Professional Documents
Culture Documents
التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة أحمد بدران
التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة أحمد بدران
إعداد
ب
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد جابر بدران
العجوزة -الجيزة
E-mail : CLES1996@yahoo.com
ج
بسم الله الرحمن الرحيم
{ َه ْل يَ ْس َتوِي الَّ ِذي َن يَ ْعلَ ُمونَ َوالَّ ِذي َن َال يَ ْعلَ ُمونَ } [الزمر]9 :
د
الفهرس
ه
موضوعات الكتاب
املوضوع
الفهرس:
املقدمة:
-1-مفهوم التنمية
-4-أنواع التنمية
-4-أهداف التنمية
-3-خصائص التنمية
و
رابعاً :بناء األساس املادي للتقدم:
-4الرتاكم الرأساميل:
ز
ثانياً :أهمية تحليل النمو اإلقتصادي:
-1النوع اإلفريقي:
ح
سادساً :اإلنتقادات املوجهة للنظرية الكالسيكية:
-4-نظرية شومبيرت
-6-نظرية نريكسه
ط
سابعاً :انخفاض املستوى الصحي والعليمي:
تاسعاً :تأخر املرأة وارتفاع نسبة تشغيل األطفال وذلك نتيجة تغىش األمية وانخفاض
مستوى الدخل.
ي
-1أثر اإلنفاق العام عىل التنمية:
-4ارتفاع نسبة الرضائب عىل التجارة الخارجية إىل جملة حصيلة الرضائب:
-3النظام الرضيبي:
ك
ثامناً :الوسائل غري املبارشة لتمويل التنمية:
ل
املبدأ الثالث :اغتنام فرص تحقيق الربح لكل األطراف:
م
ثانياً :البعد الثاين :البعد البيئي:
-7-مؤرشات التنمية
-9-املؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول ذات الصلة بجدول أعامل القرن 41
املراجع:
ن
املقدمة
اقتصاديات التنمية Development Economicsفرع يانع جديد ,وشيق من فروع علم االقتصاد,
الذي يركز عىل دراسة أسباب التخلف وسبل الخروج منها باتباع إسرتاتيجيات وسياسات معينة ,كام
يهتم هذا العلم بالتخصيص األمثل ملوارد اإلنتاج النادرة ومنوها مع مرور الزمن ,فضال عن دراسة
الرتابط بني البنية االقتصادية و السياسية واالجتامعية وكيفية تغيري هذه البنية مبا يسمح بحدوث
ومنذ نهاية الحرب العاملية الثانية حظي موضوع التنمية باهتامم بالغ سواء عىل مستوى الشعوب و
الحكومات ,وتزايد إحساس الشعوب بانقسام دول العامل إىل بالد متقدمة وأخرى متخلفة ,بالد غنية
تضم أقل من خمس سكان العامل وتحصل عىل ثلثي الدخل العاملي ,وبالد فقرية تعيش مأساة التخلف
وتضم عىل مساحاتها أكرث من ثلثي سكان العامل بينام يقل نصيبها عن سبع الدخل العاملي ,وتتوسط
هاتان املجموعتان مجموعة من البالد متوسطة الدخل تضم أقل من سبع سكان العامل وتحصل عىل
خمس الدخل العاملي .وملا كانت الدول املتخلفة تقع يف معظمها يف جنوب الكرة األرضية والدول
املتقدمة تقع معظمها يف شاملها ,فقد فرق االقتصاديون بني شامل متقدم وجنوب متخلف ,لتزداد
أهمية التنمية للدول املتخلفة والتي يطلق عليها تأدبا الدول النامية ,والتي تسعى إىل عبور فجوة
1
ولقد أصبح العامل يعي أكرث من السابق أن معظم الحروب والثورات يف عرصنا هذا يرجع إىل وجود
فجوة التخلف السحيقة التي تفصل "الذين ميلكون" عن "الذين ال ميلكون" .أصبحت املشكالت التي
تواجه الدول النامية يف سعيها الدؤوب لتحسني مستوى معيشة شعوبها ,وتطوير اقتصادياتها والنهوض
بها ملواكبة عجلة التقدم االقتصادي العاملي من أهم التحديات التي تواجه حكومات هذه البالد منذ
ولقد شهد عقد السبعينات تغريات جذرية يف مفهوم التنمية ,حيث أصبح أكرث شموال من مجرد الزيادة
يف الدخل والناتج القومي اإلجاميل ,لكون التنمية بذلك املفهوم الضيق مل تعد كافية لحل املشكالت
املزمنة التي تعاين منها الدول النامية واملتمثلة يف الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل ,وبدأ التحول إىل
التنمية الشاملة وتبني سياسات هادفة تتمثل يف إزالة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة يف توزيع الدخل
القومي ,لتصبح هذه األهداف هي املعايري الحقيقية للحكم عىل مدى نجاح وفشل السياسة اإلمنائية
ألي بلد ,ويؤكد االقتصادي الباكستاين "محبوب الحق" بأن التنمية يجب أن تعني توسيع خيارات كافة
أفراد املجتمع يف جميع الحقول االقتصادية والسياسية والثقافية ,كام أن التنمية بدون عدالة يف توفري
بعد أن أخفقت الدول النامية يف تحقيق طموحاتها يف مجال التنمية خالل عقد السبعينات ,جاء عقد
الثامنينات ليقيض عىل معظم اآلمال بسبب التغريات الجذرية التي طرأت عىل املرسح العاملي عىل
الصعيدين االقتصادي والسيايس ,والتي تسببت بإلحاق أرضار كبرية بهذه البلدان مام أدى بكثري من
الكتاب املهتمني بقضايا التنمية والعالقات الدولية بوصف هذه الحقبة الزمنية "العقد الضائع".
2
فعىل الصعيد االقتصادي شهد االقتصاد العاملي خالل النصف الثاين من عقد الثامنينات فرتة ركود
اقتصادي استمرت حتى أوائل عقد التسعينات .أما عىل الصعيد السيايس ,فقد جاء تفكك االتحاد
السوفيتي يف أوائل عقد التسعينات وتحول جمهورياته وبلدان أوروبا الرشقية من االقتصاد املخطط
مركزيا إىل اقتصاد السوق ليشكل رضبة قوية إىل القوة التساومية التي كانت تتمتع بها البلدان النامية
ولقد اشتدت املشكالت التي تواجه العامل النامي حدة منذ أوائل التسعينات نتيجة الديناميكية
الرسيعة لألحداث الدولية بعد انهيار االتحاد السوفيتي ,وزيادة الضغوط التي تواجه هذه الدول من
قبل املنظامت الدولية والرامية إىل وجوب تقليص دور القطاع العام يف النشاط االقتصادي وتحرير
االقتصاديات النامية من كافة أشكال القيود وبالتايل فتح أسواقها أمام املنافسة الخارجية .كام وقد شهد
العامل الغريب تحوالت عىل الصعيدين االقتصادي والسيايس كان من نتائجها تدعيم هيمنة البلدان
املتقدمة عىل االقتصاد العاملي ,فتحقيق دول أوروبا الغربية لوحدتها االقتصادية والسياسية ,واستكامل
الواليات املتحدة األمريكية وكندا واملكسيك الجراءاتهم التفاقية التجارة الحرة ,فضال عن تكثيف
الجهود اليابانية ودول جنوب رشق آسيا لتكوين تجمع اقتصادي مواز ,كلها تحوالت أضعفت من قوة
الدول النامية وانعكست يف صورة تراجعات يف معدالت النمو االقتصادي وزيادة أعباء املديونية وقد
وآزاء كل تلك التطورات السياسية واالقتصادية الرسيعة عىل الساحة الدولية كان لزاما عىل الدول
النامية أن تعيد النظر يف سياسيتها اإلمنائية ومحاولة التكيف بصورة أقوى مع األوضاع االقتصادية
الدولية الجديدة أو ما يعرف بالعوملة وثورة املعلوماتية ,فلم تعد التنمية قضية اقتصادية فحسب إمنا
3
وجميع عوامل النهضة الحضارية ,ونظراً لزيادة املضطردة لحاجة اإلنسان للعديد من السلع والخدمات
األساسية منها والكاملية ,وغري ذلك من الدوافع التي تدعو رضورة األخذ بالتخطيط نهجاً للتنمية
ويحاول هذا الكتاب االجابة عىل تساؤالت كثرية مام قد سبق,ويتكون الكتاب من بابني:
وىف النهاية ال يسعدنا ان أن نشكر املوىل عزوجل ىف توفيقه لنا باخراج هذا الكتاب ىف صورة تحظى
بالقبول العام.
4
الباب األول
التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي
5
الفصل األول
ماهية التنمية
يعترب موضع التنمية من أهم املوضوعات التي تشغل تفكري الجيل املعارص من االقتصاديني سواء يف
البالد التي بلغت اقتصادياتها درجة عالية من التقدم أو يف البالد التي ال تزال حديثة النمو.
وتعترب املشكلة األساسية التي تواجه البالد املتخلفة هو الركود املزمن الذي تعيش فيه وأصبح الخروج
من حالة الركود هو الهدف الرئييس للسياسات االقتصادية يف هذه البالد .وتعيش تلك الدول يف جمود
وتتطلب علمية التنمية تحطيم هذا الجمود حتى يكون االقتصاد القومي قادراً عىل الحركة الذاتية
ولذلك تعني األبحاث يف موضوع التنمية بدراسة مظاهر الجمود حتى يكون االقتصاد القومي قادراً عىل
الحركة الذاتية ولذلك تعني األبحاث يف موضوع التنمية بدراسة مظاهر الجمود االقتصادي وكيفية
التغلب عليه.
وسوف نتناول ىف هذا الفصل مفهوم التنمية و انواع التنمية واهدافها وخصائصها ثم الفرق
-1-مفهوم التنمية
6
ثانياً :التنمية اصطالحاً :يستخدم اصطالح التنمية عادة يف املستويات االقتصادية واالجتامعية وغريها,
ولعل أول من استعمل هذا املصطلح هو " بوجني ستيىل " حني اقرتح خطة تنمية العامل سنة 1559م.
"العملية التي تبذل بقصد ,ووفق سياسة عامة إلحداث تطور وتنظيم اجتامعي واقتصادي للناس
وبيئاتهم ,سواء كانوا يف مجتمعات محلية أم إقليمية؛ باالعتامد عىل املجهودات الحكومية واألهلية ,عىل
أن يكتسب كل منهم قدرة أكرب عىل مواجهة مشكالت املجتمع نتيجة لهذه العمليات".
وتعرف التنمية كذلك بأنها" :عملية مجتمعية تراكمية تتم يف إطار نسيج من الروابط بالغ التعقيد,
بسبب تفاعل متبادل بني العديد من العوامل االقتصادية واالجتامعية والسياسية واإلدارية ,واإلنسان
كام أنها عـرفت بأنها" :عملية تعبئة وتنظيم جهود أفراد املجتمع وجامعته ,وتوجيههـا للعمل املشرتك
مع الهيئات الحكومية بأسالـيب دميقراطية لحل مشاكل املجتمع ,ورفع مستوى أبنائه اجتامعيا
واقتصاديا وصحيا وثقافيا ,ومقابلة احتياجاتهم باالنتفاع الكامل لكافة املوارد الطبيعية والبرشيـة
فالتنمية هي العمليات املقصودة التي تسعى إىل إحداث النمو بطريقة رسيعة ضمن خطط مدروسة,
ويف فرتات زمنية معينة ,وتخضع لإلرادة البرشية ,وتحتاج إىل دفعة قوية تفرزها قدرات إنسانية
بإمكانها إخراج املجتمع من حالة السبات إىل حالة الحركة والتقدم ,كام أنها تتطلب حكام تسري نحوه
إىل األفضل.
7
ونستنتج من ذلك أن التنمية هي فعل إرادي واع ,تحكمها سلطة مريدة ومخططة ,ومبا أن اإلسالم ال
يحرص التنمية يف الجانب املادي بل يتعداه إىل اإلنسان أي الفرد واملجتمع ,فالتنمية حتى تكون شاملة
النظرة األوىل :تعتمد عىل التنمية هي" :عملية" عىل اعتبارات أن التغريات البنائية الناجمة عنها تؤدي
إىل ردود أفعال يف كافة األنساق وبالتايل يف الوظائف املرتبطة بها وكذلك ألنها مجموعة من الخطوات
املتتالية واملتداخلة والتي تؤدي إىل تحقيق غايات محد ّدة ,وهي تسري يف اتجاه واحد.
أما النظرة الثانية :فتنظر إىل التنمية بوصفها "أداة" وهذا يرجع إىل اعتبار أن التنمية أو باألحرى خطة
التنمية ليست هدفا يف حد ذاتها ولكنها وسيلة لتحقيق األهداف التي تحقق طموحات املجتمع ورمبا
ولكن عمد الباحثني عىل دراستها كعملية processوليس كأداة أو حالة .وهي تحقيق زيادة تراكمية
رسيعة يف الخدمات وهي تغري إيجايب يهدف به نقل املجتمع من حالة إىل حالة أفضل".
-4-أنواع التنمية
يتطلب نجاح التنمية وجود أعداد وفرية من الكفاءات اإلدارية والتنظيمية ,وتوسيع الجهاز الحكومي,
وإعادة تنظيمه وتدعيمه بهذه الكفاءات؛ ملقابلة احتياجات عملية التنمية ,كام يتطلب إعادة التفكري
يف تحديث وإدخال أفكار جديدة داخل بعض التنظيامت واملؤسسات االقتصادية واالجتامعية
والسياسية والثقافية والبيئية التي تعمل عىل إشباع الحاجات األساسية والثانوية ,وتنقسم التنمية إىل
ما ييل:
8
أوالً :التنمية االقتصادية :هي عملية تستخدم فيها الدولة املوارد املتاحة لتحقيق معدل رسيع للتوسع
االقتصادي ,يؤدي بالرضورة إىل زيادة مطردة يف دخلها القومي ,لكن لن يحدث هذا إال إذا تم التغلب
عىل املعوقات االقتصادية وتوفر رأس املال والخربة الفنية والتكنولوجية .
ثانياً :التنمية االجتامعية :هي الجهود التي تبذل إلحداث سلسلة من املتغريات الوظيفية والهيكلية
الالزمة لنمو املجتمع ,وذلك بزيادة قدرة أفراده عىل استغالل الطاقات املتاحة إىل أقىص حد ,لتحقيق
ثالثاً :التنمية السياسية :هي دراسة التنظيم الرسمي للحكومة واإلدارة املركزية واملحلية ,ودراسة
املشكالت التطبيقية يف التنظيم واإلجراءات؛ بغية تحقيق التكامل بني القضايا الوصفية والتقوميية.
رابعاً :التنمية الثقافية :هي التغيري الذي يحدث يف الجوانب املادية وغري املادية للثقافة ,مبا فيها العلوم
والفنون والفلسفة والتكنولوجيا واألذواق ,باإلضافة إىل التغيري الذي يحدث عىل مستوى بنيان املجتمع
ووظائفه.
خامساً :التنمية البيئية (املستدامة) :هي التي تلبي احتياجات الحارض دون أن يعرض للخطر قدرة
األجيال التي من شأنها أن تقودنا إىل مامرسة النوع الصحيح من النمو االقتصادي القائم عىل التنوع
الحيوي والتحكم يف األنشطة الضارة بالبيئة ,وتجديد املواد القابلة للتجديد وحامية البيئة الطبيعية.
-4-أهداف التنمية
أوالً :تحسني حياة البرش؛ من خالل رفع إشباع الحاجات األساسية للفرد وتحقيق ذاته اإلنسانية,
9
ثانياً :إحداث سلسلة من املتغريات الوظيفية والهيكلية الالزمة لنمو املجتمع؛ وذلك بزيادة قدرة أفراده
عىل استغالل الطاقة املتاحة لتحقيق أكرب قدر من الحرية والرفاهية بأرسع من معدل النمو الطبيعي.
ثالثاً :االنتقال إىل مرحلة جديدة شاملة اإلنتاج واإلنسان ومقدراته وفرص حياته ومشاركته اإليجابية
رابعاً :تهيئة سيطرة اإلنسان عىل بيئته وإمكانيته وطاقاته لبناء حارضه ومستقبله من واقع الشعور
مبسؤولية االنتامء االجتامعي والقدرة عىل املنافسة يف عامل يحكمه منطق الرصاع.
خامساً :تأمني زيادة مستمرة يف متوسط دخل الفرد عرب فرتة ممتدة من الزمن ,وإىل إنشاء التنظيم
السيايس املمثل ملصالح القوى صاحبة املصلحة الحقيقية يف التنمية ,وإيجاد أعداد وفرية من الكفاءات
اإلدارية والتنظيمية ,وإجراء تغيريات يف القيم والعادات وخلق مؤسسات وتنظيامت جديدة.
سادساً :إزالة جميع املصادر الرئيسية لبقاء التخلف منها والفقر والطغيان وضعف الفرص االقتصادية
سابعاً :تهدف التنمية اإلسالمية إىل إقامة مجتمع يتمتع بأعىل مستويات املعيشة الطيبة من خالل
الزيادة يف اإلنتاج إىل أقىص حد ممكن ,وتحقيق الكفاية لكل واحد سواء بجهوده الخاصة أو العامة
-3-خصائص التنمية
أوالً :التنمية هي عملية وليست حالة ,وبالتايل فإنها مستمرة ومتصاعدة تعبريا عن احتياجات املجتمع
وتزايدها.
01
ثانياً :التنمية عملية مجتمعة يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجامعات يف املجتمع.
ثالثاً :التنمية عملية واعية إذن هي ليست عملية عشوائية بل محددة الغايات واألهداف.
رابعاً :التنمية عملية موجهة مبوجب إدارة للتنمية تعني الغابات املجتمعة وتلزم بتحقيقها.
خامساً :إ يجاد تحوالت هيكلة وهذا ميثل إحدى السامت التي متيز عملية التنمية الشاملة عن النمو
سادساً :بناء قاعدة وإيجاد طاقة إنتاجية ذاتية وال تعتمد عن الخارج أي مرتكزات البناء تكون محلية.
ثامناً :زيادة يف متوسط إنتاجية الفرد أي بتعبري اقتصادي آخر هو تزايد متوسط الدخل الحقيقي للفرد .
تاسعاً :تزايد قدرات املجتمع السياسية واالقتصادية واالجتامعية ويجب أن يكون التزايد متصاعدا وهو
عارشاً :اإلطار اإلجتامعي -السيايس :يتضمن آلية التغري وضامنات استمراره ويتمثل ذلك يف نظام
إن الكثري من الباحثني واألكادمييني واملتتبعني ملوضوع التنمية يقعون يف مغالطات وأخطاء هذا
املصطلح أو املفهوم حيث يخلصون بينه وبني مجموعة من املصطلحات املشابهة له سواء من حيث
التقارب اللغوي كمصطلح " النمو" أو من حيث التشابه يف املدلول كمصطلح التحديث أو التطور
وغريهم من املصطلحات املتقاربة لهذا املصطلح .وأهم الفروقات بني مفهوم التنمية وبقية املصطلحات
00
أوالً :الفرق بني التنمية ومصطلح ال ّنمو :إن إصطالح النمو يشري إىل عملية الزيادة الثابتة أو املستمرة
معني من جوانب الحياة ,أما التنمية فهي عبارة عن تحقيق زيادة رسيعة تراكمية
التي تحدث يف جانب ّ
ودامئة خالل فرتة من الزمن والنمو يحدث يف الغالب عن طريق التطور البطيء والتحول التدريجي ,أ ّما
ثانياً :الفرق بني التنمية والتغري :إن التغري ال يؤدي بالرضورة إىل التقدم واالرتقاء واالزدهار ,فقد يتغري
اليشء إىل السالب بينام هدف التنمية هو التغري نحو األفضل بوترية متصاعدة ومتقدمة.
ثالثاً :الفرق بني التنمية و التطور :إن التطور مفهوم يعتمد باألساس عىل التصور الذي يفرتض أن كل
املجتمعات متر خالل مراحل محد ّدة ثابتة يف مسلك يندرج من أبسط األشكال إىل أعقدها.
رابعاً :التقدم مصطلح يأيت كمرحلة أخرية ونهائية بعد حدوث التنمية والتنمية الشاملة.
خامساً :التنمية والتحديث :كثريا ما يكون الخلط بني مفهوم التنمية ومفهوم التحديث ,فاألول يعني
باإلضافة إىل ما رأيناه سابقا يف التعريفات الزيادة يف القدرة اإلنتاجية بشكل يرفع مستوى املعيشة
ماديا وثقافيا وروحيا مصحوبا بقدرة ذاتية متزايدة عىل حل مشاكل التنمية ,أما التحديث فهو جلب
رموز الحضارة الحديثة وأدوات الحياة العرصية مثل التجهيزات التكنولوجية واملعدّ ات اآللية والسلع
االستهالكية ,ومل تصمد نظريات التحديث أمام االنتقادات لسبب بسيط جدا وهو أنها تجاهلت
الخصائص النوعية للعامل الثالث أو املتخلف ,ووقوع هذه النظريات التحديثية أسرية للنموذج الغريب,
02
الفصل الثاين
التنمية االقتصادية و النمو االقتصادى
تعترب قضية التنمية االقتصادية هى غاية النظم االقتصادية املختلفة سواء كانت اشرتاكية أو رأساملية أو
خليط منها ,لذا يعترب النمو االقتصادي من أهم األهداف السياسية للحكومات يف مختلف بلدان العامل,
ولذلك يعترب برامج التنمية االقتصادية من أهم أطروحات األحزاب املتطلعة إىل الحكم ,وعىل أساسها
يقاس نجاح الحكومات أو إخفاقها ,كام تجري عىل أساسها محاسبة الحكام من قبل شعوبهم.
ومل تعد التنمية االقتصادية مجرد قيمة يدعى الناس إليها و ُيشَ ّجعون عليها فحسب ,بل أصبحت الشغل
الشاغل للهيئات الترشيعية واملجالس التنظيمية يف البالد .ومن ثَ َّم أصبحت مناقشة امليزانية ,وأسعار
العمالت ,ومعدالت النمو ,والتضخم ,والبطالة من أهم أعامل مجالس الشعوب وكافة الدوائر الحاكمة.
وعىل أساس هذا املصطلح جرى تصنيف دول العامل إىل دول العامل األول ,والثاين ,والثالث كام جرى
تصنيفه إىل دول متقدمة ,ودول نامية ,ودول أقل من ّواً .وعىل أساسه أيضاً تقوم إحصاءات لحساب ما
يعرف بالدخل القومي للبالد املختلفة ,وبه يتم تحديد متوسط دخل الفرد سنويّاً.
وسوف نتناول ىف هذا الفصل مفهوم التنمية االقتصادية وتطوره ,وأهمية وأهداف التنمية االقتصادية,
والنمو االقتصادي ومحدداته و مراحله ,وكيفية قياس وتحليل النمو االقتصادى ,و الفرق بني التنمية
االقتصادية والنمو االقتصادي ,و تصنيف الدول وفق معيار النمو والتنمية.
03
-1-مفهوم التنمية االقتصادية وتطوره
-فخالل عقدي األربعينات والخمسينات كان ينظر للتنمية عىل أنها ارتفاع مستوى دخل األفراد ,وكان
هذا مرادفا ملفهوم النمو االقتصادي؛ حيث كان ينظر بعض االقتصاديني للتنمية االقتصادية عىل أنها
عملية يزداد فيها الدخل الوطني ومتوسط دخل الفرد ,باإلضافة إىل تحقيق معدالت منو مرتفعة يف
-وخالل عقد الستينات أصبحت التنمية االقتصادية تعني مدى قدرة االقتصاد الوطني عىل تحقيق
زيادة سنوية من الناتج الوطني بحيث يكون أعىل من معدل زيادة السكان.
-وبعد أن صاحب ارتفاع معدالت النمو االقتصادي زيادة يف عدد الفقراء ,وارتفاع معدالت البطالة,
أعيد يف منتصف السبعينات مفهوم التنمية لتصبح عملية تخفيض أو القضاء عىل الفقر وسوء توزيع
-ومع حلول الثامنينات شهدت الدول النامية تدهورا يف مستوى الدخل الحقيقي ألسباب داخلية
وخارجية مام أدى إىل لجوئها لالقرتاض الخارجي ,ومن ثم استرتاف الكثري من مواردها الطبيعية للوفاء
وعملية التنمية االقتصادية هي عملية متواصلة ,تساهم يف زيادة الدخل القومي للبالد,
04
إال أن الزيادة املطردة يف املكان ,واملنافسة الشديدة بني األنشطة املختلفة ,وعوامل التلوث البيئي,
واإلرساف يف استخدام املوارد االقتصادية ,تشكل جميعها قاعدة التحديات التي تقف يف مواجهتها
مجموعة من األهداف ,والتي تتمثل يف املحافظة عىل تلك املوارد املتوفرة وتنميتها ,والعمل عىل زيادة
والطلب عىل مورد معني إمنا هو طلب مشتق من الطلب عىل املنتجات النهائية الجاهزة للفائدة
البرشية ,واملنتجة من هذا املورد ,فمثال البرتول يف صورته األولية رمبا ال يصلح إلشباع الحاجات
البرشية ,ولكن بعد سلسلة من العمليات االقتصادية يصري اشتقاق العديد من املنتجات البرتولية التي
يطلبها اإلنسان سواء الستعاملها كوقود لسيارته ,أو للتدفئة ,أو لتوليد الكهرباء.
