You are on page 1of 276

‫بين الصالة القرآنية للمسلمين والصالة الشيطانية للمحمديين‬

‫مقدمات كتاب ( الصالة )‬

‫أوال ‪:‬‬
‫منذ أن بدأت مناقشة التراث السنى ونقد كتب البخارى وغيره وكان السؤال الذى أواجهه دائما ‪ :‬إذن كيف نصلى ؟ وأين عدد‬
‫الركعات وكيفيتها ومواقيتها فى القرآن الكريم ؟؟‪.‬‬
‫فى كل خطبة جمعة كنت ألقيها فى أواخر الثمانينيات فى مصر كنت أضطر ـ فى مناقشات ما بعد الصالة ـ الى االجابة على هذا السؤال‪.‬‬
‫ومللت من كثرة االجابة‪ ،‬وأصبحت ملزما أمام كل فرد غير مقتنع بالقرآن ألن اخلو به جانبا ألقول له نفس االجابة ‪ ،‬وفى غمرة ضيقى‬
‫أقترحت لنفسى ساخرا أن أسجل االجابة واصطحب جهاز التسجيل معى أينما سرت حتى إذا ووجهت بنفس السؤال أدرت جهاز التسجيل‬
‫وأرحت نفسى من عناء التكرار‪ .‬ثم قررت أن اكتب كتابا صغيرا فى الموضوع ‪ .‬كتبت الكتاب بخط اليد وسمحت لمن يشاء بتصويره‬
‫ووزعت منه الكثير من النسخ ‪ ،‬وفيما بعد عندما جاء وقت ارساله للمطبعة حدثت تطورات منعت من نشره‪.‬‬
‫كانت هذه هى مقدمة الكتابة األولى للكتاب‬
‫‪ 1‬ـ منذ أن طرده المولى عز وجل وإبليس يعمل دون يأس في غواية بنى أدم إلى قيام الساعة ( َفاْخ ُرْج ِإَّن َك ِمَن الَّص اِغ ِر يَن َقاَل َأنِظ ْر ِني ِإَلى‬
‫َيْو ِم ُيْبَع ُثوَن َقاَل ِإَّن َك ِمَن َقاَل َفِبَم ا َأْغ َو ْي َت ِني َألْق ُع َد َّن َلُهْم ِص َر اَط َك اْلُمْس َت ِقيَم ُثَّم آلِتَي َّن ُهم ِّم ن َبْي ِن َأْي ِديِهْم َو ِمْن َخ ْل ِفِهْم َو َع ْن َأْيَم اِنِهْم َو َع ن َش َم اِئِلِهْم‬
‫َو َال َت ِجُد َأْك َث َر ُه ْم َش اِك ِر يَن )‪.‬األعراف ‪ )- 12‬وقد أضل إبليس جيال كثيرا من البشر في كل زمان ومكان‪ ،‬وسيتضح هذا يوم القيامة حين‬
‫يقول رب العزة للبشر يذكرهم بالعهد القديم الذي أخذه عليهم بعدم التباع الشيطان وعبادته‪ ،‬وكيف أن معظمهم نسى وعصى‪ ،‬وتكرر هذا‬
‫في أجيال كثيرة‪َ( :‬أَل َأْع َه ْد َلْي ُك َي ا َب ِني آَد َأن اّل َت ْع ُبُدوا الَّش ْي َط اَن َّن ُه َلُك َع ُد ٌّو ُّم يٌن َو َأْن اْع ُبُدوِني َه َذ ا ِص َر اٌط ُّمْس َت ِقي َو َلَقْد َأَض ِمنُك اًّل‬
‫َّل ْم ِجِب‬ ‫ٌم‬ ‫ِب‬ ‫ْم‬ ‫ِإ‬ ‫َم‬ ‫ِإ ْم‬ ‫ْم‬
‫َك ِثيًر ا َأَفَلْم َتُك وُنوا َت ْع ِقُلوَن ) يس ‪ 60‬ـ‪) 62‬‬
‫إن أغلبية البشر أتباع له ‪،‬فأكثرية البشر موصوفة في القرآن بالوقوع في الشرك والضالل‪ ،‬وهم ال يعرفون وال يعترفون بأنهم ضالون أو‬
‫بتعبير القرآن الكريم "اَّلِذيَن َض َّل َسْع ُيُهْم ِفي اْل َح َي اِة الُّد ْن َي ا َو ُه ْم َيْح َس ُبوَن َأَّن ُهْم ُيْح ِس ُنوَن ُص ْن ًع ا)الكهف ‪ ) 104‬إن الشيطان يزين لهم سوء‬
‫عملهم فيجعله حسنا في تصورهم‪ ،‬الشيطان هو الحاضر الغائب في معادلة الضالل واإلضالل ‪ ،‬واإلنسان حين يختارا لضالل بنفسه يكون‬
‫قد اختارا لشيطان وليا له دون أن يعرف ‪ ،‬بل يحسب نفسه مهتديا‪ .‬يقول تعالى ‪ِ (:‬إَّن ُهُم اَّتَخ ُذ وا الَّش َي اِط يَن َأْو ِلَي اء ِمن ُدوِن ِهَّللا َو َيْح َس ُبوَن‬
‫َأَّن ُهم ُّمْه َت ُدوَن ) األعراف ‪.) 30‬‬
‫‪ 2‬ـ البداية انه يختار اإلعراض عن كتاب هللا تعالى‪ ،‬وساعتها يتواله شيطان يقترن به يصده عن السبيل ويقنعه أنه على الصراط‬
‫المستقيم (َو َم ن َيْع ُش َع ن ِذ ْك ِر الَّر ْح َم ِن ُنَقِّيْض َلُه َش ْي َط اًن ا َفُهَو َلُه َقِر يٌن َو ِإَّن ُهْم َلَيُص ُّدوَن ُهْم َع ِن الَّس ِبيِل َو َيْح َس ُبوَن َأَّن ُهم ُّمْه َت ُدوَن ) الزخرف‬
‫‪) 37 – 36‬‬
‫‪ 3‬ـ كل ذلك التوجيه والسيطرة على اإلنسان تتم دون أن يرى اإلنسان ذلك الشيطان المسيطر عليه ‪ ،‬فطالما يرتدى اإلنسان جسده المادي‬
‫فال يمكن أن يرى عوالم البرزخ من المالئكة والشياطين ‪ ،‬وال يستطيع أن يرى ذلك القرين الذي يسيطر عليه ويقوده‪ .‬عندما يموت ويبعث‬
‫ينكشف عنه الغطاء‪ ،‬ويقال له‪َ( :‬لَقْد ُك نَت ِفي َغ ْفَلٍة ِّم ْن َه َذ ا َفَكَش ْف َن ا َع نَك ِغ َط اَء َك َفَبَصُر َك اْلَيْو َم َح ِديٌد) ق ‪ )22‬عندها فقط يرى ذلك الشيطان‬
‫القرين الذي أضله‪ ،‬يقول تعالى عن مفاجأة اإلنسان برؤية ذلك القرين الذي أضله‪َ( :‬ح َّت ى ِإَذ ا َج اَء َن ا َقاَل َي ا َلْي َت َبْي ِني َو َبْي َن َك ُبْع َد اْل َم ْش ِر َقْي ِن‬
‫َفِبْئ َس اْلَقِر يُن ) الزخرف ‪) 38‬‬
‫‪ 4‬ـ وطريقته بسيطة وواحدة أن يقابل الوحي الذي ينزله على األنبياء بوحي آخر منسوب هلل والنبي؛ وأن يحول الناس إلى تقديس النبي‬
‫نفسه بل وتقديس طواغيت من البشر ويزين لهم أنهم على حق فيحسبون أنهم مهتدون‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وهللا عندما ينزل وحيا مكتوبا على نبي ينزله كامال تاما مبينا واضحا فهكذا كانت التوراة (َو َكَت ْب َن ا َلُه ِفي اَألْلَو ا ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َّمْو ِع َظ ًة‬
‫ِح‬
‫َو َت ْف ِص يًال ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) األعراف ‪)145‬‬
‫ِّلَق‬ ‫ًة‬ ‫ْل‬ ‫َل‬ ‫َن‬ ‫ْل‬ ‫َف‬ ‫َت‬ ‫ْئَن‬ ‫َلَق‬
‫وهكذا القرآن الذي ما فّر ط في شيء (األنعام ‪)38‬والذي قال تعالى عن تفصيالته (َو ْد ِج اُهم ِبِك اٍب َّص اُه َع ى ِع ٍم ُهًدى َو َر ْح َم ْو ٍم‬
‫ُيْؤ ِم ُنوَن ‪ .‬األعراف ‪ )52‬ولكن الشيطان صاحب السيطرة على أغلبية البشر يقنع الناس بأن كتاب هللا ناقص موجز غامض وال يكفى‬
‫ويدفعهم إلى تحريف كتاب هللا وإلى إنشاء منهج مزيف ينسبونه هلل تعالى و للنبي‪ ،‬لتتم الضاللة باسم الدين والهداية ‪ .‬يقول تعالى عن‬
‫أعداء األنبياء من أصحاب الوحي الشيطاني َو َك َذ ِلَك َج َع ْل َن ا ِلُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ًّو ا َش َي اِط يَن اِإلنِس َو اْلِجِّن ُيوِحي َبْع ُضُهْم ِإَلى َبْع ٍض ُزْخ ُرَف اْلَقْو ِل‬
‫ُغ ُر وًر ا َو َلْو َش اء َر ُّب َك َم ا َفَع ُلوُه َفَذ ْر ُه ْم َو َم ا َي ْف َت ُر وَن " ثم يتحدث المولى تعالى عن األتباع من العامة لهذا الوحي الشيطاني‪َ( :‬و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه‬
‫َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن َال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َضْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوْا َم ا ُهم ُّم ْق َت ِر ُفوَن " ثم يقول تعالى عن كتابه الذي ينبغي أن تحتكم إليه وهو الكتاب‬
‫المفصل الذي يعلم أهل الكتاب أنه الحق من ربهم " َأَفَغ ْيَر ِهَّللا َأْب َت ِغي َح َك ًم ا َو ُه َو اَّلِذي َأنَز َل ِإَلْي ُك ُم اْلِك َت اَب ُم َفَّص ًال َو اَّلِذيَن آَت ْي َن اُه ُم اْلِك َت اَب‬
‫َيْع َلُم وَن َأَّن ُه ُم َنَّز ٌل ِّم ن َّر ِّب َك ِباْلَح ِّق َفَال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُمْم َت ِر يَن " ثم يصف القرآن بأنه تام غير ناقص وصادق غير كاذب ألنه كلمة هللا " َو َّم ْت‬
‫َت‬
‫َك ِلَم ُت َر ِّب َك ِص ْد ًقا َو َع ْد ًال َّال ُمَب ِّد ِل ِلَك ِلَم اِتِه َو ُه َو الَّس ِميُع اْلَع ِليُم ) ثم يبين المولى عز وجل أن أكثرية البشر ضالة مضلة تتبع أحاديث آحاد‬
‫تفيد الظن وال تفيد اليقين " َو ِإن ُتِط ْع َأْك َث َر َم ن ِفي اَألْر ِض ُيِض ُّلوَك َع ن َس ِبيِل ِهَّللا ِإن َي َّت ِبُع وَن ِإَّال الَّظ َّن َو ِإْن ُه ْم ِإَّال َي ْخ ُرُص وَن )‪ :‬األنعام ‪112‬؛‬
‫‪"116‬‬
‫َق‬ ‫ْك‬ ‫ًة‬ ‫َل‬ ‫ِلَك‬ ‫َذ‬ ‫َل‬ ‫َل‬ ‫ْت‬ ‫َت‬ ‫ْل‬ ‫َك‬ ‫َل‬ ‫َن‬ ‫ْل‬ ‫َز‬ ‫َأ‬ ‫َّن‬‫َأ‬ ‫ْك‬ ‫َل‬ ‫َأ‬
‫َر ْح َم َو ِذ َر ى ِل ْو ٍم‬ ‫العنكبوت ‪52‬هلل على من ال يكتفي بالقرآن كالم هللا " َو ْم َي ِفِهْم ا ن ا َع ْي ا ِك اَب ُي ى َع ْي ِهْم ِإَّن ِفي‬
‫ُيْؤ ِم ُنوَن ) العنكبوت ‪ " 51‬فاالكتفاء بالقرآن كتابا يعادل االكتفاء باهلل تعالى إال ها‪ ،‬والمؤمن الحقيقي هو من يكتفي بالقرآن كتابا وباهلل‬
‫تعالى إال ها ال شريك له (َأَلْيَس ُهَّللا ِبَك اٍف َع ْب َد ُه) الزمر ‪ ) 36‬وهللا تعالى هو الحق‪ ،‬وقرآنه هو الحق‪ ،‬وفى ذلك الكفاية للمؤمن‪ُ( :‬قْل َك َفى‬
‫ِباِهَّلل َبْي ِني َو َبْي َنُك ْم َش ِه يًد ا َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض َو اَّلِذيَن آَم ُنوا ِباْلَب اِط ِل َو َك َفُر وا ِباِهَّلل ُأْو َلِئَك ُه ُم اْلَخ اِس ُر وَن ‪ .‬العنكبوت ‪)" 52‬‬
‫‪ 6‬ـ المكذبون بالقرآن الكريم ال يتوانون عن اتهام رب العزة وقرآنه الكريم بالتفريط والعوج والنقص والغموض‪ ،‬ويسارعون بالسعي في‬
‫آيات هللا تعالى معاجزين متسائلين أين تفصيالت الصالة في القرآن ؟ أين كذا وكذا في القرآن‪.‬‬
‫نقول منذ البداية إن هذا الكتاب لن يفلح في إصالح اعوجاجهم مهما تكاثرت اآليات القرآنية فيه ألنهم ببساطة ال يؤمنون بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫تسلط إبليس على عقول أولئك " المسلمين " يتجلى في مواقفهم المختلفة حين قراءة هذا الكتاب‪ .‬منهم من يشعر بالملل من كثرة اآليات‬
‫القرآنية‪ ،‬وتسارع عيناه بالهروب من قراءتها ضجرا أو اعراضا عن الفهم ناسيا عنوان الكتاب ( الصالة في القرآن الكريم ) وما يستلزمه‬
‫منهج البحث في هذا الكتاب من االعتماد أساسا على القرآن ولو كره اآلخرون‪ .‬بعضهم قد يقرأ اآليات ممتعضا ولكنها ال تجدي في إيقاظ‬
‫ضميره الديني‪ ،‬وال تؤثر على مشاعره اإلنسانية طالما تناقض قدس األقداس عنده وهو األحاديث والسنة وما وجدنا عليه آباءنا‪ .‬وبعضهم‬
‫يقرأ اآليات ويحاول فهمها وفهم ما يقوله المؤلف عنها ولكنه يعيش في انزعاج حقيقي‪ ،‬إذ كيف يضحى بكل ما توارثه مقابل ما يقرؤه‬
‫ألول مرة في كتاب كهذا وكاتب هذا الكتاب تالحقه اللعنات وتتوالى عليه االتهامات‪..‬‬
‫في المقابل هناك بعض المؤمنين ممن يبحث مخلصا عن الحق داعيا هللا تعالى بإخالص وإخبات أن يهديه للحق وأن يعينه على الصبر‬
‫عليه والتمسك به‪ ،‬فالحق في هذا الزمن األغبر بالذات يستلزم صبرا ونضاال للتمسك به‪ .‬فإذا قرأ هذا الكتاب استراح‪ ،‬وأحس بالتقصير في‬
‫حق المولى جل وعال‪ .‬ومن مّن ا يستطيع أن يؤدى حق هللا تعالى عليه كما يجب؟‬
‫‪ 7‬ـ إلى هؤالء المؤمنين بالقرآن حق اإليمان أهدى هذا الكتاب‬
‫د‪ .‬أحمد صبحي منصور‬

‫كتبت المقدمة فى القاهرة عام ‪ . 1987‬ثم كانت الموجة األولى من إعتقال أهل القرآن ‪ .‬أكملت الكتاب ‪ ،‬وكتبت خاتمته ‪ ،‬وفيها قلت ‪:‬‬
‫‪ - 1‬وضح فى القرآن أن الدين واحد وأن كل األنبياء كانوا يقيمون الصالة وان القرآن الكريم أمر النبى بإتباع ملة إبراهيم التى كان يعرفها‬
‫العرب فى الصالة والحج والصيام ولكن البد أن يكون اتباع ملة إبراهيم حنيفيا أى مخلصا هلل عقيدته من كل معصية ومن كل شرك ألن‬
‫العرب أضاعوا الصالة بالمعاص والشرك‬
‫‪ - 2‬وبعد نزول القرآن عاد الخلف بعد اإلسالم إلى الواقع فى المعصية وفى تقديس األولياء والقبور وزادوا على ذلك محاولة التشكيك فى‬
‫الصالة والتحريف فيها ‪.....‬ومع ذلك فالخلف فى عصرنا الراهن يتمسكون بهذا التراث ويعكفون على هذه األحاديث ويدافعون عنها ومن‬
‫أجلها يتهمون القرآن بأنه ناقص وبأنه مجمل وبأنه غامض وبأنه ال يكفى ‪ ..‬وأن كالم البشر الذى نسبوه ظلما للنبى هو الذى يكمل‬
‫نقص القرآن ويفصل المجمل فيه ويشرح غوامضه‪.‬‬
‫‪ -3‬هللا تعالى يقول أن القرآن كامل " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم اإلسالم دينا " أخر ما نزل من القرآن‬
‫المائدة ‪ "2‬ويقول " وتمت كلمة ربك صدقا وعدال المبدل لكلماته وهو السميع العليم ‪ :‬االنعام ‪"115‬‬
‫وهم يتهمون رب العزة بالكذب ويقولون أن سنة البشر هى التى تكمل النقص فى القرآن ألن القرآن عندهم ناقص ‪.‬‬
‫هللا تعالى يقول أن القرآن مفصل " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ‪ .‬االعراف ‪ "52‬ويقول " افغير هللا‬
‫أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصال ‪ .‬االنعام‪ " 114‬ويقول عن كتابه " ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه‬
‫وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ‪ .‬يوسف ‪ " 111‬ويقول وكل شىء فصلناه ‪ .‬اإلسراء ‪ "12‬ويقول " ما فرطنا فى الكتاب‬
‫من شىء ‪ .‬االنعام ‪ " 38‬ويقول عن أحكام التفصيل فى القرآن " آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ‪ .‬هود ‪ "1‬ويقول "‬
‫حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ‪ .‬فصلت‪ "3 :1‬ولكن الذين ال يعلمون ال يكترثون لهذه التأكيدات‬
‫اإللهيه ويصممون على إتهام رب العزة بالكذب وأنه أنزل القرآن مجمال وليس مفصال ‪.‬‬
‫وهللا تعالى يؤكد أن القرآن كتاب مبين وأن آياته بينات واضحات وأن القرآن ميسر ‪ :‬للذكر وأن هللا تعالى هو الذى يتولى تبيين آيات الكتاب‬
‫فى داخل الكتاب ‪.‬‬
‫ولكثرة اآليات فى هذا المجال نقتصر على بعضها " فإذا قرأناه فاتبع قرأنه ثم إن علينا بيانه ‪ ..‬القيامة ‪18‬؛‪ "19‬فاهلل هو الذى يتولى‬
‫بيان القرآن ثم وما على المؤمن إال أن يبلغ القرآن كما هو وال يكتمه فالبيان مجرد تالوة االية " إن الذين يكتمون ما انزلنا من البينات‬
‫والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك لعنهم هللا ويلعنهم الالعنون إال الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ‪ ........‬البقرة ‪" 159‬‬
‫وتفسير القرآن فى داخل القرآن " وال يأتونك بمثل إال جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ‪ .‬الفرقان ‪ "33‬وهذه روعة التكرار والتشابه فى‬
‫اآليات " هللا نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى ‪ .‬الزمر ‪ "23‬فكل معنى تجده يتكرر فى القرآن‪ .‬ثم آيات تكررت كثيرا فى وصف‬
‫القرآن‪ " :‬تلك آيات الكتاب المبين " " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "‬
‫ثم قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين النحل ‪"89‬‬
‫وكل هذه اآليات البينات ال تجدى معهم شيئا فهم ال يزالون مصرين على إتهام هللا تعالى بالكذب وأنه أنزل القرآن مبهما محتاجا ألقوال‬
‫البشر كى تفسره هذا مع أن زعيمهم ابن كثير يعترف فى مقدمة تفسيره أن أحسن التفسير أن يفسر القرآن بعضه بعضُا ‪.‬إذن فال حاجة‬
‫ألقوال البشر وإنما آيات يشرح بعضها بعضا فالقرآن مثانى ‪ ،‬ولكنهم ال يعترفون بمدلول آية إال إذا جاء كالم المفسرون مؤيدا لها أى‬
‫جعلوا كالم البشر مهيمنا على كالم هللا عز وجل ‪ .‬هذا مع أن القرآن جعله هللا مهيمنا على كل الكتب السماوية السابقة " وأنزلنا إليك‬
‫الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" ‪ ......‬المائدة ‪101‬‬
‫‪ -4‬المؤمن عند هللا هو من يؤمن بحديث هللا فى القرآن وحسب " فبأى حديث بعده يؤمنون " ‪ ....‬المرسالت ‪ " ، 50‬أولم ينظروا فى‬
‫ملكوت السواوات واألرض وما خلق هللا من شيىء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون‪............‬االعراف‬
‫‪ " ".185‬تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد هللا وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات هللا تتلى عليه ثم‬
‫يصرمستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب اليم ‪ .‬الجاثية ‪"-6‬‬
‫والمؤمن عند هللا هو من يكتفى باهلل وليا وبالقرآن كتابا أو ليس هللا بكاف عبده ‪ ..‬الزمر ‪ " "36‬أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى‬
‫عليهم إن فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى باهلل بينى وبينكم شهيدا يعلم ما فى السماوات وما فى االرض والذين آمنوا بالباطل‬
‫وكفروا باهلل أولئك هم الخاسرون ‪ .‬العنكبوت ‪ " - 51‬لم يكفيهم رب العزة وليا فاتخذو األولياء ولم يكفهم القرآن كتابا فوضعوا ألنفسهم‬
‫األسفار وأساطير األولين ثم التفتوا إلى كتاب هللا يتهمون هللا بأنه أنزل كتابا ناقصا موجزا مبهما مختصرا فأعلوا من مقدار علمائهم بقدر‬
‫ما ظلموا هللا تعالى وبخسوه حقه ثم إذا تليت عليهم آيات هللا كادوا يبطشون بك " واذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين‬
‫كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم؟ النار وعدها هللا الذين كفروا وبئس المصير يأيها الناس‬
‫ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون هللا لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ضعف‬
‫الطالب والمطلوب ما قدروا هللا حق قدره إن هللا لقوى عزيز الحج ‪)-72‬‬
‫ثم هم بعد ذلك يطالبون بتطبيق شريعة من كتبهم الصفراء ما أنزل هللا بها من سلطان ويخدعون الشباب ويدفعونهم للتطرف والتدمير‬
‫واإلصطدام بالسلطة واستحالل قتل المسلم وكل ذلك من أقوال علمائهم الذين حكموا بغير ما أنزل هللا ونسبوا أقولهم للرسول كذبا وبهتانا‪.‬‬
‫ويوم القيامة سيكون الرسول خصما لهم أمام هللا ألنهم هجروا كتاب هللا " ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول‬
‫سبيال ياويلتى ليتنى لم أتخذ فالنا خليال لقد اضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان لإلنسان خذوال وقال الرسول يارب إن قومى‬
‫اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ‪ ....‬الفرقان‪ . "-27‬صدق هللا‬
‫العظيم ‪.‬‬
‫د‪ .‬احمد صبحى منصور ‪1988‬‬
‫لم يتيسر للكتاب الطبع والنشر بعدها لظروف كثيرة استمرت طيلة التسعينيات ‪ .‬ثم هاجرت الى أمريكا بالد الحرية واستمتعت بنعمة‬
‫االنترنت وتفضلت الكثير من المواقع الليبرالية بنشر كتاباتى وتتابعت نفس األسئلة عن الصالة فى القرآن الكريم‪ .‬ورددت عليها بين سطور‬
‫بعض المقاالت واألبحاث‪ .‬ومنها ما قلته فى نهاية بحث (االسناد ) ‪:‬‬
‫(هنا نضع بعض الحقائق القرآنية والحقائق التراثية ‪.‬‬
‫معنى السنة فى القرآن هو المنهج او الطريقة وذلك فيما يخص تعامل هللا تعالى مع المشركين ‪.‬كما ان معناها هو التشريع‬
‫االلهى ‪،‬وبالمعنيين فان السنة فى القرآن تأتى منسوبة هلل ‪ ،‬اى سنة هللا ‪ ،‬يقول تعالى فى تشريع خاص بالنبى (صلي هللا عليه وسلم)((ما‬
‫كان على النبى من حرج فيما فرض هللا له ‪ ،‬سنة هللا فى الذين خلوا من قبل وكان امرا هللا قدرا مقدورا ‪:‬االحزاب ‪)) 38‬وفى االية الكريمة‬
‫يتضح ان ((فرض هللا ))يعنى(( سنة هللا ))يعنى ((امرا هللا))هى ((شريعة هللا))اى أن السنة معناها الشرع‪..‬‬
‫وهذا يتفق مع المعنى اللغوى لكلمة السنة ‪،‬تقول ((سن قانونا ))اى شرع قانونا ‪،‬واذا تم سن القانون اصبح شريعة واجبة التنفيذ‪.‬‬
‫وهذا ايضا يتفق مع المعنى الفقهى لمصطلح ((السنة العملية))اذ تعنى السنة العملية العبادات من الصالة وزكاة وحج وصيام‪..‬‬
‫وفى كل ذلك فان هللا تعالى هو صاحب التشريع الذى نزل فى القرآن الكريم‪ ،‬والنبى عليه السالم هو القدوة لنا فى تطبيق ذلك‬
‫التشريع ‪،‬لذلك يقول تعالى ((لقد كان لكم فى رسول هللا اسوة حسنة ‪:‬االحزاب ‪)) 21‬لم يقل كان لكم فى رسول هللا سنة حسنة ‪،‬الن السنة‬
‫هى سنة هللا‪ ،‬اما النبى عليه السالم فهو القدوة الحسنة فى تطبيق سنة هللا وشرع هللا‪..‬‬
‫اال ان بعض فقهاء التراث يقولون ان السنة العملية هى العبادات التى اشرنا اليها ‪ ،‬اما السنة القولية للنبى فهى تلك االحاديث التى‬
‫اسندوها اليه بعد موته بقرون فيما يعرف بكتب الصحاح وغيرها ‪ .‬وهنا نختلف معهم ‪،‬الن السنة القولية للنبى عليه السالم هى ما ورد فى‬
‫القرآن فى كلمة "قل "التى يتميز بها القرآن ‪.‬‬
‫وقد تكررت كلمة "قل "للنبى فى القرآن (‪) 332‬مرة ‪..‬وكانت الموضوعات التى ترددت فيها كلمة "قل" تشمل كل ما يحتاجه المؤمن من‬
‫امور الدين ‪،‬وبعضها يؤكد ما جاء فى القرآن ايضا بدون كلمة "قل"‪.‬وكان النبى عليه السالم مأمورا بأن يقول ذلك القول المنصوص عليه‬
‫فى القرآن كما هو دون زيادة او نقصان ‪،‬اذ اليملك ان يتقول على هللا تعالى شيئا فى امر الدين ((ولو تقول علينا بعض االقاويل ‪،‬الخذنا‬
‫منه باليمين ‪،‬ثم لقطعنا منه الوتين ‪،‬فيما منكم من احد عنه حاجزين ‪:‬الحاقة‪.)) 47: 44‬باختصار ان السنة القولية للنبى هى كلمة ((قل ))‬
‫الن السنة تعنى الشرع المفروض اتباعه ‪.‬‬
‫ويقولون أن تلك االحاديث هى مصدر المعرفة بالصالة والعبادات ‪.‬وهذا خطأ ظاهر الن تلك االحاديث اقاويل ‪،‬والسنة هى طريقة تأدية‬
‫للعبادة وكان معروفا تأدية العبادات ليس فقط قبل عصر البخارى وغيره ‪،‬بل كانت معروفة قبل نزول القرآن ‪،‬اذ كانت هى المالمح‬
‫االساسية لملة ابراهيم التى امر هللا تعالى النبى والمسلمين باتباعها حنفاء ‪،‬بل ان تلك االحاديث التى رويت فيما بعد النبى بقرون لم‬
‫تتعرض بالتفصيل لكيفية تأدية الصالة‪ .‬وأكثر من ذلك أنها تشوه الصالة وتشكك فيها‪.‬‬
‫ومن الطبيعى ان النبى عليه السالم وهو يقيم دولة وينشئ امه ويواجه مكائد اعدائه ان تكون له اقوال وتعليمات‪،‬كما كانت له تطبيقاته فى‬
‫تنفيذ شرائع القرآن خارج العبادات ‪،‬مثل اعداد الجيش والقوة الحربية ‪.‬وذلك كله يدخل ضمن التاريخ والسيرة ‪،‬وليس ضمن الدين الذى‬
‫يعلو فوق الزمان والمكان ‪).‬‬
‫ولم تفلح تلك االشارات فى منع تكرار نفس السؤال ‪ .‬لذا قررت اعادة نشر الكتاب بصورة جديدة وتحت عنوان جديد ‪ .‬واستلزمت الكتابة‬
‫الثانية للكتاب مقدمة ثانية‪ .‬قلت فيها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ كانت الكتابة األولى لهذا الكتاب تحت عنوان ( الصالة فى القرآن الكريم )‪ ،‬وكان رقم ‪ 3‬من سلسلة " دراسات قرآنية " التي لم يصدر‬
‫منها سوى كتاب " المسلم العاصي ‪ :‬هل يخرج من النار ويدخل الجنة " وقد صودر في ظروف ادخالي السجن في نوفمبر ‪ . 1987‬ثم‬
‫كان كتاب " ال ناسخ وال منسوخ في القرآن الكريم" هو رقم ‪ 2‬في السلسلة والذي لم أستطع طباعته وقتها‪ ،‬فظلت بقية السلسلة ممنوعة‬
‫قابعة بين أوراقى ومنها كتب ( الصالة فى القرآن الكريم ) إلى أن أنعم هللا تعالى بنعمة الهجرة والحرية ونعمة االنترنت فطلبت من أوالدي‬
‫كتابة هذا الكتاب الثالث من السلسلة على الكومبيوتر لنشره تلبية لرغبة كثير من القّر اء‪ .‬وهكذا يظهر هذا الكتاب بعد تأليفه بحوالى‬
‫عشرين سنة مصحوبا بفصول إضافية ترتب عليها تغيير عنوانه ليكون ( الصالة بين القرآن الكريم والمسلمين ) ‪.‬‬
‫كان الكتاب القديم يتحدث فقط عن الصالة فى القرآن الكريم معتمدا على القرآن فقط‪ .‬ثم جاءت االضافة بحثا جديدا فى ميدانه يسير مع‬
‫الصالة فى الواقع التاريخى للمسلمين وفى التنظير الذى كتبه الفقهاء ورواة الحديث‪ ،‬وما حدث من تحريف وتضييع للصالة بعد نزول‬
‫القرآن الكريم خالل القرنين األوليين بعد الهجرة ‪ ،‬أى فى العصر األموى والصدر األول من العصر العباسى‪ ،‬مع اشارات لتأثر الصالة فى‬
‫عصرنا بهذا الموروث‪ ،‬خصوصا مع غلبة التدين الوهابى السلفى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الكتاب األصلى كان للرد على سؤال سئمت من سماعه من كثرة ما قيل لى ‪ :‬هو إذا كان القرآن الكريم ال يحتاج الى الّس نة فأين مواقيت‬
‫الصالة وركعاتها في القرآن ؟؟ لذا كان الكتاب فى بدايته يؤكد أن القرآن الكريم ما فّر ط في شيء‪ ،‬وأنه نزل تبيانا لكل شيء‪ ،‬وأن فيه‬
‫تفصيل كل شيء‪ ..‬ولكن أولئك الناس ال يفهمون منهج القرآن الكريم فى التشريع‪ .‬وألنهم مؤمنون بما يناقض القرآن الكريم ـ وهى الّس نة ـ‬
‫لذا يتهمون هللا تعالى بالكذب حين أّك د فى القرآن الكريم أنه ما فّر ط فى شىء وأنه نزل تبيانا لكل شىء ‪ .‬أولئك الناس نّب أ هللا تعالى عنهم‬
‫سلفا بأنهم يسعون وسعوا فى آيات هللا معاجزين ‪ ،‬يحاولون النيل من كتابه الكريم و نسبة العوج اليه ‪ ،‬والسعى الى تعجيزه الثبات أنه‬
‫ناقص يحتاج للبشر الكماله ‪ ،‬والثبات أنه غامض يحتاج للبشر لتفسيره وايضاحه ‪ ،‬وأنه موجز مخّل يحتاج للبشر لتفصيله ‪ .‬أولئك الذين‬
‫سعوا ويسعون فى آيات هللا تعالى معاجزين مشككين معاندين توعدهم رب العزة بالعذاب ‪ ،‬فقال عنهم ‪( :‬والذين سعوا في آياتنا معاجزين‬
‫أولئك أصحاب الجحيم )الحج ‪َ( 51‬و اَّلِذيَن َسَع ْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك َلُهْم َع َذ اٌب ِّم ن ِّر ْج ٍز َأِليٌم‪َ .‬و َيَر ى اَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِع ْلَم اَّلِذي ُأنِز َل ِإَلْي َك‬
‫ِمن َّر ِّب َك ُه َو اْل َح َّق َو َيْه ِدي ِإَلى ِص َر اِط اْلَع ِز يِز اْلَح ِميِد‪َ( ).‬و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن )‪.‬سبأ ‪5‬؛ ‪6‬؛‬
‫‪.38‬صدق هللا العظيم‪.‬‬
‫يوم القيامة سيكون األشهاد من هذه األمة هم أولئك الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن القرآن ‪ ،‬الذين جاهدوا ليثبتوا أنه نزل تبيانا لكل شىء‬
‫وهدى وموعظة للمتقين ‪َ" .‬و َيْو َم َن ْبَع ُث ِفي ُك ِّل ُأَّم ٍة َش ِه يًد ا َع َلْي ِه م ِّم ْن َأنُفِس ِهْم َو ِجْئَن ا ِبَك َش ِه يًد ا َع َلى َهُؤ الء َو َنَّز ْل َن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل‬
‫َش ْي ٍء َو ُهًدى َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِميَن " النحل ‪ )89‬صدق هللا العظيم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ فى الكتابة الثانية للكتاب جعلت الفصلين األوليين عن الصالة فى القرآن بابا واحدا فى االجابة على ذلك السؤال المعاند ثم أضفت بابا‬
‫آخر يتكون من ستة فصول لتسير مع الصالة فى تاريخ المسلمين وتراثهم فى القرنين األولين‪ .‬الهدف هو التنبيه على ما حدث من خلل‬
‫وتحريف وضياع لثمرة الصالة‪ .‬وإلثبات اعجاز القرآن الكريم‪ .‬فالقرآن الكريم لم يخبر فقط مقدما عن أولئك الذين يسعون فى آياته‬
‫معاجزين ‪ ،‬وإنما حذر مقدما من تضييع الصالة بالوقوع فى االنحالل الخلقى والشرك باهلل تعالى كما كان يفعل العرب فى الجاهلية ‪ ،‬حين‬
‫أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات‪ .‬وجاء المسلمون على آثار أجدادهم يهرعون ‪ ،‬ويرتكبون نفس االثم ويقولون نفس البهتان ويقدسون‬
‫نفس االفك‪.‬والقرآن الكريم بينهم قد اتخذوه مهجورا ‪ ،‬وقد أخبر رب العزة مقدما عنهم أنهم أعداء النبى محمد الذين سيتبرأ منهم يوم‬
‫القيامة‪ (.‬الفرقان ‪.) 31: 30‬‬
‫‪ 4‬ـ أرجو من ربى جل وعال أن يفلح هذا الكتاب فى التحذير واالنذار لمن ال تزال لديه بقية من ايمان وتوقير للقرآن ‪ ،‬قبل أن يمضى به‬
‫قطار العمر الى النهاية ‪ (..‬األعراف ‪) 185‬‬
‫أما من زين له الشيطان له سوء عمله فرآه حسنا فال فائدة منه ‪ ،‬وال نملك له اال األسى والشفقة‪ (.‬فاطر ‪) 8‬‬
‫وهللا تعالى المستعان‪.‬‬
‫أحمد صبحى منصور‬
‫فرجينيا ـ الواليات المتحدة األمريكية‬
‫يونية ‪2006‬‬
‫أخيرا‬
‫‪ 1‬ـ نبدأ من اليوم بعون الرحمن جل وعال إستكمال كتاب الصالة ‪ .‬غدا نعيد نشر كتاب ( الصالة فى القرآن الكريم ) للتذكرة ‪ .‬ثم ننشر ـ‬
‫بعونه جل وعال ــ الجزء الثانى عن إضاعة المسلمين الصالة االسالمية خالل عرض تاريخى سريع يبدأ من عصر الخلفاء الفاسقين ( من‬
‫أبى بكر الى على ) ثم الخلفاء األمويين ثم العباسيين وينتهى بالعصر المملوكى ‪ ،‬ثم عرض فقهى لتضييع الفقهاء السنيين للصالة‬
‫بالتحريف واالبتداع ‪ .‬ثم مناقشة موضوع التواتر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ هذا تصور مبدئى حتى اآلن ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ والعادة أن الباحث يضع تصورا مبدئيا لبحثه ‪ ،‬ثم يسير خلف المادة العلمية هى التى توجهه ‪ ،‬وعلى أساس ما يظهر له يتم تعديل‬
‫فصول الموضوع وعناوينه ‪.‬‬
‫وهللا جل وعال هو المستعان ‪.‬‬
‫‪ :‬الباب األول ‪ :‬الصالة فى القرآن الكريم‬

‫‪.‬الفصل األول ‪ :‬الصالة قبل نزول القرآن ‪ :‬في الرساالت السماوية السابقة وفى حياة العرب الجاهلية‬
‫‪:‬أوال‬
‫‪.‬وحدة الدين ‪ -‬وحدة الوحي ‪ -‬وحدة الشرع ‪ -‬ووحدة الحساب في اآلخرة‬
‫مهما اختلفت األديان وتنوعت ففي النهاية تنقسم إلى نوعين‪ :‬دين الحق الذي أنزله هللا تعالى على األنبياء‪ ،‬ودين الباطل ‪1-‬‬
‫‪.‬وهو ما يخترعه البشر من أديان أرضية أو نوعيات التدين العملي الناتج عن تحريف البشر في وحى هللا تعالى ودينه الحق‬
‫ومهما اختلفت لغات البشر فدين هللا الذي انزله وحيا على األنبياء يعنى اإلسالم " (ِإَّن الِّديَن ِعنَد ِهَّللا اِإلْس الُم)( َو َم ن َيْب َت ِغ َغ ْيَر‬
‫اِإلْس الِم ِديًن ا َفَلن ُيْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو ِفي اآلِخَر ِة ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن )‪.‬آل عمران ‪19‬؛‪ "85‬وهذا اإلسالم يعنى في كل اللغات التي نزل بها‬
‫الوحي اإللهي التسليم هلل تعالى وحده وطاعته وحده فيما يخص التعامل مع هللا تعالى‪ ،‬والسالم في التعامل مع البشر‪ ،‬إال انه‬
‫‪ .‬تحول عندنا إلى دين بشرى محلي في صناعة بشرية تمتلئ بالتعصب واإلرهاب ناطقة باللغة العربية‬
‫لقد نزل كل وحى على كل نبي بلسان قومه " َو َم ا َأْر َس ْلَن ا ِمن َّر ُس وٍل ِإَّال ِبِلَس اِن َقْو ِمِه ِلُيَبِّي َن َلُهْم ‪ -‬إبراهيم ‪ "4‬وكل وحى عّب ر ‪2-‬‬
‫عن إسالم المؤمن قلبه وحواسه هلل تعالى وحده وتمسكه بالسالم مع الناس‪ .‬وهكذا كان أتباع األنبياء في كل عصر مسالمين في‬
‫التعامل مع غيرهم ومسلمين هلل وحده صالتهم وحياتهم ومماتهم‪ ،‬وهذه ما ورثته ملة إبراهيم من تاريخ السابقين من األنبياء‪،‬‬
‫وما أمر هللا تعالى خاتم النبيين محمد – عليهم جميعا السالم – أن يعلن االلتزام به واتباعه‪ُ ":‬قْل ِإَّن ِني َهَداِني َر ِّب ي ِإَلى ِص َر اٍط‬
‫ُّمْس َت ِقيٍم ِديًن ا ِقَيًم ا ِّم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ‪ُ .‬قْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن َال َش ِر يَك‬
‫"َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن " األنعام ‪163-‬‬
‫َأ‬
‫وفى القرآن تأكيد على وحدة الوحي اإللهى الذي نزل على كل األنبياء من نوح إلى محمد عليهم السالم " ِإَّن ا ْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا ‪3-‬‬
‫"َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه‪ .‬النساء ‪163‬‬
‫الشورى ‪"13‬أيضا تأكيد على وحدة التشريع الكلي في الرساالت السماوية‪َ :‬ش َر َع َلُك م ِّم َن الِّديِن َم ا َو َّص ى ِبِه ُنوًح ا َو اَّلِذي َأْو َح ْي َن ا‬
‫"ِإَلْي َك َو َم ا َو َّصْي َن ا ِبِه ِإْبَر اِهيَم َو ُم وَس ى َو ِع يَس ى َأْن َأِقيُم وا الِّديَن َو ال َتَت َفَّر ُقوا ِفيِه‪ .‬الشورى ‪13‬‬
‫فإقامة الدين وعدم التفرق فيه شرع واحد في كل الرساالت‪ ،‬وإقامة الصالة أهم مظهر في إقامة الدين‪ ،‬ومعناه أن الصالة طريقة‬
‫‪.‬واحدة في كل الرساالت التي نزلت على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السالم‬

