Professional Documents
Culture Documents
4 6014945528742154553
4 6014945528742154553
ﻗﺳم اﻟﺣﻘوق
2020 -2019
1
ﻣﻘدﻣـﺔ:
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻗد ﺗرﺗﻛب ﻣن طرف ﺷﺧص واﺣد ﻓﯾﺳﻣﻰ ﻓﺎﻋﻼ ﻟﻬﺎ ،و ﻗد ﺗرﺗﻛب ﻣن ﻋدة
أﺷﺧ ـﺎص و ﺗﻛون ﻣﺷروﻋـ ـ ـﻬم اﻹﺟ ـ ـ ـراﻣﻲ ﻓﯾﺳﻣون ﻣﺳـﺎﻫﻣﯾن ﻓـﯾ ـﻬﺎ و ﻟ ـ ـذا ﯾﻛوﻧون ﺟﻣﯾ ـﻌﺎ ﻓﺎﻋﻠﯾـ ـ ـ ـن،
و اﻟﻣﺗﻔﺣص ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻌﻘﺎﺑﯾﺔ ﯾﺟد أﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟﺟراﺋم ﺗﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل اﻟواﺣد ﻟﺗﺣﻘﯾق
و ﻟﻛن ﺑﻌض اﻷﺣﯾﺎن ﯾﺗطﻠب اﻟﻣﺷرع ﻟﻘﯾﺎم اﻟرﻛن اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ وﺟود ﻋدد ﻣن
اﻷﺷﺧﺎص ،ﻓﺎﻟﻔﺎﻋل اﻟواﺣد ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻧﻣوذﺟﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﺟرﯾﻣﺔ ﺣرﻛﺎت
اﻟﺗﻣرد اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة 88ﻣن ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت ،و اﻟﺗﺟﻣﻬر اﻟﻣﺳﻠﺢ ﻓﻲ اﻟطرﯾق اﻟﻌﺎم
اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة 97ﻣن ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت ،و ﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻛوﯾن ﺟﻣﻌﯾﺔ أﺷرار اﻟﻣﻧﺻوص
ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة 176ﻣن ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت ،و ﻓﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺟراﺋم اﻷﺧﯾرة ﯾﻛون اﻟﺗﻌدد ﺿرورﯾﺎ
ﻟﻘﯾﺎم اﻟﺟرﯾﻣﺔ و اﻹﺷﻛﺎل ﻻ ﯾﺛور ﻓﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻷﺣوال ﻷن اﻟﻣﺷرع ﺑﺻرﯾﺢ اﻟﻠﻔظ اﺷﺗرط ﻫذا اﻟﺗﻌدد
ﻣن ﺟﻬﺔ و وﺻﻔﻬم ﺑﺎﻟﻣﺳﺎﻫﻣﯾن أو اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،و ﻟﻛن اﻹﺷﻛﺎل ﯾﺛور ﻓﻲ اﻟﺟراﺋم اﻟﺗﻲ
اﻛﺗﻔﻰ اﻟﻣﺷرع ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل اﻟواﺣد ،واﻣﺗدت ﯾد اﻟﻐﯾر إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻔﺎﻋل ﻓﺳﺎﻋدﺗﻪ ﻋﻧد ﻗﯾﺎﻣﻪ ﺑﺎرﺗﻛﺎب
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺎدﯾﺎﺗﻬﺎ ،و ﻓﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻗد ﺗﺗﻣﺎﺛل أدوار اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﯾن و ﻗد ﺗﺧﺗﻠف ،و ﻗد
ﺗﻘﺗرب ﻣن اﻟرﻛن اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ و ﻗد ﺗﺑﺗﻌد ﻋﻧﻪ ،و ﻫﻧﺎ ﻧطرح اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ :ﻫل ﯾﻌﺎﻣﻠون ﺟﻣﯾﻌﺎ
إن اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋن ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﻛون ﺿﻣن ﻣﺳﻣﻰ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ،و ﺗﺳﺗدﻋﻲ دراﺳﺔ
2
ﻧﺗﻧﺎول أوﻻ ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ و ﺗطورﻫﺎ ،ﺛم أﻧواع اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،و أﺧﯾ ار
ﻧﺗﻌرض ﻟﻣﺎ ﻗررﻩ اﻟﻣﺷرع ﻣن ﻋﻘﺎب ﻟﻠﻣﺗدﺧﻠﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻘﺎب ﻟﻠﻔﺎﻋل
3
اﻟﻔﺻل اﻷول :ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ و ﺗطورﻫﺎ
ﻧﺗﻧﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔﺻل ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ وﺷروطﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺣث اﻷول ،و ﻓﻲ
ﻗﺑل أن ﻧﺑﺣث ﻋن ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ و ﺷروطﻬﺎ وﺟب ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧﻌرف اﻟﺟرﯾﻣﺔ و
ﻧﻔﺳر ظواﻫرﻫﺎ ) اﻟﻣطﻠب اﻷول ( ﺛم ﻧﻌرف اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ) اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻧﻲ( و ﻧﺗطرق
ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣطﻠب ﻧﺗﻧﺎول ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾل ﺗﻌرﯾف اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣن ﻣﺧﺗﻠف اﻟزواﯾﺎ ،ﺛم ﻧﺗطرق ﻟﺗﻔﺳﯾر
إن اﻟﻘـ ـواﻧﯾن و اﻟﺗﺷـ ـرﯾﻌﺎت ﻟ ــم ﺗﻌ ــرف اﻟﺟرﯾﻣ ــﺔ و ﺗرﻛـ ـت ذﻟ ــك ﻟﻠﻔﻘ ــﻪ اﻟ ــذي أﺧﺗﻠ ــف ﻓ ــﻲ وﺿ ــﻊ
ﺗﻌرﯾف ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ و اﻗﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟزاوﯾﺔ اﻟﻣﻧظور ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﺣدﯾد ،ﻷﻧﻪ ﺣﻘﯾﻘـﺔ ﻻ ﯾﻣﻛـن أن ﻧﺻـل إﻟـﻰ
و ﻻ ﯾﺧﻠــو اﻟﺗﻌرﯾــف ﺑﺎﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﻣــن أﻫﻣﯾــﺔ ﻓﻬــو أول ﺧطــوة ﻓــﻲ طرﯾــق اﻹﺣﺎطــﺔ ﺑﻬــﺎ ،ﻛﻣــﺎ أن
ﺣﺳن إدراك ﺗﻌدد اﻟﺗﻌﺎرﯾف و ﻓﻬﻣﻬﺎ ﻫو ﻣﺳﻠك ﯾوﺿﺢ اﻟرؤﯾﺔ و ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﻣن ﻓﻬم ﻣﻌﺎﻟﻣﻬﺎ.
ﻛﻠﻬ ــﺎ ،وﯾﺳ ــﺗوﻓﻲ و اﻟﺣﻘﯾﻘ ــﺔ أﻧ ــﻪ ﯾﻣﻛﻧﻧ ــﺎ ﺣﺻ ــر ﺑﻌ ــض اﻟﺗﻌ ــﺎرﯾف ﺑﺣﯾ ــث ﯾﻐﻧ ــﻲ ﻋ ــن ذﻛرﻫ ــﺎ
4
أوﻻ :اﻟﺗﻌرﯾف اﻟﻠﻐوي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ
أﺻــل ﻛﻠﻣــﺔ ﺟرﯾﻣــﺔ ﻣــن ﺟــرم ﺑﻣﻌﻧــﻰ ﻛﺳــب وﻗطــﻊ 1واﻟﺟــرم ﺑﻣﻌﻧــﻰ اﻟﺣــر ،وﻗﯾــل أﻧﻬــﺎ ﻛﻠﻣــﺔ
ﻓﺎرﺳــﯾﺔ ﻣﻌرﺑــﺔ 2واﻟﺟــرم :ﻣﺻــدر اﻟﺟــﺎرم اﻟــذي ﯾﺟــرم ﻧﻔﺳــﻪ وﻗوﻣــﻪ ﺷ ـ ار ﻛﻣــﺎ ﺗﻌﻧــﻲ اﻟﺗﻌــدي واﻟــذﻧب،3
ﻓﺎﻟﺟرﯾﻣﺔ و اﻟﺟﺎرم ﺑﻣﻌﻧـﻰ اﻟﻛﺎﺳـب وأﺟـرم ﻓـﻼن أي اﻛﺗﺳـب اﻹﺛـم .4ﻛﻣـﺎ ﺗﻌﻧـﻲ ﻣـﺎ ﯾﺄﺧـذﻩ اﻟـواﻟﻲ ﻣـن
اﻟﻣــذﻧب ، 5و رﺟــل ﺟـرﯾم واﻣـرأة ﺟرﯾﻣــﺔ أي ذات ﺟــرم أي ﺟﺳــم ،وﺟــرم اﻟﺻــوت :ﺟﻬﺎرﺗــﻪ ،ﺗﻘــول :ﻣــﺎ
وﻋﻠﻰ ﻫذا ﺗﻛون اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ :ﻛﺳب ﻟذﻧب ﯾﻘﺗطـﻊ ﺑـﻪ اﻟﻣﺟـرم ﺣﻘـﺎً ﻣـﺎ ،وﯾﻘطـﻊ ﺑـﻪ اﻷﻣـن
1
-اﻹﻣـﺎم ﻣﺣﻣــد أﺑـو زﻫـرة ،اﻟﺟرﯾﻣـﺔ واﻟﻌﻘوﺑــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻔﻘـﻪ اﻹﺳــﻼﻣﻲ ـ اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ،دار اﻟﻔﻛــر اﻟﻌرﺑـﻲ ،اﻟﻘــﺎﻫرة ،ﻣﺻــر،
.1998ص.19.
2
-إﺳـﻣﺎﻋﯾل ﺑـن ﺣﻣـﺎد اﻟﺟـوﻫري ،اﻟﺻـﺣﺎح ﺗـﺎج اﻟﻠﻐـﺔ وﺻـﺣﺎح اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ،ج ،5ط ،4دار اﻟﻌﻠـم ﻟﻠﻣﻼﯾـﯾن ،ﺑﯾـروت،
ﻟﺑﻧﺎن .1987 ،ص.1885.
3
-اﺑن ﻣﻧظور ،ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ،ج ،7ط ،3طﺑﻌﺔ دار إﺣﯾﺎء اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن .1999 ،ص.91.
4
-ﻣﺣﻣد ﺑن أﺣﻣـد ﺑـن أﺑـﻲ ﺑﻛـر ﺑـن ﻓـرح اﻟﻘرطﺑـﻲ ،ﺗﻔﺳـﯾر اﻟﻘرطﺑـﻲ ،ج ، 6ط ، 2دار اﻟﺷـﻌب ،اﻟﻘـﺎﻫرة ،ﻣﺻـر،
.1952ص.45.
5
-ﺑطــرس اﻟﺑﺳــﺗﺎﻧﻲ ،ﻣﺣــﯾط اﻟﻣﺣــﯾط ﻗــﺎﻣوس ﻣط ـول ﻟﻠﻐــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ،طﺑﻌــﺔ ﺟدﯾــدة ،ﻣﻛﺗﺑــﺔ ﻟﺑﻧــﺎن ،ﺑﯾــروت ،ﻟﺑﻧــﺎن.
.1983ص.104.
6
-اﻟﺧﻠﯾل ﺑن أﺣﻣد اﻟﻔراﻫﯾدي ،ﻛﺗﺎب اﻟﻌﯾن ،ج ،6ط ،2ﻣؤﺳﺳﺔ دار اﻟﻬﺟرة .1988 ،ص.118.
7
-ﻣﺣب اﻟدﯾن اﻟﻔﯾروزأﺑﺎدي ،اﻟﻘﺎﻣوس اﻟﻣﺣـﯾط ،ط ،2دار اﻟﻛﺗـب اﻟﻌﻠﻣﯾـﺔ ،ﺑﯾـروت ،ﻟﺑﻧـﺎن .2007 ،ص .88.ﻣﺣـب
اﻟدﯾن أﺑﻰ اﻟﻔﯾض اﻟﺳـﯾد ﻣﺣﻣـد ﻣرﺗﺿـﻰ اﻟﺣﺳـﯾﻧﻲ اﻟﺣﻧﻔـﻲ ،ﺗـﺎج اﻟﻌـروس ﻣـن ﺟـواﻫر اﻟﻘـﺎﻣوس ،ج ، 9ﻣﻛﺗﺑـﺔ اﻟﺣﯾـﺎة،
ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن .ص ، 341.ﺑطرس اﻟﺑﺳﺗﺎﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق .ص.104.