ومن هنا فإن طلب مورد معني ,يتحدد بزيادة أو بنقص مدى تقدم املعارف العلمية البرشية والتي
يرتتب عليها إما زيادة الحاجة إىل مورد معني ,وذلك بتقديم العديد من الخدمات والسلع الجديدة
التي تتطلبها ,وإما بالنقص وهذا ينتج عن اكتشاف بديل أقل تكلفة.
ونخلص من ذلك اىل ان التنمية االقتصادية هى عبارة عن مجموعة من السياسات واالجراءات والتدابري
املقصودة واملوجهة من أجل تغيري هيكل االقتصاد القومى بهدف تحقيق زيادة رسيعة ومستمرة ىف
متوسط دخل الفرد الحقيقي عرب فرتة ممتدة من الزمن بحيث تعود مثار هذه التنمية عىل الغالبية
العطمى من االفراد.
وهكذا فان التنمية االقتصادية هى عملية حضارية شاملة ترتبط بخلق أوضاع جديدة ومتطورة ,كام
انها تعتمد بدرجة كبرية عىل جدية صانعى القرارات االقتصادية والسياسية ىف الدولة والتزامهم بتحقيق
التغري من الواقع املتخلف اىل واقع متقدم ىف كافة املجاالت االقتصادية واالجتامعية والثقافية ,واميانهم
05
-4-أهمية وأهداف التنمية االقتصادية
للتنمية االقتصادية أهداف عديدة تدور كلها حول رفع مستوى املعيشة فالشعوب يف املناطق املتخلفة
ال تنظر إىل التنمية باعتبارها غاية يف حد ذاتها وإمنا تنظر إليها عىل أنها وسيلة لتحقيق غايات أخرى.
ورمبا يكون من الصعب عىل املرء أن يحدد أهدافا معينة يف هذا املجال .نظرا الختالف ظروف كل
دولة ,واختالف أوضاعها االجتامعية والسياسية واالقتصادية إال أنه ميكن إبراز بعض األهداف األساسية
التي يجب أن تتبلور حولها الخطة العامة للتنمية االقتصادية واالجتامعية يف الدول املتخلفة.
أوالً :زيادة الدخل القومي :تعترب زيادة الدخل القومي من أول أهداف التنمية االقتصادية يف الدول
املتخلفة ,بل هي أهم هذه األهداف عىل وجه اإلطالق .وذلك أن الغرض األسايس الذي يدفع هذه
البالد إىل القيام بالتنمية االقتصادية إمنا هو فقرها وانخفاض مستوى معيشة سكانها وازدياد منو عدد
سكانها ,وال سبيل إىل القضاء عىل هذا الفقر .وانخفاض مستوى املعيشة ,وتحاىش تفاقم املشكلة
والدخل القومي الذي نقصد زيادته هنا هو الدخل القومي الحقيقي ال النقدي أي ذلك الذي يتمثل يف
السلع والخدمات التي تنتجها املوارد االقتصادية املختلفة يف خالل فرتة زمنية معينة.
وليس هناك من شك يف أن زيادة الدخل القومي الحقيقي يف أي بلد من البلدان ,إمنا تحكمه عوامل
معينة كمعدل الزيادة يف السكان وإمكانيات البلد املادية والفنية مثال ,فكلام كان معدل الزيادة يف
السكان كبريا ,كلام اضطرت الدولة إىل العمل عىل تحقيق نسبة أعىل للزيادة يف دخلها القومي
الحقيقي ,غري أن حدود هذه الزيادة من جهة أخرى تتوقف عىل إمكانيات الدولة املادية والفنية,
06
فكلام توافرت رؤوس أموال وكفاءات أكرب كلام أمكن تحقيق نسبة أعىل للزيادة يف الدخل القومي
الحقيقي ,وبالعكس كلام كانت هذه العوامل نادرة .فإن نسبة ما ميكن تحقيقه من زيادة يف الدخل
وعموما ميكن القول بأن زيادة الدخل القومي الحقيقي أيا كان حجم هذه الزيادة أو نوعها .إمنا تعترب
من أوىل أهداف التنمية االقتصادية وأهمها عىل اإلطالق يف الدول املتخلفة إقتصاديا.
ثانياً :رفع مستوى املعيشة :يعترب تحقيق مستوى مرتفع للمعيشة من بني األهداف الهامة التي تسعى
ذلك أنه من املعتذر تحقيق الرضورات املادية للحياة من مأكل وملبس ومسكن ما مل يرتفع مستوى
املعيشة للسكان وتلك املناطق .وبدرجة كافية لتحقيق مثل هذه الغايات.
فالتنمية االقتصادية ليست مجرد وسيلة لزيادة الدخل القومي السنوي فحسب وإمنا هي أيضا وسيلة
ذلك ألن التنمية االقتصادية إذا وقفت عند حد خلق زيادة يف الدخل القومي فإن هذا قد يحدث فعال.
غري أن هذه الزيادة قد ال تكون مصحوبة بأي تغيري يف مستوى املعيشة .ويحدث ذلك عندما يزيد
السكان بنسبة أكرب من نسبة الزيادة يف الدخل القومي ,أو عندما يكون نظام توزيع هذا الدخل مختال.
فزيادة السكان بنسبة أكرب من زيادة الدخل القومي ,تجعل من املتعذر تحقيق زيادة يف متوسط
07
كذلك الحال لو أن نظام توزيع هذا الدخل كان مختال .فإن ما يحدث يف هذه الحالة هو تحول معظم
الزيادة التى تحققت يف الدخل القومي إىل طبقة معينة من الناس هي الطبقة املسيطرة عىل النشاط
االقتصادي .وهي عادة ما تكون قلة ,وبذلك يظل مستوى معيشة الجزء األكرب من السكان عىل حالة إن
مل ينخفض.
من هذا نجد أن هدفا كرفع مستوى املعيشة ,إمنا هو من أهم األهداف التي يجب أن تعمل التنمية
االقتصادية عىل تحقيقه يف كافة البلدان املتخلفة والتي تقوم بتنمية مواردها االقتصادية ,ولعل أقرب
مقياس للداللة عىل مستوى معيشة الفرد هو متوسط ما يحصل عليه من دخل .فكلام كان هذا
املتوسط مرتفعا كلام دل ذلك عىل ارتفاع مستوى معيشته ,وبالعكس كلام كان منخفضا كلام دل عىل
انخفاض مستوى معيشته بالتايل فمستوى املعيشة يقاس مبا يستهلكه الفرد من سلع وخدمات.
لذلك إذا كان رفع مستوى املعيشة هو من األهداف الهامة للتنمية االقتصادية وإذا كان متوسط نصيب
الفرد من الدخل القومي هو مقياس هذا املستوى من املعيشة فال بد أن تعمل التنمية االقتصادية عىل
زيادة متوسط دخل الفرد حتى يتسنى رفع مستوى معيشته بالتايل.
وتحقيق هذا قد ال يقف عند حد خلق زيادة يف الدخل القومي فحسب بل يجب أن ترتبط هذه
الزيادة بتغيريات يف هيكل الزيادة السكانية وطريقة توزيع الدخل القومي ,فيجب العمل عىل تنظيم
الزيادة السكانية والتحكم يف معدالت املواليد إىل املعدل املناسب ,وتحقيق توزيع عادل للدخل
القومي.
08
ثالثاً :تقليل التفاوت يف الدخول والرثوات :وهذا الهدف من األبعاد االجتامعية لعملية التنمية
االقتصادية فأغلب الدول املتخلفة ,عىل الرغم من إنخفاض الدخل القومي ,وهبوط متوسط نصيب
الفرد من هذا الدخل .إال أن هناك فوارق كبرية يف توزيع الدخول والرثوات .إذ تستحوذ فئة صغرية عىل
جزء كبري من الرثوة ونصيب عادل من الدخل القومي ,بينام ال متلك غالبية أفراد املجتمع إال نسبة
وال شك أن للتفاوت يف توزيع الدخول والرثوات مساوئ تتمثل يف عدم شعور األغلبية بالعدالة
االجتامعية .كام أن هذا التفاوت مييل إىل وضع األفراد يف طبقات ,وأهم هذه املساوئ عىل اإلطالق هي
الضياع االقتصادي فالغنياء سينفقون أموالهم يف السلع الكاملية وستوجه موارد املجتمع إىل هذه
الناحية .هذا إن افرتضت أن الجهاز اإلنتاجي قادر عىل التحرك إلشباع الطلب املتزايد من تلك الطبقة.
ولو أننا نرى أن غالبية الدول املخلفة يعجز جهازها اإلنتاجي عن تلبيه الستهالك املظهرى الذي تتمتع
به طبقة األغنياء فتتجه الدولة إىل االسترياد من الدول املتقدمة ,مع ما يرتبط هذا من عجز يف ميزان
وعىل ذلك فليس من الغريب أن يعترب تقليل التفاوت يف توزيع الدخول والرثوات من بني األهداف
الهامة التي يجب أن تسعى التنمية االقتصادية إىل تحقيقها بوسيلة أو بأخرى.
رابعاً :بناء األساس املادي للتقدم :من تعرفينا للتنمية االقتصادية وجدنا أنها ال تقترص عىل مجرد زيادة
الدخل القومي وزيادة متوسط نصيب الفرد ,بل يشرتط بعض االقتصاديني أن تقرتن تلك الزيادات
مبظاهر يف التوسع يف بعض القطاعات الهامة من الناحية اإلقتصادية والفنية ,فهناك دول كبرية تحدث
فيها زيادات هائلة يف الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد وال ميكن أن نتحدث عن تنمية إقتصادية
بتلك البالد.
09
فالتنمية اإلقتصادية يجب أن تقرتن ببناء األسايس املادي للتقدم Construction Of The Material
basis for progessمتمثال يف قاعدة واسعة للهيكل اإلنتاجي ,وال يأيت هذا إال ببناء الصناعات الثقيلة
والتي متد إىل االقتصاد القومي باحتياجاته الالزمة لعملية إعادة اإلنتاج .Reprodusction Process
كذلك فإن بناء القاعدة الواسعة للهيكل اإلنتاجي ما هي إال بداية الطريق للتنمية وبعدها يختار
االقتصاد القومي طريقة تبعا السرتاتيجية التنمية االقتصادية واالجتامعية التي يأخذ بها هذا املجتمع
أوالً :ماهية النمو االقتصادي :إذا كانت التنمية االقتصادية تعني التغريات الجذرية املقصودة يف
االقتصاد القومي مبا يرتتب عليه تنمية القطاعات االقتصادية وتصحيح االختالالت الهيكلية بينها مبا
يؤدي إىل زيادة الدخل القومي ونصيب الفرد فيه ,فإن النمو االقتصادي " "Economic Growthيعني
التغري التلقايئ يف االقتصاد القومي ويف مؤرشاته مبا يعني أيضا ارتفاع الدخل القومي ونصيب الفرد منه,
ولكن الفارق الجوهري بني التنمية والنمو هو أن التغريات يف حالة التنمية تكون مقصودة من جانب
الحكومة واألفراد أما التغري يف حالة النمو االقتصادي فيحدث تلقائيا طبقا لقوى السوق ,أما يف حالة
التنمية فإن التغيري يحدث من خالل التخطيط االقتصادي الشامل وقيام الدولة بدور رئيس يف عملية
التنمية.
وهكذا ميكن أن يكون هناك منو اقتصادي دون أن تكون هناك تنمية حقيقية ,حيث إن النمو يعني
زيادة املؤرشات االقتصادية كالدخل القومي ,نصيب الفرد من الدخل ,التجارة الداخلية والخارجية ..
إلخ
21
دون أن تكون هناك تغيريات مقصودة يف البنيان االجتامعي والثقايف أي بنيان القيم والعادات والتقاليد
وحتى من الناحية اللغوية يتضح الفارق بني النمو والتنمية ,فالنمو هو مصدر للفعل الثاليث "منا" أي
كرب وزاد تلقائيا دون تدخل ,يف حني أن التنمية هي مصدر للفعل الرباعي "منى" أي كرب وهنا يتضح أن
ومام تقدم يتضح أن كال من النمو االقتصادي والتنمية االقتصادية يرتتب عليه زيادة الدخل القومي
ومتوسط نصيب الفرد منه ,إال أن مصطلح التنمية ينطوي عىل إحداث تغيريات هيكلية مقصودة يف
القطاعات االقتصاد القومي ,وهذا األمر ليس رضوريا يف حالة النمو االقتصادي ,كام أن التنمية
االقتصادية ترتبط بالدول النامية وبالتخطيط االقتصادي ,يف حني أن مفهوم النمو االقتصادي يرتبط
ثانياً :محددات النمو االقتصادي :وإذا كان هذا هو املقصود بالنمو االقتصادي ,فام هي أهم العوامل
-1حجم ونوعية املوارد البرشية :ميكن قياس النمو االقتصادي بواسطة تطور معدل الدخل الحقيقي
للفرد حيث:
20
الدخل القومي اإلجاميل الحقيقي
= متوسط الدخل الحقيق للفرد
عددد السكان
وهكذا فكلام كانت الزيادة يف الدخل القومي أكرب من الزيادة يف السكان ,كانت الزيادة يف متوسط
النمو يف معدل الدخل الحقيقي للفرد أكرب ,وهذا يتطلب أن يكون :النمو يف متوسط دخل الفرد
زيادة السكان .إن زيادة عدد السكان يؤدي إىل زيادة حجم القوة العاملة ,أي زيادة نسبة عدد السكان
القادرين عىل العمل والراغبني فيه إىل إجاميل عدد السكان ,أي أن:
عدد السكان
وليس العربة بنسبة القوة العاملة فقط ,وإمنا املهم هو كفاءة هذه القوة العاملة مام يتطلب رفع
مستوى تعليمهم ومستواهم الصحي والتدريبي ,واالهتامم مبستوى التنظيم واإلدارة ونوعية اآلالت
املستخدمة يف اإلنتاج.
22
-4حجم ونوعية املوارد الطبيعية:
يعتمد اإلنتاج وكذلك النمو االقتصادي يف اقتصاد ما ,عىل كمية ونوعية موارده الطبيعية ,مثل درجة
خصوبة الرتبة ووفرة املعادن ومصادر املياه ومساحة الغابات وغري ذلك.
ومن املعلوم أن كمية ونوعية املوارد الطبيعية للمجتمع ليست ثابتة فمن املمكن للمجتمع أن يكتشف
موارد جديدة أو يطور املوارد املوجودة ويحسن نوعيتها (كاآلالت واألرايض الزراعية مثال) وذلك مبزيد
-4الرتاكم الرأساميل :ونعني به االستثامر الجديد ,أي عدم استهالك جزء من إنتاج االقتصاد القومي
وتوجيهه لبناء طاقات إنتاجية .أي بناء مرشوعات البنية األساسية كالطرق والجسور والسدود
ومرشوعات الري والرصف ,وكذلك إقامة املصانع واملنشآت مبا تحتويه من آالت ومعدات وتجيهزات
فنية ,كل ذلك بهدف املساهمة يف النمو االقتصادي وزيادة الدخل القومي.
-3التقدم العلمي والتكنولوجي :هذا العامل يعترب من أهم العوامل التي تحدد حجم ومعدل النمو
االقتصادي ,فالرسعة يف تطوير وتطبيق املعرفة الفنية يؤدي إىل زيادة القدرات اإلنتاجية .ولعل
املخرتعات التي حدثت يف القرنني ( )19 ,15يف كل من إنجلرتا والواليات املتحدة وما صاحبها من منو
اقتصادي لخري دليل عىل ما نقول .كام أنه يف الوقت الحايل أصبح التقدم العلمي والتكنولوجي دور كبري
يف النمو االقتصادي ,وأصبحت الدول التي "تعرف" تحقق منوا اقتصاديا أكرب وأرسع من الدول التي
23
-1عوامل اجتامعية ومؤسسية :فالنمو االقتصادي يتطلب توافر مؤسسات مرصفية متطورة لتمويل
األنشطة االقتصادية ,كام يتطلب تعليام عرصيا قامئا عىل البحث والتطوير أكرث من مجرد التلقني ,كام
ثالثاً :مرحلة االنطالق وهي املرحلة التي يجتاز فيها املجتمع الفرتة الحرجة من حياته.
أوالً :مرحلة املجتمع التقليدي :ويتميز املجتمع يف هذه املرحلة بالركود واالستقرار وذلك بسبب نظامه
السيايس التقليدي املحافظ ونظامه االقتصادي الذي يقوم عىل أساليب بدائية إنتاجية غري متطورة
تعتمد أساسا عىل الطاقة البرشية ,ويف هذه املرحلة تقل االستثامرات بالنسبة للدخل القومي.
ثانياً :مرحلة التهيؤ لالنطالق :وتبدأ هذه املرحلة عادة مبجرد نجاح بعض الرواد الذين يخرجون عن
إطار الفكر التقليدي إىل الدعوة لألخذ ببعض التنظيامت الثورية ويقوم بعض األفراد باستخدام
األساليب العلمية الحديثة التي تساعد عىل خفض تكاليف اإلنتاج ,ويتغري النشاط اإلنتاجي وهيكل
الدولة التي تعمل عىل التخلص من األوضاع والنظم التقليدية ويتسع نطاق التجارة الخارجية
24
ثالثاً :مرحلة االنطالق :ويعترب هذه املرحلة من أدق وأصعب املراحل وأكرثها تعقيدا ,وترتفع فيها
معدالت التنمية وارتفاع نسبة االستثامر .ويف هذه املرحلة يكون الكيان السيايس واالجتامعي للدولة قد
منا .وتتصف هذه املرحلة بحدوث ثورات يف األساليب اإلنتاجية وتوسع رسيع يف التصنيع ,وحدوث
تغريات جذرية يف أساليب اإلنتاج الزراعي ويرتفع معدل االدخار واالستثامر إىل ما يزيد عن %11من
الدخل القومي.
رابعاً :مرحلة النضوج :ويف هذه املرحلة ينضج املجتمع فكرياً وفنياً وهي مرحلة طويلة نسبيا من النمو
املطرد .متيل فيها األجور إىل االرتفاع ,وتتعدل فيها ترشيعات الدولة ,وتزداد إعداد الفئات الفنية
والفكرية والثقافية ويتحقق منو رسيع ومتوازن لجميع القطاعات االقتصادية .وترتفع معدالت
خامساً :مرحلة االستهالك الوفري :بعد أن يصل املجتمع إىل مرحلة النضوج ,يبدأ يف أن يحدد لنفسه وزنا
خاصا به متأثرا بوضعه الجغرايف ومبوارده وبإمكانياته ومبركزه السيايس .وهذا يجعل تفكريه يتجه إىل
السعي لتحقيق مزيد من السلطان يف الخارج ,وزيادة الرفاهية االجتامعية يف الداخل مع إعادة توزيع
وىف رأى روستو فإن التطور االقتصادي ال ينتهي إىل نظام محدد معني كام يرى كارل ماركس وإمنا هناك
احتامالت مختلفة يف اتجاه هذا التطور ,ويؤخذ عىل نظرية املراحل لروستو أنها ال تعترب تفسريا حقيقيا
للتخلف فهي تصف املرحلتني اللتني يظهر فيها التخلف واملرحلة التي تبدأ عندها التنمية ولكنها ال
تفصح عن األسباب املؤدية إىل هذا التغيري وهذا االنتقال من حالة التخلف إىل حالة التقدم.
25
-1-كيفية قياس وتحليل النمو االقتصادى
أوالً :قياس النمو االقتصادى :يقتيض النمو اإلقتصادي الزيادة يف الناتج الحقيقي ويف متوسط دخل الفرد
وبالتايل فإن قياس هذا النمو يتم بقياس منو الناتج ومنو الدخل الفردي.
-1الناتج الوطني :هو مقياس لحصيلة النشاط اإلنتاجي ,وحساب معدل منوه هو مايصطلح عىل
تسميته معدل النمو ,وميكن حساب الناتج الوطني بحساب الناتج املحقق يف البلد وتقييمه بعملة ذلك
البلد ومن ثم مقارنته بنتائج الفرتة السابقة ومعرفة معدل النمو ,ومايعاب عىل هذه املعدالت أنها
كام أن لكل دولة عملتها الوطنية وبالتايل الميكن مقارنة النمو املحقق يف مختلف البلدان وفق
هذا املقياس ,ولذا تستخدم غالباً عملة دولية واحدة لتقييم الناتج الوطني ملختلف البلدان حتى يسهل
-4الدخل الفردي :تكمن أهمية قياس منو الدخل الفردي يف معرفة العالقة بني منو اإلنتاج وتطور
السكان -ويعترب هذا املقياس قياس عيني للنمو ,اي يقيس النمو املحقق عىل مستوى كل فرد من حيث
زيادة ماينفقه.
كام ميكن أيضاً قياس النمو من خالل قياس القدرة الرشائية لدوالر واحد يف بلدما مثالً ومقارنتها
بالقدرة الرشائية لنفس املقدار -أي دوالر واحد -ببقية الدول ومن ثم ترتيب الدول األكرث منواً وفق أكرب
26
ثانياً-أهمية تحليل النمو اإلقتصادي :نعني بأهمية النمو اإلقتصادي مايحققه النمو للفرد واملجتمع من
مزايا ومحاسن:
-1بالنسبة لألفراد :إن النمو اإلقتصادي يسمح بزيادة دخل الفرد الحقيقي وكذا زيادة اإلنتاج املادي
املوجه لتلبية الحاجات اإلنسانية املختلفة وبالتايل فإن النمو اإلقتصادي يرفع من القدرة الرشائية لألفراد
ويساعد يف القضاء عىل الفقر ومظاهر البؤس بني األفراد وتحسني الصحة العامة .كام يساعد النمو عىل
تخفيض عدد ساعات العمل لألفراد ويفتح لهم آفاق التحرض والرفاهية.
-4بالنسبة للدولة :إن الدولة هي الحامية العامة لألفراد و الساهرة عىل أى منهم وذلك من خالل
مختلف هيئاتها وهياكلها ,ومبأن النمو اإلقتصادي يؤدي إىل زيادة عائدات الدولة وبالتايل فإنه يسهل
لها مهاتها املختلفة ويدفها للبحث عن تقنيات جديدة يف مجال اإلنتاج والدفاع .كام أن النمو يؤدي
بالدولة إىل إعادة توزيع الدخل عىل األفراد وضامن بعض الخدمات اإلجتامعية كالصحة والتعليم,
باإلضافة أن تدقيق الدولة وبحثها يف مصادر النمو يجعلها تستطيع بناء إسرتاتيجية مستقبلية ملواصلة
27
-6-الفرق بني التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي
التقدم التلقايئ أو الطبيعي أو العفوي دون تدخل من قبل الفرد واملجتمع ,يف حني أن التنمية هي
العملية املقصودة التي تسعى إىل إحداث النمو بصورة رسيعة يف إطار خطط مدروسة وفرتات زمنية
معينة.
اى أن النمو اإلقتصادي يكون مزيداً من الناتج ,بينام تتضمن التنمية اإلقتصادبة زيادته و كذلك
تنويعه ,فضالً عن التغريات الهيكلية الفنية التي يتم بها اإلنتاج ,وإذا كان النمو ميكن أن يحدث عن
طريق مزيد من املدخالت التي تؤدي إىل مزيد من الناتج أو إدخال تحسينات عىل مستوى الكفاية
اإلنتاجية ,فإن التنمية اإلقتصادية تذهب إىل أبعد من ذلك حيث تضمن تغريات يف مكونات الناتج
فالتنمية إذن أوسع مضموناً من النمو حيث ميكن وصف التنمية عىل أنها منو مصحوب بتغريات
هيكلية وهذه التغريات يجب أن تشمل هيكل اإلقتصاد الوطني وتسعى لتنويع مصادر الدخل فيه .
ويرى بونيه " أن النمو اإلقتصادي ليس سوى عملية توسع إقتصادي تلقايئ ,تتم يف ظل تنظيامت
إجتامعية ثابتة و محددة ,وتقاس بحجم التغريات الكمية الحادثة ,يف حني أن التنمية اإلقتصادية تفرتض
تطويراً ف ّعاالً و واع ًيا ,أي إجراء تغريات يف التنظيامت اإلجتامعية للدولة".
