Professional Documents
Culture Documents
صفقات الجماعات الترابية على ضوء القوانين التنظيمية
صفقات الجماعات الترابية على ضوء القوانين التنظيمية
تخت��ار ك��ل دولة من ال��دول �أ�سلوبها في التنظيم الإداري بم��ا يتوافق وظروفه��ا االقت�صادية واالجتماعية
وال�سيا�سي��ة .فتلج���أ في بداية ن�ش�أتها �إلى تبني �أ�سلوب التنظيم المركزي ،باعتباره ي�ساعد الكثير من هذه الدول
على �ضمان وحدة �إقليمها ،غير �أنه في ظل التغييرات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية� ،أ�صبحت هذه الدول
غي��ر ق��ادرة على النجاح في تنفيذ برامجها وم�شاريعها المركزية ((( ،مما فر�ض عليها توزيع اخت�صا�صاتها مع
الجماع��ات الترابي��ة ((( ،ومن نتائج هذا التوزيع لجوء هذه الأخيرة �إلى �آلية ال�صفقات العمومية .والتي يق�صد
بها عقود بعو�ض ،تبرم بين �صاحب م�شروع من جهة و�شخ�ص ذاتي �أو اعتباري من جهة �أخرى ،يدعى مقاوال
�أو موردا �أو خدماتيا وتهدف �إلى تنفيذ �أ�شغال �أو ت�سليم توريدات �أو القيام بخدمات.
((( �أ�صل هذه المقالة مداخلة بندوة« :الجهوية المتقدمة� :أي فاعلين لأية موارد اجتماعية واقت�صادية؟» ،والتي نظمها مركز
تكامل للدرا�سات والأبحاث والمركز الجامعي قلعة ال�سراغنة وم�ؤ�س�سة هان�س �سايدل ،بقاعة الندوات بمنتزه المربوح قلعة
ال�سراغنة ،بتاريخ 12و� 13أبريل .2017
((( �سميرة جيادي ،الحكامة الجيدة وتدبير ال�ش�أن العام المحلي� ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة موالي
�إ�سماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية مكنا�س ،ال�سنة الجامعية � ،2014-2013ص.1 .
((( لقد ا�ستعمل �أهل اللغة كلمة «التراب» ،والترباء للداللة على الأر�ض نف�سها ،وفي اال�صطالح يق�صد به ،الم�ساحة من
الأر�ض التي يعي�ش عليها مجموعة من النا�س ،وفي المعنى االقت�صادي ،ي�أخذ معنى التراب؛ العمل على توزيع الأن�شطة
االقت�صادية وفق مخطط جهوي .و�إذا كان Bertrand Badieقد ت�ساءل عن �إمكانية الحديث عن نهاية للمقاربة الترابية ،ف�إن
التجربة القانونية الفرن�سية ما زالت مت�شبثة بالمفهوم الترابي في توزيع الإمكانات والكفاءات والموارد ،وقد ا�ستعمل
الم�شرع المغربي مفهوم الجماعات الترابية بدل الجماعات المحلية ،بد�ستور ،2011فهذا يحتمل �أن يكون الم�شرع
المغربي قد �أخذ بمفهوم التنمية الترابية والمجالية ،واعتبار المرجعية الترابية كقاعدة لفهم وا�ستيعاب الق�ضايا المحلية ،كما
�أن مفهوم «المحلي» يحيل على القرب ،بينما «الترابي» يتقاطع مع مفهوم الالمركزية� .صالح الن�شاط ،التدبير المالي الترابي
بالمغرب الحكامة ومعالجة االختالفات المالية بالجماعات الترابية ،جامعة الح�سن الأول ،كلية العلوم القانونية واالقت�صادية
واالجتماعية �سطات ،ال�سنة الجامعية � ،2013-2012ص 9 .و.10
عبد الرحيم �أ�ضاوي 184
وتخ�ض��ع �صفق��ات الجماع��ات الترابية ح�س��ب المادة الثانية م��ن مر�سوم ال�صفق��ات العمومية ،لهذا
الأخير ((( ،وذلك في انتظار دخول القانون التنظيمي المحدد للنظام المالي للجهات والجماعات الترابية
الأخرى المن�صو�ص عليه في الف�صل 146من الد�ستور والن�صو�ص المتخذة لتطبيقه حيز التنفيذ.