5
ﺛﺎﻧﯾﺎ :اﻟﺗﻌرﯾف اﻻﺻطﻼﺣﻲ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ
ﻋرﻓت اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣن زاوﯾﺎ ﻣﺗﻌددة و ﻣن ﺗﺧﺻص ﻵﺧر ،ﻧﺗﻧﺎول ﻛل ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ:
ﻓﻔﻲ اﺻطﻼح ﻋﻠﻣـﺎء اﻻﺟﺗﻣـﺎع ﻋرﻓـت اﻟﺟرﯾﻣـﺔ ﺑﺄﻧﻬـﺎ ﻛـل ﻓﻌـل ﯾﻌـود ﺑﺎﻟﺿـرر ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ
وﯾﻌﺎﻗــب ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻘــﺎﻧون ،1وﺟــﺎء ﺗﻌرﯾــف اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣوﺳــوﻋﺔ ﺑﺄﻧﻬــﺎ "ﺧــرق ﻟﻠﻘواﻋــد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ وﻓﻌــل
ﯾﻌـد ﺿـﺎ ار ﺑﺎﻟﺟﻣﺎﻋـﺔ وﻻﺧــﺗﻼف اﻟﺣﺿـﺎرات ﻓـﻲ اﻟﺗﻧظــﯾم واﻟﻘـﯾم ﯾﺧﺗﻠـف ﻣـﺎ ﯾﻌــد ﺟرﻣـﺎً " 2وﻫـذا اﻟﺗﻌرﯾــف
ﻧوﻩ ﻓﯾﻪ واﺿﻌﻪ إﻟﻰ ﻋدم إﻣﻛﺎن ﺗﺣدﯾد ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺟراﺋم أو وﺿـﻊ ﺗﻌرﯾـف دﻗﯾـق ﻟﻬـﺎ ،ﻟﺗﻌـدد اﻟﺛﻘﺎﻓـﺎت واﻟﻘـﯾم
واﻟﻧظم اﻟﺗﻲ ﯾﺧﺗﻠف ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻌد ﺟرﯾﻣﺔ وﻣﺎ ﻻ ﯾﻌد ﺟرﯾﻣﺔ ،وﯾﻼﺣـظ أﻧـﻪ ﺟﻌـل ﻣـن اﻟﻣوﺿـوﻋﯾﺔ أﺳﺎﺳـﺎ
ﻟﺗﻌرﯾﻔﻪ.
و ﻫﻲ ظﺎﻫرة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣن ظواﻫر اﻟﺳﻠوك اﻹﻧﺳـﺎﻧﻲ اﻟﻣﻧﺣـرف ﻋـن اﻟﻘواﻋـد ﺗواﺿـﻌت ﻋﻠﯾﻬـﺎ
و اﻟﺟرﯾﻣـﺔ ﺳـﻠوك ﺗﺣرﻣـﻪ اﻟدوﻟـﺔ ﻟﻣـﺎ ﯾﺗرﺗـب ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن ﺿـرر ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ واﻟـذي ﺗﺗـدﺧل
ﻟﻣﻧﻌﻪ وﻛﻔﻪ ﺑﻌﻘﺎب ﻣرﺗﻛﺑﯾﻪ 4وﻗد ﺟﻣﻊ ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﯾن ﻛل ﻣن اﻟﺑﻌد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ.
ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ.
1
-أﺣﻣد زﻛﻲ ﺑدوي ،ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن) .ب.س.ن(.
2
-ﻋﺑد اﷲ ﺑن اﻟﺷﯾﺦ ﻣﺣﻣـد اﻷﻣـﯾن ﺑـن ﻣﺣﻣـد ﻣﺧﺗـﺎر اﻟﺷـﻧﻘﯾطﻲ ،ﻋـﻼج اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ﻟﻠﺟرﯾﻣـﺔ ،ط ،1ﻣطﺑﻌـﺔ أﻣـﯾن
ﻣﺣﻣــد ﺳــﺎﻟم ،اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻟﺳــﻌودﯾﺔ .1992 ،ص .17.ﻣﺣــﯾﻼً إﻟــﻰ اﻟﻣوﺳــوﻋﺔ اﻟﻣﯾﺳ ـرة ،دار اﻟﺷــﻌب و ﻣؤﺳﺳــﺔ ﻓ ـراﻧﻛﻠﯾن
ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ﻣﺻر ).ب.س.ن( .ص.626.
3
-ﻋﺑداﷲ ﺑـن اﻟﺷـﯾﺦ اﻟﺷـﻧﻘﯾطﻲ ،ﻣرﺟـﻊ ﺳـﺎﺑق .ص .17 .ﻣﺣـﯾﻼ إﻟـﻰ ﺑﺣـث ﻓـﻲ اﻟﺧطـوط اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟوﻗﺎﯾـﺔ
ﻣن اﻹﺟرام ﻓﻲ اﻟدول اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،رﻗم ،14ﺑﻐداد.1969 ،
4
- E Sutherland, White Collar Crime (New York, Dryden Press, 1949), p.31.
6
ب -اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ
أﻣــﺎ إﺻــطﻼح اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻔﻘــﻪ اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻓﻬــﻲ ﻣﺣظــورات ﺷــرﻋﯾﺔ زﺟــر اﷲ ﻋﻧﻬــﺎ ﺑﺣــد أو
ﺗﻌزﯾــر ،1وﻟﻬــﺎ ﻋﻧــد اﻟﺗﻬﻣــﺔ ﺣــﺎل اﺳــﺗﺑراء ﺗﻘﺗﺿــﯾﻪ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟدﯾﻧﯾــﺔ ،وﻟﻬــﺎ ﻋﻧــد ﺛﺑوﺗﻬــﺎ وﺻــﺣﺗﻬﺎ ﺣــﺎل
اﺳــﺗﯾﻔﺎء ﺗوﺟﺑــﻪ اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﺷــرﻋﯾﺔ 2ﺗﺣﻘﯾﻘــﺎً ﻟﻣﺻــﻠﺣﺔ اﻟﻔــرد واﻟﺟﻣﺎﻋــﺔ .وﻫــذا اﻟﺗﻌرﯾــف ﯾﺷــﻣل اﻟﺟرﯾﻣــﺔ
اﻻﯾﺟﺎﺑﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗـﺗم ﺑﺈﺗﯾـﺎن ﻓﻌـل ﻣﺣظـور ﻛﻣـﺎ ﯾﺷـﻣل ﻋﻠـﻰ اﻟﻔﻌـل اﻟﺳـﻠﺑﻲ اﻟـذي ﯾـﺗم ﺑﺎﻻﻣﺗﻧـﺎع ﻋـن ﻓﻌـل
ﻛﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﻓﻌل أو ﺗرك ﻧﺻت اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾﻣﻪ واﻟﻌﻘﺎب ﻋﻠﯾﻪ ،وﯾﺗﺑﯾن ﻣن ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف
أن اﻟﻔﻌل أو اﻟﺗرك ﻻ ﯾﻌﺗﺑر ﺟرﯾﻣﺔ إﻻ إذا ﺗﻘررت ﻋﻠﯾﻪ ﻋﻘوﺑﺔ ،ﻓﺈن ﻟم ﺗﻛن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل أو اﻟﺗرك
ﻋﻘوﺑﺔ ﻓﻠﯾس ﺑﺟرﯾﻣﺔ .4واﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻹﺳـﻼم ﺗﻌﻧﻲ ﻓﻌل ﻣﺎ ﻧﻬﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﻋﺻﯾﺎن ﻣﺎ أﻣر اﷲ
6
،وﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﻋﺎم ﺑﺣﯾث ﯾﺷﻣل ﺑﻪ ، 5أو ﺑﻌﺑﺎرة أﻋم ﻫﻲ ﻋﺻﯾﺎن ﻣﺎ أﻣر اﷲ ﺑﻪ ﺑﺣﻛم اﻟﺷرع
اﻟﺟرﯾﻣﺔ اﻟﻣﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾﻬﺎ دﻧﯾوﯾﺎ ﻣن ﻗﺑل اﻟﺣﺎﻛم ،ﻛﻣﺎ ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘوﺑﺎت
1
-اﻹﻣﺎم ﻣﺣﻣد أﺑو زﻫرة ،اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق .ص.26 .
- 2أﺑـو اﻟﺣﺳـن ﻋﻠـﻲ ﺑـن ﻣﺣﻣـد ﺣﺑﯾـب اﻟﺑﺻـري اﻟﻣـﺎوردي ،اﻷﺣﻛـﺎم اﻟﺳـﻠطﺎﻧﯾﺔ واﻟوﻻﯾـﺎت اﻟدﯾﻧﯾـﺔ ،ط ، 1دار اﻟﻔﻛـر
اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ﻣﺻر .1983 .ص 189 .؛ و ﻛذﻟك :أﺑﻲ ﯾﻌﻠﻰ ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳـﯾن اﻟﻔـراء ،اﻷﺣﻛـﺎم اﻟﺳـﻠطﺎﻧﯾﺔ ،ط
،1دار اﻟﻛﺗب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن .1983 ،ص.257.
- 3واﻟﻣﺣظورات ﻫﻲ :إﺗﯾﺎن ﻓﻌل ﻣﻧﻬﻲ ﻋﻧﻪ ،أو ﺗرك ﻓﻌل ﻣﺄﻣور ﺑﻪ ،وﻗد وﺻﻔت اﻟﻣﺣظورات ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺷرﻋﯾﺔ ،إﺷﺎرة
إﻟﻰ أﻧﻪ ﯾﺟب ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ أن ﺗﺣظرﻫﺎ اﻟﺷرﯾﻌﺔ.
- 4اﻧظــر :ﻋﺑــد اﻟﻘــﺎدر ﻋــودة ،اﻟﺗﺷ ـرﯾﻊ اﻟﺟﻧــﺎﺋﻲ اﻹﺳــﻼﻣﻲ ،ج ،1ط ،5ﻣؤﺳﺳــﺔ اﻟرﺳــﺎﻟﺔ ،ﺑﯾــروت ،ﻟﺑﻧــﺎن.1984 ،
ص.33.
5
-ﻋﺑــداﻟﻔﺗﺎح ﺧﺿــر ،اﻟﺟرﯾﻣــﺔ أﺣﻛﺎﻣﻬــﺎ اﻟﻌﺎﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة واﻟﻔﻘــﻪ اﻹﺳــﻼﻣﻲ ،ﻣطﺑﻌــﺔ ﻣﻌﻬــد اﻹدارة
اﻟﻌﺎﻣﺔ ،اﻟرﯾﺎض .1985 ،ص.12.
6
-اﻹﻣﺎم ﻣﺣﻣد أﺑوزﻫرة ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق .ص.22.
7
اﻟﺗﻛﻠﻔﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻛون ﻛﻔﺎرة ﻟﻺﺛم ،ﺑﺟﺎﻧب اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣؤﺟﻠﺔ ﻟﯾوم اﻟﺣﺳﺎب ﻋﻧد رب
اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن.
و اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻫﻲ إﺗﯾﺎن ﻓﻌل ﻣﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾﻪ أو ﺗرك ﻓﻌل ﻣﺄﻣور ﺑﻪ وﻣﻌﺎﻗب ﻋﻠﻰ ﺗرﻛﻪ ﺑﺣد أو
ﺗﻌزﯾر .1ﯾﻼﺣظ أن واﺿﻊ ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﻗد ﺣﻛﻣﻪ ﺑﺿواﺑط إﺳﻼﻣﯾﺔ ﺣﯾث اﺳﺗﺧدم ﺗﻌﺑﯾري اﻟﺣد و
اﻟﺗﻌﺎزﯾر ،وﻫﻲ ﻣﺻطﻠﺣﺎت إﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﻘوﺑﺎت أي أن اﻟﺿﺎﺑط اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﺗﻌرﯾﻔﻪ ﻫو اﻟﻌﻘﺎب
وﻋرﻓﻬﺎ ﺟﺎﻧب ﻣن اﻟﻔﻘﻪ ﺑﺄﻧﻬﺎ اﻟواﻗﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺗﻛـب إﺿـ ار ار ﺑﻣﺻـﻠﺣﺔ ﺣﻣﺎﻫـﺎ اﻟﻣﺷـرع ﻓـﻲ ﻗـﺎﻧون
اﻟﻌﻘوﺑــﺎت ورﺗــب ﻋﻠﯾﻬــﺎ أﺛ ـ ار ﺟﻧﺎﺋﯾــﺎ ﻣﺗﻣــﺛﻼً ﻓــﻲ اﻟﻌﻘوﺑــﺔ ، 2ﯾﻼﺣــظ ﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻟﺗﻌرﯾــف أﻧــﻪ أﺷــﺗﻣل ﻓﻘــط
ﻋﻠــﻰ اﻷﻓﻌــﺎل اﻟﻣﻌﺎﻗــب ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺑﻣوﺟــب ﻗــﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑــﺎت ﻓــﻲ ﺣــﯾن أن ﻫﻧــﺎك ﻗـواﻧﯾن أﺧــرى ﺗﺟــرم ﺑﻌــض
اﻷﻓﻌــﺎل وﺗﺿــﻊ ﻟﻬــﺎ ﻋﻘوﺑــﺔ ﻣﻘــدرة ﻣﺛــل ﻗــﺎﻧون اﻟﺟﻣــﺎرك وﻏﯾ ـرﻩ ﻣــن اﻟﻘ ـواﻧﯾن اﻟﺧﺎﺻــﺔ أي إن اﻟﺗﻌرﯾــف
ﺷـﻣل ﻓﻘـط اﻟﺟـراﺋم اﻟﺟﻧﺎﺋﯾـﺔ اﻟﻣﻧﺻـوص ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻓـﻲ ﻗـﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑـﺎت "اﻟﺟﻧـﺎﺋﻲ" وأﻫﻣﻠـت اﻟﺟـراﺋم اﻟﻣدﻧﯾـﺔ
واﻟﺟـ ـراﺋم اﻹدارﯾ ــﺔ واﻟﺗﺄدﯾﺑﯾ ــﺔ .وﻋرﻓ ــت ﻛ ــذﻟك ﺑﺄﻧﻬ ــﺎ إﺗﯾ ــﺎن ﻓﻌ ــل ﻣﺣ ــرم ﻣﻌﺎﻗ ــب ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻌﻠ ــﻪ أو ﺗرﻛ ــﻪ،3
وﯾﻼﺣظ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف اﻋﺗﻣﺎدﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘوﺑﺔ واﻟﺗﺟرﯾم وﺟﻌﻠﻪ أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﺗﻌرﯾف.