28
اى ان النمو يراد به مجرد الزيادة يف الدخل الفردي الحقيقي ,أما التنمية فالراجع تعريفها بأنها تتحصل
يف الدخول يف مرحلة النمو اإلقتصادي الرسيع ,بعبارة أخرى تحقيق زيادة رسيعة ,تراكمية ودامئة ,يف
الدخل الفردي الحقيقي عرب فرتة ممتدة من الزمن ,ومبأن أي يشء ينمو البد أن يتغري فإن التنمية
التتحقق دون تغري جذري يف البنيان اإلقتصادي واإلجتامعي ومن هنا كانت عنارص التنمية هي التغري
فلو أخذنا اإلنسان كمثال ,فإن اإلنسان ينمو من مرحلة الطفولة إىل الشباب أي يزداد من حيث الوزن و
الطول وهذا معنى منوه ,أما التنمية فتعني التغري يف ترصفات الفرد نتيجة التجربة و الخربات املكتسبة.
سنحاول حرص مجموعة من العوامل املتشابهة بني عدد من الدول وتصنيفها يف نفس الصنف وذلك من
أجل معرفة مدى تقدم دولة ما مقارنة بالدول األخرى أو تأخرها عنها.
أوالً :التصنيف البسيط :من أهم أنواع التصنيف البسيط :تصنيف البنك الدويل و تصنيف األمم
املتحدة.
29
-1تصنيف البنك الدويل :تكمن بساطة هذا التصنيف يف إعتامد عىل معيار الدخل للفصل بني بلد
متخلف و آخر متقدم .بحيث إذا بلغ متوسط الدخل الحقيقي قيمة معينة نقول أن البلد متخلف و إذا
تعداها نقول أنه سار يف طريق التنمية و يقسم البنك الدويل إىل ثالث مجموعات :
-حيث أن الدول التي يكون دخل الفرد فيها أقل من 711دوالر و ذلك بأسعار 1994تعترب دول
منخفضة الدخل.
-بينام الدول التي يقل فيها دخل الفرد عن 7111دوالر ويزيد عن 711دوالر تعترب دوالً متوسطة
ويقسم البنك الدويل الدول متوسطة الدخل إىل مجموعة دول متوسطة الدخل األدىن بني (-711
)4111دوالر ومن بني هذه الدول نجد الجزائر ,مجموعة دول متوسطة الدخل األعىل ()7111-4111
دوالر .
-أما الدول التي يتجاوز دخل الفرد السنوي فيها 7111دوالر فتعترب دوالًًً متقدمة.
-4تصنيف األمم املتحدة :يعترب تصنيف األمم املتحدة كمحاولة لتفسري التنمية من الجانب اإلجتامعي
وذلك بدراسة مشاكل الصحة و التعليم ومستوى الدخل الحقيقي -وتحديد معيار يأخذ بعني اإلعتبار
31
املجموعة األوىل :هي املجموعة ذات التنمية البرشية العالية ,والتي يرتاوح مقياس التنمية بها بني (1.5
أما املجموعة الثانية :فهي مجموعة الدول ذات التنمية البرشية املتوسطة وهي التي يرتاوح مؤرش
املجموعة الثالثة :مجموعة الدول ذات التنمية البرشية املنخفضة وهي الدول التي يقل مقياس التنمية
فيها عن (.)1.11
ثانياً :التصنيف وفق خصائص عوامل اإلنتاج :إن التصنيف وفق هذا املدخل يقتيض دراسة الخصائص
-1العمل :ففي الدول النامية عادة يكون هناك فائض يف اليد العاملة غري املؤهلة وحاجة إىل اليد
العاملة املاهرة وهو الذي يؤدي إىل إنخفاض إنتاجية اليد العاملة بالدول النامية عكس الدول املتقدمة
.
-4التقدم التكنولوجي :إن تطبيق التكنولوجيا الحديثة يف مختلف القطاعات اإلقتصادية يقتيض من
الدول النامية إعطاء األهمية للتكوين و البحوث التطبيقية التي بواسطتها تستطيع الدول النامية
التحكم ولو تدريجياً يف التكنولوجيا و األساليب الفعاّلة للتنظيم وبالتايل رفع إنتاجية القطاعات
اإلقتصادية.
30
-4املوارد الطبيعية :إن إختالف الدول من مواردها الطبيعية والبيئة السائدة بها حيث أن وفرة املوارد
الطبيعية عامل رئييس من العوامل املساعدة عىل تحقيق النمو وخري مثال عىل ذلك التقدم الذي
حققته بريطانيا غداة اكتشاف مناجم الحديد والفحم ,وكذلك فإن الطقس املعتدل يساعد و يحفز عىل
العمل وبالتايل زيادة اإلنتاج و تحقيق فوائض إضافية ,إال أن هذه التحاليل التخلو من إستثناءات حيث
نجد أن معظم الدول النامية اليوم تحتوي عىل خريات باطنية كبرية و طقس معتدل إال أنها بقيت
تراوح مكانها ,وإنعدام الحافز فيها إىل التنمية وذلك مايربز لنا جلياً قصور تصنيف التنمية بهذا املنظور.
ثالثاً :التصنيف وفق خصائص النشاط اإلقتصادي :وفق هذه النظرة يتم تقسيم النشاط اإلقتصادي إىل
ثالث قطاعات ,القطاع االول ويضم ( الزراعة واملواد األولية ) ,وقطاع الصناعة وقطاع الخدمات ,حيث
أننا نجد يف معظم البلدان النامية حوايل من % 31إىل %60من الناتج الوطني بها يرجع إىل القطاع
األول ,أما القطاع الصناعي فيعترب مصدر لـ من %10إىل %20من الناتج .بينام يساهم قطاع الخدمات
مابني %20و , %40ونجد أيضاً أن جل اليد العاملة مشتغلة بالقطاع األول يف الدول النامية ,وبالتايل
فإنه حسب هذه النظرة فإن تغري مساهمة أو مكانه مختلف القطاعات يف الناتج الوطني تربز لنا مدى
رابعاً :التصنيف حسب اإلمكانيات البرشية والطبيعية املتاحة لكل بلد :وفق هذا التصنيف يتم أخذ بلد
معني كنوع لبقية الدول املشابهة له من حيث الرثوات الطبيعية املتاحة وكذلك من حيث الطاقات
البرشية ايضا .وتم تحديد النوع اإلفريقي والنوع األمرييك(أمريكا الالتينية) والنوع الرشق أسيوي.
-1النوع اإلفريقي :ممثال يف كينيا ,ومن مالمحها أنها دولة غنية باملوارد الطبيعية ونقص يف املوارد
32
-4نوع أمريكا الالتينية :ممثال يف املكسيك وهي غنية باملوارد الطبيعية والبرشية ويعتمد التصنيع فيها
-4النوع الرشق أسيوي للتنمية :ويتمثل يف التيوان التي تتميز بغنى املوارد البرشية وقلة املوارد
33
الفصل الثالث
نظريات التنمية االقتصادية والنمواالقتصادى
تعترب دراسة التطور التاريخي لألراء واألفكار االقتصادية يف مجال التنمية االقتصادية من األهمية
للتعرف عىل أوجه القصور يف هذه األفكار ومدى انطباقها عىل األحوال املعارصة.
وقد كان للفكر التجاري يف العصور الوسطى والذي تركز يف زيادة قوة الدولة ,والحصول عىل الرثوة
وترك الحرية الفردية واهتاممهم بالعمل وأهميته يف زيادة الناتج الكىل ,وكانت للمدرسة الكالسيكية
ونظرياتها يف التجارة الدولية يف إطار الحرية االقتصادية التي تعتمد عىل نظرية التكاليف املطلقة الدم
سميث والتكاليف النسبية لريكارد ونظرية الكسب يف التجارة الخارجية لجون ستيورات ميل
واهتامماتهم يف التخصص وتقسيم العمل ,كل هذه األفكار ساعدت عىل وضع األسس لنظرية النمو
االقتصادي يف املجتمع الرأساميل وقد كان لنقد وهجوم كارل ماركس عىل هذه النظريات وإبراز مساوئ
الرأساملية وإحالل االشرتاكية محلها دور هام يف صقل نظريات النمو االقتصادي وكانت كذلك نظرية
كينز يف عالج مشاكل البطالة والتوظيف دور هام يف اصالح الجهاز الرأساميل وعالج مساوئ هذا النظام.
وقد اهتمت دول كثرية بعد الحرب العاملية الثانية بالسياسة التي تتبعها لتنشيط التنمية االقتصادية,
وكانت السياسات التي يلزم اتباعها موضع دراسة من جانب العديد من رجال الفكر واالقتصاد فقام
بعضهم بوضع األسس لنظريات يف التنمية ونلخص فيام ييل أهم هذه النظريات.
34
-1-نظرية النمو عند الكالسيك
تتضمن نظرية النمو عند الكالسيك آراء كل من آدام سميث وديفيد ريكاردو املتعلقة بالنمو ,باإلضافة
إىل آراء التجاريني حول مصدر الرثوة من التجارة الخارجية ,ثم آراء كل من ستيوارت مل حول األسواق
و روبريت مالتوس حول السكان ,وميكن حرص عنارص النظرية الكالسيكية يف النمو يف ماييل:
أوالً :سياسة الحرية اإلقتصادية :نادى اإلقتصاديون الكالسيك برضورة الحرية الفردية و أهمية أن تكون
التجارة حرة مع سيادة املنافسة الكاملة و البعد عن أي تدخل للدولة يف الحياة اإلقتصادية و أن اليد
ثانياً :التكوين الرأساميل مفتاح التقدم :إعترب الكالسيك التكوين الرأساميل مفتاح التقدم اإلقتصادي
لذلك أكدو عىل رضورة تحقيق قدر كاف من املدخرات ,كام أن الرأسامليون و مالك األرايض هم
وحدهم القاردون عىل تحقيق ذلك اإلدخار عكس العامل الذين متيل أجورهم لإلستقرار عند مستوى
الكفاف ,وبالتايل فإن دخولهم املنخفضة المتكنهم من تحقيق نسبة مدخرات ذات أهمية تذكر .
ثالثاً :الربح هو الحافز عىل اإلستثامر :ميثل الربح الحافز الرئييس الذي يدفع الرأسامليني عىل إتخاذ قرار
اإلستثامر وكلام زاد معدل األرباح زاد معدل التكوين الرأساميل و اإلستثامر.
رابعاً :ميل األرباح للرتاجع :متيل األرباح للرتاجع مع التقدم نظراً لتزايد حدة املنافسة بني الرأسامليني
عىل الرتاكم الرأساميل ,ويفرس سميث ذلك بزيادة األجور التي تحدث بسبب حدة املنافسة بني
الرأسامليني ,بينام يرى ريكاردو أن إرتفاع األجور و الربح الذي يتحقق بسبب إرتفاع أسعار املحاصيل
35
خامساً :حالة السكون :اعتقد الكالسيك بحتمية الوصول إىل حالة اإلستقرار كنهاية لعملية الرتاكم
الرأساميل ذلك أنه ما إن تبدأ األرباح يف الرتاجع حتى تستمر إىل أن يصل معدل الربح إىل الصفر و
يتوقف الرتاكم الرأساميل ,ويستقر السكان و يصل معدل األجور إىل مستوى الكفاف و حسب آدم
سميث فإن ندرة املوارد الطبيعية توقف النمو اإلقتصادي و تقوده إىل حالة السكون .أما ريكاردو
ومالتوس فقد نظرا للنمو السكاين و تراجع النمو يف رأس املال من خالل قانون تناقص الغلة و الذي
عرب ميل عن نفس الفكرة عندما أثار أنه يف حالة غياب التحسينات الفنية يف الزراعة ,وارتفاع
وقد ّ
معدل السكان عن معدل الرتاكم الرأساميل ,فإن مستوى األرباح يبدأ يف الرتاجع و يصل اإلقتصاد إىل
حالة السكون ,و لكنه كان مرحباً بها عىل أساس أنها ستقود التحسينات يف توزيع الدخل و تحسني
ظروف العمل حتى يتم التحكم يف عدد العامل .يف نظر الكالسيك فإن النتيحة النهائية للتنمية هي
الركود " " Stagnationهذا الركود ينتج عن امليل الطبيعي ألرباح نحو الرتاجع و مايرتتب عىل ذلك
من قيود عىل الرتاكم الرأساميل ,وعندما يحدث هذا فسوف يتوقف التكوين الرأساميل ,و يستقر عدد
-1تجاهل الطبقة الوسطى" :تفرتض النظرية وجود تقسيم طبقي بني الرأسامليني ( مبا فيهم مالك
األرايض) ,والعامل وتتجاهل بالتايل دور الطبقة الوسطى التي تقدم إسهامات أساسية يف عملية النمو
اإلقتصادي.
36
-4إهامل القطاع العام.
-4اعطاء أهمية أقل للتكنولوجيا ,ويرجع ذلك إىل اإلفرتاض الكالسييك بأن املعارف الفنية من املعطيات
-3القوانني غري الحقيقية :تقوم النظرة التشاؤمية لإلقتصاديني الكالسيك أمثال ريكاردو و مالتوس عىل
-1خطأ النظرة لألجور و األرباح :يف الواقع مل يحدث أن آلت األجور نحو مستوى الكفاف كام أن الدول
-6عدم واقعية مفهوم عملية النمو حيث إفرتضت النظرية الكالسيكية حالة من السكون مع وجود تغري
يدور حول نقطة التوازن الساكنة ,أي أن الكالسيك إفرتضو حدوث بعض النمو يف شكل ثابت و مستمر
كام يف حالة منو األشجار ,والواقع أن هذا التفسري اليعد تفسرياً مقنعاً لعملية النمو اإلقتصادي كام هو
عليه اليوم.
37
أوالً :مفهوم فائض القيمة :حيث يع ّرف ماركس فائض القيمة الحقيقية وفائض القيمة الكامن ,ويقصد
بفائض القيمة الحقيقي زيادة اإلنتاج عن حاجة اإلستهالك أي ماهو مخصص لإلستثامر .أما فائض
القيمة الكامن فهو ذلك الفائض الناتج ملا يكون النظام اإلقتصادي يف أسمى عطائه.
ثانياً :التطور نحو الرأساملية اإلحتكارية :يرى ماركس أن التسيري املركزي لإلقتصاد بغية تحقيق املنفعة
العامة سوف يؤدي بكل مؤسسة للبحث عن فائدتها الخاصة أي الطريقة التي متكنها من تحقيق فائض
القيمة الكامن لها وذلك يعني اإلستعامل األمثل ملواردها الطبيعية والقوة العاملة.
وحتى تحقق املؤسسات أكرب فائض قيمة ممكن فإنها تسعى إىل تخطي املنافسة والوصول إىل اإلنتاج
املوسع بهدف خفض تكاليف اإلنتاج ويؤدي ذلك إىل تركز اإلنتاج يف أيدي قلة من الرأسامليني وبالتايل
التستطيع املؤسسات الصغرية الصمود يف وجه املنافسة وينجم عن هذا زيادة الفائض املحقق من طرف
ثالثاً :السري نحو رأساملية الدولة :كام يرى ماركس أنه بعد هذه املرحلة يجب أن تتضمن الدولة هذا
الفائض اإلقتصادي ,حيث تنبأ ماركس أنه بعد املرحلة التنافسية فإن النظام اإلقتصادي الرأساميل يقتيض
تدخل الدولة.
والدولة بفضل نفقاتها العامة تساعد عىل فتح مناصب عمل جديدة وتساعد الرأسامليني من جهة أخرى
بواسطة اإلنفاقات العسكرية وماتتيحه من مستعمرات تعترب فرصة مواتية إلستثامر الفائض املحقق من
طرف الرأسامليني ,وحتى يحقق الرأسامليني أعىل فائض ممكن فإنهم يستخدمون البطالة كسالح من
أجل رفع الغنب عنهم وهو مايؤدي باملجتمع إىل الدخول يف مرحلة جديدة من مراحل التطور.
ويقصد كارل ماركس بالتطور ,الرقي الذي يشمل يف طياته التطور والنمو اإلقتصادي.
38
وقد أعيب عىل ماركس إهامله للطلب ودوره يف تحديد القيمة وإقتصاره فقط عىل العمل كمحدد
للقيمة .كام أن واقع الدول الرأساملية اليوم ينايف ماذهب إليه ماركس من أن أجور العامل سوف تتجه
إىل اإلنخفاض ,فنجد أجور العامل تتزايد يف الدول املتقدمة وذلك مل يؤثر عىل الفائض املحقق بها.
باإلضافة إىل تنبأ ماركس بزوال الرأساملية عن طريق الثورة العاملية وحلول اإلشرتاكية محلها كان تنبؤًا
عكسياً.
-4-نظرية شومبيرت
رغم اعتقاد شومبيرت بأن للنظام الرأساميل أخطاؤه وعيوبه إال أنه يرى أن عملية النمو ممكنة طاملا أنها
تقوم يف ظل الرأساملية املتطورة .وتقوم نظريته يف التنمية عىل مبدأ االبتكار والتجديد الذي يعتمد
عىل التكنولوجيا الحديثة يف النشاط االقتصادي مبا يؤدي إىل التنمية وزيادة الدخل القومي يف البالد,
هذا فضال عن أهمية املنظم الذي تقوم عىل أكتافه عملية النمو.
وتجمع نظرية شوميرت بني اإلطار العام الذى نسجه االقتصاديون الكالسيكيون الجدد وبني التحليل
ويرى شوميرت أن النمو االقتصادي عملية دائبه رسيعة مفاجئة تظهر يف زمن معني ثم تخمد يف زمن آخر
ويهتم شوميرت بالتغريات االجتامعية والثقافية التي تطرأ عىل املجتمع وهو نفس االتجاه الذي سار فيه
كارل ماركس.
وذكر أن النمو االقتصادى يحتاج إحداث تغريات يف البيئة االجتامعية والثقافية تسري جنبا إىل جنب مع
مقتضيات النمو ويقصد بتلك التغريات خلق املناخ االجتامعي والسيايس والسيكولوجي والثقايف املالئم
لتحقيق النمو.
39
-3-النظرية الكنزية للنمو
يرى كينز أن الدخل الكيل دالة يف مستوى التشغيل و بالتايل فإنه كلام زاد حجم التشغيل زاد الدخل
الكيل ,كام يتوقف حجم التشغيل عىل الطلب الفعيل والذي يتحقق عند تساوي الطلب الكيل والعرض
الكيل ,ويتكون الطلب الفعيل من الطلب عىل اإلستهالك والطلب عىل اإلستثامر ,أي أن الفجوة مابني
يعتمد الدخل و التشغيل أساساً عىل مستوى اإلستثامر و الذي يتوقف عىل الكفاية الحدية لرأس املال
و سعر الفائدة ,وتعني الكفاية الحدية لرأس املال العائد املتوقع من األصول الرأساملية الجديدة,
وتسمى العالقة بني الزيادة يف اإلستثامر و الدخل باملضاعف الكينزي و تعطي بالصيغة التالية :
وبالتايل فإنه من أجل تحقيق زيادات كبرية يف الدخل و التشغيل البد من ضخ دفعات أكرب من
اإلستثامرات.
ولقد حرص كينز الرشوط الظرورية للنمو اإلقتصادي يف :القدرة عىل التحكم يف السكان ,التصميم عىل
ومنه يتضح أن كينز مل يقدم منوذجاً منتضامً للتنمية اإلقتصادية و ترك مهمة ذلك ملن أطلق عليهم
الالحقون من أمثال هارود دومار ,جون روبنسون وغريهم كام مل تتعرض النظرية الكينزية لتحليل
مشاكل الدول النامية بل إنصب إهتاممها عىل اإلقتصاديات الرأساملية املتقدمة .
41
-1-نظرية روز نشتني رودان
نتيجة ملا ظهر من مظاهر الدورات االقتصادية وتعاقب فرتات الرخاء والكساء خاصة بعد الحرب
العاملية الثانية ظهرت آراء تنادى بتدخل الحكومة يف الشئون االقتصادية لتحقيق التنمية االقتصادية.
وتبلورت هذه اآلراء يف نظريات حديثة تؤيد هذا التدخل وتعترب نظرية الدفعة القومية من أوىل
النظريات يف هذا املجال وترى النظرية أن القيام بدفعة قوية Big Pushمن االستثامر ميكن من
التغلب عىل الركود االقتصادي وتحقق قدرا أعىل من األنتاج والدخل وعندئذ ينترش أثر التنمية عىل
املجتمع كله ,ويشري زوزنشتني إىل أن هناك حد أدىن من املوارد يجب تخصيصه للتنمية االقتصادية حتى
ويرى روزنشتني أن النموذج السوفيتي يف التنمية والذى يعتمد عىل سياسة االكتفاء الذايت منوذج غري
مثايل ملا له من صفات بطء النمو االقتصادي والخلل الذي ينتابه خاصة من ناحية نقص حجم التجارة
الخارجية والنفقات الباهظة املرتبطة بالتنمية الذاتية .ويف رأيه أن النموذج املالئم للتنمية فـي الدول
النامية هو الذى يعتمد عىل توافر رؤوس أموال كبرية قد تقرتض من الخارج حتى ال يتحمل االقتصاد
القومي تبعات التمويل .ويجب أن يتضمن هذا النموذج نرش الصناعات الخفيفة التى تستعمل عدد
كبري من العامل والبعد بقدر اإلمكان عن الصناعات الثقيلة ونفقاتها الباهظة .واالهتامم ببناء قاعدة
صناعية ومرشوعات عامة يف شكل طرق وكبارى وسكك حديد ومحطات كهرباء ومصادر للطاقة
املحركة .وهذه كلها ينتج عنها دفعة واحدة تنقل املجتمع إىل مرحلة االنطالق الفعيل.
40
-6-نظرية نريكسه
وتتبلور هذه النظرية حول فكرة النمو املتوازن وأهميته للتنمية ,ويرى أن تكوين كمية من رأس املال
وتوزيعها عىل عدد من الصناعات املختلفة يضمن حالة من النمو املتوازن يف هذه الصناعات ويدلل
عىل رأيه بأن اإلنتاجية املنخفضة يؤدي إىل دخل منخفض وهي ترجع إىل نقص رأس املال الذي يؤدي
بدوره إىل نقص اإلنتاج وانخفاض االستهالك واملدخرات ,وهذا بالتايل يؤدي إىل نقص االستثامر وهكذا
فالفقر يؤدي إىل مزيد من الفقر ,ويرى نريكسه أن يكون تكوين رأس املال عىل نطاق كبري يؤدي إىل
اتساع نطاق السوق ويزيد بالتايل الطلب عىل منتجات هذه الصناعات ,ولذلك ينادى بإنشاء عدد من
الوحدات اإلنتاجية املتكاملة يف وقت واحد ألن كل وحده فيها تخلق طلب عىل منتجات الوحدة
يرى سنجر أن الدولة املختلفة هي التي يعمل فيها أكرث من %71من أفرادها يف االستغالل الزراعي يف
حني أن هذه النسبة يف الدول املتقدمة ال تزيد عن ,%11ويتفق مع أرثر لويس من حيث أن الهدف
من عملية التنمية زيادة نسبة االدخار من %1من الدخل القومي إىل حوايل %11وهي النسبة
لهذا ينادى سنجر بالعمل عىل تخفيض نسبة العامل يف الزراعة كوسيلة لرفع انتاجية العاملة حيث تبلع
42
ويشري سنجر إىل أن االستثامر يف الصناعة أفضل عندما تكون البالد مكتظة بالسكان ,بينام تفضل
الزراعة إذا كانت رقعة األرض الصالحة للزراعة كبرية وباختصار يرى سنجر أن التنمية تستهدف تركيز
املواد املتاحة املحدودة يف االستثامرات التي تزيد من مرونة وقدره االقتصاد القومي عىل النمو ,وذلك
ويقال عنها نظرية النمو الغري متوازن عىل عكس نظرية التوازن.
ففي رأيه أن اسرتاتيجية التنمية التي تقوم عىل االختالل املتعمد أو النمو الغري متوازن هي أفضل
طريق لتحقيق التنمية االقتصادية .وال يعارض هريشامن نظرية الدفعة الكبرية ولكنه يبني أن القدرة
عىل االستثامر هي إحدى العوائق األساسية التي تواجه الدول املتخلفة ويوىص بدفعه كبرية يف عدد من
الصناعات االسرتاتيجية.
ويستدل عىل ذلك بأن تاريخ الدول املتقدمة يشري إىل أن التنمية مل تكن متوازنة يف جميع القطاعات
األخرى ,فقد بدأت التنمية يف بعض األنشطة التي سحبت ورائها أنشطة أخرى.