‫وهكذا فاهلل واحد أحد‪ ،‬ودينه للبشر جميعا واحد هو اإلسالم بالمعنى الذي ذكرناه مهما اختلف الزمان والمكان‪ ،‬وقد نزل به‪4-‬‬
‫الوحي االلهى بمختلف اللغات‪ .‬يقول‪ :‬تعالى لخاتم النبيين محمد عليهم جميعا السالم " َم ا ُيَقاُل َلَك ِإَّال َم ا َق ْد ِقيَل ِللُّر ُس ِل ِمن َقْب ِلَك‪.‬‬
‫فصلت ‪ " 43‬فالذي قيل له في الوحي االلهى واحد‪ ،‬وما قيل ضده من تجريح واضطهاد من المشركين واحد أيضا مهما اختلفت‬
‫اللغات والزمان والمكان‪ .‬وفى قصص األنبياء في القرآن تقرأ نفس الكالم في دعوة كل نبي لقومه مهما اختلفت اللغات‬
‫واألقوام؛ كل نبي يأمرقومه بالتقوى ‪ .‬والتقوى هي تلخيص معجز لمعنى اإلسالم الذي يعنى طاعة هللا تعالى في العقيدة‬
‫‪.‬والسلوك‬
‫ويقول تعالى لخاتم األنبياء ينبه على وحدة العقيدة اإلسالمية في كل العصور وفى كل الوحي الذي نزل على كل األنبياء‬
‫ومسئولية كل نبي في طاعة هذا الوحي وإال أضاع نفسه وكان من الخاسرين‪َ " :‬و َلَق ْد ُأوِح َي ِإَلْي َك َو ِإَلى اَّلِذيَن ِمْن َقْب ِلَك ِئْن‬
‫َل‬
‫) َأْش َر ْك َت َلَيْح َب َط َّن َع َم ُلَك َو َلَتُك وَن َّن ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن َب ِل َهَّللا َفاْع ُب ْد َو ُك ن ِّم ْن الَّش اِك ِر يَن ‪ .‬الزمر‪66-65‬‬
‫والشرع الذي يعبد الناس به ربهم الواحد هو أيضا واحد في أساسياته‪ ،‬ومنه إقامة الصالة‪ ،‬وكل نبي يقول " بسم هللا الر حمن‬
‫الرحيم " باللغة التي يتكلمها قومه ‪ -‬ليس في الصالة فقط ‪ -‬ولكن في ابتداء كل أمر‪ ،‬كما فعل نوح عليه السالم حين ركب‬
‫السفينة " َو َقاَل اْر َك ُبوْا ِفيَه ا ِبْس ِم ِهَّللا َمْج َر اَها َو ُمْر َس اَها ِإَّن َر ِّب ي َلَغ ُفوٌر َّر ِحيٌم‪.‬هود ‪ " 41‬لم يقلها نوح باللغة العربية التي لم تكن‬
‫موجودة وقتها‪ ،‬قالها بلغة قومه التي اندثرت وال نعرف شيئا عنها‪ .‬النبي سليمان عليه السالم حين كتب رسالة إلى بلقيس‬
‫يدعوها إلى اإلسالم وليس إلى غيره قال في مطلع خطابه لها‪ِ ":‬إَّن ُه ِمن ُس َلْيَم اَن َو ِإَّن ُه ِبْس ِم ِهَّللا الَّر ْح َم ِن الَّر ِحيِم َأَّال َت ْع ُلوا َع َلَّي‬
‫َو ْأُتوِني ُمْس ِلِميَن ‪ .‬النمل ‪ " 31-30‬اى كتب البسملة ودعا لإلسالم باللغة العبرية‪ -‬وليس العربية ‪ -‬وأعلنت بلقيس إسالمها بلغة‬
‫" اليمن العربية الجنوبية " َقاَلْت َر ِّب ِإِّن ي َظ َلْم ُت َن ْف ِس ي َو َأْس َلْم ُت َمَع ُس َلْيَم اَن ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن ‪:‬النمل ‪44‬‬
‫والقرآن الكريم نقل آيات من الوحي الذي نزل على إبراهيم وموسى في األمر بالصالة وإيثار اآلخرة‪َ ":‬ق ْد َأْف َلَح َم ن َتَز َّك ى َو َذ َك َر‬
‫اْس َم َر ِّب ِه َفَص َّلى َب ْل ُتْؤ ِثُر وَن اْلَح َي اَة الُّد ْن َي ا َو اآلِخَر ُة َخ ْيٌر َو َأْب َق ى ِإَّن َه َذ ا َلِفي الُّصُح ِف اُألوَلى ُصُح ِف ِإْبَر اِهيَم َو ُم وَس ى‪ ".‬األعلى ‪14‬‬
‫"– ‪ "-‬وتكرر ذلك في سورة النجم " ‪36‬‬
‫والن الوحي واحد والشرع واحد انزله اإلله الواحد جل وعال فان أوامر القرآن – وهو آخر وحى إالهي للبشر ‪ -‬تأتى عامة‬
‫للبشر بالعدل وإقامة الصالة في كل مسجد مع إخالص العبادة هلل وحده ومنه قوله تعالى في سياق حديثه لكل بنى آدم وعنهم‪":‬‬
‫"ُقْل َأَمَر َر ِّب ي ِباْلِقْس ِط َو َأِقيُم وْا ُو ُج وَه ُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ‪.‬األعراف" ‪31 - 29‬‬
‫المؤمنون في كل زمان ومكان يلتزمون بالوحي الصحيح الذي نزل باللغة التي يتكلمونها‪ ،‬وهللا تعالى أوجب عليهم الصالة فرضا‬
‫يتكرر في أوقات معلومة " ِإَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت اًب ا َّمْو ُقوًت ا‪ .‬النساء ‪ "103‬اآلية هنا عامة تتحدث عن كل المؤمنين‬
‫‪.‬قبل نزول القرآن وبعده في تقرير إالهي مؤكد مكتوب أي مفروض‬
‫وليس المؤمنون هم أتباع الرسالة الخاتمة فحسب بل المؤمنين هم أتباع كل رسالة سماوية وأتباع كل نبي‪ ،‬ألن الحساب يوم ‪5-‬‬
‫‪ ".‬القيامة يوم عام لجميع الناس ولكل األمم " َذ ِلَك َيْو ٌم َّمْج ُم وٌع َّلُه الَّن اُس َو َذ ِلَك َيْو ٌم َّم ْش ُهوٌد‪.‬هود‪103‬‬
‫وفي نفس الوقت فذلك الحساب العام حساب موحد بشرع واحد في أساسياته‪ ،‬أنزله اإلله الواحد‪ .‬ومهما اختلف اللغات التي‬
‫يصلى بها البشر للرب الواحد األحد جل وعال فالعبرة بالخشوع في الصالة وفى المحافظة عليها بالخلق السامي والسلوك القويم‬
‫‪.‬في التعامل مع الناس‪ ،‬وتلك أمور قلبية وسلوكية تسرى على كل مجتمع و على كل إنسان‬
‫وفى هذا الحساب الموحد العام لكل البشر تأتى الصالة فيه بندا أساسيا‪ ،‬والخاسرون في كل زمان ومكان هم الذين‬
‫أضاعواالصالة ولم يصدقوا بكتاب هللا " َو اْلَت َّف ِت الَّس اُق ِبالَّس اِق ِإَلى َر ِّب َك َيْو َم ِئٍذ اْلَمَس اُق َفال َص َّد َق َو ال َص َّلى َو َلِكن َك َّذ َب َو َت َو َّلى‪.‬‬
‫"‪ -‬القيامة ‪29‬‬
‫ِّل‬ ‫ْل‬ ‫َل‬ ‫ُل‬ ‫َق‬ ‫َق‬ ‫َل‬
‫وبعد أن يدخلوا جهنم يعترفون بالذنب‪ ،‬إذ أضاعوا الصالة بالعصيان " َم ا َس َكُك ْم ِفي َس َر ا وا ْم َن ُك ِمَن ا ُمَص يَن ‪.‬المدثر ‪42‬‬
‫"‪-‬‬
‫‪.‬إذن هي صالة واحدة إلله واحد في دين إاله واحد‪ ،‬ويوم الحساب واحد للجميع‬

‫‪.‬الصالة في الرساالت السماوية السابقة‬


‫‪:‬األمم السابقة أمم بائدة وأمم استمر وجودها وتراثها‬

‫ال نعرف عدد األنبياء (َو ُرُس ًال َق ْد َقَصْص َن اُه ْم َع َلْي َك ِمن َقْب ُل َو ُرُس ًال َّلْم َن ْق ُصْص ُهْم َع َلْي َك) النساء ‪ 164‬مع أن هللا تعالى أخبر انه‬
‫بعث في كل أمة نذيرا (َو ِإن ِّم ْن ُأَّم ٍة ِإَّال َخ ال ِفيَه ا َن ِذيٌر ) فاطر ‪ )24‬واألمة في المصطلح القرآني تعنى هنا اى مجتمع في زمان‬
‫معين‪.‬لم يقص علينا القرآن إال ما بعض من بعثهم هللا تعالى في منطقة الشرق األوسط‪ .‬ومن خالل قصص األنبياء جاء تاريخ‬
‫‪.‬بعض األمم السابقة التي عاصرت أولئك األنبياء‬
‫‪.‬تنقسم األمم السابقة إلى قسمين‪ :‬قسم أهلكه هللا تعالى وأباده مثل قوم نوح وغيرهم‬
‫استمرت ذرية نوح بعد هالك قومه المعاندين‪ ،‬وكان من هذه الذرية من عاند األنبياء الالحقين فعوقبوا باالبادة مثل قوم وعاد‬
‫‪.‬وثمود ومدين في منطقة الشرق األوسط‬
‫قال تعالى عن البشر بعد طوفان نوح "‪َ :‬و َج َع ْلَن ا ُذ ِّر َّي َت ُه ُه ْم اْلَب اِقيَن "الصافات ‪ .،"77‬يقول تعالى عن البائدين من ذرية نوح كقوم‬
‫عاد وثمود " َفَه ْل َت َر ى َلُهم ِّم ن َب اِقَي ٍة؟؟ الحاقة (‪ )8‬ويقول تعالى " َو َأَّن ُه َأْه َلَك َع اًدا اُألوَلى َو َث ُم وَد َفَم ا َأْب َق ى َو َق ْو َم ُنوٍح ِّم ن َقْب ُل‬
‫ِإَّن ُهْم َك اُن وا ُه ْم َأْظ َلَم َو َأْط َغ ى "‪ .‬النجم (‪)- 50‬‬
‫وقسم استمر وجوده متمتعا بالرساالت السماوية المشهورة في فروعه‪ ،‬ومنهم في الشرق األوسط ذرية إبراهيم المتمثلة في‬
‫العرب المستعربة وبنى إسرائيل‪ ،‬يقول تعالى عن إبراهيم‪َ " :‬قاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس ِإَم اًم ا َقاَل َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َقاَل َال َي َن اُل َع ْه ِدي‬
‫الَّظ اِلِميَن ) البقرة (‪ )124‬إذن له ذرية سيكون إماما للمسلمين منهم ‪ .‬ويقول تعالى عن ذرية نوح وإبراهيم‪َ ":‬و َلَق ْد َأْر َس ْلَن ا‬
‫"ُنوًح ا َو ِإْبَر اِهيَم َو َج َع ْلَن ا ِفي ُذ ِّر َّي ِتِه َم ا الُّن ُبَّو َة َو اْلِك َت اَب َفِم ْن ُهم ُّمْه َت ٍد َو َك ِثيٌر ِّم ْن ُهْم َفاِس ُقوَن ) الحديد‪26‬‬
‫في األمم البائدة كانت الصالة موجودة يحافظ عليها المؤمنون مع النبي‪ ،‬وقد اندثر تاريخ هذه األمم لكن القرآن يذكر طرفا منه‪،‬‬
‫فقوم شعيب يتهكمون عليه وعلى صالته " َقاُلوْا َي ا ُشَعْيُب َأَص الُتَك َت ْأُمُر َك َأن َّنْت ُر َك َم ا َيْع ُب ُد آَب اُؤ َن ا َأْو َأن َّن ْف َع َل ِفي َأْم َو اِلَن ا َم ا َنَش اء‬
‫ِإَّن َك َأَلنَت اْلَح ِليُم الَّر ِش يُد "هود‪ )87:‬وبينما اندثر تاريخ األمم السابقة فإن تراث إبراهيم استمر مع ذريته صحفا سماوية وأنبياء‬
‫من ذريته مع تحريفات وضعتها الذرية‪ ،‬واختالفات‪ ،‬واتباع بالحق وزيغ بالباطل‪ ،‬وكانت الصالة احد المعالم األساسية التي‬
‫‪.‬توارثناها عن إبراهيم فلحقها كل ذلك‬

‫‪:‬ثانيا‬
‫ملة إبراهيم الحنيفة بين تشريع السماء وتحريف الذرية‬

‫كانت الكعبة أول بيت وضعه هللا تعالى للبشر قبل إبراهيم " ُقْل َص َد َق ُهَّللا َفاَّت ِبُع وْا ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْل ُم ْش ِر ِكيَن َ ‪1 -‬‬
‫ِإَّن َأَّو َل َبْي ٍت ُو ِض َع ِللَّن اِس َلَّلِذي ِبَب َّك َة ُمَب اَر ًك ا َو ُهًدى ِّلْلَع اَلِميَن ‪ِ -‬فيِه آَي اٌت َبِّي َن اٌت َّم َقاُم ِإْبَر اِهيَم َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن آِم ًن ا َو ِهَّلِل َع َلى الَّن اِس‬
‫‪ِ".‬ح ُّج اْلَبْي ِت َم ِن اْس َت َط اَع ِإَلْي ِه َس ِبيًال َو َم ن َك َفَر َفِإَّن هَّللا َغ ِنٌّي َع ِن اْلَع اَلِميََن " آل عمران ‪95‬‬
‫كان بيت هللا مهجورا قبل إبراهيم ثم أوضح هللا إلبراهيم مكان البيت‪َ ".‬و ِإْذ َبَّو ْأَن ا ِإِلْبَر اِهيَم َم َك اَن اْلَبْي ِت َأن اّل ُتْش ِر ْك ِبي َش ْي ًئ ا َو َط ِّهْر‬
‫َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَقاِئِميَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد َو َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج اال َو َع َلى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ‪ .‬الحج (‬
‫‪)-26‬‬
‫وجعل هللا تعالى من إبراهيم إماما للناس يقيم الصالة حول البيت بعد أن رفع قواعده‪ ،‬و يساعده في ذلك ابنه إسماعيل الجد‬
‫األكبر للعرب المستعربة" َو ِإِذ اْب َت َلى ِإْبَر اِهيَم َر ُّب ُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَت َّمُهَّن َقاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس ِإَم اًم ا َقاَل َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َقاَل َال َي َن اُل َع ْه ِدي‬
‫الَّظ اِلِميَن َو ِإْذ َج َع ْلَن ا اْلَبْي َت َم َث اَب ًة ِّللَّن اِس َو َأْم نًا َو اَّت ِخ ُذ وْا ِمن َّم َق اِم ِإْبَر اِهيَم ُمَص ًّلى َو َع ِه ْد َن ا ِإَلى ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِع يَل َأن َط ِّهَر ا َبْي ِتَي‬
‫ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد "‪ ..‬البقرة (‪)-124‬‬
‫إذن توافد الناس على إبراهيم بعد أن أتم بناء البيت الحرام يتعلمون مناسك الحج واالعتكاف والصالة عند البيت بنفس ‪2-‬‬
‫الطريقة التي أراها هللا تعالى إلبراهيم وإسماعيل‪ ،‬وهى نفس طريقة العبادة التي كانت من قبل لألمم السابقة البائدة حيث كان‬
‫البيت الحرام أول بيت هلل تعالى وضعه للناس منذ أن كان على هذا الكوكب ناس‪ .‬وهي نفس الطريقة التي حافظت الذرية على‬
‫حركاتها وأعدادها ومواقيتها حتى جاء خاتم النبيين محمد عليهم جميعا السالم‪ .‬هذه الطريقة في العبادة من صالة وصدقة‬
‫‪ ".‬وصيام وصالة تسمى في مصطلح القرآن الكريم " ملة إبراهيم‬
‫وقد كان إبراهيم وهو يرفع القواعد من البيت مع ابنه إسماعيل يدعوان هللا أن يريهما ويعلمهما مناسك الصالة والحج وان‬
‫يجعل من ذريتهما امة مسلمة تحافظ على مناسك اإلسالم وان يبعث هللا فيهم رسوال يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم‪َ( :‬و ِإْذ َيْر َفُع‬
‫ِإْبَر اِهيُم اْلَق َو اِع َد ِمَن اْلَبْي ِت َو ِإْس َم اِعيُل َر َّب َن ا َت َقَّب ْل ِم َّن ا ِإَّن َك َأنَت الَّس ِميُع اْلَع ِليُم َر َّب َن ا َو اْج َع ْلَن ا ُمْس ِلَمْي ِن َلَك َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتَن ا ُأَّم ًة ُّمْس ِلَم ًة َّلَك‬
‫َو َأِر َن ا َم َن اِس َكَن ا َو ُتْب َع َلْي َن ا ِإَّن َك َأنَت الَّت َّو اُب الَّر ِحيُم َر َّب َن ا َو اْبَع ْث ِفيِهْم َر ُس وًال ِّم ْن ُهْم َي ْت ُلو َع َلْي ِهْم آَي اِتَك َو ُيَع ِّلُمُهُم اْلِك َت اَب َو اْلِح ْك َم َة‬
‫َو ُيَز ِّك يِهْم ِإَّن َك َأنَت اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم)‪ .‬البقرة (‪)-127‬‬
‫والحكمة المذكورة في قوله تعالى‪" :‬ويعلمهم الكتاب والحكمة " ليست شيئا خارجا عن الكتاب بل هي آيات التشريع واألحكام‬
‫التي بداخل الكتاب‪ ،‬ولذا تأتى الحكمة مرادفة للكتاب معطوفة عليه عطف بيان أو تأتى بديال عن الكتاب ألنها صفة له ومن أهم‬
‫‪.‬أساسياته‬
‫وأسلوب العطف في القرآن من مظاهر التفصيل والتوضيح‪ .‬وفى كل كتاب سماوي كانت الحكمة أهم ما يو صف به الكتاب وأهم‬
‫ما يتضمنه‪ ،‬فمثال يقول تعالى يصف اإلنجيل الذي تعلمه عيسى‪َ" :‬و ُيَع ِّلُم ُه اْل ِك َت اَب َو اْل ِح ْك َم َة َو الَّت ْو َر اَة َو اِإلنِج يَل " آل عمران ‪)48‬‬
‫فوصف اإلنجيل بالكتاب والحكمة‪ ،‬واإلنجيل بالطبع مصدق للتوراة‪ .‬وفى موضع آخر يصف رب العزة اإلنجيل بوصف واحد وهو‬
‫)الحكمة " َو َلَّم ا َج اَء ِع يَس ى ِباْلَبِّي َن اِت َقاَل َق ْد ِج ْئُتُك م ِباْلِح ْك َم ِة " الزخرف ‪63‬‬
‫‪.‬والقرآن هو الحكمة حيث "أحكم " هللا تعالى آياته‪ ،‬أو هو(ِك َت اٌب ُأْح ِك َم ْت آَي اُتُه)‪ .‬هود ‪ )1‬ألن الذي أنزله هو الحكيم الخبير‬
‫وفى سورة اإلسراء جاء تفصيل للتشريع من أول قوله تعالى " َو َقَض ى َر ُّب َك َأَّال َت ْع ُب ُد وْا ِإَّال ِإَّي اُه َو ِباْلَو اِلَد ْي ِن ِإْح َس اًن ا " إلى أن يقول‬
‫تعالى " َو َقَض ى َر ُّب َك َأَّال َت ْع ُب ُد وْا ِإَّال ِإَّي اُه َو ِباْلَو اِلَد ْي ِن ِإْح َس اًن ا " االسراء‪) 39 – 23‬فالحكمة في داخل القرآن وليست شيئا خارجا‬
‫‪.‬عنه‬
‫والحكمة –كوصف للكتاب اإللهي جاءت وصفا للرسالت السماوية التي تتابعت في ذرية إبراهيم‪ ،‬فهي –أي الحكمة – وصف‬
‫) لملة إبراهيم‪ ،‬وهنا نقرأ قوله تعالى " َفَق ْد آَت ْي َن ا آَل ِإْبَر اِهيَم اْلِك َت اَب َو اْلِح ْك َم َة "النساء ‪54‬‬
‫وبإبراهيم وابنه إسماعيل تكون مجتمع جديد يقيم الصالة ويؤدى مناسك الحج إلى بيت هللا الحرام‪ .‬وحرص إبراهيم على أن ‪3-‬‬
‫تستمر إقامة شعائر الصالة في ذريته فكان يدعو هللا بذلك‪َ ":‬و ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َر ِّب اْج َع ْل َه َذ ا اْلَب َلَد آِم ًن ا َو اْج ُنْب ِني َو َب ِنَّي َأن َّن ْع ُب َد‬
‫اَألْص َن اَم " –" َّر َّب َن ا ِإِّن ي َأْس َك نُت ِمن ُذ ِّر َّي ِتي ِبَو اٍد َغ ْي ِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْي ِتَك اْلُمَح َّر ِم َر َّب َن ا ِلُيِقيُم وْا الَّص الَة َفاْج َع ْل َأْف ِئَد ًة ِّم َن الَّن اِس َت ْه ِو ي‬
‫)ِإَلْي ِهْم " – " َر ِّب اْج َع ْلِني ُم ِقيَم الَّص الِة َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َر َّب َن ا َو َت َق َّب ْل ُد َع اء "‪ .‬إبراهيم ‪40- 35‬‬
‫وحرص إبراهيم ثم األنبياء من ذريته على أن يوصى كل نبي ذريته ‪ -‬وهو على فراش الموت ‪ -‬بالتمسك باإلسالم وبالصالة‬
‫َو َو َّص ى ِبَه ا ِإْبَر اِهيُم َب ِنيِه َو َيْع ُقوُب َي ا َب ِنَّي ِإَّن َهَّللا اْص َط َف ى َلُك ُم الِّديَن َفَال َت ُم وُتَّن ِإَّال َو َأنُتم ُّمْس ِلُم وَن ‪َ .‬أْم ُك نُتْم ُشَه َداء ِإْذ َح َض َر َيْع ُقوَب‬
‫اْلَمْو ُت ِإْذ َقاَل ِلَب ِنيِه َم ا َت ْع ُب ُدوَن ِمن َبْع ِدي َقاُلوْا َن ْع ُب ُد ِإَلَه َك َو ِإَلَه آَب اِئَك ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِعيَل َو ِإْس َح اَق ِإَلًه ا َو اِحًد ا َو َن ْح ُن َلُه ُمْس ِلُم وَن )‬
‫‪ -‬البقرة ‪132‬‬
‫هَّلِل‬ ‫َل‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫وتلك هي ملة إبراهيم التي نزل القرآن الكريم يأمر خاتم النبيين محمدا باتباعها َو َم ْن ْح َس ُن ِديًن ا ِّمَّم ْن ْس َم َو ْج َه ُه َو ُه َو ‪4-‬‬
‫ُمْح ِس ٌن َو اَّت َبَع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو اَّتَخ َذ ُهَّللا ِإْبَر اِهيَم َخ ِليًال) النساء ‪ُ ")125‬قْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب‬
‫اْلَع اَلِميَن ‪َ .‬ال َش ِر يَك َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن ‪ .‬األنعام ‪ )162/163‬وبذلك تحققت دعوة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان‬
‫‪.‬القواعد من البيت‪ ،‬فجاء خاتم النبيين متبعا لملة جده إبراهيم في الصالة وليس مخترعا لها‬
‫‪ :.‬األنبياء من ذرية إبراهيم والمحافظة على ملة إبراهيم‬
‫أنجب إبراهيم ولدين كالهما صار نبيا هلل تعالى وهما‪ :‬إسماعيل في مكة واسحق في الشام‪ ،‬وفرح بهما إبراهيم في ‪1-‬‬
‫شيخوخته " اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َو َه َب ِلي َع َلى اْلِك َب ِر ِإْس َم اِع يَل َو ِإْس َح اَق ِإَّن َر ِّب ي َلَس ِميُع الُّد َع اء " ودعا هللا تعالى لذريته بأن يهديهم‬
‫‪ -‬إلقامة الصالة‪َ ":‬ر ِّب اْج َع ْلِني ُم ِقيَم الَّص الِة َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َر َّب َن ا َو َت َقَّب ْل ُد َع اء)‪ .‬إبراهيم ‪39‬‬
‫وصارت إلسحق ذرية كبرى من ابنه يعقوب‪.‬إذ أنجب يعقوب النبي واسمه إسرائيل وأنجب يعقوب أو إسرائيل األسباط وهم اثنا‬
‫عشر ذكرا كان يوسف هو النبي منهم‪ ،‬وتناسل أبناء يعقوب أو أبناء إسرائيل االثنا عشرة فصاروا اثني عشرة قبيلة سكنوا‬
‫‪.‬مصر بعد أن استقدم يوسف والديه و إخوته من الشام إلى مصر‬
‫ثم تكاثر أبناء إسرائيل في مصر أبان حكم الهكسوس‪ ،‬وبعد أن طرد المصريون الهكسوس تولى الفراعنة الحكم فأسرفوا في‬
‫اضطهاد بنى إسرائيل ألنهم كانوا أعوان الهكسوس‪ .‬فبعث هللا تعالى موسى لينقذ بنى إسرائيل من االضطهاد‪ .‬وبعد غرق‬
‫فرعون موسى يذكر القرآن الكريم انتشار بنى إسرائيل بين مصر والشام والحجاز ( األعراف‪ – 137‬القصص ‪ 48‬الشعراء ‪57‬‬
‫‪ – 59/‬الدخان‪ ) 28 /25‬ثم ما لبث أن أقاموا لهم ملكا في فلسطين بلغ الذروة في عهد النبيين داود وسليمان عليهما‬
‫السالم‪.‬وتتابع فيهم الملك والرسالة ( النساء ‪ ) 54‬إلى أن دّم ر بختنصر البابلي ملكهم‪ ،‬ولكن وجودهم البشرى استمر ومعه‬
‫‪.‬الرساالت السماوية إلى أن كان زكريا ويحيى وعيسى عليهم السالم آخر النبيين من بنى إسرائيل‬
‫وأولئك األنبياء من ذرية اسحق بن إبراهيم حافظوا على الصالة التي تعلموها من ملة إبراهيم وأقاموا هذه الصالة بين العراق‬
‫والشام ومصر بمختلف اللهجات واللغات‪ ،‬وكان كل نبي يوصى بها قومه كما ذكر القرآن عن احتضار إبراهيم ويعقوب‬
‫‪.‬ووصيتهما عند الموت‪ .‬على أن الذرية كانت في اغلبها تضيع الصالة بالوقوع في الشرك وفى المعاصي‬
‫يقول تعالى عن إبراهيم ولوط واسحق ويعقوب "َو َج َع ْلَن اُه ْم َأِئَّم ًة َيْه ُدوَن ِبَأْم ِر َن ا َو َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي ِهْم ِفْع َل اْلَخ ْيَر اِت َو ِإَقاَم الَّص الِة َو ِإيَت اء‬
‫الَّز َك اِة َو َك اُن وا َلَن ا َع اِبِديَن ‪ .‬األنبياء ‪ ) 73‬أي كانوا أئمة للناس في عصرهم يهدون للحق ويقيمون الصالة التي تعلموها من ملة‬
‫‪.‬إبراهيم ويؤتون الزكاة ويعبدون هللا جل وعال‬
‫بل انه حين بدأ الوحي لموسى وهو في طريق عودته إلى مصر قال له ربه جل وعال مؤكدا على عدم تضييع الصالة بالوقوع ‪2-‬‬
‫في الشرك‪ِ ":‬إَّن ِني َأَن ا ُهَّللا ال ِإَلَه ِإَّال َأَن ا َفاْع ُبْد ِني َو َأِقِم الَّص الَة ِلِذ ْك ِر ي‪ .‬طة ‪ )-14‬إذ قد يصلى المؤمن هلل تعالى ولكن يذكر في‬
‫صالته – على سبيل التعظيم – أسماء مخلوقات من األنبياء وغيرهم‪ ،‬مخالفا بذلك إخالص العبادة هلل تعالى وحده‪ ،‬وهذا ما كانت‬
‫العرب في الجاهلية تفعل ونزل قوله تعالى لخاتم النبيين‪ِ :‬إَّن ا َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك اْل ِك َت اَب ِباْل َح ِّق َفاْع ُب ِد َهَّللا ُم ْخ ِلًص ا َّلُه الِّديَن َأال ِهَّلِل الِّديُن‬
‫اْلَخ اِلُص َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا ِمن ُدوِنِه َأْو ِلَي اء َم ا َن ْع ُب ُدُه ْم ِإَّال ِلُيَق ِّر ُبوَن ا ِإَلى ِهَّللا ُز ْلَف ى ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َبْي َن ُهْم ِفي َم ا ُه ْم ِفيِه َي ْخ َت ِلُفوَن ِإَّن َهَّللا ال‬
‫) ‪َ-‬يْه ِدي َم ْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر ) (ُقْل ِإِّن ي ُأِم ْر ُت َأْن َأْع ُب َد َهَّللا ُم ْخ ِلًص ا َّلُه الِّديَن َو ُأِم ْر ُت َأِلْن َأُك وَن َأَّو َل اْلُمْس ِلِميَن ) الزمر ‪11& -2‬‬
‫هنا يكون التضييع للصالة والذي حّذ ر هللا تعالى موسى منه حين أمره أن يقيم الصالة لذكر هللا تعالى وحده‪ .‬وهذا هو معنى‬
‫‪.‬افتتاح الصالة ب( هللا أكبر) وطالما تقول إن هللا تعالى هو األكبر في الصالة واألذان فال تذكر معه غيره‬
‫َق‬ ‫َق‬
‫وحين اشتد أذى فرعون ببني إسرائيل أمرهم موسى عليه السالم بالتوكل على هللا إن كانوا حقا مسلمين "َو اَل ُم وَس ى َي ا ْو ِم‬
‫ِإن ُك نُتْم آَم نُتم ِباِهَّلل َفَع َلْي ِه َت َو َّك ُلوْا ِإن ُك نُتم ُّمْس ِلِميَن " وأوحى هللا تعالى لموسى وهارون بأن يقيموا الصالة في بيوت سرية خوفا‬
‫من أذى فرعون وبشرهم بقرب الخالص‪َ" :‬و َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُم وَس ى َو َأِخيِه َأن َت َبَّو َء ا ِلَق ْو ِم ُك َم ا ِبِم ْص َر ُبُيوًت ا َو اْج َع ُلوْا ُبُيوَتُك ْم ِقْب َلًة‬
‫َو َأِقيُم وْا الَّص الَة َو َب ِّش ِر اْلُم ْؤ ِمِنيَن ‪ ..‬يونس ‪84‬؛‪ )87‬فنظرا الضطهاد فرعون فلن يتمكنوا من صالة الجماعة والجمعة‬
‫‪ .‬علنيا ‪،‬فكان ذلك التشريع استثنائيا كصالة الخوف‬
‫وبعد أن أنجى هللا بنى إسرائيل اخذ عليهم الميثاق ورفع فوقهم جبل الطور‪ ،‬وكانت إقامة الصالة أهم شروط الميثاق‪َ :‬و َلَق ْد َأَخ َذ‬
‫ُهَّللا ِميَث اَق َب ِني ِإْس َر اِئيَل َو َبَع ْث َن ا ِم ْن ُهُم اْث َن ْي َع َش َر َن ِقيًب ا َو َقاَل ُهَّللا ِإِّن ي َمَع ُك ْم َلِئْن َأَقْم ُتُم الَّص الَة َو آَت ْي ُتُم الَّز َك اَة َو آَم نُتم ِبُرُس ِلي‬
‫َو َع َّز ْر ُتُم وُه ْم َو َأْق َر ْض ُتُم َهَّللا َقْر ًض ا َح َس ًن ا ُأّلَك ِّف َر َّن َع نُك ْم َسِّي َئ اِتُك ْم َو ُألْد ِخَلَّنُك ْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َفَم ن َك َف َر َبْع َد َذ ِلَك ِمنُك ْم‬
‫‪َ).‬فَق ْد َض َّل َس َو اء الَّس ِبيِل )المائدة ‪12‬‬
‫لقد قال هللا تعالى لبنى إسرائيل في عهد نزول القرآن‪َ " :‬و اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص الِة َو ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإَّال َع َلى اْلَخ اِش ِعيَن ‪ .‬البقرة‬
‫‪ ) 45‬وألنها نفس الصالة التي يصليها المسلمون الذين يقرءون القرآن فأن القرآن يكرر نفس األمر للمسلمين في نفس‬
‫السورة‪َ ":‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص الِة ِإَّن َهَّللا َمَع الَّص اِبِر يَن ‪ .‬البقرة ‪ .)153‬لو كانت الصالة شيئا مختلفا بين‬
‫الفريقين لنزل في القرآن ما يفيد ذلك حين توجيهه الحديث لبنى إسرائيل والتباع القرآن الكريم‪ ،‬ولكن على العكس جاء الخطاب‬
‫واحدا يدعو الجميع إلى اتباع ملة إبراهيم حنيفا ‪ -‬أي بدون الوقوع في الشرك والمعاصي‪-‬و ملة إبراهيم هي األصل في‬
‫‪.‬العبادات للجميع‬
‫إن الصالة عالقة مستمرة وعهد بين هللا تعالى وبين المؤمن‪ .‬هي ذكر منظم ومقنن ومحدد وموقن – أي بتوقيت ‪ -‬خمس مرات‬
‫كل يوم‪ ،‬فإذا أقام المؤمنون عهدهم مع هللا تعالى أقام هللا عهده معهم‪ ،‬أي إذا ذكروه بصالتهم ذكرهم بمغفرته وعونه ورضوانه‬
‫وجنته‪ ،‬وكانت صالتهم هلل تعالى – مع فضيلة الصبر ‪ -‬عونا لهم على شدائد الحياة‪ ،‬وطريقا يستعينون به في مواجهة الصعاب‪.‬‬
‫هذا ما نستفيده من قوله تعالى للمؤمنين في عصر الوحي‪َ :‬فاْذ ُك ُر وِني َأْذ ُك ْر ُك ْم َو اْشُك ُر وْا ِلي َو َال َتْك ُفُر وِن َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا‬
‫) ‪-‬اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّصْب ِر َو الَّص الِة ِإَّن َهَّللا َمَع الَّص اِبِر يَن ) البقرة ‪152‬‬
‫ونقض اغلب اليهود الميثاق فحرفوا في الكتاب وأضاعوا الصالة وزعموا إنهم مغفور لهم‪ ،‬ولكن بقيت أقلية من بنى إسرائيل‬
‫تتمسك بالكتاب وتقيم الصالة متبعة ملة أبيهم إبراهيم بال وقوع في شرك أو عصيان‪ .‬يقول تعالى عنهم" َو َقَّط ْع َن اُه ْم ِفي اَألْر ِض‬
‫ُأَمًم ا ِّم ْن ُهُم الَّص اِلُح وَن َو ِم ْن ُهْم ُدوَن َذ ِلَك َو َب َلْو َن اُه ْم ِباْلَح َس َن اِت َو الَّس ِّي َئ اِت َلَع َّلُهْم َيْر ِج ُع وَن ) األعراف ‪)168‬أي كان منهم الصالحون‬
‫‪.‬والمفسدون من خلط عمال صالحا وآخر سيئا‪ ،‬وتعرضوا لالبتالء واالختبار‬
‫ُل‬ ‫ْث‬ ‫ْأ‬ ‫َل‬ ‫َف‬ ‫ْغ‬ ‫ُل‬ ‫ُق‬ ‫َأل‬
‫تقول اآلية الثالثة‪َ ":‬فَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َو ِر ُثوْا اْلِك َت اَب َي ْأُخ ُذ وَن َع َر َض َه ا ا ْد َن ى َو َي و وَن َسُي ُر َن ا َو ِإن َي ِتِهْم َع َر ٌض ِّم ُه‬
‫َذ‬
‫َي ْأُخ ُذ وُه َأَلْم ُيْؤ َخ ْذ َع َلْي ِه م ِّم يَث اُق اْل ِك َت اِب َأن َّال َي ُقوُلوْا َع َلى ِهَّللا ِإَّال اْلَح َّق َو َد َر ُس وْا َم ا ِفيِه َو الَّداُر اآلِخَر ُة َخ ْيٌر ِّلَّلِذيَن َي َّت ُقوَن َأَفَال َت ْع ِقُلوَن ‪.‬‬
‫األعراف ‪ ) - 169‬أي جاء جيل آخر من بنى إسرائيل معتقدين أن هللا تعالى سيغفر لهم مهما فعلوا من ذنوب وآثام معتمدين‬
‫على عروض وهمية من أساطير مزيفة تؤكد لهم دخول الجنة مهما ارتكبوا من خطايا‪ .‬وان جاءهم عرض جديد بنفس التوجه‬
‫واالفتراء تمسكوا به‪ .‬ونسوا العهد والميثاق الذي أخذه هللا تعالى على أسالفهم حين رفع الطور فوقهم‪ .‬وقد تمثل هذا العهد في‬
‫أال يفتروا على هللا تعالى كذبا‪ .‬ولكنهم افتروا الكذب على هللا تعالى مع دراستهم للكتاب السماوي‪ .‬ونسوا أن الدار اآلخرة هي‬
‫لمن اتقى‪ .‬وفى مقابل هذا الضالل واإلضالل كان هناك من بنى إسرائيل من تمسك بالحق المنزل في كتاب هللا تعالى وحافظ على‬
‫صالته دون تضييعها‪ ،‬يقول تعالى فيهم‪َ :‬و اَّلِذيَن ُيَمِّس ُك وَن ِباْلِك َت اِب َو َأَقاُم وْا الَّص الَة ِإَّن ا َال ُنِض يُع َأْج َر اْلُمْص ِلِحيَن ) األعراف ‪) 170‬‬
‫‪.‬أي توارثوا الكتاب السماوىفالتمسك بالكتاب وحده وإقامة الصالة أهم مظاهر الصالح في كل زمان ومكان‬
‫ويالحظ أننا وقعنا فيما وقع فيه أغلبية بنى إسرائيل من التحريف واالفتراء وتضييع الصالة‪ ،‬كما ظل فريق منهم ومنا يتبع‬
‫الحق ويتمسك بالكتاب وحده ويحافظ على صالته بالتقوى وعدم الوقوع في الشرك بالمولى عز وجل‪ .‬ولذلك تكرر القصص‬
‫القرآني عن بنى إسرائيل لهدايتهم وهدايتنا‪ ،‬وللتنبيه على انتمائنا لملة واحدة هي ملة إبراهيم‪ ،‬وتضييع معظمنا لها وثبات‬
‫األقلية منا عليها‪ .‬والغريب أن بعض الضالين يشكك في القرآن متسائال لماذا لم يذكر أوقات الصالة وكيفيتها ليثبت نقص كتاب‬
‫‪.‬هللا تعالى وليكّذ ب تأكيد هللا تعالى بأنه ما فّر ط في الكتاب من شيء وانه أنزل القرآن تبيانا لكل شيء‬
‫نعود إلى حديث رب العزة عن بنى إسرائيل والذي جاء في اآليات السابقة والذي ختمها هللا تعالى باإلشارة إلى العهد والميثاق‬
‫الذي أخذه على بنى إسرائيل في عهد موسى حين رفع فوقهم جبل الطور في سيناء المصرية وكانوا ينظرون إليه في رعب‬
‫يخشون أن يقع عليهم‪َ " :‬و ِإذ َنَت ْق َن ا اْلَج َب َل َفْو َقُهْم َك َأَّن ُه ُظ َّلٌة َو َظ ُّن وْا َأَّن ُه َو اِقٌع ِبِهْم ُخ ُذ وْا َم ا آَت ْي َن اُك م ِبُقَّو ٍة َو اْذ ُك ُر وْا َم ا ِفيِه َلَع َّلُك ْم‬
‫) َتَّت ُقوَن ) األعراف ‪171‬‬
‫وفى سياق القصص القرآني عن بنى إسرائيل أشار القرآن لصالة األنبياء من بنى اسرئيل‪ ،‬فهناك قصة الخصمين اللذين‪3-‬‬
‫تسورا المحراب على النبي داود عليه السالم وهو يصلى‪َ :‬و َه ْل َأَت اَك َن َب ُأ اْلَخ ْص ِم ِإْذ َت َس َّو ُر وا اْلِم ْح َر اَب ِإْذ َد َخ ُلوا َع َلى َداُو وَد ِز َع‬
‫َفَف‬
‫ِم ْن ُهْم َقاُلوا ال َتَخ ْف َخ ْص َم اِن َب َغ ى َبْع ُض َن ا َع َلى َبْع ٍض َفاْح ُك م َبْي َنَن ا ِباْلَح ِّق َو ال ُتْش ِط ْط َو اْه ِد َن ا ِإَلى َس َو اء الِّصَر اِط ِإَّن َه َذ ا َأِخي َلُه ِتْس ٌع‬
‫َو ِتْس ُع وَن َن ْع َج ًة َو ِلَي َن ْع َج ٌة َو اِحَد ٌة َفَقاَل َأْك ِفْلِنيَه ا َو َع َّز ِني ِفي اْلِخ َط اِب َقاَل َلَق ْد َظ َلَم َك ِبُس َؤ اِل َن ْع َج ِتَك ِإَلى ِنَع اِج ِه َو ِإَّن َك ِثيًر ا ِّم ْن‬
‫اْلُخ َلَط اء َلَيْب ِغي َبْع ُضُهْم َع َلى َبْع ٍض ِإَّال اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َو َقِليٌل َّم ا ُه ْم َو َظ َّن َداُو وُد َأَّن َم ا َفَتَّن اُه َفاْس َت ْغ َفَر َر َّب ُه َو َخ َّر َر اِك ًع ا‬
‫)َو َأَن اَب ) ص ‪24-20‬‬
‫ويفهم من ذلك أن المحراب كان المكان المفضل لنبي هللا داود‪ .‬وإذا تمثلت القصة وجدتها طبيعية تنطبق في عصرنا على أي‬
‫مسلم صالح يصلى في المحراب ويقصده الناس ليحكم بينهم في خالفاتهم‪ ،‬وشأن نبي هللا تعالى داود عليه السالم فانه حين شّك‬
‫‪.‬في احتمال وقوعه في الخطأ بادر باالستغفار والركوع والصالة في خشوع وإنابة‬
‫ِّل‬ ‫َق‬ ‫ُة‬ ‫ْل‬ ‫َف‬
‫ومثله زكريا عليه السالم فقد بشرته المالئكة بمولد ابنه يحيى وهو قائم يصلى في المحراب ( َن اَد ْت ُه ا َم الِئَك َو ُه َو اِئٌم ُيَص ي ِفي‬
‫اْلِم ْح َر اِب َأَّن َهَّللا ُيَب ِّش ُر َك ِبَيْح َي ى ُمَص ِّد ًقا ِبَك ِلَم ٍة ِّم َن ِهَّللا َو َسِّي ًدا َو َح ُص وًر ا َو َن ِبًّي ا ِّم َن الَّص اِلِحيَن ) أل عمران ‪ )39‬وجاءت تفصيالت‬
‫)أخرى في سورة مريم " َفَخ َر َج َع َلى َقْو ِمِه ِمَن اْلِم ْح َر اِب َفَأْو َح ى ِإَلْي ِهْم َأن َسِّبُح وا ُبْك َر ًة َو َع ِش ًّي ا ) مريم ‪11‬‬
‫وقد كفل زكريا عليه السالم الطفلة النقية مريم بنت عمران فعاشت معه في المسجد‪ ،‬في بيئة غاية من الطهر ال نجد تعبيرا‬
‫أفضل مما حكاه رب العزة في سورتي آل عمران ومريم‪ .‬في تلك البيئة النقية كانت المالئكة تكلم الطفلة العذراء الطاهرة‬
‫المطهرة تنصحها بالصالة‪َ ":‬و ِإْذ َقاَلِت اْلَم الِئَك ُة َي ا َمْر َي ُم ِإَّن َهَّللا اْص َطَف اِك َو َط َّهَر ِك َو اْص َطَفاِك َع َلى ِنَس اء اْلَع اَلِميَن َي ا َمْر َي ُم ا ِتي‬
‫ُن‬ ‫ْق‬
‫ِلَر ِّب ِك َو اْس ُج ِدي َو اْر َك ِعي َمَع الَّر اِكِعيَن )آل عمران ‪ )43‬فاعتادت مريم االعتكاف عن الناس في المحراب َفَت َقَّب َلَه ا َر ُّبَه ا ِبَقُبوٍل َح َس ٍن‬
‫َو َأنَب َت َه ا َن َب اًت ا َح َس ًن ا َو َك َّفَلَه ا َز َك ِر َّي ا ُك َّلَم ا َد َخ َل َع َلْيَه ا َز َك ِر َّي ا اْلِم ْح َر اَب َو َج َد ِعنَدَها ِر ْز ًقا َقاَل َي ا َمْر َي ُم َأَّن ى َلِك َه َذ ا َقاَلْت ُه َو ِمْن ِعنِد ِهَّللا‬
‫)ِإَّن َهَّللا َيْر ُز ُق َم ن َي َش اء ِبَغ ْي ِر ِح َس اٍب ) آل عمران ‪37‬‬
‫وحين ولدت العذراء المطهرة عيسى عليه السالم معجزة حية بدون أب نطق المولود عيسى في المهد قائال " َو َج َع َلِني ُمَب اَر ًك ا‬
‫)َأْي َن َم ا ُك نُت َو َأْو َص اِني ِبالَّص الِة َو الَّز َك اِة َم ا ُد ْم ُت َح ًّي ا ) مريم ‪31‬‬
‫وقبل ذلك كان لقمان ينصح ابنه قائال " َي ا ُبَن َّي َأِقِم الَّص الَة َو ْأُمْر ِباْلَمْع ُر وِف َو اْن َه َع ِن اْل ُم نَك ِر َو اْص ِبْر َع َلى َم ا َص اَب َك ِإَّن َذ ِلَك ِمْن‬
‫َأ‬
‫)َع ْز ِم اُألُم وِر ) لقمان ‪17‬‬
‫هذا فيما يخص ذرية فرع اسحق بن إبراهيم‪ ،‬فماذا عن فرع إسماعيل بن إبراهيم الذي جاء فيه خاتم النبيين عليهم سالم هللا‬
‫تعالى ؟‬

‫‪:‬تواتر الصالة في العرب أبناء إسماعيل‬

‫رأينا كيف كان أبناء إسماعيل وأحفاده من أنبياء بنى إسرائيل يوصى احدهم أبناءه بالمحافظة على اإلسالم وشرائعه وبذلك‪1-‬‬
‫ونعود للقرآن في سورة مريم ‪ ،‬فبعد أن تحدث رب العزة جل وعال >"‪"RTL‬كان لقمان يعظ ابنة يحذره من الشرك يأمره با‬
‫عن إبراهيم وذريته اسحق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس قال عنهم " ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن َأْن َع َم ُهَّللا َع َلْي ِه م ِّم َن الَّن ِبِّي يَن‬
‫ِمن ُذ ِّر َّي ِة آَد َم َو ِم َّم ْن َح َم ْلَن ا َمَع ُنوٍح َو ِمن ُذ ِّر َّي ِة ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َر اِئيَل َو ِم َّم ْن َهَد ْي َن ا َو اْج َت َبْي َن ا ِإَذ ا ُتْت َلى َع َلْي ِهْم آَي اُت الَّر ْح َم ن َخ ُّر وا ُسَّج ًدا‬
‫َو ُبِك ًّي ا " ثم يقول عن الخلف الذين جاءوا من نسل يعقوب أي بنى إسرائيل ومن نسل إسماعيل أي العرب " َفَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم‬
‫)َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا) مريم ‪59-58‬‬
‫مشكلتنا الكبرى هي إضاعة الصالة مع أننا نؤديها‪ .‬نصلى ولكن ال نحافظ على الصالة‪ .‬نركع ونسجد ونقوم ونقعد ونسبح ونفعل‬
‫كل حركات الصالة ونقرأ الفاتحة ونسبح ولكن أداء تلك الحركات بدون المحافظة على الصالة يصبح كما قال تعالى " مكاء‬
‫وتصدية"‪ .‬باختصار إننا نصلى ولكن ال نقيم الصالة‪ ،‬فإقامة الصالة شيء آخر غير تأدية الصالة‪ .‬إن أقامة الصالة أو المحافظة‬
‫‪.‬على الصالة هي نقيض إضاعة الصالة‪ .‬ونحن – في األغلب – قد أضعنا الصالة مثلما فعل الخلف‬
‫بين إضاعة الصالة وإقامة الصالة‬

