You are on page 1of 134

‫مركز الدراسات الفقهية واالقتصادية‬

‫سلسلة كتب اقتصادية جامعية‬

‫التنمية االقتصادية والتنمية املستدامة‬

‫إعداد‬

‫الدكتور ‪ /‬أحمد جابر بدران‬

‫مدير مركز الدراسات الفقهية واالقتصادية‬

‫أستاذ االقتصاد‪-‬كلية االقتصاد واإلدارة جامعة ‪ 6‬أكتوبر‬

‫رئيس جمعية نهضة مرص إلحياء الرتاث اإلسالمي‬


‫التنمية االقتصادية والتنمية املستدامة‬
‫إعداد‬

‫مركز الدراسات الفقهية واالقتصادية‬

‫الدكتور‪ /‬أحمد جابر بدران‬

‫كلية االقتصاد واإلدارة – جامعة ‪ 6‬أكتوبر‬

‫رئيس مجلس إدارة جمعية نهضة مرص‬

‫ب‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أحمد جابر بدران‬

‫عنوان املصنف‪ :‬االقتصاد الريايض‬

‫القسم‪ :‬االقتصاد الريايض‬

‫املؤلف‪ :‬أحمد جابر بدران‬

‫اسم النارش‪ :‬املؤلف‬

‫ط‪ -1‬القاهرة – ‪1341‬هـ – ‪4113‬م‬

‫اإلخراج الفني‪ :‬منى حامد‬

‫عنوان النارش‪ 7 :‬ش نوال متفرع من شارع وزارة الزراعة‬

‫العجوزة‪ -‬الجيزة‬

‫‪E-mail : CLES1996@yahoo.com‬‬

‫‪E- mail: D_AhmedGaber@yahoo.com‬‬

‫ج‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫{ َه ْل يَ ْس َتوِي الَّ ِذي َن يَ ْعلَ ُمونَ َوالَّ ِذي َن َال يَ ْعلَ ُمونَ } [الزمر‪]9 :‬‬

‫صدق الله العظيم‬

‫د‬
‫الفهرس‬

‫الفهرس ‪................... ................................ ................................ ................................ ................................‬ه‬


‫موضوعات الكتاب ‪..................................... ................................ ................................ ................................‬و‬
‫املقدمة ‪1 ................... ................................ ................................ ................................ ................................‬‬
‫الباب األول التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي ‪1 ........................... ................................ ................................‬‬
‫الفصل األول ماهية التنمية ‪6 .................... ................................ ................................ ................................‬‬
‫الفصل الثاين التنمية االقتصادية و النمو االقتصادى ‪14 .................. ................................ ................................‬‬
‫الفصل الثالث نظريات التنمية االقتصادية والنمواالقتصادى ‪43 ....................................... ................................‬‬
‫الباب الثاين التنمية االقتصادية والتخلف والتمويل والتنمية املستدامة ‪31 ............................ ................................‬‬
‫الفصل األول التنمية االقتصادية والتخلف والسياسات االقتصادية ‪36 ............................. ................................‬‬
‫الفصل الثاين التنمية االقتصادية والتمويل ‪15 ............................... ................................ ................................‬‬
‫الفصل الثالث التنمية املستدامة ‪51 ........... ................................ ................................ ................................‬‬
‫املراجع ‪141 ................ ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫ه‬
‫موضوعات الكتاب‬
‫املوضوع‬

‫الفهرس‪:‬‬

‫املقدمة‪:‬‬

‫الباب األول التنمية االقتصادية و النمو االفتصادى‬

‫الفصل األول ماهية التنمية‬

‫‪-1-‬مفهوم التنمية‬

‫‪-4-‬أنواع التنمية‬

‫‪-4-‬أهداف التنمية‬

‫‪-3-‬خصائص التنمية‬

‫‪-1-‬الفرق بني مفهوم التنمية وبعض املفاهيم املشابهة لها‬

‫الفصل الثاين التنمية االقتصادية و النمو االقتصادى‬

‫‪-1-‬مفهوم التنمية االقتصادية وتطوره‬

‫‪-4-‬أهمية وأهداف التنمية االقتصادية‬

‫أوالً‪ :‬زيادة الدخل القومي‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬رفع مستوى املعيشة‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تقليل التفاوت يف الدخول والرثوات‪:‬‬

‫و‬
‫رابعاً‪ :‬بناء األساس املادي للتقدم‪:‬‬

‫‪-4-‬النمو االقتصادي ومحدداته‬

‫أوالً‪ :‬ماهية النمو االقتصادي‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬محددات النمو االقتصادي‪:‬‬

‫‪-1‬حجم ونوعية املوارد البرشية‪:‬‬

‫‪-4‬حجم ونوعية املوارد الطبيعية‪:‬‬

‫‪-4‬الرتاكم الرأساميل‪:‬‬

‫‪-3‬التقدم العلمي والتكنولوجي‪:‬‬

‫‪-1‬عوامل اجتامعية ومؤسسية‪:‬‬

‫‪-3-‬مراحل النمو االقتصادي‬

‫أوالً‪ :‬مرحلة املجتمع التقليدي‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬مرحلة التهيؤ لالنطالق‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مرحلة االنطالق‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬مرحلة النضوج‪:‬‬

‫خامساً‪ :‬مرحلة االستهالك الوفري‪:‬‬

‫‪-1-‬كيفية قياس وتحليل النمو االقتصادى‬

‫أوالً‪ :‬قياس النمو االقتصادى‪:‬‬

‫ز‬
‫ثانياً‪ :‬أهمية تحليل النمو اإلقتصادي‪:‬‬

‫‪-6-‬الفرق بني التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي‬

‫‪-7-‬تصنيف الدول وفق معيار النمو والتنمية‬

‫أوالً‪ :‬التصنيف البسيط‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬التصنيف وفق خصائص عوامل اإلنتاج‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التصنيف وفق خصائص النشاط اإلقتصادي‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬التصنيف حسب اإلمكانيات البرشية والطبيعية املتاحة لكل بلد‪:‬‬

‫‪-1‬النوع اإلفريقي‪:‬‬

‫‪-4‬نوع أمريكا الالتينية‪:‬‬

‫‪-4‬النوع الرشق أسيوي للتنمية‪:‬‬

‫الفصل الثالث نظريات التنمية االقتصادية والنمواالقتصادى‬

‫‪-1-‬نظرية النمو عند الكالسيك‬

‫أوالً‪ :‬سياسة الحرية اإلقتصادية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬التكوين الرأساميل مفتاح التقدم‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الربح هو الحافز عىل اإلستثامر‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬ميل األرباح للرتاجع‪:‬‬

‫خامساً‪ :‬حالة السكون‪:‬‬

‫ح‬
‫سادساً‪ :‬اإلنتقادات املوجهة للنظرية الكالسيكية‪:‬‬

‫‪-4-‬نظرية ماركس للنمو‬

‫‪-4-‬نظرية شومبيرت‬

‫‪-3-‬النظرية الكنزية للنمو‬

‫‪-1-‬نظرية روزنشتني رودان‬

‫‪-6-‬نظرية نريكسه‬

‫‪-7-‬نظرية هانس سنجر‬

‫‪-5-‬نظرية هري شامن‬

‫الباب الثاىن التنمية االقتصادية والتخلف والتمويل والتنمية املستدامة‬

‫الفصل األول التنمية االقتصادية والتخلف والسياسات االقتصادية‬

‫‪-1-‬خصائص التنمية االقتصادية ىف البالد النامية‬

‫أوالً‪ :‬متخصصة يف إنتاج املواد األولية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬ارتفاع معدالت النمو السكاين‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬انخفاض كفاءة استغالل املوارد الطبيعية‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬ندرة رأس املال‪:‬‬

‫خامساً‪ :‬اعتامد اقتصاديات الدول النامية عىل تجارتها الخارجية‪:‬‬

‫سادساً‪ :‬نقص القدرة التنظيمية والفنية‪:‬‬

‫ط‬
‫سابعاً‪ :‬انخفاض املستوى الصحي والعليمي‪:‬‬

‫ثامناً‪ :‬سوء توزيع الرثوة عىل طبقات املجتمع‪:‬‬

‫تاسعاً‪ :‬تأخر املرأة وارتفاع نسبة تشغيل األطفال وذلك نتيجة تغىش األمية وانخفاض‬

‫مستوى الدخل‪.‬‬

‫‪-4-‬مفهوم التخلف االقتصادي وأسبابه‬

‫أوالً‪ :‬األسباب الجغرافية للتخلف‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬األسباب االجتامعية‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬العوامل السياسية‪:‬‬

‫‪-4-‬السياسات االقتصادية والتنمية االقتصادية‬

‫أوالً‪ :‬مفهوم السياسة االقتصادية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬أنواع السياسة االقتصادية‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أهداف السياسة االقتصادية‪:‬‬

‫‪-3-‬السياسة املالية والتنمية االقتصادية‬

‫أوالً‪ :‬تعريف السياسة املالية‬

‫ثانياً‪ :‬السياسة املالية يف النظريات االقتصادية‬

‫‪-1‬السياسة املالية يف الفكر الكالسييك‬

‫‪-4‬السياسة املالية يف الفكر الكينزي‬

‫ثالثاً‪ :‬أثر السياسة املالية عىل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫ي‬
‫‪ -1‬أثر اإلنفاق العام عىل التنمية‪:‬‬

‫‪ -4‬أثر السياسة الرضيبية عىل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫الفصل الثاين التنمية االقتصادية والتمويل‬

‫‪-1-‬مصادر التكوين الرأساميل (التمويل)‬

‫‪-4-‬مصادر التمويل الداخلية‬

‫أوالً‪ :‬أسلوب التمويل من خالل املدخرات املحلية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬التمويل من خالل الحصيلة الرضيبية‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬خصائص النظم الرضيبية للدول النامية‪:‬‬

‫‪-1‬انخفاض نسبة الرضائب إىل الدخل القومي‪:‬‬

‫‪-4‬انخفاض نسبة الرضائب املبارشة إىل جملة حصيلة الرضائب‪:‬‬

‫‪-4‬ارتفاع نسبة الرضائب عىل التجارة الخارجية إىل جملة حصيلة الرضائب‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬اختيار نوع الرضائب املالئم لتمويل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫خامساً‪ :‬العوامل التي تحدد حجم الطاقة الرضيبية‪:‬‬

‫‪-1‬حجم الدخل القومى‪:‬‬

‫‪-4‬درجة العدالة يف توزيع الدخل‪:‬‬

‫‪-4‬مقدار ما تقدمه الدولة من خدمات مجانية ألفراد املجتمع‪:‬‬

‫‪-3‬النظام الرضيبي‪:‬‬

‫سادساً‪ :‬أسس السياسة الرضيبية يف الدول النامية‪:‬‬

‫سابعاً‪ :‬متويل التنمية من خالل أسلوب القروض (الدين األهىل)‪:‬‬

‫ك‬
‫ثامناً‪ :‬الوسائل غري املبارشة لتمويل التنمية‪:‬‬

‫‪-4-‬التمويل وتضخمه والتمويل بالعجز‬

‫أوالً‪ :‬التمويل التضخمي‬

‫اآلراء املؤيدة للتمويل التضخمى‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬تكاليف التضخم‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التمويل بالعجز‬

‫‪-3-‬مصادر التمويل الخارجية‬

‫أوالً‪ :‬رؤوس األموال األجنبية الخاصة‪:‬‬

‫‪-1‬القروض األجنبية الخاصة‪:‬‬

‫‪-4‬االستثامرات األجنبية املبارشة‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬املساعدات املالية من الدول املتقدمة‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬قروض املنظامت الدولية‪:‬‬

‫الفصل الثالث التنمية املستدامة‬

‫‪-1-‬مفهوم التنمية املستدامة‬

‫‪-4-‬سامت التنمية املستدامة‬

‫‪-4-‬مبادئ التنمية املستدامة‬

‫املبدأ األول‪ :‬تحديد األولويات بعناية‪:‬‬

‫املبدأ الثاين‪ :‬االستفادة من كل دوالر‪:‬‬

‫ل‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬اغتنام فرص تحقيق الربح لكل األطراف‪:‬‬

‫املبدأ الرابع‪ :‬استخدام أدوات السوق حيثام يكون ممكنا‪:‬‬

‫املبدأ الخامس‪ :‬االقتصاد يف استخدام القدرات اإلدارية والتنظيمية‪:‬‬

‫املبدأ السادس‪ :‬العمل مع القطاع الخاص‪:‬‬

‫املبدأ السابع‪ :‬اإلرشاك الكامل للمواطنني‪:‬‬

‫املبدأ الثامن‪ :‬توظيف الرشاكة التي تحقق نجاحا‪:‬‬

‫املبدأ التاسع‪ :‬تحسني األداء اإلداري املبني عىل الكفاءة والفعالية‪:‬‬

‫املبدأ العارش‪ :‬إدماج البيئة من البداية‪:‬‬

‫‪-3-‬املقومات األساسية للتنمية املستدامة‬

‫أوالً‪ :‬تلبية الحاجات اإلنسانية للسكان‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلدارة البيئية السليمة‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التنمية البرشية‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬االقتصاد البيئي‪:‬‬

‫خامساً‪ :‬التكنولوجيا السليمة بيئيا ‪-‬التكنولوجيا النظيفة‪:‬‬

‫سادساً‪ :‬االعتامد عىل الذات والتعاون الدويل للمشكالت البيئية العاملية‪:‬‬

‫‪-1-‬أهداف التنمية املستدامة‬

‫‪-6-‬أبعاد التنمية املستدامة‬

‫أوالً‪ :‬البعد األول‪ :‬البعد االقتصادي‪:‬‬

‫م‬
‫ثانياً‪ :‬البعد الثاين‪ :‬البعد البيئي‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬البعد الثالث‪ :‬البعد البرشي واالجتامعي‪:‬‬

‫‪-7-‬مؤرشات التنمية‬

‫أوالً‪ :‬مؤرشات القوة الدافعة‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬مؤرشات الحالة‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مؤرشات االستجابة‪:‬‬

‫‪-5-‬املؤرشات القطاعية للتنمية‬

‫أوالً‪ :‬البصمة االيكولوجية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬مؤرش املحاسبة البيئية ‪-‬املحاسبة الخرضاء‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مؤرش التنمية البرشية‪:‬‬

‫‪-9-‬املؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول ذات الصلة بجدول أعامل القرن ‪41‬‬

‫أوالً‪ :‬املؤرشات االقتصادية‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬املؤرشات االجتامعية‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬املؤرشات البيئية‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬املؤرشات املؤسسية‪:‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫ن‬
‫املقدمة‬
‫اقتصاديات التنمية ‪ Development Economics‬فرع يانع جديد‪ ,‬وشيق من فروع علم االقتصاد‪,‬‬

‫الذي يركز عىل دراسة أسباب التخلف وسبل الخروج منها باتباع إسرتاتيجيات وسياسات معينة‪ ,‬كام‬

‫يهتم هذا العلم بالتخصيص األمثل ملوارد اإلنتاج النادرة ومنوها مع مرور الزمن‪ ,‬فضال عن دراسة‬

‫الرتابط بني البنية االقتصادية و السياسية واالجتامعية وكيفية تغيري هذه البنية مبا يسمح بحدوث‬

‫تحسينات مستمرة يف مستوى املعيشة و القضاء عىل الجهل والتخلف‪.‬‬

‫ومنذ نهاية الحرب العاملية الثانية حظي موضوع التنمية باهتامم بالغ سواء عىل مستوى الشعوب و‬

‫الحكومات‪ ,‬وتزايد إحساس الشعوب بانقسام دول العامل إىل بالد متقدمة وأخرى متخلفة‪ ,‬بالد غنية‬

‫تضم أقل من خمس سكان العامل وتحصل عىل ثلثي الدخل العاملي‪ ,‬وبالد فقرية تعيش مأساة التخلف‬

‫وتضم عىل مساحاتها أكرث من ثلثي سكان العامل بينام يقل نصيبها عن سبع الدخل العاملي‪ ,‬وتتوسط‬

‫هاتان املجموعتان مجموعة من البالد متوسطة الدخل تضم أقل من سبع سكان العامل وتحصل عىل‬

‫خمس الدخل العاملي‪ .‬وملا كانت الدول املتخلفة تقع يف معظمها يف جنوب الكرة األرضية والدول‬

‫املتقدمة تقع معظمها يف شاملها‪ ,‬فقد فرق االقتصاديون بني شامل متقدم وجنوب متخلف‪ ,‬لتزداد‬

‫أهمية التنمية للدول املتخلفة والتي يطلق عليها تأدبا الدول النامية‪ ,‬والتي تسعى إىل عبور فجوة‬

‫التخلف وتأمل يف تخطيها لإللحاق بركب التقدم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ولقد أصبح العامل يعي أكرث من السابق أن معظم الحروب والثورات يف عرصنا هذا يرجع إىل وجود‬

‫فجوة التخلف السحيقة التي تفصل "الذين ميلكون" عن "الذين ال ميلكون"‪ .‬أصبحت املشكالت التي‬

‫تواجه الدول النامية يف سعيها الدؤوب لتحسني مستوى معيشة شعوبها‪ ,‬وتطوير اقتصادياتها والنهوض‬

‫بها ملواكبة عجلة التقدم االقتصادي العاملي من أهم التحديات التي تواجه حكومات هذه البالد منذ‬

‫حصولها عىل استقاللها السيايس‪.‬‬

‫ولقد شهد عقد السبعينات تغريات جذرية يف مفهوم التنمية‪ ,‬حيث أصبح أكرث شموال من مجرد الزيادة‬

‫يف الدخل والناتج القومي اإلجاميل‪ ,‬لكون التنمية بذلك املفهوم الضيق مل تعد كافية لحل املشكالت‬

‫املزمنة التي تعاين منها الدول النامية واملتمثلة يف الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل‪ ,‬وبدأ التحول إىل‬

‫التنمية الشاملة وتبني سياسات هادفة تتمثل يف إزالة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة يف توزيع الدخل‬

‫القومي‪ ,‬لتصبح هذه األهداف هي املعايري الحقيقية للحكم عىل مدى نجاح وفشل السياسة اإلمنائية‬

‫ألي بلد‪ ,‬ويؤكد االقتصادي الباكستاين "محبوب الحق" بأن التنمية يجب أن تعني توسيع خيارات كافة‬

‫أفراد املجتمع يف جميع الحقول االقتصادية والسياسية والثقافية‪ ,‬كام أن التنمية بدون عدالة يف توفري‬

‫الفرص للجميع تعني تحديد الخيارات لكثري من األفراد يف املجتمع‪.‬‬

‫بعد أن أخفقت الدول النامية يف تحقيق طموحاتها يف مجال التنمية خالل عقد السبعينات‪ ,‬جاء عقد‬

‫الثامنينات ليقيض عىل معظم اآلمال بسبب التغريات الجذرية التي طرأت عىل املرسح العاملي عىل‬

‫الصعيدين االقتصادي والسيايس‪ ,‬والتي تسببت بإلحاق أرضار كبرية بهذه البلدان مام أدى بكثري من‬

‫الكتاب املهتمني بقضايا التنمية والعالقات الدولية بوصف هذه الحقبة الزمنية "العقد الضائع"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فعىل الصعيد االقتصادي شهد االقتصاد العاملي خالل النصف الثاين من عقد الثامنينات فرتة ركود‬

‫اقتصادي استمرت حتى أوائل عقد التسعينات‪ .‬أما عىل الصعيد السيايس‪ ,‬فقد جاء تفكك االتحاد‬

‫السوفيتي يف أوائل عقد التسعينات وتحول جمهورياته وبلدان أوروبا الرشقية من االقتصاد املخطط‬

‫مركزيا إىل اقتصاد السوق ليشكل رضبة قوية إىل القوة التساومية التي كانت تتمتع بها البلدان النامية‬

‫يف عالقاتها الدولية‪.‬‬

‫ولقد اشتدت املشكالت التي تواجه العامل النامي حدة منذ أوائل التسعينات نتيجة الديناميكية‬

‫الرسيعة لألحداث الدولية بعد انهيار االتحاد السوفيتي‪ ,‬وزيادة الضغوط التي تواجه هذه الدول من‬

‫قبل املنظامت الدولية والرامية إىل وجوب تقليص دور القطاع العام يف النشاط االقتصادي وتحرير‬

‫االقتصاديات النامية من كافة أشكال القيود وبالتايل فتح أسواقها أمام املنافسة الخارجية‪ .‬كام وقد شهد‬

‫العامل الغريب تحوالت عىل الصعيدين االقتصادي والسيايس كان من نتائجها تدعيم هيمنة البلدان‬

‫املتقدمة عىل االقتصاد العاملي‪ ,‬فتحقيق دول أوروبا الغربية لوحدتها االقتصادية والسياسية‪ ,‬واستكامل‬

‫الواليات املتحدة األمريكية وكندا واملكسيك الجراءاتهم التفاقية التجارة الحرة‪ ,‬فضال عن تكثيف‬

‫الجهود اليابانية ودول جنوب رشق آسيا لتكوين تجمع اقتصادي مواز‪ ,‬كلها تحوالت أضعفت من قوة‬

‫الدول النامية وانعكست يف صورة تراجعات يف معدالت النمو االقتصادي وزيادة أعباء املديونية وقد‬

‫متيزت هذه الحقبة باقتصاديات العامل الجديد أو القطب الواحد‪.‬‬

‫وآزاء كل تلك التطورات السياسية واالقتصادية الرسيعة عىل الساحة الدولية كان لزاما عىل الدول‬

‫النامية أن تعيد النظر يف سياسيتها اإلمنائية ومحاولة التكيف بصورة أقوى مع األوضاع االقتصادية‬

‫الدولية الجديدة أو ما يعرف بالعوملة وثورة املعلوماتية‪ ,‬فلم تعد التنمية قضية اقتصادية فحسب إمنا‬

‫أضحت قضية حضارية تتداخل فيها عوامل البيئة السياسية واالجتامعية‬

‫‪3‬‬
‫وجميع عوامل النهضة الحضارية‪ ,‬ونظراً لزيادة املضطردة لحاجة اإلنسان للعديد من السلع والخدمات‬

‫األساسية منها والكاملية‪ ,‬وغري ذلك من الدوافع التي تدعو رضورة األخذ بالتخطيط نهجاً للتنمية‬

‫االقتصادية واالجتامعية يف الدول املتقدمة وبصورة أوضح يف الدول النامية‪.‬‬

‫ويحاول هذا الكتاب االجابة عىل تساؤالت كثرية مام قد سبق‪,‬ويتكون الكتاب من بابني‪:‬‬

‫الباب االول ويحتوى عىل ثالث فصول‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬متهيدى يتضمن ماهية التنمية‬

‫الفصل الثاىن‪ :‬يتضمن التنمية االقتصادية والنمو االقتصادى‬

‫الفصل الثالث‪ :‬يتضمن نظريات التنمية االقتصادية والنمو االقتصادى‬

‫اما الباب الثاىن فيحتوى عىل ثالث فصول‪:‬‬

‫الفصل االول‪ :‬يتضمن التنيمة االقتصادية والتخلف والسياسات االقتصادية‪.‬‬

‫الفصل الثاىن‪ :‬يتضمن التنمية االقتصادية والتمويل‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬يتضمن التنمية املستدامة‪.‬‬

‫وىف النهاية ال يسعدنا ان أن نشكر املوىل عزوجل ىف توفيقه لنا باخراج هذا الكتاب ىف صورة تحظى‬

‫بالقبول العام‪.‬‬

‫واخر دعواتنا أن الحمد لله رب العاملني‬

‫د‪ /‬أحمد جابر بدران‬

‫‪4‬‬
‫الباب األول‬
‫التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية التنمية‪:‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬التنمية االقتصادية و النمو االقتصادى‪:‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬نظريات التنمية االقتصادية والنمواالقتصادى‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‬
‫ماهية التنمية‬
‫يعترب موضع التنمية من أهم املوضوعات التي تشغل تفكري الجيل املعارص من االقتصاديني سواء يف‬

‫البالد التي بلغت اقتصادياتها درجة عالية من التقدم أو يف البالد التي ال تزال حديثة النمو‪.‬‬

‫وتعترب املشكلة األساسية التي تواجه البالد املتخلفة هو الركود املزمن الذي تعيش فيه وأصبح الخروج‬

‫من حالة الركود هو الهدف الرئييس للسياسات االقتصادية يف هذه البالد‪ .‬وتعيش تلك الدول يف جمود‬

‫نشأ عن الركود املزمن الذي عاشت فيه زمناً طويالً‪.‬‬

‫وتتطلب علمية التنمية تحطيم هذا الجمود حتى يكون االقتصاد القومي قادراً عىل الحركة الذاتية‬

‫ولذلك تعني األبحاث يف موضوع التنمية بدراسة مظاهر الجمود حتى يكون االقتصاد القومي قادراً عىل‬

‫الحركة الذاتية ولذلك تعني األبحاث يف موضوع التنمية بدراسة مظاهر الجمود االقتصادي وكيفية‬

‫التغلب عليه‪.‬‬

‫وسوف نتناول ىف هذا الفصل مفهوم التنمية و انواع التنمية واهدافها وخصائصها ثم الفرق‬

‫بني مفهوم التنمية و بعض املفاهيم املشابهة لها‪.‬‬

‫‪-1-‬مفهوم التنمية‬

‫أوالً‪ :‬التنمية لغة هي‪ :‬النامء أو االزدياد التدريجي‪.‬‬

‫مثال نقول منا املال أى ازداد وكرث‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ثانياً‪ :‬التنمية اصطالحاً‪ :‬يستخدم اصطالح التنمية عادة يف املستويات االقتصادية واالجتامعية وغريها‪,‬‬

‫ولعل أول من استعمل هذا املصطلح هو " بوجني ستيىل " حني اقرتح خطة تنمية العامل سنة ‪1559‬م‪.‬‬

‫وقد تعدد وتنوعت تعريفات التنمية فعرفت التنمية بأنها‪:‬‬

‫"العملية التي تبذل بقصد‪ ,‬ووفق سياسة عامة إلحداث تطور وتنظيم اجتامعي واقتصادي للناس‬

‫وبيئاتهم‪ ,‬سواء كانوا يف مجتمعات محلية أم إقليمية؛ باالعتامد عىل املجهودات الحكومية واألهلية‪ ,‬عىل‬

‫أن يكتسب كل منهم قدرة أكرب عىل مواجهة مشكالت املجتمع نتيجة لهذه العمليات"‪.‬‬

‫وتعرف التنمية كذلك بأنها‪" :‬عملية مجتمعية تراكمية تتم يف إطار نسيج من الروابط بالغ التعقيد‪,‬‬

‫بسبب تفاعل متبادل بني العديد من العوامل االقتصادية واالجتامعية والسياسية واإلدارية‪ ,‬واإلنسان‬

‫هدفها النهايئ ووسيلتها الرئيسية "‪.‬‬

‫كام أنها عـرفت بأنها‪" :‬عملية تعبئة وتنظيم جهود أفراد املجتمع وجامعته‪ ,‬وتوجيههـا للعمل املشرتك‬

‫مع الهيئات الحكومية بأسالـيب دميقراطية لحل مشاكل املجتمع‪ ,‬ورفع مستوى أبنائه اجتامعيا‬

‫واقتصاديا وصحيا وثقافيا‪ ,‬ومقابلة احتياجاتهم باالنتفاع الكامل لكافة املوارد الطبيعية والبرشيـة‬

‫والفنية واملالية املتاحة‪.‬‬

‫فالتنمية هي العمليات املقصودة التي تسعى إىل إحداث النمو بطريقة رسيعة ضمن خطط مدروسة‪,‬‬

‫ويف فرتات زمنية معينة‪ ,‬وتخضع لإلرادة البرشية‪ ,‬وتحتاج إىل دفعة قوية تفرزها قدرات إنسانية‬

‫بإمكانها إخراج املجتمع من حالة السبات إىل حالة الحركة والتقدم‪ ,‬كام أنها تتطلب حكام تسري نحوه‬

‫إىل األفضل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ونستنتج من ذلك أن التنمية هي فعل إرادي واع‪ ,‬تحكمها سلطة مريدة ومخططة‪ ,‬ومبا أن اإلسالم ال‬

‫يحرص التنمية يف الجانب املادي بل يتعداه إىل اإلنسان أي الفرد واملجتمع‪ ,‬فالتنمية حتى تكون شاملة‬

‫وكاملة البد من تضافر كل الجهود سواء كانت فردية أو جامعية‪.‬‬

‫وهناك نظرتني ملفهوم التنمية‪:‬‬

‫النظرة األوىل‪ :‬تعتمد عىل التنمية هي‪" :‬عملية" عىل اعتبارات أن التغريات البنائية الناجمة عنها تؤدي‬

‫إىل ردود أفعال يف كافة األنساق وبالتايل يف الوظائف املرتبطة بها وكذلك ألنها مجموعة من الخطوات‬

‫املتتالية واملتداخلة والتي تؤدي إىل تحقيق غايات محد ّدة‪ ,‬وهي تسري يف اتجاه واحد‪.‬‬

‫أما النظرة الثانية‪ :‬فتنظر إىل التنمية بوصفها "أداة" وهذا يرجع إىل اعتبار أن التنمية أو باألحرى خطة‬

‫التنمية ليست هدفا يف حد ذاتها ولكنها وسيلة لتحقيق األهداف التي تحقق طموحات املجتمع ورمبا‬

‫يعكس هذا مفهوم " اإلرادة" بالنسبة للمجتمع ‪.‬‬

‫ولكن عمد الباحثني عىل دراستها كعملية ‪ process‬وليس كأداة أو حالة‪ .‬وهي تحقيق زيادة تراكمية‬

‫رسيعة يف الخدمات وهي تغري إيجايب يهدف به نقل املجتمع من حالة إىل حالة أفضل"‪.‬‬

‫‪-4-‬أنواع التنمية‬

‫يتطلب نجاح التنمية وجود أعداد وفرية من الكفاءات اإلدارية والتنظيمية‪ ,‬وتوسيع الجهاز الحكومي‪,‬‬

‫وإعادة تنظيمه وتدعيمه بهذه الكفاءات؛ ملقابلة احتياجات عملية التنمية‪ ,‬كام يتطلب إعادة التفكري‬

‫يف تحديث وإدخال أفكار جديدة داخل بعض التنظيامت واملؤسسات االقتصادية واالجتامعية‬

‫والسياسية والثقافية والبيئية التي تعمل عىل إشباع الحاجات األساسية والثانوية‪ ,‬وتنقسم التنمية إىل‬

‫ما ييل‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫أوالً‪ :‬التنمية االقتصادية‪ :‬هي عملية تستخدم فيها الدولة املوارد املتاحة لتحقيق معدل رسيع للتوسع‬

‫االقتصادي‪ ,‬يؤدي بالرضورة إىل زيادة مطردة يف دخلها القومي‪ ,‬لكن لن يحدث هذا إال إذا تم التغلب‬

‫عىل املعوقات االقتصادية وتوفر رأس املال والخربة الفنية والتكنولوجية ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التنمية االجتامعية‪ :‬هي الجهود التي تبذل إلحداث سلسلة من املتغريات الوظيفية والهيكلية‬

‫الالزمة لنمو املجتمع‪ ,‬وذلك بزيادة قدرة أفراده عىل استغالل الطاقات املتاحة إىل أقىص حد‪ ,‬لتحقيق‬

‫قدر من الحرية والرفاهية لألفراد بأرسع من معدل للنمو الطبيعي‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التنمية السياسية‪ :‬هي دراسة التنظيم الرسمي للحكومة واإلدارة املركزية واملحلية‪ ,‬ودراسة‬

‫املشكالت التطبيقية يف التنظيم واإلجراءات؛ بغية تحقيق التكامل بني القضايا الوصفية والتقوميية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التنمية الثقافية‪ :‬هي التغيري الذي يحدث يف الجوانب املادية وغري املادية للثقافة‪ ,‬مبا فيها العلوم‬

‫والفنون والفلسفة والتكنولوجيا واألذواق‪ ,‬باإلضافة إىل التغيري الذي يحدث عىل مستوى بنيان املجتمع‬

‫ووظائفه‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬التنمية البيئية (املستدامة)‪ :‬هي التي تلبي احتياجات الحارض دون أن يعرض للخطر قدرة‬

‫األجيال التي من شأنها أن تقودنا إىل مامرسة النوع الصحيح من النمو االقتصادي القائم عىل التنوع‬

‫الحيوي والتحكم يف األنشطة الضارة بالبيئة‪ ,‬وتجديد املواد القابلة للتجديد وحامية البيئة الطبيعية‪.‬‬

‫‪-4-‬أهداف التنمية‬

‫تهدف التنمية إىل ما ييل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تحسني حياة البرش؛ من خالل رفع إشباع الحاجات األساسية للفرد وتحقيق ذاته اإلنسانية‪,‬‬

‫وتحسني فرص العدالة االقتصادية واالجتامعية وفرص املشاركة يف العمليات السياسية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثانياً‪ :‬إحداث سلسلة من املتغريات الوظيفية والهيكلية الالزمة لنمو املجتمع؛ وذلك بزيادة قدرة أفراده‬

‫عىل استغالل الطاقة املتاحة لتحقيق أكرب قدر من الحرية والرفاهية بأرسع من معدل النمو الطبيعي‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬االنتقال إىل مرحلة جديدة شاملة اإلنتاج واإلنسان ومقدراته وفرص حياته ومشاركته اإليجابية‬

‫عىل مستوى مغاير ملرحلة سابقة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬تهيئة سيطرة اإلنسان عىل بيئته وإمكانيته وطاقاته لبناء حارضه ومستقبله من واقع الشعور‬

‫مبسؤولية االنتامء االجتامعي والقدرة عىل املنافسة يف عامل يحكمه منطق الرصاع‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬تأمني زيادة مستمرة يف متوسط دخل الفرد عرب فرتة ممتدة من الزمن‪ ,‬وإىل إنشاء التنظيم‬