1
-ﻣﻌﺟـب ﺑــن ﻣﻌــدي اﻟﺣوﯾﻘــل اﻟﻌﺗﯾﺑــﻲ ،ﺣﻘــوق اﻟﺟــﺎﻧﻲ ﺑﻌــد ﺻــدور اﻟﺣﻛــم ﻓــﻲ اﻟﺷـرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ،ط ،1ﻣطﺑﻌــﺔ
ﺳﻔﯾر ،اﻟرﯾﺎض ،اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺳﻌودﯾﺔ .1992 ،ص.17.
2
-ﻣﺄﻣون ﻣﺣﻣد ﺳﻼﻣﺔ ،ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻘﺳم اﻟﻌﺎم ،دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻣﺻر .1979 ،ص.84.
3
ﻟﻠﻘــﺎﻧون اﻟﺟﻧــﺎﺋﻲ اﻟﺳ ــوداﻧﻲ ﻟﺳــﻧﺔ 1991م ،ط ، 6دار وﻣطﺑﻌــﺔ اﻟﻬ ــﻼل -ﯾــس ﻋﻣــر ﯾوﺳ ــف ،اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ
ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن .2004 ،ص.81.
8
وﻋرﻓﻬــﺎ ﻣﺣﻣ ــد ﻧﺟﯾــب ﺣﺳ ــﻧﻲ ﺑﺄﻧﻬــﺎ ﻓﻌ ــل ﻏﯾــر ﻣﺷ ــروع ﺻــﺎدر ﻋ ــن إرادة ﺟﻧﺎﺋﯾــﺔ ﯾﻘ ــرر ﻟﻬ ــﺎ
اﻟﻘــﺎﻧون ﻋﻘوﺑــﺔ أو ﺗــدﺑﯾ ار اﺣﺗ ارزﯾــﺎ .1وﻣــن اﻟﺗﻌرﯾﻔــﺎت أﯾﺿــﺎ أن اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﺳــﻠوك أﻧﺳــﺎﻧﻲ ﻣﻧﺣــرف ﯾﻣﺛــل
اﻋﺗداءا ﻋﻠـﻰ ﺣـق أو ﻣﺻـﻠﺣﺔ ﻣـن اﻟﺣﻘـوق أو اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻟﺗـﻲ ﯾﺣﻣﯾﻬـﺎ اﻟﺷـرع أو اﻟﻘـﺎﻧون اﻟﺻـﺎدر ﺑﻧـﺎء
ﻋﻠﯾﻪ.2
و ﻧﺣـن ﻧﻌـرف اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـﺎ ﻛــل ﺳـﻠوك ﻏﯾـر ﻣﺷــروع ﺳـواء ﻛـﺎن ﻓﻌـﻼ أو اﻣﺗﻧﺎﻋـﺎ ﯾﻣﻛــن
إﺳــﻧﺎدﻩ ﻟﻣرﺗﻛﺑــﻪ و ﯾﻧطــوي ﻋﻠــﻰ إﺿ ـرار ﺑﻣﺻــﻠﺣﺔ ﻣﺣﻣﯾــﺔ ،و ﯾﻘــرر ﻟــﻪ اﻟﻘــﺎﻧون ﻋﻘوﺑــﺔ أو ﺗــدﺑﯾ ار ﻣــن
ﺗداﺑﯾر اﻷﻣن.
و ﻗد راﻋﯾﻧﺎ ﻓـﻲ ﺗﻌرﯾﻔﻧـﺎ اﻟﺟﺎﻧـب اﻟﻣوﺿـوﻋﻲ واﻟﺷـﻛﻠﻲ ﻟﻠﺟرﯾﻣـﺔ ،ذﻟـك أن ﺑﻌـض اﻷﻓﻌـﺎل ﺗﻌـد
ﻣن ﻗﺑﯾل اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺗﻲ ﺣرﻣت إﺗﯾﺎﻧﻬﺎ وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﻣر ﻻ ﺗﻌد ﻣـن ﻗﺑﯾـل اﻷﻓﻌـﺎل اﻟﻣﻌﺎﻗـب ﻋﻠﯾﻬـﺎ
ﻗﺎﻧوﻧــﺎً ﻣﺛــﺎل ذﻟــك إزﻫــﺎق روح إﻧﺳــﺎن ﺑﺣﻘﻬــﺎ ﻛﺈﻋداﻣــﻪ اﺳــﺗﯾﻔﺎء ﻟﻠﻌﻘوﺑــﺔ اﻟﻣﺣﻛــوم ﺑﻬــﺎ ،ذﻟــك أن إزﻫــﺎق
اﻟـروح ﻓــﻲ ﻧﺎﺣﯾﺗــﻪ اﻟﺷــﻛﻠﯾﺔ ﯾﺣﻘــق اﻟﺳــﻠوك اﻟﻣﻧﻬــﻲ ﻋﻧــﻪ واﻟﻣﺟــرم ﺑﻧﺻــوص اﻟﻘــﺎﻧون اﻟﺟﻧــﺎﺋﻲ ،ﺑﯾﻧﻣــﺎ ﻓــﻲ
ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﻣر ﻻ ﯾﻌد ﻣن ﻗﺑﯾـل اﻟﺟـراﺋم اﻟﻣﻌﺎﻗـب ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻗﺎﻧوﻧـﺎ ﻷﻧﻬـﺎ ﻟـم ﺗﻣـس اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﺑـﺄي ﺿـرر ﻷﻧﻬـﺎ
ﺗﻣـت ﻓـﻲ إطﺎرﻫـﺎ اﻟﺷـرﻋﻲ ،ﻛﻣـﺎ راﻋﯾﻧـﺎ ﻓـﻲ ﺗﻌرﯾﻔﻧـﺎ اﻟﺳـﻠوك اﻻﯾﺟـﺎﺑﻲ واﻟﺳـﻠﺑﻲ اﻟﻣﺣـرم ،ﺑﺟﺎﻧـب ﺷـﻣوﻟﻪ
ﻟﻠﻌﻘوﺑـﺎت واﻟﺗــداﺑﯾر اﻻﺣﺗ ارزﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻻ ﺗﺷــﻣﻠﻬﺎ ﻟﻔــظ اﻟﻌﻘوﺑــﺔ ﺣﯾــث أن اﻟﺟـزاء ﯾﺷــﻣل اﻟﻌﻘوﺑــﺔ واﻟﺗــداﺑﯾر
ﻣﻌﺎً .
وﻧﺧﻠ ــص ﻣ ــن ﻫ ــذا ﻛﻠ ــﻪ أن ﻫﻧ ــﺎك ﺗواﻓ ــق ﺑ ــﯾن اﻟﻣﻌﻧ ــﻰ اﻟﻠﻐ ــوي واﻟﻣﻌﻧ ــﻰ اﻻﺻ ــطﻼﺣﻲ ﻟﻠﻔ ــظ
اﻟﺟرﯾﻣـﺔ واﻟﻣﻌﻧـﻰ ﻓﯾﻬﻣـﺎ ﻣﺗﻘـﺎرب ﻓـﻲ ﺑﻌــض ﺻـورﻩ ﺣﯾـث أن اﻟﻠﻔـظ اﻻﺻـطﻼﺣﻲ ﻓـﻲ اﻟﻔﻘــﻪ اﻹﺳــﻼﻣﻲ
1
-ﻣﺣﻣد ﻧﺟﯾب ﺣﺳﻧﻲ ،ﺷرح ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻘﺳـم اﻟﻌـﺎم ،ط ، 4دار اﻟﻧﻬﺿـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ،اﻟﻘـﺎﻫرة ،ﻣﺻـر.1977 ،
ص.45.
2
-ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح ﺧﺿر ،اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق .ص.11.
9
ﯾﺗﻔق ﺗﻣﺎم اﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ اﻟﻔﻘﻪ اﻟوﺿﻌﻲ ﻓﻲ ﺗﻌرﯾف اﻟﺟرﯾﻣـﺔ ﺣﯾـث أن اﻟﻔﻘﻬـﺎن ﯾﺗﻔﻘـﺎن ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـﺎ إﺗﯾـﺎن أو
ﺗرك ﻟﻣﺎ ﯾﺄﻣر ﺑﻪ اﻟﺷرع واﻟﻘﺎﻧون ،ﻛﻣﺎ أﺗﺿﺢ ﻟﻧـﺎ أن اﻟﺟرﯾﻣـﺔ ﻓـﻲ وﺻـﻔﻬﺎ اﻟـدﻧﯾوي اﻟـذي ﯾﻧﻔـذﻫﺎ اﻟﺣـﺎﻛم
ﻛﻣـﺎ أن اﻟﻘﺿـﺎء 1ﺣــﺎول ﺟﺎﻫـدا أن ﯾﻌـرف اﻟﺟرﯾﻣــﺔ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬــﺎ ﺗطﻠـق ﻋﻠـﻰ ﻛــل ﻓﻌـل أو اﻣﺗﻧــﺎع
ﻋــن ﻓﻌــل ﯾﻌﺎﻗــب ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻘــﺎﻧون ﺟزاﺋﯾــﺎ ﺳ ـواء ﻛــﺎن ﻫــذا اﻟﻔﻌــل أو اﻻﻣﺗﻧــﺎع ﯾﻛــون ﻣﺧﺎﻟﻔــﺔ أو ﺟﻧﺣــﺔ أو
ﺟﻧﺎﯾﺔ.
و اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻛظﺎﻫرة ﯾﺄﺗﯾﻬﺎ اﻟﻣﺟرﻣﯾن اﻟﺟﻧﺎة ﻛﺎن ﻻﺑد ﻟﻧﺎ ﻣن اﻟﺗطرق إﻟﯾﻬﺎ و
ﻧﺷﺎطﺎ ﻛﺑﯾ ارً ،وﺗطو ًار أﻛﺑر ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﻔﺳﯾر اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ
ً ﯾﺷﻬد ﺗﺎرﯾﺦ ﻋﻠم اﻹﺟرام
ﺳﯾﻣﺎ وأﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺣور اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ دراﺳﺎت ﻋﻠم اﻹﺟرام ﺳواء ﺑﺈﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ ظﺎﻫرة ﻓردﯾﺔ أو ﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ.
ٕواذا ﻧظرﻧﺎ ﻟﻠظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ ﻛﻘﺿﯾﺔ ﻓردﯾﺔ ،ﻧﺟد أن ﻫﻧﺎك دراﺳﺎت ﻋزت اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ
إﻟﻰ ﺗﻔﺳﯾرات ﺑﯾوﻟوﺟﯾﺔ أو ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟرمٕ ،واذا ﻧظرﻧﺎ ﻟﻠظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ ﻛﻘﺿﯾﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ ﻧﺟد أن ﻫذﻩ
اﻟﻘﺿﯾﺔ ﺗم ﺗﻧﺎوﻟﻬﺎ وﺗﻔﺳﯾرﻫﺎ ﺑﻣﻧﺣﻰ ﻣﺧﺗﻠف ،إذ ﺗم اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ارﺗﺑﺎطﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓظﻬرت ﻧظرﯾﺎت ﻛﺻراع اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت واﻟﻣﺧﺎﻟطﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ وﻧظرﯾﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲٕ ،واذا
ﻧظرﻧﺎ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ وﺗﻔﺳﯾرﻫﺎ وﺗﻔﺎدﯾﺎً ﻟﻺﻧﺗﻘﺎدات اﻟﺗﻲ وﺟﻬت ﻟﻠﻧظرﯾﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟوﺟدﻧﺎ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ
1
-ﻗرار ﺻﺎدر ﯾوم 24ﺟوان 1986ﻣن اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ،اﻟﻐرﻓﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓـﻲ اﻟطﻌـن رﻗـم 43 .835أﻧظـر:
ﺟﯾﻼﻟ ــﻲ ﺑﻐ ــدادي ،اﻹﺟﺗﻬ ــﺎد اﻟﻘﺿ ــﺎﺋﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﻣـ ـواد اﻟﺟزاﺋﯾ ــﺔ ،ج ،1اﻟﻣؤﺳﺳ ــﺔ اﻟوطﻧﯾ ــﺔ ﻟﻠﻧﺷ ــر و اﻹﺷ ــﻬﺎر ،اﻟﺟ ازﺋ ــر،
.1996ص.296.