أما نظرية النمو املتوازن يف رأيه فإنها ال تصلح للدول املتخلفة ولكنها تصلح للدول املتقدمة حيث تعترب
وسيلة لعالج مشكالت مثل البطالة ففي الدول املتقدمة تتوافر الصناعات واملعدات الرأساملية
واملنظمني واألمناط االستهالكية وتنحرص املشكلة يف زيادة العامل واستعامل الطاقات املعطلة ,وهي
43
اإلنتقادات املوجهة للنظرية:
44
الباب الثاين
التنمية االقتصادية والتخلف والتمويل والتنمية املستدامة
45
الفصل األول
التنمية االقتصادية والتخلف والسياسات االقتصادية
التنمية االقتصادية هي إجراءات تتخذ عن قصد من شأنها زيادة الدخل القومي الحقيقي خالل فرتة
زمنية معينة مبعدل أكرب من زيادة منو السكان ,حيث أن واقع الدول النامية يوضح مبا اليدع مجاالً
للشك أنها تحتاج إىل منو إقتصادي يخرجها من الوضعية املزرية التي تعيشها .
فلقضية التنمية االقتصادية بعداً مجتمعياً عيل مستوي العامل املتقدم أو النامي حيث تعد هدفاً تسعى
إليه جميع الدول من خالل العمل عيل االحتفاظ مبعدل مناسب من التنمية حتي يتحقق للمجتمع عيل
املدى البعيد التوظف الكامل دون حدوث تضخم أو انكامش أما الدول النامية فان الهدف من التنمية
هو زيادة معدالت النمو يف الدخل القومي الحقيقي ...أي الحد من البطالة واالرتقاء باملواطن وتحقيق
آماله يف حياة كرمية وفقاً للمعايري الصحية والتعليمية واالجتامعية وكل ما يجعل منه إنساناً صالحاً
أن التنمية أحد الغايات النبيلة لبناء عامل أفضل يقيض عيل املعاناة اإلنسانية وهي بهذا البد أن تكون
تغيرياًًُ حضاريا يتناول أبنيه املجتمع كافة بالقدر الذى يعالج أسباب الفقر والتخلف ,ويضمن حق
املحتاجني يف املوارد املتاحة يف املجتمع وتوفري الضامنات االجتامعية لهم وتقديم الرعاية الصحية حال
مرضهم ......إلخ
كام إن أبرز ما تنطوي عليه عملية التنمية هي إحداث تغيري جذرى يف املجتمع يقيض به عيل مسببات
التخلف وأن أحداث هذا التغري يف هيكل املجتمع عيل كافة مستوياته االقتصادية واالجتامعية يعد
46
وسوف نتطرق يف هذا الفصل إىل خصائص التنمية االقتصادية ىف البالد النامية ,ومااملقصود بالتخلف
االقتصادى وأسبابه.
تسمى البالد التي يعيش سكانها يف مستوى معيش منخفضة بالبالد املتخلفة ,وبعد أن بدأت الكثري من
هذه البالد يف الحصول عىل استقاللها وبدأت يف السري قدما نحو النمو أطلق عليها البالد النامية .وتتميز
البالد النامية بعدة خصائص وإذا وجدت هذه الخصائص يف بلد أطلق عليه بلد نامي وأهم خصائص
أوالً :متخصصة يف إنتاج املواد األولية :فعادة ما يتوفر يف هذه البالد العاملة والرثوة الطبيعية.
والقطاعات املنتجة للمواد األولية هي الزراعة والتعدين ولذلك ترتفع نسبة العاملة الزراعية والعاملة
يف قطاعات التعدين بهذه الدول .وبالتايل تسود هذه القطاعات عىل اقتصاديات هذه الدول ,وتنخفض
بالتايل نسبة مساهمة الصناعة والتجارة بها يف الدخل القومي ونسبة املشتغلني بالصناعة والتجارة منها.
ثانياً :ارتفاع معدالت النمو السكاين :ترتفع معدالت املواليد يف الدول النامية مام يرتتب عليه زيادة
معدل منو السكان بدرجة كبرية تفوق الزيادة يف معدل منو املوارد االقتصادية مام يرتتب عليه ارتفاع
47
ثالثاً :انخفاض كفاءة استغالل املوارد الطبيعية ,يالحظ يف البالد النامية أنها ال تشكو من قلة املوارد
بقدر ما تشكو من ضعف استغالل هذه املوارد .فهذه البالد وإن كانت تعتمد عىل الزراعة فإن لديها
مساحات من األرايض املمكن زراعتها ولكنها غري مستغلة ,مثال ذلك األرايض الزراعية يف السودان
والهند .كام قد تتوافر يف هذه الدول املعادن الغري مستغلة ومصادر الطاقة قد تكون غري مستغلة
كذلك.
رابعاً :ندرة رأس املال :وذلك نتيجة لضعف املدخرات الناجب عن الفقر وسوء توزيع الدخل بني
السكان وزيادة امليل لالستهالك .وعادة ما تستغل رؤوس األموال يف هذه الدول يف رشاء األرايض
خامساً :اعتامد اقتصاديات الدول النامية عىل تجارتها الخارجية :حيث يعتمد االقتصاد عىل إنتاج عدد
قليل من املواد الخام التي تصدر بأكملها للحصول عىل النقد األجنبي الالزم لحصول الدولة عىل
احتياجاتها الغذائية من الدول األجنبية واحتياجاتها من املعدات الالزمة للتنمية .وحتى االستثامرات
سادساً :نقص القدرة التنظيمية والفنية :وذلك لنقص التدريب وعدم وجود الحافز االقتصادي وضيق
سابعاً :انخفاض املستوى الصحي والتعليمي :ترتفع نسبة األمية يف الدول النامية فتصل يف بعض الدول
إىل %91ونتيجة لذلك والنخفاض املستوى املعييش ومستويات الدخل فإن املستوى الصحي أيضا
48
ثامناً :سوء توزيع الرثوة عىل طبقات املجتمع :حيث تتكون مجتمعات الدول النامية عادة من طبقتني
األوىل هي طبقة األغنياء التي متتلك عادة مساحات شاسعة من األرايض الزراعية والطبقة الثانية هي
تاسعاً :تأخر املرأة وارتفاع نسبة تشغيل األطفال :وذلك نتيجة تفىش األمية وانخفاض مستوى الدخل.
يشري لفظ "الدول املتخلفة أو النامية" بصفة عامة إىل دول أو مناطق يجمع فيام بينها خصائص أو
صفات معينة ويطلق عليها أحيانا تعبري العامل الثالث .والبالد املتخلفة هي البالد التي ينخفض مستوى
ويعرتض بعض االقتصاديني عىل هذا التعريف ألنه ال يشري إىل الوسائل اإلنتاجية واملوارد املتاحة
فالتخلف مبفهومه االقتصادي ال يعني بالرضورة فقر املجتمع من حيث املوارد االقتصادية يقدر ما يعني
افتقار املجتمع إىل الوسائل التي ميكن بواسطتها استغالل هذه املوارد بطريقة أكرث فاعلية وبالشكل
ويجب اإلشارة إىل أن وصف الدول بالتخلف االقتصادي ال يعني بالرضورة أن الدول تقف جميعا عىل
درجة واحدة من حيث مستوى التقدم أو التخلف فهناك فروق اقتصادية واجتامعية وثقافية وسياسية
واضحة بني هذه الدول بل قد تشرتك بعضها يف بعض الخصائص مع الدول املتقدمة.
أوالً :األسباب الجغرافية للتخلف :يرى بعض االقتصاديني أن بخل الطبيعة يعترب سببا رئيسيا لظهور
التخلف االقتصادي
49
ويتمثل بخل الطبيعة يف سوء الظروف الجوية وضعف الرتبة وندرة املوارد الطبيعية الصالحة
لالستغالل .ويدللون عىل صحة هذه النظرية يف أن معظم الدول املتخلفة اقتصاديا تقع يف املناطق
الحارة بينام معظم الدول املتقدمة تقع يف املناطق املعتدلة .إال أنه يعيب هذه النظرية وجود بعض
الدول املتخلفة مثل كوريا وشيىك يف املناطق املعتدلة كام أن اإلنتاج الصناعي ال يرتبط وجوده باملناخ.
ثانياً :األسباب االجتامعية :يرى فريق من االقتصاديني أن ظاهرة التخلف التي تعاين منها بعض الدول
تنشأ نتيجة لفعل مجموعة من العوامل يطلق عليها عوامل األزدواج االجتامعي بني النظم والقيم
االجتامعية املحلية وتلك املستوردة من الخارج األمر الذي يرتتب عليه حدوث حالة من التفكك
االجتامعي والذى يشكل يف حد ذاته عائقا للتقدم ,ويرى بعض االقتصاديني أن ظاهرة االزدواج
وتقوم يف هذه املجتمع بعض املجموعات التي تأخذ عىل عاتقها إنشاء بعض الصناعات مستخدمة املواد
الخام املتاحة واملعدات الحديثة الرأساملية وأساليب اإلدارة – الفنية ,ويرتتب عيل ذلك وجود قطاعيني
أحدهام متخلف يتبع أساليب اإلنتاج القدمية واآلخر متقدم يتبع أساليب اإلنتاج الحديثة .ويستغل
القطاع األول يف امتصاص العاملة والخامات منه ويبيع له إنتاجه املرتفع الثمن .وبذلك يزداد القطاع
املتخلف فقرا .األمر الذي يرتتب عليه ازدياد الخلل يف التوازن االقتصادي بني القطاعات املختلفة للدولة
الواحدة.
51
ثالثاً :العوامل السياسية :يرى بعض الكتاب أن االستعامر لعب دورا كبريا يف تخلف الدول ,فاالستعامر
يعمل عىل تنمية القطاعات التي ينتج املواد الخام األولية الالزمة لصناعاته ,وبالتايل تصبح معدالت
التبادل التجاري يف غري صالح الدول املتخلفة عىل املدى الطويل حيث تحصل عىل الخامات بأسعار
زهيدة تبيع إنتاجها الصناعي والزراعي لهذه الدول بأمثان مرتفعة .فالدول املتخلفة تخرس كمستهلك
للسلع الصناعية وكمنتجه للمواد األولية ,كام أن ربط اقتصاديات الدول املستعمرة باقتصاديات الدول
التي تستعمرها يعترب عامال رئيسيا يف تخلف هذه الدول .ولذلك يرى بعض الكتاب أن االستعامر
والتجارة الخارجية مسئوولني عن التخلف االقتصادي وأن االستقالل يعترب رضورة من رضوريات القضاء
تتمثل السياسة االقتصادية يف قيام الدولة بخطوات وإجراءات ترمى إىل تحقيق أهداف اقتصادية
محددة األهداف ,وتسعى الدول من خالل السياسات االقتصادية إىل تحقيق مجموعة من األهداف
االقتصادية تتمثل يف إشباع حاجات أفراد املجتمع من مختلف السلع وبصفة خاصة تلك السلع التي
يطلق عليها السلع العامة ,وتحقيق النمو االقتصادي وزيادة فرص التوظف يف املجتمع حتى ميكن عالج
مشكلة البطالة أيضا العمل عىل تحقيق استقرار نسبي يف املستوى العام لألسعار حتى ميكن الحفاظ
عىل مستوى معيشة أفراد املجتمع ,وبجانب ما سبق من أهداف تسعى الحكومات إىل تحسني وضع
ميزان املدفوعات من خالل زيادة الصادرات والعمل عىل تخفيض حجم الواردات.
50
أوالً :مفهوم السياسة االقتصادية :تعرف السياسة االقتصادية عىل أنها " :ترصف عام للسلطات
العمومية ,واع ,منسجم ,وهادف ,يتم القيام به يف املجال االقتصادي ,أي يتعلق باإلنتاج ,التبادل,
وتعرف كذلك بأنها" :مجموعة القرارات التي تتخذها السلطات العمومية بهدف توجيه النشاط يف
تحليل االرتباطات بني األهداف وذلك بوضع منوذج اقتصادي يوضح العالقات بني األهداف.
اختيار الوسائل التي تنفذ بها السياسة االقتصادية من وسائل نقدية ,الرصف ,الجباية..إلخ.
-1سياسة الضبط التي تسعى للمحافظة عىل التوازنات الكلية الكربى لالقتصاد.
-4سياسة إعادة هيكلة الجهاز الصناعي التي ترمي إىل تكثيف الجهاز الصناعي مع
52
-3سياسة االنكامش التي تهدف إىل التقليص من ارتفاع مستوى األسعار وتؤدي إىل تقليص النشاط
االقتصادي.
املستوى األول :أهداف اقتصادية؛ إذ تتعلق بتحقيق الرفاهية االقتصادية ,وهي عادة أربعة أهداف
-1منو اقتصادي مستمر :ويقاس النمو انطالقا من التغري الذي يحصل يف الناتج املحيل الخام ,وهو
-4مستوى مرتفع للتشغيل :ويقصد بالتشغيل هنا عموما التوظيف الكامل لعوامل اإلنتاج والتي أساسها
-4استقرار يف مستوى األسعار :وذلك من خالل التحكم يف التضخم الذي يعترب معرقال للسياسة
-3توازي اقتصادي مع الخارج :وهو توازن ميزان املدفوعات الذي يعرب عن مركز الدولة عامليا,
املستوى الثالث :شبه أهداف ,وتتعلق أساسا بنفقات تقوم بها الدولة بخصوص الدفاع الوطني ,التعليم
والصحة ...إلخ.
53
-3-السياسة املالية والتنمية االقتصادية
تعد السياسة املالية من أهم السياسات التي تعتمد عليها الحكومة يف تحقيق التوازن والنمو االقتصادي
بأنها استخدام الحكومة للرضائب واإلنفاق العام واملوازنة العامة للدولة من أجل تحقيق االستقرار
االقتصادي أي أن السياسة املالية تتمثل يف األمور املالية للدولة والهادفة إىل تحقيق التوازن يف املوازنة
وزيادة اإلنتاج ومنع حدوث التضخم والكساد ,وميكن القول بأن الهدف األسايس للسياسة املالية هو
تحقيق االستقرار االقتصادي من خالل محاربة التضخم والكساد والسعي من خالل ذلك لتحقيق
التنمية االقتصادية.
ويف نظره رسيعة نعرض هنا السياسة املالية يف كل من الفكر الكالسييك والفكر الكينزي.
-1السياسة املالية يف الفكر الكالسييك :كان االقتصاديون الكالسيك يؤمنون بأن السياسة النقدية
السليمة أكرث فعالية من السياسة املالية حيث أنها من الصعب أن تحقق االستقرار االقتصادي أو أن
تقوم بعالج مشكلة البطالة أي يف حدود ضيقة .وبالتايل من املمكن خلق مزيد من فرص العمل
واملساهمة يف عالج مشكلة البطالة عن طريق إحداث زيادة يف حجم اإلنفاق الحكومي والتي ميكن
54
املصدر األول :قيام الحكومة بفرض رضائب جديدة أو برفع نسبة الرضائب الحالية ويف هذه الحالة من
الصعب أن يزداد حجم اإلنفاق القومي ,ألن الزيادة التي ستحدث يف اإلنفاق الحكومي سيقابلها بنفس
املصدر الثاين :قيام الحكومة بإصدار قرض عام جديد ويف هذه الحالة سيحدث ارتفاع يف سعر الفائدة
وما يرتتب عليه من حدوث نقص يف اإلنفاق االستثامري الخاص بنفس الذي سيزيد به اإلنفاق
الحكومي وبالتايل من الصعب أن يزداد حجم اإلنفاق القومي ألن نقص االستثامر يعني نقص اإلنتاج
والدخل.
املصدر الثالث :من املكن أن يزداد الطلب الكيل من خالل استحداث تضخم نقدي.
-4السياسة املالية يف الفكر االقتصادي الكينزي ,فكان كينز يرى أن السياسة املالية تكون أكرث فعالية من
السياسة النقدية وبالتايل من املمكن االعتامد عىل أدوات السياسة املالية يف عالج ما يواجه املجتمع من
ويرتكز التحليل الكينزي يف استخدام أدوات السياسة املالية عىل شكلني أساسيني:
الشكل األول :يف ظل وجود حالة من (االنكامش) يف النشاط االقتصادي ميكن عالج لهذه الحالة بثالث
طرق:
-تقوم الحكومة بزيادة حجم اإلنفاق الحكومي ما يعني زيادة االستثامر واإلنتاج والدخل.
-تقوم الحكومة بتخفيض الرضائب مام يعني زيادة الحافز عىل االستثامر واإلنتاج.
الشكل الثاين :يف ظل وجود حالة من (التضخم) يف النشاط االقتصادي ميكن عالج لهذه الحالة بثالث
55
-تقوم الحكومة بتخفيض حجم اإلنفاق الحكومي وما يتبع ذلك من نقص االستثامر.
-تقوم الحكومة بزيادة الرضائب وما يتبع ذلك من نقص للحافز عىل االستثامر.
ويستند كينز عىل مضاعف االستثامر يف تحقيق االستقرار االقتصادي بصورة رسيعة حيث أن زيادة
االستثامر مببلغ معني ويف ظل امليل الحدى االستهاليك يف املجتمع تحدث زيادة مضاعفة يف الدخل
القومي.
من خالل أدوات السياسة املالية ميكن التأثري عىل حجم االستثامر القومي وما لذلك من آثار عىل
التنمية االقتصادية.
ينقسم اإلنفاق العام (الحكومي) إىل إنفاق استهاليك وإنفاق استثامري ,وكمثال لإلنفاق االستهاليك
الدعم الذي تقدمة الدولة لألفراد ,ويؤدي هذا الدعم بدوره إىل مزيد من اإلنفاق االستهاليك وبالتايل
زيادة الحافز لدى املستثمرين عىل زيادة اإلنتاج (العرض) ملقابلة الزيادة يف الطلب نتيجة الدعم.
أيضا عندما تزيد الحكومة اإلنفاق االستثامري وتزيد من عدد مرشوعاتها مام يعني زيادة فرص العمل
56
-4أثر السياسة الرضيبية عىل التنمية االقتصادية:
من املعروف أن الحكومة ميكنها أن تؤثر من خالل السياسة الرضيبية عىل حجم االستثامر وبالتايل عىل
التنمية االقتصادية ,فإذا أرادت الحكومة أن تزيد من الحافز عىل االستثامر داخل املجتمع فعليها أن
تقوم بتخفيض معدالت الرضائب أو بتقديم بعض اإلعفاءات الرضيبية املحفزة عىل االستثامر ,وعند
زيادة االستثامر نتيجة الستخدام أدوات السياسة املالية يتغري موقع الطلب عىل االستثامر فينتقل إىل
يتبني من الرسم أنه عند انخفاض سعر الفائدة من %5 :%11يتزايد حجم االستثامر من 151 : 111
مليون جنيه ,ومع ثبات سعر الفائدة واستخدام املزيد من األساليب اإلنتاجية الحديثة وزيادة توقعات
رجال األعامل باألرباح وزيادة الحوافز املوجهة لالستثامر وزيادة السكان ومستويات الدخول ,يتزايد
57
الفصل الثاين
التنمية االقتصادية والتمويل
ليس هناك من شك يف أن ندرة رأس املال أو قصور رأس املال وانخفاض معدل التكوين الرأساميل تعد
من أهم مظاهر التخلف االقتصادي باإلضافة إىل كونها تتسبب يف إبطاء عملية التنمية لتلك الدول
املتخلفة والواقع أن الندرة النسبية لرأس املال تتخذ مظاهر مختلفة من دولة ألخرى بل ومن قطاع
هذا عالوة عىل أن الدول النامية تكون غالباً أقل استعداداً لإلفادة الكاملة من انتاجية األرض الزراعية
نظراً لنقص املصادر الرأساملية الالزمة لرفع اإلنتاجية الحدية وعدم توافر الخربة الفنية .وحتى يف الدول
النامية التي ترتكز فيها رؤوس األموال يف قطاع الزراعة فإنها تكون قليلة إذا ما قورنت برؤوس األموال
املستثمرة يف الزراعة يف الدول املتخلفة وذلك لتخلف وبدائية وسائل وأساليب اإلنتاج الزراعي
وتختلف مشكلة التكوين الرأسامىل اليوم – يف ظروف التخلف – عن تلك التى واجهتها الدول
الرأساملية خالل القرن التاسع عرش من حيث اختالف الظروف التكنولوجية واختالف مفهوم دور
الدولة يف االمناء فدولة اليوم تلتزم بالقيام مبرشوعات البنية األساسية للمجتمع – بناء الطرق,
مرشوعات الرى والرصف ,مرافق القوى الكهربائية ,مد شبكات السكك الحديدية ...,وغريها من أنواع
االستثامر – حيث تفتقر الدول املتخلفة أصالً إىل مثل هذه املرافق ,وعىل ذلك فإن العبء الواقع عىل
حكومات تلك الدول من حيث توفري رؤوس األموال الالزمة ملثل تلك املرشوعات يصبح أكرب نسبياً مام
58
.كام أن املرشوعات الصناعية الحديثة ذات التكنولوجيا املتقدمة أصبحت تحتاج إىل رؤوس أموال
ضخمة سواء إلنشاء تلك املرشوعات أو لتشغيلها بعد اإلنشاء – نظراً لكون تلك املرشوعات يتم بناء
سعاتها اإلنتاجية عىل أساس من االستفادة من مبدأ وفورات السعة – وهذا أمر مل يقابل الدول
ولعلنا نتساءل اآلن عن مدى أهمية التكوين الرأساميل يف دفع عجالت التنمية االقتصادية واالجتامعية.
ومن املعروف أنه وحتى نهاية الحرب العاملية الثانية كان االقتصاديون يضعون التكوين الرأساميل يف
املقام األول من بني مجموعة العوامل االقتصادية واالجتامعية والثقافية التي تؤثر يف عملية التنمية
ويرجع ذلك يف املقام األول إىل تأثرهم بالفكر االقتصادى الكالسييك الذي مل ير فرقاً أساسياً بني منو
االقتصاد القومي بصفة عامة ومنو املرشوع الفردي ,فحيث ينمو املرشوع الفردي بزيادة تراكم رأس
املال ,فإنهم يرون أيضا أن منو االقتصاد القومي يتوقف عىل درجة الرتاكم الرأساميل يف املجتمع ,ومبعنى
آخر فإنهم كانوا ينظرون للنمو االقتصادي عىل أنه دالة للرتاكم الرأساميل .غري أن تلك النظرة قد تغريت
حيث تبني قصورها فمنذ نهاية الحرب العاملية الثانية بصفة خاصة ,ظهر الكثري من الكتابات التي تؤكد
أن أسباب التنمية االقتصادية ال تتهيأ مبجرد توافر رؤوس األموال وإمنا يقتىض األمر باإلضافة إىل ذلك
وضع خطة اقتصادية رشيدة ,وتوفري األيدي العاملة املدربة ,واستخدام املعارف الفنية الحديثة ,وإقامة
الهياكل األساسية وتوفري البيئة االجتامعية املالمئة وغري ذلك من املقومات األساسية للتنمية االقتصادية.
لكن مام ال شك فيه أن عامل رأس املال عامل اسرتاتيجي من عوامل التنمية لكنه ليس العامل الوحيد
املؤثر يف التنمية.
59
وعىل الرغم من ذلك فال يجوز التقليل من أهمية التكوين الرأساميل كعامل جوهري من العوامل
ويرجع ذلك إىل أن العوامل األخرى التي تؤثر يف عملية التنمية تتوقف بدورها إىل حد بعيد عىل مدى
توافر التكوين الرأساميل .فتوافر رأس املال ,وما يؤدي إليه من متويل كثري من املرشوعات اإلنتاجية,
وليس يف وسع البلد املتخلف أن يرفع معدالته للتكوين الرأساميل بسهولة إذ أنه نظرا النخفاض الناتج
الكيل يف حالة االقتصاد املتأخر يظل الفارق املطلق بني مستويات املعيشة ومطالب العيش منخفضا
بوجه عام .والدرجة التي تتكون بها املدخرات تحددها بشكل ظاهر اإلنتاجية الكلية املنخفضة .فإذا
زادت اإلنتاجية أمكن رفع أو زيادة إمكانية تكوين مدخرات لكن الشواهد العملية تشري إىل أنه نادراً
ما يكون يف االمكان رفع معدال االستثامر خالل املراحل األوىل من النمو االقتصادي إىل أكرث من (– 11
)%11من املنتج القومى االجاميل ,يف معظم البلدان املتخلفة .فبالرغم من الجهود االمنائية التي بذلتها
كثري من الدول فلم تتمكن كل من سيالن والفلبني وشيىل وجواتيامال وهندوراس واملكسيك من رفع
تلك املعدالت إىل أكرث من ( )%11 – 11خالل الفرتة ( .)1914 – 1937ومل تتمكن كل من بلغاريا
واملجر من رفع ذلك املعدل عن ( )%11 – 9يف حني مل تتجاوز تلك النسبة ( )%16 – 11بالنسبة
لالتحاد السوفيتي .ويبدو أن ذلك املعدل يتوقف عىل مقدار املوارد الغري مستغلة يف املجتمع ففي
الوقت الذي متكنت فيه الواليات املتحدة األمريكية مبواردها الشاسعة من أن تستغل تصنيعها بنسبة
()%44-41
61
فإن انجلرتا ىف املقابل مل تتمكن من أن تتجاوز ( )%11 – 9كمعدل لالستثامر .لكن األمر ليس متوقفا
عىل اإلمكانيات واملوارد غري املستغلة فقط يف تحديد ذلك املعدل بل ان القروض واملعونات الخارجية
وعىل ذلك فإن متويل التنمية ال يعتمد فقط عىل املوارد املحلية (أي املصادر الوطنية الداخلية وإمنا
يعتمد كذلك وبدرجة ما عىل املصادر التمويلية الخارجية .وإذا كان العبء األكرب يف هذا الشأن إمنا يقع
عىل عاتق املدخرات الوطنية ,فإن الحاجة لالستعانة باملدخرات األجنبية ترجع إىل اعتبارين أساسيني:
يتعلق أولهام بتعزيز املدخرات الوطنية ومن ثم إتاحة الفرصة لتحقيق معدل أعىل من التكوين
الرأساميل والسيام يف املراحل األوىل للتنمية حيث ينخفض مستوى االدخار الوطني بينام تزداد الحاجة
إىل االستثامر لتحقيق معدل مناسب للتنمية االقتصادية .يف حني يتعلق ثانيهام بامداد الدول النامية
بالعمالت األجنبية الالزمة للوفاء باحتياجات عملية التنمية االقتصادية والسيام أن هذه الدول تتعرض
ولكن عىل الرغم من ذلك فمهام زادت حاجة الدول النامية لالستعانة باألموال األجنبية فإنه ال مانع
من أن يقع عىل عاتق االقتصاد القومي تدبري الشطر األكرب من األموال الالزمة لتمويل التنمية ,ألن
االقرتاض الخارجي يتوقف أساساً عىل اعتبارات سياسية ,عالوة عىل ما يفرضه من أعباء السداد يف
املستقبل.