‫السيايس املمثل ملصالح القوى صاحبة املصلحة الحقيقية يف التنمية‪ ,‬وإيجاد أعداد وفرية من الكفاءات‬

‫اإلدارية والتنظيمية‪ ,‬وإجراء تغيريات يف القيم والعادات وخلق مؤسسات وتنظيامت جديدة‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬إزالة جميع املصادر الرئيسية لبقاء التخلف منها والفقر والطغيان وضعف الفرص االقتصادية‬

‫وكذا الحرمان والقهر االجتامعي والسيايس‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬تهدف التنمية اإلسالمية إىل إقامة مجتمع يتمتع بأعىل مستويات املعيشة الطيبة من خالل‬

‫الزيادة يف اإلنتاج إىل أقىص حد ممكن‪ ,‬وتحقيق الكفاية لكل واحد سواء بجهوده الخاصة أو العامة‬

‫وتحقيق الوفرة االقتصادية إىل جانب الرفاهية االجتامعية‪.‬‬

‫‪-3-‬خصائص التنمية‬

‫أوالً‪ :‬التنمية هي عملية وليست حالة‪ ,‬وبالتايل فإنها مستمرة ومتصاعدة تعبريا عن احتياجات املجتمع‬

‫وتزايدها‪.‬‬

‫‪01‬‬
‫ثانياً‪ :‬التنمية عملية مجتمعة يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجامعات يف املجتمع‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التنمية عملية واعية إذن هي ليست عملية عشوائية بل محددة الغايات واألهداف‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التنمية عملية موجهة مبوجب إدارة للتنمية تعني الغابات املجتمعة وتلزم بتحقيقها‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬إ يجاد تحوالت هيكلة وهذا ميثل إحدى السامت التي متيز عملية التنمية الشاملة عن النمو‬

‫االقتصادي ‪ ,‬وهذه التحوالت بالرضورة هي تحوالت يف اإلطار السيايس واالجتامعي واالقتصادي‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬بناء قاعدة وإيجاد طاقة إنتاجية ذاتية وال تعتمد عن الخارج أي مرتكزات البناء تكون محلية‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬تحقيق تزايد منتظم أي عرب فرتات زمنية طويلة‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬زيادة يف متوسط إنتاجية الفرد أي بتعبري اقتصادي آخر هو تزايد متوسط الدخل الحقيقي للفرد ‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬تزايد قدرات املجتمع السياسية واالقتصادية واالجتامعية ويجب أن يكون التزايد متصاعدا وهو‬

‫الوسيلة لبلوغ غاياته‪.‬‬

‫عارشاً‪ :‬اإلطار اإلجتامعي‪ -‬السيايس‪ :‬يتضمن آلية التغري وضامنات استمراره ويتمثل ذلك يف نظام‬

‫الحوافز القائم عىل أساس الربط بني الجهد واملكافأة‬

‫‪-1-‬الفرق بني مفهوم التنمية وبعض املفاهيم املشابهة لها‬

‫إن الكثري من الباحثني واألكادمييني واملتتبعني ملوضوع التنمية يقعون يف مغالطات وأخطاء هذا‬

‫املصطلح أو املفهوم حيث يخلصون بينه وبني مجموعة من املصطلحات املشابهة له سواء من حيث‬

‫التقارب اللغوي كمصطلح " النمو" أو من حيث التشابه يف املدلول كمصطلح التحديث أو التطور‬

‫وغريهم من املصطلحات املتقاربة لهذا املصطلح‪ .‬وأهم الفروقات بني مفهوم التنمية وبقية املصطلحات‬

‫تتمثل فيام ييل‪:‬‬

‫‪00‬‬
‫أوالً‪ :‬الفرق بني التنمية ومصطلح ال ّنمو‪ :‬إن إصطالح النمو يشري إىل عملية الزيادة الثابتة أو املستمرة‬

‫معني من جوانب الحياة‪ ,‬أما التنمية فهي عبارة عن تحقيق زيادة رسيعة تراكمية‬
‫التي تحدث يف جانب ّ‬

‫ودامئة خالل فرتة من الزمن والنمو يحدث يف الغالب عن طريق التطور البطيء والتحول التدريجي‪ ,‬أ ّما‬

‫التنمية والتخلف إىل حالة التقدم والنمو ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الفرق بني التنمية والتغري‪ :‬إن التغري ال يؤدي بالرضورة إىل التقدم واالرتقاء واالزدهار‪ ,‬فقد يتغري‬

‫اليشء إىل السالب بينام هدف التنمية هو التغري نحو األفضل بوترية متصاعدة ومتقدمة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الفرق بني التنمية و التطور‪ :‬إن التطور مفهوم يعتمد باألساس عىل التصور الذي يفرتض أن كل‬

‫املجتمعات متر خالل مراحل محد ّدة ثابتة يف مسلك يندرج من أبسط األشكال إىل أعقدها‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التقدم مصطلح يأيت كمرحلة أخرية ونهائية بعد حدوث التنمية والتنمية الشاملة‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬التنمية والتحديث‪ :‬كثريا ما يكون الخلط بني مفهوم التنمية ومفهوم التحديث‪ ,‬فاألول يعني‬

‫باإلضافة إىل ما رأيناه سابقا يف التعريفات الزيادة يف القدرة اإلنتاجية بشكل يرفع مستوى املعيشة‬

‫ماديا وثقافيا وروحيا مصحوبا بقدرة ذاتية متزايدة عىل حل مشاكل التنمية‪ ,‬أما التحديث فهو جلب‬

‫رموز الحضارة الحديثة وأدوات الحياة العرصية مثل التجهيزات التكنولوجية واملعدّ ات اآللية والسلع‬

‫االستهالكية‪ ,‬ومل تصمد نظريات التحديث أمام االنتقادات لسبب بسيط جدا وهو أنها تجاهلت‬

‫الخصائص النوعية للعامل الثالث أو املتخلف‪ ,‬ووقوع هذه النظريات التحديثية أسرية للنموذج الغريب‪,‬‬

‫ألنها مل تهتم بحقيقة النمو االجتامعي واإلمكانات الذاتية للعامل الثالث‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫التنمية االقتصادية و النمو االقتصادى‬
‫تعترب قضية التنمية االقتصادية هى غاية النظم االقتصادية املختلفة سواء كانت اشرتاكية أو رأساملية أو‬

‫خليط منها‪ ,‬لذا يعترب النمو االقتصادي من أهم األهداف السياسية للحكومات يف مختلف بلدان العامل‪,‬‬

‫سواء املتقدمة منها أو املتأخرة‪.‬‬

‫ولذلك يعترب برامج التنمية االقتصادية من أهم أطروحات األحزاب املتطلعة إىل الحكم‪ ,‬وعىل أساسها‬

‫يقاس نجاح الحكومات أو إخفاقها‪ ,‬كام تجري عىل أساسها محاسبة الحكام من قبل شعوبهم‪.‬‬

‫ومل تعد التنمية االقتصادية مجرد قيمة يدعى الناس إليها و ُيشَ ّجعون عليها فحسب‪ ,‬بل أصبحت الشغل‬

‫الشاغل للهيئات الترشيعية واملجالس التنظيمية يف البالد‪ .‬ومن ثَ َّم أصبحت مناقشة امليزانية‪ ,‬وأسعار‬

‫العمالت‪ ,‬ومعدالت النمو‪ ,‬والتضخم‪ ,‬والبطالة من أهم أعامل مجالس الشعوب وكافة الدوائر الحاكمة‪.‬‬

‫وعىل أساس هذا املصطلح جرى تصنيف دول العامل إىل دول العامل األول‪ ,‬والثاين‪ ,‬والثالث كام جرى‬

‫تصنيفه إىل دول متقدمة‪ ,‬ودول نامية‪ ,‬ودول أقل من ّواً‪ .‬وعىل أساسه أيضاً تقوم إحصاءات لحساب ما‬

‫يعرف بالدخل القومي للبالد املختلفة‪ ,‬وبه يتم تحديد متوسط دخل الفرد سنويّاً‪.‬‬

‫وسوف نتناول ىف هذا الفصل مفهوم التنمية االقتصادية وتطوره‪ ,‬وأهمية وأهداف التنمية االقتصادية‪,‬‬

‫والنمو االقتصادي ومحدداته و مراحله‪ ,‬وكيفية قياس وتحليل النمو االقتصادى‪ ,‬و الفرق بني التنمية‬

‫االقتصادية والنمو االقتصادي‪ ,‬و تصنيف الدول وفق معيار النمو والتنمية‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫‪-1-‬مفهوم التنمية االقتصادية وتطوره‬

‫مر مفهوم التنمية االقتصادية بعدة تطورات‪:‬‬

‫‪ -‬فخالل عقدي األربعينات والخمسينات كان ينظر للتنمية عىل أنها ارتفاع مستوى دخل األفراد‪ ,‬وكان‬

‫هذا مرادفا ملفهوم النمو االقتصادي؛ حيث كان ينظر بعض االقتصاديني للتنمية االقتصادية عىل أنها‬

‫عملية يزداد فيها الدخل الوطني ومتوسط دخل الفرد‪ ,‬باإلضافة إىل تحقيق معدالت منو مرتفعة يف‬

‫قطاعات معينة تعرب عن التقدم‪.‬‬

‫‪ -‬وخالل عقد الستينات أصبحت التنمية االقتصادية تعني مدى قدرة االقتصاد الوطني عىل تحقيق‬

‫زيادة سنوية من الناتج الوطني بحيث يكون أعىل من معدل زيادة السكان‪.‬‬

‫‪ -‬وبعد أن صاحب ارتفاع معدالت النمو االقتصادي زيادة يف عدد الفقراء‪ ,‬وارتفاع معدالت البطالة‪,‬‬

‫أعيد يف منتصف السبعينات مفهوم التنمية لتصبح عملية تخفيض أو القضاء عىل الفقر وسوء توزيع‬

‫الدخل والبطالة‪ ,....‬وذلك من خالل الزيادة املستمرة يف معدالت النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬ومع حلول الثامنينات شهدت الدول النامية تدهورا يف مستوى الدخل الحقيقي ألسباب داخلية‬

‫وخارجية مام أدى إىل لجوئها لالقرتاض الخارجي‪ ,‬ومن ثم استرتاف الكثري من مواردها الطبيعية للوفاء‬

‫بالتزاماتها الخارجية‪ ,‬ونتيجة لذلك أصبح هناك اهتامما مبفهوم التنمية‪.‬‬

‫وعملية التنمية االقتصادية هي عملية متواصلة‪ ,‬تساهم يف زيادة الدخل القومي للبالد‪,‬‬

‫‪04‬‬
‫إال أن الزيادة املطردة يف املكان‪ ,‬واملنافسة الشديدة بني األنشطة املختلفة‪ ,‬وعوامل التلوث البيئي‪,‬‬

‫واإلرساف يف استخدام املوارد االقتصادية‪ ,‬تشكل جميعها قاعدة التحديات التي تقف يف مواجهتها‬

‫مجموعة من األهداف‪ ,‬والتي تتمثل يف املحافظة عىل تلك املوارد املتوفرة وتنميتها‪ ,‬والعمل عىل زيادة‬

‫كمياتها والحد من التلوث وتحسني نوعيتها‪.‬‬

‫والطلب عىل مورد معني إمنا هو طلب مشتق من الطلب عىل املنتجات النهائية الجاهزة للفائدة‬

‫البرشية‪ ,‬واملنتجة من هذا املورد‪ ,‬فمثال البرتول يف صورته األولية رمبا ال يصلح إلشباع الحاجات‬

‫البرشية‪ ,‬ولكن بعد سلسلة من العمليات االقتصادية يصري اشتقاق العديد من املنتجات البرتولية التي‬

‫يطلبها اإلنسان سواء الستعاملها كوقود لسيارته‪ ,‬أو للتدفئة‪ ,‬أو لتوليد الكهرباء‪.‬‬

‫ومن هنا فإن طلب مورد معني‪ ,‬يتحدد بزيادة أو بنقص مدى تقدم املعارف العلمية البرشية والتي‬

‫يرتتب عليها إما زيادة الحاجة إىل مورد معني‪ ,‬وذلك بتقديم العديد من الخدمات والسلع الجديدة‬

‫التي تتطلبها‪ ,‬وإما بالنقص وهذا ينتج عن اكتشاف بديل أقل تكلفة‪.‬‬

‫ونخلص من ذلك اىل ان التنمية االقتصادية هى عبارة عن مجموعة من السياسات واالجراءات والتدابري‬

‫املقصودة واملوجهة من أجل تغيري هيكل االقتصاد القومى بهدف تحقيق زيادة رسيعة ومستمرة ىف‬

‫متوسط دخل الفرد الحقيقي عرب فرتة ممتدة من الزمن بحيث تعود مثار هذه التنمية عىل الغالبية‬

‫العطمى من االفراد‪.‬‬

‫وهكذا فان التنمية االقتصادية هى عملية حضارية شاملة ترتبط بخلق أوضاع جديدة ومتطورة ‪ ,‬كام‬

‫انها تعتمد بدرجة كبرية عىل جدية صانعى القرارات االقتصادية والسياسية ىف الدولة والتزامهم بتحقيق‬

‫التغري من الواقع املتخلف اىل واقع متقدم ىف كافة املجاالت االقتصادية واالجتامعية والثقافية ‪ ,‬واميانهم‬

‫بأن التنمية تتم باالنسان ومن أجل االنسان‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫‪-4-‬أهمية وأهداف التنمية االقتصادية‬

‫للتنمية االقتصادية أهداف عديدة تدور كلها حول رفع مستوى املعيشة فالشعوب يف املناطق املتخلفة‬

‫ال تنظر إىل التنمية باعتبارها غاية يف حد ذاتها وإمنا تنظر إليها عىل أنها وسيلة لتحقيق غايات أخرى‪.‬‬

‫ورمبا يكون من الصعب عىل املرء أن يحدد أهدافا معينة يف هذا املجال‪ .‬نظرا الختالف ظروف كل‬

‫دولة‪ ,‬واختالف أوضاعها االجتامعية والسياسية واالقتصادية إال أنه ميكن إبراز بعض األهداف األساسية‬

‫التي يجب أن تتبلور حولها الخطة العامة للتنمية االقتصادية واالجتامعية يف الدول املتخلفة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬زيادة الدخل القومي‪ :‬تعترب زيادة الدخل القومي من أول أهداف التنمية االقتصادية يف الدول‬

‫املتخلفة‪ ,‬بل هي أهم هذه األهداف عىل وجه اإلطالق‪ .‬وذلك أن الغرض األسايس الذي يدفع هذه‬

‫البالد إىل القيام بالتنمية االقتصادية إمنا هو فقرها وانخفاض مستوى معيشة سكانها وازدياد منو عدد‬

‫سكانها‪ ,‬وال سبيل إىل القضاء عىل هذا الفقر‪ .‬وانخفاض مستوى املعيشة‪ ,‬وتحاىش تفاقم املشكلة‬

‫السكانية إال بزيادة الدخل القومي‪.‬‬

‫والدخل القومي الذي نقصد زيادته هنا هو الدخل القومي الحقيقي ال النقدي أي ذلك الذي يتمثل يف‬

‫السلع والخدمات التي تنتجها املوارد االقتصادية املختلفة يف خالل فرتة زمنية معينة‪.‬‬

‫وليس هناك من شك يف أن زيادة الدخل القومي الحقيقي يف أي بلد من البلدان‪ ,‬إمنا تحكمه عوامل‬

‫معينة كمعدل الزيادة يف السكان وإمكانيات البلد املادية والفنية مثال‪ ,‬فكلام كان معدل الزيادة يف‬

‫السكان كبريا‪ ,‬كلام اضطرت الدولة إىل العمل عىل تحقيق نسبة أعىل للزيادة يف دخلها القومي‬

‫الحقيقي‪ ,‬غري أن حدود هذه الزيادة من جهة أخرى تتوقف عىل إمكانيات الدولة املادية والفنية‪,‬‬

‫‪06‬‬
‫فكلام توافرت رؤوس أموال وكفاءات أكرب كلام أمكن تحقيق نسبة أعىل للزيادة يف الدخل القومي‬

‫الحقيقي‪ ,‬وبالعكس كلام كانت هذه العوامل نادرة‪ .‬فإن نسبة ما ميكن تحقيقه من زيادة يف الدخل‬

‫القومي الحقيقي عادة ما تكون صغرية نسبيا‪.‬‬

‫وعموما ميكن القول بأن زيادة الدخل القومي الحقيقي أيا كان حجم هذه الزيادة أو نوعها‪ .‬إمنا تعترب‬

‫من أوىل أهداف التنمية االقتصادية وأهمها عىل اإلطالق يف الدول املتخلفة إقتصاديا‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬رفع مستوى املعيشة‪ :‬يعترب تحقيق مستوى مرتفع للمعيشة من بني األهداف الهامة التي تسعى‬

‫التنمية االقتصادية إىل تحقيقها يف الدول املتخلفة إقتصاديا‪.‬‬

‫ذلك أنه من املعتذر تحقيق الرضورات املادية للحياة من مأكل وملبس ومسكن ما مل يرتفع مستوى‬

‫املعيشة للسكان وتلك املناطق‪ .‬وبدرجة كافية لتحقيق مثل هذه الغايات‪.‬‬

‫فالتنمية االقتصادية ليست مجرد وسيلة لزيادة الدخل القومي السنوي فحسب وإمنا هي أيضا وسيلة‬

‫لرفع مستوى املعيشة بكل ما يضمنه هذا التعبري من معاين‪.‬‬

‫ذلك ألن التنمية االقتصادية إذا وقفت عند حد خلق زيادة يف الدخل القومي فإن هذا قد يحدث فعال‪.‬‬

‫غري أن هذه الزيادة قد ال تكون مصحوبة بأي تغيري يف مستوى املعيشة‪ .‬ويحدث ذلك عندما يزيد‬

‫السكان بنسبة أكرب من نسبة الزيادة يف الدخل القومي‪ ,‬أو عندما يكون نظام توزيع هذا الدخل مختال‪.‬‬

‫فزيادة السكان بنسبة أكرب من زيادة الدخل القومي‪ ,‬تجعل من املتعذر تحقيق زيادة يف متوسط‬

‫نصيب الفرد من هذا الدخل ومن ثم إنخفاض مستوى معيشة بالتايل‪.‬‬

‫‪07‬‬
‫كذلك الحال لو أن نظام توزيع هذا الدخل كان مختال‪ .‬فإن ما يحدث يف هذه الحالة هو تحول معظم‬

‫الزيادة التى تحققت يف الدخل القومي إىل طبقة معينة من الناس هي الطبقة املسيطرة عىل النشاط‬

‫االقتصادي‪ .‬وهي عادة ما تكون قلة‪ ,‬وبذلك يظل مستوى معيشة الجزء األكرب من السكان عىل حالة إن‬

‫مل ينخفض‪.‬‬

‫من هذا نجد أن هدفا كرفع مستوى املعيشة‪ ,‬إمنا هو من أهم األهداف التي يجب أن تعمل التنمية‬

‫االقتصادية عىل تحقيقه يف كافة البلدان املتخلفة والتي تقوم بتنمية مواردها االقتصادية‪ ,‬ولعل أقرب‬

‫مقياس للداللة عىل مستوى معيشة الفرد هو متوسط ما يحصل عليه من دخل‪ .‬فكلام كان هذا‬

‫املتوسط مرتفعا كلام دل ذلك عىل ارتفاع مستوى معيشته‪ ,‬وبالعكس كلام كان منخفضا كلام دل عىل‬

‫انخفاض مستوى معيشته بالتايل فمستوى املعيشة يقاس مبا يستهلكه الفرد من سلع وخدمات‪.‬‬

‫لذلك إذا كان رفع مستوى املعيشة هو من األهداف الهامة للتنمية االقتصادية وإذا كان متوسط نصيب‬

‫الفرد من الدخل القومي هو مقياس هذا املستوى من املعيشة فال بد أن تعمل التنمية االقتصادية عىل‬

‫زيادة متوسط دخل الفرد حتى يتسنى رفع مستوى معيشته بالتايل‪.‬‬

‫وتحقيق هذا قد ال يقف عند حد خلق زيادة يف الدخل القومي فحسب بل يجب أن ترتبط هذه‬

‫الزيادة بتغيريات يف هيكل الزيادة السكانية وطريقة توزيع الدخل القومي‪ ,‬فيجب العمل عىل تنظيم‬

‫الزيادة السكانية والتحكم يف معدالت املواليد إىل املعدل املناسب‪ ,‬وتحقيق توزيع عادل للدخل‬

‫القومي‪.‬‬

‫‪08‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تقليل التفاوت يف الدخول والرثوات‪ :‬وهذا الهدف من األبعاد االجتامعية لعملية التنمية‬

‫االقتصادية فأغلب الدول املتخلفة‪ ,‬عىل الرغم من إنخفاض الدخل القومي‪ ,‬وهبوط متوسط نصيب‬

‫الفرد من هذا الدخل‪ .‬إال أن هناك فوارق كبرية يف توزيع الدخول والرثوات‪ .‬إذ تستحوذ فئة صغرية عىل‬

‫جزء كبري من الرثوة ونصيب عادل من الدخل القومي‪ ,‬بينام ال متلك غالبية أفراد املجتمع إال نسبة‬

‫ضئيلة من الرثوة وتحصل عىل نصيب متواضع من الدخل القومي‪.‬‬

‫وال شك أن للتفاوت يف توزيع الدخول والرثوات مساوئ تتمثل يف عدم شعور األغلبية بالعدالة‬

‫االجتامعية‪ .‬كام أن هذا التفاوت مييل إىل وضع األفراد يف طبقات‪ ,‬وأهم هذه املساوئ عىل اإلطالق هي‬

‫الضياع االقتصادي فالغنياء سينفقون أموالهم يف السلع الكاملية وستوجه موارد املجتمع إىل هذه‬

‫الناحية‪ .‬هذا إن افرتضت أن الجهاز اإلنتاجي قادر عىل التحرك إلشباع الطلب املتزايد من تلك الطبقة‪.‬‬

‫ولو أننا نرى أن غالبية الدول املخلفة يعجز جهازها اإلنتاجي عن تلبيه الستهالك املظهرى الذي تتمتع‬

‫به طبقة األغنياء فتتجه الدولة إىل االسترياد من الدول املتقدمة‪ ,‬مع ما يرتبط هذا من عجز يف ميزان‬

‫املدفوعات ومتاعب اقتصادية أخرى‪.‬‬

‫وعىل ذلك فليس من الغريب أن يعترب تقليل التفاوت يف توزيع الدخول والرثوات من بني األهداف‬

‫الهامة التي يجب أن تسعى التنمية االقتصادية إىل تحقيقها بوسيلة أو بأخرى‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬بناء األساس املادي للتقدم‪ :‬من تعرفينا للتنمية االقتصادية وجدنا أنها ال تقترص عىل مجرد زيادة‬

‫الدخل القومي وزيادة متوسط نصيب الفرد‪ ,‬بل يشرتط بعض االقتصاديني أن تقرتن تلك الزيادات‬

‫مبظاهر يف التوسع يف بعض القطاعات الهامة من الناحية اإلقتصادية والفنية‪ ,‬فهناك دول كبرية تحدث‬

‫فيها زيادات هائلة يف الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد وال ميكن أن نتحدث عن تنمية إقتصادية‬

‫بتلك البالد‪.‬‬

‫‪09‬‬
‫فالتنمية اإلقتصادية يجب أن تقرتن ببناء األسايس املادي للتقدم ‪Construction Of The Material‬‬

‫‪ basis for progess‬متمثال يف قاعدة واسعة للهيكل اإلنتاجي‪ ,‬وال يأيت هذا إال ببناء الصناعات الثقيلة‬

‫والتي متد إىل االقتصاد القومي باحتياجاته الالزمة لعملية إعادة اإلنتاج ‪.Reprodusction Process‬‬

‫كذلك فإن بناء القاعدة الواسعة للهيكل اإلنتاجي ما هي إال بداية الطريق للتنمية وبعدها يختار‬

‫االقتصاد القومي طريقة تبعا السرتاتيجية التنمية االقتصادية واالجتامعية التي يأخذ بها هذا املجتمع‬

‫طبقا لظروفه وحاجته‪.‬‬

‫‪-4-‬النمو االقتصادي ومحدداته‬

‫أوالً‪ :‬ماهية النمو االقتصادي‪ :‬إذا كانت التنمية االقتصادية تعني التغريات الجذرية املقصودة يف‬

‫االقتصاد القومي مبا يرتتب عليه تنمية القطاعات االقتصادية وتصحيح االختالالت الهيكلية بينها مبا‬

‫يؤدي إىل زيادة الدخل القومي ونصيب الفرد فيه‪ ,‬فإن النمو االقتصادي "‪ "Economic Growth‬يعني‬

‫التغري التلقايئ يف االقتصاد القومي ويف مؤرشاته مبا يعني أيضا ارتفاع الدخل القومي ونصيب الفرد منه‪,‬‬

‫ولكن الفارق الجوهري بني التنمية والنمو هو أن التغريات يف حالة التنمية تكون مقصودة من جانب‬

‫الحكومة واألفراد أما التغري يف حالة النمو االقتصادي فيحدث تلقائيا طبقا لقوى السوق‪ ,‬أما يف حالة‬

‫التنمية فإن التغيري يحدث من خالل التخطيط االقتصادي الشامل وقيام الدولة بدور رئيس يف عملية‬

‫التنمية‪.‬‬

‫وهكذا ميكن أن يكون هناك منو اقتصادي دون أن تكون هناك تنمية حقيقية‪ ,‬حيث إن النمو يعني‬

‫زيادة املؤرشات االقتصادية كالدخل القومي‪ ,‬نصيب الفرد من الدخل‪ ,‬التجارة الداخلية والخارجية ‪..‬‬

‫إلخ‬

‫‪21‬‬
‫دون أن تكون هناك تغيريات مقصودة يف البنيان االجتامعي والثقايف أي بنيان القيم والعادات والتقاليد‬

‫ومستوى الصحة والتعليم‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫وحتى من الناحية اللغوية يتضح الفارق بني النمو والتنمية‪ ,‬فالنمو هو مصدر للفعل الثاليث "منا" أي‬

‫كرب وزاد تلقائيا دون تدخل‪ ,‬يف حني أن التنمية هي مصدر للفعل الرباعي "منى" أي كرب وهنا يتضح أن‬

‫الفعل يكون مقصودا ومستهدفا‪.‬‬

‫ومام تقدم يتضح أن كال من النمو االقتصادي والتنمية االقتصادية يرتتب عليه زيادة الدخل القومي‬

‫ومتوسط نصيب الفرد منه‪ ,‬إال أن مصطلح التنمية ينطوي عىل إحداث تغيريات هيكلية مقصودة يف‬

‫القطاعات االقتصاد القومي‪ ,‬وهذا األمر ليس رضوريا يف حالة النمو االقتصادي‪ ,‬كام أن التنمية‬

‫االقتصادية ترتبط بالدول النامية وبالتخطيط االقتصادي‪ ,‬يف حني أن مفهوم النمو االقتصادي يرتبط‬

‫بتفعيل قوى السوق الحر يف الدول الرأساملية املتقدمة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬محددات النمو االقتصادي‪ :‬وإذا كان هذا هو املقصود بالنمو االقتصادي‪ ,‬فام هي أهم العوامل‬

‫املحددة له؟ أهم تلك العوامل هي‪:‬‬

‫‪-1‬حجم ونوعية املوارد البرشية‪ :‬ميكن قياس النمو االقتصادي بواسطة تطور معدل الدخل الحقيقي‬

‫للفرد حيث‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫الدخل القومي اإلجاميل الحقيقي‬
‫=‬ ‫متوسط الدخل الحقيق للفرد‬
‫عددد السكان‬

‫وهكذا فكلام كانت الزيادة يف الدخل القومي أكرب من الزيادة يف السكان‪ ,‬كانت الزيادة يف متوسط‬

‫النمو يف معدل‬ ‫الدخل الحقيقي للفرد أكرب‪ ,‬وهذا يتطلب أن يكون‪ :‬النمو يف متوسط دخل الفرد‬

‫زيادة السكان‪ .‬إن زيادة عدد السكان يؤدي إىل زيادة حجم القوة العاملة‪ ,‬أي زيادة نسبة عدد السكان‬

‫القادرين عىل العمل والراغبني فيه إىل إجاميل عدد السكان‪ ,‬أي أن‪:‬‬

‫= عدد السكان يف سن العمل والقادرين عليه‬ ‫نسبة القوى العاملة‬

‫عدد السكان‬

‫وليس العربة بنسبة القوة العاملة فقط‪ ,‬وإمنا املهم هو كفاءة هذه القوة العاملة مام يتطلب رفع‬

‫مستوى تعليمهم ومستواهم الصحي والتدريبي‪ ,‬واالهتامم مبستوى التنظيم واإلدارة ونوعية اآلالت‬

‫املستخدمة يف اإلنتاج‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-4‬حجم ونوعية املوارد الطبيعية‪:‬‬

‫يعتمد اإلنتاج وكذلك النمو االقتصادي يف اقتصاد ما‪ ,‬عىل كمية ونوعية موارده الطبيعية‪ ,‬مثل درجة‬

‫خصوبة الرتبة ووفرة املعادن ومصادر املياه ومساحة الغابات وغري ذلك‪.‬‬

‫فاإلنسان يستغل املوارد الطبيعية لتحقيق األهداف االقتصادية واالجتامعية‪.‬‬

‫ومن املعلوم أن كمية ونوعية املوارد الطبيعية للمجتمع ليست ثابتة فمن املمكن للمجتمع أن يكتشف‬

‫موارد جديدة أو يطور املوارد املوجودة ويحسن نوعيتها (كاآلالت واألرايض الزراعية مثال) وذلك مبزيد‬

‫من االستثامر خاصة يف مجال البحث العلمي‪.‬‬

‫‪-4‬الرتاكم الرأساميل‪ :‬ونعني به االستثامر الجديد‪ ,‬أي عدم استهالك جزء من إنتاج االقتصاد القومي‬

‫وتوجيهه لبناء طاقات إنتاجية‪ .‬أي بناء مرشوعات البنية األساسية كالطرق والجسور والسدود‬

‫ومرشوعات الري والرصف‪ ,‬وكذلك إقامة املصانع واملنشآت مبا تحتويه من آالت ومعدات وتجيهزات‬

‫فنية‪ ,‬كل ذلك بهدف املساهمة يف النمو االقتصادي وزيادة الدخل القومي‪.‬‬

‫‪-3‬التقدم العلمي والتكنولوجي‪ :‬هذا العامل يعترب من أهم العوامل التي تحدد حجم ومعدل النمو‬

‫االقتصادي‪ ,‬فالرسعة يف تطوير وتطبيق املعرفة الفنية يؤدي إىل زيادة القدرات اإلنتاجية‪ .‬ولعل‬

‫املخرتعات التي حدثت يف القرنني (‪ )19 ,15‬يف كل من إنجلرتا والواليات املتحدة وما صاحبها من منو‬

‫اقتصادي لخري دليل عىل ما نقول‪ .‬كام أنه يف الوقت الحايل أصبح التقدم العلمي والتكنولوجي دور كبري‬

‫يف النمو االقتصادي‪ ,‬وأصبحت الدول التي "تعرف" تحقق منوا اقتصاديا أكرب وأرسع من الدول التي‬

‫"متلك" مجرد املوارد الطبيعية أو املوارد البرشية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪-1‬عوامل اجتامعية ومؤسسية‪ :‬فالنمو االقتصادي يتطلب توافر مؤسسات مرصفية متطورة لتمويل‬

‫األنشطة االقتصادية‪ ,‬كام يتطلب تعليام عرصيا قامئا عىل البحث والتطوير أكرث من مجرد التلقني‪ ,‬كام‬

‫يتطلب االستقرار السيايس واالجتامعي ومتاسك نسيج املجتمع‪.‬‬

‫‪-3-‬مراحل النمو االقتصادي‬

‫يصنف روستو ‪ Rusto‬مراحل النمو االقتصادي بخمس مراحل هي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مرحلة املجتمع التقليدي املتمسك بتقاليد معينه‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مرحلة التهيؤ لالنطالق وهي مرحلة وضع أسس التنمية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مرحلة االنطالق وهي املرحلة التي يجتاز فيها املجتمع الفرتة الحرجة من حياته‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬مرحلة النضوج‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬مرحلة االستهالك الوفري‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مرحلة املجتمع التقليدي‪ :‬ويتميز املجتمع يف هذه املرحلة بالركود واالستقرار وذلك بسبب نظامه‬

‫السيايس التقليدي املحافظ ونظامه االقتصادي الذي يقوم عىل أساليب بدائية إنتاجية غري متطورة‬

‫تعتمد أساسا عىل الطاقة البرشية‪ ,‬ويف هذه املرحلة تقل االستثامرات بالنسبة للدخل القومي‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مرحلة التهيؤ لالنطالق‪ :‬وتبدأ هذه املرحلة عادة مبجرد نجاح بعض الرواد الذين يخرجون عن‬

‫إطار الفكر التقليدي إىل الدعوة لألخذ ببعض التنظيامت الثورية ويقوم بعض األفراد باستخدام‬

‫األساليب العلمية الحديثة التي تساعد عىل خفض تكاليف اإلنتاج‪ ,‬ويتغري النشاط اإلنتاجي وهيكل‬

‫الدولة التي تعمل عىل التخلص من األوضاع والنظم التقليدية ويتسع نطاق التجارة الخارجية‬

‫والداخلية ويزداد حجم االستثامرات‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مرحلة االنطالق‪ :‬ويعترب هذه املرحلة من أدق وأصعب املراحل وأكرثها تعقيدا‪ ,‬وترتفع فيها‬

‫معدالت التنمية وارتفاع نسبة االستثامر‪ .‬ويف هذه املرحلة يكون الكيان السيايس واالجتامعي للدولة قد‬

‫منا‪ .‬وتتصف هذه املرحلة بحدوث ثورات يف األساليب اإلنتاجية وتوسع رسيع يف التصنيع‪ ,‬وحدوث‬