‫الصالة ليست هدفا في حد ذاتها وكذلك كل العبادات‪ ،‬فهي جميعا وسائل للتقوى‪ ،‬يقول تعالى للبشر " َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُد وْا َر َّب ُك ُم‬
‫اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّت ُقوَن ‪ .‬البقرة ‪ "21‬فالتقوى هي الهدف وسائر العبادات وسائل لتنمية مشاعر التقوى‬
‫‪.‬والخوف من هللا‬
‫ُق‬ ‫َتَّت‬ ‫ُك‬ ‫َّل‬ ‫َل‬ ‫ُك‬ ‫َق‬ ‫َّل‬ ‫َل‬ ‫ُك‬ ‫َك‬ ‫ُك‬ ‫َل‬ ‫ُك‬ ‫ْا‬ ‫ُن‬ ‫َّل‬ ‫َأ‬
‫فالصيام وسيلة إلى التقوى يقول تعالى " َي ا ُّيَه ا ا ِذيَن آَم و ِتَب َع ْي ُم الِّصَي اُم َم ا ِتَب َع ى ا ِذيَن ِمن ْب ِل ْم َع ْم وَن ‪.‬‬
‫)البقرة ‪183‬‬
‫والصالة أيضا وسيلة للتقوى‪ ،‬والذي يحافظ على صالته أومن يقيم الصالة هو الذي تنهاه صالته عن الفحشاء والمنكر فيكون‬
‫)متقيا هلل تعالى " َو َأِقِم الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ِن اْلَف ْح َش اء َو اْلُم نَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن " العنكبوت ‪45‬‬
‫أما الذي يضيع صالته فهو ذلك المصلى الذي يقع في المعاصي‪ .‬قد يكون مؤمنا ولكنه لن يكون مؤمنا من المفلحين أصحاب‬
‫الجنة‪ .‬لقد بدأت سورة "المؤمنون" بتحديد المؤمنين المفلحين‪ ،‬وجاء التحديد مرتبطا بإقامة الصالة والخشوع فيها ليؤكد إن‬
‫بعض المؤمنين وبعض من يصلى منهم لن يكون من أصحاب الجنة ألنه لم يخشع في صالته ولم يقم بالمحافظة عليها بالتزام‬
‫"السلوك الحميد‪ .‬يقول تعالى‪َ ":‬ق ْد َأْف َلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن‬
‫لم يعط القرآن الكريم صفة الفالح لكل المؤمنين بل توالت اآليات تحدد من هم المفلحون من المؤمنين‪ ،‬فقالت‪ ":‬اَّلِذيَن ُه ْم ِفي "‬
‫َص الِتِهْم َخ اِش ُع وَن " أي حين يصلى أحدهم ال بد أن يخشع في صالته حين يناجى ربه مبتهال له يدعوه رغبة ورهبة دون أن‬
‫يسمعه أحد‪ ،‬ودون أن يكون هناك وسيط بينه وبين ربه جل وعال‪ .‬إنها عالقة مباشرة بينه وبين مواله يشكو له جل وعال ما‬
‫يالقيه في المحنة ويشكر له عند المنحة والنعمة‪ .‬بعد الخشوع في الصالة تأتى صفات أخالقية أخرى يتصف بها المؤمن ويلتزم‬
‫بها بين صلواته‪ ،‬هي االعرض عن اللغو ثم التزام الزكاة أي السمو في أفعالهم واالبتعاد عن الزنا ثم مراعاة العهود واألمانات‬
‫‪ ".‬وبالتزام تلك األخالق يكون الحفاظ الفعلي على الصالة " َو اَّلِذيَن ُه ْم َع َلى َص َلَو اِتِهْم ُيَح اِفُظ وَن‬
‫‪.‬هذا هو معنى المحافظة على الصالة‪ .‬وهو نفس معنى إقامة الصالة‬
‫‪.‬هو أيضا معنى إيتاء الزكاة‬
‫‪.‬وهذا يستحق توضيحا‬

‫معنى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة‬

‫‪.‬التطبيق العملي إلقامة الصالة هو الجمع بين الخشوع في الصالة والمحافظة عليها‬
‫فالصالة تستلزم أثناء تأديتها خشوعا كما تستلزم تقوى ومحافظة على السلوك القويم فيما بين الصلوات الخمسة‪ .‬أي أن يوم‬
‫المؤمن المصلى ينقسم إلى قسمين‪ :‬قسم أصغر هو الدقائق التي يؤدى فيها الخمس صلوات الموزعة على أوقات اليقظة في‬
‫اليوم‪ .‬والقسم األكبر هو بقية الوقت الواقع بين تـأدية الصلوات الخمس‪ ،‬وفى تلك األوقات يجب المحافظة على الصلوات‬
‫‪.‬بالتقوى وااللتزام الخلقي القويم‬
‫وهناك عالقة وثيقة بين الخشوع أثناء تأدية الصالة والمحافظة على الصالة بعد تأديتها بعدم الوقوع في المعاصي بين الصلوات‬
‫الخمس‪ .‬فالخشوع أن ِي ؤكد المؤمن على إخالصه في كل كلمة يناجى بها ربه جل وعال في صالته خصوصا وهو يقول في كل‬
‫ركعة في الفاتحة " اهدنا الصراط المستقيم "‪ ،‬الخشوع هو الصدق في مخاطبة رب العزة واإلخالص التام في دعائه وعبادته‪.‬‬
‫وال يمكن أن تخشع في صالتك بهذا الشكل وأنت تفعل الفحشاء وترتكب المعاصي بعد الصالة وتصمم عليها أثناء الصالة وبعدها‬
‫‪.‬و تصلى لربك وتقول له جل وعال‪ :‬اهدنا الصراط المستقيم‪ .‬إذا فعلت هذه فإنما ترائي الناس وال تخدع سوى نفسك‬
‫إقامة الصالة هو المصطلح القرآني الذي يعنى الخشوع في الصالة والمحافظة عليها معا‪ .‬وهذا يؤكد أن الصالة مجرد وسيلة‬
‫لغاية أسمى هي التقوى‪ ،‬أو االبتعاد عن الفحشاء والمنكر‪ .‬على هذا األساس نستطيع أن نقرأ معا اآليات األولى من سورة‬
‫المؤمنون في ضوء ما سبق قوله عن الصالة؛ الخشوع فيها والمحافظة عليها‪َ (.‬قْد َأْف َلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن ُه ْم ِفي َص الِتِهْم‬
‫َخ اِش ُع وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َع ِن الَّلْغ ِو ُمْع ِر ُض وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم ِللَّز َك اِة َفاِع ُلوَن َو اَّلِذيَن ُه ْم ِلُفُر وِجِهْم َح اِفُظ وَن ِإَّال َع َلى َأْز َو اِجِهْم َأْو َم ا َم َلَك ْت‬
‫َأْيَم اُن ُهْم َفِإَّن ُهْم َغ ْيُر َم ُلوِميَن َفَم ِن اْب َت َغ ى َو َر اء َذ ِلَك َفُأوَلِئَك ُه ُم اْل َع اُدوَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َأِلَم اَن اِتِهْم َو َع ْه ِدِه ْم َر اُع وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َع َلى‬
‫"َص َلَو اِتِهْم ُيَح اِفُظ وَن )المؤمنون "‪1‬إلى ‪9‬‬
‫وتكرر ذلك المعنى وفى سورة المعارج (‪)34-22‬‬
‫ومن اجل ذلك تقول اآلية توضح معنى إضاعة الصالة عند الخلف الذي جاء بعد األنبياء "َفَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة‬
‫( َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ِإَّال َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا َفُأوَلِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْل َج َّن َة َو ال ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ) مريم‪60 - 59‬‬
‫هم أضاعوا الصالة حين اتبعوا الشهوات والمعاصي ومن تاب منهم وآمن إيمانا حقيقيا وعمل صالحا أصبح محافظا على‬
‫صالته غير مضيع لها واستحق بذلك دخول الجنة‪ .‬ينطبق هذا على الخلف الماضين كما ينطبق علينا الذين خلفنا الالحقين‪،‬‬
‫‪.‬ولذلك ذكر هللا تعالى لنا هذه الحقائق في آخر رسالة سماوية كي نعتبر ونهتدي‬
‫‪.‬في اللغة العربية والمصطلح القرآني تجد مفهوم " قام على الشيء" بمعنى حافظ عليه ورعاه‬
‫َق‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫َل‬
‫هللا تعالى وصف ذاته باسم من أسمائه الحسنى هو " القيوم" الذي ال تدركه سنة وال نوم‪ُ ":‬هَّللا َال ِإ َه ِإَّال ُه َو ا َح ُّي ا ُّي وُم َال‬
‫َت ْأُخ ُذ ُه ِس َن ٌة َو َال َن ْو ٌم َّلُه َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض َم ن َذ ا اَّلِذي َي ْش َف ُع ِع نَد ُه ِإَّال ِبِإْذ ِنِه َيْع َلُم َم ا َبْي َن َأْي ِديِهْم َو َم ا َخ ْلَف ُهْم َو َال‬
‫) ُيِحيُط وَن ِبَش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْلِمِه ِإَّال ِبَم ا َش اء َو ِس َع ُك ْر ِس ُّي ُه الَّس َم اَو اِت َو اَألْر َض َو َال َي ُؤ وُد ُه ِحْفُظ ُهَم ا َو ُه َو اْلَع ِلُّي اْلَع ِظ يُم) البقرة ‪255‬‬
‫اآلية الكريمة تشرح معنى القيوم‪ ،‬أي القائم على كل شيء وال يغفل عن شيء‪ ،‬ويصف تعالى ذاته كقيوم يحفظ أعمال كل إنسان‬
‫وأقواله ليحاسبه عليها يوم القيامة‪َ " :‬أَف َم ْن ُه َو َقاِئٌم َع َلى ُك ِّل َن ْف ٍس ِبَم ا َك َسَب ْت ) الرعد ‪ )33‬القيوم هنا بمعنى الذي يحفظ أعمال‬
‫كل إنسان‪ ،‬يتم ذلك عن طريق مالئكة الحفظ (َلُه ُمَع ِّق َب اٌت ِّم ن َبْي ِن َي َد ْي ِه َو ِمْن َخ ْلِفِه َيْح َفُظ وَن ُه ِمْن َأْم ِر ِهَّللا) الرعد ‪َ( ) 11‬و ِإَّن َع َلْي ُك ْم‬
‫َلَح اِفِظ يَن ِك َر اًم ا َك اِتِبيَن َيْع َلُم وَن َم ا َت ْف َع ُلوَن ) االنفطار ‪ ( )- 10‬أيضا سورة ق ‪) - 16:‬‬
‫َأ‬
‫لذلك يأمرنا ربنا جل وعال أن نكون ( قوامين بالقسط ) أي قائمين على رعاية العدل والقسط‪َ (:‬ي ا ُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا ُك وُن وْا َق َّو اِميَن‬
‫‪ِ ).‬باْلِقْس ِط ُشَه َداء ِهَّلِل ) النساء ‪135‬‬
‫وألن العرب في الجاهلية وقريش في عهد النبوة كانت تصلى وتعرف الصالة ولكن ال تقيم الصالة لذا نزلت األوامر لهم في مكة‬
‫بإقامة الصالة‪ ،‬أي بالمحافظة عليها بعدم الوقوع في الشرك والمعاصي والخشوع أثناء تأديتها‪ .‬على سبيل المثال جاء األمر‬
‫‪.‬بإقامة الصالة في الفترة المكية في السور اآلتية ( فاطر ‪ ) 29 ، 18‬الشورى ‪( )38‬الروم ‪)31‬‬
‫لم تعلمهم الصالة ألنهم كانوا فعال يعرفونها ويؤدونها‪ .‬أمرتهم فقط بفعل ما لم يكونوا يفعلون وهو إقامةالصالة بالخشوع فيها‬
‫‪.‬والمحافظة عليها لكي تقوم الصالة بدورها في سمو السلوك الخلقي وتهذيبه‬
‫إيتاء الزكاة هي نفسها إقامة الصالة‬

‫‪.‬للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة المخالفة لمفاهيم التراث الذي صنعه المسلمون بعد نزول القرآن بعدة قرون‬
‫إقامة الصالة في مصطلحات القرآن تعنى الخشوع في أثناء الصالة والتزام التقوى والسمو الخلقي بين الصلوات‪ .‬لكن إقامة‬
‫‪.‬الصالة في حياتنا الدينية التراثية تعنى رفع األذان للمصلين في المسجد بأداء الصالة بعد األذان العام للصالة‬
‫ويفهم معظم المسلمين – تبعا للفقه التراثي – أن إيتاء الزكاة هو إعطاء الصدقة فقط‪ ،‬وبذلك يفهمون األمر بإقامة الصالة‬
‫وإيتاء الزكاة على انه أمر بشيئين مختلفين هما الصالة وإعطاء الزكاة وهى عندهم ال تعنى سوى شيء واحد فقط هو إعطاء‬
‫‪.‬الصدقة للفقراء والمستحقين‬
‫طبقا لمفاهيم القرآن الكريم ومصطلحاته فان إقامة الصالة هي نفسها إيتاء الزكاة‪ ،‬أي أنه أمر واحد بشيء واحد هو التطهر‬
‫والسمو الخلقي والتقوى‪ .‬الخالف الوحيد هو أن وسيلة إقامة الصالة تتركز في الخشوع في الصالة أثناء تأديتها ‪ -‬ثم بعد‬
‫تأديتها تكون المحافظة عليها بالتزام السلوك القويم‪ .‬أما الزكاة فهي تزكية النفس وتطهيرها والسمو بها بوسائل كثيرة من‬
‫‪.‬الصالة والذكر هلل تعالى وإعطاء الصدقات وكل فعل صالح مقصود به وجه هللا تعالى‬

‫‪.‬نبدأ توضيح ذلك باختصار‬


‫إن اإلسالم باختصار هو تزكية النفس بالعقيدة الصحيحة والسلوك القويم‪ ،‬لذلك فان موسى حين دعا فرعون لإلسالم قال له ‪1-‬‬
‫كلمة واحدة‪َ ( :‬هل َّلَك ِإَلى َأن َتَز َّك ى) النازعات ‪ ) 18‬بل إن رب العزة قد أوجز مفهوم المشرك بأنه الذي لم يقم بتزكية نفسه‪:‬‬
‫(َو َو ْي ٌل ِّلْلُم ْش ِر ِكيَن اَّلِذيَن ال ُيْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو ُهم ِباآلِخَر ِة ُه ْم َك اِفُر وَن ) فصلت ‪ ) 7-6‬فالمشرك يضع كل همه في الدنيا ويبيع من‬
‫‪.‬أجلها اآلخرة‪ .‬يرتكب كل المعاصي في دنياه غافال عن تزكية نفسه بالتقوى لذا ينتهي إلى الجحيم‬
‫لقد خلق هللا تعالى النفس اإلنسانية على أساس الفجور والتقوى‪ ،‬تقبل أن تكون تقية أو فاجرة‪ ،‬ثم يختار اإلنسان بإرادته‬
‫طريقه‪ ،‬إن أراد الهداية قام بتزكية نفسه‪ ،‬وان أراد الفجور سقط بنفسه إلى مستنقع الغواية‪ .‬إذن فاإلنسان يختار بين اثنين‪:‬‬
‫تزكية نفسه أي تطهيرها والسمو بها‪ ،‬أو الهبوط بنفسه إلى حضيض الرذيلة‪ .‬وليس هناك من طريق وسط‪ .‬المهم هنا أن الزكاة‬
‫للنفس تعنى السمو بها‪ .‬اقرأ هذا المعنى في قوله تعالى‪َ ":‬و َن ْف ٍس َو َم ا َس َّو اَها َفَأْلَهَمَه ا ُفُج وَر َها َو َت ْق َو اَها َق ْد َأْف َلَح َم ن َز َّك اَها َو َق ْد‬
‫‪َ.‬خ اَب َم ن َد َّس اَها‪) -7‬الشمس‬
‫ولذلك فان الهداية للحق من معاني الزكاة‪ .‬والهداية هي اختيار شخصي يبدأ باختيار اإلنسان لنفسه طريق الهداية ثم تأتيه ‪2-‬‬
‫هداية هللا له تؤكد ما اختاره لنفسه‪ .‬والهداية كالزكاة هي عملية تطهير للنفس من األحقاد والشرور وتقديس غير هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن اهتدى فقد اهتدى لنفسه حسبما قال رب العزة‪َّ ":‬م ِن اْه َت َدى َفِإَّن َم ا َيْه َت ِدي ِلَن ْف ِس ِه) اإلسراء ‪ ) 15‬وبالمثل فان من يتزكى أي‬
‫) يتطهر فإنما يتزكى لنفسه (َو َم ن َتَز َّك ى َفِإَّن َم ا َي َتَز َّك ى ِلَن ْف ِس ِه) فاطر ‪18‬‬
‫وفى النهاية فان الجنة هي مكافأة من تزكى وتطهر في الدنيا أو اهتدى‪ ،‬يقول تعالى (َج َّن اُت َع ْد ٍن َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر‬
‫) َخ اِلِديَن ِفيَه ا َو َذ ِلَك َج َز اء َم ن َتَز َّك ى) طه ‪76‬‬
‫َأ‬
‫إن وظيفة النبي هي أن يزكى قومه بالكتاب السماوي الذي يدعوهم إليه‪ ،‬أو يهديهم إليه (َك َم ا ْر َس ْلَن ا ِفيُك ْم َر ُس وًال ِّم نُك ْم َي ْت ُلو‬
‫َع َلْي ُك ْم آَي اِتَن ا َو ُيَز ِّك يُك ْم ‪ ) .‬البقرة ‪ ) 151‬وتكررت التزكية كوظيفة للنبوة القائمة على الكتاب في مواضع أخرى في القرآن الكريم‪:‬‬
‫(البقرة ‪ – 129‬آل عمران ‪ – 164‬الجمعة ‪) 2‬‬
‫والرتباط الهداية بالزكاة فقد وصف هللا تعالى عيسى وعن يحيى عليهما السالم بالطهر والعفاف والسمو الخلقي‪ ،‬أي كان‬
‫‪" .‬غالما زكيا " أو كان "زكيا" ( مريم‪) 13 ، 19 :‬‬

‫هناك وسائل للزكاة‪ ،‬بمعنى إن إيتاء الزكاة يعنى اختيار "أزكى " أو أطهر أو أسمى الخيارات وهى التشريعات القرآنية‪3- ،‬‬
‫ومنها اإلحسان في التعامل مع الزوجة المطلقة( البقرة ‪ ) 232‬وفى االستئذان وفى غض البصر والعفاف الخلقي ( النور ‪،28‬‬
‫‪ ) 30.‬وتلك وسائل للوصول إلى " إيتاء الزكاة " أو تزكية النفس التي هي الهدف األعلى للمؤمن‬
‫وهناك وسائل أخرى أشار إليها القرآن مثل الصالة وذكر هللا تعالى‪ ،‬ومعروف أن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ -‬أو يجب‬
‫أن تكون كذلك – وكذلك ذكر هللا تعالى بمعنى تعظيمه وتقواه‪( .‬اْت ُل َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمَن اْلِك َت اِب َو َأِقِم الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ِن‬
‫اْلَف ْح َش اء َو اْلُم نَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ) العنكبوت ‪ )45‬وكذلك من وسائل التزكية – أو إيتاء الزكاة ‪ -‬الصالة‬
‫وذكر هللا تعالى (َق ْد َأْف َلَح َم ن َتَز َّك ى َو َذ َك َر اْس َم َر ِّب ِه َفَص َّلى ) األعلى ‪ ) 15-14‬ومنها خشية هللا تعالى وإقامة الصالة (ِإَّن َم ا ُتنِذ ُر‬
‫) اَّلِذيَن َي ْخ َش ْو َن َر َّبُهم ِباْلَغ ْي ِب َو َأَقاُم وا الَّص الَة َو َم ن َتَز َّك ى َفِإَّن َم ا َي َتَز َّك ى ِلَن ْف ِس ِه َو ِإَلى ِهَّللا اْلَم ِص يُُر ) فاطر ‪18‬‬
‫وأخيرا منها إعطاء الصدقة المالية فالمؤمن المفلح في اآلخرة هو (اَّلِذي ُيْؤ ِتي َم اَلُه َي َتَز َّك ى ) الليل ‪ ) 18‬ولذلك أمر هللا تعالى‬
‫) خاتم النبيين بأن يأخذ صدقة من المؤمنين ليتطهروا ويتزكوا‪ُ (:‬خ ْذ ِمْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة ُتَط ِّهُر ُه ْم َو ُتَز ِّك يِه م ِبَه ا) التوبة ‪103‬‬
‫إذن فإيتاء الصدقة هي مجرد وسيلة من وسائل إيتاء الزكاة‪ ،‬ألن الزكاة هي التطهر القلبي والسلوكي الذي يجعل المؤمن طاهرا‬
‫‪.‬مستحقا للجنة‬

‫‪.‬أكثر من ذلك فان تشريع الصدقة في القرآن لم يرد فيه مطلقا لفظ الزكاة‪ ،‬وإنما جاء بلفظ اإلنفاق وإيتاء األموال و الصدقات ‪4-‬‬
‫‪ .‬وتراث المسلمين الفقهي يخالف ذلك كله‬
‫‪.‬ليس فقط في اختيارهم لمصطلح الزكاة بمعنى مخالف للقرآن ولكن أيضا في تشريعات الصدقة ذاتها‬
‫‪:‬ونعطى لمحة سريعة عاجلة‬
‫‪:‬فعندهم وطبقا لمصطلحاتهم فان الزكاة‬
‫‪.‬تجب بالحول ‪ -‬أي إخراج الزكاة بعد مرور عام وليس قبل ذلك‪ ،‬أي على الجائع أن ينتظر عاما ليأخذ حقه ‪)-‬ا(‬
‫الخ‪.‬وليس إخراج الزكاة عن كل ما يملك اإلنسان بل على أصناف محددة مثل الذهب والفضة – أي ال زكاة عندهم على بقية‬
‫المعادن مثل النحاس والقصدير والبالتين‪ ..‬الخ ‪.. .‬وال زكاة عندهم على الجواهر والمعادن الثمينة مثل الماس واللؤلؤ والياقوت‬
‫‪ -.‬وعروض التجارة – وليس على البيوت واإليجارات ‪-‬والزراع والمواشي – وليس على مزارع الدواجن مثال‬
‫‪.‬وبشرط أن يبلغ ما يمتلكه اإلنسان حد النصاب ‪)-‬ج(‬
‫‪.‬ثم قرروا إخراج الزكاة فيما يزيد عن النصاب – زكاة بنسبة محددة ‪ -‬تتراوح بين ربع العشر ونصف العشر ‪ )-‬د (‬

‫‪.‬هذا كله يتناقض مع القرآن الكريم‬

‫فليس في القرآن الكريم مصطلح زكاة بمعنى الصدقة‪ ،‬بل إيتاء المال أو الصدقة أو اإلنفاق بالمال‪ .‬وقد حددت تشريعات القرآن‬
‫‪.‬كل التفاصيل المطلوبة بما يخالف التشريع الفقهي بدون استعمال مصطلح الزكاة‬
‫ا ‪ -‬فالصدقة واجبة عليك بمجرد ان يأتيك رزق من هللا – عندها يجب إخراج حق هللا تعالى فيه دون انتظار لمرور عام أو‬
‫الحول كما يقول الفقهاء بل بمجرد الحصول عليه‪ ،‬أو بالتعبير القرآني (َو آُتوْا َح َّق ُه َيْو َم َح َص اِدِه) األنعام ‪ ) 141‬فالحصاد ليس‬
‫فقط في الزرع وإنما يشمل مجيء الرزق من مرتب أو مكسب تجارى أو ريع آت من تأجير عقار وغيره‪ .‬ولقد تكرر في القرآن‬
‫كلمة " ومما رزقناهم ينفقون " للتأكيد على ذلك ( البقرة ‪ – 3‬األنفال ‪ – 3‬الحج ‪ – 35‬السجادة ‪ – 6‬القصص ‪ 54‬الشورى‬
‫‪) 38‬‬
‫َّل‬ ‫َل‬ ‫َأ‬ ‫ُق‬ ‫َّل‬
‫ب ‪ -‬بل وصف القرآن الكريم المتقين الصالحين باألنفاق باستمرار سرا وعالنية ليال ونهارا (ا ِذيَن ُينِف وَن ْم َو ا ُهم ِبال ْي ِل‬
‫َو الَّن َه اِر ِس ًّر ا َو َع الِنَي ًة َفَلُهْم َأْج ُر ُه ْم ِع نَد َر ِّب ِهْم َو َال َخ ْو ٌف َع َلْي ِهْم َو َال ُه ْم َيْح َز ُنوَن ) البقرة ‪ ) 274‬وأنهم ينفقون من أحب ما يملكون‬
‫) – هذا من حيث الجودة (َو آَت ى اْلَم اَل َع َلى ُحِّب ِه ) البقرة ‪َ( ) 177‬و ُيْط ِع ُم وَن الَّط َع اَم َع َلى ُحِّب ِه ِم ْس ِكيًن ا َو َي ِتيًم ا َو َأِس يًر ا) اإلنسان ‪8‬‬
‫ومن حيث الكمية فهم ينفقون حتى وهم ليملكون الفائض‪ ،‬أي يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‪ ( .‬الحشر ‪) 9‬‬
‫وفى كل األحوال ال ينفقون إال من الكسب الحالل الطاهر الذي لم يدخله سحت أو سرقة أو اختالس أو ظلم أو جور كما هو‬
‫السائد في عصرنا‪ .‬إن هللا تعالى يقول َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َأنِفُقوْا ِمن َط ِّيَب اِت َم ا َك َسْب ُتْم َو ِم َّم ا َأْخ َر ْج َن ا َلُك م ِّم َن اَألْر ِض َو َال َت َيَّمُم وْا‬
‫) اْلَخ ِبيَث ِم ْن ُه ُتنِفُقوَن َو َلْس ُت م ِبآِخِذيِه ِإَّال َأن ُتْغ ِم ُض وْا ِفيِه َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َغ ِنٌّي َح ِميٌد ) البقرة ‪267‬‬
‫وال بد لمن يتصدق أن يبتغى وجه هللا تعالى وحده وأن يعطى الفقير والمستحق ألنه فقير ومستحق بغض النظر عن دينه أو‬
‫صالحه أو عصيانه فليس المتصدق مسئوال عن هداية أحد سوى نفسه وعليه إعطاء الصدقة لمستحقها وكفى (َّلْيَس َع َلْي َك‬
‫ُهَداُه ْم َو َلِكَّن َهَّللا َيْه ِدي َم ن َي َش اء َو َم ا ُتنِفُقوْا ِمْن َخ ْي ٍر َفألنُفِس ُك ْم َو َم ا ُتنِفُقوَن ِإَّال اْب ِتَغ اء َو ْج ِه ِهَّللا َو َم ا ُتنِفُقوْا ِمْن َخ ْي ٍر ُيَو َّف ِإَلْي ُك ْم‬
‫َو َأنُتْم َال ُتْظ َلُم وَن ) البقرة ‪ ) 272‬ثم عليه وهو يعطى أن يتذكر إنما يعطى المحتاج (حقه ) فليس له أن يمتن عليه أو أن يجرح‬
‫شعوره ( البقرة ‪ ، )264‬يقول تعالى في التأكيد على حق مستحق الصدقة‪َ " :‬فآِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْلِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َذ ِلَك‬
‫َخ ْيٌر ِّلَّلِذيَن ُيِر يُدوَن َو ْج َه ِهَّللا) الروم ‪َ( ) 38‬و آِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْلِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو َال ُتَب ِّذ ْر َت ْب ِذيًر ا)( اإلسراء ‪) 26‬‬
‫ج ‪ -‬وخالفا لما قاله الفقهاء فان هللا تعالى لم يحدد نسبة معينة إلخراج الصدقة‪ ،‬ألن األساس فيها هو التنافس في الخير والسعي‬
‫لتزكية النفس والتعامل المباشر مع هللا تعالى‪ .‬فالذي يسارع في الخير هو المتقى الذي ينفق في السراء والضراء ( آل عمران‬
‫‪ ) 134 -133‬وكل المتقين مدعون للتنافس في هذا المضمار ن وللقرآن الكريم نداء شديد الوقع يجعل المتصدق كمن يقرض‬
‫هللا تعالى قرضا حسنا‪ ،‬وهللا تعالى سيرد له األجر مضاعفا‪ (.‬البقرة ‪ ( )145‬الحديد ‪ () 11‬التغابن ‪( ) 17‬المرمل ‪)20‬‬
‫ومع ذلك فان هللا تعالى جعل للمؤمن مقياسا يتصرف على أساسه هو االعتدال في اإلنفاق العادي‪ ،‬واالعتدال في اإلنفاق في‬
‫سبيل هللا تعالى بالصدقة‪ ،‬أي ينفق المؤمن معتدال على حاجاته دون إسراف‪ ،‬ثم ما يزيد عن حاجته فهو هلل تعالى صدقة‪.‬لقد‬
‫سألوا النبي محمدا عن المقدار الذي ينبغي أن ينفقوه صدقة فنزل الوحي يقول انه "العفو "‪ .‬والعفو في مصطلح القرآن هو‬
‫الفضل والزائد عن الحاجة‪َ (.‬و َيْس َأُلوَن َك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقِل اْلَع ْف َو ) البقرة ‪ . ) 219‬وقبلها في مكة نزل تشريع القرآن يؤكد على ذلك‬
‫التوسط في اإلنفاق العادي وفى إخراج الصدقة بحيث ال يقع المؤمن في التبذير أو اإلسراف (َو اَّلِذيَن ِإَذ ا َأنَفُقوا َلْم ُيْس ِر ُفوا َو َلْم‬
‫َي ْق ُتُر وا َو َك اَن َبْي َن َذ ِلَك َقَو اًم ا ) الفرقان ‪َ( ) 67‬و آِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْل ِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو َال ُتَب ِّذ ْر َت ْب ِذيًر ا) (‪َ----‬و َال َت ْج َع ْل َي َد َك‬
‫) َم ْغ ُلوَلًة ِإَلى ُع ُنِقَك َو َال َت ْبُس ْط َه ا ُك َّل اْلَبْس ِط َفَت ْق ُع َد َم ُلوًم ا َّمْح ُس وًر ا) اإلسراء ‪29 – 26‬‬
‫وفى كل األحوال فالمؤمن هو الذي يجعل بينه وبين نفسه حقا محددا معلوما لديه للصدقة يلتزم بإخراجه ابتغاء وجه هللا تعالى‬
‫عن كل مال يصل إليه‪ ،‬وهذه صفة من صفات المتقين‪َ( :‬و اَّلِذيَن ِفي َأْم َو اِلِهْم َح ٌّق َّمْع ُلوٌم ِّللَّس اِئِل َو اْل َمْح ُر وِم ) المعارج ‪) 25- 24‬‬
‫) (َو ِفي َأْمَو اِلِهْم َح ٌّق ِّللَّس اِئِل َو اْلَمْح ُر وِم ) الذاريات ‪19‬‬
‫د ‪ -‬والصدقة لها نوعان من المستحقين تبعا لنوعيتها‪ .‬هناك صدقة يعطيها المؤمن للدولة‪ ،‬وهى تقوم بجمع الصدقات وتوزيعها‬
‫على مستحقيها المذكورين في قوله تعالى‪ِ (:‬إَّن َم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اء َو اْل َمَس اِكيِن َو اْل َع اِمِليَن َع َلْيَه ا َو اْلُم َؤ َّلَف ِة ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب‬
‫َو اْلَغ اِر ِميَن َو ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو اْب ِن الَّس ِبيِل َفِر يَض ًة ِّم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ) التوبة ‪ ) 60‬الدولة هنا هي التي تحدد وتعين مستوى‬
‫الفقير‪ ،‬والمسكين‪ ،‬والغارم‪ ،‬و المؤلفة قلوبهم‪ ،‬والعاملين عليها وابن السبيل أي األجنبي الغريب السائح الزائر الذي يجب‬
‫إكرامه وليس تكفيره وقتله ‪ -‬وعتق الرقيق – أي إذا كان هناك من ال يزالون رقيقا – وال يزال الرق موجودا بصفة غير رسمية‬
‫‪.‬في بعض دول الخليج برغم إلغائه رسميا من السعودية سنة ‪ – 1962‬أولئك هم مستحقو الصدقة الرسمية من الدولة‬
‫وهناك مستحقون للصدقة الفردية‪ ،‬وهم أقارب المؤمن المتصدق ومن يعرفهم من المحيطين به من اليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل المار ببيته‪ ،‬وقد سئل النبي محمد عليه السالم في هذا الموضوع فلم يفت كعادته وإنما انتظر اإلجابة من الوحي فنزل‬
‫قوله تعالى (َيْس َأُلوَن َك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقْل َم ا َأنَفْق ُتم ِّم ْن َخ ْي ٍر َفِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيِن َو اْب ِن الَّس ِبيِل َو َم ا َت ْف َع ُلوْا ِمْن‬
‫) َخ ْي ٍر َفِإَّن َهَّللا ِبِه َع ِليٌم ) البقرة ‪215‬‬
‫ه ‪ -‬لقد جعل هللا تعالى من صفات المتقين األبرار الصادقين إنهم ليسوا فقط الذين يراءون الناس بالتوجه للصالة صوب المشرق‬
‫والمغرب ‪ ،‬ولكنهم الذين يؤمنون أيمانا حقيقيا باهلل تعالى واليوم اآلخر والمالئكة والكتاب والنبيين ‪ ،‬ثم يعطون المال صدقة‬
‫لمستحقي الصدقة من األقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل ومن يسأل الناس إحسانا ‪ ،‬ويقومون بإطالق سراح‬
‫المستعبدين – إذا كان ثمة استرقاق ال يزال موجودا ‪ ،‬وهم الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة والذين يوفون بالعهد‬
‫والصابرين في الشدائد والمصائب وفى الجهاد ‪َّ (.،‬لْيَس اْلِبَّر َأن ُتَو ُّلوْا ُو ُج وَه ُك ْم ِقَب َل اْلَم ْش ِر ِق َو اْلَم ْغ ِر ِب َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ْن آَم َن ِباِهَّلل‬
‫َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو اْلَم الِئَك ِة َو اْل ِك َت اِب َو الَّن ِبِّي يَن َو آَت ى اْل َم اَل َع َلى ُحِّب ِه َذ ِو ي اْلُقْر َب ى َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو الَّس اِئِليَن َو ِفي‬
‫الِّر َقاِب َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو اْلُم وُفوَن ِبَعْه ِدِه ْم ِإَذ ا َع اَهُد وْا َو الَّص اِبِر يَن ِفي اْلَب ْأَس اء َو الَّضَّر اء َو ِحيَن اْلَب ْأِس ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن‬
‫) َص َد ُقوا َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم َّت ُقوَن ) البقرة ‪177‬‬
‫المالحظ هنا إن اآلية الكريمة قامت بالفصل بين الصدقة وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة‪ ،‬إذ تكلمت على إيتاء المال صدقة‬
‫للمستحقين بعد صفة األيمان مباشرة‪ ،‬ثم بعد الصدقة ذكرت إقامة الصالة وإيتاء الزكاة وصفات أخرى كريمة لتجعل فاصال بين‬
‫‪.‬إيتاء الصدقة ومفهوم إقامة الصالة وإيتاء الزكاة‬
‫‪ :‬وقد تكرر هذا الفصل بين إقامة الصالة وإيتاء الزكاة وبين تشريع الصدقة في موضعين آخرين في القرآن الكريم‬
‫ففي الحديث عن الميثاق الذي أخذه رب العزة على بنى إسرائيل في عهد موسى جاء األمر بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة ثم‬
‫األيمان بالرسل وتأييدهم ‪ ،‬ثم إعطاء الصدقة ‪ ،‬ولو كانت إعطاء الصدقة هو نفسه الزكاة ما جاء هذا الفصل بينهما (َو َلَق ْد َأَخ َذ‬
‫ُهَّللا ِميَث اَق َب ِني ِإْس َر اِئيَل َو َبَع ْث َن ا ِم ْن ُهُم اْث َن ْي َع َش َر َن ِقيًب ا َو َقاَل ُهَّللا ِإِّن ي َمَع ُك ْم َلِئْن َأَقْم ُتُم الَّص الَة َو آَت ْي ُتُم الَّز َك اَة َو آَم نُتم ِبُرُس ِلي‬
‫َو َع َّز ْر ُتُم وُه ْم َو َأْق َر ْض ُتُم َهَّللا َقْر ًض ا َح َس ًن ا ُأّلَك ِّف َر َّن َع نُك ْم َسِّي َئ اِتُك ْم َو ُألْد ِخَلَّنُك ْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َفَم ن َك َف َر َبْع َد َذ ِلَك ِمنُك ْم‬
‫) َفَق ْد َض َّل َس َو اء الَّس ِبيِل ) المائدة ‪12‬‬
‫وجاء اإلقراض أيضا بمعنى الصدقة تاليا للعبادة وقراءة القرآن وقيام الليل وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة في خطاب للنبي محمد‬
‫عليه السالم وأصحابه في بداية أقامتهم في المدينة ‪َ(:‬فاْق َر ُؤ وا َم ا َت َيَّسَر ِم ْن ُه َو َأِقيُم وا الَّص الَة َو آُت وا الَّز َك اَة َو َأْق ِر ُض وا َهَّللا َقْر ًض ا‬
‫‪َ ).‬ح َس ًن ا َو َم ا ُتَق ِّد ُم وا َألنُفِس ُك م ِّم ْن َخ ْي ٍر َت ِج ُدوُه ِع نَد ِهَّللا ُه َو َخ ْيًر ا َو َأْع َظ َم َأْج ًر ا) المزمل ‪20‬‬

‫إقامة الصالة وإيتاء الزكاة بين مفهوم اإلسالم ومفهوم الشرك والكفر‬

‫إن المشركين في الجاهلية كانوا يؤدون الصالة ولكن لم يقيموا الصالة‪ ،‬وكانوا مشهورين بالكرم ولكن دون أن يؤتوا الزكاة‬
‫بمعنى التطهر والسمو الخلقي‪ ،‬لذلك ظلوا يغير بعضهم على بعض ‪ ،‬وينتهكون الحرمات ويسبون ويسلبون ويشربون الخمر‬
‫ويرتكبون النسىء اى يستحلون القتال حتى في األشهر الحرم بعد إعالن عدم حرمتها أو تأجيل حرمتها (ِإَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي‬
‫اْلُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َف ُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم وَن ُه َع اًم ا ِّلُيَو اِط ُؤ وْا ِع َّد َة َم ا َح َّر َم ُهَّللا َفُيِحُّلوْا َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم‬
‫‪َ ).‬و ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن ) التوبة ‪37‬‬
‫ومعناه أنه يمكننا أن نتعرف على من ال يقيم الصالة ويؤتى الزكاة طبقا لسلوكياته وظلمه وفجوره‪ ،‬فكل من يرتكب علنا كل‬
‫‪.‬الفجور والفساد ال يمكن أن يكون مؤتيا للزكاة مقيما للصالة حتى لو اشتهر بدخول المساجد وعمارتها‬
‫وبعضهم كان يقوم بعمارة المسجد الحرام وخدمة الحجاج ويقرن ذلك بارتكاب المعاصي وعبادة األولياء والقبور المقدسة‪ .‬وقد‬
‫رد عليهم رب العزة جل وعال معتبرا أن ذلك ال شأن له بالتعمير الحقيقي لمساجد هللا تعالى أو لدينه‪ ،‬وال شأن له بإقامة الصالة‬
‫وإيتاء الزكاة‪َ( :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن‬
‫ِإَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال َهَّللا َفَعَس ى ُأْو َلِئَك َأن َي ُك وُنوْا ِمَن‬
‫) اْلُمْه َت ِديَن ) التوبة ‪18 -17‬‬
‫وفى عصر نزول القرآن في الفترة األخيرة من حياة النبي ظل أئمة الكفر يواصلون االعتداء على المسلمين ونكث العهود التي‬
‫كانوا يعطونها للمسلمين‪ -‬وهى حقائق تاريخية أغفلتها روايات السيرة بينما أشارت إليها سورة التوبة في نصفها األول – لذلك‬
‫نزلت سورة براءة بإعالن البراءة منهم وإعطائهم مهلة للتوبة‪ .‬شرط التوبة الكف عن االعتداء الحربي والمسلح‪ ،‬والكف عن‬
‫الغدر ونقض العهود‪ .‬كان انتهاء المهلة هو انقضاء األشهر الحرم‪.‬واعتبر رب العزة كفهم وتوبتهم عن االعتداء إقامة للصالة‬
‫وإيتاء للزكاة‪ِ( :‬إَّال اَّلِذيَن َع اَه دُّت م ِّم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ُثَّم َلْم َي نُقُص وُك ْم َش ْي ًئ ا َو َلْم ُيَظ اِه ُر وْا َع َلْي ُك ْم َأَح ًدا َفَأِتُّم وْا ِإَلْي ِهْم َع ْه َد ُه ْم ِإَلى ُم َّدِتِهْم ِإَّن‬
‫َهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّت ِقيَن َفِإَذ ا انَس َلَخ اَألْش ُهُر اْلُحُر ُم َفاْق ُتُلوْا اْلُم ْش ِر ِكيَن َح ْي ُث َو َج دُّت ُم وُه ْم َو ُخ ُذ وُه ْم َو اْح ُصُر وُه ْم َو اْق ُع ُد وْا َلُهْم ُك َّل َمْر َص ٍد َفِإن‬
‫َت اُبوْا َو َأَقاُم وْا الَّص الَة َو آَت ُو ْا الَّز َك اَة َفَخ ُّلوْا َس ِبيَلُهْم ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ) التوبة ‪َ( ..) 5-4‬ال َيْر ُقُبوَن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإًّال َو َال ِذ َّم ًة َو ُأوَلِئَك‬
‫) ُه ُم اْلُمْع َت ُدوَن َفِإن َت اُبوْا َو َأَقاُم وْا الَّص الَة َو آَت ُو ْا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن َو ُنَف ِّص ُل اآلَي اِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ) التوبة ‪11- 10‬‬
‫إن إقالعهم عن االعتداء والظلم هو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة‪ .‬وهذا هو المقياس البشرى الذي نستطيع الحكم عليه‪ .‬فال‬
‫نستطيع مثال أن نعرف إن كان هللا تعالى سيقبل صالتهم وصدقاتهم أم ال‪ ،‬وال نستطيع أن نعرف إذا كانوا يخشعون في صالتهم‬
‫أم يراءون الناس‪ .‬ليس ذلك لنا وال نملكه‪ .‬الذي نملك الحكم عليه فقط هو سلوكهم الخارجي‪ ،‬هل هم مسالمون أم معتدون‪ ،‬هل‬
‫هم أبرياء أم مجرمون‪ .‬فالمسالم الذي ال يظلم أحدا – في رؤيتنا البشرية الظاهرية ‪ -‬هو المقيم للصالة والذي يؤتى الزكاة‪.‬‬
‫والفاجر الظالم عندنا هو الذي يضيع الصالة مهما كان مصليا‪ .‬ونفس الحال فى التعرف على المسلم والكافر أو المشرك‪.‬‬
‫فالمسالم هو المسلم بغض النظر عن عقيدته ‪ ،‬والكافر أو المشرك هو المجرم المعتدى االرهابى بغض النظر عن الدين الذى‬
‫‪.‬يزعم االنتماء اليه‬
‫وفى كل األحوال ‪ ،‬ال شأن إلعطاء الصدقة هنا بإيتاء الزكاة المذكور في اآليتين الكريمتين من سورة التوبة‪ ،‬فإيتاء الزكاة هو‬
‫التطهر والسمو الخلقي ‪ .‬الدليل أن الدولة اإلسالمية ليس لها أن تفرض على الناس تأدية الصلوات الخمس‪ ،‬وليس لها أن تجمع‬
‫الصدقات من الناس بالقوة واإلرغام‪ ،‬إذ ال إكراه في الدين – أي ال إكراه في دخول الدين أو في الخروج منه‪ ،‬كما ال إكراه في‬
‫تأدية شعائره من صالة وصيام وحج وصدقات وقراءة للقرآن وقيام لليل وتسبيح للمولى عز وجل‪ .‬كل ذلك هي حقوق هللا تعالى‬
‫‪.‬علينا‪ ،‬وعلينا بدافع من التقوى أن نفعلها ابتغاء مرضاة هللا تعالى وليس خوفا من السلطان أو مراءاة للناس‬
‫وقد كان المنافقون في عهد النبي عليه السالم يؤدون الصالة وال يقيمونها ‪ ،‬أي يتظاهرون بالصالة رياء ونفاقا‪ ،‬لذا لم يقبلها‬
‫هللا تعالى منهم واعتبرها خداعا ليس هلل تعالى وإنما ألنفسهم (ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن َهَّللا َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وْا ِإَلى الَّص الِة‬
‫‪َ.‬قاُم وْا ُك َس اَلى ُيَر اُؤ وَن الَّن اَس َو َال َي ْذ ُك ُر وَن َهَّللا ِإَّال َقِليًال ‪) 142‬النساء‬
‫أولئك المنافقون أيضا كانوا يعطون الصدقات متطوعين لستر حالهم‪ ،‬ولكن مع حقد شديد‪ ،‬وألن هللا تعالى يعلم خائنة األعين‬
‫وما تخفى الصدور فقد أخبر عن مكنون قلوبهم ومنع النبي أن يأخذ منهم صدقاتهم‪ُ( :‬قْل َأنِفُقوْا َط ْو ًع ا َأْو َك ْر ًها َّلن ُيَت َقَّب َل ِمنُك ْم‬
‫ِإَّنُك ْم ُك نُتْم َقْو ًم ا َفاِس ِقيَن َو َم ا َم َن َع ُهْم َأن ُتْق َب َل ِم ْن ُهْم َن َفَقاُتُهْم ِإَّال َأَّن ُهْم َك َفُر وْا ِباِهَّلل َو ِبَر ُس وِلِه َو َال َي ْأُتوَن الَّص الَة ِإَّال َو ُه ْم ُك َس اَلى َو َال‬
‫) ُينِفُقوَن ِإَّال َو ُه ْم َك اِر ُهوَن ) التوبة ‪54 – 53‬‬
‫في ضوء هذا التوضيح القرآني فان النبي محمدا عليه السالم لم يرغم الناس على إعطاء الصدقات ولم يرغمهم على تأدية‬
‫الصلوات وسائر حقوق الرحمن‪ .‬أما حقوق العباد – أو حقوق اإلنسان – فال بد من حفظها وإلزام الناس باحترامها‪ ،‬لذا هناك‬
‫‪.‬عقوبات للقتل والزنا والقذف وقطع الطريق‬
‫ولذلك فان المشركين المعتدين حين نقضوا العهود وأغاروا على المسلمين المسالمين أوجب هللا تعالى قتالهم حفظا للحقوق‬
‫‪.‬البشرية‪ ،‬وجعل مقياس االسالم الظاهرى هو التزام السالم‬