وف��ي هذا الإطار �صدرت ث�لاث قوانين تنظيمية ((( ،جاءت بمجموعة من الم�ستجدات ((( ،من قبيل
انتق��ال اخت�صا�ص الم�صادقة على �صفقات الجماعات الترابية من �سلطة الو�صاية �إلى ر�ؤ�ساءها ،كما �أ�صبح
ك��ل من ر�ؤ�ساء مجال���س الجهات ،وكذا ر�ؤ�س��اء مجال�س العم��االت والأقاليم� ،آمري��ن بال�صرف بالن�سبة
لجماعته��م الترابية على غرار ر�ؤ�س��اء الجماعات ((( ،هذا بالإ�ضافة �إلى مجموع��ة من الم�ستجدات التي
م�ست المراقبة على �صفقات الجماعات الترابية.
وه��و ما يجعلنا نت�ساءل ،هل يمك��ن الحديث عن حكامة �صفقات الجماعات الترابية في ظل القوانين
التنظيمية؟
لمقاربة هذا المو�ضوع �سيتم تق�سيمه وفق الت�صميم التالي:
– المحور الأول :الوافد الجديد في مجال �صفقات الجماعات الترابية ومطلب الحكامة؛
– المحور الثاني :المراقبة والتدقيق ك�آليتين لعقلنة �صفقات الجماعات الترابية.
المحور الأول
الوافد الجديد في مجال �صفقات الجماعات الترابية ومطلب الحكامة
لق��د عرفت م�ؤ�س�سة رئي���س المجل�س الجماعي تطورات هامة على م��ر مختلف التجارب الجماعية،
تجلت في احتكاره لأغلب ال�سلطات التي جعلته بمثابة الم�س�ؤول الأول وقطب الرحى في الحياة اليومية
داخل الحدود الترابية ،و�إذا كان المغرب قد قطع �أ�شواط كبيرة في جعل هذه الم�ؤ�س�سة تطلع بهذه المهام،
((( مر�سوم رقم � 2.12.349صادر في 8جمادى الأولى 20( 1434مار�س )2013يتعلق بال�صفقات العمومية ،ال�صادر بالجريدة
الر�سمية عدد 6140ال�صادرة بتاريخ 23جمادى الأولى � 4( 1434أبريل � ،)2013ص.3023 .
((( ظهير �شريف رقم � 1.15.83صادر في 20من رم�ضان 7( 1436يوليو ،)2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14
المتعلق بالجهات .والظهير ال�شريف رقم � 1.15.84صادر في 20من رم�ضان 7( 1436يوليو ،)2015بتنفيذ القانون التنظيمي
رقم 112.14المتعلق بالعماالت والأقاليم .والظهير ال�شريف رقم � 1.15.85صادر في 20من رم�ضان 7( 1436يوليو ،)2015
بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات .وقد �صدرت هذه الظهائر بالجريدة الر�سمية عدد ،6380
� 6شوال 23( 1436يوليو ،)2015على التوالي الأول �ص ،6585 .الثاني �ص ،6625 .والأخير المتعلق بالجماعات �ص.6660 .
((( للإطالع على الأ�سباب التي كانت وراء �صدور هذه القوانين التنظيمية و�أهميتها وخ�صائ�صها� ،أنظر عبد الكريم
جالم�« ،أهمية وخ�صائ�ص القوانين التنظيمية للجماعات الترابية» ،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد ،128
ماي-يونيو .2016
((( ن�صت المادة 283من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات على �أنه« :تحل عبارة “الجماعة” محل “الجماعة الح�ضرية”
و“الجماعة القروية” في الن�صو�ص ال�صادرة قبل دخول هذا القانون التنظيمي حيز التطبيق».
ف�إن��ه بالمقابل لم يك�سب الرهان كله في جع��ل الجماعات الترابية الخلية الأولى في تحقيق التنمية ،حيث
�أبان��ت الط��رق التقليدية للت�سيير عن ق�صورها في بلوغ �أهداف التنمية المن�شودة ،وهو ما �أدى �إلى �ضرورة
�إع��ادة النظر ف��ي احتكار ال�سلطة المركزية لتدبي��ر ال�ش�أن العام المحلي ،وفي ه��ذا الإطار جاءت القوانين
التنظيمي��ة الم�شار �إليها �أعاله ،ونقلت لر�ؤ�ساء الجماعات الترابية اخت�صا�ص الم�صادقة على ال�صفقات التي
يبرمونها (ثانيا) ،وكذا اخت�صا�ص «الأمر بال�صرف» بالن�سبة لميزانيات جماعاتهم الترابية (�أوال).
((( الم�صطفى معمر« ،نظام م�س�ؤولية الآمر بال�صرف في الإدارة المالية المحلية» ،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،
عدد ،114يناير-فبراير � ،2014ص.24 .