‫تغريات جذرية يف أساليب اإلنتاج الزراعي ويرتفع معدل االدخار واالستثامر إىل ما يزيد عن ‪ %11‬من‬

‫الدخل القومي‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬مرحلة النضوج‪ :‬ويف هذه املرحلة ينضج املجتمع فكرياً وفنياً وهي مرحلة طويلة نسبيا من النمو‬

‫املطرد‪ .‬متيل فيها األجور إىل االرتفاع‪ ,‬وتتعدل فيها ترشيعات الدولة‪ ,‬وتزداد إعداد الفئات الفنية‬

‫والفكرية والثقافية ويتحقق منو رسيع ومتوازن لجميع القطاعات االقتصادية‪ .‬وترتفع معدالت‬

‫االستثامر ويزيد اإلنتاج القومي مبعدالت تفوق الزيادة السكانية‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬مرحلة االستهالك الوفري‪ :‬بعد أن يصل املجتمع إىل مرحلة النضوج‪ ,‬يبدأ يف أن يحدد لنفسه وزنا‬

‫خاصا به متأثرا بوضعه الجغرايف ومبوارده وبإمكانياته ومبركزه السيايس‪ .‬وهذا يجعل تفكريه يتجه إىل‬

‫السعي لتحقيق مزيد من السلطان يف الخارج‪ ,‬وزيادة الرفاهية االجتامعية يف الداخل مع إعادة توزيع‬

‫الدخل وتوفري السلع االستهالكية والتوسع يف االستهالك وتحديد ساعات العمل‪.‬‬

‫وىف رأى روستو فإن التطور االقتصادي ال ينتهي إىل نظام محدد معني كام يرى كارل ماركس وإمنا هناك‬

‫احتامالت مختلفة يف اتجاه هذا التطور‪ ,‬ويؤخذ عىل نظرية املراحل لروستو أنها ال تعترب تفسريا حقيقيا‬

‫للتخلف فهي تصف املرحلتني اللتني يظهر فيها التخلف واملرحلة التي تبدأ عندها التنمية ولكنها ال‬

‫تفصح عن األسباب املؤدية إىل هذا التغيري وهذا االنتقال من حالة التخلف إىل حالة التقدم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪-1-‬كيفية قياس وتحليل النمو االقتصادى‬

‫أوالً‪ :‬قياس النمو االقتصادى‪ :‬يقتيض النمو اإلقتصادي الزيادة يف الناتج الحقيقي ويف متوسط دخل الفرد‬

‫وبالتايل فإن قياس هذا النمو يتم بقياس منو الناتج ومنو الدخل الفردي‪.‬‬

‫‪-1‬الناتج الوطني‪ :‬هو مقياس لحصيلة النشاط اإلنتاجي‪ ,‬وحساب معدل منوه هو مايصطلح عىل‬

‫تسميته معدل النمو‪ ,‬وميكن حساب الناتج الوطني بحساب الناتج املحقق يف البلد وتقييمه بعملة ذلك‬

‫البلد ومن ثم مقارنته بنتائج الفرتة السابقة ومعرفة معدل النمو‪ ,‬ومايعاب عىل هذه املعدالت أنها‬

‫نقدية والتأخذ بعني اإلعتبار أثر التضخم‪.‬‬

‫كام أن لكل دولة عملتها الوطنية وبالتايل الميكن مقارنة النمو املحقق يف مختلف البلدان وفق‬

‫هذا املقياس‪ ,‬ولذا تستخدم غالباً عملة دولية واحدة لتقييم الناتج الوطني ملختلف البلدان حتى يسهل‬

‫املقارنة بني معدالت النمو املحققة فيها‪.‬‬

‫‪-4‬الدخل الفردي‪ :‬تكمن أهمية قياس منو الدخل الفردي يف معرفة العالقة بني منو اإلنتاج وتطور‬

‫السكان‪ -‬ويعترب هذا املقياس قياس عيني للنمو‪ ,‬اي يقيس النمو املحقق عىل مستوى كل فرد من حيث‬

‫زيادة ماينفقه‪.‬‬

‫كام ميكن أيضاً قياس النمو من خالل قياس القدرة الرشائية لدوالر واحد يف بلدما مثالً ومقارنتها‬

‫بالقدرة الرشائية لنفس املقدار‪ -‬أي دوالر واحد‪ -‬ببقية الدول ومن ثم ترتيب الدول األكرث منواً وفق أكرب‬

‫قدرة رشائية ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ثانياً‪-‬أهمية تحليل النمو اإلقتصادي‪ :‬نعني بأهمية النمو اإلقتصادي مايحققه النمو للفرد واملجتمع من‬

‫مزايا ومحاسن‪:‬‬

‫‪-1‬بالنسبة لألفراد‪ :‬إن النمو اإلقتصادي يسمح بزيادة دخل الفرد الحقيقي وكذا زيادة اإلنتاج املادي‬

‫املوجه لتلبية الحاجات اإلنسانية املختلفة وبالتايل فإن النمو اإلقتصادي يرفع من القدرة الرشائية لألفراد‬

‫ويساعد يف القضاء عىل الفقر ومظاهر البؤس بني األفراد وتحسني الصحة العامة‪ .‬كام يساعد النمو عىل‬

‫تخفيض عدد ساعات العمل لألفراد ويفتح لهم آفاق التحرض والرفاهية‪.‬‬

‫‪-4‬بالنسبة للدولة‪ :‬إن الدولة هي الحامية العامة لألفراد و الساهرة عىل أى منهم وذلك من خالل‬

‫مختلف هيئاتها وهياكلها‪ ,‬ومبأن النمو اإلقتصادي يؤدي إىل زيادة عائدات الدولة وبالتايل فإنه يسهل‬

‫لها مهاتها املختلفة ويدفها للبحث عن تقنيات جديدة يف مجال اإلنتاج والدفاع‪ .‬كام أن النمو يؤدي‬

‫بالدولة إىل إعادة توزيع الدخل عىل األفراد وضامن بعض الخدمات اإلجتامعية كالصحة والتعليم‪,‬‬

‫باإلضافة أن تدقيق الدولة وبحثها يف مصادر النمو يجعلها تستطيع بناء إسرتاتيجية مستقبلية ملواصلة‬

‫هذا النمو وذلك بناءاً عىل إحصائيات ومعطيات ميدانية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪-6-‬الفرق بني التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي‬

‫هناك اختالف بني مفهوم النمو‪ CROISSANT‬والتنمية ‪ ,DEVELOPPEMENT‬فالنمو يشري إىل‬

‫التقدم التلقايئ أو الطبيعي أو العفوي دون تدخل من قبل الفرد واملجتمع‪ ,‬يف حني أن التنمية هي‬

‫العملية املقصودة التي تسعى إىل إحداث النمو بصورة رسيعة يف إطار خطط مدروسة وفرتات زمنية‬

‫معينة‪.‬‬

‫اى أن النمو اإلقتصادي يكون مزيداً من الناتج‪ ,‬بينام تتضمن التنمية اإلقتصادبة زيادته و كذلك‬

‫تنويعه‪ ,‬فضالً عن التغريات الهيكلية الفنية التي يتم بها اإلنتاج‪ ,‬وإذا كان النمو ميكن أن يحدث عن‬

‫طريق مزيد من املدخالت التي تؤدي إىل مزيد من الناتج أو إدخال تحسينات عىل مستوى الكفاية‬

‫اإلنتاجية‪ ,‬فإن التنمية اإلقتصادية تذهب إىل أبعد من ذلك حيث تضمن تغريات يف مكونات الناتج‬

‫نفسه ويف إسهامات القطاعات املولدة لهذا الناتج‪.‬‬

‫فالتنمية إذن أوسع مضموناً من النمو حيث ميكن وصف التنمية عىل أنها منو مصحوب بتغريات‬

‫هيكلية وهذه التغريات يجب أن تشمل هيكل اإلقتصاد الوطني وتسعى لتنويع مصادر الدخل فيه ‪.‬‬

‫ويرى بونيه " أن النمو اإلقتصادي ليس سوى عملية توسع إقتصادي تلقايئ‪ ,‬تتم يف ظل تنظيامت‬

‫إجتامعية ثابتة و محددة‪ ,‬وتقاس بحجم التغريات الكمية الحادثة‪ ,‬يف حني أن التنمية اإلقتصادية تفرتض‬

‫تطويراً ف ّعاالً و واع ًيا‪ ,‬أي إجراء تغريات يف التنظيامت اإلجتامعية للدولة"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫اى ان النمو يراد به مجرد الزيادة يف الدخل الفردي الحقيقي‪ ,‬أما التنمية فالراجع تعريفها بأنها تتحصل‬

‫يف الدخول يف مرحلة النمو اإلقتصادي الرسيع‪ ,‬بعبارة أخرى تحقيق زيادة رسيعة‪ ,‬تراكمية ودامئة‪ ,‬يف‬

‫الدخل الفردي الحقيقي عرب فرتة ممتدة من الزمن‪ ,‬ومبأن أي يشء ينمو البد أن يتغري فإن التنمية‬

‫التتحقق دون تغري جذري يف البنيان اإلقتصادي واإلجتامعي ومن هنا كانت عنارص التنمية هي التغري‬

‫البنياين والدفعة القوية واإلسرتاتيجية املالمئة‪.‬‬

‫فلو أخذنا اإلنسان كمثال‪ ,‬فإن اإلنسان ينمو من مرحلة الطفولة إىل الشباب أي يزداد من حيث الوزن و‬

‫الطول وهذا معنى منوه‪ ,‬أما التنمية فتعني التغري يف ترصفات الفرد نتيجة التجربة و الخربات املكتسبة‪.‬‬

‫‪-7-‬تصنيف الدول وفق معيار النمو والتنمية‬

‫سنحاول حرص مجموعة من العوامل املتشابهة بني عدد من الدول وتصنيفها يف نفس الصنف وذلك من‬

‫أجل معرفة مدى تقدم دولة ما مقارنة بالدول األخرى أو تأخرها عنها‪.‬‬

‫وسنتطرق فيام ييل إىل تصنيفات التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬التصنيف البسيط‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التصنيف وفق خصائص عوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التصنيف وفق خصائص النشاط اإلقتصادي‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التصنيف حسب اإلمكانيات البرشية والطبيعية املتاحة لكل بلد‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬التصنيف البسيط‪ :‬من أهم أنواع التصنيف البسيط‪ :‬تصنيف البنك الدويل و تصنيف األمم‬

‫املتحدة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -1‬تصنيف البنك الدويل‪ :‬تكمن بساطة هذا التصنيف يف إعتامد عىل معيار الدخل للفصل بني بلد‬

‫متخلف و آخر متقدم‪ .‬بحيث إذا بلغ متوسط الدخل الحقيقي قيمة معينة نقول أن البلد متخلف و إذا‬

‫تعداها نقول أنه سار يف طريق التنمية و يقسم البنك الدويل إىل ثالث مجموعات ‪:‬‬

‫‪ -‬مجموعة اإلقتصاديات منخفظة الدخل ‪.‬‬

‫‪ -‬مجموعة اإلقتصاديات متوسطة الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬مجموعة اإلقتصاديات مرتفعة الدخل‪.‬‬

‫‪-‬حيث أن الدول التي يكون دخل الفرد فيها أقل من ‪ 711‬دوالر و ذلك بأسعار ‪ 1994‬تعترب دول‬

‫منخفضة الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬بينام الدول التي يقل فيها دخل الفرد عن ‪ 7111‬دوالر ويزيد عن ‪ 711‬دوالر تعترب دوالً متوسطة‬

‫الدخل أو دول متخلفة (‪.)Pays sous développés‬‬

‫ويقسم البنك الدويل الدول متوسطة الدخل إىل مجموعة دول متوسطة الدخل األدىن بني (‪-711‬‬

‫‪ )4111‬دوالر ومن بني هذه الدول نجد الجزائر‪ ,‬مجموعة دول متوسطة الدخل األعىل (‪)7111-4111‬‬

‫دوالر ‪.‬‬

‫‪-‬أما الدول التي يتجاوز دخل الفرد السنوي فيها ‪ 7111‬دوالر فتعترب دوالًًً متقدمة‪.‬‬

‫‪-4‬تصنيف األمم املتحدة‪ :‬يعترب تصنيف األمم املتحدة كمحاولة لتفسري التنمية من الجانب اإلجتامعي‬

‫وذلك بدراسة مشاكل الصحة و التعليم ومستوى الدخل الحقيقي‪ -‬وتحديد معيار يأخذ بعني اإلعتبار‬

‫هذه الجوانب ووفقه يتم تصنيف الدول إىل ثالثة مجموعات‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫املجموعة األوىل‪ :‬هي املجموعة ذات التنمية البرشية العالية‪ ,‬والتي يرتاوح مقياس التنمية بها بني (‪1.5‬‬

‫و ‪ ,)1‬وتقع جميع الدول املتقدمة يف هذه املجموعة‪.‬‬

‫أما املجموعة الثانية‪ :‬فهي مجموعة الدول ذات التنمية البرشية املتوسطة وهي التي يرتاوح مؤرش‬

‫التنيمة البرشية مابني (‪ 1.11‬و ‪.)1.79‬‬

‫املجموعة الثالثة‪ :‬مجموعة الدول ذات التنمية البرشية املنخفضة وهي الدول التي يقل مقياس التنمية‬

‫فيها عن (‪.)1.11‬‬

‫ثانياً‪ :‬التصنيف وفق خصائص عوامل اإلنتاج‪ :‬إن التصنيف وفق هذا املدخل يقتيض دراسة الخصائص‬

‫الكمية و النوعية لعوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫‪-1‬العمل‪ :‬ففي الدول النامية عادة يكون هناك فائض يف اليد العاملة غري املؤهلة وحاجة إىل اليد‬

‫العاملة املاهرة وهو الذي يؤدي إىل إنخفاض إنتاجية اليد العاملة بالدول النامية عكس الدول املتقدمة‬

‫‪.‬‬

‫‪-4‬التقدم التكنولوجي‪ :‬إن تطبيق التكنولوجيا الحديثة يف مختلف القطاعات اإلقتصادية يقتيض من‬

‫الدول النامية إعطاء األهمية للتكوين و البحوث التطبيقية التي بواسطتها تستطيع الدول النامية‬

‫التحكم ولو تدريجياً يف التكنولوجيا و األساليب الفعاّلة للتنظيم وبالتايل رفع إنتاجية القطاعات‬

‫اإلقتصادية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪-4‬املوارد الطبيعية‪ :‬إن إختالف الدول من مواردها الطبيعية والبيئة السائدة بها حيث أن وفرة املوارد‬

‫الطبيعية عامل رئييس من العوامل املساعدة عىل تحقيق النمو وخري مثال عىل ذلك التقدم الذي‬

‫حققته بريطانيا غداة اكتشاف مناجم الحديد والفحم‪ ,‬وكذلك فإن الطقس املعتدل يساعد و يحفز عىل‬

‫العمل وبالتايل زيادة اإلنتاج و تحقيق فوائض إضافية‪ ,‬إال أن هذه التحاليل التخلو من إستثناءات حيث‬

‫نجد أن معظم الدول النامية اليوم تحتوي عىل خريات باطنية كبرية و طقس معتدل إال أنها بقيت‬

‫تراوح مكانها‪ ,‬وإنعدام الحافز فيها إىل التنمية وذلك مايربز لنا جلياً قصور تصنيف التنمية بهذا املنظور‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التصنيف وفق خصائص النشاط اإلقتصادي‪ :‬وفق هذه النظرة يتم تقسيم النشاط اإلقتصادي إىل‬

‫ثالث قطاعات‪ ,‬القطاع االول ويضم ( الزراعة واملواد األولية )‪ ,‬وقطاع الصناعة وقطاع الخدمات‪ ,‬حيث‬

‫أننا نجد يف معظم البلدان النامية حوايل من ‪ % 31‬إىل ‪ %60‬من الناتج الوطني بها يرجع إىل القطاع‬

‫األول‪ ,‬أما القطاع الصناعي فيعترب مصدر لـ من ‪ %10‬إىل ‪ %20‬من الناتج‪ .‬بينام يساهم قطاع الخدمات‬

‫مابني ‪ %20‬و ‪ , %40‬ونجد أيضاً أن جل اليد العاملة مشتغلة بالقطاع األول يف الدول النامية‪ ,‬وبالتايل‬

‫فإنه حسب هذه النظرة فإن تغري مساهمة أو مكانه مختلف القطاعات يف الناتج الوطني تربز لنا مدى‬

‫سري البلد يف طريق النمو‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التصنيف حسب اإلمكانيات البرشية والطبيعية املتاحة لكل بلد‪ :‬وفق هذا التصنيف يتم أخذ بلد‬

‫معني كنوع لبقية الدول املشابهة له من حيث الرثوات الطبيعية املتاحة وكذلك من حيث الطاقات‬

‫البرشية ايضا‪ .‬وتم تحديد النوع اإلفريقي والنوع األمرييك(أمريكا الالتينية) والنوع الرشق أسيوي‪.‬‬

‫‪-1‬النوع اإلفريقي‪ :‬ممثال يف كينيا‪ ,‬ومن مالمحها أنها دولة غنية باملوارد الطبيعية ونقص يف املوارد‬

‫البرشية خاصة من الناحية النوعية واإلعتامد عىل صادرات املنتجات األولية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪-4‬نوع أمريكا الالتينية‪ :‬ممثال يف املكسيك وهي غنية باملوارد الطبيعية والبرشية ويعتمد التصنيع فيها‬

‫عىل الرأس املال األجنبي وصادرات البرتول‪.‬‬

‫‪-4‬النوع الرشق أسيوي للتنمية‪ :‬ويتمثل يف التيوان التي تتميز بغنى املوارد البرشية وقلة املوارد‬

‫الطبيعية ومتويل التصنيع عن طريق صادرات املنتجات الصناعية‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫نظريات التنمية االقتصادية والنمواالقتصادى‬
‫تعترب دراسة التطور التاريخي لألراء واألفكار االقتصادية يف مجال التنمية االقتصادية من األهمية‬

‫للتعرف عىل أوجه القصور يف هذه األفكار ومدى انطباقها عىل األحوال املعارصة‪.‬‬

‫وقد كان للفكر التجاري يف العصور الوسطى والذي تركز يف زيادة قوة الدولة‪ ,‬والحصول عىل الرثوة‬

‫وترك الحرية الفردية واهتاممهم بالعمل وأهميته يف زيادة الناتج الكىل‪ ,‬وكانت للمدرسة الكالسيكية‬

‫ونظرياتها يف التجارة الدولية يف إطار الحرية االقتصادية التي تعتمد عىل نظرية التكاليف املطلقة الدم‬

‫سميث والتكاليف النسبية لريكارد ونظرية الكسب يف التجارة الخارجية لجون ستيورات ميل‬

‫واهتامماتهم يف التخصص وتقسيم العمل‪ ,‬كل هذه األفكار ساعدت عىل وضع األسس لنظرية النمو‬

‫االقتصادي يف املجتمع الرأساميل وقد كان لنقد وهجوم كارل ماركس عىل هذه النظريات وإبراز مساوئ‬

‫الرأساملية وإحالل االشرتاكية محلها دور هام يف صقل نظريات النمو االقتصادي وكانت كذلك نظرية‬

‫كينز يف عالج مشاكل البطالة والتوظيف دور هام يف اصالح الجهاز الرأساميل وعالج مساوئ هذا النظام‪.‬‬

‫وقد اهتمت دول كثرية بعد الحرب العاملية الثانية بالسياسة التي تتبعها لتنشيط التنمية االقتصادية‪,‬‬

‫وكانت السياسات التي يلزم اتباعها موضع دراسة من جانب العديد من رجال الفكر واالقتصاد فقام‬

‫بعضهم بوضع األسس لنظريات يف التنمية ونلخص فيام ييل أهم هذه النظريات‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪-1-‬نظرية النمو عند الكالسيك‬

‫تتضمن نظرية النمو عند الكالسيك آراء كل من آدام سميث وديفيد ريكاردو املتعلقة بالنمو‪ ,‬باإلضافة‬

‫إىل آراء التجاريني حول مصدر الرثوة من التجارة الخارجية‪ ,‬ثم آراء كل من ستيوارت مل حول األسواق‬

‫و روبريت مالتوس حول السكان‪ ,‬وميكن حرص عنارص النظرية الكالسيكية يف النمو يف ماييل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬سياسة الحرية اإلقتصادية‪ :‬نادى اإلقتصاديون الكالسيك برضورة الحرية الفردية و أهمية أن تكون‬

‫التجارة حرة مع سيادة املنافسة الكاملة و البعد عن أي تدخل للدولة يف الحياة اإلقتصادية و أن اليد‬

‫الخفية هي التي تدفع بالدخل الوطني نحو القمة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التكوين الرأساميل مفتاح التقدم‪ :‬إعترب الكالسيك التكوين الرأساميل مفتاح التقدم اإلقتصادي‬

‫لذلك أكدو عىل رضورة تحقيق قدر كاف من املدخرات‪ ,‬كام أن الرأسامليون و مالك األرايض هم‬

‫وحدهم القاردون عىل تحقيق ذلك اإلدخار عكس العامل الذين متيل أجورهم لإلستقرار عند مستوى‬

‫الكفاف‪ ,‬وبالتايل فإن دخولهم املنخفضة المتكنهم من تحقيق نسبة مدخرات ذات أهمية تذكر ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الربح هو الحافز عىل اإلستثامر‪ :‬ميثل الربح الحافز الرئييس الذي يدفع الرأسامليني عىل إتخاذ قرار‬

‫اإلستثامر وكلام زاد معدل األرباح زاد معدل التكوين الرأساميل و اإلستثامر‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ميل األرباح للرتاجع‪ :‬متيل األرباح للرتاجع مع التقدم نظراً لتزايد حدة املنافسة بني الرأسامليني‬

‫عىل الرتاكم الرأساميل‪ ,‬ويفرس سميث ذلك بزيادة األجور التي تحدث بسبب حدة املنافسة بني‬

‫الرأسامليني‪ ,‬بينام يرى ريكاردو أن إرتفاع األجور و الربح الذي يتحقق بسبب إرتفاع أسعار املحاصيل‬

‫الزراعية يحدث تراجعاً يف األرباح‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫خامساً‪ :‬حالة السكون‪ :‬اعتقد الكالسيك بحتمية الوصول إىل حالة اإلستقرار كنهاية لعملية الرتاكم‬

‫الرأساميل ذلك أنه ما إن تبدأ األرباح يف الرتاجع حتى تستمر إىل أن يصل معدل الربح إىل الصفر و‬

‫يتوقف الرتاكم الرأساميل‪ ,‬ويستقر السكان و يصل معدل األجور إىل مستوى الكفاف و حسب آدم‬

‫سميث فإن ندرة املوارد الطبيعية توقف النمو اإلقتصادي و تقوده إىل حالة السكون‪ .‬أما ريكاردو‬

‫ومالتوس فقد نظرا للنمو السكاين و تراجع النمو يف رأس املال من خالل قانون تناقص الغلة و الذي‬

‫ميثل بدوره عقبة أمام التنمية ‪.‬‬

‫عرب ميل عن نفس الفكرة عندما أثار أنه يف حالة غياب التحسينات الفنية يف الزراعة‪ ,‬وارتفاع‬
‫وقد ّ‬

‫معدل السكان عن معدل الرتاكم الرأساميل‪ ,‬فإن مستوى األرباح يبدأ يف الرتاجع و يصل اإلقتصاد إىل‬

‫حالة السكون‪ ,‬و لكنه كان مرحباً بها عىل أساس أنها ستقود التحسينات يف توزيع الدخل و تحسني‬

‫ظروف العمل حتى يتم التحكم يف عدد العامل‪ .‬يف نظر الكالسيك فإن النتيحة النهائية للتنمية هي‬

‫الركود " ‪ " Stagnation‬هذا الركود ينتج عن امليل الطبيعي ألرباح نحو الرتاجع و مايرتتب عىل ذلك‬

‫من قيود عىل الرتاكم الرأساميل‪ ,‬وعندما يحدث هذا فسوف يتوقف التكوين الرأساميل‪ ,‬و يستقر عدد‬

‫السكان و تسود حالة من السكون‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬اإلنتقادات املوجهة للنظرية الكالسيكية‪:‬‬

‫‪-1‬تجاهل الطبقة الوسطى‪" :‬تفرتض النظرية وجود تقسيم طبقي بني الرأسامليني ( مبا فيهم مالك‬

‫األرايض)‪ ,‬والعامل وتتجاهل بالتايل دور الطبقة الوسطى التي تقدم إسهامات أساسية يف عملية النمو‬

‫اإلقتصادي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪-4‬إهامل القطاع العام‪.‬‬

‫‪-4‬اعطاء أهمية أقل للتكنولوجيا‪ ,‬ويرجع ذلك إىل اإلفرتاض الكالسييك بأن املعارف الفنية من املعطيات‬

‫و أنها التتغري مع الزمن‪.‬‬

‫‪-3‬القوانني غري الحقيقية‪ :‬تقوم النظرة التشاؤمية لإلقتصاديني الكالسيك أمثال ريكاردو و مالتوس عىل‬

‫أن النتيجة الحتمية للتطور الرأساميل هي الكساد‪.‬‬

‫‪ -1‬خطأ النظرة لألجور و األرباح‪ :‬يف الواقع مل يحدث أن آلت األجور نحو مستوى الكفاف كام أن الدول‬

‫املتقدمة مل تصل إىل مستوى الكساد الدائم‪.‬‬

‫‪-6‬عدم واقعية مفهوم عملية النمو حيث إفرتضت النظرية الكالسيكية حالة من السكون مع وجود تغري‬

‫يدور حول نقطة التوازن الساكنة‪ ,‬أي أن الكالسيك إفرتضو حدوث بعض النمو يف شكل ثابت و مستمر‬

‫كام يف حالة منو األشجار‪ ,‬والواقع أن هذا التفسري اليعد تفسرياً مقنعاً لعملية النمو اإلقتصادي كام هو‬

‫عليه اليوم‪.‬‬

‫‪-4-‬نظرية ماركس للنمو‬

‫تتلخص نظرية كارل ماركس يف النمو يف العنارص التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مفهوم فائض القيمة‬

‫ثانياً‪ :‬التطور نحو الرأساملية اإلحتكارية‬

‫ثالثاً‪ :‬السري نحو رأساملية الدولة‬

‫‪37‬‬
‫أوالً‪ :‬مفهوم فائض القيمة‪ :‬حيث يع ّرف ماركس فائض القيمة الحقيقية وفائض القيمة الكامن‪ ,‬ويقصد‬

‫بفائض القيمة الحقيقي زيادة اإلنتاج عن حاجة اإلستهالك أي ماهو مخصص لإلستثامر‪ .‬أما فائض‬

‫القيمة الكامن فهو ذلك الفائض الناتج ملا يكون النظام اإلقتصادي يف أسمى عطائه‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التطور نحو الرأساملية اإلحتكارية‪ :‬يرى ماركس أن التسيري املركزي لإلقتصاد بغية تحقيق املنفعة‬

‫العامة سوف يؤدي بكل مؤسسة للبحث عن فائدتها الخاصة أي الطريقة التي متكنها من تحقيق فائض‬

‫القيمة الكامن لها وذلك يعني اإلستعامل األمثل ملواردها الطبيعية والقوة العاملة‪.‬‬

‫وحتى تحقق املؤسسات أكرب فائض قيمة ممكن فإنها تسعى إىل تخطي املنافسة والوصول إىل اإلنتاج‬

‫املوسع بهدف خفض تكاليف اإلنتاج ويؤدي ذلك إىل تركز اإلنتاج يف أيدي قلة من الرأسامليني وبالتايل‬

‫التستطيع املؤسسات الصغرية الصمود يف وجه املنافسة وينجم عن هذا زيادة الفائض املحقق من طرف‬

‫الرأساملية اإلحتكارية وهو مايدعم هذا النظام‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬السري نحو رأساملية الدولة‪ :‬كام يرى ماركس أنه بعد هذه املرحلة يجب أن تتضمن الدولة هذا‬

‫الفائض اإلقتصادي‪ ,‬حيث تنبأ ماركس أنه بعد املرحلة التنافسية فإن النظام اإلقتصادي الرأساميل يقتيض‬

‫تدخل الدولة‪.‬‬

‫والدولة بفضل نفقاتها العامة تساعد عىل فتح مناصب عمل جديدة وتساعد الرأسامليني من جهة أخرى‬

‫بواسطة اإلنفاقات العسكرية وماتتيحه من مستعمرات تعترب فرصة مواتية إلستثامر الفائض املحقق من‬

‫طرف الرأسامليني‪ ,‬وحتى يحقق الرأسامليني أعىل فائض ممكن فإنهم يستخدمون البطالة كسالح من‬

‫أجل رفع الغنب عنهم وهو مايؤدي باملجتمع إىل الدخول يف مرحلة جديدة من مراحل التطور‪.‬‬

‫ويقصد كارل ماركس بالتطور‪ ,‬الرقي الذي يشمل يف طياته التطور والنمو اإلقتصادي‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وقد أعيب عىل ماركس إهامله للطلب ودوره يف تحديد القيمة وإقتصاره فقط عىل العمل كمحدد‬

‫للقيمة‪ .‬كام أن واقع الدول الرأساملية اليوم ينايف ماذهب إليه ماركس من أن أجور العامل سوف تتجه‬

‫إىل اإلنخفاض‪ ,‬فنجد أجور العامل تتزايد يف الدول املتقدمة وذلك مل يؤثر عىل الفائض املحقق بها‪.‬‬

‫باإلضافة إىل تنبأ ماركس بزوال الرأساملية عن طريق الثورة العاملية وحلول اإلشرتاكية محلها كان تنبؤًا‬

‫عكسياً‪.‬‬

‫‪-4-‬نظرية شومبيرت‬

‫رغم اعتقاد شومبيرت بأن للنظام الرأساميل أخطاؤه وعيوبه إال أنه يرى أن عملية النمو ممكنة طاملا أنها‬

‫تقوم يف ظل الرأساملية املتطورة‪ .‬وتقوم نظريته يف التنمية عىل مبدأ االبتكار والتجديد الذي يعتمد‬

‫عىل التكنولوجيا الحديثة يف النشاط االقتصادي مبا يؤدي إىل التنمية وزيادة الدخل القومي يف البالد‪,‬‬

‫هذا فضال عن أهمية املنظم الذي تقوم عىل أكتافه عملية النمو‪.‬‬

‫وتجمع نظرية شوميرت بني اإلطار العام الذى نسجه االقتصاديون الكالسيكيون الجدد وبني التحليل‬

‫التاريخي والحريك ملاركس‪.‬‬

‫ويرى شوميرت أن النمو االقتصادي عملية دائبه رسيعة مفاجئة تظهر يف زمن معني ثم تخمد يف زمن آخر‬

‫دون مثة انتظام واتساق يف مراحلها‪.‬‬

‫ويهتم شوميرت بالتغريات االجتامعية والثقافية التي تطرأ عىل املجتمع وهو نفس االتجاه الذي سار فيه‬

‫كارل ماركس‪.‬‬

‫وذكر أن النمو االقتصادى يحتاج إحداث تغريات يف البيئة االجتامعية والثقافية تسري جنبا إىل جنب مع‬

‫مقتضيات النمو ويقصد بتلك التغريات خلق املناخ االجتامعي والسيايس والسيكولوجي والثقايف املالئم‬

‫لتحقيق النمو‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪-3-‬النظرية الكنزية للنمو‬

‫يرى كينز أن الدخل الكيل دالة يف مستوى التشغيل و بالتايل فإنه كلام زاد حجم التشغيل زاد الدخل‬

‫الكيل‪ ,‬كام يتوقف حجم التشغيل عىل الطلب الفعيل والذي يتحقق عند تساوي الطلب الكيل والعرض‬

‫الكيل‪ ,‬ويتكون الطلب الفعيل من الطلب عىل اإلستهالك والطلب عىل اإلستثامر‪ ,‬أي أن الفجوة مابني‬

‫الدخل و اإلستهالك يتم ملؤها باإلستثامر ‪.‬‬

‫يعتمد الدخل و التشغيل أساساً عىل مستوى اإلستثامر و الذي يتوقف عىل الكفاية الحدية لرأس املال‬

‫و سعر الفائدة‪ ,‬وتعني الكفاية الحدية لرأس املال العائد املتوقع من األصول الرأساملية الجديدة‪,‬‬

‫وتسمى العالقة بني الزيادة يف اإلستثامر و الدخل باملضاعف الكينزي و تعطي بالصيغة التالية ‪:‬‬

‫التغري يف الدخل= املضاعف × الزيادة يف اإلستثامر‬

‫وبالتايل فإنه من أجل تحقيق زيادات كبرية يف الدخل و التشغيل البد من ضخ دفعات أكرب من‬

‫اإلستثامرات‪.‬‬

‫ولقد حرص كينز الرشوط الظرورية للنمو اإلقتصادي يف ‪ :‬القدرة عىل التحكم يف السكان‪ ,‬التصميم عىل‬

‫تجنب الحروب األهلية‪ ,‬اإلرصار عىل التقدم العلمي‪ ,‬معدل الرتاكم‪.‬‬

‫ومنه يتضح أن كينز مل يقدم منوذجاً منتضامً للتنمية اإلقتصادية و ترك مهمة ذلك ملن أطلق عليهم‬

‫الالحقون من أمثال هارود دومار‪ ,‬جون روبنسون وغريهم كام مل تتعرض النظرية الكينزية لتحليل‬

‫مشاكل الدول النامية بل إنصب إهتاممها عىل اإلقتصاديات الرأساملية املتقدمة ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-1-‬نظرية روز نشتني رودان‬

‫(نظرية الدفعة القوية)‬

‫نتيجة ملا ظهر من مظاهر الدورات االقتصادية وتعاقب فرتات الرخاء والكساء خاصة بعد الحرب‬

