ ،‬ومن هنا نشأت نظرية الحق‬
‫الشخصي في رحابه‪ .‬فحقوق الناس وحرياتهم مناط قيام التقييد التشريعي والقضائي‪ .‬وهو ما يبرر القول‬
‫برقابة المالءمة في مجال الضبط اإلداري(‪.)3‬‬
‫من أقدم اآلراء التي قيل بها في هذا الصدد‪ ،‬أن اإلدارة تتمتع باختصاص تقديري في الحاالت التي ال‬
‫تواجه فيها حقا شخصيا(‪)4‬ألن منطق قيام الحقوق الشخصية يقضي أال يسمح لإلدارة بأن تمسها إال في‬
‫أضيق الحدود‪ .‬مما يستلزم أن تكون سلطات اإلدارة مقيدة بالضرورة(‪.)5‬‬
‫لقد اعتقد بعض الفقهاء أن أساس االختصاص المقيد يرجع إلى وجود الحق الشخصي للفرد‪ .‬وقد‬
‫عرض لهذه النظرية ""هوريو"" الذي يعتبر الحق الشخصي بأنه مصلحة مضمونة اجتماعيا بوسيلة قانونية في‬
‫مكنة صاحب الحق وهي الدعوى القضائية‪ .‬والقضاء الكامل ليس الوسيلة الوحيدة‪ ،‬بل إن الطعن بتجاوز‬
‫السلطة وسيلة أخرى لحمايته‪ .‬وحيث يبدأ الحق الفردي تقف السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬وعلى العكس عندما ال‬
‫يحوز الشخص إال مصلحة بسيطة‪ ،‬فاإلدارة تحوز سلطة التقديرية(‪.)6‬‬
‫أما بالنسبة "" لبونار"" فإن الحق الشخصي هو عالقة بين شخص وآخر يستطيع الدائن فيها إلزام‬
‫المدين بعمل شيء أو االمتناع عنه‪ .‬وهذا االلتزام قد ينشأ عن نص قانوني أو الئحي أو عمل فردي‪ .‬وال‬
‫يكفي عند ""بونار"" وجود الحق‪ ،‬بل أن يكون في مكنة صاحبه إلزام اآلخر بالتنفيذ‪ .‬وطبقا لهذا التصور قد‬
‫توجد حاالت تكون السلطة فيها مقيدة‪ ،‬ولكن الشخص ال يستطيع حمل اإلدارة على احترام الحق‪ ،‬حيث ال‬
‫مصلحة ألحد في هذا االحترام(‪.)7‬‬
‫يذكر"‪ "Giraud‬أن السلطة التقديرية ال تختفي أمام الحقوق الشخصية فقط بل أنها تنسحب أمام كل‬
‫قاعدة قانونية موضوعية تستهدف مصلحة عامة‪ .‬وأساس ذلك أنه في حالة وجود الحقوق الشخصية ‪-‬وهي‬

‫‪ -1‬نذير أوهاب‪،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.93‬‬


‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ ‪ ،‬املرجع السابق ص ‪98‬‬
‫‪ -3‬سامي مجال الدين ‪ ،‬قضاء املالءمة و السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ -4‬يعرف "بونار" احلق الشخصي بأنه " قدرة الشخص على املطالبة بشيء له فيه مصلحة على أساس من قاعدة قانونية موضوعية‪ ،‬عن طريق الدعوى‬
‫القضائية‪ ،‬أما مضمون هذا احلق املطالب به فينبغي أن يكون حمددا مباشرة إما بالقانون املوضوعي أو القانون الفردي"‪ .‬أنظر يف ذلك‪- :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- René Chapus, droit du contentieux administratif, 9éme édition, Montchrestien, 2001, p 234.‬‬
‫‪ -7‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫تلك المزايا والمنافع التي يمكن ضمان احترامها وحمايتها بالدعوى القضائية–(‪)1‬يستطيع األفراد مطالبة اإلدارة‬
‫بعمل ما أو االمتناع عن هذا العمل بوصفه التزاما يقع على عاتقها‪ .‬ومن ثم يصبح اختصاص اإلدارة هنا‬
‫اختصاصا مقيدا‪ ،‬أما في حالة عدم وجود حقوق شخصية فإنه ال يمكن لهؤالء األفراد إلزام اإلدارة بعمل ما أو‬
‫االمتناع عنه‪ .‬أو أنه ال يمكنهم مخاصمة اإلدارة أمام القضاء النتفاء االلتزام أو الرابطة القانونية بطبيعة‬
‫الحال بينهم وبين اإلدارة‪ .‬ومعنى ذلك أن هذه األخيرة تستطيع أن تباشر اختصاصاتها بحرية تامة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يوصف االختصاص بأنه اختصاص تقديري(‪.)2‬‬
‫وعليه يمكن تصور قيام السلطة التقديرية في حالة غياب الحقوق الشخصية‪ ،‬غير أن "سيرود" يرى أن‬
‫السلطة التقديرية ال تختفي أمام الحقوق الشخصية فقط‪ ،‬بل إنها تنسحب أمام كل قاعدة قانونية موضوعية‬
‫(‪)3‬‬
‫تستهدف مصلحة عامة‪.‬‬
‫إن قدرة األفراد إذن على المطالبة بطريق الدعوى القضائية – التي ال تثبت إال إذا كانت لهم حقوق‬
‫اتجاه اإلدارة – هي التي تميز السلطة المقيدة لإلدارة عن السلطة التقديرية التي تنعدم في خصوصها هذه‬
‫القدرة(‪.)4‬‬
‫لقد تعرضت هذه النظرية للنقد في معظم جوانبها‪ ،‬ومن ذلك أن الربط بين الحقوق الشخصية‬
‫واالختصاص المقيد‪ ،‬وبالتالي توافر السلطة التقديرية عند غياب هذه الحقوق هو ربط غير حتمي أو واقعي‪.‬‬
‫فاإلدارة تتمتع بسلطة وضع القيود حتى في مواجهة بعض الحقوق الشخصية‪ ،‬مثل منع أصحاب العقارات من‬
‫البناء في أمالكهم إال بترخيص‪ ،‬وان كانت تهدف دائما إلى الصالح العام(‪.)5‬‬
‫كما يؤخذ على هذه النظرية أنها تعني مجال السلطة التقديرية ال أساسها‪ ،‬فهي تحدد الحق الشخصي‬
‫عن طريق عالقته باالختصاص اإلداري‪ ،‬حيث يكون االختصاص مقيدا عند تواجد الحق الشخصي‪ ،‬في‬
‫حين توجد العديد من حاالت االختصاص المقيد ال تجد مصدرها في الحقوق الشخصية‪ .‬كحالة اختصاص‬
‫اإلدارة المقيد بإدراج اسم كل مواطن تتوفر فيه شروط الناخب ضمن قوائم الناخبين‪ .‬كما أن النصوص‬
‫التشريعية التي ترد عامة فيما يتعلق بالحقوق والحريات الفردية في مجال الضبط اإلداري وفي مجال تنظيم‬
‫الحياة االقتصادية‪ ،‬يبدو عليها أن المشرع يخول اإلدارة سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال‪ ،‬واضعا في‬
‫اعتباره المصلحة الجماعية والعامة للمنطقة‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن االختصاص المقيد يكون‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة‬

‫العربية‪ ،1119،‬ص ‪. 98‬‬

‫‪ -3‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬


‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫‪ -5‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 99‬و ‪. 92‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أيضا مع قيام المصلحة دون الحق‪ .‬وهذا ما يفسره قبول الطعن بتجاوز السلطة اكتفاء بقيام هذه المصلحة‪.‬‬
‫ما يعيب هذا الرأي أيضا صعوبة تحديد الحقوق بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬كما أن لإلدارة الحق‬
‫(‪)2‬‬
‫في وضع القيود المختلفة حتى في مواجهة بعض الحقوق الشخصية‪.‬‬
‫وعليه يتضح لنا عدم إمكانية اتخاذها أساسا كافيا لتفسير السند القانوني للسلطة التقديرية المعترف بها‬
‫لإلدارة وهي تباشر مختلف أوجه نشاطها‪ .‬وان كانت هذه النظرية قد أثرت بشكل كبير على القضاء فيما‬
‫يتعلق بتحديد نطاق السلطة التقديرية لإلدارة(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬نظرية التحديد القانوني‬
‫يذهب هذا الرأي إلى تأسيس السلطة التقديرية عن طريق عالقتها بالقواعد القانونية‪ .‬وقد عرض لهذه‬
‫الفكرة "موريس هوريو" عند نقده لنظرية "كيلسن" في التدرج‪ .‬حيث ذهب إلى أن النظام القانوني ال يقتصر‬
‫على القواعد القانونية بل أنه يشمل األشخاص القانونية أيضا‪ .‬والسلطة التقديرية ليست إال أحد مظاهر‬
‫العالقة بين القواعد القانونية واألشخاص القانونية‪ .‬واألشخاص القانونية تخضع للقواعد القانونية كحدود‬
‫خارجية تقيد من حرية واستقالل الشخص القانوني‪ .‬فالحرية التي يفتقدها رجل اإلدارة نتيجة خضوعه للقواعد‬
‫القانونية سرعان ما يستعيدها عندما تختفي هذه القيود (القواعد القانونية)(‪.)4‬‬
‫تبعا لذلك ذهب الفقيه االنجليزي " ‪ " Dicey‬إلى أن سيادة القانون ال تتحقق إال بتضييق السلطة‬
‫التقديرية‪ .‬بحيث ال يمارس أي شخص تصرفا نيابة عن سلطة الدولة إال باالستناد إلى قاعدة قانونية معروفة‪،‬‬
‫على نحو ما ترخص له القيام بهذا التصرف(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬دراسة مقارنة‪،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪،،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪ -4‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة و مدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ، 2330 ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -5‬تقوم آراء "دايسي" على فكرة أن القاعدة القانونية اليت تعين سيادة القانون على حنو حيول دون ختويل احلكومة أي سلطة حتكمية أو امتياز أو تقدير‬
‫مطلق‪ .‬ويذهب "دايسي" إىل تعريف سيادة القانون تعريفا يرتكز على ثالثة أمور أساسية هي‪ :‬التمسك بالتزام حدود القانون الصادر من الربملان‪ ،‬وتأكيد‬
‫الوضع املتميز للحريات االجنليزية بوصفها متولدة عن الشريعة العامة‪ .‬وأخريا إنكار السلطة التقديرية وتأكيد رقابة القضاء يف مقابلتها‪ .‬ويعد هذا العنصر‬
‫األخري أهم ما مييز نظرية "دايسي" ولسيادة القانون يف رأي "دايسي"عدة واجهات متميزة أمهها‪:‬‬
‫(أ) أن األفراد ال جيوز معاقبتهم أو فرض أي قانون يؤذيهم يف أبداهنم وأمواهلم إال بسبب انتهاك متميز لقانون يكون قد شرع بالطريقة القانونية العادية‪،‬‬
‫وأن تتقرر املخالفة أمام احملاكم العادية للدولة‪ ،‬ومن مث فإن سيادة القانون تعارض كل نظام سياسي مؤسس على ممارسة األشخاص الذين يف احلكم‬
‫سلطات من القهر واسعة وحتكمية و تقديرية‪.‬‬
‫(ب) أن كل شخص خيضع للقانون العادي للدولة‪ ،‬وكل تصرف يكون حمل مساءلة يدخل يف والية احملاكم العادية وحدها‪...‬وهلذا فإن الصفة العامة‬
‫لشخص املعتدي ال حتميه كفرد‪.‬‬
‫ويرى "دايسي"أن القانون يتميز متاما عن اإلدارة‪ ،‬فالقانون هو جمموعة قواعد خاصة تطبقها احملكمة العادية‪ .‬يف حني أن اإلدارة تعين السلطة‬
‫التقديرية والتحكم الوظيفي‪ .‬لذا عرف "دايسي" سيادة القانون بأهنا "السمو املطلق باملقابلة لتأثري السلطة املتحكمة‪ .‬وهي تستبعد لذلك وجود‬
‫التحكم أو االمتياز أو حت السلطة التقديرية الواسعة من جانب احلكومة"‪ .‬ملزيد من التفاصيل راجع‪ :‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة‬
‫التقديرية لإلدارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫مأخذ هذه الفكرة أنها تخلط بين التاريخ والموضوع‪ .‬فبحث أساس السلطة التقديرية سابق لبحث القاعدة‬
‫وعالقتها بالتقدير‪ .‬كما أن العالقة بين القواعد واألشخاص القانونية ال تنال من الوضع الواقعي الذي يكون‬
‫فيه رجل اإلدارة وحرية تقديره لبعض النواحي المادية‪ .‬إذ أن هذه النظرية تقتصر فائدتها على تحديد مجال‬
‫التقدير أو معيار قيامه‪ ،‬ال على بيان أساس السلطة التقديرية(‪.)1‬‬
‫كما ينتقد هذا الرأي بأنه "متطرف"‪ ،‬ويصل إلى تقييد تصرفات اإلدارة إلى حد بعيد‪ .‬إذ يجعل منها‬
‫مجرد أداة لتطبيق القانون‪ .‬وهو بذلك يسلبها القدرة على االبتكار ويجردها من عنصر االستقالل في مباشرة‬
‫يعض التصرفات على األقل‪ .‬كما أن هذا الرأي يؤدي إلى توسيع مدلول مبدأ المشروعية على حساب ضغط‬
‫(‪)2‬‬
‫سلطة اإلدارة وتقييد دائرة حريتها في التصرف‪ ،‬بل يصل إلى شل هذه الحرية‪.‬‬
‫لذلك ذهب البعض إلى عكس هذا الرأي‪ ،‬بالقول أن الخضوع للقانون"ال يحجب ما تتمتع به الهيئات‬
‫العامة من سلطة التقدير الحر لكثير من تصرفاتها‪ ،‬حتى تتمكن من حسن أدائها وظائفها وحتى ال ينقلب‬
‫نشاطها آليا يعطل سير المرافق العامة ويصم القانون بالجمود والتخلف"(‪.)3‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النظرية االيجابية‪ :‬فكرة المشروع‬
‫تقوم هذه الفكرة على أساس أن اإلدارة بما تباشره من أنشطة متعددة ال تختلف عن مشاريع األفراد‬
‫الخاصة‪ .‬بمعنى أن اإلدارة العامة بهيئاتها المختلفة عبارة عن مشروع يشبه إلى حد كبير المشروعات‬
‫الخاصة لألفراد‪ .‬وطالما أن هؤالء األفراد يتمتعون عند إدارتهم لتلك المشروعات بسلطة تقديرية فإنه يجب‬
‫االعتراف كذلك لإلدارة بمثل هذه السلطة(‪ .)4‬وفكرة المشروع إذن هي العامل الذي يجسد نشاط كل من اإلدارة‬
‫واألفراد‪ ،‬ومن ثم فهي أساس تمتع كل منهم بقدر من حرية التصرف عند إدارته النشاط الخاص به(‪.)5‬‬
‫وهكذا تتبلور اإلجابة عن التساؤل المطروح عن سبب تخلي القواعد القانونية عن تحديد النشاط اإلداري‬
‫أحيانا‪ .‬وبمعنى آخر سبب تمتع اإلدارة باالستقالل وحرية التقدير في ممارسة النشاط اإلداري‪ ،‬وبالتالي‬
‫سلطات اإلدارة بوصفها المدير المسؤول أو الرئيس لهذا المشروع‪ .‬فالسلطة التقديرية أمر يرتبط بطبيعة‬
‫المشروع‪ ،‬بحيث يتعين النظر إلى النشاط اإلداري بوصفه من المشروعات(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ -2‬حممد كامل ليله‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1198،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -3‬طعيمة اجلرف‪ ،‬مبدأ املشروعية و ضوابط خضوع الدولة للقانون‪ ،‬القاهرة‪،1190 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -4‬أكثر ما يتمثل املشروع اخلاص يف الشركات القانونية‪ .‬فعلى رأس الشخص املعنوي اخلاص يوجد الرئيس املمارس للسلطة يدير املشروع وميلك سلطة‬
‫اإلدارة وتوقيع اجلزاء‪ .‬والسلطة اليت ميتلكها مدير املشروع توازيها فكرة املسؤولية و حيدها سوء استعمال احلق‪ .‬واملدير الذي يتحمل أعباء املشروع ومسؤولياته‬
‫يتعني أن يتوفر له حرية تنظيمه حت يتسىن له حتقيق أغراض املشروع وغاياته‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ -5‬رمضان حممد بطيخ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 62‬و ‪.68‬‬
‫‪ -6‬سامي مجال الدين ‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫إن فكرة المشروع إذن هي العامل المشترك الذي يجسد نشاط كل من اإلدارة واألفراد‪ .‬ومن ثم فهي‬
‫أساس تمتع كل منهم بقدر من حرية التصرف عند إدارته النشاط الخاص به‪ .‬ويوضح العميد "هوريو" هذه‬
‫الفكرة فيقول‪... ":‬إن كل فرد في ظل القانون الخاص يعتبر كرؤساء المشاريع‪ ،‬ليس فقط فيما يتعلق‬
‫بنشاطه التجاري والصناعي‪ ،‬ولكن فيما يتعلق بكل جوانب حياته األخرى‪...‬إن الهيئات اإلدارية كاألفراد هم‬
‫بمثابة رؤساء مشروع‪ ،‬ولهم لهذا السبب أن يقيدوا أنفسهم تقييدا ذاتيا‪ ،‬كما لهم أن يقدروا مالءمة‬
‫أعمالهم‪ ،‬بل إن صفة رؤساء المشروع تظهر في الهيئات اإلدارية بشكل أكبر مما تظهر عليه بالنسبة‬
‫لألفراد‪ ،‬ذلك ألن الهيئات اإلدارية كمؤسسات تعمل لمصلحة األفراد والدولة إنما في حقيقتها مشروع كبير‬
‫للنظام العام و المنفعة العامة‪.)1("...‬‬
‫وعليه فإن اإلدارة تقوم بتسيير مشروع كبير يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬من خالل إقامة النظام‬
‫العام وتوفير المنفعة العامة‪ .‬وفي سبيل ذلك تملك اإلدارة تقييد نشاطها ذاتيا‪ .‬كما تملك كذلك تقدير مالءمة‬
‫نشاطها وأعمالها‪ .‬ومن ثم تمثل صفة المشروع للنشاط اإلداري مصدر السلطة التقديرية وأساسها‪ ،‬بحيث‬
‫يتميز المشروع لقيامة مستندا على تجمع إنساني منظم يديره مسؤول عن تحقيق غاية محددة‪ .‬ويملك سلطة‬
‫توجيه نشاط هذا التجمع نحو الغرض المنشود(‪.)2‬‬
‫كما أن المرفق العام عند " ريفيرو" يتضمن العناصر األساسية للمشروع‪ .‬فهو يهدف إلى تحقيق‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬وهي الباعث في أوجه نشاطه لتلبية الحاجات الحيوية‪ .‬ومن هنا تقوم العالقة بين المسؤولية‬
‫والسلطة فحيث توجد المسؤولية توجد السلطة التقديرية(‪ .)3‬فالمرفق يكون وحدة مستقلة‪ ،‬وتعليمات الرئيس هي‬
‫قواعد القانون الداخلي لهذه الوحدة التي تحكم اإلدارة الداخلية وموظفي المرفق(‪.)4‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن اإلدارة وهي تدير مرافقها ال تكون مقيدة فقط بالتشريع‪ ،‬بل وبالتوجيهات المستمدة‬
‫من فكرة المشروع كذلك‪ .‬فبينما يكون كل شخص في ظل القانون الخاص أسير فرديته‪ ،‬بحيث يملك تحديد‬
‫صفة مشروعه لتحقيق غاياته الخاصة‪ .‬فإن الهيئات اإلدارية –وعلى العكس من ذلك‪ -‬تخضع لفكرة واحدة‬
‫وغاية محددة هي المصلحة العامة(‪.)5‬‬
‫يرى أغلب الفقهاء أن هذا االتجاه هو األقرب للصحة وذلك بالنظر إلى السلطة اإلدارية‪ ،‬وخاصة من‬
‫الناحية الموضوعية‪ .‬إذ يمكن تحليل موضوعات النشاط اإلداري باعتبارها من المشروعات(‪ .)6‬وهو أمر من‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -3‬بيزي لوران (ترمجة حممد عرب صاصيال)‪ ،‬لويس روالن املنظر املنسي للمرفق العام‪ ،‬جملة القانون العام وعلم السياسة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬اجلزائرية‬
‫للكتاب‪ ،2339،‬ص ‪.866‬‬
‫‪ -4‬املقال نفسه ص ‪.890‬‬
‫‪ -5‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬دراسة مقارنة‪،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬سنة ‪ 1912‬هجرية ‪،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -6‬يستدل "فينيزيا" على ذلك من خالل دراسته للقواعد الدستورية وتفسري قضاء جملس الدولة الفرنسي هلا‪ ،‬فالفقرة األوىل من املادة ‪ 92‬من دستور‬
‫‪ 1199‬تنص على‪ ":‬أن رئيس جملس الوزراء يضمن تنفيذ القوانني"‪ .‬فهذا النص مينح رئيس السلطة التنفيذية سلطة ضمان النظام وحسن سريه وإدارة املرافق‬
‫السهل التسليم به بصدد الموافق العامة‪ .‬كما أنه ليس من العسير النظر إلى الضبط اإلداري باعتباره كذلك‬
‫من المشروعات‪ ،‬قصد تحقيق أهداف تندرج في إطار المصلحة العامة‪ ،‬مثلها في ذلك مثل سائر أوجه‬
‫النشاط الفردي مع اختالف الغاية والمقاصد(‪.)1‬‬
‫رغم االختالف بين المشروع الخاص الذي يسعى أساسا لتحقيق الربح والمشروع العام الذي ال يهدف‬
‫سوى إلى تحقيق النفع أو الصالح العام‪ .‬إال أن الدكتور "رمضان محمد بطيخ" يرى بأن فكرة المشروع تعد‬
‫من أنجح األفكار التي تفسر األساس القانوني السليم لما تتمتع به اإلدارة من سلطة تقديرية‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى النشاط اإلداري في مجموعه‪ ،‬فسوف نجده فعال ال يختلف بدرجة كبيرة عن مشروعات األفراد‬
‫الخاصة‪ .‬فالمرافق العامة كما سبق وأن أشرنا أعاله‪ ،‬والضبط اإلداري مثال ما هي في حقيقتها إال من قبيل‬
‫المشروعات التي تسعى اإلدارة من ورائها إلى تحقيق أهداف تندرج في إطار المصلحة العامة‪ .‬خاصة إذا‬
‫وضعنا في االعتبار أن دور اإلدارة العامة اليوم يختلف جذريا عن دورها في الماضي‪ ،‬حيث كانت مجرد أداة‬
‫أو وسيلة لتنفيذ األهداف والسياسات التي تضعها السلطة السياسية العليا في الدولة‪ .‬فقد صارت اليوم تشارك‬
‫بشكل رئيسي في تحديد األهداف وتشكيل السياسات‪ ،‬ومن ثم صنع الق اررات وتنفيذها‪ .‬بمعنى أن دور اإلدارة‬
‫تحول من مجرد التنفيذ إلى اإلسهام في وضع السياسة العامة للدولة‪ ،‬بل وفي وضع اإلستراتيجية الالزمة‬
‫لتحويل هذه السياسة إلى ق اررات تحقق أهداف الدولة في كافة المجاالت(‪.)2‬‬
‫مما الشك فيه أن هذا الدور يتطلب أن يكون لإلدارة قد ار أكبر من حرية التقدير في إصدار ق ارراتها‬
‫اإلدارية‪ ،‬على النحو الذي يكفل تحقيق هذه السياسة العامة وتطويرها بما يتالءم وظروف المستقبل المتغيرة‪.‬‬
‫كما يتطلب أيضا رؤية متطورة للنشاط اإلداري باعتباره بمثابة مشروع أو مرفق يتعين أن يؤدي نشاطه أو‬
‫عمله على أكمل وجه‪ .‬ومن ثم ضرورة االعتراف لإلدارة في خصوصه بسلطة تقديرية(‪.)3‬‬
‫طبقا لهذا التأصيل تظهر فكرة المشروع كأساس للسلطة التقديرية في صورة ايجابية موضوعية‪ ،‬وتكون‬
‫هذه السلطة بدورها مظه ار لهذه الفكرة(‪ ".)4‬وليست بدعة أن تنمو في القانون العام فكرة جديدة‪ ،‬تستمد‬

‫العامة‪ .‬مث يتطرق "فينيزيا" إىل قضاء جملس الدولة الفرنسي ليحاول التدليل على أن القضاء اإلداري يعرتف أيضا بقيام صفة املشروع يف النشاط اإلداري‬
‫وذلك من خالل قضييت"البون"و " هرييه"‪ ،‬حيث استخلص منهما أنه عندما تقوم املسؤولية على حتقيق غاية معينة يقوم املشروع‪ .‬وحينئذ توجد السلطة‬
‫التقديرية‪ .‬ملزيد من التفاصيل أنظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 98‬و ‪ .91‬نقال عن‪:‬عصام عبد الوهاب الربزجني‪ ،‬السلطة التقديرية والرقابة‬
‫القضائية على أعمال االدارة‪ ،‬دكتوراه‪ ،‬حقوق القاهرة‪،1121،‬ص ‪.999‬‬
‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪. 23‬‬

‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬التنظيم اإلداري للوظيفة العامة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، 1113 ،‬ص ‪ 13‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪ -4‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 61‬‬


‫جذورها من نظم القانون الخاص‪ ،‬فال يزال القضاء اإلداري ينهل كل يوم من مبادئ القانون المدني عناصر‬
‫نظريته المبدعة‪ ،‬باعتبار هذه المبادئ حصيلة فكر قانوني يبحث عن العدالة ومصالح المجتمع"(‪.)1‬‬
‫رغم استحسان الكثير من الفقهاء لفكرة المشروع كأساس للسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إال أن هذه النظرية لم‬
‫تسلم من النقد حيث وجهت لها العديد من المالحظات نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تشبيهها الكامل للمشاريع الخاصة باإلدارة العامة‪ ،‬وذلك ما ال يمكن التسليم به‪ .‬الختالف الغرض المنشود‬
‫من حيث المصلحة‪ .‬فاألول يسعى إلى تحقيق مصلحة مدير المشروع الخاصة بالدرجة األولى‪ ،‬أما الثاني‬
‫فهدفه تحقيق المصلحة العامة(‪.)2‬‬
‫‪ -‬إن كل ما يمكن اعتباره من نشاط اإلدارة متصفا بصفة النشاط ضمن إطار المشروع‪ ،‬ال يمكن اعتباره‬
‫على أنه نشاط تقديري لإلدارة‪ .‬ومثال ذلك أن مدير المشروع الخاص يختار المتعاقدين معه بمحض اختياره‬
‫الحر‪ ،‬في حين أن المناقصة أو المزايدة هي األسلوب الذي يقيد إرادة واختيار مدير المشروع العام‪ .‬كما أن‬
‫مدير المشروع الخاص له كامل الحرية في اختيار موظفي المشروع‪ ،‬في حين أن اإلدارة ال تملك هذه الحرية‬
‫الواسعة في اختيار موظفيها‪ .‬فالمسابقات واالختبارات تقيد اختيارها إلى حد كبير في هذا المجال(‪.)3‬‬
‫‪ -‬إن اعتبار السلطة التقديرية حقيقة موضوعية‪ ،‬سيؤدي إلى التجهيل بدور القاضي في التدخل لتقييد سلطة‬
‫اإلدارة‪ .‬كما يعجزه عن التدخل لتفسير إرادة المشرع فيما يتعلق بالنصوص الغامضة والعامة(‪ .)4‬وان كان‬
‫(‪)5‬‬
‫يرى بأنه ال تعارض البتة بين نمو دور القاضي وأساس السلطة التقديرية‪،‬‬ ‫األستاذ" محمد مصطفى حسن "‬
‫فهذه المسألة تخص مجال التقدير وال عالقة لها بأساس السلطة التقديرية‪.‬‬

‫‪ -1‬يستدل األستاذ "حممد مصطفى حسن" على ذلك بأنه يف جمال املسؤولية اإلدارية والعقود اإلدارية نلمس بوضوح هذا االقتباس املستمر‪ .‬كما أن‬
‫النظريات الدستورية املختلفة يف العقد االجتماعي عند "هوبز" و"جان جاك روسو" تصدر مجيعا عن فكر احلياة اخلاصة‪ .‬فاحلياة اخلاصة يف األسرة والقبيلة‬
‫سبقت بال شك احلياة العامة يف الدولة احلديثة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص‬
‫‪.21‬‬
‫‪ -2‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -4‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫لفرع الثاني‬
‫مبررات السلطة التقديرية‬
‫إذا كانت السلطة التقديرية تتيح لإلدارة حرية االختيار والتصرف‪ ،‬فإنها تعد بهذا الوصف جوهر اإلدارة‬
‫ذاتها وامتيا از أساسيا ورئيسيا من امتيازاتها‪ ،‬بل وسمة من السمات المميزة لها‪ .‬إذ تمارس اإلدارة في الواقع‬
‫نشاطا إنسانيا يستعصي بطبيعته على أن يقيد تقييدا تاما بقواعد قانونية محددة وموضوعة سلفا‪ .‬من هنا‬
‫يجمع الفقه على ضرورة االعتراف بها لإلدارة‪ ،‬ويبررون ذلك بحجج عديدة ارتأينا تصنيفها إلى مبررات عملية‬
‫وأخرى فنية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المبررات العملية‬
‫تستن د السلطة التقديرية لإلدارة إلى اعتبارات عملية تمنح اإلدارة عدة اختيارات لمواجهة الواقع الذي ال‬
‫يستطيع المشرع أن يتصوره مسبقا‪ ،‬وال يمكن للقاضي معايشة مالبساته وتفاصيله(‪.)1‬‬
‫وحرية اإلدارة التي تتمثل في سلطتها التقديرية‪ ،‬هي ضرورة عملية فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالمشرع‪،‬‬
‫وفيما يتعلق بعالقتها بالقضاء(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالمشرع‬
‫إن السبب الرئيسي لقيام السلطة التقديرية يرجع إلى اعتبارين أساسيين ‪:‬‬
‫أ‪ -‬االعتبار األول‬
‫مرده أن السلطة التقديرية لإلدارة تجد أساسها وتبريرها في أن المشرع عند سنه للنصوص القانونية في‬
‫شكل عام ومجرد‪ ،‬ال يمكن أن يحيط علما بمجمل الوقائع بما تحمله من احتماالت مختلفة وحاالت متباينة‬
‫وفروع وجزئيات متداخلة ومتشابكة(‪ .)3‬وال مناص في مثل تلك المجاالت من أن يكتفي المشرع بوضع‬
‫الضوابط العامة أو القيود العامة‪ .‬ويترك اإلدارة في نطاقها تتصرف بقدر من الحرية والتقدير‪ ،‬ألنها أقدر‬
‫بحكم اتصالها بالواقع اليومي أن تواجه األمور بالوسائل المناسبة والمالئمة‪.‬‬
‫مثال في مجال الضبط اإلداري‪ ،‬من الممكن أن يحدد المشرع سلطات اإلدارة والقيود الهامة‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يستطيع مقدما وبطريقة مسبقة أن يبين أي حالة واقعية بذاتها يمكن استعمال هذه السلطة أو تلك‪ .‬كذلك في‬
‫شأن الترقيات إلى الوظائف العليا‪ ،‬ال يستطيع المشرع مقدما أن يحدد معايير دقيقة للكفاءة والجدارة في كل‬
‫الحاالت‪ ،‬إذ هناك ضرورة عملية تدعو إلعطاء السلطة اإلدارية قد ار البأس به من التقدير وحرية‬
‫االختيار‪.)4(.‬‬

‫‪ -1‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،2331،‬ص‪.11‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -3‬حممد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،2333،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -4‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.611‬‬
‫لذلك نجده ‪-‬أي المشرع‪ -‬يعترف لجهة اإلدارة بقدر من الحرية‪ ،‬اعتبا ار من أنها األقرب ميدانيا واألكثر‬
‫اتصاال بالحياة اليومية الجارية‪ ،‬واألكثر علما بالمعطيات الجديدة والمسائل غير المشمولة بالنص(‪.)1‬‬
‫ب‪-‬االعتبار الثاني‬
‫يرجع إلى الخبرة والتجارب التي تكتسبها اإلدارة ووسائلها الخاصة التي تستقي منها معلوماتها‪ ،‬والروح‬
‫العملية التي تستمدها من إشرافها المستمر على الم ارفق العامة في الدولة‪ .‬ولهذا السبب فإن المشرع مهما‬
‫راعى الحذر والتبصر‪ ،‬ال يمكنه أن يحدد جميع أوجه مناسبة العمل اإلداري(‪.)2‬‬
‫فعجز المشرع عن اإلحاطة مقدما بكل تفصيالت العمل اإلداري‪ ،‬خاصة في الدولة المتدخلة التي‬
‫غزت مختلف مجاالت النشاط الخاص بما فيه من مفاجآت ومواقف غير متوقعة‪ .‬جعل المشرع غالبا ما‬
‫يكتفي بصياغة قواعد التشريع بشكل عام ومجرد‪ ،‬تاركا مواجهة دقائق األمور وتفصيالتها لإلدارة صاحبة‬
‫االختصاص األول في التنفيذ‪ .‬بل وحتى في حالة ما إذا وضع المشرع قواعد قانونية تفصيلية لكيفية مباشرة‬
‫نشاط معين‪ ،‬فإن التطورات المتالحقة والتغيرات الدائمة التي تط أر – وهذا أمر حتمي – على هذا النشاط‬
‫تباعد في الواقع كثي ار بينه وبين تلك القواعد القانونية التي وضعت لتحكمه في زمن معين أو في ظل ظروف‬
‫معينة‪ .‬والتي يصعب كذلك أن تعدل وتغير بشكل دائم ومستمر‪ ،‬لما في ذلك من تناقض مع ما يجب أن‬
‫يتسم به التشريع من ثبات واستقرار‪ .‬لذلك فإنه يصبح من الحتمي االعتراف لإلدارة بقسط من الحرية حتى‬
‫تواجه مثل هذه التطورات أو تلك التغيرات‪ .‬أي االعتراف لها بسلطة تقديرية تواجه بها متطلبات الموقف‬
‫الجديد(‪ ،)3‬وتسد عن طريقها ما يشوب التشريع القائم من ثغرات وفجوات دون النظر إلجراءات صدور تشريع‬
‫آمر‪ .‬وهي إجراءات – كما نعلم – صعبة و معقدة تستغرق في الغالب وقتا طويال‪ .‬خاصة في الحاالت‬
‫العاجلة التي تتطلب فيها المصلحة العامة ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ عن أمن الدولة أو على‬
‫النظام العام‪ ،‬أو لمواجهة أية ظروف طارئة لم تكن في الحسبان(‪.)4‬‬
‫وتخلي المشرع عن تقييد اإلدارة في شأن مسألة إدارية ما‪ ،‬ال يفيد حتما تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية في‬
‫الجوانب التي لم يقيدها المشرع فيها‪ .‬إذ من المتصور أن يكون مرجع عدم التقييد هو عجز المشرع من‬

‫‪ -1‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332 ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪ -2‬حممد بن طاهر‪ ،‬املادة‪ 2‬من القانون ‪ 20 – 13‬وانعكاساهتا على القضاء اإلداري‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪،‬‬
‫‪ ،1112‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 62‬و ‪.60‬‬
‫‪ -4‬هذا ما يؤكده جملس الدولة الفرنسي يف احلكم الصادر يف قضية » ‪« Doublier‬بتاريخ ‪ 20‬أكتوبر ‪ ،1161‬حيث يقرر يف هذا احلكم أن على‬
‫اإلدارة – عند حدوث موقف خطري أو غري متوقع – التزام بالعمل بالتصرف مبواجهة هذا املوقف‪ ،‬و ذلك دائما حيقق و يصون النظام العام‪ .‬ومما جاء فيه‪:‬‬
‫‪« L’administration a l’obligation d’agir à raison de la gravité du péril résultant d’une situation‬‬
‫‪particulièrement dangereuse pour le bon ordre, la sécurité et la salubrité publique ».‬‬
‫انظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫الناحية الفنية أو القانونية عن ذلك‪ ،‬و ليس التخلي بإرادته الحرة عن التقييد مع توافر القدرة عليه بهدف منح‬
‫اإلدارة السلطة التقديرية‪ ،‬ومثال ذلك إجراءات الضبط اإلداري(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬فيما يتعلق بعالقة اإلدارة بالقضاء‬
‫ال يستطيع القاضي – أيضا ‪ -‬أن يمد رقابته إلى الجانب التقديري من نشاط اإلدارة ألنه مهما وضع‬
‫أمامه من معلومات‪ ،‬ومهما قام بأبحاث وتحريات حول موضوع النزاع سيكون بعيدا عن المكان الذي تتم فيه‬
‫الوقائع التي تستلزم تدخل اإلدارة‪ .‬كما أنه يصدر حكمه عادة بعد مضي زمن قد يمتد سنوات عديدة بعد وقوع‬
‫تلك الحوادث‪ .‬مما يستحيل معه أن يكون صورة مماثلة تمام المماثلة للحالة وقت وقوعها‪ .‬كما تنقصه الخبرة‬
‫الكافية لمواجه الحاالت التي تعرض على اإلدارة‪ .‬باإلضافة إلى عدم إحاطته بالوسائل التي تتخذها اإلدارة‬
‫(‪)2‬‬
‫لدرء هذه الحاالت‪.‬‬
‫لكل هذه االعتبارات‪ ،‬يجب التنويه إلى أن سلطة اإلدارة التقديرية مسألة ضرورية‪ ،‬البد من التسليم بها‪.‬‬
‫إذ هي ترتبط بطبيعة الوظيفة اإلدارية ويفرضها الصالح العام‪ .‬ويؤكدها عجز المشرع عن تنظيم جزئيات‬
‫وتفصيالت األعمال اإلدارية(‪.)3‬‬
‫الخالصة أن السلطة التقديرية هي حقيقة واقعية‪ .‬وهي أمر تستلزمه مقتضيات النشاط اإلداري(‪.)4‬‬
‫وذلك في وقت تواجه فيه اإلدارة اليوم حركة تحول أساسية ومستمرة‪ ،‬شملت مختلف الجوانب االقتصادية‬
‫(‪)6‬‬
‫والسياسية واالجتماعية(‪ .)5‬إضافة إلى الثورة التقنية الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر‪.‬‬
‫ال ريب في أن هذه التحوالت التي تستلزم التغيير والتطور الدائمين‪ ،‬تتطلب إدارة عامة على أعلى‬
‫مستوى من األداء والفاعلية ومن ثم فإن المصلحة العامة لن تتوافق مع إدارة مبرمجة السلوك مثل اإلنسان‬
‫اآللي(‪ .)7‬وانما يستلزم تحقيق هذه المصلحة العامة أن تكون لإلدارة العامة سلطتها التقديرية بالقدر الكافي‬
‫لمواجهة التحوالت الكبرى التي يشهدها عالم اإلدارة العامة اليوم في أهدافها ووسائلها ودورها ونشاطها‪ ،‬حتى‬
‫تكون على الدوام متوافقة مع الظروف المتغيرة والمتجددة‪ .‬ضمانا لحسن يسر العمل اإلداري‪ ،‬مما ينعكس‬
‫باإليجاب على حقوق األفراد وحرياتهم(‪.)8‬‬
‫من هنا‪ ،‬تبدو السلطة التقديرية كضرورة اجتماعية ال غنى عنها‪ .‬وكوسيلة مثلى لتحقيق المصلحة‬
‫العامة‪ .‬بل ولضمان المشروعية في المجتمع‪ .‬ذلك أن الغاية من النشاط اإلداري هي تحقيق المصلحة العامة‬

‫‪ -1‬صايف عبد اهلل‪ ،‬سلطات رئيس اجمللس الشعيب البلدي يف الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة أم البواقي‪ ،2338،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -2‬توفيق شحاتة‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1166 ،‬ص ‪.992‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القانون اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق ‪ ،1121،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -4‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.611‬‬
‫‪ -5‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333 ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -6‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف اإلسكندرية‪ ، 2330 ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -7‬عدنان عمرو‪ ،‬مبدأ املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ -8‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪.68‬‬
‫وهو ما يمثل عنصر المشروعية فيه(‪ .)1‬أما الوسائل المؤدية إلى تحقيقها فهي أمر يتعين أن يترك لتقدير‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلدارة باعتبارها من عناصر المالءمة في هذا العمل أو النشاط‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬المبررات الفنية ( اعتبار الكفاءة اإلدارية )‬
‫تقضي مبادئ علم اإلدارة بأ ن حسن قيام اإلدارة بوظيفتيها يتطلب تمتعها بقدر من السلطة التقديرية‪،‬‬
‫يسمح لها باستخدام إرادتها في ممارسة اختصاصاتها وتطبيق القانون بما يتفق والواقع الذي تحتك به‪ .‬إذ أن‬
‫القانون مهما بلغ شموله وزادت دقته ال يقوى على اإلحاطة بجزئيات ال حصر لها‪ .‬كما أن تطبيق القانون‬
‫على الحاالت الفردية يقتضي تشغيل الفكر والتدبر‪ .‬وتؤدي المبالغة في تقييد حرية اإلدارة إلى جمودها وشل‬
‫حركتها وتقليل فعاليتها‪ ،‬بل وعدم أدائها مهامها على النحو الالئق)‪.(3‬‬
‫وعليه فإ ن اإلدارة ال يمكن أن يقتصر دورها على أن تكون مجرد تابع للقانون‪ .‬ومجرد آلة صماء أو‬
‫أداة لتنفيذه تنفيذا حرفيا‪ .‬بل يتعين منحها القدرة على االختيار واالعتراف لها بقدر من حرية التصرف‪ ،‬حتى‬
‫ال توصف بالجمود وحتى تنمو لديها ملكة االبتكار والتجديد‪ .‬مما يكفل في النهاية حسن سير المرافق العامة‬
‫بانتظام واطراد(‪.)4‬‬
‫إن خبرة اإلدارة وتجاربها المكتسبة في إدارة المشروعات العامة‪ ،‬نتيجة احتكاكها الدائم بالعمل وظروفه‬
‫المتغيرة‪ ،‬يجعلها في الواقع أقدر من غيرها على تقدير مناسبة األعمال المختلفة‪ .‬وكذلك في استنباط الضوابط‬
‫اإلدارية المالئمة لتلك األعمال‪ .‬األمر الذي يبرر االعتراف لها بقدر من حرية التصرف والتقدير عند مباشرة‬
‫مختلف أوجه نشاطاتها‪ .‬خاصة أن معظم النصوص التشريعية ال تحدد بطريقة صريحة ومحددة وسيلة وكيفية‬
‫(‪)5‬‬
‫تنفيذها‪ ،‬تاركة مثل هذه المسائل لإلدارة صاحبة اإلمكانيات الفنية والخبرة العملية في هذا المجال‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪.123‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- pour M. Giraud, « la raison d’être du pouvoir discrétionnaire est double : c’est tout d’abord, la difficulté pour le‬‬
‫‪législateur d’adapter les règles générales qu’il formule à l’extrême variété de la vie sociale , sans cesse‬‬
‫‪changeante , et la nécessité de laisser l’administration mieux placée pour connaitre et pour juger, procéder sans‬‬
‫‪entrave aux constatations techniques et générales à la suite desquelles elle prendra les mesures nécessaires pour‬‬
‫‪assurer la marche des services publics et l’exécution des lois. C’est en second lieu, l’expérience, les moyens‬‬
‫‪d’information et L’esprit pratique de l’administrateur supérieur à ceux du juge.‬‬ ‫‪». Jean Rivero, Jean Waline, droit‬‬
‫‪administratif, 14 Emme édition, Dalloz, Paris, 1999 ,p 88.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- André Delaubadère,Yves gaudement traité de droit administratif, tome1,Libraire général de‬‬
‫‪droit de jurisprudence,16 Emme édition, Paris,1999,p225.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Thierry Cathala, le contrôle de la légalité administrative par les tribunaux judiciaires,‬‬
‫‪L.G.D.J, Paris, 1996,p 29 et suivantes.‬‬
‫‪ -5‬عدنان عمرو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 99‬و ‪.96‬‬
‫بالتالي فإن السلطة التقديرية هي أمر ال غنى عنه لإلدارة‪ ،‬التي أصبحت في الوقت الحاضر إدارة‬
‫خدمات‪ .‬حتى تتمكن من أداء ووظائفها على أكمل وجه تحقيقا للمصلحة العامة في مختلف المجاالت(‪.)1‬‬
‫فاإلدارة بحكم تنظيماتها الضخمة مآلها في كل الدول إلى الحركة البطيئة الثقيلة‪ .‬واذا جاء المشرع أو القاضي‬
‫ليحدد لها بدقة كل ما يمكن عمله بنصوص مقيدة دائما‪ ،‬فإن النتيجة ستكون قتل روح الخلق واإلبداع لدى‬
‫الجهاز اإلداري‪ .‬وفي ذلك بال شك ضرر بالمصلحة العامة للمواطنين‪ ،‬ألن اإلدارة هي ذراع الدولة في البناء‬
‫والتعمير وانشاء المرافق العامة وحماية األمن الداخلي والخارجي‪ .‬وهي ال تستطيع القيام بتلك المسؤوليات‬
‫بدون قدر هام من حرية التقدير وبالذات بدون أن يترك لها حق اختيار الوسائل التي تراها مالئمة لتحقيق‬
‫المصالح واألهداف العامة)‪.(2‬‬
‫وليس في ذلك االعتراف أي إضرار بحقوق األفراد و حرياتهم)‪ ،(3‬خاصة مع حرص المشرع والقضاء‬
‫على عدم االعتراف بالسلطة التقديرية لإلدارة إال بالقدر الالزم والضروري لتحقيق أهدافها دون أن تضر‬
‫بحقوق األفراد و حرياتهم)‪.(4‬‬
‫وعليه فان السلطة التقديرية هي وسيلة إلحياء روح العدالة اإلنسانية في التطبيق الفردي للقاعدة‬
‫القانونية‪ .‬ذلك أ ن هذه القاعدة تقرر في الواقع نفس المبادئ واألحكام لعدد ال نهائي من الحاالت الفردية‬
‫المستقبلية التي ال تتطابق حتما مطابقة تامة‪ ،‬بل هي في الغالب تتفاوت وتختلف عن بعضها البعض بشكل‬
‫أو بآخر(‪.)5‬‬
‫وهذا التفاوت واالختالف يظهر في كثير من األحيان عدم مالءمة القاعدة القانونية‪ ،‬بل وقسوتها أحيانا في‬
‫التطبيق الفردي‪ ،‬ولذلك فإن اإلدارة تستطيع عن طريق سلطتها التقديرية أن تبعث في التطبيق الفردي للقاعدة‬
‫القانونية تلك الروح اإلنسانية والعدالة التي فقدتها بسب تجر يدها وتعميمهما(‪.)6‬‬
‫والصالح العام ذاته يقتضي أن يكون لإلدارة سلطة تقديرية تواجه بها – في حاالت معينة– كافة‬
‫االحتماالت المتوقعة أو غير المتوقعة‪ .‬وذلك حتى ال يصاب المجتمع في مثل تلك الحاالت بالشلل‬
‫واالرتباك‪ .‬األمر الذي ال يجدي معه أي احترام للقوانين القائمة أو التقيد بأحكامها‪ .‬ولهذا فقد قيل بأن دور‬
‫اإلدارة ال يمكن أن يقتصر على مجرد أن تكون تابعا للقانون‪ ،‬بل يتعين منحها القدرة على االختيار‬
‫واالعتراف لها بقدر من حرية التصرف حتى ال توصم بالجمود‪ ،‬وحتى تنمو لديها ملكة االبتكار والتجديد‪.‬‬

‫‪ -1‬العريب زروق‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا‪ :‬النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد‬
‫الثامن‪ ،2339،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ -2‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.612‬‬
‫‪ -3‬فالسلطة التقديرية ليست خطرية يف ذاهتا‪ ،‬ولكن اخلطورة تكمن يف ممارسة األشخاص الذين ميتلكوهنا‪.‬‬
‫‪ -4‬أنور طلبه‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫‪ -5‬حممود حممد حافظ‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار العربية القاهرة‪ ،1192 ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫مما يكفل في النهاية ليس فقط حسن سير المرافق العامة وما يعود على المجتمع من جراء ذلك من نفع‬
‫وخير‪ ،‬وانما أيضا النهوض واالرتقاء بالمصلحة العامة للجماعة(‪.)1‬‬
‫هكذا أصبحت فكرة السلطة التقديرية اليوم من أهم األفكار األساسية التي يقوم عليها القانون اإلداري‬
‫لدرجة أن» ‪ « Waline‬ربط تعريف هذا القانون بتلك الفكرة(‪ .)2‬وفي ذلك يقول‪" :‬إذا كان األمر يستلزم‬
‫تعريف القانون اإلداري‪ ،‬فإنني أقول‪ ،‬فلندع جانبا‪ ،‬الجانب الذي يتناول المؤسسات اإلدارية بالتعريف‪،‬‬
‫والتي يتشابه في نطاق هذا القانون مع غيره من القوانين‪ ،‬ولكن تعريف القانون اإلداري ينصب أساسا‬
‫حول دراسة السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬وما يرد عليها من قيود من اجل الحفاظ على حقوق األفراد‬
‫والموظفين العموميين"(‪.)3‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 91‬و ‪. 63‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪« S’il fallait donner en quelques mots une définition du droit administratif, je dirais essentiellement l’étude du pouvoir discrétionnaire des‬‬

‫‪autorités administratives et de sa limitation en vue de la sauvegarde des droits des tiers ». Jean Rivero, Jean Waline, droit administratif, 14‬‬

‫‪Emme édition, Dalloz, Paris, 1999 ,p 88.‬‬

‫‪ -3‬نبيلة عبد احلليم كامل‪ ،‬دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية (االجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا)‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1110،‬ص‪.32‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫حدود السلطة التقديرية‬
‫إذا كا نت السلطة التقديرية تثبت لإلدارة نتيجة غياب القواعد القانونية المنظمة للنشاط اإلداري بصدد‬
‫موضوع ما‪ .‬فإنه يتعين علينا أن نبين بدقة كيفية تقييد العمل أو القرار اإلداري أو إطالق حرية اإلدارة في‬
‫شأنه أو في شأن عنصر أو أكثر من عناصره‪ ،‬حتى يتسنى معرفة المجاالت التي تظهر فيها السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة(‪.)1‬‬
‫من المسلم به أن للقرار اإلداري خمسة عناصر أو أركان هي‪ :‬االختصاص‪ ،‬الشكل‪ ،‬السبب‪ ،‬المحل‬
‫والهدف‪ .‬ولقد استقر الفقه والقضاء اإلداريان على أن جميع أركان القرار الخمسة تعد مجاال للتقييد والتقدير‬
‫بحسب موقف المشرع والقضاء منها‪ .‬وأن سلطة اإلدارة التقديرية تختلف من ركن آلخر من أركان القرار(‪.)2‬‬
‫ومن ثم تجسدت حدود السلطة التقديرية في أوجه المشروعية المختلفة التي يجب على اإلدارة احترامها‬
‫(‪)3‬‬
‫وعدم تجاوزها‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫الحدود الخارجية للسلطة التقديرية لإلدارة‬
‫تشمل الحدود الخارجية للسلطة التقديرية األركان اآلتية‪:‬‬
‫ركن االختصاص وركن الشكل واإلجراءات وركن الغاية(‪.)4‬‬
‫أوال‪ :‬السلطة التقديرية وركن االختصاص في القرار اإلداري‬
‫يعرف ركن االختصاص بأنه " الصفة القانونية والقدرة القانونية التي تعطيها القواعد القانونية‬
‫المنظمة لالختصاص في الدولة‪ ،‬لشخص معين ليتصرف ويتخذ ق اررات إدارية باسم ولحساب الوظيفة‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلدارية في الدولة‪ ،‬على نحو يعتد به قانونا"‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية يف مباشرة أعماهلا‪ ،‬فإننا نصادف تقديرها بصدد كافة أعماهلا القانونية من عقود إدارية وقرارات إدارية‪ ،‬وكذلك‬
‫أعماهلا املادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التعمق يف حتليل أعمال اإلدارة لتحديد مواطن السلطة التقديرية فيها‪ ،‬يؤدي بنا إىل الوصول إىل أن هذه السلطة ترتد دوما‬
‫إىل القرارات اإلدارية‪ .‬فالسلطة التقديرية يف جمال العقود اإلدارية ال تثبت إال يف القرارات اإلدارية املتصلة هبذه العقود من قرارات إرساء املناقصات أو‬
‫املزايدات‪ ،‬و قرارات احلرمان من دخوهلا‪ .‬وقرارات توقيع اجلزاءات على املتعاقد مع اإلدارة أو تعديل التزاماته من جانب اإلدارة‪ .‬كما أن األعمال املادية‬
‫لإلدارة تدور معظمها حول تنفيذ القرارات اإلدارية‪ .‬مما يعين جبالء أن القرارات اإلدارية وراء كل تصرف من تصرفات اإلدارة أو أعماهلا‪ .‬انظر يف ذلك‪:‬‬
‫شهرية بوحلية‪ ،‬مدى سلطة القاضي اإلداري على اإلدارة‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،32‬بسكرة‪ ،2339،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .198‬وكذلك إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬الوسيط يف مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬دار‬
‫املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1111 ،‬ص ‪.916‬‬
‫‪ -3‬حمسن خليل‪ ،‬مبدأ املشروعية وتنظيم القضاء اإلداري‪ ،‬مطبعة التوين‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، 1110 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -4‬على الرغم من أن العيب الذي يصيب ركن الغاية يدخل ضمن عيوب املشروعية اخلارجية‪ ،‬إال أننا تناولنا ركن الغاية ضمن احلدود اخلارجية للسلطة‬
‫التقديرية‪ ،‬لكون اإلدارة ال تتمتع يف شأن هذا الركن بأية سلطة تقديرية‪ ،‬كما سنرى يف حينه‪.‬‬
‫‪ -5‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية القرارات اإلدارية بني علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري‪ ،‬دار هرمه‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1111 ،‬ص‪.91‬‬
‫يهدف ركن االختصاص لرعاية مبدأ التخصص ومبدأ تدرج السلطة الرئاسية‪ ،‬لضمان حسن سير‬
‫اإلدارة بانتظام واطراد بداية‪ .‬ولحفظ حقوق األشخاص المتعاملين معها‪ .‬وتحتكم اإلدارة في ذلك لقواعد توزيع‬
‫االختصاص المنصوص عليها في الدستور بالنسبة لرئيس الجمهورية‪ ،‬وفي القوانين واللوائح والق اررات الفردية‬
‫(‪)1‬‬
‫بالنسبة لباقي السلطات اإلدارية‪.‬‬
‫يثور التساؤل حول عالقة عنصر االختصاص بالسلطة التقديرية‪ ،‬وما إذا كانت اإلدارة تتمتع بأية‬
‫سلطة تقديرية في هذا المجال‪.‬‬
‫يرى غالبية الفقه اإلداري أن السلطة التقديرية لإلدارة غير متصورة في هذا الركن‪ ،‬ألن الجهة التي‬
‫تصدر القرار إما أن تكون مختصة أو غير مختصة(‪ .)2‬واذا صدر القرار من جهة غير مختصة فإنه سيكون‬
‫مشوبا بعيب عدم االختصاص وبالتالي موضعا لإللغاء‪ .‬فضال على أن قواعد االختصاص من النظام العام‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فالقاضي اإلداري يملك حق التصدي له والبحث فيه من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫أما إذا اقتضت الظروف أن يتولى االختصاص غير رجل اإلدارة المختص لتحقيق غايات اإلدارة‪،‬‬
‫بصورة تضمن حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد‪ .‬جاز للشخص المختص تفويض االختصاص أو‬
‫الحلول أو اإلنابة في ممارسته‪ .‬وهذا يعني حسب الدكتور" سامي جمال الدين"(‪)4‬أن هناك جانب من حرية‬
‫(‪)5‬‬
‫التقدير وان كان ضئيال‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ألن القانون قد‬ ‫الحقيقة أنه ال يتصور منطقيا أن تكون هناك سلطة تقديرية في ركن االختصاص‪.‬‬
‫يعطي للشخص اإلداري سلطة تقديرية ألداء العمل وقد يقيد سلطت ــه‪ ،‬سواء تمتع بسلطة تقديرية في مجال‬
‫أداء العمل أم ال‪ ،‬فإنه بذلك يكون الحقا على اختصاصه به‪.‬‬

‫‪ -1‬دريسية حسني‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2339،‬ص ‪. 193‬‬
‫‪ -2‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -3‬نواف كنعان‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع والدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2332 ،‬ص ‪ .93‬وعدنان عمرو‪ ،‬مبدأ‬
‫املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬أصول القانون اإلداري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1119 ،‬ص ‪.929‬‬
‫‪ -5‬لكننا نرد على ذلك بأنه حت يف احلاالت اليت جيوز فيها للموظف أن يفوض جزء من اختصاصه ختفيفا ألعبائه من الناحية العملية‪ ،‬فإن ذلك ال يعترب‬
‫تطبيقا للسلطة التقديرية يف جمال االختصاص‪ .‬ألن التفويض ال يتم إال بناء على شروط حمددة‪ ،‬وهذه الشروط جتعل من االختصاص سلطة مقيدة وليست‬
‫تقديرية حبال من األحوال‪ .‬ذات األمر ينطبق على احللول الذي يتم ملواجهة خلو الوظيفة نتيجة غياب املوظف ضمانا لسري املرافق العامة بانتظام واطراد‪.‬‬
‫فليس للموظف املختص أية سلطة تقديرية فيها‪ .‬فمن توافرت فيه شروط احللول فإنه يتم بقوة القانون‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -6‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،2339،‬ص ‪. 233‬‬
‫ثانيا‪ :‬السلطة التقديرية وركن الشكل واإلجراءات في القرار اإلداري‬
‫يقصد بركن الشكل واإلجراءات‪ " :‬مجموعة الشكليات واإلجراءات إلى تتعاون وتتكامل في تكوين‬
‫وبناء القالب واإلطار الخارجي الذي يكشف ويبرر إرادة السلطة اإلدارية في اتخــاذ واصدار قرار إداري‬
‫ظاهر ومعلوما و منتجا آلثاره القانونية ومحتجا به إزاء المخاطبين‬
‫ا‬ ‫معين‪ ،‬وبذلك يصبح القرار اإلداري‬
‫(‪)1‬‬
‫به"‪.‬‬
‫ا ألصل أن اإلدارة غير مقيدة في اإلفصاح عن القرار في الشكل الذي تراه مناسبا‪ ،‬ما لم يحتم القانون‬
‫ضرورة إتباع شكل خاص بالنسبة لقرار معين‪)2(.‬لذلك ذهب جانب من الفقه إلى أن اإلدارة تملك سلطة‬
‫تقديرية أصلية من خالل هذا الركن‪ .‬كما تستطيع مخالفة الشكليات واإلجراءات المنصوص عليها بالقانون‬
‫دون أن يؤدي ذلك إلى ابطال ق ارراتها‪ ،‬إذا كانت تلك الشكليات ثانوية من حيث تأثيرها على مضمون القرار‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلداري الصادر عن اإلدارة‪.‬‬
‫وعليه فإنه ال يوجد مجال أو نطاق للسلطة التقديرية في هذا الركن‪ ،‬إال في حالة واحدة‪ ،‬وذلك عندما‬
‫يتعلق األمر باألشكال الثانوية(‪ ،)4‬التي لم يحدد فيها المشرع شكال أو إجراءا معينا أو التي حددها ولم يرتب‬
‫(‪)5‬‬
‫البطالن على مخالفتها‪.‬‬
‫وان كان األستاذ" محمد مصطفى حسن " يرى عكس ذلك‪ .‬إذ يقول بأن امتناع القضاء عن إلغاء‬
‫بعض الق اررات اإلدارية رغم مخالفتها لألشكال التي نص عليها القانــون‪ ،‬ليس مرجعها قيام السلطة التقديرية‪،‬‬
‫بل ألسباب أخرى تتعلق بالتفرقة بين عيوب الشكل الجوهري وغير الجوهري‪ .‬واقرار بعض تصرفات‬
‫(‪)6‬‬
‫الموظفين الواقعيين‪ ،‬حماية لألفراد وضمانا لحسن سير المرافق العامة‪.‬‬
‫فمتى تطلب القانون أو القضاء شكال أو إجراء معينا‪ ،‬فال مجال الستخدام اإلدارة لسلطتها التقديرية‪.‬‬
‫ويستوي في ذلك أن يكون الشكل مقر ار لمصلحة اإلدارة أو لمصلحة األفراد‪ ،‬حيث أنه لن يكون لإلدارة في‬
‫هذه الحالة مجال لالختيار أو الترجيح بين بدائل متعددة‪ ،‬ومن ثم فإنها تصبح ملتزمة بالشكل أو اإلجراء‬

‫‪ -1‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ، 1118 ،‬ص ‪.638‬‬
‫‪ -2‬نواف كنعان‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -3‬عدنان عمرو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 63‬وماجد راغب احللو ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .62‬وقروف مجال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪ -4‬تقسم الشكليات إىل قسمني‪ :‬شكليات جوهرية وغري جوهرية‪ .‬والشكليات اجلوهرية هي تلك الشكليات املقررة حلقوق وحريات األفراد‪ .‬أما الثانوية‬
‫فهي الشكليات املقررة ملصلحة اإلدارة‪ ،‬أين ال ميكن لألفراد حينها الطعن يف القرار مستندين هلذه الشكليات واإلجراءات ألهنا مل تلحق األذى بذاهتا‪ ،‬عالوة‬
‫على أهنا ال ترتب إخالال بالنظام العام ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد قضى جملس الدولة الفرنسي بذلك يف قضية " بون فوازان " ‪ "Bon voisin‬يف ‪ .1111 / 13 / 29‬حني طعن أحد األفراد يف قرار وزير‬
‫احلربية الذي أمهل فيه حتديد خطوط التنظيم يف األماكن العسكرية‪ ،‬كإجراء الختاذ ذلك القرار وكان الطاعن يهدف إىل إلغاء القرار الذي مس مصلحته‬
‫اخلاصة‪ ،‬إال أن القضاء رفض الدعوى‪ ،‬لعدم جواز متسك األفراد هبذا العيب ألن هذا اإلجراء قام ملصلحة اإلدارة يف تنظيم األقاليم والقطاعات‪ .‬انظر يف‬
‫ذلك‪ :‬دريسية حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪. 162‬‬
‫المقرر واال كان قرارها معيبا‪ .‬أما ما يالحظ من تسامح القضاء في بعض األحيان عن طريق التفرقة بين ما‬
‫يعد شكال جوهريا وما يعد شكال ثانويا‪ ،‬فإنه ال يعني اعترافا من القضاء لإلدارة بسلطة تقديرية في هذا‬
‫الصدد‪ .‬بل يقصد به حرص القضاء على عدم عرقلة عمل اإلدارة بإجراءات أو أشكال غير مطلوبة‬
‫(‪)1‬‬
‫وضرورية‪.‬‬
‫وا ن كنا نرى بأنه إذا لم يشترط القانون أو القضاء شكال أو إجراء معينا للقرار اإلداري‪ .‬فإن لإلدارة في‬
‫هذه الحالة سلطة تقديرية في اختيار الشكل المالئم أو اإلجراء المناسب‪ .‬وذلك تطبيقا للقاعدة العامة‪ ،‬وهي‬
‫أن تتمتع اإلدارة بسلطة تقديرية طالما تخلفت القواعد القضائية وقواعد النظام القانوني بالمعنى الواسع عن‬
‫التحديد أو التقييد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬السلطة التقديرية وركن الغاية في القرار اإلداري‬
‫الغاية هي النتيجة النهائية التي يسعى رجل اإلدارة إلى تحقيقيها من وراء اتخاذ ق ارره‪)2(.‬فالقرار اإلداري‬
‫ليس غاية بل وسيلة لتحقيق غرض معين هو المقصود من اتخاذه‪ .‬ولذلك فإن األهداف المحددة للوظيفة‬
‫اإلدارية تشكل في نفس الوقت حدودا للسلطات الممنوحة لإلدارة‪ ،‬بحيث يمكن القول في بعض الحاالت أن‬
‫اإلدارة قد انحرفت بأهدافها المحددة لها وهو ما يشكل عيب االنحراف بالسلطة‪.‬‬
‫لقد ذهب غالبية المؤلفين والكتاب في فقه القانون اإلداري‪ ،‬إلى أنه ليست هناك في القرار اإلداري أي‬
‫سلطة تقديرية في اختيار الغرض من قبل رجل اإلدارة المختص‪ ،‬ألن القرار اإلداري يجب أن يستهدف دائما‬
‫الغرض المنصوص عليه قانونا(‪ .)3‬وفي الحالة التي يفضل فيها النص تخصيص هدف معين لكل قرار على‬
‫حده‪ ،‬فال يمكن أن نفترض لرجل اإلدارة المختص الحرية في تقدير اختيار أي غرض يشاء دون تقييد‪ ،‬بل ال‬
‫بد أن يستهدف في مثل هذه الحالة تحقيق المصلحة العامة واال شاب القرار عيب االنحراف بالسلطة‪)4(.‬وفي‬
‫ذلك يقول الدكتور" سليمان الطماوي " أن أساس نظرية االنحراف بالسلطة أو التعسف في استعمال السلطة‬
‫‪-‬كما يسميها قضاؤنا– يقوم على أن تحديد غرض العمل اإلداري هو عمل المشرع ال رجل اإلدارة وأنه‬
‫(‪)5‬‬
‫بذلك يدخل ضمن السلطة المحددة ال السلطة التقديرية"‪.‬‬

‫‪ -1‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 116‬‬


‫‪ -2‬قد يثور لبس أو خلط بني ركن الغاية وركن احملل‪ .‬على أساس أن املقصود هبذا األخري هو األثر القانوين الذي يهدف إليه مصدر القرار‪ .‬فقد يقال أنه‬
‫ال فرق بني الركنني طاملا أن كال منهما يهدف إىل حتقيق ذات األثر‪ .‬ومنعا ملثل هذا اللبس‪ ،‬جيب أن نوضح أن اهلدف أو األثر املقصود من ركن احملل هو‬
‫النتيجة املباشرة اليت ترتتب على القرار‪ ،‬أي األثر القانوين املتمثل يف إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوين معني‪ .‬فالقرار الصادر هبدم منزل آيل للسقوط يرتب‬
‫أثرا قانونيا مباشرا‪ ،‬هو إزالة هذا املنزل ( ركن احملل )‪ .‬أما النتيجة اليت يهدف إليها متخذ هذا القرار‪ ،‬فتمثل يف محاية أرواح الناس؛ أي األمن والصحة العامة‬
‫( ركن الغاية )‪ .‬وعليه ميكن القول أن اآلثار القانونية اليت ترتتب مباشرة على القرارات اإلدارية‪ ،‬واليت يعرب عنها بركن احملل‪ ،‬ال تعترب أهدافا هلذه القرارات‪،‬‬
‫ذلك أن هذه األهداف إمنا متثل فيما انصرفت إليه نية مصدر القرار‪ ،‬وما اجته إليه يف تقديره قبل أو عند اختاذ القرار‪ .‬وهذا هو املقصود بركن الغاية‪.‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس ‪ ،1111،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ -4‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -5‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪ ،1128،‬ص ‪. 20‬‬
‫غير أن هناك جانبا آخر من الفقه(‪ ،)1‬ذهب إلى أن اختصاص اإلدارة ال يكون مقيدا بالنسبة لركن‬
‫الغاية إال في حالة تخصيص األهداف‪ .‬وقد يتم هذا التخصيص من المشرع نفسه أو عن طريق‬
‫القضاء‪)2(.‬وفيما عدا ذلك‪ ،‬فإن السلطات اإلدارية لها أن تتحقق من األهداف بما يتناسب مع طبيعة‬
‫(‪)3‬‬
‫األحوال‪.‬‬
‫غير أننا ال نؤيد هذا االتجاه فيما ذهب إليه من وجود سلطة تقديرية لإلدارة في غير حالة تخصيص‬
‫األهداف‪ .‬فإذا كانت هناك عدة أهداف من شأنها تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬فإن لإلدارة أن تختار من بينها‬
‫الهدف األكثر تحقيقا للمصلحة العامة‪ .‬فهذا التقدير ال يمثل بالنسبة لإلدارة أي قدر من الحرية أو السلطة‪،‬‬
‫ومن ثم للقاضي اإلداري كامل الحق في التعقيب على هذا التقدير‪.‬‬
‫هكذا نستطيع القول أن السلطة اإلدارية التقديرية ال تلعب دو ار أساسيا أو هاما‪ ،‬بل وتكاد تكون منعدمة‬
‫في إطار كل من األركان الثالث السابقة( الشكل‪ ،‬االختصاص و الغاية)(‪ .)4‬وذلك على عكس الحال فيما‬
‫يتعلق بركني السبب والمحل الذين تتجسد فيهما مظاهر تلك السلطة كما سنبينه فيما يلي‪.‬‬

‫‪ -1‬من ذلك ‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪ .162‬محدي ياسني عكاشة‪ ،‬القرار اإلداري‬
‫يف قضاء جملس الدولة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112،‬ص ‪ .991‬حممد كامل ليلة‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪،1198،‬‬
‫ص ‪ . 232‬وسعاد الشرقاوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1189 ،‬ص ‪ .111‬وحممد مصطفى بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس‬
‫الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪. 68‬‬
‫‪ -2‬ذلك ما قضت به حمكمة العدل العليا يف فلسطني يف قرار هلا رقم ‪ 02‬لعام ‪ 1199‬حيث قررت ‪ ":‬على رجل اإلدارة أن يستهدف يف أي قرار‬
‫يصدره حتقيق اهلدف الذي خصصه القانون ملمارسة سلطته التقديرية‪ ،‬فإذا خال قراره من حتقيق ذلك اهلدف‪ ،‬كان مشوبا بعيب إساءة السلطة "‪ .‬انظر يف‬
‫ذلك ‪ :‬عدنان عمرو‪ ،‬مبدأ املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339 ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ -3‬ويف ذلك يذهب الدكتور " الرب زجني " إىل أن القواعد اخلاصة هبدف القرار اإلداري تنقسم إىل ‪ 0‬حاالت ‪:‬‬
‫‪ -‬األوىل ‪ :‬أن تفرد القاعدة القانونية غرضا حمددا بشكل كامل ملمارسة سلطة معينة‪ .‬فإن اختصاص اإلدارة يكون تبعا لذلك اختصاصا مقيدا ألنه ستكون‬
‫يف هذه احلالة وحدة بني فكريت السبب والغرض‪ – .‬الثانية ‪ :‬هي احلالة اليت ال حيدد فيها القانون غرض القرار بطريقة حمددة‪ ،‬وإمنا يشري إليه بطريقة أو‬
‫بأسلوب عام‪ .‬ذلك ألن االعتبارات اخلاصة بالغرض يف القرار اإلداري ال يؤدي به إىل التحديد القانوين الدقيق دائما‪ ،‬بل كثريا ما يفسح املشرع بالنسبة له‬
‫جماال لسلطة اإلدارة التقديرية‪ .‬ومثاله أن مينح املشرع رجل اإلدارة املختص سلطة ضبطية ضمن إطار غرض عام هو املصلحة العامة‪ ،‬دون أن حيدد هذا‬
‫الغرض العام بغرض خاص من أغراض املصلحة العامة‪ ،‬كحفظ النظام العام مثال‪ .‬فاملصلحة العامة إطار واسع يشمل عدة أغراض متميزة كاملصلحة املالية‬
‫للمنطقة وتطوير تقدم التجارة والصناعة يف املنطقة ‪ ...‬اخل‬
‫‪ -‬الثالثة ‪ :‬وهي احلالة اليت مينح فيها النص القانوين لرجل اإلدارة سلطة تقديرية واسعة دون أن حيدد اهلدف من القرار وبأسلوب عام‪ ،‬أي خارج "ختصيص‬
‫األهداف"‪ .‬انظر يف ذلك ‪ - :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 168‬إىل ‪.193‬‬
‫‪ -4‬ويف ذلك يقول األستاذ نذير أوهاب بأن البحث يف السلطة التقديرية أو السلطة املقيدة يف القرار اإلداري ال حمل له فيما يتعلق بعناصر االختصاص‬
‫والشكل والغاية‪ ،‬ألن القواعد اخلاصة هبذه العناصر ال حتدد إال عناصر قانونيته اخلارجية‪ .‬أما عناصر قانونيته الداخلية‪ ،‬فهي اليت ميكن أن تكون جماال لسلطة‬
‫اإلدارة التقديرية أو السلطة املقيدة‪ .‬أنظر‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 198‬نقال عن‪ :‬عصام عبد الوهاب الربزجني‪ ،‬السلطة التقديرية والرقابة القضائية‬
‫على أعمال االدارة‪ ،‬دكتوراه حقوق‪ ،‬القاهرة‪ ،1121 ،‬ص ‪ 912‬إىل ‪.918‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫الحدود الداخلية للسلطة التقديرية لإلدارة‬
‫تتمثل العناصر أو الحدود الداخلية للسلطة التقديرية لإلدارة في ركني‪ :‬السبب والمحل‪ .‬وهذا ما‬
‫سنتناوله فيما يلي ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬السلطة التقديرية وركن السبب في القرار اإلداري‬
‫يعرف سبب القرار اإلداري بأنه‪ " :‬الحالة الواقعية أو القانونيـة‪ ،‬السابقة على القـرار‪ ،‬و الدافعة إلى‬
‫تدخل اإلدارة التخاذه‪ ،‬فهو مبرر وسند خارجي إلصداره(‪ ،")1‬فالسبب إذن عنصر خارجي عن القرار اإلداري‬
‫و سابق عليه"(‪.)2‬‬
‫تتمثل الحالة الواقعية في األوضاع الناجمة عن الطبيعة ( زالزل ‪ ،‬فيضانات‪ ،‬انتشار وباء ‪ ) ...‬أو‬
‫بتدخل إنساني ( حريق‪ ،‬إضراب أمني ‪ ،) ...‬و التي تكون وراء هذا القرار(‪ .)3‬ففي هذه الحاالت و أمثالها ال‬
‫تتمتع اإلدارة بأية سلطة تقديرية في التحقق من صحة الوقائع التي تتدخل على أساسها إلصدار قرارها‬
‫اإلداري‪ ،‬أو في التكييف القانوني لتلك الوقائع في حالة ثبوت صحتها(‪ .)4‬فهي ال تملك في هذا الشأن سوى‬
‫اختصاصا مقيدا تخضع فيه لحكم القانون واللوائح المنظمة‪ .‬ومن ثم لرقابة القضاء اإلداري(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القرارات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم‪ ،2336،‬ص ‪ .93‬ويعرفه الدكتور سليمان الطماوي بأنه ‪ " :‬حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل‬
‫اإلدارة ومستقلة عن إرادته تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرارا "‪ .‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪ .233‬وتعرفه احملكمة اإلدارية العليا املصرية يف حكمها الصادر بتاريخ ‪ ، 1118 / 32 / 12‬بأنه ‪ " :‬حالة واقعية أو قانونية حتمل اإلدارة على‬
‫التدخل بقصد إحداث أثر قانوين هو حمل القرار ابتغاء وجه الصاحل العام‪ ،‬الذي هو غاية القرار"‪ .‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ -2‬فالسبب إذن عنصر خارجي عن القرار وسابق عليه‪ .‬ولكن ليس معىن ذلك أنه ال ميثل – كما ذهب جانب من الفقه الفرنسي – أحد أركانه‪ .‬ومن مث‬
‫ال ميكن أن يكون له أي تأثري على صحته أو مشروعيته‪ .‬ذلك ألن السبب‪ ،‬والذي يطلق عليه الفقيه " ‪" Duguit‬الباعث امللهم " ‪motif impulsif‬‬
‫ال يقتصر دوره على جمرد اإلحياء بفكرة القرار اإلداري‪ ،‬وإمنا ميثل يف ذات الوقت أساس القرار اإلداري وسبب وجوده‪ ،‬إذ يلزم لتدخل رجل اإلدارة ملباشرة‬
‫اختصاصه بإصدار القرار أن يكون مستندا إىل حقائق موضوعية هي احلالة الواقعية أو القانونية السابقة على قراره‪ ،‬وذلك حت يتحقق له اهلدف أو الغاية‬
‫احملددة لقراراته‪ ،‬ولذلك فإن الرأي الراجح واملتفق عليه سواء يف فرنسا أو مصر أو اجلزائر هو االعرتاف بعيب السبب باعتباره عيبا مستقال عن أوجه إلغاء‬
‫القرار اإلداري األخرى ذات العالقة به‪ ،‬مثل عييب خمالفة القانون واالحنراف بالسلطة‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن صفة أسبقية السبب على القرار‬
‫ال تتناىف مع إمكانية اختاذ القرار من طرف اإلدارة على أساس توقعها حلدوث أسباب أو وقائع معينة يف املستقبل‪ .‬ذلك ألن األسبقية املطلوبة بالنسبة‬
‫للسبب ال يعين أسبقيته التارخيية على القرار بل أسبقيته القانونية‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر ‪ :‬السيد حممد إبراهيم ‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف‬
‫دعاوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مطابع جريدة السفري‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1190،‬ص ‪. 123‬‬
‫‪ -3‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -4‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .93‬وعدنان عمرو‪ ،‬املرجع السابق‪ ، 62 ،‬و محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 129‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -5‬لقد مر وقت طويل كانت فيه الرقابة القضائية تنصب على عناصر القرار القانونية فقط دون العناصر الواقعية‪ .‬وكان القضاء اإلداري يف ذلك مشاهبا‬
‫لقضاء النقض‪ .‬لكن جملس الدولة الفرنسي ومع بداية القرن ‪ 23‬م‪ ،‬انتهى تدرجييا إىل تقدير حقه يف رقابة الوقائع اليت تكون أساسا للقرار اإلداري‪ .‬فقرر يف‬
‫البداية حقه يف رقابة التكييف‪ ،‬ومن ذلك وصل إىل بسط رقابته على الوقائع‪ ،‬وانتهى أمر التطور إىل اعتبار الوجود املادي والصحيح للواقعة املكونة لسبب‬
‫لكنها تتمتع ب سلطة تقديرية في تقدير مدى الخطورة التي يمكن أن تترتب على الوقائع التي استلزمت‬
‫إصدار القرار اإلداري(‪ .)1‬وبالتالي تملك أن تصدر قرارها أو ال تصدره حسب تقديرها لألمور‪ .‬باعتبارها في‬
‫وضع يسمح لها أكثر من غيرها بتقدير األمور تقدي ار صائبا بقدر اإلمكان‪ .‬وبالتالي فمن المستحسن أن تترك‬
‫لها حرية تقدير األهمية والخطورة التي يمكن أن تترتب على هذه الوقائع‪ ،‬مادام هدفها في النهاية هو تحقيق‬
‫الصالح العام(‪.)2‬‬
‫فيما يتعلق مثال باالضطرابات‪ ،‬فإن اإلدارة‪ ،‬وان كانت تتمتع بسلطة تقدير مدى تهديدها للنظام العام‪،‬‬
‫باعتبارها في وضع يسمح لها أكثر من هيئة أخرى بإجراء مثل هذا التقدير‪ ،‬إال أنها ملزمة في ذات الوقت‬
‫بأن تكون مستندة في خصوصها إلى وقائع ثابتة و صحيحة ماديا(‪.)3‬‬
‫كما قد يبنى القرار اإلداري على حالة قانونية‪ ،‬والتي تتمثل في وجود مركز قانوني معين خاص أو‬
‫عام‪ .‬والتي تشكل أساسا قانونيا للقرار اإلداري‪ ،‬ومن أمثلتها ارتكاب موظف لخطأ تأديبي‪ .‬فهذا السلوك من‬
‫جانب الموظف ترتب عن مخالفته لتشريع الوظيفة أو للنظام الداخلي‪ .‬مما فرض ضرورة مساءلته تأديبا‪،‬‬
‫فإصدار قرار العقوبة التأديبية لم يصدر هكذا دون مبرر‪ ،‬وانما بسبب ارتكاب الموظف لخطأ تأديبي(‪.)4‬‬
‫في إطار الحاالت القانونية(‪ ،)5‬فإن سلطة اإلدارة في الغالب تكون مقيدة‪ .‬وذلك إذا ما حدد القانون‬
‫مجموعة أسباب كمسوغ إلصدار قرار معين‪ .‬ففي هذه الحالة تكون سلطة اإلدارة مقيدة‪ ،‬إذ ينبغي عليها‬
‫إصدار القرار متى توافرت هذه األسباب دون أن يكون لها خيار‪ .‬كأن يلزم القانون جهة اإلدارة بمنح ترخيص‬

‫القرار شرطا عاما ملشروعية القرار‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪ 129‬و‬
‫‪. 126‬‬
‫‪ -1‬ويف ذلك تقول احملكمة اإلدارية العليا مبصر يف حكم هلا صادر ب ‪... " : 1166 / 13 / 6‬و إن كان القرار ‪ ...‬جيب أن يقوم على سبب يربره‪،‬‬
‫فال تتدخل اإلدارة ‪ ...‬إال إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها‪ ،‬وللقضاء اإلداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوين‪ ،‬إال‬
‫أن لإلدارة حرية تقدير أمهية هذه احلالة واخلطورة النامجة عنها‪ " ...‬انظر يف ذلك‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -2‬وإن كان األستاذ " حممد مصطفى حسن " يرى عكس ذلك‪ ،‬حيث يذهب إىل أن االختصاص املقيد يف أدىن صوره يعين االكتفاء برقابة قيام األسباب‬
‫ماديا‪ .‬وهو ما يسمى بالرقابة الدنيا ‪ ، un contrôle minimum‬حيث يرتك القضاء لإلدارة حرية التكييف القانوين وتقدير خطورة الواقعة‪ .‬ويكون‬
‫االختصاص مقيدا يف أقصى صوره حينما يراقب القاضي التناسب بني اإلجراء والسبب؛ أي رقابة تقدير خطورة السبب‪ .‬وتسمى الرقابة القصوى‬
‫‪ le contrôle maximum‬و بني هذا وذلك يوجب االختصاص املقيد العادي ‪ contrôle normale‬حيث يقف القاضي عند رقابة تكييف‬
‫الواقعة‪ ،‬أي حبث ما إذا كانت الواقعة من طبيعة تربر قانونا القرار املتخذ من اإلدارة‪ .‬انظر يف ذلك ‪:‬حممد مصطفي حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪198‬‬
‫‪ -3‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،2339،‬ص ‪.231‬‬
‫‪ -4‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دراسة تشريعية قضائية فقهية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪.169‬‬
‫‪ -5‬لقد بدأ االهتمام بدراسة األسباب القانونية يف هناية القرن ‪ ،11‬حني ظهر عيب الغلط يف القانون كوسيلة مميزة للطعن باإللغاء‪ .‬ويف ‪ 1111‬استطاع‬
‫املفوض "كورين" أن يقرر أن القضاء يقبل الطعن باإللغاء إذا كان ال يستند إىل تقدير املالءمة أو الواقعة‪ ،‬وإمنا إىل سبب قانوين‪ .‬وانتهى األمر إىل أن الغلط‬
‫يف القانون يعيب القرار يف حالة القرار السليب‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫في حاالت محددة وضمن شروط واجراءات معينة‪ .‬أو يلزمها بترقية الموظف األكثر أقدمية‪ .‬ففي هذه‬
‫الحاالت تكون إرادتها مقيدة وتصدر قرارها متى توافرت هذه األسباب(‪.)1‬‬
‫وقد تشتمل الحالة القانونية على سلطة تقديرية(‪)2‬عندما يحدد المشرع أكثر من واقعة قانونية إلحداث‬
‫األثر القانوني‪ .‬كما في ق اررات نقل الموظفين‪ ،‬التي قد تتم بطلب من الموظف المعني أو بناء على تقدير‬
‫الرئيس اإلداري لمصلحة العمل(‪.)3‬‬
‫نخلص من كل سبق إلى أن اإلدارة العامة ال تتمتع بصفة عامة بسلطة تقديرية فيما يتعلق بصحة‬
‫الوقائع التي يقوم عليها سبب القرار اإلداري أو في التكييف القانوني لتلك الوقائع‪ ،‬بل اختصاصها مقيد‬
‫بشأنها‪ .‬ولكنها تتمتع بسلطة تقديرية فيما يتعلق بتقدير النتائج التي قد تترتب على تلك الوقائع‪ ،‬وما إذا كانت‬
‫تلك النتائج تتطلب إصدار قرار إداري بشأنها طالما أن القانون لم يقيد ها في ذلك‪ .‬وهي سلطة تقديرية‬
‫تخضع لرقابة القاضي اإلداري ضمانا لعدم التعسف في استخدامها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السلطة التقديرية وركن المحل في القرار اإلداري‬
‫المحل هو األثر القانوني الفوري والمباشر الذي يترتب على صدور القرار اإلداري‪ .‬بمعنى هو عملية‬
‫التغيير التي تحدث في المركز القانوني‪ .‬والتي قصد مصدر القرار اإلداري إحداثها‪ ،‬سواء باإلنشاء أو التعديل‬
‫أو اإللغاء(‪.)4‬‬
‫فبعد أن تتحقق اإلدارة من قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تبرر تدخلها‪ .‬وبعد أن تكيفها التكييف القانوني‬
‫الصحيح‪ ،‬وتقدر األخطاء التي قد تنجم عنها‪ ،‬تواجه اتخاذ قرار معين‪ .‬وهنا يكمن معظم االختصاص‬
‫التقديري لإلدارة‪ ،‬والذي يتمثل في ثالثة عناصر ‪:‬‬
‫‪ -‬العنصر األول‪ :‬حرية اإلدارة في أن تتدخل أو أن تمتنع( حرية إصدار القرار أو عدم إصداره)‬

‫‪ -1‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 169‬‬


‫‪ -2‬إذا كانت القرارات اإلدارية تبىن إما على أسس قانونية أو واقعية تربر تدخل اإلدارة‪ .‬إال أن الغرفة اإلدارية باحملكمة العليا سابقا أصدرت قرار ب‪22 :‬‬
‫أكتوبر ‪ ، 1188‬ذهبت فيه إىل القول ‪ " :‬من املبادئ املستقر عليها يف القضاء اإلداري أن القرارات اإلدارية تتخذ بناء على اعتبارات قانونية‪ ،‬وليس على‬
‫اعتبارات متعلقة بالواقع "‪ .‬ويرى االستاذ عمار بوضياف أن هذا الوصف املطلق غري احملدد‪ ،‬فيه خروج عن املبادئ املقررة يف إصدار القرارات اإلدارية‪ ،‬واليت‬
‫تفرض أن يبىن القرار إما على وقائع قانونية أو اعتبارات واقعية‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬عمار بوضياف‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 162‬و ‪.186‬‬
‫‪ -3‬عدنان عمرو ‪ ،‬مبدأ املشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339،‬ص ‪. 62‬‬
‫‪ -4‬خالد مسارة الزغيب‪ ،‬القرار اإلداري بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عمان‪ ،1111 ،‬ص ‪ .88‬ويربز الدكتور‬
‫عصام الربزجني العالقة بني احملل والسبب يف إطار السلطة التقديرية فيقول ‪... " :‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإن السلطة التقديرية بالنسبة حملل القرار تتمثل يف‬
‫متتع رجل اإلدارة حبرية االختيار بني إجراءين أو أكثر‪ .‬وهذا يعين متتعه حبرية إجراء التناسب بني السبب املعتمد وحمل القرار املتخذ‪ .‬واملالحظ بصورة عامة يف‬
‫هذا الصدد أن عدم حتديد احملل يالزم عدم حتديد السبب‪ .‬فالسلطة التقديرية بالنسبة حملل القرار تتمثل يف حرية اختيار السبب الذي يتفق معه حمل‬
‫القرار‪ "...‬انظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫نقال عن‪ :‬عصام عبد الوهاب الربزجني‪ ،‬السلطة التقديرية والرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬دكتوراه حقوق‪ ،‬القاهرة‪ ،1121 ،‬ص ‪.919‬‬
‫ما لم يحتم المشرع على اإلدارة أن تتدخل إذا تحققت أسباب معينة وأن تقوم بتصرف معين‪ .‬فإن‬
‫مجرد تحقق أسباب تجيز تدخل اإلدارة ال تلزمها بالتدخل(‪ .)1‬كأن ترى اإلدارة صرف النظر عن خطأ‬
‫(‪)2‬‬
‫الموظف مثال‪ ،‬أو ترى أن تدخلها في االضطرابات سيزيد النار اشتعاال‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬حرية اإلدارة في اختيار وقت التدخل‬
‫هذا أ برز عناصر السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فإذا لم يفرض المشرع على اإلدارة أن تتدخل خالل فترة‬
‫معينة‪ ،‬فإنها حرة في اختيار وقت التدخل‪ .‬حتى ولو كانت ملزمة أصال بإصدار القرار أو بإصداره على نحو‬
‫معين‪ ،‬ألن الوقت المناسب إلصدار القرار ال يمكن تحديده مقدما في معظم الحاالت‪ .‬ومن ثم فإن المشرع‬
‫كثي ار ما يترك تحديده لإلدارة لتترخص في اختياره على ضوء خبرتها(‪.)3‬‬
‫فإن اإلدارة بما لها من سلطة تقدير مناسبات القرار اإلداري‪ ،‬تقوم بتعيين الوقت المالئم إلصداره دون‬
‫رقابة القاضي(‪ .)4‬بشرط أال يكون القانون قد عين لها ميعادا يتم إصدار القرار فيه ‪-‬مثل ترقية كل موظف‬
‫في الدرجة إذا أمضى مدة ‪ 0‬سنوات– و إال كان إصداره بعد فوات الميعاد مخالفا للقانون(‪.)5‬‬
‫‪ -‬العنصر الثالث ‪ :‬حرية اإلدارة في اختيار فحوى القرار‬
‫هنا تتج لى سلطة اإلدارة التقديرية‪ ،‬بل يمكن القول بحق بان السلطة التقديرية ليست في حقيقتها سوى‬
‫تقدير مناسبة اإلجراء المتخذ للوقائع التي دفعت إلى اتخاذه‪ .‬أي تناسب المحل مع السبب(‪ .)6‬فما لم يحدد‬

‫‪ -1‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪ ،1128،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -2‬انظر األمثلة عند الطماوي ‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ، 99‬والنظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -3‬قروف مجال‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪ .231‬ويف ذلك قضت حمكمة القضاء اإلداري بتاريخ ‪ 16‬مايو ‪ " : 1166‬إن اإلدارة مبا هلا من سلطة تقدير‬
‫مناسبات القرار اإلداري‪ ،‬ترتخص يف تعيني الوقت املالئم إلصداره بال معقب عليها يف هذا الشأن من احملكمة ‪ ...‬وبشرط أال يكون القانون قد عني هلا‬
‫ميعاد حيتم إصدار القرار فيه وإال كان إصداره بعد امليعاد احملدد لذلك خمالفا للقانون "‪ -.‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .92‬وكذلك حكم‬
‫جملس الدولة املصري الصادر يف ‪ 11‬جانفي‪ ... " 1169‬إن دعوة اإلدارة النتخاب العمدة قبل االنتخابات بيوم واحد مسألة تقديرية ال تبطل‬
‫االنتخابات‪ ،‬ألن املادة ‪ 13‬من القانون رقم ‪ 191‬لسنة ‪ 1192‬مل حتدد موعدا معينا لإلعالن‪ .‬بل يكفي حدوث هذا اإلعالن يف أي وقت قبل يوم‬
‫االنتخاب‪ ،‬خصوصا وأن لكل حالة طابعا ولكل بلدة ظروفها"‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد‬
‫بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪. 196‬‬
‫‪ -4‬ومع ذلك فإن القضاء اإلداري يف فرنسا ومصر قد جتاوز احلد السابق إىل رقابة اختيار الوقت ذاته‪ .‬فعدم حتديد املشرع لوقت حمدد الختاذ القرار‪ ،‬ال يعين‬
‫يف نظر جملس الدولة الفرنسي حرية مطلقة لإلدارة يف هذا اجملال‪ ،‬بل يتعني عليها أن حتسن اختيار وقت تصرفها‪ ،‬ألن ضرورة استقرار املعامالت تستلزم أال‬
‫تبقى املراكز القانونية مهددة مدة طويلة‪ .‬من ذلك أن القانون الفرنسي ينص على أنه إذا برأ جملس التأديب ضابطا من هتمة منسوبة إليه‪ ،‬فإن للوزير احلق يف‬
‫أن يوقع عليه عقوبة خمفضة‪ .‬وتبعا لذلك قضى جملس الدولة الفرنسي يف هذا الشأن أن‪" :‬على الوزير إذا أراد استعمال هذه السلطة‪ ،‬أال ينتظر وقتا طويال‬
‫حت ال يبقى سالح العقوبة مسلطا باستمرار على رأس الضابط‪ ،‬أل ن من حقه أن يستقر مركزه القانوين بعد مدة معقولة تتقرر حبسب ظروف كل حالة"‪.‬‬
‫وملزيد من األمثلة عن قضاء جملس الدولة الفرنسي واملصري يف هذا الشأن‪ ،‬أنظر‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة‬
‫عاطف‪ ،1129 ،‬ص ‪ 028‬و ‪.021‬‬
‫‪ -5‬فرجية حسني‪ ،‬السلطة التقديرية و اجتهاد القاضي اإلداري‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،32‬بسكرة‪ ،2332 ،‬ص ‪. 219‬‬
‫‪ -6‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫المشرع لإلدارة على وجه الدقة مضمون القرار اإلداري الواجب اتخاذه‪ ،‬تمتعت في هذا الخصوص بسلطة‬
‫تقديرية واسعة‪ .‬بشرط أن يكون هذا األثر على حد تعبير مجلس الدولة المصري ممكنا وجائ از قانونا(‪.)1‬‬
‫معنى ذلك أن رجل اإلدارة يتمتع بسلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بمحل القرار اإلداري وذلك‪:‬‬
‫كلما كانت قاعدة القانون قد تركت له حرية في هذا الشأن‪ .‬كحرية االختيار مثال بين عدة حلول‪ ،‬إذ‬
‫يستطيع بذلك أن يحدد بحرية محل القرار الذي منحه القانون حق إصداره‪ .‬وفيما يتعلق بالجزاءات التأديبية‬
‫مثال‪ ،‬تملك اإلدارة سلطة اختيار الجزاء المناسب بحرية تامة من بين الجزاءات التي حددها المشرع‪ .‬وأيضا‬
‫فيما يتعلق بمواجهة االضطرابات التي تهدد األمن يكون لإلدارة حرية اختيار الوسيلة المالئمة لمثل هذه‬
‫المواجهة ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫أو كلما كانت قاعدة القانون قد تخلت تماما عن بيان هذا المحل‪ ،‬كما تخلت عن تحديد ما يمكن‬
‫لإلدارة أن ترتبه من اآلثار القانونية‪ ،‬مكتفية في هذا الخصوص بتحديد الغاية أو الهدف‪ ،‬إذ تستطيع اإلدارة‬
‫في مثل هذا الحالة أن تحدد بحرية محل القرار الذي خولتها القاعدة القانونية حق إصداره‪ ،‬على أساس أن‬
‫كافة الحلول التي يمكن أن تختارها السلطة اإلدارية‪ ،‬تعد جائزة ومشروعة قانونا(‪.)2‬‬
‫خالصة القول إذن أن اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بركني السبب والمحل‪ ،‬ما لم‬
‫(‪)3‬‬
‫أو يتدخل القاضي ويفرض رقابته على اختيار السبب أو‬ ‫يتدخل المشرع ويحدد كل منهما على وجه الدقة‪.‬‬
‫المحل العتبارات يقدرها كما سنرى فيما بعد‪.‬‬