‫‪:‬ووفقا لمصطلحات القرآن التي غفل عنها أئمة التراث فان اإلسالم له معنيان‬
‫السالم " أو المسالمة‪ ،‬وهو هنا معنى سلوكي يستطيع أن يحكم عليه البشر حسب الظاهر في التعامل مع الناس‪ ،‬فكل " ‪1-‬‬
‫إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته ودينه‪ ،‬وليس ألحد أن يحكم على عقيدة أحد أو درجة ما في قلبه من إخالص‬
‫‪.‬أو رياء أو نفاق أو إشراك‪ .‬مرجع ذلك هلل تعالى وحده يوم القيامة‬
‫االستسالم هلل تعالى واالنقياد له وحده‪ :‬هذا هو اإلسالم في معناه القلبي العقيد في التعامل مع هللا تعالى‪ .‬انه استسالم هلل جل ‪2-‬‬
‫وعال في العقيدة فال اله إال هللا‪ ،‬وفى السلوك بالطاعة المطلقة له تعالى وبتقواه وحده ال شريك له‪ .‬وهذا ما سيظهر فيه الحكم‬
‫‪.‬على كل منا يوم القيامة حيث سيحكم علينا الواحد القهار الذي ال يخفى عليه شيء في األرض والسماء‬
‫وطبقا لمعنى اإلسالم الظاهري فان الذي يقيم الصالة ويؤتى الزكاة هو كل إنسان مسالم ال يعتدي على أحد وال يظلم أحدا بغض‬
‫‪.‬النظر عن عقيدته أو صالته‪ .‬المهم أال يعتدي على أحد أو ال يظلم أحدا‬
‫‪:‬الشرك أو الكفر معناهما واحد في المصطلح القرآني ( التوبة ‪ () 17- 2-1‬غافر ‪ ) 42‬ولهنا أيضا معنيان‬
‫سلوكي ظاهري في التعامل مع البشر ويستطيع أن يحكم عليه البشر‪ ،‬والكفر والشرك هنا يعنيان االعتداء والظلم للبشر‪1-- ,‬‬
‫ولذا تأتى من مرادفاتهما في القرآن مصطلحات مماثلة مثل الظلم – الفسق – اإلجرام – االعتداء‪ .‬كل من يرتكب جرائم القتل‬
‫ويظلم الناس ويستحل دماءهم فهو مشرك كافر حسب سلوكه ‪ ،‬وال شأن هنا بعقيدته‪ .‬وعلى هذا األساس تأتى تشريعات القرآن‬
‫الكريم في التعامل الظاهري مع المشركين في الزواج وفى المواالة مثال‪ ،‬فال تتحدث عن شركهم العقيد وإنما السلوكي الذي‬
‫يمكن لنا أن نحكم عليه حسب تصرفاتهم العدوانية‪ (.‬البقرة‪ ( ) 221‬الممتحنة ‪ ) 13 -1‬من المكن أن تصف بالكفر والشرك‬
‫‪.‬أسامة بن الدن ومن هم على شاكلته ممن يقتلون األبرياء ويعتدون على من لم يعتدي عليهم– طالما لم يتوبوا‬
‫الشرك بالمعنى العقيد أي اتخاذ أولياء وآلهة مع هللا تعالى وتقديس البشر والشجر والحجر‪ .‬وهذه عادة سيئة يقع فيها ‪2-‬‬
‫المسلمون وغيرهم‪ ،‬مع ادعاء معظمهم باإليمان القويم‪ ،‬لذلك فان الذي سيحكم على الناس جميعا هو هللا تعالى يوم القيامة‪ ,‬إذ‬
‫أنه ليس لهذا الشرك العقيدي عقوبة في الدنيا اكتفاء بالخلود في النار يوم القيامة‪ .‬هللا تعالى – وهو األعلم بالقلوب – أكد في‬
‫القرآن أن أغلبية البشر يقعون في الشرك العقيدي وإنهم ال يؤمنون باهلل تعالى إال وهم مشركون‪ ( .‬يوسف ‪ ) 106 -103‬لذا‬
‫فان الفصل في هذا الموضوع هو هلل تعالى يوم القيامة‪ ،‬وذلك ما تردد في عشرات اآليات القرآنية‪ .‬عندها – يوم القيامة –‬
‫‪.‬سيدخل الجنة الذين أقاموا الصالة وآتوا الزكاة في سلوكهم السامي الظاهري وفى عقيدتهم الصحيحة معا‬
‫‪:.‬المشركون العرب وإضاعة الصالة‬

‫ضياع الشيء ال يعنى زواله نهائيا ولكن يعنى وجوده الفعلي بعيدا عنك‪ .‬حين تضيع منك حافظة نقودك فال يعنى هذا أنها قد‪1- -‬‬
‫اختفت نهائيا من الوجود ولكن المعنى أنها ضاعت منك أنت وضاع عليك االنتفاع منها‪ .‬وهكذا المعنى في ضياع الصالة أو‬
‫‪.‬تضييع الجاهليين للصالة‪ ،‬إنهم أضاعوا ثمرتها‪ ،‬وأضاعوا الهدف األساسي منها وهو التقوى والسمو الخلقي‬
‫معروف أن هللا تعالى يحبط العمل الصالح للمشرك يوم القيامة‪ ،‬فالمشرك قد يأتي بصالة وصيام وسائر العبادات ولكن هللا تعالى‬
‫يحبط عمله الصالح أي يضيع ثمرته فال ينجيه من النار وال يغنى عنه شيئا‪ .‬وهذا ما حذر منه رب العالمين جل وعال كل‬
‫َي‬ ‫وِح‬ ‫ُأ‬ ‫ْد‬ ‫َق‬ ‫األنبياء؛ حذرهم من الوقوع في الشرك الذي يحبط األعمال الصالحة ويضيع أثرها‪ .‬اقرأ قوله تعالى لخاتم األنبياء ‪َ ":‬و َل‬
‫)ِإَلْي َك َو ِإَلى اَّلِذيَن ِمْن َقْب ِلَك َلِئْن َأْش َر ْك َت َلَيْح َب َط َّن َع َم ُلَك َو َلَتُك وَن َّن ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن ) الزمر‪65‬‬
‫ينطبق على العرب في الجاهلية من أبناء إسماعيل قوله تعالى " َف َخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت‪ )..‬إذ‬
‫‪ .‬كانوا يؤدون الصالة مجرد حركات شكلية من ركوع وسجود وقيام دون إخالص في العبادة هلل ودون سلوك ملتزم بطاعة هللا‬
‫ولذلك لم يأت األمر في القرآن بأن يؤدوا الصالة مجرد تأدية ألنهم كانوا يؤدونها‪ ،‬ولكن جاء األمر بإقامة الصالة‪ ،‬وإقامتك‬
‫للصالة يعنى محافظتك عليها واهتمامك بها فالمصلى القائم على صالته هو الذي يخشع أثناء الصالة ويتقى هللا في غير أوقات‬
‫‪.‬الصالة يقيمها في نفسه سلوكه حميدا وتقوى هلل وإخالصا في عبادته هلل وحده دون شريك للمولى عز وجل‬
‫وقوله تعالى لهم " أقيموا الصالة" يعنى الصالة المعهودة المعروفة لكم فالالم في كلمة (الصالة ) تسمى" الم العهد" التي تأتى‬
‫‪.‬لوصف الشيء المعهود المعروف للسامع والذي ال يحتاج إلى إيضاح‬

‫العرب في الجاهلية أضاعوا صالتهم حين اكتفوا بتأديتها شكال فقط بينما وقعوا في الشرك والفحشاء‪ .‬وذكر القرآن أن العرب‪2-‬‬
‫كانوا يؤمنون بان هللا هو خالق السماوات واألرض ومسخر الشمس والقمر وانه مالك األرض ومن فيها وأن بيده ملكوت كل‬
‫شيء وهو يجير وال يجار عليه (المؤمنون ‪84‬؛‪ "89‬العنكبوت ‪ " 61‬الزمر ‪ )38‬ولكنهم مع ذلك لم يخلصوا هلل تعالى عبادتهم‬
‫إذ اتخذوا أولياء أقاموا لهم األنصاب أي األضرحة – كما نفعل اليوم ‪ -‬وحجوا إليهم – كما نفعل نحن في الموالد الصوفية ‪-‬‬
‫وعكفوا على قبورهم المقدسة بزعم أنها تقربهم هلل زلفى – كما نفعل في ضريح الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة واإلمام‬
‫الشافعي والمرسى أبى العباس والسيد البدوي وغيرهم ‪-‬وذلك ينافى اإلخالص في عبادة هللا وحده‪ ،‬يقول هللا تعالى لهم – ولنا‬
‫أيضا ‪َ " -‬أال ِهَّلِل الِّديُن اْلَخ اِلُص َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا ِمن ُدوِنِه َأْو ِلَي اء َم ا َن ْع ُب ُدُه ْم ِإَّال ِلُيَق ِّر ُبوَن ا ِإَلى ِهَّللا ُز ْلَف ى ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َبْي َن ُهْم ِفي َم ا ُه ْم‬
‫)ِفيِه َي ْخ َت ِلُفوَن ِإَّن َهَّللا ال َيْه ِدي َم ْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّفاٌر الزمر ‪3-2‬‬

‫والمصلي الذي يعبد هللا ويشرك بعبادته مع هللا تقديس ولي أو ضريح جزاؤه عند هللا أن يحبط هللا عمله ( الزمر ‪3- )-65‬‬
‫وإحباط العمل يعنى تضيع ثوابه‪ ،‬فذلك المصلى المشرك باهلل أضاع صالته بالشرك وهذا هو السبب األول في إضاعة العرب‬
‫‪.‬لثواب صالتهم عند هللا‬
‫والسبب الثاني وقوعهم في المعاصي وتعودهم عليها بل الفخر بها واعتبارها جزءا من الدين عندهم حتى لقد نسبوها ألمر هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وقد احتج رب العزة على هذا التزوير الديني الذي وقعوا فيه فقال تعالى يسجل ذلك عليهم‪َ ":‬و ِإَذ ا َفَع ُلوْا َفاِح َش ًة َقاُلوْا‬
‫)"َو َج ْد َن ا َع َلْيَه ا آَب اَء َن ا َو ُهَّللا َأَمَر َن ا ِبَه ا ُقْل ِإَّن َهَّللا َال َي ْأُمُر ِباْلَف ْح َش اء َأَت ُقوُلوَن َع َلى ِهَّللا َم ا َال َت ْع َلُم وَن )‪ .‬األعراف ‪28‬‬
‫المخزي أن بعض الصوفية بعد نزول القرآن بعدة قرون جعل للزنا والشذوذ وسائر المعاصي مسوغا دينيا بأن أسندها ألمر هللا‬
‫تعالى فيما يعرف عندهم بوحدة الفاعل – أي هللا تعالى – وهو ترديد مخجل ألقاويل الجاهلية تؤكد عظمة اإلعجاز القرآني الذي‬
‫سيكون حكما على الجاهليين و على المسلمين الضالين وكالهما أضاع الصالة بالمعاصي والشرك مع قيامه بتأدية حركاتها وفى‬
‫مواقيتها‪ .‬لقد ذكر هللا تعالى أفعال الجاهليين ورد عليها في القرآن في سورة األعراف التي ذكر فيها من قبل أن الشيطان سيظل‬
‫يمارس مهمته إلى قيام الساعة (َقاَل ِإَّن َك ِمَن اْلُم نَظ ِر يَن َقاَل َفِبَم ا َأْغ َو ْي َت ِني َألْق ُع َدَّن َلُهْم ِص َر اَط َك اْلُمْس َت ِقيَم ُثَّم آلِتَي َّن ُهم ِّم ن َبْي ِن َأْي ِديِهْم‬
‫) َو ِمْن َخ ْلِفِهْم َو َع ْن َأْيَم اِنِهْم َو َع ن َش َم اِئِلِهْم َو َال َت ِج ُد َأْك َث َر ُه ْم َش اِك ِر يَن )األعراف ‪17 – 15‬‬

‫إن من يقع في الشرك وفى المعصية ومع ذلك يصلى فال عبرة بصالته طالما لم يحافظ عليها بسلوكه وبقلبه‪ ،‬بمعنى آخر هو قد‬
‫غفل وسها عن الهدف الحقيقي للصالة‪ ،‬فالصالة ليست مجرد حركات بل ال بد أن تثمر تقوى وسموا خلقيا في التعامل مع الناس‬
‫يعبر عن إيمان حقيقي‪ .‬إذا اكتفى بعضهم بمجرد تأدية حركات الصالة واعتبر الصالة هدفا في حد ذاته فقد وقع في تكذيب دين‬
‫هللا تعالى ألن صالته ستتحول إلى مسوغ له الرتكاب المعاصي معتقدا أنه طالما قد صلى فقد أصبح مغفورا له مهما فعل ألن‬
‫‪.‬مجرد صالته ستمحو ذنوبه‪ .‬هنا تكون الصالة وسيلة للعصيان وليست وسيلة للتقوى‪ ،‬وهذا هو التكذيب لدين هللا تعالى‬

‫وقع في هذا التكذيب لدين هللا تعالى بعض الجاهليين المتدينين الذين كانوا يصلون الصالة في مواعيدها معتبرين إياها هدفا في‬
‫حد ذاتها‪ ،‬ولذا اقترنت صالتهم بارتكاب المعاصي والرياء‪ .‬نفهم هذا من قوله تعالى في سورة مكية‪َ ":‬أَر َأْي َت اَّلِذي ُيَك ِّذ ُب ِبالِّديِن‬
‫َفَذ ِلَك اَّلِذي َي ُد ُّع اْلَي ِتيَم َو ال َيُحُّض َع َلى َط َع اِم اْلِم ْس ِكيِن َفَو ْي ٌل ِّلْلُمَص ِّليَن اَّلِذيَن ُه ْم َع ن َص الِتِهْم َس اُهوَن اَّلِذيَن ُه ْم ُيَر اُؤ وَن َو َيْم َن ُع وَن‬
‫)اْلَم اُع وَن ) سورة الماعون‬
‫فالخطاب في السورة للرسول بالتعجب من ذلك المشرك الذي يكذب بالدين ويزجر اليتم وال يهتم بطعام المسكين ومع ذلك يؤدى‬
‫الصالة وهو ساه عنها وعن معاصيه بل يرائي بهذه الصالة وال خير فيه للناس‪ ،‬وهكذا كان حال مشركي مكة وهو حال أغلب‬
‫محترفي التدين من المسلمين اليوم‪ ،‬حيث يقترن تدينهم وصالتهم بالغلظة والقسوة والجبروت والرياء والنفاق والتناقض بين‬
‫‪.‬الظاهر والباطن واستحالل أموال الناس بالباطل‪ ،‬أو بما تسميه العامة في مصر ( بقلة الدين)‬

‫وكانت للعرب المشركين مساجد يؤدون فيها الصالة ولكنهم لوقوعهم في الشرك كانوا يسمون هذه المساجد بأسماء األولياء‬
‫الذين يعبدونهم كما نفعل نحن اآلن‪ ،‬وحين دعا النبي إلى أن تكون هذه المساجد هلل تعالى وحدة تكالبوا عليه يريدون إيذاءه‪،‬‬
‫واقرأ معنى ذلك في قوله تعالى " َو َأَّن اْلَمَس اِج َد ِهَّلِل َفال َت ْد ُع وا َمَع ِهَّللا َأَح ًدا َو َأَّن ُه َلَّم ا َقاَم َع ْب ُد ِهَّللا َي ْد ُع وُه َك اُدوا َي ُك وُنوَن َع َلْي ِه ِلَب ًدا‬
‫‪).‬الجن ‪19-18‬‬
‫وقد أمر هللا تعالى رسوله محمدا أن يوجه خطابا محددا ألولئك العرب الذين يقدسون أضرحة األولياء المدفونة في مساجد هللا‬
‫تعالى‪ ،‬والذين يقرنون أسماء البشر المقدسين مع اسم هللا تعالى في األذان للصالة وفى تأديتهم للصالة‪ .‬الخطاب المحدد هو‬
‫أيضا موجه لنا حيث يذكر المسلمون اسم محمد نفسه مع اسم هللا تعالى في األذان وفى الصالة ويكتبون اسم محمد مع هللا تعالى‬
‫بما يعنى تقديسا لمحمد وهو الذي أرسله هللا تعالى لمحو تقديس البشر والحجر والشجر‪ .‬ولذلك فان هللا تعالى أمر محمدا رسوله‬
‫الكريم أن يعلن ويحدد مهمته فى أن يدعو ربه – أي يقدسه – فقط وال يجعل هلل تعالى شريكا في التقديس‪ ،‬وأنه ال يملك هدايتهم‬
‫ألن الهداية مسئولية كل إنسان فمن شاء الهداية هداه هللا تعالى‪ ،‬ومن شاء الضالل تركه هللا تعالى للشيطان يضله‪ ،‬فمن اهتدى‬
‫فإنما يهتد لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها‪ .‬أما النبي فال يملك أن يهدى من أحب طالما أن من يحرص النبي على هدايته‬
‫يرفض الهداية‪ ،‬وأنه عليه السالم لن ينجيه من ربه إال تبليغ الرسالة القرآنية‪ ،‬أي أنه سيحاسبه هللا تعالى على تبليغ الرسالة‪،‬‬
‫والحساب على قدر المسئولية‪ ،‬ومن يعرض من الناس عن قبول الحق فان جهنم تنتظره‪ُ( :‬قْل ِإَّن َم ا َأْد ُع و َر ِّب ي َو ال ُأْش ِر ُك ِبِه َأَح ًدا‬
‫ُقْل ِإِّن ي ال َأْم ِلُك َلُك ْم َض ًّر ا َو ال َر َش ًد ا ُقْل ِإِّن ي َلن ُيِج يَر ِني ِمَن ِهَّللا َأَح ٌد َو َلْن َأِج َد ِمن ُدوِنِه ُم ْلَت َح ًدا ِإَّال َب الًغ ا ِّم َن ِهَّللا َو ِر َس االِتِه َو َم ن‬
‫) َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َفِإَّن َلُه َن اَر َج َه َّن َم َخ اِلِديَن ِفيَه ا َأَب ًد ا ) الجن ‪23- 20‬‬
‫وقد اعتبر القرآن صالة مشركي العرب في المساجد صالة ضائعة غير مقبولة طالما استمروا في شركهم يقول تعالى " َم ا َك اَن‬
‫)ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن‬
‫أما الذي يقبل هللا صالته فهو المؤمن باهلل مخلصا هلل قلبه وعمله المتقى الذي ال يخشى إال هللا المصلى الذي يقيم الصالة في‬
‫قلبه وسلوكه وليس مؤديا لحركات الصالة فقط (َم ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك‬
‫َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن ‪ِ .‬إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال‬
‫) َهَّللا َف َعَس ى ُأْو َلِئَك َأن َي ُك وُن وْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ) التوبة ‪18 -17‬‬
‫‪.‬ومن أسف أن األقلية فقط هي التي تنطبق عليها اآلية سواء في عصرنا الراهن أو في العصر الجاهلي‬
‫إذن عرف العرب قبل اإلسالم الصالة في المساجد وان كانوا قد لوثوها بعبادة أولياء مع هللا وكانوا جميعا بعد نزول القرآن‬
‫‪.‬مشركين ومسلمين يؤدون الصالة في نفس المساجد وبعد أن هاجر المسلمون من مكة‬
‫دور قريش‬

‫قريش كانت أشهر وأقوى قبيلة عربية بسبب سيطرتها على الكعبة – بيت هللا تعالى الحرام – وسيطرتها على موسم الحج الذي‬
‫كان يفد إليه العرب في األشهر الحرم‪ .‬سيطرت قريش على الحياة الدينية لكل العرب إذ كان لكل قبيلة صنمها الخاص الموضوع‬
‫في الحرم المكي‪ ،‬وتقوم قريش على رعايته‪ .‬استغلت قريش سلطتها الدينية في تأكيد سلطتها السياسية واالقتصادية فنعمت‬
‫باإليالف وهو حصانة قوافلها التجارية – رحلة الشتاء والصيف – من النهب واالعتداء‪ ،‬و لعبت قريش دور الوسيط في نقل‬
‫تجارة الهند اآلتية إلى اليمن فحملتها إلى الشام لتصل إلى أوربا وروما‪ ،‬وبالعكس حملت تجارة روما إلى اليمن لتسافر بحرا إلى‬
‫‪.‬الهند وآسيا‬
‫وازدادت قريش ثراء وأمنا في الوقت الذي عانت فيه القبائل األخرى من الفقر والتقاتل والسلب والنهب‪ .‬هذه التجارة بالدين‬
‫استلزمت من قريش أن تحافظ على طقوس الشرك الديني والظلم االجتماعي في مجتمعها الرأسمالي القائم على وجود فجوة‬
‫هائلة بين المترفين األثرياء والجوعى من الرقيق والفقراء‪ .‬تم عبور هذه الفجوة وتسويغها بالتدين السطحي الذي يحرص على‬
‫‪.‬أداء العبادات من صالة وصوم وحج وصدقات‪ ،‬مع الحفاظ في نفس الوقت على الظلم والبغي والعصيان واالنحالل الخلقي‬
‫ابتدع هذا التدين السطحي تبريرات للمعصية تزعم أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا وان هللا تعالى أمرهم بها ( األعراف ‪ ،)28‬كما‬
‫استخدم تأدية الصالة ومناسك الحج والصدقة كمكفرات للذنوب‪ ،‬أي طالما تصلي فال حرج عليك مهما ارتكبت من معاصي‪،‬‬
‫وطالما تحج فقد تم غفران ذنوبك‪ .‬أي أصبح أداء العبادات ليس للسمو الخلقي والتقوى ولكن لتبرير المعصية والتشجيع عليها‪،‬‬
‫والغنى المترف يستطيع بماله أن يشترى الجنة بما ينفقه في عمارة لبيت الحرام ورعاية الحجاج‪ .‬عالوة على شفاعة األولياء‬
‫والتي ساد االعتقاد الراسخ فيها في العصر الجاهلي مما استوجب من القرآن أن يرد عليهم مؤكدا أن هللا تعالى وحده هو الولي‬
‫‪.‬المقدس وهو الشفيع وهو الناصر يوم القيامة‬
‫ومن أسف أن تلك الثقافة القرشية ما لبث أن عادت رويدا رويدا بعد موت النبى محمد عليه السالم‪ .‬ثم أصبحت سائدة حتى‬
‫‪.‬عصرنا‪ .‬وبتلك الثقافة يتميز المتدين فى عصرنا عن الشخص العلمانى‬
‫‪.‬جاء اإلسالم ليهدد كهنوت قريش وتدينها السطحي الذي أضاع ملة إبراهيم‬

‫قريش اعترفت بان ما جاء به القرآن هو الهدى ولكنهم لو اتبعوا ذلك الهدى لفقدوا األمن والثراء‪َ :‬و َقاُلوا ِإن َّنَّت ِبِع اْلُهَد ى َمَع َك‬
‫) ُنَتَخ َّط ْف ِمْن َأْر ِض َن ا َأَو َلْم ُنَم ِّك ن َّلُهْم َح َر ًم ا آِم ًن ا ُيْج َب ى ِإَلْي ِه َث َمَر اُت ُك ِّل َش ْي ٍء ِر ْز ًقا ِمن َّلُد َّن ا َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم ال َيْع َلُم وَن ) القصص ‪57‬‬
‫لذلك أعلنها القرآن صريحة‪ :‬أنهم يكذبون بالقرآن حماية لمصالحهم االقتصادية (َأَفِبَه َذ ا اْلَح ِديِث َأنُتم ُّم ْد ِه ُنوَن َ َو َت ْج َع ُلوَن ِر ْز َقُك ْم‬
‫) َأَّنُك ْم ُتَك ِّذ ُبوَن ) الواقعة ‪82-81‬‬
‫اختارت قريش أن تصلى دون أن تقيم الصالة وتؤتى الزكاة‪ ،‬ألن إقامة الصالة تعنى تدمير مكانتها التي قامت على الظلم‬
‫‪.‬والفجور والتدين الفاسد القائم على استغالل الدين في السحت واالحتراف الديني‬
‫اضطهدت قريش المسلمين فاضطرت معظمهم إلى الهجرة إلى المدينة‪ ،‬وبقى بعض المؤمنين في مكة وحاولوا أن يصلوا في‬
‫نفس المساجد ولكن المشركين القرشيين المعتدين منعوهم من دخولها فنزلت آية في المدينة تقول " َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد‬
‫ِهَّللا َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ى ِفي َخ َر اِبَه ا ُأْو َلِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإَّال َخ اِئِفيَن َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآلِخَر ِة َع َذ اٌب‬
‫)َع ِظ يٌم ‪ -‬البقرة ‪114‬‬
‫َك‬ ‫ْذ‬ ‫َف‬ ‫ُت‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫وعوضا عن ذلك أقيمت المساجد في المدينة لذكر هللا وحدة مصداقا لقوله تعالى " ِفي ُبُيوٍت ِذَن ُهَّللا ن ْر َع َو ُي َر ِفيَه ا اْس ُم ُه‬
‫ُيَسِّبُح َلُه ِفيَه ا ِباْلُغ ُد ِّو َو اآلَص اِل ِر َج اٌل اّل ُتْلِه يِهْم ِتَج اَر ٌة َو ال َبْيٌع َع ن ِذ ْك ِر ِهَّللا َو ِإَقاِم الَّص الِة َو ِإيَت اء الَّز َك اِة َي َخ اُفوَن َيْو ًم ا َتَت َقَّلُب ِفيِه‬
‫)‪-‬اْلُقُلوُب َو اَألْبَص اُر ‪ .‬النور ‪36‬‬
‫بل كان من أسباب تشريع القتال للمؤمنين وهم في المدينة أن تكون المساجد هلل تعالى وحده ليذكر فيها اسمه كثيرا دون غيره‬
‫وان تقام الصالة كيفية وسلوكا وتقوى دليال على تمكن المسلمين في أرضهم يقول تعالى " ُأِذَن ِلَّلِذيَن ُيَقاَت ُلوَن ِبَأَّن ُهْم ُظ ِلُم وا َو ِإَّن‬
‫َهَّللا َع َلى َن ْص ِر ِه ْم َلَق ِديٌر اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِه ْم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإَّال َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا ُهَّللا َو َلْو ال َد ْف ُع ِهَّللا الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت‬
‫َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم ِهَّللا َك ِثيًر ا َو َلَي نُصَر َّن ُهَّللا َم ن َي نُصُرُه ِإَّن َهَّللا َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز اَّلِذيَن ِإن َّم َّكَّن اُه ْم ِفي‬
‫اَألْر ِض َأَقاُم وا الَّص الَة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َو َأَمُر وا ِباْلَمْع ُر وِف َو َن َهْو ا َع ِن اْل ُم نَك ِر َو ِهَّلِل َع اِقَب ُة اُألُم وِر "‪ .‬الحج‪41-39‬‬
‫إن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة تعنى التفاعل بالخير والمعروف مع المجتمع‪ ،‬أو بالتعبير القرآني‪ " :‬األمر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر" والمعروف هي القيم العليا المتعارف عليها من الصدق واإلحسان والعدل واألمانة واإلخاء والسالم والشجاعة والمروءة‬
‫والمحبة والكرم والتسامح‪..‬الخ‪ .‬والنهى عن المنكر يعن النهى عن كل الخصائص المذمومة من الظلم والبغي والبخل واألنانية‬
‫والعصيان‪ .‬وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة تثمر مجتمعا تسود فيه هذه الفضائل‪ ،‬وهذا ما كان عليه – في األغلب – مجتمع المدينة‬
‫‪.‬في عهد النبي محمد عليه السالم حين كانت إقامة الصالة تظهر واضحة في تعامل الناس فيما بينهم‬
‫نقول في األغلب ألن ضمان اإلسالم للحرية المطلقة في العقيدة والسلوك السلمي اتاح للمنافقين حرية الحركة في الدعوة‬
‫للمنكر والنهى عن المعروف بمثل ما كان المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ .‬ولذلك انتشرت في‬
‫المدينة حركتان متناقضتان في جو من الحرية الدينية ال مثيل له حتى في عصرنا‪ .‬المنافقون والمنافقات يأمرون بالمنكر‬
‫وينهون عن المعروف – عالنية – بينما المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر –عالنية – يقول تعالى‪:‬‬
‫اْلُم َن اِفُقوَن َو اْلُم َن اِفَقاُت َبْع ُضُهم ِّم ن َبْع ٍض َي ْأُمُر وَن ِباْلُم نَك ِر َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلَمْع ُر وِف َو َي ْق ِبُض وَن َأْي ِد َيُهْم َن ُس وْا َهَّللا َفَن ِس َيُهْم ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن‬
‫) ُه ُم اْلَفاِس ُقوَن ) التوبة ‪67‬‬
‫َأ‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬
‫أي كانوا يقبضون أيديهم بخال ويقترفون المعاصي فسقا في المقابل يقول تعالى (َو ا ُم ْؤ ِم ُنوَن َو ا ُم ْؤ ِم َن اُت َبْع ُضُهْم ْو ِلَي اء َبْع ٍض‬
‫َي ْأُمُر وَن ِباْلَمْع ُر وِف َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلُم نَك ِر َو ُيِقيُم وَن الَّص الَة َو ُيْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو ُيِط يُع وَن َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُأْو َلِئَك َسَيْر َح ُمُهُم ُهَّللا ِإَّن َهَّللا َع ِز يٌز‬
‫َح ِكيٌم) التوبة ‪ )71‬جاء هنا األمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع طاعة هللا تعالى ورسوله – أي طاعة القرآن – توضيحا‬
‫إلقامة الصالة وإيتاء الزكاة‪ .‬وقد سبق القول بان المنافقين كانوا يفعلون حركات الصالة خداعا ومراءاة للناس ( النساء ‪)142‬‬
‫أي أن المشكلة لدى المشركين والمنافقين لم تكن على اإلطالق هو أداء حركات الصالة في مواقيتها ولكن إقامتها بالحفاظ عليها‬
‫‪.‬والخشوع فيها‬
‫وإذا كان للمشركين مساجد في مكة يؤدون فيها الصالة فان المنافقين في المدينة أيضا حين أرادوا إنشاء مركز في المدينة‬
‫لمقاومة اإلسالم أسرعوا بإقامة مسجد يكرر سيرة المشركين ومساجدهم الشركية وقال تعالى فيهم َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وْا َمْس ِج ًدا ِض َر اًر ا‬
‫َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب َهَّللا َو َر ُس وَلُه ِمن َقْب ُل َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإَّال اْلُحْس َن ى َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن )‬
‫" التوبة ‪ " 107‬أي اتخذوا المسجد حربا للمسلمين في عقر دارهم ‪ ،‬وكان المسلمون العاديين يأتون للمسجد للصالة فيه غير‬
‫مدركين لما يجرى فيه من تآمر‪ ،‬بل المستفاد من اآلية التالية أن النبي محمدا عليه السالم كان مخدوعا في هذا المسجد وكان‬
‫يأتي أيضا للصالة فيه إلى أن نزل الوحي يخبر بحقيقة المسجد وينهى النبي عن اإلقامة فيه (َال َت ُقْم ِفيِه َأَب ًدا َّلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى‬
‫الَّت ْق َو ى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأن َي َت َط َّهُر وْا َو ُهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن )‬
‫ثم يقول تعالى يقارن بين مساجد المؤمنين ومساجد المشركين (َأَفَم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى َت ْق َو ى ِمَن ِهَّللا َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس‬
‫)ُبْن َي اَن ُه َع َلَى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر َج َه َّن َم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِمينَ) التوبة – ‪109‬‬
‫فالمساجد موجودة للصالة في العصر الجاهلي وبعد ظهور اإلسالم‪ .‬والصالة يؤديها المسلمون والمشركون والمنافقون بنفس‬
‫الكيفية وفى نفس المواقيت‪ ،‬وليست هناك مشكلة في عدد الركعات وكيفية الصلوات ومواعيدها‪ ،‬ولو كان هناك خالف في هذا‬
‫لجعل منه المشركون والمنافقون قضية كبرى يتهمون فيها محمدا باالبتداع في الدين وهجر الصالة المتوارثة بكيفيتها‬
‫‪.‬ومواعيدها وهيئاتها منذ عهد إبراهيم‬
‫لم تكن حركات الصالة وأعدادها ومواقيتها مشكلة على اإلطالق‪ .‬المشكلة كانت – وال تزال – هي تضييع الصالة بالشرك العقيد‬
‫والعصيان والفجور‪ .‬المشكلة كانت – وال تزال – في إقامة الصالة وإيتاء الزكاة – بمعنى أن تثمر الصالة زكاة وتطهيرا للنفس‬
‫‪.‬وسموا في الخلق‪ ،‬وليس أن تصبح رياء ووسيلة لخداع الناس واإلسراف في العصيان‬
‫وهكذا لم تستفد المشركون من صالتهم في هذه المساجد إال الضياع والخسران‪ ،‬بل إن القرآن سخر من تأديتهم للصالة ‪5-‬‬
‫بمجرد الركوع والسجود وهم على ما هم عليه من تكذيب للقرآن واستمرار على العصيان فوصف هذه الصالة بحركات اللعب‬
‫واللهو التي تبعث على السخرية واالستهزاء‪ ،‬وهو وصف دقيق لمن يصلى قائما راكعا ساجدا بمجرد حركات دون وعى ودون‬
‫)معنى‪ ،‬يقول تعالى " َو َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِعنَد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوْا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن )‪ .‬االنفال ‪35‬‬
‫وقبل هذه اآلية الكريمة أوضح القرآن أنهم كانوا يستغفرون هللا وأن هللا تعالى سينجيهم بهذا االستغفار من الهالك في الدنيا‬
‫طالما لم يخرجوا النبي من مكة " َو َم ا َك اَن ُهَّللا ِلُيَع ِّذ َبُهْم َو َأنَت ِفيِهْم َو َم ا َك اَن ُهَّللا ُمَع ِّذ َبُهْم َو ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن )‪ .‬األنفال ‪ )33‬ولكن‬
‫العذاب ينتظرهم في اآلخرة مهما صلوا ودعوا هللا تعالى طالما ال يقيمون الصالة وال يؤتون الزكاة وال يتقون هللا تعالى" ُقْل َم ا‬
‫)َيْع َب ُأ ِبُك ْم َر ِّب ي َلْو ال ُد َع اُؤ ُك ْم َفَق ْد َك َّذ ْب ُتْم َفَس ْو َف َي ُك وُن ِلَز اًم ا )‪ ..‬الفرقان ‪77‬‬
‫وهكذا ضاعت صالتهم كما ضاع دعاؤهم هلل تعالى واستغفارهم إياه بسبب عصيانهم وتمسكهم بعبادة األولياء واألنصاب‬
‫‪.‬وعصيانهم وتكذبيهم للقرآن‬

‫مؤمنو أهل الكتاب ومؤمنو العرب المتمسكون بأصول ملة إبراهيم الحقيقية‬
‫وصراعهم مع المشركين الذين لم يقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة‬

‫وفى وسط هذه الظلمة الحالكة كان بصيص نور من اإليمان عند بعض أهل الكتاب ومن بقى متمسكا بالحنفية ملة إبراهيم من‬
‫‪.‬العرب‬
‫يقول تعالى عن أهل الكتاب " َلْيُس وْا َس َو اء " أي أنهم جميعا ليسوا في التدين مثل بعضهم وان كانوا جميعا أتباع دين واحد‪1-‬‬
‫هو الكتاب المقدس الحق الذي نزل القرآن الكريم يؤيده ويصدقه‪ .‬لكنهم في التدين أو تطبيق الدين لم يكونوا سواء‪ ،‬وتطبيق‬
‫الدين بصدق يعنى التقوى أو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة‪ ،‬وهنا يختلف الناس حسب اإليمان والسلوك برغم الشعارات المرفوعة؛‬
‫بعضهم سابق في الخير وبعضهم توسط‪ ،‬وبعضهم ضل وفسد‪ ،‬وتتحدث اآلية عن الصنف المفلح من أهل الكتاب فتقول عنهم‬
‫بصيغة الجملة االسمية التي تفيد الثبوت والدوام في كل عصر وأوان‪ِّ( :‬م ْن َأْه ِل اْلِك َت اِب ُأَّم ٌة َقاِئَم ٌة َي ْت ُلوَن آَي اِت ِهَّللا آَن اء الَّلْي ِل َو ْم‬
‫ُه‬
‫َيْس ُج ُدوَن ) أي قائمة بالدين إيمانا وشعائر وسلوكا أو بمعنى آخر هي أمة تقيم الصالة وتؤتى الزكاة‪ ،‬ولذلك فإنهم كما قال تعالى‪:‬‬
‫" ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َي ْأُمُر وَن ِباْلَمْع ُر وِف َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلُم نَك ِر َو ُيَس اِر ُع وَن ِفي اْلَخ ْيَر اِت َو ُأوَلِئَك ِمَن الَّص اِلِحيَن ) ولذلك فان‬
‫هللا تعالى لن يضيع أجرهم‪ ،‬فالمتقون هم أصحاب الجنة‪َ( :‬و َم ا َي ْف َع ُلوْا ِمْن َخ ْي ٍر َفَلن ُيْك َفُر وُه َو ُهَّللا َع ِليٌم ِباْلُم َّت ِقيَن ) آل عمران‬
‫)‪115-113‬‬
‫وأكد القرآن الكريم على إقامتهم الصالة وإيتاء الزكاة بالمفهوم القرآني أي بإخالص العقيدة هلل تعالى وحده وسمو السلوك‪2-‬‬
‫وتطهر القلب والجوارح‪ ،‬فبعد أن ذكر هللا تعالى الصنف السيئ منهم وذكر بعض سيئاتهم ومنها‪َ( :‬و َأْخ ِذِه ُم الِّر َب ا َو َق ْد ُنُهوْا َع ْن ُه‬
‫‪َ".‬و َأْك ِلِهْم َأْم َو اَل الَّن اِس ِباْلَب اِط ِل َو َأْع َت ْد َن ا ِلْلَك اِفِر يَن ِم ْن ُهْم َع َذ اًب ا َأِليًم ا) النساء " ‪161‬‬
‫قال مستدركا يصف الصنف المفلح السامي منهم ‪َّ( :‬لِك ِن الَّر اِس ُخ وَن ِفي اْلِع ْلِم ِم ْن ُهْم َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبَم ا ُأنِز َل ِإَلْي َك َو َم ا ُأنِز َل‬
‫ِمن َقْب ِلَك َو اْلُم ِقيِميَن الَّص الَة َو اْلُم ْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر ُأْو َلِئَك َس ُنْؤ ِتيِهْم َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا )"النساء ‪"162‬‬
‫وصفهم بإقامة الصالة وليس مجرد التأدية الشكلية للصالة وهى تفيد تزكية النفس أو إيتاء الزكاة وتؤكد إيمانهم الصحيح باهلل‬
‫تعالى وحده إلها ال شريك له ‪ ،‬واإليمان الصحيح باليوم اآلخر الذي ال مجال فيه لشفاعة بشر أو حجر‪ .‬هذا اإليمان الصحيح باهلل‬
‫تعالى واليوم اآلخر يعتبر أيمانا بكل الكتب السماوية‪ ،‬لذا فهم مؤمنون بالقرآن الذي يصدق بما سبقه من كتاب سماوي‪ .‬وبعدها‬
‫َأ‬ ‫َأ‬
‫يتحدث القرآن عن وحدة الوحي الذي نزل على محمد وعلى األنبياء السابقين فيقول تعالى " ِإَّن ا ْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا ْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح‬
‫َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه َو َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِع يَل َو ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب َو اَألْس َب اِط َو ِع يَس ى َو َأُّي وَب َو ُيوُنَس َو َهاُر وَن َو ُس َلْيَم اَن َو آَت ْي َن ا‬
‫َداُو وَد َز ُبوًر ا " النساء ‪ )-163‬والحظ أن اآلية تفصل بين نوح ومن بعده من األنبياء الذين دمر هللا أقوامهم فلم تعد لهم باقية ‪-‬‬
‫وبين إبراهيم وذريته التي استمرت وجاء منها األنبياء إسماعيل واسحق ويعقوب واألسباط وغيرهم إلى خاتم النبيين محمد‬
‫عليهم جميعا السالم‪ ..‬أن الوحي واحد للجميع والصالة أيضا‪ ،‬كما أن موقف الجميع واحد في تدينه‪ ،‬منهم من أقام الصالة وآتى‬
‫‪.‬الزكاة بالمفهوم الذي عرفناه‪ ،‬ومنهم من أضاع صالته وسقط في حضيض الكفر والعصيان‬
‫هذا ما حدث من األكثرية من الخلف في عدم إخالص القلب والعبادة هلل وحده مع أن ذلك ما جاء به الوحي لكل نبي‪ .‬وبسبب‬
‫العصيان وعدم إقامة الصالة وإيتاء الزكاة تفرقوا من بعد ما جاءهم الوحي اإلله بالبينة " َو َم ا َت َفَّر َق اَّلِذيَن ُأوُت وا اْلِك َت اَب ِإَّال ِمن‬
‫َبْع ِد َم ا َج اَء ْت ُهُم اْلَبِّي َن ُة َو َم ا ُأِم ُر وا ِإَّال ِلَيْع ُب ُدوا َهَّللا ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ُح َن َف اء َو ُيِقيُم وا الَّص الَة َو ُيْؤ ُت وا الَّز َك اَة َو َذ ِلَك ِديُن اْلَق ِّيَم ِة ) ‪.‬‬
‫البينة ‪ )- 4‬رفضوا ملة إبراهيم الحنفية فلم يخلصوا العقيدة واكتفوا بمجرد تأدية حركات الصالة إذا صلوا ‪ -‬دون إقامة حقيقية‬
‫‪.‬لها في القلب والحواس والسلوك‬
‫على أن هناك من العرب من ظل متمسكا بالحنفية مقيما للصالة مؤتيا للزكاة تاركا الظلم والعصيان وعبادة األصنام وهم‪3-‬‬
‫الحنفاء‪ ،‬ذكر منهم تاريخ العرب شخصيات كثيرة منهم مثل زيد بن عمر بن نفيل وقس بن ساعدة االيادى وورقة بن نوفل‪،‬‬
‫وأولئك اخلصوا هلل تعالى صالتهم فقاموا بالصالة وفق ما أمر هللا وكانت لهم مع قومهم صرا عات دارت حول المساجد التي‬
‫حولها المشركون إلى معابد يذكر فيها اسم هللا تعالى ويذكرون معه األولياء وقبورهم المقدسة بمثل ما نفعل اليوم‪ .‬يقول هللا‬
‫تعالى " اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِه ْم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإَّال َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا ُهَّللا َو َلْو ال َد ْف ُع ِهَّللا الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع‬
‫" َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم ِهَّللا َك ِثيًر ا َو َلَي نُصَر َّن ُهَّللا َم ن َي نُصُرُه ِإَّن َهَّللا َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ‪ .‬الحج ‪40‬‬
‫وهذه القاعدة التاريخية االجتماعية تنطبق على تاريخ الصراع الديني في التاريخ اإلنساني ومنه تاريخ العرب قبل وأثناء ظهور‬
‫اإلسالم ونزول القرآن‪ .‬نفهم من هذه القاعدة التاريخية االجتماعية إن أماكن العبادة للعرب وأهل الكتاب مثل الصوامع والبيع‬
‫والمساجد شهدت صراعات شتى بين أتباع الحق وأتباع الباطل ليس حول كيفية الصالة‪ ،‬وإنما حول االستخدام السيئ لبيوت‬
‫العبادة في التجارة بالدين واالسترزاق منها‪ .‬وذكر القرآن)‪.‬الكريم طرفا من ذلك في قصة أهل الكهف وكيف أن السادة أقاموا‬
‫‪ .‬على جثثهم مسجدا للتبرك بهم‪ (.‬الكهف ‪) 21‬‬
‫إن العادة أن أصحاب السلطة والنفوذ هم الذين يسيطرون على المساجد لنهم هم الذين يشيدونها تكفيرا عن مالهم السحت‬
‫وامتصاصهم عرق الضعفاء‪ ،‬وقد يؤدون الصالة إال أنهم ال يقيمونها‪ ،‬بل يستخدمون سلطتهم على المساجد في منع الضعفاء‬
‫ممن يخالفهم في الرأي والتدين‪ ،‬حتى لو كان أولئك الضعفاء متمسكين بالحق العقيدي والصالحات من األعمال‪ .‬وهكذا فعلت‬
‫َل‬ ‫ْظ‬ ‫َأ‬
‫قريش بمن بقى في مكة من المسلمين بعد هجرة أغلب المسلمين إلى المدينة فمنعهم المشركون من دخول المساجد " َو َم ْن ُم‬
‫ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد ِهَّللا َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ى ِفي َخ َر اِبَه ا ُأْو َلِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإَّال َخ اِئِفيَن َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخ ْز ٌي َو َلُهْم‬
‫)ِفي اآلِخ َر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم )البقرة ‪114‬‬
‫َأ‬ ‫َأ‬
‫وذلك ما حدث مع النبي محمد نفسه حين منعوه من الصالة في البيت طالما يكفر باألصنام " َر ْي َت اَّلِذي َي ْن َه ى َعْب ًدا ِإَذ ا َص َّلى)‬
‫ويبين هللا تعالى أن ذلك الكافر أضاع نفسه بالمعاصي والضالل‪َ (:‬أَر َأْي َت ِإن َك اَن َع َلى اْلُهَدى َأْو َأَمَر ِبالَّت ْق َو ى ) إلى أن يقول تعالى‬
‫)لرسوله الكريم‪َ( :‬كَّال ال ُتِط ْع ُه َو اْس ُج ْد َو اْق َت ِر ْب ) العلق ‪9‬؛ ‪19‬‬
‫فقد تزعمت قريش حزب الشرك‪ ،‬وبما لها من سيطرة على الكعبة أحاطتها باألصنام واألنصاب ليكون ألولئك األولياء نصيب في‬
‫الصالة التي تؤدى هلل في بيت هللا الحرام‪ ،‬ومن ال يستحب لذلك كانوا يمنعونه من دخول الحرم ومن الصالة فيه‪ ،‬فقال رب العزة‬
‫يتوعدهم َو َم ا َلُهْم َأَّال ُيَع ِّذ َبُهُم ُهَّللا َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْل َح َر اِم َو َم ا َك اُنوْا َأْو ِلَي اءُه ِإْن َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإَّال اْلُم َّت ُقوَن َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم َال‬
‫‪َ.‬يْع َلُم وَن ) األنفال ‪34‬‬
‫أي أن المتقين فقط هم األحق بوالية بيت هللا تعالى الحرام‪ .‬فالمتقون هم الذين كانوا في ذلك الوقت يقيمون الصالة ويؤتون‬
‫الزكاة في قلوبهم وحواسهم وسلوكهم‪ ،‬أما أولئك الذين يؤدون حركات الصالة من سجود وركوع دون خشوع ودون تقوى ‪ -‬بل‬
‫وصد عن سبيل هللا ‪ -‬فصالتهم لهو ولعب يستحقون عليها العذاب‪ ،‬ولذلك تقول اآلية التالية تسخر من صالتهم – وهى مجرد‬
‫حركات عجلى بدون خشوع أو تقوى‪َ( :‬و َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِع نَد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوْا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن ) االنفال ‪-‬‬
‫‪ ) 35.‬أي لم تردهم تلك الصالة إال عذابا يوم القيامة‬