((( �أنظر المادة 101من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ،المادة من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم،
95
والمادة 94من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
( ((1لقد حلت بموجب القوانين التنظيمية ،م�ؤ�س�سة المدير العام للم�صالح �أو مدير الم�صالح -بح�سب الحال -محل الكاتب
العام بالجماعات ،و�أحدثت م�ؤ�س�سة المدير العام للم�صالح بالن�سبة للجهات ومجال�س العماالت والأقاليم.
يعد المدير العام للم�صالح �أو مدير الم�صالح ع�ضوا �إلزاميا بلجنة طلب العرو�ض �أو المباراة بموجب قرار وزير الداخلية
رقم 3( 218نونبر )2015الذي يق�ضي بتحديد كيفيات ت�أليف لجان طلب العرو�ض المفتوح �أو طلب العرو�ض المحدود �أو
باالنتقاء الم�سبق وكذا لجنة المباراة الخا�صة بالجماعات الترابية.
( ((1يجوز لرئي�س المجل�س ،تحت م�س�ؤوليته ومراقبته� ،أن يفو�ض �إم�ضاءه بقرار �إلى نوابه با�ستثناء الت�سيير الإداري والأمر
بال�صرف.
ويجوز له �أي�ضا �أن يفو�ض لنوابه بقرار بع�ض �صالحياته �شريطة �أن ينح�صر التفوي�ض في قطاع محدد لكل نائب.
-كما يجوز لرئي�س المجل�س ،تحت م�س�ؤوليته ومراقبته� ،أن يفو�ض �إم�ضاءه بقرار في مجال التدبير الإداري للمدير العام
للم�صالح �أو مدير الم�صالح ح�سب الحالة ،كما يجوز له ،باقتراح من المدير العام للم�صالح �أو المدير� ،أن يفو�ض بقرار �إم�ضاءه
�إلى ر�ؤ�ساء �أق�سام وم�صالح �إدارة الجماعة الترابية المعنية.
-يمكن للرئي�س �أي�ضا� ،أن ي�سند ،تحت م�س�ؤوليته ومراقبته� ،إلى المدير العام للم�صالح �أو مدير الم�صالح ح�سب الحالة تفوي�ضا
في الإم�ضاء ،نيابة عنه ،على الوثائق المتعلقة بقب�ض مداخيل الجهة و�صرف نفقاتها.
الموكول��ة �إلي��ه بموجب القان��ون ،والتي تتمثل بالأ�سا�س ف��ي تنفيذ مقررات المجل���س المتعلقة بالجانب
المالي.
لق��د خول اخت�صا�ص «الأمر بال�صرف» بالن�سبة لر�ؤ�ساء الجهات ومجال�س العماالت والأقاليم ،رئا�سة
لجن��ة فتح الأظ��رف وذلك طبقا لقرار وزير الداخلية رقم 218ال�صادر ف��ي 03نونبر .2015كما �أ�صبح من
اخت�صا�صهم؛ �إبرام �صفقات جماعاتهم الترابية (.((1
وفي �إطار حكامة �صفقات الجماعات الترابية ،ن�صت القوانين التنظيمية الخا�صة بالجهات ،العماالت
والأقالي��م والجماع��ات ،عل��ى التوالي المادة ،68الم��ادة 66والمادة ،65يمنع على ك��ل ع�ضو من �أع�ضاء
المجل���س الجماع��ي� ،أن يربط م�صالح خا�ص��ة مع الجماعة الترابية �أو مجموع��ات الجهات �أو العماالت
�أو الأقالي��م �أو الجماعات ح�سب الحالة� ،أو مع مجموع��ة الجماعات الترابية التي تكون الجماعة الترابية
الت��ي ينتم��ي �إليها ع�ضوا فيه� ،أو مع الم�ؤ�س�سات العمومية �أو مع �شركات التنمية التابعة لها� ،أو �أن يبرم معها
�صفقات الأ�شغال �أو التوريدات �أو الخدمات.
(� ((1أنظر المادة 105من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ،المادة 99من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم،
والمادة 98من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
( ((1عبد الرحيم �أ�ضاوي« ،الم�صادقة على �صفقات الجماعات الترابية وق�ضاء الإلغاء» ،مجلة الق�ضاء الإداري ،العدد ،7
�صيف-خريف � ،2015ص.73 .
( ((1قرار لوزير الداخلية رقم 361.0.13ال�صادر بالجريدة الر�سمية عدد ،6214بتاريخ � 15صفر ،1435الموافق لـ 19دجنبر ،2013
�ص.7762 .