‫‪ -1‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .90‬ونذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .199‬وسليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ -2‬فمثال إذا قرر القانون أن لإلدارة سلطة اختاذ اإلجراءات الالزمة حلماية اآلداب العامة إذا ما تعرضت ألي هتديد باإلخالل‪ .‬فإنه بذلك يكون قد ترك‬
‫لإلدارة سلطة تقديرية كاملة يف ترتيب اآلثار القانونية الكفيلة حبماية اآلداب العامة‪ ،‬دون خوف من أن يشوب قراراهتا عيب خمالفة القانون‪ .‬وذلك إزاء ختلي‬
‫القانون عن حتديد هذه اآلثار أو تقيد اإلدارة يف شأهنا بأي قيد‪ .‬انظر يف ذلك ‪- :‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ، 1112 ،‬ص ‪ 210‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -3‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.038‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫ماهية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫لم يعد هناك جدل أو نقاش من جانب الفقه أو القضاء حول ضرورة تمتع اإلدارة‪-‬وهي تباشر‬
‫اختصاصاتها ومسؤولياتها القانونية‪-‬بسلطة تقديرية‪ ،‬أو بقدر من حرية التصرف‪ .‬إذ أن هذه السلطة أو ذلك‬
‫القدر من الحرية‪ ،‬يعد بمثابة الشرط األول لحياة وبقاء كل إدارة‪ ،‬خاصة بعد تشعب وتداخل مجاالت‬
‫ومسؤوليات الدولة الحديثة(‪.)1‬‬
‫إال أن المنطق يقضي بأنه ال يمكن أن تمارس هذه السلطة التقديرية خارج حدود القانون‪ .‬واذا ما تم‬
‫ذلك‪ ،‬كان لزاما أن يتم ردها إلى جادة الصواب‪ .‬وذلك لن يتأتى إال بفرض رقابة قضائية صارمة عليها؛ ألن‬
‫القانون يجب أن يفرض احترامه على السلطة اإلدارية وغيرها من السلطات‪ .‬وبدون احترام هذه اإلرادة‪ ،‬تصبح‬
‫األمور فوضى وال ضابط لها‪ .‬ويصبح كيان الجماعة مزعزعا ال ثبات له وال مدافع عنه‪.‬‬
‫نظ ار ألهمية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فقد رأينا أن نقسم الدراسة إلى ثالث نقاط‬
‫أو مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫‪ -1‬من املسلم به أن اإلدارة جيب أن تعمل فكرها لتواجه املواقف اجلديدة ودون أن حتيل يف كل األحوال إىل نصوص القانون‪" .‬فالفقيه املتفهم للقواعد قد ال‬
‫يكون إداريا ناجحا‪ ،‬والشخص الذي يعرف كل معامل الطريق قد ال يكون سائقا ماهرا‪ ،‬وهدف رجل اإلدارة ليس فقط تطبيق القانون‪ ،‬بل حتقيق النتائج‬
‫املفيدة"‪.‬أنظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫المطلب األول‬
‫مفهوم الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫ال يكفي لحماية الحقوق والحريات أن تتحقق سيادة القانون؛ ألن قيام دولة تخضع للقانون‪ ،‬وان كان‬
‫شرطا أساسيا لقيام الحريات العامة‪ ،‬إال أنه ليس بالشرط الكافي لهذا الغرض‪ .‬فال جدال في أن الجزاء األكيد‬
‫لمبدأ المشروعية‪ ،‬والضمان الحقيقي الوحيد إلعمال هذا المبدأ‪ .‬يتمثل في الرقابة على مشروعية أعمال‬
‫اإلدارة‪ .‬بيد أن الرقابة على أعمال اإلدارة ال تتخذ أسلوبا واحدا‪ ،‬إذ تتعدد صورها حسب التنظيم السياسي‬
‫والقانوني في الدولة‪ .‬فقد تتركز الرقابة في جهة واحدة‪ .‬وقد تتعدد الجهات التي تختص بممارسة هذه الرقابة‪.‬‬
‫ومع ذلك يمكن القول أن طرق الرقابة على أعمال اإلدارة ال تخرج عن صور ثالثة‪ :‬الرقابة البرلمانية‪،‬‬
‫اإلدارية والقضائية‪.‬‬
‫وعليه فإننا سنتطرق إلى تحديد تعريف للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬ثم نقوم بتحديد‬
‫خصائصها التي تميزها عن باقي أنواع الرقابة‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫تعريف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫سنبين خالل هذا الفرع تعريف الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة بصفة عامة ثم على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬الرقابة لغة‪ :‬رقب‪ :‬الراء والقاف والباء‪ ،‬أصل واحد مطرد‪ ،‬يدل على انتصاب لمراعاة شيء‪.‬‬
‫رقوبا (بضم الراء) ورقوبا (بفتح الراء) ورقابة ورقبانا ورقبة‪:‬حرسه‪ ،‬انتظره‪ ،‬حاذره‪ ،‬والنجم رصده‪ ،‬راقب‪:‬حرسه‪،‬‬
‫أرقب الدار‪ :‬جعلها له رقبى‪ ،‬و الرقبى‪ :‬جعل له إياها‪ ،‬ترقب‪ :‬انتظره‪ ،‬تراقبا‪ :‬راقب كل منهما اآلخر‪ ،‬ارتقب‪:‬‬
‫ترقبه والمكان عال وأشرف عليه(‪.)1‬‬
‫وفي أسماء اهلل تعالى‪ ،‬الرقيب هو الحافظ الذي ال يغيب عنه شيء‪ ،‬وقد ورد مصطلح الرقابة في قوله‬
‫(‪)2‬‬
‫أي مطلعا حفيظا ألعمالكم‪ ،‬كما ورد في قوله تعالى‪ " :‬فأصبح في‬ ‫تعالى‪ " :‬إن اهلل كان عليكم رقيبا"‬
‫(‪. )3‬‬
‫ورقب الشيء‪ ،‬يرقبه مراقبة ورقابا‪ :‬حرسه‪ ،‬والرقيب‪ :‬الحارس‪ ،‬الحافظ‪ ،‬وترقبه‪:‬‬ ‫المدينة خائفا يترقب"‬
‫انتظره ورصده (‪.)4‬‬
‫تعرف الرقابة القضائية في الفقه اإلسالمي(‪)5‬بأنها ‪ " :‬إسناد الرقابة على شرعية أعمال اإلدارة إلى‬
‫السلطة القضائية‪ ،‬بحيث تتولى محكمة مختصة بحث شرعية العمل اإلداري"(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬املنجد يف اللغة واألعالم‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،1189 ،‬ص ‪.011‬‬
‫‪ -2‬سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪. 31‬‬
‫‪ -3‬سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪. 18‬‬
‫‪ -4‬لسان العرب البن املنظور‪ ،‬ص ‪ ، 929 – 909‬املنجد األجبدي‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ، 1189 ،‬ص ‪. 209‬‬
‫‪ -5‬إن األصل الشرعي للرقابة على أعمال اإلدارة عموما والسلطة التقديرية على وجه اخلصوص يرجع يف اإلسالم إىل أساسني ‪:‬‬
‫أما على المستوى القانوني‪ ،‬فلقد عرف العديد من الفقهاء الرقابة القضائية‪ .‬ومن أهم هذه التعريفات‬
‫نذكر‪:‬‬
‫تعريف الدكتور "ماجد راغب الحلو " الذي عرفها بأنها‪" :‬هي الرقابة التي تتوالها المحاكم على أعمال‬
‫اإلدارة ‪ ...‬وقد تتوالها المحاكم العادية‪ ،‬فتختص بالفصل في كافة أنواع المنازعات اإلدارية منها وغير‬
‫اإلدارية‪ ،‬وهذا هو نظام القضاء الموحد‪ ،‬وقد يعهد بالرقابة على أعمال اإلدارة إلى قضاء متخصص يقوم‬
‫بالفصل في المنازعات الجنائية والمدينة والتجارية ومنازعات األحوال الشخصية‪ ،‬وهذا ما يعرف بنظام‬
‫القضاء المزدوج "(‪.)2‬‬
‫أما األستاذ "نذير أوهاب" فقد عرفها‪ " :‬أن توكل مراقبة أعمال اإلدارة إلى السلطة القضائية‪ ،‬والتحقق‬
‫من مدى مراعاة الشروط التي تطلبها القانون"(‪.)3‬‬
‫ولقد عرفها الدكتور‪" :‬عمار عوابدي" بأنها ‪ " :‬الرقابة القضائية التي تمارسها وتباشرها المحاكم‬
‫القضائية على اختالف أنواعها(المحاكم اإلدارية – المحاكم العادية من مدينة أو تجارية ) وعلى مختلف‬
‫درجاتها ومستوياتهـا ( ابتدائيا – استئنافا – نقضا )‪ ،‬وذلك عن طريق وبواسطة تحريك الدعوى والطعون‬
‫المختلفة ضد أعمال السلطات اإلدارية غير المشروعة‪ ،‬مثل دعوى التعويض أو المسؤولية‪ ،‬والدعاوى‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المتعلقة بالعقود اإلدارية "‬
‫أما األستاذ لعشب محفوظ فيعرفها بأنها‪ " :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة هي‪ :‬رقابة قانونية في‬
‫أساسها واجراءاتها ووسائلها وأهدافها"(‪.)5‬‬
‫من ثمة فإن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية تختص بها المحاكم ذات الطابع اإلداري بعد‬
‫استحداث نظام االزدواجية القضائية سواء كانت المحاكم اإلدارية ومجلس الدولة‪ ،‬أو عن طريق وسائل قانونية‬

‫‪-‬أوال‪ :‬أنه جيب أن تكون قراراهتا وتصرفاهتا موافقة ألحكام الشرع على الدوام‪ .‬فأي تصرف خيالف أحكام الشرع يكون باطال‪ ،‬و ليس له أية حجية على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫‪-‬والثاين‪ :‬أن اإلدارة جيب أن تتوخى دائما يف قراراهتا املصلحة العامة‪ .‬فويل األمر ومعاونيه كما يقول اإلمام القرايف‪ ":‬ال حيل هلم أن يتصرفوا إال جللب‬
‫مصلحة أو درء مفسدة‪ ،‬فالوالة واألئمة معزولون عما ال حيقق املصلحة العامة"‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬سعيد احلكيم‪ ،‬الرقابة على أعمال اإلدارة يف الشريعة‬
‫اإلسالمية والنظم القانونية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،1182،‬ص ‪.921‬‬
‫‪ -1‬لقد كان اخللفاء والوالة واملوظفون خيضعون يف أعماهلم لرقابة القضاء باإلضافة إىل رقابة الشعب‪ .‬وال جيدون غضاضة يف االمتثال ألحكام القضاء‬
‫واملوافقة ألحكام الشرع‪ ،‬ملا كان عليه القضاء يف اإلسالم من اإلجالل واالحرتام ومكانة عظيمة يف نفوس الناس عامة واخللفاء والوالة خاصة‪ .‬املرجع نفسه‪،‬‬
‫ص ‪. 616‬‬
‫‪ -2‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333 ،‬ص ‪. 93‬‬
‫‪ -3‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 229‬‬
‫‪ -4‬عمار عوابدي‪ ،‬عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ ،1182‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ -5‬لعشب حمفوظ‪ ،‬املسؤولية يف القانون اإلداري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1119 ،‬ص ‪.128‬‬
‫مدعمة لها(‪ .)1‬والرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة ال تنصب على السلطة التقديرية ذاتها‪ ،‬واال‬
‫(‪)2‬‬
‫ترتب على ذلك نقل لحرية التقدير من اإلدارة إلى القاضي‪ ،‬وانما تتناول تعيين حدودها وظروف استعمالها‪.‬‬
‫فالقضاء ال يتعرض لتقدير اإلدارة في ذاته‪ ،‬ولكن للظروف التي أحاطت به‪ ،‬فإذا ما تبين له أن تلك الظروف‬
‫ال يمكن معها إجراء تقدير سليم‪ ،‬تكون اإلدارة قد خرجت عن التزام قانوني(‪.)3‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫خصائص الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارية‬
‫ا نطالقا من التعريف السابق لعملية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬الذي يبرز بدقة‬
‫أهمية هذه الوسيلة كأداة لحماية المواطن وحقوقه من تعسف اإلدارة‪ .‬فقد أدى بها ذلك إلي أن تمتاز بجملة‬
‫من الخصائص التي تنفرد بها عن باقي أنواع الرقابة األخرى‪ ،‬وبالتالي تجعلها مؤكدة وعادلة‪ ،‬ومن بين هذه‬
‫الخصائص نجد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬شمول الرقابة القضائية‬
‫يالحظ أن الرقابة القضائية تمتد إلى سلطات الدولة كلها إذ تسري على السلطة التشريعية والسلطة‬
‫التنفيذية والسلطة القضائية ذاتها‪ .‬فبالنسبة للسلطة التشريعية‪ ،‬نجد القضاء في كثير من الدول‪ ،‬له حق مراقبة‬
‫دستورية القوانين للتأكد من مدى مطابقتها ألحكام الدستور‪ ،‬وهو بذلك يراقب عمل السلطة التشريعية‪.‬‬
‫يختص القضاء كذلك بنظر الطعون االنتخابية وق اررات إسقاط العضوية والعزل‪ .‬كما يكون من حق‬
‫القضاء أحيانا الحكم بتعويض عن األضرار التي تسببها بعض القوانين عند تطبيقها أو تنفيذها‪ .‬وقد يعد‬
‫ببعض أجزاء هذه الرقابة إلى محكمة خاصة تنشأ لهذا الغرض‪ .‬مثل إنشاء محكمة دستورية لرقابة دستورية‬
‫القوانين(‪.)4‬‬
‫بالنسبة للسلطة القضائية ذاتها‪ ،‬نجد أنها تراقب نفسها عن طريق الطعن في األحكام وبطرق الطعن‬
‫العادية وغير العادية(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ، 2336،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ -2‬حممد مصطفى حسني‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129 ،‬ص ‪. 268‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس ‪ ،1111،‬ص ‪ .23‬وتتميز رقابة‬
‫السلطة التقديرية عن رقابة القضاء لعيب االحنراف بالسلطة‪ .‬فرغم أن هذا العيب من عيوب القرار يفرتض وجود السلطة التقديرية‪ ،‬إال أن رقابته تواجه الغاية‬
‫من القرار‪ .‬وهي مجاع عناصر شخصية وموضوعية‪ ،‬يف حني أن رقابة السلطة التقديرية هي رقابة حدود هذه السلطة‪ .‬رقابة ميتد سلطان القاضي فيها إىل‬
‫مجيع أركان القرار اإلداري الصادر بناء على السلطة التقديرية مبا يف ذلك ركن الغاية أو اهلدف‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ .021‬ونذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 200‬‬
‫‪ -4‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪ 68‬و ‪. 61‬‬
‫‪ -5‬تنص املادة ‪ 010‬من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية على ‪ ":‬طرق الطعن العادية هي االستئناف و املعارضة ‪.‬‬
‫طرق الطعن غري العادية هي اعرتاض الغري اخلارج عن اخلصومة و التماس إعادة النظر و الطعن بالنقض"‪.‬‬
‫وبالنسبة للسلطة التنفيذية‪ ،‬فإن القضاء يراقب تصرفاتها ويعمل على توجيهها نحو ضرورة احترام مبدأ‬
‫المشروعية‪ ،‬وفي ذلك حماية لحقوق األفراد وحرياتهم‪ .‬فنجد أن رجال السلطة التنفيذية ‪-‬بحكم عملهم‪-‬‬
‫يحتكون بالجمهور أكثر من رجال السلطتين التشريعية والقضائية(‪ .)1‬مثل هذا االحتكاك من شأنه أن يجعلهم‬
‫يتأثرون أحيانا باالعتبارات الشخصية المختلفة التي تنحرف بالعمل عن دائرة الصالح العام‪ .‬ويالحظ أيضا أن‬
‫السلطة التنفيذية تتمتع بحكم وظيفتها بمجموعة من االمتيازات الخطيرة التي قد تهدد عند استخدامها حقوق‬
‫األفراد وحرياتهم‪ .‬وربما تلجأ اإلدارة إلى ممارسة سلطتها التقديرية لمحاباة البعض أو لمحاربة البعض اآلخر‬
‫أحيانا‪ ،‬و في الحالتين إضرار بالمصلحة العامة(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستقالل‪ ،‬الحياد والموضوعية‬
‫مبدأ الحياد كما يعرفه الدكتور بوبشير أمقران‪ ":‬مركز قانوني يكون فيه القاضي بعيدا عن التحيز‬
‫(‪)3‬‬
‫لفريق أو خصم على حساب أخر"‬
‫كما عرفه األستاذ الدكتور"عمار بوضياف" ‪ ... ":‬أن يزن القاضي المصالح القانونية للخصوم‬
‫بالعدل‪ ،‬وأن يقف موقفا من الخصومة يجعله بعيدا عن مظنة الميل ألحد األطراف"(‪.)4‬‬
‫من خالل هذه التعريفات‪ ،‬نجد أن مبدأ الحياد من المبادئ األساسية المسلم بها في التقاضي‪ ،‬يكون‬
‫من خالله القاضي مستقال في حكمه بعيدا عن أي تحيز أو ميل إلى أحد الخصوم(‪.)5‬‬
‫ينجم عن ذلك أن حقوق األفراد وحرياتهم ال يمكن ضمانها بصورة جدية إال في ظل الرقابة القضائية‪،‬‬
‫ألن القضاء ‪-‬نظ ار الستقالله وحياده وتخصصه‪ -‬يتمكن من الفصل في المنازعات بكفاءة ونزاهة‪ .‬كما أن‬
‫هذه الرقابة تؤدي – باعتبارها في يد جهة بعيدة عن اإلدارة– إلى حرص اإلدارة على القيام بأعمال وظيفتها‬
‫في حدود مبدأ المشروعية‪ ،‬حتى ال تتعرض للطعن فيها باإللغاء أو طلب التعويض عنها‪ .‬وحتى ال يكشف‬
‫(‪)6‬‬
‫القضاء انحرافها ويظهرها في وضع غير سليم يتنافى مع أهداف وظيفتها‪.‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬فإن القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري ينظر في الدعاوى المرفوعة أمامه بصفة‬
‫مستقلة(‪ .)7‬فال سلطان لإلدارة في غالبية النظم القانونية على القضاء‪ ،‬خاصة وأن استقالل الجهاز القضائي‬
‫صار اليوم يشكل حقا من حقوق اإلنسان تكرس في المادة ‪ 13‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 12‬‬


‫‪ -2‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1192 ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ -3‬بو بشري حمند أمقران‪ ،‬النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1119 ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ -4‬عمار بوضياف‪ ،‬النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار الرحيانة‪ ،‬اجلزائر‪ ، 2330 ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪ -5‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪،2336،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -6‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121،‬ص ‪. 60‬‬
‫‪ -7‬تأكيدا لذلك فقد أجاز املشرع اجلزائري للمتقاضي أن يتقدم بطلب رد القاضي عند النظر يف النزاع‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 291‬من قانون اإلجراءات املدنية‬
‫واإلدارية ( ‪ 38‬حاالت لرد القاضي ) ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرقابة القضائية رقابة مشروعية في األصل‬
‫بمعنى أن دور القاضي من خالل رقابته هو فحص التصرف اإلداري محل النزاع من حيث مطابقته‬
‫أو عدم مطابقته للقواعد القانونية‪ .‬دون أن تمتد هذه الرقابة إلى بحث مدى مالءمة هذا التصرف‪ ،‬حيث يبقى‬
‫تقدير هذه المالءمة من المسائل المتروكة لإلدارة بما لها من سلطة تقديرية‪ .‬بمعنى أن الرقابة القضائية هي‬
‫رقابة قانونية يسلطها القضاء للتعرف على مدى مشروعية العمل اإلداري‪ .‬فيقف نشاطه عند حد التحقق من‬
‫مشروعيتها أو عدمها‪ ،‬دون تجاوزها إلى وزن مناسبات القرار‪ ،‬وغير ذلك مما يدخل في نطاق المالءمة‬
‫والسلطة التقديرية التي تملكها اإلدارة‪ .‬إال في الحدود التي سيأتي شرحها في موضع الحق من هذا البحث(‪.)2‬‬
‫ليس للقضاء في مجال ممارسته للرقابة على أعمال اإلدارة سوى الحكم بمشروعية التصرف اإلداري أو‬
‫الحكم ببطالنه‪ ،‬ومن ثم إلغائه لعدم المشروعية‪ .‬عالوة على التعويض عن اإلضرار الناجمة عنه‪.‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬ال يجوز للقضاء التدخل في عمل اإلدارة بأن يحل محلها في إصدار أي قرار أو أن يأمرها‬
‫بأداء عمل معين أو باالمتناع عنه‪ .‬وال أن يكرهها على شيء من ذلك(‪ ،)3‬إذ أن ممارسة الوظيفة اإلدارية ال‬
‫تكون إال لإلدارة‪ .‬وبالتالي تظل لإلدارة حريتها الكاملة في اتخاذ ما تراه من ق اررات بمقتضى وظيفتها اإلدارية‬
‫خاضعة في ذلك لرقابة القضاء إذا وقعت منه مخالفة للقانون(‪.)4‬‬
‫رابعا‪ :‬وجوب المطالبة القضائية‬
‫إن الرقابة القضائية وعلى خالف الرقابتين البرلمانية واإلدارية‪ ،‬ال تتحرك من تلقاء نفسها وانما البد من‬
‫رفع دعوى أمام القضاء من ذوي الشأن‪ ،‬لكي سيتند إليها القاضي في ممارسته للرقابة على أعمال اإلدارة‬
‫التي تثير الشكوك حول مشروعيتها‪ ،‬نتيجة هذه الدعوى‪.‬‬
‫على اعتبار أن الرقابة القضائية ال تتم إال عن طريق المطالبة القضائية من طرف صاحب الحق الذي‬
‫أدى عمل اإلدارة إلى المساس بمركزه القانوني دون أن يسقط هذا من حقوق اإلدارة في هذا المجال‪ ،‬ألن هذه‬

‫‪ -1‬فال ميكن التسليم مبا يقول به بعض الفقه الفرنسي على إطالقه‪ ،‬بأنه ليس بالضرورة أن يكون القضاء اإلداري مستقال عن اإلدارة ألن االستقالل لن‬
‫يكون يف مجيع األحوال يف صاحل األفراد‪ ،‬ألن القضاء اإلداري يف حالة استقالله عن السلطة التنفيذية لن يقدم على فرض رقابة جريئة على أعماهلا‪ .‬أما إذا‬
‫كان القضاء قريبا من اإلدارة فإن رقابته ستكون أفضل و أجنع‪ .‬وذلك راجع إىل اجلرأة اليت تصطب هبا الرقابة القضائية يف جماالت ومسائل معينة‪ ،‬يعتمد فيها‬
‫القضاء اإلداري على عالقته القوية بالسلطة التنفيذية وتتقبلها هذه األخرية ببساطة‪ ،‬مادامت ال تتجاوز اجملاالت واملسائل اليت ال متثل أمهية خاصة‪ ،‬آخذة‬
‫يف اعتبارها أن القاضي اإلداري ليس غريبا عنها‪ .‬وهذا ما فعلته احلكومة الفرنسية يف تعديالت ‪ 1190‬من االحتفاظ للقضاء اإلداري مبركز اخلضوع والتبعية‬
‫هلا‪ .‬وحرصها على مقاومة أي اجتاه ينشأ لديه حنو التخلص من هذه التبعية‪ " .‬وهذا ما تفعله مصر من اجتاه احلكومة فيها حنو ربط أعضاء القضاء اإلداري‬
‫هبا‪ ،‬عن طريق ندهبم لوظائف يف اجلهاز التنفيذي إىل جانب عملهم القضائي مقابل مكافآت تصرف هلم‪ .‬وال يستقيم يف العقل أن يكون ذلك لتحقيق‬
‫وتنشيط فاعلية الرقابة القضائية على أعماهلا"‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر ‪ :‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار‬
‫الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪ 93‬و ‪. 91‬‬
‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 039‬‬
‫‪ -3‬و إن كان املشرع اجلزائري قد استحدث آلية فرض الغرامة التهديدية على اإلدارة إلرغامها على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها يف املادة ‪ 183‬من‬
‫قانون اإلجراءات املدينة و اإلدارية ‪.‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330،‬ص ‪. 036‬‬
‫األخيرة لها حق اتخاذ كل األعمال التي تناسبها لدى تسييرها للمرافق العامة‪ ،‬و مع ذلك فهي غير مجبرة‬
‫على أن تقوم قانونا بااللتجاء إلى القضاء للدفاع ومحاولة الحصول على حقوقها من األفراد(‪.)1‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫لقد انقسم الفقه بشأن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة بين مؤيد ومعارض‪ ،‬وقد كان لكل‬
‫اتجاه حججه التي يستند إليها ويدعم بها موقفه‪ ،‬وذلك ما سنحاول التطرق إليه فيما يلي ذكره‪ ،‬مدعمين ذلك‬
‫برأينا بخصوص هذا االنقسام واالختالف في اآلراء‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫الموقف المعارض للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫لقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي تماما ولمدة طويلة عن بحث مسألة السلطة التقديرية لإلدارة أو بسط‬
‫رقابته على األنشطة التي تباشر بمقتضى هذه السلطة‪ ،‬معتب ار أنها مما يدخل في إطالقات اإلدارة(‪ ،)2‬دون‬
‫أدنى رقابة عليها من القضاء(‪.)3‬‬
‫لقد تم االستناد في ذلك إلى عدة حجج‪ :‬منها اعتبار مجلس الدولة على أنه مماثل لمحكمة النقض من‬
‫حيث كونها محكمة قانون فقط‪ .‬ومن ثم فقد كان على القاضي اإلداري أسوة بقاض محكمة النقض أن يمتنع‬
‫عن رقابة الوقائع التي استندت إليها اإلدارة في قرارها‪ ،‬مكتفيا في هذا الشأن بإنزال حكم القانون عليها‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن مجلس الدولة كان يحترم سلطة اإلدارة حينما تبحث في الوقائع وتقديرها‪ .‬فال يناقش صحة‬
‫هذه الوقائع وال حتى وجودها المادي‪ ،‬تماما كما يحترم قضاء النقض هذه السلطة لمحكمة أو لقاضي‬
‫الموضوع‪ ،‬فكالهما إذن قاض قانون ال قاض وقائع(‪.)4‬‬
‫أما الحجة العملية التي استند إليها أنصار هذا االتجاه‪ ،‬فتكمن في عجز القاضي عن رقابة الجانب‬
‫التقديري من نشاط اإلدارة‪ .‬ألنه مهما وضع أمامه من معلومات ومهما قام بأبحاث وتحريات حول موضوع‬

‫‪ -1‬عمار عوابدي‪ ،‬قضاء التفسري يف القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه ‪ ، 1111،‬ص ‪. 811‬‬
‫‪ -2‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة ومدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد‬
‫الثامن‪ ،2339 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -3‬إذ نتيجة إدراك جملس الدولة الفرنسي أنه وجد كبديل للمحاكم العادية للنظر يف أقضية اإلدارة‪ .‬تلك احملاكم اليت كان يطلق عليها آنذاك "الربملانات‬
‫القضائية "‪ ،‬اليت منعت من مباشرة تلك املهمة ملا كانت تتسم به من مسعة سيئة‪ ،‬سواء لدى املواطنني أو لدى رجال الثورة الفرنسية أنفسهم نتيجة تدخلها‬
‫الدائم يف أعمال اإلدارة‪ .‬واحلد بالتايل من استقالهلا وحريتها يف التصرف‪ .‬بل ونتيجة وقوفها حجر عثرة يف وجه أي إصالح يراد إدخاله على اجلهاز‬
‫اإلداري‪ .‬وترى أ نه ينتقص من امتيازاهتا‪ ،‬فقد خشي أن يؤدي تدخله يف أعمال اإلدارة وحماسبتها على كل كبرية وصغرية أن يعيد لألذهان تلك الصورة‬
‫السيئة‪ .‬األمر الذي قد يعصف بوجوده‪ ،‬لذلك فقد فضل أن يكسب ثقة اإلدارة والقائمني عليها‪ .‬وذلك عن طريق امتناعه عن أية رقابة تؤدي إىل االنتقاص‬
‫من حريتها واستقالليتها فيما تباشر من أنشطة تقديرية‪ .‬مكتفيا يف هذا الصدد مبراقبة مشروعية تلك األنشطة دون مالءمتها‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬صالح يوسف‬
‫عبد العليم ‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪ 20‬و ‪. 23‬‬
‫‪ -4‬رمضان حممد بطيخ ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها‪،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،1119،‬ص ‪. 32‬‬
‫النزاع‪ ،‬فإنه يكون عادة بعيدا عن المكان الذي تتم فيه الوقائع التي تستلزم تدخل اإلدارة‪ .‬بحيث تنحصر‬
‫معلوماته في حدود الدعوى التي ينظرها‪ .‬كما أنه يصدر حكمه عادة بعد مضي زمن على حدوث تلك‬
‫الوقائع‪ .‬إذ ليس من عادته سرعة التصرف التي يتطلبها سير المرافق العامة بانتظام و اطراد(‪)1‬إضافة إلى‬
‫عدم وجود الخبرة الكافية لديه لمواجهة الحاالت التي تعرض لإلدارة(‪.)2‬‬
‫باإلضافة إلى هاتين الحجتين اللتين ساقهما القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬فإن الفقه يستند في تبريره لرفض‬
‫بسط القضاء لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة إلى حجتين أساسيتين‪ :‬تكمن األولى في اعتبار الرقابة‬
‫القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات‪ .‬أما الحجة الثانية‪ ،‬فتتمثل في‬
‫قصر الرقابة القضائية على مشروعية أعمال اإلدارة دون تعديها إلى مجاالت المالءمة(‪ .)3‬وسنفصل الحديث‬
‫عن كلتا الحجتين فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات‬


‫لقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة تمثل اعتداء‬
‫على استقاللية اإلدارة بمقتضى مبدأ الفصل بين السلطات(‪ .)4‬ذلك أن القاضي في رقابته على سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية يقوم بإحالل تقديره الشخصي محل تقدير جهة اإلدارة(‪ ،)5‬أو أنه في رقابته على هذا التقدير يقوم‬

‫‪ -1‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .22‬وهذه االعتبارات هي اليت أدت إىل فصل اإلدارة العاملة عن اإلدارة القاضية‪ .‬فالقاضي ليس إداريا‬
‫" يقضي و ال يدير "‪.‬‬
‫‪ -2‬حممد كامل ليله‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1198،‬ص ‪ 22‬و ‪. 28‬‬
‫‪ -3‬هناك بعض الفقهاء من أنكر متاما وجود سلطة تقديرية لإلدارة‪ .‬ومن بينهم الفقيه االجنليزي "ديسي"‪ ،‬صاحب املذهب الليربايل‪ .‬وقد جسد أفكاره هذه‬
‫يف كتابه"فلسفة احلرية االقتصادية" عام ‪ .1886‬تلك الفلسفة اليت تعين ترك األفراد أحرارا فيما يفعلون شرط عدم التدخل يف حريات اآلخرين‪ .‬على أن‬
‫تقتصر وظائف الدولة على حفظ النظام والدفاع والعالقات اخلارجية‪ .‬ولذلك كان طبيعيا أن يصرف تفكريه ويوجه اهتمامه إىل تأثري الدولة على احلريات‬
‫الفردية ومحاية امللكية اخلاصة‪ .‬ونتيجة لذلك فإنه ال حمل يف أي نظام سياسي عنده للسلطة التقديرية‪ ،‬تلك السلطة اليت يرجح إساءة استخدامها‪ .‬ومن مث‬
‫تكون وسيلة للتحكم واالستبداد واالعتداء على حريات األفراد‪ .‬والواقع أن إنكار "دايسي" للسلطة التقديرية هو أمر أثبت الواقع استحالته‪ .‬فمشروعات‬
‫اخلدمة االجتماعية يف اجنلرتا اليت تضطلع هبا الدولة‪ ،‬ال ميكنها أن تكون موضع التنفيذ بطريقة مرضية إذا مل ترتك بعض تفصيالت تنفيذها جلهة اإلدارة‪ .‬ملا‬
‫هلا من سابق اخلربة يف ها اجملال‪ .‬وال خشية على حريات األفراد طاملا أن هذه السلطة مقيدة باملصلحة العامة‪ .‬أنظر ملزيد من التفاصيل‪:‬عبد اجلليل حممد‬
‫علي‪ ،‬مبدأ املشروعية يف النظام اإلسالمي واألنظمة القانونية املعاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪،1181،‬ص ‪ 61‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -4‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪،‬اإلسكندرية‪،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -5‬ويف ذلك يقول‪:« chevalier » :‬‬
‫‪« Les juridictions administratives estiment n’avoir pas qualité pour prendre aux lieux et place‬‬
‫» ‪des administrateurs les mesures que ceux-ci sont juridiquement obligés de prendre‬‬
‫أنظر يف ذلك‪ :‬بن صاولة شفيقة‪ ،‬إشكالية تنفيذ اإلدارة للقرارات القضائية اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار هومه‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫بإحالل نفسه محل رجل اإلدارة ويمارس أحد اختصاصاته‪ .‬وبذلك فإنه يخرج عن دوره كقاض مشروعية‬
‫ليصبح رئيسا أعلى لإلدارة(‪.)1‬‬
‫اعتبارن دفعا ببعض الفقه إلى القول بتعارض رقابة السلطة التقديرية مع مبدأ الفصل بين‬
‫ا‬ ‫ثمة‬
‫السلطات‪ .‬هما النظرة الجامدة للمبدأ أوال‪ ،‬والتي تفسره تفسي ار ضيقا‪ .‬والتشكيك في قدرة القاضي على القيام‬
‫بهذه المهمة ثانيا‪.‬‬
‫في هذا اإلطار يقول األستاذ "فالين" أن القاضي اإلداري ال يستطيع أن يباشر رقابته على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة ليحل تقديره بدال من تقديرها‪ ،‬مادام تقدير اإلدارة ينهض على أساس من الوقائع الصحيحة‬
‫(‪)2‬‬
‫المبررة‪ .‬واال فإنه يخرج عن حدود اختصاصاته ليصبح رئيسا أعلى لإلدارة‪.‬‬
‫مفاد ذلك أن القاضي اإلداري بفرضه لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬يدخل في مجال التقدير‬
‫اإلداري ويعتدي بهذه المثابة على اختصاصات اإلدارة‪ .‬مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫يسير جانب من الفقه المصري في هذا االتجاه(‪ ،)3‬من ذلك األستاذ "السيد محمد إبراهيم"(‪ ،)4‬الذي يقرر‬
‫أنه‪ ":‬في نطاق تطبيق مبدأ الفصل بين الهيئات اإلدارية والقضائية‪ ،‬ليس للقضاء إال الرقابة القانونية على‬
‫أعمال اإلدارة‪ ،‬و لذلك فإنه ال يمد رقابته إال في الحدود القانونية‪ ،‬أي في حدود التأكد من أن القرار قد قام‬
‫على عناصره القانونية‪ ،‬ومنها أن يكون محققا ألغراضه و للمصالح التي عينها القانون و ليس له أن‬
‫يتطرق إلى بحث درجة تحقق هذه المصالح‪ ،‬إذ أن ذلك مما يخرج عن نطاق مسؤولية اإلدارة القانونية‪،‬‬
‫التي تخضع لرقابة القضاء‪ ،‬ويدخل في نطاق مسؤوليتها اإلدارية والسياسية"‪.‬‬
‫وهكذا يخلص هذا االتجاه الفقهي إلى أن فرض القضاء اإلداري رقابته على التناسب فيه اعتداء على‬
‫(‪)5‬‬
‫اختصاصات اإلدارة‪ .‬األمر الذي يشكل إخالال بمبدأ اإلخالل بين الهيئات اإلدارية و القضائية‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد تقيه‪ ،‬مبدأ املشروعية ورقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112 ،‬ص ‪.192‬‬
‫وهذا ما أيده " فالني " حني قال ‪ " :‬إن عملية اإلدارة تتمثل أساسا يف االختيار يف نطاق جمموعة القرارات اليت ميكن اختاذها قانونا‪ ،‬ذلك القرار الذي يتفق‬
‫أكثر من غريه مع احتياجات الصاحل العام‪ ،‬وإذا مسح القاضي لنفسه مبراجعة اإلدارة يف تقديرها هذا وإلغاء القرارات اليت يقدر أهنا ال ختدم الصاحل العام‬
‫بدرجة كافية‪ ،‬فإنه يف هذا الغرض ال يصبح قاضيا‪ ،‬وإمنا رئيسا أعلى لإلدارة"‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪،‬‬
‫مذكرة ماجستري‪،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،2339،‬ص ‪ 230‬نقال عن ‪:‬‬
‫‪- Waline,Etendue et limite du contrôle du juge administratif,G.E,1956,p 27‬‬
‫‪ -2‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -3‬من هؤالء جند الدكتور حممد حسنني عبد العال‪ .‬أنظر رسالته‪ ،‬فكرة السبب يف القرار اإلداري و دعوى اإللغاء‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،1121 ،‬‬
‫ص ‪.21‬‬
‫‪ -4‬السيد حممد إبراهيم‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعاوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مطابع جريدة السفري ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1190،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -5‬جتدر اإلشارة إىل أن الدكتور "السيد حممد إبراهيم" يشري إىل و جود خلط يف الفقه بني مبدأ الفصل بني السلطات الذي ابتدعه مونتيسكيو وطبقته‬
‫الثورة الفرنسية‪ .‬وبني مبدأ الفصل بني اهليئات اإلدارية والقضائية الذي كان قد ظهر قبل قيام الثورة الفرنسية‪ .‬وذهب البعض إىل حماولة التوفيق بني املبدأين‬
‫بالقول أن مبدأ الفصل بني اهليئات أثر خاص ملبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬أو تفسري فرنسي له أو طريقة لتطبيقه‪ .‬رغم التناقض بني املبدأين يف األهداف‬
‫واآلثار‪ .‬فمبدأ الفصل بني السلطات مبدأ سياسي هدفه عدم تركيز سلطات الدولة يف يد واحدة وتوزيعها على هيئات منفصلة ومستقلة‪ ،‬منعا لالستبداد‬
‫تبعا لذلك يطرح التساؤل عن فحوى هذا المبدأ‪ ،‬وكيف نشأ وكيف طبق في الواقع ؟ وهل أخذ به‬
‫المؤسس الدستوري الجزائري ؟‪ .‬كل هذا األسئلة سنحاول اإلجابة عليها فيما يلي ذكره‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -1‬مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات‬
‫ال يقصد بفصل السلطات أن تستقل كل هيئة أو سلطة عن األخرى تمام االستقالل بحيث تكون كل‬
‫منها بمعزل عن األخرى(‪ .)2‬لكن المقصود بهذا المبدأ هو‪ " :‬عدم تركيز صالحيات وسلطات الدولة في يد‬
‫واحدة‪ ،‬بل توزيعها على هيئات وسلطات منفصلـــة و متساوية‪ ،‬بحيث ال يمنع هذا التوزيع و االنفصال من‬
‫قيام تعاون و رقابة من السلطات على بعضها البعض"(‪.)3‬‬
‫إذا كان" مبدأ الفصل بين السلطات" يقترن وينسب إلى الفيلسوف الفرنسي" مونتيسكيو" في كتابه"روح‬
‫القوانين"‪ .‬على اعتبار أن هذا المبدأ سيضمن ممارسة واحترام الحقوق والحريات الفردية(‪ ،)4‬على أن توزع تلك‬
‫السلطات بين ثالث هيئات‪ :‬سلطة تشريعية تكون بيد الشعب أو ممثليه‪ ،‬سلطة تنفيذية بيد ملك قوي‪ ،‬وسلطة‬

‫والتحكم‪ .‬أما مبدأ الفصل بني اهليئات اإلدارية والقضائية فيقوم على عزل اهليئات القضائية عن نظر املنازعات املتعلقة باهليئات اإلدارية‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬إذا‬
‫كان مبدأ الفصل بني السلطات حيمي الفرد من تعسف الدولة‪ ،‬فإن الفصل بني اهليئات حيمي اإلدارة من رقابة القضاء‪ .‬كما أن مبدأ الفصل بني السلطات‬
‫يقسم وظائف الدولة بني سلطات متعددة‪ .‬أما مبدأ الفصل بني اهليئات‪ ،‬فيقسم الوظيفة الواحدة‪ .‬وهي الوظيفة القضائية بني اهليئات اإلدارية والقضائية‪ .‬ومما‬
‫يؤكد عدم االرتباط بني املبدأين‪ ،‬أنه يف فرنسا عرف مبدأ الفصل بني اهليئات يف النظام امللكي الذي قام على مبدأ وحدة السلطة‪ ،‬ويف وقت مل يكن قد تألق‬
‫فيه مبدأ الفصل بني السلطات‪ .‬وعلى العكس متاما يف اجنلرتا والواليات املتحدة‪ ،‬حيث ينكرون مبدأ الفصل بني اهليئات رغم قيام النظام الدستوري على‬
‫أساس الفصل بني السلطات‪ .‬ويدلل على ذلك مبا قاله األستاذ "فديل" بأنه ال التاريخ وال القانون املعاصر يؤكد أن مبدأ الفصل بني اهليئات القضائية‬
‫واإلدارية كان مرتبطا مببدأ الفصل بني السلطات‪ .‬أنظر‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬نقال عن‪ :‬السيد حممد إبراهيم‪ ،‬مبدأ الفصل بني اهليئات‬
‫اإلدارية والقضائية‪ ،‬جملة احلقوق للبحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1123 ،‬‬
‫‪ -1‬جتدر اإلشارة إىل أن الفكر اإلسالمي احلديث يؤكد على أن مبدأ الفصل بني السلطات يف النظام اإلسالمي يقوم و ينفرد على سائر األنظمة بالفصل‬
‫التام بني السلطة التشريعية وباقي السلطات‪ .‬وهذا مل يصل إليه أي نظام دستوري حديث‪ ،‬إذ تعد السلطة التشريعية ‪ -‬وهي اهلل سبحانه و تعاىل – أوىل‬
‫السلطات وأمهها يف اإلسالم – منفصلة متاما عن القائمني بالتنفيذ‪ .‬وما يضعه أويل األمر أو احلكام إمنا هو للتنفيذ والكشف ال غري ويف حدود التشريع‬
‫اإلهلي‪ .‬إذ ال ميلك اخلليفة حق التشريع لوصفه رئيس السلطة التنفيذية‪ ،‬وإن كان له حق االجتهاد مت استويف شروطه مثله مثل باقي اجملتهدين‪ .‬أما عن‬
‫السلطة القضائية‪ ،‬فإهنا يف نظر فقهاء الشريعية اإلسالمية مل تكن مستقلة بذاهتا‪ ،‬بل كانت تابعة للسلطة التنفيذية‪ .‬إذ غالبا ما جند ويف خمتلف مراحل الدولة‬
‫اإلسالمية القضاة ميارسون إىل جانب وظيفة القضاء أعماال تنفيذية أخرى كقيادة اجليوش واحلسبة ‪ ...‬إال أن هذا اإلدماج العضوي للقضاء مل يكن أبدا‬
‫مؤثرا على ممارسة وظيفتهم كقضاة‪ ،‬ملا كانوا يتمتعون به من استقاللية يف املمارسة وإخالص ال نظري هلما يف الدول املعاصرة‪ .‬وأساس ذلك هو خضوعهم‪-‬‬
‫إىل جانب اخلليفة وعلى قدم املساواة‪ -‬للمسؤولية واملساءلة كباقي أفراد اجملتمع‪ .‬وتقيدهم بأحكام الشريعية اإلسالمية‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬قزو حممد أكلي‪،‬‬
‫دروس يف الفقه الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪ ، 2330،‬ص ‪. 182‬‬
‫‪ -2‬سحنني أمحد‪ ،‬احلريات العامة يف ظل الظروف االستثنائية يف اجلزائر ‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪ ، 2336 ،‬ص ‪. 101‬‬
‫‪ -3‬حاحا عبد العايل ويعيش أمال‪ ،‬تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ‪ ،1119‬جملة االجتهاد القضائي‪،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪،2336 ،‬‬
‫ص ‪. 269‬‬
‫‪ -4‬يرى " مونتيسكيو " أن مبدأ الفصل بني السلطات وسيلة للتخلص من السلطة املطلقة للملوك‪ .‬فتجمع السلطات يف يد واحدة يؤدي إىل االستبداد‬
‫ألن طبيعة البشر ميالة إىل حب السيطرة واالستبداد‪ .‬وأن احلرية ال توجد إال يف احلكومات املعتدلة ألن اإلنسان يتمادى يف استخدام حقه وسلطته‪ .‬وللحد‬
‫من ذلك وجب وضع قيود على تلك السلطة‪ .‬وال ميكن أن يتحقق ذلك إال بوجود سلطة مقابلة هلا – السلطة توقف السلطة‪ .-‬وعليه ال قيمة للقوانني إذا‬
‫مل تكن السلطات موزعة بني هيئات خمتلفة تعمل من أجل حتقيق املصلحة العامة‪ ،‬توقف كل منها األخرى عند االعتداء على اختصاصاهتا‪ .‬انظر يف ذلك‪:‬‬
‫فريد علواش ونبيل قرقور‪ ،‬مبدأ الفصل بني السلطات يف الدساتري اجلزائرية‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،39‬بسكرة ‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫قضائية تسند إلى هيئة مستقلة(‪ .)1‬إال أن مبدأ الفصل بين السلطات يجد أصله في الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬فقد‬
‫ظهر على لسان "أفالطون" و"أرسطو"‪ .‬وتلقفه "جون لوك" و"مونتيسكيو" و"روسو"‪ .‬وانتقل إلى الميدان‬
‫التطبيقي على إثر الثورتين الفرنسية واألمريكية(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -2‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري‬

‫‪ -1‬املالحظ أن " مونتيسكيو " مل يذهب إىل املطالبة بالفصل املطلق بني السلطات‪ .‬فقد كان متيقنا أنه مهما كانت شدة الفصل فإن هذه السلطات‬
‫مضطرة للتعاون والتضامن والعمل بطريقة منسقة‪ ،‬ألن الفصل التام مستحيل يف عامل الواقع‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬سحنني أمحد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -2‬يرى " أفالطون " يف كتابه " القوانني" توزيع السلطة بني عدة هيئات هي أوال ‪ :‬جملس السيادة املكون من ‪ 13‬أعضاء يهيمون على دفة احلكم وفقا‬
‫للدستور‪ .‬ثانيا ‪ :‬مجعية تضم احلكماء مهمتها اإلشراف على التطبيق السليم للدستور‪ .‬ثالثا‪ :‬جملس شيوخ منتخب مهمته التشريع‪ .‬رابعا‪ :‬هيئة حلل املنازعات‬
‫اليت تقوم بني األفراد‪ .‬خامسا‪ :‬هيئات البوليس وأخرى للجيش مهمتها احلفاظ على األمن وسالمة الرتاب‪ .‬سادسا وأخريا‪ :‬هيئات متثيلية وتعليمية إلدارة‬
‫مرافق الدولة‪ .‬أما أرسطو‪ ،‬فقد الحظ ضرورة وجود ثالث وظائف‪ :‬وظيفة املداولة‪ :‬وهي من اختصاص اجلمعية العامة‪ .‬ووظيفة األمر‪ :‬وهي اليت يقوم هبا‬
‫احلكام‪ .‬ووظيفة القضاء اليت تقوم هبا احملاكم‪ .‬ويرى أنه من األحسن للنظام السياسي توزيع السلطة بني هيئات خمتلفة للتعاون مع بعضها البعض جتنبا لكل‬
‫استبداد‪ .‬أما " جون لوك "‪ ،‬فيعترب أول فقيه عرب عن مبدأ الفصل بني السلطات بنظريات عامة يف كتابة املشهور" التجربة يف حكومة مدنية "‪ .‬وقد وضعه يف‬
‫أعقاب الثورة الربيطانية عام ‪ ،1988‬وقسم سلطات الدولة إىل أربع مهمات‪ )1( :‬املهمة التشريعية‪ :‬وهي سن القوانني ‪ )2( ،‬املهمة التنفيذية‪ :‬تنفيذ‬
‫القوانني واحملافظة على األمن‪ )0( ،‬املهمة االحتادية‪ :‬وخصائصها إعالن احلرب وإقرار السلم وعقد املعاهدات والقيام جبميع العالقات مع الدول األخرى‪.‬‬
‫(‪ )9‬مهمة التاج‪ :‬وهي السلطة اليت تتوىل خصائص امللوك وحقوقهم وامتيازاهتم كافة‪ .‬أما "جون جاك روسو"‪ ،‬فريى أن الفصل بني السلطتني التشريعية‬
‫والتنفيذية أمر ضروري لكنه خيالف "مونتسيكيو" يف كونه يعترب السلطة القضائية جزءا من السلطة التنفيذية‪ .‬كما أنه ال يقر فكرة تساوي السلطات يف ممارسة‬
‫السيادة واستقالهلا‪ .‬ملزيد من التفاصيل أنظر‪ :‬علواش فريد ونبيل قرقور‪،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪ 229‬وما بعدها‪ ،‬عبد العايل حاجا وأمال يعيش‪ ،‬املقال السابق‪،‬‬
‫ص ‪ . 266‬وسعيد بوشعري‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية املقارنة ‪ ،‬طرق ممارسة السلطة " أسس األنظمة السياسية و تطبيقات عنها"‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫اجلزء ‪ ،2‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪، 1111 ،‬ص‪.196‬‬
‫‪ -0‬إن دستور ‪ 1190‬يأخذ ظاهريا مببدأ الفصل بني السلطات‪ .‬وذلك على النحو التايل‪ :‬السلطة التشريعية ( املواد ‪ 22‬إىل ‪،)28‬السلطة التنفيذية (املواد‬
‫من ‪ 01‬إىل ‪ ،)61‬السلطة القضائية(املواد من ‪ 93‬إىل ‪ .)92‬إال أنه يف حقيقة األمر مل يعتمد مبدأ الفصل‪ .‬إذ آمن واضعو الدستور اجلزائري لسنة‬
‫‪ 1190‬بفكرة مفادها "الضمان لالستقرار إال بالنظام القائم على قاعدة تغلب الشعب صاحب السيادة واحلزب الواحد "‪ .‬وتأسيسا على ذلك حتول "نظام‬
‫احلزب الواحد" عن طريق "االستفتاء الشعيب" إىل مبدأ دستوري‪ .‬وبناء على ذلك قام النظام الدستوري على أساس عدم الفصل بني السلطات‪ ،‬لكون‬
‫املؤسس الدستوري آنذاك ينفر من ذلك الفصل‪ .‬حيث ينظر فيه جتزئة للسيادة الوطنية‪ .‬كما أن األحداث والتطورات اليت عرفتها اجلزائر يف تلك املرحلة‬
‫جعلت نظام احلكم يقوم على أساس تركيز السلطات‪ ،‬حيث أصبحت سلطات رئيس اجلمهورية واسعة‪ .‬فهو يف ذات الوقت رئيس احلكومة‪ ،‬وهو األمني‬
‫العام للحزب‪ .‬وعليه أصبح جيسد وحدة القيادة للحزب والدولة ‪.‬انظر يف ذلك‪ :‬السعيد بوشعري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ . 02‬أما بالنسبة لدستور ‪،1129‬‬
‫فقد عمق من فكرة وحدة السلطة‪ ،‬وذلك بتضمني بابه الثاين السلطة وتنظيمها كال من الوظيفة السياسية (املواد من ‪ 19‬إىل ‪ ) 130‬والوظيفة التنفيذية‬
‫(املواد من ‪ 139‬إىل ‪ ) 126‬والوظيفة التشريعية ( املواد من ‪ 129‬إىل ‪ ) 190‬والوظيفة القضائية (املواد من ‪ 199‬إىل ‪ .) 182‬فقد كان النظام‬
‫الدستوري اجلزائري يف ظل دستور ‪ 1129‬يقوم على فكرة التقسيم الوظيفي للسلطة يف ظل وحدة القيادة‪ .‬وهي فكرة ال ينتج عنها فصل السلطات‪ ،‬بل‬
‫تساعد على عدم تفتت السلطات ومتكن من تنظيمها وتوزيعها بني أجهزة خمتلفة‪ .‬واملزج بني املركزية والالمركزية مبفهوم القانون اإلداري‪ ،‬ولكن ذلك ال يفقد‬
‫رئيس اجلمهورية بوصفه املؤسسة األساسية يف النظام صالحيات احللول حمل املؤسسات األخرى يف الدولة كلما ارتأى ذلك ضروريا‪ ،‬وحت إن مل حيل حملها‬
‫مباشرة فإنه يبقى اجلهاز املكمل هلا يف أداء وظيفتها‪ .‬فبدونه تكون غري قادرة على أداء مهامها‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر يف ذلك ‪ :‬بورايو حممد ‪ "،‬رئيس‬
‫اجلمهورية يف دستور ‪ 22‬نوفمرب ‪ ،"1129‬دراسة حتليلية الختصاصات رئيس اجلمهورية من خالل الدستور اجلزائري لسنة ‪ ،1129‬رسالة ماجستري ‪،‬‬
‫جامعة اجلزائر ‪ ، 1181 ،‬ص‪. 93‬‬
‫لقد أقر دستور ‪ 1181‬المعدل سنة ‪ 1119‬التعددية الحزبية بعد اإلعالن عن نهاية سيطرة الحزب‬
‫الواحد واعادة توزيع وظائف الدولة المختلفة‪ .‬حيث تضمن في بابه الثاني تحت عنوان "تنظيم السلطات " كال‬
‫من السلطة التنفيذية (المواد من ‪ 92‬إلى ‪ )11‬والسلطة التشريعية ( المواد من ‪ 12‬إلى ‪ ) 128‬والسلطة‬
‫القضائية ( المواد من ‪ 121‬إلى ‪ ،) 198‬وأكدت المادة ‪ 121‬على أن السلطة القضائية مستقلة‪.‬‬
‫المالحظ أن المؤسس الدستوري في ظل دستور ‪ – 1181‬ورغم عدم نصه صراحة على مبدأ الفصل‪-‬‬
‫يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬لكنه جعله فصال مرنا‪ .‬أي اتخذ موقع وسط بين النظام الرئاسي‬
‫والبرلماني(‪ ،)1‬بإحداث هيئات مستقلة ومتوازنة تتميز العالقة بينها بالتعاون والتنسيق‪ .‬بحيث ال يمكن ألي‬
‫منها أن تؤدي مهمتها إال إذا تعاونت مع السلطة األخرى‪ ،‬وكذلك الستعمال مصطلح " السلطات" وتخصيصه‬
‫فصال مستقال لكل سلطة منها(‪.)2‬‬
‫على الرغم من األحداث المؤلمة والمتسارعة التي شهدتها الجزائر خالل الفترة االنتقالية الممتدة ما بين‬
‫‪ 1112‬و ‪ .)3(1119‬إال أن ما تجدر اإلشارة إليه أنه بالنسبة لمبدأ الفصل بين السلطات في ظل التعديل‬
‫الدستوري لسنة ‪ .1119‬نجد أن المؤسس الدستوري ظل وفيا للمبدأ التي اعتنقه‪ ،‬حيث تضمن في بابه الثاني‬
‫تحت عنوان" تنظيم السلطات " كال من السلطة التنفيذية (المواد من ‪ 23‬إلى ‪ ) 12‬والسلطة التشريعية (المواد‬
‫من ‪ 18‬إلى ‪ )102‬والسلطة القضائية (المواد من ‪ 108‬إلى ‪ .) 168‬وأكد في المادة ‪ 108‬منه على استقالل‬
‫السلطة القضائية صراحة ‪.‬‬
‫ما يؤكد على استمرار هذا المنحى‪ ،‬موقف المجلس الدستوري حين اخطر لرقابة دستورية المادة ‪32‬‬
‫من األمر المتعلق بالتقسيم القضائي المصادق عليه من قبل المجلس الوطني االنتقالي بتاريخ‬
‫‪ ،)4(1112/1/9‬حيث أعلن على‪":‬اعتبار المؤسس الدستوري باعتماده مبدأ الفصل بين السلطات كمبدأ‬

‫‪ -1‬موالي أمساء‪ ،‬التشريع يف ظل الفرتة االنتقالية الواقعة بني ‪ 1112‬و ‪ ،1119‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪ ، 2332 ،‬ص ‪. 111 ، 118‬‬
‫‪ -2‬ميكن كذلك أن نستشف أخذ املؤسس الدستوري اجلزائري مببدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬من خالل موقف اجمللس الدستوري‪ ،‬حيث أنه حني اخطر من‬
‫أجل رق ابة دستورية القانون املتضمن النظام الداخلي للمجلس الشعيب الوطين و القانون األساسي للنائب أكد على ما يلي ‪:‬‬
‫"‪ -‬نظرا لكون حمرر الدستور أقام مبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬باعتباره عنصرا أساسيا يف تنظيم السلطات العمومية ‪.‬‬
‫‪ -‬و نظرا لكون مثل هذا االختيار يرتتب عليه أن كل سلطة هلا صالحية تنظيم عملها الداخلي و ضبطه "‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬رأي رقم ‪ – 1‬ر ‪ .‬ق ‪ .‬م ‪ .‬د ‪.‬‬
‫– ‪ ، 1181/8/28‬اجلريدة الرمسية ‪ ،‬عدد ‪. 1181 ، 02‬‬
‫‪ -3‬لقد عرفت اجلزائر خالل هذه املرحلة مجلة من األحداث ( اخلاصة بعد وقف املسار االنتخايب ) جعلت السلطة التنفيذية تتمتع بصالحيات أوسع‬
‫وأمشل يف كل جماالت عمل الدولة‪ .‬حبيث مت تركيز السلطة بيد السلطة التنفيذية‪ ،‬باعتبارها احلاملة خلاصية السلطة التقديرية واملالكة لصفة أعمال السيادة‪.‬‬
‫األمر الذي يتعارض مع أحد املبادئ الدستورية اجلوهرية أال وهو مبدأ الفصل بني السلطات‪ .‬خاصة وأن السلطة التنفيذية جتاوزت حدودها من التنفيذ إىل‬
‫التشريع‪ ،‬إضافة إىل االختصاص األصلي هلا‪ ،‬مربرة ذلك بضرورة السرعة يف العمل وضرورة التخفيف من األضرار النامجة عن هذه احلالة اجلديدة اليت‬
‫تستهدف الدولة أو أحد مؤسساهتا‪ ،‬وإن كان ذلك خمالفا للنصوص القانونية ومبدأ الفصل بني السلطات‪ .‬انظر يف ذلك ‪ :‬موالي أمساء ‪ ،‬التشريع يف ظل‬
‫الفرتة االنتقالية الواقعة بني ‪ ، 1119 – 1112‬مذكرة ماجستري ‪ ،‬اجلزائر‪ ، 2332 ،‬ص ‪ 111‬و ‪.123‬‬
‫‪ -4‬فريد علواش ونبيل قرقور‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫أساسي لتنظيم السلطات العمومية‪ ،‬قد عمد إلى تحديد اختصاص كل منها‪ ،‬و التي ال يمكن أن تمارسه إال‬
‫(‪)1‬‬
‫في المجاالت وفق الكيفيات التي حددها لها الدستور صراحة ‪"...‬‬
‫عليه نخلص من خالل عرضنا للمحة موجزة عن مبدأ الفصل بين السلطات اعتناق المؤسس الدستوري‬
‫الجزائري لهذا المبدأ – على األقل من الناحية الشكلية والنظرية(‪ .-)2‬وذلك ما جعل هذا المبدأ حائال دون‬
‫ولوج القاضي الفاصل في المادة اإلدارية في الرقابة على عنصر المالءمة في األعمال اإلدارية‪ .‬كما ال‬
‫يستطيع القاضي أن يمارس سلطة الحلول محلها‪ .‬وذلك ما جعل السلطة القضائية عاجزة عن رقابة أعمال‬
‫الحكومة على أكمل وجه‪ ،‬طالما أن المشرع لم يمنحها الكثير من اآلليات لمراقبة عمل اإلدارة العامة‪ .‬إذ تقف‬
‫في كثير من األحيان قاصرة عن مراقبة األعمال اإلدارية إما استنادا لنظرية أعمال السيادة واما لمبدأ الفصل‬
‫بين السلطات ‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اقتصار الرقابة القضائية على المشروعية دون المالءمة‬
‫يرتبط االختصاص المقيد لإلدارة بفكرة المشروعية ارتباط وثيقا‪ .‬لذلك فإن اإلدارة تخضع في ممارسته‬
‫للرقابة القضائية‪ ،‬حيث أن مضمون الرقابة على أعمال اإلدارة هو التحقق من مدى م ارعاة الشروط التي‬
‫يتطلبها القانون‪ .‬ويكون للقضاء بالتالي أن يبطل أعمال اإلدارة المخالفة لما نص عليه القانون"على اعتبار‬
‫أن األعمال اإلدارية تخضع في مجال السلطة المقيدة لرقابة القضاء من جانب الشرعية "(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬رأي رقم ‪ ، 9‬رأ – م د ‪ ،‬مؤرخ يف ‪ 1112/2/11‬حول دستورية املادة الثانية من األمر املتعلق بالتقسيم القضائي املصادق عليه من اجمللس الوطين‬
‫االنتقايل بتاريخ ‪. 1112/1/9‬‬
‫‪ -2‬حيث يذهب األستاذان " عبد العايل حاحا " و "أمال يعيش" يف مقال هلما حتت عنوان "تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ‪1119‬‬
‫"‪ ،‬إىل أن تطبيق مبدأ الفصل بني السلطات يف اجلزائر كان شكليا لعدم احرتامه للتوازن والتعاون وعدم تركيز السلطة مثلما نادى به "مونتيسكيو"‪ .‬فهناك‬
‫تفاوت كبري يف السلطات الستئثار السلطة التنفيذية ممثلة يف رئيس اجلمهورية بكافة الصالحيات والسلطات‪ ،‬سواء تعلق األمر بالتشريع أو القضاء أو‬
‫التنفيذ‪ .‬وهذا ما أدى ببعض الفقه الدستوري إىل تكييف النظام السياسي اجلزائري بناء على ما سبق على أنه نظام رئاسي‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول املوضوع‬
‫انظر‪ :‬حاحا عبد العايل ويعيش أمال متام‪ ،‬تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ‪ ،1119‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الرابع ‪،‬جامعة حممد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪ -3‬جند بأن الفقه اإلسالمي يؤيد هذا املوقف‪ ،‬إذ ليس لقاضي املظامل أن يبحث مالءمة التصرف الذي اختذته اإلدارة يف شأن من الشؤون طاملا صدر‬
‫موافقا ألحكام الشرع ومتوخيا املصلحة العامة‪ .‬وذلك ألن القرار اإلداري الصادر من أي سلطة كانت له حجية إذا صدر وفق أصوله الشرعية فإنه يصبح‬
‫واجب النفاذ بالنسبة للواقعة اليت صدر فيها‪ ،‬حبيث ال جيوز ملن أصدره أن يرجع عنه وال لغريه أن ينقضه ولو كان خمالفا ملذهبه‪ .‬وذلك بالنسبة لألمور اليت‬
‫جيوز فيها االجتهاد‪ .‬فالرئيس اإلداري ليس له أن ينقض من تصرفات مرؤوسيه ما أبرمه أحدهم باجتهاده مادام موافقا ألحكام الشرع ومتوخيا املصلحة‬
‫العامة‪ .‬ومن مث تقصر الرقابة القضائية أن متيد إىل هذا احلد من تصرفات اإلدارة تاركة جماال رحبا لإلدارة تتصرف على حسب ما متليه عليها املصلحة ومبا‬
‫يوافق أحكام الشريعة وروحها‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪1912‬‬
‫هجرية‪ ،‬ص ‪. 209‬‬
‫‪ -4‬مزياين فريدة‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬‬
‫جامعة قاملة‪ ،2311،‬ص ‪. 38‬‬
‫أما السلطة التقديرية‪ ،‬فإنها ترتبط بفكرة المالءمة(‪ .)1‬إذ أن القانون عندما يخول اإلدارة سلطة تقديرية‪،‬‬
‫فإنه بذلك يترك لها حرية تقدير مالءمة أعمالها‪ ،‬وهي في هذه الحالة ال تخضع كقاعدة عامة لرقابة القضاء‪.‬‬
‫على أساس أن القاضي الفاصل في المادة اإلدارية هو قاضي المشروعية دون المالءمة(‪.)2‬‬
‫تقوم هذه النظرية على فكرة مؤداها أنه يتعين على القاضي اإلداري أن يقول كلمته في مشروعية‬
‫أعمال اإلدارة دون التعرض للمالءمة‪ .‬إذ ينبغي أن تحجز المالءمة للسلطة التقديرية لإلدارة وعلى‬
‫القاضي أن يحترم هذا القدر من حرية االختيار‪ .‬وال يجوز له أن يعتدي على مجالها(‪.)3‬‬
‫من أنصار هذا االتجاه نجد الفقيه الفرنسي " ميشو " الذي يبرر ذلك باختالف الهدف من عمل كل‬
‫من اإلدارة و القاضي‪ " .‬فاإلدارة حينما تتصرف يكون هدفها المصلحة العامة‪ ،‬أما القاضي حينما يحكم ‪...‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فيتعين عليه أن يضع نصب عينيه مصلحة العدالة وحدها‪ ،‬التي تتمثل في تطبيق القاعدة القانونية"‬
‫كما يذهب الفقيه " بونار" إلى أن القاضي ملزم باحترام السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬ليس فقط لصالح‬
‫(‪)5‬‬
‫العدالة‪ ،‬و لكن أيضا لصالح العمل اإلداري‪.‬‬
‫من ناحية العدالة‪ ،‬نجد أن ممارسة القاضي لسلطة إدارية واسعة – األمر الذي تفرضه رقابة‬
‫المالءمة– سيفقده بالتدرج ملكة التجرد والحياد في تطبيق القانون‪ .‬وهما العامالن اللذان يميزان وجدان‬
‫القاضي(‪ .)6‬لذلك نجد العديد من القضاة الجزائريين يتجنبون مراقبة تقدير اإلدارة للوقائع على أساس أنه ال‬
‫(‪)7‬‬
‫وجود لقاضي مالءمة‪.‬‬
‫أما عن صالح العمل اإلداري‪ ،‬فإنه ينبغي للقاضي أال يتدخل في مجاالت اإلدارة العاملة في تقديرها‬
‫لمالءمة ق ارراتها‪ .‬إذ أنها تخضع في ذلك لرقابة البرلمان الذي يحدد مسؤوليتها‪ ،‬ألنه ال يعلم كافة الظروف‬

‫‪ -1‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪. 38‬‬


‫‪ -2‬ويف ذلك ذهبت احملكمة اإلدارية يف قرار هلا ب‪ 1166/11/6 :‬إىل أن ‪ " :‬نشاط القضاء اإلداري يف وزنه للقرارات اإلدارية ينفي أن يقف عند حد‬
‫املشروعية أو عدمها يف نطاق الرقابة القانونية‪ .‬فال جياوزها إىل وزن مناسبات القرار وغري ذلك مما يدخل يف نطاق املالءمة التقديرية اليت متلكها اإلدارة بغري‬
‫معقب عليها من القضاء "‪ .‬أنظر يف ذلك ‪ :‬حممد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333،‬ص ‪ .222‬وهو ذات‬
‫التوجه الذي كرسته الغرفة اإلدارية باحملكمة العليا يف اجلزائر يف إحدى قراراهتا‪ .‬و مما جاء فيه ‪ " :‬مت كان من املقرر قانونا أنه جيوز لإلدارة رفض تسليم جواز‬
‫سفر أو رفض متديد أجله مت رأت أن التنقل إىل اخلارج من شأنه أن ميس بالنظام العام دون أن تكون ملزمة بتوضيح أسباب رفضها دون أن يكون تقريرها‬
‫هذا قابل للمناقشة أمام قاض جتاوز السلطة "‪.‬أنظر‪ :‬قرار رقم ‪ 209223‬املؤرخ ب‪، 1189/12/21 :‬اجمللة القضائية الصادرة عن احملكمة العليا‪ ،‬العدد‬
‫الرابع ‪ ،‬قسم الوثائق ‪ ،‬سنة ‪ ، 1181‬ص ‪.222‬‬
‫‪ -3‬وهو ما تؤكده احملكمة اإلدارية العليا يف مصر بقوهلا‪ ...":‬إذ ال متلك احملكمة أن تنصب نفسها مكان اإلدارة يف تقدير مالءمة إجراء أو عدم إجراء‬
‫الرتقية يف تاريخ معني‪ ،‬وهي مالءمة تستقل جهة اإلدارة بالرتخيص يف تقديرها حبسب ظروف األحوال ‪ " ...‬انظر‪ :‬حسن السيد بسيوين‪ ،‬دور القضاء يف‬
‫املنازعة اإلدارية‪ :‬دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية يف مصر و فرنسا واجلزائر‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.090‬‬
‫‪ -4‬انظر‪ :‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -7‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336،‬ص ‪.83‬‬
‫الفعلية وراء قرار اإلدارة إال من خالل أوراق الدعوى المطروحة أمامه‪ .‬وبالتالي فهو ال يستطيع بسبب موقفه‬
‫(‪)1‬‬
‫أن يقول كلمته فيها إذا كان إجراء مناسبا أم ال‪.‬‬
‫في نفس السياق ذهب الدكتور" سليمان محمد الطماوي" إلى أن القضاء اإلداري ال يزال في هذا‬
‫الخصوص قضاء مشروعية ال مالءمة‪ .‬ألن " مالءمة القرار اإلداري في مثل هذه الحاالت هي شرط من‬
‫(‪)2‬‬
‫شروط صحته"‪.‬‬
‫ويسانده في ذلك الدكتور "أنور طلبه" الذي يرى بأنه " ‪ ...‬و ينجم عن ذلك أن تخضع سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية لمبدأ الشرعية‪ ،‬ويقوم القضاء اإلداري بمهمة التحقق من مدى مشروعية الق اررات التي صدرت‬
‫استنادا إليها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للغاية المنشودة في التشريع دون التعرض إلى فحص‬
‫مالءمة هذه األعمال‪ ،‬إذ ال يدخل في واليته سلطة التعقيب على عنصر المالءمة‪ ،‬فهذه تدخل في نطاق‬
‫(‪)3‬‬
‫حرية الهيئات العامة في التحرك للقيام باألعباء الموكولة لها‪ ،‬التي ال معقب عليها فيها "‬
‫أما عن موقف الفقه الجزائري من هذه المسألة‪ ،‬أي رقابة المالءمة فإننا نجد األستاذ "لحسين بن شيخ‬
‫آث ملويا " يذهب إلى أنه‪ " :‬مبدئيا ال يؤخذ بهذا النوع من الرقابة‪ ،‬لكن يوجد استثناءين على هذه القاعدة‬
‫العامة‪ ،‬والراجعة لحالة الضرورة‪ .‬ففي المحل األول‪ :‬يتعلق األمر بإعادة إنشاء المسار الوظيفي والذي‬
‫يجب على اإلدارة القيام به بعد القضاء بإبطال التدبير الذي أبعد موظفا أو عدل من السير العادي لمساره‬
‫الوظيفي‪ ،‬وفي المحل الثاني‪ :‬يتعلق األمر بالقبول في الوظائف العامة"(‪.)4‬‬
‫هكذا استقر الفقه في غالبيته على أن القاضي اإلداري ال يراقب مالءمة الق اررات اإلدارية‪ .‬وال يراقب‬
‫ممارسة السلطة التقديرية ذاتها‪ ،‬وانما يراقب فحسب مشروعية العمل اإلداري‪ .‬مع مالحظة أن هذه المشروعية‬
‫ال تتحدد بحسب موقف المشرع من تقييد سلطة اإلدارة بشأن هذا العمل أو منحها حرية تقديره‪ .‬إنما كذلك‬

‫‪ -1‬يف نفس االجتاه يرى االستاذ» ‪ « (G) VEDEL‬أنه ليس للقاضي اإلداري أن يراقب اإلدارة وهي متارس اختصاصها التقديري‪ .‬وذلك لعدة‬
‫اعتبارات منها ما يتعلق بنوعية االختصاص‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالقاضي اإلداري يف حد ذاته‪ .‬أما ما تعلق منها بنوعية االختصاص‪ :‬فتتمثل يف أنه ليس من‬
‫املعقول أن مينح املشرع لإلدارة حرية التصرف يف بعض القرارات مث يفرض على هذه احلرية رقابة‪ ،‬إذ تصبح احلرية هنا بال جدوى‪.‬كما أن القاضي اإلداري‬
‫ليس قاض مالءمة وإمنا هو قاض مشروعية فقط‪ .‬وإذا كان كذلك فهو ينصب نفسه رئيسا على اإلدارة وهذه األخرية متثل االعتبارات املتعلقة بالقاضي‪ .‬أنظر‬
‫يف ذلك‪ :‬هاجي هين موسى‪ ،‬طبيعة النظام القضائي اجلزائري ومدى فعاليته يف مراقبة أعمال اإلدارة‪ ،‬رسالة ماجستري يف اإلدارة املالية العامة‪ ،‬جامعة‬
‫اجلزائر‪ ،1186،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‬
‫‪ ،1111،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪ .00‬ويف ذلك يقول األستاذ حممد بن الطاهر ‪ ... " :‬ومعىن ذلك‬
‫أن ختضع تصرفات وأعمال اإلدارة لرقابة القضاء‪ .‬فهذا األخري ينظر يف مدى مشروعية القرار من عدمها‪ ،‬وال متتد رقابة القضاء إىل مالءمة هذا القرار ويظل‬
‫القاضي يف جمال ممارسة الرقابة قاض مشروعية وليس قاض مالءمة "‪ .‬حممد بن الطاهر‪ ،‬املادة ‪ 32‬من القانون ‪ 20-13‬وانعكاساهتا على القضاء االداري‪،‬‬
‫ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -4‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية ‪-‬وسائل املشروعية‪-‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه‪.029 ،2339،‬‬
‫بحسب موقف القضاء من هذا العمل‪ ،‬حيث يأتي دوره الحقا لدور المشرع في استكمال عناصر التقييد(‪.)1‬‬
‫ل ذلك يمكن القول بأن القضاء اإلداري يخلق أحيانا حاالت جديدة االختصاص المقيد لإلدارة‪ ،‬ويلزمها بإتباعـه‬
‫واال تعرض تصرفها المخالف لما قرره لإللغاء(‪.)2‬‬
‫يستند أنصار هذا االتجاه في تبرير ذلك إلى دور القاضي اإلداري اإلنشائي والذي يتمثل في إضافة‬
‫(‪)3‬‬
‫مبادئ قانونية عامة للنصوص المكتوبة‪.‬‬
‫مع تقديرنا التام لكافة اآلراء التي اعترضت على تغلغل سلطة القاضي اإلداري إلى مالءمة العمل‬
‫اإلداري‪ ،‬إال أن هذا التخوف راجع إلى الصياغة التقليدية التي درج الفقه عليها ورددتها بعض ق اررات مجلس‬
‫الدولة‪ .‬التي تقصر دور القاضي في دعوى اإللغاء على فحص المشروعية دون المالءمة(‪.)4‬‬
‫فمع التسليم بصحة هذه القاعدة‪ ،‬إال أن فكرتي المشروعية والمالءمة ليستا على طرفي نقيض(‪ .)5‬فمشروعية‬
‫تصرف معين تقاس بمدى التزامه بقواعد القانون‪ .‬وبالتالي فإن المشروعية فكرة مستمدة من النظام القانوني‪.‬‬
‫أ ما مالءمة تصرف معين فإنها فكرة مادية وعملية ينظر فيها إلى مدى موافقة هذا التصرف لمركز معين أو‬
‫حالة معينة بالنظر لما يحيط بهذا المركز أو هذه الحالة من اعتبارات الزمان والمكان والظروف المحيطة(‪.)6‬‬
‫من ثم فال يمكن أن يكونا على طرفي نقيض‪.‬‬
‫من الواضح أن فكرتي المشروعية والمالءمة ليستا على خط واحد‪ .‬فالمشروعية نقيضها هو عدم‬
‫المشروعية‪ .‬كما أن نقيض المالءمة هو عدم المالءمة‪ .‬وكما توجد ق اررات مشروعة ولكنها غير مالئمة فإن‬
‫(‪)7‬‬
‫هناك ق اررات غير مشروعة‪ ،‬ولكنها تكون مالئمة‪.‬‬
‫لذلك فإننا نتفق مع ما ذهب إليه بعض الفقهاء‪ ،‬من أن المشروعية والمالءمة فكرتان غير متناقضتين‪.‬‬
‫وأن تحليل كل منهما يفيد هذا التفسير‪ .‬فمشروعية تصرف ما تعني أن هذا التصرف التزم جانب القواعد‬
‫التشريعية‪ ،‬بينما تعني المالءمة بالنسبة لتصرف ما أن هذا التصرف كان مناسبا أو موافقا أو صالحا من‬
‫حيث المكان والزمان واالعتبارات المحيطة‪.‬‬

‫‪ -1‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -2‬حممد كامل ليله‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1198،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪ -3‬عبد اجلليل مفتاح و مصطفى خبوش‪ ،‬دور القاضي اإلداري وضع القاعدة القانونية أم تطبيقها؟‪،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬جامعة حممد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2332،‬ص ‪ 111‬وما بعدها‪ .‬وقد سبق وأن وضحا ذلك يف إطار حديثنا عن التحديد القضائي للسلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫‪ -4‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ -5‬ويف ذلك تقول األستاذة "فريدة أبركان" ‪ ... :‬إن احلدود ضيقة بني املفهومني االثنني‪ ،‬حيث أن رقابة املالءمة متاثل أمناط الرقابة املنصبة على السلطة‬
‫التقديرية اليت مل تزل تقلت من الرقابة ال قضائية حبسب النصوص واالجتهادات التقليدية اليت ظلت حتوز الرقابة القضائية على مدى جتاوز السلطة"‪.‬فريدة‬
‫أبركان‪ ،‬مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -6‬سعاد الشرقاوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1189 ،‬ص ‪. 131‬‬
‫‪ -7‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 86‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫الموقف المؤيد للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫نظ ار لالنتقادات التي وجهت لالتجاه المعارض لفرض رقابة قضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬‬
‫ذهب جانب من الفقه إلى أنه لم يعد سائغا الربط بين ممارسة اإلدارة للسلطة التقديرية وافالت هذه الممارسة‬
‫من رقابة القضاء اإلداري‪ .‬فالسلطة التقديرية كما أكدنا سلفا هي سلطة قانونية مصدرها القانون‪ .‬وهي سلطة‬
‫تهدف إلى التوصل إلى الحل المالئم بصدد الموضوع محل القرار‪ .‬فإذا لم تتحقق هذه المالءمة نتيجة مباشرة‬
‫هذه السلطة‪ ،‬فإن مفاد ذلك أن تلك المباشرة لم تكن سليمة‪ ،‬بل وغير مشروعة لعدم تحقق الغاية منها‪ ،‬أي‬
‫مالءمة القرار اإلداري(‪ .)1‬مما يبرر فرض الرقابة القضائية عليها‪.‬‬
‫وقد استند أنصار هذا االتجاه إلى حجتين رئيسيتين‪ ،‬بحيث ذهب جانب من الفقه إلى تفسير هذه‬
‫الرقابة على أساس أن القاضي اإلداري يمثل رئيسا أعلى لإلدارة(‪ .)2‬أما الجانب اآلخر فقد فسرها على اعتبار‬
‫أن الرقابة القضائية أصبحت تتعدى حدود المشروعية لتمس جوانب المالءمة‪ .‬وسنتطرق لكلتا الحجتين فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أوال ‪ :‬النظرية القائلة بأن القاضي اإلداري هو الرئيس األعلى لإلدارة‬
‫ال ينكر أصحاب هذه النظرية أن مهمة القاضي مهمة قضائية قبل كل شيء‪ .‬إال أنه من المالحظ من‬
‫الناحية العملية أن القاضي يقوم بعمل اإلدارة ويتصرف كرئيس عليها‪ .‬وأن هذا التجاوز لوظيفة القاضي‬
‫(‪)4‬‬
‫القضائية يتصل بطبيعة القضاء اإلداري‪ ،‬إذ يرجع ذلك إلي طريقة تكوينه وطريقة ممارسته لمهمته‪.‬‬
‫من األسباب التي دعت بعض الفقهاء إلي الحديث عن هذه الرقابة التسلسلية للقاضي (أي كالرئيس‬
‫اإلداري) على اإلدارة(‪:)5‬‬
‫‪ -1‬أن القاضي اإلداري ال يكتفي بإيجاد حلول قانونية بحتة للمشاكل التي تعرض عليه‪ ،‬أي ال يقف دوره‬
‫عند إنزال حكم القانون فقط وعند حد الرقابة على المشروعية فحسب‪ .‬بل يتغلغل كرجل اإلدارة في مجال‬
‫المالءمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الطابع الرئاسي للرقابة القضائية التي يباشرها القاضي اإلداري يجد أساسه في قانون السلطة العامة‬
‫الذي خلق القضاء اإلداري‪ .‬فالقاضي اإلداري عندما يحكم بتعويض األفراد تحده في ذلك اعتبارات العدالة‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪. 020‬‬
‫‪ -3‬ترتكز هذه النظرية على اعتبارات تارخيية‪ .‬فمرحلة اإلدارة القاضية اليت مر هبا تطور القضاء اإلداري الفرنسي كانت تعرب عن هذا الوضع‪ ،‬حبيث كانت‬
‫ختصص هي نفسها أعضاء فيها تعهد إليهم بالفصل يف املنازعات اإلدارية‪ .‬وطبيعي أن يفرتض يف هؤالء األعضاء اإلملام الواسع بطبيعة مهمة السلطات‬
‫اإلدارية ومتطلباهتا‪.‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 012‬‬
‫‪ -5‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 83‬و ‪. 81‬‬
‫ومقتضيات الصالح العام‪ .‬فهو يتصرف في هذا المجال حسب وجدانه‪ ،‬كما يفعل رئيس اإلدارة وليس كقاض‬
‫حسب القانون‪.‬‬
‫‪ -0‬هناك سبب آ خر يشير إليه أنصار هذه النظرية‪ ،‬وهو أن قواعد حسن اإلدارة أو السلوك اإلداري الذي‬
‫يفرضه القاضي على اإلدارة بضرورة احترامها ليست إال تنظيما للسلطة التقديرية‪ .‬وهو نظام داخلي أو جده‬
‫القاضي كرئيس إداري داخل مجال الحرية التي يتركها القانون لرجل اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -9‬يدلل جانب من الفقه على صحة النظرية أيضا موضحا أن القاضي– في بعض األحيان – يتبع اإلدارة‬
‫في مخالفة مبدأ المشروعية بسبب خطر داخلي أو خارجي على الدولة‪ .‬فهو يدافع عن اإلدارة ويترك حينئذ‬
‫دوره كقاضي ويتصرف كرئيس إداري يضحي بالمشروعية أمام اعتبارات مالءمة طارئة‪ .‬وأبرز مثال على‬
‫هذا الموقف ما يالحظ في نظرية الظروف االستثنائية ‪.‬‬
‫‪ -6‬يستند هؤالء كذلك إلى الرقابة على تدابير الضبط اإلداري‪ ،‬التي تفسر من وجهة نظرهم الطابع التسلسلي‬
‫للرقابة التي يبشرها القاضي اإلداري‪ .‬فالقاضي من خالل رقابته على تلك التدابير يسن داخل القانون الئحة‬
‫أكثر إعدادا ويفرضها على اإلدارة تماما كما تقوم بذلك أي سلطة رئاسية عندما تواجه اإلدارة في ممارسة‬
‫سلطتها اإلدارية ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن القاضي في إطار ممارسة مهمته في حماية التوازن بين حقوق األفراد وامتيازات اإلدارة يكون مدفوعا‬
‫بالضرورة إلى تقدير المصلحة العامة المعنية ومداها‪ ،‬ومن هنا يصبح رجل إدارة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد كانت هذه النظرية محل انتقاد الذع من الفقه تأسيسا على اعتبارين‪:‬‬
‫‪ -‬االعتبار األول‬
‫أن القاضي اإلداري عندما يباشر رقابته على عمل اإلدارة‪ ،‬فإن كل ما يقضي به ‪-‬في مثل هذه‬
‫الحالة– أن هذا العمل ال يحقق المصلحة العامة نتيجة عدم مالءمة التقدير الذي قامت به اإلدارة‪ .‬ومن ثم‬
‫عليها أن تعيد هذا التقدير مرة أخرى للتوصل إلى تحقيق هذا الهدف‪ .‬وبذلك فإنه ال يحل نفسه محل رجل‬
‫(‪)2‬‬
‫وال يقوم بهذا التقدير بداءة‪ .‬فالتقدير قائم وموجود سلفا‪ ،‬وقد قام به رجل اإلدارة من قبل‪ ،‬ثم جاء‬ ‫اإلدارة‬
‫القاضي ليباشر رقابته على هذا التقدير الموجود أصال‪ ،‬وفي النطاق الذي جرى فيه من جانب اإلدارة(‪.)3‬‬
‫‪ -‬االعتبار الثاني‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 010‬نقال عن‪ :‬إمساعيل علم الدين‪ ،‬التزام اإلدارة القانوين يف ممارسة‬
‫السلطة التقديرية يف الفقه والقضاء‪ ،‬جملة العلوم اإلدارية‪ ،‬السنة ‪ ،10‬عدد ‪ ،1121 ،0‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ -2‬يف ذلك قضت حمكمة القضاء اإلداري يف مصر ‪ ... " :‬أن احملكمة ليست من هيئات اإلدارة العامة‪ ،‬فال متلك أن تصدر أوامر إدارية‪ ،‬ومن باب أوىل‬
‫أن تقوم مقام اإلدارة يف اختاذ إجراء معني ‪ " ...‬انظر‪ :‬حسن السيد بسيوين‪ ،‬دور القضاء يف املنازعة اإلدارية‪ :‬دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية يف مصر‬
‫و فرنسا واجلزائر‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.090‬‬
‫‪ -3‬وقد تقرر ذلك يف حكم حمكمة القضاء اإلداري املصرية اليت قضت بأن‪ ...« :‬إن احملكمة ال ختتص بأحقية املدعني يف احلصول على درجة الدكتوراه يف‬
‫الفلسفة ألن ذلك مبثابة منحها هذه اإلجازة‪ ،‬واحملكمة ليست سلطة إدارية عليا حت تستطيع أن حتل حمل اإلدارة يف إصدار القرارات أو أن تلزمها بإصدار‬
‫شيء منها"‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.090‬‬
‫أن دور القاضي – في فحص هذا التقدير– إنما يدخل في حدود وظيفته األصلية في الرقابة على‬
‫مشروعية أعمال اإلدارة‪ .‬حيث تتحدد سلطته إزاء الق اررات اإلدارية وليس في استخالص أحد عيوب‬
‫المشروعية في طريق اإلدارة‪ ،‬وانما يقف في طريق انحرافها بالسلطة بهدف الحيلولة دون أن تكون هذه‬
‫السلطة التقديرية سلطة تعسفية أو مطلقة‪.‬‬
‫ال يقتصر االنتقاد الموجه إلى النظرية على هذين االعتبارين فقط‪ .‬فقد ذهب جانب آخر من الفقه إلى‬
‫أن هذه النظرية تشكل خط ار يتمثل في قيام حكومة القضاء‪ ،‬منذ اللحظة التي تؤدي فيها الرقابة القضائية‬
‫على اإلدارة إلى إلغاء سلطتها التقديرية في الواقع(‪.)1‬‬
‫أمام االنتقادات الشديدة التي تعرضت إليها هذه النظرية في تفسير الرقابة القضائية على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة‪ ،‬ذهب جانب آخر من الفقه إلى تفسير هذه الرقابة على أساس أن دور القاضي اإلداري قد‬
‫تطور بحيث لم يعد يقتصر على رقابة مشروعية تصرفات اإلدارة فحسب‪ ،‬وانما امتد ليشمل اعتبارات‬
‫المالءمة‪ .‬وذلك ما ستفصله في النقطة الموالية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬امتداد الرقابة القضائية إلى حدود المالءمة‬
‫لقد ذهب جانب من الفقه إلى تأييد الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬تأسيسا على أن‬
‫الرقابة القضائية قد" أصبحت تتاخم حدود الرقابة على المالءمة وتكاد تقتحم أرضها"(‪.)2‬‬
‫إذا كانت رقابة القضاء – باعتبارها رقابة مشروعية– تهيمن على اختصاصات اإلدارة المقيدة ألن تلك‬
‫االختصاصات البد أن تحترم مبدأ المشروعية(‪ .)3‬فإن األمر ال يكون كذلك إذا ما تعلق باختصاصات اإلدارة‬
‫التقديرية‪ .‬فالمفروض أن القاضي اإلداري ال يمارس رقابة المشروعية‪ ،‬وانما يتعرض إلى رقابة المالءمة مادام‬
‫النص لم يلزم اإلدارة بإتيان التصرف أو باالمتناع عنه(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬


‫‪ -2‬ويف ذلك يقول الدكتور مريغين ‪ ... " :‬القول بأن الرقابة القضائية ال تتطرق إىل مالءمات العمل اإلداري تعترب يف رأينا أكثر األوهام رواجا يف عامل‬
‫القانون‪ .‬فالصحيح أن القضاء اإلداري ميارس هذه الرقابة يف مناسبات كثرية "‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لالدارة‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 222‬نقال عن‪ :‬حممد مريغين‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال احلقوق اإلدارية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة عني مشس‪ ،1121،‬ص ‪.989‬‬
‫‪ -3‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -4‬و يف ذلك يقول ‪( g) Vedel‬‬
‫‪« Quand l’administration est dans une situation de compétence liée, son acte peut être jugé du‬‬
‫‪point de vue de la légalité. Selon qu’elle aura ou non décidé dans le sens que lui imposait la‬‬
‫‪loi ou la réglementation. Elle aura pris une mesure légale ou illégale. lorsque au contraire‬‬
‫‪l’administration dispose d’un pouvoir discrétionnaire, elle sera opportune ou inopportune,‬‬
‫‪c’est-à-dire, heureuse ou malheureuse, mais elle ne sera pas illégale puisque précisément‬‬
‫‪l’administration était libre d’agir dans un sens ou dans l’autre ». voir : (G) Vedel, Delvolve,‬‬
‫‪Droit administratif, 7 Emme édition, P.U.F, 1980, p145‬‬
‫من أنصار هذا االتجاه نجد األستاذ " سامي جمال الدين" الذي ال يمانع من فحص المالءمة والتطرق‬
‫إليها للتوصل إلى أحد عيوب مشروعية القرار محل الطعن‪ .‬فحينما ال يوجد نص صريح يمنع القاضي من‬
‫التعرض للمالءمة‪ ،‬فليس ثمة مانع من التطرق إليها إذا كانت تمثل الطريق الوحيد إلى إثبات عدم المشروعية‬
‫في الق اررات‪ ،‬و خاصة عيب الغاية أو االنحراف بالسلطة(‪.)1‬‬
‫كذلك نجد أن األستاذ" ماجد راغب الحلو" ال يعارض فرض الرقابة القضائية على سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية‪ .‬وان كان يعتبر بأن األصل أن تقف رقابة القضاء عند حدود المشروعية‪ .‬غير أن القضاء يذهب‬
‫أحيانا في حمايته للحقوق وللحريات الفردية ضد تعسف اإلدارة إلى أبعد من مراقبة احترام اإلدارة للقانون‪.‬‬
‫فيراقب استخدام اإلدارة لسلطتها التقديرية؛ أي أنه يتجاوز مراقبة المشروعية إلى مراقبة المالءمة‪ .‬ويبرر ذلك‬
‫بأن المالءمة تعد في بعض الحاالت أحد عناصر المشروعية التي يجب التعرض لها لمعرفة مدى مشروعية‬
‫القرار(‪.)2‬‬
‫يفصل أنصار هذا االتجاه بين مسألتي" السلطة التقديرية" و"المالءمة" على أساس أن المالءمة هي‬
‫الهدف الذي يتعين تحقيقه من مباشرة السلطة التقديرية‪ .‬فإذا لم تسفر هذه المباشرة لتلك السلطة عن تحقيق‬
‫المالءمة‪ ،‬فهنا يمكن القول بأن مباشرة اإلدارة لسلطتها التقديرية قد تمت على نحو مخالف للقانون‪ .‬وأن‬
‫تحقق الغاية التي استهدفها القانون من تخويل اإلدارة تلك السلطة‪ -‬أي المالءمة‪ -‬بوصفها الهدف الذي من‬
‫شأنه تحقيق المصلحة العامة المبتغاة من هذه السلطة‪ .‬وعليه يحق للقضاء اإلداري أن يراقب مدى تحقق هذه‬
‫الغاية‪ ،‬دون أن يكون من شأن ذلك المساس بالسلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬ألنه في هذه الحالة يراقب الجوانب‬
‫(‪)3‬‬
‫القانونية المحيطة بتلك السلطة‪ ،‬وليس الجوانب التقديرية التي تتضمنها‪.‬‬
‫يعتبر الضبط اإلداري أكبر مجال تظهر فيه رقابة القضاء على مالءمة الق اررات اإلدارية‪ .‬ذلك أن‬
‫تخلف القيود القانونية التي تجعل من المالءمة عنص ار من عناصر المشروعية‪ .‬يعني أن المشرع ترك لإلدارة‬
‫حرية تقدير مالءمة تصرفها الضبطي‪ .‬وال يعني ذلك أن المشرع استبعد الرقابة القضائية من هذا المجال‬
‫بصفة مطلقة‪ ،‬إذ يبقى للقاضي الحق في إخضاع تصرف اإلدارة التقديري لرقابته‪ .‬وهي في هذه الحالة رقابة‬
‫مالءمة حقيقية يقرها الفقه والقضاء دون تردد‪ .‬نظ ار للعالقة الوثيقة بين الحريات العامة التي يحميها القضاء‬
‫وبين سلطات الضبط اإلداري التي تمس هذه الحريات(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬ويستدل على ذلك بنص املادة ‪ 98‬من الدستور املصري اليت حتظر حتصني أعمال اإلدارة وقراراهتا من رقابة القضاء‪ ،‬بالتنسيق مع املادة ‪ 13‬من قانون‬
‫جملس الدولة اليت حددت أوجه إلغاء القرارات اإلدارية‪ .‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪ -2‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -3‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪ -4‬ميهوب يزيد‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬جامعة‬
‫قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.39‬‬
‫تأسيسا على ما تقدم‪ ،‬يمكن القول أنه إذا تعلق األمر بالحريات العامة فإن االعتراف لإلدارة بقدر من‬
‫السلطة التقديرية بصدد الق اررات المتعلقة بها‪ ،‬ال يمنع من خضوع هذه الق اررات لرقابة القضاء في كافة‬
‫عناصرها و أركانها‪ .‬وعندما يقوم القاضي برقابة العناصر التي تتمتع اإلدارة شأنها بحرية تقديرية‪ ،‬فإنه يقوم‬
‫في هذه الحالة برقابة المالءمة استثناء من كونه قاض مشروعية(‪.)1‬‬
‫إن مشروعية ومالءمة إجراء معين ال تتعلقان بفكرتين متناقضتين‪ .‬فاإلجراء اإلداري يمكن أن يوصف‬
‫في وقت واحد بالمشروعية وعدم المالءمة‪ .‬بل أن التشريع ذاته يمكن أن يكون غير مالئم مع أنه مشروع‬
‫وملزم‪ .‬لذا فإن اعتبارات المالءمة يلزم أن تساهم إلى جانب االعتبارات األخرى في تكوين األساس الذي‬
‫تصدر عنه القاعدة القانونية(‪.)2‬‬
‫يستطرد هذا الرأي مشي ار إلى أن الحدود الفاصلة بين المشروعية والمالءمة قد ال تتغير بفعل المشرع‪،‬‬
‫وانما عن طريق القضاء(‪ .)3‬ألن الدور اإلنشائي الذي يمارسه القاضي اإلداري في خلق القواعد القانونية‪ ،‬قد‬
‫يؤدي إلى تغيير الحدود الفاصلة بين نظامي المشروعية و المالءمة(‪.)4‬‬
‫في كثير من األحوال يفرض القاضي اإلداري على اإلدارة احترام قواعد قضائية إلى جانب القواعد‬
‫القانونية‪ ،‬وبالتالي فمن الخطأ حصر رقابة القاضي اإلداري في إطار مشروعية األعمال اإلدارية‪ .‬إذ كلما‬
‫أنشأ القاضي قواعد قضائية فهو في الواقع يقلل من مساحة السلطة التقديرية لإلدارة ويقيد مجال المالءمة(‪.)5‬‬
‫وفي ذلك تقول األستاذة "فريدة أبركان" ‪ " :‬فالتقسيم أصال بين الرقابة الشرعيـة والرقابة المالءمة‪ ،‬إنما هي‬
‫ثمرة المواقف القضائية التي لم ترسم لها معالم حدود نهائية‪ ،‬وانما تستقر على مواقف معينة يلزم بها‬
‫القاضي إلى غاية االجتهاد على تغيير الموقف‪ ،‬فيسمى اجتهادا جديدا‪ ،‬وهو ما يصطلح عليه بالعدول‬
‫(‪)6‬‬
‫االجتهادي"‪.‬‬
‫ينتهي هذا الرأي إلى أنه إذا كان صحيحا أنه البد أن يقتصر دور القاضي في دعوى اإللغاء على‬
‫توخي المشروعية‪ ،‬بحيث ال يجوز أن يلغي ق ار ار مشروعا جزاء عدم مالءمته‪ .‬إال أنه يجب أال نغفل أن‬
‫السلطات الواسعة التي يمتلكها القاضي اإلداري‪ ،‬والتي تصل إلى حد إنشاء وتقرير قواعد قانونية جديدة‪،‬‬

‫‪ -1‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫‪ -3‬ويف ذلك يقول "دي لوبادير"‪ ":‬إن الرقابة القضائية على املالءمة‪ ،‬إمنا جتد أساسها يف القواعد القانونية اليت يضعها القاضي اإلداري باعتباره مصدرا من‬
‫مصادر املشروعية‪ ،‬ويقيد هبا بالتايل االختصاص التقديري لإلدارة‪ ،‬حبيث ميكن القول أنه إىل جوار السلطة املقيدة بواسطة املشرع‪ ،‬توجد سلطة مقيدة بواسطة‬
‫القضاء‪ ،‬وهي اليت تكمن يف أساس رقابته لعناصر املالءمة"‪.‬‬
‫‪Voir : Manuel de droit administratif, 11 Emme édition, L.G.D.J, Paris.p 123.‬‬