60
-1-مصادر التكوين الرأساميل (التمويل)
ميكننا تقسيم وسائل التكوين الرأساميل – مصادر أو وسائل التمويل -من عدة وجهات نظر .فإذا نظرنا
إىل تلك املصادر من الناحية القومية فإنه ميكن تقسيمها إىل مجموعتني عامتني تتعلق أوالهام باملصادر
الخارجية مثل القروض األجنبية الخاصة والقروض األجنبية العامة واملساعدات والهبات من حكومات
أجنبية واملساعدات والهبات من هيئات دولية ,يف حني تشتمل الثانية عىل املصادر الداخلية متمثلة يف
كذلك قد تقسم وسائل التجميع الرأساميل من حيث طبيعتها وآثارها فهناك الوسائل التقليدية ذات
األثر املبارش ,أي تلك التي تحقق فعال تجميع لألموال الالزمة لالستثامر وتشمل االقرتاض من مصادر
داخلية وخارجية والرضائب ...وغريها وهناك الوسائل غري التقليدية ذات األثر غري املبارش مثل تنظيم
وقد يلجأ البعض إىل تقسيم مصادر التمويل تقسيام عاما من حيث األسلوب املتبع ,وىف هذا التقسيم
يكون لدينا أسلوب الرضائب ويشمل كل ما يتعلق بالرضائب من حيث طبيعتها وأنواعها ووسائل
تحسني أجهزتها ...وأسلوب التمويل الخارجي وأسلوب التمويل بالعجز أو ما يطلق عليه أسلوب
التمويل التضخمي وأسلوب االدخار القومي وخالفه من األساليب سواء التقليدية منها أو غري التقليدية.
وليس من املهم اتباع أسلوب أو آخر يف تقسيم مصادر التمويل بقدر ما يجب أن يبنى تحليل كل من
62
أوالً :مدى فاعلية ذلك املصدر يف تجميع األموال الالزمة للتنمية.
ثانياً :إىل أي مدى ميكن االعتامد عليها لضامن تدفق مستمر من األموال الالزمة وما هي الصعوبات
ثالثاً :ما هي الحدود العملية إلمكان االستفادة من هذه الوسيلة ,مثال ذلك إىل أي مدى ميكن فرض
رابعاً :إذا ما كانت إحدى هذه الوسائل قامئة بالفعل يف اإلجراءات الالزمة لالرتفاع بكفاءتها كمصدر من
خامساً :ما هي املخاطر التي تكتنف أي من هذه الوسائل سواء يف املدى القصري أو يف املدى الطويل
وكيف ميكن تجنب آثارها الضارة (أسلوب االقرتاض األجنبي – أسلوب التمويل بالعجز).
سادساً :هل تصلح هذه الوسيلة يف ظروف معينة دون غريها وملاذا وما هي العوامل األكرث مالمئة
كام سبق القول فإن مصادر التمويل الداخلية هي التي يقع عليها العبء األكرب يف متويل عمليات
وبرامج التنمية االقتصادية واالجتامعية حيث أنه ال ميكن أن يتحمل مجتمع ما عبء التنمية عن
مجتمع آخر.
وتتعدد وتتباين مصادر التمويل الداخيل من مجتمع آلخر إال أنه ميكن أن نحدد أربعة مصادر رئيسية
للتمويل الداخيل تتمثل يف املدخرات االختيارية والرضائب والقروض والوسائل غري املبارشة لتمويل
التنمية والتي تتعلق بكل من التمويل بالعجز (التمويل التضخمي) والتمويل من خالل احداث فائض
63
أوالً :أسلوب التمويل من خالل املدخرات املحلية:
أن ضيق كل من الطاقة االدخارية واالستثامرية لتعد من أهم سامت االقتصادية املتخلفة كام أن
اتساعها ليعد من أهم سامت املجتمعات املتقدمة ,أما تلك املجتمعات النامية فإن سعة طاقتها
ومييل أغلب الكتاب عن اقتصاديات الدول النامية إىل األخذ بفكرة الحلقة املفرغة للفقر والوصول إىل
االستنتاج القائل بأن ضعف إمكانيات االدخار االختياري إمنا يرجع إىل ضآلة الدخل الفردي ,والذي لن
يرتفع إال بارتفاع اإلنتاجية من خالل تضافر عنرص العمل مع كميات مضاعفة من رؤوس األموال .وهذا
االتجاه ,فيه الكثري من املبالغة ويؤدي بنا إىل القنوط والركون إىل فكرة رضورة االستعانة برؤوس
األموال األجنبية.
وإذا ما عرفنا االدخار عىل أنه االمتناع عن االستهالك يف الفرتة الزمنية الحالية بغرض زيادة القدرة عىل
االستهالك يف الفرتات الزمنية املقبلة فإن ذلك ينسحب عىل ادخار القطاع العائيل وهو ما يختلف عن
وعىل ذلك فإن تعريف االدخار عىل أنه الجزء املتبقى من الدخل بعد االنفاق عىل االستهالك برشط أن
يستخدم بعد ذلك يف االنفاق عىل االستثامر ليعد تعريفا مناسبا لكل من القطاعات الثالث العائيل
واألعامل والحكومي.
64
وتتخذ مدخرات القطاع العائيل عدة صور ,من ذلك املدخرات التعاقدية كعقود التأمني عىل الحياة أو
املعاشات أو التأمينات االجتامعية .كام قد تأخذ شكل الزيادة يف األصول السائلة سواء كان ذلك يف
شكل أرصدة نقدية أم يف شكل أصول مالية مثل األسهم والسندات والشهادات االستثامرية ,وقد يكون
يف استثامري مبارش مثل بناء املساكن أو اصالح األرايض أو خالفه من أوجه النشاط االستثامري الفردي.
ويتوقف مستوى االدخار يف القطاع العائيل عىل تفاعل مجموعة من العوامل أهمها مقدار الدخل,
ومنط توزيع الدخل ,حجم األصول السائلة والعادات والقيم االستهالكية السائدة يف املجتمع.
أما ادخار قطاع األعامل فإنه يتمثل يف مدخرات قطاع األعامل الخاص ومدخرات قطاع األعامل العام.
فبالنسبة ملدخرات قطاع األعامل الخاص فتتمثل يف األرباح غري املوزعة والتي يكون من املتوقع زيادتها
وتجدر االشارة هنا إىل أن هذا الغرض األخري ال يتحقق يف معظم الدول النامية لعدة أسباب منها أن
األرباح التي يحققها القطاع الخاص إمنا ترجع يف معظم األحوال إىل املتمتع مبركز احتكارى ومنها كذلك
عادات االستهالك التي تتميز بها الطبقة الرأساملية يف تلك الدول والتي ال تختلف كثريا عن عادات
االستهالك السائدة بالريف ,هذا عالوة عىل تخوف رجال األعامل من خطر التأميم وبالتايل عزوفهم عن
احتجاز األرباح.
أما مدخرات قطاع األعامل العام فإنه تتمثل فيها يؤول للحكومة من أرباح املرشوعات اململوكة لها
65
ويتمثل ادخار القطاع الحكومي يف الفرق بني اإليرادات الحكومية من الرضائب واملرصوفات الحكومية
الجارية (االستهالك الحكومي) ويتوقف االدخار الحكومي عىل العديد من العوامل والتي من أهمها
أسعار وأنواع الرضائب ,درجة كفاءة األجهزة الرضيبية يف التحصيل ,مستوى الكفاءة الحكومية يف
تتسم الدول النامية بشكل عام بضعف وتخلف كل من نظمها وأجهزتها الرضيبية وانتشار ظاهرة
التهرب الرضيبي .ويف تلك الدول ويف ظل الحاجة إىل تدفق منتظم من الحصيلة الرضيبية الالزمة
ألغراض التنمية وأغراض النفقات الجارية والبد وأن يتجه االهتامم نحو اصالح هذا الجهاز وتيسري مهمة
املمولني ورفع كفاءة العاملني به والوصول إىل أعىل معدالت للتحصيل كذلك فالبد من تدفق املعدالت
ويرى كثري من االقتصاديني أن الرضائب تتمثل ما بني ( )%11 - %11من قيمة الناتج القومي يف الدول
املتخلفة بينام تصل تلك النسبة إىل ما بني ( )%31 - %41يف الدول املقتدمة .وقد ال يكون من السليم
أو من املتاح عمليا رفع نسبة الرضائب يف الدول النامية إىل نفس نسبتها يف االقتصاديات املتقدمة ,إال
أنه الجدال يف رضورة زيادة الحصيلة الرضيبية كرشط أسايس التاحة الفرصة للنمو االقتصادي الرسيع.
تتميز النظم االقتصادية للدول النامية بالعديد من الخصائص االقتصادية والسلوكية التي تؤثر بشكل أو
بآخر عىل نظامها الرضيبي ولكن بشكل عام فإن النظم الرضيبية لتلك الدول تتميز مبجموعة من
66
-1انخفاض نسبة الرضائب إىل الدخل القومي :نتيجة التساع نطاق املعامالت غري النقدية يف الدول
النامية وبخاصة يف القطاع الريفى ,وانخفاض مستوى الدخل الفردي وكذلك انخفاض مستوى الوعى
الرضيبي وعدم وجود دفاتر وسجالت حسابية منظمة لغالبية املشتغلني بالنشاط االقتصادي باإلضافة
إىل عدم كفاءة األجهزة الرضيبية ...إلخ نتيجة لكل ذلك تتسم تلك الدول بسيادة أسلوب التقدير
الجزايف للربط الرضيبي وكذلك انخفاض نسبة تلك الرضائب إىل الدخل القومى والتي ال تتجاوز %11
-4انخفاض نسبة الرضائب املبارشة إىل جملة حصيلة الرضائب :تشتمل الرضائب املبارشة عىل تلك
الرضائب التي تجب عىل الدخول الفردية وعىل األعامل التجارية واألرباح غري املوزعة واألرباح
االستثنائية وأرباح رأس املال واملرتبات ورضيبة األفراد واألرايض الزراعية واملباين ورضائب ورسوم
وطاملا أن فرض النظام الرضيبى املبارش ,املتسم بالعدالة ,تحول دونه الكثري من العقبات ,فإن الدول
املتخلفة ال ميكنها أن ترص عىل استخدامه .ومن ثم فإن إحدى املزايا الرئيسية التي تعزى إىل نظام
رضائب الدخل يف بالد الغرب الصناعية – وهو تصاعد الرضيبة – ينعدم وجودها يف بعض البلدان
النامية حيث يقع عبء الرضائب عىل كاهل طبقة املوظفني .ونتيجة لكل ذلك تنخفض نسبة حصيلة
الرضائب املبارشة إىل جملة حصيلة الرضائب يف الدول النامية عن مثيلتها يف الدول املتقدمة.
-4ارتفاع نسبة الرضائب عىل التجارة الخارجية إىل جملة حصيلة الرضائب :نظرا لألهمية املرتفعة لقطاع
التجارة الخارجية للسلع املنظورة يف الدول النامية يف تكوين موازين املدفوعات الخاصة بتلك الدول
ولكون حصيلة الصادرات السلعية لتلك الدول تشكل نسبة عالية من الدخل القومي لها – تزيد يف
67
يف الوقت الذي تتضاءل فيه أهمية تجارة السلع املتطورة يف موازين مدفوعات الدول املتقدمة وبالتاىل
أهمية صادراتها السلعية بالنسبة إىل دخلها القومى .فإن الدول النامية تعد تجارتها الخارجية مصدرا
رئيسيا من مصادر متويل الحصيلة الرضيبية هذا باإلضافة إىل سهولة تحصيل تلك الرضائب عىل
بعد استعراض الخصائص األساسية للنظم الرضيبية يف الدول النامية فإنه يتحتم اإلجابة عىل التساؤل
الخاص مبدى أفضلية االعتامد عىل أي من الرضائب املبارشة أو الرضائب غري املبارشة بالنسبة للدول
النامية وليس هناك اتفاق بني االقتصاديني حول اإلجابة عىل ذلك التساؤل فبينام يرى البعض استخدام
الرضيبة املبارشة فإن البعض اآلخر يرى استخدام الرضائب غري املبارشة بينام يرى فريق ثالث رضورة
استخدام كل من نوعى الرضيبة مبارشة وغري مبارشة .ويرى الدكتور /عىل لطفى أن مصلحة الدول
النامية تقتيض االعتامد عىل الرضائب غري املبارشة لتمويل خطط التنمية ويرجع ذلك لألسباب اآلتية:
-1تتميز الرضائب غري املبارشة بأنه تؤدى إىل جانب وظيفتها املالية وظيفة اقتصادية وهى تحقيق
التوازن بني العرض والطلب لكل فرع من فروع اإلنتاج .ففى حالة زيادة العرض عن الطلب يؤدي
تخفيض الرضيبة إىل تخفيض الثمن ومن ثم زيادة الطلب يتعادل مع العرض والعكس صحيح.
-4الرضائب غري املبارشة أكرث عدالة من الرضائب املبارشة ويرجع ذلك إىل كون الرضائب املبارشة تحاىب
أصحاب الدخول املرتفعة عىل حساب أصحاب الدخول الضعيفة .فالعامل واملوظفني (أصحاب الدخول
الضعيفة) ال يكون لديهم أي فرضة للتهرب من الرضيبة املبارشة ولو جزئيا ألنهم يدفعونها بناء عىل
68
وغالبا ما يتم تحصيلها عند املنبع .أما رجال األعامل وأصحاب املهن الحرة – أصحاب الدخول املرتفعة-
فتكون لديهم فرص كثرية للتهرب من الرضيبة املبارشة ألنهم يدفعونها بناء عىل إقرار يقدموه بأنفسهم.
-4يف ظل الرضيبة املبارشة تكون هناك تفرقة بني اململوين .نذكر منها :تفرقة بني املمولني الذين يكونون
ملزمني بحكم القانون بإمساك دفاتر منتظمة وبني املمولني الذين ال يلزمهم القانون بذلك ...تفرقة بني
املمولني الذين تسمح لهم طبيعة عملهم بالتهرب من الرضيبة واملمولني الذين ال تسمح لهم طبيعة
عملهم بذلك ...تفرقة بني املمولني الذين لهم صالت خاصة باملسئولني عن تقدير الرضيبة وبني املمولني
-3تتميز الرضائب غري املبارشة باملرونة حيث تزداد حصيلتها –عىل الرغم من عدم زيادة معدالتها -يف
-1ال تستدعى الرضائب غري املبارشة وجود جهاز اداري ضخم لتقدير وربط وتحصيل الرضيبة ومكافحة
-6يعد التهرب من الرضائب التصاعدية املبارشة أمرا سهال بقيام املمولني بإخفاء جزء من دخولهم أو
توزيعها عىل أفراد أرسهم حتى يخضع كل دخل عىل حدة لرشيحة رضيبية منخفضة .يف حني أنه ميكن
تطبيق التصاعد يف الرضائب غري املبارشة دون امكانية للتهرب منها وذلك من خالل التمييز يف الرضيبة
بني كل من السلع الرضيبية الالزمة ألصحاب الدخول املنخفضة والسلع الكاملية التي يستهلكها ذوى
الدخول املرتفعة.
69
خامساً :العوامل التي تحدد حجم الطاقة الرضيبية:
تعرف الطاقة الرضيبية للمجتمع بأنها أقىص قدر من اإليرادات العامة ميكن تحصيلها بواسطة الرضائب
وذلك دون االخالل بالقواعد االقتصادية واملالية التي تحكم نشاط املمولني ودون املساس باالعتبارات
السيكولوجية لهم .ويتحدد حجم الطاقة الرضيبية للمجتمع عىل مجموعة من العوامل لعل من أبرزها:
-1حجم الدخل القومى :من املعروف أن الدخل القومى ما هو إال مجموع دخول األفراد الذين ساهموا
يف العمليات االنتاجية باملجتمع أو هو مجموع متحصالت أو عوائد العنارص االنتاجية التي ساهمت يف
العملية االنتاجية خالل سنة وحيث أن متحصالت العنارص االنتاجية ما هي إال دخوله ملاليك هذه
املوارد فإنها بالتاىل متثل األوعية التي تفرض عليها الرضائب وعىل ذلك فإن زيادة حجم الدخل القومى
-4درجة العدالة يف توزيع الدخل :إذا ما اتسم توزيع الدخل القومى بدرجة عالية من عدم العدالة فإن
ذلك يؤدي إىل زيادة القدر الخاضع للرضيبة حيث تخضع الرضائب الدخل ملعدالت مرتفعة من
الرضيبة التصاعدية.
-4مقدار ما تقدمه الدولة من خدمات مجانية ألفراد املجتمع :حيث أن زيادة تلك الخدمات مثل
التعليم والصحة واألمن ..يؤدي إىل زيادة مقدرة املجتمع عىل تحمل عبء الرضيبة عىل الرغم من
-3النظام الرضيبي مثل :نوعية الرضائب ,ومعدالتها وكفاءة الجهاز الرضيبي ودرجة الوعى الرضيبى
للممولني ...إلخ.
71
سادساً :أسس السياسة الرضيبية يف الدول النامية:
إن املهمة الرئيسية للسياسة الرضيبية للدولة النامية تكون يف تعبئة الفائض االقتصادي وتوجيهه إىل
الوجهات املنتجة ثم محاولة زيادته بشكل مضطرد .وىف ضوء تلك املهمة فإن الرضائب تصبح وسيلة
امتصاص الجزء األكرب من ذلك الفائض الذي ال يستخدم ألغراض استثامرية وتصبح املشكلة الرئيسية
هي البحث عن مصادر ذلك الفائض أو اكتشافه وتوجيهه نحو االستثامر دون أن يرتتب عىل تلك
وحيث أن سياسة التنمية هى ىف جوهرا سياسة اجتامعية قومية يستفيد منها جميع أفراد املجتمع فإن
األمر ليستدعى رضورة أن ترسم السياسة الرضيبية بحيث يسهم كل فرد يف متويل عملية التنمية (من
خالل رضائبه) بالقدر الذي يسمح به الفائض االقتصادى غري املستخدم أو مبعنى آخر الغري موجه
وحيث يختلف الفائض االقتصادى من فرد آلخر نظرا الختالف احتياجاته االستهالكية واختالف
مستويات دخولهم واختالف مستوى الدخل الذى يجعل لدى كل منهم الحافز لبذل املزيد من الجهود
لذلك يجب أن تتسم السياسة الرضيبية بالعدالة يف توزيع أعبائها وإذا ما علمنا أن عملية التنمية
االقتصادية هي عملية تراكمية مبعنى أنه سوف يصاحبها ارتفاع يف الدخل وبالتايل ارتفاع يف حجم
الفائض االقتصادي يف املراحل األوىل فإنه يجب أن ترسم السياسة الرضيبية بحيث ال تسمح بأن تؤول
الزيادة ىف الدخل إىل االنفاق االستهاليك كاملة أو مبعنى آخر فإن تلك السياسة يجب أن تأخذ يف
اعتبارها أن يكون معدل التزايد يف االنفاق االستهاليك أقل من معدل الزيادة املتوقعة يف الدخل القومي
70
وإذا ما كان هدف سياسة التنمية هو تشجيع النمو يف قطاع أو نشاط انتاجي فإنه يجب أن تأخذ
السياسة الرضيبية هذا الهدف بعني االعتبار وهو ما يعرف مببدأ االعفاء الرضيبي أو التخفيضات
الرضيبية .كام أن الرضائب عىل الواردات يجب أن تخطط ضمن االطار العام لخطة التنمية فقد تعفى
مثال السلع الرأساملية الالزمة إلقامة صناعات وطنية من الرضائب يف الوقت الذى تفرض فيه رضائب
عىل أنه وىف كثري من الدول ميكن تجميع حصيلة رضيبية كبرية من خالل الرضائب عىل العقارات
وامللكيات الزراعية ولكن ليك يتأىت ذلك يشرتط عدم وجود النفوذ السيايس يف أيدى الطبقة الغنية
حيث أنها يف تلك الحالة سوف تستطيع أن تقاوم أى اتجاهات ترشيعية رضيبية تفقدها جزءا من املزايا
ان املقصود بالقروض املستخدمة ىف متويل عمليات التنمية ليست تلك القروض التى تقوم عليها
الحكومات بغرض تغطية جزء من نفقاتها الجارية أو سد عجز طارئ ىف املوازنة العامة للدولة ولكننا
نقصد ىف هذا الجزء تلك القروض التى تصدرها الدولة بغية متويل بعض مرشوعات التنمية .وىف هذا
الصدد يرى "نورمان بوكانان ,هوارد اليس" أنه ال يوجد شئ يحول دون االقرتاض ما دامت تلك القروض
ستستخدم يف مرشوعات التنمية الحكومية وطاملا كانت تلك املرشوعات مدروسة وتستثمر فيها األموال
آلحال طويلة .ولقد بلغت نسبة الدين األهىل يف الواليات املتحدة األمريكية وكندا وبلجيكا ىف عام
1911نحو %93 ,%117 ,%119من دخولها القومية عىل الرتتيب ,ىف حني أن تلك النسبة بلغت ,%15
72
وترتكز مشاكل االقرتاض الرئيسية التى تواجه حكومات البالد املتخلفة يف اختفاء عادات االدخار من
بعض مناهج الحياة وانعدام وجود أسواق منتظمة لألوراق املالية الحكومية وانعدام الطلب من جانب
املصارف التجارية ومؤسسات التأمني ,يضاف إىل ذلك اتجاه الحكومات نفسها صوب التمويل بالوسائل
التضخمية وما يتبعه من مخاوف تساور الشعب ىف التضخم .وإذا مل تكن زيادة القروض مصحوبة فإن
وعند الحديث عن القروض أو الدين األهىل فإنه غالبا ما يواجهنا السؤال التاىل:
إذا ما كانت الحكومة مبالها من سلطة تستطيع أن تفرض ما تشاء من الرضائب ,باإلضافة إىل كونها متلك
الوسائل الكفيلة بتحديد كمية النقود ىف املجتمع فلامذا تلجأ إىل أسلوب القروض الداخلية .واإلجابة
عىل ذلك السؤال ذات شقني يتعلق األول منها بأن قدرة الحكومة عىل إصدار النقود أو عىل فرض
الرضائب ليست سلطة مطلقة وإمنا يحكمها العديد من االعتبارات والقوى االقتصادية والسياسية
واالجتامعية .بينام يتصل ثانيهام بأن هناك اختالفات جوهرية بني كل من الرضائب والقروض فحيث
تكون حصيلة الرضائب غري قابلة للتخصيص ملرشوع أو وجه انفاقى معني فإن القروض العامة تحتمل
هذا التخصيص ,وحيث تحمل الرضائب صفة االجبار فإن القروض وبحكم طبيعتها اختيارية تعاقدية
وحيث ال ترد الرضيبة لدافعيها ترد قيمة القرض وفوائده ملن اكتتب فيه ,وحيث تؤدي الرضائب إىل
زيادة االيرادات العامة دون تحميل أعباء اضافية آجلة أو عاجلة عىل جانب النفقات فإن القروض تزيد
من اإليرادات العامة عند إصدارها ولكنها تزيد من النفقات العامة عند استهالكها ,وأخرياً فإن اآلثار
املرتتبة عىل فرض الرضيبة تختلف كلية عن تلك التى ترتتب عىل إصدار القروض العامة.