�إال �أن تطبي��ق مقت�ضي��ات القرار رقم 361.0.13كان ب�شك��ل م�ؤقت ،في انتظار دخول القانون التنظيمي
المح��دد للنظ��ام المال��ي للجهات والجماع��ات الترابي��ة الأخرى المن�صو���ص عليه في الف�ص��ل 146من
د�ستور 2011والن�صو�ص المتخذة لتطبيقه حيز التنفيذ (.((1
ف��ي هذا الإطار �ص��درت القوانين التنظيمية المتعلق��ة بالجماعات الترابية التي �سبق��ت الإ�شارة �إليها.
خول��ت لر�ؤ�س��اء هذه الأخيرة اخت�صا�ص الم�صادق��ة على ال�صفقات التي يبرمونه��ا ،ون�صت بنف�س العبارة
عل��ى �أن��ه« :ي�ص��ادق رئي�س المجل���س �أو من يفو�ض �إلي��ه ذلك على �صفق��ات الأ�شغ��ال �أو التوريدات �أو
الخدمات (».((1
يهدف هذا المقت�ضى �إلى �إقرار مرونة في الم�ساطر والإجراءات وتو�سيع هام�ش حرية ر�ؤ�ساء الجماعات
الترابي��ة ،وجع��ل م�س�ؤوليتهم �أو�سع في تدبير �ش�ؤون جماعاته��م الترابية دون االختباء وراء �سلطة الو�صاية.
والحد من كلفة الرقابة القبلية وتعوي�ضها بمراقبة تتوخى دعم الإنجازات والفعالية والمرونة (.((1
تج��در الإ�ش��ارة� ،إلى �أنه وخالفا لما كان عليه الأمر �سابقا من خ�لال مقت�ضيات المادة 28من الميثاق
الجماع��ي ل��ـ � 3أكتوبر ،2002والمادة 29من القانون المنظم للعماالت والأقاليم ال�صادر في نف�س التاريخ،
م��ن ا�شتراط م�ستوى نهاي��ة الدرو�س االبتدائية لتول��ي مهمة رئي�س المجل�س الجماع��ي �أو رئي�س مجل�سي
العمال��ة �أو الإقليم ،ل��م ي�شترط الم�شرع المغربي من خالل القوانين التنظيمية الثالث الخا�صة بالجماعات
الترابية �أي م�ستوى ثقافي �أو تعليمي للتر�شح� ،سواء لع�ضوية �أو لرئا�سة مجال�س الجماعات الترابية .ويرجع
�سب��ب التراجع ،ح�س��ب وزارة الداخلية التي �أعدت م�شاريع هذه القواني��ن التنظيمية� ،إلى �ضرورة احترام
المقت�ضيات الد�ستورية ،وال�سيما ما ن�ص عليه الف�صل ( 30الفقرة الأولى)« :لكل مواطنة ومواطن الحق في
الت�صويت ،وفي التر�شح لالنتخابات� ،شرط بلوغ �سن الر�شد القانونية والتمتع بالحقوق المدنية وال�سيا�سية.
وين���ص القانون عل��ى مقت�ضيات من �ش�أنها ت�شجيع تكاف�ؤ الفر�ص بي��ن الن�ساء والرجال في ولوج الوظائف
االنتخابي��ة ».وذل��ك خالفا لما كان ين�ص عليه الد�ستور المراجع ل�سنة ،1996الذي اقت�صر من خالل ف�صله
الثامن (الفقرة الأخيرة) ،بالتن�صي�ص على حق كل مواطن ذكرا �أو �أنثى في �أن يكون ناخبا.