10
ﻛﯾف ﻓﺳرت ﻛل ﻧظرﯾﺔ أﻧﻣﺎط اﻟﺟﻧﺎة ،و ذﻟك ﻟﻛﻲ ﻧﻔﻬم و ﻧدرك ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺟﺎﻧﻲ و ﻣدى إﺗﯾﺎﻧﻪ اﻟﺳﻠوك
إن اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻔردي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻧﺎوﻟﺗﻪ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻷﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺔ 1ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ
اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑدراﺳﺔ طﺑﺎﺋﻊ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺟرم ،وذﻟك ﺑﺎﻹﺳﺗﻧﺎد ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺳﯾرات ﺑﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟرم ،
وﻗد ﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺎت اﻷﺑﺣﺎث واﻟدراﺳﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ﯾد ﺑﻌض اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻹﻏرﯾق ﻣﺛل اﯾﺑوﻗراط
وﺳﻘراط وأﻓﻼطون وأرﺳطو ،وﻣن ﺑﻌدﻫم دﯾﻼﺑورت اﻹﯾطﺎﻟﻲ وﺑﻌض اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾون ﻣﺛل دي
ﻻﺷﺎﻣﺑر وداروﯾن ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر وأواﺋل اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر ،ﺛم ﻻﻓﺎﺗﯾﻪ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻣن،
ﺛم ﺣل ﺑﻌد ذﻟك أﺳﺎﻟﯾب اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ اﻟﺗﺟرﯾﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻌﺎﻟم
اﻹﯾطﺎﻟﻲ ﺳﯾزار ﻟوﻣﺑروزو ،ﺛم اﻟﻌﺎﻟم ﻫوﺗون وأﺧﯾ ًار ﻧظرﯾﺔ ﻓروﯾد ،وﺳﻧﻌرض ﻓﻲ ﻋﺟﺎﻟﺔ ﻟﻛل ﻧظرﯾﺔ
اﻷﺳﺗﺎذ ﺳﯾزار ﻟوﻣﺑروزو ) (1909 -1835ﻫو طﺑﯾب اﻷﻣراض اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ وأﺳﺗﺎذ اﻟطب
)( 1
،وﻗد ﻗﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﻟوﻣﺑروزو ﺑﺗﺄﻟﯾف ﻛﺗﺎﺑﻪ )اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺷرﻋﻲ واﻟﻌﺻﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت اﻹﯾطﺎﻟﯾﺔ
-1ﻋﺑد اﻷﺣد ﺟﻣﺎل اﻟدﯾن ،اﻹﺗﺟﺎﻫﺎت اﻷﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ و اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ،
س ،11ﻋدد ﯾوﻟﯾو ،1969ص. 750 ،749 .
11
وﻣن اﺳﺗﻌراض ﻣﺟﻣل اﻵراء واﻹﺳﺗﻧﺗﺎﺟﺎت اﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬﻰ إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣؤﻟف ﯾﺗﺑﯾن أﻧﻬﺎ
ﺟﻣﯾﻌﺎ إﻟﻰ اﺛﺑﺎت اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟوراﺛﯾﺔ ﻟﻺﺟرام ،ﻷن ﻣن ﺷﺄن ﻫذﻩ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻫو إﻣﻼء ﺻﯾﻐﺔ
ً ﻛﺎﻧت ﺗﻬدف
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،وﺑﺎﻟﻧظر ﻟﺗﻌرض اﻵراء اﻟﻣذﻛورة ﻟﻛﺛﯾر ﻣن أوﺟﻪ اﻟﻧﻘد ،ﻓﻘد ﻋﻣد ﻟوﻣﺑروزو إﻟﻰ ﺗﻌدﯾل
اﻟﻌدﯾد ﻣن آراﺋﻪ ﻓﻲ اﻟطﺑﻌﺎت اﻟﺟدﯾدة اﻟﻣﻌدﻟﺔ ﻟﻣؤﻟﻔﻪ )اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺟرم( واﻟﺗﻲ أﺻدرﻫﺎ ﻓﻲ ﺳﻧﺔ
،1896وﻓﻲ ﺳﻧﺔ 1897ﺑﺷﺄن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻹرﺗدادﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟرم إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑداﺋﻲ ،واﻧﺗﻬﻰ إﻟﻰ أن
ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣن ﯾﺣﻣﻠﻬﺎ ،ﻓﯾﻣﺎ إذا ﺗﻬﯾﺄت ﻟﻬﺎ اﻟظروف ﻹﻧﺗﺎج اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ.
وﻓﻲ ﻋرﺿﻧﺎ ﻟﻧظرﯾﺔ ﻟوﻣﺑروزو ﻋرض ﻟﻔﺋﺎت وأﻧﻣﺎط اﻟﻣﺟرﻣﯾن ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ ،وﻗد ﻗﺳم
ﻟوﻣﺑروزو ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﻣﺟرﻣﯾن إﻟﻰ ﺛﻼث ﻓﺋﺎت ،ﺛم ﻋﺎد وﻗﺳﻣﻬم ﺧﻣس ﻓﺋﺎت.1
وﻟﻌل ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ اﻟﻣﻣﯾزة ﻓﻲ ﻧظر ﻟوﻣﺑروزو ،وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟذي ﯾوﻟد ﺑﺑذرة اﻹﺟرام ﻓﻲ
ﻧﻔﺳﻪ ،وﻗد أﺷﺎر ﻟوﻣﺑروزو أن ﻟﻬذا اﻟﺷﺧص ﺻﻔﺎت ﺟﺳدﯾﺔ وﻧﻔﺳﯾﺔ ﻣﻣﯾزة ،وأن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺟﺳدﯾﺔ
ﻫﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺷذوذ ﺑدﻧﻲ ﯾظﻬر ﻓﻲ اﻟﺟﺳد ،ﻛﻣﺎ ﺗﺗﻣﯾز ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ ﺑﺻﻔﺎت ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﺑدو ﻓﻲ:
-1أﻧظر :إﺳﺣﺎق إﺑراﻫﯾم ﻣﻧﺻور ،ﻣوﺟز ﻓﻲ ﻋﻠم اﻹﺟرام و اﻟﻌﻘﺎب ،ط ،3دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر،
.2006ص 25 .و ﻣﺎ ﯾﻠﯾﻬﺎ.
12
وﻟﻌل ﻫذﻩ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﺗﻛون ﻣؤﺷر ﯾظﻬر ﻓﻲ ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ وأﺛﻧﺎء ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣن
ﻋﻧف ﺷدﯾد ﻓﻲ ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،ﯾﺟﻌل ذﻫن اﻟﻣﺣﻘق ﯾذﻫب إﻟﻰ اﺳﺗﺑﻌﺎد اﻟﻣﺷﺗﺑﻪ ﺑﻬم اﻟذﯾن ﻻ ﺗﺗﻔق
-2اﻟﻣﺟـــرم اﻟﻣﺟﻧـــــون
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟذي أﺻﺑﺣت ﺣﺎﻟﺗﻪ ﺧطﯾرة ﺑﺳﺑب اﻟﺟﻧون ،إذ ﻟوﻻ اﻟﺟﻧون ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ
اﻟﺧطورة ،ﻓﺎﻟﺟﻧون ﺣﺎﻟﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺧطورة ،ﻷﻧﻪ ﯾﻔﻘد ﺑﺳﺑب اﻟﺟﻧون ﻣﻠﻛﺔ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﺧﯾر
واﻟﺷر ،ﻓﻠو أﻧﻪ ﯾﺷﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﺻرﻓﺎﺗﻪ وﺳﻠوﻛﻪ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﺟرم ﺑﺎﻟﻣﯾﻼد إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ ،إﻻ أن اﻟﻣﺟرم اﻟﻣﺟﻧون
ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻋﻼج وﻗد ﻗﺳم ﻟوﻣﺑروزو ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ ﻣن اﻟﻣﺟرﻣﯾن إﻟﻰ ﺛﻼث طواﺋف ﻫﻲ:
-1-2اﻟﻣﺟرم اﻟﻣﺟﻧون
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺻﺎب ﺑﻣرض ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ ،وﯾدﺧل ﺿﻣن ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔﺔ ﺣﺎﻻت اﻧﻔﺻﺎم
اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ )اﻟﺷﯾزوﻓرﯾﻧﯾﺎ( وﺟﻧون اﻟﻌﻘﺎﺋد اﻟوﻫﻣﯾﺔ )اﻟﺑﺎراﻧوﯾﺎ( .و ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﻣﺟرﻣﯾن ﯾﺻﻌب
1
ﻋﻼﺟﻬم
-2-2اﻟﻣﺟرم اﻟﺻرﻋﻲ
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺻﺎب ﺑﻣرض اﻟﺻرع اﻟوراﺛﻲ ﻏﺎﻟﺑﺎً ،واﻟذي ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﻣرض ﻋﻘﻠﻲ ﻣﺗﻰ
ﻣﺎ ﺗﻔﺎﻗم ﻟدﯾﻪ اﻟﻣرض أو ازدادت ﻣﺿﺎﻋﻔﺎﺗﻪ ،وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ ﯾﺻﻧف ﻛﻣﺟرم ﻣﺟﻧون وﻟﯾس ﺻرﻋﻲ.
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺻﺎب ﺑﺧﻠل أو ﺷذوذ ﯾﺻﯾب ﻗواﻩ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻓﯾؤدي إﻟﻰ اﻧﺣراف ﻧﺷﺎطﻬﺎ ﻋن
اﻟﺳﯾر اﻟطﺑﯾﻌﻲ ،وﺗﻌﺗﺑر ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﺟرم اﻟﺳﯾﻛوﺑﺎﺗﻲ ﻣن أﻫم ﺣﺎﻻت اﻟﺗﺧﻠف اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟﺗﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ
وﺛﯾﻘﺔ ﺑﺎﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ ،وﻣن أﻫم ﻣﺎ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻪ ﻫذا اﻟﻣرﯾض ﻫو ﻋﺟزﻩ ﻋن اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻏراﺋزﻩ،
ﻏﺎﻟﺑﺎ ﻣﺎ
ً وﯾﻐﻠب ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ ارﺗﻛﺎب ﺟراﺋم اﻹﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻟﻌرض اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻌﻧف .ﺣﺗﻰ اﻧﻪ
ﯾﻛون ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻟﻣﺛل ﻫذا اﻟﻧوع ﻏﯾر ﻣؤﻫل ﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺟﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﻘد ﺗرﺗﻛب اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺳرح
ﻣﻔﺗوح ،ﻓﻲ وﺳط ﺻﺎﺧب ،ﺣﯾث أن اﻟﻐرﯾزة اﻟﺗﻲ أﻟﺣت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟرم اﻟﺳﯾﻛوﺑﺎﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﺗﻔﻛﯾرﻩ ﻓﻲ
ارﺗﻛﺎﺑﻬﺎ ﺑﺄﻗل ﻗدر ﻣن اﻟﻣﺧﺎطر أﻣر ﺑﻌﯾد ﻋن ذﻫﻧﻪ ،ﻟذا ﻓﺎرﺗﻛﺎب ﺟرﯾﻣﺔ ﺟﻧﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺳرح ﺟرﯾﻣﺔ
ﻣﻔﺗوح وﻏﯾر آﻣن وﻏﯾر ﻣؤﻫل وﺑﺷﻛل ﻋﻧﯾف ﻣﻊ اﻟﻣﺟﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻗد ﯾﺷﯾر ﻹﺣﺗﻣﺎﻟﯾﺔ ﻛون اﻟﻣﺟرم
ﺳﯾﻛوﺑﺎﺗﻲ.
-3اﻟﻣﺟرم ﺑﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟذي ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺣﺳﺎﺳﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺟﻌﻠﻪ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺳرﻋﺔ وﯾﺧﺿﻊ ﻟﻺﻧﻔﻌﺎﻻت
واﻟﻌواطف اﻟﻌﺎﺑرة و اﻟﻌواطف اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ،1ﻓﯾﻧدﻓﻊ ﻧﺣو ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ دون ﺳﺑق إﺻرار وﻋزم
وﺗﺻﻣﯾم ،وﺑﻌد ذﻟك ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻣزاﺟﻪ اﻹﻋﺗﯾﺎدي وﺣﺎﻟﺗﻪ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،ﻓﯾﺷﻌر ﺑﺗﺄﻧﯾب اﻟﺿﻣﯾر واﻟﺻﻔﺔ
اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻟﻣﺟرﻣﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ ﻫﻲ ﺟراﺋم اﻹﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺧﺎص واﻟﺟراﺋم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،ﻷن اﻟﻣﺟرم
اﻟﻣذﻛور ﺳرﯾﻊ اﻟﻧدم ﺑﻌد ارﺗﻛﺎﺑﻪ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﯾس ﻫﻧﺎك ﻓﺎﺋدة ﻣن ﻋﻘﺎﺑﻪ ﻛﻣﺎ ﯾرى ﻟوﻣﺑروزو.
وﻗد ﺗﺑدو آﺛﺎر ﻫذﻩ اﻟﺻﻔﺎت ﻟﻠﻣﺟرم ﺑﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،وﺗﺗﺿﺢ ﻓﻲ ﺟراﺋم اﻟﻌﻧف
ﻣن ﻋدم اﻹﻋداد اﻟﻣﺳﺑق ﻷداة اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،ﻓﻘد ﺗﺟدﻩ ﯾرﺗﻛب ﺟرﯾﻣﺗﻪ ﺑﻔوﺿوﯾﺔ ﺷدﯾدة ،وﯾﺳﺗﺧدم ﻣﺎ ﻗد
-1رؤوف ﻋﺑﯾد ،أﺻول ﻋﻠﻣﻲ اﻹﺟرام و اﻟﻌﻘﺎب ،دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ.1981 ،ص.85-81.