73
ثامناً :الوسائل غري املبارشة لتمويل التنمية:
نظراً لعدم كفاية وسائل التمويل الداخىل السابق االشارة إليها عن الوفاء باحتياجات العديد من الدول
ىف إحداث النمو االقتصادى أو مبعنى آخر ىف مواجهة املطالب املتزايدة لعمليات الرتاكم الرأسامىل
الالزمة الحداث النمو االقتصادي ىف الدول املتخلفة املتقدمة منها أو النامية فإنها ىف الغالب ما تلجأ إىل
ابتاع بعض األساليب غري املبارشة ىف توفري رؤوس األموال الالزمة لدفع عجلة النمو وذلك من خالل
عمليات التمويل التضخمى أو ما يطلق عليه بالتمويل بالعجز (استحداث عجز يف املوازنة العامة
للدولة) وكذلك التمويل من خالل استحداث فائض يف موازين املدفوعات أو التمويل من خالل
وتختلف اآلراء والحجج التى يسوقها االقتصاديني حول امكانية ومدى استخدام أي من األساليب
السابقة واملخاطر التى تصاحب كل منها إال أن تجارب العديد من الدول ىف مجال التنمية االقتصادية
تشري إىل أن تلك الوسائل الغري مبارشة أصبحت مصدراً أساسيا من مصادر التمويل الداخىل بل ميكن
74
-4-التمويل وتضخمه والتمويل بالعجز
يعترب التمويل عن طريق التضخم أو استحداث العجز ىف املوازنة العامة للدولة من املسائل التى أثارت
–ومازالت -الكثري من الجدل العلمى وبخاصة بالنسبة لعمليات التنمية للدول حديثة العهد بها.
وتتلخص فكرة التمويل التضخمى ىف التجاء الدولة إىل خلق مزيد من النقود واالئتامن لتمويل بعض
املرشوعات التنمية وتشغيل العاطلني واستغالل املوارد الطبيعية ومن ثم تحقيق معدالت رسيعة
للتنمية .وترتبط فكرة التمويل التضخمى بالعالقة بني توسيع الطاقة االنتاجية للمجتمع وكمية الوقود
أو وسائل الدفع الالزمة لحمل كميات االنتاج من بداية مراحل العمليات االنتاجية إىل نهايته فإذا مل
تقرتن الزيادة يف اإلنتاج بزيادة مناسبة ىف حجم وسائل الدفع فإن ذلك سوف يؤدي إىل تعطيل أو
توقف تدفق تيار السلع والخدمات مام يعرض املنتجني لخسائر فادحة .إال أنه يجب أن يؤخذ يف
االعتبار أن زيادة وسائل الدفع ليست هدفاً ىف حد ذاتها حيث تؤدى زيادتها عن القدر املطلوب منها
ولذلك فقد ظهرت بعض اآلراء والحجج التى يؤيد بعضها ويعارض البعض اآلخر منها أسلوب التمويل
بالعجز .وكال الجانبني يتخذ من النتائج التطبيقية وخربات الدول مام يؤيد وجهة نظره .وعىل كل فإن
مشكلة التمويل التضخمى –كغريها من املشاكل االقتصادية -تتوقف عىل الظروف األخرى السائدة
باملجتمع وعىل كيفية مواجهة النتائج املحتملة وتالىف آثارها السيئة إن وجدت.
75
اآلراء املؤيدة للتمويل التضخمى:
تستند آراء مؤيدى التمويل التضخمى إىل أنه ال ميكن حل مشكلة ندرة رأس املال باألساليب التقليدية
كالرضائب والقروض واالدخار االختياري فهناك حدود قصوى ملا ميكن تجميعه من تلك الوسائل وكذلك
فإنه من العسري إجبار األفراد عىل زيادة االنتاج دون زيادة أجورهم النقدية .كام أن التمويل
باستحداث العجز يف املوازنة العامة لن يحتاج إىل مهارة أو خربة إدارية وتنظيمية كبرية كتلك الرضورية
كذلك يرى هؤالء املؤيدين أن التمويل باستحداث العجز قد يؤدي إىل إحداث تضخم سعرى ولكن ذلك
التضخم السعرى لن يستمر طويالً إذا ما اتبعت الدولة السياسة االقتصادية السليمة التى تعمل عىل
تالىف آثاره .باإلضافة إىل أن التمويل التضخمى سوف ميكن الدولة من تنفيذ املرشوعات التى تزيد من
طاقتها االنتاجية وبالتاىل يزداد حجم املدخرات ىف املراحل التالية وكذلك سوف تزداد حصيلة الدولة من
الرضائب.
تجمع وجوه الرأى – فيام عدا الشاذ النادر منها – عىل أن تكاليف التضخم اقتصادياً وسياسياً واجتامعياً
تبلغ حدا يجعل من الواجب رسم سياسة إلحراز التنمية االقتصادية دون تلك التكاليف .فالتضخم يثبط
الحوافز عىل االدخار االختياري ويغرى عىل االستهالك كثرياً بواسطة أولئك املنتفعني به .وتذهب
املكاسب والتى يجئ بها التضخم إىل أوجه التحسم يف قيمة األرايض واملكاتب واملباىن الضخمة ,وكذلك
ىف املكتنز من العمالت األجنبية واملختزن من السلع وىف االقدام عىل املخاطر واملغامرة أكرث مام تذهب
76
ويصاحب التضخم الكبري تزايد ىف عدد األفراد املشتغلني بالتجارة وحدها ,ووتوقف إىل حني عملية
االنتخاب الطبيعي بني املؤسسات التجارية ,فتظل عىل قيد الحياة حتى أقلها مهارة وكفاية ,ويتم
تشويه واضطراب العالقة بني التكاليف واألسعار ,ويساء استخدام املوارد ويغدو التخطيط الحكومي
ويعزى التضخم رؤوس األموال عىل النزوح والهجرة إىل الخارج كام أنه يصد رأس املال األجنبى عن
االقبال واملشاركة ىف مرشوعات التنمية ,فتنتعش الواردات وتضعف الصادرات ,ويزداد ويتواىل العجز ىف
ميزان املدفوعات ويصبح ليس هناك من وسيلة سوى خفض قيمة العملة وفرض القيود املبارشة أو
ويضار من جراء كل ذلك الفئات ذات الدخل الثابت أو املحدود مثل فئة املوظفني الحكوميني .باإلضافة
إىل كل ذلك فإن التضخم يخلق الحزازات االجتامعية ,وينعدم شعور الفرد باملسئولية كام يقلل من
الحوافز عىل العمل الرشيف والجهد التنظيمي ويبعث عىل عدم االستقرار ىف سوق العاملة وبسبب
وعالوة عىل التصدع االجتامعى والضياع االقتصادى فإن التضخم ال ينمى االدخار – ان حدث – إال شيئا
قليال ويؤيد ذلك مجموعة الدراسات التى قام بها صندوق النقد الدوىل ىف العديد من بلدان العامل
77
وعىل السلطات النقدية ىف الدول السائرة ىف طريق النهوض واجب حتمى هو تجنب التضخم ,ليس هذا
فقط بل ان واجبها ميتد باملثل إىل التعويض عن فعل القوى االنكامشية وأنها يجب عليها أن تعمل عىل
الحيلولة دون تحويل املدخرات املحلية إىل استثامرات خارجية وذلك ملنع األثر االنكاميش لصادرات
رأس املال .وال حاجة للقول أنه بدون وجود ميزانية حكومية لعالج التضخم ال يكون مثة فائدة كبرية أو
جدوى من فرض الرقابة النقدية .ويقال أن تآزر السياسة املالية والنقدية التى توىص عىل عدم زيادة
حجم النقود عن ذلك الحجم الالزم للتوسع يف التجارة الداخلية وزيادة عدد السكان بأنها سياسة عالج
التضخم.
يرى هذا الفريق من االقتصاديني أنه ال ميكن أن يكون أسلوب التمويل بالعجز بهذه السهولة وبهذه
النتائج الباهرة وبهذه البساطة إال ملا كانت هناك مشكلة اسمها ندرة رأس املال ولو أن أسلوب التمويل
التضخمى كان خاليا من املشاكل التجهت إليه جميع الدول فهو أفضل من االقرتاض الخارجى ,باإلضافة
إىل كونه لن يفقد الحكومة شعبيتها بعكس الرضائب .فريى هذا الفريق من االقتصاديني أنه ليس هناك
من ضامن ألن يؤدى التمويل باستحداث العجز إىل زيادة االدخار عن املزيد من حصيلة الرضائب وحتى
إذا ما زاد االدخار االختياري فإن هذا قد يتدفق إىل االستثامر الخاص وقد تجد الحكومة أنها ىف نفس
الوضع من حيث تحملها ألعباء االستثامر العام ...وهكذا قد تزداد أو تطول فرتة التضخم وتزداد آثاره.
ونظراً لكون املرشوعات التى يتم متويلها من خالل ذلك األسلوب ىف املراحل األوىل للتنمية هى
مرشوعات البنية األساسية كالسدود والخزانات والطرق وخالفه وأن الزيادة الناشئة عن مثل تلك
78
وحيث أن امليل لالستهالك ىف تلك املجتمعات مرتفع وهيكلها االقتصادى يفتقر إىل الطاقات الصناعية
الكبرية وبالتاىل يتسم العرض الكىل فيها بعدم املرونة ىف املدى القصري ,وحيث يسود طابع االكتفاء
الذاىت ىف طاعات الريف فإن املشكلة تعد أكرث خطورة مام يرى املؤيدين حيث تؤدى الزيادة ىف الدخل
إىل زيادة الطلب عىل السلع االستهالكية الغذائية ولن تعود الزيادة ىف الدخل الناشئة من ارتفاع
األسعار عىل طبقة املنظمني والقادرين عىل االدخار واالستثامر فحسب كام هو الحال ىف الدول
املتقدمة ,بل ستعود عىل فئات الزراع والتجار وهى الفئات التى ال تعنى زيادة دخولهم بالرضورة
زيادة ىف مقدرتهم االدخارية باإلضافة إىل أن هذه الطبقات ليس هناك ما يثبت أن لديها ميوالً
لالستثامر يف حاالت ومشاريع صناعية .وعىل ذلك فإنه من املنتظر أن يكون األثر التضخمى سيئا يف
من كل ما سبق ميكننا أن نخلص إىل أن أسلوب التمويل باستحداث العجز يف امليزانية يجب وخاصة ىف
بداية مراحل التنمية االقتصادية أن يوجه إىل املشاريع ذات األثر املبارش من حيث زيادة االنتاج ألن
هذا سيجعله محدود املدى طاملا أن االستثامر األوىل يخلق انتاجا إضافيا ودخال اضافيا .وأنه يجب عىل
املجتمعات النامية أال تفرط يف استخدام هذا األسلوب ثم تجد نفسها أمام مجموعة من املشاكل
الضخمة واملعقدة والتى قد تكون تكلفة حلها أكرث من الفائدة التى عادت عىل املجتمع من جراء
79
-3-مصادر التمويل الخارجية
ان مشكلة االعتامد عىل املصادر األجنبية ىف متويل عمليات التنمية ىف دول العامل الثالث ليست
بالبساطة التى تصورها الكثري من الكتابات .فقد تغريت األوضاع السياسية واالقتصادية ىف الكثري من
تلك الدول بعد تحررها السياىس حيث تحاول تلك الدول جاهدة أن تتخلص من كل أشكال التبعية
االقتصادية وأن تكون عوائد مواردها لشعوبها وأن تحصل عىل عائد مجز لصادراتها .ان الدول النامية
تحتاج إىل كميات ضخمة من رؤوس األموال واالستثامرات األجنبية الالزمة العطاء دفعة قوية لعمليات
التكوين الرأساميل يف املراحل األوىل من خطط التنمية االقتصادية – لكن هناك العديد من االعتبارات
الواجب مراعاتها عند مناقشة موضوع رأس املال األجنبى وعالقته بالتنمية االقتصادية.
فهناك مثال قدرة الدول النامية عىل االقرتاض وقدرتها عىل سداد تلك القروض وخدمة الدين الخارجى
(الفوائد) ومدى فاعلية القروض األجنبية وأى املصادر أفضل من غريها ىف الحصول عىل تلك األموال أى
أن املجاالت ميكن أن يساهم رأس املال األجنبى ىف متويلها باإلضافة إىل الرشوط التى تضعها الجهات
املقرضة ومدى مالمئتها واستعداد الدول النامية لقبولها وأثر ذلك عىل اقتصاديات الدول إىل غري ذلك
من االعتبارات الهامة التى يجب أن تراعيها الدول النامية عندما تقرر االستعانة برأس املال األجنبى
لتمويل عمليات التنمية االقتصادية وتنقسم رؤوس األموال األجنبية حسب مصدرها إىل ثالثة أقسام
رئيسية يتعلق أولها برؤوس األمال األجنبية الخاصة ويتعلق ثانيها باملساعدات املالية من الدول
81
أوالً :رؤوس األموال األجنبية الخاصة:
عىل الرغم من أن الجزء األكرب من تحركات رؤوس األموال األجنبية يتمثل ىف القروض أو املعونات
الحكومية إال أن االعتقاد السائد هو أن هذه مرحلة انتقالية يجب أن تتبعها مرحلة تكون فيها الدول
النامية مهيأة لتشجيع االستثامر األجنبى الخاص .وإذا رأت دولة أن تسري ىف هذا االتجاه فالبد من
تكييف ترشيعاتها القومية عىل النحو الذى يجذب رؤوس األموال األجنبية الخاصة ويجعل منها أداة
تسهم إسهاما ايجابيا ىف االمناء وذلك من خالل توفري الضامنات الكافية حول عدم تأمني أو مصادرة تلك
األموال أو منعها من تحويل أرباحها إىل الخارج فتنقسم رؤوس األموال األجنبية الخاصة إىل نوعني:
-1القروض األجنبية الخاصة :وتتمثل القروض األجنبية الخاصة ىف رشاء أصحاب رؤوس األموال بالدول
املتقدمة لألوراق املالية (األسهم أو السندات الحكومية) التى تصدرها الحكومات أو الهيئات العامة أو
الخاصة بالدول النامية .وعىل ذلك فليس هناك للمستثمر األجنبى سيطرة أو رقابة عىل املرشوعات
التى يعتمد متويلها عىل ذلك النوع من القروض كام أن أسعار الفائدة عليها تعد منخفضة نسبيا ولقد
اختفى يف السنوات األخرية (فيام عدا بالنسبة إلرسائيل) ذلك النوع من القروض وذلك لزيادة مجاالت
االستثامر يف الدول املتقدمة وعدم ثقة املستثمرين األجانب ىف النظام السياىس واالقتصادى للكثري من
الدول النامية.
-4االستثامرات األجنبية املبارشة :تتمثل تلك االستثامرات ىف املرشوعات واألنشطة التى ميلكها ويديرها
األجانب بسبب ملكيتهم الكاملة لها أو لنصيب كبري منها مام يربر لهم حق اإلدارة والرقابة املبارشة عىل
املرشوع لكن يالحظ أن الدول النامية لديها قدر كبري من التخوف من هذا النوع من االستثامرات نظرا
80
واستنزاف تلك الرشكات ملواردها القومية دون االهتامم مبصلحة الدولة كام أن رؤوس األموال تلك
ان املساعدات املالية التى تقدمها الدول املتقدمة إىل الدول النامية (املعامالت الثنائية الحكومية)
تشكل ىف الواقع أهم عنارص انسياب األموال األجنبية إىل الدول النامية حيث تشكل أكرث من %61من
اجامىل األموال األجنبية التى تنساب تجاه الدول النامية .وتأخذ املساعدات املالية من الدول املتقدمة
شكل املنح أو املساعدات أو الهبات أو أنها تكون ىف صورة قروض طويلة األجل واملنح ال تحمل التزاما
بالسداد مستقبال ,ىف حني تحمل القروض مثل ذلك االلتزام وتختلف القروض املقدمة من الدول
املتقدمة إىل تلك النامية من حيث الرشوط التى تصاحب كل قرض والتى تجعل من بعض القروض
قروضا ميرسة والبعض اآلخر قروضا صعبة ,إال أنه أيا كان شكل هذه املساعدات فإنها ترتبط بالدرجة
األوىل بالعالقات السياسية بني الدول املانحة وتلك املتلقية للمساعدات املالية .وىف كل األحوال فإن
املساعدات املالية تتميز بعدم كفايتها عىل الرغم من اتجاهها نحو التزايد من عام آلخر إال أنها مازالت
ضئيلة جدا إذا ما قورنت باحتياجات الدول النامية من جهة وبإمكانيات الدول املتقدمة اقتصاديا من
جهة أخرى .كام تتميز تلك املساعدات املالية بسوء التوزيع بشكل صارخ سواء من حيث اسهام كل
82
فمن حيث مدى اسهام كل دولة من الدول املتقدمة فيكفى أن نقارن بني نسبة ما يتحمله الفرد من
القروض ىف كل دولة من الدول املتقدمة فقد بلغت تلك النسبة ىف فرنسا ,%1.9وىف الواليات املتحدة
األمريكية ,%1.7وىف انجلرتا ,%1.1وىف املانيا الغربية ,%1.4ىف الوقت الذى مل تتجاوز فيه %1.1
أما من حيث نصيب كل دولة من الدول النامية فإن املساعدات املالية التي تقدمها الدول املتقدمة
تتميز كذلك بسوء توزيع صارخ ,وللداللة عىل ذلك يكفى أن نشري إىل أن نصيب الفرد من املساعدات
املالية ىف الدول التى يقل دخل الفرد فيها عن 111دوالر سنوياً يقل عن نصيب نظريه ىف الدول التى
يقل متوسط دخل الفرد فيها عن 411دوالر سنويا ,بل أكرث من ذلك فإن الدول التى يزيد دخل الفرد
فيها عن 411دوالر سنويا ,يزيد نصيب الفرد فيها من املساعدات املالية عن دول املجموعتني األوىل
والثانية مجتمعة.
مل تبدأ املنظامت الدولية ىف تقديم القروض إىل الدول النامية إال بعد نهاية الحرب العاملية الثانية .وىف
أعقاب تلك الحرب وطبقا التفاقية "برتون وودز" فقد أنشئ البنك الدوىل لالنشاء والتعمري ولسنا
بحاجة إىل استعراض مهام وأنشطة تلك املؤسسة ولكننا سنقترص عىل اإلجراءات التي يتخذها البنك
القراض الدول.
تتقدم الدولة الراغبة يف االقرتاض بطلب إىل البنك ويدرس الطلب ىف املركز الرئيىس وإذا ما كانت نتيجة
الدراسة التمهيدية مقبولة يخطر البنك الدولة صاحبة الطلب بأنه ىف حاجة إىل مزيد من الدراسة .ثم
يقوم البنك بارسال بعثة منه إىل الدولة الطانبة لدراسة امكانيات وظروف املرشوع املزمع االقرتاض من
أجله
83
وتتكون بعثة البنك من مهندس واقتصادى وخبري ىف الشئون غري الهندسية يكون متخصصا يف الجانب
النوعى للمرشوع .ويدرس الفنيون الجوانب الفنية للمرشوع (الجوانب التكنيكية) ,بينام يقوم
االقتصادى بدراسة الحالة االقتصادية يف الدولة الراغبة ىف االقرتاض من حيث قدرة الدولة عىل سداد
مديونيتها مستقبال وبعد ذلك يقرر البنك ما إذا كان من املمكن أن ميول املرشوع من عجمه وغالبا ما
تكون املعايري التي تتم املوافقة مبوجبها عىل القرض هي أن املرشوع املطلوب االقرتاض من أجله
مرشوع يعود عىل البلد بالنفع وكذلك إمكانية السداد مستقبال .وإذا ما تقرر منح القرض فتشكل لجان
التقييم واملتابعة للتأكد من أن القرض املذكور يستخدم يف الغرض الذى اتفق عليه.
وعىل الرغم من أن مثة اعتبارات سياسية قد تشوب قرارات البنك ىف منح القروض أو رفضها إال أن
الدراسات الجادة التى تقوم بها البعثات امليدانية الشك تكشف الكثري مام يفيد الدول النامية
ويساعدها عىل تخطيط مسارها االقتصادى ىف االتجاه السليم ,كام قد يكشف مواطن ضعف ميكن
وباإلضافة إىل البنك الدوىل لالنشاء والتعمري هناك الهيئات االمنائية التابعة لألمم املتحدة والتى أنشئت
ملساعدة الدول النامية وبخاصة ىف مجال املعونة الفنية .وهناك هيئات شبه دولية بدأت متارس نشاطها
مثل بنك التنمية االفريقي وبنك التنمية العرىب وصناديق االمناء العربية ,واملرصف العرىب االسالمي
للتنمية ,وهذه املؤسسات سيكون لها دور هام ىف متويل عمليات التنمية ىف دول العامل الثالث
مستقبالً..
84
الفصل الثالث
التنمية املستدامة
إن مفهوم التنمية املستدامة الذي تهدف إليه السياسة االقتصادية مرتبط بالرفاهية االجتامعية وبرفع
مستوى املعيشة؛ وذلك من خالل رفع مستوى ونوعية حاجات اإلنسان األساسية والثانوية عىل املدى
البعيد.
وتشكل التنمية املستدامة هدفا من أهداف السياسات االقتصادية يف كل دول العامل ,ولها تأثري واضح
والتنمية املستدامة ال متثل ظاهرة أو اهتامما جديدا ,فالدافع وراء مخاوفنا الحالية يرجع إىل آالف
السنني ,ولكن التنمية املستدامة كمصطلح فعدد قليل نسبيا سمع به قبل مؤمتر األمم املتحدة للبيئة
والتنمية يف يونيو ,1992وارتبط هذا املفهوم بتزايد الوعي إزاء املشاكل البيئية من خالل اللجان
ويعود أول استخدام لهذا املصطلح لناشطني يف منظمة غري حكومية سنة 1980تدعى ب world
,wildlife fundوقد ترجم إىل العربية بعدة مسميات منها التنمية القابلة لإلدامة ,القابلة لالستمرار,
وتعترب رئيس وزراء الرنويج Gro Harlem Bruntlandأول من استخدم مصطلح التنمية املستدامة
بشكل رسمي سنة 1987يف تقرير "مستقبلنا املشرتك" ,للتعبري عن السعي لتحقيق نوع من العدالة
وخالل الصفحات التالية سوف نتعرف عىل مفهوم التنمية املستدامة (سامتها ,مبادئها ,مقوماتها,
أهدافها ,مؤثراتها).
85
-1-مفهوم التنمية املستدامة
إن مفهوم التنمية املستدامة واسع التداول ,فلم يعد املشكل يف غياب التعاريف بل يف تعددها ووجهة
نظرها ,ولقد عاىن مصطلح التنمية املستدامة من التزاحم الشديد يف التعريفات ومن بني تلك
التعريفات:
أوالً :تعريف معهد املوارد العاملية :حيث تضمن التقرير الصادر عن هذا املعهد تقسيم التعريفات
اقتصاديا :تعني التنمية املستدامة للدول املتقدمة التخفيض يف استهالك الطاقة واملوارد ,أما بالنسبة
للدول النامية فهي تعني التوظيف األمثل للموارد املتاحة من أجل رفع مستوى املعيشة والحد من
الفقر.
اجتامعيا :تعني السعي من أجل تحقيق االستقرار يف النمو الدميوغرايف ,ورفع مستوى الخدمات الصحية
بيئيا :تعني حامية املوارد الطبيعية واالستخدام األمثل لألرايض الزراعية واملوارد املائية.
تكنولوجيا :تعني نقل املجتمع إىل عرص الصناعات النظيفة التي تستخدم تكنولوجيات غري ضارة
بالبيئة.
ثانياً :تعريف االتحاد العاملي للحفاظ عىل الطبيعة سنة : 1980فقد عرف التنمية املستدامة بأنها:
86
ثالثاً :تعريف البنك الدويل :فيعترب منط االستدامة هو رأس املال ,وعرف التنمية املستدامة بأنها" :تلك
التي تهتم بتحقيق التكافؤ املتصل الذي يضمن إتاحة نفس الفرص التنموية الحالية لألجيال القادمة
وذلك بضامن ثبات رأس املال الشامل أو زيادته املستمرة عرب الزمن".
وعرف املبدأ الثالث الذي تقرر يف مؤمتر األمم املتحدة للبيئة والتنمية الذي انعقد يف ريو دي جانريو
سنة 1992التنمية املستدامة بأنها" :رضورة انجاز الحق يف التنمية؛ حيث تتحقق بشكل متساو
الحاجات التنموية والبيئية ألجيال الحارض واملستقبل" ,وأشار املؤمتر يف مبدئه الرابع أن تحقيق التنمية
املستدامة ينبغي أن ال يكون مبعزل عن حامية البيئة بل متثل جزءا ال يتجزأ من عملية التنمية.