�إن �أول مالحظة يمكن �إثارتها ،هي �أنه �إذا كانت الوظائف ال�سيا�سية للمنتخب قد ال تطرح في حاالت
معينة ومحدودة جدا� ،أي م�شكل �إذا كان المنتخب ال يتوفر على �أي م�ستوى تعليمي �أو ثقافي ،ف�إن التدبير
الإداري لل�ش�ؤون العامة المحلية �أو الوطنية يتطلب ،ال محالة ،التوفر على ر�صيد مهم من المعارف العامة
التقني��ة والقانوني��ة بالإ�ضافة �إلى الت�أهيل ال�سيا�سي .لذل��ك ،وعلى �ضوء ما �سبق ذكره ،كيف يمكن االرتقاء
بالجماع��ات الترابية م��ن و�ضعية الت�سيير �إلى و�ضعية التدبير وتحقيق حكام��ة �سيا�سية و�إدارية كما �شددت
على ذلك القوانين التنظيمية الثالث الم�شار �إليها �أعاله و�أملته المادة 146من د�ستور � ،2011إذا كان رئي�س
الجماعة ال يتوفر على �أي م�ستوى تعليمي؟ هذا مع العلم ب�أن ر�ؤ�ساء الجماعات الترابية يتحملون لوحدهم
كافة الم�س�ؤوليات التنفيذية المنوطة بوحداتهم الترابية ويجمعون بين التقرير والتدبير ،حيث تبقى الإدارة،
ال�سيم��ا بالجماع��ات ،ذات وجود هالمي فح�سب ،وال تتوفر بعد على �أي هيكل تنظيمي �أو اخت�صا�صات
وا�ضحة و�أ�صيلة .في حين تظل المهام التي يمكن �أن ينه�ض بها نواب الرئي�س تمار�س فقط �إذا جاد عليهم
هذا الأخير بتفوي�ض توقيعه �أو تفوي�ض بع�ض �صالحياته والتي ي�ستثنى منها الت�سيير الإداري والمالي .كيف
يمك��ن �أن توك��ل للمنتخب المحلي م�س�ؤولية التدبير في ظل غياب �شرط الم�ستوى التعليمي وفي وقت لم
ي�صل الحقل ال�سيا�سي بعد �إلى م�ستوى الت�أهيل (((1؟
�أ�ض��ف �إل��ى ذلك ،فمن �أجل تو�سيع طرق �إيداع �أظرفة المتناف�سي��ن و�سحبها وفتح العرو�ض وتقييمها،
وم��ن �أجل تنويع و�سائل تبادل المعلوم��ات بين الإدارة والمتناف�سين� ،أعطى قرار 20.14من خالل المادة 4
من ف�صله الأول للإدارة والمتناف�سين الحق في �إبرام ال�صفقات العمومية بطريقة الكترونية ،والتي تهم جميع
ال�صفقات (�أ�شغال – توريدات – خدمات) ،وفي المادة 15من ف�صله الثالث �سمح للإدارة ب�إمكانية اللجوء
�إل��ى المناق�صة الإلكترونية والتي تخ�ص �صفقات التوريدات الجارية فقط .فهل لر�ؤ�ساء الجماعات الترابية
– باعتبارهم ر�ؤ�ساء للجنة طلب العرو�ض �أو المباراة – القدرة على ا�ستيعاب هذه الطريقة (((1؟
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ،ف�إن رئي�س المجل�س الجماعي يعد المحور الأ�سا�سي للعمل الجماعي ،وال�شخ�ص
الرئي�س��ي ف��ي هيكل النظ��ام الجماعي ،والم�س�ؤول عن ت�سيي��ر �ش�ؤون جماعته الترابي��ة في ظل مقت�ضيات
قانوني��ة جعلته ي�ستحوذ على معظم ال�سلطات االقت�صادية واالجتماعية ،فهو الم�س�ؤول والمخطط والمقرر
في �ش�ؤونها وم�شاريعها وبرامجها والمنفذ لها ،ولذلك ف�إن نجاح المجل�س الجماعي يرتبط �إلى حد كبير
بنجاح الرئي�س في مهامه ،ونجاح الرئي�س في مهامه رهين بالإمكانيات الذاتية والب�شرية والمادية..المتاحة
له وللمجل�س ككل.
المحور الثاني
المراقبة والتدقيق ك�آليتين لعقلنة �صفقات الجماعات الترابية
لق��د �أولت القوانين التنظيمية اهتماما خا�صة للمراقب��ة الإدارية ،لكونها ت�شكل تح�صينا لعمل مجال�س
الجماع��ات الترابية من �أي ان��زالق �أو انحراف عن الم�سار ال�صحيح للديمقراطي��ة المحلية التي ت�ستدعي
(� ((1سعيد بـجـو�« ،أ�ضواء نقدية حول طريقة انتخاب مكاتب الجماعات الترابية» ،المجلة المغربية للحكامة القانونية
والق�ضائية ،العدد الأول � ،2016ص.164-163 .
( ((1عبد الرحيم �أ�ضاوي« ،قراءة في القرار رقم 20.14المتعلق بتجريد م�ساطر �إبرام ال�صفقات العمومية من ال�صفة المادية»،
المجلة المغربية للحكامة القانونية والق�ضائية ،العدد الأول� ،2016 ،ص.197 .
توفي��ر ال�ضواب��ط والأخالقيات ،وان�سجاما مع مب��د أ� التدبير الحر المن�صو�ص عليه ف��ي الد�ستور .هكذا تم
ح��ذف مفه��وم الو�صاي��ة وتعوي�ضها بالمراقب��ة الإدارية (�أوال) ،وتعزي��ز المراقبة البعدي��ة للق�ضاء الإداري
والمالي بالإ�ضافة �إلى عقلنة التدقيق(ثانيا).