‫‪ -4‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،2339 ،‬ص ‪ 239‬و ‪. 236‬‬
‫‪ -5‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ -6‬فريدة أبركان‪ ،‬مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية ‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪. 111 ،1112،‬‬
‫تمكنه من أن يدخل بعض عناصر المالءمة ضمن شروط مشروعية القرار‪ .‬لذا فإنه بالنسبة للقانون القائم أو‬
‫الموجود فليس هناك إطالقا رقابة على المالءمة‪ .‬أما بالنسبة للقانون أثناء تكوينه فإن القاضي يراقب بعض‬
‫(‪)1‬‬
‫عناصر المالءمة عن طريق تقرير قواعد قانونية توسع من نطاق المشروعية‪.‬‬
‫ال يقتصر هذا الموقف على مجال الطعن باإللغاء‪ ،‬لكنه يظهر أيضا في مجال الطعن بالتعويض‪.‬‬
‫فالقاضي ‪-‬وهو بصدد عقد مسؤولية اإلدارة‪ -‬يلجأ في أغلب األحيان إلى تقدير المالءمة‪ .‬وهذا ما يفسر أن‬
‫أي خطأ ال يستوجب أن يعقد مسؤولية اإلدارة‪ .‬وبالعكس يمكن أن تعقد هذه المسؤولية في غيبة خطأ يمكن‬
‫نسبته لإلدارة(‪.)2‬‬
‫نحن نميل تماما مع هذا الرأي في تقريره لرقابة القاضي اإلداري على المالءمة‪ ،‬ألنه يقترب بالفعل‬
‫من الواقع القضائي السائد‪ .‬عالوة على عدم اإلخالل بضوابط مبدأ المشروعية والحرص على إعالء كلمتها‪.‬‬
‫فالقاضي اإلداري عند بسطه لرقابته على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فإنه ال يجعل من نفسه رئيسا على هذه‬
‫األخيرة‪ .‬خاصة وأن القضاء اإلداري ال يفرض رقابته بطريقة نظرية جامعة‪ ،‬بل يراعي ظروف كل حالة مما‬
‫يترك لإلدارة – في العديد من الحاالت‪ -‬سلطة تقديرية واسعة‪.‬‬
‫وهو الموقف الذي يؤيده األستاذ"محمد فريد الزهيري"‪ ،‬الذي يرى أن الرقابة القضائية على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة ال تتعارض مع مبدأ الفصل بين الهيئات اإلدارية والقضائية‪ .‬وذلك العتبارين‪ :‬أولهما أن‬
‫مفهوم مبدأ الفصل ليس مفهوما مطلقا جامدا‪ ،‬وانما يسمح بنوع من التعاون بين الهيئات‪ .‬وثانيهما أن مبدأ‬
‫الفصل قد يصدق في عالقة القاضي العادي باإلدارة‪ ،‬أما فيما يتعلق بعالقة اإلدارة والقضاء اإلداري‪ ،‬فإن‬
‫ه ناك صالت قوية بينهما‪ ،‬تجعل من القضاء اإلداري دائم البحث عن نقطة التوازن بين المصلحة العامة‬
‫(‪)3‬‬
‫ومصلحة الفرد‪ ،‬واضعا في اعتباره مستلزمات حسن االدارة‪.‬‬
‫وعليه نخلص من خالل عرض موقف الفقه من رقابة القضاء على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إلى "أن‬
‫زمن السلطة التحكمية أو التعسفية قد انتهى‪ ،‬ومن ثمة فال تعارض بين االعتراف لإلدارة بحرية في التقدير‬
‫(‪)4‬‬
‫و بين إخضاع هذه الحرية للرقابة القضائية‪ ،‬فالسلطة التقديرية ليست مطلقة"‪.‬‬

‫‪ -1‬صالح يوسف عبد العليم ‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪. 86‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -3‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامنعة اجلديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -4‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪ ،1188 ،‬ص ‪ 989‬و ما بعدها‪ .‬ويف ذلك ذهبت احملكمة اإلدارية العليا‬
‫املصرية إىل أن ‪ ... " :‬الرقابة القضائية على تصرفات اإلدارة‪ ،‬ليست حقيقة على قدر واحد بالنسبة جلميع التصرفات اإلدارية‪ ،‬إمنا حتدد حسب اجملال الذي‬
‫تتصرف فيه‪ ،‬ومدى ما تتمتع به من حرية وتقدير يف التصرف‪ ،‬وهي تضيق الرقابة حقيقة يف جمال السلطة التقديرية‪ ،‬حيث ال يلزم القانون اإلدارة بنص حيد‬
‫من سلطتها أو يقيد من حريتها يف وسيلة التصرف أو التقدير ‪ ...‬إال أن هذا ال يعين أبدا أهنا سلطة مطلقة‪ ،‬وأن الرقابة القضائية تكون يف هذه احلالة‬
‫منعدمة‪ ،‬بل أن الرقابة القضائية موجودة دائما على مجيع التصرفات اإلدارية اليت ال ختتلف يف طبيعتها وإن تفاوتت فقط يف مداها‪ ،‬و هي متثل يف هذا اجملال‬
‫التقديري يف التحقق من أن التصرف حمل الطعن يستند إىل سبب موجود ماديا وصحيح قانونيا وأنه صدر مستهدفا الصاحل العام ‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬لن يكون من السائغ القول أن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة تمثل اعتداء على‬
‫استقالل اإلدارة وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات‪ .‬والزعم بأن القاضي في رقابته على هذه السلطة إنما يقوم‬
‫بإحالل تقديره الشخصي محل تقدير اإلدارة‪ ،‬وبذلك فانه يخرج عن دوره كقاض مشروعية ليصبح رئيسا أعلى‬
‫لإلدارة‪ .‬والواقع أنه على خالف هذا الرأي‪ ،‬فإن القاضي اإلداري عندما يباشر رقابته على العمل اإلداري‪ ،‬فإن‬
‫كل ما يقضي به في مثل هذه الحالة أن هذا العمل ال يحقق الغرض منه نتيجة عدم مالءمة التقدير الذي‬
‫قامت به اإلدارة‪ .‬ومن ثم عليها أن تعيد مرة أخرى هذا العملية للتوصل إلى تحقيق هذا الهدف‪" .‬وبذلك فإنه‬
‫ال يحل نفسه محل رجل اإلدارة وال يقوم بهذا التقدير بداءة‪ ،‬فالتقدير قائم وموجود سلفا‪ ،‬ولقد قام به رجل‬
‫اإلدارة من قبل‪ ،‬ثم جاء القاضي ليباشر رقابته على هذا التقدير الموجود أصال‪ ،‬وفي النطاق الذي جرى‬
‫فيه من جانب رجل اإلدارة"(‪.)1‬‬
‫كما أن القول بأن يترك لإلدارة تقدير الوقائع (مطلقا دون رقابة)‪ ،‬باعتبارها األقدر على القيام بهذه‬
‫المهمة‪ .‬وأن القاضي اإلداري قد جانبه التوفيق في بعض حاالت التقدير‪ ،‬هو قول غير سليم؛ إذ أن تقدير‬
‫الوقائع وتقدير أهميتها وخطورتها‪ ،‬ليست باألمر المستعصي على القاضي اإلداري المتمرس في رقابة‬
‫تصرفات اإلدارة‪ ،‬والمعاون لها في نفس الوقت‪.‬‬
‫بل ال يجب التضخيم فيما يدركه أو ال يدركه القاضي‪ ،‬وما يدركه رجل اإلدارة فكالهما يعيش في‬
‫(‪)2‬‬
‫مجتمع واحد‪ .‬فضال عن الصالت الخاصة والمتميزة بين السلطة اإلدارية و القضاء‪.‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬فإننا نرجح الرأي الثاني المؤيد للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬ألن الموقف‬
‫المعارض لهذه الرقابة ال تعدو حججه أن تكون سوى أسانيد نظرية‪ ،‬بالنظر إلى المبررات التي تقوم عليها‬
‫السلطة التقديرية‪ .‬فهي بصفة أساسية اعتبارات عملية‪ ،‬تتعلق بعالقة اإلدارة بالمشرع وبعالقة اإلدارة‬
‫بالقاضي‪ .‬فالمؤكد أن إعطاء المشرع لإلدارة قد ار من حرية التقدير في إصدار ق ارراتها‪ ،‬ال يعني أكثر من‬
‫حرصه على أن تصدر اإلدارة أفضل الق اررات مالءمة للظروف‪.‬‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2330 ،‬ص ‪. 228‬‬
‫‪ -2‬زكي حممد النجار‪ ،‬فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪.11‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫تمارس اإلدارة اختصاصاتها وسلطتها التقديرية باستمرار‪ .‬وهذا ما يترتب عليه في أحيان كثيرة وقوع‬
‫احتكاكات وتصادمات بينها وبين النظام القانوني في الدولة‪ ،‬من جهة‪ .‬وحقوق وحريات األشخاص من جهة‬
‫أخرى‪ .‬مما قد يؤدي إلى تحريك عملية الرقابة القضائية التي تهدف إلى ضمان مبدأ المشروعية(‪ ،)1‬وتحقيق‬
‫العدالة وحماية المصلحة العامة وحقوق وحريات األشخاص‪ .‬وهي تعتبر أهداف ساكنة لها قيمتها من الناحية‬
‫النظرية والقانونية والسياسية‪ .‬كما يمكنها تحقيق أهداف عملية فعلية‪ ،‬ال تكون إال بفضل القاضي الفاصل في‬
‫المادة اإلدارية أثناء فصله في النزاع القائم‪ .‬وعليه فأهداف الرقابة تنقسم إلى قسمين ‪ :‬أهداف ساكنة وأهداف‬
‫متحركة(‪.)2‬‬
‫الفرع األول‬
‫األهداف الساكنة‬
‫إن الهدف األساسي من عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة هو الوصول إلى درجة من‬
‫الحماية لحقوق وحريات األفراد‪ .‬وبالتالي تفعيل آلية الرقابة على أعمال اإلدارة أو الدولة‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫النظرة القانونية للرقابة القضائية ما هي إال عبارة عن المدافع والحامي لحقوق المواطنين من أعمال‬
‫وتصرفات صادرة عن اإلدارة‪ ،‬بموجب ما تمتع به من سلطة تقديرية بصفة خاصة‪ .‬حيث نصت المادة ‪101‬‬
‫من دستور ‪ 28‬نوفمبر ‪ 1119‬على ما يلي ‪ ":‬تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن للجميع‬
‫ولكل واحد المحافظة على حقوقهم األساسية " ‪.‬‬
‫كما أن الهدف األسمى من تحريك عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة وسلطتها‬
‫التقديرية‪ ،‬هو المحافظة على المصلحة العامة‪ ،‬بالنظر إلى كونها هدفا بحد ذاته والغاية األساسية التي تهدف‬
‫اإلدارة إلى تحقيقها من خالل القيام بالعديد من النشاطات والوظائف في إطار تسيير المرافق العامة‪.‬‬
‫وبالمقابل فإنها تنعكس إيجابا على حسن تسيير المرافق بانتظام واطراد‪ .‬ومن ثمة تحقيق إشباع تام وكلي‬
‫لألفراد‪ .‬على اعتبار أن الرقابة في هذا المجال‪ ،‬تعتبر أداة فعالة في حماية االقتصاد الوطني من التخريب‬
‫وعدم التبذير‪ .‬والتقيد بالنصوص القانونية المنظمة لكل مجال(‪.)3‬‬

‫‪ -1‬املادة ‪ 189‬فقرة ‪ 30‬من دستور ‪ .1129‬واملادة ‪ 162‬من دستور ‪ .1181‬واملادة ‪ 192‬من دستور ‪ .1119‬اليت تنص على ‪":‬املؤسسات‬
‫الدستورية وأجهزة الرقابة مكلفة بالتحقق من تطابق العمل التشريعي والتنفيذي مع الدستور‪ ،‬ويف ظروف استخدام الوسائل املادية واألموال العمومية‬
‫وتسيريها"‪.‬‬
‫‪ -2‬قروف مجال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336 ،‬ص ‪.82‬‬
‫وبالتالي نجد أن الرقابة القضائية في هذا الصدد هي ضمان عدم خروج األعمال واألنشطة ذات الطابع‬
‫اإلداري عن المصلحة العامة(‪.)1‬‬
‫تهدف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة أيضا إلى التركيز على مدى سالمة ومشروعية‬
‫األعمال اإلدارية التقديرية من الزاوية القانونية‪ .‬بحيث إذا تم اكتشاف أي خروج عن نطاق المشروعية السائدة‬
‫في الدولة ‪-‬وذلك عن طريق التالعب وعدم االلتزام بالضوابط اإلدارية المنصوص عليها قانونا‪ ،-‬وجب‬
‫مباشرة إلغاؤها أو تعديلها أو سحبها بحسب جسامة الخطأ المقترف من طرف اإلدارة‪ .‬ومحاولة إعادة الموقف‬
‫قدر اإلمكان إلى ما كان عليه وجعله أكثر تالؤما واتفاقا مع النصوص القانونية(‪.)2‬‬
‫بالتالي نجد أن مبدأ المشروعية يعد اللبنة األولى واألساسية التي تبنى عليها وسيلة أو عملية الرقابة‬
‫القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬طبقا لما جاء في نص المادة ‪ 189‬من دستور ‪ 1129‬والمادة ‪193‬‬
‫من لدستور ‪.)3(1119‬‬
‫كما ترمي عملية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة إلى تحقيق المالءمة للنشاط اإلداري‬
‫في الدولة‪ .‬حيث تعد اإلدارة العامة الدعامة األساسية في تسيير دواليب الدولة‪ ،‬بالنظر إلى االحتكاك الكبير‬
‫بينها وبين المواطن‪ .‬ومن جهة فإننا نجد أن هذه األخيرة تقوم بتجسيد كل البيانات والمعلومات في كل‬
‫المجاالت‪ ،‬بما يتفق مع التوجه السياسي للدولة‪ .‬والذي بدوره ينعكس بشكل ايجابي على مختلف الجوانب في‬
‫الدولة‪ .‬وبالتالي البد أن تستمد عملية الرقابة القضائية من روح الفلسفة السائدة داخل المجتمع‪ ،‬والتي تعد‬
‫عامال أساسيا إلمكانية ممارسة هذه الرقابة بما يتالءم وهذه الفلسفة(‪.)4‬‬
‫تهدف الرقابة القضائية كذلك إلى التعرف على مواطن الخلل في اإلدارة‪ .‬على اعتبار أن الرقابة‬
‫القضائية دعامة أساسية في مجال الجودة والفعالية من جانب الحياد والموضوعية‪ .‬وبالتالي القدرة على‬
‫التعرف على أوجه مختلفة لألخطاء والصواب في العمل‪ ،‬والتعرف على موضوع الرقابة محل الطعن في‬
‫مشروعيته(‪.)5‬‬
‫بالتالي نجد أن الرقابة تلعب دو ار في إدارة طبيعة أعمال األشخاص‪ ،‬وليس الهدف من هذه الرقابة تقيد‬
‫األخطاء أو التهويل والتشهير بمرتكبيها والتخويف والترهيب(‪ .)6‬أي أن الرقابة ال تقتصر على كف التناقض‬

‫‪ -1‬عمار عواب دي‪ ،‬عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ ،1182‬ص ‪. 39‬‬
‫‪ -2‬ياسني قوتال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 82‬‬
‫‪ -3‬عمار عوابدي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 39‬‬
‫‪ -5‬ويف ذلك يقول األستاذ محد عمر محد‪...":‬و بكلمة أخرى‪ ،‬نقول أنه بغري رقابة يباشرها القضاء على أعمال اإلدارة املخالفة للقانون‪ ،‬ميكن لإلدارة أن‬
‫تأيت من التصرفات التحكمية ما تشاء‪ ،‬فتصبح كالربملان االجنليزي‪ ،‬قادرة على كل شيء إال حتويل الرجل إىل امرأة أو املرأة إىل رجل‪ .".‬أنظر مؤلفه‪ :‬السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪ 81‬و ‪.82‬‬
‫‪ -6‬ياسني قوتال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫واالنحرافات فقط‪ ،‬بل تتعدى ذلك إلى عالنية اإللغاء أو تعديل أو سحب هذا العمل القائم عن عمل الموظف‪.‬‬
‫وهذه األخيرة بالرغم من إلغائها إال أنها تعمد إلى تحقيق زيادة في فعالية اإلدارة وبالتالي نجد أن هذه الرقابة‬
‫تساعد في القضاء على هذه األفعال‪ ،‬وليس فقط البحث عن األخطاء(‪.)1‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫األهداف المتحركة‬
‫إن الهدف المتحرك من الرقابة القضائية هو هدف عالجي‪ ،‬حيث يقوم القاضي الفاصل في المادة‬
‫اإلدارية بتحريك األهداف الساكنة‪ .‬وذلك بالفصل في النزاع القائم بين حقوق وحريات األفراد واعمال اإلدارة‬
‫لسلطتها التقديرية‪ .‬ويعكس الحكم دور القاضي في إقامة التوازن بين الحريات العامة وأعمال اإلدارة التقديرية‪.‬‬
‫كما يتحتم عليه في بعض األحيان‪ ،‬عندما يكون نقص أو فراغ في التشريع أن ينشأ ويخلق ويبدع حلوال‬
‫قانونية للفصل في النزاع(‪.)2‬‬
‫لذلك تتمثل األهداف المتحركة للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة في‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن الهدف المباشر للرقابة القضائية هو فصل القاضي في النزاع القائم‪ .‬وال يتعدى دوره حدود الحكم‪.‬‬
‫ويستعمل في ذلك إجراءات قضائية للوصول إلى اإلنصاف‪ .‬ويتقيد بمذكرات األطراف وطلباتهم‪ .‬ويسهر على‬
‫أن يكون فصله في النزاع مطابقا للقانون(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬باإلضافة إلى الهدف المباشر وهو الفصل في النزاع ‪ ،‬قد يكون الهدف المتحرك من الرقابة القضائية‬
‫غير مباشر أو عرضيا‪ .‬ويتمثل فـي مشاركة القاضي في إنشـاء وابتكار القواعد القانونية أثناء فصله في‬
‫النزاعات‪ .‬فالقاضي يستوحي الحلـول من التشريع واالجتهــاد القضائي والفقه‪ .‬كما يستوحي الحلول وفقا‬
‫العتبارات سياسية واجتماعية اقتصادية(‪.)4‬‬
‫ثالثا‪ :‬كما أن الهدف المتحرك للرقابة القضائية هو تحقيق التوازن بين أعمال اإلدارة التقديريــة والحريات‬
‫العامة‪ .‬وذلك أثناء الفصل في النزاع القائم بينهم‪ ،‬حيث يوازن القاضي الفاصل في المادة اإلدارية بين طرفي‬
‫النزاع ويحكم على تصرف اإلدارة إذا كان غير مشروع باإللغــاء‪ .‬وبذلك يعد الحكم ضابطا من ضوابط‬
‫التوازن‪ ،‬وهدفا متحركا من أهداف الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬شهرية بوحلية‪ ،‬مدى سلطة القاضي اإلداري على اإلدارة‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،32‬بسكرة‪ ،2339 ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -2‬قروف مجال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -4‬عبد اجلليل مفتاح ومصطفى خبوش‪ ،‬دور القاضي اإلداري وضع القاعدة القانونية أم تطبيقها؟‪،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬جامعة حممد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ، 2332،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ -5‬قروف مجال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 13‬و ‪. 11‬‬
‫خالصة الفصل‪:‬‬
‫لقد تطرقنا خالل هذا الفصل إلى ماهية السلطة التقديرية لإلدارة وماهية الرقابة القضائية عليها‪ .‬وفيما‬
‫يخص الشق األول من هذه الدراسة؛ أي السلطة التقديرية‪ ،‬بينا مفهومها وذلك من خالل تعريف هذه األخيرة‬
‫وتبيان العالقة بينها وبين األفكار المشابهة والمتصلة بها‪.‬‬
‫ثم تناولنا بعد ذلك أساس السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬ومختلف النظريات واآلراء التي قيلت في هذا‬
‫الصدد‪ .‬وقد بينا أنها لم تسلم جميعها من النقد‪ ،‬وان كان الفقهاء قد غلبوا النظرية اإليجابية التي تظهر في‬
‫فكرة المشروع‪.‬‬
‫وقد بينا مبررات السلطة التقديرية وأسباب منح اإلدارة سلطة تقديرية في أداء أعمالها ووظائفها‪،‬‬
‫تلخصت في مبررات عملية وأخرى فنية‪ .‬تمثلت المبررات العملية في اعتبار السلطة التقديرية ضرورة‬
‫اجتماعية ال غنى عنها ووسيلة مثلى لتحقيق المصلحة العامة‪ .‬أما المبررات الفنية فتركزت حول فكرة أن‬
‫خبرة اإلدارة بالعمل وظروفه المتغيرة تجعلها أقدر من غيرها على تقدير مناسبة األعمال المختلفة‪.‬‬
‫بما أن كل سلطة ال يمكن أن تكون مطلقة وانما البد أن تجد حدودا لها‪ ،‬فإن السلطة التقديرية شأنها‬
‫شأن جميع السلطات تخضع لحدود خارجية وأخرى داخلية‪ .‬وفيما يتعلق بالحدود الخارجية والتي تظهر في‬
‫ركن االختصاص والشكل و الغاية‪ .‬فقد وجدنا بأن السلطة التقديرية ال تلعب دو ار أساسيا أو هاما‪ ،‬بل وتكاد‬
‫تكون منعدمة في إطارها‪.‬‬
‫عكس الحدود الداخلية‪ ،‬التي تتمثل في ركني المحل والسبب‪ ،‬التي تتجسد فيها مظاهر السلطة‬
‫التقديرية بشكل واضح‪ .‬ما لم يتدخل المشرع و يحدد كل منهما على وجه الدقة‪ ،‬أو يتدخل القاضي ويفرض‬
‫رقابته على اختيار السبب أو المحل العتبارات يقدرها هو‪.‬‬
‫وقد وصلنا إلى أن ركن المحل هو الموضع األصيل لممارسة السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فهي تتمتع‬
‫بسلطة تقديرية واسعة‪ .‬فلها حرية التصرف في أن تتدخل أو تمتنع عن التدخل‪ .‬كما تملك حرية اختيار وقت‬
‫التدخل‪ ،‬والذي يعتبر من أبرز عناصر السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬هذا باإلضافة إلى حرية اإلدارة في اختيار‬
‫فحوى وموضوع القرار‪.‬‬
‫أما الشق الثاني من الدراسة فتمحور حول ماهية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬حيث‬
‫عرفنا هذه الرقابة‪ .‬وبينا أنها من أنجع وسائل الرقابة على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬ألن الجهة التي تمارسها‬
‫هي القضاة‪ ،‬وهم فئة مشهود لها بالحياد واالستقالل(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬وقد بني األستاذ "دريد كمال" الصفات اليت يتحلى هبا القاضي اإلداري ومدى توافرها يف القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية اجلزائري‪ .‬أمهها ضرورة اإلملام‬
‫باإلدارة العامة ومشكالهتا‪ .‬والتحرر من عقلية القضاء النظامي وتفكريه‪ .‬والقدرة على ابتداع سياسات قضائية حكيمة‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول الصفات‬
‫اليت يتحلى هبا القاضي اإلداري‪ ،‬أنظر‪ :‬دريد كمال‪ ،‬الصفات الواجب توافرها يف القاضي اإلداري لالضطالع بسلطاته املنوطة به‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول‬
‫سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬جامعة قاملة‪.1133،‬‬
‫كما بينا موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة؛ حيث انقسم بين مؤيد‬
‫ومعارض‪ .‬وقد كان لكل إتجاه أسسه وأسانيده‪ .‬لكننا نرجح الرأي المؤيد للرقابة القضائية على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة‪ ،‬ألن الموقف المعارض لهذه الرقابة ال تعدو حججه أن تكون سوى أسانيد نظرية‪ ،‬بالنظر‬
‫إلى المبررات التي تقوم عليها السلطة التقديرية‪ .‬فهي بصفة أساسية اعتبارات عملية‪ ،‬تتعلق بعالقة اإلدارة‬
‫بالمشرع و بعالقة اإلدارة بالقاضي‪ .‬فالمؤكد أن إعطاء المشرع لإلدارة قد ار من حرية التقدير في إصدار‬
‫ق ارراتها‪ ،‬ال يعني أكثر من حرصه على أن تصدر اإلدارة أفضل الق اررات مالءمة للظروف‪.‬‬
‫وقد ختمنا هذا الفصل بسرد أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬والتي تنوعت بين‬
‫أهداف ساكنة وأخرى متحركة‪ .‬وقد تمثلت األولى في ضمان مبدأ المشروعية وتحقيق العدالة وحماية‬
‫المصلحة العامة وحقوق وحريات األشخاص‪ .‬أما الثانية فهي أهداف عملية فعلية‪ ،‬تظهر أثناء فصل القاضي‬
‫اإلداري في النزاع المعروض أمامه‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫النظام القانوني للرقابة القضائية‬
‫على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫إذا كان تبني نظام اإلزدواجية القضائية(‪)1‬بموجب المادة ‪ 162‬من دستور ‪ ،1119‬يمثل المآل والتطور‬
‫الطبيعي للنظام القضائي الجزائري‪ ،‬فإنه ال يشكل السبب واالعتبار الوحيد‪ .‬ذلك أن التحول الذي عرفته‬
‫الجزائر بموجب دستور ‪ 1181‬المؤكد على ضرورة رد االعتبار لمفهوم دولة القانون وتطبيق مبادئ‬
‫الديموقراطية وحقوق اإلنسان‪ .‬استلزم وضع اآلليات الكفيلة بتحقيق هذه األهداف العليا واقعيا‪ .‬ولعل أهم‬
‫ضمان لحماية وصيانة هذه المبادئ يكون بتنصيب سلطة قضائية قوية ومستقلة وفعالة‪ ،‬تقف في وجه كل‬
‫تصرف من شأنه المساس بمفهوم دولة القانون‪.‬‬
‫لما كان تعسف اإلدارة في استعمال سلطتها التقديرية يمس بهذا المفهوم؛ أي مفهوم دولة القانون‪ ،‬فقد‬
‫مارس القضاء اإلداري نظاما قانونيا معينا للرقابة على سلطة اإلدارة التقديرية‪ ،‬تجسد في استعانته بمجموعة‬
‫من الوسائل وانتهاجه جملة من األساليب‪ ،‬سنبينها من خالل مبحثين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫‪ -1‬جتدر اإلشارة إىل أن اإلزدواجية القضائية اليت تبنتها اجلزائر إبتداء من دستور ‪ 3669‬مل تبق حكرا على فرنسا‪ ،‬حيث أصبح وجود قضاء إداري‬
‫متخصص يف تسوية النزاعات اإلدارية هو النموذج السائد يف أوروبا‪ .‬إذ من بني ‪ 12‬دولة عضو يف اإلحتاد األورويب ال جند سوى ‪ 5‬بلدان فقط ال تتوفر‬
‫مطلقا أو تقريبا على جهات متخصصة يف جمال القضاء اإلداري‪ .‬ونقصد هبا‪ :‬اململكة املتحدة‪ ،‬إيرلندا‪ ،‬الدامنارك‪ ،‬مالطا وقربص‪ .‬أما بقية دول االحتاد فمنها‬
‫من تبىن إزدواجية قضائية كاملة‪ ،‬كأملانيا والسويد وفنلندا‪ .‬ومنها من تبىن إزدواجية قضائية على مستوى القمة فقط‪ .‬وهناك منوذج أخري يقوم على عكس‬
‫النموذج السابق‪ ،‬بتبنيه لإلزدواجية القضائية على مستوى القاعدة فقط‪ .‬وهو احلال بالنسبة إلسبانيا واجملر ورومانيا وسلوفينيا ولوفاكيا وإيستونيا وليتوانيا‪ .‬أنظر‬
‫يف ذلك‪ :‬تريي أولسون‪ ،‬القضاء اإلداري يف أوروبا‪ :‬تقارب أم اختالف؟‪ ،‬يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري‪ ،‬إقامة القضاة‪ ،1133 ،‬ص ‪.1-3‬‬
‫المبحث األول‬
‫وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫األصل أن تمارس السلطات اإلدارية أعمالها محترمة مقتضيات المشروعية‪ ،‬وخاضعة لحكم القانون‬
‫في كافة مجاالت تدخلها‪ ،‬إال أن احتمال تصرف اإلدارة على نقيض هذه القواعد وارد‪ ،‬وقد يؤدي إلى‬
‫المساس بحقوق وحريات األفراد‪ ،‬مما استوجب تقرير وسائل لمصلحة هؤالء تقيهم من جور اإلدارة و تعسفها‪.‬‬
‫ومن بين هذه الوسائل نجد الدعاوى اإلدارية‪ ،‬فهي أداة تحريك أي رقابة قضائية ضد سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية‪ ،‬كما أنها الوسيلة الوحيدة لممارسة و تجسيد سلطات القاضي ضد تعسف اإلدارة في استعمال هذه‬
‫السلطة‪.‬‬
‫وان كانت الدعاوى اإلدارية متعددة إال أننا نجد بأن أهم وسيلة تجسد رقابة القضاء على السلطة‬
‫التقديرية لإلدارة‪ ،‬تتمحور في دعاوى اإللغاء والتعويض‪ .‬وذلك بإلغاء العمل اإلداري وتعويض األفراد عما‬
‫أصابهم من أضرار بسببه‪ ،‬أو صورة التعويض فقط‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫)‪(1‬‬
‫الطعن باإللغاء القضائي في الق اررات التقديرية‬
‫ف ــي خضـــم نشـ ــاط اإلدارة الع ــادي‪ ،‬فإنهـ ــا تصـــدر العديـــد م ــن الق ـ ـ اررات‪ ،‬ال ــبعض منه ــا يرحـــب بـــه مـــن‬
‫قب ـ ــل مـ ـ ـن يهم ـ ــه األم ـ ــر‪ ،‬وال ـ ــبعض اآلخ ـ ــر يج ـ ــد معارض ـ ــيه باعتب ـ ــاره أمـ ـ ـ ار مجحف ـ ــا بحق ـ ــوقهم‪ ،‬وه ـ ــذه الحال ـ ــة‬
‫تنش ـ ــة ص ـ ــورة ع ـ ــدم مطابق ـ ــة موق ـ ــف اإلدارة ف ـ ــي ش ـ ــكل القـ ـ ـرار اإلداري لمص ـ ــالح األفـ ـ ـراد أو الم ـ ــوظفين مم ـ ــا‬
‫يف ـ ــتح أبـ ـ ـواب الن ازعــ ــات‪ ،‬والت ـ ــي البــ ــد م ـ ــن عرضــ ــها عل ـ ــى ســ ــلطة محاي ـ ــدة للب ـ ــت فيه ـ ــا باعتبــ ــار أن اإلدارة‬
‫طـ ـ ــرف مـ ـ ــن أط ـ ـ ـراف الن ـ ـ ـزاع‪ .‬وان كانـ ـ ــت ال تعـ ـ ــد مـ ـ ــن األط ـ ـ ـراف العاديـ ـ ــة‪ ،‬فهـ ـ ــي تتمتـ ـ ــع بحمايـ ـ ــة قانونيـ ـ ــة‬
‫فرضـ ـ ــت علـ ـ ــى المشـ ـ ــرع ‪ -‬بـ ـ ــالنظر إلـ ـ ــى خصوصـ ـ ــيتها ‪ -‬أن يخضـ ـ ــع نزاعاتهـ ـ ــا إلـ ـ ــى قضـ ـ ــاء متخصـ ـ ــص‪،‬‬
‫سـ ـ ـواء كان ـ ــت المح ـ ــاكم اإلداري ـ ــة أو مجل ـ ــس الدول ـ ــة‪ ،‬كم ـ ــا أدرج له ـ ــا مجموع ـ ــة م ـ ــن القواع ـ ــد اإلجرائي ـ ــة الت ـ ــي‬
‫تنظم طرق التقاضي على مستوى الجهات القضائية المختلفة)‪.(2‬‬

‫و تعتبـ ــر دعـ ــوى اإللغـ ــاء مـ ــن أهـ ــم الوسـ ــائل الرقابيـ ــة علـ ــى أعمـ ــال اإلدارة العامـ ــة)‪ ،(3‬علـ ــى اعتبارهـ ــا‬
‫ذات قــ ـ ــوة وفاعليـ ـ ـ ــة فـ ـ ـ ــي حمايــ ـ ــة دولـ ـ ـ ــة القــ ـ ــانون وحقــ ـ ــوق اإلنسـ ـ ـ ــان والم ـ ـ ـ ـواطن بصـ ـ ـ ــفة عامــ ـ ــة‪ .‬وحمايـ ـ ـ ــة‬

‫‪ -1‬لقد استعملنا مصطلح " القرارات التقديرية " كناية عن القرارات اإلدارية الصادرة عن اإلدارة بناء على سلطتها التقديرية‪ .‬وال نقصد بالقرارات التقديرية‬
‫األعمال التقديرية‪ ،‬اليت سبق وأن ميزنا بينها وبني السلطة التقديرية خالل الفصل األول‪.‬‬
‫‪ - 2‬لعرويب‪ ،‬دعوى اإللغاء أو الطعن بالبطالن‪ ،‬ملتقى الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،1112 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -3‬لقد عرفها األستاذ" ديلوبادير " على أهنا‪ " :‬هي الدعوى القضائية‪ ،‬اليت يرفعها أصحاب الصفة واملصلحة أمام اجلهة القضائية املختصة‪ ،‬بإلغاء القرار‬
‫اإلداري غري املشروع‪ ،‬وتنحصر سلطة القاضي يف هذه الدعوى يف فحص مدى املشروعية أو عدم مشروعية القرار اإلداري املطعون فيه‪ ،‬واحلكم بإلغائه إذا‬
‫ما ثبت عدم مشروعيته بواسطة حكم قضائي‪ ،‬حجيته عامة ومطلقة‪ ،‬ومتتاز دعوى اإللغاء بأهنا دعوى عينية وموضوعية‪ ،‬وأهنا من دعاوى قضاء‬
‫الشرعية "‪.‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫الم ـ ــوظفين ف ـ ــي مواجه ـ ــة ع ـ ــدم مش ـ ــروعية الس ـ ــلطة اإلداري ـ ــة الرئاس ـ ــية‪ ،‬وخاص ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة‪ ،‬حي ـ ــث‬
‫يقوم القضاء بإلغاء الق اررات اإلدارية غير المشروعة بأثر رجعي وكأنها لم توجد إطالقا)‪.(1‬‬

‫واذا اس ـ ـ ــتوفت عريض ـ ـ ــة افتت ـ ـ ــاح ال ـ ـ ــدعوى جمل ـ ـ ــة م ـ ـ ــن الش ـ ـ ــروط الش ـ ـ ــكلية)‪ ،(2‬فـ ـ ـ ـإن القاض ـ ـ ــي اإلداري‬
‫يقبلهـ ــا شـ ــكال‪ ،‬ثـ ــم يعمـ ــد بعـ ــد ذلـ ــك إلـ ــى د ارسـ ــة ملـ ــف الـ ــدعوى مـ ــن الناحيـ ــة الموضـ ــوعية‪ .‬وال يـ ــتم ذلـ ــك إال‬
‫بد ارسـ ــة حـ ــاالت اإللغـ ــاء‪ ،‬فيبحـ ــث القاضـ ــي فـ ــي مـ ــدى ت ـ ـوافر الق ـ ـرار اإلداري علـ ــى أركانـ ــه لـ ــيفحص انطالقـ ــا‬
‫منها مدى مشروعيته‪.‬‬

‫ف ـ ــإذا اتض ـ ــح ل ـ ــه أن عيب ـ ــا ق ـ ــد أص ـ ــاب أح ـ ــد األرك ـ ــان‪ ،‬فل ازم ـ ــا علي ـ ــه أن يحك ـ ــم باإللغ ـ ــاء بس ـ ــبب ع ـ ــدم‬
‫المشـ ـ ــروعية‪ ،‬أمـ ـ ــا إذا تبـ ـ ــين مـ ـ ــن خـ ـ ــالل د ارسـ ـ ــته مختلـ ـ ــف أركـ ـ ــان ومحتويـ ـ ــات الق ـ ـ ـرار أنهـ ـ ــا خاليـ ـ ــة مـ ـ ــن أي‬
‫عيب‪ ،‬فإنه يصدر ق ار ار برفض إلغاء القرار اإلداري‪.‬‬

‫وأسـ ـ ــباب إلغـ ـ ــاء الق ـ ـ ـرار اإلداري الصـ ـ ــادر بنـ ـ ــاءا علـ ـ ــى سـ ـ ــلطة تقديريـ ـ ــة لـ ـ ــإلدارة هـ ـ ــي نفـ ـ ــس األسـ ـ ــباب‬
‫الت ـ ــي ت ـ ــؤدي إل ـ ــى إلغ ـ ــاء القـ ـ ـ اررات اإلداري ـ ــة الص ـ ــادرة بن ـ ــاء عل ـ ــى اختص ـ ــاص مقي ـ ــد)‪ ،(3‬والت ـ ــي تصـ ـ ـيب أح ـ ــد‬

‫‪Delaubadere, Manuel de droit administratif, 11 Emme édition, L.G.D.J, Paris, p 105 .‬‬

‫أما األستاذ عدنان عمرو‪ ،‬فقد عرفها على أهنا‪ ":‬قيام القاضي بإبطال القرارات اإلدارية الصادرة عن اإلدارة فيما إذا صدرت خمالفة ملبدأ املشروعية‪ ،‬أو‬
‫هو تقرير مدى إتفاق أو خمالفة القرار املطعون فيه للقواعد القانونية"‪ .‬أنظر يف ذلك‪ -:‬عدنان عمرو‪ ،‬إبطال القرارات اإلدارية الضارة باألفراد واملوظفني‪،‬‬
‫دون رقم الطبعة‪ ،‬اهليئة الفلسطينية املستقلة حلقوق املواطن‪ ،‬رام اهلل‪ ،2331 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ - 1‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336 ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -2‬لإلطالع على هذه الشروط أنظر‪ :‬عدنان عمرو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 16‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 3‬لقد صنف األستاذ " دي لوبادير " وسائل املشروعية أو أوجه اإللغاء إىل مخسة أوجه وهي ‪ :‬عيب االختصاص‪ ،‬الشكل‪ ،‬االحنراف بالسلطة‪ ،‬احملل‪،‬‬
‫والسبب‪ .‬وهو تصنيف يقوم على أساس أركان القرار اإلداري ومل مييز بني املشروعية اخلارجية والداخلية‪ .‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪-André DeLaubadère, Yves Gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 16 Emme édition,‬‬
‫‪Libraire général de droit de jurisprudence, Paris,1999, p 533 et suivantes.‬‬
‫أما األستاذان "أويب" و "دراجو"‪ ،‬فقسماها إىل عيوب مشروعية خارجية وأخرى داخلية‪ .‬جاعلني عيب السبب ممستقال‪ ،‬أما األستاذ "ديباش" فقد جعل‬
‫عيب السبب ضمن حاالت عيب خمالفة القانون‪ ،‬وذات األمر ينطبق على األستاذ ‪.Ricci‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪-Charles Debbasch et Jean-claude Ricci, contentieux administratif, Dalloz, 1999, p 664. et‬‬
‫‪Charles Debbasch, institutions et droit administratif, tome 2, 4 éme édition, P.U.F, 1998, p 646‬‬
‫‪et suivantes.‬‬
‫أما األستاذ" أمحد حميو" فقد جعل عيب السبب ضمن عيب خمالفة القانون‪ .‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪Mahiou(A),cours du contentieux administratif, 2 Emme édition, O.P.U,1981, Alger, p 204 et‬‬
‫‪suivantes.‬‬
‫أما األستاذان "عمار عوابدي" و"عمار بوضياف"‪ ،‬فقد أخذا بالتقسيم الكالسيكي أعاله‪ .‬جاعلني عيب السبب عيبا مستقال‪ .‬أنظر يف ذلك‪-:‬عمار‬
‫عوابدي‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1182،‬ص ‪ .126‬وعمار‬
‫بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪ ،2331،‬ص ‪.116‬‬
‫أركان ـ ــه وتجعل ـ ــه غي ـ ــر مش ـ ــروع‪ ،‬ويقـ ـ ـول بع ـ ــض الفقه ـ ــاء ف ـ ــي ه ـ ــذا المج ـ ــال أن عملي ـ ــة الفص ـ ــل ب ـ ــين أوج ـ ــه‬
‫اإللغـ ـ ــاء غيـ ـ ــر ممكنـ ـ ــة‪ ،‬ألنهـ ـ ــا متداخلـ ـ ــة مـ ـ ــع بعضـ ـ ــها فأغلبهـ ـ ــا تشـ ـ ــترك مـ ـ ــع عيـ ـ ــب مخالفـ ـ ــة القـ ـ ــانون نصـ ـ ــا‬
‫وروحـ ـ ـ ــا‪ ،‬ومـ ـ ـ ــا عمليـ ـ ـ ــة التقسـ ـ ـ ــيم إال داللـ ـ ـ ــة علـ ـ ـ ــى الوجـ ـ ـ ــه العـ ـ ـ ــام علـ ـ ـ ــى عـ ـ ـ ــدم مشـ ـ ـ ــروعية الق ـ ـ ـ ـرار اإلداري‬
‫المعيب)‪.(1‬‬

‫سنتناول فيما يأتي عيوب المشروعية الخارجية والداخلية‪:‬‬

‫الفرع األول‬

‫عيوب المشروعية الخارجية‬

‫تتمثـ ـ ــل عيـ ـ ــوب المشـ ـ ــروعية الخارجيـ ـ ــة فـ ـ ــي عيـ ـ ــب عـ ـ ــدم االختصـ ـ ــاص وعيـ ـ ــب الشـ ـ ــكل واالج ـ ـ ـراءات‪،‬‬
‫التي سنسلط عليها الضوء‪ ،‬مركزين على المجال الذي يخصنا؛ أال و هو مجال السلطة التقديرية‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬عيب عدم االختصاص‬


‫تقوم اإلدارة العامة المعاصرة على مبدأ تقسيم وتوزيع االختصاص بين مختلف هيئاتها واألشخاص‬
‫العاملين بها بهدف تحسين األداء اإلداري وتحديد المسؤوليات؛ حيث يسند إصدار أي قرار إداري إلى شخص‬
‫أو موظف معين‪ .‬ويمكن تعريف اإلختصاص بأنه‪ " :‬القدرة أو المكنة أو الصالحية المخولة لشخص أو جهة‬
‫إدارية على القيام بعمل معين على الوجه القانوني")‪.(2‬‬
‫ونظ ار ألهمية هذا الركن‪ ،‬فقد رتب القانون على تخلفه البطالن وذلك في صورة عيب عدم‬
‫االختصاص‪ ،‬الذي يتفق غالبية الفقهاء على تعريفه بأنه‪" :‬عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين ألن‬
‫المشرع جعله من سلطة هيئة أو فرد آخر")‪.(3‬‬
‫وقد دفعت صياغة التعريف السابق لعيب عدم االختصاص بعض الفقهاء إلى الربط بين االختصاص‬
‫في القانون العام واألهلية في القانون الخاص‪ ،‬حيث يجمع بينهما القدرة على مباشرة العمل اإلداري)‪ .(4‬بيد أن‬

‫)‪(1‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫قد اعترضوا على هذا الربط لوضوح اإلختالف بين المعنيين‪.‬‬ ‫معظم فقهاء القانون العام‬

‫‪ -1‬ياسني قوتال‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪.121‬‬


‫‪ -2‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -3‬يعود هذا التعريف أساسا إىل الفقيه "بونار" أظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪Charles Debbasch, Institutions et droit administratf, tome 2 , 4 éme édition, P. U. F, Janvier‬‬
‫‪1998, P 646.‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -5‬راجع ‪:‬‬
‫‪ -‬حممد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2333،‬ص ‪.123‬‬
‫ويمتاز عيب عدم االختصاص بأنه من أقدم أوجه اإللغاء ظهو ار في قضاء مجلس الدولة الفرنسي‪،‬‬
‫وأنه كان األصل الذي استمدت منه العيوب األخرى)‪ ،(2‬لما لفكرة االختصاص من أهمية كبيرة‪ ،‬و لوضوح‬
‫)‪(3‬‬
‫بطالن القرار اإلداري عند صدوره ممن ال يملك اإلختصاص بذلك‪.‬‬
‫واذا كانت عيوب القرار اإلداري األخرى قد استقلت عنه‪ ،‬إال أنه ال يزال العيب الوحيد الذي يتعلق‬
‫بالنظام العام‪ ،‬ولذلك ذكرنا في إطار تحديدنا لحدود السلطة التقديرية أن اإلدارة ال تتمتع بأي حرية فيما‬
‫يخص ركن اإلختصاص لكونه مرتبطا بالنظام العام)‪.(4‬‬
‫هذا فيما يتعلق بتعريف عيب عدم اإلختصاص وخصائصه‪ ،‬أما عن صوره وموقف القضاء الجزائري‬
‫منه‪ ،‬فسنبينها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬صور عيب عدم االختصاص‬
‫تتنوع مظاهر القرار اإلداري من حيث الجسامة‪ ،‬إذ يميز القضاء بين اإلخالل بهذا الركن داخل نطاق‬
‫اإلدارة ذاتها‪ ،‬وبين عدم االختصاص للتدخل في اختصاص سلطة أخرى مستقلة عنها عضويا وموضوعيا)‪.(5‬‬
‫وتبعا لذلك يتخذ عيب عدم االختصاص صورتين‪ ،‬فقد يكون بسيطا حينما يصدر القرار موظف‬
‫متجاوز لنطاق إختصاصه‪ .‬وقد يكون جسيما أو ما يسمى بإغتصاب السلطة‪ ،‬وذلك إذا تضمن إعتداءا من‬
‫السلطة اإلدارية على إختصاصات السلطة التشريعية أو القضائية‪ ،‬أو اغتصب فرد عادي سلطة اصدار‬
‫القرار)‪.(6‬‬

‫‪ -‬خالد مساره الزغيب‪ ،‬القرار اإلداري بني النظرية والتطبيق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ -‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسورللنشر والتوزيع‪ ،2331،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -‬نبيل صقر‪ ،‬الوسيط يف شرح قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،2331،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -1‬ذلك أن قواعد اإلختصاص يف القانون العام هتدف إىل محاية املصلحة العامة‪ .‬بينما ينحصر هدف قواعد األهلية يف القانون اخلاص إىل محاية الفرد‪.‬‬
‫كما أن سبب عدم األهلية يعود إىل عدم النضج العقلي للشخص‪ ،‬بينما يتمثل الباعث يف حتديد االختصاص وحتقيق التخصص يف العمل‪ .‬وتقسيم العمل‬
‫بني أعضاء السلطة اإلدارية مبا حيققه من مزايا‪ .‬كما أن األهلية على صعيد القانون اخلاص عبارة عن رخصة يستعملها الفرد أو ال يستعملها‪ ،‬ولعله يكلف‬
‫غريه للقيام بالتصرف نيابة عنه رغم متتعه باألهلية القانونية‪ .‬بينما على صعيد القانون اإلداري ال متلك اإلدارة كمبدأ عام نقل االختصاص إىل جهة إدارية‬
‫أخرى‪ ،‬إال إذا خوهلا الدستور أو القانون أو التنظيم صراحة هذه السلطة‪ .‬انظر‪- :‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -2‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ -3‬نبيل صقر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -4‬إرجع إىل املبحث الثاين من الفصل األول‪.‬‬
‫‪ -5‬دريسية حسني‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2339،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ -6‬باإلضافة إىل هذا التقسيم‪ ،‬فإن هناك جانبا من الفقه يقسم عيب اإلختصاص إىل عيب اإلختصاص اإلجيايب‪ ،‬ويشمل حالة عيب االختصاص االجيايب‬
‫اجلسيم وحاالت عيب االختصاص االجيايب البسيط‪ .‬أما عيب االختصاص السليب فيشمل احلالة اليت يظن املوظف خطأ فيها أنه غري خمتص بأمر من األمور‪،‬‬
‫يف حني خيوله القانون هذا االختصاص‪ .‬انظر يف ذلك‪ - :‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬عامل الكتب ‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ، 1192‬ص ‪.996‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أ‪ -‬عدم اإلختصاص الجسيم أو إغتصاب السلطة‬
‫وهي الصورة التي يصدر فيها القرار اإلداري عن شخص ليست له أي سلطة إدارية؛ أي أنه ال ينتمي‬
‫لإلدارة أصال)‪ ،(2‬وهذا ما رتب عليه القضاء اإلداري إنعدام القرار‪ .‬وقد ظل القضاء اإلداري الفرنسي متحفظا‬
‫إلى زمن قريب تجاه الحكم بانعدام القرار المعيب بعدم االختصاص الجسيم‪ ،‬لكنه عدل في العقود األربعة‬
‫األخيرة عن ذلك‪ ،‬واستقر على أنها ق اررات منعدمة)‪ ،(3‬خاصة إذا كان الضرر المترتب عنها ماسا بالحقوق‬
‫والحريات)‪.(4‬‬
‫ويتخذ القرار المعيب بعيب عدم االختصاص الجسيم صو ار عدة‪ ،‬فقد يصدر عن فرد عادي ال عالقة‬
‫له باإلدارة‪ ،‬كما قد يصدر عن السلطة التنفيذية ( اإلدارة العامة ) بصورة تعتدي فيها على إختصاص باقي‬
‫السلطات التشريعية أو القضائية‪ .‬وذلك ما سنفصله فيما يلي ذكره‪:‬‬
‫‪ -‬صدور القرار االداري من فرد عادي‬
‫وذلك بأن يصدر القرار اإلداري عن فرد عادي ال يحوز الصفة القانونية اإلدارية سواء بصفته موظفا‬
‫)‪.(5‬‬
‫واألصل أن أعمال هذا األخير تكون منعدمة‪ ،‬إال أن القضاء اإلداري أقر نظرية الظاهر في‬ ‫أو منتخبا‬
‫)‪(6‬‬
‫الظروف العادية‪ .‬وذلك عن طريق نظرية الموظف الفعلي‪ ،‬ونظرية الضرورة في الظروف االستثنائية‪.‬‬

‫‪ -‬اعتداء السلطة التنفيذية على اختصاص السلطة التشريعية والقضائية‬


‫يرجع قيام هذا العيب لتعارضه ومبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬حيث تتعدى اإلدارة بمقتضى سلطتها‬
‫التقديرية على إختصاص السلطة التشريعية‪ .‬وتعود أسباب هذا اإلعتداء في أغلب األحيان لعدم وجود معيار‬
‫فاصل ين ما هو تشريعي وما هو تنفيذي أو تنظيمي بالنسبة لهيئات السلطة التنفيذية المركزية‪ ،‬بسبب‬

‫‪ -1‬وقد مسي باغتصاب السلطة‪ ،‬ألن خمالفة ركن اإلختصاص قد بلغت حدا من اجلسامة لدرجة تفقده صفته اإلدارية‪ ،‬حيث يتحول إىل عمل مادي‪،‬‬
‫ويكون مصدره مغتصبا لسلطة مل خيوهلا له املشرع‪.‬‬
‫‪ -2‬أمحد حميو‪ ،‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2338،‬ص ‪.183‬‬
‫‪ -3‬درسية حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -4‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.682‬‬
‫‪ -5‬درسية حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -6‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم للنشر التوزيع‪ ،2331 ،‬ص ‪ .181‬وذلك ما قضت به حمكمة القضاء اإلداري املصرية‪،‬‬
‫من ‪ " :‬أن العمل اإلداري ال يكون معدوما إال اذا كان مشوبا مبخالفة جسيمة‪ ،‬ومن صورها أن يصدر القرار من فرد عادي أو أن يصدر القرار من سلطة يف‬
‫شأن من إختصاص سلطة أخرى‪ ،‬كأن تتوىل السلطة التنفيذية عمال من أعمال السلطة القضائية أو السلطة التشريعية' ‪.‬أنظر يف ذلك‪ :‬عبد الغين بسيوين‬
‫عبد اهلل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫غموض نصوص الدستور واطالقها)‪ .(1‬لهذا نجد القضاء اإلداري متحفظا في هذا الموضوع‪ ،‬حيث يعد العيب‬
‫في هذا المجال بسيطا وليس جسيما‪ ،‬السيما لعدم يقينه من المعيار الذي بنى عليه حكمه)‪.(2‬‬
‫ومن أمثلة اإلعتداء على السلطة القضائية‪ ،‬أن تقوم اإلدارة المركزية ممثلة في الوزير األول‪ ،‬بإصدار‬
‫مرسوم تنفيذي يمس أحد المجاالت الواردة في المادة ‪ 122‬من الدستور‪ ،‬والمخولة أصال للبرلمان‪ (3).‬وتعتبر‬
‫هذه الصورة األخيرة‪ ،‬من أغلب حاالت عيب عدم اإلختصاص الجسيم في الجزائر‪ .‬وتبعا لذلك قضت الغرفة‬
‫اإلدارية بالمجلس األعلى في قرار لها ب‪ 10 :‬ديسمبر ‪ ،1181‬بإبطال القرار الصادر عن لجنة النزاعات‬
‫التابعة للبلدية‪ ،‬الذي فصل في أصل الملكية بين أحد المالك الخواص ومستأجر ألمالك الدولة)‪.(4‬‬
‫وقد جاء في حيثيات القرار المذكور‪" :‬حيث يستخلص من عناصر القضية والسيما القرار المطعون‬
‫فيه المؤرخ في ‪ 13‬ديسمبر ‪ ،1891‬أن لجنة النزاعات التابعة للمجلس الشعبي البلدي قد فصلت في نزاع‬
‫قائم بخصوص الملكية بين أحد المالك الخواص ومستأجر ألمالك الدولة‪.‬‬
‫حيث أنه ليس من سلطات الرئيس أو المجلس الشعبي البلدي الحلول محل الجهة القضائية‪ ،‬والبت في‬
‫قضية من قضايا الملكية أو شغل مكان ما يخص الجهة القضائية‪ ،‬إذ أن دورها يجب أال يتعدى تحقيق‬
‫المصالحة بين الطرفين‪ ،‬حيث أن القرار المتخذ بالتالي على النحو السابق عرضه‪ ،‬مشوب بعيب تجاوز‬
‫السلطة الواضح ويستوجب من أجل هذا البطالن"‪.‬‬
‫يالحظ هنا أن المجلس األعلى بين إختصاصات البلدية‪ ،‬المتمثلة في تحقيق المصالحة بين الطرفين‬
‫المتنازعين‪ .‬كما بين اإلختصاص القضائي الذي اعتدت عليه البلدية‪ ،‬والمتمثل في الفصل في المنازعات بين‬
‫األفراد‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بحق الملكية‪ ،‬وبناءا على ذلك قضى بإبطال القرار اإلداري)‪.(5‬‬
‫غير أن ما نسب إلى االدارة في هذه القضية‪ ،‬يعد إعتداءا جسيما على إختصاصات السلطة القضائية‪،‬‬
‫وبالتالي فإن قرارها يعتبر منعدما وكأنه لم يكن؛ أي أن المجلس األعلى ال يجد ق ار ار إداريا ليبطله‪ ،‬بل‬
‫يجد ق ار ار منعدما‪ .‬فهو ال يصدر ق ار ار قضائيا منشئا‪ ،‬وانما ق ار ار كاشفا ومقر ار لحالة اإلنعدام‪ .‬وقد عبر األستاذ‬
‫" أحمد محيو" عن ذلك عندما قال ‪ " :‬فهي تحمل القاضي على التصريح ليس فقط ببطالن مثل ذلك القرار‪،‬‬

‫‪ -1‬هلذا وضع الفقه عدة معايري للتميز‪ ،‬منها املعيار الشكلي واملعيار املوضوعي‪ .‬وكذا معيار تدرج القواعد القانونية‪ .‬وهي معايري قاصرة عن الفصل التام‪،‬‬
‫ويف جمملها متدنا مبعيار رابع أكثر مشولية ودقة يف التمييز كخالصة للمواءمة بينهم أنظر‪ :‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية القرارات االدارية بني علم اإلدارة و القانون‬
‫اإلداري‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪.111 119‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.933‬‬
‫‪ -3‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -4‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬صادرة عن قسم الوثائق باحملكمة العليا‪ ،1181 ،‬ص ‪ 113‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬لقد صدرت ع ن اجمللس األعلى قرارات أخرى ألغى فيها تصرف اإلدارة لكونه يشكل إعتداءا على عمل القضاء‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬القرار املؤرخ يف ‪/ 12‬‬
‫‪، 1182 / 1‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬سنة ‪ ،1113‬ص ‪ 191‬و ما بعدها‪ .‬وكذلك قراره ب‪ 26 :‬مارس ‪، 1181‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الثالث‪،‬‬
‫ص ‪.129‬‬
‫بل بأنه منعدم‪ ،‬وهذا بالتصريح باإلنعدام‪ ،‬فيعتبر القرار محل الدعوى مجرد واقعة‪ ،‬والتي لم تنشئ أبدا‪ ،‬وال‬
‫)‪(1‬‬
‫يمكن أن ينشئ أي أثر قانوني ‪"...‬‬
‫من الواضح أن القاضي اإلداري الجزائري يخلط بين مصطلحي البطالن واإلنعدام‪ ،‬رغم اإلختالف‬
‫الخطير بين نتائج وآثار المعنيين ‪.‬‬
‫وقد سبق وأن ذكرنا بأن عيب عدم اإلختصاص يعتبر من النظام العام‪ ،‬و إذا ما اتسم هذا العيب‬
‫بالجسامة فإن النتائج تكون أكثر صرامة‪ ،‬بحيث يترتب كما ذكرنا على ذلك بطالن التصرف‪ .‬ويترتب على‬
‫ذلك مجموعة من النتائج واآلثار نجملها فيما يأتي ‪:‬‬
‫في حالة ثبوت انعدام القرار اإلداري‪ ،‬فإن تنفيذه يشكل إعتداءا ماديا مرتبا آلثار تختلف عن تلك التي‬
‫يرتبها القرار الباطل في حالة تنفيذه‪ ،‬سواء في مجال االختصاص القضائي واإلستفادة من الحماية القانونية‬
‫أو في مجال المسؤولية‪ ،‬ولقد أقر مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع هذا التصور في أحكام عديدة(‪.)2‬‬
‫ففي مجال االختصاص القضائي‪ ،‬يمارس القاضي اإلداري رقابته على صحة وسالمة القرار االداري‪.‬‬
‫ويعود إليه هذا اإلختصاص بصفة أصيلة‪ .‬بينما إذا تأكد خروج القرار اإلداري عن قواعد المشروعية خروجا‬
‫صارخا‪ ،‬واعتبر بالتالي منعدما‪ ،‬فإن أمر عرض النظر فيه للقاضي اإلداري أو العادي سواء(‪ .)3‬وغالبا ما‬
‫يتم عرضه على القضاء العادي‪ ،‬بإعتباره الحامي الطبيعي لحقوق وحريات المواطنين‪ .‬وألن القرار المنعدم‬
‫تنتفي فيه مواصفات العمل القانوني المستحق للحماية(‪.)4‬‬
‫لكن هذا الوضع وان كان مقبوال في القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬على إعتبار أن هذا األخير يأخذ‬
‫بالمعيار الموضوعي‪ .‬لكنه ال يكون مقبوال بالنسبة للقاضي اإلداري الجزائري‪ ،‬على إعتبار أن هذا األخير‬
‫سيكون مختصا في جميع الحاالت بنظر المنازعات التي تكون اإلدارة العامة طرفا فيها‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫طبيعة النزاع‪ ،‬إداريا كان أم عاديا(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ahmed Mahiou,Cours de Contentieux administratif,4 eme édition,O.P.U, 1981,P225.‬‬
‫‪ -2‬بودريوة عبدالكرمي‪ ،‬جزاء خمالفة القرارات اإلدارية لقواعد املشروعية‪-‬درجات البطالن يف القرارات اإلدارية‪ ،-‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد اخلامس‪،‬‬
‫‪ ،2339‬ص ‪.111‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Charles Debbash et Jean Claude Ricci, contentieux administratif, 7éme édition, 1999, p 553‬‬
‫‪ -4‬عمار عوابدي‪ ،‬عميلة الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة يف النظام اجلزائري‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪، 1180 -1182 ،‬ص‬
‫‪.21‬‬
‫‪ - 5‬ذلك ما جعل بعض الفقهاء يرفضون وصف "القاضي اإلداري اجلزائري"‪ ،‬ويفضلون استعمال وصف "القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية اجلزائري"‪ .‬ألن‬
‫هذا األخري سيختص جبميع منازعات اإلدارة العامة حت لو تصرفت هذه األخرية كشخص عادي‪ .‬فعلى الرغم من أن النزاع سيكون خاصا لكن القاضي‬
‫اإلداري أو القاضي الفاصل يف املادة اإلدارية‪ ،‬سيفصل فيه إعماال للمعيار العضوي‪ ،‬نظرا ألن اإلدارة طرف يف النزاع‪ .‬انظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪- Bouabdellah Mokhtar, Le pouvoir du juge statuant en matière administratives à travers le‬‬
‫‪critère organique et les principes constitutionnelles, communication au séminaire national «les‬‬
‫‪autorités du juge administratif », Université de Guelma,2011,p 2 .Et - Bouabdellah Mokhtar,‬‬
‫ولذلك ذهب األستاذ "لحسين بن شيخ آث ملويا"‪ ،‬إلى انتقاد موقف األستاذ "عمار عوابدي"(‪ ،)1‬الذي‬
‫يقول فيه‪ " :‬أن الدعاوى والطعون القضائية ضد هذه األعمال االدارية المنعدمة‪ ،‬تصبح من إختصاص‬
‫القضاء العادي ( المحاكم والغرف المدنية والتجارية والجنائية منها) بالرغم من أن هذه األعمال صادرة من‬
‫جهات و سلطات إدارية‪ ،‬وهذا اإلستثناء يقرره القضاء"‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قد "خلط بين ما هو موجود في القضاء الفرنسي‬ ‫إذ يقول في ذلك أن األستاذ "عمار عوابدي"‬
‫وأراد تطبيقه على القانون الجزائري‪ ،‬فالمادة السابعة من قانون اإلجراءات المدنية واضحة‪ ،‬وال يجود أي‬
‫مقتضى قانوني يستثني الق اررات المنعدمة من إختصاص القضاء اإلداري"‪.‬‬
‫وانطالقا من الفكرة السابقة‪ ،‬والتي مفادها انتقاء مواصفات العمل القانوني في القرار المنعدم‪ ،‬يستتبع‬
‫عدم استحقاقه للحماية القانونية‪ .‬والتي تظهر في أوجه عديدة‪ :‬أولها أن مسألة إنعدام القرار اإلداري من‬
‫النظام العام بكل ما يترتب عن ذلك من نتائج(‪ ،)4‬كما أن القرار المنعدم ال يستفيد من الحصانة بعد انقضاء‬
‫المدة القانونية لرفع دعوى اإللغاء من طرف المخاطب بالقرار أو السحب من طرف االدارة(‪ ،)5‬حيث يمكن‬
‫سحبه أو إلغائه حتى بفوات الميعاد المحدد للطعن فيه أمام القضاء(‪.)6‬‬
‫أما في مجال المسؤولية اإلدارية الخطئية‪ ،‬فإذا كنا نعلم أن صدور القرار اإلداري بالمخالفة للقانون‬
‫يشكل خطأ يمنح للفرد المتضرر حق طلب تعويض الضرر‪ .‬واذا كان القضاء اإلداري المقارن والجزائري قد‬
‫استقر على التفرقة بين الخطأ الشخصي والمرفقي‪ .‬بحيث يترتب عن األول مسؤولية شخصية بينما سيترتب‬

‫‪L’expérience Algérienne du contentieux administratif, Thèse pour le Doctorat d’Etat en Droit,‬‬


‫‪Faculté de Droit, Université des frères Mentouri Constantine, 13 décembre, 2005.‬‬
‫وخلويف رشيد‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬القضاء اإلداري(تنظيم و اختصاص )‪،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪ 122‬و ‪ 128‬وص‬
‫‪ 161‬إىل ‪.190‬‬
‫‪ -1‬عمار عوابدي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪ -2‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية‪-‬وسائل املشروعية‪ ،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،2339،‬ص ‪.133‬‬
‫‪ -3‬ذلك أن فرنسا قد اعتمدت يف البداية املعيار العضوي‪ ،‬وذلك يف أوائل القرن التاسع عشر‪ .‬وكان ذلك نتيجة إعتبارات سياسية خاصة برجال الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬الستبعاد إختصاص القضاء العادي من النظر يف املنازعات اليت تكون اإلدارة العامة طرفا فيها‪ .‬إال أنه ختلى عن هذا املعيار فيما بعد‪ ،‬واعتمد‬
‫املعيار املوضوعي‪ ،‬خاصة ملا اطمأن إىل وضعه القانوين وزال خطر إلغائه من قبل السلطة التنفيذية‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬بوجادي عمر‪ ،‬إختصاص القضاء اإلداري‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬تيزي وزو‪ ،2311 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -4‬لقد عرف األستذان " أوىب " و " دراجو " الوسيلة املتعلقة بالنظام العام على أهنا ‪ " :‬تلك الوسيلة اليت ميكن أن يثريها القاضي من تلقاء نفسه‪ ،‬كما‬
‫ميكن إثارهتا ألول مرة أمام القاضي حت ولو مل يثرها اخلصم أثناء رفعه للتظلم السابق‪ ،‬كما ميكن إثارهتا ألول مرة أمام قاض اإلستئناف أو النقض"‪ ،‬أما‬
‫األستاذ " أودنت " فقد عرفها كما يأيت ‪ " :‬هي وسيلة متعلقة مبسألة ذات أمهية حبيث ينكر القاضي القاعدة القانونية واليت من واجبه إحرتامها إذا كان‬
‫القرار القضائي الصادر منه ال يأخذها يف عني اإلعتبار‪ ،‬وأن أمهية هذه املسألة هي املربرة لفحصه التلقائي"‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪،‬‬
‫املرجع السابق‪،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -5‬بودريوه عبد الكرمي‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -6‬وميعاد رفع الدعوى يف املواد اإلدارية هو أربعة أشهر‪ ،‬سواء كانت مرفوعة أمام جملس الدولة أو احملاكم اإلدارية طبقا للمادة ‪ 821‬من قانون اإلجراءات‬
‫املدنية و اإلدارية رقم ‪ 31 / 38‬املؤرخ يف ‪ 26‬فرباير ‪.2338‬‬
‫عن الثاني مسؤولية مرفقية(‪ .)1‬واذا كان الخطأ الشخصي قد وردت في تحديده العديد من المعايير الفقهية‬
‫والقضائية(‪ ، )2‬فإن هذا األخير يشترك مع مضمون القرار المنعدم في أن خروج هذا األخير عن قواعد‬
‫المشروعية خروجا فاحشا وجسيما يشكل بذاته مكونات الخطأ الجسيم(‪ ،)3‬وبالتالي تترتب المسؤولية الشخصية‬
‫على القرار المنعدم‪ .‬وهذا ما ثبت من خالل إحدى ق اررات محكمة النقض الفرنسية الشهيرة‪ ،‬وهو حكم ‪Ladié‬‬
‫المؤرخ في ‪ 8‬فيفري ‪.)4(1829‬‬
‫وتتمثل النتيجة األخيرة المترتبة على إنعدام القرار المشوب بعيب إغتصاب السلطة أو عدم‬
‫اإلختصاص الجسيم‪ ،‬في كون القاضي إذا ما ثبت له أن عمل اإلدارة يشكل خروجا عن قواعد المشروعية‪،‬‬
‫يعتبر منعدما وال يستحق الحماية القانونية‪ .‬وبالتالي فإن للقاضي سلطة توجيه أوامر لإلدارة(‪)5‬للكف عن كل‬
‫ما من شأنه أن يضع العمل المتخذ حيز التنفيذ‪ ،‬بينما يحرم القاضي من هذه السلطة؛ أي سلطة األمر‪ ،‬في‬
‫حالة الخطأ البسيط(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬لقد كانت أول تفرقة بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي من طرف القضاء يف عام ‪ ،1820‬بعدما تقرر مبدأ مسؤولية اإلدارة العامة يف فرنسا يف حكم‬
‫"بيلييت"‪ .‬راجع يف ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية املسؤولية اإلدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1119 ،‬ص ‪ ، 120‬و كذلك‪:‬‬
‫‪ -‬فارة مساح‪ ،‬املسؤولية االدارية عن اخلطأ املرفقي‪،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬قاملة‪ ، 2339 ،‬ص ‪ 2‬و مابعدها‪.‬‬
‫‪ -2‬لقد تطرق هلذه املعايري العديد من املؤلفات نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،1119 ،‬ص ‪ 132‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬لعشب حمفوظ‪ ،‬املسؤولية يف القانون اإلداري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1119‬ص ‪ 92‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬رشيد خلويف‪ ،‬قانون املسؤولية اإلدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1119 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوجيز يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم‪ ،2332 ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ -‬حسني فرجيه‪ ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد اخلامس‪ 2339 ،‬ص ‪ 02‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -3‬حبيث يعد معيار اخلطأ اجلسيم الذي جاء به األستاذ "جاز" معيارا فقهيا للتفرقة بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي‪ .‬انظر يف ذلك‪ - :‬فارة مساح‪،‬‬
‫املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ -4‬بودريوة عبد الكرمي‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -5‬ملزيد من التفاصيل حول موضوع حظر توجيه أوامر لإلدارة‪ ،‬أنظر‪ :‬حسينة شرون و عبد احلليم بن مشري‪ ،‬سلطة القاضي اإلداري يف توجيه أوامر لإلدارة‬
‫بني احلظر واإلباحة‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬بسكرة‪ ،2336 ،‬ص ‪ 228‬وما بعدها‪ .‬وبن صاولة شفيقة‪ ،‬إشكالية تنفيذ اإلدارة للقرارات‬
‫القضائية اإلدارية ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص ‪ 229‬وما بعدها‪ .‬وعصام جناح‪ ،‬تنفيذ القرارات القضائية اإلدارية حجة على مقاس اإلدارة؟‪،‬‬
‫امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪ .2311،‬وفاضل إهلام‪ ،‬سلطات قاضي اإللغاء لضمان تنفيذ‬
‫أحكامه يف التشريعني الفرنسي واجلزائري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪ .2311،‬وفاضل إهلام‪،‬‬
‫تنفيذ قرارات اإللغاء القضائية ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،‬كلية احلقوق‪.2336 ،‬‬
‫‪ -6‬لكن القاضي اإلداري اجلزائري قد أصبح يتمتع بسلطة توجيه أوامر لإلدارة العامة‪ ،‬سواء تعلق األمر خبطأ بسيط أو جسيم‪ .‬وذلك مبوجب املواد ‪128‬‬
‫‪ 121‬و ‪ 182‬من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم االختصاص البسيط‬
‫يعتبر عدم اإلختصاص البسيط الشكل األكثر شيوعا لعيب عدم اإلختصاص‪ ،‬وهو يقع داخل السلطة‬
‫إدارتها وهيئاتها و موظفيها(‪ ،)1‬و يأخذ الصور الرئيسية اآلتية‪:‬‬
‫التنفيذية نفسها بين ا‬
‫أ‪-‬عدم االختصاص الموضوعي‬
‫يتحقق هذا العيب في حالة صدور القرار اإلداري ممن ال يملك أحقية إصداره في مسألة معينة تدخل‬
‫ضمن إختصاص هيئة أو عضو آخر(‪ ،)2‬و من صوره‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -‬إعتداء هيئة إدارية على إختصاص هيئة موازية لها‬
‫على الرغم من محاولة النصوص توزيع اإلختصاصات بين مختلف الموظفين والهيئات اإلدارية‪ ،‬إال‬
‫أن ترابط العالقات االدارية وتشابكها داخل اإلدارة العامة‪ ،‬قد يؤدي إلى تدخل واعتداء هيئة إدارية على‬
‫إختصاص هيئة موازية لها‪ .‬ولعل أبرز مثال على ذلك‪ ،‬تدخل وزير معين في صالحيات وزير آخر‪ ،‬كأن‬
‫يصدر وزير التربية ق ار ار يعود أساسا لوزير التكوين المهني أو وزير التعليم العالي والبحث العلمي(‪.)4‬‬
‫‪ -‬إعتداء هيئة مركزية على إختصاص هيئة المركزية‬
‫إذا كانت الهيئات الالمركزية تتمتع باإلستقاللية القانونية لممارسة إختصاصاتها طبقا للقانون‪ ،‬واذا‬
‫كانت هذه األخيرة تخضع لنوع من الرقابة في إطار ما يعرف بالوصاية اإلدارية من طرف اإلدارة المركزية‪،‬‬
‫إال أن ذلك ال يعني أن تتدخل هذه األخيرة و تعتدي على إختصاصات الهيئات الالمركزية المرفقية منها‬
‫والمحلية‪ .‬كأن تتدخل و ازرة الداخلية مثال لممارسة اإلختصاصات الموكلة للبلدية وفقا للقانون‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ -‬إعتداء الرئيس على إختصاص المرؤوس‬
‫إذا كان للرئيس سلطة واسعة على أعمال مرؤوسه توجيها وتصديقا وتعديال وسحبا والغاءا(‪ ،)6‬إال أن‬
‫لتلك السلطة حدودا يشكل تجاوزها إعتداءا على إختصاصات المرؤوس إال في حالة الحلول(‪.)7‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬إعتداء المرؤوس على إختصاص الرئيس‬

‫‪ -1‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬دار العلوم للنشر التوزيع‪ ،2331،‬ص ‪.180‬‬
‫‪-2‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية القرار اإلداري بني علم اإلدارة و القانون‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -3‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ ‪،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -5‬أمحد حميو‪ ،‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2338 ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪ -6‬انظر‪ :‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬عنابة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2339 ،‬ص ‪ 91‬و ما بعدها‪ .‬وأمحيد هنية‪ ،‬عيوب القرار اإلداري‪ ،‬جملة املنتدى‬
‫القانوين‪ ،‬العدد اخلامس‪ ،‬جامعة حممد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2338،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -7‬يقصد باحللول يف اجملال اإلداري أن يغيب صاحب االختصاص األصيل وأن يعرتضه مانع سواء كان ماديا كاالستقالة أو اإلمتناع عن العمل‪ ،‬وسواء كان‬
‫غري إرادي كاملرض و املوت‪ .‬وعندئذ حيل من يعين ه املشرع حمل األصيل‪ ،‬وتكون سلطات و اختصاصات من سيمارس احللول ذاهتا سلطات األصيل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫عمار بوضياف‪ ،‬دعوى االلغاء‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫هي الحالة المعاكسة للحالة السابقة‪ ،‬كأن يصدر مدير إلحدى المصالح والمديريات الموجودة بالواليات‬
‫(‪)2‬‬
‫(مدير الفالحة) ق ار ار يدخل في صالحيات وزير الفالحة‪ ،‬إال في حالة التفويض‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم االختصاص المكاني‬
‫إذا كانت بعض الهيئات والسلطات االدارية تمارس إختصاصها عبر إقليم الدولة مثل رئيس الجمهورية‬
‫و الوزير األول‪ ،‬فإن هيئات أخرى يقيد القانون نطاق إختصاصها االقليمي(‪ ،)3‬مثل الوالي و رئيس المجلس‬
‫الشعبي البلدي‪ ،‬حيث يترتب على تجاوزها لذلك النطاق بطالن ق ارراتها ألنها مشوبة بعدم اإلختصاص‬
‫المكاني‪ ،‬كأن يصدر رئيس بلدية ق ار ار يمتد أثره إلى بلدية أو بلديات أخرى(‪.)4‬‬
‫وتعتبر هذه الصورة من عدم اإلختصاص من أقل الصور حدوثا في الحياة العملية؛ حيث يحرص كل‬
‫عضو في العادة على ممارسة نشاطه في الحيز الجغرافي الذي حدده له القانون(‪ ،)5‬لذلك فإن معظم‬
‫التطبيقات القضائية في هذا الصدد تتعلق بأفراد غيروا محل إقاماتهم من مكان إلى آخر بدون علم اإلدارة‪،‬‬
‫ولهذا تصدر الق اررات بشأنهم من السلطة التي يتبعها محل اإلقامة األول‪ ،‬في حين أن اإلختصاص بإصدار‬
‫القرار يكون للسلطة التي يتبعها محل اإلقامة الجديد(‪.)6‬‬
‫ج‪ -‬عدم االختصاص الزمني‬
‫ويقصد به أن يزاول أحد رجال االدارة إختصاصه دون مراعاة للقيود الزمنية الموضوعة لذلك)‪.(7‬‬
‫ويحدث ذلك في حالتين‪ :‬فإما أن يصدر القرار قبل أن يتقلد الموظف مهام منصبه أو بعد إنتهاء المدة الزمنية‬
‫التي حددها القانون إلصداره)‪.(8‬‬
‫)‪(9‬‬
‫ثانيا‪ :‬عيب الشكل واإلجراءات‬
‫ال يكفي أن يلتزم رجل اإلدارة حدود إختصاصه لكي يصبح القرار اإلداري سليما‪ ،‬بل يجب أن يصدر‬
‫هذا القرار وفقا لإلجراءات التي حددها المشرع و في الشكل المرسوم له‪.‬‬

‫‪ -1‬يضيف األستاذ أمحد حميو هلذه احلاالت حالة أخرى وهي على حد قوله ‪ ... " :‬وهي احلالة اليت يعتقد فيها بأن رأيا هليئة إستشارية يقيده‪ ،‬بينما الواقع‬
‫غري ذلك"‪ .‬وقد استند يف ذلك إىل حكم جملس الدولة الفرنسي الصادر يف ‪ 9‬مارس‪ - .1198‬أنظر مؤلفه‪ :‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫جامعة اجلزائر‪ ،2338،‬ص ‪.182‬‬
‫‪ -2‬التفويض قد يكون تفويضا يف االختصاص أو تفويضا يف التوقيع‪ .‬انظريف ذلك‪ :‬أمحد حميو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪ -3‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ .‬ص ‪.138‬‬
‫‪ -5‬أمحد حميو‪ ،‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ -6‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪ -7‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -8‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬الوسيط يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ -9‬هناك من الفقهاء الفرنسيني من يعترب عيب الشكل مستقال عن عيب اإلجراءات‪ ،‬حبيث جيعل للقرار اإلداري ستة عيوب بدال من مخس عيوب‪ .‬ومن‬
‫هؤالء جند األستاذ "روين شايب"‪ ،‬الذي جعل عيب اإلجراءات منفصال عن عيب الشكل‪ ،‬كما جعل عيب السبب مستقال عن عيب خمالفة القانون‪.‬‬
‫" وقواعد الشكل واإلجراءات ليست مجرد روتين أو عقبات‪ ،‬وانما هي في حقيقتها ضمانات لإلدارة‬
‫تمنعها من التسرع وتهديد حقوق األفراد وحرياتهم‪ ،‬وحملها على التروي في ذلك‪ ،‬ووزن المالبسات‬
‫والظروف المحيطة بموضوع القرار تحقيقا للمصلحة العامة‪ ،‬وهو األمر الذي يحقق أيضا ضمانات لألفراد‬
‫ضد إحتماالت تعسف االدارة‪ ،‬وكما يقول الفقيه األ لماني" أهرنج "‪ ،‬فإن الشكليات و اإلجراءات تعد األخت‬
‫)‪(1‬‬
‫التوأم للحرية‪ ،‬وهي العدو اللدود للتحكم واإلستبداد "‪.‬‬
‫فقواعد الشكل واإلجراءات تقوم كحاجز وموازن لسلطات اإلدارة الخطيرة في مجال الق اررات اإلدارية‪،‬‬
‫فإذا كانت اإلدارة تتمتع في هذا الخصوص بحق التنفيذ المباشر والسلطة التقديرية‪ ،‬فإن عليها أن تسلك‬
‫السبيل الذي ترسمه القوانين واللوائح إلصدار تلك الق اررات)‪.(2‬‬
‫وما يالحظ على الشكليات واإلجراءات أنها في الغالب قبلية على إتخاذ القرار)‪ ،(3‬حيث يكون لها‬
‫الفضل في تجنيب اإلدارة التسرع)‪(4‬في استعمال سلطتها التقديرية بما قد يعرض أعمالها الحقا لرقابة‬
‫القضاء)‪.(5‬‬
‫ويمكن تعريف عيب الشكل واإلجراءات بأنه " عدم إحترام القواعد اإلجرائية أو الشكلية المقررة في‬
‫القوانين واللوائح إلصدار الق اررات اإلدارية‪ ،‬سواء كان ذلك بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئيا")‪.(6‬‬
‫جزئيا")‪.(6‬‬
‫ويقصد بإجراءات القرار اإلداري " التراتيب التي تتبعها اإلدارة قبل إتخاذ القرار واصداره نهائيا")‪.(7‬‬
‫)‪(8‬‬
‫‪ ،‬احترام قواعد التبليغ‪ ،‬الكتابة وتحديد تاريخ صدور الق ارر‪.‬‬ ‫وتأخذ اإلجراءات عدة صور منها ‪ :‬االستشارة‬
‫واألصل أن اإلدارة العامة غير ملزمة بتسبيب ق ارراتها‪ ،‬إذ يفترض استنادها قي ذلك إلى سبب أو‬
‫أسباب مشروعة‪ .‬ونظ ار ألهمية وخطورة هذا الشرط‪ ،‬فقد حرص القضاء على رقابة توفره إن كان متطلبا‬
‫قانونا لصحة القرار اإلداري‪ ،‬كما أسس وفقا لسلطته في ابتداع المبادئ العامة القانونية شرط التسبيب‬
‫)‪(9‬‬
‫في العديد من الق اررات اإلدارية التي يتطلب القانون فيها صراحة التصريح بأسباب اتخاذها ومن‬ ‫الوجوبي‬
‫ذلك الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -3‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1118،‬ص ‪.662‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القرارات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -5‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.612‬‬
‫‪ -6‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -7‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون رقم طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ -8‬ياسن قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336 ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -9‬لقد طبق املشرع الفرنسي مبدأ التسبيب الوجويب ألول مرة مبوجب القانون رقم ‪ 582/26‬بتاريخ ‪ 33‬يوليو ‪ 3626‬بشأن تسبيب القرارات اإلدارية‬
‫وحتسني العالقة بني اإلدارة و اجلمهور‪ ،‬لكنه مل يعتمد هذا املبدأ كقاعدة عامة‪ ،‬وإمنا قصره على بعض القرارات اإلدارية فقط‪ .‬و ملزيد من التفاصيل حول هذا‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬إلزامية التسبيب في القرار الضابط في صورة جزاء‬
‫حيث يجد الفرد نفسه مخاطبا بجزاء ال يعلم حجة اإلدارة في توقيعه عليه‪ ،‬فيتطلب التسبيب إلفصاح‬
‫اإلدارة عن دافعها‪ ،‬وحتى يتمكن الفرد من تخير سبل الدفاع عن حريته‪.‬‬
‫وقد صدر عن مجلس الدولة الجزائري قرار في هذا الصدد‪ ،‬في قضية " جمعية منتجي الحليب " ضد‬
‫والي والية مستغانم بتاريخ ‪ 01‬جانفي ‪ .2331‬وتتلخص وقائع القضية في أن هذا األخير أصدر ق ار ار ضبطيا‬
‫بوقف أشغال هذه الجمعية دون سبب معروف‪ .‬ومما جاء في الحكم أنه " على الوالي أن يسبب قراره حتى‬
‫الجزء‪ ،‬وهذا مبدأ عام للقانون ال‬
‫ا‬ ‫يتمكن المعنيون من االطالع المسبق على األسباب المؤدية لتوقيع هذا‬
‫يمكن تجاهله ‪ ...‬وحيث بالفعل وبالرجوع إلى المقرر موضوع اإلستئناف لم يذكر ضمن طياته سبب اتخاذ‬
‫قرار إلغاء مقرره‪ ،‬حتى يتسنى للمستأنف عليه من اإلطالع عليه وأبدى مالحظاته بشأنه‪ ،‬وهو الحق‬
‫المكرس دستوريا وقانونيا باعتباره حقا من حقوق الدفاع)‪ ،(2‬هذا مع العلم أن الوالي قد تأسس على دفوع‬
‫لم ترد بنص القرار الضابط‪ ،‬متعلقة بالنظام العام والسمعة السيئة والخطرة ألعضاء الجمعية"‪.‬‬
‫‪ -‬إلزامية تسبيب القرار لمباشرة القضاء وظيفة الرقابة‬
‫إن هذه الحالة تتعلق حصريا بق اررات الضبط اإلداري‪ ،‬ذلك أن هذه األخيرة تمس بالحريات العامة‬
‫لألفراد‪ ،‬وبالتالي وجب تسببيها حتى يقف القاضي على مشروعية القرار من عدمه‪ .‬وتبعا لذلك قضى مجلس‬
‫الدولة الجزائري باإللغاء بتاريخ ‪ 2330 / 12 / 19‬في الملف رقم ‪ 313160‬في قضية ( خوجة ع ) ضد‬
‫والي معسكر)‪ ،(3‬الذي أصدر ق ار ار يرفض بموجبه تقديم رخصة فتح مقهى للمعني دون بيان األسباب كتابة‪،‬‬
‫وجاء في نص الحكم ‪ " :‬حيث أنه ال يمكن لوالي معسكر التأكيد على أنه غير ملزم بتقديم شرح لتبرير‬
‫قراره‪ ،‬ذلك ألنه إذا كانت االدارة غير ملزمة بتسبب كل قرار من ق ارراتها‪ ،‬فعليها تقديم كافة الشروحات التي‬
‫تسمح للعدالة بممارسة سلطتها في الرقابة في أحسن الظروف "‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن القضاء ال يعتد باألسباب التي تقدمها اإلدارة ولم تنص عليها في القرار كتابة‬
‫بالرغم من حجيتها‪ .‬فقد قدم الوالي في القضية المشار إليها أعاله عدة أسباب‪ ،‬منها تقرير نتيجة إجراء‬
‫التحقيق المطلوب قانونا‪ ،‬والذي مفاده رفض السكان إقامة المقهى بحيهم‪ .‬كما قدم رسالة رئيس المجلس‬
‫الشعبي البلدي الذي التمس فيها العدول عن رخصة فتح المقهى‪ .‬عالوة على إرسالين متتاليين من سكان‬
‫الحي يقرران رفضهم إقامة المقهى بالحي‪ .‬وفي هذا الصدد علينا أن نبين بأن القضاء قد رتب البطالن بناءا‬

‫القانون وظروف اصداره و موقف الفقه الفرنسي واملقارن من هذا األخري‪ ،‬أنظر‪ -:‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة‬
‫يف تسبيب القرارات اإلدارية‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬دون مكان النشر‪ ،1115 ،‬ص ‪ 339‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -1‬و هذا طبعا خارج إطار الوظيفة العامة‪.‬‬
‫‪ -2‬مشار إليه يف رسالة دريس ية حسني‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2339،‬ص‬
‫‪.162‬‬
‫‪ -3‬جملس الدولة يف ‪ 2330 / 12 / 19‬قضية ( خوجة ع ) ‪،‬ملف ‪ ، 313160‬فهرس رقم ‪ ، 139‬قرار غري منشور‪.‬‬
‫على الجانب الشكلي‪ ،‬رغم أن الجانب الموضوعي ملح ورغم أن شكلية التسبيب ممكنة التدارك‪ ،‬وال ترق‬
‫ار مدعما بتلك األسباب الواقعية‪ ،‬ألن فكرة النظام العام ببعدي األمن والسكينة تتقدم على التسبيب‪،‬‬
‫لتلغي قر ا‬
‫خاصة وأن اإلدارة قد مكنت القاضي في هذه القضية من األسباب أثناء سير الدعوى)‪.(1‬‬
‫واذا كانت هذه هي صور عيب الشكل و االجراءات‪ ،‬فحري بنا أن نشير إلى أن هذا العيب ال يؤدي‬
‫إلى بطالن القرار اإلداري في جميع الحاالت التي يجعلها المشرع واجبة االتباع‪.‬‬
‫فإذا كان األصل هو بطالن الق اررات اإلدارية التي تصدر خالف اإلجراءات واألشكال المقررة‪ ،‬دون‬
‫حاجة إلى نص يقرر هذا الجزاء‪ .‬وهو ما يعني عدم تمتع اإلدارة بأية سلطة تقديرية في اتباع الشكل أو عدم‬
‫اتباعه‪ .‬إال أن القضاء اإلداري قد ذهب في أحكامه الحديثة إلى أنه يتعين التخفيف من حاالت البطالن‬
‫لعيب الشكل واإلجراءات في القرار اإلداري‪ ،‬وعدم التشدد في الحكم بعدم المشروعية لهذا العيب‪ .‬خاصة إذا‬
‫ثبت له إنعدام تأثير الشكليات واإلجراءات التي لم تتبع على مضمون القرار اإلداري أو على الضمانات‬
‫المقررة لألفراد‪ ،‬حتى ال يكون من شأن إبطال كل قرار معيب شكال عرقلة العمل االداري)‪.(2‬‬
‫ومن هذه الحاالت نذكر ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -‬مخالفة الشكليات المقررة لصالح االدارة‬
‫إذا كانت القاعدة أن الشكليات مقررة لمصلحة األفراد واإلدارة على السواء‪ ،‬فقد ذهب الفقه اإلداري إلى‬
‫أن المشرع قد يقرر بعض اإلجراءات والشكليات لمصلحة اإلدارة وحدها‪ ،‬بحيث يكون لها حرية تقدير مالءمة‬
‫اتباعها أو عدم اتباعها في اصدار ق ارراها اإلداري‪ ،‬دون أن يحق لألفراد التمسك ببطالن القرار اإلداري‬
‫استنادا إلى مخالفتها(‪ ،)3‬وتأسيسها على أن الشكليات المقررة لمصلحة اإلدارة ال يجوز لسواها التمسك‬
‫بإتباعها(‪.)4‬‬
‫‪ -‬مخالفة الشكليات الثانوية غير الجوهرية‬
‫لقد أقام القضاء اإلداري تفرقة بين الشكليات الجوهرية‪ ،‬والتي يلزم على السلطة اإلدارية دوما احترامها‬
‫و اتباعها و رتب على تخلفها بطالن القرار اإلداري‪ .‬وبين الشكليات الثانوية التي ال يترتب على مخالفتها‬
‫بطالن التصرف‪.‬‬

‫‪ -1‬إن معظم احلاالت اليت أبطل فيها القاضي اجلزائري القرار اإلداري لعيب يف الشكل‪ ،‬تأخذ صورة عدم التسبيب‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬قرار الغرفة االدارية‬
‫رقم ‪ 30829‬املؤرخ يف ‪ 13‬مارس ‪ ، 1111‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد ‪ ،1110 ،1‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -4‬وقد قضى جملس الدولة الفرنسي بذلك يف قضية " بونفوازان " يف ‪ .1111 / 13 / 29‬حيث طعن أحد األفراد يف قرار وزير احلربية الذي أمهل فيه‬
‫حتديد خطوط التنظيم يف األماكن العسكرية كإجراء الختاذ ذلك القرار‪ .‬وكان الطاعن يهدف إىل إلغاء القرار الذي مس مصلحته اخلاصة‪ ،‬إال أن القضاء‬
‫رفض الدعوى لعدم جواز متسك األفراد هبذا العيب‪ .‬ألن هذا االجراء قام ملصلحة االدارة يف تنظيم األقاليم والقطاعات‪ ،‬إال أن هذا االستثناء قليل التطبيق‬
‫يف أحكام القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬ألن مصلحة اإلدارة كثريا ما ختتلط باملصلحة العامة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء االداري‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.992‬‬
‫وبهذا فإن اغفال و تجاهل الشكليات الجوهرية‪ ،‬يعيب القرار ويؤدي إلى بطالنه‪ ،‬أما الشكليات‬
‫واإلجراءات الثانوية فال تعيب القرار وال تؤدي إلى إلغائه‪ .‬وبذلك فإذا لم ينل عيب الشكل من جوهر القرار ولم‬
‫يؤثر عليه أو يغير من موضوع القرار في ذاته‪ ،‬كان العيب ثانويا‪ .‬والحكمة من وراء ذلك هو عدم إرهاق‬
‫االدارة بشكليات و إجراءات قد تؤدي إلى تعطيل سير المرافق العامة واإلضرار بالمصلحة العامة(‪.)1‬‬
‫وتعتبر الشكليات جوهرية إذا ما كانت مقررة لحماية مصالح وحقوق األفراد‪ ،‬مثل شكلية النشر والتبليغ‪،‬‬
‫وشكلية تسبيب الق اررات و شكلية الكتابة‪ ،‬كما أن الشكليات تكون جوهرية إذا ما كانت مقررة صراحة في نص‬
‫قانوني يلزم بإتباعها واحترامها عند عملية اتخاذ واصدار الق اررات اإلدارية‪ ،‬وتكون الشكليات جوهرية كذلك إذا‬
‫(‪.)2‬‬
‫أما الشكليات الثانوية‬ ‫ما ساهمت في التكوين الشكلي و المادي لمضمون الق اررات اإلدارية بصورة جوهرية‬
‫فهي تلك األشكال التي لم ينص القانون على ضرورة اإللتزام بها أو مقررة فقط لمصلحة اإلدارة(‪.)3‬‬
‫وعليه فإذا حدد القانون أشكاال أو إجراءات محددة يلزم بإتباعها عند إصدار القرار اإلداري‪ ،‬فإن سلطة‬
‫اإلدارة بصدد هذا الركن تكون مقيدة بضرورة اتباع هذه الشكليات وتلك اإلجراءات التي يحرص المشرع دوما‬
‫على تحديدها على وجه الدقة‪ ،‬دون أن يترك لإلدارة أي حرية في التقدير‪ ،‬و إال تعرض قرارها لإلبطال لعيب‬
‫الشكل واإلجراءات‪ ،‬وذلك ما لم يتحقق بشأنه أحد أسباب التغاظي عن هذا العيب‪ .‬أما إذا تخلى المشرع عن‬
‫تحديد أية إجراءات أو شكليات الصدار القرار اإلداري‪ ،‬فإنه يكون لإلدارة سلطة تقديرية في اتباع واختيار‬
‫شكليات معينة أو عدم اتباعها‪.‬‬

‫‪ -1‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121،‬ص ‪.282‬‬
‫الفرع الثاني‬

‫أوجه المشروعية الداخلية‬

‫تتمث ـ ــل أوج ـ ــه المش ـ ــروعية الداخلي ـ ــة‪ ،‬أو عي ـ ــوب المش ـ ــروعية الداخلي ـ ــة ف ـ ــي عي ـ ــب الس ـ ــبب وعي ـ ــب‬
‫مخالفة القانون وعيب االنحراف بالسلطة‪ .‬وذلك ما سنبينه فيما يلي ذكره‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عيب السبب‬

‫يلعـ ـ ــب السـ ـ ــبب دو ار هامـ ـ ــا بإعتبـ ـ ــاره أحـ ـ ــد أركـ ـ ــان الق ـ ـ ـرار اإلداري‪ ،‬كمـ ـ ــا أن دوره بصـ ـ ــدد الرقابـ ـ ــة‬
‫القض ـ ــائية عل ـ ــى مش ـ ــروعية القـ ـ ـرار يتع ـ ــاظم عل ـ ــى حس ـ ــاب أرك ـ ــان القـ ـ ـرار األخ ـ ــرى‪ ،‬ب ـ ــالرغم م ـ ــن كون ـ ــه‬
‫آخر العناصر التي أخضعها القضاء اإلداري الفرنسي لرقابته‪.‬‬

‫ويع ـ ــرف الس ـ ــبب بأن ـ ــه الحال ـ ــة القانوني ـ ــة أو الواقعي ـ ــة الت ـ ــي تس ـ ــوغ إص ـ ــدار القـ ـ ـرار اإلداري؛ أي أن‬
‫السبب هو الوقائع والظروف المادية والقانونية التي دفعت اإلدارة إلصدار قرارها(‪.)1‬‬

‫قـ ــد يتجـ ــه المشـ ــرع إلـ ــى إل ـ ـزام اإلدارة باتخـ ــاذ تصـ ــرف محـ ــدد بالـ ــذات لمجـ ــرد ت ـ ـوافر شـ ــروط معينـ ــة‬
‫يحـ ـ ــددها القـ ـ ــانون تتمثـ ـ ــل فـ ـ ــي األسـ ـ ــباب التـ ـ ــي يجـ ـ ــب أن تقـ ـ ــيم اإلدارة عليهـ ـ ــا قرارهـ ـ ــا‪ ،‬بحيـ ـ ــث ال يك ـ ـ ـون‬
‫للمخ ـ ــتص ب ـ ــذلك أي ـ ــة س ـ ــلطة تقديري ـ ــة ف ـ ــي ص ـ ــدد تحدي ـ ــد مض ـ ــمون القـ ـ ـ ارر(‪ ،)2‬وان ك ـ ــان ذل ـ ــك األس ـ ــلوب‬
‫نادر الوقوع‪ ،‬وال يمثل إال قد ار ضئيال من نشاط اإلدارة(‪.)3‬‬

‫أم ـ ــا ف ـ ــي حال ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة‪ ،‬فـ ـ ـإن المش ـ ــرع ق ـ ــد ال يح ـ ــدد األس ـ ــباب الت ـ ــي يج ـ ــب أن يس ـ ــتند‬
‫إليهـ ــا الق ـ ـرار اإلداري‪ ،‬أو أن يقـ ــوم بتحديـ ــدها مـ ــع تـ ــرك الحريـ ــة لـ ــإلدارة فـ ــي اختيـ ــار نوعيـ ــة الق ـ ـرار الـ ــذي‬
‫يصـ ــدر بنـ ــاءا عليهـ ــا‪ .‬كمـ ــا هـ ــو الشـ ــأن بالنسـ ــبة لواجـ ــب اإلدارة فـ ــي المحافظـ ــة علـ ــى النظـ ــام العـ ــام عنـ ــد‬
‫حدوث إخالل به(‪.)4‬‬