‫خاتم النبيين (محمد ) متبع لملة إبراهيم حنيفا وليس بدعا من الرسل وليس منشئا لدين جديد‬

‫من األخطاء الكبرى أن يعتقد المسلمون إن محمدا خاتم النبيين قد جاء بدين جديد أو كان بدعا بين الرسل‪ .‬لقد أمره ربه جل ‪1-‬‬
‫وعال أن يعلن أنه ليس متميزا عن الرسل السابقين وانه حتى ال يعلم الغيب مثل بعض الرسل السابقين – نقصد رسل هللا تعالى‬
‫بالطبع‪ .‬اقرأ قوله تعالى‪ُ( :‬قْل َم ا ُك نُت ِبْد ًع ا ِّم ْن الُّر ُس ِل َو َم ا َأْد ِر ي َم ا ُيْف َع ُل ِبي َو ال ِبُك ْم ِإْن َأَّت ِبُع ِإَّال َم ا ُيوَح ى ِإَلَّي َو َم ا َأَن ا ِإَّال َن ِذيٌر‬
‫) ُّم ِبيٌن ) األحقاف ‪9‬‬
‫وأمره ربه جل وعال أن يقتد بالهدى الذي جاء به من سبقه من األنبياء عليهم جميعا السالم‪ .‬أقرأ قوله تعالى للنبي محمد بعد أن‬
‫قص هللا تعالى قصة هداية إبراهيم وذريته‪ُ ( :‬أْو َلِئَك اَّلِذيَن َهَدى ُهَّللا َفِبُهَداُه ُم اْق َت ِد ْه ُقل َّال َأْس َأُلُك ْم َع َلْي ِه َأْج ًر ا ِإْن ُه َو ِإَّال ِذ ْك َر ى‬
‫) ِلْلَع اَلِميَن ) األنعام ‪90‬‬

‫وأهم الهدى هو ما تعلق بطريقة العبادة أو ما يعرف بالملة‪ .‬وإذا كانت األمم السابقة في المنطقة قد فنيت ولم يعد لها بقاء ‪2-‬‬
‫فقد بقيت أمم أخرى تكاثرت وانتشرت في كل أنحاء العالم‪ ،‬منها في الشرق األوسط ذرية إبراهيم وهو أبو األنبياء وأبو شعبين‬
‫‪.‬هما ينو إسرائيل والعرب المستعربة‪ ،‬وفيهما توارثت الذرية ملة إبراهيم من صالة وصوم وصدقة وحج وتالوة للكتاب اإللهي‬
‫ولكن تمسك أغلب الخلف بالحركات والتدين السطحي الظاهري المنافق المرائي دون إخالص الدين هلل تعالى فتحولت الطاعة‬
‫إلى عصيان‪ ،‬ولهذا تعاقب األنبياء في بنى إسرائيل كلهم يدعو إلى العودة إلى األصل المضيء لملة إبراهيم‪ ،‬أو " ملة إبراهيم‬
‫‪.‬الحنيفية" التي تعنى إخالص العقيدة هلل تعالى وحده وطهارة السلوك‪ ،‬أو بمعنى آخر هو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة‬
‫ثم جاء خاتم األنبياء جميعا من ذرية إسماعيل بن إبراهيم رسوال للبشر جميعا إلى قيام الساعة ينادى بنفس المهمة وهى اتباع‬
‫ملة إبراهيم حنيفا‪ .‬أي باختصار هي دعوة إلصالح الدين األصلي – اإلسالم – الذي جاء به جده األكبر أبو األنبياء إبراهيم عليه‬
‫‪.‬السالم‬
‫نزل الوحي عليه يأمره بالتباع ملة أبيه إبراهيم في إن تكون صالته بل وحياته ومماته هلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأمره ربه أن‬
‫يعلن ذلك لقومه وللعالم ‪ُ ":‬قْل ِإَّن ِني َهَداِني َر ِّب ي ِإَلى ِص َر اٍط ُّمْس َت ِقيٍم ِديًن ا ِقَيًم ا ِّم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) وفى‬
‫كلمات موجزة بليغة تشرح اآليتان التاليتان معنى اإلسالم وإخالص العقيدة في ملة إبراهيم (ُقْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي‬
‫َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب اْل َع اَلِميَن ‪َ .‬ال َش ِر يَك َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن )‪ .‬االنعام‪ )- 162/163‬إذن أصبح خاتم النبيين إماما‬
‫للمسلمين في التباع ملة أبيه إبراهيم الحنيف‪ ،‬وداعية للعالم كله إلى التباع ملة إبراهيم الحقيقية‪َ( :‬و َم ْن َأْح َس ُن ِديًن ا ِّمَّم ْن َأْس َلَم‬
‫) َو ْج َه ُه هَّلِل َو ُه َو ُمْح ِس ٌن َو اَّت َبَع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو اَّتَخ َذ ُهَّللا ِإْبَر اِهيَم َخ ِليًال ) النساء ‪125‬‬
‫ودائما تقترن كلمة (ملة إبراهيم )بوصف (حنيفا) أي حال كونه مخلصا في عبادة هللا وحده ال شريك له‪ ،‬ذلك أن العرب كانوا‬
‫يدعون التمسك بملة إبراهيموهم مقيمون على الشرك‪ ،‬وكما قلنا فان الملة هي طريقة العبادة وقد تمسك العرب بطريقة الصالة‬
‫المتوارثة من ركوع وسجود ومواقيت ولكن وقعوا في الشرك وأدمنوا البغي والعصيان‪ ،‬وظنوا كما نظن اآلن أن مجرد الشكل‬
‫‪.‬يكفى‪ ،‬وتناسوا – كما نتناسى نحن اآلن أيضا – معنى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة الذي أضاعوه وأضعناه‬

‫‪.‬لقد مدح رب العزة في القرآن إبراهيم عليه السالم وقال فيه ما لم يقله في أي نبي آخر ‪3-‬‬
‫فهو النبي الوحيد الذي عندما عاتبه ربه قرن العتاب بالمدح‪ ،‬فعندما جاءت المالئكة لتبشر إبراهيم بابنه اسحق ثم يعقوب‪،‬‬
‫وتخبره بأنها ستدمر قوم لوط – أخذ إبراهيم يجادل ويدافع عن قوم لوط خوفا على المسلمين في داخل القرية‪ ،‬دون أن يعرف‬
‫أن األمر اإللهي قد صدر فعال وأن هللا تعالى ال يبدل القول‪ .‬اقرأ قوله تعالى‪َ( :‬فَلَّم ا َذ َه َب َع ْن ِإْبَر اِهيَم الَّر ْو ُع َو َج اَء ْت ُه اْلُبْش َر ى‬
‫) ُيَج اِد ُلَن ا ِفي َقْو ِم ُلوٍط ) وجاء تعليق رب العزة يمدح إبراهيم عليه السالم قائال‪ِ( :‬إَّن ِإْبَر اِهيَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب ) هود ‪75 – 74‬‬
‫وإبراهيم هو النبي الوحيد الموصوف بأنه ( وّف ى ) أي أوفى ونجح في كل االختبارات التي امتحنه هللا تعالى بها ‪َ {:‬و ِإْبَر اِهيَم‬
‫اَّلِذي َو َّف ى) النجم ‪ .) 37‬جاءه االختبار كلمات تقول له اذبح ابنك الوحيد‪ ،‬اتركه غريبا في صحراء الحجاز عند البيت‬
‫الحرام‪..‬الخ وأتم إبراهيم تنفيذ كل تلك الكلمات فقال تعالى عنه‪َ (:‬و ِإِذ اْب َت َلى ِإْبَر اِهيَم َر ُّب ُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَت َّمُهَّن َقاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس‬
‫ِإَم اًم ا) البقرة ‪ ) 124‬أي جعله هللا تعالى إماما لكل المتقين إلى قيام الساعة سواء كان أولئك المتقون من ذريته أو لم يكونوا‪.‬‬
‫وفى كل عصر وفى كل مكان بعد إبراهيم فان من يرفض ملة إبراهيم فقد ضل سواء السبيل‪ ،‬يقول تعالى عنه‪َ (:‬و َم ن َيْر َغ ُب َع ن‬
‫ِّم َّلِة ِإْبَر اِهيَم ِإَّال َم ن َس ِفَه َن ْف َس ُه َو َلَق ِد اْص َط َفْي َن اُه ِفي الُّد ْن َي ا َو ِإَّن ُه ِفي اآلِخَر ِة َلِمَن الَّص اِلِحيََن ِإْذ َقاَل َلُه َر ُّب ُه َأْس ِلْم َقاَل َأْس َلْم ُت ِلَر ِّب‬
‫) اْلَع اَلِميَن ) البقرة ‪131 -130‬‬
‫وهو النبي الوحيد الذي تتالت اآليات تمدحه بما لم تقله في نبي آخر‪ ،‬ثم تختتم بتقرير إن خاتم النبيين تابع له متبع لملته‬
‫ومأمور بذلك‪ ،‬يقول تعالى عنه‪ِ( :‬إَّن ِإْبَر اِهيَم َك اَن ُأَّم ًة َقاِنًت ا ِهَّلِل َح ِنيًفا َو َلْم َي ُك ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) أي كان وحده يعادل "أمة "أو‬
‫مجتمعا من الخير‪ ،‬وكان يداوم العبادة مخلصا لربه ولم يقع في الشرك‪َ (.‬ش اِك ًر ا َأِّلْن ُع ِمِه اْج َت َب اُه َو َهَداُه ِإَلى ِص َر اٍط ُّمْس َت ِقيٍم )( َو آَت ْي َن اُه‬
‫ِفي الُّد ْن َي ا َح َس َن ًة َو ِإَّن ُه ِفي اآلِخَر ِة َلِمَن الَّص اِلِحيَن ) إلى أن يقول تعالى لخاتم النبيين‪ُ( :‬ثَّم َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َأِن اَّت ِبْع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا‬
‫َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) النحل ‪ )123-120‬وهذا اإلصرار على وصف ملة إبراهيم بالحنفية التي تعنى عدم الوقوع في الشرك‬
‫يعنى الرد على أولئك الذين زعموا من العرب أن ملة إبراهيم عندهم هي مجرد التمسك بكيفية الصالة المتوارثة عن جدهم‬
‫‪.‬إبراهيم دون التمسك باإلخالص في العبادة هلل وحده وإسالم الرجة هلل تعالى وحده‬
‫وهو نفس الرد على أهل أبناء عم العرب ومن نسل إبراهيم الذين اعتقدوا أن اليهودية أو النصرانية هي استمرار لملة ‪4-‬‬
‫إبراهيم فقال لهم المولى عز وجل " َو َقاُلوْا ُك وُنوْا ُهوًدا َأْو َن َص اَر ى َت ْه َت ُد وْا ُقْل َب ْل ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيََن ‪.‬‬
‫‪.‬البقرة‪ )135‬أي يدعوهم إلى الرجوع لملة إبراهيم الحنيفية‬
‫ًّي‬
‫وكان بعض أهل الكتاب في المدينة يعتقدون أنهم على الحق فى اتباع ملة إبراهيم ورد القرآن عليهم " َم ا َك اَن ِإْبَر اِهيُم َيُهوِد ا‬
‫َو َال َن ْص َر اِنًّي ا َو َلِكن َك اَن َح ِنيًفا ُّمْس ِلًم ا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ‪ِ .‬إَّن َأْو َلى الَّن اِس ِبِإْبَر اِهيَم َلَّلِذيَن اَّت َبُع وُه َو َه َذ ا الَّن ِبُّي َو اَّلِذيَن آَم ُنوْا َو ُهَّللا‬
‫َو ِلُّي اْلُم ْؤ ِمِنيَن )آل عمران ‪ ) 68-67‬أي أحق الناس بملة إبراهيم هو خاتم النبيين والذين اتبعوا هذه الملة من المؤمنين في كل‬
‫زمان ومكان‪ .‬أي أن األمر ليس شعارا يرفع وإنما هو إتباع صادق للدين الحنيف الذي جاء به أبو األنبياء وأبو‬
‫المسلمين‪:‬إبراهيم عليه السالم‪ ،‬لذا قال تعالى للمؤمنين " َو َج اِهُدوا ِفي ِهَّللا َح َّق ِج َه اِدِه ُه َو اْج َت َب اُك ْم َو َم ا َج َع َل َع َلْي ُك ْم ِفي الِّديِن ِمْن‬
‫)‪َ -‬ح َر ٍج ِّم َّلَة َأِبيُك ْم ِإْبَر اِهيَم ُه َو َس َّم اُك ُم اْلُمْس ِلِميَن ِمن َقْب ُل َو ِفي َه َذ ا ) الحج‪78‬‬
‫فملة إبراهيم هي إقامة الصالة هلل وحده والجهاد في سبيله تعالى وعبادته وحده دون ولي أو شريك‪...‬وقد تتالت األوامر‬
‫والنواهي على النبي بإخالص العبادة هلل وحده وعدم اتخاذ أولياء مع هللا الستعادة نقاء ملة إبراهيم‪ .‬قال له ربه‪َ" :‬و َأْن ِقْم‬
‫َأ‬
‫َو ْج َه َك ِللِّديِن َح ِنيًفا َو َال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن )‪ .‬يونس ‪ . )105‬أي كانت دعوة محمد خاتم النبيين تتركز في إتباع ملة إبراهيم‬
‫‪.‬حنيفا بإخالص العبادة والصالة هلل وحده وفق ما كان إبراهيم يفعل في عبادته وفى صالته‬

‫‪ :.‬موقف االمشركين من الرسول محمد بعد إن دعا للحنيفية‬

‫قام الكهنوت القرشي على أساس اإلكراه في الدين‪ ،‬واستعملوا نفس األسلوب مع خاتم النبيين ‪ ،‬لم يقبلوا أن يصلى هلل تعالى‪1-‬‬
‫دون أن يصلى لألولياء فأمروه بأن يجعل من صالته جزءا لألولياء وأمره هللا تعالى بالرفض تاركا لهم حرية الخيار في عبادة‬
‫غير هللا تعالى حيث ال إكراه في اإلسالم اقرأ هذا المعنى في قوله تعالى" ُقْل ِإِّن ي َأَخ اُف ِإْن َع َصْي ُت َر ِّب ي َع َذ اَب َيْو ٍم َع ِظ يٍم ُقِل َهَّللا‬
‫)َأْع ُب ُد ُم ْخ ِلًص ا َّلُه ِديِني َفاْع ُب ُدوا َم ا ِش ْئُتم ِّم ن ُدوِنِه "‪ُ " -‬قْل َأَف َغ ْيَر ِهَّللا َت ْأُمُر وِّن ي َأْع ُب ُد َأُّيَه ا اْلَج اِه ُلوَن )‪ .‬الزمر ‪13‬؛‪14‬؛‪15‬؛‪64‬؛‬
‫لقد امتن هللا تعالى على خاتم النبيين بأنه هداه إلى الحق بعد أن كان يعيش في نفس الضالل الذي عاشته قريش‪ ،‬يقول تعالى‪2-‬‬
‫) له في أوائل ما نزل في القرآن الكريم‪َ( :‬و َو َج َد َك َض ااًّل َف َه َد ى ) الفجر ‪7‬‬
‫هداه هللا تعالى إلى الحق بالحق القرآني‪ ،‬وما كان قبله يدرى ما الكتاب وال األيمان‪َ (:‬و َك َذ ِلَك َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك ُر وًح ا ِّم ْن َأْم ِر َن ا َم ا ُك نَت‬
‫َت ْد ِر ي َم ا اْلِك َت اُب َو ال اِإليَم اُن ) الشورى ‪ ) 52‬بالوحي القرآني ترك محمد عبادة األولياء واألنصاب وأخلص هلل تعالى عقيدته‬
‫‪.‬وفقا لملة أبيه إبراهيم‪ ،‬فاشتد الضغط عليه من قريش ليعود إلى ما كان عليه من الشرك فى العقيدة‬
‫ومع كثرة ضغطهم عليه بأن يعود إلى ما كان عليه قبل النبوة والهداية أمره ربه أن يعلن أن هللا نهاه عن ذلك‪ ،‬وأنه تعالى أمره‬
‫في القرآن بعدم العودة إلى الشرك الذى كان فيه قبل الوحي ‪ُ ":‬قْل ِإِّن ي ُنِه يُت َأْن َأْع ُبَد اَّلِذيَن َت ْد ُع وَن ِمن ُدوِن ِهَّللا َلَّم ا َج اَء ِنَي‬
‫اْلَبِّي َن اُت ِمن َّر ِّب ي َو ُأِم ْر ُت َأْن ُأْس ِلَم ِلَر ِّب اْلَع اَلِميَن ) غافر ‪ )66‬أي أمره ربه جل وعال أن يعلن لهم أنه جل وعال قد نهاه عن عبادة‬
‫‪.‬غير هللا تعالى‪ ،‬فقد جاءه الهدى في القرآن‪ ،‬وأمره ربه جل وعال أن يسلم وجهه هلل تعالى وفق ملة إبراهيم‬
‫ِن‬ ‫ُدو‬ ‫ِمن‬ ‫وَن‬ ‫ُع‬ ‫ْد‬ ‫َت‬ ‫ِذيَن‬ ‫وتكرر الضغط القرشي عليه بالعودة لعبادة األوثان واألضرحة فتكرر نفس الرد( ُقْل ِإِّن ي ُنِه يُت َأْن َأْع ُب َد اَّل‬
‫‪ِ).‬هَّللا ُقل َّال َأَّت ِبُع َأْه َو اءُك ْم َق ْد َض َلْلُت ِإًذ ا َو َم ا َأَنْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ) األنعام ‪56‬‬
‫وتكرر نفس الموقف وجاءت آيات القرآن تحث النبي على التمسك بإخالص عقيدته لربه وأال يكون من المشركين مناصرا‬
‫للكافرين (َو َم ا ُك نَت َت ْر ُج و َأن ُيْلَق ى ِإَلْي َك اْل ِك َت اُب ِإَّال َر ْح َم ًة ِّم ن َّر ِّب َك َفال َتُك وَن َّن َظ ِه يًر ا ِّلْلَك اِفِر يَن َو ال َيُص ُّد َّن َك َع ْن آَي اِت ِهَّللا َبْع َد ِإْذ‬
‫ُأنِز َلْت ِإَلْي َك َو اْد ُع ِإَلى َر ِّب َك َو ال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن َو ال َت ْد ُع َم "> عرفنا أن ذرية إبراهيم من العرب وأهل الكتاب توارثوا كيفية‬
‫الصالة ومواقيتها ضمن ما توارثوه من ملة إبراهيم ولكنهم اكتفوا بالشكل الذي يؤدون به الصالة وتركوا القلب والجسد مرتعا‬
‫‪.‬يحيله الشيطان كفرا ومعصية‬
‫ونزل القرآن يدعو لإلتباع الصحيح لملة إبراهيم ويحذر من الشرك والمعاصي ويأمر بالمحافظة على الصالة وليس مجرد تأدية‬
‫الشكل دون المضمون‪.‬ويلفت النظر أن األوامر الخاصة بالصالة كانت بلفظ " أقيموا الصالة " أي أقيموها في قلوبكم خشوعا‬
‫وفى جوارحكم طاعة وتقوى‪.‬واأللف والالم في "الصالة " تفيد العهد أي الصالة المعهودة المعروفة لديكم أقيموها وحافظوا‬
‫‪.‬عليها‬
‫َل‬ ‫ْا‬ ‫ُظ‬
‫وقد تكرر األمر بإقامة الصالة في أكثر من أربعين موضعا باإلضافة إلى أوصاف أخرى تفيد نفس المعنى مثل " َح اِف و َع ى‬
‫الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وْا ِهَّلِل َقاِنِتيَن ‪ ....‬البقرة ‪ )238‬واالستعانة على كل شيء بالصالة والصبر (َو اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر‬
‫)َو الَّص الِة)‪ ...‬البقرة ‪45‬‬
‫ْل‬
‫وأولئك الذين كانوا يؤدون الصالة دون إقامتها والمحافظة عليها كالمنافقين وصف القرآن طريقتهم‪ِ :‬إَّن ا ُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن َهَّللا‬
‫َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وْا ِإَلى الَّص الِة َقاُم وْا ُك َس اَلى ُيَر اُؤ وَن الَّن اَس َو َال َي ْذ ُك ُر وَن َهَّللا ِإَّال َقِليًال) النساء ‪ " 142‬فهم لم يقيموا الصالة‬
‫وإنما يتكاسلون في أدائها في الظاهر ويراءون الناس بينما ال يذكرون هللا تعالى في قلوبهم وفى سلوكهم ولو فعلوا لكانوا متقين‬
‫مقيمي الصالة‪ .‬وهللا تعالى لن يقبل منهم هذه الصالة التي يؤدونها رياء وهم كسالى‪َ( :‬و َال َي ْأُتوَن الَّص الَة ِإَّال َو ُه ْم ُك َس اَلى‪ .‬التوبة‬
‫‪ )54.‬فلن تغنى عنهم شيئا فهم في الدرك األسفل من النار مهما ركعوا وسجدوا‬
‫إن فريضة الصالة صلة متجددة بين المسلم وربه‪ ،‬ولذلك تتوزع طيلة النهار منذ بداية اليقظة في الفجر حتى بداية النوم في‬
‫العشاء‪ ،‬وفيما بين أوقات الصالة يظل المؤمن محافظا على صلت بربه إذا أقدم على معصية بعد فريضة الظهر أدرك انه سيصلى‬
‫العصر هلل تعالى فكيف يخشع في صالته وهللا اعلم بإصراره على المعصية ؟ إذن فالصالة الحقيقية التي يحافظ عليها صاحبها أو‬
‫‪.‬التي يقيمها صاحبها هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر‬
‫وهذا هو جوهر الحنيفية التي تعلمها الناس من إمامهم إبراهيم ولكن ما لبث الشيطان أن أغرقهم في الشكل والحركات وعبث‬
‫بالقلب والجوارح فأحدث فجوة بين الصالة والسلوك‪ .‬وهكذا كان العرب حين نزل القرآن يعرفون حركات الصالة ومواقيتها‬
‫ويؤدونها مجرد تأدية ولكن ال يقيمونها في سلوكهم وال في قلوبهم فنزل القرآن يصحح الوضع لتكون الصالة صلة متجددة‬
‫بالمولى عز وجل ووسيلة لتقواه وإخالص الدين له تعالى وحده‪.‬لو كان هناك تقصير آخر أو جهل بمواقيت الصالة وحركاتها‬
‫وكيفية تأديتها ألوضحه رب العزة ولكن كان حال العرب في الجاهلية كالمثل الذي نقوله اآلن " هذه نقرة وهذه نقرة"‪ .‬وهذا‬
‫مثل شعبي مصري عن االنفصال بين الصالة والسلوك السيئ‪ ،‬إذ أن الشيطان فعل بنا مثلما فعل مع السابقين‪ ،‬فالشيطان لم يقدم‬
‫‪.‬استقالته‬
‫أخيرا نقول إن محمدا عليه السالم كان متبعا لملة إبراهيم‪ ،‬ونزل عليه القرآن بالدعوة إلصالحها في تشريعاتها‪ ،‬ولم يكن مبعوثا‬
‫بدين جديد ال يعرفه العرب‪ .‬ومن هنا فانه ليس منتظرا منه اإلتيان بصالة جديدة أو تشريعات جديدة بالكامل وإنما نزل القرآن‬
‫ليتعامل مع مجتمع تم فيه تحريف ملة إبراهيم فجاء القرآن لتصحيح ما تم تحريفه وإقرار ما لم يتم تحريفه‪ ،‬أما التشريعات‬
‫‪.‬الجديدة في سياق ملة إبراهيم فقد نزل القرآن يفصل ويشرح بنودها‬
‫‪.‬هذا ما نتوقف معه بالشرح في الفصل التالي‬

‫‪ :‬الباب األول ‪ :‬الصالة فى القرآن الكريم‬


‫‪ :‬الفصل الثاني ‪ :‬الصالة ونزول القرآن‬
‫‪).‬معنى بيان القرآن ـ منهج القرآن الكريم في تفصيالت التشريع‪.‬ـ منهج القرآن في تفصيالت فريضة الصالة (‬

‫‪:‬معنى بيان القرآن‬

‫لو كان العرب حين نزل القرآن يجهلون صالة المغرب وعدد ركعاتها وصالة الجمعة وكيفيتها لجاءت تفصيالت القرآن تعلم ‪1-‬‬
‫الناس ما يجهلون من عدد ركعات الصالة وكيفيتها ومواقيتها وكل شيء عنها‪ .‬ولكن العرب توارثوا حركات الصالة جيال بعد‬
‫جيل مثلنا اآلن‪ ،‬وكانوا يؤدون الصالة دون أن يقيموها أو يحافظوا عليها‪ -‬مثلنا اآلن أيضا‪ -‬فجاء القرآن يخاطبهم‪ -‬ويخاطبنا‬
‫‪.‬أيضا‪ -‬بعالج هذا الخلل الخطير في القلب وفى السلوك‬
‫وللناس عادة سيئة مع آيات هللا فال يحاولون التدبر فيها بل يقرأون القرآن باللسان فقط‪ ،‬وبالتعود تفقد األلفاظ مدلولها وتصبح‬
‫‪..‬اآليات مجرد كلمات منظومة يتغنى بها المنشدون في حفالت السمر ومناسبات العزاء‬

‫يقول تعالى‪َّ (:‬م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ) األنعام ‪ " 38‬فلكل شيء اصل في القرآن‪ ،‬وإذا لم يكن له تداخل في إحدى ‪2-‬‬
‫قواعد القرآن فله صله في إحدى تفصيالت القرآن‪ ،‬إذ ال تفريط في كتاب هللا‪ .‬ومعنى أن القرآن ما فّر ط في شيء أنه لم يترك‬
‫شيئا ـ يحتاج الناس لتوضيحه ويكون تركه تفريطا ـ إال أوضحه وأبانه‪ .‬أما من يتهم كتاب هللا تعالى بالتفريط والنقصان‬
‫واالحتياج للبشر فانه يخلق مسائل ومشاكل ويتوجه بها لكتاب هللا تعالى معاجزا يبحث عن إجابة لما اخترعه من مشاكل‬
‫ومسائل ليثبت لنفسه واآلخرين نقصان كتاب هللا تعالى وتفريطه‪ ،‬وليثبت أن كتاب هللا تعالى قد فّر ط في شيء وأشياء‪ ،‬وليتهم‬
‫‪ ".‬رب العزة بالكذب حين قال " َّم ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء‬
‫العجيب أنه مع اختالف المسلمين طوال تاريخهم في كل شيء فقد اتفقوا على عدد الصلوات وكيفيتها ولم تكن لهم بشأنها‬
‫مشكلة على اإلطالق‪ ،‬إال حين ظهرت الدعوة لالكتفاء بالقرآن وحده فتكاثرت االتهامات للقرآن الكريم والتكذيب له ومحاولة‬
‫معاجزته بأسئلة عن عدد ركعات الصالة وكيفياتها ومواقيتها‪ ،‬وطالما لم تكن موجودة في القرآن فاهلل تعالى يكون عندهم كاذبا‬
‫في قوله‪َّ( :‬م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء )‪ .‬تناسوا أن المجال متاح لمن يكّذ ب بالقرآن ولمن يتهم رب العزة بالكذب بدال من أن‬
‫يقول "صدق هللا العظيم "‪ ،‬بل تناسوا أن هللا تعالى قد أنبأ سلفا في القرآن بأنهم سيفعلون ذلك‪ .‬وهاهم يحققون فيهم أعجاز‬
‫‪.‬القرآن الكريم‬

‫إن تفصيالت القرآن ال تغطى كل ما ال داعي له‪ ،‬واال تكاثرت آيات القرآن بحيث ال تكفيها البحار مدادا وال األشجار أقالما‪3- ،‬‬
‫وهذا وجه من أوجه اإلعجاز في تفصيالت القرآن‪ ،‬فليست تفصيالت القرآن ثرثرة ‪ -‬حاش هلل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ‪ -‬ولكن‬
‫تفصيالت القرآن جاءت بإحكام دقيق " ِك َت اٌب ُأْح ِك َم ْت آَي اُتُه ُثَّم ُفِّص َلْت ِمن َّلُدْن َح ِكيٍم َخ ِبيٍر ) هود ‪ "2‬أي جاءت من لدن الحكيم‬
‫الخبير جل وعال‪ ،‬فتعالى هللا تعالى أن تكون تطويال ال فائدة منه‪ ،‬بل جاءت على أساس منهجية علمية دقيقة " َو َلَق ْد ِجْئَن اُهم‬
‫ِبِك َت اٍب َفَّص ْلَن اُه َع َلى ِع ْلٍم ُهًدى َو َر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن )‪ ..‬األعراف ‪ "52‬أي أن الذي يفهم األسس العلمية للتفصيالت القرآنية ليس‬
‫‪...‬كل الناس وإنما هم فقط أولئك الذين يؤمنون به‪ ،‬ولذا تكون لهم هدى ورحمة‬
‫ويسيء الناس فهم البيان القرآني حين يسعون في آيات هللا معاجزين يطالبون بتوضيح كل تفصيالت الحياة ومفرداتها‪4- .‬‬
‫فالبيان ال يكون إال للغامض الذي يتطلب التبيين والتوضيح‪ .‬يقول تعالى‪َ :‬و َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء َو ُهًدى َو َر ْح َم ًة‬
‫"َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِميَن )‪ .‬النحل ‪89‬‬
‫فبيان القرآن الكريم – مثل تفصيالت القرآن – هي أيضا هدى ورحمة لمن يستحقها وهم المسلمون الحقيقيون وليس أولئك‬
‫‪.‬الذين يسعون في آيات هللا تعالى معاجزين‬
‫أولئك المكذبون للقرآن يشترطون لإليمان بالقرآن وأنه نزل تبيانا لكل شيء أن ترد فيه تفصيالت الصالة وعدد ركعاتها‬
‫ومواقيتها وهيئاتها‪ .‬هم ال يفهمون أن البيان إنما يكون فقط للغامض المستحق التوضيح‪ ،‬أما الواضح الظاهر البائن بنفسه فال‬
‫يتطلب توضيحا واال كان إهانة للقارىء واتهاما له بالغباء والجنون‪ ،‬عالوة على أنها ثرثرة ال تليق بكتاب بشرى عادى فكيف‬
‫بكتاب هللا تعالى الذي نزلت تفصيالته على علم وحكمة ‪ .‬وإذا كان العرب يؤدون صالة المغرب ثالث ركعات فان من العبث ومن‬
‫‪.‬السخرية بهم أن يأمرهم القرآن بان يصلوا المغرب ثالث ركعات‬
‫َل‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫ْط‬ ‫َف‬
‫المؤمن بالقرآن الكريم ال يسارع باتهام هللا تعالى بالكذب حين قال‪َّ( :‬م ا َّر َن ا ِفي ا ِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ) وحين يؤكد‪َ( :‬و َنَّز َن ا َع ْي َك‬
‫اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) وال يقول معاجزا لرب العزة فأين كذا وكذا في القرآن متحديا ربه جل وعال‪ ،‬بل يقول‪ :‬صدق هللا العظيم‪،‬‬
‫ويسجد مؤمنا بقوله تعالى‪ ،‬ثم يبحث متدبرا في القرآن متفهما لمصطلحاته طالبا من ربه جل وعال الهداية بإخالص‪ .‬عندها‬
‫سيكرمه ربه جل وعال بالهداية ويفتح له من كنوز القرآن ما لم يكن يتخيل‪ ،‬وعندها يعرف أن تفاصيل القرآن قد جاءت فعال عن‬
‫‪.‬علم‪ ،‬وأنها هدى ورحمة لمن يستحقها‬
‫‪.‬حينئذ يعرف أن للقرآن منهجا في تفصيالتة التشريعية‬
‫على أن الشيطان لم يقدم استقالته وسيظل له أتباع من أكثرية البشر وبين من ينتسب لإلسالم‪ .‬وأولئك لن يكفوا عن التكذيب‬
‫بالقرآن واتهامه بالتفريط وحاجته للبشر كي يكملوه ويوضحوه‪ ،‬وفى سبيل ذلك سيظلون يسعون في آيات هللا تعالى معاجزين‪،‬‬
‫‪.‬وستظل تلكك مهمتهم ومهنتهم إلى قيام الساعة‬
‫‪:‬هذا ما أشار إليه رب العزة في القرآن الكريم نفسه‬
‫‪:‬اقرأ قوله تعالى يخبر عن ذلك سلفا‬
‫َأ‬ ‫ُأ‬
‫الحج ‪َ)51‬و اَّلِذيَن َس َعْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ْو َلِئَك ْص َح اُب اْلَج ِحيِم (‬
‫َو اَّلِذيَن َس َعْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك َلُهْم َع َذ اٌب ِّم ن ِّر ْج ٍز َأِليٌم‪َ .‬و َيَر ى ا ِذيَن وُتوا ا ِع َم ا ِذي نِز َل ِإ ْي َك ِمن َّر ِّب َك ُه َو ا َح َّق (‬
‫ْل‬ ‫َل‬ ‫ُأ‬ ‫َّل‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫ُأ‬ ‫َّل‬
‫سبأ ‪َ) ) 5‬و َيْه ِدي ِإَلى ِص َر اِط اْلَع ِز يِز اْلَح ِميِد‬
‫)سبأ ‪5‬؛‪6‬؛‪َ) 38‬و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن (‬
‫ولسنا هنا في معرض الرد عليهم وإنما إلنصاف القرآن الكريم من اتهاماتهم‪ ،‬وذلك بالتعرف علي منهج القرآن الكريم في‬
‫تفصيالته التشريعية حتى ال ينخدع بعض السطحيين باتهاماتهم ويبادر باتهام هللا تعالى بأنه فرط في كتابه حين لم يذكر عدد‬
‫‪.‬ركعات الصالة وبأنه ما فصل في القرآن كيفية الصالة أو أنه ما أبان في القرآن فرائض الصالة من الفجر للعشاء‬
‫وحتى بدون الحاجة إلى التعرف على هذا المنهج يمكن ألحدهم إذا كان سليم النية أن يسأل نفسه بصدق‪ :‬هل قرأ في صغره كتب‬
‫‪ .‬الحديث والفقه وتعلم منها كيفية الصالة وركعاتها ؟ أم قد تعلم ذلك من الصغر بالتوراث والمشاهدة ؟‬
‫لم يقرأ أي واحد منهم كتب البخارى ومسلم وابن حنبل وغيرهم وتعلم منها الصالة‪ .‬ولو كانت تلك الكتب مرجعية للصالة فكيف‬
‫كان الناس قبل أولئك األئمة بقرنين من الزمان يؤدون الصالة ؟‬
‫‪.‬منهج القرآن الكريم في تفصيالت التشريع‬

‫يلفت النظر أن معظم تشريعات القرآن لم تأت في سياق موضوعي واحد‪ ،‬أو في سياق زماني واحد‪ ،‬وإنما تناثرت بين السور في‬
‫‪.‬إيجاز أحيانا وفى تفصيل أحيانا أخرى‬
‫لو كان القرآن قد نزل بشريعة جديدة ليست معروفة من قبل لكان منتظرا أن تأتى التشريعات منتظمة متتابعة متتالية في سياق‬
‫موضوعي وزمني واحد‪ .‬إال أن القرآن نزل على قوم يؤدون الصالة والصدقة والحج والصيام‪ ،‬ولكن طال عليهم األمد فقست‬
‫قلوبهم فبدلوا وحرفوا فاختلطت حياتهم الدينية بأصول حقيقية من ملة إبراهيم مع تحريفات قديمة وأخرى حديثة‪ ،‬اختلط‬
‫التطبيق الصحيح بالتطبيق الفاسد‪ ،‬فنزل القرآن الكريم يعالج ما تم تحريفه قديما وما استجد تحريفه وما تم نسيانه وما يساء‬
‫‪.‬تطبيقه‬
‫‪.‬وهناك ما هو أهم‬
‫أن الوحي القرآني لم ينزل في فراغ بل في بيئة متحركة حية تطبق ملة إبراهيم وتحريفاتها في نفس الوقت‪ ،‬ولهذه التحريفات‬
‫أنصار‪ ،‬وقد نشأت عليها مصالح تتمثل في قريش وحمايتها لألنصاب واألصنام والظلم واالستغالل‪ .‬ودفع المسلمون الثمن‬
‫اضطهادا وتعذيبا‪ ،‬ثم هجرة وحروبا فرضها المشركون المعتدون عليهم‪ .‬وكان ال بد أن ينعكس هذا الصراع على الوحي فكان‬
‫يأتي مستجيبا أحيانا لألحداث بالتعليق والتصحيح وبالحوار‪ ،‬لذا كان يتكرر التشريع الواحد يفصل ما سبق إيجازه ويشرح ما‬
‫سبق اإلشارة إليه‪ ،‬ويؤكد ما سبق قوله‪ ،‬وانعكس هذا على ما يخص العبادات أي ملة إبراهيم والتدين السائد بما فيه من صحيح‬
‫‪.‬وتحريف‪ .‬فنزل الوحي يصحح ويعلق ويجيب األسئلة‬
‫نزل القرآن على قوم يزعمون التمسك بملة إبراهيم ومنهم من كان يقرأ صحف إبراهيم وتوراة موسى حتى لقد اتخذ القرآن من‬
‫صحف إبراهيم وموسى الموجودة عندهم حجة عليهم يقول عن بعضهم " َأْم َلْم ُيَن َّب ْأ ِبَم ا ِفي ُصُح ِف ُم وَس ى َو ِإْبَر اِهيَم اَّلِذي َو َّفى)‬
‫النجم ‪ ) 37- 36‬وكان منهم علماء تخصصوا في السفسطة والجدال في آيات هللا تعالى فنهى هللا تعالى عن جدالهم ( األنعام‬
‫‪ ( ) 121‬غافر ‪ 4‬ـ ‪ 35‬ـ ‪ ( ) 56‬الشورى ‪ 16‬ـ ‪ ) 35‬وقال عنهم في إحدى مجادالتهم (َم ا َض َر ُبوُه َلَك ِإَّال َج َدال َب ْل ُه ْم َقْو ٌم‬
‫) َخ ِص ُم وَن ) الزخرف ‪58‬‬
‫وقد كان في حياتهم الدينية الصحيح والفاسد‪ ،‬كان منها ما بقى من ملة إبراهيم دون تغير وما ادخلوه من تخريف وتحريف‪،‬‬
‫ونزل القرآن بتفصيالته التشريعية ال يتعرض لتوضيح التشريع الواضح الذي ال تغيير فيه ـ مثل هيئة الصالة ومواقيتها ـ بل‬
‫‪.‬تركزت تفصيالته على عالج التحريف الحادث‪ ،‬ثم إذا جاء تشريع جديد نزل مفصال واضحا‬
‫‪:‬وهذا هو منهج التفصيل في تشريعات القرآن‬
‫‪.‬الواضح الذي لم يلحقه تغيير ال يحتاج بيانا‬
‫‪.‬أما التحريف في القديم والتشريع الجديد فالبد لهما من التفصيل الذي يعالج التحريف ويفصل في التشريع الجيد‬
‫‪.‬ونعطى أمثلة‬
‫‪:‬في تشريع جديد جاء ألول مرة‬
‫)الميراث (‬