‫العاملية الثانية ظهرت آراء تنادى بتدخل الحكومة يف الشئون االقتصادية لتحقيق التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫وتبلورت هذه اآلراء يف نظريات حديثة تؤيد هذا التدخل وتعترب نظرية الدفعة القومية من أوىل‬

‫النظريات يف هذا املجال وترى النظرية أن القيام بدفعة قوية ‪ Big Push‬من االستثامر ميكن من‬

‫التغلب عىل الركود االقتصادي وتحقق قدرا أعىل من األنتاج والدخل وعندئذ ينترش أثر التنمية عىل‬

‫املجتمع كله‪ ,‬ويشري زوزنشتني إىل أن هناك حد أدىن من املوارد يجب تخصيصه للتنمية االقتصادية حتى‬

‫تنجح العملية يف مجموعها‪.‬‬

‫ويرى روزنشتني أن النموذج السوفيتي يف التنمية والذى يعتمد عىل سياسة االكتفاء الذايت منوذج غري‬

‫مثايل ملا له من صفات بطء النمو االقتصادي والخلل الذي ينتابه خاصة من ناحية نقص حجم التجارة‬

‫الخارجية والنفقات الباهظة املرتبطة بالتنمية الذاتية‪ .‬ويف رأيه أن النموذج املالئم للتنمية فـي الدول‬

‫النامية هو الذى يعتمد عىل توافر رؤوس أموال كبرية قد تقرتض من الخارج حتى ال يتحمل االقتصاد‬

‫القومي تبعات التمويل‪ .‬ويجب أن يتضمن هذا النموذج نرش الصناعات الخفيفة التى تستعمل عدد‬

‫كبري من العامل والبعد بقدر اإلمكان عن الصناعات الثقيلة ونفقاتها الباهظة‪ .‬واالهتامم ببناء قاعدة‬

‫صناعية ومرشوعات عامة يف شكل طرق وكبارى وسكك حديد ومحطات كهرباء ومصادر للطاقة‬

‫املحركة‪ .‬وهذه كلها ينتج عنها دفعة واحدة تنقل املجتمع إىل مرحلة االنطالق الفعيل‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪-6-‬نظرية نريكسه‬

‫وتتبلور هذه النظرية حول فكرة النمو املتوازن وأهميته للتنمية‪ ,‬ويرى أن تكوين كمية من رأس املال‬

‫وتوزيعها عىل عدد من الصناعات املختلفة يضمن حالة من النمو املتوازن يف هذه الصناعات ويدلل‬

‫عىل رأيه بأن اإلنتاجية املنخفضة يؤدي إىل دخل منخفض وهي ترجع إىل نقص رأس املال الذي يؤدي‬

‫بدوره إىل نقص اإلنتاج وانخفاض االستهالك واملدخرات‪ ,‬وهذا بالتايل يؤدي إىل نقص االستثامر وهكذا‬

‫فالفقر يؤدي إىل مزيد من الفقر‪ ,‬ويرى نريكسه أن يكون تكوين رأس املال عىل نطاق كبري يؤدي إىل‬

‫اتساع نطاق السوق ويزيد بالتايل الطلب عىل منتجات هذه الصناعات‪ ,‬ولذلك ينادى بإنشاء عدد من‬

‫الوحدات اإلنتاجية املتكاملة يف وقت واحد ألن كل وحده فيها تخلق طلب عىل منتجات الوحدة‬

‫األخرى وهكذا يعم الرخاء والرفاهية عىل سائر انحاء املجتمع‪.‬‬

‫‪-7-‬نظرية هانس سنجر‬

‫يرى سنجر أن الدولة املختلفة هي التي يعمل فيها أكرث من ‪ %71‬من أفرادها يف االستغالل الزراعي يف‬

‫حني أن هذه النسبة يف الدول املتقدمة ال تزيد عن ‪ ,%11‬ويتفق مع أرثر لويس من حيث أن الهدف‬

‫من عملية التنمية زيادة نسبة االدخار من ‪ %1‬من الدخل القومي إىل حوايل ‪ %11‬وهي النسبة‬

‫السائدة يف الدول املتقدمة‪.‬‬

‫لهذا ينادى سنجر بالعمل عىل تخفيض نسبة العامل يف الزراعة كوسيلة لرفع انتاجية العاملة حيث تبلع‬

‫إنتاجية العامل يف الزراعة نحو ثلث إنتاجية العامل يف القطاعات األخرى‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ويشري سنجر إىل أن االستثامر يف الصناعة أفضل عندما تكون البالد مكتظة بالسكان‪ ,‬بينام تفضل‬

‫الزراعة إذا كانت رقعة األرض الصالحة للزراعة كبرية وباختصار يرى سنجر أن التنمية تستهدف تركيز‬

‫املواد املتاحة املحدودة يف االستثامرات التي تزيد من مرونة وقدره االقتصاد القومي عىل النمو‪ ,‬وذلك‬

‫بتوسيع السوق وزيادة الطلب‪.‬‬

‫‪-5-‬نظرية هري شامن‬

‫نظرية النمو الغري متوازن‬

‫ويقال عنها نظرية النمو الغري متوازن عىل عكس نظرية التوازن‪.‬‬

‫ففي رأيه أن اسرتاتيجية التنمية التي تقوم عىل االختالل املتعمد أو النمو الغري متوازن هي أفضل‬

‫طريق لتحقيق التنمية االقتصادية‪ .‬وال يعارض هريشامن نظرية الدفعة الكبرية ولكنه يبني أن القدرة‬

‫عىل االستثامر هي إحدى العوائق األساسية التي تواجه الدول املتخلفة ويوىص بدفعه كبرية يف عدد من‬

‫الصناعات االسرتاتيجية‪.‬‬

‫ويستدل عىل ذلك بأن تاريخ الدول املتقدمة يشري إىل أن التنمية مل تكن متوازنة يف جميع القطاعات‬

‫األخرى‪ ,‬فقد بدأت التنمية يف بعض األنشطة التي سحبت ورائها أنشطة أخرى‪.‬‬

‫أما نظرية النمو املتوازن يف رأيه فإنها ال تصلح للدول املتخلفة ولكنها تصلح للدول املتقدمة حيث تعترب‬

‫وسيلة لعالج مشكالت مثل البطالة ففي الدول املتقدمة تتوافر الصناعات واملعدات الرأساملية‬

‫واملنظمني واألمناط االستهالكية وتنحرص املشكلة يف زيادة العامل واستعامل الطاقات املعطلة‪ ,‬وهي‬

‫مشكلة تختلف عن مشكلة الدول املتخلفة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫اإلنتقادات املوجهة للنظرية‪:‬‬

‫‪ -‬عدم تحديد تركيبة و إتجاه ووقت النمو غري املتوازن‪.‬‬

‫‪ -‬التقليل من قيمة معوقات النمو الغري متوازن‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية التعرض للتضخم نتيجة زيادة اإلستثامرات الخارجية ‪.‬‬

‫‪ -‬أن الضغوط الناجمة عن عدم التوازن قد تكبح عملية التنمية‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الباب الثاين‬
‫التنمية االقتصادية والتخلف والتمويل والتنمية املستدامة‬

‫الفصل األول‪ :‬التنمية االقتصادية والتخلف‪:‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬التنمية االقتصادية ووسائل متويلها‪:‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬التنمية املستدامة‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل األول‬
‫التنمية االقتصادية والتخلف والسياسات االقتصادية‬
‫التنمية االقتصادية هي إجراءات تتخذ عن قصد من شأنها زيادة الدخل القومي الحقيقي خالل فرتة‬

‫زمنية معينة مبعدل أكرب من زيادة منو السكان‪ ,‬حيث أن واقع الدول النامية يوضح مبا اليدع مجاالً‬

‫للشك أنها تحتاج إىل منو إقتصادي يخرجها من الوضعية املزرية التي تعيشها ‪.‬‬

‫فلقضية التنمية االقتصادية بعداً مجتمعياً عيل مستوي العامل املتقدم أو النامي حيث تعد هدفاً تسعى‬

‫إليه جميع الدول من خالل العمل عيل االحتفاظ مبعدل مناسب من التنمية حتي يتحقق للمجتمع عيل‬

‫املدى البعيد التوظف الكامل دون حدوث تضخم أو انكامش أما الدول النامية فان الهدف من التنمية‬

‫هو زيادة معدالت النمو يف الدخل القومي الحقيقي ‪ ...‬أي الحد من البطالة واالرتقاء باملواطن وتحقيق‬

‫آماله يف حياة كرمية وفقاً للمعايري الصحية والتعليمية واالجتامعية وكل ما يجعل منه إنساناً صالحاً‬

‫مساهامً يف تقدم وطنه‪.‬‬

‫أن التنمية أحد الغايات النبيلة لبناء عامل أفضل يقيض عيل املعاناة اإلنسانية وهي بهذا البد أن تكون‬

‫تغيرياًًُ حضاريا يتناول أبنيه املجتمع كافة بالقدر الذى يعالج أسباب الفقر والتخلف‪ ,‬ويضمن حق‬

‫املحتاجني يف املوارد املتاحة يف املجتمع وتوفري الضامنات االجتامعية لهم وتقديم الرعاية الصحية حال‬

‫مرضهم‪ ......‬إلخ‬

‫كام إن أبرز ما تنطوي عليه عملية التنمية هي إحداث تغيري جذرى يف املجتمع يقيض به عيل مسببات‬

‫التخلف وأن أحداث هذا التغري يف هيكل املجتمع عيل كافة مستوياته االقتصادية واالجتامعية يعد‬

‫القاسم املشرتك بني كافة تجارب التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وسوف نتطرق يف هذا الفصل إىل خصائص التنمية االقتصادية ىف البالد النامية‪ ,‬ومااملقصود بالتخلف‬

‫االقتصادى وأسبابه‪.‬‬

‫وما هو دور السياسات االقتصادية يف تحقيق التنمية؟‬

‫‪-1-‬خصائص التنمية االقتصادية ىف البالد النامية‬

‫تسمى البالد التي يعيش سكانها يف مستوى معيش منخفضة بالبالد املتخلفة‪ ,‬وبعد أن بدأت الكثري من‬

‫هذه البالد يف الحصول عىل استقاللها وبدأت يف السري قدما نحو النمو أطلق عليها البالد النامية‪ .‬وتتميز‬

‫البالد النامية بعدة خصائص وإذا وجدت هذه الخصائص يف بلد أطلق عليه بلد نامي وأهم خصائص‬

‫هذه البالد ما ييل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬متخصصة يف إنتاج املواد األولية‪ :‬فعادة ما يتوفر يف هذه البالد العاملة والرثوة الطبيعية‪.‬‬

‫والقطاعات املنتجة للمواد األولية هي الزراعة والتعدين ولذلك ترتفع نسبة العاملة الزراعية والعاملة‬

‫يف قطاعات التعدين بهذه الدول‪ .‬وبالتايل تسود هذه القطاعات عىل اقتصاديات هذه الدول‪ ,‬وتنخفض‬

‫بالتايل نسبة مساهمة الصناعة والتجارة بها يف الدخل القومي ونسبة املشتغلني بالصناعة والتجارة منها‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ارتفاع معدالت النمو السكاين‪ :‬ترتفع معدالت املواليد يف الدول النامية مام يرتتب عليه زيادة‬

‫معدل منو السكان بدرجة كبرية تفوق الزيادة يف معدل منو املوارد االقتصادية مام يرتتب عليه ارتفاع‬

‫البطالة وضعف املستوى الغذايئ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ثالثاً‪ :‬انخفاض كفاءة استغالل املوارد الطبيعية‪ ,‬يالحظ يف البالد النامية أنها ال تشكو من قلة املوارد‬

‫بقدر ما تشكو من ضعف استغالل هذه املوارد‪ .‬فهذه البالد وإن كانت تعتمد عىل الزراعة فإن لديها‬

‫مساحات من األرايض املمكن زراعتها ولكنها غري مستغلة‪ ,‬مثال ذلك األرايض الزراعية يف السودان‬

‫والهند‪ .‬كام قد تتوافر يف هذه الدول املعادن الغري مستغلة ومصادر الطاقة قد تكون غري مستغلة‬

‫كذلك‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ندرة رأس املال‪ :‬وذلك نتيجة لضعف املدخرات الناجب عن الفقر وسوء توزيع الدخل بني‬

‫السكان وزيادة امليل لالستهالك‪ .‬وعادة ما تستغل رؤوس األموال يف هذه الدول يف رشاء األرايض‬

‫والعقارات التي تعطى أرباحا رسيعة‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬اعتامد اقتصاديات الدول النامية عىل تجارتها الخارجية‪ :‬حيث يعتمد االقتصاد عىل إنتاج عدد‬

‫قليل من املواد الخام التي تصدر بأكملها للحصول عىل النقد األجنبي الالزم لحصول الدولة عىل‬

‫احتياجاتها الغذائية من الدول األجنبية واحتياجاتها من املعدات الالزمة للتنمية‪ .‬وحتى االستثامرات‬

‫األجنبية املوجهة لهذه الدول فعادة ما تكون موجهة لقطاع التصدير‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬نقص القدرة التنظيمية والفنية‪ :‬وذلك لنقص التدريب وعدم وجود الحافز االقتصادي وضيق‬

‫السوق وانخفاض املستوى التعليمي والثقايف‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬انخفاض املستوى الصحي والتعليمي‪ :‬ترتفع نسبة األمية يف الدول النامية فتصل يف بعض الدول‬

‫إىل ‪ %91‬ونتيجة لذلك والنخفاض املستوى املعييش ومستويات الدخل فإن املستوى الصحي أيضا‬

‫يتصف يف هذه الدول بالتخلف‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ثامناً‪ :‬سوء توزيع الرثوة عىل طبقات املجتمع‪ :‬حيث تتكون مجتمعات الدول النامية عادة من طبقتني‬

‫األوىل هي طبقة األغنياء التي متتلك عادة مساحات شاسعة من األرايض الزراعية والطبقة الثانية هي‬

‫طبقة الفالحني والعامل التي ال متلك إال القليل‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬تأخر املرأة وارتفاع نسبة تشغيل األطفال‪ :‬وذلك نتيجة تفىش األمية وانخفاض مستوى الدخل‪.‬‬

‫‪-4-‬مفهوم التخلف االقتصادي وأسبابه‬

‫يشري لفظ "الدول املتخلفة أو النامية" بصفة عامة إىل دول أو مناطق يجمع فيام بينها خصائص أو‬

‫صفات معينة ويطلق عليها أحيانا تعبري العامل الثالث‪ .‬والبالد املتخلفة هي البالد التي ينخفض مستوى‬

‫املعيشة فيها انخفاضا كبريا بالقياس إىل البالد املتقدمة‪.‬‬

‫ويعرتض بعض االقتصاديني عىل هذا التعريف ألنه ال يشري إىل الوسائل اإلنتاجية واملوارد املتاحة‬

‫فالتخلف مبفهومه االقتصادي ال يعني بالرضورة فقر املجتمع من حيث املوارد االقتصادية يقدر ما يعني‬

‫افتقار املجتمع إىل الوسائل التي ميكن بواسطتها استغالل هذه املوارد بطريقة أكرث فاعلية وبالشكل‬

‫الذي يجعلها بالفعل قادرة عىل تحقيق التقدم االقتصادي‪.‬‬

‫ويجب اإلشارة إىل أن وصف الدول بالتخلف االقتصادي ال يعني بالرضورة أن الدول تقف جميعا عىل‬

‫درجة واحدة من حيث مستوى التقدم أو التخلف فهناك فروق اقتصادية واجتامعية وثقافية وسياسية‬

‫واضحة بني هذه الدول بل قد تشرتك بعضها يف بعض الخصائص مع الدول املتقدمة‪.‬‬

‫وميكن أن نرجع أسباب التخلف االقتصادي إىل مجموعة من العوامل أهمها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬األسباب الجغرافية للتخلف‪ :‬يرى بعض االقتصاديني أن بخل الطبيعة يعترب سببا رئيسيا لظهور‬

‫التخلف االقتصادي‬

‫‪49‬‬
‫ويتمثل بخل الطبيعة يف سوء الظروف الجوية وضعف الرتبة وندرة املوارد الطبيعية الصالحة‬

‫لالستغالل‪ .‬ويدللون عىل صحة هذه النظرية يف أن معظم الدول املتخلفة اقتصاديا تقع يف املناطق‬

‫الحارة بينام معظم الدول املتقدمة تقع يف املناطق املعتدلة‪ .‬إال أنه يعيب هذه النظرية وجود بعض‬

‫الدول املتخلفة مثل كوريا وشيىك يف املناطق املعتدلة كام أن اإلنتاج الصناعي ال يرتبط وجوده باملناخ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬األسباب االجتامعية‪ :‬يرى فريق من االقتصاديني أن ظاهرة التخلف التي تعاين منها بعض الدول‬

‫تنشأ نتيجة لفعل مجموعة من العوامل يطلق عليها عوامل األزدواج االجتامعي بني النظم والقيم‬

‫االجتامعية املحلية وتلك املستوردة من الخارج األمر الذي يرتتب عليه حدوث حالة من التفكك‬

‫االجتامعي والذى يشكل يف حد ذاته عائقا للتقدم‪ ,‬ويرى بعض االقتصاديني أن ظاهرة االزدواج‬

‫االجتامعي قد تكون إحدى مظاهر التخلف وليست سببا لحدوث‪.‬‬

‫وتقوم يف هذه املجتمع بعض املجموعات التي تأخذ عىل عاتقها إنشاء بعض الصناعات مستخدمة املواد‬

‫الخام املتاحة واملعدات الحديثة الرأساملية وأساليب اإلدارة – الفنية‪ ,‬ويرتتب عيل ذلك وجود قطاعيني‬

‫أحدهام متخلف يتبع أساليب اإلنتاج القدمية واآلخر متقدم يتبع أساليب اإلنتاج الحديثة‪ .‬ويستغل‬

‫القطاع األول يف امتصاص العاملة والخامات منه ويبيع له إنتاجه املرتفع الثمن‪ .‬وبذلك يزداد القطاع‬

‫املتخلف فقرا‪ .‬األمر الذي يرتتب عليه ازدياد الخلل يف التوازن االقتصادي بني القطاعات املختلفة للدولة‬

‫الواحدة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العوامل السياسية‪ :‬يرى بعض الكتاب أن االستعامر لعب دورا كبريا يف تخلف الدول‪ ,‬فاالستعامر‬

‫يعمل عىل تنمية القطاعات التي ينتج املواد الخام األولية الالزمة لصناعاته‪ ,‬وبالتايل تصبح معدالت‬

‫التبادل التجاري يف غري صالح الدول املتخلفة عىل املدى الطويل حيث تحصل عىل الخامات بأسعار‬

‫زهيدة تبيع إنتاجها الصناعي والزراعي لهذه الدول بأمثان مرتفعة‪ .‬فالدول املتخلفة تخرس كمستهلك‬

‫للسلع الصناعية وكمنتجه للمواد األولية‪ ,‬كام أن ربط اقتصاديات الدول املستعمرة باقتصاديات الدول‬

‫التي تستعمرها يعترب عامال رئيسيا يف تخلف هذه الدول‪ .‬ولذلك يرى بعض الكتاب أن االستعامر‬

‫والتجارة الخارجية مسئوولني عن التخلف االقتصادي وأن االستقالل يعترب رضورة من رضوريات القضاء‬

‫عىل التخلف االقتصادي‪.‬‬

‫‪-4-‬السياسات االقتصادية والتنمية االقتصادية‪:‬‬

‫تتمثل السياسة االقتصادية يف قيام الدولة بخطوات وإجراءات ترمى إىل تحقيق أهداف اقتصادية‬

‫محددة األهداف‪ ,‬وتسعى الدول من خالل السياسات االقتصادية إىل تحقيق مجموعة من األهداف‬

‫االقتصادية تتمثل يف إشباع حاجات أفراد املجتمع من مختلف السلع وبصفة خاصة تلك السلع التي‬

‫يطلق عليها السلع العامة‪ ,‬وتحقيق النمو االقتصادي وزيادة فرص التوظف يف املجتمع حتى ميكن عالج‬

‫مشكلة البطالة أيضا العمل عىل تحقيق استقرار نسبي يف املستوى العام لألسعار حتى ميكن الحفاظ‬

‫عىل مستوى معيشة أفراد املجتمع‪ ,‬وبجانب ما سبق من أهداف تسعى الحكومات إىل تحسني وضع‬

‫ميزان املدفوعات من خالل زيادة الصادرات والعمل عىل تخفيض حجم الواردات‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أوالً‪ :‬مفهوم السياسة االقتصادية‪ :‬تعرف السياسة االقتصادية عىل أنها‪ " :‬ترصف عام للسلطات‬

‫العمومية‪ ,‬واع‪ ,‬منسجم‪ ,‬وهادف‪ ,‬يتم القيام به يف املجال االقتصادي‪ ,‬أي يتعلق باإلنتاج‪ ,‬التبادل‪,‬‬

‫استهالك السلع والخدمات‪ ,‬وتكوين رأس املال"‪.‬‬

‫وتعرف كذلك بأنها‪" :‬مجموعة القرارات التي تتخذها السلطات العمومية بهدف توجيه النشاط يف‬

‫اتجاه مرغوب فيه"‪.‬‬

‫وتتضمن السياسة االقتصادية ما ييل‪:‬‬

‫تحديد األهداف التي تسعى السلطات أي تحقيقها‪.‬‬

‫وضع تدرج بني األهداف إذ أن بعض األهداف تكون غري منسجمة‪.‬‬

‫تحليل االرتباطات بني األهداف وذلك بوضع منوذج اقتصادي يوضح العالقات بني األهداف‪.‬‬

‫اختيار الوسائل التي تنفذ بها السياسة االقتصادية من وسائل نقدية‪ ,‬الرصف‪ ,‬الجباية‪..‬إلخ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أنواع السياسة االقتصادية‪:‬‬

‫هناك أنواع للسياسة االقتصادية منها‪:‬‬

‫‪-1‬سياسة الضبط التي تسعى للمحافظة عىل التوازنات الكلية الكربى لالقتصاد‪.‬‬

‫‪-4‬سياسة اإلنعاش التي تهدف إىل إعادة إطالق اآللة االقتصادية‪.‬‬

‫‪-4‬سياسة إعادة هيكلة الجهاز الصناعي التي ترمي إىل تكثيف الجهاز الصناعي مع‬

‫تطور الطلب العاملي‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪-3‬سياسة االنكامش التي تهدف إىل التقليص من ارتفاع مستوى األسعار وتؤدي إىل تقليص النشاط‬

‫االقتصادي‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أهداف السياسة االقتصادية‪:‬‬

‫تنقسم أهداف السياسة االقتصادية إىل ثالثة مستويات‪:‬‬

‫املستوى األول‪ :‬أهداف اقتصادية؛ إذ تتعلق بتحقيق الرفاهية االقتصادية‪ ,‬وهي عادة أربعة أهداف‬

‫رئيسية‪ ,‬وتسمى "باملربع السحري للسياسة االقتصادية"‪ ,‬وهي‪:‬‬

‫‪-1‬منو اقتصادي مستمر‪ :‬ويقاس النمو انطالقا من التغري الذي يحصل يف الناتج املحيل الخام‪ ,‬وهو‬

‫الهدف الذي تسعى إىل تحقيقه أغلب الدول مبعدالت مرتفعة‪.‬‬

‫‪-4‬مستوى مرتفع للتشغيل‪ :‬ويقصد بالتشغيل هنا عموما التوظيف الكامل لعوامل اإلنتاج والتي أساسها‬

‫عنرص العاملة‪ ,‬التي تعترب عبئا كبريا يف حالة البطالة‪.‬‬

‫‪-4‬استقرار يف مستوى األسعار‪ :‬وذلك من خالل التحكم يف التضخم الذي يعترب معرقال للسياسة‬

‫االقتصادية‪ ,‬خاصة ما يسمى بالتضخم الجامع‪.‬‬

‫‪-3‬توازي اقتصادي مع الخارج‪ :‬وهو توازن ميزان املدفوعات الذي يعرب عن مركز الدولة عامليا‪,‬‬

‫ويبني مدفوعات الدولة لألجانب ومقبوضاتها منهم‪.‬‬

‫املستوى الثاين‪ :‬أهداف لتحقيق الرفاهية االجتامعية وكيفية استغالل املوارد‪.‬‬

‫املستوى الثالث‪ :‬شبه أهداف‪ ,‬وتتعلق أساسا بنفقات تقوم بها الدولة بخصوص الدفاع الوطني‪ ,‬التعليم‬

‫والصحة ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪-3-‬السياسة املالية والتنمية االقتصادية‬

‫تعد السياسة املالية من أهم السياسات التي تعتمد عليها الحكومة يف تحقيق التوازن والنمو االقتصادي‬

‫وتوفري فرص العمل للوصول إىل وضع التوظف الكامل‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف السياسة املالية‪:‬‬

‫بأنها استخدام الحكومة للرضائب واإلنفاق العام واملوازنة العامة للدولة من أجل تحقيق االستقرار‬

‫االقتصادي أي أن السياسة املالية تتمثل يف األمور املالية للدولة والهادفة إىل تحقيق التوازن يف املوازنة‬

‫وزيادة اإلنتاج ومنع حدوث التضخم والكساد‪ ,‬وميكن القول بأن الهدف األسايس للسياسة املالية هو‬

‫تحقيق االستقرار االقتصادي من خالل محاربة التضخم والكساد والسعي من خالل ذلك لتحقيق‬

‫التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬السياسة املالية يف النظريات االقتصادية‪:‬‬

‫ويف نظره رسيعة نعرض هنا السياسة املالية يف كل من الفكر الكالسييك والفكر الكينزي‪.‬‬

‫‪-1‬السياسة املالية يف الفكر الكالسييك‪ :‬كان االقتصاديون الكالسيك يؤمنون بأن السياسة النقدية‬

‫السليمة أكرث فعالية من السياسة املالية حيث أنها من الصعب أن تحقق االستقرار االقتصادي أو أن‬

‫تقوم بعالج مشكلة البطالة أي يف حدود ضيقة‪ .‬وبالتايل من املمكن خلق مزيد من فرص العمل‬

‫واملساهمة يف عالج مشكلة البطالة عن طريق إحداث زيادة يف حجم اإلنفاق الحكومي والتي ميكن‬

‫تدبريها من خالل ثالث مصادر إيرادية وهي عىل الرتتيب‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫املصدر األول‪ :‬قيام الحكومة بفرض رضائب جديدة أو برفع نسبة الرضائب الحالية ويف هذه الحالة من‬

‫الصعب أن يزداد حجم اإلنفاق القومي‪ ,‬ألن الزيادة التي ستحدث يف اإلنفاق الحكومي سيقابلها بنفس‬

‫القدر يف الغالب نقص يف حجم إنفاق األفراد نتيجة لفرض الرضائب‪.‬‬

‫املصدر الثاين‪ :‬قيام الحكومة بإصدار قرض عام جديد ويف هذه الحالة سيحدث ارتفاع يف سعر الفائدة‬

‫وما يرتتب عليه من حدوث نقص يف اإلنفاق االستثامري الخاص بنفس الذي سيزيد به اإلنفاق‬

‫الحكومي وبالتايل من الصعب أن يزداد حجم اإلنفاق القومي ألن نقص االستثامر يعني نقص اإلنتاج‬

‫والدخل‪.‬‬

‫املصدر الثالث‪ :‬من املكن أن يزداد الطلب الكيل من خالل استحداث تضخم نقدي‪.‬‬

‫‪-4‬السياسة املالية يف الفكر االقتصادي الكينزي‪ ,‬فكان كينز يرى أن السياسة املالية تكون أكرث فعالية من‬

‫السياسة النقدية وبالتايل من املمكن االعتامد عىل أدوات السياسة املالية يف عالج ما يواجه املجتمع من‬

‫مشاكل اقتصادية وعالج كل من التضخم والكساد‪.‬‬

‫ويرتكز التحليل الكينزي يف استخدام أدوات السياسة املالية عىل شكلني أساسيني‪:‬‬

‫الشكل األول‪ :‬يف ظل وجود حالة من (االنكامش) يف النشاط االقتصادي ميكن عالج لهذه الحالة بثالث‬

‫طرق‪:‬‬

‫‪-‬تقوم الحكومة بزيادة حجم اإلنفاق الحكومي ما يعني زيادة االستثامر واإلنتاج والدخل‪.‬‬

‫‪-‬تقوم الحكومة بتخفيض الرضائب مام يعني زيادة الحافز عىل االستثامر واإلنتاج‪.‬‬

‫‪-‬تقوم الحكومة باستحداث (عجز) يف املوازنة العامة للدولة‪.‬‬

‫الشكل الثاين‪ :‬يف ظل وجود حالة من (التضخم) يف النشاط االقتصادي ميكن عالج لهذه الحالة بثالث‬

‫طرق – عكس ما أتبع عند عالج االنكامش – وهي عىل الرتتيب‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫‪-‬تقوم الحكومة بتخفيض حجم اإلنفاق الحكومي وما يتبع ذلك من نقص االستثامر‪.‬‬

‫‪-‬تقوم الحكومة بزيادة الرضائب وما يتبع ذلك من نقص للحافز عىل االستثامر‪.‬‬

‫‪-‬تقوم الحكومة باستحداث "فائض" يف املوازنة العامة للدولة‪.‬‬

‫ويستند كينز عىل مضاعف االستثامر يف تحقيق االستقرار االقتصادي بصورة رسيعة حيث أن زيادة‬

‫االستثامر مببلغ معني ويف ظل امليل الحدى االستهاليك يف املجتمع تحدث زيادة مضاعفة يف الدخل‬

‫القومي‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أثر السياسة املالية عىل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫من خالل أدوات السياسة املالية ميكن التأثري عىل حجم االستثامر القومي وما لذلك من آثار عىل‬

‫التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -1‬أثر اإلنفاق العام عىل التنمية‪:‬‬

‫ينقسم اإلنفاق العام (الحكومي) إىل إنفاق استهاليك وإنفاق استثامري‪ ,‬وكمثال لإلنفاق االستهاليك‬

‫الدعم الذي تقدمة الدولة لألفراد‪ ,‬ويؤدي هذا الدعم بدوره إىل مزيد من اإلنفاق االستهاليك وبالتايل‬

‫زيادة الحافز لدى املستثمرين عىل زيادة اإلنتاج (العرض) ملقابلة الزيادة يف الطلب نتيجة الدعم‪.‬‬

‫أيضا عندما تزيد الحكومة اإلنفاق االستثامري وتزيد من عدد مرشوعاتها مام يعني زيادة فرص العمل‬

‫وزيادة اإلنتاج والدخل وهي أمور تحقق التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -4‬أثر السياسة الرضيبية عىل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫من املعروف أن الحكومة ميكنها أن تؤثر من خالل السياسة الرضيبية عىل حجم االستثامر وبالتايل عىل‬

‫التنمية االقتصادية‪ ,‬فإذا أرادت الحكومة أن تزيد من الحافز عىل االستثامر داخل املجتمع فعليها أن‬

‫تقوم بتخفيض معدالت الرضائب أو بتقديم بعض اإلعفاءات الرضيبية املحفزة عىل االستثامر‪ ,‬وعند‬

‫زيادة االستثامر نتيجة الستخدام أدوات السياسة املالية يتغري موقع الطلب عىل االستثامر فينتقل إىل‬

‫اليمني بالرغم من ثبات سعر الفائدة كام يتضح‪.‬‬

‫يتبني من الرسم أنه عند انخفاض سعر الفائدة من ‪ %5 :%11‬يتزايد حجم االستثامر من ‪151 : 111‬‬

‫مليون جنيه‪ ,‬ومع ثبات سعر الفائدة واستخدام املزيد من األساليب اإلنتاجية الحديثة وزيادة توقعات‬

‫رجال األعامل باألرباح وزيادة الحوافز املوجهة لالستثامر وزيادة السكان ومستويات الدخول‪ ,‬يتزايد‬

‫االستثامر وينتقل منحنى الطلب عىل االستثامر إىل اليمني من ط‪ : 1‬ط‪.4‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫التنمية االقتصادية والتمويل‬
‫ليس هناك من شك يف أن ندرة رأس املال أو قصور رأس املال وانخفاض معدل التكوين الرأساميل تعد‬

‫من أهم مظاهر التخلف االقتصادي باإلضافة إىل كونها تتسبب يف إبطاء عملية التنمية لتلك الدول‬

‫املتخلفة والواقع أن الندرة النسبية لرأس املال تتخذ مظاهر مختلفة من دولة ألخرى بل ومن قطاع‬

‫آلخر الزراعية أو القابلة للزراعة‪.‬‬

‫هذا عالوة عىل أن الدول النامية تكون غالباً أقل استعداداً لإلفادة الكاملة من انتاجية األرض الزراعية‬

‫نظراً لنقص املصادر الرأساملية الالزمة لرفع اإلنتاجية الحدية وعدم توافر الخربة الفنية‪ .‬وحتى يف الدول‬

‫النامية التي ترتكز فيها رؤوس األموال يف قطاع الزراعة فإنها تكون قليلة إذا ما قورنت برؤوس األموال‬

‫املستثمرة يف الزراعة يف الدول املتخلفة وذلك لتخلف وبدائية وسائل وأساليب اإلنتاج الزراعي‬

‫املستخدمة يف الدول النامية‪.‬‬

‫وتختلف مشكلة التكوين الرأسامىل اليوم – يف ظروف التخلف – عن تلك التى واجهتها الدول‬

‫الرأساملية خالل القرن التاسع عرش من حيث اختالف الظروف التكنولوجية واختالف مفهوم دور‬

‫الدولة يف االمناء فدولة اليوم تلتزم بالقيام مبرشوعات البنية األساسية للمجتمع – بناء الطرق‪,‬‬

‫مرشوعات الرى والرصف‪ ,‬مرافق القوى الكهربائية‪ ,‬مد شبكات السكك الحديدية‪ ...,‬وغريها من أنواع‬

‫االستثامر – حيث تفتقر الدول املتخلفة أصالً إىل مثل هذه املرافق‪ ,‬وعىل ذلك فإن العبء الواقع عىل‬