‫وفـ ـ ــي هـ ـ ــذه الحالـ ـ ــة يتضـ ـ ــاءل دور السـ ـ ــبب فـ ـ ــي مجـ ـ ــال الرقابـ ـ ــة علـ ـ ــى مشـ ـ ــروعية الق ـ ـ ـرار دون أن‬
‫يكـ ـ ــون لـ ـ ــذلك أثـ ـ ــر فـ ـ ــي وجـ ـ ــود السـ ـ ــبب كأحـ ـ ــد أركـ ـ ــان الق ـ ـ ـرار اإلداري‪ ،‬فـ ـ ــإذا كانـ ـ ــت السـ ـ ــلطة التقديريـ ـ ــة‬
‫الواس ــعة الت ــي تتمت ــع به ــا اإلدارة ف ــي ه ــذه الحال ــة ت ــؤدي إل ــى تع ــذر الرقاب ــة عل ــى مش ــروعية القـ ـرار‪ ،‬إال‬
‫أن ذلـ ــك ال يعنـ ــي إنعـ ــدام أسـ ــباب الق ـ ـرار فلكـ ــل ق ـ ـرار إداري سـ ــببه‪ ،‬س ـ ـواء كشـ ــفت جهـ ــة اإلدارة عـ ــن هـ ــذا‬

‫‪ -1‬يالحظ أن األستاذ " أمحد حميو" مل يقدم تعريفا لعيب السبب‪ ،‬لكونه ال يعرتف به كعيب مستقل وجعله جزءا من عيب خمالفة القانون‪ .‬وكذا احلال‬
‫بالنسبة لألستاذ الطماوي‪ .‬أنظر مؤلفه‪ - :‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪ - 2‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 3‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ - 4‬مزياين فريدة‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري يف رقابة سبب القرار اإلداري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬جامعة‬
‫قاملة‪،2311 ،‬ص ‪.2‬‬
‫السـ ـ ــبب أو لـ ـ ــم تكشـ ـ ــف عنـ ـ ــه‪ .‬فـ ـ ــإذا كشـ ـ ــفت اإلدارة باختيارهـ ـ ــا عـ ـ ــن السـ ـ ــبب الـ ـ ــذي اسـ ـ ــتندت إليـ ـ ــه ف ـ ـ ـإن‬
‫الرقابـ ــة عليـ ــه تعـ ــود م ـ ـرة أخـ ــرى للظهـ ــور‪ ،‬ويحـ ــق للقاضـ ــي التحقـ ــق مـ ــن وجـ ــود هـ ــذا السـ ــبب‪ ،‬ممـ ــا يثبـ ــت‬
‫انتف ـ ـاء حالـ ــة انعـ ــدام األسـ ــباب‪ .‬وهـ ــو أمـ ــر وان كـ ــان يتصـ ــل بـ ــركن الشـ ــكل فـ ــي الق ـ ـرار اإلداري كمـ ــا بينـ ــا‬
‫(‪)1‬‬
‫سلفا‪ ،‬إال أنه يؤدي إلى تحقق الرقابة على السبب في هذه الق اررات‪.‬‬

‫تتـ ـ ـدرج وظيف ـ ــة القاض ـ ــي وه ـ ــو ي ـ ــتفحص م ـ ــدى ت ـ ــوفر رك ـ ــن الس ـ ــبب ومش ـ ــروعيته‪ ،‬بداي ـ ــة م ـ ــن التثب ـ ــت‬
‫مـ ــن حقيقـ ــة وجـ ــود الوقـ ــائع التـ ــي بنـ ــت عليهـ ــا اإلدارة قرارهـ ــا‪ .‬لينظـ ــر بعـ ــد ذلـ ــك مـ ــدى انسـ ــجام تلـ ــك الوقـ ــائع‬
‫والـ ــنظم القانونيـ ــة التـ ــي تحججـ ــت بهـ ــا اإلدارة فـ ــي تقييـ ــد الحريـ ــة؛ أي مـ ــدى تبريرهـ ــا القـ ــانوني‪ .‬و أخي ـ ـ ار يتأكـ ــد‬
‫القاضــ ــي مــ ــن مـ ـ ــدى خطــ ــورة تلــ ــك الوقـ ـ ــائع كســ ــبب دافــ ــع بـ ـ ــاإلدارة إلص ـ ــدار الق ـ ـ ـرار القـ ـ ــائم علــ ــى سـ ـ ــلطتها‬
‫التقديرية خاصة ومدى توسع اإلدارة في استخدام تلك السلطة(‪.)2‬‬

‫وق ــد كـ ــان ل ــتمكن القضـ ــاء اإلداري م ــن رقابـــة مـــدى تـ ـوافر األس ــباب فضـ ـال ع ــن نظ ــر مـ ــدى مالءمـــة‬
‫الق ـ ـ اررات أو اإلج ـ ـراءات اإلداريـ ــة‪ ،‬الضـ ــابط فـ ــي الموازنـ ــة بـ ــين احت ـ ـرام الحريـ ــة واق ـ ـرار النظـ ــام العـ ــام‪ ،‬عظـ ــيم‬
‫ال ـ ــدور ف ـ ــي انتق ـ ــاء مكان ـ ــة أفض ـ ــل للقض ـ ــاء اإلداري ف ـ ــي حماي ـ ــة الحري ـ ــة م ـ ــن س ـ ــلطة اإلدارة التقديري ـ ــة فــ ــي‬
‫نظر اإلدارة و الفرد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عيب مخالفة القانون‬


‫عيب مخالفة القانون هو العيب الذي يشوب ركن المحل في القرار االداري لمخالفته القواعد القانونية‬
‫الموضوعية‪ ،‬إذ يشترط لصحة القرار اإلداري أن يكون محله؛ أي مضمون األثر القانوني الذي أحدثه القرار‬
‫جائ از قانونا أي مشروعا‪ .‬ويعني هذا الشرط أن يكون األثر القانوني الذي يحدثه القرار اإلداري متفقا مع‬
‫القواعد القانونية‪ .‬فإذا كان هذا األثر مخالفا للقاعدة القانونية‪ ،‬كان القرار معيبا في محله وجدي ار باإللغاء(‪.)3‬‬
‫أما الشرط الثاني‪ ،‬فيقتضي أن يكون محل القرار ممكنا من الناحية الواقعية والقانونية‪ ،‬فإذا استحال هذا‬
‫المحل قانونا أو واقعا‪ ،‬فإن القرار اإلداري يصبح ق ار ار منعدما(‪.)4‬‬
‫ولقد بينا سابقا أن ركن المحل هو الموضع األصيل لممارسة السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إذ تملك هذه‬
‫األخيرة حرية التصرف بأن تتدخل أو تمتنع عن التدخل‪ ،‬كما تملك حرية اختيار وقت التدخل‪ ،‬والذي يعتبر‬

‫‪ - 1‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.011‬‬


‫‪ - 2‬سنتطرق ألوجه الرقابة القضائية على عيب السبب يف ظل السلطة التقديرية يف املطلب الثاين‪ ،‬بإعتبار هذه األخرية (أي حاالت عيب السبب ) تشكل‬
‫يف حد ذاهتا أساليب الرقابة التقليدية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ .‬ألهنا كما سنرى‪ ،‬تتمثل يف فحص الوجود املادي للوقائع‪ ،‬رقابة تكييفها القانوين‪،‬‬
‫وتناسبها‪.‬‬
‫‪ -3‬ياسني قوتال‪ ،‬الرقابة القضائية على القرارات التأديبية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،2336،‬ص ‪129‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫من أبرز عناصر السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى حرية اإلدارة في إختيار فحوى وموضوع‬
‫القرار(‪.)1‬‬
‫ويشمل عيب مخالفة القانون في الحقيقة جميع العيوب التي تصيب القرار اإلداري وتجعله باطال‪ ،‬ألن‬
‫مخالفة اإلختصاص المحدد بالقانون أو مخالفة الشكليات واإلجراءات المقررة‪ ،‬أو إساءة إستعمال السلطة أو‬
‫(‪)2‬‬
‫إنعدام األسباب القانونية أو الخطأ في التكييف القانوني للوقائع‪ ،‬يعتبر في جميع األحوال مخالفة للقانون‪.‬‬
‫غير أن الفقه والقضاء اإلداريين درجا على استخدام إصطالح مخالفة القانون بمعنى أضيق من‬
‫المعنى السابق‪ ،‬بحيث ينحصر في العيب المتعلق بمحل القرار فقط‪ ،‬ولعله السبب الذي جعل بعض الفقهاء‬
‫الفرنسيين يدرسون هذا العيب تحت اسم " مخالفة القاعدة القانونية "(‪.)3‬‬
‫وال نقصد بالقانون الذي يتعين عدم مخلفته في القرار اإلداري مجرد التشريع‪ ،‬بل تلك القواعد القانونية‬
‫السائدة في الدولة أيا كان مصدرها(‪ ،)4‬سواء كانت تشريعا أو عرفا أو مستمدة من المبادئ العامة للقانون(‪.)5‬‬
‫لذلك يتعين على اإلدارة وهي تباشر سلطتها التقديرية‪ ،‬أال تضمن ق ارراتها قواعدا مخالفة ألحكام القانون‬
‫بالمعنى الواسع‪ .‬كما ينبغي على اإلدارة احترام المبادئ القانونية العامة‪ ،‬إذا ما تعلقت هذه المبادئ خاصة‬
‫بالحريات العامة باإلضافة إلى المبادئ األخرى‪ ،‬مثل مبدأ المساواة و احترام حجية الشيء المقضي به (‪.)6‬‬
‫وقد ينصرف مدلول كلمة مخالفة القانون ليشمل أي مخالفة للقاعدة القانونية بالمعنى الواسع‪ ،‬لذلك فإنه‬
‫يدخل ضمن مخالفة النصوص القانونية و اللوائح‪ ،‬زيادة على الخطأ في القانون وفي تفسيره‪ ،‬و هو ما يطلق‬
‫عليه الفقه " الخطأ القانوني"(‪ ،)7‬و سنتناول هذه الصور فيما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المخالفة المباشرة لقواعد القانون‬
‫تحدث المخالفة المباشرة لنصوص القوانين واللوائح‪ ،‬عندما تمتنع االدارة عن تطبيق القانون أو تتجاهله كليا‬
‫أو جزئيا‪ .‬سواء كان هذا االمتناع عن عمد أو عن جهل بصدور القانون‪ .‬ويحدث ذلك في صورة إمتناع عن‬

‫‪ -1‬ملزيد من التفاصيل حول سلطة اإلدارة التقديرية يف ركن احملل‪ ،‬أنظر‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة‬
‫عاطف‪ ،1129،‬ص ‪.201-221‬‬
‫‪ -2‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،1192 ،‬ص‪.962‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.962‬‬
‫‪ -4‬ال يثري األمر صعوبة فيما يتعلق مبخالفة الق رار اإلداري للدستور يف اجلزائر‪ ،‬ما دام قد تقرر عندنا حق القضاء يف الرقابة على دستورية القوانني‪ .‬أما‬
‫حيث ال يباشر القاضي هذه الرقابة‪ ،‬كما هو احلال يف فرنسا‪ ،‬فيتقيد حقه يف مراقبة دستورية القرار اإلداري‪ ،‬بأال يتضمن التعرض لدستورية قانون من‬
‫القوانني‪ ،‬فيسلم القرار اإلداري من اإللغاء إذا كان عيبه استناده إىل قانون غري دستوري أو مطعون يف دستوريته‪.‬‬
‫‪ -5‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121،‬ص ‪ .289‬وعمار عوابدي‪ ،‬نظرية القرارات‬
‫اإلدارية بني علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -6‬درسية حسني‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2339،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -7‬ياسني فوتال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪122‬‬
‫عمل يحتمه القانون أو إتيان عمل يحظره القانون؛ أي أن مخالفة النصوص القانونية قد تكون إيجابية أو‬
‫(‪)1‬‬
‫ونتناولها كما يأتي ‪:‬‬ ‫سلبية‪.‬‬
‫‪ -‬المخالفة االيجابية للقاعدة القانونية‬
‫تحدث هذه المخالفة في حالة خروج اإلدارة بطريقة عمدية عن حكم القاعدة القانونية األعلى من القرار‬
‫اإلداري‪ ،‬وهذا النوع من المخالفات يكون واضحا في الواقع العملي‪ ،‬مثل حالة قيام اإلدارة بالتنفيذ المباشر في‬
‫حالة لم ينص عليها القانون(‪ .)2‬ويستوي أن تتم هذه المخالفة المباشرة لقاعدة قانونية مكتوبة‪ ،‬كمخالفة نص‬
‫دستوري أو النحي‪ ،‬أو تحدث هذه المخالفة لقاعدة غير مكتوبة‪ ،‬كمخالفة قاعدة عرفية أو مبدأ من المبادئ‬
‫العامة للقانون(‪.)3‬‬
‫وفي هذه الحالة ال تتمتع االدارة بأية سلطة تقديرية‪ ،‬فسلطتها مقيدة سلفا بنصوص القانون‪ ،‬ومن هنا‬
‫ثار‬
‫يعتبر قرارها مشوبا بعيب مخالفة القانون إذا خالفت هذه القاعدة على نحو يخالف القانون‪ ،‬بأن أنتجت آ ا‬
‫قانونية معينة(‪ .)4‬ومن األمثلة على ذلك‪ :‬زيادة اإلدارة لشروط جديدة غير تلك الواردة في القانون من منطلق‬
‫سلطتها في اصدار اللوائح التنفيذية للقانون‪ ،‬وتمتعها بسلطة تقديرية كلما امتنع المشرع عن تقييدها بشروط‬
‫محددة(‪.)5‬‬
‫وتعتبر حالة المخالفة اإليجابية للقاعدة القانونية من أبسط الحاالت إثباتا‪ ،‬إذ ما على طالب اإللغاء إال‬
‫أن يثبت قيام القاعدة القانونية التي يستند إليها‪ ،‬و أن اإلدارة قد تجاهلت هذه القاعدة كليا أو جزئيا‪.‬‬
‫وغالبا ما يثور النزاع في حالة المخالفة المباشرة اإليجابية حول وجود القاعدة القانونية‪ ،‬كمنازعة اإلدارة‬
‫في وجود عرف قانوني يتمسك به أحد األفراد‪ ،‬أو اإللغاء الجزئي أو الكلي للقاعدة القانونية(‪ .)6‬ذلك أن القرار‬
‫القرار اإلداري تحكم مشروعيته القواعد القانونية النافذة وقت صدوره‪ ،‬مع مراعاة التدرح في تلك القواعد‬
‫وخضوع القاعدة األدنى للقاعدة األعلى‪ ،‬شرط أن تكون تلك القواعد نافذة في حق األفراد(‪.)7‬‬
‫والغالب هو أ ن تحدث المخالفة المباشرة نتيجة عدم التأكد من وجود القاعدة القانونية‪ ،‬إما بسبب توالي‬
‫التشريعات و النصوص القانونية(‪ ،)8‬مما يدفع إلى البحث عما يظل نافذا من هذه النصوص وما يعتبر الغيا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gustave Peiser, contentieux administratif, Dalloz, 11 eme édition, 1999, p 183.‬‬

‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121،‬ص ‪.286‬‬
‫‪ -4‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.226‬‬
‫‪ -5‬درسية حسني‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪ -6‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ -7‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء االداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪ -8‬فالتطور السريع للقانون اإلداري‪ ،‬جيعل مهمة القاضي صعبة وهو يتعقب التشريعات والتنظيمات اليت تنظم املوضوع حمل النزاع‪ .‬ويف ذلك يقول األستاذ‬
‫" أمحد حميو"‪ " :‬مبجرد االطالع على اجلريدة الرمسي ة فإهنا تبدو يف الوقت احلاضر كأهنا جريدة للقانون اإلداري‪ ،‬حبكم كثرة النصوص اخلاصة باملواد اإلدارية"‪.‬‬
‫أنظر مؤلفه‪ - :‬حماضرات يف املؤسسات اإلدارية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1186 ،‬ص ‪.9‬‬
‫الغيا منها بصدور تشريع جديد‪ ،‬و إما بسبب الطبيعة غير المكتوبة للقواعد القانونية التي ترجع إلى المبادئ‬
‫(‪)1‬‬
‫العامة للقانون أو العرف‪ ،‬و خاصة إذا وقع نزاع حول وجودها و إعتراف القضاء بها‪.‬‬
‫ومن القضايا التي ألغى فيها القاضي اإلداري الجزائري القرار االداري إلرتكاب مخالفة مباشرة إيجابية‬
‫ار لمجلس الدولة في ‪ 2‬مايو ‪ ( 2331‬قضية قيتي موسى ضد بوروبة و والي والية‬
‫للقانون‪ ،‬نجد قر ا‬
‫الجزائر)(‪ ،)2‬قضى بإبطال قرار بلدية بوروبة المؤرخ في ‪ 1‬مارس ‪ ،1111‬المتضمن إلغاء رخصة البناء‬
‫الممنوحة للسيد قيتي موسى‪ ،‬و الزام البلدية بمنحه تعويضا قدره مائتي ألف دينار‪ ،‬لكون القرار اإلداري‬
‫مخالف للقانون‪ ،‬و مما جاء في منطوق القرار ‪ " :‬حيث أن إلغاء رخصة البناء بالطريقة التي لجأت إليها‬
‫البلدية مخالفة للقانون و تعد تجاو از و تعسفا في استعمال سلطتها و أن إلغاءها تعسفيا و سبب ضر ار‬
‫كبي ار للمستأنف ‪ ،‬نتيجة لتوقفه عن البناء لفترة طويلة‪.‬‬
‫حيث أن المستأنف يلتمس منحه تعويضا عن الضرر الذي لحقه و أنه بتوقفه عن البناء لفترة‬
‫طويلة يكون قد تعرض فعال إلى ضرر‪ ،‬مما يتعين اإلستجابة إلى طلبه و إلغاء القرار المستأنف‪ ،‬مع إبطال‬
‫قرار إلغاء رخصة البناء و منح المستأنف تعويضا مناسبا "‪.‬‬
‫‪ -‬المخالفة السلبية للقاعدة القانونية ( إمتناع اإلدارة عن مباشرة سلطتها التقديرية)‬
‫وتتمثل هذه المخالفة في حالة إمتناع اإلدارة عن تطبيق القاعدة القانونية‪ ،‬أو رفض تنفيذ ما فرض‬
‫عليها من إلتزامات‪ ،‬و يحدث ذلك عندما يلزم القانون اإلدارة بالقيام بعمل معين أو إجراء تصرف محدد‪ ،‬فإذا‬
‫اتخذت االدارة موقفا سلبيا إزاء هذا اإللتزام‪ ،‬فإنها تكون قد ارتكبت بذلك مخالفة للقانون تجعل قرارها الصادر‬
‫في هذا الصدد معيبا و قابال لإللغاء(‪.)3‬‬
‫ومن أمثلة المخالفة السلبية للقانون‪ :‬حالة امتناع اإلدارة عن منح رخصة ألحد األفراد رغم استيفائه‬
‫الشروط القانونية لذلك إذا كان القانون يلزمها بمنح الترخيص في هذه الحالة(‪ ،)4‬أو أن ترفض اإلدارة في‬
‫إطار مسابقة للتوظيف على أساس اإلختبارات تعيين الناجح األول في القائمة وتعين غيره‪ ،‬مع أن قانون‬
‫الوظيفة العمومية يوجب عليهما التعيين بترتيب النجاح في المسابقة‪ .‬وعليه فإن الطعن باإللغاء لرفض‬

‫‪ -1‬ال تندرج حتت خمالفة القانون اليت نتحدث عنها خمالفة اإلدارة عقدا من العقود اإلدارية‪ .‬فال تعترب هذه املخالفة خمالفة للقانون باملعىن الذي حنن‬
‫بصدده‪ ،‬مامل تكن املخالفة لنص الئحي يف عقد إداري كعقد االلتزام‪ .‬فهنا تعترب خمالفة للقانون‪ ،‬ولكن ال يقبل من الطرف املتعاقد اإلستناد إليها يف اإللغاء‪.‬‬
‫وإمنا يتم رفعها وفقا لدعوى القضاء الكامل‪ .‬أما غري املتعاقدين فأجبين عن العقد‪ ،‬ومن مث ال حيق له الطعن يف خمالفة اإلدارة هلذا العقد أمام القاضي املختص‬
‫بدعوى القضاء الكامل أو اإلستناد أمامه إىل هذه املخالفة‪ .‬ولكنه يستطيع خمالفة النصوص يف العقد أو األخذ بنظرية القرارات اإلدارية القابلة لإلنفصال يف‬
‫العمليات املركبة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ -:‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬جملس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪، 1192‬‬
‫ص ‪.990‬‬
‫‪ -2‬قرار غري منشور‪ ،‬فهرس ‪ ( 912‬الغرفة الثانية ) ‪.‬‬
‫‪ -3‬عثمان خليل عثمان‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.991‬‬
‫‪ -4‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫السلطات االدارية أو امتناعها عن إتخاذ إجراء معين‪ ،‬كان من الواجب اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح‪ ،‬هو ما‬
‫يسمى بالقرار السلبي‪.‬‬
‫وطبقا لذلك قضت المحكمة العليا في قرارها بتاريخ ‪ 28‬يوليو ‪ ( 1113‬قضية ت ع ضد والي‬
‫(‪)1‬‬
‫بإبطال قرار الوالي السلبي المتمثل في رفض منح تسيلم رخصة البناء بعد مضي أكثر من أربعة‬ ‫البويرة)‬
‫أشهر‪ ،‬لمخالفتها المادة السادسة من األمر رقم ‪ ،31 / 86‬المتضمن تنظيم رخص البناء‪ .‬ومما جاء في‬
‫تسبيب القرار‪ " :‬وحيث أن رسالة الوالي المتضمنة الرفض ألسباب غير ثابتة جاءت بتاريخ ‪/ 0 / 29‬‬
‫تجاوز للسلطة‬
‫ا‬ ‫‪ 1899‬حيث أن عدم اإلجابة أو اإلجابة سلبيا بعد مضي فترة أربعة أشهر القانونية‪ ،‬يعد‬
‫يترب عنه البطالن "‬
‫وعلينا أن ننوه إلى أن مناط وجود القرار السلبي‪ ،‬هو أن تكون اإلدارة ملزمة قانونا بإتخاذ إجراء ما‬
‫ولكنها مع ذلك تمتنع عن اتخاذه‪ .‬أما إذا لم تكن اإلدارة ملزمة قانونا بشيء طبقا للقانون واللوائح‪ ،‬فإن‬
‫سكوتها عن اتخاذ مثل هذا القرار ال يشكل االمتناع المقصود‪ .‬إذ ال يجوز في مجال السلطة التقديرية‬
‫(‪)2‬‬
‫افتراض قيام ق اررات سلبية دون نص صريح‪ " .‬فالمالءمات تنفي فكرة القرار السلبي"‪.‬‬
‫وينتقد هذا الجانب الفقهي‪ ،‬على أساس أنه ال يتفق مع المبادئ العامة في دعوى اإللغاء‪ ،‬وال يتفق مع‬
‫النية الحقيقية للمشرع‪ ،‬فال يمكن أن يكون المشرع قد أراد أن يجعل والية اإللغاء بالنسبة للقرارت الضمنية‬
‫والسلبية مقصورة على المجاالت التي تتصرف فيها اإلدارة بسلطة مقيدة دون المجاالت التي تتصرف فيها‬
‫بسلطة تقديرية‪ .‬فرقابة القضاء اإلداري توجد في الحالة األخيرة أيضا‪ .‬ومهما اتسع مجال السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة‪ ،‬فإن هناك مجاال لرقابة القضاء ينصب على وجود أو عدم وجود عيب اإلنحراف بالسلطة(‪.)3‬‬
‫وفي الحقيقة فإننا نساند اإلتجاه الثاني و نؤيد موقف األستاذ " سامي جمال الدين "(‪)4‬الذي اعتبر‬
‫امتناع االدارة عن إتخاذ القرار اإلداري في المجاالت التي تتمتع فيها بسلطة تقديرية مخالفة سلبية للقانون‪،‬‬
‫فامتناع االدارة عن تعيين أحد األشخاص في وظيفة ما أو اإلمتناع عن اإلفراج عن أحد المعتقلين هو قرار‬
‫إداري مثل أي قرار آخر‪ ،‬أما من حيث مشروعية القرار فقد يكون هذا القرار السلبي غير مشروع بالرغم من‬
‫التزام االدارة بإصداره‪ .‬مثل رفض اصدار ترخيص لمزاولة نشاط معين رغم استيفاء المعني لجميع الشروط‬
‫الواجبة لذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬قسم الوثائق و املستندات‪،1112 ،‬ص ‪.109‬‬


‫‪ -2‬لقد ذهب بعض الفقهاء إىل أن إلغاء القرارات السلبية اليت تتخذها اإلدارة من جانب القاضي إذا ما متتعت بسلطة تقديرية يف اصدار القرار‪ ،‬يكون‬
‫مبثابة صورة من صور احللول الضمين للقاضي حمل اإلدارة‪ .‬ذلك أنه يقيد عمليا سلطة وتقدير اإلدارة ويؤثر حبكمه على تصرف اإلدارة‪ ،‬بأن ميلي عليها ضمنا‬
‫القرار الواجب اإلختاذ‪ .‬انظريف ذلك‪ - :‬حسن السيد بسيوين‪ ،‬دور القضاء يف املنازعة االدارية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،1121،‬ص ‪ 018‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -3‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫تطور في أحكام القضاء اإلداري المقارن‪ ،‬والذي إتجه الى فرض رقابة مشددة‬
‫ا‬ ‫ونلمس في هذا الشأن‬
‫على ق اررات اإلدارة السلبية التي ال خالف حول تمتعها في شأنها بسلطة تقديرية واسعة(‪ .)1‬ذلك أن إعمال‬
‫اإلدارة لسلطتها التقديرية ليس رخصة لها‪ ،‬بل هو إلتزام غايته تحقيق إدارة خبيرة وقادرة على إيجاد الحلول‬
‫المثلى‪ ،‬وعدم تنفيذ هذا اإللتزام يمثل مخالفة سلبية للقانون يستوجب إلغاء القرار المخالف للقانون(‪.)2‬‬
‫ويعبر الفقيه " فينيزيا " عن التجاوز هنا بأنه ترك للسلطة التقديرية‪ ،‬بينما يستعمل " ستاسينوبولوص "‬
‫إصطالح االمتناع عن مباشرة السلطة(‪.)3‬‬
‫و ترك مباشرة السلطة التقديرية قد يكون إراديا أو غير إرادي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الترك اإلرادي‬
‫(‪)4‬‬
‫ونفرق في هذا الفرض بين حالتين‪:‬‬
‫فقد يكون ترك إستعمال السلطة التقديرية بسيطا‪ ،‬دون أن تعلن اإلدارة عن تقييد ذاتي‪ .‬كما لو تركت‬
‫حريتها في الترقية باإلختبار أو مد الخدمة بعد بلوغ سن التقاعد لتوافر القدرة على مباشرة الوظيفة‪ .‬وفي هذه‬
‫الصورة ال رقابة للقضاء على مسلك اإلدارة‪.‬‬
‫أما في الحالة الثانية‪ ،‬فاإلدارة تملك سلطة تقديرية لكنها تقرر أنها ستكون مقيدة بإجراء معين‪.‬‬
‫كإستشارة جهة معينة مثال‪ ،‬فمثل هذا الموقف يعد تنازال منها عن حريتها في التقدير ويترتب عليه وجوب‬
‫احترام الرأي الوارد من جهة اإلستشارة‪ .‬ومن ثم يخضع لرقابة القضاء(‪ .)5‬أما إذا لجأت اإلدارة إلى أخذ الرأي‬
‫دون أن تكون ملزمة‪ ،‬ودون أن تعلن مقدما عن إلتزامها بمضمونه فال تتقيد به‪.‬‬
‫ب‪ -‬الترك غير اإلرادي‬
‫ويتوافر هذا الفرض إذا كان رجل اإلدارة يجهل أو ال يعرف معرفة تامة أن له سلطة تقديرية‪ ،‬ويحدث‬
‫ذلك عندما يظن خطأ أنه مقيد بقواعد قانونية أو الئحية‪ ،‬وهنا أيضا نميز بين حالتين‪:‬‬
‫فإذا امتنع رجل اإلدارة عن مباشرة تقديره بناءا على هذا الظن‪ ،‬فالقرار اإلداري الصادر ال يكون‬
‫نتيجة استعمال سلطة تقديرية‪ ،‬ومن ثم يشوبه البطالن‪ .‬وذات النتيجة تنطبق كذلك لو كان القرار اإلداري‬
‫صحيحا في موضوعه ومطابقا للقانون‪ ،‬ألن اإلدارة قد تعبر عن إرادتها بشكل آخر لو كانت تعلم حريتها في‬
‫التقدير‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.08‬‬


‫‪ -2‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -5‬ويف ذلك تقول احملكمة اإلدارية العليا املصرية أن‪ " :‬لإلدارة يف حدود نسبة اإلختيار أن تضع من القواعد ما تضبط به اختيارها‪ ،‬بشرط أن تلتزم بتطبيقها‬
‫يف احلاالت الفردية‪ ،‬وإال خالفت القانون إذا تنكبت يف التطبيق ما وضعته من قواعد‪ ،‬كل ذلك إذا كان القانون أطلق هلا االختيار ومل تنظمه قواعد معينة يف‬
‫تقدير درجات الكفاية"‪ .‬أنظر يف ذلك‪ -:‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220-222‬‬
‫وفي الحالة العكسية؛ أي إذا ظنت اإلدارة أنها تملك سلطة تقديرية في حين أن هناك قيدا من القانون‪،‬‬
‫فإن العيب هنا ال يشوب السلطة التقديرية‪ .‬ألن القرار غير مشروع لمخالفته للقانون‪ ،‬بوصفه ق ار ار صاد ار عن‬
‫سلطة مقيدة أو اختصاص مقيد(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬الخطأ في تفسير القاعدة القانونية‬
‫إن كانت حاالت المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية سهلة اإلثبات في ميدان الرقابة القضائية‪ ،‬إذ يكفي‬
‫معرفة القاعدة المطبقة وقت اتخاذ القرار‪ ،‬ومن ثم التحقق فيم إذا كان القرار المطعون فيه قد احترم هذه‬
‫القاعدة أم أنه خالفها(‪ .)2‬لكن صورة الخطأ في تفسير القانون أدق و أخطر من الحالة السابقة ألنها خفية‪،‬‬
‫ذلك أن اإلدارة هنا ال تتنكر للقاعدة القانونية‪ ،‬كما في حالة المخالفة المباشرة‪ .‬وانما تعطي القاعدة القانونية‬
‫معنى غير المقصود قانونا‪ .‬ويطلق على هذه المخالفة " الخطأ القانوني"(‪ " ،)3‬و الذي يتجلى في التفسير‬
‫السيء أو التطبيق السيء للقاعدة الحقوقية "(‪.)4‬‬
‫قد يقع هذا الخطأ عن غير قصد من اإلدارة وقد يتم على نحو عمدي من جانبها‪ .‬إذ يتعين البحث في‬
‫حقيقة قصد اإلدارة من وراء هذا التفسير الخاطة‪ .‬ومن أكثر األمثلة شيوعا عن هذه الحالة‪ ،‬صدور ق اررات‬
‫تأديبية مستترة خلف ق اررات إدارية عادية كق اررات النقل الوظيفي التي تتضمن تنزيال في الدرجة‪ ،‬أو قيام‬
‫اإلدارة بإصدار قرار بأثر رجعي معلنة أنه قرار تأسيسي لقرار إداري سابق‪ ،‬وذلك ما يشكل تحايال واضحا‬
‫على قاعدة عدم رجعية الق اررات اإلدارية(‪.)5‬‬
‫من خالل كل ما سبق‪ ،‬نستطيع القول أننا قد برهنا على أن عيب مخالفة القانون هو أحد الحدود‬
‫الداخلية ال تي ترد وتحد من إستعمال اإلدارة لسلطتها التقديرية‪ ،‬بمعنى أنه يقع التزام على عاتق اإلدارة عند‬
‫مباشرتها سلطتها التقديرية بأال تخالف القانون مخالفة إيجابية أو سلبية أو تخطأ في تفسيره‪ ،‬واال شاب قرارها‬
‫عيب مخالفة القانون‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عيب اإل نحراف بالسلطة‬

‫ال تكتمل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إال ببحث عيب اإلنحراف في إستعمال‬
‫السلطة التقديرية‪ .‬إذ لم تعد الرقابة القضائية ألعمال اإلدارة بصورة عامة والسلطة التقديرية بصورة خاصة‪،‬‬
‫تقتصر على فحص المشروعية الخارجية أو الظاهرة للقرار اإلداري من حيث الشكل واإلختصاص‪ ،‬و كذلك‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.229‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.289‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.289‬‬
‫‪ -5‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية ‪-‬وسائل املشروعية‪ ،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ ، 2339،‬ص ‪.199‬‬
‫المشروعية الداخلية من حيث ركن السبب والمحل‪ .‬وانما أصبحت تمتد إلى النوايا والبواعث النفسية لمصدر‬
‫الق ارر(‪.)1‬‬

‫ويدل ذلك على مدى التوسع في رقابة القضاء اإلداري لمشروعية أعمال اإلدارة‪ ،‬وعلى مدى أهمية‬
‫فحص هذا العيب في فرض رقابته على مخالفة روح القانون وغايته ‪-‬كما يسميه بعض الفقه‪ -‬عندما تحتمي‬
‫اإلدارة بمظهر العمل اإلداري الصحيح‪ ،‬مما يعيد ثقة المتقاضين في أحكام القضاء اإلداري(‪.)2‬‬

‫ولتوضيع هذا العيب فإننا سنتناول فيما يأتيي مفهومه‪ ،‬مجاله وصوره‪:‬‬

‫‪ -1‬مفهوم عيب اإلنحراف بالسلطة‬

‫لقد تعددت التعريفات التي أعطاها الفقه لعيب اإلنحراف بالسلطة‪ ،‬و يعتبر الفقيه (أكوك) أول من‬
‫استعمل تعبير "اإلنحراف بالسلطة"‪ ،‬وقد عرفه بأنه‪ " :‬يوجد عيب اإل نحراف بالسلطة حينما يستعمل رجل‬
‫اإلدارة سلطاته التقديرية‪ ،‬مع مراعاة الشكل الذي فرضه القانون‪ ،‬ومع اتخاذ قرار يدخل في اختصاصه‪،‬‬
‫ولكن لتحقيق أغراض وحاالت أخرى غير التي من أجلها منح هذه السلطة "(‪.)3‬‬

‫أما األستاذ " دي لوبادير" فعرفه‪ " :‬نكون بصدد إنحراف بالسلطة عندما تمارس سلطة إدارية ما‬
‫تصرفا يدخل في اختصاصاتها‪ ،‬ولكن بغرض تحقيق هدف غير الذي يمكن القيام بذلك التصرف من أجله‬
‫بصورة مشروعة"(‪.)4‬‬

‫في حين نجد األستاذان "ديباش و ريكي" قد تبنيا التعريف القضائي لعيب اإلنحراف على أنه‪ " :‬نكون‬
‫بصدد إنحراف بالسلطة عندما تستعمل السلطة اإلدارية سلطاتها لتحقيق هدف غير الذي منحت من أجله‬
‫تلك السلطات "(‪ .)5‬وقد تبنى " أحمد محيو" تعريف مجلس الدولة الفرنسي أعاله‪ ،‬بقوله‪ " :‬يكون هناك‬

‫‪ -1‬وهو ما دعا األستاذ "سليمان الطماوي" إىل القول‪ ...":‬فهي ال تتيح للقاضي أن خيضع األغراض اليت تتوخاها اإلدارة لرقابته فحسب‪ ،‬ألهنا تتيح له أن‬
‫ميد هذه الرقابة إىل ما يدور يف نفس رجل اإلدارة من بواعث‪ ،‬وما جييش يف صدره من دوافع وهو يتخذ القرار‪ ،‬وهذا تقدم يف عامل القانون‪ ،‬يدعو إىل‬
‫اإلعجاب"‪.‬أنظر يف ذلك مؤلفه‪ :‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪ ،1128،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬خاصة بالنظر لطبيعة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬الذي ال يزال يتحرز من مقاضاة اإلدارة‪ ،‬ألسباب يف الغالب صورية‪ ،‬خاصة وأن الفرد خصمه اإلدارة اليت يعطي‬
‫هلا اجملتمع تصورا مهيبا باعتبارها متثل السلطة العامة‪ ،‬احلكومة‪...‬إخل مبا يولد الرهبة والعزوف‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول هذا املوضوع‪ ،‬أنظر‪ - :‬ناجي هين‬
‫موسى‪ ،‬طبيعة النظام القضائي اجلزائري ومدى فعاليته يف مراقبة أعمال اإلدارة‪،‬رسالة ماجستري‪،‬جامعة اجلزائر‪1186،‬‬
‫‪ -3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Delaubadère, Yves Gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 16 Emme édition,‬‬

‫‪Libraire général de droit de jurisprudence, Paris,1999,p 538.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪- Charles Debbasch et Ricci, contentieux administratif, Dalloz,1999, p 683.‬‬
‫انحراف بالسلطة عندما تستعمل هيئة إدارية سلطاتها لغرض مغاير لذلك الذي منحت من اجله السلطة"(‪.)1‬‬

‫ومن هذه التعريفات نجد أن عيب االنحراف بالسلطة يقصد به استخدام اإلدارة لسلطاتها من أجل‬
‫تحقيق غاية غير مشروعة‪ ،‬سواء باستهداف غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو بابتغاء هدف مغاير للهدف‬
‫الذي حدده لها القانون‪ .‬فعيب االنحراف بالسلطة – كما ذكرنا – يشكل مظه ار من مظاهر اتساع الرقابة‬
‫القضائية عن أعمال اإلدارة‪ ،‬التي أصبحت تكشف على النوايا والبواعث النفسية التي تدفع اإلدارة إلى مباشرة‬
‫سلطاتها التقديرية خاصة(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬مجال عيب االنحراف بالسلطة‬

‫تشكل السلطة التقريرية المجال األصيل لعيب اإلنحراف بالسلطة؛ إذ حينما يعترف المشرع لإلدارة بقدر‬
‫من الحرية في تقدير مناسبة القرار واختيار وقت التدخل وأهمية بعض الوقائع‪ ،‬فإنه يمكن أن تنحرف اإلدارة‬
‫عن تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬ويكون قرارها حينئذ مشوبا بعيب االنحراف بالسلطة‪ .‬و لذلك اعتبر الفقه أن‬
‫الغاية هي الحد الخارجي للسلطة التقديرية‪.‬‬

‫وفي ذلك يقول األستاذ "محمد مصطفى حسن"‪... :‬أما سبب القول بأن االنحراف هو عيب السلطة‬
‫التقديرية‪ ،‬فهو أن مجلس الدولة الفرنسي عند بحثه مباشرة السلطة التقديرية‪ ،‬يبدأ من غايتها "(‪.)3‬‬

‫وتبعا لذلك يكون هذا اإلتجاه الفقهي قد حصر مجال عيب اإلنحراف بالسلطة في حالة وحيدة وهي‬
‫حالة تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية‪ ،‬لكن هذا الوجه من أوجه اإللغاء‪ -‬أي االنحراف‪ -‬ال يظهر في حالة‬
‫االختصاص المقيد لإلدارة‪ .‬فالعمل اإلداري الصادر بناءا على سلطة مقيدة‪ ،‬ال يمكن أن يكون غير مشروع‬
‫من ناحية عنصر الغاية‪ ،‬ألنه ما دامت اإلدارة ملزمة بإصدار القرار على نحو معين فال يهم باعثها أو‬
‫دافعها وراء إصداره‪ ،‬إذ في هذه الحالة توجد قرينة غير قابلة إلثبات العكس بأن أهداف القرار سليمة‪ ،‬ما‬
‫دامت اإلدارة قد التزمت حدود القانون(‪.)4‬‬

‫في ذلك يقول األستاذان " ديباش و ريكي "‪ " :‬وحتى يكون قرار ما مشوبا بعيب االنحراف بالسلطة‬
‫يجب أن يكون صحيحا في شكله‪ ،‬أي ال يشوبه أي عيب يمكن أن يكشف مشروعيته الخارجية‪ ،‬ويجب‬
‫أيضا أن تكون السلطة التي اتخذت ذلك القرار متمتعة بسلطة تقديرية متفاوتة في قوته‪ ،‬و حتى نكون‬
‫بصدد انحراف‪ ،‬يجب أن يكون اإلختيار لإلدارة ممكننا‪ ،‬فال وجود النحراف في حالة االختصاص المقيد"(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬أمحد حميو (ترمجة فائز أجنق و بيوض خالد)‪ ،‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة ‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2338،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -2‬مسعود شيهوب‪ ،‬املبادئ العامة للمنازعات اإلدارية‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1111 ،‬ص ‪.002‬‬
‫‪ -3‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129،‬ص ‪.282‬‬
‫‪ -4‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.031‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Charles Debbasch et Ricci, opcit, p 683 et suivantes.‬‬
‫غير أن جانبا آخر من الفقه قد ذهب إلى أن السلطة التقديرية هي الموطن األساسي لعيب االنحراف‬
‫وليست الموطن الوحيد لذلك‪ .‬ولئن كانت فرصة اإلنحراف بالسلطة أمام مصدر القرار تزداد في مجال السلطة‬
‫التقديرية‪ ،‬إال أن ذلك ال يمنع من إمكان وجود هذا العيب في مجال االختصاص المقيد‪ ،‬خاصة عندما يؤخر‬
‫رجل اإلدارة إصدار القرار ليضر بمن تعلقت مصلحته بالقرار أو ليوفت عنه مراده(‪.)1‬‬

‫وفي ذلك يقول "محمد مصطفى حسن "‪ ..." :‬ومن السهل التمييز بين االنحراف وعيوب السلطة‬
‫التقديرية ‪....‬إذ كل قرار يتعين أن يحقق مصلحته العامة‪ ،‬واذا كنا بصدد سلطة مقيدة تماما‪ ،‬فال بد أن‬
‫يكون القرار محققا ألهداف الجماعة‪ ،‬ألن اإلدارة ليست آلة صماء"(‪.)2‬‬

‫وعلى الرغم من عدم نفي هذا الرأي لخاصية مالزمة عيب االنحراف للسلطة التقديرية‪ ،‬إال أننا نرى أنه‬
‫ال يمكن تصور عيب اإلنحراف في ظل السلطة المقيدة‪ ،‬حيث يفترض افتراضا غير قابل إلثبات العكس ‪-‬‬
‫كما ذكرنا‪ -‬أن ركن الغاية في القرار سليم ما دام قد صدر تنفيذا للقانون‪ .‬وذلك ما يؤكده الفقيه "والتر" "‪...‬أن‬
‫وجه اإللغاء المستمد من عيب اإل نحراف ال يمكن أن يطلق على األعمال التي نفذت فيها اإلدارة إرادة‬
‫المشرع تنفيذا دقيقا ‪...‬والغرض من العمل اإلداري ال يمكن للقضاء أن يخضعه لرقابته‪ ،‬إال في الحالة التي‬
‫يكون لإلدارة أن تتصرف ببعض الحرية إزاء القاعدة القانونية "(‪.)3‬‬

‫‪ -0‬الطبيعة القانونية لعيب االنحراف بالسلطة‬

‫لقد اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لعيب اإلنحراف بالسلطة‪ :‬فمنهم من يدخل هذا العيب‬
‫في مجال الرقابة على المشروعية‪ ،‬ومنهم من يرى أن هذا العيب يتجاوز فكرة المشروعية‪ ،‬ليندرج في مجال‬
‫أفسح و أعمق‪ ،‬وهو ما يسميه أصحاب هذا االتجاه برقابة الجانب الخلقي ألعمال اإلدارة(‪.)4‬‬

‫وقد ربط "هوريو" بين فكرة األخالق اإلدارية وعيب اإلنحراف بالسلطة‪ ،‬على أساس أن اإلنحراف‬
‫بالسلطة يشكل غشا في بعض األحيان‪ ،‬وتدخل القاضي في البحث عن نية الغش يعني تدخله في األخالق‬
‫اإلدارية(‪ .)5‬ويرى " هوريو" أن مجلس الدولة حين ينظر عيب االنحراف‪ ،‬يقع عليه عبة استلهام روح القانون‬
‫ليواجه روح العمل اإلداري‪" ،‬فهو ال يبحث المشروعية‪ ،‬ولكن القيم األدبية في السلوك الذي تبعته‬
‫اإلدارة"(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬عبد العزيز عبد املنعم خليفة‪ ،‬اإلحنراف بالسلطة كسبب إللغاء القرار اإلداري‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -2‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫‪ -3‬عبد العزيز عبد املنعم خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -5‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫وحسب "هوريو" فإ ن السلطة التقديرية و رقابة المشروعية‪ ،‬على طرفي النقيض‪ ،‬وكل منهما يستبعد‬
‫اآلخر‪ ،‬و لكن الذي يمكن تناوله بالبحث هو أخالقيات اإلدارة في صدد العمل المطروح(‪ .)1‬وتختلف األخالق‬
‫اإلدارية عن المشروعية من حيث أن هذه األخيرة هي مجموعة القواعد العامة الجامدة والثابتة‪ ،‬بينما األخالق‬
‫اإلدارية تتحرك مع القاضي باختالف الحاالت الفردية‪ ،‬وروح القانون هي الحدود التي تفرض على الحقوق‬
‫لمصلحة العدالة‪ ،‬بينما روح األخالق هي الحدود التي تفرض على الواجبات لمصلحة حسن اإلدارة ‪ ،‬والفارق‬
‫كبير بين ما يعتبر "عادال" وبين ما يعتبر "حسنا"(‪.)2‬‬

‫إال أن نظرية "هوريو"عن األخالق اإلدارية‪ ،‬لم تحظ بالقبول لدى معظم فقهاء القانون اإلداري(‪ ،)3‬حيث‬
‫انتقد هؤالء نظرية األخالق اإلدارية‪ ،‬واعتبروا بأن الرقابة على انحراف اإلدارة بسلطتها التقديرية هي رقابة‬
‫مشروعية‪ ،‬ألن رجل اإلدارة عندما يتنكر للغاية التي قصدها المشرع صراحة أو ضمنا‪ ،‬يكون قد خرج عن‬
‫القانون حتى ولو احترم القانون من حيث الظاهر(‪.)4‬‬

‫أما كون االنحراف بالسلطة التقديرية يرتبط بالنوايا الداخلية لمصدر القرار‪ ،‬بحيث ال يظهر أثره في‬
‫الشكل الخارجي للقرارات اإلدارية‪ " ،‬فإن ذلك ال يتعارض مع جعل ذلك االنحراف وجه من أوجه عدم‬
‫المشروعية‪ ،‬ومن أن إلغاء القرار لعيب اإلنحراف بالسلطة‪ ،‬هو نوع من العقاب على عدم المشروعية"(‪.)5‬‬

‫لكن الفقيه "فوديل" له منحى خاص في هذه المسألة‪ ،‬فهو يوفق بين نظرية "هوريو" حول األخالق‬
‫اإلدارية و بين الرأي المتمسك برقابة المشروعية‪ .‬إذ يقول في ذلك "‪....‬ولكن وال يجب استبعاد الفكرة‪ ،‬ألن‬
‫القاضي اإلداري يملك سلطة واسعة في تحديد المشروعية وخلق قواعد القانون‪ ،‬ومن ثم يستطيع تحت‬
‫غطاء روح القانون أو تحت غطاء القواعد القانونية العامة أن يكمل المشروعية بفكرة التوجيهات الخلقية‪،‬‬
‫ومن هنا يمكن القول أن نظرية االنحراف تتناول قواعد خلقية بجانب المشروعية "(‪.)6‬‬

‫لكننا نرى أن التكييف القانوني السليم لعيب االنحراف بالسلطة‪ ،‬هو اعتباره وجها من أوجه الرقابة على‬
‫المشروعية‪ ،‬ذلك أن فكرة األخالق اإلدارية فكرة مرنة ومطاطة وغامضة‪ ،‬وال تصلح دائما كمبرر إللغاء‬
‫الكثير من الق اررات المشوبة بعيب اإلنحراف بالسلطة‪ ،‬وتبعا لذلك فإن األخذ بها سيؤدي إلى إفالت العديد من‬
‫الق اررات غير المشروعة من الرقابة القضائية وتحصنها ضد دعوى اإللغاء‪ ،‬لكونها ال تتنافى وفكرة األخالق‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪ -2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -3‬ومن هؤالء جند "جيز" و "بونار" و "ستاسينوبولوص" وغريهم‪ ،‬و الفقه االداري املصري عامة‪.‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ -5‬عبد العزيز عبد املنعم خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.286‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -4‬صور عيب اإل نحراف بالسلطة‬

‫يأخذ عيب االنحراف إحدى الصورتين‪ :‬فإما أن يستهدف مصدر القرار الخروج عن المصلحة العامة‪،‬‬
‫أو يخالف قاعدة تخصيص األهداف‪.‬‬

‫‪ -‬االنحراف عن المصلحة العامة‬

‫وهذه الحالة أو الصورة خطيرة جدا‪ ،‬ألن االنحراف مقصود فرجل اإلدارة يستغل سلطاته التقديرية‬
‫(‪.)1‬‬
‫إذ أن اإلدارة تقوم بمهامها متمتعة بإمتيازات السلطة العامة‬ ‫لتحقيق أغراض ال تمت بصلة للصالح العام‬
‫بهدف تحقيق المصلحة العامة(‪ ،)2‬واذا لم يكن رائد اإلدارة في فاعليتها ونشاطها اإلداري هدف تحقيق‬
‫المصلحة العامة عرضت تصرفاتها لإللغاء‪ ،‬مشوبة بعيب اإلنحراف بالسلطة‪.‬‬

‫وأوجه اإلنحراف عن المصلحة العامة متعددة‪ ،‬نذكر منها‪ :‬استعمال السلطة لتحقيق نفع شخصي‪،‬‬
‫ومباشرة السلطة التقديرية بغرض اإلنتقام‪ ،‬و استخدام السلطة التقديرية لغرض سياسي أو حزبي‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى القرار الذي يهدف إلى التحايل على تنفيذ األحكام اإلدارية(‪.)3‬‬

‫‪ -‬مخالفة قاعدة تخصيص األهداف‬

‫يجب على عضو اإلدارة أن يسعى إلى تحقيق الهدف الذي حدده النص المخول لالختصاص‪ ،‬و إال‬
‫كان منحرفا بالسلطة‪ ،‬حتى و إن كان يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة(‪ .)4‬ويتجلى تخصيص األهداف‬
‫بوضوح في لوائح الضبط اإلداري‪ ،‬باعتبارها ق اررات تهدف إلى تحقيق هدف معين هو الحفاظ على النظام‬
‫العام في أحد مدلوالته المعروفة‪ :‬األمن العام‪ ،‬الصحة العامة‪ ،‬السكينة العامة‪...‬إلخ(‪.)5‬‬

‫ومن التطبيقات القضائية في الجزائر لعيب اإلنحراف‪ ،‬نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم‬
‫‪ ،1098‬المؤرخ في ‪ 1128/0/19‬في قضية ( خيال ع )(‪ ،)6‬الذي ألغت من خالله ق ار ار صاد ار عن المجلس‬
‫المجلس الشعبي البلدي لعين البنيان‪ ،‬الذي منع بموجبه بيع و استهالك الخمور في المقاهي والمطاعم‬

‫‪ -1‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112،‬ص ‪.990‬‬
‫‪ -2‬ويف هذا السياق جاءت املادة ‪ 9‬من املرسوم رقم‪ ،101/88 :‬الذي ينظم عالقة اإلدارة باملواطن‪ ":‬تسهر اإلدارة دوما على تكييف مهامها وهياكلها‬
‫مع احتياجات املواطنني"‪.‬‬
‫‪ -3‬وإذا سبق وأن ذكرنا بأن عدم إ حرتام اإلدارة لألحكام القضائية احلائزة على قوة الشيء املقضي به‪ ،‬جيعل القرار مشوبا بعيب خمالفة القانون‪ ،‬لكن اإلدارة‬
‫يف هذه احلالة تتحايل على األحكام القضائية‪ ،‬حبيث تتهرب من تنفيذها بطريق غري مباشر‪ .‬ويف هذه احلالة يعترب القرار مشوبا بعيب االحنراف‪ .‬وملزيد من‬
‫التفاصيل حول موضوع تنفيذ أحكام اإللغاء أنظر‪ - :‬فاضل إهلام‪ ،‬تنفيذ قرارات اإللغاء القضائية ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،‬كلية‬
‫احلقوق‪.2336 ،‬‬
‫‪ -4‬حممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -6‬اجمللس األعلى‪ ،‬الغرفة اإلدارية‪ ،‬فهرس رقم ‪ ،98‬قرار غري منشور‪.‬‬
‫والدكاكين‪ ،‬عدى المركب السياحي لمنطقة الجميلة‪ .‬ومما جاء في الحكم "‪...‬حيث أنه كان لرئيس المجلس‬
‫الشعبي البلدي لبلدية عين البنيان أن يستعمل السلطات التي يخولها له القانون البلدي لتنظيم بيع‬
‫الخمور حفاظا على األمن العام‪ ،‬قد اتضح بعد التحقيق أن البواعث التي أدت إلى اتخاذ القرار ترجع إلى‬
‫اعتبارات أخرى‪ ،‬ال سيما أن بيع واستهالك الخمور الممنوعة عن المدعى ال يزال مباحا في مجاالت أخرى‬
‫على مستوى البلدية"‪.‬‬

‫على الرغم من أن القضاء لم يفصح عن نية رئيس البلدية وهدفه الحقيقي‪ ،‬إال أنه ألغى القرار اإلداري‬
‫إلخالله بمبدأ المساواة‪ .‬ثم نجده في قضية مشابهة يرفض الحكم بإلغاء القرار لإلنحراف بالسلطة‪ .‬وذلك في‬
‫قضية (ي ر) ضد رئيس البلدية‪ ،‬الذي أغلق محله التجاري لبيع الخمور لنفس األسباب والغايات‪ .‬ومما جاء‬
‫في الحكم‪ ":‬حول التحايل على السلطة‪ ،‬حيث في هذه الظروف يوجد تجار آخرون‪ ...‬ال يزالون يقدمون‬
‫المشروبات الكحولية ‪...‬فهذه الوقائع ليس لها أهمية ‪ ...‬ألن اإلدارة بقرارها المتخذ ال يعد إهماال منها ‪...‬‬
‫و إنما هو تطهير الحياة اإلجتماعية في المدينة "(‪.)1‬‬

‫يتضح مما سبق أن القضاء اإلداري الجزائري غير مستقر فيما يخص عيب االنحراف بالسلطة‪ ،‬فتارة‬
‫يأخذ به و يلغي الق اررات على أساسه وتارة ينكر وجوده بالقرار‪ .‬رغم أن الفقه ما انفك يسلط عليه الضوء أثناء‬
‫تحليل و نقد أحكام القضاء اإلداري‪ ،‬لكن السبب الغالب في دفع القضاء إلى هذا المنحى‪ ،‬هو اعتبار هذا‬
‫العيب عيبا احتياطيا‪ ،‬يستند إليه في إبطال القرار كآخر وسيلة أو وجه من أوجه اإللغاء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الطعن بالتعويض في الق اررات التقديرية‬
‫إذا كان ـ ــت الرقاب ـ ــة القض ـ ــائية عل ـ ــى الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ل ـ ــإلدارة ف ـ ــي ظ ـ ــل قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء ق ـ ــد تط ـ ــورت‬
‫واتسـ ـ ــعت سـ ـ ــلطات القاضـ ـ ــي اإلداري فـ ـ ــي إطارهـ ـ ــا حتـ ـ ــى شـ ـ ــملت بعـ ـ ــض جوانـ ـ ــب المالءمـ ـ ــة التـ ـ ــي كانـ ـ ــت‬
‫متروكـ ـ ــة لحريـ ـ ــة تقـ ـ ــدير اإلدارة‪ .‬إال أن المالحـ ـ ــظ أن سـ ـ ــلطة اإلدارة التقديريـ ـ ــة تحصـ ـ ــن وتخـ ـ ــرج فـ ـ ــي كثيـ ـ ــر‬
‫مـ ـ ــن األحيـ ـ ــان عـ ـ ــن رقاب ـ ـ ـة قضـ ـ ــاء اإللغـ ـ ــاء‪ ،‬كمـ ـ ــا تمنـ ـ ــع القاضـ ـ ــي مـ ـ ــن التعـ ـ ــرض للجوانـ ـ ــب التقديريـ ـ ــة فـ ـ ــي‬
‫الق ـ ـ اررات اإلداريـ ــة‪ .‬ممـ ــا يـ ــؤدي إلـ ــى إفـ ــالت الكثيـ ــر مـ ــن الق ـ ـ اررات اإلداريـ ــة مـ ــن رقابـ ــة اإللغـ ــاء بحجـ ــة أنهـ ــا‬
‫صادرة إستنادا إلى سلطة اإلدارة التقديرية(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬احملكمة العليا‪ ،‬الغرفة اإلدارية‪ ،1182/11/22 ،‬قضية (ق ع)‪ ،‬ملف رقم ‪ ،29932‬اجمللة القضائية‪ ،‬احملكمة العليا‪ ،‬قسم الوثائق‪ ،‬العدد األول‪،‬‬
‫‪،1181‬ص ‪.280‬‬
‫ٍ‬
‫‪ -2‬تتجلى أمهية دعوى التعويض عندما يكون اللجوء إىل دعوى اإللغاء غري جمد‪ ،‬إما يف حالة عدم جواز رفع دعوى اإللغاء لفوات املواعيد‪ ،‬أو لتحصني‬
‫القرار اإلداري لوجود نص حيظر الطعن فيه باإللغاء‪ ،‬أو ألن تصرف اإلدارة يكون عمالً مادياً ومت تنفيذه بالفعل‪ .‬مثل‪ :‬تنفيذ قرار هدم مبىن‪ .‬ودعوى‬
‫التعويض تكفل للقضاء فرض رقابته على األعمال املادية اليت تقوم هبا جهة اإلدارة‪ ،‬ألن دعوى اإل لغاء يقتصر نطاق الرقابة القضائية فيها على القرارات‬
‫اإلدارية فقط‪ .‬أنظر‪ - :‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333،‬ص ‪.992‬‬
‫لك ـ ــن قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي وتبع ـ ــه ف ـ ــي ذل ـ ــك القض ـ ــاء المقـ ـ ـارن‪ ،‬م ـ ــد نط ـ ــاق رقابت ـ ــه إل ـ ــى‬
‫كيفيـ ــة ممارس ـ ــة السـ ــلطة التقديري ـ ــة فـ ــي مج ـ ــال قضـ ــاء التع ـ ــويض‪ ،‬وبالتـ ــالي أخض ـ ــع عنصـ ــر المالءم ـ ــة ف ـ ــي‬
‫حد ذاته‪ ،‬والذي يمثل صميم السلطة التقديرية لرقابته القضائية‪.‬‬

‫وعليـ ـ ــه تكـ ـ ــون اإلدارة مسـ ـ ــؤولة أثنـ ـ ــاء ممارسـ ـ ــة سـ ـ ــلطتها التقديريـ ـ ــة عـ ـ ــن أعمالهـ ـ ــا الماديـ ـ ــة والقانونيـ ـ ــة‬
‫وم ـ ـ ــا تحدث ـ ـ ــه ه ـ ـ ــذه األعم ـ ـ ــال م ـ ـ ــن أضـ ـ ـ ـرار تج ـ ـ ــاه الغي ـ ـ ــر‪ .‬فيح ـ ـ ــق للش ـ ـ ــخص المتض ـ ـ ــرر أن يطال ـ ـ ــب اإلدارة‬
‫بـ ــالتعويض عمـ ــا أصـ ــابه مـ ــن أض ـ ـرار ج ـ ـراء تعسـ ــفها فـ ــي اسـ ــتعمالها لسـ ــلطتها التقديريـ ــة ‪ .‬ومـ ــن هنـ ــا تظهـ ــر‬
‫م ـ ــدى األهمي ـ ــة القانوني ـ ــة ل ـ ــدعوى التع ـ ــويض بالنس ـ ــبة لخص ـ ــم اإلدارة العام ـ ــة‪ ،‬إذ عل ـ ــى أساس ـ ــها ي ـ ــتم إقـ ـ ـرار‬
‫مسؤولية اإلدارة ومن ثم التعويض للمعني‪.‬‬

‫وقـ ـ ـ ــد تمحـ ـ ـ ــورت د ارسـ ـ ـ ــة دعـ ـ ـ ــوى التعـ ـ ـ ــويض وفقـ ـ ـ ــا للفـ ـ ـ ــروع اآلتيـ ـ ـ ــة‪ :‬الفـ ـ ـ ــرع األول‪ :‬مفهـ ـ ـ ــوم الطعـ ـ ـ ــن‬
‫بالتعويض‪ ،‬الفرع الثاني‪ :‬شروطه‪ ،‬الفرع الثالث‪ :‬أساسه‪.‬‬

‫الفرع األول‬

‫مفهوم الطعن بالتعويض في الق اررات التقديرية‪.‬‬

‫لتحديـ ــد مفهـ ــوم الطعـ ــن‪ ،‬سـ ــنتناول فـ ــي نقطـ ــة أول ـ ـى تعريـ ــف دعـ ــوى التعـ ــويض‪ ،‬ثـ ــم فـ ــي نقطـ ــة ثانيـ ــة‬
‫خصائص هذه الدعوى‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف دعوى التعويض‬

‫تع ــرف دع ــوى التع ــويض عل ــى أنه ــا " الــــدعوى القضــــائية الذاتيــــة التــــي يحركهــــا ويرفعهــــا أصــــحاب‬
‫الصــــفة والمصــــلحة أمــــام الجهــــات القضــــائية المختصــــة وطبقــــا للشــــكليات واإلجــــراءات المقــــررة قانونــــا‪،‬‬
‫للمطالبــــة بــــالتعويض الكامــــل والعــــادل الــــالزم لألضــــرار التــــي أصــــابت حقــــوقهم بفعــــل النشــــاط اإلداري‬
‫الضار"(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص دعوى التعويض‬

‫يمكـ ــن أن نسـ ــتخلص مـ ــن تعريـ ــف دعـ ــوى التعـ ــويض أعـ ــاله جملـ ــة مـ ــن الخصـ ــائص التـ ــي تنفـ ــرد بهـ ــا‬
‫دعوى التعويض‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬

‫‪ -1‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬نظرية الدعوى اإلدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،1118،‬ص ‪.699‬‬
‫‪ -1‬دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض اإلداري هـ ـ ــي دعـ ـ ــوى قضـ ـ ــائية‪ ،‬تتميـ ـ ــز عـ ـ ــن العديـ ـ ــد مـ ـ ــن األعمـ ـ ــال والتص ـ ـ ـرفات‬
‫اإلداري ـ ــة القض ـ ــائية‪ ،‬مث ـ ــل الـ ـ ـتظلم اإلداري المس ـ ــبق بإعتب ـ ــاره طعن ـ ــا إداري ـ ــا يختل ـ ــف ع ـ ــن الطع ـ ــن القض ـ ــائي‬
‫المتمثل في الطعون القضائية المختلفة‪ ،‬مثل دعوى التعويض(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬دعـ ــوى التع ـ ــويض م ـ ــن دع ـ ــاوى القض ـ ــاء الكام ـ ــل؛ بحيـ ــث يك ـ ــون للقاض ـ ــي اإلداري ف ـ ــي شـ ـ ـأن النــ ـزاع‬
‫كامـ ــل السـ ــلطة‪ .‬علـ ــى خـ ــالف قضـ ــاء اإللغـ ــاء‪ ،‬الـ ــذي يق ـ ـف عنـ ــد حـ ــد إلغـ ــاء الق ـ ـرار المطعـ ــون فيـ ــه‪ ،‬دون أن‬
‫ي ـ ــأمر اإلدارة بفع ـ ــل ش ـ ــيء أو االمتن ـ ــاع ع ـ ــن عم ـ ــل ش ـ ــيء‪ ،‬وال ينبغ ـ ــي وص ـ ــف قض ـ ــاء التع ـ ــويض بالقض ـ ــاء‬
‫الكامل ألنه مكمل لقضاء اإللغاء‪ ،‬وانما يعني أن للقضاء سلطة كاملة في النزاع المتعلق به(‪.)2‬‬

‫‪ -0‬دع ـ ــوى التع ـ ــويض دع ـ ــوى ذاتي ـ ــة شخص ـ ــية‪ ،‬فـ ـ ـإذا ك ـ ــان مح ـ ــل دع ـ ــوى اإللغ ـ ــاء ه ـ ــو مخاص ـ ــمة قـ ـ ـرار‬
‫إداري‪ ،‬فـ ـ ـإن مح ـ ــل دع ـ ــوى التع ـ ــويض ه ـ ــو المطالب ـ ــة بح ـ ــق م ـ ــن الحق ـ ــوق الشخص ـ ــية‪ ،‬ف ـ ــي ص ـ ــورة تع ـ ــويض‬
‫نق ـ ــدي(‪ ،)3‬بمعن ـ ــى أن ص ـ ــاحب الشـ ـ ـأن يس ـ ــتمد حق ـ ــه فيه ـ ــا م ـ ــن الق ـ ــانون مباشـ ـ ـرة‪ ،‬أو يس ـ ــتند فيه ـ ــا ال ـ ــى س ـ ــند‬
‫ذات ــي ويطال ــب فيه ــا بـ ـأثر م ــن آث ــار المرك ــز الق ــانوني ال ــذي أنشـ ـأه ذل ــك الس ــند‪ .‬والس ــند ال ــذاتي ه ــو العق ــد أو‬
‫الواقعــ ـ ـ ــة القانونيــ ـ ـ ــة للق ـ ـ ـ ـ ـرار اإلداري أو العمـ ـ ـ ـ ــل المـ ـ ـ ـ ــادي الص ـ ـ ـ ــادر عـ ـ ـ ـ ــن اإلدارة(‪ ،)4‬أو الحكــ ـ ـ ــم القضـ ـ ـ ـ ــائي‬
‫الصادر في منازعة ذاتية(‪.)5‬‬

‫‪ -9‬يتنـ ــاول القض ـ ــاء اإلداري بالنس ـ ــبة ل ـ ــدعوى التع ـ ــويض إل ـ ــى جان ـ ــب بح ـ ــث مش ـ ــروعية القــ ـرار التصـ ـ ـدي‬
‫لجانـ ــب المالءمـ ــة فـ ــي إصـ ــدار الق ـ ـرار‪ ،‬بمعنـ ــى أنـ ــه إذا كـ ــان مـ ــن حـ ــق اإلدارة اختيـ ــار وقـ ــت إصـ ــدار الق ـ ـرار‬
‫مـ ـ ــثال‪ ،‬ف ـ ـ ـإن عليهـ ـ ــا أن تصـ ـ ــدره فـ ـ ــي وقـ ـ ــت معقـ ـ ــول‪ ،‬حتـ ـ ــى ال يضـ ـ ــار صـ ـ ــاحب الش ـ ـ ـأن مـ ـ ــن الت ارخ ـ ـ ـي فـ ـ ــي‬
‫إصداره(‪.)6‬‬

‫‪ -6‬للحكـ ــم الص ـ ـادر فـ ــي دعـ ــوى اإللغـ ــاء حجي ـ ـة مطلقـ ــة‪ ،‬بمعنـ ــى أن ــه يتعـ ــدى طرفـ ــي الـ ــدعوى‪ ،‬فهـــو ينف ـ ـذ‬
‫ف ــي مواجهـ ــة كافـ ــة أط ـ ـراف الـ ــدعوى والغيـ ــر‪ .‬فـ ــي حـــين أن الحكـ ــم الصـ ــادر فـ ــي دع ــوى التعـ ــويض لـــه حجـ ــة‬
‫نس ــبية تقتص ــر علـ ــى أطـ ـراف الن ـ ـزاع وال تتع ــدى الغيـ ــر‪ ،‬غي ــر أن ذل ــك ال يح ــول دون قي ــام هـــذا الغي ــر برفـ ــع‬
‫دعوى تعويض عن األضرار التي تكون قد أصابته هو اآلخر‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.692‬‬


‫‪ -2‬فارة مساح‪ ،‬سلطة القاضي االداري يف تقدير التعويض يف دعاوى املسؤولية اإلدارية‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات‬
‫اإلدارية‪،‬جامعة قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -3‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -4‬يقصد باألعمال املادية‪ " ،‬األعمال اليت حتدث بفعل اإلنسان‪ ،‬وتكون بصفة الإرادية وغري مقصودة أو بفعل الطبيعة‪ .‬وتكون غري متوقعة‪ ،‬وال هتدف‬
‫إىل إحداث آثار قانونية‪ ،‬ولكنها إن حدثت أثرت يف عالقات قانونية قائمة يرتب عليها القانون آثارا"‪ – .‬انظر يف ذلك‪ :‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪،‬‬
‫الوسيط يف شرح القانون املدين اجلديد‪ ،‬اجمللد األول‪ :‬نظرية االلتزام – مصادر االلتزام‪ ،-‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،2336 ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -5‬عبد الرؤوف هاشم بسيوين‪ ،‬املرافعات اإلدارية(إجراءات رفع الدعوى اإلدارية وحتضريها)‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -6‬فارة مساح‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫الفرع الثاني‬

‫شروط رفع الطعن بالتعويض في الق اررات التقديرية‬

‫م ـ ــن أج ـ ــل ض ـ ــمان رف ـ ــع دع ـ ــوى التع ـ ــويض أم ـ ــام الجه ـ ــات القض ـ ــائية ال ب ـ ــد عل ـ ــى ك ـ ــل متض ـ ــرر أو‬
‫رافع للدعوى‪ ،‬أن يلتزم بهذه الشروط‪ ،‬والمتمثلة في‪:‬‬

‫أوال‪ :‬شروط الصفة والمصلحة في دعوى التعويض‬

‫‪ -1‬المصلحة‬

‫يشـ ـ ــترط فـ ـ ــي دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض مصـ ـ ــلحة فـ ـ ــي ارفـ ـ ــع الـ ـ ــدعوى‪ ،‬ألنهـ ـ ــا ذات منفعـ ـ ــة وفائـ ـ ــدة للمـ ـ ــدعي‬
‫تس ـ ــاعده ف ـ ــي عملي ـ ــة اإللتج ـ ــاء إل ـ ــى الجه ـ ــات القض ـ ــائية للمطالب ـ ــة بحقوق ـ ــه والتع ـ ــويض ع ـ ــن األضـ ـ ـرار الت ـ ــي‬
‫أصـ ــابته‪ .‬ويتحقـ ــق شـ ــرط المصـ ــلحة فـ ــي المتقاضـ ــى عنـ ــدما يكـ ــون هنـ ــاك مركـ ــز قـ ــانوني ثابـ ــت وذاتـ ــي إلـ ــى‬
‫جانـ ــب حـ ــق مكتس ـ ـب معلـ ــوم وثابـ ــت فـ ــي إطـ ــار النظـ ــام القـ ــانوني المتبـ ــع فـ ــي الدولـ ــة‪ ،‬علـ ــى أن يكـ ــون هـ ــذا‬
‫الحـ ــق قـ ــد وقـ ــع عليـ ــه اعتـ ــداء مـ ــن قبـ ــل اإلدارة‪ ،‬ويـ ــؤدي إلـ ــى الت ـ ـأثير علـ ــى المركـ ــز القـ ــانوني للموظـ ــف‪ ،‬لـ ــذا‬
‫يشترط القانون في المصلحة أن تكون شخصية ومباشرة وحالة(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬الصفة‬

‫تعنـ ـ ــي الصـ ـ ــفة فـ ـ ــي دعـ ـ ــوى التعـ ـ ــويض أن ترفـ ـ ــع مـ ـ ــن طـ ـ ــرف صـ ـ ــاحب المركـ ـ ــز القـ ـ ــانوني الـ ـ ــذاتي أو‬
‫الح ـ ـ ــق الشخص ـ ـ ــي المكتس ـ ـ ــب‪ ،‬سـ ـ ـ ـواء ك ـ ـ ــان شخص ـ ـ ــيا أو نائب ـ ـ ــه أو وكيل ـ ـ ــه الق ـ ـ ــانوني أو الق ـ ـ ــيم أو الوص ـ ـ ــي‬
‫عليه(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬ميعاد رفع دعوى التعويض‬

‫إن ميع ـ ــاد األربع ـ ــة أش ـ ــهر المنصــ ــوص عليه ـ ــا ف ـ ــي المــ ــادتين ‪ 821‬و ‪ 132‬م ـ ــن ق ـ ــانون اإلج ـ ـ ـراءات‬
‫المدنيـ ـ ـ ــة واإلداريـ ـ ـ ــة المتعلقـ ـ ـ ــة بالطلـ ـ ـ ــب القضـ ـ ـ ــائي إللغـ ـ ـ ــاء الق ـ ـ ـ ـ اررات اإلداريـ ـ ـ ــة‪ ،‬ال يسـ ـ ـ ــري علـ ـ ـ ــى طلبـ ـ ـ ــات‬
‫التع ــويض الت ــي يج ــوز رفعه ــا م ــا دام الح ــق ل ــم يس ــقط ف ــي إقامته ــا طبق ــا للقواع ــد العام ــة‪ ،‬ويع ــود ذل ــك إل ــى‬
‫أن طلـ ـ ـ ــب التعـ ـ ـ ــويض منـ ـ ـ ــوط بوقـ ـ ـ ــوع الضـ ـ ـ ــرر والـ ـ ـ ــذي ال يترتـ ـ ـ ــب حتمـ ـ ـ ــا علـ ـ ـ ــى نشـ ـ ـ ــر الق ـ ـ ـ ـرار االداري أو‬
‫تبليغه(‪ ،)3‬بل أن الضرر يترتب على تنفيذ القرار(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي اجلزائري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.911 -932‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.929 -929‬‬
‫‪ - 3‬فارة مساح‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 4‬وقد كانت الفرصة جمللس الدولة اجلزائري‪ ،‬أن تعرض ملسالة ميعاد رفع دعوى التعويض يف قراره الصادر ب‪ .2336/1/01 :‬وواضح من خالله أنه‬
‫جعل ميعاد الطعن القضائي يف دعوى التعويض قائما بقيام مدة حياة احلق‪ .‬انظر يف ذلك‪ - :‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬املنتقى يف قضاء جملس الدولة‪،‬‬
‫اجلزء األول‪ ،‬دارهومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332،‬ص ‪.12‬‬
‫ثالثا‪ :‬شرط ذكر مبلغ التعويض في الطلب القضائي‬

‫يشـ ــترط أن يـ ــتم تقـ ــدير التعـ ــويض مـ ــن جانـ ــب الضـ ــحية أو ذوي الحقـ ــوق‪ ،‬ويترتـ ــب علـ ــى عـ ــدم تقـ ــدير‬
‫المبل ـ ـ ــغ رف ـ ـ ــض ال ـ ـ ــدعوى القض ـ ـ ــائية‪ ،‬و ق ـ ـ ــد أش ـ ـ ــارت الغرف ـ ـ ــة اإلداري ـ ـ ــة بالمحكم ـ ـ ــة العلي ـ ـ ــا س ـ ـ ــابقا إل ـ ـ ــى ذل ـ ـ ــك‬
‫بقولهــا‪ " :‬حيـــث أنـــه و قبـــل تعـــويض الضـــرر يشـــترط تقـــديره و يشـــمل هـــذا التقـــدير تحديـــد مجـــال الضـــرر‬
‫و كذلك تقييمه المالي"(‪.)1‬‬

‫م ـ ـ ــن خ ـ ـ ــالل اس ـ ـ ــتقراء بع ـ ـ ــض القض ـ ـ ــايا الت ـ ـ ــي عرض ـ ـ ــت عل ـ ـ ــى مجل ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة الج ازئ ـ ـ ــري‪ ،‬نج ـ ـ ــدها‬
‫(‪)2‬‬
‫متضمنة لمبلغ التعويض‪.‬‬

‫تج ـ ــدر اإلش ـ ــارة إل ـ ــى أن القاض ـ ــي اإلداري إذا ك ـ ــان يتمت ـ ــع بحري ـ ــة واس ـ ــعة ف ـ ــي تقي ـ ــيم الض ـ ــرر القاب ـ ــل‬
‫للتعـ ـ ــويض‪ ،‬ف ـ ـ ـإن إرادة المشـ ـ ــرع و إرادة األط ـ ـ ـراف تسـ ـ ــتطيع أن تضـ ـ ــع لهـ ـ ــا حـ ـ ــدودا‪ ،‬إذ ال يمكـ ـ ــن للقاضـ ـ ــي‬
‫اإلداري أن يم ـ ــنح تعويض ـ ــا يفـ ـ ـوق التع ـ ــويض المح ـ ــدد م ـ ــن قب ـ ــل المش ـ ــرع ف ـ ــي قض ـ ــايا معين ـ ــة‪ ،‬كم ـ ــا تش ـ ــكل‬
‫إرادة الضـ ـ ــحية حـ ـ ــدا لحريـ ـ ــة القاضـ ـ ــي بتحديـ ـ ــدها الحـ ـ ــد األقصـ ـ ــى للتعـ ـ ــويض‪ ،‬ذلـ ـ ــك أن القاضـ ـ ــي ال يحكـ ـ ــم‬
‫(‪)3‬‬
‫بأكثر مما يطلبه الخصوم‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬

‫أساس رفع الطعن بالتعويض في الق اررات التقديرية‬

‫لقـ ـ ــد اختلـ ـ ــف الفقـ ـ ــه ح ـ ـ ـول تحديـ ـ ــد أسـ ـ ــاس المسـ ـ ــؤولية اإلداريـ ـ ــة‪ ،‬أو ب ـ ـ ـاألحرى أسـ ـ ــاس تحمـ ـ ــل اإلدارة‬
‫التع ـ ــويض ع ـ ــن األضـ ـ ـرار الت ـ ــي يرتكبه ـ ــا موظفوه ـ ــا و أعوانه ـ ــا‪ ،‬فم ـ ــنهم م ـ ــن يعتب ـ ــر أن الخط ـ ــأ و المخ ـ ــاطر‬
‫مـ ـ ــن شـ ـ ــروط المسـ ـ ــؤولية وليسـ ـ ــت أساس ـ ـ ـا لهـ ـ ــا‪ ،‬أمـ ـ ــا أساسـ ـ ــها فـ ـ ــيكمن فـ ـ ــي مبـ ـ ــدأ المسـ ـ ــاواة أمـ ـ ــام األعبـ ـ ــاء‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رشيد خلويف‪ ،‬قانون املسؤولية اإلدارية‪ :‬شروط قبول دعوى جتاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪ 1119،‬ص‬
‫‪.102‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬املنتقى يف قضاء جملس الدولة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،11‬و ص ‪ 131‬و ص ‪.202‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- voir : www. arpe- paca.org. et : www.Fr.wikepedia.org/laresp.De l’ad francaise.‬‬
‫العام ـ ــة(‪ ،)1‬وم ـ ــنهم م ـ ــن يعتب ـ ــر الخطـ ـ ـأ والمخ ـ ــاطر ه ـ ــي أس ـ ــس المس ـ ــؤولية االداري ـ ــة(‪ ،)2‬وه ـ ــو الموق ـ ــف ال ـ ــذي‬
‫تبناه القضاء اإلداري الجزائري و المقارن‪.‬‬

‫تبع ـ ــا ل ـ ــذلك ت ـ ــم تص ـ ــنيف المس ـ ــؤولية االداري ـ ــة إل ـ ــى مس ـ ــؤولية إداري ـ ــة خطئي ـ ــة ومس ـ ــؤولية إداريـ ـ ـة غي ـ ــر‬
‫خطئيـ ـ ـة‪ ،‬وذل ـ ــك م ـ ــا سنفص ـ ــل الح ـ ــديث عن ـ ــه فيم ـ ــا يـ ـ ـأتي‪ ،‬مركـ ـ ـزين عل ـ ــى نط ـ ــاق الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة بص ـ ــفة‬
‫خاصة دون باقي التفاصيل التي ال تتصل بموضوع دراستنا ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المسؤولية القائمة على أساس الخطأ‬

‫لقـ ــد كـ ــان هـ ــذا النـ ــوع مـ ــن المسـ ــؤولية اإلداريـ ــة أول مـ ــا تكـ ــرس فـ ــي إجتهـ ــاد القضـ ــاء اإلداري‪ ،‬ذلـ ــك أن‬
‫(‪)3‬‬
‫ف ـ ـ ــي تنظيم ـ ـ ــه أو تس ـ ـ ــييره‪،‬‬ ‫مس ـ ـ ــؤولية اإلدارة العام ـ ـ ــة ال تق ـ ـ ــوم إال ع ـ ـ ــن النش ـ ـ ــاط الخ ـ ـ ــاطة للمرف ـ ـ ــق الع ـ ـ ــام‬
‫وسـ ـ ـواءا ك ـ ــان مص ـ ــدر المس ـ ــؤولية عم ـ ــال مادي ـ ــا أو عم ـ ــال قانوني ـ ــا‪ ،‬ف ـ ــي ص ـ ــورة ع ـ ــدم أداء مهام ـ ــه أو تـ ـ ـأخره‬
‫فيها أو إهماله‪ ...‬فالخطأ مناط المسؤولية اإلدارية الذي ال تقوم إال به(‪.)4‬‬

‫واذا كان ـ ــت المس ـ ــؤولية اإلداري ـ ــة القض ـ ــائية تش ـ ــترك م ـ ــع المس ـ ــؤولية المدني ـ ــة ف ـ ــي قيامه ـ ــا عل ـ ــى ثالث ـ ــة‬
‫أركـ ـ ــان أال وهـ ـ ــي الخط ـ ـ ـأ‪ ،‬الضـ ـ ــرر‪ ،‬والعالقـ ـ ــة السـ ـ ــببية(‪ ،)5‬إال أننـ ـ ــا ارتأينـ ـ ــا أن نسـ ـ ــلط الضـ ـ ــوء علـ ـ ــى ركـ ـ ــن‬
‫الخطأ فقط‪ ،‬نظ ار لصلته الوثيقة بموضوع السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫وعلينـ ــا أن نن ـ ــوه بـ ـ ـأن الخطـ ـ ـأ نوع ـ ــان‪ :‬خطـ ـ ـأ شخص ـ ــي وآخ ـ ــر مرفق ـ ــي‪ ،‬فأم ـ ــا الخطـ ـ ـأ الشخص ـ ــي‪ :‬فه ـ ــو‬
‫الخط ـ ـ ـأ الـ ـ ــذي ينسـ ـ ــب إلـ ـ ــى الموظـ ـ ــف‪ ،‬وتتحقـ ـ ــق بـ ـ ــذلك مسـ ـ ــؤوليته الشخص ـ ــية‪ ،‬فيكـ ـ ــون هـ ـ ــذا الموظـ ـ ــف هـ ـ ــو‬
‫المسـ ـ ــؤول وحـ ـ ــده عـ ـ ــن األض ـ ـ ـرار التـ ـ ــي نتجـ ـ ــت عـ ـ ــن هـ ـ ــذا الخط ـ ـ ـأ‪ ،‬وعليـ ـ ــه أن يـ ـ ــدفع التعـ ـ ــويض مـ ـ ــن ذمتـ ـ ــه‬

‫‪ - 1‬من هؤالء جند األستاذ " أمحد حميو " الذي يقول ‪ " :‬يف احلقيقة ميكن التساؤل فيما إذا كان من غري اجملدي البحث عن مبدأ عام وموحد لتأسيس‬
‫املسؤولية اإلدارية‪ ،‬أليس هذا بالتأكيد جمرد وشكلي عندما نقول مبساواة مجيع األفراد أمام األعباء العامة‪ ،‬إن التمعن يف اجملتمع يظهر لنا بأنه يتضح بعدم‬
‫مساواة أكثر من املساواة "‪ .‬انظر مؤلفه‪ :‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2338،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 2‬من هؤالء جند األستاذ مسعود شيهوب‪ ،‬املسؤولية عن املخاطر‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2333 ،‬وكذلك مؤلفه‪ :‬املسؤولية عن اإلخالل‬
‫مبدأ املساواة وتطبيقاهتا يف القانون اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دبوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.2333 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Rachid zouaimia et Marie christine Rouault , droit administrattif, Berti editoin, 2009, p 295.‬‬
‫‪ - 4‬ملزيد من التفاصيل حول املسؤولية اخلطئية‪ .‬انظر ‪ :‬فارة مساح‪ ،‬املسؤولية اإلدارية عن اخلطأ املرفقي‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬قاملة ‪،‬‬
‫‪.2336‬‬
‫‪ - 5‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار املطبوعات اجلديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333 ،‬ص ‪.180‬‬
‫الشخص ــية(‪ .)1‬أمـ ــا الخط ـ ـأ المرفقـ ــي‪ ،‬فهـــو الخطـ ـأ الـ ــذي ينســـب إلـ ــى المرف ــق‪ ،‬حت ــى ول ــو ك ــان الـ ــذي قـ ــام بـــه‬
‫ماديا أحد الموظفين‪ ،‬إذا لم يعتبر الخطأ شخصيا(‪.)2‬‬

‫وسنتناول فيما يأتي صور هذا الخطأ‪ ،‬وتأثيره على مشروعية الق اررات اإلدارية‪.‬‬

‫‪ -1‬صور الخطأ المرفقي‬

‫إن األفعـ ـ ــال المكونـ ـ ــة للخط ـ ـ ـأ المرفقـ ـ ــي‪ ،‬هـ ـ ــي تلـ ـ ــك األفعـ ـ ــال التـ ـ ــي يتجس ـ ـ ـد فيه ـ ـ ـا الخط ـ ـ ـأ‪ ،‬والتـ ـ ــي‬
‫ت ـ ــؤدي إل ـ ــى إح ـ ــداث األضـ ـ ـرار‪ .‬ويمك ـ ــن رد األفع ـ ــال الت ـ ــي تك ـ ــون الخطـ ـ ـأ المرفق ـ ــي حس ـ ــب تقس ـ ــيم الفقي ـ ــه‬
‫"دوي ــز"‪ ،‬وال ــذي م ــا زال يأخ ــذ ب ــه فق ــه الق ــانون الع ــام ومجل ــس الدول ــة الفرنس ــي‪ ،‬إل ــى ث ــالث فئ ــات كب ــرى‪،‬‬
‫تمث ـ ــل ف ـ ــي ذات الوق ـ ــت التط ـ ــور الت ـ ــاريخي لقض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ف ـ ــي ه ـ ــذا الص ـ ــدد‪ ،‬وتتمث ـ ــل‬
‫ف ــي أداء المرف ــق للخدم ــة عل ــى وج ــه س ــيء أو ع ــدم تأديت ــه له ــذه الخدم ــة‪ ،‬أو أدائه ــا ببط ــة ش ــديد يف ــوق‬
‫المعقول‪.‬‬

‫أ‪ -‬المرفق أدى الخدمة على وجه سيء‬

‫ينـ ــدرج تحـ ــت هـ ــذه التسـ ــمية جميـ ــع األعمـ ــال اإليجابيـ ــة الصـ ــادرة عـ ــن المرفـ ــق العـ ــام والمنطويـ ــة علـ ــى‬
‫خط ـ ـأ‪ ،‬وح ـ ــاالت المس ـ ــؤولية م ـ ــن ه ـ ــذا القبي ـ ــل ه ـ ــي التـ ــي أقره ـ ــا القض ـ ــاء ف ـ ــي أول األم ـ ــر‪ ،‬ويمك ـ ــن تص ـ ــنيفها‬
‫إلى أعمال مادية وأعمال قانونية‪:‬‬

‫‪ -‬المسؤولية عن األعمال المادية‬

‫ق ــد ينشـ ـأ الض ــرر ع ــن عم ــل ص ــادر م ــن أح ــد الم ــوظفين أو األعـ ـوان وه ــو ي ــؤدي واجب ــه عل ــى وجـــه‬
‫سـ ــيء‪ ،‬كمـ ــا لـ ــو كـ ــان أحـ ــد الجنـ ــود يطـ ــارد ثـ ــو ار هائجـ ــا فـ ــي الطريـ ــق العـ ــام وأطلـ ــق عليـ ــه رصاصـ ــة فجرحـ ــت‬
‫أح ـ ــد األف ـ ـ ـراد وهــ ــو داخـ ـ ــل منزلــ ــه‪ )3(.‬وقــ ــد يك ـ ــون الضـ ـ ــرر ناش ـ ــئا ع ـ ــن أش ـ ــياء أو حيوان ـ ــات تملكهـ ـ ــا اإلدارة‪،‬‬
‫كإهمـ ــال خيـ ــل مملوكـ ــة لهـ ــا فتـ ــؤدي إلـ ــى إحـ ــداث أض ـ ـرار بـ ــاألفراد(‪ .)4‬وقـ ــد يكـ ــون مرجـ ــع الضـ ــرر إلـ ــى سـ ــوء‬
‫تنظيم المرفق العام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬لقد وضعت عدة معايري لتمييز وحتديد اخلطأ الشخصي‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬رشيد خلويف‪ ،‬قانون املسؤولية االدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ ،1119‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -‬حسني فررحية‪ ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد اخلامس ‪ ،2339 ،‬ص ‪ 02‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1129 ،‬ص ‪.032‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬قضية توماس جركيو سنة ‪ ،1136‬انظر‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬قضاء التعويض‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،3669‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫وقـ ــد أخـ ــذ القضـ ــاء اإلداري المصـ ــري بهـ ــذا التقسـ ــيم فـ ــي أحكامـ ــه‪ ،‬ومـ ــن ذلـ ــك الحكـ ــم بـ ــالتعويض عـ ــن‬
‫واقعة حجز مواطن خالفا للقانون(‪.)1‬‬

‫‪ -‬المسؤولية عن األعمال القانونية‬

‫بالنس ـ ـ ــبة للخطـ ـ ـ ـأ الق ـ ـ ــانوني‪ ،‬فإن ـ ـ ــه يق ـ ـ ــع عن ـ ـ ــد قي ـ ـ ــام اإلدارة بـ ـ ـ ـإجراءات تح ـ ـ ــدث ض ـ ـ ــر ار ب ـ ـ ــاألفراد‪ ،‬دون‬
‫وج ـ ــود س ـ ــند ق ـ ــانوني‪ .‬كم ـ ــا ل ـ ــو تعجل ـ ــت اإلدارة ف ـ ــي تنفي ـ ــذ حك ـ ــم قض ـ ــائي أو طبق ـ ــت اإلدارة الق ـ ــانون تطبيق ـ ــا‬
‫خاطئ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬أو قي ـ ـ ـ ــام اإلدارة بتقيي ـ ـ ـ ــد نش ـ ـ ـ ــاط أح ـ ـ ـ ــد المح ـ ـ ـ ــالت التجاري ـ ـ ـ ــة دون أس ـ ـ ـ ــاس ق ـ ـ ـ ــانوني و بالمخالف ـ ـ ـ ــة‬
‫للقانون(‪.)2‬‬

‫وم ـ ــن تطبيق ـ ــات ه ـ ــذه الحال ـ ــة ف ـ ــي القض ـ ــاء الج ازئ ـ ــري‪ ،‬نج ـ ــد قـ ـ ـرار الغرف ـ ــة االداري ـ ــة بالمحكم ـ ــة العلي ـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ــي قضـ ـ ـ ــية "بـ ـ ـ ــن مشـ ـ ـ ــيش" فيمـ ـ ـ ــا يتعلـ ـ ـ ــق بمكافحـ ـ ـ ــة الح ارئـ ـ ـ ــق‪" :‬حيـــــــــث أنـــــــــه يـــــــــنجم مـــــــــن الملـــــــــف‬
‫أن الظروف التي تمت فيها مكافحة الحريق تبين نقص في الوسائل"(‪.)3‬‬

‫ب‪ -‬المرفق لم يؤدي الخدمة المطلوبة منه‬

‫وينطـ ـ ــوي تحـ ـ ــت هـ ـ ــذه الصـ ـ ــورة إمتنـ ـ ــاع اإلدارة عـ ـ ــن أداء واجـ ـ ــب يـ ـ ــرى مجلـ ـ ــس الدولـ ـ ــة أنهـ ـ ــا ملزمـ ـ ــة‬
‫قانون ـ ــا بأدائ ـ ــه‪ ،‬إذا ك ـ ــان م ـ ــن شـ ـ ـأن ه ـ ــذا اإلمتن ـ ــاع أن يص ـ ــيب األفـ ـ ـراد بالض ـ ــرر‪ .‬إذ أن المس ـ ــؤولية هن ـ ــا ال‬
‫تق ـ ــوم عل ـ ــى أس ـ ــاس فع ـ ــل إيج ـ ــابي ض ـ ــار ص ـ ــادر ع ـ ــن المرف ـ ــق مث ـ ــل الحال ـ ــة األول ـ ــى‪ ،‬ولك ـ ــن عل ـ ــى أسـ ـ ـاس‬
‫موقف سلبي وقفته اإلدارة بإمتناعها عن إتيان تصرف معين(‪.)4‬‬

‫وهـ ــذه الصـ ــورة حديثـ ــة نسـ ــبيا‪ ،‬وترجـ ــع إلـ ــى تبلـ ــور األفكـ ــار الخاصـ ــة بتسـ ــيير الم ارفـ ــق العامـ ــة‪ ،‬واتسـ ــاع‬
‫رقاب ـ ـ ــة القض ـ ـ ــاء اإلداري إزاء الس ـ ـ ــلطة التقديري ـ ـ ــة ل ـ ـ ــإلدارة‪ ،‬فس ـ ـ ــلطات اإلدارة ل ـ ـ ــم تع ـ ـ ــد إمتي ـ ـ ــا از له ـ ـ ــا تباش ـ ـ ــرها‬
‫كيفم ـ ــا تش ـ ــاء ومت ـ ــى أرادت‪ ،‬ولكنه ـ ــا واج ـ ــب عل ـ ــى الموظ ـ ــف يؤدي ـ ــه بك ـ ــل أمان ـ ــة وم ـ ــع حرص ـ ــه الت ـ ــام عل ـ ــى‬
‫المصـ ـ ــلحة العامـ ـ ــة‪ ،‬وال يصـ ـ ــدق ذلـ ـ ــك علـ ـ ــى اإلختصاصـ ـ ــات المقيـ ـ ــدة فحس ـ ـ ـب ولكنـ ـ ــه يسـ ـ ــري أيضـ ـ ــا علـ ـ ــى‬
‫اإلختصاصات التقديرية(‪.)5‬‬

‫وبه ـ ــذه الكيفي ـ ــة إس ـ ــتطاع القض ـ ــاء اإلداري أن يم ـ ــد رقابت ـ ــه بطريق ـ ــة غي ـ ــر مباشـ ـ ـرة إل ـ ــى كيفي ـ ــة مزاول ـ ــة‬
‫اإلدارة لسـ ـ ــلطاتها التقديريـ ـ ــة‪ .‬ف ـ ـ ـإذا كـ ـ ــان مـ ـ ــن المسـ ـ ــلم بـ ـ ــه أن القضـ ـ ــاء اإلداري ال يسـ ـ ــتطيع أن ي ـ ـ ـأمر اإلدارة‬
‫ب ـ ـأن تتـ ــدخل لمواجهـ ــة حالـ ــة معينـ ــة أو أن تتصـ ــرف علـ ــى نحـ ــو مع ـ ـين إذا كـ ــان القـ ــانون قـ ــد تـ ــرك لهـ ــا حريـ ــة‬

‫‪ - 1‬فارة مساح‪ ،‬املسؤولية اإلدارية عن اخلطأ املرفقي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬قاملة‪ ،2336 ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 03‬و ‪.01‬‬
‫‪ - 3‬رشيد خلويف‪ ،‬قانون املنازعات االدارية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1119 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -4‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية املسؤولية اإلدارية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332 ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪- 5‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬قضاء التعويض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫الت ـ ــدخل و إختيـ ـ ــار الوســ ــيلة‪ ،‬ف ـ ـ ـإن القضــ ــاء اإلداري إســ ــتطاع أن ي ارق ـ ــب اإلدارة ف ـ ــي ه ـ ــذا المجــ ــال بطريقــ ــة‬
‫غي ـ ــر مباش ـ ـ ـرة‪ ،‬وذلـ ـ ــك إذا زاولــ ــت إختصاصـ ـ ــها التقـ ـ ــديري علــ ــى نحـ ـ ــو يلحـ ـ ــق ب ـ ــاألفراد أض ـ ـ ـ ار ار بـ ـ ــدون وجـ ـ ــه‬
‫حق‪ ،‬حتى ولو كان عمل اإلدارة اليندرج تحت وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة(‪.)1‬‬

‫وتتحقـ ـ ــق صـ ـ ــورة عـ ـ ــدم أداء الخدمـ ـ ــة فـ ـ ــي القضـ ـ ــاء الج ازئـ ـ ــري فـ ـ ــي قضـ ـ ــية "بلقاسـ ـ ــمي " ضـ ـ ــد وزيـ ـ ــر‬
‫الع ــدل س ــنة ‪" ،1122‬حيــــث أن إهمــــال كاتــــب الضــــبط تنــــدرج ضــــمن أعمالــــه المهنيــــة كموظــــف‪ ،‬ونظــــر‬
‫ـــرر للســــيد " بلقاســــمي" كخطــــأ‬
‫قاضــــي الغرفــــة االداريــــة بالمحكمــــة العليــــا لهــــذا العمــــل الــــذي ســــبب ضـ ا‬
‫مرفقي لعدم سير مرفق القضاء"(‪.)2‬‬