رابعاً :كام يرى مجلس منظمة األغذية والزراعة (FAO) :أن التنمية املستدامة هي إدارة قاعدة املوارد
الطبيعية وصيانتها وتوجيه التغريات التكنولوجية واملؤسسية بطريقة تضمن تلبية االحتياجات البرشية
يف حني نجد بعض االقتصاديني وضعوا للتنمية املستدامة تعريفا ضيقا ينصب عىل الجوانب املادية وآخر
اقتصادي يركز عىل اإلدارة املثىل للموارد الطبيعية ,وهذا لجعل املفهوم أقرب للتحديد.
ويؤكد أصحاب التعريف املادي للتنمية املستدامة عىل رضورة استخدام املوارد الطبيعية بطريقة ال
تؤدي إىل فنائها أو تدهورها ,أو تؤدي إىل تناقص جدواها املتجددة بالنسبة لألجيال املقبلة ,وذلك مع
املحافظة عىل رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غري متناقص من املوارد الطبيعية مثل الرتبة واملياه الجوفية
والكتلة البيولوجية.
87
بينام يركز أصحاب التعريف االقتصادي للتنمية املستدامة عىل الحصول عىل الحد األقىص من منافع
وحسب تقرير اإلتحاد العاملي للمحافظة عىل املوارد الطبيعية الصادر سنة 1981تحت عنوان
"اإلسرتاتيجية الدولية للمحافظة عىل البيئة" فإن التنمية املستدامة تعني" :السعي الدائم لتطوير
نوعية الحياة اإلنسانية ,مع األخذ باالعتبار قدرات النظام البيئي الذي يحتضن الحياة وإمكاناته.
مام سبق ,يتبني لنا أن التنمية حتى تكون مستدامة يجب أال تتجاهل العوامل البيئية ,وأال تؤدي إىل
استنزاف املوارد الطبيعية ,كام يجب أن تحدث تحوالت يف القاعدة الصناعية والتكنولوجيا السائدة.
كام يالحظ من خالل التعريفات أعاله أنها تخلط بني التنمية املستدامة من جهة وبني متطلباتها من
جهة أخرى ,لذلك فهي مل توضح بدقة جوهر التنمية املستدامة ,لكن مهام كان أصل املفهوم وتعريفه,
فالتنمية املستدامة قد أصبحت واسعة التداول ومتعددة االستخدامات ,حيث القت اهتامما كبريا من
ونجد أن أغلبية الكتابات تزيك تعريف لجنة البيئة والتنمية التابعة لألمم املتحدة واملعروفة بلجنة
"بريتالند" ,حيث تعرف هذه اللجنة التنمية املستدامة ) (PNUDعىل أنها" :تنمية تسمح بتلبية
احتياجات األجيال الحارضة دون اإلخالل بقرة األجيال القادمة عىل تلبية احتياجاتها".
88
-4-سامت التنمية املستدامة
التنمية املستدامة تختلف عن التنمية بشكل عام ,باعتبارها أكرث تداخال وأكرث تعقيدا من هذه األخرية,
تتوجه التنمية املستدامة أساسا إىل تلبية متطلبات واحتياجات أكرث الرشائح فقرا يف املجتمع ,وتسعى
للتنمية املستدامة بعد نوعي يتعلق بتطوير الجوانب الروحية والثقافية واإلبقاء عىل الخصوصية
الحضارية للمجتمعات
ال ميكن يف حالة التنمية املستدامة فصل عنارصها وقياس مؤرشاتها؛ لشدة تداخل األبعاد الكمية
والنوعية.
املالحظ من خالل التعاريف املتعلقة بالتنمية املستدامة أنها مستمدة من مبادئها الثالثة وهي:
"العدالة االجتامعية ,حامية البيئة ,الفعالية االقتصادية" ,وهنا نجد االهتامم بربط الجوانب االقتصادية
واالجتامعية بالجوانب البيئية ,مبعنى أن األرض واإلمكانيات الطبيعية التي تحتويها كمرياث يجب أن
يحول إىل األجيال املستقبلية بشكل غري منقوص ,ويف هذا اإلطار قام الفيلسوف السويدي Hans
JONASSبدمج املفاهيم الثالثة للتنمية ليستنتج مفهوم التنمية املستدامة حسب الشكل التايل:
89
شكل 9
كام يرى بعض االقتصاديني أن ملفهوم التنمية املستدامة مستويني أحدهام قوي واآلخر ضعيف ,تكون
االستدامة قوية إذا وقع حقل النشاطات االقتصادية ضمن مجال النشاطات اإلنسانية ,وهذه األخرية
تكون ضمن الدائرة البيولوجية ,وعليه فالنشاطات االقتصادية تنمو بشكل متضائل عىل املدى الطويل
91
شكل 11
بيئة
اجتماعية
اقتصادية
يوضح الشكل أن إمكانية التوسع نحو الخارج يف التنمية االقتصادية واالجتامعية يجب أن يتم يف إطار
الحدود البيئية ,لهذا فاالستدامة القوية ترفض فكرة اإلحالل بني مختلف أشكال رأس املال البرشي,
املايل ,التكنولوجي ...وتدعم رضورة بقاء عىل األقل جزء من مخزون رأس املال الطبيعي ثابتا.
أما االستدامة الضعيفة تفرتض درجة من اإلحالل بني مختلف أشكال رأس املال ,بحيث يكون مخزون
رأس املال الشامل ثابتا ,استنادا إىل قاعدة " "sollowالتي تقر أن :رأس املال الطبيعي القابل للفناء
90
شكل 11
بيئة
اجتماعية
اقتصادية
يوضح الشكل كيف ميكن التوسع عىل حساب رصيد املوارد البيئية رشيطة بقاء رصيد رأس املال الشامل
-4-
مع بداية القرن الواحد والعرشين بدأت تتبلور عقيدة بيئية جديدة تبناها البنك العاملي لإلنشاء
اقتضت خطورة مشكالت البيئة وندرة املوارد املالية التشدد يف وضع األولويات ,وتنفيذ إجراءات العالج
عىل مراحل ,وهذه الخطة قامئة عىل التحليل التقني لآلثار الصحية واإلنتاجية واإليكولوجية ملشكالت
92
املبدأ الثاين :االستفادة من كل دوالر:
كانت معظم السياسات البيئية مبا فيها السياسات الناجحة مكلفة بدون مربر وبدأ التأكيد عىل فعالية
التكلفة ,وهذا التأكيد يسمح بتحقيق انجازات كثرية مبوارد محدودة ,وهو يتطلب نهجا متعدد الفروع ,
ويناشد املختصني واالقتصاديني يف مجال البيئة والعمل سويا عىل تحديد السبل األقل تكلفة للتصدي
بعض املكاسب يف مجال البيئة سوف تتضمن تكاليف ومفاضالت ,والبعض اآلخر ميكن تحقيقه
كمنتجات فرعية لسياسات صممت لتحسني الكفاءة والحد من الفقر؛ نظرا لخفض املوارد التي تكرس
لحل مشكالت البيئة ,ومنها خفض الدعم عىل استخدام املوارد الطبيعية .
إن الحوافز القامئة عىل السوق والرامية إىل خفض األرضار الرضيبية هي األفضل من حيث املبدأ
والتطبيق ,فعىل سبيل املثال تقوم بعض الدول النامية بفرض رسوم االنبعاث وتدفق النفايات ,رسوم
يجب العمل عىل تنفيذ سياسات أكرث تنظيام وقدرة مثل :فرض رضائب عىل الوقودأو قيود االسترياد
ألنواع معينة من املبيدات الحرشية ,إدخال مبدأ الحوافز عىل املؤسسات الصناعية التي تسعى إىل
التقليل من األخطار البيئية ,مثل الحمالت الرامية إىل إطالع الرأي العام ونرش الوعي العام الذي يعترب
93
املبدأ السادس :العمل مع القطاع الخاص:
يجب عىل الدولة التعامل بجدية وموضوعية مع القطاع الخاص باعتباره عنرصا أساسيا يف العملية
االستثامرية ,وذلك من خالل تشجيع التحسينات البيئية للمؤسسات وإنشاء نظام (اإليزو) الذي يشهد
بأن الرشكات لديها أنظمة سليمة لإلدارة والبيئة .كذلك توجيه التمويل الخاص صوب أنشطة تحسني
عند التصدي للمشكالت البيئية لبلد ما ,تكون فرص النجاح قوية بدرجة كبرية إذا شارك املواطنون
أعضاء املجتمعات املحلية يعملون غالبا عىل مراقبة مشاريع البيئة .
إن مشاركة املواطنني متكن أن تساعد عىل بناء قواعد جامهريية تؤيد التغيري .
يجب عىل الحكومات االعتامد عىل االرتباطات الثالثية التي تشمل :الحكومة – القطاع الخاص –
منظامت املجتمع املدين ,وغريها ,وتنفيذ تدابري متضافرة للتصدي لبعض قضايا البيئة.
بوسع املديرين البارعني إنجاز تحسينات كبرية يف البيئة بأدىن التكاليف ,فمثال أصحاب املصانع
يستطيعون خفض نسبة التلوث للهواء والغبار من %61إىل %51بفضل تحسني تنظيم املنشآت من
الداخل.
94
املبدأ العارش :إدماج البيئة من البداية:
عندما يتعلق األمر بحامية البيئة ,فإن الوقاية تكون أرخص كثريا وأكرث فعالية من العالج وتسعى
معظم البلدان اآلن إىل تقييم تخفيف الرضر املحتمل من االستثامرات الجديدة يف البنية التحتية ,
وباتت تضع يف الحسبان التكاليف واملنافع النسبية عند تصميم اسرتاتيجيتها املتعلقة بالطاقة ,كام أنها
تجعل من البيئي عنرصا فعاال يف إطار السياسات االقتصادية واملالية واالجتامعية والتجارية والبيئية.
نستنتج أن املبادئ العرشة يسرتشد بها اآلن جيل جديد من صانعي السياسة البيئية والعقيدة البيئية
الجديدة التي تتميز مبزيد من التشدد يف إدماج تكاليف ومنافع البيئة يف تقرير السياسة يجعل من
السكان مكان الصدارة يف اإلسرتاتيجيات البيئية ,ويشخص ويعالج البواعث السلوكية لإلرضار بالبيئة .
إلرساء مفهوم التنمية املستدامة ,فالبد من توفر عدد من املقومات التي تشكل مرتكزات التنمية
املستدامة وأهمها:
أوالً :تلبية الحاجات اإلنسانية للسكان :فالوظيفة األساسية للتنمية املستدامة هي إعادة توجيه املوارد
مبا يضمن الوفاء باالحتياجات األساسية للمجتمع وتحسني مستوى معيشتهم ,لذلك نجدها ترتكز كثريا
عىل مسألة القضاء عىل الفقر انطالقا من اقتناعها أن عاملا يستوطنه الفقر والالمساواة سيكون دون شك
95
ويتطلب ذلك تأمني مستوى سكاين مستديم ,أي ميكن تلبية هذه املتطلبات بيرس أكرب عندما يكون
حجم السكان مستقرا عىل مستوى مالئم لحجم إنتاجية النظام البيئي ,كام يشرتط أيضا أن يكون هناك
التزام أخالقي بأن نفعل من أجل األجيال القادمة ,ما فعلته األجيال السابقة من أجلنا عىل األقل.
ثانياً :اإلدارة البيئية السليمة :ال ميكن تلبية احتياجات الحارض دون إخالل بقدرة األجيال املقبلة عىل
تلبية حاجاتها ,ما مل توجد إدارة قادرة عىل ضامن استمرارية االستفادة من املوارد الطبيعية ,دون إهدار
ونعني باإلدارة البيئية السليمة تلك التي تساهم يف تحقيق التنمية املستدامة باالستخدام الفعال لكل
األدوات املمكنة" ,الترشيعات والقوانني البيئية ,تقييم األثر البيئي ,االلتزام مببدأ املحاسبة البيئية,
ثالثاً :التنمية البرشية :تتضمن مذكرات املتحدثني -البيئة والتنمية -الصادر عن األمم املتحدة ,بأن
التنمية البرشية تساوي التنمية القابلة لالستمرار ,ويؤكد هذا أنه ال وجود للتنمية املستدامة بدون
تنمية برشية مستدامة ,والتنمية البرشية ,هي عملية توسيع الخيارات املتاحة أمام املجتمع ,وأهم
96
رابعاً :االقتصاد البيئي :يعترب االقتصاد الجهاز العصبي للتفاعالت بني البيئة والتنمية ,لذلك فإن التنمية
املستدامة تعتمد عىل مدى النجاح يف املوازنة بني النظام االقتصادي والنظام البيئي
خامساً :التكنولوجيا السليمة بيئيا -التكنولوجيا النظيفة :-تتعارض التنمية املستدامة مع تكنولوجيا
مرضة بالبيئة ,وعليه لتحقيق التنمية املستدامة البد من إعادة توجيه التكنولوجيا املستخدمة مام
يجعلها أكرث مالمئة للبيئة وذات استخدام أقل للموارد والطاقة ,وتولد قدرا أقل من التلوث والنفايات.
لذا يتعني عىل الدول النامية أن تستورد تكنولوجيا نظيفة مالمئة لبيئتها املحلية ,وأن تعمل باستمرار
عىل تطوير قدراتها الذاتية ,فيام يتعلق بالتعامل مع التكنولوجيا مام يجعلها تكسب قدرات ومهارات
تقنية تؤمن لها يف نهاية املطاف القدرة عىل تطوير وإنتاج تكنولوجيا محلية نظيفة .
سادساً :االعتامد عىل الذات والتعاون الدويل للمشكالت البيئية العاملية :التنمية املستدامة هي تنمية يف
إطار االعتامد عىل الذات ,داخل الحدود الوطنية ويف حدود القيود التي تفرضها املوارد الطبيعية ,أي
البد لكل دولة أن تتعايش مع بيئتها ,وفقا لألسس املحلية ,ومبا يتيح املوامئة بني حاجاتها ورغباتها,
ومبا أن التنمية املستدامة هدفا لكل شعوب العامل ,املتقدمة والنامية ,وأن النظم الطبيعية ومشاكل
البيئة ال تعرتفان بالحدود اإلقليمية ,فإن التعاون الدويل أمرا رضوريا لدفع التنمية املستدامة نحو
األمام.
97
-1-أهداف التنمية املستدامة
عىل اعتبار أن التنمية املستدامة تتمحور حول اإلنسان ,فيجب أن تحافظ عىل البيئة التي يعيش فيها,
فالهدف الرئييس هو إجراء تغيريات جوهرية يف البنى التحتية والفوقية للمجتمع دون التأثري السلبي
وعند التدقيق يف مفهوم التنمية املستدامة ومتابعة ما نرش عنه من برامج وسياسات ميكن تحديد
-أنها تساهم يف وضع االسرتاتيجيات التنموية برؤية مستقبلية أكرث توازنا وعدال.
-أنها تنطلق من أهمية تحليل األوضاع االقتصادية والسياسية ,االجتامعية واإلدارية برؤية شمولية
-تهدف إىل توحيد الجهود بني القطاعات العامة والخاصة ,لتحقيق األهداف والربامج التي تساهم يف
-تهدف إىل إحداث التغيري الفكري والسلويك واملؤسيس الذي يتطلبه وضع السياسات والربامج
-وعىل نطاق املامرسة امليدانية ,فالتنمية املستدامة تنشط فرص الرشاكة واملشاركة يف تبادل الخربات
واملهارات ,وتساهم يف تفعيل التعليم والتدريب لتحفيز اإلبداع والبحث عن أساليب تفكري جديدة.
98
-6-أبعاد التنمية املستدامة
لقد شهدت الدول النامية منذ بداية مثانينيات القرن املايض تدهورا يف مستوى الدخل الحقيقي ألسباب
داخلية وخارجية ,مام أدى بها إىل االقرتاض الخارجي ,وهو ما نتج عنه استنزاف مواردها الطبيعية
للوفاء بالتزاماتها الخارجية ,ولذلك فقد ازداد االهتامم مبفهوم التنمية الذي ميثل أبعادا متعددة
ومرتبطة فيام بينها ,وقد حدد مؤمتر القمة العاملية للتنمية املستدامة املنعقد يف "جوهانسربغ" سنة
2002األبعاد الرئيسية ملفهوم التنمية املستدامة يف ثالثة محاور ,هي كام ييل:
ويقصد به تحسني مستوى معيشة األفراد ,من خالل تلبية احتياجاتهم من السلع والخدمات.
ويعني البعد االقتصادي للتنمية املستدامة االنعكاسات الراهنة واملقبلة لالقتصاد عىل البيئة ,وذ أنه
يطرح مسألة اختيار ومتويل وتحسني التقنيات الصناعية يف مجال توظيف املوارد الطبيعية .وتوفق
التنمية املستدامة بني هذين البعدين ,ليس يف أخذها بعني االعتبار املحافظة عىل الطبيعة فحسب ,بل
بتقديرها ملجموع العالقات املقامة بني الطبيعة وبني األفعال البرشية كذلك .
ومتنح التنمية املستدامة باعتبارها مؤسسة عىل التآزر بني اإلنسان والبيئة ,واألفضلية للتكنولوجيات
وتدافع التنمية املستدامة عن عملية تطوير التنمية االقتصادية التي تأخذ يف حسابها -عىل املدى
البعيد -التوازنات البيئية األساسية باعتبارها قواعد للحياة البرشية والطبيعية والنباتية.
99
وتتجىل األبعاد االقتصادية من خالل تلبية الحاجات واملتطلبات املادية لإلنسان عن طريق اإلنتاج
واالستهالك؛ حيث تختلف بني البلدان املتقدمة والنامية ,غري أنه ويف ظل محدودية املوارد املتاحة
للعديد من البلدان ,فالبعد االقتصادي يصعب تحقيقه ,ما مل تتوفر مجموعة من العوامل ,وميكن
-1حصة االستهالك الفردي من املوارد الطبيعية :تشري اإلحصائيات أن استغالل الدول الصناعية للموارد
الطبيعية ميثل أضعاف ما تستخدمه الدول النامية عىل مستوى نصيب الفرد ,فالواليات املتحدة
األمريكية تستهلك من الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم أكرث من الهند ب 33مرة ,وكام هو
الحال يف دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ) (OCDEأعىل بعرش مرات يف املتوسط للدول
النامية.
فالتنمية املستدامة يف الدول الغنية تتلخص يف إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات االستهالك
املبددة للطاقة واملوارد الطبيعية وذلك عرب تحسني مستوى الكفاءة ,رشيطة التأكد من عدم تصدير
الضغوط البيئية إىل الدول النامية ,كام تعني التنمية املستدامة تغيري أمناط االستهالك التي تهدد التنوع
-4مسؤولية البلدان املتقدمة عن التلوث ومعالجته :أدى االستهالك املرتاكم من املوارد الطبيعية مثل
املحروقات للدول الصناعية يف املايض إىل إسهامها يف مشكالت التلوث العاملي ,لذا تقع عليها املسؤولية
الكاملة يف معالجته ما دامت تكسب املوارد املالية والتقنية والبرشية الكفيلة باستخدام تكنولوجيا
011
-4تقليص تبعية البلدان النامية :مثة جانب يربط بني الدول الغنية والفقرية له تأثري عىل تحقيق التنمية
املستدامة؛ ذلك أنه بالقدر الذي ينخفض فيه استهالك املوارد الطبيعية يف الدول الصناعية يتباطأ منو
صادرات هذه املنتجات يف الدول النامية وتنخفض أسعارها ,مام يحرم الدول النامية من إيرادات تحتاج
إليها لتحقيق تنميتها االقتصادية واالجتامعية ,ألجل ذلك ال بد عىل الدول النامية االعتامد عىل منط
تنموي يقوم عىل االعتامد عىل الذات لتنمية القدرات الذاتية وتأمني االكتفاء الذايت.
فالتنمية املستدامة يف الدول الفقرية تعني استغالل املوارد الطبيعية ألغراض التحسني املستمر
ملستويات املعيشة ,وتخفيف عبء الفقر؛ ألن هناك روابط وثيقة بني الفقر وتدهور البيئة ,والنمو
الرسيع للسكان ,والتخلف الناجم عن التاريخ االستعامري ,والتبعية املطلقة للقوى الرأساملية.
-3املساواة يف توزيع املوارد :تعترب الوسيلة الناجحة للتخفيف من عبء الفقر وتحسني مستويات
املعيشة مسؤولية كل من الدول الغنية والفقرية ,وتعترب هذه الوسيلة غاية يف حد ذاتها ,وتتمثل يف
جعل فرص الحصول عىل املوارد واملنتجات والخدمات فيام بني جميع األفراد داخل املجتمع أقرب إىل
املساواة.
-1تقليص اإلنفاق العسكري :كام تعني التنمية املستدامة أيضا تحويل األموال من اإلنفاق لألغراض
العسكرية وأمن الدولة إىل اإلنفاق عىل احتياجات التنمية ,ومن شأن إعادة تخصيص ولو جزء بسيط
من املواد املكرسة اآلن لألغراض العسكرية اإلرساع بالتنمية بشكل ملحوظ.
-6توفر عنارص اإلنتاج الرئيسية ,ويف مقدمتها رأس املال والتنظيم واملعرفة.
010
-7رفع مستوى كفاءة وفعالية األفراد واملنظامت املعنية بتنفيذ السياسات والربامج التنموية.
-5زيادة معدالت النمو يف اإلنتاج لزيادة معدل الدخل الفردي وتنشيط العالقة والتغذية الراجعة بني
املدخالت واملخرجات.
تطرح التنمية املستدامة بتأكيدها عىل مبدأ الحاجات البرشية مسألة السلم الصناعي ,أي الحاجات
التي يتكفل النظام االقتصادي بتلبيتها .لكن الطبيعة تضع حدودا يجب تحديدها واحرتامها يف مجال
التصنيع ,والهدف من وراء كل ذلك هو التسيري والتوظيف األحسن للرأسامل الطبيعي بدال من تبذيره.
ويرتكز مفهوم التنمية املستدامة عىل حقيقة أن استنزاف املوارد الطبيعية ,والتي تعترب رضورة ألي
نشاط زراعي أو صناعي ,ستكون له آثار سلبية عىل التنمية واالقتصاد بشكل عام ,لهذا فإن أهم أبعاد
التنمية املستدامة يتمثل يف محاولة إيجاد املوازنة بني النظام االقتصادي والنظام البيئي.
ويركز البعد البيئي عىل حامية النظم البيئية ,والحفاظ عىل املوارد الطبيعية ,واالستخدام األمثل لها
عىل أساس مستديم ,والتنبؤ ملا قد يحدث للنظم البيئية من جراء التنمية .وميكن إجامل األبعاد البيئية
يف ما ييل:
-1صيانة املياه :تعني التنمية املستدامة وضع حد لالستخدامات املبددة ,وتحسني كفاءة شبكات املياه,
كام تعني تحسني نوعية املياه وقرص املسحوبات من املياه السطحية عىل معدل ال يحدث اضطرابا يف
النظم االيكولوجية التي تعتمد عىل هذه املياه ,وقرص املسحوبات من املياه الجوفية مبا يضمن
تجددها.
012
-4تقليص مالجئ األنواع البيولوجية :معناه أن يتم صيانة ثراء األرض يف التنوع البيولوجي لألجيال
املقبلة؛ وذلك بإبطاء عمليات االنقراض ,وتدمري املالجئ والنظم االيكولوجية بدرجة كبرية ,وإن أمكن
وقفها.
-4إتالف الرتبة ,استعامل املبيدات ,تدمري الغطاء النبايت واملصائد :فمن املالحظ أن تعرية الرتبة,
وفقدان إنتاجيتها يؤديان إىل التقليص من غلتها ,كام أن اإلفراط يف استخدام األسمدة ومبيدات
الحرشات يؤدي إىل تلويث املياه السطحية والجوفية ,أما الضغوط البرشية والحيوانية فهي يف عالقة
سلبية مع الغطاء النبايت والغابات ,كام أن هناك مصائد كثرية من األسامك يف املياه العذبة أو البحرية
-3حامية املناخ من االحتباس الحراري :ويعني عدم املخاطرة بإجراء تغيريات كبرية يف البيئة العاملية
من شأنها أن تحدث تغيري يف الفرص املتاحة لألجيال املقبلة ,وذلك بالحيلولة دون زعزعة استقرار
املناخ ,أو النظم الجغرافية الفيزيائية والبيولوجية ,أو تدمري طبقة األوزون الحامية لألرض من جراء
النشاط البرشي.
-1املحروقات واالحتباس الحراري :حيث يجري استخراج املحروقات وإحراقها وطرح نفاياتها داخل
البيئة ,فتصبح بذلك مصدرا رئيسيا لتلوث الهواء يف املناطق العمرانية ,ولألمطار الحمضية ,واالحتباس
الحراري الذي يهدد تغري املناخ ,وتشري اإلحصائيات إىل تزايد استخدام .