14
ﯾﺟدﻩ أﺣﯾﺎﻧﺎً ﺑﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،ﺣﺗﻰ ٕوان ﻟم ﺗﻛن أداة ﻣﻌدة ﻟﻺﻋﺗداء أواﻟﻘﺗل ،ﻛﻣﺎ ﻗد ﺗﺟدﻩ ﺑﺳﺑب ﻧدﻣﻪ
ﻟﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ ﯾﺗرك رﺳﺎﻟﺔ ﯾﺑدي ﻓﯾﻬﺎ ﻧدﻣﻪ اﻟﺷدﯾد ،واﺣﯾﺎﻧﺎً ﯾﺗواﺟد ﺑﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﻌد اﻛﺗﺷﺎف اﻟﺟرﯾﻣﺔ
ﻣن ﺿﻣن اﻟﻔﺿوﻟﯾﯾن ﻟﯾﻘف ﻋﻠﻰ أﺧﺑﺎر ﺟرﯾﻣﺗﻪ وأﺣﯾﺎﻧﺎً ﻛﻧوع ﻣن أﻧواع ﺟﻠد اﻟذات.
-4اﻟﻣﺟــرم ﺑﺎﻟﻌــﺎدة
وﻫو اﻟذي ﻻ ﯾوﻟد ﻣﺟرﻣﺎً ﺑﺎﻟوراﺛﺔ ،وﻫذا ﯾﻌﻧﻲ ﻋدم ﺗﺣﻘق ﻋﻼﻣﺎت اﻟرﺟﻌﺔ ﻟدﯾﻪ ،إﻻ أﻧﻪ
ﯾﻛﺗﺳب اﻹﺟرام ﻣن ﻣﺣﯾطﻪ وﯾﻌﺗﺎد ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﺗﺄﺛﯾر اﻟظروف اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،واﻟﺻﻔﺔ
اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻟﺟراﺋم ﻫذﻩ اﻟﻔﺋﺔ ﻫﻲ ﺟراﺋم اﻻﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻷﻣوال وﺧﺎﺻﺔ ﺟراﺋم اﻟﺳرﻗﺔ ) ،(2ﻛﻣﺎ ﺗﺟد ﻫذﻩ
اﻟﻔﺋﺔ ﺗﻛون ﺟراﺋم اﻟﻌﻧف اﻟﺗﻲ ﯾرﺗﻛﺑوﻧﻬﺎ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺟراﺋم اﻹﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻷﻣوال ،وﻏﺎﻟﺑﺎً ﻣﺎ ﺗﺟد ﻣﺳرح
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﯾﻛﺷف ﻋن ﻣﺟرم ﯾﻣﺎرس ﻋﻣﻠﻪ ﺑﺣرﻓﯾﺔ ﺷدﯾدة ،ﻓﺎﻟﻣﺟرم ﺑﺎﻟﻌﺎدة ﻫو ﻣن أﻣﻬر اﻟﻣﺟرﻣﯾن،
-5اﻟﻣﺟرم ﺑﺎﻟﺻدﻓﺔ
وﻫو اﻟﺷﺧص اﻟذي ﻻ ﯾﺗوﻓر ﺑﻪ اﻟﻣﯾل اﻷﺻﯾل ﻟﻺﺟرام ،إﻻ أﻧﻪ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺿﻌف اﻟوازع
اﻟﺧﻠﻘﻲ ،ﺑﺣﯾث ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺳرﻋﺔ اﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻓﯾﻌﺟز ﻋن ﺗﻘدﯾر ﻧﺗﺎﺋﺞ أﻋﻣﺎﻟﻪ وﺗﺻرﻓﺎﺗﻪ ،ﻟذا
ﯾرﺗﻛب اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑداﻓﻊ اﻟظﻬور أو اﻟﺗﻘﻠﯾد ،1وﻏﺎﻟﺑﺎً ﻣﺎ ﯾﻛون ﺗﻌﺎطﻲ ﻫذا اﻟﺷﺧص ﻣﻊ ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ
ﺗﻌﺎطﯾﺎ ﻋﺷواﺋﯾﺎً ،إذ أن -ﺟرﯾﻣﺗﻪ – ﻧظراً ﻟطﺑﯾﻌﺗﻪ ﻟم ﺗﺗم ﺑﺷﻛل ﻣﺧطط ﻟﻪ وﻣدﺑر ﻟﻪ ﺗدﺑﯾراً ﻣﻧظﻣﺎً،
ً
-1أﻧظر :ﻣﻧﺻور رﺣﻣﺎﻧﻲ ،ﻋﻠم اﻹﺟرام و اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ،دار اﻟﻌﻠوم ،اﻟﺟزاﺋر .2006 ،ص.55.
15
ﻓﻘد ﻧﺟد أن ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﯾﺑدو ﻣﻧﻪ أن اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻣت ﺑﺷﻛل ﻣﺣض ﺻدﻓﺔ ﺗﺗﻧﺎﺳب ﻣﻊ ﻣﺟرم
ارﺗﻛب ﺟرﯾﻣﺗﻪ ﻧﺗﯾﺟﺔ أن اﻟداﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻐﻠب ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺣظﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ
ﻓﺗﺟد آﺛﺎر ﺑﺻﻣﺎت اﻷﺻﺎﺑﻊ وآﺛﺎر اﻷﻗدام ﻓﻲ ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،وﻗد ﺗﺟد ﺑﻌض ﻣﺗﻌﻠﻘﺎت
اﻟﻣﺟرم ﺳﻘطت ﻣﻧﻪ ﺳﻬواً ،ﺑﻌد ارﺗﻛﺎﺑﻪ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ،وأﺛﻧﺎء ﻫرﺑﻪ ﻣن ﻣﺳرح اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،أو أن ﯾﺗم ﺗﺻوﯾرﻩ
ارﻧﺳت ﻫوﺗون أﺳﺗﺎذ اﻷﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺎ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﺎرﻓﺎرد اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ،وﻗد ﻗﺎم ﻫوﺗون ﺑدراﺳﺎت
ﻣوﺳﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺎت ﻛﺑﯾرة ﻣن اﻟﻣﺟرﻣﯾن وﻏﯾر اﻟﻣﺟرﻣﯾن ،ﺗﻘﯾم ﻓﻲ ﺛﻣﺎﻧﻲ وﻻﯾﺎت أﻣرﯾﻛﯾﺔ ،وذﻟك
ﻣن أﺟل اﻟوﺻول إﻟﻰ ﺗﻘﺳﯾم ﻟﻠﻣﺟرﻣﯾن أو وﺿﻊ ﻓﺋﺎت ﻟﻬم ،وﻗد أﻋطﻰ ﻫوﺗون ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ وأﺑﺣﺎﺛﻪ
أﻫﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن طواﺋف اﻟﻣﺟرﻣﯾن اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﺗﺣدﯾدﻫﺎ ﺑﺎﻟﻧظر ﻟﻧوع اﻟﺟراﺋم اﻟﺗﻲ ﺣوﻛﻣوا
ﻣن أﺟﻠﻬﺎ ،واﻧﺗﻬﻰ إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺄن ﻛل طﺎﺋﻔﺔ ﺗﺗﻣﯾز ﺑﻧوع ﻣن اﻟﺷذوذ اﻟﺑدﻧﻲ ﯾرﺗﻛﺑﻬﺎ ﻣﺟرم آﺧر ﻻ
ﯾﺗﺣﻘق ﻟدﯾﻪ ﻧﻔس اﻟﺷذوذ ،ﻓﺎﻟﻘﺎﺗل ﺗﺧﺗﻠف أوﺻﺎﻓﻪ وﺳﻣﺎﺗﻪ ﻋن اﻟﺳﺎرق ،وﻫو ﺑدورﻩ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن
ﻣرﺗﻛب اﻟﺟراﺋم اﻟﻣﺧﻠﺔ ﺑﺎﻟﺷرف ،وﺿرب أﻣﺛﻠﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﺻور ﻗﺎﺋﻼً إن طوال اﻟﻘﺎﻣﺔ ﺿﻌﺎف اﻟﺟﺳم
ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻗﺗراف ﺟراﺋم اﻟﻧﻬب وﺟراﺋم اﻟﻘﺗل ،وأن طوال اﻟﻘﺎﻣﺔ ذوو اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺿﺧﻣﺔ ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ
اﻗﺗراف ﺟراﺋم اﻟﻧﺷل واﻟﺧداع ،وأن ذوي اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺿﺧﻣﺔ ﻗﺻﺎر اﻟﻘﺎﻣﺔ ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻗﺗراف اﻟﺟراﺋم
اﻟﻣﺧﻠﺔ ﺑﺎﻟﺷرف.1
-1ﻓوزﯾﺔ ﻋﺑد اﻟﺳﺗﺎر ،ﻣﺑﺎدئ ﻋﻠم اﻹﺟرام وﻋﻠم اﻟﻌﻘﺎب ،اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ .1985 ،ص،47 .
48وﺑﻌدﻫﺎ.
16
وﻟﻌل ﻧظرﯾﺔ ﻫوﺗون وﻗﺑﻠﻬﺎ ﺟورﻧﺞ وﻟوﻣﺑروزو ﻫﻲ اﺳﺗﻛﻣﺎل ﻟﻧﻔس اﻟﻣدرﺳﺔ ﻣن أن ﻟﻠﻣﺟرم
ﻋﻼﻣﺎت ﺟﺳدﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،وﻣﻧﻬم ﻣن رأى أن ﻛل ﻧوع ﻣن اﻟﺟراﺋم ﻟﻪ ﻋﻼﻣﺎت ﺟﺳدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣرﺗﻛﺑﻪ
ﻟﻌل ﻣﺟﻣل ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻣدارس اﻟﺗﻲ اﻫﺗﻣت ﺑﺗﻔﺳﯾر اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻔﺳﯾراً ﻧﻔﺳﯾﺎً،
وذﻟك ﺑدراﺳﺔ اﻟﺟواﻧب اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟرم واﻟﻐوص ﻓﻲ أﻋﻣﺎق اﻟﻧﻔس اﻟﺑﺷرﯾﺔ وﺳﺑر ﻣﺟﺎﻫﻠﻬﺎ.
وﻛﺎﻧت أﺷﻬر ﻫذﻩ اﻟﻣدارس وروادﻫﺎ ﻫو ﻋﺎﻟم اﻟﻧﻔس ذاﺋﻊ اﻟﺻﯾت ﺳﯾﺟﻣوﻧد ﻓروﯾد ﺣﯾث أن
ﻧظرﯾﺗﻪ ﻻﻗت رواﺟﺎَ ﻛﺑﯾراً ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺟدﯾد إﻟﻰ ﻋزو اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ إﻟﻰ أﺳﺑﺎب ﻧﻔﺳﯾﺔ وﻛﺎﻧت
ﻣﺿﻣون ﻧظرﯾﺔ ﻓروﯾد ﻫو أن اﻟﻧﻔس اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻋدة أﺟزاء ﻣن ﻏراﺋز ﺳﺎﻣﯾﺔ وﻏراﺋز أﺳﺎﺳﯾﺔ
وأن ﻋﻠو اﻟﻐراﺋز اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﻣﯾﺔ ﻫﻰ اﻟﺗﻰ ﺗﺣدث اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻋن طرﯾﻘﻬﺎ وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺈن
اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻓﻰ ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ وﻣﻧﻬﺎ ﻧظرﯾﺔ ﻓروﯾد ﺣﯾث ﻋزى اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ
ﺑﺳﺑب اﻟﻌواﻣل اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻓﻌﻠت ذﻟك ﻓﻘد ﻗﺳﻣت اﻟﻣﺟرﻣﯾن إﻣﺎ إﻟﻰ ﺷﺧص ﺗﺣﻛﻣت ﻓﯾﻪ
اﻟذات اﻟدﻧﯾﺎ وﺗﻐﻠﺑت ﻋﻠﻰ ﺿﻣﯾرﻩ ﻓظﻬرت اﻟﺟرﯾﻣﺔ أو ﺷﺧص ﺗﻐﻠب ﺿﻣﯾرﻩ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻪ اﻟدﻧﯾﺎ ﻓﻛﺎن
ﺳوﯾﺎً .
ﻫﻧﺎك ﻧظرﯾﺎت ﺷﺗﻰ أﺑداﻫﺎ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺧﻼل اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر واﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ﻓﺳرت اﻟﺳﻠوك
اﻹﺟراﻣﻰ ﻓﻰ ﺿوء اﻟﻌواﻣل اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،1اﻷﻣر اﻟذى ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻪ ظﻬور أﺳﺎﻟﯾب ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻰ اﻟﺑﺣث
ﺗﻧﺳب ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻹﺟﺗﻣﺎع اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﺳﯾﻠﯾن وﻣﺿﻣوﻧﻬﺎ ﻫو ﺗﻔﺳﯾر اﻟظﺎﻫرة
ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺗﻘل ﻓﯾﻪ اﻟﺟرﯾﻣﺔ واﻟﻌﻛس ﺻﺣﯾﺢ ،وأﺳﺎس ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻓﻛرة اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن أﻧواع
اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ وﺑﯾن ﻣراﺣل ﺣﯾﺎة اﻟﻔرد داﺧل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟواﺣد ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى.