‫من العادات السيئة للبشر ـ حتى في داخل األسرة الواحدة ـ أن يستأثر األكبر بكل ما يستطيع من ثروة العائلة آكال حقوق أهله‬
‫وأقرب الناس إليه‪ .‬والمرأة هي األكثر تضررا إذا كانت أختا أو بنتا أو عمة أو أّم ا‪ .‬تستوي في ذلك المجتمعات الصحراوية‬
‫والمجتمعات الزراعية‪ .‬إال أن الظلم الذي يقع على المرأة في المجتمعات الزراعية أخف وطأة‪ ،‬بسبب الدور الذي تلعبه الدولة‬
‫والمرأة في البيئة الزراعية المستقرة بما يخفف من مسئولية الرجل وسطوته أيضا‪ .‬ومع ذلك يظل ظلم المرأة قائما‪ ،‬وتظل‬
‫‪.‬مساواتها بالعدل مع الرجل قضية تستحق النضال‪ ،‬هكذا كانت وال تزال في الغرب والشرق على السواء‬
‫‪.‬يتجلى هذا في قضية الميراث بالذات‬
‫أنصف اإلسالم المرأة ولكن تدين المسلمين ما لبث أن ظلم المرأة ومنعها حقوقها ‪ .‬حتى اآلن فمن النادر أن تأخذ المرأة‬
‫المصرية ميراثها كامال من األرض الزراعية أو من العقارات‪ .‬وهى في األغلب ترضى بهذا الظلم خصوصا في الريف والصعيد‪.‬‬
‫أما في البيئة الصحراوية فالمشكلة أعقد‪ ،‬نلمحه من تردى وضع المرأة السعودية في عصرنا الحالي‪ ،‬وهى تعانى من نير الثقافة‬
‫‪.‬الصحراوية ونار الفقه السلفي المتزمت الذي أعاد ظلم وظالم الرؤية الصحراوية للمرأة وجعلها تشريعا سنّي ا وهابيا‬
‫في البيئة الزراعية تقوم الدولة بمعظم األعباء المفروضة على الرجل‪ ،‬يقوم جيشها بحماية الوطن من العدو الخارجي وتقوم‬
‫شرطتها بحماية األسرة من الخطر الداخلي‪ ،‬كما تقوم على أمور الري والصرف والسماد وتيسير ومساعدة الفالح في عمله‪ .‬فى‬
‫البيئة الصحراوية التقليدية القديمة انعدم دور الدولة ووقع على كاهل رجال القبيلة أن يكونوا الجيش والشرطة فأصبح رجل‬
‫األسرة هو المكلف بكل األعباء من حماية األسرة وحراستها ورعايتها والسعي وراء الكأل باإلبل واإلغارة على اآلخرين ليقوم‬
‫بواجب كفالة األسرة‪ .‬المرأة هنا أصبحت ضمن المتاع المملوك للرجل سواء كانت ابنته أو زوجته‪ .‬وتنتقل ملكيتها لألقوى الذي‬
‫يغير على القبيلة ويهزم رجالها وينهب متاعها ( الصامت والناطق ) من نساء وأطفال وابل ومال‪ .‬والمرأة تستسلم لألقوى‬
‫المغير و ليست ملومة على ذلك‪ ،‬إنما يقع اللوم على الذي فّر ط في حريمه ومتاعه‪ .‬طبقا لهذه الثقافة كان إعطاء المهر في‬
‫الزواج إنما يكون لألب أو ولى أمر المرأة وليس للمرأة‪ .‬وكان يحدث توارث المرأة في الزواج فاالبن األكبر يرث زوجة أبيه‬
‫وتؤل إليه‪ ،‬وهذا ما حّر مه القرآن الكريم ( النساء ‪ )22‬ويرث األخ أرملة أخيه ويتم إكراهها على الزواج منه‪ ،‬وقد حّر م هللا‬
‫تعالى هذا اإلكراه في الزواج‪ ،‬وان كان زواج األخ بأرملة أخيه صحيحا في حد ذاته إال أن اإلكراه حرام‪ ،‬يقول تعالى وقد جعلها‬
‫قضية عامة‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال َي ِح ُّل َلُك ْم َأن َت ِر ُثوْا الِّن َس اء َك ْر ًها َو َال َت ْع ُض ُلوُهَّن ِلَت ْذ َه ُبوْا ِبَبْع ِض َم ا آَت ْي ُتُم وُهَّن ‪ ) ..‬النساء ‪) 19‬‬
‫والعضل هو منع النساء من الزواج اذ كان أخو الزوج المتوفى يمارس حق وراثة أرملة أخيه فيمنعها من الزواج إال بعد أن‬
‫تدفع له ماال قد يكون هو المهر الذي ستحصل عليه من العريس القادم‪ .‬بعد نزول القرآن اخترعت البيئة الصحراوية والفقه‬
‫السني نوعا آخر من الزواج أعاد ثقافة استعباد المرأة تحت اسم " زواج الشغار"‪ ،‬وبه يتفق رجل مع رجل آخر أن يتزوج كل‬
‫منهما ابنة اآلخر بدون صداق‪ ،‬أو بأن يتبادال الصداق ليأخذه كل منهما بدال من العروس‪ ،‬ويستمتع كل منهما بابنة اآلخر‬
‫‪.‬وشبابها بدون دفع صداق حقيقي‬
‫تلك لمحة عن الظروف التي نزل فيها ألول مرة تشريع الميراث في بيئة صحراوية قوية التأثير إلى درجة أنها أعادت إنتاج‬
‫نفس الثقافة المضادة لإلسالم بعد اإلسالم ونسبتها لإلسالم تحت اسم السنة‪ .‬نزل القرآن الكريم في تلك البيئة الظالمة‪ ،‬وفى أشد‬
‫العصور الوسطى ظالما وإظالما‪ ،‬أي ظلمة الزمان وظلمة المكان‪ ،‬ومع ذلك جاء بأروع التشريعات وأكثرها تقدمية وعدال‪ ،‬لوال‬
‫‪.‬ما فعله به أتباعه المسلمون السنيون وغيرهم‬
‫‪.‬ونتوقف اآلن مع منهج القرآن في تشريع الميراث باعتباره تشريعا نزل ألول مرة‬
‫‪:‬هنا نالحظ اآلتي‬
‫إن التشريع جاءت تفصيالته متتابعة في سياق واحد‪ ،‬ألنه تشريع جديد ينزل ألول مرة‪ ،‬بدأ باآلية السابعة من سورة النساء‬
‫‪.‬واستمر إلى اآلية الرابعة عشر من نفس السورة‬
‫ْق‬‫َأل‬ ‫ْل‬ ‫َت‬ ‫َن‬ ‫ِّل‬ ‫ّن‬
‫بدأ هذا السياق المتتابع بتمهيد يلخص تشريع الميراث بحسم وحزم يقرر أ ه ( لِّر َج اِل ِص يٌب ِّمَّم ا َر َك ا َو اِلَداِن َو ا َر ُبوَن‬
‫َو ِللِّن َس اء َن ِص يٌب ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ِم َّم ا َقَّل ِم ْن ُه َأْو َك ُثَر َن ِص يًب ا َّم ْف ُر وًض ا) النساء "‪ ."7‬اآلية تؤكد من البداية العدل بين‬
‫الرجال والنساء فيما يرثونه من تركة الوالدين واألقربين ‪ .‬تأكيد العدل جاء واضحا بقول نفس العبارة للرجال (ِّللِّر َج اِل َن ِص يٌب‬
‫ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ) ثم تكرارها بنفس األلفاظ للنساء َو ِللِّن َس اء َن ِص يٌب ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ) ثم التأكيد على أن‬
‫ذلك يسرى على كل التركة بغض النظر عن قيمتها قليلة فقيرة ‪ ،‬أو ثمينة غزيرة(ِم َّم ا َقَّل ِم ْن ُه َأْو َك ُثَر َن ِص يًب ا َّم ْف ُر وًض ا )‪ .‬إذن هو‬
‫‪.‬عدل على مستوى الورثة وعدل على مستوى التركة‪ ،‬أو قل على المستوى األشخاص والموضوع معا‬
‫حرصا على االلتزام بتطبيق تشريع الميراث جاء في سياق التشريع جاءت نصيحتان‪ ،‬األولى لكل إنسان يتوقع الموت بأنه إذا‬
‫كان قلقا على ذريته من الصغار والضعاف من بعده فعليه بتقوى هللا تعالى والتزام الحق‪َ( :‬و ْلَي ْخ َش اَّلِذيَن َلْو َت َر ُك وْا ِمْن َخ ْلِفِهْم‬
‫ُذ ِّر َّي ًة ِض َع اًفا َخ اُفوْا َع َلْي ِهْم َفْلَي َّت ُقوا َهَّللا َو ْلَي ُقوُلوْا َق ْو ًال َس ِديًدا‬
‫يعنى إذا خاف على مستقبل ذريته من بعده فليتق هللا تعالى وليقل الحق وحينئذ سيتكفل بهم الرحمن الرحيم جل وعال‪ .‬وقد ‪).‬‬
‫ذكر القرآن في موضع آخر قصة الغالمين اليتيمين في المدينة‪ ،‬وقد كان أبوهما صالحا‪ ،‬وقد ترك لهما كنزا‪ ،‬وقد عاشا في‬
‫رعاية هللا تعالى وكنفه بسبب صالح أبيهما المتوفى ( الكهف ‪ .) 82‬اآلية التالية جاءت تحذيرا شديدا لمن يأكل أموال اليتامى أو‬
‫ميراثهم‪ ،‬إذ سيتحول هذا المال الحرام إلى نار في بطونهم وهم يذوقون عذاب السعير‪ِ( .‬إَّن اَّلِذيَن َي ْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَي َت اَم ى ُظ ْلًم ا ِإَّن َم ا‬
‫َي ْأُك ُلوَن ِفي ُبُط وِنِهْم َن اًر ا َو َسَيْص َلْو َن َس ِعيًر ا )‬
‫بعد التمهيد الذي يؤكد على العدل‪ ،‬وبعد النصح والتحذير حتى يكون التطبيق على أكمل مستوى جاءت تفاصيل تشريع الميراث‬
‫في آيتين (النساء ‪)12 ،11‬‬
‫بعد إيراد تفصيالت تشريع الميراث في اآليتين المشار اليهما جاء تحذير آخر صارم لمن يبغى على حدود هللا تعالى‪ .‬مصطلح‬
‫الحدود في القرآن الكريم ال يعنى العقوبة وإنما يعنى الحق والشرع االلهى‪ .‬وتشريع الميراث أحد حدود هللا تعالى ومن ينتهك‬
‫هذه الحدود ويتعداها عاصيا هلل تعالى فجزاؤه الخلود في النار يتجرع فيها العذاب المهين‪ .‬ومن يطع هللا تعالى ورسوله ـ‬
‫الرسول هنا فى مصطلح القرآن يعنى الرسالة أي القرآن ـ فجزاؤه الخلود في الجنة‪ .‬وذلك هو الفوز العظيم‪ِ( .‬تْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َو َم ن‬
‫ُيِط ِع َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُيْد ِخْلُه َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا َو َذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يم‪َ .‬و َم ن َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َو َي َت َع َّد ُح ُدوَد ُه‬
‫ُي ْد ِخْلُه َن اًر ا َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َلُه َع َذ اٌب ُّم ِه يٌن ُ ) أي تخيل انك حرمت أخاك أو أختك من بعض ارثه‪ ،‬وكان هذا الميراث قليال تافها ال‬
‫يتعدى بعض المواشي أو بعض النقود‪ ،‬فان مصيرك إلى النار مهما عملت من طاعات‪ ،‬هذا هو منطق اآلية‪ ،‬و ال نجاة لك إال إذا‬
‫‪.‬أديت الحق ألصحابه قبل موتك وتبت توبة نصوحا عن انتهاكك لحدود هللا تعالى‬
‫بعد تشريع الميراث وردت للنبي محمد أسئلة تتعلق بمواضع لم يرد ذكرها بالتحديد‪ .‬وألن النبي محمدا عليه السالم ليس مفوضا‬
‫باإلجابة وال يملك إعطاء الفتوى حتى لو كان قادرا على الفتيا وعالما باإلجابة‪ ،‬فانه عليه السالم انتظر أن تأتى اإلجابة من هللا‬
‫تعالى وحيا قرآنيا‪ .‬وهكذا استفتوا النبي محمدا فانتظر الفتوى من الوحي‪َ( :‬يْس َت ْف ُتوَن َك ُقِل ُهَّللا ُيْف ِتيُك ْم ِفي اْلَك الَلِة ِإِن اْمُر ٌؤ َه َلَك‬
‫َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَه ا ِنْص ُف َم ا َت َر َك َو ُه َو َي ِر ُثَه ا ِإن َّلْم َي ُك ن َّلَه ا َو َلٌد َفِإن َك اَنَت ا اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَم ا الُّث ُلَث اِن ِم َّم ا َت َر َك َو ِإن َك اُنوْا ِإْخ َو ًة‬
‫) ِّر َج اًال َو ِنَس اء َفِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ اُألنَث َيْي ِن ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم َأن َت ِض ُّلوْا َو ُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌمٌ ) النساء ‪176‬‬
‫‪:‬بهذا اكتمل تشريع الميراث في القرآن الكريم‪ ،‬ومن السهل بعدها استخالص خطوات توزيع الميراث كاآلتي‬
‫‪:‬أوال‬
‫‪:‬قبل البدء بقسمة الميراث يجب اآلتي‬
‫ـ إذا حضر القسمة األقارب ـ غير الورثة ـ واليتامى والمساكين فيجب إعطاؤهم بعضا منه مع اإلحسان لهم في القول‪َ( .‬و ِإَذ ا ‪1‬‬
‫َح َض َر اْلِقْس َم َة ُأْو ُلوْا اْلُقْر َب ى َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيُن َفاْر ُز ُقوُهم ِّم ْن ُه َو ُقوُلوْا َلُهْم َقْو ًال َّمْع ُر وًفا)‬
‫‪:‬ـ وال بد من تنفيذ الوصية وسداد الديون ‪2‬‬
‫‪:‬عن الوصية نقول‬
‫تفصيالت تشريع الميراث في سورة النساء ( ‪ ) 12 ،11‬تردد فيها تنفيذ الوصية وسداد الديون قبل القسمة‪ِ( :‬من َبْع ِد َو ِص َّي ٍة‬
‫ُيوِص ي ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) (ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) ْ( ِّم ن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُتوُص وَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) (ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوَص ى ِبَه ا َأْو‬
‫َد ْي ٍن َغ ْيَر ُمَض اٍّر )‬
‫معنى ذلك إن تفصيالت الميراث في هذه السورة تحيل إلى تشريع الوصية الوارد في سورة البقرة‪ ،‬والذي يجعل الوصية واجبة‬
‫على كل مسلم يترك ميراثا وال بد أن يترك وصية قبل موته‪ .‬والوصية تكون تحت رعاية ومسئولية المجتمع في إقرارها وفى‬
‫‪.‬تطبيقها حتى ترتبط بالعدل وال يلحق ظلم في إقرارها أو في تنفيذها‬
‫ْل‬ ‫ْق‬‫َأل‬
‫تشريع الوصية في سورة البقرة يقولً‪ ُ:‬كِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َضَر َأَح َد ُك ُم ا َمْو ُت ِإن َر َك ْيًر ا ا َو ِص َّي ِل َو اِلَد ْي ِن َو ا َر ِبيَن ِبا َمْع ُر وِف‬
‫ْل‬ ‫ُة‬ ‫ْل‬ ‫َخ‬ ‫َت‬ ‫ْل‬
‫َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن ‪َ ،‬فَم ن َب َّد َلُه َبْع َد َم ا َس ِم َع ُه َفِإَّن َم ا ِإْث ُم ُه َع َلى اَّلِذيَن ُيَب ِّد ُلوَن ُه ِإَّن َهَّللا َس ِميٌع َع ِليٌم‪َ ،‬خ اَف ِمن ُّموٍص َج َن ًفا َأْو ِإْث ًم ا َفَأْص َلَح‬
‫) َبْي َن ُهْم َفَال ِإْث َم َع َلْي ِه ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم) البقرة ‪ 180‬ـ ‪182‬‬
‫المالحظ أن الفقه السني قام بإلغاء هذا التشريع القرآني الكريم بحديث كاذب هو في األصل قاعدة فقهية تقول‪" :‬ال وصية‬
‫لوارث"‪ .‬وقد جعلوا تلك الفتوى تصادر التشريع القرآني الذي يأمر بالوصية لبعض الورثة ويجعل ذلك فرضًا على اإلنسان حين‬
‫يشرف على الموت‪ .‬إن هللا تعالى يقول ﴿ُك ِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َضَر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإن َت َر َك َخ ْيًر ا اْلَو ِص َّي ُة ِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن ِباْلَمْع ُر وِف‬
‫َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن ﴾ (البقرة ‪ .) 180‬فاآلية تفرض الوصية عند الموت للوالدين إذا كانا معا أو أحدهما على قيد الحياة‪ ،‬وتفرض‬
‫الوصية لألقربين ‪ ،‬وهم الورثة‪ .‬ومعروف أن للوالدين نصيبًا مفروضًا في الميراث إلى جانب الوصية‪ ،‬يقول تعالى عن حق‬
‫ِإن‬ ‫َف‬ ‫ُلُث‬ ‫الوالدين في الميراث ﴿ َو َألَبَو ْي ِه ِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس ِم َّم ا َت َر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌد َفِإن َّلْم َي ُك ن َّلُه َو َلٌد َو َو ِر َث ُه َأَبَو اُه َفُألِّم ِه الُّث‬
‫َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُألِّم ِه الُّس ُد ُس ﴾ (النساء ‪ .)11‬إذن للوالدين نصيب مفروض في الميراث ولهما أيضًا نًص يب مفروض في الوصية‪،‬‬
‫ولكن ذلك كله لم يغن شيئًا أمام حديث منسوب زورًا للنبي يقول "ال وصية لوارث"‪ ،‬فأسرعوا بإلغاء الحكم في قوله تعالى‬
‫‪ُ ﴿ ﴾.‬ك ِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َض َر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإن َت َر َك َخ ْيًر ا اْلَو ِص َّي ُة ِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن ِباْلَمْع ُر وِف َح ًّقا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن‬
‫لقد فرضوا تشريعا مناقضا لتشريع اإلسالم تحت اسم السنة‪ ،‬وتناسوا ما في اآلية من عبارات اإللزام والتأكيد مثل " ُك ِتَب َع َلْي ُك ْم‬
‫" " َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن "‪ .‬وتناسوا التفصيل القرآني الحكيم الذي جاء بشأن الوصية أن من يبدل وصية الموت عقابه شديد عند‬
‫هللا ﴿ َفَم ن َب َّد َلُه َبْع َد َم ا َس ِم َع ُه َفِإَّن َم ا ِإْث ُم ُه َع َلى اَّلِذيَن ُيَب ِّد ُلوَن ُه ِإَّن َهَّللا َس ِميٌع َع ِليٌم ﴾‪ .‬وتأتى اآلية التالية لتبيح التدخل في إصالح‬
‫الوصية إن كان فيها ظلم ليستقيم العدل‪ ،‬يقول تعالى ﴿ َف َم ْن َخ اَف ِمن ُّموٍص َج َن ًفا َأْو ِإْث ًم ا َفَأْص َلَح َبْي َن ُهْم َفَال ِإْث َم َع َلْي ِه ِإَّن َهَّللا وٌر‬
‫ُف‬ ‫َغ‬
‫َّر ِحيٌم ﴾‪ .‬وتناسوا أن آيات الميراث في القرآن جعلت تنفيذ الوصية وسداد الديون قبل توزيع الميراث‪ .‬وتناسوا أن كالم القرآن‬
‫عن الوصية جاء بصيغة مطلقة تدل على حق اإلنسان في أن يوصى بوارث أو غير وارث فتقول آية الميراث ﴿ ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة‬
‫ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ﴾‪ ..‬وتناسوا حكمة التشريع القرآني في الميراث والوصية‪ ،‬فقواعد الميراث تقوم على أنصبة محددة ال مجال‬
‫فيها للتعديل أو التبديل‪ ،‬وفيها يتم توزيع التركة بالنصف وبالربع وبالثمن والسدس والثلث هكذا بالتحديد‪ ،‬ومصير من يتعدى‬
‫تلك الحدود أن يكون خالدًا في النار ﴿ ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َو َم ن ُيِط ِع َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُي ْد ِخْلُه َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا‬
‫َو َذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُم‪َ .‬و َم ن َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َو َي َت َع َّد ُح ُدوَد ُه ُي ْد ِخْلُه َن اًر ا َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َلُه َع َذ اٌب ُّم ِه يٌن ﴾ (النساء ‪ .)13،14‬ولكن‬
‫الوصية يمكن أن يراعى بها اإلنسان الظروف االستثنائية والحقوق الطارئة‪ ،‬يمكن بها إعطاء ابنته المحتاجة بالوصية ما يجعلها‬
‫تعادل أو تفوق أخاها ألنه وجد العدل يحبذ ذلك‪ ،‬ومن الممكن طبعا أن يستخدم الوصية ليظلم ويوصى لمن ال يستحق‪ ،‬وهنا‬
‫‪.‬يتدخل المجتمع القرارالحق‬
‫‪:‬ثانيا ‪ :‬توزيع التركة‬
‫ُأل‬ ‫َأ‬
‫وهذا يتم طبقا لما جاء في آيات سورة النساء (ُيوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي ْو الِد ُك ْم ِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ ا نَث َيْي ِن َفِإن ُك َّن ِنَس اء َفْو َق اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَّن‬
‫ُثُلَث ا َم ا َت َر َك َو ِإن َك اَن ْت َو اِحَد ًة َفَلَه ا الِّن ْص ُف َو َألَبَو ْي ِه ِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس ِم َّم ا َت َر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌد َفِإن َّلْم َي ُك ن َّلُه َو َلٌد َو َو ِر َث ُه‬
‫َأَبَو اُه َفُألِّم ِه الُّث ُلُث َفِإن َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُألِّم ِه الُّس ُد ُس ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص ي ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن آَب اُؤ ُك ْم َو َأْب َن اُؤ ُك ْم َال َت ْد ُر وَن َأُّيُهْم َأْق َر ُب َلُك ْم َن ْف ًع ا‬
‫َفِر يَض ًة ِّم َن ِهَّللا ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ِليًم ا َح ِكيًم ا‪َ .‬و َلُك ْم ِنْص ُف َم ا َت َر َك َأْز َو اُج ُك ْم ِإن َّلْم َي ُك ن َّلُهَّن َو َلٌد َفِإن َك اَن َلُهَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع ِم َّم ا َت َر ْك َن‬
‫ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َو َلُهَّن الُّر ُبُع ِم َّم ا َت َر ْكُتْم ِإن َّلْم َي ُك ن َّلُك ْم َو َلٌد َفِإن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُهَّن الُّث ُم ُن ِم َّم ا َت َر ْكُتم ِّم ن َبْع ِد‬
‫َو ِص َّي ٍة ُتوُص وَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َو ِإن َك اَن َر ُج ٌل ُيوَر ُث َك الَلًة َأو اْمَر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخ ٌت َفِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس َفِإن َك اُنوْا َأْك َث َر ِمن َذ ِلَك‬
‫َفُهْم ُشَر َك اء ِفي الُّث ُلِث ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوَص ى ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َغ ْيَر ُمَض اٍّر َو ِص َّي ًة ِّم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِليٌم)( النساء ‪).11،12‬‬
‫َيْس َت ْف ُتوَن َك ُقِل ُهَّللا ُيْف ِتيُك ْم ِفي اْلَك الَلِة ِإِن اْمُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَه ا ِنْص ُف َم ا َت َر َك َو ُه َو َي ِر ُثَه ا ِإن َّلْم َي ُك ن َّلَه ا َو َلٌد َفِإن (‪:‬‬
‫َك اَنَت ا اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَم ا الُّث ُلَث اِن ِم َّم ا َت َر َك َو ِإن َك اُنوْا ِإْخ َو ًة ِّر َج اًال َو ِنَس اء َفِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ اُألنَث َيْي ِن ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم َأن َت ِض ُّلوْا َو ُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء‬
‫) النساء ‪َ ) 176‬ع ِليٌم‬
‫وهنا نالحظ اآلتي أن قاعدة "للذكر مثل حظ األنثيين" تسرى فقط على األبناء وبعض األخوة والزوج دون الوالدين وإخوة‬
‫الزوج المتوفى في ميراث الكاللة‪ ،‬فلكل من الوالدين نصيب مساو لآلخر هو ثلث التركة إذا لم يكن للمتوفى ذرية أو أخوة‪ ،‬ولكل‬
‫واحد منهما السدس إذا كان للمتوفى ولد أو أخ‪ .‬كما أن لألقارب غير المذكورين نصيب غير محدد ليس فقط في إطار الوصية‬
‫‪.‬ولكن أيضا إذا حضروا القسمة‬
‫لسنا في موضع التفصيل لتشريع الميراث وما أحدثه الفقه من اختالفات عن تفصيالت القرآن هنا‪ ،‬ولكن جئنا بتشريع القرآن في‬
‫‪.‬الميراث في وقفة سريعة تتناوله من حيث المنهج القرآني في بيان تشريع يأتي ألول مرة‬

‫‪:‬في تشريع متوارث لحقه التحريف‬

‫‪:‬في الزواج والطالق واألحوال الشخصية *‬

‫لم يتعرض القرآن لكيفية عقد الزواج ألنهم قبل اإلسالم كانوا يتزوجون بنكاح صحيح فوالدا رسول هللا (عبد هللا وآمنة ) تزوجا‬
‫بنكاح صحيح‪ ،‬والشاب محمد بن عبد هللا قبل أن يكون نبيا تزوج خديجة بنكاح صحيح بنفس التراث الذي كان سائدا في عقد‬
‫‪.‬الزواج‪ .‬وألنه تراث صحيح فال حاجة لتوضيحه فهو معروف في كل زمان ومكان‬
‫ولم يذكر القرآن الكريم وجوب وجود شاهدين في عقد الزواج ألن ذلك كان وال يزال عرفا يميز الزواج عن العالقات السرية‬
‫غير المشروعة‪ ،‬لكن التحريف في تشريع الطالق وجعله كلمة ينطق بها الزوج ويطرد بها الزوجة من بيته ومن حياته جعلت‬
‫تفصيالت القرآن تترى في موضوع الطالق ومنها اشهاد شاهدي عدل‪ .‬ومن أسف أن تحريفات الجاهلية في تشريع الطالق‬
‫‪.‬أعادها الفقه السني‪ ،‬وال زلنا نطبقها حتى اآلن مع وضوح التشريعات القرآنية‬
‫عرف الزواج الجاهلي بعض التحريف مثل نكاح زوجة األب أو الجمع بين األختين ونزل القرآن بتفصيالت واضحة في‬
‫المحرمات في الزواج فيها التوصيف الكامل وفيها االستثناءات الواضحة مثل قوله تعالى " َو َال َت نِك ُح وْا َم ا َنَك َح آَب اُؤ ُك م ِّم َن الِّن َس اء‬
‫ِإَّال َم ا َق ْد َس َلَف ) (َو َأن َت ْج َمُع وْا َبْي َن اُألْخ َت ْي ِن ِإَّال َم ا َق ْد َس َلَف ) (َو َر َب اِئُبُك ُم اَّلالِتي ِفي ُحُج وِر ُك م ِّم ن ِّن َس اِئُك ُم اَّلالِتي َد َخ ْلُتم ِبِه َّن َفِإن َّلْم‬
‫)‪َ-‬تُك وُنوْا َد َخ ْلُتم ِبِه َّن َفَال ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم ) (َو َح الِئُل َأْب َن اِئُك ُم اَّلِذيَن ِمْن َأْص الِبُك ْم ) " النساء ‪22‬‬
‫وتجاهلت الجاهلية عدة المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها فأنزل هللا تعالى تفصيالت لكل حالة‪ {:‬البقرة ‪} 234 228‬‬
‫{الطالق ‪{}4‬األحزاب ‪ }49‬وجعل عدة المرأة مرحلة هامة هامة في الطالق والزواج منعا الختالط األنساب‪ .‬ومنع عضل النساء‬
‫أي منع المرأة من الزواج أو أن يتزوج الرجل أمرأة أخيه دون رضاها "النساء ‪ ." 19‬وكان الطالق مجاال خصبا لرجال‬
‫الجاهلية في ظلم المرأة فدخل فيه كثير من الزيف فجاء القرآن بتفصيالته توضح كل شيء‪ :‬البقرة ‪( )226:241‬الطالق ‪-1‬‬
‫‪ .)7).‬النساء ‪ 34‬؛ ‪35‬؛ ‪ 138‬؛‪ 139‬؛‪140‬‬
‫‪.‬وهكذا يعالج تشريع القرآن الخلل في الزواج والطالق ويسكت عن التراث الصحيح المتعارف عليه‬

‫في الحج *‬
‫ـ الحج أبرز معالم ملة إبراهيم‪.‬ولم ينزل القرآن يشرح مناسك الحج من البداية للنهاية ألن العرب كانت تحج وتؤدى المناسك ‪1‬‬
‫منذ الجيل األول من ذرية إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬ولكن حديث القرآن الكريم عن الحج والبيت الحرام جاء مزيجا من التاريخ القديم‬
‫إلبراهيم وإسماعيل‪ ،‬وتعليقا على الصراع الحربي بين قريش والمسلمين وانعكاس ذلك على منع المسلمين من الحج والقتال في‬
‫‪.‬البيت الحرام أو في األشهر الحرم‪ ،‬وما استجد من أمور احتاجت إلى تصحيح أو تشريع جديد في فريضة الحج‬
‫‪:.‬ونعطى بعض التفاصيل‬

‫إبراهيم والبيت الحرام والحج‬


‫فالبيت الحرام هو البيت العتيق أو أول بيت وضعه هللا تعالى للناس‪ ،‬وأوجب هللا تعالى الحج إليه فرضا على كل مستطيع من‬
‫‪.‬الناس‪ ،‬وفى مقدمتهم أهل الكتاب الذين توارثوا ملة إبراهيم‬
‫‪:‬اقرأ في ذلك قوله تعالى ألهل الكتاب على وجه الخصوص‬
‫ِإَّن َأَّو َل َبْي ٍت ُو ِض َع ِللَّن اِس َلَّلِذي ِبَب َّك َة ُمَب اَر ًك ا َو ُهًدى ِّلْلَع اَلِميَن {} ُقْل َص َد َق ُهَّللا َفاَّت ِبُع وْا ِم َّل ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن {‬
‫َة‬
‫ِفيِه آَي اٌت َبِّي َن اٌت َّم َق اُم ِإْبَر اِهيَم َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن آِم ًن ا َو ِهَّلِل َع َلى الَّن اِس ِح ُّج اْلَبْي ِت َم ِن اْس َت َط اَع ِإَلْي ِه َس ِبيًال َو َم ن َك َفَر َفِإَّن هَّللا َغ ِنٌّي {}‬
‫َع ِن اْلَع اَلِميَن ) { آل عمران ‪95‬ـ ‪}97‬‬
‫إبراهيم عليه السالم هو الذي أرشده هللا تعالى إلى مكان البيت الحرام‪ ،‬وأمره بإعداده الستقبال الحجيج‪ ،‬وأمره بدعوة كل البشر‬
‫‪:‬للحج ليأتوا إليه من كل فج عميق مهما اختلفت عقائدهم ومللهم وأديانهم طالما كانوا مسالمين غير معتدين‬
‫َو ِإْذ َبَّو ْأَن ا ِإِلْبَر اِهيَم َم َك اَن اْلَبْي ِت َأن اّل ُتْش ِر ْك ِبي َش ْي ًئ ا َو َط ِّهْر َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَقاِئِميَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد‪َ .‬و َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِبا َح ِّج {"‬
‫ْل‬
‫ِلَي ْش َه ُدوا َم َن اِفَع َلُهْم َو َي ْذ ُك ُر وا اْس َم ِهَّللا ِفي َأَّي اٍم َّمْع ُلوَم اٍت َع َلى َم ا َر َز َقُهم {} َي ْأُتوَك ِر َج اال َو َع َلى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق‬
‫الحج ‪ 26‬ـ‪ِّ } 29‬م ن َب ِه يَم ِة اَألْن َع اِم َفُك ُلوا ِم ْن َه ا َو َأْط ِع ُم وا اْلَب اِئَس اْلَفِقيَر‬
‫وقام إبراهيم مع ابنه إسماعيل ببناء البيت ( الكعبة )‬
‫‪ :‬إقرأ قوله تعالى‬
‫َأ‬ ‫َل‬ ‫َن‬ ‫ًّل‬ ‫ْا‬ ‫ُذ‬ ‫َّت‬ ‫ًا‬ ‫َأ‬
‫َو ِإْذ َج َع ْلَن ا اْلَبْي َت َم اَب ل اِس َو ْم ن َو ا ِخ و ِمن َّم اِم ِإْبَر اِهيَم ُمَص ى َو َع ِه ْد ا ِإ ى ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِعيَل ن ِّهَر ا َبْي ِتَي ِلل اِئِفيَن (‬
‫َّط‬ ‫َط‬ ‫َق‬ ‫َّن‬ ‫ِّل‬ ‫ًة‬ ‫َث‬
‫َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد‪َ .‬و ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َر ِّب اْج َع ْل َه َذ ا َب َلًد ا آِم ًن ا َو اْر ُز ْق َأْه َلُه ِمَن الَّث َمَر اِت َم ْن آَم َن ِم ْن ُهم ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َقاَل‬
‫َو َم ن َك َفَر َفُأَم ِّت ُع ُه َقِليًال ُثَّم َأْض َط ُّر ُه ِإَلى َع َذ اِب الَّن اِر َو ِبْئ َس اْلَم ِص يُر ‪َ .‬و ِإْذ َيْر َفُع ِإْبَر اِهيُم اْلَق َو اِع َد ِمَن اْلَبْي ِت َو ِإْس َم اِع يُل َر َّب َن ا َت َقَّب ْل ِم َّن ا‬
‫ِإَّن َك َأنَت الَّس ِميُع اْلَع ِليُم‪َ .‬ر َّب َن ا َو اْج َع ْلَن ا ُمْس ِلَمْي ِن َلَك َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتَن ا ُأَّم ًة ُّمْس ِلَم ًة َّلَك َو َأِر َن ا َم َن اِس َكَن ا َو ُتْب َع َلْي َن ا ِإَّن َك َأنَت الَّت َّو اُب الَّر ِحيُم ‪.‬‬
‫َر َّب َن ا َو اْبَع ْث ِفيِهْم َر ُس وًال ِّم ْن ُهْم َي ْت ُلو َع َلْي ِهْم آَي اِتَك َو ُيَع ِّلُمُهُم اْلِك َت اَب َو اْلِح ْك َم َة َو ُيَز ِّك يِهْم ِإَّن َك َأنَت اْلَع ِز يُز اْل َح ِكيُم ‪َ .‬و َم ن َيْر َغ ُب َع ن ِّم َّلِة‬
‫) البقرة ‪ 125‬ـ ‪ِ) 130‬إْبَر اِهيَم ِإَّال َم ن َس ِفَه َن ْف َس ُه‬

‫واضح هنا أن ـ البيت الحرام بيت هللا تعالى ـ عام لكل الناس باعتبارهم عباد هللا تعالى‪،‬وليس مقصورا على المسلمين وحدهم ‪.‬‬
‫وإن إبراهيم وإسماعيل عندما كانا يرفعان قواعده كانا يدعوان هللا تعالى بأن يمّن بالخير والبركة على سكان مكة باعتبارهم أهل‬
‫البلد القائم على رعاية البيت ورعاية ضيوف الرحمن جل وعال‪ .‬وقد دعوا هللا تعالى بان يهديهما وذريتهما للتمسك باإلسالم‬
‫فاإلسالم هو دين هللا تعالى لكل البشر مهما اختلفت اللغات والرساالت واألقوام والزمان والمكان‪ ،‬وهو باختصار إسالم الوجه‬
‫‪.‬والقلب هلل تعالى وحده ومسالمة الناس‬
‫أما كيفية العبادة فقد دعى إبراهيم وإسماعيل أن يمن هللا تعالى عليهما بأن يريهما مناسكها‪ ،‬وتلك المناسك شملت الحج وغيره‬
‫وأطلق عليها "ملة إبراهيم "‪ .‬ودعا إبراهيم وإسماعيل هللا تعالى أن يبعث من ذرية إسماعيل نبيا يقوم على تعليمهم وتزكيتهم‬
‫‪ ".‬وإرجاعهم إلى حقيقة ملة إبراهيم التي قال تعالى عنها في نفس السياق‪َ . " :‬و َم ن َيْر َغ ُب َع ن ِّم َّلِة ِإْبَر اِهيَم ِإَّال َم ن َس ِفَه َن ْف َس ُه‬
‫وجاء محمد خاتما للنبيين ليجد قومه قد توارثوا ملة إبراهيم وحرفوا فيها وخلطوا الصحيح بالفاسد فنزل القرآن الكريم يعالج‬
‫‪.‬الوضع ويأتي ببعض الجديد من التشريعات ويرد على بعض التساؤالت‬
‫قريش توارثت الحج من ملة إبراهيم وأفسدته‬

‫‪:‬الكفر أساس البالء لدى قريش وغيرها‬

‫الكفر هو نفسه الشرك‪ ،‬ويجمعهما معنى الظلم‪ .‬فالكفرالعقيدى باهلل تعالى والشرك به ظلم له تعالى‪ ،‬والكفر أو الشرك في السلوك‬
‫هو االعتداء على الناس والبغي عليهم في حق الحياة والمال والعرض‪ .‬وقد مارست قريش الكفر العقيدي باتخاذ أولياء وإقامة‬
‫أوثان وأنصاب وأصنام لها حتى داخل الحرم‪ ،‬ومارست الكفر السلوكي بالظلم للبشر واالعتداء عليهم بالقتل واالسترقاق حتى‬
‫في األشهر الحرم‪ .‬وكانوا يفخرون بالكفر السلوكي والكفر العقدي معا ‪ ،‬كما كانوا يفخرون برعايتهم لبيت هللا الحرام والقيام‬
‫على رعاية الحجيج وعمارته وتعميره‪ .‬ورد هللا تعالى عليهم بأن ما يقدمونه من عمل صالح سيضيع وسيحبطه هللا تعالى ألنه‬
‫‪.‬صدر من عقيدة ظالمة كافرة واقترن بكفر سلوكي معتد أثيم‬
‫ُل‬ ‫َأ‬ ‫َط‬ ‫َل‬ ‫ُأ‬ ‫ْف‬ ‫ْل‬ ‫ُف‬ ‫َأ‬
‫َش اِهِديَن َع ى ن ِس ِهْم ِبا ُك ِر ْو ِئَك َح ِب ْت ْع َم ا ُهْم َو ِفي‬ ‫َل‬ ‫هَّللا‬ ‫يقول تعالى في قاعدة عامة‪َ { :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد‬
‫الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن ‪ِ .‬إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال َهَّللا َف َعَس ى ُأْو َلِئَك َأن‬
‫َي ُك وُنوْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن } ثم يقول لهم موبخا‪َ { :‬أَج َع ْلُتْم ِس َق اَي َة اْلَح اِّج َو ِع َم اَر َة اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َك َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َج اَهَد‬
‫} ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َال َيْس َت ُو وَن ِعنَد ِهَّللا َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن } التوبة‪17‬ـ ‪19‬‬
‫‪ :‬الصد عن البيت الحرام عند قريش وغيرها‬

‫بهذا الكفر العقيدي والسلوكي واجهت قريش النبي محمدا وأصحابه المسالمين المستضعفين‪.‬وبسبب االضطهاد والتعذيب هاجر‬
‫بعض المسلمين مرتين للحبشة ثم هاجروا إلى المدينة ومعهم خاتم النبيين عليه وعليهم السالم‪ .‬تابعت قريش المسلمين في‬
‫المدينة بالقتال واالعتداء بعد هجرتهم ومنعت المسلمين من الحج إلى البيت الحرام وهم أحق الناس ببيت هللا الحرام‪ ،‬مما‬
‫استوجب تهديد هللا تعالى للقرشيين بالعذاب‪ ،‬فقال‪َ{ :‬و َم ا َلُهْم َأَّال ُيَع ِّذ َبُهُم ُهَّللا َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو َم ا َك اُنوْا َأْو َي ُه‬
‫اء‬ ‫ِل‬
‫}ِإْن َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإَّال اْلُم َّت ُقوَن َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم َال َيْع َلُم وَن } األنفال ‪34‬‬
‫ويؤكد رب العزة على حقيقة هامة أغفلتها قريش وتغفلها اآلن المملكة السعودية وهى أن بيت هللا تعالى والحج إليه حق لكل‬
‫الناس يستوي في ذلك أهل مكة والقادمون إليها من كل بنى البشر ‪ ،‬ال فرق بين هؤالء وهؤالء في استحقاق الحج‪ِ {:‬إَّن اَّلِذيَن‬
‫َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه ِللَّن اِس َس َو اء اْل َع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِد َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُن ِذ ْق ُه ِمْن‬
‫) َع َذ اٍب َأِليٍم } الحج ‪25‬‬
‫أى بغض النظر عن الدين والمذهب والمعتقد والجنس واللون والغنى والفقر طالما كان القادم للحج مسالما ال يحمل سالحا‪ .‬هو‬
‫مسلم حسب سلوكه وال شأن لنا بعقيدته ‪ ،‬وليس لنا أن نقيم محاكم تفتيش واختبارات فى عقيدة كل قادم للحج‪ ،‬وليس لنا أن‬
‫‪.‬نشق على قلب كل حاج لنعرف اخالصه أو تقواه أو سريرته‪ .‬المطلوب فقط أن يكون مسالما حسب الظاهر ليكون مسلما‬
‫المشركون باعتدائهم وتسلطهم على اآلمنين هم ما نعرفهم اليوم باسم االرهابيين ‪ ،‬وهم الذين ال يتورعون عن تفجير بيوت‬
‫العبادة ‪ ،‬وفى مقدمتها المساجد‪ ،‬وال يتورعون عن قتل المارة و األبرياء والنساء واألطفال ‪ ،‬وفى مقدمة ضحاياهم المسلمون‬
‫فى مصر والجزائر والعراق وباكستان وتركيا وافغانستان وغيرها من بالد تعيش فيها أكثرية مسلمة‪ .‬هم الذين احتلوا المسجد‬
‫الحرام فى حركة جهيمان العتيبى فى مطلع عام ‪ 1400‬سنة ‪.1997‬هؤالء الوهابيون المعتدون هم فقط الممنوعون من الحج‬
‫للبيت الحرام الذى جعله هللا تعالى مثابة للناس وأمنا ‪ ،‬وجعل من تشريعه أن كل من دخله كان آمنا‪ .‬ومن أسف أنهم هم الذين‬
‫!!‪.‬يسيبطرون على المسجد الحرام ‪ ،‬وما كانوا أولياءه ‪ ،‬إن أولياءه إال المتقون‬
‫إنها نفس قصة قريش الطاغية تتكرر‪ .‬قصة الصد عن بيت هللا الحرام العتبارات سياسية ودنيوية‪ ،‬وقصة استغالل االسالم مطية‬
‫‪.‬للحكم ‪ ،‬إما للوصول اليه أو لالحتفاظ به‬
‫وبعد فتح مكة لم يخضع أئمة الكفر من قريش فاستأنفوا اعتداءهم ‪ ،‬فأعطاهم هللا تعالى مهلة للتوبة ‪ ،‬ومنعهم من دخول البيت‬
‫الحرام أو االقتراب منه ( التوبة ‪ .) 28‬وظلوا كذلك الى أن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة وفق ما حدده رب العزة فى سورة‬
‫‪.‬التوبة التى حفلت باشارات تاريخية غفل عن التعقيب عليها رواة السيرة‬
‫وقبل فتح مكة رأى النبي محمد عليه السالم مناما أنه يحج البيت‪ ،‬فبادر بالذهاب مع عدة آالف من أصحابه للحج مسالمين‬
‫بدون نية حرب ولكن قريشا منعتهم من الدخول‪ .‬وبعد ومفاوضات تم عقد صلح الحديبية ‪ ،‬ونزلت في هذا الموضوع سورة‬
‫الفتح وفيها يقول تعالى عن المشركين القرشيين (ُه ُم اَّلِذيَن َك َفُر وا َو َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو اْلَه ْد َي َمْع ُك وًفا َأن َيْب ُلَغ َم ِح ُه‬
‫َّل‬
‫) ويقول عن النبي محمد عليه السالم ‪َ " :‬لَق ْد َص َد َق ُهَّللا َر ُس وَلُه الُّر ْؤ َي ا ِباْلَح ِّق َلَت ْد ُخ ُلَّن اْلَمْس ِج َد اْلَح َر اَم ِإن َش اء ُهَّللا آِمِنيَن ُمَح ِّلِقيَن‬
‫‪ُ }.‬ر ُؤ وَس ُك ْم َو ُم َقِّص ِر يَن ال َتَخ اُفوَن } الفتح ‪ 25‬ـ ‪27‬‬
‫تشريع االحصار فى الحج‬
‫هذه مالمح قرآنية تدخل في تاريخ العالقات بين المسلمين األوائل وقريش‪ ،‬إال أن ذلك الصد عن بيت هللا تعالى ومنع المسلمين‬
‫من الحج أوجد وضعا جديدا في تشريع الحج الذي توارثته قريش والعرب ضمن معالم ملة إبراهيم‪ .‬هذا الوضع الجديد كان‬
‫‪.‬يستلزم تشريعا جديدا يعطى الفتوى اإللهية فيمن يريد الحج واستعد له ولكن حاصرته ظروف تمنعه من الحج‪ ،‬فماذا يفعل‬
‫هنا جاء التشريع القرآني الجديد ليعالج بالتفصيل هذه الحالة وهى "االحصار‪ :‬فقال تعالى في تشريع جديد هنا‪َ { :‬و َأِتُّم وْا اْلَح َّج‬
‫َو اْل ُعْمَر َة ِهَّلِل َفِإْن ُأْح ِص ْر ُتْم َفَم ا اْس َت ْيَسَر ِمَن اْلَه ْد ِي َو َال َت ْح ِلُقوْا ُر ُؤ وَس ُك ْم َح َّت ى َيْب ُلَغ اْل َه ْد ُي َم ِحَّلُه َفَم ن َك اَن ِمنُك م َّم ِر يًض ا َأْو ِبِه َأًذ ى ِّم ن‬
‫َّر ْأِس ِه َفِفْد َي ٌة ِّم ن ِص َي اٍم َأْو َص َد َقٍة َأْو ُنُس ٍك َفِإَذ ا َأِمنُتْم َفَم ن َت َم َّت َع ِباْلُعْمَر ِة ِإَلى اْلَح ِّج َفَم ا اْس َت ْيَسَر ِمَن اْلَه ْد ِي َفَم ن َّلْم َي ِج ْد َفِص َي اُم َث الَث ِة‬
‫َأَّي اٍم ِفي اْل َح ِّج َو َس ْبَع ٍة ِإَذ ا َر َج ْع ُتْم ِتْلَك َع َش َر ٌة َك اِم َلٌة َذ ِلَك ِلَم ن َّلْم َي ُك ْن َأْه ُلُه َح اِض ِر ي اْل َمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو اَّت ُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َش ِديُد‬
‫) اْلِع َقاِب } البقرة ‪196‬‬
‫تشريع القتال في البيت الحرام وفى األشهر الحرم‬
‫واستلزم االعتداء القرشي على المسلمين في المدينة نزول اإلذن للمسلمين بالقتال‪ ،‬ثم تطورت المعارك لتتشابك مع نوعين من‬
‫الحرمات‪ :‬الحرمة الزمانية وهى األشهر الحرم‪ ،‬والحرمة المكانية وهى البيت الحرام‪ ،‬وثارت أسئلة عن القتال الدفاعي‬
‫‪.‬للمسلمين‪ :‬هل يجوز في األشهر الحرم ؟ وهل يجوز في البيت الحرام ؟ ونزلت اإلجابة في الوحي القرآني بالتفصيل‬
‫نزلت القاعدة األساسية وهى أن يكون القتال دفاعيا فقط وليس هجوميا معتديا‪َ {:‬و َقاِتُلوْا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو َال َت ْع َت ُد وْا‬
‫‪ِ.‬إَّن َهَّللا َال ُيِحِّب اْلُمْع َت ِديَن } وعليه فالمعتدون ال يحبهم هللا تعالى لهم‬
‫وهذا ينطبق على ما يسمى بالفتوحات االسالمية التى كانت اعتداء على شعوب وأمم لم تعتد على العرب المسلمين‪ .‬كانت احتالال‬
‫واستعبادا لبالد لم يسبق لها ان رأت الجزيرة العربية‪ .‬وتلك الجريمة الكبرى فى حق االسالم والتى ارتكبها الخلفاء الراشدون ثم‬
‫الخلفاء األمويون كانت استمرارا لقصة الطغيان القرشى قبل وبعد نزول القرآن الكريم‪ .‬وهذا الطغيان هو الذى أضاع الصالة‬
‫‪.‬قبل وبعد نزول القرآن الكريم‬
‫وعن القتال عند المسجد الحرام قال تعالى ِ‪َ(:‬و َال ُتَق اِتُلوُه ْم ِعنَد اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َح َّت ى ُيَقاِتُلوُك ْم ِفيِه َفِإن َقاَت ُلوُك ْم َفاْق ُتُلوُه ْم َك َذ ِلَك َج َز اء‬
‫‪.‬اْلَك اِفِر يَن } أي هو قتال دفاعي فقط إذا هاجمهم العدو داخل المسجد الحرام‬
‫وهو نفس الفتوى اإللهية في القتال في الشهر الحرام‪ ،‬أي رد االعتداء إذا حدث في األشهر الحرم‪ { :‬الَّش ْهُر اْل َح َر اُم ِبالَّش ْه ِر‬
‫اْلَح َر اِم َو اْلُحُرَم اُت ِقَص اٌص َفَم ِن اْع َت َدى َع َلْي ُك ْم َفاْع َت ُد وْا َع َلْي ِه ِبِم ْث ِل َم ا اْع َت َدى َع َلْي ُك ْم َو اَّت ُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َمَع اْل ُم َّت ِقيَن }‬
‫ولم يكتف بعضهم بهذا التوضيح فسأل النبي محمدا عليه السالم نفس السؤال‪ ،‬وألنه عليه السالم ال يملك أن يفتى في الدين‬
‫طالما ينزل الوحي فقد انتظر اإلجابة من هللا تعالى‪ ،‬وهذه إحدى معالم التشريع القرآني اإلسالمي‪:‬أن النبي ال يملك اإلفتاء وإنما‬
‫ينتظر مجيء الفتوى من هللا تعالى‪ ،‬حتى لو كان السؤال قد سبقت اإلجابة عليه‪ ،‬وحينئذ ينزل قوله تعالى ( يسألونك عن ) كذا (‬
‫‪.‬قل ) كذا‪ .‬وهذا ما حدث هنا‬
‫بعد نزول اآلية السابقة قاعدة عامة تؤكد أن الشهر الحرام بالشهر الحرام وأن الحرمات قصاص لم يقتنع بعض الصحابة وسأل‬
‫نفس السؤال عن القتال في األشهر الحرم‪ ،‬وانتظر النبي اإلجابة‪ ،‬وكان يمكنه أن يحيله إلى اآلية السابقة‪ ،‬لكنه ال يملك حتى‬
‫اإلحالة إلى ما نزل من القرآن‪ ،‬ونزل قوله تعالى بالتوضيح والتحليل والتعليل‪َ ( :‬يْس َأُلوَن َك َع ِن الَّش ْه ِر اْلَح َر اِم ِقَت اٍل ِفيِه ُقْل ِقَت اٌل‬
‫ِفيِه َك ِبيٌر َو َص ٌّد َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو ُك ْف ٌر ِبِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو ِإْخ َر اُج َأْه ِلِه ِم ْن ُه َأْك َبُر ِعنَد ِهَّللا َو اْلِفْتَن ُة َأْك َبُر ِمَن اْلَقْت ِل َو َال َي َز اُلوَن‬
‫ُيَقاِتُلوَنُك ْم َح َّت َى َيُر ُّدوُك ْم َع ن ِديِنُك ْم ِإِن اْس َت َط اُع وْا َو َم ن َيْر َت ِدْد ِمنُك ْم َع ن ِديِنِه َفَيُم ْت َو ُه َو َك اِفٌر َفُأوَلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا‬
‫َو اآلِخ َر ِة َو ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّن اِر ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُدوَن )‬
‫وفى كل األحوال فإذا كفوا عن االعتداء فال مجال للحرب‪َ {:‬فِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم }‬
‫} َو َقاِتُلوُه ْم َح َّت ى َال َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ِهَّلِل َفِإِن انَت َهْو ا َفَال ُع ْد َو اَن ِإَّال َع َلى الَّظ اِلِميَن {‬
‫) البقرة ‪ 190‬ـ ‪( 217 & 194‬‬