‫حكومات تلك الدول من حيث توفري رؤوس األموال الالزمة ملثل تلك املرشوعات يصبح أكرب نسبياً مام‬

‫تلتزم به الحكومات الحديثة يف الدول املتقدمة ذات امليزانيات القومية الضخمة‬

‫‪58‬‬
‫‪ .‬كام أن املرشوعات الصناعية الحديثة ذات التكنولوجيا املتقدمة أصبحت تحتاج إىل رؤوس أموال‬

‫ضخمة سواء إلنشاء تلك املرشوعات أو لتشغيلها بعد اإلنشاء – نظراً لكون تلك املرشوعات يتم بناء‬

‫سعاتها اإلنتاجية عىل أساس من االستفادة من مبدأ وفورات السعة – وهذا أمر مل يقابل الدول‬

‫املتقدمة يف بداية مراحل منوها االقتصادي‪.‬‬

‫ولعلنا نتساءل اآلن عن مدى أهمية التكوين الرأساميل يف دفع عجالت التنمية االقتصادية واالجتامعية‪.‬‬

‫ومن املعروف أنه وحتى نهاية الحرب العاملية الثانية كان االقتصاديون يضعون التكوين الرأساميل يف‬

‫املقام األول من بني مجموعة العوامل االقتصادية واالجتامعية والثقافية التي تؤثر يف عملية التنمية‬

‫ويرجع ذلك يف املقام األول إىل تأثرهم بالفكر االقتصادى الكالسييك الذي مل ير فرقاً أساسياً بني منو‬

‫االقتصاد القومي بصفة عامة ومنو املرشوع الفردي‪ ,‬فحيث ينمو املرشوع الفردي بزيادة تراكم رأس‬

‫املال‪ ,‬فإنهم يرون أيضا أن منو االقتصاد القومي يتوقف عىل درجة الرتاكم الرأساميل يف املجتمع‪ ,‬ومبعنى‬

‫آخر فإنهم كانوا ينظرون للنمو االقتصادي عىل أنه دالة للرتاكم الرأساميل‪ .‬غري أن تلك النظرة قد تغريت‬

‫حيث تبني قصورها فمنذ نهاية الحرب العاملية الثانية بصفة خاصة‪ ,‬ظهر الكثري من الكتابات التي تؤكد‬

‫أن أسباب التنمية االقتصادية ال تتهيأ مبجرد توافر رؤوس األموال وإمنا يقتىض األمر باإلضافة إىل ذلك‬

‫وضع خطة اقتصادية رشيدة‪ ,‬وتوفري األيدي العاملة املدربة‪ ,‬واستخدام املعارف الفنية الحديثة‪ ,‬وإقامة‬

‫الهياكل األساسية وتوفري البيئة االجتامعية املالمئة وغري ذلك من املقومات األساسية للتنمية االقتصادية‪.‬‬

‫لكن مام ال شك فيه أن عامل رأس املال عامل اسرتاتيجي من عوامل التنمية لكنه ليس العامل الوحيد‬

‫املؤثر يف التنمية‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وعىل الرغم من ذلك فال يجوز التقليل من أهمية التكوين الرأساميل كعامل جوهري من العوامل‬

‫املؤثرة يف التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫ويرجع ذلك إىل أن العوامل األخرى التي تؤثر يف عملية التنمية تتوقف بدورها إىل حد بعيد عىل مدى‬

‫توافر التكوين الرأساميل‪ .‬فتوافر رأس املال‪ ,‬وما يؤدي إليه من متويل كثري من املرشوعات اإلنتاجية‪,‬‬

‫يهيئ العوامل األخرى أن تتغري مبا يالئم احتياجات التنمية‪.‬‬

‫وليس يف وسع البلد املتخلف أن يرفع معدالته للتكوين الرأساميل بسهولة إذ أنه نظرا النخفاض الناتج‬

‫الكيل يف حالة االقتصاد املتأخر يظل الفارق املطلق بني مستويات املعيشة ومطالب العيش منخفضا‬

‫بوجه عام‪ .‬والدرجة التي تتكون بها املدخرات تحددها بشكل ظاهر اإلنتاجية الكلية املنخفضة‪ .‬فإذا‬

‫زادت اإلنتاجية أمكن رفع أو زيادة إمكانية تكوين مدخرات لكن الشواهد العملية تشري إىل أنه نادراً‬

‫ما يكون يف االمكان رفع معدال االستثامر خالل املراحل األوىل من النمو االقتصادي إىل أكرث من (‪– 11‬‬

‫‪ )%11‬من املنتج القومى االجاميل‪ ,‬يف معظم البلدان املتخلفة‪ .‬فبالرغم من الجهود االمنائية التي بذلتها‬

‫كثري من الدول فلم تتمكن كل من سيالن والفلبني وشيىل وجواتيامال وهندوراس واملكسيك من رفع‬

‫تلك املعدالت إىل أكرث من (‪ )%11 – 11‬خالل الفرتة (‪ .)1914 – 1937‬ومل تتمكن كل من بلغاريا‬

‫واملجر من رفع ذلك املعدل عن (‪ )%11 – 9‬يف حني مل تتجاوز تلك النسبة (‪ )%16 – 11‬بالنسبة‬

‫لالتحاد السوفيتي‪ .‬ويبدو أن ذلك املعدل يتوقف عىل مقدار املوارد الغري مستغلة يف املجتمع ففي‬

‫الوقت الذي متكنت فيه الواليات املتحدة األمريكية مبواردها الشاسعة من أن تستغل تصنيعها بنسبة‬

‫(‪)%44-41‬‬

‫‪61‬‬
‫فإن انجلرتا ىف املقابل مل تتمكن من أن تتجاوز (‪ )%11 – 9‬كمعدل لالستثامر‪ .‬لكن األمر ليس متوقفا‬

‫عىل اإلمكانيات واملوارد غري املستغلة فقط يف تحديد ذلك املعدل بل ان القروض واملعونات الخارجية‬

‫ميكن أن تلعب دوراً هاماً ىف رفع معدالت االستثامر‪.‬‬

‫وعىل ذلك فإن متويل التنمية ال يعتمد فقط عىل املوارد املحلية (أي املصادر الوطنية الداخلية وإمنا‬

‫يعتمد كذلك وبدرجة ما عىل املصادر التمويلية الخارجية‪ .‬وإذا كان العبء األكرب يف هذا الشأن إمنا يقع‬

‫عىل عاتق املدخرات الوطنية‪ ,‬فإن الحاجة لالستعانة باملدخرات األجنبية ترجع إىل اعتبارين أساسيني‪:‬‬

‫يتعلق أولهام بتعزيز املدخرات الوطنية ومن ثم إتاحة الفرصة لتحقيق معدل أعىل من التكوين‬

‫الرأساميل والسيام يف املراحل األوىل للتنمية حيث ينخفض مستوى االدخار الوطني بينام تزداد الحاجة‬

‫إىل االستثامر لتحقيق معدل مناسب للتنمية االقتصادية‪ .‬يف حني يتعلق ثانيهام بامداد الدول النامية‬

‫بالعمالت األجنبية الالزمة للوفاء باحتياجات عملية التنمية االقتصادية والسيام أن هذه الدول تتعرض‬

‫باضطراد للعجز يف موازين مدفوعاتها‪.‬‬

‫ولكن عىل الرغم من ذلك فمهام زادت حاجة الدول النامية لالستعانة باألموال األجنبية فإنه ال مانع‬

‫من أن يقع عىل عاتق االقتصاد القومي تدبري الشطر األكرب من األموال الالزمة لتمويل التنمية‪ ,‬ألن‬

‫االقرتاض الخارجي يتوقف أساساً عىل اعتبارات سياسية‪ ,‬عالوة عىل ما يفرضه من أعباء السداد يف‬

‫املستقبل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪-1-‬مصادر التكوين الرأساميل (التمويل)‬

‫ميكننا تقسيم وسائل التكوين الرأساميل – مصادر أو وسائل التمويل‪ -‬من عدة وجهات نظر‪ .‬فإذا نظرنا‬

‫إىل تلك املصادر من الناحية القومية فإنه ميكن تقسيمها إىل مجموعتني عامتني تتعلق أوالهام باملصادر‬

‫الخارجية مثل القروض األجنبية الخاصة والقروض األجنبية العامة واملساعدات والهبات من حكومات‬

‫أجنبية واملساعدات والهبات من هيئات دولية‪ ,‬يف حني تشتمل الثانية عىل املصادر الداخلية متمثلة يف‬

‫السياسة الرضيبية والقروض العامة واملدخرات املحلية‪ ...‬وغريها‪.‬‬

‫كذلك قد تقسم وسائل التجميع الرأساميل من حيث طبيعتها وآثارها فهناك الوسائل التقليدية ذات‬

‫األثر املبارش‪ ,‬أي تلك التي تحقق فعال تجميع لألموال الالزمة لالستثامر وتشمل االقرتاض من مصادر‬

‫داخلية وخارجية والرضائب‪ ...‬وغريها وهناك الوسائل غري التقليدية ذات األثر غري املبارش مثل تنظيم‬

‫األجهزة املرصفية واألسواق النقدية وتخطيط التجارة الخارجية ‪ ...‬وغريها‪.‬‬

‫وقد يلجأ البعض إىل تقسيم مصادر التمويل تقسيام عاما من حيث األسلوب املتبع‪ ,‬وىف هذا التقسيم‬

‫يكون لدينا أسلوب الرضائب ويشمل كل ما يتعلق بالرضائب من حيث طبيعتها وأنواعها ووسائل‬

‫تحسني أجهزتها‪ ...‬وأسلوب التمويل الخارجي وأسلوب التمويل بالعجز أو ما يطلق عليه أسلوب‬

‫التمويل التضخمي وأسلوب االدخار القومي وخالفه من األساليب سواء التقليدية منها أو غري التقليدية‪.‬‬

‫وليس من املهم اتباع أسلوب أو آخر يف تقسيم مصادر التمويل بقدر ما يجب أن يبنى تحليل كل من‬

‫هذه املصادر عىل أساس االعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫أوالً‪ :‬مدى فاعلية ذلك املصدر يف تجميع األموال الالزمة للتنمية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إىل أي مدى ميكن االعتامد عليها لضامن تدفق مستمر من األموال الالزمة وما هي الصعوبات‬

‫التي تعوق هذا التدفق‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ما هي الحدود العملية إلمكان االستفادة من هذه الوسيلة‪ ,‬مثال ذلك إىل أي مدى ميكن فرض‬

‫رضائب عىل الصادرات أو رضائب تصاعدية‪ ,‬أو عقارية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬إذا ما كانت إحدى هذه الوسائل قامئة بالفعل يف اإلجراءات الالزمة لالرتفاع بكفاءتها كمصدر من‬

‫مصادر التجميع الرأساميل‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬ما هي املخاطر التي تكتنف أي من هذه الوسائل سواء يف املدى القصري أو يف املدى الطويل‬

‫وكيف ميكن تجنب آثارها الضارة (أسلوب االقرتاض األجنبي – أسلوب التمويل بالعجز)‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬هل تصلح هذه الوسيلة يف ظروف معينة دون غريها وملاذا وما هي العوامل األكرث مالمئة‬

‫الستخدامها مع ضامن نتائج إيجابية‪.‬‬

‫‪-4-‬مصادر التمويل الداخلية‬

‫كام سبق القول فإن مصادر التمويل الداخلية هي التي يقع عليها العبء األكرب يف متويل عمليات‬

‫وبرامج التنمية االقتصادية واالجتامعية حيث أنه ال ميكن أن يتحمل مجتمع ما عبء التنمية عن‬

‫مجتمع آخر‪.‬‬

‫وتتعدد وتتباين مصادر التمويل الداخيل من مجتمع آلخر إال أنه ميكن أن نحدد أربعة مصادر رئيسية‬

‫للتمويل الداخيل تتمثل يف املدخرات االختيارية والرضائب والقروض والوسائل غري املبارشة لتمويل‬

‫التنمية والتي تتعلق بكل من التمويل بالعجز (التمويل التضخمي) والتمويل من خالل احداث فائض‬

‫يف ميزان املدفوعات والتمويل من خالل االستفادة من البطالة املقنعة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أوالً‪ :‬أسلوب التمويل من خالل املدخرات املحلية‪:‬‬

‫أن ضيق كل من الطاقة االدخارية واالستثامرية لتعد من أهم سامت االقتصادية املتخلفة كام أن‬

‫اتساعها ليعد من أهم سامت املجتمعات املتقدمة‪ ,‬أما تلك املجتمعات النامية فإن سعة طاقتها‬

‫االدخارية واالستثامرية تقع بني هذين النقيضني‪.‬‬

‫ومييل أغلب الكتاب عن اقتصاديات الدول النامية إىل األخذ بفكرة الحلقة املفرغة للفقر والوصول إىل‬

‫االستنتاج القائل بأن ضعف إمكانيات االدخار االختياري إمنا يرجع إىل ضآلة الدخل الفردي‪ ,‬والذي لن‬

‫يرتفع إال بارتفاع اإلنتاجية من خالل تضافر عنرص العمل مع كميات مضاعفة من رؤوس األموال‪ .‬وهذا‬

‫االتجاه‪ ,‬فيه الكثري من املبالغة ويؤدي بنا إىل القنوط والركون إىل فكرة رضورة االستعانة برؤوس‬

‫األموال األجنبية‪.‬‬

‫وإذا ما عرفنا االدخار عىل أنه االمتناع عن االستهالك يف الفرتة الزمنية الحالية بغرض زيادة القدرة عىل‬

‫االستهالك يف الفرتات الزمنية املقبلة فإن ذلك ينسحب عىل ادخار القطاع العائيل وهو ما يختلف عن‬

‫مفهوم االدخار بالنسبة لكل من قطاع األعامل وقطاع الحكومة‪.‬‬

‫وعىل ذلك فإن تعريف االدخار عىل أنه الجزء املتبقى من الدخل بعد االنفاق عىل االستهالك برشط أن‬

‫يستخدم بعد ذلك يف االنفاق عىل االستثامر ليعد تعريفا مناسبا لكل من القطاعات الثالث العائيل‬

‫واألعامل والحكومي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وتتخذ مدخرات القطاع العائيل عدة صور‪ ,‬من ذلك املدخرات التعاقدية كعقود التأمني عىل الحياة أو‬

‫املعاشات أو التأمينات االجتامعية‪ .‬كام قد تأخذ شكل الزيادة يف األصول السائلة سواء كان ذلك يف‬

‫شكل أرصدة نقدية أم يف شكل أصول مالية مثل األسهم والسندات والشهادات االستثامرية‪ ,‬وقد يكون‬

‫يف استثامري مبارش مثل بناء املساكن أو اصالح األرايض أو خالفه من أوجه النشاط االستثامري الفردي‪.‬‬

‫ويتوقف مستوى االدخار يف القطاع العائيل عىل تفاعل مجموعة من العوامل أهمها مقدار الدخل‪,‬‬

‫ومنط توزيع الدخل‪ ,‬حجم األصول السائلة والعادات والقيم االستهالكية السائدة يف املجتمع‪.‬‬

‫أما ادخار قطاع األعامل فإنه يتمثل يف مدخرات قطاع األعامل الخاص ومدخرات قطاع األعامل العام‪.‬‬

‫فبالنسبة ملدخرات قطاع األعامل الخاص فتتمثل يف األرباح غري املوزعة والتي يكون من املتوقع زيادتها‬

‫كلام زادت األرباح التي تحققها املرشوعات‪.‬‬

‫وتجدر االشارة هنا إىل أن هذا الغرض األخري ال يتحقق يف معظم الدول النامية لعدة أسباب منها أن‬

‫األرباح التي يحققها القطاع الخاص إمنا ترجع يف معظم األحوال إىل املتمتع مبركز احتكارى ومنها كذلك‬

‫عادات االستهالك التي تتميز بها الطبقة الرأساملية يف تلك الدول والتي ال تختلف كثريا عن عادات‬

‫االستهالك السائدة بالريف‪ ,‬هذا عالوة عىل تخوف رجال األعامل من خطر التأميم وبالتايل عزوفهم عن‬

‫احتجاز األرباح‪.‬‬

‫أما مدخرات قطاع األعامل العام فإنه تتمثل فيها يؤول للحكومة من أرباح املرشوعات اململوكة لها‬

‫وهي تتوقف عىل أمثان منتجاتها وتكلفة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ويتمثل ادخار القطاع الحكومي يف الفرق بني اإليرادات الحكومية من الرضائب واملرصوفات الحكومية‬

‫الجارية (االستهالك الحكومي) ويتوقف االدخار الحكومي عىل العديد من العوامل والتي من أهمها‬

‫أسعار وأنواع الرضائب‪ ,‬درجة كفاءة األجهزة الرضيبية يف التحصيل‪ ,‬مستوى الكفاءة الحكومية يف‬

‫اإلدارة العامة‪ ,‬االستهالك الحكومي ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التمويل من خالل الحصيلة الرضيبية‪:‬‬

‫تتسم الدول النامية بشكل عام بضعف وتخلف كل من نظمها وأجهزتها الرضيبية وانتشار ظاهرة‬

‫التهرب الرضيبي‪ .‬ويف تلك الدول ويف ظل الحاجة إىل تدفق منتظم من الحصيلة الرضيبية الالزمة‬

‫ألغراض التنمية وأغراض النفقات الجارية والبد وأن يتجه االهتامم نحو اصالح هذا الجهاز وتيسري مهمة‬

‫املمولني ورفع كفاءة العاملني به والوصول إىل أعىل معدالت للتحصيل كذلك فالبد من تدفق املعدالت‬

‫الرضيبية والقدرة الدخلية لسكان املجتمع‪.‬‬

‫ويرى كثري من االقتصاديني أن الرضائب تتمثل ما بني (‪ )%11 - %11‬من قيمة الناتج القومي يف الدول‬

‫املتخلفة بينام تصل تلك النسبة إىل ما بني (‪ )%31 - %41‬يف الدول املقتدمة‪ .‬وقد ال يكون من السليم‬

‫أو من املتاح عمليا رفع نسبة الرضائب يف الدول النامية إىل نفس نسبتها يف االقتصاديات املتقدمة‪ ,‬إال‬

‫أنه الجدال يف رضورة زيادة الحصيلة الرضيبية كرشط أسايس التاحة الفرصة للنمو االقتصادي الرسيع‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬خصائص النظم الرضيبية للدول النامية‪:‬‬

‫تتميز النظم االقتصادية للدول النامية بالعديد من الخصائص االقتصادية والسلوكية التي تؤثر بشكل أو‬

‫بآخر عىل نظامها الرضيبي ولكن بشكل عام فإن النظم الرضيبية لتلك الدول تتميز مبجموعة من‬

‫الخصائص لعل من أهمها‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫‪-1‬انخفاض نسبة الرضائب إىل الدخل القومي‪ :‬نتيجة التساع نطاق املعامالت غري النقدية يف الدول‬

‫النامية وبخاصة يف القطاع الريفى‪ ,‬وانخفاض مستوى الدخل الفردي وكذلك انخفاض مستوى الوعى‬

‫الرضيبي وعدم وجود دفاتر وسجالت حسابية منظمة لغالبية املشتغلني بالنشاط االقتصادي باإلضافة‬

‫إىل عدم كفاءة األجهزة الرضيبية‪ ...‬إلخ نتيجة لكل ذلك تتسم تلك الدول بسيادة أسلوب التقدير‬

‫الجزايف للربط الرضيبي وكذلك انخفاض نسبة تلك الرضائب إىل الدخل القومى والتي ال تتجاوز ‪%11‬‬

‫من اجامىل دخل املجتمع‪.‬‬

‫‪-4‬انخفاض نسبة الرضائب املبارشة إىل جملة حصيلة الرضائب‪ :‬تشتمل الرضائب املبارشة عىل تلك‬

‫الرضائب التي تجب عىل الدخول الفردية وعىل األعامل التجارية واألرباح غري املوزعة واألرباح‬

‫االستثنائية وأرباح رأس املال واملرتبات ورضيبة األفراد واألرايض الزراعية واملباين ورضائب ورسوم‬

‫األيلولة عىل الرتكات‪.‬‬

‫وطاملا أن فرض النظام الرضيبى املبارش‪ ,‬املتسم بالعدالة‪ ,‬تحول دونه الكثري من العقبات‪ ,‬فإن الدول‬

‫املتخلفة ال ميكنها أن ترص عىل استخدامه‪ .‬ومن ثم فإن إحدى املزايا الرئيسية التي تعزى إىل نظام‬

‫رضائب الدخل يف بالد الغرب الصناعية – وهو تصاعد الرضيبة – ينعدم وجودها يف بعض البلدان‬

‫النامية حيث يقع عبء الرضائب عىل كاهل طبقة املوظفني‪ .‬ونتيجة لكل ذلك تنخفض نسبة حصيلة‬

‫الرضائب املبارشة إىل جملة حصيلة الرضائب يف الدول النامية عن مثيلتها يف الدول املتقدمة‪.‬‬

‫‪-4‬ارتفاع نسبة الرضائب عىل التجارة الخارجية إىل جملة حصيلة الرضائب‪ :‬نظرا لألهمية املرتفعة لقطاع‬

‫التجارة الخارجية للسلع املنظورة يف الدول النامية يف تكوين موازين املدفوعات الخاصة بتلك الدول‬

‫ولكون حصيلة الصادرات السلعية لتلك الدول تشكل نسبة عالية من الدخل القومي لها – تزيد يف‬

‫غالبية األحيان عن ‪- %41‬‬

‫‪67‬‬
‫يف الوقت الذي تتضاءل فيه أهمية تجارة السلع املتطورة يف موازين مدفوعات الدول املتقدمة وبالتاىل‬

‫أهمية صادراتها السلعية بالنسبة إىل دخلها القومى‪ .‬فإن الدول النامية تعد تجارتها الخارجية مصدرا‬

‫رئيسيا من مصادر متويل الحصيلة الرضيبية هذا باإلضافة إىل سهولة تحصيل تلك الرضائب عىل‬

‫الصادرات أو الواردات السلعية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬اختيار نوع الرضائب املالئم لتمويل التنمية االقتصادية‪:‬‬

‫بعد استعراض الخصائص األساسية للنظم الرضيبية يف الدول النامية فإنه يتحتم اإلجابة عىل التساؤل‬

‫الخاص مبدى أفضلية االعتامد عىل أي من الرضائب املبارشة أو الرضائب غري املبارشة بالنسبة للدول‬

‫النامية وليس هناك اتفاق بني االقتصاديني حول اإلجابة عىل ذلك التساؤل فبينام يرى البعض استخدام‬

‫الرضيبة املبارشة فإن البعض اآلخر يرى استخدام الرضائب غري املبارشة بينام يرى فريق ثالث رضورة‬

‫استخدام كل من نوعى الرضيبة مبارشة وغري مبارشة‪ .‬ويرى الدكتور‪ /‬عىل لطفى أن مصلحة الدول‬

‫النامية تقتيض االعتامد عىل الرضائب غري املبارشة لتمويل خطط التنمية ويرجع ذلك لألسباب اآلتية‪:‬‬

‫‪-1‬تتميز الرضائب غري املبارشة بأنه تؤدى إىل جانب وظيفتها املالية وظيفة اقتصادية وهى تحقيق‬

‫التوازن بني العرض والطلب لكل فرع من فروع اإلنتاج‪ .‬ففى حالة زيادة العرض عن الطلب يؤدي‬

‫تخفيض الرضيبة إىل تخفيض الثمن ومن ثم زيادة الطلب يتعادل مع العرض والعكس صحيح‪.‬‬

‫‪-4‬الرضائب غري املبارشة أكرث عدالة من الرضائب املبارشة ويرجع ذلك إىل كون الرضائب املبارشة تحاىب‬

‫أصحاب الدخول املرتفعة عىل حساب أصحاب الدخول الضعيفة‪ .‬فالعامل واملوظفني (أصحاب الدخول‬

‫الضعيفة) ال يكون لديهم أي فرضة للتهرب من الرضيبة املبارشة ولو جزئيا ألنهم يدفعونها بناء عىل‬

‫إقرار من الغري – صاحب العمل أو الحكومة –‬

‫‪68‬‬
‫وغالبا ما يتم تحصيلها عند املنبع‪ .‬أما رجال األعامل وأصحاب املهن الحرة – أصحاب الدخول املرتفعة‪-‬‬

‫فتكون لديهم فرص كثرية للتهرب من الرضيبة املبارشة ألنهم يدفعونها بناء عىل إقرار يقدموه بأنفسهم‪.‬‬

‫‪-4‬يف ظل الرضيبة املبارشة تكون هناك تفرقة بني اململوين‪ .‬نذكر منها‪ :‬تفرقة بني املمولني الذين يكونون‬

‫ملزمني بحكم القانون بإمساك دفاتر منتظمة وبني املمولني الذين ال يلزمهم القانون بذلك‪ ...‬تفرقة بني‬

‫املمولني الذين تسمح لهم طبيعة عملهم بالتهرب من الرضيبة واملمولني الذين ال تسمح لهم طبيعة‬

‫عملهم بذلك‪ ...‬تفرقة بني املمولني الذين لهم صالت خاصة باملسئولني عن تقدير الرضيبة وبني املمولني‬

‫الذين تنعدم صالتهم باملسئولني‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪-3‬تتميز الرضائب غري املبارشة باملرونة حيث تزداد حصيلتها –عىل الرغم من عدم زيادة معدالتها‪ -‬يف‬

‫فرتات الرواج نتيجة لكرثة املعامالت وزيادة االنفاق‪.‬‬

‫‪-1‬ال تستدعى الرضائب غري املبارشة وجود جهاز اداري ضخم لتقدير وربط وتحصيل الرضيبة ومكافحة‬

‫التهرب منها بعكس الحال يف الرضائب املبارشة‪.‬‬

‫‪-6‬يعد التهرب من الرضائب التصاعدية املبارشة أمرا سهال بقيام املمولني بإخفاء جزء من دخولهم أو‬

‫توزيعها عىل أفراد أرسهم حتى يخضع كل دخل عىل حدة لرشيحة رضيبية منخفضة‪ .‬يف حني أنه ميكن‬

‫تطبيق التصاعد يف الرضائب غري املبارشة دون امكانية للتهرب منها وذلك من خالل التمييز يف الرضيبة‬

‫بني كل من السلع الرضيبية الالزمة ألصحاب الدخول املنخفضة والسلع الكاملية التي يستهلكها ذوى‬

‫الدخول املرتفعة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫خامساً‪ :‬العوامل التي تحدد حجم الطاقة الرضيبية‪:‬‬

‫تعرف الطاقة الرضيبية للمجتمع بأنها أقىص قدر من اإليرادات العامة ميكن تحصيلها بواسطة الرضائب‬

‫وذلك دون االخالل بالقواعد االقتصادية واملالية التي تحكم نشاط املمولني ودون املساس باالعتبارات‬

‫السيكولوجية لهم‪ .‬ويتحدد حجم الطاقة الرضيبية للمجتمع عىل مجموعة من العوامل لعل من أبرزها‪:‬‬

‫‪-1‬حجم الدخل القومى‪ :‬من املعروف أن الدخل القومى ما هو إال مجموع دخول األفراد الذين ساهموا‬

‫يف العمليات االنتاجية باملجتمع أو هو مجموع متحصالت أو عوائد العنارص االنتاجية التي ساهمت يف‬

‫العملية االنتاجية خالل سنة وحيث أن متحصالت العنارص االنتاجية ما هي إال دخوله ملاليك هذه‬

‫املوارد فإنها بالتاىل متثل األوعية التي تفرض عليها الرضائب وعىل ذلك فإن زيادة حجم الدخل القومى‬

‫تؤدي إىل زيادة الطاقة الرضيبية للمجتمع‪.‬‬

‫‪-4‬درجة العدالة يف توزيع الدخل‪ :‬إذا ما اتسم توزيع الدخل القومى بدرجة عالية من عدم العدالة فإن‬

‫ذلك يؤدي إىل زيادة القدر الخاضع للرضيبة حيث تخضع الرضائب الدخل ملعدالت مرتفعة من‬

‫الرضيبة التصاعدية‪.‬‬

‫‪-4‬مقدار ما تقدمه الدولة من خدمات مجانية ألفراد املجتمع‪ :‬حيث أن زيادة تلك الخدمات مثل‬

‫التعليم والصحة واألمن‪ ..‬يؤدي إىل زيادة مقدرة املجتمع عىل تحمل عبء الرضيبة عىل الرغم من‬

‫انخفاض مستويات الدخول الفردية‪.‬‬

‫‪-3‬النظام الرضيبي مثل‪ :‬نوعية الرضائب‪ ,‬ومعدالتها وكفاءة الجهاز الرضيبي ودرجة الوعى الرضيبى‬

‫للممولني ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫سادساً‪ :‬أسس السياسة الرضيبية يف الدول النامية‪:‬‬

‫إن املهمة الرئيسية للسياسة الرضيبية للدولة النامية تكون يف تعبئة الفائض االقتصادي وتوجيهه إىل‬

‫الوجهات املنتجة ثم محاولة زيادته بشكل مضطرد‪ .‬وىف ضوء تلك املهمة فإن الرضائب تصبح وسيلة‬

‫امتصاص الجزء األكرب من ذلك الفائض الذي ال يستخدم ألغراض استثامرية وتصبح املشكلة الرئيسية‬

‫هي البحث عن مصادر ذلك الفائض أو اكتشافه وتوجيهه نحو االستثامر دون أن يرتتب عىل تلك‬

‫العملية انتقاص فرص ظهور مثل ذلك الفائض االقتصادي‪.‬‬

‫وحيث أن سياسة التنمية هى ىف جوهرا سياسة اجتامعية قومية يستفيد منها جميع أفراد املجتمع فإن‬

‫األمر ليستدعى رضورة أن ترسم السياسة الرضيبية بحيث يسهم كل فرد يف متويل عملية التنمية (من‬

‫خالل رضائبه) بالقدر الذي يسمح به الفائض االقتصادى غري املستخدم أو مبعنى آخر الغري موجه‬

‫اختياريا نحو االستثامر‪.‬‬

‫وحيث يختلف الفائض االقتصادى من فرد آلخر نظرا الختالف احتياجاته االستهالكية واختالف‬

‫مستويات دخولهم واختالف مستوى الدخل الذى يجعل لدى كل منهم الحافز لبذل املزيد من الجهود‬

‫لذلك يجب أن تتسم السياسة الرضيبية بالعدالة يف توزيع أعبائها وإذا ما علمنا أن عملية التنمية‬

‫االقتصادية هي عملية تراكمية مبعنى أنه سوف يصاحبها ارتفاع يف الدخل وبالتايل ارتفاع يف حجم‬

‫الفائض االقتصادي يف املراحل األوىل فإنه يجب أن ترسم السياسة الرضيبية بحيث ال تسمح بأن تؤول‬

‫الزيادة ىف الدخل إىل االنفاق االستهاليك كاملة أو مبعنى آخر فإن تلك السياسة يجب أن تأخذ يف‬

‫اعتبارها أن يكون معدل التزايد يف االنفاق االستهاليك أقل من معدل الزيادة املتوقعة يف الدخل القومي‬

‫وبخاصة يف املراحل األوىل للتنمية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وإذا ما كان هدف سياسة التنمية هو تشجيع النمو يف قطاع أو نشاط انتاجي فإنه يجب أن تأخذ‬

‫السياسة الرضيبية هذا الهدف بعني االعتبار وهو ما يعرف مببدأ االعفاء الرضيبي أو التخفيضات‬

‫الرضيبية‪ .‬كام أن الرضائب عىل الواردات يجب أن تخطط ضمن االطار العام لخطة التنمية فقد تعفى‬

‫مثال السلع الرأساملية الالزمة إلقامة صناعات وطنية من الرضائب يف الوقت الذى تفرض فيه رضائب‬

‫مرتفعة عىل السلع االستهالكية‪.‬‬

‫عىل أنه وىف كثري من الدول ميكن تجميع حصيلة رضيبية كبرية من خالل الرضائب عىل العقارات‬

‫وامللكيات الزراعية ولكن ليك يتأىت ذلك يشرتط عدم وجود النفوذ السيايس يف أيدى الطبقة الغنية‬

‫حيث أنها يف تلك الحالة سوف تستطيع أن تقاوم أى اتجاهات ترشيعية رضيبية تفقدها جزءا من املزايا‬

‫أو املكاسب املادية التي تتمتع بها‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬متويل التنمية من خالل أسلوب القروض (الدين األهىل)‪:‬‬

‫ان املقصود بالقروض املستخدمة ىف متويل عمليات التنمية ليست تلك القروض التى تقوم عليها‬

‫الحكومات بغرض تغطية جزء من نفقاتها الجارية أو سد عجز طارئ ىف املوازنة العامة للدولة ولكننا‬

‫نقصد ىف هذا الجزء تلك القروض التى تصدرها الدولة بغية متويل بعض مرشوعات التنمية‪ .‬وىف هذا‬

‫الصدد يرى "نورمان بوكانان‪ ,‬هوارد اليس" أنه ال يوجد شئ يحول دون االقرتاض ما دامت تلك القروض‬

‫ستستخدم يف مرشوعات التنمية الحكومية وطاملا كانت تلك املرشوعات مدروسة وتستثمر فيها األموال‬

‫آلحال طويلة‪ .‬ولقد بلغت نسبة الدين األهىل يف الواليات املتحدة األمريكية وكندا وبلجيكا ىف عام‬

‫‪ 1911‬نحو ‪ %93 ,%117 ,%119‬من دخولها القومية عىل الرتتيب‪ ,‬ىف حني أن تلك النسبة بلغت ‪,%15‬‬

‫‪ %11 ,%11‬يف كل من الربازيل وسيالن واملكسني ىف نفس العام عىل الرتتيب‪,‬‬

‫‪72‬‬
‫وترتكز مشاكل االقرتاض الرئيسية التى تواجه حكومات البالد املتخلفة يف اختفاء عادات االدخار من‬

‫بعض مناهج الحياة وانعدام وجود أسواق منتظمة لألوراق املالية الحكومية وانعدام الطلب من جانب‬