‫ج ‪ -‬المرفق أبطأ في أداء الخدمة اكثر من الالزم‬

‫فـ ــي هـ ــذه الحالـ ــة تس ـ ـأل اإلدارة العامـ ــة إذا تباط ـ ـأت أكثـ ــر مـ ــن الـ ــالزم فـ ــي أداء الخـ ــدمات‪ ،‬إذا لحـ ــق‬
‫األفــ ـراد ض ـ ــرر م ـ ــن جـ ـ ـراء ه ـ ــذا التـ ـ ـأخير(‪ ،)3‬حي ـ ــث اعتب ـ ــر تعس ـ ــفا ف ـ ــي إس ـ ــتعمال اإلدارة لحقه ـ ــا ف ـ ــي إختي ـ ــار‬
‫وق ـ ــت الت ـ ــدخل(‪ .)4‬واذا ك ـ ــان م ـ ــن المس ـ ــلم ب ـ ــه أن إختي ـ ــار الوق ـ ــت ه ـ ــو م ـ ــن أب ـ ــرز أرك ـ ــان الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة‬
‫ل ـ ــإلدارة‪ ،‬وأن ـ ــه اليمك ـ ــن أن يس ـ ــتمد من ـ ــه س ـ ــبب لإللغ ـ ــاء‪ ،‬فـ ـ ـإن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي حرص ـ ــا من ـ ــه عل ـ ــى‬
‫حماية األفراد‪ ،‬قد أخضع هذا الجانب من نشاط اإلدارة لرقابته في مجال قضاء التعويض(‪.)5‬‬

‫ومـ ــن تطبيقـ ــات القضـ ــاء الج ازئـ ــري لهـ ــذه الصـ ــورة‪ ،‬نجـ ــد قضـ ــية " حميـ ــدوش " سـ ــنة ‪ " :1199‬حيـــــث‬
‫أن اإلدارة توظــــف شخصــــا فــــي ظــــروف غيــــر نظاميــــة‪ ،‬ثــــم تنتظــــر ثمــــاني ســــنوات لكــــي تالحــــظ ذلــــك‬
‫وتصــــحح التــــدبير‪ ،‬رفــــع النــــزاع إلــــى المجلــــس األعلــــى الــــذي صــــرح بــــأن هــــذا التــــأخير يشــــكل خطــــأ‬
‫مصلحيا لمسؤولية اإلدارة"(‪.)6‬‬

‫‪ - 1‬هلذا كثريا ما حيكم جملس الدولة الفرنسي باملسؤولية عن إمتناع اإلدارة عن القيام بتصرفات معينة مل يكن ليحكم بعدم مشروعيتها لو أثريت أمامه عن‬
‫طريق قضاء اإللغاء‪ .‬مثل إمتناع اإلدارة عن تنفيذ القوانني واللوائح‪ ،‬وكذا امتناعها عن تنفيذ أحكام القضاء‪ .‬أنظر‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬دروس يف‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫‪ - 2‬رشيد خلويف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ - 3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪ - 4‬فارة مساح‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫‪ - 5‬ليس املقصود هنا أن يكون القانون قد حدد ميعادا جيب على اإل دارة أن تؤدي خدماهتا خالله‪ ،‬ألن هذا يندرج حتت الصورة الثانية من حاالت‬
‫املسؤولية‪ .‬ولكن املقصود هنا أن تكون االدارة غري مقيدة مبدة معينة‪ ،‬ومع ذلك تبطىء أكثر من الالزم وبغري مربر مقبول‪ .‬وإذا كان إختيار الوقت هو أبرز‬
‫أركان السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬حبيث ال ميكن أن يستمد منه سبب لإللغاء‪ .‬فإن قواعد العدالة ومحاية حقوق األفراد تتطلب أن خيضع هذا اجلانب من‬
‫نشاط اإلدارة لرقابته يف جمال التعويض‪ .‬وهذا ما أقره جملس الدولة الفرنسي‪ .‬أنظر‪ - :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪ -6‬أمحد حميو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 216‬و ‪.213‬‬
‫‪ -2‬الخطا المرفقي في الق اررات االدارية‬

‫األص ـ ـ ـ ــل أن ع ـ ـ ـ ــدم مش ـ ـ ـ ــروعية القـ ـ ـ ـ ـرار اإلداري يك ـ ـ ـ ــون فع ـ ـ ـ ــال خاطئ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬وه ـ ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ــي الحقيق ـ ـ ـ ــة خطـ ـ ـ ـ ـأ‬
‫مصـ ـ ــلحي(‪ ،)1‬ألن أول واجـ ـ ــب يقـ ـ ــع عـ ـ ــن المرفـ ـ ــق العـ ـ ــام أن يحتـ ـ ــرم الق ـ ـ ـوانين العامـ ـ ــة‪ ،‬ف ـ ـ ـإذا قـ ـ ــام الموظـ ـ ــف‬
‫المش ــرف علي ــه بإتخـ ــاذ قـ ـرار غيـ ــر مش ــروع‪ ،‬يكـــون المرف ــق قـــد خ ــرج ع ــن أول واجبات ــه وبالتـــالي أت ــى عمـــال‬
‫إيجابيا ضا ار يستوجب مسؤولية اإلدارة(‪.)2‬‬

‫واذا كانـ ـ ــت العيـ ـ ــوب التـ ـ ــي تص ـ ـ ـيب المشـ ـ ــروعية هـ ـ ــي عيـ ـ ــب الشـ ـ ــكل‪ ،‬عـ ـ ــدم االختصـ ـ ــاص‪ ،‬مخالفـ ـ ــة‬
‫الق ـ ــانون واإلنح ـ ـ ـراف بالسـ ـ ــلطة‪ ،‬ف ـ ـ ـإن هنـ ـ ــاك بعــ ــض أوجــ ــه عــ ــدم المشـ ـ ــروعية تول ـ ــد مس ـ ـ ـؤولية اإلدارة بشـ ـ ــكل‬
‫دائ ـ ــم‪ ،‬وقداش ـ ــترط القض ـ ــاء اإلداري إلمك ـ ــان تحق ـ ــق ه ـ ــذه المسـ ـ ـؤولية أن يك ـ ــون الخطـ ـ ـأ ال ـ ــذي تحتـ ـ ـوي علي ـ ــه‬
‫فكرة عدم المشروعية له بعض صفات الجسامة(‪.)3‬‬

‫وتبعـ ـ ــا لمعي ـ ـ ــار جسـ ـ ــامة الخطـ ـ ـ ـأ‪ ،‬قـ ـ ــرر مجل ـ ـ ــس الدولـ ـ ــة الفرنس ـ ـ ــي أن عيـ ـ ــب الغاي ـ ـ ــة وعيـ ـ ــب المح ـ ـ ــل‬
‫يول ـ ــدان دائم ـ ــا مسـ ـ ـؤولية االدارة‪ ،‬ألن ع ـ ــدم المش ـ ــروعية ف ـ ــي ه ـ ــذين ال ـ ــوجهين يتص ـ ــف بالجس ـ ــامة الت ـ ــي تول ـ ــد‬
‫المسـ ــؤولية‪ ،‬بينمـ ــا يكـ ــون الخط ـ ـأ الـ ــذي تتصـ ــف بـ ــه األوجـ ــه األخـ ــرى غيـ ــر دائـ ــم الجسـ ــامة إلـ ــى حـ ــد تقريـ ــر‬
‫المسؤولية بصفة دائمة(‪.)4‬‬

‫ثانيا‪ :‬المسؤولية القائمة بدون خطأ (المسؤولية غير الخطئية)‬

‫لقـ ـ ـ ــد اعتـ ـ ـ ــرف مجلـ ـ ـ ــس الدولـ ـ ـ ــة الفرنسـ ـ ـ ــي بنظريـ ـ ـ ــة المخـ ـ ـ ــاطر فـ ـ ـ ــي قضـ ـ ـ ــية "الكونـ ـ ـ ــت"‪ ،‬بشـ ـ ـ ــأن‬
‫مس ـ ــؤولية مص ـ ــالح الش ـ ــرطة عل ـ ــى أس ـ ــاس المخ ـ ــاطر بت ـ ــاريخ ‪ 29‬يوني ـ ــو‪ .1191‬حي ـ ــث أنشـ ـ ـأ نوع ـ ــا آخ ـ ــر‬
‫م ـ ــن المس ـ ــؤولية اإلداري ـ ــة ال عالق ـ ــة ل ـ ــه بفكـ ـ ـرة الخطـ ـ ـأ‪ ،‬بمعن ـ ــى أن ـ ــه ق ـ ــرر مب ـ ــدأ التع ـ ــويض ع ـ ــن أضـ ـ ـرار‬
‫نجم ـ ــت ع ـ ــن تص ـ ــرف مش ـ ــروع م ـ ــن جان ـ ــب اإلدارة وال تش ـ ــوبه ش ـ ــائبة‪ .‬فأق ـ ــام المس ـ ــؤولية علـ ـ ـى الض ـ ــرر‬
‫الواق ـ ــع م ـ ــن المرف ـ ــق الع ـ ــام‪ ،‬وأس ـ ــاس المس ـ ــؤولية هن ـ ــا ه ـ ــي فكـ ـ ـرة الغ ـ ــرم ب ـ ــالغنم أو مس ـ ــاواة األفـ ـ ـراد أم ـ ــام‬
‫التك ـ ــاليف العام ـ ــة‪ .‬إذ يج ـ ــب علـ ـ ـى الجماع ـ ــة أن تتحم ـ ــل مخ ـ ــاطر النش ـ ــاط االداري إذام ـ ــا أص ـ ــاب بع ـ ــض‬
‫األفـ ـ ـراد أضـ ـ ـرار‪ ،‬ألن اإلدارة م ـ ــا قام ـ ــت ب ـ ــه إال لص ـ ــالحهم‪ ،‬فيج ـ ــب أال يتحم ـ ــل غرم ـ ــه أفـ ـ ـراد قالئ ـ ــل م ـ ــن‬
‫بينهم وانما يجب أن تتوزع أعباؤه على الجميع(‪ ،)5‬وهذا األساس يستبعد تماما فكرة الخطأ(‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Réné chapus , droit administratif, tome 1, 9 eme édition , montchrestien, 1995, p 1137.‬‬
‫‪ - 2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬قضاء التعويض‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪،1119،‬ص‪ ،109‬وحمسن خليل‪ ،‬القضاء‬
‫االداري‪ ،‬دون بلد النشر‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ -3‬حممد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬القضاءاإلداري‪ :‬الكتاب الثاين‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،2330،‬ص‪.223‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ .223‬ولإلطالع على تطبيقات القضاء اجلزائري يف هذا اجملال‪ ،‬أنظر‪ :‬فارة مساح‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ -5‬فارة مساح‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 6‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،1119،‬ص‪.121‬‬
‫وي ـ ـ ــرى غالبي ـ ـ ــة الفق ـ ـ ــه تبع ـ ـ ــا ل ـ ـ ــذلك أن أس ـ ـ ــاس المس ـ ـ ــؤولية اإلداري ـ ـ ــة غي ـ ـ ــر الخطئي ـ ـ ــة ه ـ ـ ــي فكـ ـ ـ ـرة‬
‫المخاطر(‪)1‬ومبدأ المساواة أمام األعباء العامة(‪.)2‬‬

‫المالح ـ ــظ أن ه ـ ــذه الح ـ ــاالت ه ـ ــي عب ـ ــارة ع ـ ــن تطبيق ـ ــات لنظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي إس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق‬
‫اإلداري ـ ــة‪ .‬إذ ي ـ ــرى الكثي ـ ــر م ـ ــن الفقه ـ ــاء الفرنس ـ ــين أن نظري ـ ــة التعسـ ـ ـف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة‬
‫التق ـ ــوم عل ـ ــي أس ـ ــاس الخطـ ـ ـأ‪ ،‬فه ـ ــي وان كان ـ ــت تق ـ ــوم علي ـ ــه ف ـ ــي بع ـ ــض األحي ـ ــان إال أنه ـ ــا أوس ـ ــع من ـ ــه‬
‫نطاقا‪ ،‬فاإلدارة تسأل عن الضرر الذي ألحقته باألفراد و لو لم تكن مخطئة(‪.)3‬‬

‫لـ ـ ــذلك سـ ـ ــنتناول نظريـ ـ ــة التعس ـ ـ ـف فـ ـ ــي اسـ ـ ــتعمال الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة فيمـ ـ ــا ي ـ ـ ـأتي‪ ،‬باعتبـ ـ ــار هـ ـ ــذه‬
‫األخيرة تجد المجال الحقيقي لتطبيقها في نطاق السلطة التقديرية لإلدارة‪:‬‬

‫‪ -1‬مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية‬

‫لق ـ ــد ث ـ ــار جـ ـ ـدل فقه ـ ــي كبي ـ ــر ف ـ ــي فرنس ـ ــا ح ـ ــول االعتـ ـ ـراف بقي ـ ــام نظري ـ ــة التعسـ ـ ـف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال‬
‫الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة كنظري ـ ــة مس ـ ــتقلة ب ـ ــذاتها ومختلفـ ـ ـة ع ـ ــن نظري ـ ــة االنحـ ـ ـراف بالس ـ ــلطة‪ .‬وم ـ ــن ذل ـ ــك م ـ ــا‬
‫ذه ـ ــب إلي ـ ــه الفقه ـ ــاء "دوج ـ ــي" و "بون ـ ــار"‪ ،‬ب ـ ــل أن ه ـ ــذا األخي ـ ــر ق ـ ــد اعتب ـ ــر أن جمي ـ ــع ح ـ ــاالت التعس ـ ــف‬
‫ليس ـ ــت إال ح ـ ــاالت خاص ـ ــة لع ـ ــدم المش ـ ــروعية‪ ،‬وأن إس ـ ــاءة اس ـ ــتعمال الح ـ ــق م ـ ــا ه ـ ــو إال تطبي ـ ــق لحال ـ ــة‬
‫عدم المشروعية(‪.)4‬‬

‫غي ـ ــر أن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ق ـ ــد اعتب ـ ــر أن ـ ــه ال خ ـ ــالف فيم ـ ــا توص ـ ــل إلي ـ ــه الفقه ـ ــاء‪ ،‬فيم ـ ــا‬
‫تعل ـ ــق بمج ـ ــال قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء‪ ،‬إذا أمك ـ ــن التس ـ ــليم أن مج ـ ــال النظـ ـ ـريتين واح ـ ــد‪ .‬أم ـ ــا ف ـ ــي مج ـ ــال قض ـ ــاء‬

‫‪ -1‬األمر الذي أدى باملشرع إىل إصدار جمموعة من التشريعات تنص على قيام املسؤولية االدارية على أساس املخاطر‪ .‬فقد أصدر املشرع الفرنسي قوانينا‬
‫أسست مسؤولية اإلدارة على املخاطر يف بعض احلاالت‪ .‬ومثال ذلك التشريع الفرنسي الصادر يف عام ‪ 3868‬الذي يقيم املسؤولية على أساس خماطر أو‬
‫تبعات احلرفة‪ .‬وقانون ‪ 3636‬وتشريع عام ‪ 3613‬اللذان يوجبان قيام مسؤولية الدولة إزاء ضحايا احلرب واملصانع احلربية (مصانع الذخرية احلية)‪ ،‬خماطر‬
‫الدفاع الوطين‪ .‬وقانون عام ‪ 3611‬الذي يقيم املسؤولية على أساس خماطر الطريان‪ .‬وقانون عام ‪ 3615‬الذي ينص على املسؤولية اإلدارية على أساس‬
‫خماطر النشاطات الصناعية‪ ،‬التجارية والزراعية‪ .‬وقانون ‪ 3619/31/11‬الذي يعقد مسؤولية اإلدارة على أساس خماطر العمل‪ .‬باإلضافة اىل جمموعة‬
‫التشريعات الالحقة اليت أصدرها املشرع الفرنسي واليت تقرر مسؤولية الدولة عن األضرار النامجة عن الكوارث القومية املختلفة على أساس نظرية املخاطر‪،‬‬
‫تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي جاء يف ديباجة دستور عام ‪ .3619‬أنظر‪ :‬عزوز سكينة‪ ،‬عملية املوازنة بني أعمال الضبط اإلداري واحلريات العامة‪ ،‬حبث‬
‫لنيل شهادة املاجستري‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،‬معهد احلقوق والعلوم اإلدارية‪3661 ،‬م‪ ،‬ص‪ 81‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ -2‬ينظر يف ذلك‪ -:‬عزوز بلقاسم علي‪ ،‬املساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬جملة احلقوق اإلدارية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬اجلزائر‪ ، 1111 ،‬ص ‪ .11‬ولقد‬
‫تزايد نطاق إعمال املسؤولية دون خطأ يف فرنسا‪ .‬وذلك بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي الذي ولد أشياء و آالت تزداد خطورهتا مبجرد استعماهلا‪،‬‬
‫والنتشار فكرة التضامن االجتماعي والتوسع يف مفهوم العدالة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬صالح يوسف عبد العليم‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري‬
‫للدولة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص‪.082‬‬
‫‪ -3‬إبراهيم السيد أمحد‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعاوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مطابع جريدة السفري باإلسكندرية‪ ،1190 ،‬ص‪ 91‬و ما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪ - 4‬فارة مساح‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫التع ـ ـ ــويض‪ ،‬فإن ـ ـ ــه ق ـ ـ ــد أق ـ ـ ــر نظري ـ ـ ــة التعس ـ ـ ــف ف ـ ـ ــي إس ـ ـ ــتعمال الحق ـ ـ ــوق اإلداري ـ ـ ــة مس ـ ـ ــتقلة ع ـ ـ ــن نظري ـ ـ ــة‬
‫اإلنحـ ـ ـ ـراف بالس ـ ـ ــلطة‪ ،‬وال أدل ع ـ ـ ــل ذل ـ ـ ــك م ـ ـ ــن أن العم ـ ـ ــل اإلداري الواح ـ ـ ــد ق ـ ـ ــد رف ـ ـ ــض مجل ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة‬
‫إلغـ ـ ــاءه بنـ ـ ــاءا عل ـ ـ ـى عي ـ ـ ـب االنح ـ ـ ـراف ولكنـ ـ ــه قضـ ـ ــى بـ ـ ــالتعويض عنـ ـ ــه‪ ،‬ألن اإلدارة قـ ـ ــد تتعسـ ـ ــف فـ ـ ــي‬
‫اسـ ـ ــتعمال حقهـ ـ ــا باتخـ ـ ــاذه‪ ،‬وبالتـ ـ ــالي فمجـ ـ ــال بحـ ـ ــث نظريـ ـ ــة التعسـ ـ ــف فـ ـ ــي اسـ ـ ــتعمال الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة‬
‫محصـ ــور فـ ــي قضـ ــاء التعـ ــويض(‪ .)1‬وحيـ ــث يكـ ــون الق ـ ـرار اإلداري سـ ــليم األركـ ــان‪ ،‬ف ـ ـإن نظريـ ــة التعسـ ــف‬
‫ف ـ ـ ــي اس ـ ـ ــتعمال الحق ـ ـ ــوق اإلداري ـ ـ ــة تق ـ ـ ــوم بكيانه ـ ـ ــا الخ ـ ـ ــاص والمس ـ ـ ــتقل‪ ،‬إذا ك ـ ـ ــان القـ ـ ـ ـرار غي ـ ـ ــر مالئ ـ ـ ــم‬
‫خاصة(‪.)2‬‬

‫"فهــــذا التطــــور نتيجــــة منطقيــــة لقضــــاء مجلــــس الدولــــة الفرنســــي فــــي المســــؤولية بصــــورة‬
‫عامـــة‪ ،‬فهـــو قـــد وصـــل الـــي تقريـــر نـــوع مـــن المســـؤولية اإلداريـــة عـــن أضـــرار تحـــدثها اإلدارة و لـــو‬
‫لـــم ترتكـــب خطـــأ مـــا‪ ،‬و مـــادام و صـــل إلـــى هـــذه المرحلـــة مـــن التطـــور‪ ،‬فـــال بـــد مـــن بـــاب أولـــى أن‬
‫يقـــرر مســـؤولية اإلدارة حـــين تتعســـف فـــي اســـتخدام رخصـــها اإلداريـــة‪ ،‬ألن أقـــل مـــا يوصـــف بـــه ذلـــك‬
‫التعسف هنا أنه خطأ مرفقي"(‪.)3‬‬

‫ي ــتلخص مفه ــوم ه ــذه النظري ــة ف ــي "أن رجــــل اإلدارة الــــذي يتســــم عملــــه بالتعســــف هــــو صــــاحب‬
‫إختصــــاص و تصــــرفه فــــي نطــــاق المشــــروعية‪ ،‬إال أنــــه اســــتخدم اختصاصــــه فــــي ظــــروف تــــنم عــــن‬
‫التعسف‪ ،‬رغم أنه تصرف في نطاق دائرة المشروعية"(‪.)4‬‬

‫ويظهـ ـ ــر مــ ــن هــ ــذا التعريــ ــف أن مجــ ــال اســ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة ه ـ ــو السـ ـ ــلطة التقديريــ ــة بـ ـ ــال‬
‫جـــدال‪ ،‬وأن هـ ــذه النظريـ ــة(‪)5‬ال تـ ــؤدي إل ـ ـى الحكـ ــم بإلغـ ــاء الق ـ ـرار المتعسـ ــف فيـ ــه‪ ،‬واال أتينـ ــا عل ـ ـى السـ ــلطة‬
‫التقديري ـ ــة ل ـ ــإلدارة‪ ،‬ألن العناص ـ ــر الت ـ ــي تق ـ ــوم عليه ـ ــا ه ـ ــذه النظري ـ ــة ه ـ ــي ذات أرك ـ ــان الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة‪،‬‬
‫فمجال التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية هو قضاء التعويض ال قضاء اإللغاء‪.‬‬

‫‪ - 1‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪ - 2‬فارة مساح‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ - 4‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية املسؤولية اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ -5‬لقد أخذ املشرع اجلزائري هبذه النظرية يف املادة ‪ 91‬من القانون املدين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حاالت التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية المرتبة للمسؤولية‬

‫لق ـ ــد أق ـ ــر القض ـ ــاء اإلداري نظريــ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة وحك ـ ــم بالمســ ــؤولية‬
‫اإلداري ـ ـ ــة‪ ،‬وذل ـ ـ ــك ف ـ ـ ــي حال ـ ـ ــة تعج ـ ـ ــل اإلدارة ف ـ ـ ــي اتخ ـ ـ ــاذ القـ ـ ـ ـرار اإلداري‪ ،‬وحال ـ ـ ــة اتخ ـ ـ ــاذ اإلدارة ل ـ ـ ــبعض‬
‫الق اررات غير المالئمة‪ ،‬وكذلك حالة تراخيها في اتخاذ القرار إذا ترتب عن ذلك ضرر(‪.)1‬‬

‫فــ ــإذا كانـ ـ ــت القاعـ ـ ــدة الغالبـ ـ ــة فـ ـ ــي القـ ـ ــانون اإلداري وخاصـ ـ ــة الج ازئـ ـ ــري‪ ،‬مـ ـ ــا ت ـ ـ ـزال تمنـ ـ ــع قاضـ ـ ــي‬
‫اإللغ ـ ــاء م ـ ــن التعـ ـ ـرض للجوان ـ ــب التقديري ـ ــة ف ـ ــي القــ ـ اررات اإلداري ـ ــة‪ ،‬فـ ـ ـإن نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال‬
‫الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة‪ ،‬ق ـ ــد جعل ـ ــت القض ـ ــاء يم ـ ــد رقابت ـ ــه إل ـ ــى كيفي ـ ــة ممارس ـ ــة الس ـ ــلطة التقديري ـ ــة ف ـ ــي مج ـ ــال‬
‫التعويض(‪ .)2‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الحكـــــم علـــــى اإلدارة بـــــالتعويض لتعجلهـــــا فـــــي اتخـــــاذ القـــــرار اإلداري " إصـــــدار القـــــرار اإلداري‬
‫فجأة"‬

‫تتجس ـ ــد ه ـ ــذه الحال ـ ــة ف ـ ــي إص ـ ــدار اإلدارة لقـ ـ ـرار س ـ ــليم م ـ ــن الناحي ـ ــة القانوني ـ ــة‪ ،‬إال أنه ـ ــا أص ـ ــدرته‬
‫فج ــأة‪ ،‬أي ف ــي وق ــت غي ــر مناس ــب‪ .‬ويش ــرح " بونـ ـار" ه ــذه الحال ــة ف ــي إط ــار تعليق ــه عل ــى حك ــم "من ــاجم‬
‫س ــيرجي"‪ ،‬ق ــائال‪ " :‬أن اإلدارة لهـــا الحــــق قطعـــا فــــي اتخـــاذ هـــذا اإلجــــراء‪ ،‬وأمـــر الشــــركة بـــالكف عــــن‬
‫اإلســـتغالل غيـــر المشـــروع‪ ،‬ولكنهـــا لـــم تتخيــــر الوقـــت المناســـب‪ ،‬إذ بعـــد أن تركـــت الشـــركة تســــتغل‬
‫مع علمها بذلك‪ ،‬تقدمت فجأة وأمرتها بالكف عن ذلك االستغالل "(‪.)3‬‬
‫وف ـ ـ ــي هــ ـ ــذا الخصــ ـ ــوص‪ ،‬قضــ ـ ــى مجلـ ـ ـ ــس الدول ـ ـ ــة الفرنس ـ ـ ــي ف ـ ـ ــي قض ـ ـ ــية " أوليفيـ ـ ـ ــه زيمرمــ ـ ــان "‬
‫بمس ـ ــؤولية اإلدارة‪ .‬وتنحص ـ ــر وق ـ ــائع ه ـ ــذه القض ـ ــية ف ـ ــي أن اإلدارة ق ـ ــد تس ـ ــرعت ف ـ ــي تنفي ـ ــذ حك ـ ــم ص ـ ــادر‬

‫‪ -1‬لقد مت حتديد أوجه تعسف اإلدارة يف استعمال حقوقها اإلدارية من طرف الفقيه " بونار"‪ .‬وذلك يف إطار تعليقه على حكم جملس الدولة يف قضية‬
‫"مناجم سيجري" سنة ‪ .1121‬واليت تتلخص وقائعها يف أن مرسوم ‪ 9‬يوليو ‪ 1881‬قد نظم طريقة استغالل مناجم الذهب يف املستعمرات‪ ،‬فقضى بأن‬
‫حيتفظ باستغالل الطبقات العليا ألهايل تلك املستعمرات‪ ،‬على أن يكون للشركة حق استغالل الطبقات السفلى اليت ال يصل إليها األهايل بوسائلهم‬
‫البدائية‪ .‬وجعل للمحاكم حق منح وسحب رخص االستغالل‪ .‬وحدث وأن اعتدت شركة مناجم سيجري على الطبقات املخصصة لألهايل من سكان‬
‫املستعمرات‪ ،‬وكان ذلك االعتداء بعلم من اإلدارة‪ ،‬ولكنها تركتها رغم ذلك تباشر هذا االستغالل غري املشروع فرتة من الزمن‪ .‬مث تراءى لإلدارة أن تصحح‬
‫ذلك الوضع القائم‪ ،‬ففاجأت الشركة دون سابق إنذار وأمرهتا بالكف فورا عن استغالل الطبقات العليا‪ .‬فطعنت الشركة يف هذا القرار طالبة إلغائه والتعويض‬
‫ملا سببه هلا تنفيذه من أضرار‪ ،‬لكن جملس الدولة رفض اإللغاء مقررا أن األمر اإلداري كان سليما‪ ،‬ولكنه حكم على الشركة بالتعويض‪ ،‬ألن اإلدارة وإن كان‬
‫هلا احلق يف إصدار ذلك القرار‪ ،‬لكنها استعملت حقوقها استعماال تعسفيا‪ .‬وانطالقا من هذا احلكم وضع " بونار" أوجه تعسف اإلدارة يف استعمال حقوقها‬
‫كاآليت‪ -:‬أن يكون القرار اإلداري فجائيا‪ -.‬أن يكون القرار اإلداري من غري فائدة‪ -.‬أن يكون القرار االداري بال القسوة‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال احلقوق اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.122-129‬‬
‫‪ - 2‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫لصـ ـ ــالحها بصـ ـ ــفة ابتدائيـ ـ ــة مـ ـ ــن مجلـ ـ ــس المديريـ ـ ــة‪ ،‬دون أن تنتظـ ـ ــر حكـ ـ ــم االسـ ـ ــتئناف المنظـ ـ ــور أمـ ـ ــام‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬الذي انتهى بإلغاء الحكم االبتدائي‪ .‬وذلك في ‪ 22‬فيفري ‪.)1(1130‬‬

‫كم ـ ــا قض ـ ــى مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي بتع ـ ــويض الم ـ ــوظفين ال ـ ــذين يفص ـ ــلون فج ـ ــأة نتيج ـ ــة إلغ ـ ــاء‬
‫الوظيف ـ ــة إلغ ـ ــاء قانوني ـ ــاز وق ـ ــد طب ـ ــق المجل ـ ــس ذل ـ ــك بص ـ ــدد حكم ـ ــه الص ـ ــادر ف ـ ــي ‪ 11‬ديس ـ ــمبر ‪1130‬‬
‫ف ـ ــي قضـ ـ ـية " فيلن ـ ــاف "(‪ .)2‬والحقيق ـ ــة أن قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ه ـ ــذا ل ـ ــم يـ ـ ـأتي إال بع ـ ــد جه ـ ــد‬
‫كبي ــر منـ ــه‪ ،‬فقـــد كان ــت القاعـــدة المسـ ــلم بهـ ــا أن قـ ـرار فصـ ــل الم ــوظفين ه ــو قـ ـرار تقـ ــديري لـ ــيس بطبيعتـــه‬
‫أن يؤدي إلى مسؤولية اإلدارة(‪.)3‬‬

‫أمـ ــا عـ ــن القضـ ــاء الج ازئـ ــري‪ ،‬فقـ ــد طبـ ــق مجلـ ــس الدولـ ــة الج ازئـ ــري نظريـ ــة التعسـ ــف فـ ــي اسـ ــتعمال‬
‫الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة وقض ـ ــى بتع ـ ــويض الش ـ ــخص المض ـ ــرور دون إلغ ـ ــاء قـ ـ ـرار االدارة‪ ،‬لك ـ ــون ه ـ ــذا األخي ـ ــر‬
‫مشـ ـ ــروعا‪ .‬وذلــ ــك فــ ــي ق ـ ـ ـرار مجلـ ـ ــس الدولــ ــة فــ ــي ‪ 2331/6/2‬فـ ـ ــي قض ـ ــية ( ل‪.‬ا ) ضــ ــد رئـ ـ ــيس بلديـ ـ ــة‬
‫حاسـ ـ ـ ــي بحـ ـ ـ ــبح‪ .4‬وتـ ـ ـ ــتلخص وقـ ـ ـ ــائع القضـ ـ ـ ــية فـ ـ ـ ــي أن السـ ـ ـ ــيد ( ل‪.‬ا ) قـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ــم تسـ ـ ـ ــجيله فـ ـ ـ ــي قائمـ ـ ـ ــة‬
‫المسـ ــتفيدين مـ ــن السـ ــكنات التطوريـ ــة الواقعـ ــة قـ ــرب المستشـ ــفى‪ ،‬وذلـ ــك بموج ـ ـب ق ـ ـرار مـ ــن بلديـ ــة حاسـ ــي‬
‫بح ـ ــبح ف ـ ــي اجتم ـ ــاع له ـ ــا ف ـ ــي ‪ ،1116/9/29‬إال أنـ ـ ـه بع ـ ــد مض ـ ــي م ـ ــدة طويل ـ ــة‪ ،‬قام ـ ــت البلدي ـ ــة بتعلي ـ ــق‬
‫قائمة أخرى‪ ،‬ولكن بحذف اسم المستأنف‪.‬‬

‫وبالتـ ــالي تكـ ــون اإلدارة قـ ــد فاجـ ــأت المسـ ــتأنف بقرارهـ ــا التعسـ ــفي‪ ،‬ومـ ــن ثـ ــم قضـ ــى مجلـ ــس الدولـ ــة‬
‫بتأيي ـ ــد حك ـ ــم المحكم ـ ــة اإلداري ـ ــة‪ ،‬والمتمث ـ ــل ف ـ ــي رف ـ ــض طلب ـ ــه المتض ـ ــمن تس ـ ــليمه الس ـ ــكن‪ ،‬والـ ـ ـزام اإلدارة‬
‫بتعويضه بمبلغ ‪ 23.333‬دج‪ ،‬تعويضا عن الضرر الذي لحق به من قرار اإلدارة الفجائي‪.‬‬

‫وفـ ـي ذل ــك قض ــى مجل ــس الدول ــة‪ " :‬حيـــث أن الضـــرر الـــذي لحـــق بـــه يتمثـــل فـــي خيبـــة األمـــل‬
‫التـــي أحـــس بهـــا بعـــد حـــذف اســـمه مـــن القائمـــة‪ ،‬وأن تســـجيل اســـمه بالقائمـــة مـــن بـــين المســـتفيدين‬
‫مــن طــرف البلديــة ولــد أمــال لديــه‪ ،‬ولكــن لــيس بحــق مكتســب‪ ،‬وعليــه فــإن مبلــغ التعــويض الممنــوح‬
‫للمستأنف كافيا‪ ،‬ويتناسب والضرر الالحق به‪ ،‬مما ينبغي تأييد القرار محل االستئناف "‪.‬‬

‫والمالح ـ ــظ م ـ ــن ه ـ ــذه القض ـ ــية أن القاض ـ ــي الج ازئ ـ ــري ق ـ ــد أعم ـ ــل نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال‬
‫الحقـ ـ ــوق اإلداريـ ـ ــة لكـ ـ ــن دون أن يشـ ـ ــير إلـ ـ ــى ذلـ ـ ــك ص ـ ـ ـراحة‪ .‬ذلـ ـ ــك أن اإلدارة لـ ـ ــم ترتكـ ـ ــب عمـ ـ ــال غيـ ـ ــر‬
‫مش ـ ــروع‪ ،‬ألنه ـ ــا منح ـ ــت الس ـ ــكنات ل ـ ــذوي ال ـ ــدخل المتوس ـ ــط ألنه ـ ــم يس ـ ــتطيعون إتم ـ ــام األش ـ ــغال المتبع ـ ــة‬

‫‪ - 1‬عمار عوابدي‪ ،‬نظرية املسؤولية االدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .199‬وجتدر اإلشارة إىل أن طرق الطعن العادية يف اجلزائر أيضا هلا أثر موقف‪ ،‬وذلك ما‬
‫تضمنته املادة ‪ 020‬من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية‪ " :‬يوقف تنفيذ احلكم خالل أجل الطعن العادي كما يوقف بسبب ممارسته "‪.‬‬
‫‪ - 2‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬قضاء التعويض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 4‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية‪-‬وسائل املشروعية‪،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،2339 ،‬ص ‪.28‬‬
‫واتمـ ــام المسـ ــاكن علـ ــى أحسـ ــن مـ ــا ي ـ ـرام بـ ــدال مـ ــن المسـ ــتفيدين األوائـ ــل‪ ،‬الـ ــذين كـ ــانوا غيـ ــر قـ ــادرين علـ ــى‬
‫إتمـ ــام البنـ ــاء وبإمكـ ــانهم االسـ ــتفادة مـــن السـ ــكنات الجـ ــاهزة‪ ،‬لكـ ــن مفاجأتهـــا للطـ ــاعن بإ ازلـ ــة اسـ ــمه بطريقـ ــة‬
‫فجائية وطول انتظاره حملها مسؤولية تعويضه عن الضرر الذي أصابه‪.‬‬

‫‪ -2‬الحكم على اإلدارة بالتعويض لت ارخيها في اتخاذ القرار‬

‫وهـ ـ ــي الصـ ـ ــورة العكسـ ـ ــية للحالـ ـ ــة السـ ـ ــابقة‪ ،‬وقـ ـ ــد رأينـ ـ ــا أن أبـ ـ ــرز مظـ ـ ــاهر السـ ـ ــلطة التقديريـ ـ ــة لـ ـ ــإلدارة‬
‫تتمثـ ـ ــل فـ ـ ــي حريـ ـ ــة اإلدارة فـ ـ ــي تقـ ـ ــدير الوقـ ـ ــت المناسـ ـ ــب التخـ ـ ــاذ قرارهـ ـ ــا‪ ،‬وأن حريتهـ ـ ــا فـ ـ ــي هـ ـ ــذا الشـ ـ ــأن ال‬
‫تخض ـ ــع لرقاب ـ ــة قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء‪ .‬وم ـ ــع ذل ـ ــك فـ ـ ـإن مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي ي ـ ــرى أن ع ـ ــدم تحدي ـ ــد المش ـ ــرع‬
‫لوقـ ـ ـت زمن ـ ــي مح ـ ــدد التخ ـ ــاذ القــ ـرار اإلداري ال يعن ـ ــي حري ـ ــة اإلدارة المطلق ـ ــة ف ـ ــي ه ـ ــذا المج ـ ــال‪ ،‬ب ـ ــل يتع ـ ــين‬
‫عليهـ ـ ـ ــا حسـ ـ ـ ــن اختيـ ـ ـ ــار وقـ ـ ـ ــت تص ـ ـ ـ ـرفها‪ ،‬ألن ضـ ـ ـ ــرورة اسـ ـ ـ ــتقرار المعـ ـ ـ ــامالت تسـ ـ ـ ــتلزم أال تبقـ ـ ـ ــى الم اركـ ـ ـ ــز‬
‫القانونية غير محددة لمدة طويلة(‪.)1‬‬

‫وطبقـ ــا له ـ ــذا التوج ـ ــه‪ ،‬قضـ ــى مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي فـ ــي ‪ 29‬جويلي ـ ــة ‪ 1118‬ب ـ ــالحكم عل ـ ــى اإلدارة‬
‫بـ ــالتعويض لتراخيهـ ــا فـ ــي اتخـ ــاذ ق ـ ـرار يمنـ ــع أحـ ــد األف ـ ـراد مـ ــن مزاولـ ــة مهنتـ ــه الخط ـ ـرة‪ ،‬والمتمثلـ ــة فـ ــي تم ـ ـرين‬
‫الـ ـ ـراغبين ف ـ ــي األعي ـ ــاد عل ـ ــى إط ـ ــالق الن ـ ــار واص ـ ــابة اله ـ ــدف ألن ذل ـ ــك يع ـ ــرض س ـ ــالمة الجمه ـ ــور للخط ـ ــر‪،‬‬
‫وقـ ــد حـ ــدث بالفعـ ــل أن أصـ ــيبت إحـ ــدى الم ـ ـارات برصاصـ ــة طائشـ ــة فـ ــي أرسـ ــها‪ ،‬فقضـ ــى مجلـ ــس الدولـ ــة فـ ــي‬
‫ه ـ ــذا الخص ـ ــوص ب ـ ــالتعويض(‪ .)2‬واس ـ ــتقر قض ـ ــاء مجل ـ ــس الدول ـ ــة الفرنس ـ ــي عل ـ ــى ه ـ ــذه القاع ـ ــدة‪ ،‬فحك ـ ــم ف ـ ــي‬
‫ح ـ ــاالت أخـ ـ ــرى بمســ ــؤولية اإلدارة لتراخيهـ ـ ــا فــ ــي إصـ ـ ــدار الق ـ ـ ـرار بإعفـ ـ ــاء ش ـ ــاب مـ ـ ــن تطوعــ ــه للخدمـ ـ ــة فـ ـ ــي‬
‫الفرقـ ــة األجنبيـ ــة‪ ،‬ممـ ــا أدى إلـ ــى وفاتـ ــه فـ ــي إحـ ــدى المعـ ــارك‪ .‬وت ارخـ ــي سـ ــلطات البـ ــوليس فـ ــي اإلف ـ ـراج عـ ــن‬
‫كلـ ــب رغ ـ ــم مطالبـ ــة ص ـ ــاحبه بـ ــه مم ـ ــا أدى إلـ ــى إع ـ ــدام الكلـ ــب‪ .‬وك ـ ــذلك تـ ــأخر اإلدارة أكث ـ ــر مـ ــن س ـ ــنة دون‬
‫مبرر عن تسليم أحد األفراد ترخيصا بالبناء(‪.)3‬‬

‫‪ -3‬الحكم على اإلدارة بالتعويض إل تخاذها بعض الق اررات غير المالئمة‬

‫إن مالءم ـ ـ ــة العقوب ـ ـ ــة التأديبي ـ ـ ــة للجريم ـ ـ ــة التأديبي ـ ـ ــة ه ـ ـ ــي مسـ ـ ـ ـألة تس ـ ـ ــتقل اإلدارة ف ـ ـ ــي تق ـ ـ ــديرها كم ـ ـ ــا‬
‫سـ ـ ــنتناوله فـ ـ ــي حينـ ـ ــه‪ ،‬لكـ ـ ــن مجلـ ـ ــس الدولـ ـ ــة الفرنسـ ـ ــي أخضـ ـ ــع مالءمـ ـ ــة الج ـ ـ ـزاءات التأديبيـ ـ ــة لرقابتـ ـ ــه فـ ـ ــي‬
‫مجال قضاء التعويض دون قضاء اإللغاء(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪ - 3‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس ‪ ،1111،‬ص‪.112‬‬
‫‪ - 4‬محد عمر محد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫وأش ـ ــهر مث ـ ــال ل ـ ــذلك‪ ،‬قـ ـ ـ ارره الص ـ ــادر ف ـ ــي ‪ 23‬يوني ـ ــو ‪ 1110‬ف ـ ــي قض ـ ــية "مـ ـ ـارك"‪ ،‬فق ـ ــد ك ـ ــان الس ـ ــيد‬
‫"مـ ــارك" يش ـ ــغل منص ـ ــب م ـ ــدير حديق ـ ــة للنبات ـ ــات ف ـ ــي مدين ـ ــة "رن" بفرنس ـ ــا لك ـ ــن فص ـ ــلته اإلدارة م ـ ــن منص ـ ــبه‬
‫ألسـ ــباب رأى أنهـ ــا تعسـ ــفية‪ ،‬فرفـ ــع دعـ ــوى يطلـ ــب إلغـ ــاء الق ـ ـرار الخـ ــاص بالفصـ ــل وطالـ ــب فـ ــي نفـ ــس الوقـ ــت‬
‫بتعويضـ ــه عـ ــن الق ـ ـرار‪ ،‬لكـ ــن مجلـ ــس الدولـ ــة الفرنسـ ــي حكـ ــم بـ ــالتعويض ألن األض ـ ـرار التـ ــي ارتكبهـ ــا السـ ــيد‬
‫مارك ال تبرر القرار الصادر بفصله(‪.)1‬‬

‫أم ـ ــا بالنس ـ ــبة للقض ـ ــاء اإلداري الج ازئ ـ ــري‪ ،‬فإن ـ ــه ال يخض ـ ــع مالءم ـ ــة اإلدارة ف ـ ــي اختي ـ ــار وق ـ ــت اتخ ـ ــاذ‬
‫ق ارراتهـ ــا لرقابتـ ــه كقاعـ ــدة عامـ ــة؛ إذ تملـ ــك السـ ــلطة اإلداريـ ــة علـ ــى حـ ــد قـ ــول األسـ ــتاذ "عمـ ــار عوابـ ــدي" حريـ ــة‬
‫مالءمـ ـ ــة وتقـ ـ ــدير وقـ ـ ــت التـ ـ ــدخل إلصـ ـ ــدار ق ـ ـ ـ اررات التعيـ ـ ــين فـ ـ ــي الوظـ ـ ــائف اإلداريـ ـ ــة‪ .‬إذ تملـ ـ ــك السـ ـ ــلطات‬
‫اإلداريــ ـ ــة المختصــ ـ ــة أن تعـ ـ ـ ــين أو ال تعــ ـ ــين إذا أرادت أن تتـ ـ ـ ــدخل إلص ـ ـ ــدار ق ـ ـ ـ ـرار التعيـ ـ ـ ــين‪ ،‬فلهـ ـ ـ ــا حريـ ـ ـ ــة‬
‫المالءمـ ــة والتقـ ــدير فـ ــي اختيـ ــار وقـ ــت التعيـ ــين ومضـ ــمون التعيـ ــين دون معقـ ــب عليهـ ــا مـ ــن طـ ــرف القضـ ــاء‬
‫اإلداري فيما يخص اختيار وقت التدخل(‪.)2‬‬

‫نح ـ ــن نرج ـ ــو م ـ ــن قض ـ ــائنا اإلداري أن يلتف ـ ــت إل ـ ــى نظري ـ ــة التعس ـ ــف ف ـ ــي اس ـ ــتعمال الحق ـ ــوق اإلداري ـ ــة‬
‫وأن يأخ ـ ــذها بع ـ ــين االعتب ـ ــار ف ـ ــي تطبيقات ـ ــه‪ .‬خاص ـ ــة وأن قض ـ ــاء اإللغ ـ ــاء يمتن ـ ــع ف ـ ــي كثي ـ ــر م ـ ــن األحي ـ ــان‬
‫عـ ــن بسـ ــط رقابتـ ــه علـ ــى ركـ ــن المحـ ــل خاصـ ــة فـ ــي مجـ ــال سـ ــلطة اإلدارة التقديريـ ــة‪ ،‬السـ ــيما إذا كـ ــان الق ـ ـرار‬
‫اإلداري مش ـ ــروعا وس ـ ــلمت جمي ـ ــع أركان ـ ــه‪ ،‬وبالت ـ ــالي فـ ـ ـإن نظري ـ ــة التعس ـ ــف س ـ ــتكون خي ـ ــر ح ـ ــل لمن ـ ــع اإلدارة‬
‫من التعسف في استعمال سلطاتها التقديرية أمام عجز قضاء اإللغاء عن ذلك(‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات االدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ - 2‬عمار عوابدي‪ ،‬مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪،1189 ،‬ص‪.032‬‬
‫‪ - 3‬ختتلف نظرية التعسف يف احلقوق اإلدارية عن نظرية اإلحنراف بالسلطة يف أن هذه األخرية يكون جماهلا يف قضاء اإللغاء والتعويض على السواء‪ ،‬وال يتم‬
‫اعماهلا إال إذا كان القرار اإلداري معيبا يف هدفه أو غايته‪ .‬أما نظرية التعسف فتجد جماهلا يف قضاء التعويض فقط‪ ،‬ويتم تطبيقها حت ولو كان القرار‬
‫اإلداري سليما يف مجيع أركانه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫لقد تنوعت األساليب التي اتبعها القضاء في إطار بسطه للرقابة على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فكانت‬
‫رقابته على ركن السبب خطوة تقليدية في هذا الصدد‪ ،‬حيث كانت البداية هي التثبت من حقيقة وجود الوقائع‬
‫التي بنت عليها اإلدارة قرارها‪ ،‬لينظر بعد ذلك مدى انسجام تلك الوقائع والنظم القانونية التي تحججت بها‬
‫اإلدارة‪ ،‬وأخي ار يتأكد القاضي من مدى خطورة تلك الوقائع كسبب دافع باإلدارة إلصدار القرار اإلداري‪.‬‬
‫لكن وأمام إحساس القضاء بعدم كفاية هذه اإلتجاهات‪ ،‬أو عدم كفاية ما تنطوي عليه من أساليب‬
‫رقابة‪ ،‬لما تشتمل عليه من نقاط ضعف أو من ثغرات تسمح لإلدارة في بعض األحيان بأن تباشر سلطتها‬
‫التقديرية بشكل تحكمي و تعسفي‪ ،‬خاصة في المجاالت الحديثة للدولة المعاصرة‪ ،‬فقد خطا خطوات هامة في‬
‫هذا المجال ‪.‬‬
‫وتمثلت أولى تلك الخطوات‪ ،‬فيما يعرف برقابة الخطأ البين في التقدير‪ ،‬أما الخطوة الثانية فتمثلت في‬
‫انتهاجه أسلوب الموازنة بين المنافع واألضرار في الرقابة‪.‬‬
‫وتبيانا لهذا اإلجمال‪ ،‬نتناول فيما يلي ذكره أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬‬
‫التقليدية منها ثم الحديثة‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫أساليب الرقابة التقليدية‬
‫تعتبر رقابة القضاء اإلداري على سبب القرار اإلداري من أهم الضمانات األساسية الحترام اإلدارة‬
‫لمبدأ المشروعية في ق ارراتها اإلدارية‪ ،‬ذلك أن الق اررات الصادرة عن اإلدارة يجب أال تصدر عن الهوى‬
‫والتحكم‪ ،‬وانما يجب أن تستند إلى أسباب صحيحة وواقعية تبرر إتخاذها‪.‬‬
‫واذا كان السبب ركنا في كل قرار إداري‪ ،‬فإن دوره يختلف من قرار إلى آخر‪ ،‬ذلك أن المشرع قد‬
‫فرض على اإلدارة أال تتصرف إال إذا قام سبب بعينه‪ ،‬وحينئذ يعد اختصاص اإلدارة مقيدا‪ .‬وال بد أن يتحقق‬
‫السبب بالشروط التي فرضها المشرع لكي يكون القرار مشروعا‪ ،‬أما إذا لم يفرض على اإلدارة سببا بعينه‬
‫للتدخل فإن لها أن تختار ما تشاء من األسباب التي تبرر تدخلها‪.‬‬
‫لكن حرية اإلدارة في اختيار سبب تدخلها ‪ -‬إذا لم يحدد المشرع سببا بعينه ‪ -‬ال يعني حرية اإلدارة‬
‫المطلقة في هذا الصدد‪ ،‬بل يتعين عليها أن تختار السبب الذي من شأنه أن يبرر تدخلها‪ .‬وان كان دور‬
‫خاصة في مجال‬ ‫السبب ‪ -‬في مجال الرقابة القضائية ‪ -‬يتضاءل في حالة االختصاص التقديري لإلدارة‬
‫اإلثبات‪ ،‬إال أن القضاء اإلداري قد ابتكر وتدرج في إعمال رقابته على ركن السبب في مجاالت السلطة‬
‫التقديرية‪ .‬فكانت البداية مراقبة الوجود المادي للوقائع التي تدعيها اإلدارة‪ ،‬ثم رقابة تكييفها القانوني)‪ ،(1‬وأخي ار‬
‫رقابة التناسب‪.‬‬
‫وتبعا لذلك سنتناول هذه األساليب من خالل ثالث فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬رقابة الوجود المادي للوقائع‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬رقابة التكييف القانوني للوقائع‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬رقابة التناسب‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫رقابة الوجود المادي للوقائع‬
‫يتصل القرار اإلداري ‪ -‬أيا كان نوعه ‪ -‬بواقعة مادية توجد في عالم الواقع‪ ،‬وعندما يصدر القرار‬
‫اإلداري فإنه يأخذ في االعتبار هذه الحالة المادية المعينة‪ .‬واذا كانت القاعدة القانونية تتصف بالعموم‬
‫والتجريد‪ ،‬فإن الحالة المادية تشكل تجسيدا وتخصيصا يتيح وضع قاعدة القانون العامة والمجردة موضع‬
‫)‪(2‬‬
‫التنفيذ‪.‬‬
‫" فإذا لم توجد هذه الحالة المادية‪ ،‬فإن معنى ذلك أن مضمون القاعدة القانونية ال يمكن أن يوضع‬
‫موضع التنفيذ في مواجهة حالة موهومة أو مزعومة ليس لها قوام في الواقع")‪ .(3‬لذلك يتعين على القاضي‬
‫)‪(4‬‬
‫بالضرورة أن يبحث فيما إذا وجدت حقا تلك الحالة المادية في الواقع‪ ،‬والتي صدر القرار بهدف مواجهتها‪.‬‬
‫إذ تعتبر رقابة القضاء اإلداري على وجود الوقائع المادية التي استندت إليها اإلدارة في إصدار‬
‫ق ارراتها‪ ،‬أول درجات الرقابة القضائية على سبب القرار اإلداري‪ ،‬والحد األدنى لهذه الرقابة في هذا الميدان)‪.(5‬‬

‫‪ -1‬هناك من الفقهاء من يذهب إىل أن رقابة التكييف القانوين للوقائع تشمل رقابة الوجود املادي هلذه األخرية‪ .‬وبالتايل فإنه ال معىن هلذه املرحلة ألن حبث‬
‫التكييف يشملها بالضرورة‪ .‬ومن هؤالء جند " أويب " ‪ Auby‬و " دي كال "‪ .‬غري أن الدكتور حممد مصطفى حسن يفند ذلك‪ ،‬على أساس أنه يف حالة‬
‫ما إذا اثبت أن موظفا ما متت إحالته على التقاعد بناء على طلب مل يثبت تقدميه‪ ،‬فإننا نكون هنا بصدد ختلف الواقعة ماديا‪ ،‬أما إذا كان األمر متعلقا‬
‫بسبب أدى باإلدارة إىل استخالص ذلك من ورقة ال تنتج هذا املعىن‪ ،‬كنا بصدد خطأ يف التكييف‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية‬
‫يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129 ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪ -2‬مقاليت مىن وعمورة حكيمة‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات‬
‫القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.250‬‬
‫‪ -3‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪1412‬هجري‪ ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪-4‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬نظرية التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪،1128،‬ص ‪.029‬‬
‫‪ -5‬عبد الغين سيوىن عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112 ،‬ص ‪.263‬‬
‫فقد ذهب مفوضو الحكومة في فرنسا إلى القول بأن‪ " :‬التحقق من الوجود المادي للوقائع‪ ،‬هو أحد‬
‫عناصر الحد األدنى من الرقابة‪ ،‬الذي يجب على المجلس القيام به في جميع الحاالت بصدد سائر الق اررات‬
‫)‪(1‬‬
‫اإلدارية"‪.‬‬
‫والوقائع التي نقصد فرض الرقابة القضائية عليها‪ ،‬هي الوقائع التي ال أساس لها في القانون؛ أي أنها‬
‫ليست معتبرة كشرط يتطلبه القانون التخاذ قرار ما‪ ،‬وانما مجرد وقائع مادية تذرعت بها اإلدارة من تلقاء‬
‫نفسها واتخذتها سندا لق ارراتها‪ ،‬وهو ما يمثل‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬جوهر السلطة التقديرية لإلدارة ‪.‬‬
‫وعليه فإن التساؤل يطرح حول أساس الرقابة القضائية على مثل هذه الوقائع؛ أي حول أساس رقابة‬
‫القاضي اإلداري ألسباب ووقائع لم يشترطها القانون للعمل اإلداري‪.‬‬
‫وتبيانا لكل ذلك‪ ،‬سنتناول في نقطة أولى أساس الرقابة القضائية على الوجود المادي للوقائع‪ ،‬ثم نبين‬
‫موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه الرقابة‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬أساس الرقابة على الوجود المادي للوقائع في مجال السلطة التقديرية‬
‫)‪(2‬‬
‫تبري ار لفرض هذا‬ ‫لقد وجد مجلس الدولة الفرنسي في فكرة السبب القانوني ‪cause juridique‬‬
‫النوع من الرقابة على سلطة اإلدارة التقديرية‪ ،‬معتب ار أن الوقائع المدعاة من طرف اإلدارة بمثابة سبب قانوني‬
‫له‪ ،‬فإذا لم تكن تلك الوقائع موجودة أصال أو كانت موجودة و لكنها غير صحيحة‪ ،‬كان القرار مستندا إلى‬
‫سبب غير صحيح ومن ثم كان واجب اإللغاء(‪.)3‬‬
‫أما عن الفقه‪ ،‬فإنه لم يسلك مسلكا واحدا في تفسير هذا اإلتجاه القضائي الجديد‪ .‬فبالنسبة لبعض‬
‫الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه ‪ " Duguit‬دوجي "‪ ،‬فإنه ال وجود لعيب السبب في مجال القانون العام‪ .‬ولقد‬
‫استمد أفكاره من فكرة السبب إلى تحليله الخاص لعناصر العمل القانوني ونظرته إلى العمل اإلداري على‬
‫وجه العموم(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬حممد حسنني عبد العال‪ ،‬الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1111،‬ص ‪ .31‬ومن بني‬
‫مفوضي احلكومة الفرنسيني الذين حثوا جملس الدولة على فرض رقابته على الوجود املادي للوقائع‪ ،‬جند الفقيه » ‪ « Hopital‬الذي قال‪ " :‬إن اجمللس هو‬
‫قاضي جماوزة السلطة جيب عليه أن يفحص الوقائع‪ ...‬وإذا مل يقم اجملل س بفحص الوقائع فإن احلق املقرر للجميع يف أن يلجا إليه‪...‬سيصبح حقا ومهيا‬
‫ويصبح الطعن مبجاوزة السلطة عدمي اجلدوى"‪ .‬انظر يف ذلك‪ -:‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب‬
‫القرارات اإلدارية‪ ،‬دون رقم الطبعة ‪ ،‬القاهرة‪ ،2336 ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -2‬وهذا ما أفصح عنه جملس الدولة الفرنسي يف قضية "تريبون" ‪ ،‬حبيث أنكر على احلكومة أن تؤسس قرارها بإحالة املذكور على التقاعد بناء على سبب‬
‫غري موجود فعال وحقيقة‪ .‬وهلذا فقد ألغي ذلك القرار الستناده – كما يقول احلكم – إىل سبب قانوين غري موجود ‪sur une cause juridique‬‬
‫‪ – inexistante‬انظر يف ذلك‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف‬
‫جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪ -3‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪ -4‬ذلك أن العمل القانوين يف نظره مير مبراحل ثالث وهي ‪ - :‬مرحلة التخيل ‪ :‬وفيها يتخيل رجل اإلدارة ما جيب عليه أن يقوم به من عمل‪ .‬مث مرحلة‬
‫التفكري و التدبر‪ :‬ينصب فيها تفكري مصدر القرار على ركين احملل و الغاية‪ .‬وأخريا مرحلة اختاذ القرار وتنفيذه ‪ :‬وهي املرحلة اليت يقوم فيها رجل اإلدارة‬
‫في حين اعترف فريق ثان من الفقهاء وعلى رأسهم " هوريو " وفوديل" بوجود السبب‪ ،‬لكن ليس كعيب‬
‫(‪)1‬‬
‫سواء كان اختصاص اإلدارة مقيدا أو تقديريا‪ .‬فلقد‬ ‫مستقل وقائم بذاته‪ ،‬بل أدرجه ضمن وجه مخالفة القانون‬
‫اعتبر "هرريو" أن السبب القانوني هو الواقعة التي تلحق القرار بطائفة قانونية معينة‪ ،‬فإذا لم تكن هذه الواقعة‬
‫صحيحة انعدم السبب القانوني‪ ،‬وحق إلغاء القرار اإلداري لعيب مخالفة القانون(‪.)2‬‬
‫أما " فوديل " رغم اعترافه بركن السبب كركن مستقل من أركان القرار اإلداري‪ ،‬إال أنه أدرج عيب‬
‫السبب ضمن وجه مخالفة القانون‪ ،‬وذلك مع توسيع فكرة السبب لتشمل باإلضافة إلى الخطأ في الواقع‪ -‬الذي‬
‫تحدث عنه هوريو‪ -‬الخطأ في القانون (‪. )3‬‬
‫وثمة إتجاه ثالث‪ ،‬برر مسلك القضاء اإلداري في رقابة الوقائع التي تدعيها اإلدارة لق ارراتها‪ ،‬بأنه يندرج‬
‫في إطار عيب عدم االختصاص‪ ،‬ويتزعم هذا االتجاه الفقيه ‪ ، Régalade‬حيث يذكر أن القانون حينما‬
‫يخول اإلدارة اإلختصاص بإجراء تصرف ما‪ ،‬فإن هذا القانون يتضمن في الوقت ذاته عدم مباشرة‬
‫االختصاص إال إذا وجدت فعال وحقيقة وقائع وأسباب مبررة لهذا التصرف بحيث ال ينعقد االختصاص‪،‬‬
‫وبالتالي يكون التصرف باطال إذا لم توجد هذه الوقائع أو تلك األسباب‪ ،‬حتى وان كان المشرع قد ترك لرجل‬
‫اإلدارة قد ار من الحرية الختيار الوقائع التي يؤسس عليها هذا التصرف؛ فوجود الوقائع أو األسباب عند اتخاذ‬
‫قرار ما يعد بمثابة شرط تطلبه المشرع ضمنا لكي ينعقد االختصاص بداءة لرجل اإلدارة باتخاذ هذا القرار‪،‬‬
‫ومن ثم فإن الوقائع لم تعد في هذا الصدد من مسائل الواقع‪ ،‬وانما أيضا من مسائل القانون(‪.)4‬‬
‫غير أن الرأي الراجح في الفقه الفرنسي هو الربط بين أركان القرار اإلداري والعيوب التي يمكن أن‬
‫تصيبه فتؤدي إلى إلغائه‪ ،‬فاعتبر عيب السبب عيبا مستقال عن كل من عيب مخالفة القانون الذي يرتبط‬
‫بمحل القرار اإلداري وعيب االختصاص الذي يتصل بركن االختصاص(‪ ،)5‬ونذكر من هؤالء الفقهاء " دي‬
‫لوبادير" ‪ ،‬و " ريفيرو " و " بونار "(‪.)6‬‬

‫بصياغة قراره و تنفيذه على املخاطبني به‪.‬ن انظر يف ذلك‪ :‬حلسني بن الشيخ أث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية‪-‬وسائل املشروعية‪-‬الطبعة الثانية‪،‬دار‬
‫هومه‪ ،2339،‬ص ‪ 068‬و ‪. 061‬‬
‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 093 ، 061‬‬
‫‪ -2‬ماجد راغب احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، 2333،‬ص ‪ 939‬و ‪.936‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.936‬‬
‫‪ -4‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ -5‬لقد تأكد عيب السبب كعيب مستقل عند إصدار جملس الدولة الفرنسي لقراره املؤرخ يف ‪ 1‬ديسمرب ‪ ،1811‬يف قضية بنديال ‪، Bonduelle‬‬
‫فصار بذلك عيبا خامسا ومستقال بذاته عن العيوب األربعة األخرى‪.‬‬
‫‪ -6‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.936‬‬
‫يتضح من هذا العرض الموجز لمختلف اآلراء التي قيلت لتبرير رقابة مجلس الدولة الفرنسي للوقائع‬
‫التي تتذرع بها اإلدارة كأساس للق اررات الصادرة عنها بمقتضى سلطتها التقديرية‪ ،‬أنها تنطلق من أن رقابة‬
‫الوجود المادي للوقائع تدخل ضمن رقابة المشروعية(‪.)1‬‬
‫أما بالنسبة لمسلك القضاء المصري‪ ،‬فإن محكمة القضاء اإلداري قد ترددت في أحكامها بين االستناد‬
‫إلى عيب مخالفة القانون في بعض األحيان والى عيب إساءة السلطة أو االنحراف بها في أحيان أخرى‪،‬‬
‫وذلك إلى أن استقر بها المطاف في نهاية األمر بإلحاق العيوب التي تصيب ماديات وقائع الق اررات اإلدارية‬
‫بوجه الطعن باإللغاء لمخالفة القانون(‪ .)2‬ولكن ذلك لم يمنع المحكمة اإلدارية العليا من اإلستناد إلى عيب‬
‫السبب إلبطال كثير من الق اررات اإلدارية (‪.)3‬‬
‫أما عن موقف الفقه المصري من هذه المسألة‪ ،‬فنجد أن األستاذ "سليمان محمد الطماوي" يعترض على‬
‫استقالل عيب السبب على الرغم من إعترافة بركن السبب كركن مستقل‪ .‬ويرى أن المشرع المصري لم يذكر‬
‫سوى أربع أوجه للطعن باإللغاء في قانون مجلس الدولة وأن عيب السبب يندرج في هذه العيوب األربعة ألنه‬
‫ال يعتبر عيبا قائما بذاته‪ ،‬فهو يندرج ضمن عيب مخالفة القانون إذا كان اختصاص اإلدارة مقيدا‪ ،‬أو عيب‬
‫االنحراف بالسلطة إذا كان تقديريا(‪.)4‬‬
‫غير أن هذه النظرية منتقدة‪ ،‬ذلك أن السبب يختلف عن الغاية رغم ما بينهما من عالقة وطيدة‪،‬‬
‫فالسبب – وهو الحالة الموضوعية الخارجية التي تدفع إلى إصدار القرار – يتميز عن الغاية‪ ،‬وهي الحالة‬
‫النفسية لمصدر القرار‪ ،‬وما تنطوي عليه من قصد لتحقيق هدف معين بإصداره(‪ .)5‬فعيب االنحراف بالسلطة‬

‫‪ -1‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -2‬تقول احملكمة اإلدارية العليا ‪":‬ومن حيث أن القرار التأدييب كأي قرار إداري آخر‪ ،‬جيب أن يقوم على سبب يربره‪ ،‬فال تتدخل اإلدارة لتوقيع اجلزاء إال إذا‬
‫قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها‪ ،‬وللقضاء اإلداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوين‪ ،‬ورقابة القضاء اإلداري لصحة‬
‫احلالة الواقعية أو القانونية اليت تكون ركن السبب جتد حدها الطبي عي يف التحقق مما إذا كانت النتيجة اليت انتهى إليها القرار يف هذا الشأن مستخلصة‬
‫استخالصا سائغا من أصول تنتجها ماديا أو قانونيا‪ ،‬فإذا كانت النتيجة منتزعة من غري أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول ال تنتجها‪ ،‬أو كان‬
‫تكييف الوقائع – على فرض و جودها ماديا – ال ينتج النتيجة اليت يتطلبها القانون‪ ،‬كان القرار فاقدا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع خمالفا للقانون"‪.‬‬
‫أنظر يف ذلك‪ :‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 910‬و هو ذات الرأي الذي انتهت إليه األستاذة " سعاد الشرقاوي "‪ ،‬حينما قالت ‪ " :‬إذا ترك‬
‫املشرع لإلدارة سلطة اختيار السبب فال تسري الرقابة على هذا السبب إال عن طريق فكرة الباعث وإساءة استعمال السلطة"‪ .‬انظر‪ :‬سعاد الشرقاوي‪ ،‬القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1189 ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ -3‬ومن ذلك حكم حمكمة القضاء اإلداري املصرية يف ‪ 8‬ماي ‪ ،1112‬الذي جاء فيه أنه ‪ ":‬إذا مل يسبب القرار ومل تكن هناك قاعدة تلزم اإلدارة بذلك‪،‬‬
‫فإما أن يكون لإلدارة سلطة اختيار السبب وعدم اإلعالن عنه‪ ،‬ويف هذه احلالة ال توجد إمكانية رقابة السبب وال تفسر الرقابة إال عن طريق تطبيق فكرة‬
‫الباعث"‪ .‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 932‬‬

‫‪ -4‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،1111،‬ص ‪ 28‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪ -5‬يدعي البعض أن سبب القرار اإلداري ليس شيئا موضوعيا‪ ،‬وإمنا هو ذو طبيعة شخصية‪ .‬وذلك ألن السبب يتمثل يف اعتبارات واقعية أو قانونية تدفع‬
‫مصدر القرار إىل إصداره‪ ،‬وأمر تقدير هذه االعتبارات وإصدار القرار أو عدم إصداره إمنا يرجع لرجل اإلدارة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪. 913‬‬
‫يصيب ركن الغاية من القرار وركن الغاية اليختلط بركن السبب‪ ،‬بل هو متميز ومنفصل عنه‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫فإن العيب الذي يصيب أيا منهما ‪ ،‬يجب أيضا أن تكون له استقاللية عن العيب الذي يصيب الركن اآلخر‪،‬‬
‫ولهذا ال يصح القول أن السبب والغرض و هما ركنان مستقالن ومتميزان – كما ذكرنا – يصيبهما عيب‬
‫(‪)1‬‬
‫واحد هو عيب االنحراف‪.‬‬
‫وبالتالي كان الرأي الراجح في مصر هو الربط بين أركان القرار اإلداري و العيوب التي يمكن أن‬
‫تصيبه فتؤدي إلى إلغائه‪ ،‬فاعتبروا عيب السبب مستقال عن كل من عيب مخالفة القانون واالنحراف‬
‫بالسلطة‪ .‬ومن هؤالء نجد " عبد الغني بسيوني عبد اهلل " و " ماجد راغب الحلو " و " محمد مصطفى حسن"‬
‫و " إبراهيم عبد العزيز شيحا "‪ ،‬حيث يقول هذا األخير ‪ ... " :‬وهكذا يستقل عيب السبب عن وجه مخالفة‬
‫القانون الذي يتصل بمحل القرار اإلداري‪ ،‬و عيب االنحراف بالسلطة‪ ،‬الذي يرتبط بالغاية المراد تحقيقها‬
‫(‪)2‬‬
‫من إصدار القرار‪ ،‬ومن باب أولى عن عيب الشكل وعيب عدم االختصاص "‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أما بالنسبة ألساس الرقابة على الوجود المادي للوقائع في الجزائر‪ ،‬فقد أدخل األستاذ "أحمد محيو"‬
‫عيب السبب ضمن حاالت عيب مخالفة القانون‪ .‬وهو في ذلك يساند ما ذهب إليه جانب من الفقه الفرنسي‬
‫وعلى رأسهم "هوريو" و "فوديل"‪ .‬ويقول في ذلك‪ " :‬يجب أن نفهم عبارة "مخالفة القانون" بمفهومها الواسع‪،‬‬
‫و تشمل مخالفة الدستور‪ ،‬القوانين‪ ،‬اللوائح‪ ...‬و عندما تتصرف اإلدارة يجب أن تخضع إللتزام مزدوج‪:‬‬
‫‪ -‬إلتزتما إيجابيا‪ ،‬يفرض عليها تطبيق القاعدة القانونية بكل النتائج المتمخضة عنها‪.‬‬
‫‪ -‬إلتزاما سلبيا‪ ،‬و يفرض عليها اإلمتناع عن عمل ما هو محظور من طرف القانون‪ ،‬و إال ارتكبت‬
‫مخالفة للقانون تفتح طريق دعوى تجاوز السلطة"‪.‬‬
‫لقد قسم األستاذ " أحمد محيو" عيب مخالفة القانون إلى ثالث حاالت‪ ،‬وتتمثل الحالة الثالثة في "رقابة‬
‫األسباب" ‪ ،‬من غلط في القانون أو الوقائع‪ ،‬وعلى ذلك فإنه يعتبر الخطأ في الوجود المادي للوقائع داخال‬
‫ضمن حاالت عيب مخالفة القانون لكونه ال يعتبر عيب السبب عيبا مستقال بذاته(‪.)4‬‬
‫نحن نرى أن هذا الموقف منتقد‪ ،‬ذلك أن تكييف العيب الذي يكتنف انعدام الوجود المادي للوقائع على‬
‫أنه عيب مخالفة القانون‪ ،‬وان كان مقبوال في حالة األسباب القانونية التي تكون اإلدارة بصددها في نطاق‬
‫سلطة مقيدة‪ .‬فإن الوضع يختلف بالنسبة لألسباب الواقعية‪ ،‬والتي تكون أساسا للسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فإذا‬

‫‪ -1‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 18‬و ‪. 11‬‬

‫‪ -2‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬الوسيط يف مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،1111 ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-.Mahiou(A),cours du contentieux administratif, 2 Emme édition,1981,OPU Alger,p 112.‬‬

‫‪ - 4‬أما بالنسبة للمؤلفني والكتاب يف القانون اإلداري اجلزائري‪ ،‬فإننا جندهم مسلمني باإلجتاه احلديث يف فقه القانون اإلداري الفرنسي الذي يعترب عيب‬
‫السبب عيبا مستقال بذاته‪ .‬جند من ذلك‪ :‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار جسور للنشر و التوزيع‪،‬‬
‫‪ ،2331‬ص ‪ ،121‬وحممد الصغري بعلي‪ ،‬القضاء اإلداري(جملس الدولة)‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫لم تكن هذه الوقائع أو األسباب موجودة أصال أو كانت غير صحيحة فإنه ال يمكن القول أن اإلدارة قد‬
‫خالفت بذلك القانون‪ ،‬أو أن العيب الذي أصاب هذه الوقائع يندرج ضمن عيب مخالفة القانون‪ .‬وانما نقول أن‬
‫الرقابة على الوقائع في ظل السلطة التقديرية لإلدارة هي رقابة مالءمة(‪ ...")1‬وهي رقابة ال تتطلب ضرورة‬
‫النص عليها في القانون‪ ،‬وبالتالي ال تحتاج إلى إلحاق العيب الذي يلحق الوقائع التي تدعيها اإلدارة في‬
‫حالة السلطة التقديرية بواحد من العيوب التي جعلها القانون سببا لإللغاء‪.)2("...‬‬
‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء من رقابة الوجود المادي للوقائع في مجال السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫لقد ظهرت رقابة الوجود المادي للوقائع في قضاء مجلس الدولة الفرنسي بعد نشأته ب ـ ‪ 06‬عاما‬
‫تقريبا)‪ ،(3‬وكان ذلك بمقتضى ق ارره الصادر في قضية " ‪ " Monod‬أو مونو سنة ‪.(4) 1907‬‬
‫وابتداءا من هذه القضية‪ ،‬بدأ مجلس الدولة الفرنسي في رقابته للوجود المادي للوقائع)‪(5‬؛ إذ أصبح‬
‫يشترط لصحة ق اررات اإلدارة ضرورة استنادها إلى وقائع صحيحة سواء تعلق األمر باختصاص تقديري‬
‫لإلدارة أم باختصاص مقيد‪.‬‬
‫أما في مجال السلطة التقديرية‪ ،‬فقد أصبح القاضي اإلداري يقضي بإلغاء الق اررات اإلدارية الصادرة‬
‫بناء على سلطة تقديرية لإلدارة متى كانت مؤسسة على وقائع غير موجودة ماديا‪ .‬وذلك ما نلمسه من موقف‬
‫مجلس الدولة الفرنسي في عدة قضايا الحقة لقضية "مونو"‪ ،‬ففي قضية مشابهة تدعى قضية "تريبون " انتهى‬
‫إلى القول أنه ‪ " :‬يتبين من أوراق الملف أن الطاعن إذ لم يعرب عن رغبته في إحالته على التقاعد ‪...‬‬

‫‪ -1‬وهو املوقف أو النتيجة اليت انتهى إليها األستاذ " رمضان حممد بطيخ"‪.‬أنظر‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي‬
‫للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -2‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪-3‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص‪ .010‬وماجد راغب‬
‫احللو‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333 ،‬ص ‪" .113‬فإن كان القرن التاسع عشر هو عصر اإلطالق بالنسبة لسلطات اإلدارة‪ ،‬فإن‬
‫القرن العشرين هو عصر تقييدها"‪.‬أنظر يف ذلك‪:‬زروق العريب ‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي‬
‫اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد الثامن‪،2339 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -4‬تتلخص وقائعها يف أنه قد صدر قرار بإحالة أحد احملافظني يدعى " مونو " إىل التقاعد‪ .‬وقد استند هذا القرار إىل واقعة تقدمي احملافظ املذكور طلبا‬
‫بذلك يف الوقت الذي مل يتقدم فيه بطلب كهذا على اإلطالق‪ .‬وهلذا فقد طالب السيد "مونو" إلغاء هذا القرار الستناده إىل جمرد واقعة مدعاة من جانب‬
‫اإلدارة ال أساس لوجودها يف الواقع‪ .‬وقد كان على جملس الدولة – طبقا لقضائه املستقر يف هذا اخلصوص – أن يرفض التصدي لواقعة تقدمي الطلب اليت‬
‫ذكرت سببا للقرار‪ ،‬إال انه مل يسلك هذا السبيل و تصدى بالفعل هلذه الواقعة وانتهى إىل صحتها‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء‬
‫اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112،‬ص ‪. 263‬وأشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف‬
‫تسبيب القرارات اإلدارية‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬القاهرة‪ ،2336 ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -5‬إن سبب امتناع جملس الدولة يف املاضي عن رقابة الوقائع‪ ،‬يتمثل يف أن اجمللس كان يعترب نفسه بأنه قاض موضوع وليس قاض وقائع‪ .‬ولقد اعترب‬
‫اجمللس أنه لو قام بإلغاء قرار إداري بسبب عدم الصحة املادية للوقائع‪ ،‬فإنه يكون قد اعتدى على سلطات اإلدارة‪ .‬وذلك نظرا ملا كان سائدا يف جمال التمييز‬
‫بني الوظيفة القضائية واإلدارية‪ .‬ملزيد من التفاصل أنظر‪:‬‬
‫‪Charles Debbasch, J-C Ricci, le contentieux administratif,7 emme édition, Dalloz, p 691.‬‬
‫فإن القرار محل الدعوى والذي قرر أن تلك اإلحالة إنما كانت على أساس من طلبه‪ ،‬يكون ق ار ار مستندا‬
‫إلى واقعة غير صحيحة ماديا‪ ،‬ومن ثم فإن وزير الداخلية يكون بذلك قد أعطى قراره سببا قانونيا‬
‫)‪(1‬‬
‫منعدما"‬
‫ومن الحيثيات الهامة التي تذكر في هذا الصدد‪ ،‬تلك التي تضمنها قرار مجلس الدولة الفرنسي في‬
‫قضية ‪ camino‬الصادرة سنة ‪ " ، 1119‬ذلك الحكم الذي يعتبره رجال الفقه الفيصل الحقيقي بين منهج‬
‫مجلس الدولة في رفض بحث أو رقابة أية وقائع لم يشترطها القانون لتدخل اإلدارة‪ ،‬وبين منهجه في بسط‬
‫تلك الرقابة على مثل هذه الوقائع"‪(2).‬وقد ورد في هذه الحيثية أنه ‪ " :‬إذا كان مجلس الدولة ال يستطيع‬
‫تقدير مالءمة اإلجراءات التي تعرض عليه بطريق دعوى مجاوزة السلطة‪ ،‬فإنه يملك التحقق من ماديات‬
‫)‪(3‬‬
‫الوقائع التي بررت هذه اإلجراءات"‪.‬‬
‫وقد توالت الق اررات التي أخذ فيها مجلس الدولة الفرنسي برقابة الوجود المادي للوقائع في حالة‬
‫االختصاص التقديري لإلدارة‪ ،‬ومن ثم يمكننا القول أن مجلس الدولة الفرنسي سجل بدءا من عام ‪1132‬‬
‫تحوال رئيسيا في منهجه الرقابي‪ ،‬وذلك بفرض رقابته على الوقائع التي ال يشترطها القانون لتدخل اإلدارة؛ أي‬
‫على الوقائع التي تثبتها اإلدارة بمحض اختيارها وبمطلق حريتها في التقدير كأساس لق ارراتها‪ ،‬واستقر في هذا‬
‫الصدد على وجوب إلغاء القرار اإلداري‪ -‬بصرف النظر عن موضوعه‪ -‬إذا ثبت أن اإلدارة قد استندت في‬
‫تبريره إلى وقائع غير صحيحة من الناحية المادية)‪ .(4‬ويستوي في ذلك أن تكون اإلدارة حسنة النية؛ أي‬

‫‪ -1‬حممد رمضان بطيخ ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،1119،‬ص ‪ .29‬وتتخلص وقائع القضية يف أن املدعي ‪ ،‬وهو حمافظ أحيل على التقاعد بقرار من وزير الداخلية‪ ،‬وقد أسس هذا األخري‬
‫قراره على أن التقاعد كان بناء على طلب من املدعي‪ .‬لكن السيد "تريبون " جلأ إىل القضاء‪ ،‬وحتديدا إىل جملس الدولة الفرنسي طاعنا يف قرار وزير الداخلية‪،‬‬
‫مستندا يف ذلك إىل أنه مل يقدم طلبا إلحالته على التقاعد‪ .‬أما وزير الداخلية فقد أجاب بأنه قد دارت بينه وبني املدعى حمادثة قام من خالهلا باملوافقة على‬
‫أمر إحالته على التقاعد‪ ،‬لكن مفوض احلكومة "ريفي" يف تقريره عن هذه الدعوى‪ ،‬نفى حقيقة أن يكون هناك طلب مقدم من املدعي‪ ،‬ألن موافقة هذا‬
‫األخري ما كانت إال خضوعا لسلطة رئيسه اإلداري‪ .‬وعليه طلب املفوض إلغاء القرار‪.‬‬
‫‪ -2‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ص ‪.029‬‬
‫‪ -3‬تتلخص وقائع القضية يف أن السيد "كامينو" عمدة إحدى القرى‪ ،‬قد مت فصله بسبب اهتامه بعدم احرتام جنازة كان يسري فيها‪ ،‬لكن جملس الدولة‬
‫الفرنسي ألغى قرار الفصل بعد أن ثبت له أن االهتام املوجة للمذكور‪ .‬واملتمثل يف تنكره لالحرتام الواجب للجنازة‪ ،‬ليس صحيحا وال أساس له من الواقع‪.‬‬
‫ولقد انتقد جملس الدولة الفرنسي يف هذه القضية‪ ،‬بأنه جيعل من القاضي اإلداري قاضيا للوقائع وهذا ما ينبئ بشيء من اجلرأة " فالقاضي ال يبقى يف ميدانه‬
‫العادي‪ ،‬واملتمثل يف تطبيق القانون"‪ .‬أنظر‪ :‬دري سيه حسني‪ ،‬سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة‬
‫قاملة‪ ،2339،‬ص‪.191‬‬
‫‪ -4‬تلحق حبالة انعدام الوجود املادي للوقائع املدعاة من طرف اإلدارة حالة أخرى تسمى حبالة " السبب غري املؤكد " ‪ ، incertain‬كأن تكون‬
‫االدعاءات املقدمة من اإلدارة لتربير موقفها غامضة أو غري ثابتة‪ .‬وأن اإلثبات احملتشم الذي أتت به اإلدارة لتربير تلك االدعاءات من درجة جتعلها وكأهنا‬
‫منعدمة‪ .‬وذلك ما قضى به جملس الدولة الفرنسي يف ‪ 23‬نوفمرب ‪ 1106‬يف قضية شركة " إينوفا " ‪ ، envova‬و يف ‪ 11‬ماي ‪ 1120‬يف قضية‬
‫‪ .Sanglien‬أنظر يف ذلك‪ :‬دريسية حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫اعتقدت خطأ قيام الوقائع التي تدعيها‪ ،‬أو على العكس كانت سيئة النية؛ أي كانت عالمة بانعدام هذه‬
‫الوقائع‪ ،‬ففي الحالتين يلغى القرار الستناده إلى وقائع غير صحيحة )‪.(1‬‬
‫أما في مصر‪ ،‬فقد التزمت محكمة القضاء اإلداري منذ إنشائها‪ ،‬على رقابة وجود وصحة الوقائع‬
‫)‪(2‬‬
‫بحيث أصبح هذا اإلتجاه يشكل مبدأ عاما ومستق ار يحد به القضاء‬ ‫المادية التي تدعيها اإلدارة لق ارراتها‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫اإلداري من سلطة اإلدارة التقديرية‪.‬‬
‫أما بالنسبة لموقف القضاء اإلداري الجزائري من رقابة مدى الوجود المادي للوقائع المدعية من جانب‬
‫اإلدارة‪ ،‬فحتى وان لم يعترف القاضي الجزائري صراحة بوجود عيب السبب كعيب مستقل عن عيب مخالفة‬
‫القانون‪ ،‬إال أننا نجد الكثير من حاالت هذا العيب في ق اررات المجلس األعلى والمحكمة العليا‪ ،‬وكذا في‬
‫ق اررات مجلس الدولة بعد سنة ‪ .1118‬من ذلك قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى الصادر عنها ب‪11 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 1189 / 2 /‬في القضية التي جمعت السيد ( أوعمران رابح ) مدعي والسيد وزير الداخلية مدعى عليه‪،‬‬
‫والتي تتلخص وقائعها في ما يأتي ‪:‬‬
‫أن السيد "أوعمران" شاغل لفيلة واقعة ببئر خادم ‪ 0‬نهج اإلخوة جيالني‪ ،‬قرر بناء سور يحيط بساحة‬
‫مسكنه‪ ،‬حيث استصدر رخصة مسبقة من رئيس المجلس الشعبي البلدي ببئر خادم بتاريخ ‪/13 /28‬‬
‫‪ ،1128‬ثم تحصل على قرار من هذا األخير يتضمن رخصة للبناء مؤرخ في ‪ ،1121/1 /19‬إال أن رئيس‬
‫ار بتاريخ ‪ 1121 / 6 / 21‬بوقف األشغال على أساس أن البناء المزمع‬
‫دائرة "بئر مراد رايس" أصدر قر ا‬
‫انجازه من شأنه أن يمس بالنظام العام ‪.‬‬
‫طعن المدعي في قرار المدعى عليه باإللغاء لتجاوز السلطة مؤيدا طعنه بوجه يتمثل في أن المدعي‬
‫قد تحصل على جميع الرخص اإلدارية الالزمة إلحاطة سكنه‪ ،‬و السبب المتمسك به من جهة أخرى من‬
‫طرف المدعى عليه غير مبرر‪.‬‬
‫ومما جاء في حيثيات هذا القرار "‪...‬ولكن حيث أنه كان في اإلمكان قانونا رفض تسليم رخصة‬
‫البناء أو منحها مع التحفظ بخصوص وجوب مراعاة مقتضيات خاصة‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا كانت طبيعة‬
‫البناءات من شأنها أن تخل من حيث موقعها وأبعادها بالصحة العامة واألمن العام‪ ،‬فإنه يتعين على‬
‫اإلدارة معاينة وفحص كل حالة على إنفراد‪ ،‬لتتوصل وعلى ضوء خطورة المساس الذي يلحقه البناء‬

‫‪ -1‬أنظر ‪ :‬درسية حسني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،198‬وقروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪،2339،‬‬
‫ص ‪.80‬‬
‫‪ -2‬قروف مجال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪ -3‬وهذا املوقف ينطبق على العديد من الدول العربية‪ ،‬من ذلك قرار احملكمة العليا الليبية بالغاء قرار تأدييب مبعاقبة أحد املدرسني الهتامه باجلمع بني وظيفته‬
‫كمدرس والعمل بالتجارة‪ ،‬النتفاء ثبوت قيامه بالبيع أو العمل يف احملل التجاري الذي وجد فيه‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.022‬‬
‫‪ -4‬مشار إليه يف ‪:‬عمور سالمي‪ ،‬الضبط اإلداري البلدي يف اجلزائر‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪،‬‬
‫‪ ،1188‬ص ‪.116‬‬
‫بالصحة العامة أو باألمن العام‪ ،‬إال إذا كان من المالئم رفض منح رخصة البناء‪ ،‬أو االكتفاء بالنص على‬
‫وجوب اتباع هذا أو ذلك‪.‬‬
‫حيث أنه كان على اإلدارة فحص هذه النقطة أثناء مباشرة التحقيق بخصوص طلب السيد(أوعمران)‪،‬‬
‫حيث أن اإلدارة رأت فيما يتعلق بهذه القضية أنه ال مجال هناك لرفض منح رخصة البناء‪ ،‬وال تربطها‬
‫باحترام مقتضيات خاصة‪ ،‬ومن ثم فإن قرار رئيس دائرة بئر مراد رايس مشوب بخطأ واضح وما دام كذلك‪،‬‬
‫مستوجب اإلبطال"‪ .‬وبناء على ما سبق‪ ،‬صرح المجلس األعلى ببطالن القرار السالف الذكر‪.‬‬
‫وهو ذات األمر الذي قضت به الغرفة اإلدارية بالمحكمة في قرار لها بتاريخ ‪ 9‬أكتوبر‪( 1111‬قضية‬
‫س‪،‬ع) ضد والي والية بسكرة(‪ .)1‬وتتخلص وقائع القضية في كون السيد (س‪،‬ع) قد استفاد من قطعة أرض‬
‫قصد فالحتها بموجب قرار استفادة صادر عن والي والية بسكرة ب‪ ،1186/ 12 /1 :‬و بتاريخ ‪ 22‬مارس‬
‫‪ 1181‬أصدر الوالي ق ار ار آخر ألغى بمقتضاه قرار االستفادة‪ ،‬بدعوى عدم مبادرة المدعي في استغالل‬
‫األرض الممنوحة له‪ ،‬فرفع هذا األخير دعوى يطالب فيها إبطال ق اررالوالي على أساس أنه شرع فعال في‬
‫فالحة األرض وذلك ما يؤكده محضر المعانية‪ ،‬باإلضافة إلى حذف نص المادة ‪ 11‬من القانون المتعلق‬
‫(‪)2‬‬
‫بحيازة الملكية العقارية الفالحية‪ ،‬والتي تحدد مدة ‪ 6‬سنوات للفالح للشروع في فالحة األرض الممنوحة له‪.‬‬
‫فقضت المحكمة العليا بإجابة المدعي وأبطلت قرار الوالي‪ .‬ومما جاء في القرار ‪":‬حيث أن القرار‬
‫المطعون فيه علل سبب تراجع والي الوالية عن قرار االستفادة المذكور‪ ،‬كون الطاعنة وبقية المستفيدين‬
‫لم يشرعوا في العمل ‪ ...‬حيث أن هذا التعليل غير صحيح‪ ،‬وينفيه محضر منفذ محكمة سيدي عقبة الذي‬
‫يثبت استغالل األرض من طرف الطاعن بفالحة الحبوب"‪ .‬وأضاف القول‪ ... ":‬حيث أن القرار المطعون‬
‫فيه جاء معيبا‪ ،‬وأن الوجه القانوني المثار من الطاعن وجيه ويجب األخذ به‪ ،‬لذا يتعين إبطال القرار‬
‫المطعون فيه"‪.‬‬
‫يتبين بجالء بأن والي والية بسكرة قد أخطأ في الوجود المادي لواقعة استصالح األرض‪ ،‬عندما‬
‫أسس ق ارره على كون المدعي لم يبادر في استغالل األرض الممنوحة له في حين أن محضر المعاينة‬
‫المطروح بالملف يثبت أن المدعي قام بحفر بئر وغرس عدة نباتات في األرض الممنوحة له‪ ،‬مما يؤكد‬
‫االستصالح فعال‪.‬‬
‫كما نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا الصادر في ‪ 19‬مايو‪ ،1116‬في قضية الجمعية الوطنية‬
‫لمسيري قاعات السينما ضد المنشور الوزاري الصادر بتاريخ ‪ 19‬مايو ‪ 1119‬عن و ازرة الداخلية والجماعات‬

‫‪ -1‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،1113 ،‬ص ‪ 198‬و ما بعدها‪.‬‬


‫‪ -2‬حيث تنص املادة ‪ 11‬من القانون ‪ 18/ 80‬املذكور أعاله املتعلق حبيازة امللكية العقارية الفالحية على ‪ ":‬متنح للمالك مدة ‪ 6‬سنوات بإستثناء حالة‬

‫القوة القاهرة إلجناز برنامج استصالح أراضيه ‪."...‬‬


‫المحلية‪ ،‬والمتضمن األمر بإعادة بيع قاعات العروض السينمائية(‪)1‬بدعوى مخالفة المسيرين الخواص للشروط‬
‫التي تضمنها العقد أو دفتر الشروط‪ ،‬فرفعت الجمعية العامة لمسيري قاعات السينما دعوى إللغاء المنشور‬
‫رقم ‪ 18/ 80‬المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفالحية أعاله‪ ،‬مؤسسة دعواها على انعدام واقعة مخالفة‬
‫الشروط التي تضمنها دفتر الشروط‪ ،‬إذ لم يتم تبليغ أي محضر معاينة للشرطة أو المحضر القضائي ألي‬
‫مسير قاعة سينما عبر التراب الوطني‪ ،‬والذي يثبت تغيي ار لطبيعة المحل التجاري بشكل مخالف لدفتر‬
‫الشروط‪ ،‬فقضت الغرفة اإلدارية تبعا لذلك بإلغاء هذا المنشور أو القرار اإلداري المتضمن إعادة بيع قاعات‬
‫العروض السينمائية‪ .‬و مما جاء في قرارها‪:‬‬
‫"‪ ...‬حيث أنه ال مصدر للمنشور وال لهؤالء الذين وجه لهم الدليل على القيام بتلك المخالفات‪.‬‬
‫حيث أنه نتيجة لذلك‪ ،‬كان على وزير الداخلية بواسطة البلديات معاينة واثبات مخالفة المسيرين للشروط‬
‫التي تضمنها العقد ودفتر الشروط عن طريق دعوى قضائية قبل التصريح بفسخ إيجار التسيير تلقائيا‪،‬‬
‫واعادة بيع المحالت التجارية المعدة بقاعات السينما‪ ،‬حيث أنه بالتالي تكون جمعية مسيري قاعات‬
‫السينما التي تعتبر مصلحتها واضحة و جليه‪ ،‬محقة في تمسكها بأن منشور وزير الداخلية يشكل تجاو از‬
‫للسلطة يبرر إبطاله "‪.‬‬
‫يتضح من هذا القرار بأن المنشور الوزاري محل اإلبطال قد بني على سبب منعدم‪ ،‬وبالتالي فإن وزير‬
‫الداخلية ارتكب غلطا في الوقائع عندما برر منشوره بمخالفة المسيرين للشروط التي يتضمنها دفتر الشروط‬
‫في حين أن تلك الواقعة ال أساس لها من الصحة‪ ،‬لعدم ثبوتها بموجب معاينة صادرة عن الشرطة أو‬
‫المحضر القضائي‪ .‬وتبعا لذلك قررت المحكمة العليا إلغاء منشور وزير الداخلية‪ ،‬على اعتبار أنه يشكل‬
‫تجاو از للسلطة‪ ،‬إال أنها لم تحدد العيب الذي يشوب المنشور؛ أي عيب السبب و بصورة أدق الخطأ في‬
‫الوجود المادي للوقائع التي بني عليها المنشور‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬أيد‬ ‫وفي قرار لمجلس الدولة بتاريخ ‪ ( 1111 /2/ 1‬قضية والي والية تلمسان ضد بوسالح ميلود)‬
‫هذا األخير القرار المستأنف والذي صدر عن مجلس قضاء وهران ( الغرفة اإلدارية)‪ ،‬المبطل لقرار الوالي‬
‫المتضمن إلغاء استفادة المدعي من قطعة أرضية فالحية ألن له سلوكا معاديا للثورة أثناء حرب التحرير‪.‬‬
‫ومما جاء في القرار‪ ... " :‬ولكن حيث أن القرار الوالئي موضوع الدعوى‪ ،‬جاء غير معلل ومدعما‬
‫بأدلة كافية على ما نسب إلى المستأنف عليه‪ ،‬مما يجعله منعدم األساس‪ ،‬باإلضافة إلى أن القانون رقم‬
‫‪ ،01 / 85‬يستوجب اللجوء إلى القضاء إلقصاء أحد أعضاء مستثمرة فالحية‪ ،‬حيث أن االستئناف إذن‬
‫غير مؤسس‪ ،‬ويتعين بالتالي تأييد القرار المستأنف " ‪.‬‬

‫‪ -1‬اجمللة القضائية ‪ ،‬العدد ‪ ، 1116 ، 32‬ص ‪ 160‬و ما بعدها‪.‬‬

‫‪ -2‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬دروس يف املنازعات اإلدارية ( وسائل املشروعية)‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومة‪ ،2339،‬ص ‪. 913‬‬
‫يالحظ أن مجلس الدولة قد أيد قرار مجلس قضاء وهران الذي أبطل قرار والي والية تلمسان‪ ،‬وذلك‬
‫لوجود عيب من عيوب القرار اإلداري وهو عيب السبب في صورته المتمثلة في انعدام الوجود المادي‬
‫للوقائع‪ .‬وقد عبر مجلس الدولة عن ذلك بعبارة "منعدم األساس" و"عيب اغتصاب السلطة"‪ .‬وهو الصورة‬
‫الجسمية لعيب عدم االختصاص؛ ألن الوالي بإلغائه قرار استفادة المستأنف عليه يكون قد اعتدى على‬
‫اختصاص السلطة القضائية لكون المرسوم رقم ‪ 61/ 13‬أوجب اللجوء إلى القضاء القصاء أحد المستفيدين‬
‫من المستثمرة الفالحية وأن قرار الوالي في مركز القرار المنعدم(‪.)1‬‬
‫إذا كانت أغلب األمثلة التي طرحناها حول موقف القضاء اإلداري الجزائري من الرقابة على الوجود‬
‫المادي للوقائع‪ ،‬قد اقتصرت على الحالة التي تكون فيها سلطة اإلدارة في إصدار القرار مقيدة وليست‬
‫تقديرية‪ ،‬إال أننا نعتقد أن سلطة القاضي في بحث مدى صحة الوجود المادي للوقائع المدعاة من طرف‬
‫اإلدارة ال يختلف عما إذا كانت سلطة اإلدارة مقيدة أو تقديرية‪ ،‬ذلك أن تقدير اإلدارة للوجود المادي للوقائع ال‬
‫يتعلق بحريتها في التصرف حتى يمكن الحديث عن سلطة تقديرية تترك لها‪ ،‬وانما يتعلق بتقرير الواقعة كما‬
‫كانت في الحياة‪ ،‬فالواقعة إما أن تكون موجودة أو غير موجودة(‪ ،)2‬وبالتالي فإن اإلدارة ال تتمتع بسلطة‬
‫تقديرية فيما يتعلق بتقدير الوقائع من الناحية المادية‪ ،‬وهي تخضع دائما لرقابة القضاء في هذا الصدد(‪.)3‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫رقابة التكييف القانوني للوقائع‬
‫يراقب القاضي اإلداري في هذا الميدان ‪-‬أي ميدان أومجال السلطة التقديرية‪ -‬الوصف القانوني‬
‫للوقائع التي استندت إليها اإلدارة في إصدار قرارها‪ ،‬فإذا اتضح له أن اإلدارة أخطأت في تكييفها القانوني‬
‫لهذه الوقائع فإنه يحكم بإلغاء القرار اإلداري لوجود عيب في سببه‪.‬‬
‫وسوف ندرس فيما يأتي مفهوم رقابة التكييف القانوني وطبيعة الرقابة القضائية عليها‪ ،‬ثم سنتناول في‬
‫نقطة أخرى إستثناءات رقابة التكييف القانوني‪ ،‬وفي نقطة أخيرة موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه‬
‫الرقابة‪.‬‬