‫التحريف ونزول القرآن للتوضيح‬

‫ـ كان النسيء من معالم التحريف في ملة إبراهيم‪ ،‬ويعنى استحالل القتال في بعض األشهر الحرم وتأجيل التحريم إلى شهر ‪1‬‬
‫‪:‬آخر أو عام آخر‪ .‬وقد اعتبره رب العزة جل وعال زيادة في الكفر‪ ،‬فقال‬
‫ِإَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي اْل ُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َف ُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم و ُه َع اًم ا ُيَو اِط ُؤ و ِع َّد َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُيِح و َم ا َح َّر َم ُهَّللا(‬
‫ْا‬ ‫ُّل‬ ‫َف‬ ‫َة‬ ‫ْا‬ ‫ِّل‬ ‫َن‬
‫} ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن } التوبة ـ‪37‬‬
‫قبل هذه اآلية الكريمة أوضح هللا تعالى عدة أشهر العام وأن منها أربعة حرم يحرم فيها الظلم { ِإَّن ِع َّد َة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْث َن ا‬
‫}َع َش َر َش ْهًر ا ِفي ِك َت اِب ِهَّللا َيْو َم َخ َلَق الَّس َم اَو ات َو اَألْر َض ِم ْن َه ا َأْر َبَع ٌة ُحُر ٌم َذ ِلَك الِّديُن اْلَقِّي ُم َفَال َت ْظ ِلُم وْا ِفيِه َّن َأنُفَس ُك ْم } التوبة ‪36‬‬
‫ـ وكان من االعتداء وانتهاك حرمة البيت الحرام قتل الصيد أثناء اإلحرام واستحالل الشعائر والمشاعر الحرام وقطع الطريق ‪2‬‬
‫على قوافل الحجاج ونهبهم وقتلهم ونهب الهدى من اإلبل واألنعام التي تساق لتنحر هديا إلطعام ضيوف البيت الحرام‪.‬‬
‫واالستمرار على ذلك أنسى العرب أن ذلك انتهاك لحرمة الكعبة ومناسك اإلحرام‪ .‬بعد فتح مكة كان ال بد من منع هذه‬
‫االنتهاكات وتأكيد التشريع الذي يخصها والذي نسيه العرب في حمأة عصيانهم وضاللهم‪ ،‬فنزلت سورة المائدة ـ وهى أواخر ما‬
‫نزل من القرآن ـ بافتتاحية تقول للمؤمنين مباشرة‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َأْو ُفوْا ِباْل ُع ُقوِد ُأِحَّلْت َلُك م َب ِه يَم ُة اَألْن َع اِم ِإَّال َم ا ُيْت َلى َع َلْي ُك ْم‬
‫َغ ْيَر ُم ِحِّلي الَّصْي ِد َو َأنُتْم ُحُر ٌم ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َم ا ُيِر يُد‪َ .‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال ُتِحُّلوْا َش َع اِئَر ِهَّللا َو َال الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو َال اْلَه ْد َي َو َال اْلَقالِئَد‬
‫َو ال آِّم يَن اْلَبْي َت اْلَح َر اَم َيْب َت ُغ وَن َفْض ًال ِّم ن َّر ِّب ِهْم َو ِر ْض َو اًن ا َو ِإَذ ا َح َلْلُتْم َفاْص َط اُد وْا َو َال َيْج ِر َم َّنُك ْم َشَن آُن َقْو ٍم َأن َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد‬
‫} اْلَح َر اِم َأن َت ْع َت ُد وْا َو َت َع اَو ُنوْا َع َلى اْلَبِّر َو الَّت ْق َو ى َو َال َت َع اَو ُنوْا َع َلى اِإلْث ِم َو اْلُع ْد َو اِن َو اَّت ُقوْا َهَّللا } المائدة ‪1‬ـ ‪2‬‬
‫إال انه كان اختبارا عسيرا ـ فيما يبدو ـ أن يكف الناس عن الصيد في الحرم وهم في اإلحرام‪ ،‬فأنزل هللا تعالى لهم هذه اآلية‬
‫تحذيرا وإنذارا يؤكد لهم انه سيجعل حيوان الصيد ( من غزال ووعول وظباء) يدخل الحرم ليكون في متناول أيدي الناس‬
‫ورماحهم‪ ،‬فهل سيقتلونه وهو في ضيافة الرحمن أم ال ؟ وهنا اختبار شخصي للتقوى‪ ،‬يقول تعالى‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َلَيْب ُلَو َّنُك ُم‬
‫ُهَّللا ِبَش ْي ٍء ِّم َن الَّص ْي ِد َتَن اُلُه َأْي ِديُك ْم َو ِر َم اُح ُك ْم ِلَيْع َلَم ُهَّللا َم ن َي َخ اُفُه ِباْلَغ ْي ِب َف َم ِن اْع َت َد ى َبْع َد َذ ِلَك َفَلُه َع َذ اٌب َأِليٌم)‬
‫ثم جعل هللا تعالى عقوبة فدية على من يقتل الصيد وهو في حالة إحرام‪ .‬وجعل تنفيذ الفدية مرتبطا بضمير الحاج نفسه‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪َ (:‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال َت ْق ُتُلوْا الَّصْي َد َو َأنُتْم ُحُر ٌم َو َم ن َقَت َلُه ِمنُك م ُّم َت َعِّم ًدا َفَج َز اء ِّم ْث ُل َم ا َقَت َل ِمَن الَّن َع ِم َيْح ُك ُم ِبِه َذ َو ا َع ْد ٍل ِّم ْم‬
‫ُك‬ ‫ن‬
‫َهْد ًي ا َب اِلَغ اْلَك ْع َب ِة َأْو َك َّف اَر ٌة َط َع اُم َمَس اِكيَن َأو َع ْد ُل َذ ِلَك ِص َي اًم ا ِّلَي ُذ وَق َو َب اَل َأْم ِر ِه َع َفا ُهَّللا َع َّم ا َس َلف َو َم ْن َع اَد َفَي نَت ِقُم ُهَّللا ِم ْن ُه َو ُهَّللا‬
‫َع ِز يٌز ُذ و انِتَقاٍم ) ‪ ..‬و كلمة (ُّم َت َع ِّم ًد ا) في اآلية الكريمة تجعل األمر موكوال إلى نية الحاج وضميره‪ ،‬فهو وحده الذي يحكم هل‬
‫‪.‬قتل الصيد متعمدا قاصدا أم ناسيا ساهيا‬
‫ُك‬
‫َّل ْم‬‫َل‬ ‫ِح‬ ‫ُأ‬ ‫(‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫اإلحرام‬ ‫حالة‬ ‫في‬ ‫البر‬ ‫صيد‬ ‫يحرم‬ ‫بينما‬ ‫حالل‪،‬‬ ‫البحر‬ ‫لحم‬ ‫كل‬ ‫ثم تؤكد اآلية التالية بإيجاز وإعجاز أن‬
‫َص ْي ُد اْلَبْح ِر َو َط َع اُم ُه َم َت اًع ا َّلُك ْم َو ِللَّسَّي اَر ِة َو ُحِّر َم َع َلْي ُك ْم َص ْي ُد اْلَبِّر َم ا ُد ْم ُتْم ُحُرًم ا َو اَّت ُقوْا َهَّللا اَّلِذ َي ِإَلْي ِه ُتْح َش ُر وَن ) وفى النهاية يقول‬
‫رب العزة عن الكعبة بيت هللا تعالى الحرام ‪َ( :‬ج َع َل ُهَّللا اْلَك ْع َب َة اْلَبْي َت اْلَح َر اَم ِقَي اًم ا ِّللَّن اِس َو الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو اْلَه ْد َي َو اْلَقالِئَد َذ ِلَك‬
‫} ِلَت ْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض َو َأَّن َهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم } المائدة ‪ 94‬ـ ‪97‬‬
‫الرد على األسئلة واالستفسار‬
‫ـ كانت قريش تجعل لنفسها أفضلية في تأدية مناسك الحج فيما يعرف ب ( الحمس ) فكانوا عند اإلحرام ال يدخلون بيوتهم من ‪3‬‬
‫أبوابها ولكن من ظهورها‪ ،‬ويجعلون ذلك من التقوى في أداء المناسك‪ ،‬فقال تعالى لهم‪َ( :‬و َلْيَس اْلِبُّر ِبَأْن َت ْأُتْو ا اْلُبُيوَت ِمن‬
‫} ُظ ُهوِر َها َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ِن اَّت َق ى َو ْأُتوْا اْلُبُيوَت ِمْن َأْبَو اِبَه ا َو اَّت ُقوْا َهَّللا َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن‬
‫وأباح لهم التجارة وتبادل المنافع مع التركيز على عدم تميزهم في طواف اإلفاضة على بقية الناس‪ ،‬فال بد أن يفيضوا من حيث‬
‫أفاض الناس {َلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأن َت ْب َت ُغ وْا َفْض ًال ِّم ن َّر ِّب ُك ْم َفِإَذ ا َأَفْض ُتم ِّم ْن َع َر َفاٍت َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا ِع نَد اْل َم ْش َع ِر اْلَح َر اِم َو اْذ ُك ُر وُه َك َم ا‬
‫َهَداُك ْم َو ِإن ُك نُتم ِّم ن َقْب ِلِه َلِمَن الَّض اِّليَن }{ُثَّم َأِفيُض وْا ِمْن َح ْي ُث َأَفاَض الَّن اُس َو اْس َت ْغ ِفُر وْا َهَّللا ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم}‬
‫ـ واعتاد العرب الفخر بالشعر في أسواق عكاظ وغيرها وامتد ذلك إلى اجتماعهم في الحج الذي هو في األصل لتعظيم هللا ‪4‬‬
‫تعالى وحده وليس للفخر باألسالف وتمجيد اآلباء‪ ،‬لذا أرشدهم هللا تعالى إلى ما هو أفضل؛ الدعاء هلل تعالى بأفضل صيغة‬
‫للدعاء في الحرم وخارجه‪َ{ :‬فِإَذ ا َقَض ْي ُتم َّم َن اِس َكُك ْم َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا َك ِذ ْك ِر ُك ْم آَب اَء ُك ْم َأْو َأَش َّد ِذ ْك ًر ا َف ِمَن الَّن اِس َم ن َي ُقوُل َر َّب َن ا آِتَن ا ِفي الُّد ْن َي ا‬
‫َو َم ا َلُه ِفي اآلِخَر ِة ِمْن َخ الٍق ‪َ .‬و ِم ْن ُهم َّم ن َي ُقوُل َر َّب َن ا آِتَن ا ِفي الُّد ْن َي ا َح َس َن ًة َو ِفي اآلِخَر ِة َح َس َن ًة َو ِقَن ا َع َذ اَب الَّن اِر ‪ُ .‬أْو َلِئَك َلُهْم َن ِص يٌب‬
‫} ِّمَّم ا َك َسُبوْا َو ُهَّللا َس ِر يُع اْلِح َس اِب } البقرة ‪ 189‬ـ‪202‬‬
‫ـ وسأل بعضهم عن وجوب الطواف بين الصفا والمروة فنزلت اإلجابة اإللهية بأنه مباح و ال حرج فيه‪ِ{ :‬إَّن الَّص َف ا َو اْل َمْر َو َة ‪5‬‬
‫}ِمن َش َع اِئِر ِهَّللا َف َم ْن َح َّج اْلَبْي َت َأِو اْع َت َمَر َفَال ُج َن اَح َع َلْي ِه َأن َي َّط َّو َف ِبِه َم ا َو َم ن َت َط َّو َع َخ ْيًر ا َفِإَّن َهَّللا َش اِك ٌر َع ِليٌم } البقرة ‪158‬‬
‫هذه لمحات قرآنية توضح منهج القرآن الكريم التصحيح في تشريع العبادات المتوارثة من ملة إبراهيم‪ ،‬ومنها الحج‪.. .‬فماذا‬
‫عن الصيام ؟‬
‫في الصيام‬
‫‪.‬ـ ونزل تشريع الصيام على العرب الذين كانوا يصومون شهر رمضان ‪1‬‬
‫نزل في المدينة‪ .‬وكان شهر رمضان معروفا للمسلمين بأنه شهر القرآن فهو الذي نزل فيه القرآن مرة واحدة على قلب النبي‬
‫‪.‬محمد حين كان في مكة‬
‫أول آية في تشريع الصوم قالت ‪َ ":‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا ُك ِتَب َع َلْي ُك ُم الِّصَي اُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم ) لم تشرح أآلية األولى‬
‫في تشريع الصوم معنى الصوم وأنه االمتناع عن الطعام والشراب واللقاء الجنسي بالزوجة – كما تفعل كتب الفقه ‪ .‬والسبب‬
‫بسيط هو أن العرب كانوا يصومون رمضان‪ ،‬بل وكانوا يتخذون منه عادة اجتماعية للهو واللعب بدون مراعاة للتقوى كما نفعل‬
‫نحن اآلن‪ .‬لذا تخبر اآلية األولى في التشريع القاعدة األولى وهى تأدية الصوم كما اعتادوه بنفس ما كان في ملة إبراهيم (َك َم ا‬
‫ُك ِتَب َع َلى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم ) من االمتناع عن األكل والشرب واللقاء الجنسي‪ ،‬وهوالذى كانوا يفعلونه أنفسهم في مكة قبل أن ينزل‬
‫‪.‬التشريع القرآني بهذا التصحيح والتنقيح‬
‫َّل‬ ‫َل‬
‫ثم تختم آية التشريع األولى بتقرير أقامة الصوم في سلوك المؤمن عقيدة وسلوكا أي أن يكون هدف الصوم هو التقوى‪َ ( .‬ع ُك ْم‬
‫‪َ.‬تَّت ُقوَن )‬
‫ـ بعد تقرير أن الصوم عبادة متوارثة وال بد من مراعاة التقوى فيها تأتى اآليتان التاليتان بتشريع جديد لم يكن موجودا من ‪2‬‬
‫قبل وهو عن األعذار المبيحة للفطر في رمضان‪ ،‬وألنه تشريع جديد فقد جاءت تفصيالته واضحة‪ ،‬بل وتكررت في آيتين‬
‫متتاليتين توضحان بالتفصيل السماح للمريض والمسافر وعدم القادر على الصوم باإلفطار ومجال دفع الفدية أو قضاء الصوم‬
‫‪(.‬البقرة ‪)185 -183‬‬
‫ـ وكان الصوم المعروف المتوارث وقتها قبل نزول التشريع القرآني الجديد يبدأ بعد العشاء ويستمر طيلة الليل والنهار حتى ‪3‬‬
‫مغرب اليوم التالي ليكون اإلفطار مرحلة قصيرة هي ما بين المغرب والعشاء فقط‪ .‬وكانت هذه الفترة القصيرة ال تكفى إال للطعام‬
‫فحسب‪ ،‬ويأتي الليل فيضطر أحدهم لمباشرة زوجته في وقت يجب أن يكون فيه صائما‪ .‬ونزل التخفيف تشريعا جديدا مفصال في‬
‫قوله تعالى " ُأِح َّل َلُك ْم َلْي َلَة الِّصَي اِم الَّر َفُث ِإَلى ِنَس اِئُك ْم ُهَّن ِلَب اٌس َّلُك ْم َو َأنُتْم ِلَب اٌس َّلُهَّن ) أي جاء التشريح الجديد بأن مباشرة‬
‫الزوجة مباح في ليلة الصيام (َع ِلَم ُهَّللا َأَّنُك ْم ُك نُتْم َتْخ َت اُنوَن َأنُفَس ُك ْم َفَت اَب َع َلْي ُك ْم َو َع َف ا َع نُك ْم ) وهنا يخبر هللا تعالى عن وقوع‬
‫بعضهم في مباشرة الزوجة في ليلة الصيام حين كان واجبا الصوم فيه‪ ،‬ويبشر هللا تعالى بأنه عفا عنهم وتاب عليهم‪ ،‬وأنزل هذا‬
‫التخفيف عليهم‪ ،‬لذا جاء التشريع الجديد يقول للمؤمنين (َفاآلَن َب اِش ُر وُهَّن َو اْب َت ُغ وْا َم ا َكَت َب ُهَّللا َلُك ْم َو ُك ُلوْا َو اْش َر ُبوْا َح َّت ى َي َت َبَّي َن‬
‫َلُك ُم اْلَخ ْي ُط اَألْبَيُض ِمَن اْلَخ ْي ِط اَألْس َو ِد ِمَن اْلَف ْج ِر ُثَّم َأِتُّم وْا الِّصَي اَم ِإَلى الَّلْي ِل ) يأتي هنا تفصيل التشريع الجديد لوقت اإلفطار في‬
‫رمضان حيث يباح األكل والشرب واللقاء الجنسي بالزوجة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر‪ ،‬وظهور أول تباشير الضوء‬
‫حين تتمكن العين المجردة من تمييز الخيط األبيض من الخيط األسود ‪ .‬توضيح مفصل في تشريع جديد يعقبه تشريع جديد آخر‬
‫يتضمن تصحيحا لتشريع قديم هو االعتكاف في ليالي رمضان في المساجد (َو َال ُتَب اِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِك ُفوَن ِفي اْلَمَس اِج ِد ِتْلَك ُح ُدوُد‬
‫ِهَّللا َفَال َت ْق َر ُبوَها َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا آَي اِتِه ِللَّن اِس َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن )‪ ...‬البقرة ‪ )-187‬كانوا يعتكفون في المساجد رجاال ونساء‪ ،‬وكان‬
‫الزوج يعتكف مع زوجته في المسجد في ليالي رمضان‪ ،‬وكان يحدث لقاء جنسي بينهما وقت االعتكاف‪ ،‬لذا نزل التشريع الجديد‬
‫‪.‬يحرم ذلك اللقاء الجنسي بالزوجة أثناء االعتكاف الرمضاني في المسجد‬
‫ـ ذلكم هو بيان القرآن لما يحتاج فعال إلى بيان من تشريع جديد يعرفه الناس ألول مرة أو يوضح وجه الحق في تحريف ‪4‬‬
‫أدخله الناس في تشريع سائد‪ .‬لذا اختتمت اآلية بتقرير أن ذلك هو بيان القرآن للناس لعلهم يتقون‪َ( :‬ك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا آَي اِتِه ِلل اِس‬
‫َّن‬
‫] َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن‬
‫وبالفعل فان بيان القرآن الكريم في تلك اآليات احتوى على كل ما يلزم المؤمن في تشريعات الصوم‪ .‬وما أحدثه الفقهاء بعدها‬
‫من ثرثرة وفتاوى وأحكام فقهية كلها هراء ال طائل من ورائه‪ ،‬لذا اختلفوا فيه وانشغلوا بهذا االختالف قرونا وكتبوا فيه آالف‬
‫‪.‬الصفحات عبثا‬
‫وبنفس المنهج القرآني جاءت تفصيالت القرآن عن فريضة الصالة التي أثبتنا أن العرب كانوا يعرفونها شكال ويؤدونها ركعات‬
‫‪.‬وفرائض ولكن دون خشوع وإيمان وإخالص في القلب ودون تقوى وطاعة في الجوارح‬

‫‪:.‬منهج القرآن في تفصيالت فريضة الصالة‬

‫كما كان عقد الزواج تراثا معروفا ال اختالف حوله فلم يتعرض له القرآن وهكذا كان معنى الصوم معروفا ومتوارثا‪ ،‬و كانت‪1-‬‬
‫مناسك الحج وترتيبها تراثا معروفا فلم يتعرض القرآن لتوضيح الواضح الشائع‪ .‬وكذلك كانت ـ وال تزال ـ ركعات الصالة‬
‫ومواقيتها تراثا معروفا واضحا فليس لها نصيب في تبيين القرآن ‪ ،‬فالشيء المبين ال يحتاج إلى بيان إال كان إعجاز القرآن عبثا‬
‫)وتعالى هللا عن العبث والهزل‪ .‬يقول تعالى عن القرآن الكريم ‪ِ( :‬إَّن ُه َلَق ْو ٌل َفْص ٌل َو َم ا ُه َو ِباْلَه ْز ِل ) الطارق ‪13‬؛‪14‬‬
‫كان الخلل في صالة المشركين متمثال ليس في الشكل ولكن في المضمون‪ ،‬أي عدم إقامة الصالة‪ ،‬لذا تركز حديث القرآن ‪2-‬‬
‫حول إقامة الصالة والمحافظة عليها بالتقوى والتحذير من الشك والعصيان وذلك في التشريع المكي خصوصا‪ ،‬وفيها يأمرهم هللا‬
‫تعالى بالمحافظة على الصالة وإقامتها‪ ،‬ذاكرا "الصالة " باأللف والالم ( أل) التي تفيد العهد‪ ،‬أي الصالة المعهودة لديكم‪ ،‬بما‬
‫يؤكد أن الصالة معروفة لديهم‪.‬يقول تعالى يوجب إقامة الصالة طالما ظل اإلنسان مستيقظا غير نائم‪َ( :‬و َأِقِم الَّص الَة َط َر َفِي الَّن َه ِر‬
‫ا‬
‫َو ُز َلًفا ِّم َن الَّلْي ِل ِإَّن اْلَح َس َن اِت ُي ْذ ِه ْب َن الَّس ِّي َئ اِت َذ ِلَك ِذ ْك َر ى ِللَّذ اِك ِر يَن ) هود ‪ ) 114‬طرفا النهار وبعض الليل يشمل كل وقت اليقظة‬
‫لإلنسان‪ ،‬وعليه في هذا الوقت أن يؤدى الصالة في مواقيتها وأن يحافظ على صالته بالتقوى فيما بين أوقات الصالة طالما ظل‬
‫يقظا‪ ،‬فإذا نام فال مسئولية عليه‪ ،‬وبهذا يكون قد أقام الصالة كل يومه‪ .‬ويقول تعالى في سورة مكية أخرى‪َ( :‬أِقِم الَّص الَة ِلُد ُلوِك‬
‫الَّش ْم ِس ِإَلى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًدا‪َ .‬و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َعَس ى َأن َيْبَع َث َك َر ُّب َك َم َق اًم ا‬
‫َّمْح ُم وًد ا ) اإلسراء ‪ 78‬ـ‪ ) 79‬هنا أمر آخر للنبي وللمؤمنين بإقامة الصالة طيلة وقت اليقظة‪ ،‬مع إضافة قيام الليل وقرآن الفجر‬
‫لمن أراد أن يكون من السابقين المقربين يوم القيامة‪ .‬المقام المحمود هنا هو الجنة وليس الشفاعة كما يعتقد المكذبون للقرآن‬
‫الكريم‪ .‬اقرأ قوله تعالى عن السابقين ممن ورثوا القرآن وعملوا بمقتضاه (ُث َّم َأْو َر ْث َن ا اْلِك َت اَب اَّلِذيَن اْص َطَفْي َن ا ِمْن ِع َب اِد َن ا َف ِم ْن ُهْم‬
‫َظ اِلٌم ِّلَن ْف ِس ِه َو ِم ْن ُهم ُّم ْق َت ِص ٌد َو ِم ْن ُهْم َس اِبٌق ِباْل َخ ْيَر اِت ِبِإْذ ِن ِهَّللا َذ ِلَك ُه َو اْلَف ْض ُل اْلَك ِبيُر ‪َ .‬ج َّن اُت َع ْد ٍن َي ْد ُخ ُلوَن َه ا ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِمْن َأَس اِو َر‬
‫ِمن َذ َهٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا َو ِلَب اُسُهْم ِفيَه ا َح ِر يٌر َو َقاُلوا اْل َح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َأْذ َه َب َع َّن ا اْلَح َز َن ِإَّن َر َّب َن ا َلَغ ُفوٌر َشُك وٌر ‪ .‬اَّلِذي َأَح َّلَن ا َداَر اْل ُم َقاَم ِة ِمن‬
‫‪َ.‬فْض ِلِه ال َيَمُّس َن ا ِفيَه ا َن َص ٌب َو ال َيَمُّس َن ا ِفيَه ا ُلُغ وٌب ) فاطر ‪ 32‬ـ ) فمن أوصاف الجنة هنا أنها المقام المحمود‬
‫وقد نزلت آيات تعالج نواحي الخلل ويظهر من أسلوب القرآن فيها أنه يكلم أناسا يعرفون الصالة ويمارسونها قبل نزول ‪3-‬‬
‫‪.‬اآليات ولكن حدث خلل من ناحية ما فجاءت اآليات تنبه على الخلل وال تشرع شيئا جديدا بالنسبة للصالة‬
‫فاآلذان للصالة كان معروفا وحدث أن المشركين كانوا يستهزئون ويتالعبون وقت اآلذان فنزل قوله تعالى " َو ِإَذ ا َن اَد ْي ُتْم ِإَلى *‬
‫الَّص الِة اَّتَخ ُذ وَها ُه ُز ًو ا َو َلِع ًب ا َذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َقْو ٌم َّال َيْع ِقُلوَن ) المائدة ‪ )58‬فليس هنا تشريع لآلذان عند الصالة وإنما احتجاج على خلل‬
‫‪.‬أحدثه المشركين عند اآلذان‬
‫ومنذ عهد إسماعيل وأبيه إبراهيم عرف العرب يوم الجمعة الذي يجتمعون فيه ألداء صالة جماعية أسبوعية‪ ،‬ومنها اشتق *‬
‫اسم يوم الجمعة‪ .‬وكان اهتمام المشركين قبيل صالة الجمعة ينصب على البيع والتجارة‪ .‬وبعد الهجرة لم يتخلص بعض‬
‫المسلمين من هذه العادة السيئة‪ ،‬وحدث إن أقبلت قافلة تجارية للمدينة في يوم الجمعة أثناء وقوف النبي للخطبة‪ ،‬وكان وقتا‬
‫عصيبا فسارع بعضهم للخروج من المسجد وترك النبي قائما يخطب الجمعة‪ ،‬فنزل قوله تعالى " َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِدي‬
‫ِللَّص الِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َعْو ا ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ‪َ .‬فِإَذ ا ُقِض َي ِت الَّص الُة َفانَت ِش ُر وا ِفي اَألْر ِض‬
‫َو اْب َت ُغ وا ِمن َفْض ِل ِهَّللا َو اْذ ُك ُر وا َهَّللا َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن َو ِإَذ ا َر َأْو ا ِتَج اَر ًة َأْو َلْهًو ا انَفُّض وا ِإَلْيَه ا َو َت َر ُك وَك َقاِئًم ا ُقْل َم ا ِعنَد ِهَّللا َخ ْيٌر ِّم َن‬
‫)‪-‬الَّلْه ِو َو ِمَن الِّت َج اَر ِة َو ُهَّللا َخ ْيُر الَّر اِز ِقيَن )‪ .‬الجمعة ‪9‬‬
‫لم تنزل هذه اآليات الكريمة لتشريع صالة جديدة هي صالة الجمعة‪ ،‬وإنما لتنبه على خلل وقع فيها وال يزال يقع‪ ،‬إذ ينبغي أن‬
‫يبادر المسلم للذهاب إلى المسجد حين يؤدى صالة الجمعة وأن يترك البيع ثم إذا انتهت الصالة يعود إلى بيعه وتجارته كالمعتاد‬
‫في بقية أيام األسبوع فليس يوم الجمعة أجازة من العمل‪ ،‬المهم أال يفتر المسلم عن ذكر هللا‪ .‬ثم يأتي اللوم ألولئك الذين انفصلوا‬
‫‪.‬عن الرسول وتركوه في المسجد قائما يخطب‬
‫وبمناسبة ذكر القرآن ليوم الجمعة نقول ألولئك الذين ال يفهمون معنى تبيين القرآن أن أيام األسبوع من الجمعة للسبت ‪4-‬‬
‫معروفة ولم يحدث أن اختلف الناس في يوم ما هل هو يوم األربعاء أم الخميس‪ ،‬وألن أيام األسبوع شيء بين واضح فلم يأت‬
‫عدد أيام األسبوع في القرآن الن تبيين القرآن يكون لما يستلزم التبيين من األشياء الغامضة‪ ،‬وتخيل جدال‪ -‬ونستغفر هللا‪ -‬لو‬
‫‪.‬جاءت أيام األسبوع في القرآن لكان األمر مدعاة لالستهزاء بآيات هللا تعالى وكتابه‪ ،‬ونستغفر هللا العظيم‬
‫وهكذا كان العرب يعرفون أيام األسبوع ويعرفون عدد ركعات الصالة ومواقيتها فلم يأت ذكر لبعض الفرائض إال في سياق‬
‫‪...‬الحديث عن خلل ما أو في سياق تشريع أخر‬
‫لم يأت ذكر أليام األسبوع إال يوم الجمعة في مناسبة خلل حدث في صالة الجمعة‪ ،‬وذكر القرآن الكريم يوم السبت بمناسبة الخلل‬
‫الذي أحدثه اليهود في يوم السبت يقول تعالى‪ِ( :‬إَّن َم ا ُج ِع َل الَّسْب ُت َع َلى اَّلِذيَن اْخ َت َلُفوْا ِفيِه) النحل ‪َ( )124‬و ُقْلَن ا َلُهْم َال َت ْع ُد وْا ِفي‬
‫الَّس ْب ِت) (َأْو َن ْلَع َن ُهْم َك َم ا َلَع َّن ا َأْص َح اَب الَّسْب ِت)النساء ‪154‬؛‪ . )47‬لم يذكر القرآن من أيام األسبوع إال يوم الجمعة والسبت فهل‬
‫معنى ذلك أن نلغى باقي األيام ؟ أو نجعل األسبوع يومين فقط‪ .‬أو أن نتهم هللا تعالى بالكذب والتفريط ألنه لم يعرفنا أيام‬
‫األسبوع ؟‬
‫ـ ونفس الحال بالنسبة لألشهر وعدتها في السنة‪ .‬لم يذكر القرآن الحكيم ذلك إال بمناسبة النسيء الذي كان يرتكبه العرب‪5‬‬
‫الجاهليون ({ِإَّن ِع َّد َة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْث َن ا َع َش َر َش ْهًر ا ِفي ِك َت اِب ِهَّللا َيْو َم َخ َلَق الَّس َم اَو ات َو اَألْر َض ِم ْن َه ا َأْر َبَع ٌة ُحُر ٌم َذ ِلَك الِّديُن ا ِّي ُم‬
‫َق‬ ‫ْل‬
‫َفَال َت ْظ ِلُم وْا ِفيِه َّن َأنُفَس ُك ْم ‪ِ (}..‬إَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي اْلُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َفُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم وَن ُه َع اًم ا ِّلُيَو اِط ُؤ وْا ِع َّد َة َم ا‬
‫} َح َّر َم ُهَّللا َفُيِحُّلوْا َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن } التوبة ‪ 36‬ـ‪37‬‬
‫وذكر القرآن الكريم شهر رمضان الرتباطه بتشريع الصيام‪ ،‬فهل معناه أن بقية األشهر غير معروفة أو غير معترف بها ؟ أو‬
‫يدور خالف هائل حولها أو حول ترتيبها ؟‬
‫لقد سئل خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السالم عن سؤال يعرف إجابته يقينا‪ ،‬وكالعادة لم يرد بما يعرف وانتظر اإلجابة من‬
‫الوحي ونزل الوحي يقول " (َيْس َأُلوَن َك َع ِن األِه َّلِة ُقْل ِه َي َمَو اِقيُت ِللَّن اِس َو اْلَح ِّج ) البقرة ‪ .) 189‬أي كانوا يعرفون األهلة ( جمع‬
‫هالل ) ويتخذون منها تقويما قمريا للحج ولبقية األغراض التي يحتاجها الناس‪ .‬واإلجابة القرآنية لم تأت بجديد ال يعرفه العرب‪،‬‬
‫ولكن الجديد فيها لنا هو أن نعرف ونؤمن بأن النبي محمدا لم يكن له أن يفتى في الدين حتى فيما كان يعرفه‪ ،‬وأن نؤمن أن‬
‫تفصيالت القرآن لم تترك شيئا يحتاج إلى تبيين بدون توضيح‪ ،‬وأن كل سؤال وّج هه الناس للنبي جاءت إجابته في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬حتى األسئلة المكررة جاءت اإلجابات القرآنية عليها مكررة ولكن تحمل نفس المعنى وبتفصيالت أخرى في نفس‬
‫‪ ".‬الموضوع‪ .‬وللمزيد لمن يريد‪ :‬ارجع إلى المصحف المفهرس وراجع كلمة " َيْس َأُلوَن َك " َو " َيْس َت ْف ُتوَن َك‬
‫وألن فرائض الصالة وركعاتها معروفة للعرب مثل معرفتهم أليام األسبوع فإن القرآن يذكر بعض الفرائض مثل الفجر ‪6-‬‬
‫والظهر والعشاء ليس لتشريع جديد يفرض صالة الفجر والعشاء ولكن في سياق حديثه عن تشريع أخر هو تشريع االستئذان‪،‬‬
‫يقول تعالى‪َ ":‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِلَيْس َت ْأِذنُك ُم اَّلِذيَن َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم َو اَّلِذيَن َلْم َيْب ُلُغ وا اْلُح ُلَم ِمنُك ْم َث الَث َمَّر اٍت ِمن َقْب ِل َص الِة اْلَف ْج ِر‬
‫َو ِحيَن َت َض ُع وَن ِثَي اَب ُك م ِّم َن الَّظ ِه يَر ِة َو ِمن َبْع ِد َص الِة اْلِع َش اء َث الُث َع ْو َر اٍت َّلُك ْم َلْيَس َع َلْي ُك ْم َو ال َع َلْي ِهْم ُج َن اٌح َبْع َدُهَّن َط َّو اُفوَن َع َلْي ُك م‬
‫)َبْع ُض ُك ْم َع َلى َبْع ٍض َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ُم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم)‪ .‬النور ‪58‬‬
‫لم يخترع المسلمون ساعة زمنية يعرفون بها الوقت‪ ،‬وألنهم يقيمون الصالة في أوقاتها ويحافظون عليها في غير أوقاتها فإن‬
‫مواعيد الصالة كانت مقياس الوقت لديهم‪ ،‬ال يقولون الساعة الثالثة مثال وإنما يقومون قبل صالة الظهر أو بعد صالة العصر‪،‬‬
‫وهذه لغة خاصة بمن يقيم الصالة في قلبه وجوارحه وحياته‪ .‬وهذه اللغة ال تزال حتى اآلن بين المحافظين على الصالة في‬
‫‪.‬مواعيدها‬
‫لذا يتحدث القرآن إليهم بلغتهم هذه حين يشرع آداب االستئذان‪ ،‬وعليه فاألطفال والموالى عليهم االستئذان عند الدخول على‬
‫البالغين في أوقات الراحة بعد صالة العشاء وقبل صالة الفجر‪ ،‬إذ أن عادة المسلمين هي الراحة بعد صالة العشاء ثم االستيقاظ‬
‫لصالة الفجر‪ ،‬والقيلولة بعد صالة الظهر‪ ،‬وهذا التشريع ليوجب استئذان األطفال والخدم عند الدخول على اآلباء واألمهات‬
‫والكبار في أوقات الراحة والنوم‪ .‬أما الكبار البالغون فعليهم االستئذان في كل وقت وفقا لما جاء في اآلية التالية‪َ( :‬و ِإَذ ا َب َلَغ‬
‫) اَألْط َفاُل ِمنُك ُم اْلُح ُلَم َفْلَيْس َت ْأِذ ُنوا َك َم ا اْس َت ْأَذ َن اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم آَي اِتِه َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ) النور ‪59‬‬
‫هذا بيان هللا تعالى الستئذان الصغار والكبار‪ ،‬وقد جاء بالتفصيل‪ ،‬وهو مسألة اجتماعية ليست في منزلة الصالة‪ ،‬فهل يا ترى‬
‫يهمل هللا تعالى كيفية الصالة ومواقيتها بينما يشرح "آداب االستئذان" داخل البيوت ؟ القضية أن العرب كانوا ال يعرفون هذه‬
‫اآلداب الراقية الحضارية فنزل تعليمهم لها بالتفصيل في سورة النور وغيرها‪ .‬أما الصالة فقد كانوا يعرفونها ويؤدونها بنفس‬
‫‪.‬الكيفية والعدد ‪ ،‬لذا كان عبثا توضيح ما هو واضح لهم‬
‫إن اآلية لم تنزل لتشريع صالة الفجر أو صالة العشاء وإنما لتشريع االستئذان قبل صالة الفجر وبعد صالة العشاء وبعد صالة‬
‫الظهر‪ ،‬ومعناه الواضح أن المسلمين قبل نزول اآلية كانوا يعرفون صالة الفجر وصالة العشاء‪ ،‬بل كانوا يضبطون إيقاع الحياة‬
‫على أوقات الصالة‪ .‬وألن معرفة أوقات الصالة وركعاتها من البديهيات لم يتعرض لها بيان القرآن‪ ،‬ويكفى أن اآلية ختمت بقوله‬
‫تعالى " َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ُم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم)‪ .‬النور ‪ . )58‬فهذا تبيين هللا العليم الحكيم لما ينبغي تبيينه وتوضيحه‪ ،‬أما‬
‫الواضح المبين البّي ن فال يوضحه أو يبينه القرآن الكريم‪ .‬وهذا ما ينبغي أن نفهمه قبل أن نبادر باتهام المولى عز وجل بأنه فرط‬
‫‪.‬في كتابه‬
‫ولم يأت التشريع القرآني بجديد خاص بالصالة في مكة وإنما جاء في المدينة وحين نزل ذلك التشريع الجديد نزل مفصال ‪7-‬‬
‫‪ .‬يوضح كل شيء في هذا التشريع الجديد‬
‫وأول تشريع جديد في الصالة هو الخاص بالقبلة‪ ،‬وكان في حقيقته اختبارا في الطاعة‪ ،‬فالعرب كانوا يتوجهون في الصالة *‬
‫إلى الكعبة‪ ،‬وبتوالي القرون بعد أبيهم إسماعيل ترسب فيهم الشعور بتقديس بناء الكعبة‪ ،‬وزاد ذلك وقوعهم في الشرك وعبادة‬
‫األضرحة واألنصاب واألصنام وزرعها حول الكعبة‪ ،‬فإذا كانوا يقدسون حجارة القبور واألنصاب واألوثان واألضرحة واألصنام‬
‫فحجارة الكعبة أولى بالتقديس‪ .‬وبمجيء النبي محمد خاتما للنبيين ورجوع كثيرين إلى الحنيفية اإلبراهيمية الحقيقية تم تنظيف‬
‫قلوبهم من االعتقاد في األوثان واألنصاب واألصنام والقبور المقدسة‪ .‬لكن ال يزال هناك تقديس في داخلهم لبناء الكعبة خصوصا‬
‫وهم يتجهون إليها في صالتهم اليومية‪ .‬وازداد األمر بعد هجرتهم من مكة إلى المدينة إذ اختلط لديهم الحنين للوطن ( مكة )‬
‫وبيت هللا تعالى الحرام بمشاعر التقديس للكعبة‪ .‬وكان ال بد لهم من مواجهة مع النفس بامتحان يتضح لهم فيه أن التوجه للكعبة‬
‫ال يعنى تقديسا لها على اإلطالق وإنما هو طاعة لآلمر رب العزة جل وعال‪ .‬تماما مثلما أمر هللا تعالى المالئكة بالسجود آلدم ‪،‬‬
‫فلم يكن تقديسا ألدم ‪ ،‬بل كان اختبارا للطاعة‪ .‬نفس الحال هنا؛ امتحنهم هللا تعالى بأن أمرهم بالتوجه إلى مكان آخر‪ .‬وأطاع‬
‫النبي والمؤمنون معه وصبروا على أقاويل السفهاء بتغيير القبلة‪ ،‬وبعد أن نجح النبي والمؤمنون في االختبار نزل الوحي يجيب‬
‫‪.‬رجاء الرسول هلل بالعودة إلى التوجه للبيت الحرام‪ ،‬فقد تعلموا الدرس‬
‫وتفصيالت الموضوع جاءت في سورة البقرة(‪142‬؛‪)150‬‬
‫َأ‬
‫ثم نزل تشريع الوضوء والطهارة والغسل والتيمم‪ ،‬ولم يكن معروفا من قبل‪ ،‬وجاء بيانه في آيتين في المدينة " َي ا ُّيَه ا اَّلِذيَن *‬
‫آَم ُنوْا َال َت ْق َر ُبوْا الَّص الَة َو َأنُتْم ُس َك اَر ى َح َّت َى َت ْع َلُم وْا َم ا َت ُقوُلوَن َو َال ُج ُنًب ا ِإَّال َع اِبِر ي َس ِبيٍل َح َّت َى َت ْغ َت ِس ُلوْا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ى َأْو َع َلى‬
‫َس َف ٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم ن اْلَغ اِئِط َأْو الَمْس ُتُم الِّن َس اء َفَلْم َت ِج ُد وْا َم اء َفَت َيَّمُم وْا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا َفاْمَس ُح وْا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك ْم }‪ .‬النساء‬
‫‪ )43‬ومع هذا البيان المحكم المفصل فقد تكرر في سورة المائدة وبتفصيالت جديدة عن الوضوء يقول تعالى ‪َ " .‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن‬
‫آَم ُنوْا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص الِة َفاْغ ِس ُلوْا ُو ُج وَه ُك ْم َو َأْي ِد َي ُك ْم ِإَلى اْلَمَر اِفِق َو اْمَس ُح وْا ِبُر ُؤ وِس ُك ْم َو َأْر ُج َلُك ْم ِإَلى اْلَك ْع َبْي ِن َو ِإن ُك نُتْم ُج ُنًب ا‬
‫َفاَّط َّهُر وْا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ى َأْو َع َلى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو الَمْس ُتُم الِّن َس اء َفَلْم َت ِج ُد وْا َم اء َفَت َيَّمُم وْا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا‬
‫َفاْمَس ُح وْا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك م ِّم ْن ُه َم ا ُيِر يُد ُهَّللا ِلَيْج َع َل َع َلْي ُك م ِّم ْن َح َر ٍج َو َلِكن ُيِر يُد ِلُيَط ِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم ِنْع َم َت ُه َع َلْي ُك ْم َلَع َّلُك ْم ‪ .‬المائدة ‪)6‬‬
‫وتأمل كلمة الصالة في " َال َت ْق َر ُبوْا الَّص الَة " " ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص الِة " أي الصالة المعروفة لديكم وعليكم قبل أن تقومون لها أن‬
‫تتطهروا لها‪ ،‬أو بالمصطلح الفقهي "الوضوء " فالصالة معروفه أما الغسل والطهارة قبل الصالة فهو شيء جديد نزل تشريعه‬
‫‪.‬ألول مرة‬
‫‪.‬وفرض هللا تعالى القتال على المؤمنين في المدينة بعد الهجرة *‬
‫والهجرة نفسها نوع من الجهاد‪ ،‬إذ أنه سفر فيه مطاردة وضرب في األرض شديد‪ ،‬والمؤمن في حال الهجرة والقتال مطالب‬
‫بالصالة ألن الصالة كانت على المؤمنين ـ قديما وحديثا ت كتابا موقوتا أي فرضا يؤدى بتوقيته كل يوم‪ .‬وعليه كان البد أن‬
‫‪.‬ينزل تشريع خاص للصالة في وقت الخوف أثناء الهجرة والقتال‬
‫وحين نزل تشريع صالة الخوف نزل مفصال يتحدث ألناس يعرفون الصالة معرفة اليقين‪ ،‬وجاء الحديث عن صالة الخوف في‬
‫سورة النساء (‪100‬؛‪ )103‬ويبدأ بالهجرة وما فيها من مشاق وإمكانية الموت أثناءها { َو َم ن ُيَه اِجْر ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َي ِج ْد ِفي‬
‫اَألْر ِض ُمَر اَغ ًم ا َك ِثيًر ا َو َس َع ًة َو َم ن َي ْخ ُرْج ِمن َبْي ِتِه ُمَه اِجًر ا ِإَلى ِهَّللا َو َر ُس وِلِه ُثَّم ُي ْد ِر ْك ُه اْلَمْو ُت َفَق ْد َو َقَع َأْج ُر ُه َع َلى ِهَّللا َو َك اَن ُهَّللا‬
‫‪َ.‬غ ُفوًر ا َّر ِحيًم ا }‬
‫ثم يتحدث المولى تعالى عن نوعية السفر التي تستلزم قصر الصالة { َو ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي اَألْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأن َت ْق ُصُر وْا‬
‫ِمَن الَّص الِة ِإْن ِخْف ُتْم َأن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وْا ِإَّن اْل َك اِفِر يَن َك اُنوْا َلُك ْم َع ُد ًّو ا ُّم ِبيًن ا) ثم توضح اآليات التالية طريقة الصالة في الركعة‬
‫الواحدة والتعديل الذي يالزم ظروف المواجهة مع العدو حين الصالة " َو ِإَذ ا ُك نَت ِفيِهْم َفَأَقْم َت َلُهُم الَّص الَة َفْلَت ُقْم َط اِئَف ٌة ِّم ْن ُهم َّمَع َك‬
‫َو ْلَي ْأُخ ُذ وْا َأْس ِلَح َت ُهْم َفِإَذ ا َس َج ُد وْا َفْلَي ُك وُنوْا ِمن َو َر اِئُك ْم َو ْلَت ْأِت َط اِئَف ٌة ُأْخ َر ى َلْم ُيَص ُّلوْا َفْلُيَص ُّلوْا َمَع َك َو ْلَي ْأُخ ُذ وْا ِح ْذ َر ُه ْم َو َأْس ِلَح َت ُهْم َو َّد‬
‫اَّلِذيَن َك َفُر وْا َلْو َت ْغ ُفُلوَن َع ْن َأْس ِلَح ِتُك ْم َو َأْم ِتَع ِتُك ْم َفَي ِميُلوَن َع َلْي ُك م َّمْي َلًة َو اِحَد ًة َو َال ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم ِإن َك اَن ِبُك ْم َأًذ ى ِّم ن َّم َط ٍر َأْو ُك نُتم‬
‫َّمْر َض ى َأن َت َض ُع وْا َأْس ِلَح َتُك ْم َو ُخ ُذ وْا ِح ْذ َر ُك ْم ِإَّن َهَّللا َأَع َّد ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اًب ا ُّم ِه يًن ا َفِإَذ ا َقَضْي ُتُم الَّص الَة َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا ِقَي اًم ا َو ُقُع وًدا َو َع َلى‬
‫‪ُ.‬ج ُنوِبُك ْم َفِإَذ ا اْط َم ْأَن نُت ْم َفَأِقيُم وْا الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى اْل ُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت اًب ا َّمْو ُقوًت ا " النساء ‪102 ،103 ،101 ،100‬‬
‫واضح في اآليات أن قصر الصالة يكون فقط في حالة السفر المرتبط بالخوف " ِإْن ِخْف ُتْم َأن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وْا " وان القصر‬
‫من الصالة الكاملة المعتادة المعروفة‪ ،‬وأن مقدار الركعات التي تقصر من الصالة متروك حسب ظروف المواجهة ‪ .‬والتفصيالت‬
‫كافية هنا في توضيح ذلك التشريع الجديد بحيث ال يحتاج إلى إضافة أو استفهام‪ ،‬فمثال ال بد من كتبية حراسة تحمل السالح‬
‫وتحمى الفريق الذي يصلى خصوصا عند السجود‪ ،‬وبعد أن تنهى صالة القصر يتبادلون المواقع فيصلى الحراس ويقوم‬
‫اآلخرون بالحراسة‪ ،‬والبد من التمسك بالسالح إال في حالة الضرورة في المطر أو المرض‪ .‬وبعد انتهاء صالة القصر هذه ينبغي‬
‫أن يعوض القصر فيها باالستمرار في ذكر هللا قياما وقعودا ونياما‪ ،‬ثم إذا زالت حالة الخوف تقام الصالة الكاملة في أوقاتها‬
‫‪.‬المعروفة‬
‫ثم تأتى آية أخرى في سورة البقرة تضيف تفصيال آخر لصالة الخوف " َح اِفُظ وْا َع َلى الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وْا ِهَّلِل‬
‫)َقاِنِتيَن َفِإْن ِخْف ُتْم َفِر َج اًال َأْو ُر ْك َب اًن ا َفِإَذ ا َأِمنُتْم َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك م َّم ا َلْم َتُك وُنوْا َت ْع َلُم وَن } البقرة ‪238‬‬
‫ففي حالة الخوف من العدو أو الخوف من ضياع وقت الصالة أو عندما تتعذر الصالة بالطريقة المعتادة وأنت راكب على بعير أو‬
‫طائرة أو سيارة ـ يأتي تشريع جديد آخر بالتفصيل‪ ،‬فتصلى كيفما اتفق مترجال أو راكبا‪ ،‬فإذا ذهب الخوف فالبد من ذكر هللا‬
‫‪.‬قياما وقعوا ونياما وإقامة الصالة لذكره تعالى فاهلل تعالى هو الذي علمهم ذلك التشريع الجديد الذي لم يكونوا يعلمونه‬
‫ـ لقد شملت تفصيالت القرآن كل شيء يحتاجه المؤمن في حياته حتى من اآلداب الراقية الحضارية أو ما يعرف اآلن ‪8‬‬
‫‪.‬باالتيكيت‪.‬من آداب الكالم و التحية والسالم إلى آداب المشي أو السير والطعام‬
‫في آداب الطعام‬
‫َأ‬ ‫َأل‬
‫قال تعالى ‪َ( :‬لْيَس َع َلى ا ْع َم ى َح َر ٌج َو ال َع َلى ا ْع َر ِج َح َر ٌج َو ال َع َلى اْلَم ِر يِض َح َر ٌج َو ال َع َلى نُفِس ُك"> وحتى في رفع الصوت‬ ‫َأل‬
‫‪:‬أو خفوته تأتى التفصيالت في العبادة والدعاء‬
‫ًّي‬ ‫َخ‬ ‫َن‬ ‫ْذ‬
‫فال بد أن يكون الدعاء خفيا بدون صوت مسموع مثلما فعل زكريا عليه السالم‪ِ( :‬إ اَدى َر َّب ُه ِنَداء ِف ا) مريم ‪ ) 3‬أما نحن فال‬
‫يقنصر األمر على الصياح بالدعاء بل يتعداه الى السخرية باهلل تعالى فبدال من أن يكون الدعاء بكاءا وتضرعا نجعله غناء‬
‫ورقصا‪ ،‬أي نتعدى على جالل هللا تعالى بتحويل عبادة الدعاء إلى لهو ولعب متناسين قوله تعالى في تشريع الدعاء‪( :‬اْد ُع وْا‬
‫َر َّب ُك ْم َت َض ُّر ًع ا َو ُخ ْف َي ًة ِإَّن ُه َال ُيِحُّب اْلُمْع َت ِديَن ) وفى تشريع ذكر هللا تعالى (َو اْذ ُك ر َّر َّب َك ِفي َن ْف ِس َك َت َض ُّر ًع ا َو ِخيَف ًة َو ُدوَن اْلَج ْه ِر ِمَن‬
‫اْلَق ْو ِل ِباْلُغ ُد ِّو َو اآلَص اِل َو َال َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن ) األعراف ‪ ) 205 & 55‬أما الصالة فال مجال فيها للجهر كما نفعل باستخدام‬
‫) الميكروفونات ‪ ،‬يقول تعالى ‪َ( :‬و َال َت ْج َهْر ِبَص الِتَك َو َال ُتَخ اِفْت ِبَه ا َو اْب َت ِغ َبْي َن َذ ِلَك َس ِبيًال ) اإلسراء ‪110‬‬
‫) وحتى في الحديث العادي ال يصح أن ترفع صوتك‪َ( :‬و اْغ ُضْض ِمن َص ْو ِتَك ِإَّن َأنَك َر اَألْص َو اِت َلَص ْو ُت اْلَح ِميِر ) لقمان ‪19‬‬
‫‪:‬وفى المشي والسير هناك آداب قرآنية‬
‫فال يصح التعاظم والسير بخيالء‪ ،‬ومصطلح المرح يعنى تلك النوعية من االستكبار في السير والغرور في الحركة كان يقول‬
‫تعالى‪َ( :‬و َال َت ْم ِش ِفي اَألْر ِض َمَر ًح ا ِإَّن َك َلن َتْخ ِر َق اَألْر َض َو َلن َت ْب ُلَغ اْلِجَب اَل ُط وًال) اإلسراء ‪ ) 37‬وقال تعالى عن بعض‬
‫المستكبرين من مدعى العلم‪َ( :‬ث اِنَي ِع ْط ِفِه) الحج ‪ ) 9‬وهو وصف حركي يصور الذي يتحدث مع الناس متعاليا عليهم‪ .‬ونحوها‬
‫) قوله تعالى‪َ( :‬و ال ُتَص ِّعْر َخ َّد َك ِللَّن اِس َو ال َت ْم ِش ِفي اَألْر ِض َمَر ًح ا ِإَّن َهَّللا ال ُيِحُّب ُك َّل ُم ْخ َت اٍل َفُخ وٍر ) لقمان ‪18‬‬
‫أما شان المؤمن فهو السير على األرض هونا معرضا عن الجاهلين محسنا لهم ما استطاع ‪َ( :‬و ِع َب اُد الَّر ْح َم ِن اَّلِذيَن َيْم ُشوَن َع َلى‬
‫اَألْر ِض َه ْو ًن ا َو ِإَذ ا َخ اَط َبُهُم اْلَج اِه ُلوَن َقاُلوا َس الًم ا ) الفرقان ‪ ) 63‬او أن يمشى بقصد أي باعتدال عارفا أين يذهب محتسبا خطاه‬
‫) في سبيل مواله جل وعال ‪َ( :‬و اْق ِص ْد ِفي َم ْش ِيَك) لقمان ‪19‬‬
‫آداب التحية‬
‫ال تقتصر على المحسن من الناس بل تشمل أيضا الرد على صاحب اللغو بإلقاء كلمة السالم وهى تحية اإلسالم‪ .‬على أنه إذا‬
‫حياك احد بأي لغة أو أي مصطلح فالواجب عليك رد التحية بأحسن منها سواء كان الذي حياك مسلما أم غير مسلم‪ ،‬تعرفه أو ال‬
‫) تعرفه‪َ( : .‬و ِإَذ ا ُحِّي يُتم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وْا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها ِإَّن َهَّللا َك اَن َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِس يًب ا ) النساء ‪86‬‬
‫والتحية ليست فقط من القادم الواقف على الجالس القاعد بل هي أيضا يقولها الجالس للقادم عليه ن وهذا أمر وجهه هللا تعالى‬
‫للنبي محمد عليه السالم في تعامله مع المؤمنين‪َ( :‬و ِإَذ ا َج اَء َك اَّلِذيَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبآَي اِتَن ا َفُقْل َس الٌم َع َلْي ُك ْم َكَت َب َر ُّب ُك ْم َع َلى َن ْف ِس ِه‬
‫) الَّر ْح َم َة َأَّن ُه َم ن َع ِم َل ِمنُك ْم ُس وًء ا ِبَج َه اَلٍة ُثَّم َت اَب ِمن َبْع ِدِه َو َأْص َلَح َفَأَّن ُه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم) األنعام ‪54‬‬
‫ـ ما سبق هو مجرد أمثلة لتفصيالت القرآن الكريم في اآلداب العامة في الحياة االجتماعية‪ ،‬لم يكن للعرب معرفة بها فجاءت ‪9‬‬
‫تفصيالتها واضحة‪ ،‬والصالة أعظم فريضة إسالمية‪ ،‬يكفى في بيان قدرها أن يقال عن الخاسر يوم القيامة‪َ( :‬فال َص َّد َق َو ال‬
‫‪َ.‬ص َّلى) القيامة ‪ ) 31‬فالتصديق هو اإليمان‪ ،‬أما العمل الصالح فقد جاء التعبير عنه بالصالة‬
‫إذا كانت الصالة بهذه األهمية فهل تتناساها تفصيالت القرآن وتذكر اآلداب االجتماعية في السير والحديث والتحية‬
‫واالستئذان ؟‬
‫وهكذا تأتى تفصيالت القرآن تشرح التشريع الجديد وتنبه على ما يحدث من خلل في أداء الصالة‪ .‬أما ما هو واضح من ركعات‬
‫الصالة وأوقاتها فمن الهزل تشريعه لمن يعرفونه ويؤدونه‪ .‬أما أولئك الذين يحاولون تكذيب المولى عز وجل في قوله تعالى َّم ا‬
‫َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء " فلن تنفع معهم حجة وال برهان ألنهم يسعون في آيات هللا معاجزين وموعدنا معهم أمام هللا تعالى‬
‫‪) .‬يوم القيامة‪َ ":‬و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن ‪ ...‬سبأ ‪38‬‬
‫الباب الثانى ‪ ( :‬الخلفاء الفاسقون وصالتهم الشيطانية ) ج‪١‬‬