‫املصارف التجارية ومؤسسات التأمني‪ ,‬يضاف إىل ذلك اتجاه الحكومات نفسها صوب التمويل بالوسائل‬

‫التضخمية وما يتبعه من مخاوف تساور الشعب ىف التضخم‪ .‬وإذا مل تكن زيادة القروض مصحوبة فإن‬

‫التنمية االقتصادية ميكن أن متول إىل حد ما دون ما ارهاق للطبقات الفقرية‪.‬‬

‫وعند الحديث عن القروض أو الدين األهىل فإنه غالبا ما يواجهنا السؤال التاىل‪:‬‬

‫إذا ما كانت الحكومة مبالها من سلطة تستطيع أن تفرض ما تشاء من الرضائب‪ ,‬باإلضافة إىل كونها متلك‬

‫الوسائل الكفيلة بتحديد كمية النقود ىف املجتمع فلامذا تلجأ إىل أسلوب القروض الداخلية‪ .‬واإلجابة‬

‫عىل ذلك السؤال ذات شقني يتعلق األول منها بأن قدرة الحكومة عىل إصدار النقود أو عىل فرض‬

‫الرضائب ليست سلطة مطلقة وإمنا يحكمها العديد من االعتبارات والقوى االقتصادية والسياسية‬

‫واالجتامعية‪ .‬بينام يتصل ثانيهام بأن هناك اختالفات جوهرية بني كل من الرضائب والقروض فحيث‬

‫تكون حصيلة الرضائب غري قابلة للتخصيص ملرشوع أو وجه انفاقى معني فإن القروض العامة تحتمل‬

‫هذا التخصيص‪ ,‬وحيث تحمل الرضائب صفة االجبار فإن القروض وبحكم طبيعتها اختيارية تعاقدية‬

‫وحيث ال ترد الرضيبة لدافعيها ترد قيمة القرض وفوائده ملن اكتتب فيه‪ ,‬وحيث تؤدي الرضائب إىل‬

‫زيادة االيرادات العامة دون تحميل أعباء اضافية آجلة أو عاجلة عىل جانب النفقات فإن القروض تزيد‬

‫من اإليرادات العامة عند إصدارها ولكنها تزيد من النفقات العامة عند استهالكها‪ ,‬وأخرياً فإن اآلثار‬

‫املرتتبة عىل فرض الرضيبة تختلف كلية عن تلك التى ترتتب عىل إصدار القروض العامة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ثامناً‪ :‬الوسائل غري املبارشة لتمويل التنمية‪:‬‬

‫نظراً لعدم كفاية وسائل التمويل الداخىل السابق االشارة إليها عن الوفاء باحتياجات العديد من الدول‬

‫ىف إحداث النمو االقتصادى أو مبعنى آخر ىف مواجهة املطالب املتزايدة لعمليات الرتاكم الرأسامىل‬

‫الالزمة الحداث النمو االقتصادي ىف الدول املتخلفة املتقدمة منها أو النامية فإنها ىف الغالب ما تلجأ إىل‬

‫ابتاع بعض األساليب غري املبارشة ىف توفري رؤوس األموال الالزمة لدفع عجلة النمو وذلك من خالل‬

‫عمليات التمويل التضخمى أو ما يطلق عليه بالتمويل بالعجز (استحداث عجز يف املوازنة العامة‬

‫للدولة) وكذلك التمويل من خالل استحداث فائض يف موازين املدفوعات أو التمويل من خالل‬

‫االستفادة من ظاهرة البطالة املقنعة‪.‬‬

‫وتختلف اآلراء والحجج التى يسوقها االقتصاديني حول امكانية ومدى استخدام أي من األساليب‬

‫السابقة واملخاطر التى تصاحب كل منها إال أن تجارب العديد من الدول ىف مجال التنمية االقتصادية‬

‫تشري إىل أن تلك الوسائل الغري مبارشة أصبحت مصدراً أساسيا من مصادر التمويل الداخىل بل ميكن‬

‫القول أنها أصبحت إحدى سامت االقتصاديات النامية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪-4-‬التمويل وتضخمه والتمويل بالعجز‬

‫أوالً‪ :‬التمويل التضخمي‪:‬‬

‫يعترب التمويل عن طريق التضخم أو استحداث العجز ىف املوازنة العامة للدولة من املسائل التى أثارت‬

‫–ومازالت‪ -‬الكثري من الجدل العلمى وبخاصة بالنسبة لعمليات التنمية للدول حديثة العهد بها‪.‬‬

‫وتتلخص فكرة التمويل التضخمى ىف التجاء الدولة إىل خلق مزيد من النقود واالئتامن لتمويل بعض‬

‫املرشوعات التنمية وتشغيل العاطلني واستغالل املوارد الطبيعية ومن ثم تحقيق معدالت رسيعة‬

‫للتنمية‪ .‬وترتبط فكرة التمويل التضخمى بالعالقة بني توسيع الطاقة االنتاجية للمجتمع وكمية الوقود‬

‫أو وسائل الدفع الالزمة لحمل كميات االنتاج من بداية مراحل العمليات االنتاجية إىل نهايته فإذا مل‬

‫تقرتن الزيادة يف اإلنتاج بزيادة مناسبة ىف حجم وسائل الدفع فإن ذلك سوف يؤدي إىل تعطيل أو‬

‫توقف تدفق تيار السلع والخدمات مام يعرض املنتجني لخسائر فادحة‪ .‬إال أنه يجب أن يؤخذ يف‬

‫االعتبار أن زيادة وسائل الدفع ليست هدفاً ىف حد ذاتها حيث تؤدى زيادتها عن القدر املطلوب منها‬

‫إىل إعاقة التقدم االقتصادى ومنعه عن طريق غاياته‪.‬‬

‫ولذلك فقد ظهرت بعض اآلراء والحجج التى يؤيد بعضها ويعارض البعض اآلخر منها أسلوب التمويل‬

‫بالعجز‪ .‬وكال الجانبني يتخذ من النتائج التطبيقية وخربات الدول مام يؤيد وجهة نظره‪ .‬وعىل كل فإن‬

‫مشكلة التمويل التضخمى –كغريها من املشاكل االقتصادية‪ -‬تتوقف عىل الظروف األخرى السائدة‬

‫باملجتمع وعىل كيفية مواجهة النتائج املحتملة وتالىف آثارها السيئة إن وجدت‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫اآلراء املؤيدة للتمويل التضخمى‪:‬‬

‫تستند آراء مؤيدى التمويل التضخمى إىل أنه ال ميكن حل مشكلة ندرة رأس املال باألساليب التقليدية‬

‫كالرضائب والقروض واالدخار االختياري فهناك حدود قصوى ملا ميكن تجميعه من تلك الوسائل وكذلك‬

‫فإنه من العسري إجبار األفراد عىل زيادة االنتاج دون زيادة أجورهم النقدية‪ .‬كام أن التمويل‬

‫باستحداث العجز يف املوازنة العامة لن يحتاج إىل مهارة أو خربة إدارية وتنظيمية كبرية كتلك الرضورية‬

‫لتنشيط التمويل بالوسائل السالفة الذكر‪.‬‬

‫كذلك يرى هؤالء املؤيدين أن التمويل باستحداث العجز قد يؤدي إىل إحداث تضخم سعرى ولكن ذلك‬

‫التضخم السعرى لن يستمر طويالً إذا ما اتبعت الدولة السياسة االقتصادية السليمة التى تعمل عىل‬

‫تالىف آثاره‪ .‬باإلضافة إىل أن التمويل التضخمى سوف ميكن الدولة من تنفيذ املرشوعات التى تزيد من‬

‫طاقتها االنتاجية وبالتاىل يزداد حجم املدخرات ىف املراحل التالية وكذلك سوف تزداد حصيلة الدولة من‬

‫الرضائب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تكاليف التضخم‪:‬‬

‫تجمع وجوه الرأى – فيام عدا الشاذ النادر منها – عىل أن تكاليف التضخم اقتصادياً وسياسياً واجتامعياً‬

‫تبلغ حدا يجعل من الواجب رسم سياسة إلحراز التنمية االقتصادية دون تلك التكاليف‪ .‬فالتضخم يثبط‬

‫الحوافز عىل االدخار االختياري ويغرى عىل االستهالك كثرياً بواسطة أولئك املنتفعني به‪ .‬وتذهب‬

‫املكاسب والتى يجئ بها التضخم إىل أوجه التحسم يف قيمة األرايض واملكاتب واملباىن الضخمة‪ ,‬وكذلك‬

‫ىف املكتنز من العمالت األجنبية واملختزن من السلع وىف االقدام عىل املخاطر واملغامرة أكرث مام تذهب‬

‫ىف االستثامر الصناعي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ويصاحب التضخم الكبري تزايد ىف عدد األفراد املشتغلني بالتجارة وحدها‪ ,‬ووتوقف إىل حني عملية‬

‫االنتخاب الطبيعي بني املؤسسات التجارية‪ ,‬فتظل عىل قيد الحياة حتى أقلها مهارة وكفاية‪ ,‬ويتم‬

‫تشويه واضطراب العالقة بني التكاليف واألسعار‪ ,‬ويساء استخدام املوارد ويغدو التخطيط الحكومي‬

‫والتجاري أمرا مستحيالً‪.‬‬

‫ويعزى التضخم رؤوس األموال عىل النزوح والهجرة إىل الخارج كام أنه يصد رأس املال األجنبى عن‬

‫االقبال واملشاركة ىف مرشوعات التنمية‪ ,‬فتنتعش الواردات وتضعف الصادرات‪ ,‬ويزداد ويتواىل العجز ىف‬

‫ميزان املدفوعات ويصبح ليس هناك من وسيلة سوى خفض قيمة العملة وفرض القيود املبارشة أو‬

‫الرقابة عىل الرصف‪.‬‬

‫ويضار من جراء كل ذلك الفئات ذات الدخل الثابت أو املحدود مثل فئة املوظفني الحكوميني‪ .‬باإلضافة‬

‫إىل كل ذلك فإن التضخم يخلق الحزازات االجتامعية‪ ,‬وينعدم شعور الفرد باملسئولية كام يقلل من‬

‫الحوافز عىل العمل الرشيف والجهد التنظيمي ويبعث عىل عدم االستقرار ىف سوق العاملة وبسبب‬

‫كرثة التدخل الحكومى األمر الذى يتناىف وروح االقدام الفردى‪.‬‬

‫وعالوة عىل التصدع االجتامعى والضياع االقتصادى فإن التضخم ال ينمى االدخار – ان حدث – إال شيئا‬

‫قليال ويؤيد ذلك مجموعة الدراسات التى قام بها صندوق النقد الدوىل ىف العديد من بلدان العامل‬

‫النامى واملتقدم ولفرتات زمنية طويلة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وعىل السلطات النقدية ىف الدول السائرة ىف طريق النهوض واجب حتمى هو تجنب التضخم‪ ,‬ليس هذا‬

‫فقط بل ان واجبها ميتد باملثل إىل التعويض عن فعل القوى االنكامشية وأنها يجب عليها أن تعمل عىل‬

‫الحيلولة دون تحويل املدخرات املحلية إىل استثامرات خارجية وذلك ملنع األثر االنكاميش لصادرات‬

‫رأس املال‪ .‬وال حاجة للقول أنه بدون وجود ميزانية حكومية لعالج التضخم ال يكون مثة فائدة كبرية أو‬

‫جدوى من فرض الرقابة النقدية‪ .‬ويقال أن تآزر السياسة املالية والنقدية التى توىص عىل عدم زيادة‬

‫حجم النقود عن ذلك الحجم الالزم للتوسع يف التجارة الداخلية وزيادة عدد السكان بأنها سياسة عالج‬

‫التضخم‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التمويل بالعجز‪:‬‬

‫يرى هذا الفريق من االقتصاديني أنه ال ميكن أن يكون أسلوب التمويل بالعجز بهذه السهولة وبهذه‬

‫النتائج الباهرة وبهذه البساطة إال ملا كانت هناك مشكلة اسمها ندرة رأس املال ولو أن أسلوب التمويل‬

‫التضخمى كان خاليا من املشاكل التجهت إليه جميع الدول فهو أفضل من االقرتاض الخارجى‪ ,‬باإلضافة‬

‫إىل كونه لن يفقد الحكومة شعبيتها بعكس الرضائب‪ .‬فريى هذا الفريق من االقتصاديني أنه ليس هناك‬

‫من ضامن ألن يؤدى التمويل باستحداث العجز إىل زيادة االدخار عن املزيد من حصيلة الرضائب وحتى‬

‫إذا ما زاد االدخار االختياري فإن هذا قد يتدفق إىل االستثامر الخاص وقد تجد الحكومة أنها ىف نفس‬

‫الوضع من حيث تحملها ألعباء االستثامر العام‪ ...‬وهكذا قد تزداد أو تطول فرتة التضخم وتزداد آثاره‪.‬‬

‫ونظراً لكون املرشوعات التى يتم متويلها من خالل ذلك األسلوب ىف املراحل األوىل للتنمية هى‬

‫مرشوعات البنية األساسية كالسدود والخزانات والطرق وخالفه وأن الزيادة الناشئة عن مثل تلك‬

‫املرشوعات لن تأىت إال بعد مىض وقت طويل نسبياً‪,‬‬

‫‪78‬‬
‫وحيث أن امليل لالستهالك ىف تلك املجتمعات مرتفع وهيكلها االقتصادى يفتقر إىل الطاقات الصناعية‬

‫الكبرية وبالتاىل يتسم العرض الكىل فيها بعدم املرونة ىف املدى القصري‪ ,‬وحيث يسود طابع االكتفاء‬

‫الذاىت ىف طاعات الريف فإن املشكلة تعد أكرث خطورة مام يرى املؤيدين حيث تؤدى الزيادة ىف الدخل‬

‫إىل زيادة الطلب عىل السلع االستهالكية الغذائية ولن تعود الزيادة ىف الدخل الناشئة من ارتفاع‬

‫األسعار عىل طبقة املنظمني والقادرين عىل االدخار واالستثامر فحسب كام هو الحال ىف الدول‬

‫املتقدمة‪ ,‬بل ستعود عىل فئات الزراع والتجار وهى الفئات التى ال تعنى زيادة دخولهم بالرضورة‬

‫زيادة ىف مقدرتهم االدخارية باإلضافة إىل أن هذه الطبقات ليس هناك ما يثبت أن لديها ميوالً‬

‫لالستثامر يف حاالت ومشاريع صناعية‪ .‬وعىل ذلك فإنه من املنتظر أن يكون األثر التضخمى سيئا يف‬

‫الدول النامية وبخاصة يف املدى القصري‪.‬‬

‫من كل ما سبق ميكننا أن نخلص إىل أن أسلوب التمويل باستحداث العجز يف امليزانية يجب وخاصة ىف‬

‫بداية مراحل التنمية االقتصادية أن يوجه إىل املشاريع ذات األثر املبارش من حيث زيادة االنتاج ألن‬

‫هذا سيجعله محدود املدى طاملا أن االستثامر األوىل يخلق انتاجا إضافيا ودخال اضافيا‪ .‬وأنه يجب عىل‬

‫املجتمعات النامية أال تفرط يف استخدام هذا األسلوب ثم تجد نفسها أمام مجموعة من املشاكل‬

‫الضخمة واملعقدة والتى قد تكون تكلفة حلها أكرث من الفائدة التى عادت عىل املجتمع من جراء‬

‫استخدام أسلوب التمويل بالعجز‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪-3-‬مصادر التمويل الخارجية‬

‫ان مشكلة االعتامد عىل املصادر األجنبية ىف متويل عمليات التنمية ىف دول العامل الثالث ليست‬

‫بالبساطة التى تصورها الكثري من الكتابات‪ .‬فقد تغريت األوضاع السياسية واالقتصادية ىف الكثري من‬

‫تلك الدول بعد تحررها السياىس حيث تحاول تلك الدول جاهدة أن تتخلص من كل أشكال التبعية‬

‫االقتصادية وأن تكون عوائد مواردها لشعوبها وأن تحصل عىل عائد مجز لصادراتها‪ .‬ان الدول النامية‬

‫تحتاج إىل كميات ضخمة من رؤوس األموال واالستثامرات األجنبية الالزمة العطاء دفعة قوية لعمليات‬

‫التكوين الرأساميل يف املراحل األوىل من خطط التنمية االقتصادية – لكن هناك العديد من االعتبارات‬

‫الواجب مراعاتها عند مناقشة موضوع رأس املال األجنبى وعالقته بالتنمية االقتصادية‪.‬‬

‫فهناك مثال قدرة الدول النامية عىل االقرتاض وقدرتها عىل سداد تلك القروض وخدمة الدين الخارجى‬

‫(الفوائد) ومدى فاعلية القروض األجنبية وأى املصادر أفضل من غريها ىف الحصول عىل تلك األموال أى‬

‫أن املجاالت ميكن أن يساهم رأس املال األجنبى ىف متويلها باإلضافة إىل الرشوط التى تضعها الجهات‬

‫املقرضة ومدى مالمئتها واستعداد الدول النامية لقبولها وأثر ذلك عىل اقتصاديات الدول إىل غري ذلك‬

‫من االعتبارات الهامة التى يجب أن تراعيها الدول النامية عندما تقرر االستعانة برأس املال األجنبى‬

‫لتمويل عمليات التنمية االقتصادية وتنقسم رؤوس األموال األجنبية حسب مصدرها إىل ثالثة أقسام‬

‫رئيسية يتعلق أولها برؤوس األمال األجنبية الخاصة ويتعلق ثانيها باملساعدات املالية من الدول‬

‫املتقدمة‪ ,‬ىف حني يتعلق ثالثها بقروض ومنح املنظامت الدولية‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫أوالً‪ :‬رؤوس األموال األجنبية الخاصة‪:‬‬

‫عىل الرغم من أن الجزء األكرب من تحركات رؤوس األموال األجنبية يتمثل ىف القروض أو املعونات‬

‫الحكومية إال أن االعتقاد السائد هو أن هذه مرحلة انتقالية يجب أن تتبعها مرحلة تكون فيها الدول‬

‫النامية مهيأة لتشجيع االستثامر األجنبى الخاص‪ .‬وإذا رأت دولة أن تسري ىف هذا االتجاه فالبد من‬

‫تكييف ترشيعاتها القومية عىل النحو الذى يجذب رؤوس األموال األجنبية الخاصة ويجعل منها أداة‬

‫تسهم إسهاما ايجابيا ىف االمناء وذلك من خالل توفري الضامنات الكافية حول عدم تأمني أو مصادرة تلك‬

‫األموال أو منعها من تحويل أرباحها إىل الخارج فتنقسم رؤوس األموال األجنبية الخاصة إىل نوعني‪:‬‬

‫‪-1‬القروض األجنبية الخاصة‪ :‬وتتمثل القروض األجنبية الخاصة ىف رشاء أصحاب رؤوس األموال بالدول‬

‫املتقدمة لألوراق املالية (األسهم أو السندات الحكومية) التى تصدرها الحكومات أو الهيئات العامة أو‬

‫الخاصة بالدول النامية‪ .‬وعىل ذلك فليس هناك للمستثمر األجنبى سيطرة أو رقابة عىل املرشوعات‬

‫التى يعتمد متويلها عىل ذلك النوع من القروض كام أن أسعار الفائدة عليها تعد منخفضة نسبيا ولقد‬

‫اختفى يف السنوات األخرية (فيام عدا بالنسبة إلرسائيل) ذلك النوع من القروض وذلك لزيادة مجاالت‬

‫االستثامر يف الدول املتقدمة وعدم ثقة املستثمرين األجانب ىف النظام السياىس واالقتصادى للكثري من‬

‫الدول النامية‪.‬‬

‫‪-4‬االستثامرات األجنبية املبارشة‪ :‬تتمثل تلك االستثامرات ىف املرشوعات واألنشطة التى ميلكها ويديرها‬

‫األجانب بسبب ملكيتهم الكاملة لها أو لنصيب كبري منها مام يربر لهم حق اإلدارة والرقابة املبارشة عىل‬

‫املرشوع لكن يالحظ أن الدول النامية لديها قدر كبري من التخوف من هذا النوع من االستثامرات نظرا‬

‫لتجربتها السابقة خالل مرحلة استثامرها‬

‫‪80‬‬
‫واستنزاف تلك الرشكات ملواردها القومية دون االهتامم مبصلحة الدولة كام أن رؤوس األموال تلك‬

‫أصبحت باهظة التكاليف الرتفاع نسبة ما يتم تحويله للخارج من عوائد‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬املساعدات املالية من الدول املتقدمة‪:‬‬

‫ان املساعدات املالية التى تقدمها الدول املتقدمة إىل الدول النامية (املعامالت الثنائية الحكومية)‬

‫تشكل ىف الواقع أهم عنارص انسياب األموال األجنبية إىل الدول النامية حيث تشكل أكرث من ‪ %61‬من‬

‫اجامىل األموال األجنبية التى تنساب تجاه الدول النامية‪ .‬وتأخذ املساعدات املالية من الدول املتقدمة‬

‫شكل املنح أو املساعدات أو الهبات أو أنها تكون ىف صورة قروض طويلة األجل واملنح ال تحمل التزاما‬

‫بالسداد مستقبال‪ ,‬ىف حني تحمل القروض مثل ذلك االلتزام وتختلف القروض املقدمة من الدول‬

‫املتقدمة إىل تلك النامية من حيث الرشوط التى تصاحب كل قرض والتى تجعل من بعض القروض‬

‫قروضا ميرسة والبعض اآلخر قروضا صعبة‪ ,‬إال أنه أيا كان شكل هذه املساعدات فإنها ترتبط بالدرجة‬

‫األوىل بالعالقات السياسية بني الدول املانحة وتلك املتلقية للمساعدات املالية‪ .‬وىف كل األحوال فإن‬

‫املساعدات املالية تتميز بعدم كفايتها عىل الرغم من اتجاهها نحو التزايد من عام آلخر إال أنها مازالت‬

‫ضئيلة جدا إذا ما قورنت باحتياجات الدول النامية من جهة وبإمكانيات الدول املتقدمة اقتصاديا من‬

‫جهة أخرى‪ .‬كام تتميز تلك املساعدات املالية بسوء التوزيع بشكل صارخ سواء من حيث اسهام كل‬

‫دولة من الدول املتقدمة أو من حيث نصيب كل دولة من الدول النامية‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫فمن حيث مدى اسهام كل دولة من الدول املتقدمة فيكفى أن نقارن بني نسبة ما يتحمله الفرد من‬

‫القروض ىف كل دولة من الدول املتقدمة فقد بلغت تلك النسبة ىف فرنسا ‪ ,%1.9‬وىف الواليات املتحدة‬

‫األمريكية ‪ ,%1.7‬وىف انجلرتا ‪ ,%1.1‬وىف املانيا الغربية ‪ ,%1.4‬ىف الوقت الذى مل تتجاوز فيه ‪%1.1‬‬

‫بالنسبة لباقى دول أوروبا الغربية‪.‬‬

‫أما من حيث نصيب كل دولة من الدول النامية فإن املساعدات املالية التي تقدمها الدول املتقدمة‬

‫تتميز كذلك بسوء توزيع صارخ‪ ,‬وللداللة عىل ذلك يكفى أن نشري إىل أن نصيب الفرد من املساعدات‬

‫املالية ىف الدول التى يقل دخل الفرد فيها عن ‪ 111‬دوالر سنوياً يقل عن نصيب نظريه ىف الدول التى‬

‫يقل متوسط دخل الفرد فيها عن ‪ 411‬دوالر سنويا‪ ,‬بل أكرث من ذلك فإن الدول التى يزيد دخل الفرد‬

‫فيها عن ‪ 411‬دوالر سنويا‪ ,‬يزيد نصيب الفرد فيها من املساعدات املالية عن دول املجموعتني األوىل‬

‫والثانية مجتمعة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬قروض املنظامت الدولية‪:‬‬

‫مل تبدأ املنظامت الدولية ىف تقديم القروض إىل الدول النامية إال بعد نهاية الحرب العاملية الثانية‪ .‬وىف‬

‫أعقاب تلك الحرب وطبقا التفاقية "برتون وودز" فقد أنشئ البنك الدوىل لالنشاء والتعمري ولسنا‬

‫بحاجة إىل استعراض مهام وأنشطة تلك املؤسسة ولكننا سنقترص عىل اإلجراءات التي يتخذها البنك‬

‫القراض الدول‪.‬‬

‫تتقدم الدولة الراغبة يف االقرتاض بطلب إىل البنك ويدرس الطلب ىف املركز الرئيىس وإذا ما كانت نتيجة‬

‫الدراسة التمهيدية مقبولة يخطر البنك الدولة صاحبة الطلب بأنه ىف حاجة إىل مزيد من الدراسة‪ .‬ثم‬

‫يقوم البنك بارسال بعثة منه إىل الدولة الطانبة لدراسة امكانيات وظروف املرشوع املزمع االقرتاض من‬

‫أجله‬

‫‪83‬‬
‫وتتكون بعثة البنك من مهندس واقتصادى وخبري ىف الشئون غري الهندسية يكون متخصصا يف الجانب‬

‫النوعى للمرشوع‪ .‬ويدرس الفنيون الجوانب الفنية للمرشوع (الجوانب التكنيكية)‪ ,‬بينام يقوم‬

‫االقتصادى بدراسة الحالة االقتصادية يف الدولة الراغبة ىف االقرتاض من حيث قدرة الدولة عىل سداد‬

‫مديونيتها مستقبال وبعد ذلك يقرر البنك ما إذا كان من املمكن أن ميول املرشوع من عجمه وغالبا ما‬

‫تكون املعايري التي تتم املوافقة مبوجبها عىل القرض هي أن املرشوع املطلوب االقرتاض من أجله‬

‫مرشوع يعود عىل البلد بالنفع وكذلك إمكانية السداد مستقبال‪ .‬وإذا ما تقرر منح القرض فتشكل لجان‬

‫التقييم واملتابعة للتأكد من أن القرض املذكور يستخدم يف الغرض الذى اتفق عليه‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أن مثة اعتبارات سياسية قد تشوب قرارات البنك ىف منح القروض أو رفضها إال أن‬

‫الدراسات الجادة التى تقوم بها البعثات امليدانية الشك تكشف الكثري مام يفيد الدول النامية‬

‫ويساعدها عىل تخطيط مسارها االقتصادى ىف االتجاه السليم‪ ,‬كام قد يكشف مواطن ضعف ميكن‬

‫تقويتها أو مشاكل عاجلة ميكن عالجها‪.‬‬

‫وباإلضافة إىل البنك الدوىل لالنشاء والتعمري هناك الهيئات االمنائية التابعة لألمم املتحدة والتى أنشئت‬

‫ملساعدة الدول النامية وبخاصة ىف مجال املعونة الفنية‪ .‬وهناك هيئات شبه دولية بدأت متارس نشاطها‬

‫مثل بنك التنمية االفريقي وبنك التنمية العرىب وصناديق االمناء العربية‪ ,‬واملرصف العرىب االسالمي‬

‫للتنمية‪ ,‬وهذه املؤسسات سيكون لها دور هام ىف متويل عمليات التنمية ىف دول العامل الثالث‬

‫مستقبالً‪..‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التنمية املستدامة‬
‫إن مفهوم التنمية املستدامة الذي تهدف إليه السياسة االقتصادية مرتبط بالرفاهية االجتامعية وبرفع‬

‫مستوى املعيشة؛ وذلك من خالل رفع مستوى ونوعية حاجات اإلنسان األساسية والثانوية عىل املدى‬

‫البعيد‪.‬‬

‫وتشكل التنمية املستدامة هدفا من أهداف السياسات االقتصادية يف كل دول العامل‪ ,‬ولها تأثري واضح‬

‫عىل املوارد الطبيعية وعىل مستقبل التنمية البرشية عموما‪.‬‬

‫والتنمية املستدامة ال متثل ظاهرة أو اهتامما جديدا‪ ,‬فالدافع وراء مخاوفنا الحالية يرجع إىل آالف‬

‫السنني‪ ,‬ولكن التنمية املستدامة كمصطلح فعدد قليل نسبيا سمع به قبل مؤمتر األمم املتحدة للبيئة‬

‫والتنمية يف يونيو‪ ,1992‬وارتبط هذا املفهوم بتزايد الوعي إزاء املشاكل البيئية من خالل اللجان‬

‫واملؤمترات التي مهدت الطريق لظهور فكرة التنمية املستدامة‪.‬‬

‫ويعود أول استخدام لهذا املصطلح لناشطني يف منظمة غري حكومية سنة ‪ 1980‬تدعى ب ‪world‬‬

‫‪ ,wildlife fund‬وقد ترجم إىل العربية بعدة مسميات منها التنمية القابلة لإلدامة‪ ,‬القابلة لالستمرار‪,‬‬

‫املوصولة‪ ,‬املطردة‪ ,‬املتواصلة‪ ,‬البيئية‪ ,‬املحتملة‪.‬‬

‫وتعترب رئيس وزراء الرنويج ‪ Gro Harlem Bruntland‬أول من استخدم مصطلح التنمية املستدامة‬

‫بشكل رسمي سنة ‪ 1987‬يف تقرير "مستقبلنا املشرتك"‪ ,‬للتعبري عن السعي لتحقيق نوع من العدالة‬

‫واملساواة بني األجيال الحالية واملستقبلية‪.‬‬

‫وخالل الصفحات التالية سوف نتعرف عىل مفهوم التنمية املستدامة (سامتها‪ ,‬مبادئها‪ ,‬مقوماتها‪,‬‬

‫أهدافها‪ ,‬مؤثراتها)‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-1-‬مفهوم التنمية املستدامة‬

‫إن مفهوم التنمية املستدامة واسع التداول‪ ,‬فلم يعد املشكل يف غياب التعاريف بل يف تعددها ووجهة‬

‫نظرها‪ ,‬ولقد عاىن مصطلح التنمية املستدامة من التزاحم الشديد يف التعريفات ومن بني تلك‬

‫التعريفات‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف معهد املوارد العاملية‪ :‬حيث تضمن التقرير الصادر عن هذا املعهد تقسيم التعريفات‬

‫املقدمة للتنمية املستدامة إىل أربع مجموعات‪:‬‬

‫اقتصاديا‪ :‬تعني التنمية املستدامة للدول املتقدمة التخفيض يف استهالك الطاقة واملوارد‪ ,‬أما بالنسبة‬

‫للدول النامية فهي تعني التوظيف األمثل للموارد املتاحة من أجل رفع مستوى املعيشة والحد من‬

‫الفقر‪.‬‬

‫اجتامعيا‪ :‬تعني السعي من أجل تحقيق االستقرار يف النمو الدميوغرايف‪ ,‬ورفع مستوى الخدمات الصحية‬

‫والتعليمية‪ ,‬خاصة يف املناطق الريفية‪.‬‬

‫بيئيا‪ :‬تعني حامية املوارد الطبيعية واالستخدام األمثل لألرايض الزراعية واملوارد املائية‪.‬‬

‫تكنولوجيا‪ :‬تعني نقل املجتمع إىل عرص الصناعات النظيفة التي تستخدم تكنولوجيات غري ضارة‬

‫بالبيئة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تعريف االتحاد العاملي للحفاظ عىل الطبيعة سنة ‪ : 1980‬فقد عرف التنمية املستدامة بأنها‪:‬‬

‫"التنمية التي تأخذ يف االعتبار البيئة واالقتصاد واملجتمع"‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تعريف البنك الدويل‪ :‬فيعترب منط االستدامة هو رأس املال‪ ,‬وعرف التنمية املستدامة بأنها‪" :‬تلك‬

‫التي تهتم بتحقيق التكافؤ املتصل الذي يضمن إتاحة نفس الفرص التنموية الحالية لألجيال القادمة‬

‫وذلك بضامن ثبات رأس املال الشامل أو زيادته املستمرة عرب الزمن"‪.‬‬

‫وعرف املبدأ الثالث الذي تقرر يف مؤمتر األمم املتحدة للبيئة والتنمية الذي انعقد يف ريو دي جانريو‬

‫سنة ‪ 1992‬التنمية املستدامة بأنها‪" :‬رضورة انجاز الحق يف التنمية؛ حيث تتحقق بشكل متساو‬

‫الحاجات التنموية والبيئية ألجيال الحارض واملستقبل"‪ ,‬وأشار املؤمتر يف مبدئه الرابع أن تحقيق التنمية‬

‫املستدامة ينبغي أن ال يكون مبعزل عن حامية البيئة بل متثل جزءا ال يتجزأ من عملية التنمية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬كام يرى مجلس منظمة األغذية والزراعة‪ (FAO) :‬أن التنمية املستدامة هي إدارة قاعدة املوارد‬

‫الطبيعية وصيانتها وتوجيه التغريات التكنولوجية واملؤسسية بطريقة تضمن تلبية االحتياجات البرشية‬

‫الحالية واملقبلة بصورة مستمرة‪.‬‬

‫يف حني نجد بعض االقتصاديني وضعوا للتنمية املستدامة تعريفا ضيقا ينصب عىل الجوانب املادية وآخر‬

‫اقتصادي يركز عىل اإلدارة املثىل للموارد الطبيعية‪ ,‬وهذا لجعل املفهوم أقرب للتحديد‪.‬‬

‫ويؤكد أصحاب التعريف املادي للتنمية املستدامة عىل رضورة استخدام املوارد الطبيعية بطريقة ال‬

‫تؤدي إىل فنائها أو تدهورها‪ ,‬أو تؤدي إىل تناقص جدواها املتجددة بالنسبة لألجيال املقبلة‪ ,‬وذلك مع‬

‫املحافظة عىل رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غري متناقص من املوارد الطبيعية مثل الرتبة واملياه الجوفية‬

‫والكتلة البيولوجية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫بينام يركز أصحاب التعريف االقتصادي للتنمية املستدامة عىل الحصول عىل الحد األقىص من منافع‬