013
فالتنمية املستدامة ترمي إىل الحد من املعدل العاملي لزيادة انبعاث الغازات الحرارية ,من خالل الحد
بصورة كبرية من استخدام املحروقات وإيجاد مصادر أخرى للطاقة إلمداد املؤسسات الصناعية ,كام
تعني أيضا أن تتخذ البلدان الصناعية الخطوات األوىل للحد من انبعاث ثاين أوكسيد الكاربون
واستحداث تكنولوجيا جديدة الستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكرب وتوفري إمدادات من الطاقة غري
-6الحيلولة دون تدهور طبقة األوزون :متثل اإلجراءات التي اتخذت ملعالجة هذه املشكلة يف اتفاقية
كيوتو مشجعة جدا ,حيث جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيا من املواد الكيميائية املهددة لألوزون,
وتوضح بأن معالجة مخاطر البيئة العاملية يحتاج إىل تعاون دويل ,يف حني رفضت الواليات املتحدة
األمريكية التوقيع عىل هذه االتفاقية اعتقادا منها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة املجتمع الدويل مادام
لقد أصبح ينظر لإلنسان عىل أنه املحور األسايس للتنمية ,وهو وسيلة وهدف يف آن واحد.
وهذا الطرح للتنمية يختلف عن الفكر الكالسييك لتكوين رأس املال البرشي؛ فنمو الناتج اإلجاميل رشط
رضوري للتنمية ,لكنه غري كايف –خاصة -عندما تكون التنمية البرشية غري متوفرة.
014
وتجدر اإلشارة إىل صعوبة تحقيق التوازن بني البعد البيئي والبعد البرشي للتنمية املستدامة ,وهنا
تظهر رضورة وجود مؤرشات محددة تسمح للدول النامية بتحديد درجة نفاذ املوارد الطبيعية ,وبالتايل
إيجاد توازن بني استغالل املوارد املتاحة ,كالنفط ,وبني حجم السكان ومتطلبات التنمية ,دون التأثري
والبعد البرشي للتنمية املستدامة يسعى إىل استقرار النمو الدميوغرايف ,ووقف النزوح إىل املدن,
وتحقيق أكرب قدر من املشاركة الشعبية يف تخطيط التنمية ,وتحسني قدرة الحكومات عىل توفري
-1تثبيت النمو الدميوغرايف :حيث أن هذا األمر أصبح يكتيس أهمية بالغة ,ليس ألنه يستحيل منو
السكان لفرتة طويلة بنفس املعدالت الحالية فقط ,بل كذلك النمو الرسيع يحدث ضغوطا حادة عىل
-4مكانة الحجم النهايئ للسكان وأهمية توزيعه :توحي اإلسقاطات الحالية يف ضوء االتجاهات
الحارضة للخصوبة بأن عدد سكان العامل سيستقر عند حايل 11.6مليار نسمة ,وهو أكرث من ضعف
عدد السكان الحاليني ,وبالتايل وجب النظر يف الحجم النهايئ الذي يصل إليه السكان؛ ذلك أن حدود
كام تهتم التنمية املستدامة برضورة النهوض بالتنمية الريفية لتقليل الهجرة إىل املدن ,فاالتجاهات
الحالية نحو توسيع املناطق الحرضية وال سيام تطور املدن الكبرية لها عواقب بيئية كبرية؛ إذ تقوم
املدن برتكيز النفايات واملواد امللوثة فتسبب يف كثري من األحيان أوضاع لها خطورة عىل املجتمع وتدمر
015
وعلية فالتنمية املستدامة تعني اتخاذ تدابري سياسية خاصة مثل اعتامد اإلصالح الزراعي ,واعتامد
-4االستخدام الكامل للموارد البرشية :تعني التنمية املستدامة إعادة تخصيص املوارد مبا يضمن الوفاء
باالحتياجات البرشية األساسية ,مبعنى تحسني الرفاه االجتامعي ,وحامية التنوع الثقايف ,واالستثامر يف
رأس املال البرشي بتدريب املربني والعاملني يف الرعاية الصحية وغريهم من املتخصصني الذين تدعو
-3األسلوب الدميقراطي واملشاركة يف الحكم عىل املستوى السيايس :يشكل اعتامد النمط الدميقراطي,
وتوسيع قاعدة املشاركة الشعبية يف اتخاذ القرار والحكم مبا يعزز ثقة األفراد بأهمية دورهم ,القاعدة
-1استعامل تكنولوجيا أنظف يف املرافق الصناعية :ذلك أن تدفق النفايات خاصة يف الدول النامية
تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إىل الكفاءة أو لعمليات التبديد وال تخضع للرقابة إىل حد كبري,
فالتنمية املستدامة تعني التحول إىل تكنولوجيات أنظف وأكفأ ,وتقلص من استهالك الطاقة وغريها من
املوارد الطبيعية إىل أدىن حد ,كام تتسبب هذه التكنولوجيات يف ملوثات أقل يف املقام األول ,وتعيد
تدوير النفايات داخليا ,مع إبقاء التكنولوجيات التقليدية التي تفي هذه املعايري.
016
-7-مؤرشات التنمية
تشري التنمية املستدامة إىل مجموعة واسعة من القضايا ,تنطوي عىل نهج متكامل يف إدارة االقتصاد و
تحقيق النمو وايضااملحافظة عىل البيئة كأحد العنارص الداعمة لتحقيق التنمية ,واالهتاممات باملجاالت
ويحتاج صانعو القرار إىل معلومات للميض قدما نحو تحقيق التنمية املستدامة ,مثل :معلومات عن
مرحلة التقدم الراهنة ,ومعلومات عن االتجاهات ونقاط الضغط ,ومعلومات عن أثر التدخالت؛ وهذه
املؤرشات تسمح ألصحاب القرار وواضعي السياسات من رصد التقدم املحرز يف سبيل تحقيق التنمية
املستدامة.
وينبغي وضع املقاييس العددية للتنمية املستدامة بحذر؛ نظرا للخصائص الفريدة التي تتمتع بها
املقاييس الزمانية واملكانية .فقد تكون لدينا أرقام ولكن ال توحي مبا نريد معرفته "-فوهم اليقني أكرث
ويف الوقت الحايل نحن بحاجة إىل إعداد مؤرشات جيدة للتنمية املستدامة لتقويم أثر النشاطات
والتأثري عىل القرارات نحو األحسن ,حيث يقتيض التوازن بني األنشطة االقتصادية والرفاه االجتامعي
يف هذا اإلطار اعتمدت لجنة التنمية املستدامة التابعة لألمم املتحدة سنة 1995إطارا تحليليا يصنف
017
ثانياً :مؤرشات الحالة :التي توفر صورة للحالة الراهنة لألمور.
ثالثاً :مؤرشات االستجابة :والتي توجد التدابري املتخذة بصدد التنمية االقتصادية.
وقد جرت العادة عىل استخدام املؤرشات االقتصادية يف تحديد أهداف التنمية وقياس التقدم املحرز,
حيث كان منو الدخل الفردي الهدف الرئييس للتنمية ,غري أن األمر مل يعد كذلك ,إذ أن بيانات املجاميع
االقتصادية الكلية تحجب أوجه التفاوت بني الفئات ,كام أنه تم اإلقرار بأن مثة أهداف أخرى ,مثل
تحسني الخدمات الصحية والتعليمية وحامية البيئة يف عملية التنمية االقتصادية ,والنهوض مبؤسسات
الحكم ال تقل أهمية لتحقيق تنمية مستدامة ,ومع ذلك ينبغي التأكيد عىل أهمية االستناد إىل مبادئ
وتختلف مؤرشات قياس التقدم يف تحقيق التنمية املستدامة باختالف الهيأة املعدة لها ,ويرجع ذلك إىل
املتغريات املأخوذة يف اإلعتبار ,والغرض من املؤرش ,وحتى وجهات النظر حول مفهوم التنمية املستدامة
يف حد ذاته .وسرنكز عىل املؤرشات القطاعية للتنمية املستدامة واملؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول
تنطوي عىل إعداد مؤرش البعد البيئي للتنمية املستدامة ومن أهمها:
أسس هذا املؤرش كل من REESو ,WACKERNAGELوهو يقيس الضغط الذي ميارسه اإلنسان
عىل الطبيعة؛ حيث يقوم عىل املساحة املنتجة الرضورية ملجتمع ما لتلبية متطلباته -استهالكه من
املوارد ,احتياجاته من طرح النفايات ,ومن بني أهم خصائص املؤرش نجد:
018
املرونة :حيث ميكن قياس البصمة االيكولوجية للعامل ,لدولة ,لشخص ,ملؤسسة.
الديناميكية :حيث تتطور حسب عدة عوامل ,مثل :النمو الدميغرايف ,واالستهالك املتوسط للفرد ,التقدم
التكنولوجي.
الربط املبارش بني أهم نقطتني للتنمية املستدامة وهام الحاجة واملوارد.
وتجدر اإلشارة هنا أن وحدة القياس املستخدمة يف هذا املؤرش هي "وحدة املساحة" الهكتار وتعتمد
عىل:
كام ميكن الحصول عىل البصمة االيكولوجية ملتوسط املساحة لكل فرد بقسمة مساحة األرض عىل عدد
السكان ,فمثال البصمة االيكولوجية للواليات املتحدة األمريكية لوحدها -متوسط استهالك الدولة مقدرا
بوحدة املساحة -تستحوذ عىل ما يفوق %41من املساحة الكلية لكوكب األرض -حسب دراسة أجراها
019
ثانياً :مؤرش املحاسبة البيئية -املحاسبة الخرضاء:
تهدف املحاسبة الوطنية إىل وضع يف األفق متغريات معربة عن حالة وتطور االقتصاد الوطني؛ إلعطاء
أصحاب القرار قاعدة للعمل ,فنظام املحاسبة الوطنية هو مجموعة الحسابات التي تقوم بها الدول
دوريا ملتابعة تطور اقتصادها ,وعادة ال يتم إدماج القيمة االقتصادية للموارد الطبيعية يف نظام
املحاسبة الوطنية ,ومع بروز مفهوم التنمية املستدامة أدى بالحكومات إىل الرغبة يف إدماج البعد
االقتصادي الكيل للبيئة يف حقل القرار السيايس ,خصوصا بواسطة محاسبة بيئية خاصة تسمى املحاسبة
الخرضاء.
وميكن تعريفها بأنها :الوصف املنهجي داخل إطار محاسبي للعالقات املتبادلة بني البيئة واالقتصاد.
وقد أعدت املحاسبة الوطنية الخرضاء يف القرن العرشين ابتداءا من السبعينات ,وتم استكاملها يف بداية
التسعينات بهدف صياغة مؤرشات تنمية مستدامة ,الغرض منها اإلحاطة باألبعاد البيئية.
وال تتموضع االستعامالت الواعدة أكرث للحسابات البيئية عىل مستوى االقتصاد الكيل ,حيث مل يتم
تحديد دقيق لالستخدامات امللموسة للحسابات ,باإلضافة إىل استمرار مشاكل منهجية كبرية بقدر ما
تتموضع عىل املستوى القطاعي؛ حيث يرتجم الطلب عىل مثل هده األدوات حاجات دقيقة مثل تسيري
املاء أو الغابات.
001
وتستعمل أدوات املحاسبة البيئية يف ما ييل:
تسيري املصادر الطبيعية والبيئية :تقتيض إقامة هذه الحسابات جهدا إدماجيا و تنظيميا للمعلومة,
وكذا هيكلة وانسجام للمعطيات حول البيئة .وتسمح هذه الحسابات باكتساب معرفة املحيط ,وهي
رشط أويل لتسيري ناجح .وهذا بتشخيص حالة املصادر واألوساط الطبيعية وكذا تطورها تبعا
تقديم مساعدة إىل صانعي القرار :تسمح الحسابات بتقدير االتجاهات الهامة لتطور البيئة وآثار
النشاطات االقتصادية القطاعية عىل حركة مخزون املصادر الطبيعية ,وبالتايل تساعد صانعي القرار يف
تطوير مؤرشات الدميومة :تجمع حسابات البيئة معلومات قاعدية ميكن انطالقا منها إعداد مؤرشات
ورغم أنه ال يوجد منوذج واحد ملحاسبة بيئية ,ميكن متييز بني ثالثة مقاربات رئيسية:
أ -ضبط نظام املحاسبة الوطنية :تعتمد عىل مبدأ الناتج الداخيل الخام األخرض ,وتهدف هذه املقاربة
االقتصادية الكلية الخاصة باملحاسبة البيئية إىل تهيئة نظام املحاسبة الوطنية بإدماج عدة معطيات
داخلية ,كتكلفة األرضار االيكولوجية ,وانخفاض مخزونات املوارد الطبيعية ,نفقات تسيري البيئة ,و قيمة
الخدمات البيئية ,وهذا بهدف ترشيد استخدام املوارد الطبيعية –تحسني طرق استهالكها تدهورها -مبا
يسمح بتجددها ,والتي تعد استهالكات وسيطية متعددة ,وعليه ميكن تخفيض مبلغ القيمة املضافة
بالنسبة لكل إنتاج ومن ثم حساب الناتج الداخيل الخام مصحح من اخرتاقات البيئة .فهذا ما يسمى
000
وقد طبق ألول مرة يف أندونسيا ,مع نهاية الثامنينات من طرف املعهد العاملي للموارد ) (WRIالذي
قيم اندثار الغابات اإلندونيسية بهدف إدماج هذا التقييم يف املنتوج الداخيل الصايف ,حيث ألفت انتباه
االيكولوجيني واالقتصاديني حول نقائص نظام املحاسبة الوطنية ,مام أدى إىل صياغة مؤرش اقتصادي كيل
إن ضبط نظام املحاسبة الوطنية ,و حساب الناتج الداخيل الخام األخرض ,يتصفان ببعض التغريات
الناتجة بالدرجة األوىل عن الخصائص الجوهرية للبيئة التي تعترب باألساس ذات طابع غري تجاري,
فاملشكالت املنهجية العملية املرتبطة بإدماج البيئة يف نظام املحاسبة الوطنية ,مل تجد إىل اليوم حلوال
لها.
ب -الحسابات التابعة :وهي تهدف إىل تكملة نظام املحاسبة الوطنية عىل أساس الحسابات التابعة
للمعلومة االقتصادية التي يحتويها نظام املحاسبة الوطنية من دون تغيريه .
وقد استعملت يف دول كثرية لتوفري املعلومات املحاسبية املفصلة حول نشاط خاص مثل :البحث و
وتسمح املحاسبة التابعة بتحديد الجهود املتعلقة بحامية البيئة يف بلد ما ,من دون أن يحدث أي تغيري
يف مؤرشات االقتصاد الكيل -الناتج الداخيل الخام والناتج الوطني الخام -فال تصحح بالتايل عجزها.
وتجمع حسابات البيئة التابعة ,املعلومات الفيزيائية الصادرة عن اإلحصائيات حول حالة البيئة
واملصادر الطبيعية ومعلومات متوفرة يف اإلطار املركزي للمحاسبة الوطنية مثل :مصاريف تجديد
إذن متد هذه الحسابات القدرة التحليلية لنظام املحاسبة الوطنية .و تقدم هذه الحسابات الوظائف
الثالثة األساسية:
002
-تفكيك نظام املحاسبة الوطنية الستخراج املظاهر البيئية منه.
ج -حسابات املصادر و الرتاث الطبيعي :منذ سنة 1970تم تخيل حسابات فيزيائية للبيئة -من طرف
الرنويجيني ,-وتحت تسمية حسابات املصادر الطبيعية ,نظرا لصعوبة التقدير النقدي لبعض املظاهر
البيئية يف املحاسبة البيئية التابعة ,وتعالج هذه األخرية مصادر نظام اإلنتاج معربا عنها بوحدة فيزيائية
أو نقدية.
وامتد ذلك يف فرنسا التي عمدت عىل استخدام مؤرشات مادية ونقدية للمصادر الطبيعية القابلة
للتسويق والعنارص الطبيعية عدمية القيمة التجارية مبا يف ذلك األنظمة البيئية ,وأطلق عليها اسم
املوروث الطبيعي ,وتتضمن املحاسبة التابعة ,كام تشكل وصلة بني املحاسبة الوطنية –النقدية-
واملحاسبة املادية.
وهو مؤرش وطني تم إعداده مع بداية التسعينات من القرن املايض ,يعتمد عىل إدماج معطيات
اجتامعية نوعية ,يحيط بأهم الجوانب االجتامعية للتنمية؛ حيث يرتبط باملستوى التعليمي ,نصيب
الفرد من الدخل الوطني , ....ويقترص هذا املؤرش عىل إبراز التقدم يف مستوى التنمية البرشية من
خالل معطيات اقتصادية واجتامعية فحسب ,ويركز املؤرش عىل الخيارات املتعلقة بالتنمية البرشية
املتاحة وأهمها:
003
-مستوى معييش الئق ميكن تحقيقه من خالل زيادة متوسط نصيب الفرد من الدخل.
-إتاحة الفرصة الكاملة لكافة األفراد للمشاركة يف القرارات التي يتخذها املجتمع
004
-9-املؤرشات األساسية املجمعة يف الفصول ذات الصلة
-1التعاون الدويل لتعجيل التنمية املستدامة :وميكن قياسها من خالل نصيب الفرد من الناتج املحيل
اإلجاميل ,ويحسب بقسمة الناتج املحيل اإلجاميل بأسعار السوق الجارية يف سنة معينة عىل عدد
السكان ,وميكن تصنيفه من مؤرشات القوة الدافعة ,ويقيس هذا املؤرش مستوى اإلنتاج الكيل وحجمه,
ومع أنه ال يقيس التنمية املستدامة قياسا كامال فإنه ميثل عنرصا هاما من عنارص نوعية الحياة.
-4حصة االستثامر الثابت اإلجاميل إىل الناتج املحيل اإلجاميل :وميثل اإلنفاق عىل إضافات األصول الثابتة
لالقتصاد كنسبة من الناتج املحيل اإلجاميل ,يقيس هذا املؤرش نسبة االستثامر اإلجاميل إىل اإلنتاج,
-4صادرات /واردات السلع والخدمات :ويبني قدرة البلدان عىل االستمرار يف االسترياد.
-3تغيري أمناط االستهالك :وميكن قياسه من خالل نصيب الفرد السنوي من استهالك الطاقة ,حيث
005
-1املوارد واآلليات املالية :ويتم قياسها من خالل املؤرشات التالية:
رصيد الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل ,وتعني نسبة مجموع صايف الصادرات
من السلع والخدمات وصايف الدخل وصايف التحويالت إىل الناتج املحيل اإلجاميل .ويبني هذا املؤرش
فائض أو عجز الحساب الجاري مقارنة بالناتج املحيل اإلجاميل ويقيس مدى رسعة تأثر االقتصاد.
مجموع الدين الخارجي كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل ,ويقصد مبجموع الدين املعطى أو
املتلقي ,ويقيس هذا املؤرش درجة مديونية البلدان ويساعد يف تقييم قدرتها عىل تحمل الديون.
صايف املساعدات اإلمنائية الرسمية املتلقاة كنسبة مئوية من الناتج املحيل اإلجاميل ,تشمل املساعدات
اإلمنائية الرسمية املنح أو القروض التي يقدمها القطاع الرسمي إىل بعض البلدان واألقاليم بهدف
النهوض بالتنمية أوالخدمات االجتامعية برشوط مالية تسهيلية ,ويقيس هذا املؤرش مستويات
معدل البطالة ,وهو نسبة األشخاص العاطلني عن العمل إىل مجموع القوى العاملة ,يبني املؤرش جميع
أفراد القوة العاملة الغري موظفني أو عاملني مستقلني كنسبة من القوة العاملة.
مؤرش الفقر البرشي ,بالنسبة للبلدان النامية فإن هذا املؤرش مركب من ثالثة أبعاد وهي" :حياة طويلة
وصحية" ,وتقاس بنسبة مئوية من الناس الذين مل يبلغوا سن األربعني".توفر الوسائل االقتصادية",
يقاس بنسبة مئوية من الناس الذين ال ميكنهم االنتفاع بالخدمات الصحية واملياه املأمونة ,و"نسبة
األطفال دون الخامسة "الذين يعانون من وزن ناقص بدرجة معتدلة أو شديدة .
006
السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني ,ويعرب عن النسبة املئوية للسكان الذين يعيشون دون
خط الفقر الوطني ,وتختلف التقديرات الوطنية بني البلدان ,ويستند غالبا إىل التقديرات املستمدة من
مسوح األرس املعيشية ,تجدر اإلشارة أن املؤرشين السابقني يستخدمان يف تقييم حالة الفقر يف بلد ما
كنسبة مئوية.
-4الديناميكية الدميغرافية واالستدامة :ويقاس من خالل معدل النمو السكاين وهو عبارة عن متوسط
تغري املعدل السنوي بالنسبة لحجم السكان ,ويقيس هذا املؤرش معدل النمو السكاين للسنة.
معدل اإلملام بالقراءة والكتابة بني البالغني :ويعرب عن نسبة األشخاص الذين ال تتجاوز أعامرهم 15
سنة وال يدركون القراءة والكتابة ,ويحدد املؤرش نسبة األميني بني البالغني.
املعدل اإلجاميل لاللتحاق باملدارس الثانوية :مجموع امللتحقني باملدارس الثانوية كنسبة من عدد
السكان الذين هم يف سن الدراسة باملدارس الثانوية ,ويبني مستوى املشاركة يف التعليم الثانوي.
متوسط العمر املتوقع عند الوالدة :يستخدم كبديل له نسبة األشخاص الذين ال يتوقع لهم أن يبلغوا
سن األربعني ,يفرتض هذا املؤرش أن األمناط السائدة ستظل عىل حالها طوال حياة الفرد.
عدد السكان الذين ال يحصلون عىل مياه مأمونة والخدمات الصحية :إن توفر درجة مرتفعة من
االنتفاع مبياه الرشب املأمونة والخدمات الصحية أمر أسايس للتنمية املستدامة.
-1تعزيز التنمية املستدامة للمستوطنات البرشية :وتقاس بنسبة السكان يف املناطق الحرضية ويعترب
007
ثالثاً :املؤرشات البيئية:
املوارد املتجددة /عدد السكان :ويبني نصيب الفرد السنوي من املوارد املائية املتجددة املتاحة.
استخدام املياه /االحتياطات املتجددة :و يبني نسبة كمية املياه املستخدمة إىل مجموع الكمية املنتجة
نصيب الفرد من األرايض الزراعية :يبني املؤرش نصيب الفرد من املساحة اإلجاملية لألرايض املتاحة
لإلنتاج الزراعي.
استخدام األسمدة :يحدد كمية األسمدة املستخدمة يف الزراعة للوحدة من األرايض الزراعية ,حيث
التغري يف مساحة الغابات :وهو التغري الذي يحصل مع مرور الوقت يف مساحة الغابات كنسبة من
نسبة األرايض املترضرة بالتصحر ,يتم الحصول علية عن طريق مساحة األرايض املصابة بالتصحر
008
رابعاً :املؤرشات املؤسسية:
الحصول عىل املعلومات :وذلك من خالل أجهزة التلفاز لكل 1000نسمة ,وأجهزة الراديو لكل 1000
نسمة ,وعدد الصحف اليومية لكل 1000نسمة ,وتبني هذه املؤرشات مدى حصول السكان عىل
املعلومات.
الحصول عىل وسائل االتصال :من خالل خطوط الهاتف الرئيسية لكل 1000نسمة ,ويعترب هذا املؤرش
-2الحصول عىل املعلومات بالوسائل اإللكرتونية :وميكن الوصول إىل هذا املؤرش من خالل عدد
املشرتكني يف االنرتنت لكل 1000شخص ,وحاميل الحواسيب الشخصية لكل 1000شخص ,ويقيسان
-3العلم والتكنولوجيا :وميكن الوصول إليه من خالل عدد العلامء واملهندسني العاملني يف مجال
البحث والتطوير لكل مليون نسمة ,واإلنفاق عىل البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج القومي
اإلجاميل ,تجدر اإلشارة إىل أن املؤرشين السابقني يبينان حجم املوارد املخصصة للبحث والتطوير.....
009
املراجع
-1عمرو محيي الدين -التنمية والتخلف -مكتبة النهضة املرصية -القاهرة 1991.
-4عمرو محيي الدين -التنمية والتخلف -مكتبة النهضة املرصية -القاهرة 1996.
-4مدحت محمد العقاد ,محمود محمد عارف ,نظرية القيمة ,مكتبة املدينة بالزقازيق 4114م.
-6نورمان بوكانان ,هوارداليس ,وسائل التنمية االقتصادية الجزء الثاين ,مكتبة النهضة املرصية ,القاهرة
1915م.
021