( ((2ن�صت القوانين التنظيمية على �أن تدبير الجماعات الترابية يرتكز على مبد�أ التدبير الحر( ،المادة 4من القانون التنظيمي
الخا�ص بالجهات ،المادة 3من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم ،المادة 3من القانون التنظيمي المتعلق
بالجماعات) .وخ�ص�صت هذه القوانين التنظيمية ق�سم خا�ص بـ «قواعد الحكامة المتعلقة بح�سن تطبيق مبد�أ التدبير الحر»،
وو�ضعت مجموعة من المقت�ضيات التي يتعين على المجل�س والرئي�س القيام بها ،من �ضمنها اتخاذ الإجراءات الالزمة من
�أجل �ضمان احترام المقت�ضيات المنظمة لل�صفقات.
( ((2ينبغي الإ�شارة �إلى �أن مبد�أ التدبير الحر للجماعات الترابية قد �سبق التن�صي�ص عليه بفرن�سا من خالل د�ستور 1946
(الف�صل ،)87ود�ستور الجمهورية الخام�سة ( 1958الف�صل 34والف�صل ،)72بعبارة مبد�أ حرية �إدارة الجماعات المحلية،
والذي منح للجماعات المحلية حرية �إدارة مجال�سها وفق ال�شروط المحددة في القانون ،وقد كان الجتهادات الق�ضاء
الد�ستوري الفرن�سي �أهمية بارزة في و�ضع الأ�س�س الأولية والنظرية للمبد�أ ،وكذا تحديد م�ضمونه وتو�ضيح مجاله و�ضمان
االلتزام بتطبيقه وحمايته من تدخل الم�شرع� ،أحمد بو�سيدي« ،التدبير الحر للجماعات الترابية» ،المنبر القانوني،
عدد مزدوج 2و� ،3أبريل�/أكتوبر� ،2012 ،ص.197 .
( ((2حنان القادري�« ،أي دور للق�ضاء المالي في تر�سيخ حكامة محلية؟» ،مجلة المنارة للدرا�سات القانونية والإدارية،
العدد التا�سع � ،2015ص.82 .
(� ((2أنظر القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات (المادة ،)224والعماالت والأقاليم (المادة ،)205والجماعات (المادة .)214
�أ�سن��د للق�ض��اء �سلطة عزل �أع�ضاء المجل�س والت�صريح ببطالن م��داوالت المجل�س ووقف تنفيذ المقررات
التي قد ت�شوبها عيوب قانونية.
وف��ي �إط��ار عقلنة منازعات �صفقات الجماعات الترابية ،يعين بقرار لوزير الداخلية وكيل ق�ضائي لهذه
الأخيرة ،يتولى تقديم الم�ساعدة القانونية لها ،وي�ؤهل للترافع �أمام المحكمة المحال �إليها الأمر.
يج��ب �إدخال الوكيل الق�ضائي للجماعات الترابية ،تحت طائلة عدم القبول ،في جميع الدعاوى التي
ت�ستهدف مطالبة الجماعات الترابية ب�أداء دين �أو تعوي�ض ،ويخول له بناء على ذلك� ،إمكانية مبا�شرة الدفاع
عن الجماعات الترابية في مختلف مراحل الدعوى.
ع�لاوة على ذلك ،ي�ؤهل الوكيل الق�ضائي للجماع��ات الترابية للنيابة عن الجماعات الترابية في جميع
الدع��اوي الأخ��رى بتكلي��ف منها ،ويمك��ن �أن تكون خدماته مو�ض��وع اتفاقيات بين��ه وبين الجماعات
الترابية (.((2
لك��ن ما يعاب على الرقابة التي تق��وم بها المجال�س الجهوية للح�سابات والمحاكم الإدارية� ،أن عالقة
التع��اون والتن�سي��ق بين القا�ض��ي المالي والقا�ض��ي الإداري ،تتميز بالقطيع��ة وغياب التن�سي��ق� ،إذ �أ�صبح
بالإمك��ان اعتبار ظاهرة غي��اب التن�سيق� ،سيما �أ�سا�سية من �سمات عمل �أجهزة منظومة االفتحا�ص والرقابة
المالية-الإدارية-الق�ضائي��ة ،وتب��رز هذه الظاهرة من خالل �ضعف الإطار القانون��ي الذي يعمل على �إيجاد
مجال للتعاون والتكامل وتبادل المعلومات بين مختلف الأجهزة االفتحا�صية والرقابية .كما تتميز بتنوع
وتع��دد م�ستويات التداخل والتقاطع في ممار�س��ة االخت�صا�صات والمهام ما بين المحاكم المالية الجهوية
والمحاكم الإدارية.