‫التنمية االقتصادية‪ ,‬برشط املحافظة عىل خدمات املوارد الطبيعية ونوعيتها‪.‬‬

‫وحسب تقرير اإلتحاد العاملي للمحافظة عىل املوارد الطبيعية الصادر سنة ‪ 1981‬تحت عنوان‬

‫"اإلسرتاتيجية الدولية للمحافظة عىل البيئة" فإن التنمية املستدامة تعني‪" :‬السعي الدائم لتطوير‬

‫نوعية الحياة اإلنسانية‪ ,‬مع األخذ باالعتبار قدرات النظام البيئي الذي يحتضن الحياة وإمكاناته‪.‬‬

‫مام سبق‪ ,‬يتبني لنا أن التنمية حتى تكون مستدامة يجب أال تتجاهل العوامل البيئية‪ ,‬وأال تؤدي إىل‬

‫استنزاف املوارد الطبيعية‪ ,‬كام يجب أن تحدث تحوالت يف القاعدة الصناعية والتكنولوجيا السائدة‪.‬‬

‫كام يالحظ من خالل التعريفات أعاله أنها تخلط بني التنمية املستدامة من جهة وبني متطلباتها من‬

‫جهة أخرى‪ ,‬لذلك فهي مل توضح بدقة جوهر التنمية املستدامة‪ ,‬لكن مهام كان أصل املفهوم وتعريفه‪,‬‬

‫فالتنمية املستدامة قد أصبحت واسعة التداول ومتعددة االستخدامات‪ ,‬حيث القت اهتامما كبريا من‬

‫قبل املتخصصني واملهتمني بشؤون البيئة‪.‬‬

‫ونجد أن أغلبية الكتابات تزيك تعريف لجنة البيئة والتنمية التابعة لألمم املتحدة واملعروفة بلجنة‬

‫"بريتالند"‪ ,‬حيث تعرف هذه اللجنة التنمية املستدامة )‪ (PNUD‬عىل أنها‪" :‬تنمية تسمح بتلبية‬

‫احتياجات األجيال الحارضة دون اإلخالل بقرة األجيال القادمة عىل تلبية احتياجاتها"‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪-4-‬سامت التنمية املستدامة‬

‫التنمية املستدامة تختلف عن التنمية بشكل عام‪ ,‬باعتبارها أكرث تداخال وأكرث تعقيدا من هذه األخرية‪,‬‬

‫خاصة فيام يتعلق باملجال الطبيعي واملجال االجتامعي‪.‬‬

‫تتوجه التنمية املستدامة أساسا إىل تلبية متطلبات واحتياجات أكرث الرشائح فقرا يف املجتمع‪ ,‬وتسعى‬

‫إىل حد الفقر يف العامل‪.‬‬

‫للتنمية املستدامة بعد نوعي يتعلق بتطوير الجوانب الروحية والثقافية واإلبقاء عىل الخصوصية‬

‫الحضارية للمجتمعات‬

‫ال ميكن يف حالة التنمية املستدامة فصل عنارصها وقياس مؤرشاتها؛ لشدة تداخل األبعاد الكمية‬

‫والنوعية‪.‬‬

‫املالحظ من خالل التعاريف املتعلقة بالتنمية املستدامة أنها مستمدة من مبادئها الثالثة وهي‪:‬‬

‫"العدالة االجتامعية‪ ,‬حامية البيئة‪ ,‬الفعالية االقتصادية"‪ ,‬وهنا نجد االهتامم بربط الجوانب االقتصادية‬

‫واالجتامعية بالجوانب البيئية‪ ,‬مبعنى أن األرض واإلمكانيات الطبيعية التي تحتويها كمرياث يجب أن‬

‫يحول إىل األجيال املستقبلية بشكل غري منقوص‪ ,‬ويف هذا اإلطار قام الفيلسوف السويدي ‪Hans‬‬

‫‪ JONASS‬بدمج املفاهيم الثالثة للتنمية ليستنتج مفهوم التنمية املستدامة حسب الشكل التايل‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫شكل ‪9‬‬

‫تحقيق التنمية املستدامة‬

‫من خالل التقاء العنارص الثالثة الرئيسية‬

‫كام يرى بعض االقتصاديني أن ملفهوم التنمية املستدامة مستويني أحدهام قوي واآلخر ضعيف‪ ,‬تكون‬

‫االستدامة قوية إذا وقع حقل النشاطات االقتصادية ضمن مجال النشاطات اإلنسانية‪ ,‬وهذه األخرية‬

‫تكون ضمن الدائرة البيولوجية‪ ,‬وعليه فالنشاطات االقتصادية تنمو بشكل متضائل عىل املدى الطويل‬

‫إذا تم اإلرضار بالطبيعة بأرضار جسيمة‪ ,‬كام يوضحه الشكل التايل‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫شكل ‪11‬‬

‫بيئة‬

‫اجتماعية‬

‫اقتصادية‬

‫االستدامة القوية (الغطاء البيئي)‬

‫يوضح الشكل أن إمكانية التوسع نحو الخارج يف التنمية االقتصادية واالجتامعية يجب أن يتم يف إطار‬

‫الحدود البيئية‪ ,‬لهذا فاالستدامة القوية ترفض فكرة اإلحالل بني مختلف أشكال رأس املال البرشي‪,‬‬

‫املايل‪ ,‬التكنولوجي ‪ ...‬وتدعم رضورة بقاء عىل األقل جزء من مخزون رأس املال الطبيعي ثابتا‪.‬‬

‫أما االستدامة الضعيفة تفرتض درجة من اإلحالل بني مختلف أشكال رأس املال‪ ,‬بحيث يكون مخزون‬

‫رأس املال الشامل ثابتا‪ ,‬استنادا إىل قاعدة "‪ "sollow‬التي تقر أن‪ :‬رأس املال الطبيعي القابل للفناء‬

‫ميكن استبداله كليا مبرور الزمن برأس املال التكنولوجي أو املايل‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫شكل ‪11‬‬

‫بيئة‬

‫اجتماعية‬

‫اقتصادية‬

‫االستدامة الضعيفة (الغطاء االقتصادي)‬

‫يوضح الشكل كيف ميكن التوسع عىل حساب رصيد املوارد البيئية رشيطة بقاء رصيد رأس املال الشامل‬

‫ثابتا من خالل اتجاه عمليات التنمية نحو الداخل‪.‬‬

‫‪-4-‬‬

‫مبادئ التنمية املستدامة‬

‫مع بداية القرن الواحد والعرشين بدأت تتبلور عقيدة بيئية جديدة تبناها البنك العاملي لإلنشاء‬

‫والتعمري تقوم عىل عرش مبادئ أساسية هي كام ييل‪:‬‬

‫املبدأ األول‪ :‬تحديد األولويات بعناية‪:‬‬

‫اقتضت خطورة مشكالت البيئة وندرة املوارد املالية التشدد يف وضع األولويات‪ ,‬وتنفيذ إجراءات العالج‬

‫عىل مراحل‪ ,‬وهذه الخطة قامئة عىل التحليل التقني لآلثار الصحية واإلنتاجية واإليكولوجية ملشكالت‬

‫البيئة وتحديد املشكالت الواجب التصدي إليها بفعالية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫املبدأ الثاين‪ :‬االستفادة من كل دوالر‪:‬‬

‫كانت معظم السياسات البيئية مبا فيها السياسات الناجحة مكلفة بدون مربر وبدأ التأكيد عىل فعالية‬

‫التكلفة‪ ,‬وهذا التأكيد يسمح بتحقيق انجازات كثرية مبوارد محدودة‪ ,‬وهو يتطلب نهجا متعدد الفروع ‪,‬‬

‫ويناشد املختصني واالقتصاديني يف مجال البيئة والعمل سويا عىل تحديد السبل األقل تكلفة للتصدي‬

‫للمشكالت البيئية الرئيسية ‪.‬‬

‫املبدأ الثالث‪ :‬اغتنام فرص تحقيق الربح لكل األطراف‪:‬‬

‫بعض املكاسب يف مجال البيئة سوف تتضمن تكاليف ومفاضالت‪ ,‬والبعض اآلخر ميكن تحقيقه‬

‫كمنتجات فرعية لسياسات صممت لتحسني الكفاءة والحد من الفقر؛ نظرا لخفض املوارد التي تكرس‬

‫لحل مشكالت البيئة‪ ,‬ومنها خفض الدعم عىل استخدام املوارد الطبيعية ‪.‬‬

‫املبدأ الرابع‪ :‬استخدام أدوات السوق حيثام يكون ممكنا‪:‬‬

‫إن الحوافز القامئة عىل السوق والرامية إىل خفض األرضار الرضيبية هي األفضل من حيث املبدأ‬

‫والتطبيق‪ ,‬فعىل سبيل املثال تقوم بعض الدول النامية بفرض رسوم االنبعاث وتدفق النفايات‪ ,‬رسوم‬

‫قامئة عىل قواعد السوق بالنسبة لعمليات االستخراج‪.‬‬

‫املبدأ الخامس ‪ :‬االقتصاد يف استخدام القدرات اإلدارية والتنظيمية‪:‬‬

‫يجب العمل عىل تنفيذ سياسات أكرث تنظيام وقدرة مثل‪ :‬فرض رضائب عىل الوقودأو قيود االسترياد‬

‫ألنواع معينة من املبيدات الحرشية‪ ,‬إدخال مبدأ الحوافز عىل املؤسسات الصناعية التي تسعى إىل‬

‫التقليل من األخطار البيئية‪ ,‬مثل الحمالت الرامية إىل إطالع الرأي العام ونرش الوعي العام الذي يعترب‬

‫أقوى من النهج األكرث تقليدية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫املبدأ السادس‪ :‬العمل مع القطاع الخاص‪:‬‬

‫يجب عىل الدولة التعامل بجدية وموضوعية مع القطاع الخاص باعتباره عنرصا أساسيا يف العملية‬

‫االستثامرية‪ ,‬وذلك من خالل تشجيع التحسينات البيئية للمؤسسات وإنشاء نظام (اإليزو) الذي يشهد‬

‫بأن الرشكات لديها أنظمة سليمة لإلدارة والبيئة ‪ .‬كذلك توجيه التمويل الخاص صوب أنشطة تحسني‬

‫البيئة مثل مرافق معالجة النفايات وتحسني كفاءة الطاقة‪.‬‬

‫املبدأ السابع‪ :‬اإلرشاك الكامل للمواطنني‪:‬‬

‫عند التصدي للمشكالت البيئية لبلد ما‪ ,‬تكون فرص النجاح قوية بدرجة كبرية إذا شارك املواطنون‬

‫املحليون‪ ,‬ومثل هذه املشاركة رضورية لألسباب اآلتية ‪:‬‬

‫قدرة املواطنني يف املستوى املحيل عىل تحديد األولويات ‪.‬‬

‫أعضاء املجتمعات املحلية يعرفون حلوال ممكنة عىل املستوى املحيل‪.‬‬

‫أعضاء املجتمعات املحلية يعملون غالبا عىل مراقبة مشاريع البيئة ‪.‬‬

‫إن مشاركة املواطنني متكن أن تساعد عىل بناء قواعد جامهريية تؤيد التغيري ‪.‬‬

‫املبدأ الثامن ‪ :‬توظيف الرشاكة التي تحقق نجاحا‪:‬‬

‫يجب عىل الحكومات االعتامد عىل االرتباطات الثالثية التي تشمل‪ :‬الحكومة – القطاع الخاص –‬

‫منظامت املجتمع املدين‪ ,‬وغريها‪ ,‬وتنفيذ تدابري متضافرة للتصدي لبعض قضايا البيئة‪.‬‬

‫املبدأ التاسع‪ :‬تحسني األداء اإلداري املبني عىل الكفاءة والفعالية‪:‬‬

‫بوسع املديرين البارعني إنجاز تحسينات كبرية يف البيئة بأدىن التكاليف ‪ ,‬فمثال أصحاب املصانع‬

‫يستطيعون خفض نسبة التلوث للهواء والغبار من ‪%61‬إىل ‪ %51‬بفضل تحسني تنظيم املنشآت من‬

‫الداخل‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫املبدأ العارش‪ :‬إدماج البيئة من البداية‪:‬‬

‫عندما يتعلق األمر بحامية البيئة ‪ ,‬فإن الوقاية تكون أرخص كثريا وأكرث فعالية من العالج وتسعى‬

‫معظم البلدان اآلن إىل تقييم تخفيف الرضر املحتمل من االستثامرات الجديدة يف البنية التحتية ‪,‬‬

‫وباتت تضع يف الحسبان التكاليف واملنافع النسبية عند تصميم اسرتاتيجيتها املتعلقة بالطاقة ‪ ,‬كام أنها‬

‫تجعل من البيئي عنرصا فعاال يف إطار السياسات االقتصادية واملالية واالجتامعية والتجارية والبيئية‪.‬‬

‫نستنتج أن املبادئ العرشة يسرتشد بها اآلن جيل جديد من صانعي السياسة البيئية والعقيدة البيئية‬

‫الجديدة التي تتميز مبزيد من التشدد يف إدماج تكاليف ومنافع البيئة يف تقرير السياسة يجعل من‬

‫السكان مكان الصدارة يف اإلسرتاتيجيات البيئية ‪ ,‬ويشخص ويعالج البواعث السلوكية لإلرضار بالبيئة ‪.‬‬

‫‪-3-‬املقومات األساسية للتنمية املستدامة‬

‫إلرساء مفهوم التنمية املستدامة‪ ,‬فالبد من توفر عدد من املقومات التي تشكل مرتكزات التنمية‬

‫املستدامة وأهمها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تلبية الحاجات اإلنسانية للسكان‪ :‬فالوظيفة األساسية للتنمية املستدامة هي إعادة توجيه املوارد‬

‫مبا يضمن الوفاء باالحتياجات األساسية للمجتمع وتحسني مستوى معيشتهم‪ ,‬لذلك نجدها ترتكز كثريا‬

‫عىل مسألة القضاء عىل الفقر انطالقا من اقتناعها أن عاملا يستوطنه الفقر والالمساواة سيكون دون شك‬

‫عرضة لألزمات البيئية واالجتامعية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ويتطلب ذلك تأمني مستوى سكاين مستديم‪ ,‬أي ميكن تلبية هذه املتطلبات بيرس أكرب عندما يكون‬

‫حجم السكان مستقرا عىل مستوى مالئم لحجم إنتاجية النظام البيئي‪ ,‬كام يشرتط أيضا أن يكون هناك‬

‫التزام أخالقي بأن نفعل من أجل األجيال القادمة‪ ,‬ما فعلته األجيال السابقة من أجلنا عىل األقل‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلدارة البيئية السليمة‪ :‬ال ميكن تلبية احتياجات الحارض دون إخالل بقدرة األجيال املقبلة عىل‬

‫تلبية حاجاتها‪ ,‬ما مل توجد إدارة قادرة عىل ضامن استمرارية االستفادة من املوارد الطبيعية‪ ,‬دون إهدار‬

‫ويف إطار القيود البيئية‪.‬‬

‫ونعني باإلدارة البيئية السليمة تلك التي تساهم يف تحقيق التنمية املستدامة باالستخدام الفعال لكل‬

‫األدوات املمكنة‪" ,‬الترشيعات والقوانني البيئية‪ ,‬تقييم األثر البيئي‪ ,‬االلتزام مببدأ املحاسبة البيئية‪,‬‬

‫قاعدة املعلومات البيئية وغريها"‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التنمية البرشية‪ :‬تتضمن مذكرات املتحدثني ‪-‬البيئة والتنمية‪ -‬الصادر عن األمم املتحدة‪ ,‬بأن‬

‫التنمية البرشية تساوي التنمية القابلة لالستمرار‪ ,‬ويؤكد هذا أنه ال وجود للتنمية املستدامة بدون‬

‫تنمية برشية مستدامة‪ ,‬والتنمية البرشية‪ ,‬هي عملية توسيع الخيارات املتاحة أمام املجتمع‪ ,‬وأهم‬

‫هذه الخيارات اكتساب املعرفة‪ ,‬الحرية السياسية‪ ,‬ضامن حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وتتضمن التنمية البرشية ثالثة جوانب‪:‬‬

‫األول‪ :‬تشكيل القدرات البرشية مثل تحسني مستوى الصحة‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬هو استثامر املجتمع لقدراته املكتسبة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يتعلق باملعرفة والتعليم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫رابعاً‪ :‬االقتصاد البيئي‪ :‬يعترب االقتصاد الجهاز العصبي للتفاعالت بني البيئة والتنمية‪ ,‬لذلك فإن التنمية‬

‫املستدامة تعتمد عىل مدى النجاح يف املوازنة بني النظام االقتصادي والنظام البيئي‬

‫خامساً‪ :‬التكنولوجيا السليمة بيئيا ‪-‬التكنولوجيا النظيفة‪ :-‬تتعارض التنمية املستدامة مع تكنولوجيا‬

‫مرضة بالبيئة‪ ,‬وعليه لتحقيق التنمية املستدامة البد من إعادة توجيه التكنولوجيا املستخدمة مام‬

‫يجعلها أكرث مالمئة للبيئة وذات استخدام أقل للموارد والطاقة‪ ,‬وتولد قدرا أقل من التلوث والنفايات‪.‬‬

‫لذا يتعني عىل الدول النامية أن تستورد تكنولوجيا نظيفة مالمئة لبيئتها املحلية‪ ,‬وأن تعمل باستمرار‬

‫عىل تطوير قدراتها الذاتية‪ ,‬فيام يتعلق بالتعامل مع التكنولوجيا مام يجعلها تكسب قدرات ومهارات‬

‫تقنية تؤمن لها يف نهاية املطاف القدرة عىل تطوير وإنتاج تكنولوجيا محلية نظيفة ‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬االعتامد عىل الذات والتعاون الدويل للمشكالت البيئية العاملية‪ :‬التنمية املستدامة هي تنمية يف‬

‫إطار االعتامد عىل الذات‪ ,‬داخل الحدود الوطنية ويف حدود القيود التي تفرضها املوارد الطبيعية‪ ,‬أي‬

‫البد لكل دولة أن تتعايش مع بيئتها‪ ,‬وفقا لألسس املحلية‪ ,‬ومبا يتيح املوامئة بني حاجاتها ورغباتها‪,‬‬

‫واإلدارة الرشيدة للموارد الطبيعية‪.‬‬

‫ومبا أن التنمية املستدامة هدفا لكل شعوب العامل‪ ,‬املتقدمة والنامية‪ ,‬وأن النظم الطبيعية ومشاكل‬

‫البيئة ال تعرتفان بالحدود اإلقليمية‪ ,‬فإن التعاون الدويل أمرا رضوريا لدفع التنمية املستدامة نحو‬

‫األمام‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪-1-‬أهداف التنمية املستدامة‬

‫عىل اعتبار أن التنمية املستدامة تتمحور حول اإلنسان‪ ,‬فيجب أن تحافظ عىل البيئة التي يعيش فيها‪,‬‬

‫فالهدف الرئييس هو إجراء تغيريات جوهرية يف البنى التحتية والفوقية للمجتمع دون التأثري السلبي‬

‫عىل عنارص البيئة‪.‬‬

‫وعند التدقيق يف مفهوم التنمية املستدامة ومتابعة ما نرش عنه من برامج وسياسات ميكن تحديد‬

‫ألهداف املرجوة من هذه التنمية فيام ييل‪:‬‬

‫‪ -‬أنها تساهم يف وضع االسرتاتيجيات التنموية برؤية مستقبلية أكرث توازنا وعدال‪.‬‬

‫‪ -‬أنها تنطلق من أهمية تحليل األوضاع االقتصادية والسياسية‪ ,‬االجتامعية واإلدارية برؤية شمولية‬

‫وتكاملية‪ ,‬وتجنب األنانية يف التعامل مع املوارد والطاقات املتاحة‪.‬‬

‫‪ -‬تهدف إىل توحيد الجهود بني القطاعات العامة والخاصة‪ ,‬لتحقيق األهداف والربامج التي تساهم يف‬

‫تلبية حاجات األجيال الحالية والقادمة‪.‬‬

‫‪ -‬تهدف إىل إحداث التغيري الفكري والسلويك واملؤسيس الذي يتطلبه وضع السياسات والربامج‬

‫التنموية‪ ,‬وتنفيذها بكفاءة وفعالية‪.‬‬

‫‪ -‬وعىل نطاق املامرسة امليدانية‪ ,‬فالتنمية املستدامة تنشط فرص الرشاكة واملشاركة يف تبادل الخربات‬

‫واملهارات‪ ,‬وتساهم يف تفعيل التعليم والتدريب لتحفيز اإلبداع والبحث عن أساليب تفكري جديدة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪-6-‬أبعاد التنمية املستدامة‬

‫لقد شهدت الدول النامية منذ بداية مثانينيات القرن املايض تدهورا يف مستوى الدخل الحقيقي ألسباب‬

‫داخلية وخارجية‪ ,‬مام أدى بها إىل االقرتاض الخارجي‪ ,‬وهو ما نتج عنه استنزاف مواردها الطبيعية‬

‫للوفاء بالتزاماتها الخارجية‪ ,‬ولذلك فقد ازداد االهتامم مبفهوم التنمية الذي ميثل أبعادا متعددة‬

‫ومرتبطة فيام بينها‪ ,‬وقد حدد مؤمتر القمة العاملية للتنمية املستدامة املنعقد يف "جوهانسربغ" سنة‬

‫‪2002‬األبعاد الرئيسية ملفهوم التنمية املستدامة يف ثالثة محاور‪ ,‬هي كام ييل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬البعد األول‪ :‬البعد االقتصادي‪:‬‬

‫ويقصد به تحسني مستوى معيشة األفراد‪ ,‬من خالل تلبية احتياجاتهم من السلع والخدمات‪.‬‬

‫ويعني البعد االقتصادي للتنمية املستدامة االنعكاسات الراهنة واملقبلة لالقتصاد عىل البيئة‪ ,‬وذ أنه‬

‫يطرح مسألة اختيار ومتويل وتحسني التقنيات الصناعية يف مجال توظيف املوارد الطبيعية‪ .‬وتوفق‬

‫التنمية املستدامة بني هذين البعدين‪ ,‬ليس يف أخذها بعني االعتبار املحافظة عىل الطبيعة فحسب‪ ,‬بل‬

‫بتقديرها ملجموع العالقات املقامة بني الطبيعة وبني األفعال البرشية كذلك ‪.‬‬

‫ومتنح التنمية املستدامة باعتبارها مؤسسة عىل التآزر بني اإلنسان والبيئة‪ ,‬واألفضلية للتكنولوجيات‬

‫واملعارف والقيم التي تضع يف األولوية الدميومة الكبرية‪.‬‬

‫وتدافع التنمية املستدامة عن عملية تطوير التنمية االقتصادية التي تأخذ يف حسابها ‪-‬عىل املدى‬

‫البعيد‪ -‬التوازنات البيئية األساسية باعتبارها قواعد للحياة البرشية والطبيعية والنباتية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وتتجىل األبعاد االقتصادية من خالل تلبية الحاجات واملتطلبات املادية لإلنسان عن طريق اإلنتاج‬

‫واالستهالك؛ حيث تختلف بني البلدان املتقدمة والنامية‪ ,‬غري أنه ويف ظل محدودية املوارد املتاحة‬

‫للعديد من البلدان‪ ,‬فالبعد االقتصادي يصعب تحقيقه‪ ,‬ما مل تتوفر مجموعة من العوامل‪ ,‬وميكن‬

‫حرصها فيام ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬حصة االستهالك الفردي من املوارد الطبيعية‪ :‬تشري اإلحصائيات أن استغالل الدول الصناعية للموارد‬

‫الطبيعية ميثل أضعاف ما تستخدمه الدول النامية عىل مستوى نصيب الفرد‪ ,‬فالواليات املتحدة‬

‫األمريكية تستهلك من الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم أكرث من الهند ب ‪ 33‬مرة‪ ,‬وكام هو‬

‫الحال يف دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية )‪ (OCDE‬أعىل بعرش مرات يف املتوسط للدول‬

‫النامية‪.‬‬

‫فالتنمية املستدامة يف الدول الغنية تتلخص يف إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات االستهالك‬

‫املبددة للطاقة واملوارد الطبيعية وذلك عرب تحسني مستوى الكفاءة‪ ,‬رشيطة التأكد من عدم تصدير‬

‫الضغوط البيئية إىل الدول النامية‪ ,‬كام تعني التنمية املستدامة تغيري أمناط االستهالك التي تهدد التنوع‬

‫البيولوجي واملنتجات الحيوانية باالنقراض‪.‬‬

‫‪ -4‬مسؤولية البلدان املتقدمة عن التلوث ومعالجته‪ :‬أدى االستهالك املرتاكم من املوارد الطبيعية مثل‬

‫املحروقات للدول الصناعية يف املايض إىل إسهامها يف مشكالت التلوث العاملي‪ ,‬لذا تقع عليها املسؤولية‬

‫الكاملة يف معالجته ما دامت تكسب املوارد املالية والتقنية والبرشية الكفيلة باستخدام تكنولوجيا‬

‫أنظف واستخدام املوارد بكثافة أقل‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ -4‬تقليص تبعية البلدان النامية‪ :‬مثة جانب يربط بني الدول الغنية والفقرية له تأثري عىل تحقيق التنمية‬

‫املستدامة؛ ذلك أنه بالقدر الذي ينخفض فيه استهالك املوارد الطبيعية يف الدول الصناعية يتباطأ منو‬

‫صادرات هذه املنتجات يف الدول النامية وتنخفض أسعارها‪ ,‬مام يحرم الدول النامية من إيرادات تحتاج‬

‫إليها لتحقيق تنميتها االقتصادية واالجتامعية‪ ,‬ألجل ذلك ال بد عىل الدول النامية االعتامد عىل منط‬

‫تنموي يقوم عىل االعتامد عىل الذات لتنمية القدرات الذاتية وتأمني االكتفاء الذايت‪.‬‬

‫فالتنمية املستدامة يف الدول الفقرية تعني استغالل املوارد الطبيعية ألغراض التحسني املستمر‬

‫ملستويات املعيشة‪ ,‬وتخفيف عبء الفقر؛ ألن هناك روابط وثيقة بني الفقر وتدهور البيئة‪ ,‬والنمو‬

‫الرسيع للسكان‪ ,‬والتخلف الناجم عن التاريخ االستعامري‪ ,‬والتبعية املطلقة للقوى الرأساملية‪.‬‬

‫‪ -3‬املساواة يف توزيع املوارد‪ :‬تعترب الوسيلة الناجحة للتخفيف من عبء الفقر وتحسني مستويات‬

‫املعيشة مسؤولية كل من الدول الغنية والفقرية‪ ,‬وتعترب هذه الوسيلة غاية يف حد ذاتها‪ ,‬وتتمثل يف‬

‫جعل فرص الحصول عىل املوارد واملنتجات والخدمات فيام بني جميع األفراد داخل املجتمع أقرب إىل‬

‫املساواة‪.‬‬

‫‪ -1‬تقليص اإلنفاق العسكري‪ :‬كام تعني التنمية املستدامة أيضا تحويل األموال من اإلنفاق لألغراض‬

‫العسكرية وأمن الدولة إىل اإلنفاق عىل احتياجات التنمية‪ ,‬ومن شأن إعادة تخصيص ولو جزء بسيط‬

‫من املواد املكرسة اآلن لألغراض العسكرية اإلرساع بالتنمية بشكل ملحوظ‪.‬‬

‫‪ -6‬توفر عنارص اإلنتاج الرئيسية‪ ,‬ويف مقدمتها رأس املال والتنظيم واملعرفة‪.‬‬

‫‪010‬‬
‫‪ -7‬رفع مستوى كفاءة وفعالية األفراد واملنظامت املعنية بتنفيذ السياسات والربامج التنموية‪.‬‬

‫‪ -5‬زيادة معدالت النمو يف اإلنتاج لزيادة معدل الدخل الفردي وتنشيط العالقة والتغذية الراجعة بني‬

‫املدخالت واملخرجات‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬البعد الثاين‪ :‬البعد البيئي‪:‬‬

‫تطرح التنمية املستدامة بتأكيدها عىل مبدأ الحاجات البرشية مسألة السلم الصناعي‪ ,‬أي الحاجات‬

‫التي يتكفل النظام االقتصادي بتلبيتها‪ .‬لكن الطبيعة تضع حدودا يجب تحديدها واحرتامها يف مجال‬

‫التصنيع‪ ,‬والهدف من وراء كل ذلك هو التسيري والتوظيف األحسن للرأسامل الطبيعي بدال من تبذيره‪.‬‬

‫ويرتكز مفهوم التنمية املستدامة عىل حقيقة أن استنزاف املوارد الطبيعية‪ ,‬والتي تعترب رضورة ألي‬

‫نشاط زراعي أو صناعي‪ ,‬ستكون له آثار سلبية عىل التنمية واالقتصاد بشكل عام‪ ,‬لهذا فإن أهم أبعاد‬

‫التنمية املستدامة يتمثل يف محاولة إيجاد املوازنة بني النظام االقتصادي والنظام البيئي‪.‬‬

‫ويركز البعد البيئي عىل حامية النظم البيئية‪ ,‬والحفاظ عىل املوارد الطبيعية‪ ,‬واالستخدام األمثل لها‬

‫عىل أساس مستديم‪ ,‬والتنبؤ ملا قد يحدث للنظم البيئية من جراء التنمية‪ .‬وميكن إجامل األبعاد البيئية‬

‫يف ما ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬صيانة املياه‪ :‬تعني التنمية املستدامة وضع حد لالستخدامات املبددة‪ ,‬وتحسني كفاءة شبكات املياه‪,‬‬

‫كام تعني تحسني نوعية املياه وقرص املسحوبات من املياه السطحية عىل معدل ال يحدث اضطرابا يف‬

‫النظم االيكولوجية التي تعتمد عىل هذه املياه‪ ,‬وقرص املسحوبات من املياه الجوفية مبا يضمن‬

‫تجددها‪.‬‬

‫‪012‬‬
‫‪ -4‬تقليص مالجئ األنواع البيولوجية‪ :‬معناه أن يتم صيانة ثراء األرض يف التنوع البيولوجي لألجيال‬

‫املقبلة؛ وذلك بإبطاء عمليات االنقراض‪ ,‬وتدمري املالجئ والنظم االيكولوجية بدرجة كبرية‪ ,‬وإن أمكن‬

‫وقفها‪.‬‬

‫‪ -4‬إتالف الرتبة‪ ,‬استعامل املبيدات‪ ,‬تدمري الغطاء النبايت واملصائد‪ :‬فمن املالحظ أن تعرية الرتبة‪,‬‬

‫وفقدان إنتاجيتها يؤديان إىل التقليص من غلتها‪ ,‬كام أن اإلفراط يف استخدام األسمدة ومبيدات‬

‫الحرشات يؤدي إىل تلويث املياه السطحية والجوفية‪ ,‬أما الضغوط البرشية والحيوانية فهي يف عالقة‬

‫سلبية مع الغطاء النبايت والغابات‪ ,‬كام أن هناك مصائد كثرية من األسامك يف املياه العذبة أو البحرية‬

‫يرى استغاللها فعال مبستويات غري مستدامة‪.‬‬

‫‪ -3‬حامية املناخ من االحتباس الحراري‪ :‬ويعني عدم املخاطرة بإجراء تغيريات كبرية يف البيئة العاملية‬

‫من شأنها أن تحدث تغيري يف الفرص املتاحة لألجيال املقبلة‪ ,‬وذلك بالحيلولة دون زعزعة استقرار‬

‫املناخ‪ ,‬أو النظم الجغرافية الفيزيائية والبيولوجية‪ ,‬أو تدمري طبقة األوزون الحامية لألرض من جراء‬

‫النشاط البرشي‪.‬‬

‫‪ -1‬املحروقات واالحتباس الحراري‪ :‬حيث يجري استخراج املحروقات وإحراقها وطرح نفاياتها داخل‬

‫البيئة‪ ,‬فتصبح بذلك مصدرا رئيسيا لتلوث الهواء يف املناطق العمرانية‪ ,‬ولألمطار الحمضية‪ ,‬واالحتباس‬

‫الحراري الذي يهدد تغري املناخ‪ ,‬وتشري اإلحصائيات إىل تزايد استخدام ‪.‬‬

‫‪013‬‬
‫فالتنمية املستدامة ترمي إىل الحد من املعدل العاملي لزيادة انبعاث الغازات الحرارية‪ ,‬من خالل الحد‬

‫بصورة كبرية من استخدام املحروقات وإيجاد مصادر أخرى للطاقة إلمداد املؤسسات الصناعية‪ ,‬كام‬

‫تعني أيضا أن تتخذ البلدان الصناعية الخطوات األوىل للحد من انبعاث ثاين أوكسيد الكاربون‬

‫واستحداث تكنولوجيا جديدة الستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكرب وتوفري إمدادات من الطاقة غري‬

‫الحرارية تكون مأمونة ونفقتها محتملة‪.‬‬

‫‪ -6‬الحيلولة دون تدهور طبقة األوزون‪ :‬متثل اإلجراءات التي اتخذت ملعالجة هذه املشكلة يف اتفاقية‬

‫كيوتو مشجعة جدا‪ ,‬حيث جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيا من املواد الكيميائية املهددة لألوزون‪,‬‬

‫وتوضح بأن معالجة مخاطر البيئة العاملية يحتاج إىل تعاون دويل‪ ,‬يف حني رفضت الواليات املتحدة‬

‫األمريكية التوقيع عىل هذه االتفاقية اعتقادا منها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة املجتمع الدويل مادام‬

‫ال أحد يستطيع إجبارها عىل ذلك‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬البعد الثالث‪ :‬البعد البرشي واالجتامعي‪:‬‬

‫لقد أصبح ينظر لإلنسان عىل أنه املحور األسايس للتنمية‪ ,‬وهو وسيلة وهدف يف آن واحد‪.‬‬

‫وهذا الطرح للتنمية يختلف عن الفكر الكالسييك لتكوين رأس املال البرشي؛ فنمو الناتج اإلجاميل رشط‬