ﺗﺿم ﻧظرﯾﺔ ﺳﯾﻠﯾن أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺑداﺋﯾﺔ أو اﻟرﯾﻔﯾﺔ ﯾﺳود اﻟﺗﻌﺎون واﻹﺧﺎء ﺑﯾن اﻷﻓراد،
ﻓﺎﻟﻔرد ﯾﺷﻌر ﺑﺎﻷﻣﺎن ﺑﯾن أﻫﻠﻪ وﻋﺷﯾرﺗﻪ ،ﺣﯾث أﻧﻪ ﯾﺣﯾﺎ ﻣﻌﻬم وﻓق ﺗﻘﺎﻟﯾدﻫم وﻋﺎداﺗﻬم وﯾﻌﯾش ﻣﻌﻬم
آﻣﺎﻟﻬم وﯾﺗﺷﺎطرون ﻓﻰ اﻷﻓراح واﻷﺣزان ,ﻓﻬﻧﺎك وﻗت ﯾﺟﻣﻌﻬم ﻓﻰ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬم اﻟﻣرﻋﯾﺔ وأﻫداﻓﻬم
اﻟﻣرﺟوة وأﻧﻪ إذا ﺷﻌر اﻟﻔرد ﺑﺎﻷﻣﺎن إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺣد ﻓﺈﻧﻪ ﻟﯾس ﻫﻧﺎك ﻣﺑرر ﻟﻛﻰ ﯾﺳﻠك ﺳﻠوﻛﺎً ﻣﺧﺎﻟﻔﺎَ
اﻟﻘﯾم واﻷﺧﻼﻗﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذى ﯾﻌﯾش ﻓﯾﻪ وذﻟك ﺑﺧرق ﻧﺎﻣوس اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺑﺈرﺗﻛﺎب ﺟرﯾﻣﺔ ،وﻻ
ﯾﻌﻧﻰ ﻫذا اﻧﻪ ﻟﯾس ﻫﻧﺎك ﺟراﺋم ﺗﻘﻊ ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت وﻟﻛن ﻧﺳﺑﺗﻬﺎ ﻗﻠﯾﻠﺔ ,وﺗرﺗﻛب ﻣن أﻓراد ﻓﻲ
أﻣﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺗﻣدﯾﻧﺔ ،ﻓﻬﻰ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻛﺑﯾرة ﻣﻌﻘدة اﻟﺗرﻛﯾب ،ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻷﺟﻧﺎس،
ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ،وﺗﻛﺎد ﻻﺗﻌرف اﻟﺛﺑﺎت واﻻﺳﺗﻘرار ،وﺗطﻐﻰ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﯾﻧﺷﻐل ﻛل
ﻓرد ﺑﻧﻔﺳﻪ ،وﯾﻛﺎد أﻓرادﻩ ﻻ ﯾﻌرﻓون ﺑﻌﺿﻬم وﯾﺗﺻﺎرﻋون ﻣن أﺟل اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺎدﯾﺔ ،ﻓﻬﻧﺎك ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت
ﻻ ﯾﺳودﻫﺎ اﻟﺗﻛﺎﻓل وﺗﻘﻊ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻷن أﻓرادﻫﺎ ﯾﺳﺗﺑﯾﺣون اﻟﻌدوان ﻋﻠﻰ ﺣﻘوق ﺑﻌﺿﻬم اﻟﺑﻌض ،
اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺗﻣدﯾﻧﺔ.
اﺗﺟﻪ ﺑﻌض اﻟﻌﻠﻣﺎء إﻟﻰ ﺗﻔﺳﯾر اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل اﻟرﺑط ﺑﯾن اﻷوﺿﺎع
اﻛﯾﺎ
أﺳﻣﺎﻟﯾﺎ أم اﺷﺗر ً
َ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة وﺑﯾن اﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ ،إذ أن اﻟﻧظﺎم اﻷﻗﺗﺻﺎدى ﺳواء ﻛﺎن ر
ﯾرﺗﺑط أﺷد اﻹرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺳﻠوك اﻹﺟراﻣﻲ وﯾوﺟﻬﻪ وﺟﻬﺔ اﻟﺧﯾر أو اﻟﺷر ،ﻟذا ﻓﺈن ﻛل ﻣﺎ ﯾﺻﯾب ﻫذﻩ
1
وﯾرى ﻫؤﻻء اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻷﻧظﻣﺔ ﻣن ﺧﻠل ﻓﺈن اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟﺳﻠﺑﻰ ﻟﻬذا اﻟﺧﻠل ﯾظﻬر ﻓﻰ اﻟﺳﻠوك اﻻﻧﺳﺎﻧﻰ
أن اﻟﻧﺷﺎط اﻹﻗﺗﺻﺎدى ﯾؤﺛر ﺗﺄﺛﯾراً ﻛﺑﯾ ًار ﻓﻰ ﺗوﺟﯾﻪ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺗﺣدﯾد اﻧﻣﺎطﻬﺎ ﻷن اﻟﻌواﻣل
اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺗﻬﯾﻣن ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ ﻧﺷﺎطﺎت اﻷﻓراد وﻣن ﺿﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﺷﺎط اﻹﺟراﻣﻰ ،وﻫذا ﯾﻌﻧﻰ أن
اﻟﺳﻠوك اﻹﻧﺳﺎﻧﻰ ﯾﺧﺿﻊ ﻟﺗﺄﺛﯾر ﺗﻠك اﻟﻌواﻣل وﯾﺗﺣﻘق اﻟﺟﺎﻧب اﻷﻛﺑر ﻣن ﻫذا اﻟﺳﻠوك ﻓﻰ اﻟﻧﺷﺎطﺎت
وﻟذا ﺣﺎوﻟت اﻟﻣدرﺳﺔ اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ ﻣن ﻗﺑل أن ﺗﻌزو اﻟظﺎﻫرة اﻹﺟراﻣﯾﺔ إﻟﻰ ﻓﻛرة اﻟظﻠم
اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻰ اﻟﺗﻰ ﺗﺗﺣﻘق ﺑﺳﺑب ﺗطﺑﯾق اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ظﻠم إﺟﺗﻣﺎﻋﻰ ﺗظﻬر آﺛﺎرﻩ ﻓﻰ
ﻗﯾﺎم ﻣن ﺗﻌرﺿوا ﻟﻪ إﻟﻰ إرﺗﻛﺎب اﻟﺟراﺋم وﺗﺛﺑت ﻋدد ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة ،إﻻ أن أﺷﻬر ﻫذﻩ
اﻟﻧظرﯾﺎت ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﻬوﻟﻧدى وﻟﯾم ادرﯾﺎن ﺑوﻧﺞ ,وﯾﻛﺎد ﯾﻛون اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﻬذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ ﯾرون أن اﻟﻣﺟرم
ارﺗﻛب ﺟرﯾﻣﺗﻪ ﺑﺳﺑب اﻟظﻠم اﻟذي ﺗﻌرض ﻟﻪ ﺑﺳﺑب اﻷﻧﺷطﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ اﻟﺑﻼد.
-1ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح اﻟﺻﯾﻔﻰ وﻣﺣﻣد زﻛﻰ أﺑو ﻋﺎﻣر ،ﻋﻠم اﻹﺟرام واﻟﻌﻘﺎب ،دار اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،
،1980ص.107 .
-2ﯾﺳر أﻧور و آﻣﺎل ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم ﻋﺛﻣﺎن ،ﻋﻠم اﻹﺟرام وﻋﻠم اﻟﻌﻘﺎب ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة .1977 ،ص.
.157
19
وﯾﻛﺎد ﻧﻣط اﻟﺟﺎﻧﻲ ﻋﻧد اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﻬذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ ﯾﻧدرج ﺗﺣت ﻣﺳﻣﻰ ﻣﺟرم ﺑﺳﺑب اﻟظﻠم
اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻰ ﻷﺳﺑﺎب اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ أو ﻣﺟرم ﻟم ﯾﺗﻌرض ﻟﻠظﻠم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻰ ٕواﻧﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺟرﯾﻣﺗﻪ ﺻدﻓﺔ.
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻫﻲ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﻛﺎﺗف ﻛل اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ ﺳﺑق ذﻛرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت إﻟﺗﻰ ﺗﻔﺳر اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻔﺳﯾ ًار
اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ﻓﻣﺎ اﻹﻧﺳﺎن إﻻ أﺑن ﺟﯾﻧﺎﺗﻪ وأﺑن ﻟﻣﺟﺗﻣﻌﻪ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻘﻊ إذا ﻣﺎ
ً ﻓردﯾﺎً أو
ﺗﺿﺎﻣﻧت ﻋواﻣل ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﻔرد ذاﺗﻪ أو ﻣن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋﻠﻰ ﺧﻠق ﻣوﻗف اﺟراﻣﻰ ﯾﻛون ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟظرف
اﻟﻣﺣرك ﻟﻠﻌواﻣل اﻷﺧرى .ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﻟﯾس ﻣن اﻟﻣؤﻛد او اﻟﺣق أﻧﻪ إذا ﻣﺎ ﺗﺿﺎﻓرت ﻫذﻩ اﻟﻌواﻣل ﻣرة
1
أﺧرى أن ﺗﺣدث ﺟرﯾﻣﺔ أو ﺗﺗﻛرر
وﻟﻌل أﺷﻬر ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺎت واﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﻬﺎ إﻧرﯾﻛو ﻓﯾرى ،ﺑﻧدى ،ﻧظرﯾﺔ دى ﺗوﻟﯾو ﻋن اﻻﺳﺗﻌداد
اﻹﺟراﻣﻰ.
وﻟﻌل أﻧﻣﺎط اﻟﻣﺟرم ﻫﻧﺎ ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ ﻫﻰ ﻣزﯾﺞ ﻣﺎ ﺑﯾن أﻧﻣﺎط اﻟﻣﺟرم ﻓﻰ ﻛل
ﻧظرﯾﺔ ﻣن اﻟﺗﻰ ﺳﺑق ﻋرﺿﻬﺎ ،ﻓﻬﻰ ﺗﻧﻣط اﻟﻣﺟرم طﺑﻘﺎً ﻟﻠﻌواﻣل اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻛﺎﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ واﻟﻌواﻣل
اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣﻊ اﻟﻌواﻣل اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻣن ﻋﻘل أو ﺟﻧون اﻟﻣﺟرم ،أو ارﺗﻛﺎﺑﻪ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﺻﻔﺔ
ﻋﺎرﺿﺔ أو اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ،ﻓﻬﻰ ﻧظرﯾﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻣﻌﻬﺎ ﺗﺟﻣﻊ اﻧﻣﺎط اﻟﻣﺟرم ﻓﻰ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺳﺎﻟف اﻹﺷﺎرة
اﻟﯾﻬﺎ.
ﻣﻧﻬم دور ﻓﻲ ﺗﻧﻔﯾذ ﻫذﻩ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﺧﺗﻠف طﺑﯾﻌﺗﻪ و ﺗﺗﻔﺎوت درﺟﺗﻪ ﻣن ﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ أﺧرى ،ﻓﺟوﻫر
اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ إذن ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ،و ﻓﻲ وﺣدة اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى .و
ﯾﺧﺗﻠف اﻟدور اﻟذي ﯾﻘوم ﺑﻪ ﻛل ﻣن ﻫؤﻻء اﻟﺟﻧﺎة ،و ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟدور اﺧﺗﻼف
1
ﻓﻲ ﺣﻛم اﻟﻘﺎﻧون واﺟب اﻟﺗطﺑﯾق.
و ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ إﻧﻣﺎ ﻧﺷﺄت ﺑﻣﻧﺎﺳﺑﺔ اﻟﻧص اﻟذي اﺗﺧذت ﻣﻧﻪ أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻬﺎ و ﺟﻌﻠت
ﻣﻧﻪ ﻧواة ﻟﺻﯾﺎﻏﺗﻬﺎ ،و ﻫذا اﻟﻧص اﻟذي ﺟﻌل اﻟﻧﺷﺎط اﻟواﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣش ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣﺛل اﻟﻧﺷﺎط
2
اﻟداﺋر ﻓﻲ ﺑؤرة ﻫذا اﻟﺗﻧﻔﯾذ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﻘوﺑﺔ اﻟﻣﺳﺗﺣﻘﺔ
و اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﻛﺗﺳﻲ طﺎﺑﻌﺎ ﺧطﯾ ار ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﺑﺳﺑب ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة ،ﺣﯾث ﯾﺷﻛل ﻫذا
اﻟﺗﻌدد ﻣن ﺟﻬﺔ ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺣﻔﯾز اﻟﺟﻧﺎة ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎب اﻟﺟراﺋم ،و ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ﻋﺎﻣﻼ
3
أﺳﺎﺳﯾﺎ ﻓﻲ ﺷل ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻣﺟﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬم
واﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﻔﺗرض ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة و وﺣدة اﻟﺟرﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾرﺗﺑطون ﺑﻬﺎ ﻣﺎدﯾﺎ و ﻣﻌﻧوﯾﺎ
أي ﺗﻔﺗرض ﺗدﺧل أﻛﺛر ﻣن ﺟﺎﻧﻲ ﻓﻲ ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ ، 4ﻓﻬذا اﻟﺗدﺧل ﯾﺛﯾر ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗوزﯾﻊ اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ
اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾوﺟب اﻟﻌﻘﺎب ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻣﻘدارﻩ و ﺣﺳب ﻣﺎ أوﺟﺑﺗﻪ ﻧﺻوص اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻌﻘﺎﺑﯾﺔ.
-1ﺳﻠﯾﻣﺎن ﻋﺑد اﻟﻣﻧﻌم ،اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت ،ﻣﻧﺷورات اﻟﺣﻠﺑﻲ اﻟﺣﻘوﻗﯾﺔ ،ﻟﺑﻧﺎن .2003 ،ص.630.
-2رﻣﺳﯾس ﺑﻬﻧﺎم ،اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ .اﻟﻘﺎﻫرة .ص.262 .
-3ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻋدو ،ﻣﺑﺎدئ ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﺟزاﺋري ،اﻟﻘﺳم اﻟﻌﺎم ،اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،دار ﻫوﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.2013 ،
ص.183 .
-4ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟﻘﻬوﺟﻲ ،ﺷرح ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻘﺳم اﻟﻌﺎم .ﻣﻧﺷورات اﻟﺣﻠﺑﻲ اﻟﺣﻘوﻗﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن.2002 ،
ص.459.
21
اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻟث :ﺷروط اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ
ﻫﻧﺎك ﺷرطﯾن أﺳﺎﺳﯾﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ و ﻫﻣﺎ ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة ووﺣدة اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻧﺗﻧﺎوﻟﻬﻣﺎ
ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
ﯾﻌد ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة أﻣ ار ﺿرورﯾﺎ و ﻻزﻣﺎ ﻟوﺻف اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣن ﺟراﺋم اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ
ذﻟك ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎن اﻟﺟﺎﻧﻲ واﺣدا ﻋد ﻓﺎﻋﻼ أﺻﻠﯾﺎ و اﻧﺗﻬﻰ اﻻﻣر ،و ان ﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة و ﺗﻌددت
ﺟراﺋﻣﻬم أﯾﺿﺎ ﻛﺎن ﻛل واﺣد ﻣﻧﻬم ﻣرﺗﻛﺑﺎ ﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻣﺗﻣﯾزة و ﯾﺳﺄل ﻛل واﺣد ﻋﻣﺎ اﻗﺗرﻓﻪ ﻣن اﻓﻌﺎل
ﻣﺟرﻣﺔ و ﻋن ظروﻓﻬﺎ و ﻣﻼﺑﺳﺎﺗﻬﺎ و ﻻ ﺗﻌد ﻫذﻩ ﻣن ﺻور اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ أو ﺣﺎﻻﺗﻬﺎ ،أﻣﺎ إذا ﺗﻌدد
اﻟﺟﻧﺎة و اﺗﺣدت ﻧواﯾﺎﻫم و ﻣﻘﺎﺻدﻫم و وﺟد اﻻﺗﻔﺎق ﺑﯾﻧﻬم ﺣول ﺟرﯾﻣﺔ واﺣدة ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻛون ﺑﺻدد
ﺗﻌدد ﺣﻘﯾﻘﻲ ﻟﻠﺟﻧﺎة أو ﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﺟﻧﺎﺋﯾﺔ .ﻫذا و ّﺗﻌدد اﻟﺟﻧﺎة ﻗد ﯾﺄﺧذ ﺻو ًار ﻋدﯾدة ﺑﺣﺳب اﻟدور
وﻗد ﯾﺗﻌدد اﻟﻔﺎﻋﻠون وﺣدﻫم دون ﺷرﯾك أو ﯾﻧﻔرد ﻓﺎﻋل ﻣﻊ ﺷرﯾك أو ﺷرﻛﺎء أو ﯾﺗﻌدد اﻟﻔﺎﻋﻠون
و ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﻠك اﻟﺟرﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛون ﻣن ﻓﻌل واﺣد أو ﻋدة أﻓﻌﺎل ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﺷﺧص واﺣد أو
ﻋدة أﺷﺧﺎص ﺗرﺑط ﺑﯾن ﻛل ﻣﻧﻬم ﻧﺗﯾﺟﺔ و راﺑطﺔ ﺳﺑﺑﯾﺔ ﻣﻊ وﺟود اﻟراﺑطﺔ اﻟذﻫﻧﯾﺔ أو اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ ﺑﯾن
22
اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻋﻧد اﻟﺗﻌدد ،و ﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺈن وﺣدة اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﻟﻬﺎ ﻗﺎﺋﻣﺔ اﻻ إذا ﺗواﻓرت ﻟﻬﺎ وﺣدﺗﺎن
و ﯾذﻫب ﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺄن وﺣدة اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺗﺗﺣﻘق ﺑوﺣدﺗﻬﺎ اﻟﻣﺎدﯾﺔ ووﺣدﺗﻬﺎ
اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ ،1ﻓﺎﻟوﺣدة اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﺣﺗﻔﺎظ اﻟرﻛن اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﺑوﺣدﺗﻬﺎ اﻟﻣﺎدﯾﺔ وﯾﻘﺗﺿﻲ
ذﻟك وﺣدة اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺟرﻣﯾﺔ ٕوارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﻌﻼﻗﺔ اﻟﺳﺑﺑﯾﺔ ﺑﻛل اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺗﻲ ارﺗﻛﺑﻬﺎ اﻟﺟﻧﺎة ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ
اﻟﺟرﻣﯾﺔ ﻫذﻩ وان ﻛﺎﻧت ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﻓﻲ أﻫﻣﯾﺗﻬﺎ ﻣﺎداﻣت ﺟﻣﯾﻌﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺿرورﯾﺔ ﻷﺣداث اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ
أﻣﺎ اﻟوﺣدة اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻧﻲ ﻗﯾﺎم اﻟرﻛن اﻟﻣﻌﻧوي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﺑﺗواﻓر راﺑطﺔ ذﻫﻧﯾﺔ ﺑﯾن
ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺟرﯾﻣﺔ أو ﻣﻌﺎﺻراً ﻟﻬﺎ و ﻻﯾﺷﺗرط أن ﯾﻛون ﻫذا اﻟﺗﻔﺎﻫم ﺻرﯾﺣﺎً ﺑل ﯾﻛﻔﻲ أن ﯾﻛون
ً
ﺿﻣﻧﯾﺎ ﻛﺄن ﯾدﺧل ﻟص اﻟﻰ دار ﻟﺳرﻗﺗﻬﺎ ُﻓﯾﻔﺎﺟﺄ ﺑﺧﺎدم اﻟدار ﯾﺳﺎﻋدﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺳرﻗﺔ ﻓﯾﺗم اﻟﺳرﻗﺔ
ً
إن ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﺟذور ﺻﺎﺣﺑت اﻟﻌﺻور اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﻏﯾر أن ﻫذﻩ اﻟﺟذور ﻗد
ﺧﻠت ﻣن اﻟﺗﺣدﯾد اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻟوﺳﺎﺋﻠﻬﺎ و طرﻗﻬﺎ ﺑﻣﻔﻬوﻣﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻟذا ﺳوف ﻧﺗطرق اﻟﯾﻬﺎ ﻋﺑر
ﻛﺎن اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺟﻧﺎﺋﻲ ﻋﻧد اﻟروﻣﺎن ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻻﻧﺗﻘﺎم اﻟﺷﺧﺻﻲ ﺛم أﺧذت ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة
ﺗﺗطور ﻣﻊ اﻟزﻣن ﻓﻌرف اﻟروﻣﺎﻧﯾون ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣﺗﻌددة ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻور اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ
اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﺎﺳﺗﻌﻣﺎل ) (sochﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻟﻛوﻧﻬم ﯾﻧﺎﺷدون ﯾﺑﺎﺷرون اﻹﺟرام ﻓﻲ ﻓﺗرة زﻣﻧﯾﺔ
واﺣدة وﺑﺎﺳﺗﻌﻣﺎل ﺗﻌﺑﯾر ) (SONCIUSﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺧص اﻟذي ﻟدﯾﻪ اﻟﻌزم ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ
وﻛﺎﻧت اﻟﻘﺎﻋدة ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻪ اﻟﻌﻘﺎب ﻋﻠﯾﻪ إﻻ ﺣﯾث ﯾﻠزم اﻟﻘﺎﻧون ﺑﺎﻹﺑﻼغ ﻋﻠﻰ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻣﺣرض
وﯾﺟب أن ﯾﻛون اﻟﻣﺣرض ﻗد ﺑﺎﺷر واﺛر ﺣﺎﺳﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻛوﯾن اﻟﻘرار اﻹﺟراﻣﻲ ﻟدى اﻟﻔﺎﻋل
وﻛﺎن ﯾطﻠق ﺗﻌﺑﯾر ) (MINISTERﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘدم ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎﻋدة اﻟﻔﺎﻋل ﻓﻲ ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ .1
واﻟﺷﻲء اﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﺑق اﻧﻪ ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن وﺟود ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ،إﻻ أن
ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾﺧﻠطون ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﻟم ﺗﺗﺑﻊ ﺧطﺔ واﺣدة ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد
اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬذﻩ اﻟﺣﺎﻻت ﻋﻠﻰ ﺣدى ،واﻟﻰ ﺟﺎﻧب ذﻟك ﻟم ﯾﻧﺷﻰء ﻗﺎﻧون اﻷﻟواح اﻻﺛﻧﻲ ﻋﺷر
-1ﻓوزﯾﺔ ﻋﺑد اﻟﺳﺗﺎر ،اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻷﺻﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ .1997 ،ص.11 .
-2ﻓوزﯾﺔ ﻋﺑد اﻟﺳﺗﺎر ،اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ .ص.11 .
24
ﻋرف اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺟرﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،ﺑﻌض اﻟﺻور اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻠﺻور اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ
وﻛﺎﻧت اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟدور اﻟذي ﯾﻘوم ﺑﻪ اﻟﺟﺎﻧﻲ ،ﺣﯾث ﻛﺎﻧت ﺗﻘرر ﻟﻠﻣﺣرض ﻋﻘوﺑﺔ
اﻟﻔﺎﻋل و أﺣﯾﺎﻧﺎ ﺗﻛون اﺷد ،أﻣﺎ ﺑﺧﺻوص اﻟﻣﺳﺎﻋد ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻌﻘوﺑﺔ اﻟﻣﻘررة ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻫم ﻓﯾﻬﺎ
واﻟﻣﺳﺎواة ﻓﻲ اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺎﻋد اﻟﺿروري ) (REC HTER VOLLETSIاﻟذي ﯾﻌرف
اﻧﻪ اﻟﻣﺳﺎﻋد اﻟذي ﯾول ﻣﺳﺎﻋدﺗﻪ ﻣﺎ أﻣﻛن ارﺗﻛﺎب اﻟﺟرﯾﻣﺔ أﻣﺎ ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻣﺳﺎﻋدﯾن ﻓﻛﺎﻧت ﻋﻘوﺑﺗﻪ
1
اﺧف ﻣن ﻋﻘوﺑﺔ اﻟﺟرﯾﻣﺔ.