لذلك بات من ال�ضروري والحتمي و�ضع و�إر�ساء �آليات للتعاون والتن�سيق ما بين النوعين من الأجهزة
المكلفة بحماية و�صيانة الأموال العمومية (.((2
( ((2المادة 242من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ،المادة 212من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم،
المادة 268من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
( ((2ه�شام الح�سكة« ،المحاكم المالية الجهوية و�أنماط الم�ستويات العالقة بالمحيط الرقابي الق�ضائي المغربي» ،المجلة
المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد � ،124شتنبر�-أكتوبر � ،2015ص 281 .و.282
وبالن�سبة للجماعات يتم �إنجاز هذا التقرير �إما من طرف المفت�شية العامة للمالية �أو من طرف المفت�شية
العام��ة ل�ل�إدارة الترابية� ،أو ب�صفة م�شتركة بينهما� ،أو من قبل هيئة للتدقيق يتم انتداب �أحد �أع�ضائها وتحدد
�صالحيتها بقرار م�شترك لل�سلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وال�سلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
و�س��واء تعلق التدقي��ق بالجهة �أو باقي الجماعات الترابية الأخرى ،ينجز له��ذه الغاية تقرير تبلغ ن�سخة
من��ه �إلى رئي�س مجل���س الجهة و�إلى والي الجهة و�إل��ى ال�سلطة الحكومية المكلف��ة بالداخلية هذا بالن�سبة
للجه��ات� ،أم��ا بالن�سبة لباقي الجماعات الترابية الأخرى فتبلغ ن�سخة من��ه �إلى رئي�س المجل�س و�إلى عامل
العمالة �أو الإقليم.
كما يبلغ هذا التقرير �سواء تعلق الأمر بالجهة �أو باقي الجماعات الترابية الأخرى �إلى المجل�س الجهوي
للح�سابات المعني .ويتعين على رئي�س المجل�س تبليغ ن�سخة منه �إلى مجل�س الجماعة الترابية الذي يمكن
له التداول في �ش�أنه دون اتخاذ مقرر.
وتج��ب الإ�ش��ارة كذلك� ،إلى �أن��ه يمكن للجماعات الترابي��ة ودون الإخالل بالمقت�ضي��ات الت�شريعية
والتنظيمي��ة الجاري بها العمل في ميدان المراقبة� ،إخ�ضاع تدبير الجهة وباقي الجماعات الترابية الأخرى
والهيئ��ات التابع��ة لها �أو التي ت�ساهم فيها لعمليات الدقيق ،بما في ذلك عمليات التدقيق المالي ( ،((2وقد
�أعطيت �إمكانية �إخ�ضاع الجماعة الترابية لهذا التدقيق:
– بالن�سبة للجهة :للمجل�س �أو رئي�سه بعد �إخبار والي الجهة �أو بمبادرة هذا الأخير؛
– بالن�سبة لمجال�س العماالت والأقاليم :للمجل�س �أو رئي�سه �أو عامل العمالة �أو الإقليم؛
– بالن�سب��ة للجماع��ات :للمجل���س �أو رئي�سه بعد �إخبار عام��ل العمالة �أو الإقليم �أو م��ن ينوب عنه �أو
بمبادرة من هذا الأخير.
تتول��ى مهم��ة القيام به��ذا التدقيق الهيئات الم�ؤهل��ة قانونا لذلك ،وتوجه وجوبا تقري��را �إلى الوالي �أو
العام��ل ح�سب الحال ،بالإ�ضاف��ة �إلى ذلك توجه مجال�س العماالت والأقاليم هذا التقرير لرئي�س المجل�س
الجهوي للح�سابات.
تبلغ ن�سخة من تقرير هذا التدقيق �إلى �أع�ضاء المجل�س المعني ورئي�سه.
ويجب على رئي�س المجل�س عر�ض تقارير التدقيق على المجل�س بمنا�سبة انعقاد الدورة الموالية لتاريخ
التو�صل بتقرير التدقيق (.((2
( ((2يهتم التدقيق المالي كنوع من �أنواع التدقيق بمدى كون الم�ستندات المالية للمنظمة تعك�س ب�صدق ووفاء و�ضعيتها
المالية ،وذلك في �إطار احترام المبادئ المحا�سبية والمالية المتعارف عليها ،ويهدف المدقق المالي في �إطار تقريره �إما �إلى
قبول �أو رف�ض الك�شوف الح�سابية المعرو�ضة عليه من �أجل مراقبتها و�إعطاء ر�أيه الوا�ضح وال�صريح حول مدى م�صداقيتها
و�شفافيتها .محمد �سكلى ،التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية� ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،
جامعة محمد الخام�س�-أكدال ،كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية ،الرباط ،ال�سنة الجامعية � ،2012-2011ص.378 .