‫رضوري للتنمية‪ ,‬لكنه غري كايف –خاصة‪ -‬عندما تكون التنمية البرشية غري متوفرة‪.‬‬

‫‪014‬‬
‫وتجدر اإلشارة إىل صعوبة تحقيق التوازن بني البعد البيئي والبعد البرشي للتنمية املستدامة‪ ,‬وهنا‬

‫تظهر رضورة وجود مؤرشات محددة تسمح للدول النامية بتحديد درجة نفاذ املوارد الطبيعية‪ ,‬وبالتايل‬

‫إيجاد توازن بني استغالل املوارد املتاحة‪ ,‬كالنفط‪ ,‬وبني حجم السكان ومتطلبات التنمية‪ ,‬دون التأثري‬

‫سلبا عىل مستوى معيشة األجيال القادمة‪.‬‬

‫والبعد البرشي للتنمية املستدامة يسعى إىل استقرار النمو الدميوغرايف‪ ,‬ووقف النزوح إىل املدن‪,‬‬

‫وتحقيق أكرب قدر من املشاركة الشعبية يف تخطيط التنمية‪ ,‬وتحسني قدرة الحكومات عىل توفري‬

‫الخدمات املختلفة للسكان‪ ,‬وذلك يتم من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬تثبيت النمو الدميوغرايف‪ :‬حيث أن هذا األمر أصبح يكتيس أهمية بالغة‪ ,‬ليس ألنه يستحيل منو‬

‫السكان لفرتة طويلة بنفس املعدالت الحالية فقط‪ ,‬بل كذلك النمو الرسيع يحدث ضغوطا حادة عىل‬

‫املوارد الطبيعية‪ ,‬وعىل قدرة الحكومات عىل توفري الخدمات‪.‬‬

‫‪ -4‬مكانة الحجم النهايئ للسكان وأهمية توزيعه‪ :‬توحي اإلسقاطات الحالية يف ضوء االتجاهات‬

‫الحارضة للخصوبة بأن عدد سكان العامل سيستقر عند حايل ‪ 11.6‬مليار نسمة‪ ,‬وهو أكرث من ضعف‬

‫عدد السكان الحاليني‪ ,‬وبالتايل وجب النظر يف الحجم النهايئ الذي يصل إليه السكان؛ ذلك أن حدود‬

‫قدرة األرض عىل إعالة الحياة البرشية غري معروفة بدقة‪.‬‬

‫كام تهتم التنمية املستدامة برضورة النهوض بالتنمية الريفية لتقليل الهجرة إىل املدن‪ ,‬فاالتجاهات‬

‫الحالية نحو توسيع املناطق الحرضية وال سيام تطور املدن الكبرية لها عواقب بيئية كبرية؛ إذ تقوم‬

‫املدن برتكيز النفايات واملواد امللوثة فتسبب يف كثري من األحيان أوضاع لها خطورة عىل املجتمع وتدمر‬

‫النظم الطبيعية املحيطة بها‪,‬‬

‫‪015‬‬
‫وعلية فالتنمية املستدامة تعني اتخاذ تدابري سياسية خاصة مثل اعتامد اإلصالح الزراعي‪ ,‬واعتامد‬

‫تكنولوجيات تؤدي إىل التقليص للحد األدىن من اآلثار البيئية للتحرض‪.‬‬

‫‪ -4‬االستخدام الكامل للموارد البرشية‪ :‬تعني التنمية املستدامة إعادة تخصيص املوارد مبا يضمن الوفاء‬

‫باالحتياجات البرشية األساسية‪ ,‬مبعنى تحسني الرفاه االجتامعي‪ ,‬وحامية التنوع الثقايف‪ ,‬واالستثامر يف‬

‫رأس املال البرشي بتدريب املربني والعاملني يف الرعاية الصحية وغريهم من املتخصصني الذين تدعو‬

‫إليهم الحاجة الستمرار التنمية‪.‬‬

‫‪ -3‬األسلوب الدميقراطي واملشاركة يف الحكم عىل املستوى السيايس‪ :‬يشكل اعتامد النمط الدميقراطي‪,‬‬

‫وتوسيع قاعدة املشاركة الشعبية يف اتخاذ القرار والحكم مبا يعزز ثقة األفراد بأهمية دورهم‪ ,‬القاعدة‬

‫األساسية يف تحقيق التنمية املستدامة يف املستقبل‪.‬‬

‫‪ -1‬استعامل تكنولوجيا أنظف يف املرافق الصناعية‪ :‬ذلك أن تدفق النفايات خاصة يف الدول النامية‬

‫تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إىل الكفاءة أو لعمليات التبديد وال تخضع للرقابة إىل حد كبري‪,‬‬

‫فالتنمية املستدامة تعني التحول إىل تكنولوجيات أنظف وأكفأ‪ ,‬وتقلص من استهالك الطاقة وغريها من‬

‫املوارد الطبيعية إىل أدىن حد‪ ,‬كام تتسبب هذه التكنولوجيات يف ملوثات أقل يف املقام األول‪ ,‬وتعيد‬

‫تدوير النفايات داخليا‪ ,‬مع إبقاء التكنولوجيات التقليدية التي تفي هذه املعايري‪.‬‬

‫‪016‬‬
‫‪-7-‬مؤرشات التنمية‬

‫تشري التنمية املستدامة إىل مجموعة واسعة من القضايا‪ ,‬تنطوي عىل نهج متكامل يف إدارة االقتصاد و‬

‫تحقيق النمو وايضااملحافظة عىل البيئة كأحد العنارص الداعمة لتحقيق التنمية‪ ,‬واالهتاممات باملجاالت‬

‫البرشية والقدرة املؤسسية‪.‬‬

‫ويحتاج صانعو القرار إىل معلومات للميض قدما نحو تحقيق التنمية املستدامة‪ ,‬مثل‪ :‬معلومات عن‬

‫مرحلة التقدم الراهنة‪ ,‬ومعلومات عن االتجاهات ونقاط الضغط‪ ,‬ومعلومات عن أثر التدخالت؛ وهذه‬

‫املؤرشات تسمح ألصحاب القرار وواضعي السياسات من رصد التقدم املحرز يف سبيل تحقيق التنمية‬

‫املستدامة‪.‬‬

‫وينبغي وضع املقاييس العددية للتنمية املستدامة بحذر؛ نظرا للخصائص الفريدة التي تتمتع بها‬

‫املقاييس الزمانية واملكانية‪ .‬فقد تكون لدينا أرقام ولكن ال توحي مبا نريد معرفته ‪"-‬فوهم اليقني أكرث‬

‫خطورة من جهل اليقني"‪.-‬‬

‫ويف الوقت الحايل نحن بحاجة إىل إعداد مؤرشات جيدة للتنمية املستدامة لتقويم أثر النشاطات‬

‫والتأثري عىل القرارات نحو األحسن‪ ,‬حيث يقتيض التوازن بني األنشطة االقتصادية والرفاه االجتامعي‬

‫واحتياجات البيئة يف عملية التنمية تغيري أمناط صنع القرار‪.‬‬

‫يف هذا اإلطار اعتمدت لجنة التنمية املستدامة التابعة لألمم املتحدة سنة ‪ 1995‬إطارا تحليليا يصنف‬

‫املؤرشات إىل ثالثة فئات رئيسية وهي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مؤرشات القوة الدافعة‪ :‬والتي تصف األنشطة والعمليات واألمناط‪.‬‬

‫‪017‬‬
‫ثانياً‪ :‬مؤرشات الحالة‪ :‬التي توفر صورة للحالة الراهنة لألمور‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مؤرشات االستجابة‪ :‬والتي توجد التدابري املتخذة بصدد التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫وقد جرت العادة عىل استخدام املؤرشات االقتصادية يف تحديد أهداف التنمية وقياس التقدم املحرز‪,‬‬

‫حيث كان منو الدخل الفردي الهدف الرئييس للتنمية‪ ,‬غري أن األمر مل يعد كذلك‪ ,‬إذ أن بيانات املجاميع‬

‫االقتصادية الكلية تحجب أوجه التفاوت بني الفئات‪ ,‬كام أنه تم اإلقرار بأن مثة أهداف أخرى‪ ,‬مثل‬

‫تحسني الخدمات الصحية والتعليمية وحامية البيئة يف عملية التنمية االقتصادية‪ ,‬والنهوض مبؤسسات‬

‫الحكم ال تقل أهمية لتحقيق تنمية مستدامة‪ ,‬ومع ذلك ينبغي التأكيد عىل أهمية االستناد إىل مبادئ‬

‫اقتصادية كلية كنقطة انطالق لتحقيق التنمية املستدامة‪.‬‬

‫وتختلف مؤرشات قياس التقدم يف تحقيق التنمية املستدامة باختالف الهيأة املعدة لها‪ ,‬ويرجع ذلك إىل‬

‫املتغريات املأخوذة يف اإلعتبار‪ ,‬والغرض من املؤرش‪ ,‬وحتى وجهات النظر حول مفهوم التنمية املستدامة‬

‫يف حد ذاته‪ .‬وسرنكز عىل املؤرشات القطاعية للتنمية املستدامة واملؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول‬

‫ذات الصلة بجدول أعامل القرن‪.41‬‬

‫‪-5-‬املؤرشات القطاعية للتنمية‬

‫تنطوي عىل إعداد مؤرش البعد البيئي للتنمية املستدامة ومن أهمها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬البصمة االيكولوجية‪:‬‬

‫أسس هذا املؤرش كل من ‪ REES‬و ‪ ,WACKERNAGEL‬وهو يقيس الضغط الذي ميارسه اإلنسان‬

‫عىل الطبيعة؛ حيث يقوم عىل املساحة املنتجة الرضورية ملجتمع ما لتلبية متطلباته ‪-‬استهالكه من‬

‫املوارد‪ ,‬احتياجاته من طرح النفايات‪ ,‬ومن بني أهم خصائص املؤرش نجد‪:‬‬

‫‪018‬‬
‫املرونة‪ :‬حيث ميكن قياس البصمة االيكولوجية للعامل‪ ,‬لدولة‪ ,‬لشخص‪ ,‬ملؤسسة‪.‬‬

‫الديناميكية‪ :‬حيث تتطور حسب عدة عوامل‪ ,‬مثل‪ :‬النمو الدميغرايف‪ ,‬واالستهالك املتوسط للفرد‪ ,‬التقدم‬

‫التكنولوجي‪.‬‬

‫الربط املبارش بني أهم نقطتني للتنمية املستدامة وهام الحاجة واملوارد‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا أن وحدة القياس املستخدمة يف هذا املؤرش هي "وحدة املساحة" الهكتار وتعتمد‬

‫عىل‪:‬‬

‫املساحة الرضورية المتصاص غاز الكاربون‪.‬‬

‫املساحة الرضورية لرتبية املوايش‪.‬‬

‫املساحة الرضورية للزراعة ‪-‬تلبية االحتياجات الغذائية‪.-‬‬

‫املساحة الرضورية لإلنشاء‪.‬‬

‫املساحة الرضورية للصيد‪.‬‬

‫كام ميكن الحصول عىل البصمة االيكولوجية ملتوسط املساحة لكل فرد بقسمة مساحة األرض عىل عدد‬

‫السكان‪ ,‬فمثال البصمة االيكولوجية للواليات املتحدة األمريكية لوحدها ‪-‬متوسط استهالك الدولة مقدرا‬

‫بوحدة املساحة‪ -‬تستحوذ عىل ما يفوق ‪ %41‬من املساحة الكلية لكوكب األرض ‪-‬حسب دراسة أجراها‬

‫باحثون يف كولومبيا خالل بداية التسعينات من القرن املايض‪.-‬‬

‫‪019‬‬
‫ثانياً‪ :‬مؤرش املحاسبة البيئية ‪-‬املحاسبة الخرضاء‪:‬‬

‫تهدف املحاسبة الوطنية إىل وضع يف األفق متغريات معربة عن حالة وتطور االقتصاد الوطني؛ إلعطاء‬

‫أصحاب القرار قاعدة للعمل‪ ,‬فنظام املحاسبة الوطنية هو مجموعة الحسابات التي تقوم بها الدول‬

‫دوريا ملتابعة تطور اقتصادها‪ ,‬وعادة ال يتم إدماج القيمة االقتصادية للموارد الطبيعية يف نظام‬

‫املحاسبة الوطنية‪ ,‬ومع بروز مفهوم التنمية املستدامة أدى بالحكومات إىل الرغبة يف إدماج البعد‬

‫االقتصادي الكيل للبيئة يف حقل القرار السيايس‪ ,‬خصوصا بواسطة محاسبة بيئية خاصة تسمى املحاسبة‬

‫الخرضاء‪.‬‬

‫وميكن تعريفها بأنها‪ :‬الوصف املنهجي داخل إطار محاسبي للعالقات املتبادلة بني البيئة واالقتصاد‪.‬‬

‫وقد أعدت املحاسبة الوطنية الخرضاء يف القرن العرشين ابتداءا من السبعينات‪ ,‬وتم استكاملها يف بداية‬

‫التسعينات بهدف صياغة مؤرشات تنمية مستدامة‪ ,‬الغرض منها اإلحاطة باألبعاد البيئية‪.‬‬

‫وال تتموضع االستعامالت الواعدة أكرث للحسابات البيئية عىل مستوى االقتصاد الكيل‪ ,‬حيث مل يتم‬

‫تحديد دقيق لالستخدامات امللموسة للحسابات‪ ,‬باإلضافة إىل استمرار مشاكل منهجية كبرية بقدر ما‬

‫تتموضع عىل املستوى القطاعي؛ حيث يرتجم الطلب عىل مثل هده األدوات حاجات دقيقة مثل تسيري‬

‫املاء أو الغابات‪.‬‬

‫‪001‬‬
‫وتستعمل أدوات املحاسبة البيئية يف ما ييل‪:‬‬

‫تسيري املصادر الطبيعية والبيئية‪ :‬تقتيض إقامة هذه الحسابات جهدا إدماجيا و تنظيميا للمعلومة‪,‬‬

‫وكذا هيكلة وانسجام للمعطيات حول البيئة‪ .‬وتسمح هذه الحسابات باكتساب معرفة املحيط‪ ,‬وهي‬

‫رشط أويل لتسيري ناجح‪ .‬وهذا بتشخيص حالة املصادر واألوساط الطبيعية وكذا تطورها تبعا‬

‫للضغوطات التي ميارسها النشاط البرشي‪.‬‬

‫تقديم مساعدة إىل صانعي القرار‪ :‬تسمح الحسابات بتقدير االتجاهات الهامة لتطور البيئة وآثار‬

‫النشاطات االقتصادية القطاعية عىل حركة مخزون املصادر الطبيعية‪ ,‬وبالتايل تساعد صانعي القرار يف‬

‫بلورة سياسات التنمية املستدامة‪.‬‬

‫تطوير مؤرشات الدميومة‪ :‬تجمع حسابات البيئة معلومات قاعدية ميكن انطالقا منها إعداد مؤرشات‬

‫الدميومة مثل مؤرشات االستعامل املكثف للغابات‪.‬‬

‫ورغم أنه ال يوجد منوذج واحد ملحاسبة بيئية‪ ,‬ميكن متييز بني ثالثة مقاربات رئيسية‪:‬‬

‫أ‪ -‬ضبط نظام املحاسبة الوطنية‪ :‬تعتمد عىل مبدأ الناتج الداخيل الخام األخرض‪ ,‬وتهدف هذه املقاربة‬

‫االقتصادية الكلية الخاصة باملحاسبة البيئية إىل تهيئة نظام املحاسبة الوطنية بإدماج عدة معطيات‬

‫داخلية‪ ,‬كتكلفة األرضار االيكولوجية‪ ,‬وانخفاض مخزونات املوارد الطبيعية‪ ,‬نفقات تسيري البيئة‪ ,‬و قيمة‬

‫الخدمات البيئية‪ ,‬وهذا بهدف ترشيد استخدام املوارد الطبيعية –تحسني طرق استهالكها تدهورها‪ -‬مبا‬

‫يسمح بتجددها‪ ,‬والتي تعد استهالكات وسيطية متعددة‪ ,‬وعليه ميكن تخفيض مبلغ القيمة املضافة‬

‫بالنسبة لكل إنتاج ومن ثم حساب الناتج الداخيل الخام مصحح من اخرتاقات البيئة‪ .‬فهذا ما يسمى‬

‫بالناتج الداخيل الخام األخرض‪.‬‬

‫‪000‬‬
‫وقد طبق ألول مرة يف أندونسيا‪ ,‬مع نهاية الثامنينات من طرف املعهد العاملي للموارد )‪ (WRI‬الذي‬

‫قيم اندثار الغابات اإلندونيسية بهدف إدماج هذا التقييم يف املنتوج الداخيل الصايف‪ ,‬حيث ألفت انتباه‬

‫االيكولوجيني واالقتصاديني حول نقائص نظام املحاسبة الوطنية‪ ,‬مام أدى إىل صياغة مؤرش اقتصادي كيل‬

‫معرب عن دميومة االقتصاد اإلندونييس‪.‬‬

‫إن ضبط نظام املحاسبة الوطنية‪ ,‬و حساب الناتج الداخيل الخام األخرض‪ ,‬يتصفان ببعض التغريات‬

‫الناتجة بالدرجة األوىل عن الخصائص الجوهرية للبيئة التي تعترب باألساس ذات طابع غري تجاري‪,‬‬

‫فاملشكالت املنهجية العملية املرتبطة بإدماج البيئة يف نظام املحاسبة الوطنية‪ ,‬مل تجد إىل اليوم حلوال‬

‫لها‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحسابات التابعة‪ :‬وهي تهدف إىل تكملة نظام املحاسبة الوطنية عىل أساس الحسابات التابعة‬

‫للمعلومة االقتصادية التي يحتويها نظام املحاسبة الوطنية من دون تغيريه ‪.‬‬

‫وقد استعملت يف دول كثرية لتوفري املعلومات املحاسبية املفصلة حول نشاط خاص مثل‪ :‬البحث و‬

‫الرتبية و النقل والحامية االجتامعية و حامية البيئة‪.‬‬

‫وتسمح املحاسبة التابعة بتحديد الجهود املتعلقة بحامية البيئة يف بلد ما‪ ,‬من دون أن يحدث أي تغيري‬

‫يف مؤرشات االقتصاد الكيل ‪-‬الناتج الداخيل الخام والناتج الوطني الخام‪ -‬فال تصحح بالتايل عجزها‪.‬‬

‫وتجمع حسابات البيئة التابعة‪ ,‬املعلومات الفيزيائية الصادرة عن اإلحصائيات حول حالة البيئة‬

‫واملصادر الطبيعية ومعلومات متوفرة يف اإلطار املركزي للمحاسبة الوطنية مثل‪ :‬مصاريف تجديد‬

‫املحيط ‪ ,‬أو تكاليف األرضار البيئية‪.‬‬

‫إذن متد هذه الحسابات القدرة التحليلية لنظام املحاسبة الوطنية‪ .‬و تقدم هذه الحسابات الوظائف‬

‫الثالثة األساسية‪:‬‬

‫‪002‬‬
‫‪ -‬تفكيك نظام املحاسبة الوطنية الستخراج املظاهر البيئية منه‪.‬‬

‫‪ -‬تقويم مخزون املصادر الطبيعية و الخدمات البيئية خارج السوق‪.‬‬

‫‪ -‬تقويم األرضار البيئية الناتجة عن النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫ج‪ -‬حسابات املصادر و الرتاث الطبيعي‪ :‬منذ سنة ‪ 1970‬تم تخيل حسابات فيزيائية للبيئة ‪-‬من طرف‬

‫الرنويجيني‪ ,-‬وتحت تسمية حسابات املصادر الطبيعية‪ ,‬نظرا لصعوبة التقدير النقدي لبعض املظاهر‬

‫البيئية يف املحاسبة البيئية التابعة‪ ,‬وتعالج هذه األخرية مصادر نظام اإلنتاج معربا عنها بوحدة فيزيائية‬

‫أو نقدية‪.‬‬

‫وامتد ذلك يف فرنسا التي عمدت عىل استخدام مؤرشات مادية ونقدية للمصادر الطبيعية القابلة‬

‫للتسويق والعنارص الطبيعية عدمية القيمة التجارية مبا يف ذلك األنظمة البيئية‪ ,‬وأطلق عليها اسم‬

‫املوروث الطبيعي‪ ,‬وتتضمن املحاسبة التابعة‪ ,‬كام تشكل وصلة بني املحاسبة الوطنية –النقدية‪-‬‬

‫واملحاسبة املادية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مؤرش التنمية البرشية‪:‬‬

‫وهو مؤرش وطني تم إعداده مع بداية التسعينات من القرن املايض‪ ,‬يعتمد عىل إدماج معطيات‬

‫اجتامعية نوعية ‪ ,‬يحيط بأهم الجوانب االجتامعية للتنمية؛ حيث يرتبط باملستوى التعليمي‪ ,‬نصيب‬

‫الفرد من الدخل الوطني ‪ , ....‬ويقترص هذا املؤرش عىل إبراز التقدم يف مستوى التنمية البرشية من‬

‫خالل معطيات اقتصادية واجتامعية فحسب‪ ,‬ويركز املؤرش عىل الخيارات املتعلقة بالتنمية البرشية‬

‫املتاحة وأهمها‪:‬‬

‫‪003‬‬
‫‪ -‬مستوى معييش الئق ميكن تحقيقه من خالل زيادة متوسط نصيب الفرد من الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬مستوى الئق من التعليم والرعاية الصحية والتغذية املالمئة‪.‬‬

‫‪ -‬توفر فرص العمل التي تضمن تحقيق الدخل املناسب‪.‬‬

‫‪ -‬إتاحة الفرصة الكاملة لكافة األفراد للمشاركة يف القرارات التي يتخذها املجتمع‬

‫‪ -‬متتع األفراد بالحرية السياسية واالجتامعية‪.‬‬

‫‪004‬‬
‫‪-9-‬املؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول ذات الصلة‬

‫بجدول أعامل القرن ‪41‬‬

‫وميكن تقسيمها إىل أربعة قضايا رئيسية هي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬املؤرشات االقتصادية‪ .‬ثانياً‪ :‬املؤرشات االجتامعية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬املؤرشات املؤسسية‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬املؤرشات البيئية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬املؤرشات االقتصادية‪:‬‬

‫‪ -1‬التعاون الدويل لتعجيل التنمية املستدامة‪ :‬وميكن قياسها من خالل نصيب الفرد من الناتج املحيل‬

‫اإلجاميل‪ ,‬ويحسب بقسمة الناتج املحيل اإلجاميل بأسعار السوق الجارية يف سنة معينة عىل عدد‬

‫السكان‪ ,‬وميكن تصنيفه من مؤرشات القوة الدافعة‪ ,‬ويقيس هذا املؤرش مستوى اإلنتاج الكيل وحجمه‪,‬‬

‫ومع أنه ال يقيس التنمية املستدامة قياسا كامال فإنه ميثل عنرصا هاما من عنارص نوعية الحياة‪.‬‬

‫‪ -4‬حصة االستثامر الثابت اإلجاميل إىل الناتج املحيل اإلجاميل‪ :‬وميثل اإلنفاق عىل إضافات األصول الثابتة‬

‫لالقتصاد كنسبة من الناتج املحيل اإلجاميل‪ ,‬يقيس هذا املؤرش نسبة االستثامر اإلجاميل إىل اإلنتاج‪,‬‬

‫ويعرب عنه بنسبة مئوية‪.‬‬

‫‪ -4‬صادرات ‪ /‬واردات السلع والخدمات‪ :‬ويبني قدرة البلدان عىل االستمرار يف االسترياد‪.‬‬

‫‪ -3‬تغيري أمناط االستهالك‪ :‬وميكن قياسه من خالل نصيب الفرد السنوي من استهالك الطاقة‪ ,‬حيث‬

‫يقيس هذا املؤرش نصيب الفرد من الطاقة يف بلد ما‪.‬‬

‫‪005‬‬
‫‪ -1‬املوارد واآلليات املالية‪ :‬ويتم قياسها من خالل املؤرشات التالية‪:‬‬

‫رصيد الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل‪ ,‬وتعني نسبة مجموع صايف الصادرات‬

‫من السلع والخدمات وصايف الدخل وصايف التحويالت إىل الناتج املحيل اإلجاميل‪ .‬ويبني هذا املؤرش‬

‫فائض أو عجز الحساب الجاري مقارنة بالناتج املحيل اإلجاميل ويقيس مدى رسعة تأثر االقتصاد‪.‬‬

‫مجموع الدين الخارجي كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل‪ ,‬ويقصد مبجموع الدين املعطى أو‬

‫املتلقي‪ ,‬ويقيس هذا املؤرش درجة مديونية البلدان ويساعد يف تقييم قدرتها عىل تحمل الديون‪.‬‬

‫صايف املساعدات اإلمنائية الرسمية املتلقاة كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل‪ ,‬تشمل املساعدات‬

‫اإلمنائية الرسمية املنح أو القروض التي يقدمها القطاع الرسمي إىل بعض البلدان واألقاليم بهدف‬

‫النهوض بالتنمية أوالخدمات االجتامعية برشوط مالية تسهيلية‪ ,‬ويقيس هذا املؤرش مستويات‬

‫املساعدة ميرسة الرشوط‪ ,‬التي ترمي إىل النهوض بالتنمية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬املؤرشات االجتامعية‪:‬‬

‫‪ -1‬مكافحة الفقر‪ :‬وميكن رصد التقدم املحرز من خالل‪:‬‬

‫معدل البطالة‪ ,‬وهو نسبة األشخاص العاطلني عن العمل إىل مجموع القوى العاملة‪ ,‬يبني املؤرش جميع‬

‫أفراد القوة العاملة الغري موظفني أو عاملني مستقلني كنسبة من القوة العاملة‪.‬‬

‫مؤرش الفقر البرشي‪ ,‬بالنسبة للبلدان النامية فإن هذا املؤرش مركب من ثالثة أبعاد وهي‪" :‬حياة طويلة‬

‫وصحية"‪ ,‬وتقاس بنسبة مئوية من الناس الذين مل يبلغوا سن األربعني‪".‬توفر الوسائل االقتصادية"‪,‬‬

‫يقاس بنسبة مئوية من الناس الذين ال ميكنهم االنتفاع بالخدمات الصحية واملياه املأمونة‪ ,‬و"نسبة‬

‫األطفال دون الخامسة "الذين يعانون من وزن ناقص بدرجة معتدلة أو شديدة ‪.‬‬

‫‪006‬‬
‫السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني‪ ,‬ويعرب عن النسبة املئوية للسكان الذين يعيشون دون‬

‫خط الفقر الوطني‪ ,‬وتختلف التقديرات الوطنية بني البلدان‪ ,‬ويستند غالبا إىل التقديرات املستمدة من‬

‫مسوح األرس املعيشية‪ ,‬تجدر اإلشارة أن املؤرشين السابقني يستخدمان يف تقييم حالة الفقر يف بلد ما‬

‫كنسبة مئوية‪.‬‬

‫‪ -4‬الديناميكية الدميغرافية واالستدامة ‪ :‬ويقاس من خالل معدل النمو السكاين وهو عبارة عن متوسط‬

‫تغري املعدل السنوي بالنسبة لحجم السكان‪ ,‬ويقيس هذا املؤرش معدل النمو السكاين للسنة‪.‬‬

‫‪ -4‬تعزيز التعليم والوعي العام والتدريب‪ :‬وذلك عن طريق‪:‬‬

‫معدل اإلملام بالقراءة والكتابة بني البالغني‪ :‬ويعرب عن نسبة األشخاص الذين ال تتجاوز أعامرهم ‪15‬‬

‫سنة وال يدركون القراءة والكتابة‪ ,‬ويحدد املؤرش نسبة األميني بني البالغني‪.‬‬

‫املعدل اإلجاميل لاللتحاق باملدارس الثانوية ‪ :‬مجموع امللتحقني باملدارس الثانوية كنسبة من عدد‬

‫السكان الذين هم يف سن الدراسة باملدارس الثانوية‪ ,‬ويبني مستوى املشاركة يف التعليم الثانوي‪.‬‬

‫‪ -3‬حامية صحة اإلنسان وتعزيزها‪ :‬عن طريق‪:‬‬

‫متوسط العمر املتوقع عند الوالدة ‪ :‬يستخدم كبديل له نسبة األشخاص الذين ال يتوقع لهم أن يبلغوا‬

‫سن األربعني‪ ,‬يفرتض هذا املؤرش أن األمناط السائدة ستظل عىل حالها طوال حياة الفرد‪.‬‬

‫عدد السكان الذين ال يحصلون عىل مياه مأمونة والخدمات الصحية‪ :‬إن توفر درجة مرتفعة من‬

‫االنتفاع مبياه الرشب املأمونة والخدمات الصحية أمر أسايس للتنمية املستدامة‪.‬‬

‫‪ -1‬تعزيز التنمية املستدامة للمستوطنات البرشية ‪ :‬وتقاس بنسبة السكان يف املناطق الحرضية ويعترب‬

‫أكرث املؤرشات استخداما لقياس درجة التوسع الحرضي‪.‬‬

‫‪007‬‬
‫ثالثاً‪ :‬املؤرشات البيئية‪:‬‬

‫‪ -1‬حامية نوعية موارد املياه العذبة وإمداداتها‪ :‬وذلك عن طريق‪:‬‬

‫املوارد املتجددة ‪ /‬عدد السكان ‪ :‬ويبني نصيب الفرد السنوي من املوارد املائية املتجددة املتاحة‪.‬‬

‫استخدام املياه‪ /‬االحتياطات املتجددة ‪ :‬و يبني نسبة كمية املياه املستخدمة إىل مجموع الكمية املنتجة‬

‫‪ -4.‬النهوض بالزراعة والتنمية الريفية املستدامة‪ :‬من خالل‪:‬‬

‫نصيب الفرد من األرايض الزراعية ‪ :‬يبني املؤرش نصيب الفرد من املساحة اإلجاملية لألرايض املتاحة‬

‫لإلنتاج الزراعي‪.‬‬

‫استخدام األسمدة ‪ :‬يحدد كمية األسمدة املستخدمة يف الزراعة للوحدة من األرايض الزراعية‪ ,‬حيث‬

‫يقيس كثافة استخدام األسمدة‪.‬‬

‫‪ -4‬مكافحة إزالة الغابات والتصحر‪:‬‬

‫التغري يف مساحة الغابات ‪ :‬وهو التغري الذي يحصل مع مرور الوقت يف مساحة الغابات كنسبة من‬

‫املساحة اإلجاملية للبلد‪.‬‬

‫نسبة األرايض املترضرة بالتصحر‪ ,‬يتم الحصول علية عن طريق مساحة األرايض املصابة بالتصحر‬

‫ونسبتها إىل املساحةاإلجاملية للبلد‪ ,‬ويقيس مساحة التصحر وشدته‪.‬‬

‫‪008‬‬
‫رابعاً‪ :‬املؤرشات املؤسسية‪:‬‬

‫‪ -1‬الحصول عىل املعلومات ووسائل االتصال‪:‬‬

‫الحصول عىل املعلومات‪ :‬وذلك من خالل أجهزة التلفاز لكل ‪ 1000‬نسمة‪ ,‬وأجهزة الراديو لكل ‪1000‬‬

‫نسمة‪ ,‬وعدد الصحف اليومية لكل ‪ 1000‬نسمة‪ ,‬وتبني هذه املؤرشات مدى حصول السكان عىل‬

‫املعلومات‪.‬‬

‫الحصول عىل وسائل االتصال ‪ :‬من خالل خطوط الهاتف الرئيسية لكل ‪ 1000‬نسمة‪ ,‬ويعترب هذا املؤرش‬

‫أهم مقياس لدرجة تطور االتصاالت السلكية والالسلكية يف أي بلد‪.‬‬

‫‪-2‬الحصول عىل املعلومات بالوسائل اإللكرتونية ‪ :‬وميكن الوصول إىل هذا املؤرش من خالل عدد‬

‫املشرتكني يف االنرتنت لكل ‪ 1000‬شخص‪ ,‬وحاميل الحواسيب الشخصية لكل ‪ 1000‬شخص‪ ,‬ويقيسان‬

‫املؤرشان مدى مشاركة البلدان يف عرص املعلومات‪.‬‬

‫‪-3‬العلم والتكنولوجيا ‪ :‬وميكن الوصول إليه من خالل عدد العلامء واملهندسني العاملني يف مجال‬

‫البحث والتطوير لكل مليون نسمة‪ ,‬واإلنفاق عىل البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج القومي‬

‫اإلجاميل‪ ,‬تجدر اإلشارة إىل أن املؤرشين السابقني يبينان حجم املوارد املخصصة للبحث والتطوير‪.....‬‬

‫‪009‬‬
‫املراجع‬
‫‪-1‬عمرو محيي الدين‪ -‬التنمية والتخلف‪ -‬مكتبة النهضة املرصية‪ -‬القاهرة ‪1991.‬‬

‫‪-4‬عمرو محيي الدين‪ -‬التنمية والتخلف‪ -‬مكتبة النهضة املرصية‪ -‬القاهرة ‪1996.‬‬

‫‪-4‬مدحت محمد العقاد‪ ,‬محمود محمد عارف‪ ,‬نظرية القيمة‪ ,‬مكتبة املدينة بالزقازيق ‪4114‬م‪.‬‬

‫‪-3‬س واجل‪ ,‬فن التخطيط‪ ,‬مكتبة األنجلو املرصية‪ ,‬القاهرة‪1964 ,‬م‪.‬‬

‫‪-1‬عيل لطفى‪ ,‬دراسات يف تنمية املجتمع‪ ,‬القسم الثاين ‪1973‬م‪.‬‬

‫‪-6‬نورمان بوكانان‪ ,‬هوارداليس‪ ,‬وسائل التنمية االقتصادية الجزء الثاين‪ ,‬مكتبة النهضة املرصية‪ ,‬القاهرة‬

‫‪1915‬م‪.‬‬

‫‪021‬‬

You might also like