‫‪ -1‬نالحظ هنا أن جملس الدولة أشار يف احملل األول إىل عيب السبب ويف احملل الثاين إىل عيب عدم اإلختصاص‪ .‬وكان بإستطاعته اإلكتفاء هبذا العيب‬
‫األخري دون التطرق لعيب السبب‪ .‬كما يالحظ أن جملس الدولة يثري عيب خمالفة القانون حت وإن ثبت عدم وجود الوقائع اليت أسس عليها القرار‪.‬‬

‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،1119 ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ -3‬نذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص ‪. 292‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم التكييف القانوني للواقائع و طبيعة الرقابة القضائية عليه‬
‫سنتناول فيما يأتي مفهوم التكييف القانوني للوقائع‪ ،‬ثم طبيعة الرقابة القضائية على هذا التكييف في‬
‫مجال السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوم التكييف القانوني للوقائع‬
‫تتطلب عملية التكييف القانوني للوقائع اخضاع واقعة معينة أو حالة خاصة لقاعدة القانون المراد‬
‫تطبيقها‪ ،‬وذلك عن طريق نقل هذه القاعدة من وضع العمومية والتجريد إلى وضع الخصوصية والتجسيد‬
‫للواقعة محل التكييف‪ ،‬فالمقصود من عملية التكييف هو " إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة‬
‫قانونية")‪.(1‬‬
‫فالتكييف القانوني هو‪ " :‬إلحاق حالة واقعية بمبدأ قانوني‪ ،‬وذلك بتصنيف هذه الواقعة وردها الى‬
‫الفئة القانونية التي تنطبق عليها")‪ .(2‬كما عرف التكييف القانوني على أنه‪" :‬عبارة عن مجموعة من‬
‫العمليات الذهنية التي يقوم بها القاضي بقصد مقارنة الوقائع المعروضة عليه بقاعدة قانونية يراها‬
‫صالحة في نظره لحسم النزاع "(‪ .)3‬فالتكييف إذن هو إخضاع الواقع لقاعدة قانونية معينة‪.‬‬
‫ويعرف "عصام عبد الوهاب البرزنجي" في رسالته عملية التكييف القانوني على أنها‪ ":‬إعطاءالواقعة‬
‫الثابتة لدى رجل اإلدارة اسما وعنوانا يحدد موضعها داخل نطاق قاعدة القانون التي يراد تطبيقها‪ ،‬أو‬
‫يدخلها ضمن الطائفة القانونية من المراكز أو الحاالت المشار إليها في قاعدة القانون"(‪.)4‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن عملية التكييف القانوني للواقعة ليست باألمر الهين‪ ،‬وانما تقتضي من‬
‫القائم بها جهدا مزدوجا فيما يخص عنصري القانون و الواقع‪:‬‬
‫أ‪ -‬عنصر القانون‬
‫يتمثل في تخصيص النص القانوني العام والمجرد‪ ،‬و ذلك بإعطائه معنى أكثر تحديدا أو أقل عمومية‬
‫مما هو عليه‪.‬‬
‫ب‪ -‬عنصر الواقع‬
‫يتمثل في تجريد الواقعة المادية التي يستند إليها القرار من فرديتها والوصول بها إلى مستوى عمومية‬
‫القاعدة القانونية‪ ،‬وبالتالي فإنه "عن طريق تخصيص القاعدة القانونية وتجريد الواقعة المادية‪ ،‬يمكن‬
‫التوصل إلى قيام التطابق بينهما"(‪.)1‬‬

‫‪ -1‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص‬
‫‪.021‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Marie Christine Rouault, Droit administratif , Galino éditeur ,Paris,2002,p 269.‬‬
‫‪ -3‬الغوثي بن ملحة‪ ،‬أفكار حول اإلجتهاد القضائي‪ ،‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪ ،2333‬ص‪.60‬‬
‫‪ -4‬نذير أوهاب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .98‬وسليمان حممد الطماوي‪ ،‬التعسف يف استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عني مشس‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1128‬ص ‪.026‬‬
‫فإذا كان التكييف القانوني يتم بنقل قاعدة القانون من العمومية إلى التخصيص‪ ،‬والحالة الواقعية من‬
‫الفردية أو التخصيص إلى العمومية‪ ،‬فإن رقابة التكييف القانوني تتمثل في" اخضاع الوقائع‪ -‬بعد التأكد من‬
‫وجودها المادي والتأكد من صحتها‪ -‬لحكم القانون ليقرر ما إذا كانت تتفق مع ما قصد إليه المشرع‪ ،‬أي‬
‫)‪.(2‬‬
‫رقابة مدى تبريرها للقرار الذي يستند إليها "‬
‫وبعبارة أخرى‪ "،‬فإن التكييف القانوني للوقائع هو عملية ذهنية تنتقل بقاعدة القانون من حالة‬
‫السكون؛ أي العمومية والتجريد‪ ،‬إلى حالة الحركة أي الخصوصية والتجسيد‪ ،‬وذلك بانزال حكم القانون‬
‫)‪(3‬‬
‫على الوقائع"‬
‫فإذا ما بدر عن الموظف فعل ما وقدرت الجهة المختصة أنه ينطوي على إخالل بواجبات الوظيفة‪،‬‬
‫فإنه يقع على السلطة التأديبية واجب تكييف هذا الفعل من الناحية القانونية للتحقق مما إذا كان يشكل جريمة‬
‫تأديبية في نظر القانون‪ ،‬أم أنه مجرد واقعة عادية ال تندرج في مكونات ذلك التوجه‪ ،‬مما ينفي عنه وصف‬
‫)‪(4‬‬
‫الجريمة التأديبية‪.‬‬

‫‪ -2‬طبيعة الرقابة القضائية على التكييف القانوني للوقائع‬


‫إن رقابة القضاء اإلداري على التكييف الذي أسبغته اإلدارة على الوقائع التي استندت إليها في ق ارراتها‬
‫الصادرة بمقتضى سلطتها التقديرية ال تتم في الواقع بشكل آلي‪ ،‬وانما تنطوي على قدر من اإلجتهاد‬
‫الشخصي للقاضي؛ إذ يقوم عند مباشرته لتلك الرقابة بمراجعة وفحص الظروف التي تمت فيها الوقائع‪ .‬فإذا‬
‫تبين له خطأ في الوصف الذي قدمته اإلدارة على هذه الوقائع‪ ،‬كان له أن يحل تقديره الشخصي محل تقدير‬
‫رجل االدارة‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬حق لنا أن نتساءل عن طبيعة هذه العملية‪ ،‬وعما إذا كانت رقابة التكييف القانوني‬
‫للوقائع تدخل في إطار رقابة المشروعية أم في إطار رقابة المالءمة‪ .‬و لإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬ثار‬
‫الجدل بين الفقهاء حول طبيعة الرقابة القضائية على التكييف القانوني لوقائع الق اررات اإلدارية المتخذة بناءا‬
‫على سلطة تقديرية لإلدارة‪ ،‬بين من يدخلها في إطار رقابة المشروعية ومن يدرجها في إطار رقابة المالءمة‪.‬‬
‫أ‪ -‬رقابة التكييف في حالة السلطة التقديرية لالدارة رقابة مشروعية‬
‫لقد قال بهذا الرأي جانب كبير من الفقه الفرنسي وشايعهم في ذلك جانب من الفقه المصري‪ ،‬حيث‬
‫يرى هؤالء أن الدور الطبيعي للقاضي اإلداري هو التحقق من مشروعية الق اررات التي تتخذها اإلدارة‪ ،‬ولهذا‬

‫‪ -1‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ -2‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪،‬‬
‫العدد ‪ ،2339 ،38‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -3‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.021‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.003‬‬
‫فإن رقابة التكييف القانوني للوقائع التي تستند إليها تلك الق اررات تعد إمتدادا طبيعيا لهذه الرقابة‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهي تدخل في إطار رقابة المشروعية(‪.)1‬‬
‫وقد حاول األستاذ "فالين" تفسير رقابة القاضي في هذه الحالة وادراجها داخل إطار رقابة المشروعية‬
‫وذلك باللجوء إلى فكرة الطائفة القانونية‪ .‬فالغرض من عملية التكييف هو إدراج حالة واقعية معينة داخل‬
‫إطار فكرة قانونية‪ ،‬ويمكن القول أن القانون قد أوجد طائفة من الق اررات كلما قام بترتيب آثار معينة على‬
‫وجود مركز أو حالة واقعية معينة بالذات‪ .‬ومثال ذلك فكرة األخطاء الوظيفية‪ ،‬فهي طائفة قانونية مستقلة‬
‫أوج دها المشرع بالنصوص التي تتيح لإلدارة توقيع جزاءات معينة عند حدوث هذه األخطاء‪ ،‬وعلى القاضي‬
‫حتى يتوصل إلى تطبيق هذه النصوص أن يقوم بتحديد معالم هذه الطائفة(‪.)2‬‬
‫ويخلص األستاذ "فالين" إلى أن الرقابة التي يمارسها القاضي اإلداري على تكييف اإلدارة للوقائع‪ ،‬إنما‬
‫تنصب على مشروعية الق اررات اإلدارية ال على مالءمتها(‪ .)3‬ويتفق األستاذان "دراجو" و "أوبي" مع األستاذ‬
‫"فالين" في هذا الرأي‪ .‬حيث يقرران أن الرقابة على التكييف القانوني للوقائع تندرج في إطار الرقابة على‬
‫المشروعية‪ ،‬حتى وان كان القاضي اإلداري يحل تقديره الشخصي محل تقدير رجل اإلدارة‪ ،‬ذلك أنه ال يفعل‬
‫ذلك إال في ضوء تفسيره إلرادة المشرع‪.‬‬
‫ويضيف األستاذان أن هذا الرأي يتأكد من العبارات التي يستخدمها القاضي ذاته عند تصديه لرقابة‬
‫التكييف‪ ،‬حيث سيتخدم عبارة " التكييف القانوني للوقائع"‪ ،‬وأن "الواقعة من طبيعة تبرر القرار المطعون فيه‬
‫قانونا"(‪.)4‬‬
‫ويؤيد جانب من الفقه المصري هذا الرأي‪ ،‬معتب ار أن عملية التكييف القانوني للوقائع عملية قانونية بكل‬
‫ما تحمله هذه الكلمة من معنى‪ ،‬واليغير هذا الوصف أن تتدخل في تلك العملية إعتبارات شخصية أو‬
‫ظروف خاصة بالحالة محل البحث‪ ،‬والتي مردها غموض النص حيث ينشط عندئذ دور القاضي في بيان‬
‫مقاصد المشرع وتفسير الغامض من نصه(‪.)5‬‬
‫أما عن موقف الفقه الجزائري من هذه المسألة‪ ،‬فإننا لم نستطع – لألسف ‪ -‬العثور عن إتجاه محدد أو‬
‫وجهة نظر واضحة؛ إذ أن معظم المؤلفات التي إستطعنا اإلطالع عليها قد إكتفت باإلشارة إلى رقابة التكييف‬
‫القانوني للوقائع بإعتبارها صورة أو مرحلة من مراحل رقابة السبب‪ ،‬دون أن تشير إلى طبيعة هذه الرقابة‪،‬‬
‫سواء كان إختصاص اإلدارة في ذلك مقيدا أو تقديريا‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد أشرف عبد الفتاح أبو اجملد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب القرارات اإلدارية‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،2336‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 22‬و ‪.28‬‬
‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫ب‪ -‬رقابة التكييف في حالة السلطة التقديرية رقابة مالءمة‬
‫ذهب جانب آخر من الفقه الفرنسي والمصري إلى أن الرقابة القضائية للتكييف القانوني للوقائع التي‬
‫تستند إليها اإلدارة في ق ارراتها المتخذة بناءا على سلطتها التقديرية‪ ،‬تدخل ضمن الرقابة على المالءمة‪ .‬ولذلك‬
‫ذهب الفقيه "دوبسون" إلى أن القاضي في رقابة التكييف يقوم بإحالل تقديره الشخصي للوقائع محل تقدير‬
‫اإلدارة‪ ،‬و بهذا الوصف يتجاوز عمله إطار فحص الشرعية ويندرج تحت رقابة المالءمة(‪.)1‬‬
‫وهذا ما يؤكده الفقيه "جيز"‪ ،‬حينما يقول أن الرقابة التي يباشرها القاضي اإلداري في مجال تكييف‬
‫الوقائع هي رقابة على المالءمة(‪ .)2‬تلك الرقابة التي تتم ‪ -‬كما يقول األستاذ "كان"‪ -‬في كل مرة يكون فيها‬
‫إحالل من جانب القاضي لتقديره الشخصي محل تقدير جهة اإلدارة‪ .‬ففي قضاء المناظر األثرية مثال ال‬
‫يخفى ما تنطوي عليه عملية التكييف من تقديرات شخصية تقوم بها جهة االدارة لتحديد ما إذا كان المنظر‬
‫من قبيل المناظر األثرية‪ ،‬ثم يأتي دور القاضي بعد ذلك في الرقابة على صحة هذا التقدير‪ .‬وذلك بالتحقق‬
‫من صحة أ و عدم صحة الوصف الذي إنتهت إليه جهة اإلدارة وفقا لتقديره الخاص‪ ،‬ودون الرجوع إلى أية‬
‫قاعدة قانونية‪ ،‬ولذلك فإن الذي يفصل في توافر هذه الصفة هو خبير فني و ليس رجل قانون‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫أقام مجلس الدولة الفرنسي من نفسه خبي ار فنيا و أخضع المسألة لحكمه(‪.)3‬‬
‫وهو الرأي الذي انتهى إليه جانب من الفقه المصري‪ ،‬حيث ذهب إلى أن رقابة القاضي اإلداري‬
‫للتكييف القانوني للوقائع تمثل رقابة على سلطة اإلدارة التقديرية ال على حدودها‪ ،‬بإعتبار التكييف القانوني‬
‫للوقائع يعد مجاال للمالءمة المتروكة لإلدارة تتصرف فيه بحرية تامة‪ ،‬ومن ثمة فإن رقابة القاضي اإلداري‬
‫لهذا المجال الذي يعمل فيه تقديره الذاتي‪ ،‬تخرجه من حدوده الطبيعية في الرقابة على الق اررات اإلدارية‪،‬‬
‫وتدخله في مجال الرقابة على المالءمة(‪.)4‬‬
‫وبين الرأي القائل بأن رقابة التكييف القانوني لوقائع الق اررات اإلدارية المتخذة بناء على السلطة‬
‫التقديرية هي رقابة مشروعية‪ ،‬وبين اإلتجاه القائل بأنها رقابة مالءمة لألسباب والحجج التي ذكرناها أعاله(‪.)5‬‬
‫نجد إتجاها ثالثا يقف موقف وسط بين الحلين‪ ،‬يمثله الدكتور "محمد مصطفى حسن"(‪ ،)6‬الذي‬ ‫أعاله(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬حممد حسنني عبد العال‪ ،‬الرقابة القضائية على قرارات الضبط اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1113 ،‬ص ‪ 66‬و ‪.69‬‬
‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 192‬و ‪.190‬‬
‫‪ -4‬ومن بني الفقهاء املصريني الذين سايروا هذا اإلجتاه‪ ،‬جند الدكتور رمضان حممد بطيخ‪ ،‬و قد أوضح وجهة نظره مستندا يف ذلك إىل عدة حجج‪.‬‬
‫‪ -5‬أما حنن فإننا نرجح الرأي القائل بأن رقابة التكييف القانوين متثل رقابة مالءمة‪ ،‬ذلك أن هذه األخرية متثل مرحلة متطورة من مراحل الرقابة التقليدية‬
‫للقضاء اإلداري‪ .‬حيث كان القصد منها احلد من السلطة التقديرية‪ ،‬وذلك بوضع قيد جديد على تصرفات اإلدارة‪ ،‬يتمثل يف ضرورة مراعاهتا ‪-‬عند إختيار‬
‫الوقائع اليت تدعيها لقراراهتا‪ -‬أن تكون هذه الوقائع مربرة يف ذاهتا‪ ،‬أو مؤدية بالقرار املستند عليها إىل حتقيق الغرض الذي قصده املشرع من وراء اختاذ مثل‬
‫هذا القرار‪.‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪،1129 ،‬ص ‪ 266‬و ‪.269‬‬
‫يرى بأن الرقابة القضائية على التكييف القانوني للوقائع في مجال السلطة التقديرية تدخل في نطاق رقابة‬
‫المشروعية أو رقابة المالءمة‪ ،‬بحسب طبيعة النص الذي يمنح اإلختصاص لرجل اإلدارة؛ إذ يقول في ذلك‪:‬‬
‫"‪ ...‬وليست مهمة القاضي واحدة في مجال التكييف‪ :‬فقد يتحدد الوصف بالقانون أو الالئحة‪ ،‬فيكون‬
‫األمر سهال‪ ...‬وقد يكتفي المشرع بالتحديد المجرد – كما في الجرائم التأديبية ‪ ... -‬فإذا باشر القاضي‬
‫رقابة التكييف فعليه أن يحدد هذا المضمون بنفسه عن طريق انشاء ضوابط أو االحتفاظ بسلطة تقدير كل‬
‫عمل على حدة‪ ،‬وفي كل مناسبة‪ .‬وقد يصل األمر بالقاضي إلى مباشرة دور إيجابي وهام‪ ...‬فيستلهم الحل‬
‫الذي سكت عنه المشرع من روح التشريع ثم يراقب ضوابط هذا الحل‪ ...‬وقد يترك القضاء اإلداري أمر‬
‫التكييف لإلدارة‪ ،‬وذلك حينما يقترب التكييف من المالءمة‪ ،‬فيستشعر الحرج من التضييق على اإلدارة‪،‬‬
‫ويبدو هذا واضحا في مجال إج ارءات الضبط العام المتعلقة بإقامة األجانب وممارسة أنشطتهم داخل‬
‫البالد‪.)1("...‬‬
‫و "رمضان محمد بطيخ"(‪ ،)3‬فقد اعتب ار أن الرقابة‬ ‫(‪)2‬‬
‫أما األستاذان" أشرف عبد الفتاح أبو المجد محمد"‬
‫على التكييف القانوني للوقائع التي حددها المشرع؛ أي تلك التي تدخل ضمن السلطة المقيدة لإلدارة‪ ،‬تندرج‬
‫ضمن رقابة المشروعية‪ ،‬وأن الرقابة على التكييف القانوني للوقائع التي لم يحددها المشرع؛ أي تلك التي‬
‫تدخل ضمن السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬هي رقابة مالءمة‪ .‬ذلك أن مناط هذه الرقابة ليس مدى تطابق تصرف‬
‫اإلدارة مع نص قانوني‪ ،‬ولكن مناطها مدى مالءمة تكييفها لهذه الوقائع‪ .‬وبالتالي فإن الرقابة هنا هي رقابة‬
‫مالءمة وليست رقابة مشروعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إستثناءات رقابة التكييف القانوني للوقائع‬
‫إن رقابة القضاء على التكييف القانوني للوقائع ليست مطلقة‪ ،‬إذ قد يرفض إعمال هذه الرقابة في‬
‫بعض الحاالت اإلستثنائية‪ ،‬بحيث يقتصر في هذه الحاالت على مجرد التحقق من الوجود المادي للوقائع‬
‫دون أن يتطرق إلى بحث صحة التكييف الذي خلعته اإلدارة عليها‪ .‬ولقد قسمها الفقه إلى حالتين(‪ ،)4‬نذكرها‬
‫فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬يرى الدكتور حممد مصطفى حسن أن رقابة التكييف سابقة يف ظهورها عن رقابة الوجود امل ادي للوقائع‪ ،‬على اعتبار أن اخلطأ يف التكييف ميثل خطأ يف‬
‫القانون‪ ،‬واخلطأ يف القانون كوسيلة متميزة للطعن بااللغاء قد ظهر يف هناية القرن ‪ ،11‬أي قبل ظهور رقابة الوجود املادي للوقائع‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪ -2‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 21‬و ‪.83‬‬
‫‪ -3‬لقد عرض األستاذ رمضان حممد بطيخ حججا عديدة فند من خالهلا ادراج رقابة التكييف القانوين للوقائع املتخذة من اإلدارة بناء على سلطتها‬
‫التقديرية ضمن رقابة املشروعية‪ .‬حبيث قدم نقدا الذعا ألنصار هذا اإلجتاه‪ .‬أنظر يف ذلك مؤلفه‪ :‬اإلجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد‬
‫من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪ 196‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -4‬باإلضافة إىل هاتني احلالتني‪ ،‬يضيف جملس الدولة الفرنسي بعض اإلستثناءات األخرى‪ .‬من ذلك القرارات اخلاصة مبوضوع الوظيفة العامة فيما يتعلق‬
‫باالشرتاك يف املسابقات املعدة للدخول يف الوظيفة العامة‪ .‬فمجلس الدولة ال يبحث يف التكييف القانوين للوقائع اخلاصة بتقييم العمل‪ .‬وال يف تقدير الوزير‬
‫لإلعتبارات اليت دفعته لتحديد الشروط اليت ميكن مبوجبها تولية موظفي وزارته بعض الوظائف اخلاصة‪...‬كما ال ميارس اجمللس رقابته على قرارات االنعام‬
‫‪-1‬المسائل ذات الصبغة الفنية والعلمية‬
‫لقد رفض القضاء اإلداري القيام برقابة التكييف القانوني فيما يتعلق بمجموعة من الق اررات التي تتسم‬
‫بطابع عملي معقد‪ ،‬ذلك أن القضاء يكون عاج از عن مباشرة الرقابة بنفسه دون اإلستعانة برأي الخبراء من‬
‫أهل العلم و اإلختصاص‪ .‬لذلك يفضل القضاء رفض القيام برقابة تكييف اإلدارة للوقائع بالنسبة لهذا النوع‬
‫من الق اررات‪ ،‬مع أن دور القضاء في هذه الحالة من الناحية الفعلية سيقتصر على مجرد إعتماد أري الخبراء‬
‫العلميين فقط(‪.)1‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي عن رقابة تكييف كثير من الق اررات المتعلقة ببعض األدوية‬
‫أو المستحضرات الطبيعية‪ ،‬سواء من حيث قيمتها العالجية أو من حيث خطورتها على األفراد‪ .‬ومن ذلك‬
‫إمتناعه عن رقابة التكييف القانونني لرفض لجنة القراء بالمسرح الكوميدي "فرانسيز" عرض مسرحية أدبية(‪.)2‬‬
‫ولقد انتهج مجلس الدولة المصري ذات المسلك الذي سار عليه القضاء الفرنسي‪ ،‬حيث يمتنع عن‬
‫(‪.)3‬‬
‫إال أنه لم يلتزم هذا المنهج على إطالقه إذ اعتمد‬ ‫اجراء رقابة التكييف القانوني في المسائل العلمية والفنية‬
‫مسلكا مغايرا‪ ،‬حيث قرر اخراج عدد من الق اررات الصادرة في مسائل علمية وفنية وأخضعها لرقابة التكييف‬
‫القانوني‪ .‬وهي الق اررات التي تمس الحريات الشخصية مستعينا في ذلك برأي أهل الخبرة والعلم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫مثال حكم المحكمة اإلدارية العليا الصادر في يونيو ‪ 1162‬الذي يقول فيه أنه‪ " :‬إذا كانت سلطة مركز‬
‫مراقبة األمراض العقلية في تقدير ما إذا كان الشخص المصاب بمرض عقلي أم ال‪ ،‬هي في األصل سلطة‬
‫تقديرية بإعتبارها من األمور الفنية ذات التقدير الموضوعي‪ ،‬بحيث ما كان يجوز التعقيب عليها إال عند‬
‫إساءة استعمال السلطة‪ ،‬إال أنه لما كان األمر يتعلق بالحرية الشخصية‪ ،‬فمن ثم يجوز للقضاء اإلداري‬
‫اتخاذ ما يلزم للتحقق من قيام هذه الحالة المرضية أو عدم قيامها‪ ،‬وله في هذا الصدد أن يندب من يراهم‬
‫من أهل الخبرة إذا قام لديهم من الشواهد ما يبرر ذلك "(‪.)4‬‬
‫أما في الجزائر‪ ،‬فنجد الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا قد أكدت في بعض ق ارراتها على إمتناعها عن‬
‫رقابة التكييف القانوني للوقائع فيما يخص المسائل الفنية والعلمية‪ ،‬وخاصة في مجال نزع الملكية ألجل‬

‫باألومسة‪ .‬فإذا كان الوسام املزمع االنعام به يتطلب ميزة شخصية‪ ،‬فإن تقدير جدارة املرتشح هو تقدير تقوم به اإلدارة على أساس من سلطتها التقديرية‪ .‬أنظر‬
‫يف ذلك‪ :‬نذير أوهاب‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪ -1‬سامي مجال الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة املعارف للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪.‬ص ‪.012‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.021‬‬
‫‪ -3‬من أشهر التطبيقات القضائية هلذا النوع من القرارات يف مصر تقدير درجة اإلمتحان‪ .‬حيث ذهبت حمكمة القضاء اإلداري إىل أن التصحيح وتقدير‬
‫درجات ا إلجابة عملية فنية حبتة‪ ،‬ال جيوز قانونا أن ختضع لرقابة القضاء اإلداري‪ .‬حيث يؤدي ذلك إىل التدخل يف أمور فنية تقديرية من إختصاص اإلدارة‪.‬‬
‫أنظر يف ذلك‪ :‬زكي حممد النجار‪ ،‬فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،1112 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -4‬رمضان حممد ب طيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪.102‬‬
‫المنفعة العمومية‪ .‬حيث تجد المحكمة العليا نفسها عاجزة عن مباشرة الرقابة بنفسها فيما يخص مدى مالءمة‬
‫اختيار األرض محل نزع الملكية دون اإلستعانة بخبراء في هذا المجال‪ .‬وهذا ما يقرره أحد ق ارراتها رقم‬
‫‪ 99193‬الصادر في‪ ،)1(1113/39/21 :‬الذي قضت فيه ‪ ":‬من المستقر عليه قضاءا أن القاضي اإلداري‬
‫غير مؤهل بمراقبة مسح مالءمة اختيار اإلدارة لأل راضي محل نزع الملكية قصد إنجاز المشروع ذي‬
‫المنفعة العامة‪.‬‬
‫ومن ثم النعي على القرار اإلداري المطعون فيه بأن صفة المنفعة العامة غير مقدرة في غير محله"‪.‬‬
‫‪ -2‬ق اررات الضبط الخاصة بنشاط األجانب و إقامتهم‬
‫لقد امتنع مجلس الدولة الفرنسي عن فرض رقابة التكييف في بعض مجاالت الضبط وترك لإلدارة‬
‫سلطة تقديرية واسعة بشأنها‪ ،‬واقتصر دوره فقط على الرقابة على الوجود المادي للوقائع دون بحث التكييف‪،‬‬
‫ومن هذه اإلستثناءات‪ :‬الق اررات الصادرة لتنظيم إقامة ونشاط األجانب في فرنسا‪ ،‬كمنع األجانب من الدخول‬
‫إلى فرنسا وتقييد إقامتهم فيها‪ ،‬وحل الجمعيات المؤسسة من قبل األجانب(‪ ،)2‬وكذلك طرد األجانب‪ ،‬والق اررات‬
‫الخاصة بمنع ترويج وتوزيع وبيع الصحف والمحررات األخرى من مصدر أجنبي‪ ،‬و ق اررات منح الترخيص‬
‫الالزم لممارسة األجنبي لألعمال التجارية في فرنسا(‪ .)3‬بل وقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى أبعد من‬
‫ذلك‪ ،‬بأن منع رقابة التكييف القانوني على ق اررات الضبط المتعلقة بالترخيص لألفراد بالسفر إلى خارج البالد‪،‬‬
‫باإلمتناع عن منحهم جوازات السفر الالزمة لذلك(‪.)4‬‬
‫وقد سار القضاء الجزائري على دربه في قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم ‪ 08691‬المؤرخ‬
‫في ‪ ،1180 -0 -16‬في قضية (حاج ق) ضد دائرة بوفاريك(‪ ،)5‬حيث جاء في منطوق القرار‪ ..." :‬وأنه‬
‫يجوز لإلدارة من حيث المبدأ رفض أو تمديد أجل جواز السفر ألحد الرعايا الجزائريين إذا ما رأت بأن تنقله‬
‫إلى الخارج من شأنه أن يمس باألمن العام‪ ،‬وأن التقدير الذي تقوم به اإلدارة غير قابل للمناقشة أمام‬
‫قاض تجاوز السلطة"‪.‬‬

‫‪ -1‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬تصدر عن قسم املستندات والنشر للمحكمة العليا‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1112،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ -2‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.019‬‬
‫‪ -3‬نذير أوهاب‪ ،‬املذكرة السابقة‪ ،‬ص ‪ 291‬و ‪ .263‬حبيث قرر جملس الدولة الفرنسي أن القرارات الصادرة عن وزير الداخلية يف هذا الصدد‪ ،‬بنيت على‬
‫وقائع تتعلق باألمن العام‪ ،‬وأن هذه الوقائع ال جيوز مناقشتها أمام اجمللس‪ .‬انظر يف ذلك‪:‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪-4‬دريسية حسني‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري يف مواجهة احلرية يف التشريع اجلزائري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة قاملة‪ ،2339،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -5‬اجمللة القضائية‪ ،‬احملكمة العليا‪ ،‬قسم الوثائق‪ ،‬العدد الرابع‪،1181 ،‬ص ‪.222‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬موقف القضاء من رقابة التكييف القانوني للوقائع‬
‫لقد ظهرت رقابة التكييف القانوني في قضاء مجلس الدولة الفرنسي منذ سنة ‪ ،1119‬في حكم‬
‫"جوميل" الشهير)‪ ،(2‬إذ انطالقا من هذه القضية منح لإلدارة الحق في فرض بعض القيود على أصحاب‬
‫العقارات قصد حماية المناظر ذات األهمية األثرية والتاريخية‪ .‬وفي هذه الحالة ال يكون قرار اإلدارة بفرض‬
‫بعض القيود على أصحاب العقارات صحيحا إال إذا كان تقديرها وتكييفها للمناظر أو المواقع التاريخية األثرية‬
‫صحيحا من الناحية العملية والفنية(‪ ،)3‬فإذا كان ما ذهبت إليه اإلدارة مجرد إدعاء غير قائم على أسس علمية‬
‫وفنية فإن قرارها بفرض القيود على األفراد لحماية المنظر أو المكان‪ ،‬يكون قابال لإللغاء لعدم التكييف‬
‫الصحيح للواقعة المادية التي يستند إليها(‪.)4‬‬
‫وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا القضاء على المنازعات التي عرضت عليه سواء في الوظيفة‬
‫العامة أم في مجال النشر والصحافة والسينما‪ ،‬وخاصة الرقابة على الجوانب األخالقية في هذه األعمال(‪.)5‬‬
‫ففي مادة الوظيف العمومي‪ ،‬نجد قضية اآلنسة "ويس" في قرار مجلس الدولة في ‪ 28‬أفريل ‪،1108‬‬
‫وتتمثل وقائعها في كون معلمة متربصة قامت بواسطة رسالة شخصية بدعوة تلميذ معلم ‪éléve maitre‬‬
‫للحضور أثناء العطلة لالستماع لمحاضرات ذات طابع ديني‪ ،‬ولقد اعتبر المجلس بأن ذلك ال يعتبر خرقا‬
‫لمبدأ الحياد المدرسي‪ ،‬وقام تبعا لذلك بإبطال القرار الرافض ترسيمها في وظيفتها(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬وهذا النوع من الرقابة قد وجد مكانه يف كافة األنظمة القانونية تقريبا‪ .‬فهو يعد يف النظام اإلجنليزي امتدادا لفكرة احلقائق القضائية‪ ،‬وهي نفسها فكرة‬
‫الرقابة على مشروعية األسباب يف النظام الفرنسي واملصري‪ .‬ولعل أشهر القضايا اليت أبرزت فكرة الرقابة على التكييف القانوين للوقائع يف القضاء اإلجنليزي‬
‫قضية" هوايت و كلني" ضد وزير الصحة سنة ‪ .1101‬واملهم يف هذا احلكم أن رقابة القضاء قد امتدت إىل تكييف الوقائع اليت تعطي للسلطة اإلدارية‬
‫أهلية إختاذ القرار‪ .‬وهذا ما عرب عنه احلكم عندما اعترب مسألة ما إذا كانت األرض موضوع النزاع تكون أو ال تكون جزءا من بستان‪ ،‬هي مسألة سابقة على‬
‫ممارسة اإلدارة إلختصاص إصدار القرار‪ ،‬وهذا القرار يأيت نتيجة التكييف الصحيح للواقعة‪ ،‬وهو بذلك خيضع لرقابة هذه احملكمة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬رمضان‬
‫حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -2‬تتلخص وقائعها يف أن السيد "جوميل" قد طلب الرتخيص له بالبناء يف ميدان "بوفو" بباريس‪ .‬فرفضت اإلدارة طلبه ملا حيدثه البناء يف هذا امليدان من‬
‫مساس بأحد املعامل األثرية‪ .‬وعندما حبث جملس الدولة الفرنسي هذا األمر وجد أن امليدان املذكور ال يدخل يف عداد املعامل األثرية‪ ،‬وألغى بذلك قرار االدارة‬
‫ملا شابه من خطأ يف التكييف القانوين للوقائع اليت قام عليها‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.003‬و أشرف عبد الفتاح أبو اجملد‬
‫حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف تسبيب القرارات اإلدارية‪ ،2336 ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬يرى األستاذ ‪ chapus‬أن قرار جوميل ميثل أكرب خطوة خطاها جملس الدولة الفرنسي يف طريق رقابة مشروعية القرار‪.‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪René Chapus, Droit administratif général, tome 1, Montchestien, 9 emme édition, p 917 à‬‬
‫‪920.‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل طلبه‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬املطبعة اجلديدة‪ ،‬دمشق‪ ،1121 ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪ -5‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1112 ،‬ص ‪.266‬‬
‫‪6- René chapus, opcit, p 918.‬‬
‫وفيما يتعلق بالقضاء اإلداري المصري فقد بسط رقابته على التكييف في معظم األحوال‪ ،‬ليطمئن إلى‬
‫انطباق الوصف القانوني الذي قالت به اإلدارة على الوقائع‪ ،‬وامتدت هذه الرقابة إلى العديد من المجاالت‬
‫)‪(1‬‬
‫وخاصة في ميدان الوظيفة العمومية وكل ما يتصل بها من ترقية وتأديب واستقالة واحالة على المعاش ‪...‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء اإلداري الجزائري‪ ،‬فقد أرسى أسس هذه الرقابة وذلك في كل حالة تخضع فيها‬
‫سلطة اإلدارة في إتخاذ قرار معين إلى ضرورة توافر شروط واقعية معينة ينص عليها القانون‪ ،‬بحيث يحق‬
‫للقاضي اإلداري في هذه الحالة أن يراقب إلى جانب الوجود المادي لهذه الوقائع‪ ،‬التكييف القانوني الذي‬
‫تضفيه اإلدارة عليها ليتحقق من أنها تندرج فعال داخل إطار الفكرة القانونية التي يتضمنها النص‪ ،‬وهو ما‬
‫يعني الرقابة على تقدير اإلدارة لمدى توافر الوصف القانوني في الوقائع التي استند إليها القرار‪.‬‬
‫ومن أهم تطبيقات الرقابة على التكييف القانوني للوقائع في القضاء اإلداري الجزائري نجد مايأتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الق اررات المتعلقة بالتأميم‬
‫لقد ألغت الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى العديد من الق اررات اإلدارية لعدم صحة التكييف القانوني‬
‫للوقائع المستندة إليها‪ ،‬منها قرارها الصادر في قضية " تومارون "‪ ،‬حيث تتلخص وقائع هذه القضية في أن‬
‫محافظ الجزائر أصدر ق ار ار بتأميم أمالك السيد "تومارون" تطبيقا للمرسوم المتعلق بتأميم اإلستغالالت‬
‫الزراعية العائدة لألجانب‪ ،‬إال أن األمالك هنا مخصصة لإلستعمال السكني‪ ،‬وهنا ألغى المجلس األعلى قرار‬
‫محافظ الجزائر لوجود خطأ في التكييف القانوني للوقائع‪ ،‬والذي صححه القاضي بإلغاء قرار المحافظ(‪.)2‬‬
‫ار مماثال تم اصداره من وزير الفالحة‪ ،‬حيث استند على‬
‫كما ألغى المجلس األعلى‪-‬الغرفة اإلدارية‪ -‬قر ا‬
‫نفس المرسوم الصادر في‪ ،1190/13/1:‬إلتخاذ عقوبات في مواجهة الصندوق المركزي إلعادة التأمين‬
‫والتعاقد الفالحي )‪ ،(CCRMA‬إال أنه على الرغم من أن أنشطة الصندوق تتعلق بالقطاع الفالحي‪ ،‬إال أنها‬
‫ال تدخل ضمن اإلستغالالت الزراعية‪ ،‬وبالتالي فمن الخطأ تطبيق المرسوم المشار إليه‪ ،‬وتبعا لذلك قام‬
‫(‪)3‬‬
‫المجلس األعلى بإلغاء هذا القرار لعدم صحة التكييف القانوني للوقائع‪.‬‬

‫‪ -1‬ومن تطبيقات ذلك يف القضاء اإلداري املصري‪ ،‬ما قضت به احملكمة اإلدارية العليا يف حكمها الصادر بتاريخ ‪ 1162/1/6‬بإلغاء قرار فصل مأذون‬
‫شرعي الهتامه باإلقدام على الزواج بعقد عريف‪ .‬معتربة أن هذا الفعل اليشكل إخالال من املدعي بواجبات وظيفته؛ إذ مل يكن يباشر عند زواجه عمله الرمسي‬
‫كمأذون شرعي‪ .‬وبالتايل ال مانع من أن يتزوج زواجا عرفيا دون أن يوثقه‪.‬أنظر يف ذلك‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة‬
‫واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪ .001‬ويف حكم يتعلق بفصل أحد املوظفني من اخلدمة بينت احملكمة‬
‫أن قيام املوظف بتغيري ديانته من املس يحية إىل اإلسالم لتحقيق غرض خاص‪ ،‬مث ارتداده بعد ذلك إىل املسيحية ميكن تكييفه بأنه من قبيل سوء السلوك‬
‫الشديد الذي يربر فصله‪ .‬وملزيد من األمثلة أنظر‪ :‬عبد الغين بسيوين عبد اهلل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Bouchahda (H) et Kheloufi (R), Recueil d’arrêts, jurisprudence administrative, OPU Alger,‬‬
‫‪1985.p 9.‬‬
‫‪ -3‬أمحد حميو‪(،‬ترمجة فائز أجنق وبيوض خالد)‪ ،‬املنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة ‪،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2338،‬ص‪.181‬‬
‫ب‪ -‬الق اررات المتعلقة بنزع الملكية‬
‫كذالك استقر المجلس األعلى على إلغاء الق اررات اإلدارية المشوبة بخطأ في التكييف القانوني‪ ،‬حيث‬
‫قضى بأنه‪ " :‬من المقرر قانونا أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يعود لألشخاص العامة المعنوية‬
‫ومختلف الهيئات في إطار إنجاز عمليات معينة طبقا لما هو محدد فيهما ألجل المنفعة العمومية‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإن هذه الطريقة في اكتساب العقارات أو الحقوق العينية العقارية التستخدم إال في فائدة الكيانات‬
‫القانونية اآلنفة الذكر‪ ،‬وليس لصالح هيئات المداولة فيه‪.‬‬
‫ولما كان ثابتا في قضية الحال أن قرار الوالي نص على أن المستفيد من إجراء نزع الملكية هو‬
‫المجلس الشعبي البلدي‪ ،‬فإن بالنص على إستفادة مقررة لصالح هيئة تداولية اشتمل على خطأ القانوني‬
‫‪ ...‬ومتى كان كذلك إستجوب إبطال القرار المطعون فيه بالبطالن"(‪.)1‬‬
‫ومن العرض السابق‪ ،‬يتضح لنا مدى اتساع سلطات القاضي اإلداري في رقابته على صحة تكييف‬
‫اإلدارة للوقائع‪ ،‬وشمول هذه الرقابة لغالبية صور الق اررات اإلدارية‪ ،‬بحيث أصبحت تمثل رقابة الحد األدنى‬
‫التي يمارسها القضاء في الطعن بتجاوز السلطة‪.‬‬
‫ل كن تجدر اإلشارة إلى أن القضايا التي راقب فيها القاضي الجزائري التكييف القانوني للوقائع تعد‬
‫نادرة‪ ،‬وعليه ال يمكن الجزم بأن هذه الرقابة تعد قاعدة عامة في القضاء الجزائري‪ ،‬خاصة وأن هذا األخير لم‬
‫يلعب دو ار كبي ار في الرقابة على الوجود المادي للوقائع‪.‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫رقابة التناسب‬
‫إذا كانت القاعدة األساسية التي تحكم رقابة القضاء اإلداري على أعمال اإلدارة العامة‪ ،‬تتمثل في أن‬
‫هذه الرقابة تنصب على مشروعية األعمال اإلدارية تاركة مجال المالءمة لتقدير اإلدارة‪ ،‬فإن هذه القاعدة قد‬
‫ط أر عليها إستثناء هام في مجال الرقابة القضائية على عيب السبب‪ ،‬تمثل فيما يعرف "برقابة التناسب أو‬
‫المالءمة"‪.‬‬
‫فإذا كانت رقابة القضاء اإلداري على الوجود المادي للوقائع‪ ،‬تبحث عن إجابة للتساؤل عما إذا كانت‬
‫الوقائع التي أسس عليها القرار قد وقعت بالفعل من الناحية المادية أم أنها لم تحدث‪ .‬وأن رقابته على‬
‫التكييف القانوني للوقائع تهدف إلى التأكد مما إذا كانت هذه الوقائع تطابق ما خلقته عليها اإلدارة من وصف‬
‫قانوني أم ال ‪ .‬فإن الرقابة القضائية على تناسب القرار اإلداري فرضت لمعرفة مدى التناسب بين الوقائع‬
‫ومضمون القرار اإلداري الذي صدر بناءا عليها‪.‬‬
‫ومن هنا يطرح التساؤل حول ماهية هذه الرقابة وخاصة موقف القضاء الجزائري منها‪.‬‬

‫‪ -1‬قرار الغرفة اإلدارية باحملكمة العليا‪ ،‬رقم ‪ ،02939‬الصادر يف‪ ،1181/12/21 :‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،1113 ،‬ص ‪.239‬‬
‫أوال ‪ :‬ماهية الرقابة على التناسب‬
‫سنتناول مفهوم الرقابة على التناسب ثم طبيعة هذه الرقابة‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -1‬مفهوم الرقابة على التناسب‬
‫التناسب فكرة أساسية من أفكار القانون اإلداري)‪ ،(2‬و يقصد به في مجال الق اررات اإلدارية؛ "تحقيق‬
‫ا لتوافق بين سبب القرار ومحـله‪ ،‬أو هو اشتراط عالقة تطابق بين الوقائع الثابتة واإلجراء المتخذ بشأنها‪،‬‬
‫ويمكن أن ينشأ التناسب من عالقة تطابق بين وسيلة وهدف في نص معين‪ ،‬والتناسب بهذا المعنى يمكن‬
‫أن يتغير تبعا للحالة المتوقعة والمضار المتحصلة‪ ،‬كما يمكن أن ينشأ بعمل حساب ختامي للمزايا‬
‫المتوقعة وللمضار ودرجة خطورة الحالة وأهمية الهدف الواجب الوصول إليه‪ ،‬والضيق الذي تسببه‬
‫)‪(3‬‬
‫لألفراد‪".‬‬
‫ومن هنا كان المراد بالتناسب هو " اختيار اإلجراء المالئم الذي يتفق ويتناسب مع أهمية الوقائع")‪.(4‬‬
‫أما في مجال التأديب فيقصد بمبدأ التناسب‪ ":‬أن تأخذ بعين االعتبار خطورة األفعال المنسوبة‬
‫للموظف وما يناسبها من جزاء تحت رقابة القضاء ضمانا لشرعية العمل اإلداري وحسن سير اإلدارة"(‪.)5‬‬
‫وفي مجال الضبط اإلداري يقصد بالتناسب‪...":‬ال يكفي لتدخل اإلدارة قيام سبب مشروع‪ ،‬بل البد أن‬
‫تكون اإلجراءات التي تتخذها اإلدارة مناسبة لألسباب التي استدعتها‪ ،‬بمعنى أن تكون وسائل اإلدارة‬
‫(‪.)6‬‬
‫ضرورية والزمة لتحقيق أغراض النظام العام"‬
‫يقصد برقابة التناسب بصفة عامة‪ ،‬أن يتحقق القاضي من مدى تناسب التصرف محل الرقابة‬
‫والظروف و اإلعتبارات الواقعية المحيطة بكل من اإلدارة و المتعاملين‪ ،‬دون المساس بمبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪)7(.‬كما يقصد برقابة التناسب "رقابة مدى التناسب بين اإلجراء الذي اتخذته اإلدارة وبين الوقائع‬
‫أو األسباب التي دفعتها إلى إتخاذ مثل هذا اإلجراء‪ ،‬وذلك ما يتطلب من السلطة اإلدارية المختصة أن‬

‫‪ -1‬بالبحث يف قواميس اللغة العربية‪ ،‬جند أن لفظ التناسب مشتق من أصل كلمة "نسب"‪" .‬والنسب يعين القرابة‪ ،‬وانتسب واستنسب‪ ،‬أي ذكر نسبه‪،‬‬
‫وناسب مناسبة‪ ،‬ماثله وشاكله والءمه‪ .‬وتناسب أي متاثال وتشاكال‪ ،‬واستنسب الشيء‪ ،‬وجده مناسبا مالئما‪ ،‬والنسبة‪ ،‬القرابة و ايقاع التعلق واالرتباط بني‬
‫شيئني‪ .‬والتماثل بني عالقات األشياء والكميات‪ .‬والنسبة تعين الصلة‪ ،‬ويف علم الرياضيات تعين نتيجة مقارنة إحدى كميتني من نوع واحد باألخرى‪،‬‬
‫وتناسب الشيئني أي تشاكال‪ ،‬والتناسب التشابه‪ ".‬أنظر يف ذلك‪ - :‬قاموس لسان العرب البن منظور‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.9936‬و قاموس املنجد‬
‫يف اللغة واإلعالم‪ ،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ ،1181/26‬ص ‪ .830‬وقاموس املعجم الوجيز‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬طبعة وزارة التعليم مبصر‪ ،1111 ،‬ص‬
‫‪.912‬‬
‫‪ -2‬ح احا عبد العايل و أمال بعيش‪ ،‬الرقابة على تناسب القرار اإلداري وحمله يف دعوى اإللغاء‪ ،‬جملة املنتدى القانوين‪ ،‬بسكرة‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪ -3‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2331 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -4‬نذيرأوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪،‬دراسة مقارنة‪،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫‪ -5‬عبيوط حمند وعلي‪ ،‬الضمانات التأديبية يف القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات‬
‫اإلدارية‪،‬جامعة قاملة‪.2311،‬‬
‫‪ -6‬حممد مصطفى حسن‪ ،‬السلطة التقديرية يف القرارات االدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪ ،1129 ،‬ص ‪.003‬‬
‫‪ -7‬سامي مجال الدين‪ ،‬فضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪.8‬‬
‫تقوم بعملية تقييم وتقدير جيد ودقيق ألهمية وخطورة هذه الوقائع أو األسباب‪ ،‬حتى يتسنى لها إختيار‬
‫(‪.)1‬‬
‫اإلجراء المالئم لها"‬
‫ولعل في إجراء تمييز بين مفهوم التناسب بالمعنى السالف البيان وبين أكثر المصطلحات القانونية‬
‫مقاربة له‪ ،‬وهو المالءمة‪ ،‬ما يبدد أي غموض أو لبس قد يكتنف ذلك المفهوم‪ .‬فالمالءمة من أكثر‬
‫المصطلحات القانونية التي تختلط وتتداخل مع اصطالح التناسب للدرجة التي يتم فيها غالبا استعمالهما‬
‫كمترادفين‪.‬‬
‫ينصرف مدلول المالءمة في اإلصطالح القانوني بوجه عام‪ ،‬إلى توافق العمل القانوني مع ظروف‬
‫الزمان و المكان واإلعتبارات المحيطة بإصداره من كافة جوانبه(‪ .)2‬أما التناسب فهو " يشير إلى الصلة‬
‫الداخلية بين بعض مكونات القرار اإلداري وأركانه وعناصره‪ ،‬وبالتحديد بين سببه ومحله "(‪.)3‬‬
‫فإذا كان إصطالح المالءمة يعني توافق القرار االداري مع جميع العوامل والظروف المحيطة باصداره‬
‫من كافة جوانبه‪ ،‬فإن إصطالح التناسب ال يعني سوى توافق اإلجراء المتحذ – أي محل القرار االداري – مع‬
‫السبب المصاحب له‪ ،‬وبالتالي فهو ينصب على أحد جوانب المالءمة في القرار‪ ،‬وليس على جميع جوانبها‪،‬‬
‫فالتناسب بهذا المعنى أحد مالءمات القرار اإلداري في مجال السلطة التقديرية لإلدارة(‪.)4‬‬
‫إن مفهوم المالءمة أوسع إذن من مفهوم التناسب‪ ،‬بل إن المفهوم األول يستغرق الثاني ويستوعبه‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫باعتباره يندرج في أحد أجزائه أو مكوناته‪ ،‬و من ثم فإنهما ال يتطابقان معا‪ ،‬وال يعد أحدهما مرادفا لآلخر‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫لآلخر‪.‬‬

‫‪ -1‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬اإلجتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪ .12‬وجتدر اإلشارة إىل أن اجمللس الدستوري املصري يف اعرتافه بدستورية مبدأ التناسب‪ ،‬يشري إىل أن هذا املبدأ يعد نتيجة منطقية‬
‫للمبدأ املنصوص عليه يف املادة ‪ 38‬من إعالن حقوق االنسان و املواطن؛ ونعين به مبدأ وجوب أن تكون العقوبة املختارة ضرورية بشكل قاطع وصريح‪.‬‬
‫أنظر يف ذلك‪ :‬حممد باهي أبو يونس‪ ،‬الرقابة القضائية على شرعية اجلزاءات اإلدارية العامة‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2333،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -2‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫جورجي شفيق ساري‪ ،‬رقابة التناسب يف نطاق القانون الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2333 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -4‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ - 2‬طبيعة رقابة التناسب‬
‫إذا كان القضاء اإلداري سواء في فرنسا أم في مصر أم في الجزائر قد باشر رقابة التناسب في‬
‫مجاالت عدة‪ ،‬فقد ثار التساؤل حول أساس تلك الرقابة‪ ،‬بمعنى هل تعد حقيقة صورة من صور الرقابة على‬
‫المالءمة أم أنها ال تعدو أن تكون مظه ار من مظاهر تطور الرقابة على المشروعية؟‪.‬‬
‫وهنا نجد اختالفا بينا بين الفقهاء‪ ،‬حيث ذهب جانب منهم إلى اعتبار الرقابة في مجال التناسب –حتى‬
‫وان كانت تتم في مجال المالءمة ‪ -‬رقابة مشروعية‪ ،‬على أساس أن دور القاضي اإلداري في دعوى اإللغاء‬
‫يقتصر فقط على مجرد فحص المشروعية دون المالءمة‪ .‬لذالك فهم يبررون ذلك بتفسيرات تتالءم ووجهة‬
‫نظرهم‪ ،‬في حين أن جانبا آخر من الفقه يرى أنه ال تعارض على اإلطالق بين ما تجريه اإلدارة وهي بصدد‬
‫مباشرة سلطتها التقديرية من مالءمة وبين أن تخضع هذه المالءمة للرقابة القضائية‪ ،‬فقاضي اإللغاء لم يعد‬
‫قاض مشروعية فقط وانما أصبح قاضيا للمالءمة‪.‬‬
‫فأي من هذين الفريقين أولى باإلتباع؟ هذا ما سنبينه فيما يأتي‪:‬‬
‫أ‪-‬المشروعية أساس رقابة التناسب‬
‫يكاد يجمع الفقه على أن هذه الصورة من الرقابة ال يمارسها القضاء اإلداري على الق اررات االدارية إال‬
‫على سبيل اإلستثناء من القاعدة العامة في رقابته على مشروعية األعمال اإلدارية‪ ،‬والتي تقتصر في األصل‬
‫على التحقق من صحة الوجود المادي للوقائع ومن سالمة تكييفها القانوني‪ ،‬وال تتعداه إلى الرقابة على تقدير‬
‫أهمية الوقائع و خطورتها‪ .‬لتعلق هذا التقدير بأحد عناصر المالءمة التي تترخص فيها اإلدارة؛ ذلك أن دور‬
‫القاضي اإلداري يتحدد –كقاعدة عامة‪ -‬برقابة مشروعية الق اررات االدارية‪ ،‬دون التعرض لبحث مدى‬
‫مالءمتها‪.‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬يرى أنصار هذا اإلتجاه بأن القاضي اإلداري يراقب مدى تناسب اإلجراء الذي اتخذته‬
‫اإلدارة مع أهمية وخطورة الوقائع التي استندت اليها؛ وهو ما يجسد جوهر السلطة التقديرية لالدارة‪ ،‬إال أنهم‬
‫يرون أن هذه الرقابة ال تخرج عن كونها رقابة مشروعية‪ ،‬مستندين في ذلك إلى كون التناسب شرطا أو‬
‫عنص ار من عناصر مشروعية القرار اإلداري‪ ،‬وذلك ألن القاضي ال يراقب ممارسة التقدير لكنه يراقب‬
‫(‪)2‬‬
‫مشروعية الفعل بحيث تصبح مالءمة التصرف شرطا لمشروعيته‪.‬‬

‫‪ -1‬يدرج غالبية فقه القانون العام الرقابة القضائية على التناسب ضمن احللقة األخرية من الرقابة القضائية على ركن السبب يف القرار االداري‪ .‬إال أن جانبا‬
‫آخر من الفقه أمثال سامي مجال الدين‪ ،‬وخليفة سامل اجلهمي‪ ،‬قد ذهب اىل أن هذه الصورة من الرقابة أقرب اىل الرقابة على عنصر احملل منها اىل الرقابة‬
‫على عنصر السبب‪ ،‬ألن تقدير أمهية الوقائع اليت يقوم عليها القرار هي خطوة أوىل إذا ما حتققت تتلوها خطوة أخرى‪ ،‬وهي تقدير اخلطورة النامجة عن تلك‬
‫الوقائع لتربير مضمون وفحوى القرار للوقوف على مدى التوافق بينهما‪ .‬أنظر يف ذلك‪- :‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لالدارة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112،‬ص ‪ 219‬وما بعدها‪ .‬وخليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 002‬و ‪.000‬‬

‫‪ -2‬سامي مجال الدين‪ ،‬قضاء املالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫وهكذا يخلص أنصار هذا اإلتجاه إلى أن رقابة القاضي اإلداري للمالءمة تعتبر هذه األخيرة شرطا من‬
‫شروط مشروعية ق اررات الضبط اإلداري‪ ،‬ولذلك يصبح من واجب القاضي ‪-‬باعتباره قاضيا للمشروعية‪-‬‬
‫رقابة هذا الشرط للتأكد من سالمة تقدير اإلدارة له‪ .‬فالقاضي اإلداري ال يراقب سوى مشروعية الق اررات‬
‫اإلدارية دون مالءمتها‪ ،‬واذا اضطر لرقابة هذه المالءمة فإن ذلك يكون حينما تعتبر شرطا من شروط‬
‫المشروعية‪ ،‬أما المالءمة في ذاتها كظاهرة مستقلة ومنفردة‪ ،‬فإنها ال تخضع بحال من األحوال لرقابة‬
‫القضاء(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬المالءمة أساس رقابة التناسب‬
‫يرى أنصار هذا اإلتجاه عدم وجود تعارض بين أن يكون لإلدارة مكنة إجراء تناسب أو تالؤم في‬
‫ق اررتها‪ ،‬وبين أن يباشر القضاء رقابته على هذه المكنة‪ .‬فرقابة القاضي اإلداري لمدى تناسب الق اررات‬
‫اإل دارية ال تتعارض البتة مع ما يجب أن تتمتع به اإلدارة من إستقالل أو حرية في هذا الشأن‪ ،‬ومن ثم فهي‬
‫ال تمثل اعتداءا عليها من جانب القاضي مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬كما يقول بذلك جانب آخر‬
‫(‪.)2‬‬
‫من الفقه‬
‫خاصة إذا ما وضعنا في اإلعتبار أن هذه الرقابة ال تعني على اإلطالق أن يحل القاضي اإلداري‬
‫نفسه محل رجل اإلدارة‪ ،‬أو أن يعتدي على اختصاصه في هذا الشأن‪ ،‬ذلك أن ما يتوصل إليه رجل اإلدارة‬
‫من تقدير لهذا التناسب هو الذي يشكل اإلطار أو النطاق الدي تدور فيه رقابة القاضي‪.‬‬
‫ورقابة القاضي قد تنتهي إما باإلبقاء على القرار المتضمن لهذا التقدير واما بإلغائه دون تعديل؛ أي‬
‫دون أن يصل األمر الى حد إصدار القاضي لقرار جديد بدال من القرار الملغى‪ ،‬أو إلى حد التعديل في‬
‫مضمون هذا القرار مع اإلبقاء عليه‪ .‬إذ في هذه الحالة فقط يمكن القول بوجود اعتداء من جانب القاضي‬
‫على استقالل وحرية السلطات االدارية‪ ،‬وهو ما لم يحدث مطلقا مما يؤكد احترام القاضي اإلداري لوظيفته‬
‫القضائية(‪.)3‬‬
‫صفوة القول أن رقابة القاضي االداري للتناسب هي رقابة مالءمة وليست رقابة مشروعية‪ .‬ولهذا‬
‫نالحظ أن القضاء اإلداري يزحف بتلك الرقابة إلى األمام كلما وجد الفرصة سانحة لذلك‪ ،‬وهو ما تظهره‬
‫اإلتجاهات الحديثة في قضائه(‪)4‬والتي نتناولها في المطلب الثاني‪.‬‬

‫‪ -1‬يرجع األستاذ "عمار عوابدي" السبب يف ذلك إىل كون فكرة املالءمة فكرة ذات طابع مادي وعملية فنية غري قانونية‪ ،‬تتمثل أساسا يف إجياد التناسب‬
‫بني الوقائع واإلجراءات أو القرارات املتخذة واألغراض أو األهداف منها‪ .‬أنظر‪ :‬عمار عوابدي‪ ،‬النظرية العامة للمنازعات اإلدارية يف النظام القضائي‬
‫اجلزائري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1118‬ص ‪ 669‬و ‪.669‬‬
‫‪ -2‬انظر يف الفقه الفرنسي "هوريو" و "بونار"‪ ،‬أما يف الفقه املصري فنجد "السيد حممد إبراهيم"‪" ،‬سعد عصفور" و حمسن خليل"‪.‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ -4‬جتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي مل يعمم هذه الرقابة على قرارات الضبط اإلداري كافة‪ ،‬حيث أخرج منها عدداً من القرارات تاركاً لإلدارة يف‬
‫خصوصها حرية واسعة يف التقدير‪ .‬ومن ذلك ما تتخذه اإلدارة من إجراءات بوليس عليا ومن قرارات ذات مسة سياسية واحلاالت املتعلقة باملسائل الفنية‪.‬‬
‫وهي ذات احلاالت اليت إمتنع فيها عن رقابة اإلدارة فيما جتريه من تكييف الوقائع اليت تدعيها يف خصوصها‪ .‬للمزيد من التفاصيل حول جماالت الضبط‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثا ‪ :‬موقف القضاء من رقابة التناسب‬
‫لقد كان الضبط االداري المجال الخصب الذي أعمل فيه مجلس الدولة الفرنسي رقابة التناسب‪)2(،‬ولقد‬
‫شكلت الق اررات اإلدارية الضبطية الصادرة عن السلطات المحلية‪ ،‬وهي ما يطلق عليه ب‪" :‬إجراءات الضبط‬
‫المحلية" المجال األساسي الذي باشر فيه مجلس الدولة الفرنسي رقابته لمدى التناسب بين إجراء الضبط‬
‫المحلي وبين الخطر الذي اتخذ من أجله(‪.)3‬‬
‫ويعد حكم ‪ Benjamin‬الشهير نقطة اإلنطالق الحقيقية لتلك الرقابة في قضاء مجلس الدولة‬
‫الفرنسي(‪ ،)4‬فقد صدر هذا الحكم بمناسبة قرار أصدره عمدة مدينة ‪ ، Névers‬يمنع بمقتضاه اجتماعا عاما‬
‫بسبب تخوفه من اإل ضطرابات التي قد يتسبب فيها هذا االجتماع وما قد يؤدي إليه ذلك من إخالل باألمن‬
‫والنظام في المدينة‪ .‬ومع اعتراف المجلس بإمكنية حدوث مثل هذه اإلضطرابات إال أنه ألغى مع ذلك قرار‬
‫العمدة‪ ،‬حيث تبين له بعد فحص ظروف الدعوى واجراء التحقيقات الالزمة‪ ،‬أن االضطرابات المحتملة التي‬

‫اإلداري اليت إمتنع القاضي اإلداري يف خصوصها عن رقابة املالءمة أنظر‪ - :‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة يف‬
‫تسبيب القرارات اإلدارية‪ ،2336 ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -1‬جتدر اإلشارة إىل أن فكرة التناسب قد وجدت تطبيقات هلا يف الشريعة اإلسالمية يف ميدان التعازير‪ .‬وهي العقوبة اليت مل حيددها الشارع لكل معصية‬
‫ليس فيها حد وال كفارة وإمنا ترك أمر تقديرها للقاضي‪ ،‬لكن ذلك ال يعين تركها هلوى هذا األخري ألن الغرض األساسي من التعزير يف اإلسالم هو الزجر‪.‬‬
‫وبالتايل فالعقوبة البد أن تكون حمققة هلذا الغرض‪ .‬فال جيوز أن تقف دون احلد الذي يتحقق معه الزجر بالتفريط أو التساهل‪ .‬وال تكون أزيد مما يلزم‬
‫لتحقيق ذلك بالغلو أو اإلفراط‪ ،‬بل يتعني أن تكون على قدر احلاجة مبا يتحقق معه الغرض من فرضها دون زيادة أو نقصان‪ .‬فتقدير العقوبة ال يتم بصورة‬
‫حتكمية وإمنا يتحدد مبا يتناسب مع جسامة اجلرمية وخطورة مرتكبها‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬فؤاد معوض‪ ،‬تأديب املوظف العام يف الفقه اإلسالمي والقانون‬
‫الوضعي‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2339 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -2‬وقد قيل يف تربير ظهور الرقابة يف جمال الضبط اإلداري يف قضاء جملس الدولة الفرنسي أن جمال الضبط يتصل إتصاال وثيقا باحلريات العامة‪ ،‬وأن موضوع‬
‫احلريات العامة يعترب مسألة قانونية‪ .‬وبالتايل فهو يشكل عنصرا من عناصر مشروعية إجراء الضبط‪ .‬ويبدو أن اعتبار موضوع احلريات العامة مسألة قانونية ال‬
‫يقدم تربيرا كافيا‪ ،‬لذلك اعترب الدكتور عصام عبد الوهاب الربزجني ويسانده يف ذلك الدكتور خليفة سامل اجلهمي أن احنصار رقابة التناسب يف بداية ظهورها‬
‫يف جمال الضبط اإلداري فرتة من الزمن‪ ،‬يرجع إىل إعتبارات عملية تتعلق بالسياسة القضائية اليت دأب جملس الدولة الفرنسي على انتهاجها‪ ،‬واليت اتسمت‬
‫حنو االتساع يف فرض رقابته على أعمال االدارة‪ .‬وليس أدل على ذلك من قيام اجمللس مبد هذا النوع من الرقابة إىل جماالت عديدة من النشاط اإلداري‪.‬‬
‫انظر‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ض ‪.009-006‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.162‬‬
‫‪ -4‬ل قد سبقت هذه القضية قضايا أخرى‪ ،‬وقد كان ذلك إبتداء من سنة ‪ 1132‬حينما أصدر اجمللس حكمه يف قضية " شركة الفيلهارموين املوسيقية"‬
‫بإلغاء قرار عمدة ‪ Fumay‬القاضي برفض الرتخيص هلذه الشركة مبمارسة مهنتها حبجة احملافظة على النظام العام‪ ،‬حيث وجد اجمللس أن األسباب أو‬
‫الوقائع اليت استند إليها القرار املذكور ليست من شأهنا اإلخالل هبذا النظام‪ .‬ويف عام ‪ 1131‬أصدر اجمللس حكما مشاهبا للحكم السابق أشار فيه صراحة‬
‫إىل أن مهمة القاضي جيب أن متتد يف جمال الضبط اإلداري إىل حبث ما إذا كانت اإلدارة قد اختذت طبقا لظروف الدعوى قرارا ال تربره ضرورات احملافظة‬
‫على النظام العام‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول املوضوع أنظر‪ - :‬أشرف عبد الفتاح أبو اجملد حممد‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من تسبيب اإلدارة للقرارات اإلدارية‪،‬‬
‫دون دار النشر‪ ،‬القاهرة‪ ،2336 ،‬ص ‪.80‬‬
‫تذرع بها العمدة ال تبلغ خطورتها الدرجة التي يعجز معها بما لديه من سلطات البوليس عن المحافظة على‬
‫النظام العام إذا ما سمح بعقد االجتماع(‪.)1‬‬
‫إضافة إلى األحكام الخاصة بحرية اإلجتماعات العامة فقد صدرت أحكام أخرى تتعلق بالعديد من‬
‫الحريات العامة مثل‪ :‬حرية العبادة‪ ،‬حرية الصناعة والتجارة‪ ،‬حرية الصحافة(‪ ...)2‬ففي مجال حق الملكية‬
‫والحقوق الفردية األخرى‪ ،‬باشر مجلس الدولة الفرنسي رقابة التناسب على ق اررات نزع الملكية واإلستيالء‪ ،‬فقد‬
‫قضى مثال بإلغاء قرار عمدة مدينة ‪ Nante‬باإلستيالء على شقة سكنية إلحدى األرامل إلتخاذها مأوى‬
‫لمنكوبي الحرب العالمية الثانية‪ ،‬مؤسسا حكمه على أن مشكلة ايجاد مأوى لهؤالء المنكوبين ليست سببا كافيا‬
‫لنزع ملكية تلك الشقة‪ ،‬حيث يمكن تدبير هذا المأوى بوسيلة أخرى غير اإلستيالء(‪.)3‬‬
‫في مجال الوظيف العمومي أو الق اررات التأديبية‪ ،‬فإن القضاء الفرنسي ثابت على أن تقدير خطورة‬
‫الذنب اإلداري وتقدير الجزاء المناسب له من مطلقات السلطة االدارية(‪ .)4‬أما فيما يتعلق بمسائل الفصل‪،‬‬
‫فإننا نجد مجلس الدولة يتشدد في خصوصها عموما‪ ،‬ولذلك فقد بسط رقابته في بعض القضايا على مالءمة‬
‫هذه الق اررات ومدى تناسب قرار الفصل مع الوقائع واألفعال المنسوبة إلى الموظف المفصول(‪ ،)5‬أما في غير‬
‫هذه الحالة – أي ق اررات الفصل –‪ ،‬فإن مجلس الدولة الفرنسي ال يمارس رقابته على التناسب تاركا هذا‬
‫(‪.)6‬‬
‫المجال لحرية اإلدارة مادام سلوكها بريئا من أي انحراف‬
‫بالنسبة للوضع في الجزائر‪ ،‬فعلى الرغم من أن مبدأ التناسب لم يستقر بعد ولم تتضح معالمه في‬
‫القضاء اإلداري الجزائري‪ ،‬إال أن هذا األخير قد أخذ ببعض أحكام ومبادئ نظرية التناسب في مجال الق اررات‬
‫أو الجزاءات التأديبية أسوة بالقضاء الفرنسي والمصري‪.‬‬

‫‪ -1‬ميهوب يزيد‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة‬
‫قاملة‪ ،2311،‬ص ‪ .2‬ونذير أوهاب‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬سنة ‪ 1912‬هجرية ص ‪.269‬‬
‫حيث جاء يف منطوق القرار ‪:‬‬
‫‪« Qu’il résulte de l’instruction que l’éventualité des troubles alléguées , le maire de nevers ne‬‬
‫‪présentait pas un degré de gravité tel qu’il n ait pas pu, sans interdire la conférence maintenir‬‬
‫» ‪l’ordre en édictant les mesures de police qu’ il lui appartenait de prendre‬‬
‫‪ - 2‬املذكرة نفسها‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫‪ -3‬مراد بدران‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة يف ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2338،‬ص ‪093‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫‪ -5‬من أوائل أحكام جملس الدولة الفرنسي يف هذا الصدد‪ ،‬حكمه يف قضية ‪Vinolay‬و ‪ .Lebon‬أنظر يف ذلك‪ :‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ، 2330،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -6‬مع ذلك جتدر اإلشارة إىل أن هناك عددا حمدودا جدا من األحكام اليت فرض فيها جملس الدولة رقابة التناسب‪ ،‬وذلك فيما يتعلق مبسائل التطهري‬
‫اإلداري‪ .‬فعندما وقعت فرنسا حتت اإلحتالل األملاين أصدرت حكومة "فيشي" قانونا يف ‪ 1191/2/12‬ملعاجلة آثار القانون األول‪ .‬وذلك بتطهري اجلهاز‬
‫اإلداري ممن تعاونوا مع سلطات اإلحتالل‪ .‬وهنا جند أن جملس الدولة مل ي بحث مدى صحة الوقائع املنسوبة للموظف أو تكييفها القانوين فقط‪ ،‬وإمنا جتاوز‬
‫ذلك إىل حبث مدى تناسب الوقائع مع اخلطورة‪ ،‬حبيث تربر إجراء التطهري‪.‬أنظر‪ - :‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.006‬‬
‫ففي قرار للغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم ‪ 19912‬المؤرخ في ‪ ،1128/30/18‬رفض القاضي‬
‫بسط رقابته على التناسب‪ ،‬ومما جاء في القرار‪ ..." :‬أن لدى اإلدارة سلطة تقديرية للتصرف حسب مشيئتها‬
‫للعقوبة التأديبية التي تأمر بها نظ ار لخطورة الخطيئة المرتكبة‪ ،‬وليس لدى القاضي اإلداري الفاصل في‬
‫قضية تجاوز السلطة تقدير أهمية العقوبة المتخذة من السلطة اإلدارية ومدى مناسبتها لخطورة الخطيئة‬
‫(‪)1‬‬
‫المسببة لها‪"...‬‬
‫على خالف ذلك‪ ،‬نجد ق ار ار للغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى رقم ‪ ،92698‬الصادر ب‪ 2 :‬ديسمبر‬
‫‪ 1186‬في قضية (ب م ش) ضد (وزير الداخلية والمدير العام لألمن الوطني )(‪ ،)2‬حيث راقب المجلس‬
‫األعلى مدى مالءمة الجزاء التأديبي مع المخالفة المرتكبة‪ ،‬وانتهى إلى أن اإلدارة كانت محقة في تقديرها‬
‫لمدى التناسب بين المخالفة المرتكبة والجزاء المقدر‪ .‬ومما جاء في حيثيات القرار‪ " :‬من المقرر قانونا أن‬
‫األخطاء التأديبية تشمل كل تقصير مرتكب في ممارسة الوظيفة واألفعال المرتكبة خارج الوظيفة والتي‬
‫تمس من حيث طبيعتها بشرف واعتبار الموظف أو الكفيلة بالحط من قيمة الفئة التي ينتمي إليها‪ ،‬أو‬
‫ار بعزل الموظف الذي‬
‫المس بصورة غير مباشرة بممارسة الوظيفة‪ ،‬ومن ثم فإن اإلدارة العامة بإتخاذها قر ا‬
‫كان قد انتهج سلوكا ال يتماشى وصفته كعون من أعوان الشرطة والذي كان في نفس الوقت قد خرق‬
‫التزام االحترام والطاعة للسلطة الرئاسية‪ ،‬التزمت بتطبيق القانون وكان بذلك قرارها سليما‪.‬‬
‫ولما كانت األخطاء المهنية المرتكبة من الموظف كافية لتبرير عزله‪ ،‬فإن اإلدارة كانت محقة في قرارها‬
‫بتسليط هذا الجزاء "‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي‬ ‫من الق اررات الحديثة في هذا المجال‪ ،‬نجد قرار مجلس الدولة الصادر في ‪ 29‬جوان ‪1111‬‬
‫أقر وطبق مبدأ التناسب في مجال الق اررات التأديبية‪ ،‬ومما جاء في حيثيات القرار‪ " :‬حيث يثبت من عناصر‬
‫الملف أن المستأنف توبع بجريمة إنشاء محل للفسق وأدين بعقوبة سالبة للحرية تتمثل في تسليط عليه‬
‫شهرين حبسا نافذة و غرامة قدرها ‪ 2555‬دج‪.‬‬
‫حيث أن المستأنف يعمل في حقل التربية والتعليم وان كان يشغل منصب مقتصد مما يفترض معه‬
‫أن يكون هذا الفضاء سليما من كل السلوكيات األخالقية غير السوية التي تلوث عالم البراءة‪.‬‬
‫حيث أن العقوبة المسلطة على المستأنف تتنافى مع الواجبات المفروضة ‪ ...‬ذلك أن الفعل الذي‬
‫أدين به المستأنف جزائيا وهو من األفعال التي تمس بشرف الوظيفة قطعا‪ ،‬فضال عن كونها تدل على‬
‫اخالل بالسلوك القويم الواجب التحلي به من طرف الموظف العمومي‪.‬‬
‫وحيث ترتيبا على ذلك فإن المستأنف يكون قد ارتكب خطأ مهنيا ثابتا‪ ،‬مما يبرر تسليط عليه عقوبة‬
‫تأديبية خالفا إلدعاءاته‪.‬‬

‫‪ -1‬أنظر‪ :‬حسن السيد بسيوين‪ ،‬دور القضاء يف املنازعة اإلدارية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،1121 ،‬ص ‪.012‬‬
‫‪ -2‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1113 ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ -3‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬املنتقى يف قضاء جملس الدولة‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬دارهومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،2332 ،‬ص ‪.180‬‬
‫وحيث من جهة أخرى فإل ن من الثابت فقها وقضاءا أن رقابة القاضي اإلداري ال تمتد إلى تقدير نسبة‬
‫درجة العقاب المسلط إال اذا تبين له عدم التالزم الواضح بين نسبتي الخطأ و العقوبة‪ ،‬و هو أمر غير‬
‫متحقق في قضية الحال بالنظر إلى خطورة الخطأ الثابت في حق المستأنف‪.‬‬
‫وحيث بات في ضوء ما تقدم أن العقوبة المسلطة على العارض قائمة على أساس من الواقع والقانون"(‪.)1‬‬
‫نستنتج من هذا القرار أن القاضي اإلداري قد قام بالتحقق من صحة الوصف المعطى للخطأ التأديبي‬
‫وكذلك الدرجة التي يدخل فيها‪ ،‬وكذا من حيث تناسب درجة العقوبة مع درجة الخطأ المرتكب‪ .‬كما يملك‬
‫القاضي اإلداري سلطة رقابة واسعة في إعادة الموظف المعزول إلى منصبه إذا ما ثبت عدم مشروعية قرار‬
‫الفصل وانجر عن هذا القرار عواقب وخيمة خالل فترة العزل كإيقاف المرتب‪ ،‬عدم الترقية‪...‬‬
‫هذا فيما يتعلق برقابة التناسب في مجال الق اررات التأديبية‪ ،‬أما في مجال الضبط اإلداري فإن رقابة‬
‫القاضي اإلداري الجزائري لمالءمة الق اررات الصادرة في مجال الضبط اإلداري نادرة بل وتكاد تكون منعدمة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫خاصة في ظل الظروف االستثنائية‪.‬‬
‫ولعل حساسية هذا النوع من الق اررات وحداثة مجلس الدولة ونظام ازدواجية القضاء‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫اإلضطرابات األمنية الخطيرة التي كانت تعيشها البالد منذ إعالن حالة الطوارئ بمقتضى المرسوم الرئاسي‬
‫رقم ‪ 99/ 12‬المؤرخ في ‪ ،1112/2/1‬قد كانت السبب في امتناع مجلس الدولة الجزائري عن مد رقابته إلى‬
‫هذا النوع من الق اررات‪ .‬كما أن هذا المرسوم قد منح لهيئات الضبط اإلداري سلطات تقديرية واسعة في مجال‬
‫تقييد الحريات العامة‪ ،‬إال أ نه لم يؤمن بالمقابل حماية لحقوق وحريات األفراد من تعسف سلطات الضبط‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلداري في استعمال سلطاتها‪.‬‬
‫ومن القضايا التي أخذ فيها القضاء الجزائري بهذا البعد الحديث لرقابة التناسب على سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية في مجال الضبط اإلداري‪ ،‬نجد قضية "شركة سوتريبال " ضد (والي والية برج بوعريريج) في‬
‫‪ ،1119/2/29‬حيث جاء في مضمون قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا ‪":‬أن القاضي اإلداري مؤهل‬
‫بتقدير مالءمة التدابير المأمور بها لمتطلبات الوضعية"(‪ ،)4‬وعليه فسلطة القضاء اإلداري تتسع بنظر‬
‫التناسب إن تعلق األمر بحرية أساسية‪ ،‬فيتجاوز الرقابة العادية إلى التأكد بأن اإلجراء الضابط ضرورة ال‬
‫مناص منها لتحقيق الحد األدنى المطلوب إلستقرار النظام العام‪ ،‬واال عد القرار الضابط معيبا في ركن‬
‫السبب لسوء تقدير المالءمة‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.180‬‬


‫‪ -2‬مراد بدران‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .092‬مع مالحظة أن رقابة القضاء لقرارات الضبط الصادرة يف ظل الظروف االستثنائية تكتسي أمهية بالغة لسيادة‬
‫تلك الظروف يف اجلزائر أكثر من الظروف العادية‪.‬‬
‫‪ -3‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد األول‪ ، 2332 ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ -4‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫وفي قرار آخر لمجلس الدولة ب ‪ 1111/2/1‬في قضية (بوسالح ‪ -‬م) ضد (والي والية تلمسان)‬
‫قضى بإلغاء إستفادة المعني من قطعة فالحية‪ ،‬مستندا على تحريات السلطات األمنية المعنية التي أكدت‬
‫سلوك المعني العدائي للثورة التحريرية‪ .‬لكن القاضي قدر أن األسباب المقدمة ال ترقى إللغاء االستفادة‪،‬‬
‫وقضى مجلس الدولة بإإللغاء على أساس أن " القرار الوالئي موضوع الدعوى جاء غير معلال ومدعما بأدلة‬
‫كافية على ما ينسبه إلى المستأنف عليه مما يجعله منعدم األساس"‪.‬‬
‫ومن الضروري أن نبين أن الحاالت التي يمتنع فيها القضاء الجزائري عن رقابة التكييف القانوني‬
‫للوقائع تعد في ذاتها حاالت اإلمتناع عن رقابة التناسب تبعا منطقيا(‪.)1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أساليب الرقابة الحديثة على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫(‪)2‬‬
‫في مجال رقابته على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬سياسة قضائية اتسمت‬ ‫لقد سلك القضاء اإلداري‬
‫بالتدرج الهادئ والثابت‪ ،‬فقد إتجه بداية ‪-‬كما رأينا‪ -‬إلى إنكار كل دور رقابي له في مجال تلك األعمال‪ ،‬ثم‬
‫ما لبث أن غير هذه السياسة‪ ،‬حيث بدأ برقابة الغلط في القانون ثم الغلط في الوقائع‪ ،‬ثم مد هذه الرقابة‬
‫كقاعدة عامة إلى التكييف القانوني للوقائع‪ .‬وأخي ار إنتهى إلى بسط رقابته على تقدير اإلدارة لخطورة وأهمية‬
‫الوقائع ومدى تناسب اإلجراء الذي إتخذته مع هذه الخطورة أو تلك األهمية‪ ،‬ولكن استثناء من القاعدة العامة‬
‫في قضائه‪ ،‬إلى درجة أنه قام ‪-‬في بعض الحاالت‪ -‬بإحالل تقديره للوقائع بدال من تقدير وتقييم رجل اإلدارة‪.‬‬
‫وأمام إحساس مجلس الدولة الفرنسي بعدم كفاية هذه األنماط الرقابية لما تشتمل عليه من نقاط ضعف‬
‫وثغرات تسمح لإلدارة بأن تمارس سلطتها التقديرية بشكل تحكمي وتعسفي‪ ،‬خاصة في المجاالت الحديثة‬
‫للدولة المعاصرة‪ ،‬فقد ابتكر المجلس نظريات جديدة في مجال الحد من سلطة اإلدارة التقديرية بغرض تحقيق‬
‫التوازن بين تمكين هذه األخيرة من إدارة مرافقها بما يحقق صالح المجتمع ويصون النظام العام فيه‪ ،‬وبين‬
‫حماية وضمان حقوق األفراد و حرياتهم ‪.‬‬
‫وتمثلت أولى تلك الخطوات في رقابة الخطأ البين في التقدير ثم تلتها نظرية الموازنة بين المنافع‬
‫واألضرار‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫رقابة الخطأ البين‬
‫تعد نظرية رقابة الخطأ البين من المستجدات التي استحدثها مجلس الدولة الفرنسي في رقابته للسلطة‬
‫التقديرية لإلدارة‪ ،‬وحتى نقف على مدلولها‪ ،‬فإننا سنتناول مفهومها ونطاقها وطبيعة الرقابة القضائية عليها‪،‬‬
‫وأخي ار موقف القضاء المقارن والجزائري من هذه النظرية‪.‬‬

‫‪ -1‬قروف مجال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،2339،‬ص ‪.129‬‬
‫‪ - 2‬ونقصد بذلك جملس الدولة الفرنسي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الخطأ البين‬
‫إذا كان الفضل في ظهور نظرية "الخطأ البين" في مجال السلطة التقديرية يعود إلى مجلس الدولة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -‬كما سنرى فيما بعد‪ ،-‬إال أن هذا األخير قد إكتفى بابتداع النظرية دون وضع معيار محدد‬ ‫الفرنسي‬
‫لها(‪ .)3‬ولذلك وضع الفقه معيارين لتمييز وتحديد الخطأ البين‪ :‬المعيار اللغوي أو الوصفي والمعيار‬
‫الموضوعي‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -1‬المعيار اللغوي‬
‫هو المعيار الذي يشير فقط إلى المعنى اللغوي أو اإلصطالحي لصفة "البين" أو "الظاهر"‬
‫‪ manifeste‬التي يوصف بها الخطأ الذي ترتكبه اإلدارة في تقدير الوقائع التي تستند إليها في ق ارراتها(‪.)5‬‬
‫فالخطأ البين طبقا لهذا المعيار‪"،‬هو الخطأ البديهي )‪ (évidente‬أو الجسيم )‪ (grossiére‬أو‬
‫الصارخ )‪ (flagrante‬أو الخطير )‪ (grave‬أو الجلي )‪ (éclatante‬أو الفاحش )‪ .(lourde‬فإذا تحقق‬
‫و صف واحد من تلك األوصاف في الخطأ‪ ،‬أصبح بينا ومن ثم يكون القرار اإلداري المشتمل عليه جدي ار‬
‫باإللغاء"(‪.)6‬‬
‫ولهذا يعرف األستاذان "أوبي" و "دراجو" الخطأ البين على أنه‪ ":‬الخطأ الواضح والجسيم الذي يكون‬
‫مرئيا حتى بالنسبة لغير المتخصصين من رجال القانون" ‪ .‬أو كما يقول األستاذ "فوديل"‪ " :‬هو الخطأ الذي‬
‫يقفز أمامنا بحيث يمكن مالحظته بمجرد النظر إليه ومن أول وهلة دون الحاجة إلى اإلستعانة بأهل الخبرة‬

‫‪ -1‬ذهب بعض الفقه إىل تسمية هذه النظرية باسم "الغلط البني"‪ ،‬مثل األستاذ حيي اجلمل وحممود سالمة جرب‪ ،‬إال أن األستاذ رمضان حممد بطيخ ‪-‬‬
‫ونشاطره الرأي‪ -‬يفضل استعمال مصطلح "اخلطأ البني" حت ال خيتلط األمر مع نظرية الغلط يف القانون املدين‪ ،‬خاصة أن لكال النظريتني أحكاما تتميز هبا‬
‫عن األخرى‪ ،‬سواء من حيث املضمون أم من حيث جماالت التطبيق أم من حيث أطراف العالقة‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬االجتاهات املتطورة‬
‫يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪.1119 ،‬‬
‫‪ -2‬جتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي مل يكن أول من قال هبذه الفكرة‪ ،‬فقد سبق للمحكمة اإلدارية بسويسرا أن أخذت هبا‪.‬كما أخذ هبا القضاء‬
‫اإلجنليزي إستنادا إىل فكرة "عدم املعقولية" وأخذ هبا جملس الدولة البلجيكي‪ .‬وكان جملس الدولة املصري أسبق من نظريه الفرنسي يف األخذ هبا وإن قصرها‬
‫على جمال التأديب وأمساها بنظرية الغلو‪ ،‬وجملس الدولة الفرنسي طور هذه النظرية وعممها لتصبح نظرية عامة يف فقه القانون العام‪ .‬أنظر‪ :‬خليفة سامل‬
‫اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪،2331،‬ص ‪. 193‬‬
‫‪ -3‬من املعروف عن جملس الدولة الفرنسي أنه حيرص عادة على أال يضع تعريفات يف أحكامه تكون سببا يف إعاقة قضائه يف املستقبل‪.‬‬
‫‪ -4‬للخطأ يف اللغة العربية معان متعددة‪ ،‬منها أنه ضد الصواب أو احليدة عنه‪ .‬واخلاطئ من تعمد ما ال ينبغي‪ ،‬وهلذا فقد يأيت مبعىن الذنب‪ .‬أنظر‪- :‬قاموس‬
‫لسان العرب البن منظور‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪ .112‬أما يف اإلصطالح القانوين‪ ،‬فإن اخلطأ هو اخالل بالتزام قانوين‪.‬أنظر‪ :‬عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫الوسيط يف شرح القانون املدين اجلديد‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬دار احياء الرتاث العربني بريوت‪ ،‬ص ‪.228‬‬
‫أما فيما يتعلق بلفظ الظاهر‪ ،‬فيقصد به يف اللغة العربية‪ :‬ظهر ظهورا‪ ،‬أي برز بعد اخلفاء‪ .‬والظاهر خالف الباطن‪ ،‬وظاهر البلد خارجه‪ ،‬وظاهر اجلبل‪،‬‬
‫أعاله‪ ،‬وخارج العيون‪ ،‬جاحظها‪ .‬وهي ذات املعاين اليت تشري إليها قواميس اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫‪ -5‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -6‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.106‬‬
‫والتخصص في إكتشافه"‪ .‬أما األستاذ "ريفيرو" فيرى أن الغلط البين هو‪" :‬الغلط الذي ينكر ويتعارض‬
‫والمنطق السليم"(‪.)1‬‬
‫وقد اعتمد مجلس الدولة المصري معيار الجسامة أو المعيار اللغوي كمعيار مميز للخطأ البين في‬
‫التقدير‪ " ،‬وهو الخطأ الذي يكون مرئيا لغير المتخصصين‪ ،‬أو هو الخطأ الذي يجري على عكس ما‬
‫تقتضيه طبيعة األشياء أو الذي ال تخطئه العين"(‪.)2‬‬
‫أما في المجال الفني و العلمي‪ ،‬فقد عرف الفقه الخطأ البين على أنه‪" :‬الخطأ البديهي أو البين الذي‬
‫يدرك أو يمكن التعرف عليه من قبل غير المتخصصين في تلك المجاالت"‪ ،‬أو كما يقول مفوض الحكومة‬
‫الفرنسي ‪" Braibant‬يمكن التعرف عليه حتى من قبل جاهل"(‪.)3‬‬
‫وهو الخطأ البعيد عن كل شك‪ ،‬فإذا ما شك القاضي في وضوح وجسامة الخطأ‪ ،‬انتفت عنه صفة‬
‫"الخطأ البين"‪ ،‬فمع الشك ينتفي كل خطأ بين ومع اليقين يتحقق هذا الخطأ‪ .‬ولهذا نجد األستاذ ‪ Kahn‬يعرف‬
‫الخطأ البين بأنه‪" :‬الخطأ الذي ال يثير في نفس القاضي أدنى شك في وجوده فإن تطرق إليه الشك افتقد‬
‫صفته كخطأ بين‪ ،‬حيث يفسر الشك لصالح اإلدارة"(‪.)4‬‬
‫واذا كانت كلمة "بين" وفقا لهذا المعيار اللغوي‪ ،‬توحي بأن هذا الخطأ قد وصل الى درجة من الوضوح‬
‫تكفي إلقناع القاضي بوجود مثل هذا الخطأ‪ ،‬أو تكفي إلزالة أي شك لديه حول هذا الخطأ‪ ،‬إال أن هذا‬
‫المعنى اللغوي أو اإلصطالحي للخطأ البين‪ ،‬لم يكن محل إجماع من جانب رجال القانون والفقه‪ ،‬على أساس‬
‫أن وصف "الجسامة" قد يكون وصفا مالزما للخطأ البين كما هو الحال لألخطاء واإلجراءات التأديبية‪ ،‬وقد‬
‫يكون غير مالزما أو ضروريا للخطأ البين‪ .‬كما هو الحال في مجال إجراءات البوليس العالي(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬المعيار الموضوعي‬
‫ال يشترط في الخطأ البين أن يكون ظاه ار أو واضحا‪ ،‬إذ قد يكون عند ظاهره مما يقتضي إجراءات‬
‫بحث معمق في الدعوى اإلدارية‪ ،‬ومن هنا تبنى جانب آخر من الفقه المعيار الموضوعي‪ .‬بحيث يميز‬
‫البعض بين الخطأ البين والخطأ غير البين على أساس مدى قدرة الشخص العادي على التعرف عليه‪.‬‬

‫‪ -1‬حممود سالمة جرب‪ ،‬رقابة جملس الدولة على الغلط البني يف تكييف الوقائع وتقديرها يف دعوى اإللغاء‪ ،‬جملة هيئة قضايا الدولة‪ ،‬السنة ‪ ،02‬العدد ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مارس‪ ،1110 ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -2‬زكي حممود النجار‪ ،‬فكرة الغلط البني يف القضاء الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1112 ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ -4‬وهذا ما دفع مفوض احلكومة ‪ ، M.Galabert‬إىل التخلي عن إقرتاح له بإلغاء قرار وزير الصحة مبنع بيع دواء معني للجمهور على أساس اخلطأ البني‬
‫يف تقدير األخطار النامجة عن هذا الدواء‪ .‬وقد ركز يف تقريره على نغمة الشك‪ ،‬وانتهى إىل القول ‪-‬الذي تبعه فيه جملس الدولة‪ -‬أن اإلدارة مل ترتكب خطأ‬
‫بينا يف تقديرها للخطر الذي ينطوي عليه الدواء‪ .‬أنظر‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229،222‬‬
‫‪ -5‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫فالخطأ البين أو الظاهر هو الخطأ الذي يمكن التعرف عليه من طرف شخص عادي في ثقافته مأخوذا في‬
‫أما غيره فال يمكن التعرف عليه إال من قبل المتخصصين(‪.)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االعتبار كافة الظروف المحيطة به؛‬
‫لكن هذا اإل تجاه أيضا كان محل انتقاد من قبل رجال الفقه‪ ،‬على إعتبار أنه يغالي في حقيقة صفة‬
‫البيان أو الوضوح التي يجب أن يكون عليها الخطأ في التقدير‪ ،‬لدرجة يقال معها أن الشخص العادي‬
‫يستطيع بيانه أو إكتشافه فمثل هذه األخطاء لن يقع فيها رجل اإلدارة‪ ،‬حيث يفترض فيه أن يكون على قدر‬
‫من التخصص و الخبرة في الشؤون اإلدارية بما يجنبه الوقوع في مثل هذه األخطاء‪.‬‬
‫أمام اإلنتقادات الموجهة للمعيارين – اللغوي والموضوعي‪ ،-‬نجد أن المعيارين يكمالن كل منهما‬
‫الآلخر؛ بحيث ال يمكن اإلعتماد على واحد من بينهما فقط للتعرف على الخطأ‪ ،‬فالوضوح والجسامة في‬
‫الخطأ ( وهو المعيار اللغوي أو اإلصطالحي)‪ ،‬يساعد القاضي عند فحصه لملف الدعوى أو الظروف التي‬
‫أحاطت بتقدير اإلدارة للوقائع (وهو المعيار الموضوعي) من سرعة إكتشاف هذا الخطأ أو التعرف عليه‪.‬‬
‫ومن هنا يمكننا تعريف الخطأ البين في التقدير بأنه " الخطأ الذي يرى فيه القاضي من خالل بحثه‬
‫لملف الدعوى ولمختلف الظروف التي جرى فيها هذا التقدير تجاو از لحدود المعقولية ووضوحا لدرجة‬
‫البداهة"(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬طبيعة الرقابة القضائية على الخطأ البين في التقدير‬
‫لن نتساءل في هذا الموضع فيما إذا كانت رقابة الخطأ البين تدخل ضمن رقابة المشروعية أو‬
‫المالءمة كما فعلنا بالنسبة ألنواع الرقابة التقليدية على السلطة التقديرية‪ .‬ذلك أن رقابة الخطأ البين تنصب‬
‫طبعا على مالءمة القرار اإلداري وليس على مشروعيته‪ ،‬خاصة أنها تهدف كما يقول ‪- kahn‬مفوض‬
‫الحكومة‪ -‬إلى تصحيح كل ما تنطوي عليه نظرية السلطة التقديرية من إمكانية للتجاوز أو التعسف(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬


‫‪ -2‬يظهر من إستقراء أحكام جملس الدولة الفرنسي واملصري‪ ،‬إجتاهها إىل وضع معيار موضوعي لنظرية اخلطأ الظاهر‪ ،‬حبيث ال يعتمد تقدير وجود اخلطأ‬
‫البني على حسن أو سوء نية اإلدارة‪ ،‬من ناحية‪ .‬وحبيث ال يكون أمره مرتوكا حملض تقدير القاضي‪ ،‬من ناحية أخرى‪ .‬وإمنا يقوم على عناصر موضوعية‬
‫تكشف عن اخللل يف التقدير‪ ،‬حبيث حيكم بااللغاء يف احلالة اليت يتبني فيها أن تقدير اإلدارة جاء مشوبا خبطأ ظاهر يفسد هذا التقدير ويكون جماوزا حلدود‬
‫املعقول‪ .‬أنظر ‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ -3‬جتدر اإلشارة إىل أن إثبات اخلطأ البني خيضع للقواعد العامة لإلثبات‪ ،‬علما أن مذهب اإلثبات يف القانون اإلداري هو مذهب اإلثبات احلر وهذا ما‬
‫أضفى على اإلجراءات اإلدارية الطابع اإلجيايب التحقيقي‪ .‬إال أنه البد أن ننوه إىل أن جملس الدولة الفرنسي قد انتهى إىل التخفيف من عبء اإلثبات امللقى‬
‫على عاتق املدعي‪ .‬ففي حكم "باريل" الصادر سنة ‪ ،1169‬أضحى القاضي اإلداري ال يلقي عبء اإلثبات على عاتق الطاعن‪ ،‬و إمنا يطلب منه فقط أن‬
‫يكون حمددا وأن يستند على بعض القرائن‪ .‬وميلك القاضي أن يكمل امللف بإجراءات التحقيق مادام الطاعن قد أورد قرائن جدية على إحنراف اإلدارة‬
‫بسلطتها التقديرية‪ .‬ففي هذا احلكم طلب اجمللس من الوزير جمموعة الوثائق اليت إختذ على أساسها القرار‪ ،‬وإزاء رفض اإلدارة الرد على هذا األمر مت إلغاء‬
‫القرار املطعون فيه‪ .‬وملزيد من التفاصيل راجع‪ -:‬حممد حمده‪ ،‬اإلثبات يف املواد اإلدارية‪ ،‬جملة اإلجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬سنة ‪ ،2336‬ص ‪83‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫‪ -4‬السيد حممد إبراهيم‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع يف دعاوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مطابع جريدة السفري باإلسكندرية‪، 1190،‬ص ‪.00‬‬
‫ولهذا فإن القاضي اإلداري يقوم من خالل هذه النظرية بإحالل تقديره الشخصي محل تقدير رجل‬
‫اإلدارة‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا ما كان هذا التقدير األخير مشوبا بخطأ بين‪)1(.‬وهنا لنا أن نتساءل عن موقع‬
‫رقابة الخطأ البين بين مستويات الرقابة التي يباشرها قاضي تجاوز السلطة؛ فمن المعروف أن هناك ثالثة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪:‬‬ ‫مستويات لتلك الرقابة و هي‬
‫‪ -‬رقابة دنيا ‪ ، contrôle minimum‬وتتناول الوقائع التي تدعيها اإلدارة لق اررتها من حيث‬
‫وجودها المادي أو عدم مخالفتها للقانون‪ ،‬وكذلك من حيث عدم إنطوائها على تعسف أو سوء‬
‫إستعمال من جانب اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -‬رقابة عادية ‪ ، contrôle normal‬وتتناول التكييف القانوني للوقائع التي تستند إليها اإلدارة في‬
‫قراراتها ومدى تناسبها مع اإلجراء المتخذ على أساسها‪.‬‬
‫‪ -‬رقابة قصوى ‪ ، contrôle maximu‬وتتناول أهمية وخطورة الوقائع التي تستند إليها اإلدارة في‬
‫ق ارراتها‪ ،‬ومدى تناسبها مع اإلجراء المتخذ على أساسها‪.‬‬
‫لقد ذهب معظم الفقهاء الفرنسيين والمصريين إلى إعتبار رقابة الخطأ البين عنص ار من عناصر الرقابة‬
‫الدنيا‪ .‬فالفقيه الفرنسي "دراجو" يقول بأن ‪" :‬مفهوم الحد األدنى للرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬قد‬
‫اتسع ليضيف إلى عناصر رقابة الحد األدنى عنص ار جديدا‪ ،‬هو وجود خطأ بين في التقدير‪ ،‬بما يعني أن‬
‫الرقابة على تقدير الوقائع ال تمثل أقصى صور التطور في الرقابة على الوقائع‪ ،‬بل تدخل في رقابة الحد‬
‫األدنى من جانب قاضي اإللغاء "‪ .‬وكذلك الفقيه ‪ kornprolest‬الذي يقول‪ ":‬إن رقابة الخطأ البين قاصرة‬
‫فقط على المنازعات التي تباشر في خصوصها الرقابة الدنيا"(‪ .)3‬ومن الفقه المصري نجد الدكتور "يحي‬
‫الجمل" حيث يقول " إن أحكام مجلس الدولة الفرنسي عممت تطبيق هذه الفكرة واعتبرتها أحد عناصر‬
‫(‪)4‬‬
‫الحد األدنى للرقابة "‪.‬‬
‫في حين يرى جانب آخر من الفقه بأن رقابة الخطأ البين تدخل ضمن مستوى الرقابة العادية التي‬
‫تتناول التكييف القانوني للوقائع التي تستند إليها اإلدارة في ق ارراتها‪ .‬فقد سبق وأن ذكرنا في إطار حديثنا عن‬
‫أساليب الرقابة التقليدية بأن رقابة التكييف القانوني يرد عليها إستثناءان‪ ،‬وهما إجراءات البوليس العالي‬

‫‪ -1‬وهذا ما يؤكده مفوض احلكومة ‪ braibant‬حينما خاطب جملس الدولة قائال ‪ " :‬ليس هناك أدىن شك يف أن القاضي ال يستطيع أن حيل تقديره‬
‫حمل تقدير رجل اإلدارة يف احلاالت اليت تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية‪ ،‬ومع ذلك فقد توسعتم يف نطاق الرقابة اليت ميارسها اجمللس منذ إثين عشرة سنة‬
‫من خالل نظرية اخلطأ البني يف التقدير حت مشلت هذه السلطة"‪.‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Alain Moyrand, le droit administratif, l’hermès, Lyon, 1992, p 166-167. et voir : Gustave‬‬
‫‪Peiser, contentieux administratif,12 eme édition ,Dalloz, 1999, p 189 et 190.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬حيي اجلمل‪ ،‬رقابة جملس الدولة على الغلط البني لإلدارة يف تكييف الوقائع‪ ،‬جملة القانون واإلقتصاد‪ ،‬حقوق القاهرة‪ ،‬العدد الثالث والرابع‪ ،‬السنة احلادية‬
‫واألربعون‪ ، 1122 ،‬ص ‪. 206‬‬
‫والمسائل العلمية والفنية‪ ،‬وبالتالي فالقاضي اإلداري لم يلجأ إلى فكرة الخطأ البين إال للتغلب على الصعوبات‬
‫التي تواجهه لبسط رقابة التكييف القانوني على مسائل تتسم بالدقة والتقنية أو تتطلب خبرة عملية معينة‬
‫إلرتباطها بالواقع العملي أكثر من إرتباطها بالواقع النظري‪ ،‬ومن ثم فقد إعتبرت رقابة الخطأ البين آنذاك‬
‫(‪)1‬‬
‫وسيلة ناجعة لسد الثغرات التي تصيب تلك الرقابة‪.‬‬
‫وقد أدرج جانب ثالث من الفقه رقابة الخطأ البين ضمن الرقابة القصوى؛ ذلك أن الواقع العملي قد‬
‫أثبت ‪-‬كما سنرى عند دراستنا للتطبيقات القضائية‪ -‬بأن رقابة الخطأ البين لم تعد تباشر فقط في مجال‬
‫التكييف القانوني للوقائع‪ .‬وانما إمتد مجال إعمالها إلى تقدير اإلدارة للوقائع في ذاته‪ .‬لهذا يقال للرقابة هنا‬
‫بأنها رقابة مالءمة‪ ،‬ومن ثم فقد أطلق على رقابة القاضي للخطأ البين في هذه الحالة اسم "رقابة الخطأ البين‬
‫في التقييم"(‪.)2‬‬
‫بل وقد امتد مجال إعمال نظرية الخطأ البين إلى مدى تناسب مضمون أو محل القرار اإلداري مع‬
‫الوقائع التي يستند إليها هذا القرار‪ ،‬وهو ما يقال له رقابة التناسب(‪ .)3‬وفي ذلك ذهب األستاذ "شانتي"‬
‫‪ chanta‬إلى أن "قضاء الغلط الظاهر يعدل مجال المالءمة‪ ،‬حيث تنصب الرقابة على مالءمة هذا التقدير‪،‬‬
‫ومن ثم يمكن أن يستند الخطأ إلى مبدأ التناسب"(‪.)4‬‬
‫ومما سبق طرحه‪ ،‬فإننا نرى بأن رقابة الخطأ البين في مجال المنازعات اإلدارية بصفة عامة والسلطة‬
‫التقديرية بصفة خاصة تشمل‪ :‬الخطأ البين في تكييف الوقائع‪ ،‬الخطأ البين في تقييم وتقدير هذه الوقائع‪،‬‬
‫والخطأ البين في مالءمة القرار لظروف الواقع(‪.)5‬‬
‫ثالثا‪ :‬نطاق الرقابة القضائية على الخطأ البين‬
‫لقد أشرنا في إطار حديثنا عن طبيعة الرقابة القضائية على الخطأ البين في التقدير بأن هذه األخيرة قد‬
‫شملت المجاالت التي كانت تخرج عن رقابة التكييف القانوني للوقائع مثل‪ :‬معادلة الوظائف‪ ،‬مبادلة األراضي‬
‫الزراعية‪ ،‬تقدير حالة منتج دوائي معين ‪...‬‬
‫لكن هذه الرقابة قد اتسعت لتشمل جوانب المالءمة‪ ،‬وبالتالي أصبحت شاملة لكافة نزاعات العمل‬
‫اإلداري التي لم تكن مجاال ألية رقابة قضائية من قبل‪ ،‬سواء تلك التي تثور في المجاالت التقليدية لهذا‬

‫‪ -1‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة ومدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،2339 ،8‬ص ‪.120‬‬
‫‪ -2‬عمورة حكيمة ومقالين مىن‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات‬
‫القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪.2311،‬‬
‫‪ -3‬زروق العريب‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ -4‬زكي حممود النجار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .02‬وجورج فوديل ‪،‬بيار دلقولقية‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬اجلزء الثاين ‪ ،‬ترمجة منصور القاضي‪ ،‬املؤسسة اجلامعية‬
‫للدراسات والتوزيع‪ ، 2331،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ -5‬جتدر اإلشارة إىل أن األستاذ "زروق العريب " يف مقاله السابق الذكر‪ ،‬قد اعترب بأن رقابة اخلطأ البني هلا شقني فقط مها رقابة التكييف القانوين ورقابة‬
‫املالءمة‪ .‬ولكنه مل يذكر رقابة الوجود املادي للوقائع‪.‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وتبعا لذلك سنتناول في هذا الفرع المجاالت‬ ‫العمل‪ ،‬أم النزاعات التي تثور في المجاالت الحديثة له‬
‫التقليدية لرقابة الخطأ البين ثم المجاالت الحديثة لهذه الرقابة ‪.‬‬
‫‪ -1‬المجاالت التقليدية لرقابة الخطأ البين‬
‫تعتبر نزاعات الوظيفة العامة والضبط اإلداري عصب المجاالت التقليدية لرقابة الخطأ البين‪ ،‬وذلك‬
‫لكونهما يجسدان التناقض بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة‪ .‬فاإلدارة تسعى إلى تسيير مرافقها العامة‬
‫والمحافظة على النظام العام ولو تعارض ذلك في بعض األحيان مع المصلحة الخاصة وحقوق األفراد‬
‫وحرياتهم‪ ،‬وهؤالء سيسعون إلى تحقيق مآربهم الخاصة‪ ،‬ولو كان ذلك على حساب تعطيل مصلحة المرافق‬
‫العامة أو تهديد النظام العام ‪.‬‬
‫"فمجال الوظيفة العامة والضبط اإلداري يشكالن إذن التربة التي نمت وتطورت فيها الرقابة القضائية‬
‫حتى وصلت إلى الصورة التي هي عليها اآلن‪ ،‬ولهذا يعد أم ار منطقيا أن تظهر في إطارها أولى تطبيقات‬
‫نظرية الخطأ البين"(‪.)2‬‬
‫ففي مجال الضبط اإلداري‪ ،‬كان القاضي اإلداري الفرنسي يرفض دائما أن يباشر رقابته على مدى‬
‫التناسب بين طبيعة وخطورة الوقائع المدعاة من جانب اإلدارة ومقتضيات ومتطلبات القانون‪ .‬إذ كان يكتفي‬
‫بالتحقق من أن اإلجراء محل الطعن قد اتخذ من قبل سلطة مختصة وطبقا لإلجراءات واألشكال المحددة‬
‫قانونا(‪ ،)3‬وانطالقا من وقائع صحيحة وعلى أساس سند قانوني صحيح(‪ .)4‬وفيما عدا ذلك فإن اإلدارة كانت‬
‫تستطيع أن تسبغ على سلوكيات ومواقف األجنبي أو على مضمون ومحتوى المطبوعات الجامعية‪ ،‬الوصف‬
‫(‪)5‬‬
‫الذي تراه مبر ار إلجراء الطرد أو المنع‪.‬‬

‫‪ -1‬عمورة حكيمة ومقالين مىن ‪ ،‬امللتقى السابق‪.‬‬


‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 293‬‬
‫‪ -3‬وهي حمدودة يف اجملال الذي تبحث فيه‪ ،‬كما أهنا ال تتسم يف الغالب باإللزام بالنسبة لإلدارة‪.‬‬
‫‪ -4‬وهلذا جند جملس الدولة الفرنسي قد قضى سنة ‪ ،1192‬بإلغاء قرار وزير الداخلية مبنع املطبوعات واملؤلفات ذات املصدر األجنيب من الدخول إىل‬
‫األراضي الفرنسية‪ .‬على أساس أن قرار املنع قد أشار بشكل عام إىل كافة املطبوعات اليت تصدر عن بعض املكتبات أو دور النشر‪ .‬يف حني كان من‬
‫الواجب على اإلدارة قبل اختاذ مثل هذا القرار أن تقوم بفحص جدي وخاص لكل حالة على حده‪ .‬وإستنادا إىل هذا السبب أيضا فقد أصدرت احملكمة‬
‫اإلدارية ب‪" :‬ليون" عام ‪ 1191‬حكما بإلغاء قرار مستعجل بطرد أحد األشخاص لكونه حامال للجنسية اجلزائرية‪ .‬إذ تقول احملكمة يف هذا احلكم أن‬
‫" القرار املطعون فيه وقد إختذ على وجه االستعجال‪ ،‬مل يؤسس على فحص أو حبث دقيق ومتأن لظروف هذا الشخص"‪ .‬انظر‪ :‬رمضان حممد بطيخ ‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪296‬‬
‫‪ -5‬ميهوب يزيد‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة‬
‫قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.9‬‬
‫ولقد برر مفوضو احلكومة موقف جملس الدولة الفرنسي من رقابة قرارات الضبط اإلداري املتعلقة باألجانب‪ ،‬بأن السبب احلقيقي لإلجتاه القضائي املشار‬
‫إليه يكمن أساسا يف أن القاضي اإلداري كان يعتقد أنه حيقق هبذا املسلك رغبة املشرع يف عدم منح األجانب نفس الضمانات اليت مينحها للمواطنني‬
‫الفرنسيني‪ .‬وذلك م ا يظهر من اإلختصاصات املفرطة اليت قررها املشرع لسلطات الضبط اإلداري جتاه االجانب إبان فرتة حرب التحرير الوطنية‪ .‬كما قد‬
‫يكمن ذلك يف أن جملس الدولة كان يعترب دائما أن إجراءات الضبط اخلاصة باألجانب هلا تأثريها على عالقات احلكومة الفرنسية حبكومات الدول األخرى‪.‬‬
‫ونظ ار لإلنتقادات التي وجهت لموقف مجلس الدولة الفرنسي تجاه األجانب‪ ،‬وفي إطار حرصه على‬
‫تحقيق التوازن بين دواعي المصلحة العليا من ناحية وبين توفير رقابة فعالة لألجانب في فرنسا من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فقد عمل مجلس الدولة في وقت حديث نسبيا على إدخال فكرة الخطأ البين في رقابته إلج ارءات‬
‫الضبط الخاصة بهؤالء األجانب‪ .‬ففي سنة ‪ 1120‬أصدر حكما يعد في الواقع نقطة تحول حقيقي في إتجاه‬
‫مجلس الدولة حول تبني نظرية رقابة الخطأ البين في مجال منازعات األجانب وهو الحكم الخاص بقضية‬
‫مكتبة ‪ françois maspero‬ضد وزير الداخلية(‪.)1‬‬
‫أما فيما يتعلق بمنازعات تأديب الموظفين‪ ،‬فإذا كنا قد ذكرنا سابقا بأن القضاء اإلداري الفرنسي قد‬
‫إمتنع عن إعمال رقابة المالءمة على الق اررات التأديبية إلى زمن قريب؛ أي حتى عام ‪ 1128‬أين أقر مجلس‬
‫الدولة الفرنسي رقابة تقدير اإلدارة لمدى مالءمة وتناسب الجزاء التأديبي الموقع على الموظف مع األفعال أو‬
‫الوقائع المنسوبة له‪ .‬فإن ذات األمر ينطبق على رقابة الخطأ البين في التقدير بحيث إمتنع القضاء اإلداري‬
‫عن إعمال هذا الوجه من الرقابة‪ ،‬رغم مطالبة مفوضي الحكومة له بضرورة العدول عنه ومن ثم تطبيق‬
‫نظرية رقابة الخطأ البين في مجال الق اررات التأديبية(‪ ،)2‬بل وقد كان موقف القضاء على هذا النحو محل‬
‫إمتعاض من جانب عدد من رجال الفقه الذين كانوا يرون فيه أساسا وسندا الستبداد السلطات التأديبية‪.‬‬
‫لكن مجلس الدولة الفرنسي ما لبث أن عدل عن هذا الموقف السلبي من رقابة الخطأ البين في المجال‬
‫التأديبي‪ ،‬حيث أصبح بفضل هذه النظرية يراقب الخطأ البين في تقييم أو تقدير اإلدارة للوقائع التي تستند‬
‫إليها في ق ارراتها التأديبية‪ ،‬ومدى تناسبها مع ما تتضمنه تلك الق اررات من جزاءات(‪.)3‬‬

‫األمر الذي رأى معه أنه من األفضل أن يرتك لإلدارة يف خصوصها سلطة تقديرية واسعة‪ .‬انظر يف ذلك‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 298‬و‬
‫‪.291‬‬
‫‪ -1‬تتلخص وقائع هذه القضية يف أن مكتبة "فرانسوا ماسبريو" تقدمت بطعن أمام جملس الدولة تطلب فيه إلغاء قرار وزير الداخلية الصادر بتاريخ ‪22‬‬
‫يناير ‪ ،1191‬والقاضي مبنع نشر وتوزيع وبيع جملة القارات الثالث اليت تصدرها هذه املكتبة‪ .‬مستندة يف ذلك إىل أن تقدير الوزير خلطورة اجمللة املذكورة‬
‫على النظام العام ليس تقديرا صحيحا‪ .‬فتناول جملس الدولة الفرنسي بالبحث والدراسة تقدير الوزير ملدى خطورة جملة القارات الثالث السابقة على النظام‬
‫العام‪ .‬وانتهى إىل القول بأن هذا التقدير ليس مشوبا خبطأ بني‪.‬أنظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 222‬و ص ‪.220‬‬
‫‪ -2‬فقد إقرتح السيد "كان" يف مذكرته املقدمة للمجلس خبصوص قضية اآلنسة "شيفرو"‪ ،‬اليت كانت تعمل مساعدة ممرضة يف إحدى املراكز الطبية بإلغاء‬
‫اجلزاء املوقع عليها على أساس اخلطأ البني‪ .‬قائال يف هذه املذكرة‪ " :‬إن التقارب بني اجلزاء املقرتف (عدم معاملة أحد املرضى بلطف ورقة )‪ ،‬والعقوبة املوقعة‬
‫( العزل من اخلدمة) يبدو أنه تفاوت غري مقبول أوغري مالئم‪...‬وأن احلل التقليدي بعدم رقابة هذا التفاوت يتسم بالقسوة ومل يعد مربرا يف الواقع"‪ .‬مث يضيف‬
‫قائال ‪ " :‬إذا كان من غري العدل توقيع عقوبة اإلنذار أو اللوم لفعل ال يربر بطبيعته توقيع أي جزاء فإنه يكون من غري العدل أيضا توقيع عقوبة العزل أو الطرد‬
‫من اخلدمة‪ ،‬جملرد إرتكاب املوظف خلطأ طفيف أو عرضي" ‪ .‬ومن جانبه‪ ،‬يدافع أيضا السيد ‪ braibant‬مفوض احلكومة عن اإلقرتاح بضرورة تطبيق رقابة‬
‫اخلطأ البني يف اجملال التأدييب‪ ،‬حيث يتساءل متهكما وساخرا عما يستطيع أن يفعله موظف عوقب بالطرد من اخلدمة جملرد وصوله متأخرا بعض الوقت إىل‬
‫موقع عمله؟‪ .‬أنظر ‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 291‬و ‪. 263‬‬
‫‪ -3‬إذ ليس من العدل‪ ،‬كما يرى جانب من الفقه‪ ،‬أن ترتك السلطة اإلدارية املختصة لتتصرف حبرية تامة على بيانو اجلزاءات وختتار ما تراه حمققا للنغمة‬
‫اليت ترغب يف مساعها‪ .‬فهذا من شأنه اإلخالل اخلطري بضمانات وحقوق املوظفني املشروعة‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫هذا ويالحظ أن القضاء اإلداري ال يتطلب عند اعماله لتلك الرقابة ضرورة أن يكون هناك تناسب‬
‫صارم بين الخطأ المرتكب والعقوبة التأديبية الموقعة‪ .‬وانما يتطلب فقط أال يكون التفاوت صارخا عن عدم‬
‫تناسب بين فإن كان التفاوت كذلك‪ ،‬أي صارخا قضى بإلغاء القرار الصادر بالعقوبة التأديبية(‪.)1‬‬
‫تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن رقابة الخطأ البين في المجال التأديبي ال تقتصر على الحاالت‬
‫التي تكون فيها الجزاءات متسمة بالغلظة‪ ،‬وانما تباشر أيضا في حالة ما إذا كان هناك تساهل وتسامح‬
‫ملحوظ في العقاب من جانب اإلدارة عن أخطاء ووقائع ال تتالءم البتة وهذا التساهل(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬المجاالت الحديثة لرقابة الخطأ البين‬


‫لقد ترتب على تحول الدولة من دولة حارسة الى دولة متدخلة ظهور مجاالت حديثة للعمل على إثر‬
‫سيادة المذهب اإلجتماعي أو التدخلي‪ ،‬فإن هذا الوضع قد جعل المصلحة العامة تعلو كثي ار عن المصلحة‬
‫الخاصة‪ .‬مما فرض على اإلدارة أن تلتزم بضرورة القيام بدور أساسي في المجتمع‪ ،‬األمر الذي أصبح معه‬
‫من البديهي أن يعترف لها المشرع بحرية أكبر في التصرف أو بسلطة تقديرية أوسع في مختلف هذه‬
‫(‪)3‬‬
‫المجاالت الحديثة اإلقتصادية‪ ،‬اإلجتماعية‪ ،‬البيئية‪...‬‬
‫إال أن هذه الحرية لم تكن مطلقة‪ ،‬فقد إنتهج مجلس الدولة لهذا الغرض أساليبا تتالئم وسرعة ومرونة‬
‫تلك المجاالت‪ ،‬بحيث أصبح يركز على كيفية تقييم اإلدارة لهذه الوقائع‪ ،‬دون إهمال ظروف ومعطيات كل‬
‫نزاع على حده للوقوف على ما يشوب تقدير اإلدارة من خطأ بين‪ ،‬سواء في تقدير الوقائع في ذاتها واما في‬
‫(‪)4‬‬
‫صحة تكييفها القانوني‪ ،‬واما في مدى التناسب بين الوقائع المذكورة واإلجراء المتخذ على أساسها‪.‬‬
‫ففي مجال تخطيط أو تنظيم المدن‪ ،‬فإن القاضي اإلداري يراقب غالبا الوقائع التي تستند إليها الق اررات‬
‫المنفذة للسياسات المتعلقة بهذا التخطيط‪ ،‬وهو في إعماله لتلك الرقابة ال ينظر الى المبادئ النظرية التي‬

‫‪ -1‬وهو ما حدث يف قضية "‪ ، " vinolay‬حيث الحظ أن التقارب بني األخطاء املسندة للموظف‪ ،‬وهي القسوة الصارمة يف معاملته ملرؤوسه وبني‬
‫عقوبة العزل من اخلدمة يعد تفاوتا صارحا و بينا‪ ،‬بل وقد وجد هلذا القضاء تطبيقات يف جمال الوظيفة العامة احمللية‪ ،‬حيث قضى جملس الدولة مبناسبة توقيع‬
‫عقوبة الفصل على س كرتري عمدة إحدى القرى الصغرية‪ ،‬بأن األخطاء املنسوبة هلذا السكرتري ال تربر على اإلطالق توقيع عقوبة الفصل اليت تعد أشد‬
‫العقوبات التأديبية‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪ -2‬فقد ألغى جملس الدولة الفرنسي يف أحد أحكامه اجلزاء التأدييب املوقع على سائق حافالت بإحدى القرى‪ ،‬نظرا لعدم تناسب هذا اجلزاء مع خطورة‬
‫الذنب املقرتف‪ .‬حيث يتبني من التحقيق أن هذا السائق كان يقود إحدى سيارات البلدية حتت تأثري املشروبات الكحولية‪ .‬وهو سلوك يشكل يف حقيقته –‬
‫كما يقول اجمللس‪-‬ن خطأ تأديبيا على درجة من اخلطورة‪ .‬مما يتناقض وما إتسم به قرار السلطة التأديبية من تساهل مفرط‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬سامي مجال‬
‫الدين‪ ،‬الدعاوى اإلدارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .091‬وجتدر اإلشارة إىل أن جملس الدولة الفرنسي قد أعمل رقابة اخلطأ البني يف كل ما يتعلق باملنازعات‬
‫الوظيفية‪ ،‬حبيث طبقها فيما خيص قرارات اإللتحاق بالوظيفة العمومية أو تقارير كفاءة املوظفني أو قرارات اإلحالة على اإلستيداع أو الفصل‪ ،‬إىل جانب‬
‫القرارات واجلزاءات التأديبية‪ ،‬و اليت فصلنا احلديث عنها أعاله‪.‬‬
‫‪ -3‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة ‪،‬‬
‫العدد ‪،2339 ،8‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -4‬رمضان بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.221‬‬
‫يستند إليها مصدر القرار لتطبيق هذه السياسيات‪ .‬وانما يهتم بشكل مباشر بظروف الواقع العملي ذاته وما‬
‫يسوده من قيم إجتماعية معينة‪ ،‬بمعنى أنه يراقب ق اررات تخطيط المدن من منظور بيئي؛ أي في إطار البيئة‬
‫اإلجتماعية التي صدرت فيها‪ .‬وهنا تلعب رقابة الخطأ البين دو ار أساسيا‪ ،‬وذلك إما لغياب النصوص‬
‫التشريعية في هذا المجال‪ ،‬أوا لعدم وضوح ودقة هذه النصوص(‪.)1‬‬
‫أما في المجال اإلقتصادي‪ ،‬فقد أعمل القاضي اإلداري هذا النمط الرقابي ويستدل على ذلك بعديد‬
‫(‪)2‬‬
‫القضايا التي فصل فيها مجلس الدولة الفرنسي‪.‬‬
‫وفيما يخص مجال البيئة‪ ،‬فقد بدأ القضاء اإلداري يعطي المنازعات المتعلقة بهذا المجال إهتماما‬
‫متزايدا‪ ،‬خاصة وأن التنظيمات القانونية المتعلقة به الزالت في مختلف دول العالم تقريبا حديثة العهد‬
‫ومحدودة التطبيق‪ ،‬األمر الذي يلقي على عاتق القضاء دو ار أكبر من أجل حماية أفضل للبيئة‪.‬‬
‫ولذلك نالحظ أن سياسة الدولة‪ ،‬لم تعد تهتم فقط بالمسائل المتعلقة بحماية حق الملكية الخاصة لألفراد‬
‫ومنع أي اعتداء قد يقع على هذا الحق‪ .‬وانما أصبحت تهتم كذاك بكافة المسائل ذات العالقة بنوعية وجودة‬
‫الحياة البيئية‪ ،‬بحيث أصبحت الدولة حريصة على أن تؤكد للمواطنين أن لهم الحق في أن تكون البيئة التي‬
‫يعيشون فيها نظيفة وصحية‪ ،‬ولهذا فقد ظهر في معظم دول العالم تقريبا حق جديد لصالح األفراد يعرف ب‪:‬‬
‫"الحق في البيئة"(‪ ، le droit de l’environnement)3‬وتحقيقا لهذه السياسة وتدعيما لهذا الدور‪ ،‬فقد عمل‬
‫مجلس الدولة الفرنسي على حماية جانبي البيئة(‪ ،)4‬من خالل إعماله لرقابة الخطأ البين في جميع المنازعات‬
‫التي تثور في هذا الصدد(‪ ،)5‬وهي رقابة تنصب على التكييف القانوني الذي تضفيه اإلدارة على الوقائع التي‬

‫‪ -1‬زروق العريب‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪120‬‬


‫‪ -2‬وذلك عندما يباشر رقابته على تقييم اإلدارة وتقديرها خلطورة إستعمال اجلمهور ملنتج طيب معني‪ ،‬إذ بعد أن أحاط بكافة الوقائع اليت إستندت إليها‬
‫اإلدارة يف هذه الصدد وكيفية تقديرها هلذه الوقائع‪ ،‬إنتهى إىل إلغاء قرار وزير الصحة مبنع تناول هذا املنتج الطيب‪ .‬حيث تبني له أن هذا التقدير كان مشوبا‬
‫خبطأ بني مما أثر على صحة ومشروعية القرار املطعون فيه‪ .‬وهو ما انتهجه أيضا يف خصوص تقدير اإلدارة ملا إذا كانت "الزبادي" احملفوظة حتت درجة عالية‬
‫من التربيد تعادل يف قيمتها الغذائية "الزبادي" الطازجة‪ .‬وكذلك السماح بإفتتاح خمترب حتاليل إستنادا للقواعد املنظمة ملثل هذه املسائل‪ ،‬حيث باشر يف هذا‬
‫الصدد تقييما شخصيا لكافة الظروف اإلقتصادية اليت إستندت إليها اإلدارة لتربير هذا الرفض ومنها‪ :‬عدد األفراد الذين يستفيدون من هذا املخرب‪ ،‬مساحة‬
‫القرية املراد إقامة املخترب فيها‪ ،‬املسافة بني تلك القرية وأقرب خمرب حتاليل مماثل‪ ...‬إنتهى اجمللس إىل القول بأن تقييم الوزير هلذه الوقائع اإلقتصادية كان مشوبا‬
‫خبطأ بني‪ ،‬ومن مث فقد ألغى قرار الرفض‪ .‬أنظر يف ذلك‪ :‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬اإل جتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية و موقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،1119 ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪ -4‬من املعروف أن للبيئة جانبني‪ :‬أحدمها إقليمي‪ :‬وهو اجلانب املرئي وامللموس لإلنسان‪ .‬وهو يف الواقع جانب مجايل‪ ،‬وهلذا يطلق على محايته "باحلماية‬
‫اجلمالية"‪ .‬واجلانب اآلخر جانب الطبيعة ذاهتا‪ ،‬أو ما يطلق عليه جبانب التعادل أو التوازن البيولوجي‪ .‬وهو اجلانب الذي يشكل اإلطار احليايت لإلنسان‪،‬‬
‫وهلذا فاحلماية املقررة له تسمى ب‪" :‬محاية الطبيعة"‪ .‬ومع ذلك فإن هذين اجلانبني غري مستقلني عن بعضهما البعض‪ .‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.190‬‬
‫‪ -5‬واملنازعات يف هذا اجملال عديدة‪ ،‬من ذلك حكم جملس الدولة الفرنسي بعدم اعتبار ‪ la place beauveau‬مبثابة منظر أثري‪ ،‬أو على العكس‬
‫إعتبار ‪ ، La place de l’étoile‬بأهنا متثل مناظر أثرية‪ ،‬ومن مث فهي جديرة باحلماية‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫تستند إليها ق ارراتها في تلك المجاالت‪ ،‬وما يكون قد أصاب هذا التكييف من خطأ بين قد جعل القاضي‬
‫الإلداري من رقابته عنص ار لصالح اإلجراءات التي تهدف إلى حماية البيئة‪ ،‬حتى وان كانت تحمل في ذات‬
‫(‪)1‬‬
‫الوقت إعتداءا على حق الملكية الخاصة‪.‬‬
‫وهكذا فإن القاضي اإلداري ‪ -‬من خالل تقنية الخطأ البين ‪ -‬أصبح يأخذ في اعتباره عند تقديره أو‬
‫تقييمه الشخصي لوقائع المنازعات المتعلقة بالبيئة‪ ،‬ضرورة تغليب المصلحة العامة أو بمعنى آخر تغليب كل‬
‫ما من شأنه حماية البيئة على المصالح الفردية أو الخاصة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬موقف القضاء الجزائري من رقابة الخطأ البين‬
‫نبادر بداية إلى القول أنه بمراجعة ق اررات مجلس الدولة الجزائري المنشورة‪ ،‬أو التي تمكنا من الحصول‬
‫عليها‪ ،‬لم نجد لهذه النظرية تطبيقات قضائية توحي بتبني القضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري لها‬
‫كنظرية عامة في القانون‪ ،‬وذلك بالمفهوم والشمول التي هي عليه في القضاء اإلداري الفرنسي‪ .‬ومع ذلك‬
‫تجدر اإلشارة إلى أننا تمكنا من رصد قرابة ثالث ق اررات قضائية أعمل فيها مجلس الدولة الجزائري رقابة‬
‫الخطأ البين‪ ،‬أو على األقل إستعمل هذه التسمية‪ ،‬وقد إقتصر ذلك على مجال الق اررات التأديبية‪.‬‬
‫ويمكن الوصول حسب قول المستشارة "فريدة أبركان" إلى الغلط الواضح في التقدير باإلجابة عن‬
‫(‪)2‬‬
‫التساؤل اآلتي ‪ :‬أال يعد الجزاء المسلط على الموظف مبالغا فيه؟‬
‫" إن اإلدارة تتمتع في هذا المجال بسلطة تقديرية بخصوص إختيار الجزاء‪ ،‬غير أن القاضي يمارس‬
‫رقابة دنيا عندما يتوصل إلى وجود خطأ واضح ناجم من تعسف اإلدارة في حرية التصرف الممنوحة لها‬
‫(‪)3‬‬
‫وعن تجاوزها حدود المعقول في الحكم الذي تبنته بخصوص عناصر المالءمة "‪.‬‬
‫وقد كرس مجلس الدولة الجزائري ألول مرة رقابة الخطأ البين في التقدير من خالل قرار مجلس الدولة‬
‫رقم ‪ ،122119‬الصادر ب‪ .)4(1118/2/22 :‬وتتلخص وقائع القضية في أن المجلس األعلى للقضاء قد‬
‫أصدر بتاريخ‪ ،1118/2/22 :‬ق ار ار بعزل قاض من مهامه‪ ،‬بدعوى أنه خالف الواجبات المنصوص عليها في‬
‫المادة ‪ 1/11‬من القانون األساسي للقضاء السابق المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،1181‬والتي كانت تمنع القضاة‬
‫من أن يمتلكوا في مؤسسة بأنفسهم أو بواسطة الغير مصالح يمكن أن تشكل عائقا للممارسة الطبيعية‬
‫لمهامهم أو تمس بإستقالل القضاء‪ ،‬المنع الذي صار منصوصا عليه في المادة ‪ 18‬من القانون العضوي رقم‬
‫‪ ،11/39‬المؤرخ في ‪ 9‬سبتمبر ‪ 2339‬المتضمن القانون األساسي الجديد للقضاء‪.‬‬

‫‪ -1‬وقد عرب جملس الدولة الفرنسي عن هذا اإلجتاه صراحة يف حكم حديث نسبيا حينما قضى بأنه ‪ " :‬يتبني من فحص ملف الدعوى أن البناء املزمع‬
‫تشييده ليس من شأنه أن يعرض للخطر محاية موقع أثري أو أن خيل بالتنظيم اجلمايل للمدينة‪ ،‬أو أن يتناىف مع الرغبة يف وجود مساحات بيئية خضراء‪ ،‬أو‬
‫أن يؤدي إمجاال إىل نتائج سلبية أو مؤسفة على البيئة‪ ،‬فتقدير اإلدارة لكافة هذه العناصر مل يكن مشوبا خبطأ بني "‪.‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪ -2‬فريدة أبركان‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد األول‪ ،2332،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ -3‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ 4‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪ ، 2332 ، 31‬ص ‪ 80‬و ‪. 89‬‬
‫وتتمثل األفعال المنسوبة للقاضي‪ ،‬في أنه يملك في الشياع عقارات منها مخبر للصور مسير من‬
‫طرف أخيه‪ ،‬كما أنه تدخل لصالح أحد أفراد عائلته أمام جهة قضائية جزائية‪ ،‬وأخي ار تغيبه بدون مبرر عن‬
‫منصب عمله بالذهاب خارج الوطن‪ ،‬فقام القاضي المعزول برفع دعوى ابطال القرار التأديبي أمام مجلس‬
‫الدولة متمسكا بالوجه المأخوذ من خرق األشكال الجوهرية لإلجراءات‪ ،‬فأصدر مجلس الدولة بتاريخ‪:‬‬
‫‪ 1118/2/22‬القرار موضوع التعليق الحالي‪ ،‬متمسكا بإختصاصه بالفصل في دعاوى إلغاء الق اررات التأديبية‬
‫(‪)1‬‬
‫الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء‪.‬‬
‫وفي الموضوع‪ ،‬القضاء بإبطال القرار المطعون فيه أحذا ألول مرة بنظرية "الخطأ الظاهر في التقدير"‪،‬‬
‫وقد جاء في حيثيات القرار ‪...":‬حيث أن الق اررات الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء الفاصل في القضايا‬
‫التأديبية‪ ،‬تعد ق اررات صادرة عن سلطة إدارية مركزية وبهذه الصفة تكون قابلة للطعن فيها باإلبطال ‪...‬‬
‫حيث أن القاضي مثله مثل كل موظف للدولة يستفيد وجوبا بحقوق مضمونة دستوريا‪ ،‬أن القاضي اإلداري‬
‫ملزم بمراقبة إحترام هذه الضمانات ‪ ...‬حيث أنه حتى ولو كانت هذه األفعال ذات طابع يبرر عقوبة‬
‫تأديبية‪ ،‬فإن المجلس األعلى للقضاء قد إرتكب بالرغم من هذا خطأ صارخا في التقرير(‪ )2‬بتسليط العقوبة‬
‫األشد"‪.‬‬
‫وقد قبل مجلس الدولة الطعن باإللغاء على الرغم من أن المادة ‪ 11‬فقرة ‪ 32‬من القانون األساسي‬
‫الملغى لم تكن تجيز الطعن في هذه الق اررات‪ ،‬مستندا في ذلك إلى وجه قانوني غير مألوف يخرج عن األوجه‬
‫الخمسة المعروفة لقبول دعوى تجاوز السلطة‪ ،‬وهو الغلط الصارخ في التقدير‪.‬‬
‫حيث إعتبر مجلس الدولة أن المجلس األعلى للقضاء بتقديره لعقوبة العزل يكون قد إرتكب غلطا‬
‫صارخا في تقدير الوقائع‪ ،‬مما أدى به إلى تسليط عقوبة العزل التي ال تتناسب وفق تقديره مع طبيعة األفعال‬
‫المنسوبة للقاضي محل المتابعة التأديبية‪.‬‬

‫‪ -1‬لق د إعترب جملس الدولة القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس األعلى للقضاء‪ ،‬قرارات صادرة عن سلطة إدارية مركزية‪ ،‬وبالتايل يكون خمتصا بالفصل يف‬
‫الطعون املقدمة ضد هذه القرارات كقاض أول وآخر درجة‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 1‬من القانون العضوي ‪ 31 / 18‬املعدل واملتمم بالقانون العضوي ‪.10 /11‬‬
‫لكن هذا املوقف لقي إعرتاضا من طرف بعض أساتذة القانون‪ ،‬بسبب اإل عتقاد بأن اجمللس األعلى للقضاء هو مبثابة جهة قضائية عندما ينعقد للفصل يف‬
‫القضايا التأديبية‪ .‬وبالتايل من املفروض أن يطعن بالنقض يف قراراته التأديبية بإعتباره جهة قضائية متخصصة‪ .‬حبيث جند األستاذ "رشيد خلويف" يف معرض‬
‫حديثه عن " الطعن يف قرارات اجمللس اجمللس األعلى للقضاء عن نشاطه التأدييب"‪ ،‬خلص إىل تأكيده على الطبيعة القضائية للمجلس األعلى للقضاء عندما‬
‫يبت يف املسائل التأديبية‪ .‬لكن األستاذ "غناي رمضان" يف معرض تعليقه على القرار املذكور أعاله‪ ،‬قد ساق جمموعة من احلجج تؤيد رأيه يف اعتبار جملس‬
‫الدولة حمقا يف التمسك باختصاصه للفصل يف دعوى ابطال القرارات التأديبية للمجلس األعلى للقضاء كقاضي أول وآخر درجة لكن جملس الدولة اجلزائري‬
‫قد حسم هذا اخلالف عندما أصدر سنة ‪ 2336‬قرارا بتشكيلة الغرف جمتمعة‪ ،‬اعترب من خالله قرارات اجمللس األعلى للقضاء يف اجملال القضائي قرارات‬
‫قضائية تقبل الطعن بالنقض فيها أمام جملس الدولة‪ .‬أنظر‪ :‬رشيد خلويف‪ ،‬القضاء اإلداري (تنظيم و اختصاص)‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪، 2332،‬ص‬
‫‪ 181‬و ‪.119‬‬
‫‪ -2‬واألصح واألسلم هو اخلطأ الصارخ يف التقدير ال التقرير‪.‬‬
‫ولقد أبدى األستاذ "غناي رمضان "(‪)1‬من خالل تعليقه على هذا القرار‪ ،‬جملة من المالحظات واألبعاد‬
‫المترتبة عن األخذ بوجه الغلط الصارخ في التقدير نجملها فيما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -‬إن إجتهاد مجلس الدولة في غاية األهمية‪ ،‬ألن من شأنه توسيع دائرة رقابة المشروعية وتقليص‬
‫السلطة التقديرية التي تتمتع بها اإلدارة في إصدار ق ارراتها‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذا اإلجتهاد القضائي جعل قاضي اإللغاء يتعدى عقبة طالما منعته من ممارسة رقابة كاملة‬
‫على الق اررات الصادرة بمحض سلطة اإلدارة التقديرية‪ .‬مما كان يجعل الرقابة القضائية على هذه‬
‫الق اررات رقابة ضيقة ال تشمل جميع نواحيها‪ ،‬فكلما غابت ضوابط المشروعية كانت تغيب معها‬
‫رقابة قاضي تجاوز السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬أن عدم خضوع اإلدارة لرقابة القضاء‪ ،‬ولو في المجاالت التي تتمتع فيها سلطة تقديرية هو‬
‫وضع صار محل نقد من قبل فقهاء القانون‪ .‬ألن دولة القانون والحق تقتضي خضوع اإلدارة‬
‫للقانون وتقتضي خضوع أعمالها لرقابة القضاء‪ ،‬ومن هنا بدأت أعمال السيادة تتراجع وتفقد‬
‫مصداقيتها‪.‬‬
‫‪ -‬أن األخذ بهذا اإلجتهاد فيما يخص رقابة الق اررات التأديبية الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء‪،‬‬
‫هي في الحقيقة بداية لمشوار يمكن أن يؤدي إلى إستعمال هذا االجتهاد في مجاالت كثيرة جد‬
‫حساسة بالنظر إلى أهميتها‪ .‬وبالنظر لما تتمتع به اإلدارة من سلطة تقديرية واسعة‪ ،‬مثل الق اررات‬
‫اإلدارية المتعلقة باألجانب (إقامة‪ ،‬رخص عمل‪،‬طرد‪ )...‬وكل أنواع الق اررات التي تحتكر اإلدارة‬
‫فيها سلطة تقدير مدى مالءمتها لتعلقها بالنظام العام‪.‬‬
‫‪ -‬أن إستعمال هذا اإلجتهاد في منازعات الوظيف العمومي‪ ،‬من شأنه توسيع رقابة القاضي‬
‫اإلداري على الق اررات المهمة بالنسبة لمسار الموظفين‪ .‬إال أن القضاء كان يمتنع عن رقابتها‬
‫نظ ار لكونها من مجاالت السلطة التقديرية‪ ،‬ومثال ذلك الق اررات المتعلقة بتنقيط الموظفين‬
‫والتسجيل في قوائم التأهيل وغيرهما‪.‬‬
‫إن إ عتماد هذا اإلجتهاد في مجال رقابة الق اررات التأديبية الصادرة عن المجلس األعلى للقضاء‬ ‫‪-‬‬
‫بإمكانه أن يرتب عواقب وخيمة في حالة سوء إستعمال وتوجيه هذا اإلجتهاد‪ ،‬إذ بإمكان القاضي‬
‫اإلداري أن يتدخل في مسائل تخص سير أعمال القضاء العادي‪ ،‬عندما يتمسك بإختصاصه‬
‫(‪)2‬‬
‫لرقابة ق اررات تأديبية تتعلق بوقائع ذات صلة بأداء المهام القضائية‪.‬‬

‫‪ -1‬غناي رمضان‪ ،‬تعليق على قرار " عن موقف جملس الدولة من الرقابة على القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس األعلى للقضاء(حالة الغلط الصارخ يف‬
‫التقدير)"‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد السادس‪ ،2336،‬ص ‪ 62‬و ‪.60‬‬
‫‪ -2‬وذلك ما جعل جانبا من الفقه يعرتض على هذا اإلجتاه‪ ،‬فيما تضمنه من منح القضاء سلطة التعقيب على القرارات التأديبية الصادرة عن اجمللس‬
‫األعلى للقضاء‪ .‬إذا كان هناك عدم تناسب صارخ بني الوقائع املنسوبة للقاضي حمل املتابعة والعقوبة املقررة‪ .‬حبيث إعترب هذا اجلانب الفقهي بأن هذا اإلجتاه‬
‫وتبدو أهمية هذا القرار‪ ،‬إلى جانب كونه أول قرار قضائي كرس نظرية الخطأ البين في التقدير‪ ،‬في‬
‫أنه يمثل أول حالة معروفة إستجاب فيها المشرع إلى ما إستقر عليه القضاء لدى إعداده لنصوص قانونية‬
‫جديدة‪ ،‬وذلك بإستبعاد القانون العضوي رقم ‪ 12/39‬لعدم إمكانية الطعن في الق اررات التأديبية الصادرة عن‬
‫المجلس األعلى للقضاء‪ ،‬إذ بتعريف المادتين ‪ 91‬و‪ 92‬للخطأ التأديبي الجسيم‪ ،‬وبتحديد المادة ‪ 90‬للحاالت‬
‫التي يتعرض فيها القاضي إلى عقوبة العزل‪ ،‬فإن ذلك يشكل تقييدا للسلطة التقديرية التي كان المجلس‬
‫األعلى للقضاء يتمتع بها في ظل القانون القديم‪ ،‬فمثلما يمكن للمشرع سن قوانين يؤكد فيها إجتهاد القضاء‪،‬‬
‫يمكنه سن قوانين تضع حدا إلجتهاد قضائي غير مناسب‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫رقابة الخطأ البين‪ ،‬وان لم‬ ‫ولقد أعمل مجلس الدولة الجزائري في قرار الحق له في‪1111/9/29 :‬‬
‫يلغ القرار التأديبي محل الطعن باإلستئناف‪ ،‬ولكنه برر ذلك بعدم وجود خطأ صارخ في تقدير العقوبة‪ ،‬إذ‬
‫كانت العقوبة المقررة مناسبة ومالئمة للفعل المرتكب‪( .‬إنشاء محل للفسق)‪.‬‬
‫وقد جاء في تسبيب القرار‪" :‬حيث يتبين من عناصر الملف أن المستأنف توبع بجريمة إنشاء محل‬
‫للفسق وأدين بعقوبة سالبة للحرية‪ ،‬تتمثل في تسليط عليه شهرين حبسا نافدة وغرامة قدرها ‪2555‬دج‪.‬‬
‫حيث أن المستأنف يعمل في حقل التربية والتعليم‪ ،‬وان كان يشغل منصب مقتصد مما يفرض معه أن‬
‫يكون هذا الفضاء سليما من كل السلوكيات األخالقية غير السوية التي تلوث عالم البراءة‪.‬‬
‫حيث أن العقوبة المسلطة على المستأنف تتنافى مع الواجبات المفروضة‪ ...‬ذلك أن الفعل الذي أدين به‬
‫المستأنف جزائيا وهو األفعال التي تمس بشرف الوظيفة قطعا‪ ،‬فضال عن كونها تدل على إخالل بالسلوك‬
‫القويم الواجب التحلي به من طرف الموظف العمومي‪ ...‬وحيث من جهة أخرى‪ ،‬فإن من الثابت فقها‬
‫وقضاءا أن رقابة القاضي اإلداري ال تمتد إلى تقدير نسبة درجة العقاب المسلط‪ ،‬إال أذا تبين له عدم‬
‫التالزم الواضح بين نسبتي الخطأ والعقوبة وهو أمر غير محقق في قضية الحال بالنظر إلى خطورة الخطأ‬
‫الثابت في حق المستأنف‪.‬‬
‫وحيث بات في ضوء ما تقدم أن العقوبة المسلطة على العارض قائمة على أساس سليم من الواقع‬
‫والقانون"‪.‬‬
‫يتبين من خالل هذا القرار أن القاضي الجزائري الفاصل في المادة اإلدارية‪ ،‬قد أعمل مرة أخرى رقابة‬
‫الخطأ البين في التقدير في مجال الق اررات التأديبية‪ ،‬بحيث رفض إلغاء قرار اإلدارة بعزل الموظف الذي‬
‫يشغل منصب مقتصد لكون العقوبة مالئمة للذنب المرتكب وال يوجد بينهما تفاوت أو عدم تناسب واضح‪.‬‬

‫خيالف القواعد األصولية اخلاصة مببدأ الفصل بني السلطة القضائية والسلطة التنفيذية‪ .‬أنظر يف ذلك‪ - :‬فريدة مزياين و آمنة سلطاين‪ ،‬مبدأ حظر توجيه أوامر‬
‫من القاضي اإلداري واالستثناءات الواردة عليه يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬جملة املفكر‪ ،‬العدد ‪، 2‬بسكرة‪، 2331 ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -1‬قرار رقم ‪ 1209 29‬الصادر يف ‪ 1111 / 9 / 29‬منشور ب‪- :‬حلسني بن شيخ آث ملويا‪ ،‬املنتقى يف قضاء جملس الدولة‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬دار‬
‫هومه‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص ‪. 180‬‬
‫وهذا ما تم في قضية "يحياوي ضد وزير العدل"‪ ،‬حيث ذهبت المحكمة العليا إلى أن‪" :‬المشرع تطبيقا‬
‫للمادة ‪ 031‬من قانون اإلجراءات المدنية‪ ،‬الخاصة بطلبات المراجعة تركت لوزير العدل تقدير األسس التي‬
‫حر في إحضار أو عدم إحضار النائب العام‬
‫يؤسس عليها طلب المراجعة‪ ،‬و بالنتيجة فإن وزير العدل ّ‬
‫بطلب المراجعة مادام ذلك يدخل في نطاق اإلختصاص التقديري ‪.‬‬
‫غير أن قراره من منع ممارسة حق محمي قانونا‪ ،‬أي حق الدفاع فإنه يشكل في نفس الوقت مساسا خطي ار‬
‫بحرية أحد اإلفراد‪ ،‬و إن مثل هذا القرار يجب أن يكون مسببا‪ ،‬وأن وزير العدل قراره قد ارتكب غلطا‬
‫(‪)1‬‬
‫واضحا في تقدير أسس طلب المراجعة المقدم من الطاعن"‪.‬‬
‫يتضح من خالل الق اررات القضائية الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري في مجال رقابة الخطأ البين‬
‫في التقدير‪ ،‬أن هذا األخير قد أعمل هذا النوع من الرقابة في مجال الق اررات التأديبية‪ ،‬و لهذا نأمل أن يمد‬
‫القاضي اإلداري في الجزائر رقابة الخطأ البين لتشمل بقية الق اررات اإلدارية التي تصدر بمقتضى سلطة‬
‫اإلدارة التقديرية في مختلف مجاالت العمل اإلداري‪ ،‬تماما كما فعل نظيره الفرنسي حينما عمم تطبيق نظرية‬
‫الرقابة على الخطأ البين لتتناول مختلف ق اررات اإلدارة التقديرية‪ ،‬كما أوضحنا من قبل‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫رقابة الموازنة بين المزايا واألض ارر‬
‫لقد أدت عدم فعالية الرقابة التقليدية على السلطة التقديرية لإلدارة إلى تزايد إنحرافها وسوء استعمالها‬
‫لهذه اآللية‪ ،‬وبالتالي المساس بحقوق األفراد وحرياتهم‪ .‬خاصة وأن سلطات اإلدارة في تطور واتساع‬
‫مستمرين‪ .‬ولقد اضطر هذا الوضع القضاء اإلداري إلى اعادة تقييم سلطاته في مجال الرقابة على السلطة‬
‫التقديرية‪ ،‬بأن يوازن بين ما تتمتع به اإلدارة من امتيازات وحدود ما يجوز لها من المساس بحقوق االفراد‬
‫وحرياتهم‪ .‬وهو ما دفع مجلس الدولة الفرنسي إلى إرساء نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار المترتبة عن‬
‫الق اررات االدارية كقيد على السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬
‫ولتحديد معالم هذه النظرية بوضوح فإننا سنتناول أوال مضمون نظرية الموازنة‪ ،‬ثم معيارها‪ ،‬ثم مجاالت‬
‫إعمالها‪ ،‬وفي نقطة رابعة طبيعة الرقابة القضائية عليها‪ ،‬وأخي ار موقف القضاء من هذه النظرية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مضمون نظرية الموازنة‬
‫ينصب تطبيق نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار أساسا على محل القرار االداري؛ أي على موضوع‬
‫أو مضمون هذا القرار‪ ،‬وبمعنى أدق ينصب على األثر القانوني الذي تتجه اإلدارة الى إحداثه)‪ ،(2‬مع‬
‫)‪(1‬‬
‫مالحظة أن تطبيق هذه النظرية يقتصر على الحاالت التي تتمتع فيها اإلدارة بسلطة تقديرية‪.‬‬

‫‪ -1‬فريدة ابركان‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬


‫‪ -2‬يقصد مبحل القرار اإلداري ذلك األثر القانوين الناتج عنه‪ ،‬سواء متثل هذا األثر يف إنشاء مركز قانوين جديد أو تعديل مركز قانوين قائم أو إلغاء هذا‬
‫املركز‪ .‬أنظر‪ -:‬عمار بوضياف‪ ،‬دعوى اإللغاء يف قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬دار جسور للنشر و التوزيع‪ ،2331 ،‬ص ‪.116‬‬
‫لقد ظهرت نظرية الموازنة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي في ميدان نزع الملكية من أجل المنفعة‬
‫)‪(2‬‬
‫العامة‪ ،‬ثم تم تعميمها فيما بعد لتشمل جميع المجاالت‪.‬‬
‫ووفقا لهذه النظرية فإن القاضي اإلداري يطرح ثالث أسئلة)‪ ،)3‬أولها يتساءل القاضي ما إذا كان‬
‫المشروع المبتغى يحقق المصلحة العامة‪ ،‬ثم يبحث القاضي عما إذا كانت الوسائل ‪-‬مثل نزع الملكية‪-‬‬
‫ممكنة من أجل تحقيق المشروع ‪.‬‬
‫وفي المرحلة الثالثة ‪-‬وهي األهم‪ -‬فإن القاضي اإلداري يتأكد من أن المزايا المتولدة عن المشروع‬
‫تفوق األضرار والمساوئ المترتبة عنه‪ .‬و بمعنى آخر‪ ،‬فإن القاضي يأخذ في إعتباره عند تقييم مضمون قرار‬
‫ما كافة الجوانب المتعلقة بهذا المضمون‪ ،‬سواء فيما يتعلق باألضرار الناجمة عنه أم بالمزايا المترتبة عليه‪.‬‬
‫بحيث يتمكن بعد ذلك من إجراء عملية موازنة بين النقيضين؛ أي المزايا واألضرار‪ ،‬وبين الغاية أو الهدف‬
‫من ذلك القرار من ناحية أخرى‪ .‬فإذا إنتهت عملية الموازنة إلى ترجيح األضرار يتعين عليه الحكم بإلغاء‬
‫القرار‪ ،‬أما اذا كانت المزايا هي المرجحة‪ ،‬أعلن عن صحة ومشروعية ذلك القرار(‪.)4‬‬
‫ومن خالل هذه المرحلة‪ ،‬يتضح أن مبدأ الموازنة يتعلق باآلثار الناجمة عن القرار‪ ،‬أو بمعنى أدق‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫فإن القضاء يأخذ في اإلعتبار آثار القرار لتحديد ما إذا كان يحقق المصلحة العامة أم ال‪.‬‬
‫ويقصد برقابة الموازنة في مجال نزع الملكية ‪-‬وهو المجال الذي ظهرت فيه‪"-‬بسط رقابة القاضي‬
‫اإلداري على توافر شرط المنفعة العامة‪ ،‬وتجاوز حدود هذه الرقابة من مجرد التأكد من توافر المنفعة‬
‫العامة من وراء القرار اإلداري بنزع الملكية إلى حد الموازنة بين المصالح التي يحققها القرار وتلك التي‬
‫)‪(6‬‬
‫يمس بها وترجيح بعضها على البعض اآلخر للحكم على مدى مشروعية القرار"‪.‬‬
‫وعليه فإن القاضي اإلداري وفقا لهذا القضاء يضع المزايا المترتبة عن القرار اإلداري في أحد كفتي‬
‫ميزان العدالة‪ ،‬ويضع في الكفة األخرى العيوب أو المساوئ التي ينطوي عليها‪ ،‬وذلك بالنظر إلى كافة‬

‫‪ -1‬زروق العريب‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا‪ :‬النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد ‪،8‬‬
‫‪ ،2339‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -2‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2331 ،‬‬
‫ص‪.162‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- www. Academon.fr/Disseration-L’avenir du controle de proportionnalité dans le contentieux‬‬
‫‪administratif /26254 .Vu le : 27/9/2012.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Martine Lombard, op.cit, p 281.et voir : Jacqueline Morand-Devili, op.cit, p 286.‬‬
‫‪ -6‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية ( اإلجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا)‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1110 ،‬ص ‪ 6‬و ‪.9‬‬
‫المعطيات والظروف التي تحيط به؛ أي أنه يباشر تقييما حقيقيا لذات التقييم الذي أجرته اإلدارة في هذا‬
‫)‪(1‬‬
‫الشأن ليقرر بعد ذلك ما إذا كان التقييم معقوال أو غير معقول‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معيار الموازنة بين التكاليف والمزايا‬


‫يقصد بمعيار الموازنة أو التقييم بين التكاليف والمزايا‪" :‬ما يستعين به القاضي اإلداري ليتمكن من‬
‫التحقق من مزايا وعيوب عملية ما‪ ،‬أو نتائج تصرف اداري"(‪ .)2‬ففي مجال عملية نزع الملكية‪ ،‬يتجسد هذا‬
‫المعيار في اإل عتبارات والمعطيات التي تبرز المزايا المترتبة عن هذه العملية وكذلك المساوئ والتكاليف‪،‬‬
‫حيث يستطيع القاضي بعد إجراء عملية الموازنة تقريب أي الكفتين أرجح)‪.(3‬‬
‫وقد وضع مفوض الحكومة ‪ Braibant‬من خالل تعليقه على الحكم الشهير لمجلس الدولة الفرنسي‬
‫» ‪ « nouvelle ville est‬أو ما يعرف "بالمدينة الجديدة الشرقية"‪ ،‬مجموعة من المعايير التي ال بد من‬
‫أخذها بعين اإل عتبار عند تقدير الموازنة بين المنافع واألضرار الناجمة عن العملية التي تطالب االدارة‬
‫باجرائها‪ .‬ومما جاء في القرار ‪ ... " :‬أي مشروع ال يمكن أن تتوافر فيه صفة المنفعة العامة‪ ،‬إال اذا كانت‬
‫األضرار التي يلحقها بالملكية الخاصة والتكاليف المالية التي تقتضيها‪ ،‬واآلثار اإلجتماعية الناشئة عنه‬
‫)‪(4‬‬
‫متوازنة مع ما ينشأعنه من منفعة "‪.‬‬
‫من خالل هذا الحكم يتبين لنا أن معيار الموازنة بين مزايا وتكاليف أي قرار أو إجراء إداري‪ ،‬يتمثل‬
‫فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬معيار المساس بالملكية الخاصة أو ما يعرف بمعيار حق الملكية الخاصة‬
‫وفقا لهذا المعيار‪ ،‬يقارن القاضي اإلداري بين األضرار التي يمكن أن تصيب هذا الحق نتيجة نزع‬
‫الملكية وبين الفوائد التي قد تترتب عن المشروع المراد إنجازه‪(5).‬فقد اعتبر القضاء الفرنسي في بعض‬
‫الحاالت أن المساس بالملكية الخاصة مبالغ فيه ‪ ،exessive‬وذلك مثال في حالة نزع الملكية لمساحة تقدر‬
‫ب ‪1200‬م‪ ،‬من أجل إنجاز موقف للسيارات‪ ،‬أو حالة اإلستيالء على أرض مجاورة لمتنزه من أجل تصحيح‬

‫‪ -1‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لإلدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪،‬‬
‫العدد ‪ ،2339 ،8‬ص ‪.129‬‬
‫‪ -2‬حكيمة عمورة ومقاليت مىن‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية حقوق املالك‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات‬
‫القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪.2311،‬‬
‫‪ -3‬زروق العريب‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف و املزايا ‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Long, M, et autres, Les grands arrets de la jurisprudence administrative, Dalloz, 12 eme‬‬
‫‪édition, Paris, 1999, P 632.‬‬
‫‪ -5‬زورق العريب‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪ .109‬وحكيمة عمورة ومقاليت مىن‪ ،‬املقال السابق‪.‬‬
‫حدوده وتنظيم أماكن األلعاب بشكل أفضل؛ حيث عبر مجلس الدولة الفرنسي عن هذه المنفعة العمومية‬
‫)‪(1‬‬
‫"بالمنفعة جد محدودة"‪.‬‬
‫وهو ما قضى به أيضا في قضية "المدينة الجديدة" كما سنرى‪ ،‬أين اعتبر بأن الفوائد التي قد تترتب‬
‫)‪(2‬‬
‫عن إقامة هذا المشروع تفوق األضرار التي ستصيب أصحابها‪.‬‬
‫‪ -2‬معيار التكاليف المالية للعملية‬
‫يتوجب على القاضي ‪ -‬وفقا لهذا المعيار‪ -‬أن يأخذ بعين اإلعتبار أثناء قيامه بعملية الموازنة‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫فالقاضي ال‬ ‫التكاليف المالية التي ستتحملها الجهة المنفذة للمشروع وما إذا كانت قادرة فعال على التنفيذ‪.‬‬
‫يكتفي بتقدير هذه التكاليف‪ ،‬بل يراقب المقدرة المالية للجهة القائمة على التنفيذ‪.‬‬
‫إذ أن مشروعا معينا قد يكون صالحا للتنفيذ على مستوى إقليم أو مدينة كبرى‪ ،‬حيث تستطيع الجهة‬
‫القائمة على التنفيذ أن تتحمل تكاليف إنشائه دون أن يصيبها إرهاق مالي‪ ،‬بينما قد ال يكون هذا المشروع‬
‫صالحا للتنفيذ في قرية صغيرة ذات موارد محدودة‪ ،‬حيث يسبب مثل هذا القرار أو التنفيذ أعباءا مالية تفوق‬
‫)‪(4‬‬
‫قدرتها‪.‬‬
‫‪ -0‬معيار التكلفة االجتماعية للمشروع‬
‫أو بمعنى أدق‪ ،‬اآلثار االجتماعية التي قد يتسبب هذا المشروع في إلحاقها سواء باألفراد أم بالبيئة)‪.(5‬‬
‫)‪(6‬‬
‫‪ ،société civile Sainte Marie‬قام مجلس الدولة الفرنسي‬ ‫ففي قضية "مستشفى األمراض العقلية"‬
‫بالموازنة بين مصلحتين‪ :‬المحافظة على الصحة العامة من ناحية و إنشاء طريق سريع‪ ،‬وما يترتب عليه من‬
‫سهولة وسير في المرور من ناحية أخرى‪ ،‬ثم إنتهى بترجيح المصلحة األولى ومن ثم إلغاء القرار الصادر‬
‫)‪(7‬‬
‫تفوق الفوائد المحتملة‬ ‫بنزع الملكية للمنفعة العامة‪ .‬نظ ار لما قد يترتب على هذا القرار من مساوئ وأضرار‪،‬‬
‫من إنشاء الطريق السريع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مجاالت الرقابة القضائية على الموازنة‬

‫‪ -1‬إقلويل حممد‪ ،‬سل طات القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬‬
‫جامعة قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -2‬رمضان بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.010‬‬
‫‪ -3‬إقلويل حممد‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ -4‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬جند أن جملس الدولة الفرنسي قد قضى بإلغاء مشروع بإنشاء مطار يف إحدى القرى‪ ،‬عندما وجد التكاليف املالية الالزمة هلذا املشروع‬
‫ال تتناسب متاما مع املصادر املالية لتلك القرية‪ ،‬فقد اعترب أن ذلك من شأنه أن يسبب أضرارا لإلقتصاد احمللي‪ ،‬و املقدرة ب ‪ 833.333‬فرنك تفوق‬
‫بكثري الفوائد اليت قد ترتتب عن إنشاء املطار‪ .‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪ 6‬و ‪. 9‬‬
‫‪ -5‬زروق العريب‪ ،‬نظرية املوازنة بني املزايا واألضرار‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -6‬تتخلص وقائعها يف صدور قرار بإنشاء طريق سريع مشال مدينة "نيس" يربط هذه املدينة وما حييط هبا من مناطق بدولة إيطاليا‪ ،‬وكان من شأن هذا‬
‫الطريق إزالة جزء من مستشفى األمراض العقلية صاحب التخصص الوحيد يف املنطقة‪ .‬أنظر‪ :‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 29‬و ‪.26‬‬
‫‪ -7‬وتتمثل يف هدم مبىن حيتوي على ‪ 83‬سرير‪ ،‬وحرمان املستشفى من املساحة اخلضراء احمليطة به ومن أماكن توقف السيارات‪.‬‬
‫لقد ظهرت نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة‪ ،‬وقد يرجع‬
‫السبب في ذلك إلى ماالحظه مجلس الدولة الفرنسي من أن اإلدارة تتمتع في هذا المجال بسلطة تقديرية‬
‫واسعة‪ ،‬السيما فيما يتعلق بتقرير فكرة المنفعة العامة‪ ،‬حيث لم يكن يحدها في هذا الشأن سوى عيب‬
‫اإلنحراف بالسلطة‪ .‬وهو عيب يتسم بطبيعته بصعوبة اإلثبات خاصة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة‪،‬‬
‫كما قد يرجع السبب في ذلك إلى كون فكرة المنفعة العامة ذاتها فكرة مرنة تتسم بعدم التحديد والوضوح‪،‬‬
‫األمر الذي أدى إلى إستخدامها لمصالح تخرج عن النفع العام‪(1).‬كما قد يرجع السبب في ذلك إلى كون‬
‫المجاالت الحديثة وخاصة المتصلة بالعقارات واألموال‪ ،‬غالبا ما تحكمها نصوص قانونية وتنظيمية ينقصها‬
‫الوضوح والدقة‪ ،‬بل وتتسم في الغالب بالمرونة وعدم الثبات‪ ،‬مما يجعل القاضي اإلداري مجردا من كل سالح‬
‫)‪(2‬‬
‫فعال لمراقبتها‪.‬‬
‫وقد يعود السبب في ظهور نظرية الموازنة في مجال نزع الملكية‪ ،‬إلى تغير مضمون المنفعة العامة‬
‫ذاتها(‪)3‬تحت تأثير التدخالت االقتصادية واإلجتماعية للدولة وتغير فلسفة العالقة بين الفرد والسلطة‪ ،‬فلم تعد‬
‫فكرة المنفع ة العامة فكرة مجردة ذات مضمون مطلق يقابل بينها وبين المنفعة الخاصة‪ ،‬بل أصبحت فكرة‬
‫موضوعية تقدر وفقا لظروف المشروع وما يحققه من مزايا إقتصادية واجتماعية‪ ،‬تأخذ في االعتبار األضرار‬
‫المترتبة عليه وما يكلفه من أعباء مالية‪ ،‬قصد إقامة توازن بين المزايا والتكاليف‪.‬‬
‫لقد مر مفهوم "المنفعة العامة" في قضاء مجلس الدولة الفرنسي بثالث مراحل هي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬المرحلة األولى‪ :‬المنفعة العامة ال تتوافر إال في حاالت معينة‬
‫خالل هذه المرحلة‪ ،‬كان القاضي اإلداري يقر قرار نزع الملكية ألجل المنفعة العامة‪ ،‬إذا كان هذا‬
‫األخير ضمن الحاالت التي حددها المشرع على سبيل الحصر‪ .‬ومثال ذلك نزع الملكية للقيام بأشغال عامة‬
‫)‪(4‬‬
‫كإقامة الطرق والميادين العامة‪.‬‬
‫وقد كانت حاالت الملكية محددة للغاية‪ ،‬خاصة وأن القضاء كان يشترط أن يكون نزع الملكية للضرورة‬
‫العامة)‪ .(5‬لكن القضاء الفرنسي أحل فكرة "المنفعة العامة " محل " الضرورة العامة" حتى تتمكن اإلدارة من‬

‫‪ -1‬أنظر‪ :‬رمضان بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.011‬‬


‫‪ -2‬زروق العريب‪ ،‬نظرية املوازنة بني املزايا واألضرار‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ -3‬جتدر اإلشارة إىل أن املفهوم الواسع واملطاط لفكرة املنفعة العامة واملعتمد عليه كأساس لنزع امللكية‪ ،‬قد أدى إىل جتاوزات خطرية يف هذا اجملال‪ ،‬حبيث مت‬
‫نزع األمالك اخلاصة للمواطنني دون أن ينفذ عليها أي مشروع عام‪ ،‬بل ومت حتويلها إىل أغراض خاصة إلجناز تعاونيات عقارية وتوزيعها قطعا للخواص إلجناز‬
‫سكنات فردية‪ .‬ملزيد من التفاصيل حول املوضوع أنظر‪ - :‬معاشو عمار‪ ،‬التقاضي يف النزاع العقاري أمام القضاء اإلداري‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد‪ ،8‬ص‬
‫‪.162‬‬
‫‪ -4‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 13‬و ‪.11‬‬
‫المضي قدما في تنفيذ األعمال الالزمة لتحقيق النفع العام في شتى المجاالت اإلجتماعية والصحية‬
‫)‪(1‬‬
‫واإلقتصادية بل و حتى الجمالية‪.‬‬
‫‪ -2‬المرحلة الثانية‪ :‬فكرة المرفق العام‬
‫خالل هذه المرحلة‪ ،‬توسع المشرع الفرنسي في حاالت نزع الملكية‪ ،‬حيث ربط مفهوم المنفعة العامة‬
‫بمفهوم المرفق العام)‪ ،(2‬إذ أن كل األنشطة التي تقوم بها المرافق العامة كانت تبرر إستخدام هذه الوسيلة‬
‫اإلستثنائية‪(3).‬فقد أجاز القضاء اإلداري الفرنسي نزع الملكية من أجل حماية الصحة العامة أو تحقيق أهداف‬
‫إجتماعية كتوفير المساكن لذوي الدخل المحدود‪ ،‬أو رعاية الشباب كإقامة مبان لرياضية‪ .‬بل و قد أجاز نزع‬
‫الملكية من أجل تجميل المدن‪ ،‬كما لو إقتضى األمر تجميل األماكن المحيطة باآلثار)‪ .(4‬كما قضى بصحة‬
‫القرار الصادر بنزع الملكية ألجل إقامة معرض دائم أو سوق مغطى‪ ،‬أو توسيع أحد المعسكرات الصيفية إذا‬
‫)‪(5‬‬
‫كان ذلك من أجل مساعدة المرفق العام على أداء وظائفه‪.‬‬
‫لكن نظ ار لألزمة التي عرفتها نظرية المرفق العام خاصة بعد أن إتسع تدخل الدولة في المجال الخاص‬
‫ولجوئها إلى األخذ بأساليب أخرى غير المرفق العام لتحقيق المنفعة العامة‪ .‬لم يعد معيار المرفق العام‬
‫صالحا في هذا المجال‪ ،‬فإتجه القضاء الفرنسي للبحث عن معيار جديد‪.‬‬
‫‪-3‬المرحلة الثالثة‪ :‬فكرة المصلحة العامة‬
‫أمام األزمة التي تعرض لها مفهوم المرفق العام‪ ،‬اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن قرار نزع الملكية‬
‫سليم ومشروع متى توافرت مصلحة عامة تبرر عملية النزع‪ .‬ففي قضية " كامبيرو" كتب مفوض الدولة أنه‪:‬‬
‫"ليس من الضروري لتبرير نزع الملكية التمسك بنظرية المرفق العام‪ ،‬يكفي توافر المصلحة العامة ")‪ ،(6‬بل‬
‫بل أن مجلس الدولة الفرنسي قد ذهب في هذا اإلتجاه إلى حد إعتماد فكرة المصلحة العامة غير المباشرة‪،‬‬
‫كما هو الحال في قضية "فندق وكازينو مدينة نيس")‪.(7‬‬

‫‪ -1‬ويالحظ يف هذا الصدد‪ ،‬أنه نظرا للنطاق الضيق الذي كانت اإلدارة تباشر فيه نزع امللكية فإن جمموعة أحكام جملس الدولة الفرنسي املعروفة باسم‬
‫‪ ،Lebon‬مل تكن تورد بني تقسيماهتا كلمة نزع امللكية ‪ ،expropriation‬و إمنا كانت تورد حاالت نزع امللكية حتت اسم "األشغال العمومية"‪،‬‬
‫‪.travaux publics‬‬
‫‪ -2‬لقد ظهرت فكرة املرفق العام ابتداء من حكم بالنكو الشهري يف ‪ 8‬فيفري ‪.1820‬‬
‫‪ -3‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -5‬حكيمة عمورة ومقاليت مىن‪ ،‬امللتقى السابق‪.‬‬
‫‪ -6‬نبيلة كامل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -7‬تتخلص وقائع القضية يف أنه مت الطعن باإللغاء يف قرار نزع ملكية أحد الفنادق‪ ،‬إلنشاء فندق جديد وكازينو مبدينة "نيس"‪ ،‬لكن جملس الدولة الفرنسي‬
‫قضى بعدم الغاء القرار ألن إزالة الفندق القدمي سيسمح بتخطيط املنطقة على حنو يتيح باإلضافة إىل إقامة الفندق اجلديد والكازينو إقامة دار بلدية جديدة‪.‬‬
‫وبذلك يتوافر يف قرار نزع امللكية شرط املنفعة العامة غري املباشرة‪ .‬أنظر‪ :‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 10‬و ‪.19‬‬
‫كما تبين من خالل هذه المرحلة أنها كانت تمهيدا للتحول الهائل الذي أدى بالقاضي اإلداري إلى‬
‫الموازنة بين مزايا القرار اإلداري ومساوئه ليقدر فيما بعد إذا كان يستحق اإللغاء أم ال‪.‬‬
‫هذا وقد قرر مجلس الدولة الفرنسي ثالث مبادئ تحكم عملية نزع الملكية بصفة عامة‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬
‫المبدأ األول ‪ :‬أن نزع الملكية ال يمكن أن يستند إلى إعتبارات مالية بحتة)‪.(1‬‬
‫المبدأ الثاني‪ :‬أن قرار نزع الملكية يكون موسوما بعدم المشروعية‪ ،‬إذا كان الهدف من ورائه تعطيل‬
‫تنفيذ حكم قضائي‪ .‬أو أن يكون القرار قد إتخذ بهدف اإلضرار بأحد األفراد‪ ،‬كالقرار الصادر بنزع الملكية‬
‫بقصد حرمان المالك من إقامة مدرسة خاصة أو القرار الصادر بنزع ملكية أحد القصور بقصد منع مالكه‬
‫)‪( 2‬‬
‫من بيعه ألحد المستثمرين األجانب‪.‬‬
‫المبدأ الثالث‪ :‬أن قرار نزع الملكية ال يمكن إتخاذه من أجل تحقيق منفعة خاصة‪ ،‬وان كان مجلس‬
‫الدولة الفرنسي يتجه إلى مساندة اإلدارة لتحقيق منفعة خاصة إذا كان ذلك يؤدي بذاته إلى تحقيق منفعة‬
‫عامة‪ .‬بمعنى أن المجلس يقبل أن تتحقق المنفعة العامة بطريق غير مباشرعن طريق منفعة خاصة‪ .‬وأشهر‬
‫)‪(3‬‬
‫أحكام مجلس الدولة في هذا الصدد الحكم الصادر في ‪ 1121‬والمعروف باسم شركة "‪."Peugeot‬‬
‫هذا فيما يخص المبادئ التي أرساها مجلس الدولة الفرنسي في مجال نزع الملكية ألجل المنفعة‬
‫العامة‪ ،‬أما فيما يتعلق بالرقابة القضائية على هذا النزع‪ ،‬فيمكننا القول أنها مرت بمراحل ثالث‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت رقابة القاضي اإلداري لق اررات المنفعة العامة‪ ،‬طبقا لنظرية الموازنة تمر بثالث مراحل على النحو‬
‫التالي ذكره)‪:(4‬‬
‫‪ -‬المرحلة األولى‬
‫فيها يتأكد القاضي اإلداري من وجود منفعة عامة تبرر نزع الملكية)‪ ،(5‬وقد بينا كيف أن مفهوم المنفعة‬
‫المنفعة العامة قد توسع إلى درجة تم ربطه فيها بمفهوم المصلحة العامة‪ .‬وبالتالي فإن دور القاضي اإلداري‬

‫‪ -1‬ويف ذلك قضى جملس الدولة الفرنسي بأن القرار الصادر بنزع امللكية هبدف ختلص اإلدارة من عقد إجيار ومن اإللتزمات املالية امللقاة على عاتقها يكون‬
‫قرارا غري مشروع‪.‬‬
‫‪ -2‬نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -3‬إذ أن اإلدارة أصدرت بناء على طلب شركة ‪ Peugeot‬للسيارات‪ ،‬قرارا بنزع امللكية من أجل تعديل مسار طريق كان مير بني املصانع التابعة للشركة‪.‬‬
‫حبيث يسمح التعديل اجلديد الطريق مير جبانب املصانع دون أن يفصل بينهما الجراء توسعات ضرورية للمصانع‪ .‬وقد قرر جملس الدولة يف هذا الصدد‪" :‬إن‬
‫املصلحة العامة تتوافر يف هذه احلالة إذ تدعو اليها يف آن واحد‪ ،‬ضرورات تطوير الطرق العامة ومتطلبات تطوير جممع صناعي على درجة كبرية من األمهية‪،‬‬
‫ملا سيساهم يف دعم االقتصاد احمللي"‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -4‬انظر‪ - :‬زروق العريب‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا‪ :‬النظرية التقييمية كأسلوب حديث ملراقبة مالءمة القرارات اإلدارية‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد‬
‫‪ .2339 ،8‬ص ‪ 109‬و ‪ 106‬و ‪ .109‬ورمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 038‬اىل ‪.013‬‬
‫‪ -5‬مما ساعد اإلدارة على الوصول اىل نتائج دقيقة‪ ،‬اعتمادها على وقائع ثابتة بنتائج التحقيق املسبق الذي يوضح وبشكل دقيق الوضعية الفعلية للعقار‬
‫وما إذا كان املشروع ذو منفعة عمومية حقيقية‪ .‬أنظر‪ :‬عمورة حكيمة و مقالين مىن‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري حول حتقق املنفعة العمومية ودورها يف محاية‬
‫حقوق املالك‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قاملة‪.2311،‬‬
‫في هذه المرحلة يتجسد في مجرد التأكد من أن عملية نزع الملكية التي تطالب بها اإلدارة ليس لها هدف‬
‫سوى تحقيق المنفعة العامة‪ ،‬فإذا تثبت من ذلك إنتقل إلى المرحلة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬المرحلة الثانية‬
‫فيها يتأكد القاضي اإلداري من أن نزع الملكية العقارية الذي تطالب به اإلدارة أمر حتمي والزم‬
‫لتحقيق المنفعة العامة‪ .‬بمعنى أن القاضي اإلداري يراقب ماإذا كان المشروع المزمع إقامته لن يحقق منفعة‬
‫)‪(1‬‬
‫عامة إال اذا أقيم في ذات موقع العقار الذي ستنزع ملكيته‪.‬‬
‫‪ -‬المرحلة الثالثة‬
‫تمثل قمة تطور الرقابة القضائية على ق اررات اإلدارة المتضمنة منفعة عامة‪ ،‬حيث لم يعد القاضي‬
‫اإلداري يكتفي برقابة ما إذا كان المشروع هو الذي يحقق المنفعة التي تدعيها اإلدارة‪ ،‬بل أصبح يراقب‬
‫إضافة إلى ذلك ما إذا كان المشروع الذي تطالب اإلدارة بنزع الملكية من أجل إقامته يحقق مزايا وفوائد تفوق‬
‫ما قد يترتب عليه من عيوب ومضار مستعينا في ذلك بالخبرة إن لزم األمر‪.‬‬
‫وان كانت األستاذة "ليلى زروقي" قد انتقدت موقف القاضي اإلداري الجزائري في هذا المجال‪ ،‬على‬
‫أساس أن الجهات القضائية اإلدارية تتعامل مع المنازعات المتعلقة بنزع الملكية كما يتعامل القاضي اإلداري‬
‫مع األطراف‪ .‬أي أنه يكتفي بما يقدم له من أدلة‪ ،‬وكثي ار ما يحال النزاع على خبير في مجال رقابة يملك‬
‫القاضي فيه كل الصالحيات والوسائل لحسمه دون اللجوء إلى الخبرة(‪.)2‬‬
‫وعليه فإن الرقابة القضائية في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة‪ ،‬لم تعد تقتصر فقط على رقابة الوجود‬
‫المادي للوقائع وما إذا كانت هذه الوقائع تبرر أو ال تبرر قرار المنفعة العامة‪ .‬وانما أصبحت تتناول‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬مضمون هذه الق اررات بما تشتمل عليه – كما ذكرنا ‪ -‬من منافع وأضرار‪ ،‬وذلك في‬
‫ضوء كافة المعطيات واإلعتبارات البيئية واإلجتماعية والمالية واإلقتصادية)‪ ،(3‬وغيرها من المعطيات السائدة‬
‫)‪(4‬‬
‫‪.‬‬ ‫وقت تقدير أو تقييم هذا المضمون‬

‫‪ -1‬املداخلة نفسها‪ .‬وبإ ستقراء بعض أحكام القضاء اجلزائري نالحظ تأثره يف جمال نزع امللكية بأساليب الرقابة التقليدية‪ ،‬وهو ما أكده قرار الغرفة االدارية‬
‫للمحكمة العليا رقم ‪ 99133‬املؤرخ يف ‪ 21‬ابريل ‪ .1113‬والذي جاء فيه ‪ " :‬من املستقر عليه قضاءا أن القاضي اإلداري غري مؤهل ملراقبة مسألة‬
‫مالءمة اختيار اإلدارة لألراضي حمل نزع امللكية قصد اجناز مشروع ذي املنفعة العامة‪ ،‬ومن ةمة فإن النعي على القرار اإلداري املطعون فيه بأن صفة املنفعة‬
‫العمومية غري مقدرة يف غري حمله"‪ .‬وقد علق األستاذ "زروق العريب" على القرار اآلنف ذكره قائال‪ " :‬ما ميكن استخالصه من هذا احلكم اجلديد أن القاضي‬
‫اإلداري ليس مؤهال لرقابة اختيار االدارة لألماكن وذلك إلجناز املشاريع للمنفعة العامة "‪.‬‬
‫انظر‪ - :‬زروق العريب‪ ،‬التطور القضائي جمللس الدولة الفرنسي يف رقابة السلطة التقديرية لالدارة و مدى تأثر القاضي اإلداري اجلزائري هبا‪ ،‬جملة جملس الدولة‪،‬‬
‫العدد الثامن‪ ،2339،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -2‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- www. Academon.fr, vu le : 27/09/2012.‬‬
‫‪ -4‬جتدر اإلشارة إىل أن األحكام الصادرة بإ لغاء القرارات اإلدارية املتعلقة بنزع امللكية يف فرنسا نزوال على اإلجتاه اجلديد‪ ،‬تظل حمدودة العدد‪ ،‬بل ويالحظ‬
‫أن جملس الدولة الفرنسي مل يستخدم فكرة املوازنة إللغاء أي قرار من قرارات نزع ملكية املشروعات الكربى املدنية والعسكرية ‪ .‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫إذا كان مجال نزع الملكية للمنفعة العامة هو المجال الذي سيتأثر بمعظم أحكام القضاء اإلداري‬
‫الخاصة بقضاء الموازنة‪ .‬إال أنه ال يمثل مع ذلك المجال الوحيد لتلك األحكام؛ إذ طبقت هذه النظرية في‬
‫مجاالت أخرى عديدة‪ ،‬ومن أهمها تلك المتعلقة بالتخطيط أو التنظيم العمراني ‪ ،(1) l’urbanisme‬وباألخص‬
‫)‪(2‬‬
‫المجاالت الخاصة بتراخيص المباني التي تصدر بالمخالفة لقواعد التخطيط أو التنظيم‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن القواعد القانونية التي تحكم هذا التخطيط أو ذلك التنظيم‪ ،‬تتسم بالمرونة في‬
‫التطبيق حتى تكون دائما متالئمة مع ما قد يحدث في المجتمع من تطورات إجتماعية واقتصادية وبيئية‬
‫وغيرها‪ .‬وذلك ما نالحظه في الواقع العملي؛ إذ يندر أن نجد قواعد قانونية من هذا النوع ال تتضمن موادا أو‬
‫نصوصا تسمح لإلدارة بمالءمة خطة تنظيم المدينة مع كافة التغيرات اإلجتماعية‪ ،‬و ذلك عن طريق ما‬
‫يسمى باإلجراء اإلستثنائي‪ .‬مما يجعل هذا اإلجراء من إطالقات اإلدارة تباشره بجدية تامة وطبقا لما تتمتع به‬
‫)‪(3‬‬
‫من سلطة تقديرية‪.‬‬
‫وحتى ال تتحول هذه الحرية المتروكة لإلدارة إلى إجراء تعسفي‪ ،‬فإن القضاء اإلداري إبتكر تطبيق‬
‫نظرية الموازنة في هذا المجال‪ ،‬ذلك أن القاضي في هذه الحالة يجد نفسه أمام مصلحتين متناقضتين‪ :‬األولى‬
‫مصلحة األفراد أو الفرد الذي يطالب بتمتعه باإلستثناء من قواعد التنظيم العمراني‪ .‬وهي مصلحة تجسد في‬
‫واقع األمر حق الملكية الخاصة الواجب حمايته من قبل القضاء‪ .‬أما الثانية فتجسد مصلحة كافة المواطنين‬
‫)‪(4‬‬
‫في تنظيم عمراني معين وضرورة اإلعتراف لهؤالء بحق التمتع ببيئة حضرية مالئمة‪.‬‬
‫وقد كانت أولى القضايا التي باشر فيها مجلس الدولة الفرنسي رقابة الموازنة على اإلجراء اإلستثنائي‬
‫في الدعوى المرفوعة باسم "دعوى مدينة ليموج" » ‪ ،« la ville de Limoge‬أين إنتهى القاضي إلى وضع‬
‫مبدأ هام مفاده أنه‪ ":‬ال يمكن السماح قانونا بأي إجراء إستثنائي على قواعد التنظيم العمراني‪ ،‬إال اذا كانت‬
‫األضرار التي يلحقها هذا اإلجراء بالمنفعة العامة‪ ،‬ليست مفرطة أو مبالغ فيها‪ .‬وذلك بالنظر إلى المنفعة‬
‫العامة التي يرتبها اإلجراء االستثنائي"‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪ ،‬أن القضاء اإلداري يفترض في هذه الحالة أن هناك منفعتين عامتين هما في الغالب‬
‫متعارضتين‪ :‬المنفعة التي ترمي إليها قواعد التنظيم العمراني‪ ،‬والمنفعة التي يرمي إليها اإلجراء اإلستثنائي‪.‬‬
‫وهنا يجب أال يمنح هذا اإلجراء ‪ -‬من حيث المبدأ ‪ -‬لتحقيق منفعة خاصة لصاحب الشأن فحسب‪ .‬بل يجب‬

‫‪- Charles Debasch et autres : institutions et droit administratif, P.U.F, Paris, 1991, p 239 et‬‬
‫‪240.‬‬
‫‪ -1‬زروق العريب‪ ،‬مبدأ املوازنة بني التكاليف واملزايا‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Voir : www. Academon . fr vu le 27/09/2012‬‬
‫‪ -3‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬اإل جتاهات املتطورة يف قضاء جملس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة التقديرية وموقف جملس الدولة املصري منها‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،1119،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.026‬‬
‫إضافة إلى ذلك أن تكون األضرار التي يلحقها بالمنفعة العامة أقل بكثير من األضرار التي ستترتب إذا تم‬
‫)‪(1‬‬
‫رفضه من جانب اإلدارة‪.‬‬
‫ومن المجاالت األخرى التي طبقت فيها نظرية الموازنة بين المنافع والضرار‪ ،‬مجاالت حماية البيئة)‪(2‬؛‬
‫حيث يعمل القاضي من خالل هذه النظرية على البحث عما إذا كانت اإلجراءات التي ترغب اإلدارة في‬
‫إتخاذها أو تتخذها بالفعل لحماية الطبيعة أو ذلك اإلرث الطبيعي لتحقيق التوازن بين المصلحة العامة‬
‫والخاصة‪ .‬أو بمعنى آخر يبحث فيما إذا كانت األضرار المترتبة على تلك اإلجراءات تتجاوز بشكل مفرط‬
‫المزايا الناجمة عنها لحماية الطبيعة أو اإلرث الطبيعي‪ ،‬مما يؤثر سلبا على الحق المقرر لألفراد على‬
‫الملكية الخاصة لكل منهم ‪.‬‬
‫كما إمتد تطبيق هذه المادة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى مجاالت أخرى‪ ،‬من ذلك مجال‬
‫اإلرتفاقات اإلدارية‪ ،‬ومجال إنشاء مناطق محمية حول األماكن العامة‪ ،‬ومجال تسريح العمال‪ ،‬ومجال ق اررات‬
‫)‪(3‬‬
‫اإلستيالء‪ ،‬ومجال ق اررات الجزاءات في العقود االدارية‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬موقف القضاء اإلداري من رقابة الموازنة‬
‫لقد سبق وأن ذكرنا أن رقابة الموازنة قد عرفت وجودها األول عن طريق مجلس الدولة الفرنسي إعتبا ار‬
‫)‪(4‬‬
‫من صدور ق ارره الخاص "بقضية المدينة الشرقية" التي كان مقر ار إقامتها شرق مدينة "ليل" الفرنسية‪.‬‬
‫وتتلخص وقائع هذه القضية أنه في محاولة إلعادة تخطيط مدينة "ليل"‪ ،‬وقصد نقل الجامعة من وسط‬
‫المدينة نظ ار لما يسببه وجودها من مشكالت في المواصالت والمرور‪ ،‬وتواجد عدد كبير من طالب الجامعة‬

‫‪ -1‬وهلذا فقد قضى بأن بناء فندق من ثالثة طوابق‪ ،‬على أساس من إجراء استثنائي لقواعد التنظيم العمراين يف وسط مدينة ليس هبا فنادق حتقق منفعة‬
‫عامة أكثر من تلك اليت حيققها إعداد سبعة مواقف سيارات تتضمنها خطة التنظيم العمراين هلذه املدينة‪.‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪CE ,08 Dec, 1976, ministre de l’équipement. pris de :www. Légifrance.fr‬‬
‫‪ -2‬وقد طبق املشرع الفرنسي هذه النظريات مبوجب القانون الصادر سنة ‪ 1129‬اخلاص حبماية الطبيعة‪ ،‬الذي مت تعديله مبوجب قانون ‪ 12‬يوليو‬
‫‪ .1180‬قصد إعادة تنظيم إجراءات محاية البيئة وجعلها أكثر فعالية‪ ،‬ملواجهة التغريات اليت طرأت يف هذا اجملال‪ .‬أنظر‪ :‬رمضان بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ 021‬ونبيلة كامل عبد احلامي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -3‬خليفة سامل اجلهمي‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بني العقوبة واجلرمية يف جمال التأديب‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2331 ،‬ص‬
‫‪.166‬‬
‫‪ -4‬جتدر اإلشارة إىل أن هذا التطور اهلائل يف قضاء جملس الدولة الفرنسي‪ ،‬وإن كان يؤرخ له ابتداء من حكم "املدينة الشرقية اجلديدة"‪ ،‬خاصة بسبب‬
‫وضوح العبارات اليت استخدمها احلكم و املذكرة من حيث ضرورة إجراء املوازنة بني املصاحل اليت ميسها القرار‪ .‬لكن هذا احلكم وإن كان األول من نوعه من‬
‫حيث الوضوح يف حتديد اإلجتاه احلديث جمللس الدولة الفرنسي‪ ،‬إال أنه مل يصدر فجأة وبدون مقدمات‪ .‬فقد سبق جمللس الدولة الفرنسي أن جلأ إىل معيار‬
‫املنفعة اإلقتصادية للقول بصحة ومشروعية قرار نزع امللكية‪ .‬واستخدم أيضا فكرة "حسن إستخدام وسط البلد"‪ ،‬من حيث اجياد مكان النتظار السيارات‬
‫للقول بوجود مربر كاف لنزع امللكية‪ .‬ويف قضية أخرى اشتهرت باسم "البقع احلمراء" استند القضاء اإلداري للحكم بصحة قرار نزع امللكية إىل ما يستهدفه‬
‫هذا القرار من منفعة عامة تتمثل يف الدفاع عن البيئة ومحايتها من التلوث‪ ،‬لكن معظم رجال الفقه يرجعون الفضل يف ظهور نظرية املوازنة إىل حكم "املدينة‬
‫الشرقية اجلديدة"‪ ،‬نظرا لوضوح عباراته‪ .‬لكن هذا احلكم كما ذكرنا ليس سوى إستمرارية ملا سبق جمللس الدولة الفرنسي أن سار عليه‪ .‬أنظر‪ :‬نبيلة كامل عبد‬
‫احلليم‪ ،‬دور القاضي اإلداري يف الرقابة على شرط املنفعة العامة يف حالة نزع امللكية (اإلجتاه احلديث جمللس الدولة يف مصر وفرنسا)‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1110 ،‬ص ‪.22‬‬
‫(حوالي ‪ 03‬ألف طالب ) وأساتذتها والعاملين بها‪ .‬رأت السلطات المحلية نقل الجامعة بكافة كلياتها‬
‫ومعاهدها ومبانيها وخدماتها الى شرق المدينة‪ ،‬مع إقامة حي جديد يتسع لعدد من السكان يتراوح ما بين ‪23‬‬
‫و‪ 26‬ألف نسمة‪.‬‬
‫وكان هذا التخطيط الجديد يقتضي نزع ملكية ما يقارب ‪ 633‬هكتار من األراضي بتكلفة مليار فرنك‬
‫فرنسي‪ .‬غير أن تنفيذ هذا المشروع كان يقتضي نزع الملكية وازالة ‪ 263‬منزال‪ ،‬كان بعضها حديث البناء‪ ،‬بل‬
‫وبعضها كان مقاما وفقا لتراخيص بناء لم يمضي عليها أكثر من سنة‪.‬‬
‫وأمام إحتجاج سكان المنطقة بشدة‪ ،‬حاولت اإلدارة التخفيف من اآلثار التي تترتب على المشروع‪،‬‬
‫فقامت بتخفيض عدد المنازل المطلوب إزالتها إلى ‪ 88‬منزال فقط‪ .‬لكن "جمعية الدفاع عن منازل السكان‬
‫المراد نزع ملكيتهم " قد طالبت بعدم هدم أي منزل من المنازل الواقعة بالمنطقة‪ .‬لكن اإلدارة تجاهلت مطلب‬
‫هذه الجمعية وأصدرت ق ارراها بنزع ملكية ‪ 88‬شخصا وازالة منازلهم التي تعوق تنفيذ المشروع وفقا للتخطيط‬
‫الموضوع له‪ .‬وقد صدر بالفعل قرار وزير التخطيط واإلسكان بتاريخ ‪ 0‬أبريل ‪ ،1198‬وقد طعنت جمعية‬
‫"الدفاع عن السكان " في القرار المشار إليه‪.‬‬
‫وقد صدر الحكم في هذه القضية مقر ار أن ‪ " :‬أي مشروع ال يمكن أن تتوافر فيه صفة المنفعة‬
‫العامة‪ ،‬إال إذا كانت األضرار التي يلحقها بالملكية الخاصة والتكلفة المالية التي يقتضيها‪ ،‬واآلثار‬
‫اإلجتماعية الناشئة عنه متوازنة مع ما ينشأ عنه من منفعة "‪.‬‬
‫إنتهى الحكم إلى أنه ‪ " :‬نظ ار لألهمية التي يمثلها هذا المشروع في مجمله‪ ،‬فإن ما يقتضيه تنفيذه‬
‫من إزالة بعض المباني السكنية ال يمكن أن ينفي عنه توافر شرط المنفعة العامة‪ ،‬ولذلك يتعين رفض‬
‫الطعن في هذا القرار تأسيسا على اإل نحراف بالسلطة ")‪.(1‬‬
‫من خالل سرد منطوق الحكم‪ ،‬نستنتج أن مجلس الدولة الفرنسي قد إنتهى إلى صياغة نظريته الجديدة‬
‫في الموازنة بين التكاليف والنفقات التي ستترتب على المشروع وبين المزايا التي سيحققها‪ .‬وذلك على النحو‬
‫السالف بيانه‪ ،‬األمر الذي غدت معه سلطات القاضي اإلداري في الرقابة على ق اررات نزع الملكية للمنفعة‬
‫العامة أكثر إتساعا عن ذي قبل‪" .‬إذ لم يعد يكتفي بالنظر إلى المنفعة العامة التي يحققها قرار نزع الملكية‬
‫نظرة مجردة ‪ ،inabstrado‬وانما نظرة موضوعية ‪ ،Inconcerto‬تسمح له بتقييم كافة المعطيات أو‬
‫)‪(2‬‬
‫الظروف الموضوعية في الميزان والتي تحيط بتلك المنفعة"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le : 28 mai 1971, Ministre de l’équipement et du logement du Fédération de défense des‬‬
‫‪personnes concernées par le projet actuellement dénommé « ville nouvelle est »,M. Long et‬‬
‫‪autre, les grands arrêts de la jurisprudece administrative, Dalloz édition, paris 1999, P 641 et‬‬
‫‪suivantes.‬‬
‫‪ -2‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 023‬و‪.021‬‬
‫واعماال لهذه النظرية‪ ،‬فقد إنتهى المجلس في الدعوى السابقة إلى رفض الطعن‪ ،‬حيث وجد أن الموازنة‬
‫بين المنافع التي ستترتب على المشروع‪ .‬وهي إقامة مجمع سكاني و بناء سكن للطالب وتخفيف اإلزدحام‬
‫في المدينة‪ .‬وبين المخاطر أو العيوب التي ستنجم عنه‪ ،‬والمتمثلة في اإلعتداء على الملكية الخاصة‪ ،‬التكلفة‬
‫المالية التي يتطلبها المشروع واألضرار اإلجتماعية الناجمة عنه‪ ...‬وقد كانت هذه الموازنة لصالح المنافع‬
‫أكثر من كونها لصالح العيوب ‪.‬‬
‫وقد توالت الق اررات القضائية التي أعمل فيها مجلس الدولة الفرنسي رقابة الموازنة في مجال نزع‬
‫الملكية للمنفعة العامة‪ ،‬إلى أن توسع نطاق هذه الرقابة لتشمل العديد من المجاالت الحديثة‪ :‬اإلجتماعية‪،‬‬
‫اإلقتصادية ‪،‬البيئية والعمرانية ‪ ...‬كما سبق وتناولناها في إطار حديثنا عن مجاالت رقابة الموازنة(‪.)1‬‬
‫هذا عن موقف مجلس الدولة الفرنسي من رقابة الموازنة‪ ،‬أما القضاء اإلداري المصري ممثال في‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬فإنه لم يتبن بشكل حاسم نظرية الموازنة حيث يبدو من أحكامه التي أصدرها أنه ال يزال وفيا‬
‫للمبادئ المستقرة في هذا الشأن‪ ،‬فقد رفض مد رقابته إلى عنصر المالءمة في الق اررات الخاصة بها مكتفيا‬
‫في هذا الشأن برقابة مدى صحة الوقائع المادية‪ ،‬تاركا لإلدارة حرية تقدير المنفعة العامة التي تبرر إلتجاءها‬
‫إلى نزع ملكية العقارات وتحديد المساحات الالزمة لتحقيق الغاية التي لجأت من أجلها إلى نزع الملكية(‪،)2‬‬
‫واختيار مواقع العقارات التي ترى نزع ملكيتها(‪ ،)3‬باإلضافة إلى تحديد الزمان الذي تراه مناسبا لنزع‬
‫)‪(4‬‬
‫الملكية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء الفاصل في المادة اإلدارية الجزائري‪ ،‬فقد أخذ ببعض أحكام نظرية الموازنة وطبقها‬
‫في مجال ق اررات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة‪ ،‬إال أن هذا التطبيق يختلف عن تطبيقات القضاء‬
‫اإلداري الفرنسي السابقة‪ ،‬ذلك أنه أعمل في هذا المجال بعض أحكام نظرية الغلط البين في التقدير‪.‬‬
‫وهذا ما تؤكده األستاذة "فريدة أبركان" بقولها‪ ":‬يمكننا التفرقة بين اإلجتهاد القضائي للغلط الواضح في‬
‫التقدير وبين نظرية الحصيلة‪ -‬نظرية الموازنة بين المنافع واألضرار‪ -‬المطبقة في نزع الملكية ألجل‬
‫المنفعة العامة‪ ،‬فقاضي تجاوز السلطة يثبت هذا من مدى تحقيق الشرط المتعلق بالمنفعة العامة‪ ،‬ومن‬