( ((2المادة 248من القانون التنظيمي الخا�ص بالجهات ،المادة 218من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم،
المادة 274من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
نافل��ة القول تج��در الإ�شارة �إلى �أن وزارة الداخلية ،ا�ستنادا لتو�صي��ات مناظرات الجماعات المحلية،
و�إلى ما كانت ت�ستخل�صه من خالل �أعمال المراقبة قد هي�أت ،بمنا�سبة الإعداد لمر�سوم ال�صفقات العمومية
ال�صادر في ،2013مر�سوما خا�صة بالجماعات الترابية ،وكانت تفكر في �إحداث بوابة خا�صة بالجماعات
الترابي��ة نظ��را لخ�صو�صياتها من حيث �ضعف القدرة على التدبير ،و�ضع��ف القدرة على الت�أطير ،ومراعاة
لحج��م ميزاني��ات بع���ض الجماعات الترابي��ة وللم�ستوى التعليم��ي للمنتخبين المحليين .غي��ر �أن معدي
مر�س��وم 2013المتعل��ق بال�صفق��ات العمومية ف�ضلوا – عل��ى الأقل وفي مرحلة انتقالي��ة – توحيد الأحكام
المنظم��ة لل�صفقات العمومية م��ع مراعاة خ�صو�صية الجهات وباقي الجماع��ات الترابية الأخرى ،وذلك
بتخ�صي���ص ب��اب �ضمن هذا المر�سوم يتعلق ب�صفقات هذه الوحدات الترابية ويجيب عن الإ�شكاليات التي
�أفرزته��ا الممار�سة العملية للجماعات الترابية وال�صعوبات الت��ي واجهتها في ظل تطبيق المرا�سيم ال�سابقة
المنظمة لل�صفقات العمومية (.((2
ه��ذا بالإ�ضاف��ة �إلى تن�صي�ص المادة الثانية م��ن مر�سوم ال�صفقات العمومية الم�ش��ار �إليه �أعاله على �أنه:
«وب�صفة انتقالية وفي انتظار دخول القانون التنظيمي المحدد للنظام المالي للجهات والجماعات الترابية
الأخرى المن�صو�ص عليه في الف�صل 146من الد�ستور والن�صو�ص المتخذة لتطبيقه حيز التنفيذ ،يحدد هذا
المر�س��وم �أي�ضا ال�ش��روط والأ�شكال التي تبرم وفقها �صفقات الأ�شغ��ال والتوريدات والخدمات لح�ساب
الجهات والعماالت والأقاليم والجماعات».
وف��ي ه��ذا الإطار �صدرت ثالث قوانين تنظيمية مت�شابهة ف��ي �أغلب محتوياتها ،بل تجد �أغلب المواد
تم نقلها حرفيا ،وذلك بدل قانوني واحد كما ن�ص الف�صل 146من الد�ستور وت�أكيده بالمادة الثانية �أعاله.
كما قامت بالتن�صي�ص على بع�ض المقت�ضيات المنظمة ل�صفقات الجماعات الترابية ثم �أحالت هي بدورها
على منظومة ال�صفقات العمومية ،هكذا فقد ن�صت ...« :في �إطار احترام المبادئ التالية:
– حرية الولوج �إلى الطلبية العمومية؛
– الم�ساواة في التعامل مع المتناف�سين؛
– �ضمان حقوق المتناف�سين؛
– ال�شفافية في اختيارات �صاحب الم�شروع؛
– قواعد الحكامة الجيدة.
وتبرم ال�صفقات المذكورة وفق ال�شروط وال�شكليات المن�صو�ص عليها في الن�صو�ص التنظيمية المتعلقة
بال�صفقات العمومية (».((2
( ((2محمد باهي ،منازعات ال�صفقات العمومية للجماعات الترابية �أمام المحاكم الإدارية ،الجزء الأول ،مطبعة النجاح
الجديدة الدار البي�ضاء ،طبعة � ،2015ص.12 .
( ((2المادة 223من القانون التنظيمي الخا�ص بالجهات ،المادة 201من القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت والأقاليم،
المادة 210من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.