وﻧﺟد أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻌﺻر أن اﻟﻔﻘﻪ اﻻﯾطﺎﻟﻲ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻪ ﻧظرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺿم ﺻور
اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﻌدد ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻌﻘوﺑﺔ اﻟﻣﻘررة ﻟﻛل ﺣﺎﻟﺔ واﻟﺳﺑب ﻫو اﻟﻣﺳﺎواة ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎب واﺗﺧﺎذ
اﻻﺣﻛﺎم اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻬﺎ رﻏم وﺟود ﺗﻔرﻗﺔ ﺷﻛﻠﯾﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟداﻟﺔ ﻋن ﻫذﻩ اﻟﺻور
إن اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟم ﯾﺿﻊ ﺗﻌرﯾﻔﺎ ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ و ﺻﺎﺣب ذﻟك أن ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
اﺳﺗﺧدﻣوا اﻻﺷﺗراك اﻟﺟﻧﺎﺋﻲ ﻓﻲ أﺑواب اﻟﺟﻧﺎﯾﺎت و اﻟﺣدود ﺑﺎﻟدﻻﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻓﯾﻬﺎ أﻛﺛر ﻣن ﺷﺧص
ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎب اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺟرم .ﻓﻔﻲ ﺟراﺋم اﻻﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻔس و ﻣﺎ دوﻧﻬﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟﺷرﻗﺎوي
ﺗﺣت ﻓﺻل ﺑﻌﻧوان اﻻﺷﺗراك ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺎﯾﺔ ﺑﻣﻌﻧﻰ ﺣﻛم وﻗوع اﻟﺷرﻛﺔ ﻓﯾﻬﺎ أﻣﺎ أن ﯾﺟب اﻟﻘول ﻋﻠﻰ
اﻟﻛل أو ﻻ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻛل أو ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻌض دون اﻟﺑﻌض .2و ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻣذﻫب ﺗﻘﺗل اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ
-أﻧﻬﺎ ﻓرﻗت ﺑﯾن اﻟﻔﺎﻋل و اﻟﺷرﯾك و أطﻠﻘت ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋل ﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷرﯾك اﻟﻣﺑﺎﺷر أي ﻣن ﯾﺑﺎﺷر و
ﯾﺄﺗﻲ اﻟﻔﻌل اﻟﻣﻛون ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ) إﺗﯾﺎن اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺗﻲ ﺗدﺧل ﻓﻲ ﺗﻛوﯾن اﻟرﻛن اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ( ،و
أطﻠﻘت ﻋﻠﻰ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷرﯾك اﻟﻣﺗﺳﺑب و ﻫو ﻣن ﻻ ﯾدﺧل ﻓﻲ ﺗﻧﻔﯾذ و إﺗﯾﺎن اﻟﺟرﯾﻣﺔ و ﻟﻛن
-أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺄﺧذ ﺑﻣﺑدأ اﻟﻣﺳﺎواة ﻓﻲ اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺷﺄن ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﺑﯾن اﻟﻔﺎﻋل و اﻟﺷرﯾك
إﻻ ﻓﻲ ﺣدود ﺿﯾﻘﺔ ،ﻓﻌﻘوﺑﺔ اﻟﺷرﯾك اﻟﻣﺗﺳﺑب ﺗﺧﺗﻠف ﺑﯾن ﺟراﺋم اﻟﺣدود ) اﻟﻘﺻﺎص ( و ﺟراﺋم
اﻟﺗﻌزﯾر ) ﻓﻔﻲ اﻟﻧوع اﻷول أي ﺟراﺋم اﻟﺣدود ﺗوﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺷرﯾك اﻟﻣﺑﺎﺷر ) اﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ ( اﻟﻌﻘوﺑﺔ
اﻟﻣﻘررة ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺷرﯾك ﺑﺎﻟﺗﺳﺑب ) اﻟﺷرﯾك ﻓﻲ اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺣدﯾث اﻟوﺿﻌﻲ ﯾﻌﺎﻗب ﺑﻌﻘوﺑﺔ
اﻟﺗﻌزﯾر .1
ذﻟك ﻷن ﻋﻘوﺑﺔ اﻟﺣدود ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺷدة ﻓﻼ ﺗوﻗﻊ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣرﺗﻛب اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،و ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ذﻟك ﻓﺈن ﻋدم ﻗﯾﺎم اﻟﺷرﯾك ﺑﺎﻟﺗﺳﺑب ﻟﻠﺟرﯾﻣﺔ ﺑﻧﻔﺳﻪ ﯾﻌد ﺷﺑﻬﺔ ﺗد أر ﻋﻧﻪ اﻟﺣد ) أﻣﺎ ﺟراﺋم اﻟﺗﻌزﯾر ﻓﻬﻲ
اﻟﺟراﺋم اﻟﺗﻲ ﯾﺗرك ﻓﯾﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻘدﯾرﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻘرﯾر اﻟﻌﻘوﺑﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔﻌل اﻟﻣﺟرم ف’ن
ﻋﻘوﺑﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷر ) اﻟﻔﺎﻋل ( و اﻟﻣﺗﺳﺑب ) اﻟﺷرﯾك ( ﻫﻲ ﻋﻘوﺑﺔ ﺗﻌزﯾرﯾﺔ ،و إذا ﻛﺎﻧت اﻟظروف واﺣدة
2
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔﺎﻋل ) اﻟﻣﺑﺎﺷر ( و اﻟﺷرﯾك ) اﻟﻣﺗﺳﺑب ( ﻓﺈن اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﺗﻛون واﺣدة.
-1ﻣﺣﻣد أﺑو زﻫرة ،اﻟﺟرﯾﻣﺔ واﻟﻌﻘوﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،اﻟﺟزء اﻷول ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ.ص.410 .
-2ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻋودة ،اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟﺟﻧﺎﺋﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧون اﻟوﺿﻌﻲ ،اﻟﺟزء اﻷول اﻟﻘﺳم اﻟﻌﺎم .ص-373 .
.374
26
-و أﺧﯾ ار اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أﻗرت ﻧظرﯾﺔ اﻟﻔﺎﻋل اﻟﻣﻌﻧوي و اﻋﺗﺑرت ﻣن ﯾﺣﻣل ﺷﺧﺻﺎ ﺣﺳن اﻟﻧﯾﺔ
و اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻧﻘول أن ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء -رﺣﻣﻬم اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ -ﻣن ﺣﻧﻔﯾﺔ ،وﻣﺎﻟﻛﯾﺔ ،وﺷﺎﻓﻌﯾﺔ،
وﺣﻧﺎﺑﻠﺔ ذﻫﺑوا إﻟﻰ وﺟوب اﻟﻌﻣل ﺑﻘﺎﻋدة " اﻟﺣدود ﺗد أر ﺑﺎﻟﺷﺑﻬﺎت " ،واﻟﻌﻣل ﺑﻘﺎﻋدة درء اﻟﺣدود
وﻣﺳﺗوﻓﯾﺎ ﻟﺟﻣﯾﻊ
ً ﻣﺳﺗﺣﻘﺎ ﻟﻠﻌﻘوﺑﺔ
ً ﺑﺎﻟﺷﺑﻬﺎت ﻣن ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻌدل ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﻌﺎﻗب أﺣد إﻻ إذا ﻛﺎن
اﻟﺷروط اﻟﺗﻲ ﺗوﺟب إﯾﻘﺎع اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧﻲ ،ودرء اﻟﺣد ﺑﺎﻟﺷﺑﻬﺔ ﻫو اﺣﺗﯾﺎط ﻣن اﻟﺣﺎﻛم ﻓﻲ ﻋدم
أﺷد
إﯾﻘﺎع ﻋﻘوﺑﺎت اﻟﺣدود ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻧﺎة إﻻ ﺑﻌد اﻟﺗﱠﺣري ﻣن ﺛﺑوت اﻟﺟرﯾﻣﺔ ،ﻷن ﻋﻘوﺑﺔ اﻟﺣدود ّ
اﻟﻌﻘوﺑﺎت ،وﻷن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣد ﻣﻊ اﻟﺷﺑﻬﺔ إﺗﺑﺎع ﻟﻠظن اﻟذي ﻧﻬﻰ اﻟﺷﺎرع اﻟﺣﻛﯾم ﻋن إﺗﺑﺎﻋﻪ ،وﺑدرء اﻟﺣد
ﺑﺎﻟﺷﺑﻬﺔ ﺗطﺑﯾق ﻷﻣر اﷲ ﻋز وﺟل ﺑﺎﻻﺑﺗﻌﺎد ﻋن إﺗﺑﺎع اﻟظن .1ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﺣﻛم ﺗﻧزﯾﻠﻪ " :ﯾﺎ
2
أﯾﻬﺎ اﻟذﯾن آﻣﻧوا اﺟﺗﻧﺑوا ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻟظن إن ﺑﻌض اﻟظن ّإﺛم".
أن أﻏﻠﺑﯾﺔ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻛﺎﻧت ﻣﺳﺗﻣدة ﻣن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻲ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋرف ﻫذا
اﻟﻘﺎﻧون ﺻور اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ وﯾﺗﺟﻠﻲ ذﻟك ﻓﻲ إﻗرار ﻣﺑدأ وﺣدة اﻟﻌﻘوﺑﺔ رﻏم ﺗﻌدد اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﯾن
ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﯾن اﻷﺻﻠﯾﯾن واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ،وﻗد ﺗﺟﺳد ﻫذا ﻓﻲ ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻔرﻧﺳﻲ
-1ﻛﺎﻣل ﻣﺣﻣد ﺣﺳﯾن ﻋﺑد اﷲ ﺣﺎﻣد ،أﺣﻛﺎم اﻻﺷﺗراك ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ -دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻧون
اﻟوﺿﻌﻲ .رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،ﻛﻠﯾﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻌﻠﯾﺎ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﺟﺎح اﻟوطﻧﯾﺔ ،ﻧﺎﺑﻠس ،ﻓﻠﺳطﯾن.2010 .ص.94 .
-2اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ،ﺳورة اﻟﺣﺟرات ،اﻵﯾﺔ .12
27
اﻟﺻﺎدر ﺳﻧﺔ 1972اﻟﺧﺎص ﺑﺎﻟﺟﻧﺎﯾﺎت ﻓﻘط .واﻧﺗﻘﻠت ﻫذﻩ اﻟﻣﺑﺎدئ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺳﻧﺔ
1940ﺣﯾث ﺗﻧص اﻟﻣﺎدة 59ﻋﻠﻰ ﺗﻌرﯾف اﻟﺷرﯾك ﻣﻊ ﺗﺑﯾﯾن وﺳﺎﺋل اﻻﺷﺗراك دون ﺗﻌرﯾف اﻟﻔﺎﻋل،
وﻣﺎ ﯾﻼﺣظ أن اﻟﻣﺷرع اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻗد اﻋﺗﻧق ﻧظرﯾﺔ اﺳﺗﻌﺎرة اﻟﺗﺟرﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻌﺎرة اﻟﺷرﯾك
ﻟﻠﺻﻔﺔ اﻹﺟراﻣﯾﺔ ﻣن ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ و ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﺗﻘوم اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ 1إﻻ ﺑﺗﺣﻘﯾق ﺟرﯾﻣﺔ
اﻟﻔﺎﻋل اﻟﺻﺎﻟﻲ ﻷﻧﻪ ﯾﻌﺗﺑر ﻣﺟرم ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻪ وان ﻋدم ورود ﻧص ﻓﻲ ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﯾﻌرف
اﻟﻣﺳﺎﻫم اﻷﺻﻠﻲ أدى إﻟﻰ ﺧﻼف ﻛﺑﯾر ﺑﯾن اﻟﻔﻘﻬﺎء ﺣول ﻫذا اﻟﺗﺣدﯾد وﺣول وﺿﻊ ﻣﻌﯾﺎر اﻟﺗﻣﯾﯾز
ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ .
إن أﻫم ﻣﺎ ﯾﻣﯾز ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﺟزاﺋري اﻟﺻﺎدر ﺑﺎﻷﻣر 156-66ﺑﺗﺎرﯾﺦ 08ﺟوان
1966ﻋن ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟﻣطﺑق ﻗﺑل ﻫذا ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﺣﯾث ﻧﺟد أن اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺟزاﺋري
ﺣدﯾث اﻟوﺟود ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻔرﻧﺳﻲ وﻛﻐﯾرﻩ ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن اﻷﺧرى ،وﻟﻬذا ﻟم ﯾﻠﺣظ ﺗطور ﻛﺑﯾر
ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻣﺳﺎﻫم اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ,ﺣﯾث اﻧﺗﻬﺞ اﻟﻣﺷرع اﻟﺟزاﺋري ﻧﻔس اﻷﺳﻠوب اﻟذي اﺧذ ﺑﻪ اﻟﻣﺷرع
اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ إﻻ أن اﻟﻣﺷرع اﻟﺟزاﺋري اﺧﺗﻠف ﻣﻊ اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻓﻲ اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﻘوﺑﺔ اﻟﺷرﯾك ،ﺣﯾث اﻧﺗﻬﺞ اﻟﺟزاﺋري اﻷﺳﻠوب اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺿرورة اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﯾن
-ﯾﺳﺄل اﻟﺷرﯾك ﺣﺳب اﻟﻘﺻد اﻟﺟﻧﺎﺋﻲ ﻓﻼ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﻣﺎ ﯾرﺗﻛب اﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺟراﺋم ﻓﻲ اﻟﺟراﺋم
-1ذﻟك ﻷن اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻫﻲ ﺗﺣﻣل اﻟﺷﺧص ﺗﺑﻌﺔ ﻋﻣﻠﻪ اﻟﻣﺟرم ﺑﺧﺿوﻋﻪ ﻟﻠﺟزاء ّ
اﻟﻣﻘرر ﻟﻔﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻗﺎﻧون
اﻟﻌﻘوﺑﺎت أو اﻟﻘواﻧﯾن ذات اﻟﺻﻠﺔ.
28
-ﻻ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟظروف اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗد ﺗﻠﺣق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ أو ﺳﻠوﻛﻪ اﻹﺟراﻣﻲ ،أﻣﺎ اﻟظروف
-ﯾﺧﺿﻊ اﻟﺷرﯾك ﻟﻠﻌﻘﺎب وان اﻧﻘطﻌت اﻟدﻋوى اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻋن اﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺎﻗب اﻟﺷرﯾك
إن اﺧﺗﻼف اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻟﻠﺷرﯾك واﻟﻔﺎﻋل اﻷﺻﻠﻲ ﯾﺗﺗﺑﻊ اﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﻣدﻧﯾﺔ
واﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻗد ﺣﺿﯾت ﺑﺎﻫﺗﻣﺎم ﻣن طرف اﻟﻣﺷرع اﻟﺟزاﺋري ﺣﯾث أورد أﺣﻛﺎﻣﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ
ﺗﺣت ﻋﻧوان اﻟﻣﺳﺎﻫﻣون ﻓﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ و ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻣﻌﻧون ﺑﻣرﺗﻛﺑﻲ اﻟﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣواد
ﻣن 41إﻟﻰ 46ﻣن ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﺟزاﺋري .و ﺳوف ﻧﺗطرق إﻟﻰ أﻧواع اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ
-1اﺑراﻫﯾم اﻟﺷﺑﺎﻧﻲ ،اﻟوﺟﯾز ﻓﻲ ﺷرح ق.ع.ج .اﻟﻘﺳم اﻟﻌﺎم ,دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻠﺑﻧﺎﻧﻲ .ص145.
29