‫‪ - 1‬وذلك ما جعل الفقيه ‪ Jean Rivero‬حيذر من التمادي يف إعمال هذا النوع من الرقابة‪ ،‬ألن جملس الدولة الفرنسي قد حتول من وظيفة القضاء‬
‫إىل وظيفة احلكم‪ .‬أنظريف ذلك‪ :‬محد عمر محد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬أكادميية نايف العربية للعلوم األمنية‪،‬‬
‫الرياض‪ ،2330 ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -2‬ويف ذلك قضت احملكمة اإلدارية العليا يف حكم هلا صدر ب‪ 1191 / 6 / 11:‬بأن " للجهة اإلدارية سلطة تقدير حالة األجزاء الباقية من عقار‬
‫إستملكت جزءا منه من حيث صالحيتها لإلنتفاع هبا من عدمه "‪ .‬أنظر حكم احملكمة االدارية العليا الصادر بتاريخ ‪ ، 1191 / 6 / 11‬أشار إليه‪:‬‬
‫رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.021‬‬
‫‪ -3‬فقد قضت احملكمة اإلدارية العليا يف حكم هلا عام ‪ ... " : 1122‬من املقرر قانونا أن جلهة اإلدارة سلطاهتا يف اختيار املوقع وحتديد العقارات اليت‬
‫يشملها التخصيص للنفع العام مبا تراه حمققا للمصلحة العامة‪ ...‬ومثل هذا اإل ختيار مما يدخل يف نطاق سلطتها التقديرية ودون تعقيب القضاء اإلداري "‪.‬‬
‫القضية رقم ‪ 621‬لسنة ‪ 29‬ص ‪ . 111‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.092‬‬
‫‪-4‬‬
‫نبيلة كامل عبد احلليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫جهة أخرى يستخلص ويأخذ نتائج هذا القرار بعين اإلعتبار‪ ،‬وفي الواقع العملي فإن المسعى الملموس‬
‫للقاضي عندما يقرر هذا القرار‪ ،‬قريب جدا من ذلك المسعى الذي يستعمله بخصوص نظرية الغلط الواضح‬
‫)‪(1‬‬
‫في التقدير‪ ،‬بمعنى أن القاضي يراقب العمليات غير المعقولة المبالغ فيها بصورة كبيرة"‪.‬‬
‫وعليه فإن هذه النظرية تستند إلى وجوب مراقبة مدى مشروعية قرار إعالن المنفعة العمومية‪ ،‬وضرورة‬
‫خضوع ذلك إلى إعتبارات قانونية‪ ،‬بأن تكون منافع العملية أكثر من مساوئها‪.‬‬
‫إن مدى إ عمال القاضي لهذه النظرية فيما يتعلق بنزع الملكية يتحقق إذا شاب القرار االداري خطأ‬
‫واضح في التقدير‪ ،‬وبالتالي يربط القاضي الفاصل في المادة االدارية الجزائري بين نظرية الغلط البين ونظرية‬
‫)‪(2‬‬
‫رغم الفروق الواضحة بين‬ ‫الموازنة‪ ،‬فال يطبق نظرية الموازنة إال إذا شاب القرار خطأ بارز في التقدير‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫النظريتين‪.‬‬
‫ولعل األستاذة "فريدة أبركان"‪ ،‬قد استندت لتبرير هذا الموقف إلى الق ارر الصادر عن المحكمة العليا‪،‬‬
‫الغرفة االدارية‪ ،‬في‪ " :1111/31/10:‬حيث يستخلص من تقرير الخبير بأن العملية المسطرة ال تستجيب‬
‫ألية حاجة من حاجيات المنفعة العمومية‪ ،‬و إنما هي في صالح عائلة واحدة المتوفرة من قبل الطريق‪.‬‬
‫حيث أن الهدف المتوخى من العملية‪ ،‬أي إشباع حاجة ذات طابع عام ال يبرر المساس بملكية‬
‫)‪(4‬‬
‫الطاعن‪"....‬‬
‫)‪(5‬‬
‫ومن هنا قضت المحكمة العليا بإلغاء قرار نزع الملكية‪" ،‬ألنه مشوب بغلط فادح"‪.‬‬
‫لكننا نجد في قضايا أخرى بأن القاضي اإلداري الجزائري قد أعمل رقابة الموازنة بين المنافع واألضرار‬
‫في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة‪ .‬وان لم يشر صراحة إلى ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك نجد قرار الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا رقم ‪ 21020‬الصادر في‪ ،1111/31/10 :‬في‬
‫قضية بن جياللي ومن معه ضد والي والية تيزي وزو ومن معه‪ .‬حيث وازن القاضي بين المنفعة العامة‬
‫المتوخاة من مشروع إنجاز جزء من الطريق وبين الملكية الخاصة للمدعين‪ ،‬عندما أشار إلى أن‪ ":‬الجزء‬
‫المسخر من الطريق بطول ‪955‬م ال يمثل أي منفعة عامة ويؤدي الى تخريب الملكية الزراعية‬
‫)‪(6‬‬
‫للمدعين"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فريدة أبركان‪ ،‬رقابة القاضي االإاري على السلطة التقديرية لالدارة‪ ،‬جملة جملس الدولة‪ ،‬العدد األول‪،2332، ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ -2‬يكون القضاء اجلزائري بذلك قد ساند جانبا من الفقه الفرنسي أمثال هوريو وفالني‪ ،‬الذي يرى بأنه ال يوجد فرق بني النظريتني‪ ،‬على أساس أن جماالت‬
‫إعمال كل منهما متطابقة‪ .‬أنظر‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫‪ -3‬ملعرفة هذه الفروقات بالتفصيل‪ ،‬انظر‪ :‬رمضان حممد بطيخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .001-009‬وخليفة سامل اجلهمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪-161‬‬
‫‪.199‬‬
‫‪ -4‬فريدة أبركان‪ ،‬املقال السابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪ -5‬املقال نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -6‬إ قلويل حممد‪ ،‬سلطات القاضي يف الرقابة على شرط املنفعة العامة‪ ،‬امللتقى الوطين األول حول سلطات القاضي اإلداري يف املنازعات اإلدارية‪،‬جامعة‬
‫قاملة‪ ،2311،‬ص ‪.6‬‬
‫فقد غلب القاضي كفة الملكية الزراعية المقرر للمدعين على المنفعة التي ستجنيها الوالية من جراء‬
‫عملية نزع الملكية‪.‬‬
‫وفي قضية أخرى‪ ،‬أخذ القاضي اإلداري الجزائري بمعيار المنفعة اإلجتماعية للمشروع‪ ،‬في قرار الغرفة‬
‫)‪(1‬‬
‫االدارية بالمحكمة العليا المؤرخ في ‪ ،1113/30/13 :‬في قضية بوثلجة لخضر ضد والي والية المدية‪.‬‬
‫ومما جاء في القرار‪ ":‬إن قطعة األرض المتنازع عليها مخصصة كموقع إل نجاز مجمع دراسي‪،‬‬
‫الشيء الذي يكتسي طابعا إجتماعيا ذا أولوية‪."...‬‬
‫نالحظ أن القاضي أعطى أهمية كبيرة للمعيار اإلجتماعي ومنحه األولوية مقارنة بالملكية الخاصة‬
‫التي مستها عملية نزع الملكية‪ ،‬و بذلك رفض الطعن ضد مقرر والي والية المدية‪.‬‬
‫لكن هذه األحكام التي إستطعنا العثور عليها في إطار رقابة الموازنة‪ ،‬والتي اقتصرت على المجال‬
‫التقليدي الذي ظهرت فيه هذه الرقابة وهو مجال نزع الملكية‪ ،‬وان كانت تشكل خطوة هامة وبداية موفقة‬
‫لتطبيق هذه النظرية‪ ،‬إال أننا نرى أنه ال يمكن اإلعتماد عليها للقول بأنها تمثل إتجاها حديثا لرقابة السلطة‬
‫التقديرية في الجزائر‪.‬‬
‫لكن إتجاه مجلس الدولة الجزائري على النحو السابق‪ ،‬وان كان ال يزال متواضعا وال يمكن أن يستدل‬
‫منه على موقف حاسم في هذا الشأن‪ .‬إال أنه يمثل في نظرنا خطوة هامة وجادة على الطريق الصحيح‪ ،‬نأمل‬
‫أن يدعمها بخطوات أخرى في هذا اإلتجاه‪ ،‬مقتديا في ذلك بما حققه مجلس الدولة الفرنسي من تطور في‬
‫هذا الخصوص‪ ،‬خاصة في المجاالت التي أصبحت تهم األفراد كثيرا‪ ،‬كالمجاالت اإلقتصادية‪ ،‬اإلجتماعية‬
‫والبيئية‪ ،‬و هي مجاالت جديرة –دون شك‪ -‬بالحماية والرعاية‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫خالصة الفصل‪:‬‬
‫لقد تناولنا خالل هذا الفصل وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة وأساليب هذه‬
‫الرقابة‪ .‬وقد رأينا بأن الوسائل تنحصر في دعوى اإللغاء ودعوى التعويض‪.‬‬
‫فيما يتعلق بدعوى اإللغاء‪ ،‬نجد بأن الق اررات اإلدارية مهما كانت درجة التقدير فيها‪ ،‬فإنها تخضع لقيد‬
‫والتزام هام وهو ضرورة صدورها عن سلطة مختصة ووفقا للشكليات واإلجراءات القانونية‪ ،‬واال كانت باطلة‪.‬‬
‫ومن ثم كان القضاء يمارس رقابة صارمة على أوجه المشروعية الخارجية؛ أي ركني االختصاص والشكل‬
‫واإلجراءات‪ .‬سواء كان إختصاص اإلدارة في إصدار القرار اإلداري مقيدا أو تقديريا‪.‬‬
‫أما بالنسبة ألوجه المشروعية الداخلية‪ ،‬فإننا نجد أن الرقابة القضائية على السلطة التقديرية قد امتدت‬
‫إلى ركن السبب ولكن بصفة محتشمة وفي نطاق ضيق جدا‪ ،‬لم يتعدى مجرد الرقابة على الوجود المادي‬
‫والتكييف القانوني للوقائع‪ .‬بل وأحيانا يتوقف عند العنصر األول من الرقابة فقط‪ .‬باإلضافة إلى الرقابة على‬
‫ركن المحل التي تكاد تكون منعدمة ذلك أن هذا األخير يمثل مجال السلطة التقديرية وأبرز عناصرها‪ .‬مما‬
‫أدى إلى تحصنه في كثير من الحاالت ضد دعوى اإللغاء‪.‬‬
‫غير أنه إذا كانت اإلدارة حرة في تقدير مناسبة قرارها اإلداري ومالءمته حين تصدره بناء على سلطتها‬
‫التقديرية‪ ،‬فال يكون تبعا لذلك محال لرقابة أو تعقيب من جانب القضاء‪ .‬فإنه يجب أن نالحظ أن إستعمال‬
‫اإلدارة لسلطتها التقديرية في هذا الشأن‪ ،‬البد أن يكون بعيدا عن إساءة استعمال السلطة واال شاب عملها‬
‫البطالن‪.‬‬
‫رغم الدور الذي يلعبه قضاء االلغاء في الرقابة على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إال أنه يرفض في أغلب‬
‫األحوال التعرض للجوانب التقديرية في الق اررات اإلدارية‪ .‬لكن القضاء اإلداري مد رقابته إلى كيفية ممارسة‬
‫السلطة التقديرية في مجال قضاء التعويض ليكمل ما عجز قضاء اإللغاء عن تداركه برقابته‪.‬‬
‫لقد حكم القاضي على اإلدارة بالتعويض إلساءة إختيار وقت تدخلها وترتب عن ذلك ضرر لألفراد‪.‬‬
‫كما حكم على اإلدارة بالتعويض لتعجلها في إتخاذ القرار أو إلتخاذها ق اررات غير مالئمة‪ .‬وتعتبر الحالت‬
‫السابقة تطبيقا لنظرية التعسف في إستعمال الحقوق اإلدارية‪ ،‬التي يعتبر قضاء التعويض المجال األصيل‬
‫إلعمالها‪ .‬هذا باإلضافة إلى بعض الحاالت التي تخرج عن نطاق نظرية التعسف في استعمال الحقوق‬
‫اإلدارية وحكم القضاء اإلداري بمسؤولية اإلدارة استنادا إليها‪.‬‬
‫البد أن ننوه إلى أن رقابة القاضي اإلداري على أعمال اإلدارة كانت رقابة مشروعية فقط‪ ،‬ولم تكن‬
‫تمتد إلى مجال المالءمة‪ ،‬ومن ثم كان ميدان السلطة التقديرية لإلدارة ح ار طليقا من أي وجه من أوجه‬
‫الرقابة‪ .‬ثم بدأ القضاء يقر لنفسه تدريجيا سلطة فحص الوقائع التي تستند إليها اإلدارة في ق ارراتها المطعون‬
‫فيها أمامه‪ ،‬ونقصد بذلك الوقائع التي تدخل ضمن حاالت اإلختصاص التقديري لإلدارة‪ .‬إذ كان يقضي‬
‫بإلغائها كلما ثبت له عدم صحتها أو تبين له وجه الخطأ فيها‪ .‬وهكذا برز للوجود أول قيد قضائي للحد من‬
‫سلطة اإلدارة التقديرية‪ ،‬أال وهو الرقابة على الوجود المادي للوقائع‪.‬‬
‫ثم ما لبث مجلس الدولة الفرنسي أن وسع من نطاق رقابته‪ ،‬وذلك بأن راقب مدى تبرير الوقائع للقرار‬
‫اإلداري الذي يستند إليها‪ ،‬وهو ما يعرف برقابة التكييف القانوني للوقائع‪ .‬حيث يستطيع القاضي من خالل‬
‫تلك الرقابة مراجعة اإلدارة في تقديرها للوصف القانوني الذي خلعته على تلك الوقائع‪ ،‬وقد يقرها على هذا‬
‫الوصف‪ ،‬وقد ينتهي إلى عدم صحته مع إحالل تقديره محل تقدير رجل اإلدارة‪.‬‬
‫بعد أن إ نتهى القضاء من وجوب فرض رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة تكييفها القانوني‪،‬‬
‫بحث في مدى أهمية وخطورة تلك الوقائع وتقدير التناسب بينها وبين اإلجراء المتخذ على أساسها‪ .‬وهو ما‬
‫يطلق عليه برقابة التناسب‪ ،‬التي تشكل القيد التقليدي الثالث للحد من سلطة اإلدارة التقديرية‪.‬‬
‫علينا أن نشير إلى أن مجلس الدولة الجزائري قد تبنى ما إنتهى إليه نظيره المصري والفرنسي في هذا‬
‫الشأن‪ .‬ولهذا فقد أخضع لرقابته الوجود المادي للوقائع التي يستند إليها القرار الصادر عن سلطة تقديرية‬
‫كأصل أو مبدأ عام‪ .‬كما تبنى رقابة التكييف القانوني على الوقائع كأصل ترد عليهة إستثناءات‪ .‬وأخي ار وعلى‬
‫سبيل اإلستثناء‪ ،‬مدى التناسب بين أهمية وخطورة الوقائع واإلجراء المتخذ على أساسها‪ ،‬وان قصر هذه‬
‫األخيرة على الق اررات التأديبية فقط‪.‬‬
‫ولكن أمام عجز أساليب الرقابة التقليدية عن ردع اإلدارة ومنعها من التعسف في استخدام سلطتها‬
‫التقديرية‪ ،‬ابتدع مجلس الدولة الفرنسي نظريات حديثة ساهمت إلى حد كبير في إعادة اإلدارة إلى جادة‬
‫الصواب‪.‬‬
‫لقد تمثلت أولى تلك الخطوات فيما يعرف برقابة الخطأ البين في التقدير‪ .‬وهي الرقابة التي أصبحت‬
‫تمثل نظرية عامة في فقه وقضاء القانون العام المقارن‪ .‬حيث أصبح القاضي اإلداري يلجأ إليها في كافة‬
‫المجاالت لتأكيد دوره الفعال في إحكام وتحقيق التوازن بين تمكين اإلدارة من إدارة مرافقها بما يحقق صالح‬
‫المجتمع ويصون النظام العام فيه‪ ،‬وبين حماية وضمان حقوق األفراد و حرياتهم‪.‬‬
‫وقد خطا مجلس الدولة الفرنسي في هذا اإلتجاه خطوة ثانية‪ ،‬وذلك بإنتهاجه أسلوب الموازنة بين‬
‫المنافع واألضرار في الرقابة‪ ،‬لكي يحكم قبضته على كيفية مباشرة اإلدارة لسلطتها التقديرية‪ ،‬ومنعها بالتالي‬
‫من كل تسلط أو تحكم محتمل في هذا الشأن‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫لم يتبنى حتى يومنا هذا أساليب الرقابة الحديثة‬ ‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن مجلس الدولة الجزائري‬
‫على السلطة التقديرية‪ ،‬سواء تعلق األمر بنظرية الخطأ الواضح في التقدير أو نظرية الموازنة بين المنافع‬
‫واألضرار‪.‬‬

‫‪ -1‬جتدر اإلشارة إىل أن قضاة جملس الدولة اجلزائري قد فتحت بغرض تكوينهم دورات متخصصة يف إطار برامج تبادل يف إطار إتفاقيات مع جمالس دول‬
‫فرنسا وبلجيكا ومصر‪ ،‬لذا نأمل أن يسايرها فيما وصلت إليه من أساليب رقابة حديثة على سلطة اإلدارة التقديرية خاصة‪ ،‬إذ تشري اإلحصائيات أن ‪11‬‬
‫قاضيا قد استفادوا من دورات على مستوى جملس الدولة لبلجيكا من ‪ 1115‬إىل ‪ .1131‬كما استفاد ‪ 11‬قاضيا من دورات على مستوى جملس الدولة‬
‫لفرنسا أو حماكم اإلستئناف اإلدارية يف باريس ويف مرسيليا يف إطار برنامج التبادل بني اجلزائر وفرنسا قبل التوقيع على معاهدة التوأمة يف مارس ‪ .1131‬كما‬
‫استقبل ‪ 18‬قضاة يف إطار هذه اإلتفاقية‪ .‬منهم ‪ 11‬على مستوى حمكمة اإلستئناف اإلدارية يف مرسيليا‪ ،‬وإثنان منهم يف حماكم اإلستئناف اإلدارية يف‬
‫باريس وإثنان على مستوى جملس الدولة‪ .‬كما استفاد ‪ 18‬قضاة من دورات على مستوى جملس الدولة املصري خالل الفرتة املمتدة من ‪ 1111‬إىل سنة‬
‫‪ .1119‬أنظر يف ذلك‪ - :‬ميينة عبد الوهاب‪ ،‬تطور القضاء اإلداري يف اجلزائر‪ ،‬يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري‪ ،‬إقامة القضاة‪ ،1133 ،‬ص ‪31‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫خاتـــــــــــمة‬
‫في لقاية هرا الدراةة‪ ،‬لخ ص إلى أن اإلدارة تتجتع بة رة تدديرية في حالتين‪:‬‬
‫‪ -‬إرا أتاح الجالرع لقا قدرا جن حرية ا ختيار بين سدة ح سو في خصسص جةنلة جعيلة‪.‬‬
‫‪ -‬إرا تخ ى الجالرع سن سضع أية ح سو‪ ،‬جنتفيا بتحديد الغاية أس القدش جن الدرار اإلدار ‪.‬‬
‫غير أن الحالة الثالية تلرس س ى خرسرة قصسى‪ ،‬جفادها أن اتخار جضجسن الدرار س ى هرا اللحس‬
‫يتاللد جع جدتضيات الجص حة العاجة‪ .‬نجا‬ ‫قد يؤثر ة با س ى اللالار اإلدار ‪ ،‬إرا جا نان هرا الجضجسن‬
‫يجنله أن يضر بجص حة الفراد‪ ،‬جتى نان الجضجسن جلرسيا س ى أضرار تب غ دراة ج حسية جن سدد‬
‫التعادو أس التسازن بين الجصالع‪.‬‬
‫تتجيز الة رة التدديرية ‪ -‬بقرا الجعلى ‪ -‬سن بعض الفنار الجالابقة لقا أس الجتص ة بقا‪ ،‬نالة رة‬
‫الجديدة سالسجاو التدديرية‪ .‬باإلضافة إلى باقي ا ةتثلالات الساردة س ى جبدأ الجالرسسية؛ أ ليرية أسجاو‬
‫الةيادة سالسجاو الدةتسرية سليرية اليرسش اإلةتثلانية‪ .‬فدد تسص لا إلى ألقا تالترك جعقا في صدسرها‬
‫سن الة رة التلفيرية سألقا اجيعقا ليريات قضانية‪ ،‬لنلقا تخت ش سلقا في اسالب سدة‪ ،‬سلعو أهجقا أن‬
‫السجاو اإلدارية ‪ -‬في إرار الة رة التدديرية ‪ -‬ياسز ر ب إلغاؤها‪ ،‬أجا باللةبة لباقي اةتثلالات جبدأ‬
‫الجالرسسية‪ ،‬فإلقا جحصلة تجاجا جن الرقابة الدضانية‪ ،‬خاصة فيجا يتع ش بنسجاو الةيادة‪ ،‬للقا تتضجن‬
‫خرساا صريحا ساستدال صارخا س ى الدالسن‪ ،‬بو ستااهال تاجا له‪.‬‬
‫تلاسللا بعد رلك أةاا الة رة التدديرية لإلدارة سجخت ش الليريات ساةرال التي سردت في هرا‬
‫الصدد‪ .‬فتسص لا إلى أن هرا الليريات لد تة د اجيعقا جن ا لتداد‪.‬‬
‫نجا بيلا جبررات جلع الة رة التدديرية لإلدارة‪ .‬حيث ت خصت في جبررات سج ية سأخرى فلية‪.‬‬
‫غلى سلقا سسةي ة جث ى لتحديش‬ ‫تجث ت الجبررات العج ية في استبار الة رة التدديرية ضرسرة ااتجاسية‬
‫الجص حة العاجة‪ .‬أجا الجبررات الفلية‪ ،‬فترنزت حسو استبار خبرة اإلدارة بالعجو سيرسفه الجتغيرة تاع قا‬
‫أقدر جن غيرها س ى تددير جلاةبة السجاو الجخت فة‪.‬‬
‫تتحسو إلى اسر ستعةش‪ ،‬فإن الة رة التدديرية‬ ‫بجا أن نو ة رة بد أن تاد حدسدا لقا حتى‬
‫النلقا النن اجيع الة رات تخضع لضسابر خاراية سأخرى داخ ية‪ .‬ففيجا يتع ش بالحدسد الخاراية‪ ،‬التي‬
‫ت عب دسرا أةاةيا أس هاجا بو‬ ‫تيقر في أرنان ا ختصاص سالالنو سالغاية‪ ،‬سادلا بنن الة رة التدديرية‬
‫ستناد تنسن جلعدجة في إرارها‪.‬‬
‫س ى العنا جن رلك‪ ،‬فإن الحدسد الداخ ية – التي تتجثو في رنلي الةبب سالجحو ‪ -‬تتا ى فيقا‬
‫جياهر الة رة التدديرية بالنو ساضع‪ ،‬جا لد يتدخو الجالرع سيحدد نو جلقجا س ى ساه الدقة‪ ،‬أس يتدخو‬
‫الداضي سيفرض رقابته س ى اختيار الةبب أس الجحو ستبارات جعيلة‪.‬‬
‫لدد بيلا خالو هرا البحث جسقش الفده جن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية‪ ،‬حيث الدةد بين‬
‫جؤيد سجعارض لقرا الرقابة‪ .‬فنان لنو اتااا حااه التي يةتلد إليقا‪.‬‬
‫يراقب ةسى جالرسسية الدرارات‬ ‫الر ش رافضس هرا الرقابة جن لدرة ساحدة‪ ،‬سهي أن الداضي اإلدار‬
‫تعارض س ى اإلرالش بين أن ينسن لإلدارة ة رة تدديرية سبين أن يراقب‬ ‫اإلدارية‪ .‬لنللا التقيلا إلى أله‬
‫الداضي اإلدار نيفية جباالرة اإلدارة لقرا الة رة‪ ،‬خاصة أن هرا الرقابة تعد الضجان السحيد لعدد تحسو‬
‫الة رة التدديرية إلى ة رة اةتبدادية‪.‬‬
‫استجدت الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة س ى جاجسسة جن السةانو تجث ت خاصة في‬
‫دسسى اإللغال سدسسى التعسيض‪.‬‬
‫ففيجا يتع ش بدسسى اإللغال‪ ،‬لاد أن الدرارات اإلدارية جقجا نالت دراة التددير فيقا‪ ،‬فقي تخضع لديد هاد‪،‬‬
‫سهس ضرسرة صدسرها سن ة رة جختصة سسفدا ل الن يات ساإلارالات الدالسلية‪ ،‬سإ نالت بار ة‪ .‬سجن ثد‬
‫رنلي ا ختصاص سالالنو‬ ‫يجارا الدضال رقابة صارجة س ى أساه الجالرسسية الخاراية؛ أ‬
‫ساإلارالات‪ ،‬ةسال نان اختصاص اإلدارة في إصدار الدرار اإلدار جديدا أس تدديريا‪.‬‬
‫أجا سن أساه الجالرسسية الداخ ية‪ ،‬فدد سادلا أن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية قد اجتدت‬
‫إلى رنن الةبب سلنن بصفة جحتالجة سفي لراش ضيش ادا‪ ،‬لد يتعد جارد الرقابة س ى الساسد الجاد‬
‫سالتنييش الدالسلي ل سقانع‪ .‬بو أن لراققا يتسقش ‪-‬أحيالا‪ -‬سلد العلصر السو جن الرقابة فدر‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫الرقابة س ى رنن الجحو التي تناد تنسن جلعدجة‪ ،‬رلك أن هرا الخير يجثو جااو الة رة التدديرية سأبرز‬
‫سلاصرها‪ .‬ججا أدى إلى تحصله في نثير جن الحا ت ضد دسسى اإللغال‪.‬‬
‫سجاللجته حين تصدرا بلال س ى‬ ‫لنن إرا نالت اإلدارة حرة في تددير جلاةبة قرارها اإلدار‬
‫ينسن جحال لرقابة أس تعديب جن االب الدضال‪ .‬فإله ياب أن لالحي أن اةتعجاو‬ ‫ة رتقا التدديرية‪ ،‬بحيث‬
‫اإلدارة لة رتقا التدديرية في هرا الالنن‪ ،‬بد أن ينسن بعيدا سن إةالة اةتعجاو الة رة سإ الاب سج قا‬
‫البرالن‪.‬‬
‫رغد الدسر الر ي عبه قضال اإللغال في الرقابة س ى الة رة التدديرية لإلدارة‪ ،‬إ أن هرا الدضال‬
‫غالبا جا يجتلع سن التعرض ل اسالب التدديرية في الدرارات اإلدارية‪ .‬أجا قضال التعسيض فقس يجد رقابته‬
‫إلى نيفية ججارةة الة رة التدديرية‪ ،‬لينجو جا ساز قضال اإللغال سن تدارنه برقابته‪.‬‬
‫الجدارن يبةر‬ ‫أجاد تزايد تعةش اإلدارة في اةتعجاو ة رتقا التدديرية‪ ،‬فدد سجد الدضال اإلدار‬
‫رقابته س ى هرا الة رة‪ ،‬بعدجا نان يجتلع تجاجا سن رلك‪ .‬حيث أقر للفةه الحش في رقابة نافة سقانع‬
‫الدرارات اإلدارية‪ ،‬بعد أن نان يتخر جسقفا ة بيا تااهقا‪ .‬فبدأ رلك برقابة صحة الساسد الجاد لت ك السقانع‪،‬‬
‫جعججا رقابته س ى نافة الدرارات اإلدارية دسن اةتثلال‪.‬‬
‫ثد بةر رقابته س ى التنييش الدالسلي ل سقانع‪ .‬لنله أسرد س ى هرا الرقابة اةتثلالات سديدة تجث ت في‬
‫جاا ت جعيلة‪ :‬نالضبر اإلدار سالجاا ت رات الةجة الفلية أس التدلية‪ ،‬تارنا لإلدارة في هرا الخصسص‬
‫حرية إارال سج ية التنييش الدالسلي دسن أن يفرض رقابته س يقا‪.‬‬
‫ثد اتةعت رقابة الداضي تدريايا لتالجو الرقابة س ى التلاةب‪ ،‬أ رقابته س ى تددير اإلدارة لهجية‬
‫سخرسرة السقانع التي تدسيقا لدراراتقا سجدى تلاةب اإلارال الجتخر جع هرا التددير‪ .‬سالتي بدأت في جااو‬
‫الرقابة س ى قرارات الضبر اإلدار سالدرارات التنديبية لتالجو بعد رلك جعيد الدرارات اإلدارية‪.‬‬
‫باللةبة ل دضال الازانر ‪ ،‬يبدس أله لد يةتدر بعد س ى تربيش جبدإ التلاةب‪ .‬سجع رلك فقس قد أخر‬
‫ببعض أحناد ليرية التلاةب بالنن قرارات اإلدارة الصادرة في جااو الازالات التنديبية أةسة بالدضال‬
‫الفرلةي سالجصر ‪ ،‬دسن أن يعججقا لتالجو الجاا ت الحديثة التي أصبحت اإلدارة تخسضقا اليسد‪.‬‬
‫ل سقانع سرقابة التنييش سرقابة التلاةب ‪-‬في رأيلا‪ -‬ا تااهات‬ ‫لدد جث ت رقابة الساسد الجاد‬
‫التد يدية ل دضال اإلدار ل حد جن ة رة اإلدارة التدديرية‪.‬‬
‫لنن تزايد لالار الدسلة سترسر سيانفقا سجن ثد تعدد جاا ت العجو اإلدار ‪ ،‬أيقر ضعش سقصسر‬
‫ألجار ا تااهات التد يدية في الرقابة الدضانية‪ .‬سقد أدرك جا ا الدسلة الفرلةي هرا السضع‪ ،‬ججا دفعه إلى‬
‫ابتداع ليرية رقابة الخرن البين ليسااه بقا الجاا ت التي اجتلع في خصسصقا سن رقابة التنييش الدالسلي‬
‫ل سقانع‪ ،‬ثد جدها بعد رلك إلى نافة جاا ت العجو اإلدار ‪.‬‬
‫بيد أن السقسش س ى حديدة هرا البلال الدضاني الحديث‪ ،‬اقتضى تحديد جاهيته سبيان جضجسله سجعيار‬
‫إسجاله‪ ،‬خاصة أن أحناد جا ا الدسلة الفرلةي قد خ ت جن سضع تعريش ل خرن البين أس جخت ش العلاصر‬
‫الجبيلة له‪.‬‬
‫لنن جا ا الدسلة الفرلةي جا لبث أن خ ش بلال قضانيا اديدا أنثر ارأة‪ ،‬أ سهس جا يعرش برقابة‬
‫الجسازلة بين الجلافع سالضرار‪ .‬سهي الرقابة التي تتيع ل داضي أن ينخر في استبارا ‪-‬سلد تدييد جضجسن‬
‫الدرار‪ -‬نافة الاسالب الجتع دة بقرا الجضجسن‪ ،‬فيجا يخص الجةاسئ الجترتبة س يه أس الجزايا اللااجة سله‪.‬‬
‫فإرا التقت هرا الجسازلة بترايع الضرار تعين الحند بإلغال الدرار‪ .‬أجا إرا نالت الجزايا هي الرااحة‪ ،‬يع ن‬
‫الداضي سن صحة سجالرسسية رلك الدرار‪.‬‬
‫باللةبة لجا ا الدسلة الازانر ‪ ،‬فإله قد تبلى ا تااهات التد يدية التي اةتدرت في قضال جا ا‬
‫الدسلة الفرلةي دسن أن تالجو رقابته اجيع الجاا ت‪ ،‬حيث اقتصرت س ى الدرارات التنديبية فحةب‪.‬‬
‫سبالنن ا تااهات الحديثة ل دضال الفرلةي‪ ،‬سالتي تجث ت في رقابة الخرن البين سرقابة الجسازلة‪ ،‬فإن‬
‫لد يربش حتى اةن هرا الليريات بالنو حاةد‪ .‬إر اقتصر في تربيدقا س ى‬ ‫الازانر‬ ‫الداضي اإلدار‬
‫الجااو التنديبي سفي بعض الدضايا سالحا ت اللادرة فدر‪.‬‬
‫يادر بلا في لقاية هرا الدراةة‪ ،‬أن لةتخ ص أهد اللتانج التي تجخضت سلقا‪ .‬ثد إبدال اقتراحات‬
‫ستسصيات لعتدد أن جن النن الخر بقا تدرير هرا اللسع جن الرقابة س ى حرية التددير التي تتجتع بقا‬
‫الة رات اإلدارية‪ ،‬ججا يحدش فاس ية اإلدارة جن اقة‪ ،‬سينفو حدسش سحريات الفراد جن اقة أخرى‪.‬‬
‫النتائج‪:‬‬
‫يساد في جاجسع‬ ‫‪ -1‬تعد الة رة التدديرية لإلدارة ضرسرة زجة لةد الفراغ أس تنج ة اللدص الر‬
‫اللياد الدالسلي‪ ،‬بةبب سدد قدرة الجالرع س ى التلبؤ باليرسش الجحيرة بنو تصرش سجالبةاته‪.‬‬
‫‪ -2‬تعتبر ليرية أسجاو الةيادة سالحنسجة ثغرة خريرة في البلال الدالسلي ستالنو تقديدا لجبدأ‬
‫الجالرسسية‪ .‬لن هرا الليرية تتضجن خرساا صريحا ساستدال صارخا س ى الدالسن‪.‬‬
‫‪ -0‬تسةع جا ا الدسلة الازانر في تدييد لفةه باستجادا جا يةجى بالسجاو الدةتسرية‪ .‬سهس جسقش‬
‫يتجاالى جع جا لقرا القينة الدضانية الع يا جن دسر ت عبه في جااو رقابة أسجاو الجؤةةات الدةتسرية‬
‫الخرى‪.‬‬
‫س ى استجاد سيب ا لحراش بالة رة بالنو حاةد‪ .‬فقس تارة‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -9‬لد يةتدر الدضال اإلدار‬
‫ينخر به سي غي الدرارات س ى أةاةه‪ ،‬ستارة يلنر ساسد هرا العيب بالدرار اإلدار ‪ .‬ججا اعو تساقه‬
‫هرا جحو لدد‪.‬‬
‫‪ -6‬إن اإلدارة الازانرية غير ج زجة بجبدأ التةبيب الساسبي لدراراتقا‪ ،‬خاصة في جااو ة رتقا‬
‫التدديرية‪ .‬ججا يضر بجص حة الجتعاج ين جعقا‪ ،‬جن اقة؛ سيصعب الجقجة س ى الدضال في بةر رقابته‪،‬‬
‫جن اقة أخرى‪.‬‬
‫‪ -9‬سلدجا يحدد الدالسن أالنا أس إارالات جعيلة سي زد اإلدارة بإتباسقا سلد إصدار الدرار اإلدار ‪ ،‬فإن‬
‫ة رتقا تنسن جديدة بضرسرة إتباع هرا الالناو أس ت ك اإلارالات‪ ،‬سإ تعرض قرارها لإلبراو بةبب‬
‫سيب الالنو أس اإلارالات‪ .‬أجا إرا تخ ى الجالرع سن تحديد أية ضسابر الن ية لتدييد اإلدارة في إصدار‬
‫قراراتقا‪ ،‬فإله تنسن لقرا الخيرة ة رة تدديرية في إتباع ساختيار تدابير جعيلة حةب جا يبدس لقا‪.‬‬
‫‪ -2‬إن إسجاو اإلدارة لة رتقا التدديرية ليا رخصة لقا‪ .‬بو هس التزاد غايته تحديش إدارة خبيرة سقادرة س ى‬
‫إيااد الح سو الجث ى‪ .‬سسدد تلفير هرا ا لتزاد يجثو جخالفة ة بية ل دالسن يةتساب إلغال الدرار اإلدار سفدا‬
‫لعيب جخالفة ل دالسن‪.‬‬
‫‪ -8‬يعد سيب جخالفة الدالسن أحد الحدسد الداخ ية التي تحد جن اةتعجاو اإلدارة لة رتقا التدديرية‪ .‬سيدع‬
‫التزاد س ى ساتش اإلدارة سلد جباالرتقا ة رتقا التدديرية‪ ،‬بن تخالش الدالسن جخالفة إياابية أس ة بية سأ‬
‫تخرئ في تفةيرا‪ ،‬سإ الاب قرارها سيب جخالفة الدالسن‪.‬‬
‫‪ -1‬تعتبر الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة رقابة جاللجة سليةت رقابة جالرسسية‪ .‬رلك أن‬
‫هرا اللسع جن الرقابة يجثو الترسر الربيعي ل ةياةة الدضانية في الدالسن الجدارن‪ .‬سهس جا لد يلتبه إليه‬
‫اجقسر الفده الر يو جحبسةا داخو إرار رقابة الجالرسسية‪ ،‬سرفض الخرسج بالرقابة الدضانية إلى‬
‫لراش أسةع يةتريع الدضال فيه إسادة التسازن في العالقة بين الفرد ساإلدارة‪.‬‬
‫تقدر جبدأ الفصو بين الة رات‪ .‬فإرا نان هرا‬ ‫‪ -13‬إن الرقابة الدضانية س ى الة رة التدديرية لإلدارة‬
‫النو نان في أسجاو الة رة اإلدارية‪ ،‬فإن تدخو الداضي‬ ‫بن‬ ‫الجبدأ يدتضي أ يتدخو الداضي اإلدار‬
‫يالنو تقديدا أس التقانا لجبدأ الفصو بين الة رات‪ .‬نسن الدضال‬ ‫بإسجاو أةاليب الرقابة التد يدية أس الحديثة‬
‫يديد الة رة التدديرية لإلدارة‪ ،‬سإلجا يبتغي جن سرال جباالرة هرا الرقابة إرةال لسع جن التسازن‪.‬‬ ‫–هلا‪-‬‬
‫سرلك سن رريش سضع جعايير اديدة تةقو اةتخداد هرا الة رة التدديرية لإلدارة‪ ،‬سبالجدابو تحد جن ةسل‬
‫اةتعجالقا‪.‬‬
‫‪ -11‬لد يتبن الداضي اإلدار الازانر جسقفا ساضحا يجنن س ى أةاةه الدسو أله أخر با تااهات التد يدية‬
‫التي اةتدرت في الدضال الجدارن‪ ،‬سخاصة جا ا الدسلة الفرلةي في جااو الرقابة الدضانية س ى الة رة‬
‫التدديرية لإلدارة‪.‬‬
‫س ى ة رة اإلدارة التدديرية لد تعد تتجاالى جع يقسر‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -12‬إن أةاليب رقابة الداضي اإلدار‬
‫سيانش الدسلة الحديثة‪ ،‬لتياة تدخ قا في نافة الجيادين سس ى اجيع الصعدة‪ .‬سهس الجر الر أسرى اإلدارة‬
‫جبررا ل تسةع في ة رتقا التدديرية س ى حةاب حدسش الفراد سحرياتقد‪ .‬ججا يبين سدد نفاية هرا الةاليب‬
‫الرقابية ل دضال‪.‬‬
‫‪ -10‬تةتقدش أةاليب الرقابة الحديثة س ى الة رة التدديرية لإلدارة غرضين إثلين‪ :‬أسلقجا الحي سلة دسن‬
‫إصدار الدرارات الجتعا ة سالدرارات غير الجلردية‪ .‬سثاليقجا إلزاد الاقات اإلدارية الجخت فة بتدديد جبررات‬
‫ادية لدراراتقا ستصرفاتقا الدالسلية بصفة ساجة‪ .‬سس يه فإن إهجاو هرا الرقابة ةيؤثر س ى اللالار اإلدار‬
‫في حد راته‪ ،‬سليا س ى حدسش الفراد فدر‪.‬‬
‫‪ -19‬بجرااعة جا تسفر لديلا جن قرارات جا ا الدسلة الازانر ‪ ،‬لد لاد لليرية الخرن البين في التددير‬
‫لقا نليرية ساجة في الدالسن‪ ،‬خالفا لجا هس س يه في‬ ‫تربيدات قضانية تسحي بتبلي الداضي الازانر‬
‫الدضال اإلدار الفرلةي‪ .‬نجا أن الدرارات الدضانية التي أسجو فيقا جا ا الدسلة الازانر رقابة الخرن‬
‫البين‪ ،‬أس س ى القو اةتعجو فيقا هرا التةجية‪ ،‬قد اقتصر س ى جااو الدرارات التنديبية‪ ،‬سبالخص س ى‬
‫قرارات الفصو‪.‬‬
‫يقرت فيه‬ ‫ببعض أحناد ليرية الجسازلة‪ ،‬سربدقا في الجااو الر‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -16‬أخر الداضي اإلدار‬
‫لسو جرة في الدضال الفرلةي‪ ،‬أ سهس جااو لزع الج نية جن أاو الجلفعة العاجة‪ .‬غير أن هرا التربيش‬
‫يخت ش سن تربيدات لييرا الفرلةي‪ .‬رلك أله خ ر في هرا الجااو بين رقابة الجسازلة سرقابة الخرن البين‬
‫في التددير رغد ا ختالش الساضع بين الليريتين‪.‬‬
‫‪ -19‬لد ياعو الداضي الازانر جن ليرية الجسازلة جبدأ ساجا يربش في جخت ش جاا ت اللالار اإلدار‬
‫نجا هس الحاو باللةبة للييرا الفرلةي‪ .‬حيث يبدس جن أحناجه التي أصدرها في الجاا ت التي تربش فيقا‬
‫هرا الليرية خاصة رلك الجااو الر يقرت فيه لسو جرة ‪ -‬سهس جااو لزع الج نية ل جلفعة العجسجية‪ ،-‬أله‬
‫زاو سفيا ل جبادئ التد يدية الجةتدرة في هرا الالنن‪.‬‬
‫‪ -12‬تتعاجو الاقات الدضانية اإلدارية جع الجلازسات الجتع دة بلزع الج نية نجا يتعاجو الداضي اإلدار‬
‫جع الرراش؛ أ أله ينتفي بجا يددد له جن أدلة‪ ،‬سنثيرا جا يحاو اللزاع س ى خبير في جااو رقابة يج ك‬
‫الداضي فيه نو الصالحيات سالسةانو لحةجه دسن ال اسل إلى الخبرة‪.‬‬
‫تتد إ إرا االت تلفيرا‬ ‫‪ -18‬أثبتت للا بعض تربيدات الدضال اإلدار الازانر أن سج يات لزع الج نية‬
‫لعج يات لاتاة سن تربيش إارالات لياجية‪ ،‬تتع ش بإلالال تاقيزات اجاسية سجلالآت سأسجاو نبرى رات‬
‫جلفعة سجسجية‪ .‬لنن هرا الةاا الجعتجد س يه للزع الج نية قد تد تااسزا جيداليا‪ ،‬بحيث نثيرا جا يتد لزع‬
‫جالرسع ساد س يقا‪ .‬إر ألقا تحسو لغراض خاصة لااز‬ ‫الجالك العدارية ل خساص دسن أن يلفر أ‬
‫تعاسليات سدارية ستسزيعقا قرعا ل خساص لااز ةنلات فردية‪ .‬سرلك رااع إلى نسن جصر ع "الجلفعة‬
‫العاجة" جفقسد ساةع غير جحدد‪.‬‬
‫‪ -11‬جن خالو اإلرالع س ى بعض قرارات جا ا الدسلة الازانر ‪ ،‬ييقر للا ا ةتعجاو الخارئ لبعض‬
‫الجصر حات الدالسلية أس اةتعجالقا في غير جسضعقا‪ .‬بحيث نثيرا جا تتضجن صياغة الدرارات الدضانية‬
‫تفيد الجعلى الجدصسد أس ينسن إرارها أسةع أس أضيش ججا ياب‪.‬‬ ‫سبارات‬
‫‪ -23‬لالحي س ى قرارات جا ا الدسلة الازانر ألقا تنتي قصيرة ادا سجدتصرة في جاج قا س ى ةرد‬
‫تتسةع أةبابقا (حيثياتقا)‪ ،‬بحيث تغيب أحيالا اإلالارة إلى الجراع أس الةاا‬ ‫السقانع ساإلارالات‪ .‬بيلجا‬
‫الدالسلي الجةتلد إليه‪ .‬فال تيقر ربيعة الةاا جن بين جصادر الدالسن اإلدار الجعرسفة‪ ،‬نجا تتا ى سدد‬
‫الدقة سالسضسح في إحصال العيسب ساللدانص التي تالسب السجاو اإلدارية‪ .‬ةسال نان رلك في جااو‬
‫الدرارات اإلدارية أس العدسد اإلدارية أس الجةؤسلية اإلدارية‪.‬‬
‫الازانر ‪ ،‬إ أللا لثلي س يه قياجه بلالر قراراته في‬ ‫‪ -21‬رغد ا لتدادات الجساقة إلى الدضال اإلدار‬
‫جا ة جتخصصة تدسى ' جا ة جا ا الدسلة'‪ ،‬خاصة ت ك الدرارات التي تتضجن جساقش ااتقادية جعتبرة‪،‬‬
‫ججا يةجع لرس ا ختصاص سالحدسقيين بجتابعة سجلاقالة جةانو قالسلية رات أهجية‪ .‬غير أللا لبد جالحية‬
‫ق ة أسداد الجا ة جلر تنةيا جا ا الدسلة ةلة ‪ 1118‬إلى اليسد‪ :‬العدد جن ‪ 31‬إلى ‪ .31‬نجا أن العدد‬
‫الخير جن هرا الجا ة يفتدر إلى التربيدات الدضانية الخاصة بالغرفة السلى بجا ا الدسلة (غرفة الصفدات‬
‫العجسجية)‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫الرالقا جن اللتانج الجتسصو إليقا جن هرا الدراةة‪ ،‬لدترح التسصيات اةتية‪:‬‬
‫‪ -1‬يحبر أن يةاير ا اتقاد الدضاني الازانر لييرا الجصر في جلع اإلدارة ة رة ةحب قراراتقا غير‬
‫الجالرسسة الصادرة بلال س ى ة رة جديدة‪ ،‬دسن ا لتزاد بجيعاد الرعن الدضاني‪ ،‬جع جراساة الحدسش‬
‫الجنتةبة ل جةتفيدين جن هرا الدرارات‪.‬‬
‫يديد لفةه بجا أةجاا‪" :‬السجاو الدةتسرية" نديد س ى‬ ‫أ‬ ‫‪ -2‬جن الجةتحةن لجا ا الدسلة الازانر‬
‫أن يرفض إسجاو رقابته س ى هرا السجاو‪ ،‬فإله جن‬ ‫اختصاصاته الدضانية‪ .‬سإرا نان جن الضرسر‬
‫الجةتحب أن يةبب رفضه‪ ،‬ليا بنسلقا جن السجاو الدةتسرية‪ ،‬سإلجا لنسلقا جن أسجاو الجرابدة‬
‫الدةتسرية‪.‬‬
‫‪ -0‬تحةيا الجسارلين ساجة سالجتداضين خاصة‪ ،‬بنله في حالة اجتلاع اإلدارة سن إصدار قرارات‬
‫يعسد لة رتقا التدديرية للقا هي الجةؤسلة س ى الحفاي‬ ‫الضبر اإلدار ياسز جداضاتقا‪ ،‬سأن رلك‬
‫س ى اللياد العاد‪.‬‬
‫إلى ا بتعاد سن تدييد لفةه بإدراج رقابة الة رة التدديرية ضجن رقابة‬ ‫‪ -9‬دسسة الدضال الازانر‬
‫يةتريع الغسص في جااو الجاللجة‪ .‬لن رلك يعد سجال‬ ‫الجالرسسية‪ ،‬بحاة أن الداضي اإلدار‬
‫يزاو جتخسفا جن سةد‬ ‫يجلعه جن ججارةة هرا الة رة‪ .‬سإرا نان الدضال‬ ‫أةاا له‪ ،‬جاداد الجالرع‬
‫تصرفه س ى هرا اللحس س ى أله استدال س ى جااو الجاللجة الجخصص لإلدارة‪ ،‬فبإجناله أن يدخو هرا‬
‫الدضال‪ -‬أ قضال الجاللجة ‪ -‬في لراش الجالرسسية‪ ،‬بفعو الة رة الخالقة الجعترش بقا ل دضال اإلدار‬
‫في إلالال الدساسد الدالسلية‪.‬‬
‫إلى الترنيز س ى الخر برقابة سيب ا لحراش بالة رة نعيب قاند‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -6‬دسسة الداضي اإلدار‬
‫تصو‬ ‫براته‪ .‬بحيث يتةع جااو ا لحراش بالة رة ليالجو الرقابة س ى ة رة اإلدارة التدديرية‪ ،‬سهرا الجدى‬
‫إليه الرقابة س ى سيب الةبب أس سيب جخالفة الدالسن‪.‬‬
‫‪ -9‬دسسة اإلدارة إلى ا لتزاد بتةبيب قراراتقا اإلدارية الصادرة بلال س ى ة رتقا التدديرية‪ .‬رلك أن‬
‫الالنن جن إلزاجقا بتدديد الجةتلدات‬ ‫التزاجقا بالتةبيب ةيدسد جسقفقا‪ ،‬جن اقة‪ .‬نجا أن رلك يجنن رس‬
‫سالسراش الجتع دة باإلثبات في الدسسى‪ ،‬جن اقة ثالية‪ .‬سيجنن الدضال‪ ،‬جن اقة ثالثة سأخيرة‪ ،‬جن ججارةة‬
‫رقابته س ى أنجو ساه‪.‬‬
‫إلى ليرية التعةش في اةتعجاو الحدسش اإلدارية‪ ،‬سأن‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -2‬يفضو أن ي تفت الدضال اإلدار‬
‫ينخرها بعين ا ستبار في تربيداته‪ .‬لن هرا الليرية تعتبر السةي ة الفعالة لجسااقة ا تةاع غير الجحدسد‬
‫سالخرير ل ة رة التدديرية لإلدارة‪ .‬خاصة سأن قضال اإللغال لد يةترع أن يسقش هرا الة رة سلد حدها إلى‬
‫أن أصبحت رقابة الجالرسسية غير نافية سحدها ل حد جن هرا الة رة‪.‬‬
‫جسقفا ساضحا بالنن أةاليب الرقابة التد يدية س ى الة رة التدديرية‬ ‫‪ -8‬لنجو أن يتبلى قضاؤلا اإلدار‬
‫لإلدارة‪ .‬سأن يةاير رنب الترسر الر سصو إليه لييرا الفرلةي في هرا الجااو‪ .‬بحيث يةارع في تربيدقا‬
‫في نافة الجاا ت الحديثة التي تخسضقا اإلدارة اليسد‪.‬‬
‫لليرية الخرن البين نليرية ساجة في جااو الرقابة الدضانية س ى‬ ‫‪ -1‬ضرسرة استجاد الدضال الازانر‬
‫الة رة التدديرية‪ ،‬دسن أن يدصرها س ى جااو الدرارات التنديبية‪ .‬بحيث يسةعقا لتالجو اجيع الجاا ت‪.‬‬
‫ليرا لتزايد لالار الدسلة سترسر سيانفقا‪ ،‬سجن ثد تعدد جاا ت العجو اإلدار ‪.‬‬
‫إلى إسجاو رقابة الجسازلة بصسرة جةتد ة سن رقابة الخرن البين‪،‬‬ ‫الازانر‬ ‫‪ -13‬دسسة الدضال اإلدار‬
‫ليرا لالختالش الساضع بين الليريتين‪.‬‬
‫هرا الجقجة بعجش‬ ‫‪ -11‬ياب أ يبدى جفقسد الجلفعة العاجة بدسن تسضيع‪ .‬بحيث يجارا الداضي اإلدار‬
‫في أحناجه ‪ ،‬سنا جا هس جعجسو به جن اللاحية الساقعية‪ ،‬سهس ترك القينات اإلدارية حرة في التحدش جن‬
‫ساسد الجلفعة العاجة جن سدجقا‪.‬‬
‫‪ -12‬لنجو أن يتد تعجيد ا تااهات الحديثة لجا ا الدسلة الفرلةي في رقابة الة رة التدديرية لتالجو اجيع‬
‫الجاا ت‪ ،‬دسن أن يدصرها الدضال اإلدار الازانر س ى الدرارات الصادرة في الجادة التنديبية‪.‬‬
‫‪ -10‬يراى أن يةتدرك جا ا الدسلة الازانر اللدانص التي تعتر سج ه‪ .‬بدلا بتحديد العيب الر ينتلش‬
‫يةتلد إليه جن بين جصادر الدالسن‬ ‫بدقة‪ ،‬ستبرير قراراته سجلاقالتقا‪ ،‬ستبيان الةاا الر‬ ‫الدرار اإلدار‬
‫الحديث اللالنة في إرار اةجاو‬ ‫اإلدار ‪ ،‬ساةتعجاو الجصر حات الدقيدة‪ .‬سرلك لسضع الدضال اإلدار‬
‫سالهداش الجلالسد ب سغقا‪ ،‬سا رتدال إلى الجنالة التي يةتحدقا‪.‬‬
‫نجا سلسسا‬ ‫‪ -19‬ياب س ى الدسلة أن ترسر آليات العجو الدضاني جن خالو ا هتجاد بالعلصر البالر‬
‫(العدد سالتخصص)‪.‬سإرا نالت هرا التسصية صالحة ل اقاز الدضاني ننو‪ ،‬فإلقا تنسن جساقة إلى الدضال‬
‫يحتاج إلى رساية خاصة‬ ‫جن باب أسلى‪ ،‬ليرا لحداثة سقد الازانر با زدسااية الدضانية الر‬ ‫اإلدار‬
‫ساهتجاد جتجيز‪.‬‬
‫قائمـة المراجــــع‬
‫أوال‪ :‬النصوص القانونية‪:‬‬
‫‪ -1‬دستور الجزائر‪ ،‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم‪ ،29:‬سنة ‪.1119‬‬
‫‪ -2‬القانون العضوي رقم ‪ 31/18‬المؤرخ في ‪ 1118/36/03‬المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه‬
‫وعمله‪ ،‬المعدل والمتمم بالقانون العضوي ‪ 10/11‬المؤرخ في ‪ 29‬يونيو ‪،2311‬الجريدة الرسمية للجمهورية‬
‫الجزائرية عدد ‪ ،90‬سنة‪.2311‬‬
‫‪ -0‬القانون العضوي رقم ‪ 32/11‬الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة وعملهما‪ ،‬وكذا‬
‫العالقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة‪.‬‬
‫‪ -9‬القانون العضوي رقم ‪ 11/39‬المؤرخ في‪ 9 :‬سبتمبر‪ ،2339‬المتضمن القانون األساسي للقضاء‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪.61‬‬
‫‪ -6‬القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫‪ -9‬األمر ‪ 30/39‬المؤرخ في ‪ 16‬يونيو ‪ 2339‬المتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العامة‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬عدد‪ 99‬سنة ‪.2339‬‬
‫‪ -2‬األمر رقم ‪ 169/99‬المؤرخ في ‪ 1199/39/38‬المعدل والمتمم‪ ،‬المتضمن قانون اإلجراءات المدنية‬
‫المعدل والمتمم‪ ،‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية‪،‬عدد ‪.92‬‬
‫‪ -8‬األمر رقم ‪ 31/11‬المؤرخ في ‪ 20‬فبراير ‪ ،2311‬المتضمن رفع حالة الطوارئ‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫للجمهورية الجزائرية‪ ،‬عدد ‪.12‬‬
‫‪ -8‬القانون رقم ‪ 31/38‬المؤرخ في ‪ 26‬فيفري ‪ ،2338‬المتضمن قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬عدد ‪ ،21‬سنة ‪.2338‬‬
‫‪ -1‬القانون رقم ‪ 32/18‬المؤرخ في ‪ 1118/36/03‬المتعلق بالمحاكم اإلدارية‪ ،‬الجريدة الرسمية للجمهورية‬
‫الجزائرية‪ ،‬عدد ‪.02‬‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص التنظيمية‪:‬‬
‫‪ -1‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ 119 / 11‬المؤرخ في ‪ 9‬جوان ‪ 1111‬المتضمن حالة الحصار‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫للجمهورية الجزائرية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،21‬المؤرخة في ‪ 12‬جوان ‪ 1111‬السنة ‪.28‬‬
‫‪ -2‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ 009/ 11‬المؤرخ في ‪ 1111/31/22‬المتضمن رفع حالة الحصار‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية المؤرخة في ‪ 26‬سبتمبر ‪ ،1111‬العدد ‪ ،99‬السنة ‪.28‬‬
‫‪ -0‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،99/12‬المؤرخ في ‪ 1‬فبراير ‪ ،1112‬المتضمن إعالن حالة الطوارئ‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،13‬المؤرخة في ‪ 1‬فبراير‪.1112،‬‬
‫‪ -9‬المرسوم التشريعي رقم ‪ 32/10‬المؤرخ في ‪ 9‬فبراير ‪ ،1110‬المتضمن تمديد حالة الطوارئ‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬المؤرخة في ‪ 2‬فبراير‪.1110 ،‬‬
‫ثالثا‪ :‬الكـــــــــــــــــــتب‬
‫أ‪ -‬باللغة العربية‬
‫‪ -1‬إبراهيم السيد محمد‪ ،‬رقابة القضاء اإلداري على الوقائع في دعاوى اإللغاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطابع جريدة‬
‫السفير‪ ،‬اإلسكندرية‪.1190 ،‬‬
‫‪ -2‬أبو المجد محمد أشرف عبد الفتاح‪ ،‬موقف قاضي اإللغاء من سلطة اإلدارة في تسبيب الق اررات اإلدارية‪،‬‬
‫دون رقم الطبعة‪ ،‬القاهرة‪.2336 ،‬‬
‫‪ -0‬أبو يونس محمد باهي‪ ،‬الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات اإلدارية العامة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‬
‫للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2333 ،‬‬
‫‪ -9‬البنا محمود عاطف‪ ،‬حدود سلطات الضبط اإلداري‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬القاهرة‪.1183،‬‬
‫‪ -6‬الحكيم سعيد‪ ،‬الرقابة على أعمال اإلدارة في الشريعة اإلسالمية والنظم القانونية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪.1182 ،‬‬
‫‪ -9‬الجهمي خليفة سالم‪ ،‬الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة والجريمة في مجال التأديب‪ ،‬دار‬
‫الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2331،‬‬
‫‪ -2‬الحلو ماجد راغب‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.2333 ،‬‬
‫‪ -8‬الزغبي خالد سمارة‪ ،‬القرار اإلداري بين النظرية والتطبيق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان ‪.1111 ،‬‬
‫‪ -1‬السنهوري عبد الرزاق‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -13‬الشنطاوي علي خطار‪ ،‬موسوعة القضاء اإلداري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الثقافة‪.2339،‬‬
‫‪ -12‬الشرقاوي سعاد‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪. 1189 ،‬‬
‫‪ -10‬الطماوي سليمان محمد‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال السلطة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة جامعة عين‬
‫شمس‪ ،‬القاهرة‪.1128،‬‬
‫‪ -19‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للق اررات اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬مطبعة‬
‫جامعة عين شمس‪.1111 ،‬‬
‫‪ -16‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القانون اإلداري‪ ،‬مطبعة جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪.1188 ،‬‬
‫‪ -19‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري‪ :‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.1129،‬‬
‫‪ -12‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري‪ :‬الكتاب الثاني‪ :‬قضاء التعويض‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫القاهرة‪.3669 ،‬‬
‫‪ -38‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.1129 ،‬‬
‫‪ -11‬النجار زكي محمد‪ ،‬فكرة الغلط البين في القضاء الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1112 ،‬‬
‫‪ -23‬باينه عبد القادر‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬األسس العامة والتطور التاريخي ‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪.1186‬‬
‫‪ -21‬بدران مراد‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة في ظل الظروف االستثنائية‪ ،‬دار المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪. 2338 ،‬‬
‫‪ -22‬بركات محمود محمد ناصر‪ ،‬السلطة التقديرية للقاضي في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫األردن‪.2332،‬‬
‫‪ -20‬بعلي محمد الصغير‪ ،‬القضاء اإلداري(مجلس الدولة)‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬دون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -29‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الوسيط في المنازعات اإلدارية طبقا لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬دار‬
‫العلوم للنشر التوزيع‪.2331،‬‬
‫‪ -26‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الق اررات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم‪،‬عنابة‪ ،‬الج ازئر‪.2336 ،‬‬
‫‪ -29‬بعلي محمد الصغير و يسري أبو العال‪ ،‬المالية العامة‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬عنابة‪.2330،‬‬
‫‪ -22‬بسيوني حسن السيد‪ ،‬دور القضاء في المنازعة اإلدارية‪ ،‬دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية في‬
‫مصر وفرنسا والجزائر‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪.1121،‬‬
‫‪ -28‬بسيوني عبد الرؤوف هاشم‪ ،‬المرافعات اإلدارية (إجراءات رفع الدعوى اإلدارية وتحضيرها)‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2338 ،‬‬
‫‪ -21‬بطيخ رمضان محمد‪ ،‬االتجاهات المتطورة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي للحد من سلطة اإلدارة‬
‫التقديرية وموقف مجلس الدولة المصري منها‪ ،‬دار النهضة العربية‪.1119 ،‬‬
‫‪ -03‬بن الشيخ آث ملويا لحسن‪ ،‬المنتقى في قضاء مجلس الدولة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار هومه‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2332‬‬
‫‪ -01‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في المسؤولية اإلدارية‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬المسؤولية اإلدارية بدون خطأ‪،‬‬
‫دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر العاصمة‪.2332،‬‬
‫‪ -02‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دروس في المنازعات اإلدارية‪-‬وسائل المشروعية‪ ،-‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار‬
‫هومه‪ ،‬الجزائر‪.2339،‬‬
‫‪ -00‬بن صاولة شفيقة‪ ،‬إشكالية تنفيذ اإلدارة للق اررات القضائية اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار هومه‪2313،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -09‬بو بشير محند أمقران‪ ،‬النظام القضائي الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.1119‬‬
‫‪ -06‬بوضياف عمار‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دراسة تشريعية قضائية فقهية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار جسور للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.2332 ،‬‬
‫‪09‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دعوى اإللغاء في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار جسور للنشر‬
‫والتوزيع‪.2331،‬‬
‫‪ -02‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار جسور للنشر والتوزيع‪.2332،‬‬
‫‪ -08‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظام القضائي الجزائري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الريحانة‪ ،‬الجزائر‪.2330 ،‬‬
‫‪ -01‬بوشعير السعيد‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة "طرق ممارسة السلطة أسس األنظمة‬
‫السياسية وتطبيقات عنها"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬الجزائري‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -93‬جمال الدين سامي‪ ،‬قضاء المالءمة والسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1112 ،‬‬
‫‪ 91‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري‪ :‬الرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.2330،‬‬
‫‪ 92‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ التنظيم اإلداري للوظيفة العامة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.1113،‬‬
‫‪ 90‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أصول القانون اإلداري‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.1119‬‬
‫‪99‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري‪ ،‬منشأة المعارف للنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -96‬حافظ محمود محمد‪ ،‬القضاء اإلداري ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬دون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -99‬حبيب محمود أبو السعود‪ ،‬االختصاص التشريعي لرئيس الجهورية في الظروف االستثنائية‪ ،‬دار الثقافة‬
‫الجامعية‪ ،‬مصر‪.1113 ،‬‬
‫‪-92‬حسن محمد مصطفى‪ ،‬السلطة التقديرية في الق اررات اإلدارية‪ ،‬مطبعة عاطف‪.1129،‬‬
‫‪ -98‬حلمي محمود‪ ،‬نظام الحكم اإلسالمي مقارنا بالنظم المعاصرة‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬القاهرة‪.1189 ،‬‬
‫‪-91‬حمادة محمد أنور‪ ،‬الق اررات اإلدارية ورقابة القضاء‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪.2339،‬‬
‫‪ -63‬حمد عمر حمد‪ ،‬السلطة التقديرية لإلدارة ومدى رقابة القضاء عليها‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكاديمية نايف‬
‫العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪.2330 ،‬‬
‫‪ -61‬خلوفي رشيد‪ ،‬قانون المنازعات اإلدارية‪ ،‬شروط قبول دعوى تجاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1119 ،‬‬
‫‪ -62‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قانون المسؤولية اإلدارية‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1119 ،‬‬
‫‪ -60‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ القضاء اإلداري(تنظيم واختصاص )‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2332،‬‬
‫‪ -51‬خليفة عبد العزيز عبد المنعم‪ ،‬االنحراف بالسلطة كسبب إللغاء القرار اإلداري‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1113 ،‬‬
‫‪-66‬خليل محسن‪ ،‬مبدأ المشروعية وتنظيم القضاء اإلداري‪ ،‬مطبعة التوني‪ ،‬اإلسكندرية‪.1110 ،‬‬
‫‪-69‬خليل محسن‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دون بلد النشر‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -62‬راضي مازن ليو‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬الجزء األول‪.2339 ،‬‬
‫‪ -68‬ساري جورجي شفيق‪ ،‬قواعد وأحكام القضاء اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2330،‬‬
‫‪ -61‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رقابة التناسب في نطاق القانون الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2333‬‬
‫‪ -93‬سكاكني باية‪ ،‬دور القاضي بين المتقاضي واإلدارة‪ ،‬دار هومه‪ ،‬الجزائر‪.2339،‬‬
‫‪ -91‬شحاتة توفيق‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دار النشر للجامعات المصرية‪ ،‬القاهرة‪.1166،‬‬
‫‪ -92‬شيحا عبد العزيز إبراهيم‪ ،‬الوسيط في مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1111 ،‬‬
‫‪ -90‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مبادئ وأحكام القضاء اإلداري اللبناني – مجلس شورى الدولة‪ ،-‬الدار‬
‫الجامعية‪ ،‬بيروت‪.1119 ،‬‬
‫‪ -99‬شيهوب مسعود‪ ،‬المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية‪ :‬نظرية اإلختصاص‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1111،‬‬
‫‪96‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المسؤولية عن اإلخالل بمبدأ المساواة وتطبيقاتها في القانون اإلداري‪-‬دراسة مقارنة‪،-‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2333،‬‬
‫‪99‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية‪ ،‬األنظمة القضائية المقارنة والمنازعات‬
‫اإلدارية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1111 ،‬‬
‫‪92‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية ‪ ،‬الهيئات واإلجراءات أمامها‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1111،‬‬
‫‪ 98‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المسؤولية عن المخاطر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2333 ،‬‬
‫‪ -91‬صقر نبيل‪ ،‬الوسيط في شرح قانون اإلجراءات المد نية واإلدارية‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪.2331،‬‬
‫‪ -23‬طلبه عبد اهلل‪ ،‬القضاء اإلداري‪:‬الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬المطبعة الجديدة‪ ،‬دمشق‪.1121،‬‬
‫‪ -21‬طعيمة الجرف‪ ،‬مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون‪ ،‬القاهرة‪.1190 ،‬‬
‫‪ -22‬عبد الباسط محمد فؤاد‪ ،‬القرار اإلداري‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2333 ،‬‬
‫‪ -20‬عبد الجليل محمد علي‪ ،‬مبدأ المشروعية في النظام اإلسالمي واألنظمة القانونية المعاصرة‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬القاهرة‪.1181 ،‬‬
‫‪ -29‬عبد العليم صالح يوسف‪ ،‬أثر القضاء اإلداري على النشاط اإلداري للدولة‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.2338 ،‬‬
‫‪ -26‬عبد اهلل عبد الغني بسيوني‪ ،‬القضاء اإلداري‪ -‬قضاء اإللغاء‪ ،-‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.1112،‬‬
‫‪ -29‬عبد الوهاب محمد رفعت‪ ،‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬منشورات الحلب الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬دون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -22‬عبد الوهاب محمد رفعت وحسين عثمان محمد عثمان‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار المطبوعات الجديدة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.2333 ،‬‬
‫‪ -28‬عثمان خليل عثمان ‪ ،‬مجلس الدولة ورقابة القضاء ألعمال اإلدارة ‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬سنة ‪.1192‬‬
‫‪ -21‬عكاشة حمدي ياسين ‪،‬االقرار اإلداري في قضاء مجلس الدولة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1112،‬‬
‫‪ -83‬عمر إسماعيل نبيل‪ ،‬سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.2332،‬‬
‫‪ -81‬عوابدي عمار‪ ،‬مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪،1189 ،‬‬
‫‪ -82‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نظرية الق اررات اإلدارية بين علم اإلدارة العامة والقانون اإلداري‪،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2332،‬‬
‫‪ -80‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري‪،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫نظرية الدعوى اإلدارية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1118،‬‬
‫‪ -89‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عملية الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة العامة في النظام القضائي الجزائري‪،‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1182 ،‬‬
‫‪ -86‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النظرية العامة للمنازعات اإلدارية في النظام القضائي الجزائري‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1118،‬‬
‫‪ -89‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نظرية المسؤولية اإلدارية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.2332 ،‬‬
‫‪ -82‬عمرو عدنان‪ ،‬مبدأ المشروعية – دراسة مقارنة – الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.2339 ،‬‬
‫‪ 88‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إبطال الق اررات اإلدارية الضارة باألفراد‪ ،‬دون رقم الطبعة‪ ،‬الهيئة الفلسطينية المستقلة‬
‫لحقوق المواطن‪ ،‬ارم اهلل‪.2331 ،‬‬
‫‪ -81‬عبد العال محمد حسنين‪ ،‬الرقابة القضائية على ق اررات الضبط اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1111،‬‬
‫‪ -13‬فوديل جورج‪ ،‬بيار دلقولقية (ترجمة منصور القاضي)‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والتوزيع‪.2331،‬‬
‫‪ -11‬قزو محمد أكلي‪ ،‬دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2330‬‬
‫‪ -12‬كامل نبيلة عبد الحليم‪ ،‬دور القاضي اإلداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية‬
‫(االتجاه الحديث لمجلس الدولة في مصر و فرنسا)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1110،‬‬
‫‪ -10‬لباد ناصر‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار المجدد للنشر والتوزيع‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -19‬لعشب محفوظ‪ ،‬المسؤولية في القانون اإلداري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1119،‬‬
‫‪ -16‬ليله محمد كامل‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى‪.1198 ،‬‬
‫‪ -19‬محيو أحمد (ترجمة فائز أنجق وبيوض خالد)‪،‬المنازعات اإلدارية‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬جامعة الجزائر‪.2338،‬‬
‫‪ -12‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ محاضرات في المؤسسات اإلدارية(ترجمة محمد عراب صاصيال)‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪.1186،‬‬
‫‪ -18‬معوض فؤاد‪ ،‬تأديب الموظف العام في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.2339،‬‬
‫‪ -11‬نواف كنعان‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع والدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪.2332‬‬
‫‪ -133‬يونس محمد باهي‪ ،‬الرقابة البرلمانية بين النظامين المصري و الكويتي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.2332،‬‬

‫ب‪ -‬باللغة الفرنسية‬


‫‪1- Cathala Thierry, le contrôle de la légalité administrative par les tribunaux‬‬
‫‪judiciaires, Libraire général de droit de jurisprudence, Paris, 1996.‬‬
‫‪2- Chapus René, Droit administratif général, tome 1, Montchrestien, 9 emme‬‬
‫‪édition, 1995.‬‬
‫‪3-Chapus René, droit du contentieux administratif, 9éme édition, Montchrestien,‬‬
‫‪2001.‬‬
‫‪4- Debbach Charles, droit administratif ,6éme édition, economica, Paris,2003.‬‬
‫‪5- Debbasch Charles et Jean-claude Ricci, contentieux administratif, Dalloz,‬‬
‫‪1999.‬‬
‫‪6- Debbasch Charles, institutions et droit administratif, tome 2, 4 éme édition,‬‬
‫‪Presses Universitaire de France, 1998.‬‬
‫‪7- Debbasch Charles, J-C Ricci, le contentieux administratif,7 emme édition,‬‬
‫‪Dalloz.‬‬
8- Debbasch Charles et autres( J. Bourdon, J. Pontier, J. Ricci): institutions et
droit administratif, Presses Universitaire de France, Paris, 1991.
9- Delaubadère, Manuel de droit administratif, 11 Emme édition, Libraire général
de droit de jurisprudence, Paris.
10- Delaubadère, Yves Gaudement, traité de droit administratif, tome 1, 16
Emme édition, Libraire général de droit de jurisprudence, Paris, 1999.
11- Long, M, et autres, Les grands arrêts de la jurisprudence administrative,
Dalloz, 12 eme édition, Paris, 1999.
12- Mahiou(A),cours du contentieux administratif, 2 Emme édition, Office des
Publications Universitaires, Alger, 1981.
13- Moyrand Alain, le droit administratif, l’hermès, Lyon, 1992.
14- Peiser Gustave, Contentieux administratif, 11 Emme édition, Paris, 1999.
15- Rivero Jean et Jean Waline, droit administratif, 14 Emme édition, Dalloz,
Paris, 1999.
16- Vedel(G), Delvolve (P) , droit administratif, 7 Emme édition, Presses
Universitaire de France, 1980.
17- Rouault Marie Christine, droit administratif, Gualino édition, Paris, 2002.
18- zouaimia Rachid et Marie Christine Rouault , droit administratif ; collection
droit pratique ,Berti édition, 2009.
19- Bouchahda (H) et Kheloufi (R), Recueil d’arrêts, jurisprudence
administrative, Office des Publications Universitaires , Alger, 1985.

‫ الرسائل واألطروحات‬:‫رابعا‬
‫ باللغة العربية‬-‫أ‬
‫ سنة‬،‫ جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬،‫ دراسة مقارنة‬،‫ السلطة التقديرية لإلدارة‬،‫ أوهاب نذير‬-1
.‫ هجرية‬1912
،‫ رسالة لنيل درجة دكتوراه دولة في القانون‬،‫ اختصاص القضاء اإلداري في الجزائر‬،‫ بوجادي عمر‬-2
.2311 ،‫ تيزي وزو‬،‫جامعة مولود معمري‬
‫" دراسة تحليلية إلختصاصات رئيس‬1129 ‫ نوفمبر‬22 ‫"رئيس الجمهورية في دستور‬،‫ بورايو محمد‬-0
.1181 ،‫ جامعة الجزائر‬،‫ رسالة ماجستير‬،1129 ‫الجمهورية من خالل الدستور الجزائري لسنة‬
‫‪ -9‬تقيدة عبد الرحمان‪ ،‬نظرية الظروف االستثنائية في النظام القانوني الجزائري‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة‬
‫عنابة‪.1183،‬‬
‫‪ -6‬دريسية حسين‪ ،‬حدود سلطة الضبط اإلداري في مواجهة الحرية في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة قالمة‪.2339 ،‬‬
‫‪ -9‬صافي عبد اهلل‪ ،‬سلطات رئيس المجلس الشعبي البلدي في الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬جامعة أم‬
‫البواقي‪.2338 ،‬‬
‫‪ -2‬سحنين أحمد‪ ،‬الحريات العامة في ظل الظروف االستثنائية في الجزائر‪ ،‬جامعة الجزائر‪.2336 ،‬‬
‫‪ -8‬عزوز سكينة‪ ،‬عملية الموازنة بين أعمال الضبط اإلداري والحريات العامة‪ ،‬بحث لنيل شهادة الماجستير‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪ ،‬معهد الحقوق والعلوم اإلدارية‪1113 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬عمور سالمي‪ ،‬الضبط اإلداري البلدي في الجزائر‪،‬رسالة ماجستير‪ ،‬اإلدارية و المالية‪ ،‬معهد العلوم‬
‫القانونية واإلدارية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬جامعة الجزائر‪.1188 ،‬‬
‫‪ -13‬عمورة حكيمة‪ ،‬الضمانات القانونية للملكية العقارية في إطار نزعها للمنفعة العمومية‪ ،‬مذكرة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة باتنة‪ ،‬سنة ‪.2331‬‬
‫‪ -11‬فارة سماح‪ ،‬المسؤولية اإلدارية عن الخطأ المرفقي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قالمة‪.2336 ،‬‬
‫‪ -12‬فاضل إلهام‪ ،‬تنفيذ ق اررات اإللغاء القضائية ‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬مذكرة ماجستيرن جامعة قالمة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪.2336 ،‬‬
‫‪ -10‬قروف جمال‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪،‬جامعة عنابة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪.2339 ،‬‬
‫‪ -19‬قوتال ياسين‪ ،‬الرقابة القضائية على القارات التأديبية في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬جامعة‬
‫عنابة‪.2336 ،‬‬
‫‪ -16‬موالي أسماء‪ ،‬التشريع في ظل الفترة اإلنتقالية الواقعة بين ‪ 1112‬و ‪ ،1119‬مذكرة ماجستير‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪2332 ،‬‬
‫‪ -19‬ناجي هني موسى‪ ،‬طبيعة النظام القضائي الجزائري و مدى فعاليته في مراقبة أعمال اإلدارة‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير في اإلدارة المالية العامة‪ ،‬جامعة الجزائر‪.1186،‬‬

‫ب‪ -‬باللغة الفرنسية‬


‫‪Bouabdellah Mokhtar, L’expérience Algérienne du contentieux administratif,‬‬
‫‪Thèse pour le Doctorat d’Etat en Droit, Faculté de Droit, Université des frères‬‬
‫‪Mentouri Constantine, 13 décembre, 2005.‬‬
‫خامسا‪ :‬األبحاث المتخصصة‬
‫‪ -1‬أبركان فريدة‪ ،‬مدى رقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطني‬
‫لألشغال التربوية‪.1112 ،‬‬
‫‪ -2‬أبركان فريدة( ترجمة عبد العزيز أمقران )‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري على السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬مجلة‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬العدد األول‪.2332،‬‬
‫‪ -0‬أحميد هنية‪ ،‬عيوب القرار اإلداري‪ ،‬مجلة المنتدى القانوني‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪،‬‬
‫بسكرة‪.2338،‬‬
‫‪ -9‬الجمل يحي‪ ،‬رقابة مجلس الدولة على الغلط البين لإلدارة في تكييف الوقائع‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪،‬‬
‫حقوق‪ ،‬العدد ‪ 30‬و ‪ ،39‬القاهرة‪.1122 ،‬‬
‫‪ -6‬العتريس خالد محمد‪ ،‬دور مجلس الدولة المصري في التصدي للمسائل المتعلقة بالوظيفة العامة‪ ،‬عدد‬
‫خاص بمنازعات الوظيفة العمومية‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪.2332،‬‬
‫‪ -9‬الغوثي بن ملحة‪ ،‬أفكار حول اإلجتهاد القضائي‪ ،‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪.2333‬‬
‫‪ -2‬أنسيغة فيصل‪ ،‬رقابة القضاء على ق اررات اإلدارة ودورها في الدفاع على الحريات العامة لألفراد‪ ،‬مجلة‬
‫االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،30‬بسكرة ‪.2339‬‬
‫‪ -8‬بغدادي عزيزة‪ ،‬مراقبة شرعية أعمال المجموعات المحلية من طرف القضاء اإلداري‪ ،‬ملتقى قضاة‬
‫الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطني لألشغال التربوية‪.1112 ،‬‬
‫‪ -1‬بن الطاهر محمد‪ ،‬المادة ‪ 32‬من القانون ‪ 20-13‬وانعكاساتها على القضاء اإلداري‪ ،‬ملتقى قضاة‬
‫الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطني لألشغال التربوية‪.1112 ،‬‬
‫‪ -13‬بن طيفور نصر الدين‪ ،‬الطبيعة القانونية لمجلس الدولة و أثر ذلك على حماية الحقوق والحريات‪،‬‬
‫مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد ‪.2331 ، 31‬‬
‫‪ -11‬بن سهلة بن علي‪ ،‬المجلس الدستوري بين الرقابتين السياسية والقضائية‪ ،‬دراسة مقارنة على ضوء‬
‫التطور الدستوري في الجزائر‪ ،‬مجلة "إدارة" الصادرة عن المدرسة الوطنية لإلدارة‪.2331 ،‬‬
‫‪ -12‬بودريوه عبد الكريم‪ ،‬جزاء مخالفة الق اررات اإلدارية لقواعد المشروعية‪-‬درجات البطالن في الق اررات‬
‫اإلدارية‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العددالخامس‪.2339 ،‬‬
‫‪ -10‬بولحية شهيرة‪ ،‬مدى سلطة القاضي اإلداري على اإلدارة‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪،32‬‬
‫بسكرة‪.2339،‬‬
‫‪ -19‬بيزي لوران (ترجمة محمد عرب صاصيال)‪ ،‬لويس روالن المنظر المنسي للمرفق العام‪ ،‬مجلة القانون‬
‫العام وعلم السياسة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬الجزائرية للكتاب‪. 2339،‬‬
‫‪ -16‬تقية محمد‪ ،‬مبدأ المشروعية ورقابة القضاء على األعمال اإلدارية‪ ،‬ملتقى قضاة الغرف اإلدارية‪،‬‬
‫الديوان الوطني لألشغال التربوية‪.1112،‬‬
‫‪ -19‬جبر محمود سالمة‪ ،‬رقابة مجلس الدولة على الغلط البين في تكييف الوقائع و تقديرها في دعوى‬
‫األلغاء‪ ،‬مجلة هيئة قضايا الدولة‪ ،‬السنة ‪ ،02‬العدد ‪،1‬القاهرة‪ ،‬مارس‪.1110 ،‬‬
‫‪ -12‬حاحا عبد العالي ويعيش أمال‪ ،‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في ظل دستور ‪،1119‬مجلة‬
‫االجتهاد القضائي‪،‬العدد الثاني‪،‬بسكرة‪.‬‬
‫‪ -18‬حاحا عبدالعالي و أمال يعيش‪،‬الرقابة على التناسب‪ ،‬مجلة المنتدى القانوني‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬بسكرة‪.‬‬
‫‪ -11‬حسين محمد عبد الجواد‪ ،‬بين سلطة اإلدارة التقديرية واختصاصها المقيد‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬السنة‬
‫الرابعة‪ ،‬القاهرة‪. 1160،‬‬
‫‪ -23‬خلوفي رشيد‪ ،‬مجلس الدولة‪ ،‬مجلة المدرسة الوطنية لإلدارة‪ ،‬مجلد ‪ ،31‬العدد األول‪.1111 ،‬‬
‫‪ -21‬زروق العربي‪،‬مبدأ الموازنة بين التكاليف و المزايا‪:‬النظرية التقييمية كأسلوب حديث لمراقبة مالءمة‬
‫الق اررات اإلدارية‪،‬مجلة مجلس الدولة‪،‬العدد ‪.38،2339‬‬
‫‪ -22‬زروقي العربي‪،‬التطور القضائي لمجلس الدولة الفرنسي في رقابة السلطة التقديرية لالدارة و مدى تأثر‬
‫القاضي اإلداري الجزائري بها‪،‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد ‪.2330 ،0‬‬
‫‪ -20‬زروقي ليلى ‪،‬صالحيات القاضي اإلداري على ضوء التطبيقات القضائية للغرفة اإلدارية للمحكمة‬
‫العليا‪،‬نشرة القضاة ‪،‬العدد‪.69،1111‬‬
‫‪ -29‬زوينة عبد الرزاق ‪،‬الرأي االستشاري لمجلس الدولة‪:‬والدة كاملة ومهمة مبتورة‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪،‬‬
‫العدد ‪، 1‬سنة ‪. 2332‬‬
‫‪ -26‬شرون حسينة و عبد الحليم بن مشري‪،‬سلطات القاضي اإلداري في توجيه أوامر لإلدارة بين الحظر‬
‫واإلباحة‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‪،‬العدد الثاني‪،‬بسكرة‪.2336،‬‬
‫‪ -29‬عزري الزين‪ ،‬دور القاضي اإلداري في منازعات تراخيص البناء والهدم‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪،‬عدد‬
‫خاص بمنازعات العمران‪.2338،‬‬
‫‪ -12‬عزوز بلقاسم علي‪ ،‬المساواة أمام األعباء العامة‪ ،‬مجلة الحقوق اإلدارية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثانية‪،‬‬
‫الجزائر‪.1111،‬‬
‫‪ -28‬علواش فريد و نبيل قرقور‪ ،‬مبدأ الفصل بين السلطات في الدساتير الجزائرية ‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‬
‫‪ ،‬العدد ‪ ، 39‬بسكرة‪.‬‬
‫‪ -21‬غناي رمضان‪ ،‬عن قابلية خضوع أعمال المجلس الدستوري لرقابة القاضي اإلداري‪-‬تعليق على قرار‬
‫مجلس الدولة الصادر بتاريخ ‪،-2331/11/12‬مجلة مجلس الدولة ‪،‬العدد الثالث‪.2330،‬‬
‫‪ -03‬غناي رمضان‪ ،‬تعليق على قرار عن موقف مجلس الدولة من الرقابة على الق اررات التأديبية الصادرة‬
‫عن المجلس األعلى للقضاء(حالة الغلط الصارخ في التقدير)‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪،‬العدد السادس‪.2336،‬‬
‫‪ -01‬غناي رمضان‪ ،‬قراءة أولية لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪،‬مجلة مجلس الدولة‪،‬العدد‬
‫التاسع‪.2331،‬‬
‫‪ -02‬غناي رمضان‪ ،‬عن موقف مجلس الدولة من نظرية العلم اليقيني‪،‬تعليق على القرار رقم‪:‬‬
‫‪،193632‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد الثاني‪.2332،‬‬
‫‪ -00‬فريجة حسين‪ ،‬السلطة التقديرية و اجتهاد القاضي اإلداري‪،‬مجلة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد‬
‫‪،32‬بسكرة‪.2336،‬‬
‫‪ -09‬فريجة حسين‪ ،‬مسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد الخامس‪.2339 ،‬‬
‫‪ -06‬لعروبي‪ ،‬دعوى اإللغاء أو الطعن بالبطالن‪ ،‬ملتقى الغرف اإلدارية‪ ،‬الديوان الوطني لالشغال التربوية‪،‬‬
‫‪1112‬‬
‫‪ -09‬مفتاح عبد الجليل ومصطفى بخوش‪ ،‬دور القاضي اإلداري وضع القاعدة القانونية أم تطبيقها؟‪ ،‬مجلة‬
‫اإلجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪.2336،‬‬
‫‪ -02‬معاشو عمار‪ ،‬التقاضي في النزاع العقاري أمام القضاء اإلداري‪ ،‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد‪.2339 ،8‬‬
‫‪ -08‬نوح مهند‪ ،‬القاضي االداري واألمر القضائي‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية‪،‬المجلد‬
‫‪ ،23‬العدد الثاني‪.2339 ،‬‬
‫‪ -01‬نويري عبد العزيز‪ ،‬المنازعة اإلدارية في الجزائر‪-‬تطورها و خصائصها‪،-‬مجلة مجلس الدولة‪،‬العدد‬
‫الثامن‪.2339،‬‬
‫سادسا‪ :‬الملتقيات والدوريات‬
‫أ‪ -‬باللغة العربية‬
‫‪ -1‬إقلولي محمد‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة‪ ،‬الملتقى الوطني األول‬
‫حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -2‬تيري أولسون‪ ،‬القضاء اإلداري في أوروبا‪ :‬تقارب أم اختالف؟‪ ،‬يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري‪،‬‬
‫إقامة القضاة‪.2311،‬‬
‫‪ -0‬دريد كمال‪ ،‬الصفات الواجب توافرها في القاضي اإلداري لالضطالع بسلطاته المنوطة به‪ ،‬الملتقى‬
‫الوطني األول حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -9‬عبد الوهاب يمينة‪ ،‬تطور القضاء اإلداري في الجزائر‪ ،‬يوم دراسي حول تطور القضاء اإلداري‪ ،‬إقامة‬
‫القضاة‪.2311 ،‬‬
‫‪ -6‬عمورة حكيمة و مقالتي منى‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري حول تحقق المنفعة العمومية ودورها في حماية‬
‫حقوق المالك‪ ،‬الملتقى الوطني األول حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة‬
‫قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -9‬عيبوط محند وعلي‪ ،‬الضمانات التأديبية في القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬الملتقى الوطني‬
‫األول حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪،‬جامعة قالمة‪.2331،‬‬
‫‪ -2‬فاضل إلهام‪ ،‬سلطات قاضي اإللغاء لضمان تنفيذ أحكامه في التشريعين الفرنسي والجزائري‪ ،‬الملتقى‬
‫الوطني األول حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -8‬فارة سماح‪ ،‬سلطة القاضي اإلداري في تقدير التعويض في دعاوى المسؤولية اإلدارية‪ ،‬الملتقى الوطني‬
‫األول حول سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -1‬مزياني فريدة‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري في رقابة سبب القرار اإلداري‪ ،‬الملتقى الوطني األول حول‬
‫سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قالمة‪.2311 ،‬‬
‫‪ -13‬ميهوب يزيد‪ ،‬الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري‪ ،‬الملتقى الوطني األول حول سلطات‬
‫القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫‪ -11‬نجاح عصام‪ ،‬تنفيذ الق اررات القضائية اإلدارية‪:‬حجية على مقاس اإلدارة؟‪ ،‬الملتقى الوطني األول حول‬
‫سلطات القاضي اإلداري في المنازعات اإلدارية‪ ،‬جامعة قالمة‪.2311،‬‬
‫ب‪ -‬باللغة الفرنسية‬
‫‪Bouabdellah Mokhtar, Le pouvoir du juge statuant en matière administratives à‬‬
‫‪travers le critère organique et les principes constitutionnelles, communication au‬‬
‫‪séminaire national «les autorités du juge administratif », Université de‬‬
‫‪.Guelma,2011‬‬
‫سابعا‪ :‬القواميس‬
‫أ‪-‬باللغة العربية‬
‫‪ -‬لسان العرب البن منظور‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪1.‬‬
‫‪ -2‬الرائد‪/‬جبران مسعود(قاموس لغوي معاصر)‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬بيروت‪.1181،‬‬
‫‪ -0‬أبو إبراهيم الفرابي‪ ،‬ديوان األدب‪ ،‬معجم لغوي تراثي‪ ،‬ترتيب و تحقيق عادل عبد الخيار‬
‫الشاطي‪.2330،‬‬
‫‪ -9‬المنجد األبجدي‪ ،‬صادر عن دار المشرق العربي‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬المؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪،‬الجزائر‪.1189،‬‬
‫‪ -6‬المنجد اإلعدادي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -9‬جيرار كورنو(ترجمة منصور القاضي)‪ ،‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشرو التوزيع‪.‬‬
‫‪ -2‬المنجد في اللغة واألعالم‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1189 ،‬‬
‫‪ -8‬قاموس المعجم الوجيز‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬طبعة و ازرة التعليم بمصر‪.1111 ،‬‬
‫ باللغة الفرنسية‬-‫ب‬
Charle Debbasch ,yves Daudet :Lexique de termes politique, 2 eme -1
édition,Dalloz,Paris,1978.
Ibrahim Dajjar : Nouveau dictionnaire juridique, Liban,2006. -2

3-Paul Robert :Le petit Robert ,Paris.


‫ المواقع االلكترونية‬:‫ثامنا‬
www.ao academy.org. .1
www. Academon.fr .2
www.legjfrance.fr .0
www. arpe- paca.org. .9
www.Fr.wikepedia.org/laresp. De l’ad française. .6
www.fallaitpasfairedudroit.fr. .9
‫الفــهرس‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪(....................................................................................................‬أ‪ -‬و)‬
‫الفصل األول‬
‫ماهية السلطة التقديرية والرقابة القضائية‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية السلطة التقديرية لإلدارة‪00............................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة‪00...........................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف السلطة التقديرية لإلدارة‪02.............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تمييز السلطة التقديرية عن بعض األفكار المتصلة بها‪22...................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أساس السلطة التقديرية لإلدارة و مبرراتها‪95.............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أساس السلطة التقديرية لإلدارة‪95..............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مبررات السلطة التقديرية لإلدارة‪95...........................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حدود السلطة التقديرية لإلدارة‪59............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحدود الخارجية للسلطة التقديرية لإلدارة‪59..................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحدود الداخلية للسلطة التقديرية لإلدارة‪01..................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ماهية الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪09..................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪05..................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪05....................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪05................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقف الفقه من الرقابة القضائية على السلطة التقديرية‪52...............................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الموقف المعارض للرقابة القضائية على السلطة التقديرية‪52................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الموقف المؤيد للرقابة القضائية على السلطة التقديرية‪012.................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪001................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهداف الساكنة‪001.............................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬األهداف المتحركة‪002..........................................................................‬‬
‫خالصة الفصل األول‪001........................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫النظام القانوني للرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‬
‫المبحث األول‪ :‬وسائل الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪000................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الطعن باإللغاء القضائي‪000...................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أوجه المشروعية الخارجية‪021................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أوجه المشروعية الداخلية‪021.................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الطعن بالتعويض‪010..........................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مفهوم الطعن بالتعويض في القرارات التقديرية‪015..........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط الطعن بالتعويض في القرارات التقديرية‪091.........................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أساس الطعن بالتعويض في القرارات التقديرية‪092.........................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساليب الرقابة القضائية على السلطة التقديرية لإلدارة‪091...............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أساليب الرقابة التقليدية‪091...................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬رقابة الوجود المادي للوقائع‪099...............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬رقابة التكييف القانوني للوقائع‪059............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬رقابة التناسب‪009...............................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أساليب الرقابة الحديثة‪059...................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬رقابة الخطأ البين‪059............................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬رقابة الموازنة‪201..............................................................................‬‬
‫خالصة الفصل الثاني‪221.......................................................................................‬‬
‫خاتمة‪220........................................................................................................‬‬
‫قائمة المراجع‪220...............................................................................................‬‬
‫الفهرس‪290-295...............................................................................................‬‬

You might also like