‫تمهيد منهجى عن الصالة فى تاريخ المسلمين وفى تشريعاتهم‬

‫المشكلة المنهجية فى بحث التراث ـ منهج البحث فى هذا الكتاب ـ الخلفية التاريخية للمصادر التراثية ـ لمحة عن الكتابات(‬
‫) التاريخية والطبقات الكبرى البن سعد ــ التسجيل التاريخى للصالة عند المسلمين ـ لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية‬

‫أوال ‪:‬المشكلة المنهجية فى بحث التراث‬

‫ـ أهم مشكلة منهجية فى الدراسات االسالمية هى التعامل مع المصادر‪ .‬أغلبية الباحثين يخلط بين الحقائق القرآنية المطلقة ‪1‬‬
‫وبين روايات التراث وأحاديثه التى كانت تسميتها األصلية ‪ :‬أخبار وروايات‪ .‬هذه التسمية‪ ( :‬أخبار وروايات )هى فصل الخطاب‬
‫‪.‬فى موضوعنا‬
‫ــ فى عصر االزدهار العلمى لحضارة المسلمين كان علماء الحديث يطلقون على تلك األحاديث مصطلح ( الخبر) والخبر ‪2‬‬
‫عندهم هو الذى يحتمل الصدق والكذب‪ ،‬وألن األصل فيه الشك وليس اليقين فقد كانوا يجعلون له اسنادا عبر أجيال من الرواة‬
‫ليحاول أن يؤكد صحته‪ .‬وهذا االسناد ال يعطى ذلك الحديث صفة اليقين ألن هناك مطاعن ضد الرواة واختالفات فى مدى‬
‫صدقيتهم وحفظهم وأمانتهم فى النقل‪ .‬وال يوجد اتفاق عام على توثيق راو أو تضعيف راو آخر حسبما قال االمام الذهبى فى‬
‫كتابه ( ميزان االعتدال )‪ .‬ولذلك كان علماء الحديث يقولون ان تلك األحاديث تفيد الظّن وال تفيد اليقين‪ .‬أى مجرد أخبار تحتمل‬
‫الصدق والكذب ‪ ،‬وبالتالى ليست جزءا من الدين ألن الدين ال بد أن يكون يقينيا من عند هللا تعالى ‪ ،‬وهذا ال يتأتى اال فى القرآن‬
‫فقط ‪ .‬وقد قالوا ايضا ان العقائد أوالسمعيات ال تؤخذ اال من القرآن ألنها تدخل ضمن االيمان وال بد لاليمان أن يكون مصدره‬
‫‪.‬يقينيا‬
‫ـ وفى عصر االزدهار الفكرى بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر ـ اى فى العصر العباسى األول ـ عاش أئمة الحديث والفقه‪3 .‬‬
‫لم يكونوا يقولون مباشرة ( قال رسول هللا ) وانما يقولون ( روى فالن عن فالن عن ‪ ..‬ان رسول هللا قال ‪ ) ..‬أى يؤكدون انها‬
‫رواية بشرية وليست قوال مباشرا مؤكدا قاله النبى بنفسه لمن كتب ذلك الحديث‪ .‬وبعضهم كان يختصر فيقول بطريقة المبنى‬
‫للمجهول ( روى أن رسول هللا قال ‪ )..‬هو يؤكد نفس المعنى من أنها مجرد رواية متناقلة عبر رواة متعددين مختلفين فى‬
‫‪.‬الزمان والمكان‬
‫ـ وفى عصر التقليد والجمود بدءا من القرن السابع الهجرى عكف الالحقون على كتب السابقين يشرحونها ويلخصون الشرح ‪4‬‬
‫ويجعلونه مختصرا موجزا ثم يحولون المختصر الى متن ثم يعيدون شرح المتن‪ .‬وبذلك تقهقرت الحركة العلمية من تقليد الى‬
‫جمود الى تأخر ‪ ،‬وذلك من بداية العصر المملوكى الى أواخرالعصر العثمانى‪ .‬وبالتالى تحولت كتب العلماء السابقين الى أسفار‬
‫مقدسة ـ مع اختالفها والشقاق بين مؤلفيها ـ وتحول أولئك األئمة الى أنصاف آلهة ال يجوز االعتراض عليهم أو مناقشة آرائهم‪.‬‬
‫واألهم من ذلك أن روايات األخبار عن النبى أصبحت بالتقليد األعمى وغيبة العقل والنقد جزءا أساسا من الدين ‪ .‬وأصبح ال يقال‬
‫( روى فالن عن فالن عن أن رسول هللا قال ) بل يقال على وجه التأكيد ومباشرة ( قال رسول هللا ) او يقال ‪( :‬روى البخارى‬
‫أن رسول هللا قال) كما لو أن البخارى كان صاحبا مالزما للنبى محمد عليه السالم وسمع منه مباشرة‪ .‬والبخارى اكتسب قدسية‬
‫‪.‬مرعبة ترهب من يفكر فى مناقشة أحاديثه‬
‫ــ ثم جاء عصر الصحوة التى بدأها االمام محمد عبده وحملها فى رحالته الى تونس والجزائر وغيرها ‪ ،‬واقترنت هذه ‪5‬‬
‫الصحوة الدينية بتوجهات سياسية وفكرية ليبرالية فى مصر وغيرها ‪ ،‬وكان مأموال أن تثمر هذه الحركة نهضة اصالحية تعيد‬
‫االسالم الى المسلمين وتعيد المسلمين الى االسالم لوال ظهور الدولة السعودية بفكرها الوهابى الذى استرجع أردأ انواع الفكر‬
‫السلفى وأشده تعصبا وتخلفا وجمودا وظالمية‪ .‬وقام قطار النفط بنشر الوهابية على أنها االسالم ‪ ،‬وأيدته ظروف محلية‬
‫واقليمية ودولية فانتشر وساد ‪ ،‬واسفر فى النهاية عن اتهام االسالم باالرهاب والتخلف والجمود‪ .‬وهذا ما نعانيه اآلن وما‬
‫‪.‬يستوجب االصالح‬
‫ـ ومن مالمح هذا التخلف الوهابى المسيطر أنه أعاد منهج العصر العثمانى فى التفكير‪ ،‬وهو العصر الذى عاش فيه محمد بن ‪5‬‬
‫عبد الوهاب‪ ،‬فلم يعد يقال ‪ :‬روى فالن عن فالن عن أن رسول هللا قال ‪ ،‬بل أصبح أحدهم يقول بجرأة ‪ :‬قال رسول هللا‪ ،‬كما لو‬
‫كان جالسا مع النبى للتو واللحظة ‪ ..‬ولم يعد يقال انها " اخبار " أو انه (خبر ) عن النبى ‪ ،‬بل أصبح يعرف بأنه حديث تحدث‬
‫‪.‬به النبى على وجه اليقين فأصبح جزءا من الدين‬
‫‪ :‬ـ بناء على هذه البلوى فاننا نعانى ‪6‬‬
‫من خلط مستمر فى المنهج بين حقائق القرآن وأقاويل التراث المنسوبة للنبى‪ .‬فالعلماء التقليديون ومن سار على ‪6 / 1 :‬‬
‫نهجهم من محترفى الكتابة فى الدين ـ بدون علم وال هدى وال كتاب منير ـ يخلطون بين حقائق القرآن وأكاذيب التراث وأقاويله‪،‬‬
‫يخلطون بين الحقيقة القرآنية المطلقة وأخبار التراث البشرية التى ـ ان صدقت ـ فالصدق فيها احتمال كما أن الكذب فيها احتمال‬
‫‪.‬آخر ‪ ،‬وكالهما وارد‬
‫وزاد الطين بلة ـ كما يقولون ـ أنهم ألحقوا التاريخ باألحاديث‪ ،‬مع أن كل دارس للتاريخ ال بد ان يبدأ بمنهجية األحكام ‪6 / 2 :‬‬
‫النسبية لكل روايات التاريخ ووقائعه‪ ،‬سواء كانت اقواال أو كانت أحداثا بسيطة أو مركبة ‪ ،‬وسواء كان الراوى أو المؤرخ‬
‫‪ .‬معاصرا للحدث ناقال عنه من واقع المشاهدة والرؤية العيانية أو كان ناقال عن السابقين من المؤرخين‬
‫تتضح البلوى أكثر لدى من يكتب فى االسالميات بدون علم ‪ ،‬أو بمجرد الهواية والجرأة الهائلة على االبحار فى هذا‪6 / 3 :‬‬
‫المحيط دون استعداد عقلى وثقافة ومعرفة وعلم بالمناهج البحثية ‪ .‬ترى أحدهم ال يكتفى بالكتابة فيما ال يعرف وفيما ال يفقه بل‬
‫ويتصدى لنا مناطحا صائحا ويجد خلفه األتباع وسقط المتاع يؤيدونه ويزايدون على جهله جهال‪ .‬وأساس الجهل عندهم هو ذلك‬
‫الخلط بين حقائق القرآن المطلقة وأخبار التراث ‪ ،‬ورفعهم أخبار التراث الى مستوى حقائق االسالم القرآنية‪ .‬قد أكتب بحثا‬
‫أستشهد فيه بآيات القرآن الكريم وببعض أخبار التراث وأحداث التاريخ فترى هؤالء وقد تراءى لهم اننى وقعت فى مأزق‬
‫فيتساءلون ‪ :‬اذا كان ينكر األحاديث فلماذا يستشهد بها ؟ أواذا كان ينكر التراث فلماذا يستشهد بأحداثه ؟‬
‫ـ أننى انكر نسبة تلك األحاديث للنبى محمد عليه السالم‪ .‬انكرها ايمانيا كمسلم يكتفى باهلل تعالى ربا وبالقرآن كتابا ‪،‬ومعى ‪7‬‬
‫أدّلتى من القرآن الكريم ‪ ،‬وقد فّص لت القول فى ذلك فى كتاب ( القرآن وكفى )‪ ،‬وانكر نسبة هذه األحاديث للنبى محمد كباحث‬
‫متخصص فى التراث وفى البحث التاريخى ‪ .‬وقد فّص لت نقد االسناد ( أى اسناد الحديث للنبى محمد ) فى بحث منشور عن‬
‫االسناد‪ .‬انكارى نسبة تلك األحاديث للنبى محمد يعنى أنها ليست جزءا من االسالم الذى اكتمل بالقرآن‪ .‬ومعنى انكارى نسبتها‬
‫للنبى محمد اننى أراها معبرة فقط عن ثقافة المسلمين فى العصر الذى تمت كتابتها فيه‪ ،‬وأراها معبرة عن ثقافة مؤلفها ‪،‬‬
‫فصحيح البخارى يعبر عن عقلية البخارى بمثل ما يعبر كتابى هذا عن ثقافتى وعصرى وعقليتى‪ .‬وفى النهاية فهو جهد بشرى‬
‫‪.‬يؤخذ منه ويرّد عليه‬
‫ـ وهذا األخذ والرد والقبول والرفض ليس عشوائيا أو انتقائيا أو بمجرد الهوى او بدافع التحامل أو الجهل ‪ .‬بل له منهج ‪8‬‬
‫علمى فى البحث‪ ،‬وقد شرحته بالتفصيل فى كتبى التى كانت مقررة فى جامعة األزهر قسم التاريخ والحضارة االسالمية ‪ ،‬ومنها‬
‫كتب ‪ (:‬البحث فى مصادر التاريخ الدينى‪ :‬دراسة عملية) ( اسس البحث التاريخى ) ‪ ،‬و(التاريخ والمؤرخون ‪ :‬دراسة فى تاريخ‬
‫‪.‬علم التاريخ) ( والتاريخ والمؤرخون ‪ :‬دراسة فى المادة التاريخية )‬
‫هناك منهج يستطيع به الباحث قبول رواية تاريخية ورفض أخرى ‪ ،‬يستطيع به فحص الروايات اذا كانت متشابهة أو متعارضة‬
‫أو متداخلة‪ ،‬ومنهج يستطيع به فحص الرواة والمؤرخين ومدى مصداقية أحدهم اذا كان ناقال عن الغير أو ناقال بنفسه عن‬
‫عصره ‪ ..‬والحديث يطول فى منهجية البحث التاريخى وطبيعة المادة التاريخية ومناهج المؤرخين السابقين ومصطلحاتهم‪ ..‬وفى‬
‫النهاية فان مصداقية الباحث التاريخى والتراثى ترتبط بمدى كفاءته العلمية ومدى حياده ونزاهته وتقواه‪ .‬وفى النهاية أيضا فان‬
‫ما يتوصل اليه الباحث من بحثه التاريخى ( فى تلك األخبار التراثية والتاريخية التى تحتمل الصدق والكذب ) ليس سوى وجهة‬
‫‪.‬نظر شخصية ‪ ،‬وليس أبدا حقائق مطلقة‪ ،‬ألن الحقائق المطلقة ال توجد اال فى القرآن الحكيم وحده‬
‫ـ ما نستنبطه من القرآن الكريم وما نختاره من ( اخبار ) التراث والتاريخ هو عمل بشرى غير معصوم من الخطأ ‪ ،‬تكون ‪9‬‬
‫جودته بقدر ما فيه من جهد عقلى وابداع بحثى واستدالل علمى ‪ .‬وألنه عمل بشرى فانه يحمل اسم المؤلف‪ ،‬سواء كان المؤلف‬
‫هو البخارى او أى فالن من الناس‪ .‬أما القرآن العظيم فليس له مؤلف من الناس ‪.‬أنه كتاب رب العالمين جل وعال ‪ ،‬لذا فال‬
‫‪.‬يصح مساواته بكتب البشر‬
‫ـ هذا عن المناهج عامة ‪ ،‬فكيف بتطبيقها فى هذا الكتاب عن الصالة بين القرآن الكريم والمسلمين ؟ ‪10‬‬
‫ثانيا ‪ :‬منهج البحث فى هذا الكتاب‬
‫ـ بدأ الكتاب فى بابه األول ببحث الصالة فى القرآن الكريم أساسا‪ ،‬أى ال بد أن يكون القرآن الكريم هو مرجعيته حين نبحث ‪1‬‬
‫عن مالمح الصالة فى القرآن الكريم‪ .‬ولهذا البحث عن الصالة فى القرآن منهجية ‪ ،‬أذ أن للقرآن الكريم منهجه الخاص فى ايراد‬
‫القصص وفى االشارات العلمية وفى الدعوة وفى الحوار‪ ،‬وله منهجه الخاص فى التشريع عموما ‪ ،‬و فى تشريع ملة ابراهيم‬
‫‪.‬خصوصا‪ ،‬وهذا ما أوضحناه فيما سبق فى هذا الكتاب‬
‫ـ بعده هذا المبحث الذى يتتبع الصالة فى تراث المسلمين وفى تاريخهم بعد نزول القرآن الكريم‪ .‬هنا ال بد من االعتماد على ‪2‬‬
‫المصادر البشرية من كتب الفقه والحديث‪ ،‬وكتب التاريخ التى أّر خت للقرنين األول والثانى بعد الهجرة ‪ .‬وكلها موجودة‬
‫ومنشورة ومشهورة‪ .‬بالطبع ليست سوى روايات وأخبار وأحداث وآراء بشرية ألفراد تحتمل الصدق والكذب ‪ .‬بعضها قالها‬
‫أصحابها بأنفسهم أو نسبوها كذبا للنبى محمد عبر االسناد الذى نرفضه دينا وعلما‪ ،‬ونرى ان تلك األحاديث انما هى آراء‬
‫‪.‬ألصحابها حملت اسم النبى بعد موته بقرن وأكثر زورا وبهتانا‬
‫ـ هذه المصادر الفقهية والحديثية والتاريخية نحتكم فيها للقرآن الكريم ‪ ،‬ومروياتها تخضع للمنهجية العلمية الصارمة ‪ ،‬فهى ‪3‬‬
‫روايات ورؤى بشرية تحتمل الخطأ والصواب والصدق والكذب وهى مقطوعة الصلة باالسالم ألنها جهد لمؤلفيها من المسلمين‬
‫ومعبرة عنهم وليس عن االسالم العظيم الذى اكتمل بالقرآن الكريم‪ .‬وما نصل اليه من آراء واجتهادات ليست هى األخرى‬
‫‪.‬معصومة من الخطأ ‪ ،‬مهما تعاظم المبذول فيها من الجهد‬
‫ثالثا ‪ :‬الخلفية التاريخية للمصادر التراثية‬
‫ـ الفتوحات أو الغزو العربى وتكوين امبراطورية عربية تحمل اسم االسالم ‪ ،‬هو المفتاح لفهم الخلفية التاريخية لتراث ‪1‬‬
‫‪.‬المسلمين‬
‫ـ انشغل العرب بالفتوحات والنزاع السياسى والعسكري خالل فترتى الراشدين واألمويين ‪ ،‬ولم يكونوا فى األصل أصحاب ‪2‬‬
‫حضارة سابقة أو من األمم ذات الشهرة فى الكتابة والتدوين‪ .‬كانت األمم المفتوحة ذات ارث حضارى متصل ومكتوب‪ ،‬وقد‬
‫تعامل العرب معهم ـ خصوصا فى الدولة األموية ـ على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ‪ ،‬فكان لقبهم السائد ( موالى ) أى‬
‫‪.‬األتباع والخدم والعبيد‪ ،‬سواء منهم من كان رقيقا أو كان حرا فى بالده‪ ،‬اذ كان يدفع الجزية حتى لو أسلم‬
‫ـ فى وقت انشغال العرب بالفتوحات والفتن والحروب األهلية والفتن والمكائد السياسية نشأ جيل جديد من الموالى خدم كبار ‪3‬‬
‫الصحابة ونقل حكاياتهم ‪ ،‬وكانت لهم خلفية علمية لم تكن موجودة لدى العرب ‪ ،‬وكان العلم سبيلهم فى التميز االجتماعى فى‬
‫مواجهة أسيادهم العرب كما كانت المبالغة فى التدين باالسالم وترك الدنيا بدعوى الزهد طريقة بعضهم فى المزايدة الدينية‬
‫‪.‬على العرب المسلمين الذين تنازعوا وسفكوا فى سبيل حطام الدنيا الدماء البريئة التى حرمها هللا تعالى‬
‫ـ أولئك الموالى وأبناؤهم كانوا قادة الحركة العلمية فى العصر األموى‪ ،‬خصوصا بعد موت المتأخرين من الصحابة مثل خادم ‪4‬‬
‫النبى الصحابى أنس بن مالك الذى توفى بالبصرة سنة ‪ 92‬عن عمر يناهز ‪ 99‬عاما‪،‬وهو آخر من توفى من الصحابة‬
‫بالبصرة ‪ ،‬وعبد هللا بن أوفى ت ‪ 86‬وعبد هللا بن الزبير ‪ 73‬وابن عمرو ‪ 65‬وابن عمر ‪ 74‬وابن عباس ‪ . 68‬جاء بعدهم من‬
‫خدمهم من الموالى مثل سالم مولى عبد هللا بن عمر ‪ ،106‬و عكرمة مولى ابن عباس الذى اخترع حديث ‪( :‬من بّد ل دينه‬
‫‪.‬فاقتلوه ) والتفاصيل فى كتابنا ‪ ( :‬حد الردة )‬
‫ـ ينقل إبن الجوزى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قوله ) لما مات العبادلة " عبد هللا بن عمر وعبدهللا بن عمرو و عبد ‪5‬‬
‫هللا بن عباس وعبد هللا بن الزبير" صار الفقه فى جميع البالد الى الموالى ‪ ،‬فكان فقيه أهل مكة عطاء بن رباح ‪ ،‬وفقيه أهل‬
‫اليمن طاووس ‪ ،‬وفقيه أهل اليمامة يحيى ابن كثير ‪ ،‬وفقيه أهل البصرة الحسن البصرى ‪ ،‬وفقيه أهل الشام مكحول ‪ ،‬وفقيه أهل‬
‫خراسان عطاء الخراسانى ‪ ،‬إال المدينة فان هللا تعالى خصها بقرشى فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع )‬
‫‪ ( :‬تاريخ المنتظم ‪ 319 : 6‬ـ ‪ .) 320‬ونقول تعليقا على هذه الرواية‬
‫هذه الرواية تجاهلت مشاهير الفقهاء من الموالى مثل سعيد بن جبير ت ‪ 95‬والشعبى ت ‪ 104‬و مجاهد بن جبر ‪5 / 1 :‬‬
‫‪ 104‬وابن سيرين ‪ 110‬ومالك بن دينار ‪ 130‬وكلهم من العراق ‪ ،‬كما أنها تجاهلت مصر تماما ‪ ،‬و قد قاد الحركة الفقهية‬
‫فيها بعد سالم ( مولى ابن عبد هللا ابن عمرو بن العاص ) فقيه مشهور من الموالى هو الليث بن سعد المتوفى ‪ 175‬وكان‬
‫مولى لخالد الفهمى ‪ ،‬وكان الليث معاصرا ألبى حنيفة وأستاذا لمالك بن أنس فى المدينة‪ .‬وعن مدرسة المدينة فقد كان فقيهها‬
‫سعيد بن المسيب الذى ولد بعد سنتين من مقتل عمر ابن الخطاب ‪ ،‬ثم عاش ليدرك الدولة األموية معارضا سلميا لها الى أن‬
‫مات فى خالفة الوليد بن عبد الملك سنة ‪ ، 94‬وكان من أشهر تالمذته الزهرى ت ‪124‬الذى كان أستاذا لمالك ابن أنس ت‬
‫‪ .179‬كما أن مالك بن أنس كان أستاذه فى المدينة مولى ‪ ،‬وكان أعرف بالفقه والعلم منه ‪ ،‬إذ جمع بين الرأى والحديث إنه‬
‫فروخ ‪ ،‬أو ربيعة الرأى المتوفى سنة ‪ . 136‬إال أن العصبية العربية أشهرت مالك وتجاهلت فروخ ‪ ،‬أو ربيعة الرأى الذى كان‬
‫‪.‬أستاذا أيضا ألبى حنيفة فى مدرسة الرأى واالجتهاد‬
‫ابن الجوزى نقل الرواية السابقة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة ‪ ، 182‬أى كان معاصرا ألولئك األعالم ‪5 / 2 :‬‬
‫‪.‬الذين تجاهلهم‪ .‬وقد يكون هذا التجاهل مبعثه اختالف الرأى أو الحسد ‪ ،‬إذ لم تبلغ شهرة إبن أسلم أو علمه مبلغ أولئك األعالم‬
‫ـ جاء العباسيون للحكم بسيوف الفرس المسلمين من أتباع أبى مسلم الخراسانى ومساعدة من قبائل العرب القحطانية ‪6 ،‬‬
‫فتحولت الكفة الراجحة للموالى فتطرف بعضهم الى درجة الشعوبية وانتقاص العرب بل والطعن فى االسالم واصطناع االلحاد‬
‫والزندقة التى أصبحت ( موضة ) المثقفين وكتبة الدواوين العباسية ‪ ،‬وال بأس بها لدى الخالفة العباسية طالما يظل والء‬
‫الزنديق للدولة العباسية‪ ،‬فاذا كان متهما فى والئه عوجل بتهمة الزندقة وقتلته الدولة بحد الردة الذى اخترعوه لقتل خصوم‬
‫‪.‬الدولة باسم الشرع‪ ،‬على نحو ما أوضحنا فى كتب ( حد الردة ) و( الحسبة ) وغيرها‬
‫ـ واذا كان العصر األموى قد شهد بداية الحركة العلمية فى بساطتها وسذاجتها و شفهيتها فان العصر العباسى األول هو الذى ‪7‬‬
‫شهد ازدهارها وتدوينها وتشعبها وتنوعها وتعقيدها من العمومية الى التخصص ‪ .‬وبدا واضحا أن الحضارات السابقة فى‬
‫الرافدين والنيل قد تم بعثها وتلقيحها برؤي مستمدة من االسالم وناطقة بالعربية‪ .‬وكان لهذا التطور تأثيره فى الجزيرة العربية‬
‫‪.‬الموطن األول للرسالة االسالمية الخاتمة‬
‫ـ لقد تعقدت الحياة فى العصر العباسى خصوصا فى بيئات األنهار مثل العراق والشام ومصر ‪ ،‬بل ان دخول أبناء األمم ‪8‬‬
‫المفتوحة ـ أو الموالى ـ فى االسالم ومعيشة بعضهم فى الجزيرة العربية جعل الحياة الصحراوية البسيطة فى مكة والمدينة‬
‫أكثر تطورا‪ .‬والبيئات الصحراوية بالذات منغلقة رتيبة الحركة تعيش على التقليد وتنأى عن التطور‪ ،‬والمدينة ومكة كانتا معا‬
‫‪.‬أهم الحواضر فى صحراء الجزيرة العربية‬
‫ــ وبينما ظلت أهمية مكة سارية بالمسجد الحرام وظلت عالقتها بالتطور متجددة بالحج والعمرة فان المدينة لم تعد عاصمة ‪9‬‬
‫المسلمين بعد مقتل عثمان ‪ ،‬اذ تحولت العاصمة الى الكوفة ثم دمشق ‪ ،‬ثم بغداد ‪ ،‬وأنحسرت عن المدينة األضواء وتحول المال‬
‫والقوة واالهتمام الى العراق والشام ومصر‪ .‬ولم يعد للمدينة اال أن تعيش على ماضيها حين كانت عاصمة النبى محمد ومركز‬
‫القوة والسيطرة فى عهد الخلفاء ( الراشدين ) وكبار الصحابة‪ .‬من هنا تخصصت المدينة فى (حكى ) أو رواية تاريخ النبوة ‪،‬اذ‬
‫‪.‬هو تاريخ اآلباء واألجداد لمن عاش من ذرية الصحابة فى المدينة فى العصر العباسى‬
‫ـ وألنها بيئة ماضوية تعيش على الماضى المجيد وتنسب نفسها للنبى محمد وعصره فقد واجهتها مشكلة التأقلم مع ‪10‬‬
‫التطورات الجديدة اآلتية من البيئات النهرية ذات الحضارة القديمة من مصر والعراق وفارس والشام‪ .‬لم يكن متاحا االجتهاد‬
‫العقلى الصريح ألن البيئة تنكره وتنتصر للتقليد واالحتكام للماضى‪ .‬كان المتاح هو تغطية ذلك االجتهاد بنسبته للنبى محمد عليه‬
‫السالم ‪ ،‬أو لكبار الصحابة ‪ ،‬او لما كان يعرف بعمل أهل المدينة‪ .‬أى يقول أحدهم رأيا فال يجرؤ على نسبته لنفسه ‪ ،‬خشية‬
‫‪.‬السخط عليه فيسارع بنسبته للنبى أو ألحد كبار الصحابة‬
‫ـ هذا هو منهج االمام مالك الذى منع (أن يقول أحد فى االسالم برأيه )‪ ،‬وتلك مدرسة الحديث الحجازية التى واجهت مدرسة ‪11‬‬
‫الرأى فى العراق التى أنشأها أبوحنيفة ‪ .‬ثم ما لبثت مدرسة الحديث أن انتقلت الى العراق ومصر بالتطور الذى أحدثه فيها‬
‫‪.‬الشافعى‬
‫رابعا ‪ :‬لمحة عن الكتابات التاريخية والطبقات الكبرى البن سعد‬
‫ـ لسنا هنا فى معرض التحليل والشرح ‪ ،‬لكن نقرر بسرعة أن الكتابات التاريخية األساسية وهى (الحوليات) ـ التى تسجل ‪1‬‬
‫األحداث بالحول أو بالسنة ـ رّك زت اهتمامها على الصراع السياسى دون اهتمام كاف بالتطورات االجتماعية والدينية والتى‬
‫تشمل أخبارا عن كيفية تأدية العبادات ومنها الصالة‪ .‬اال أن هذا النقص تداركته ـ نسبيا ـ كتب ( الطبقات ) وهى التى تترجم أو‬
‫تؤرخ أساسا للعلماء والفقهاء والمشاهير‪ .‬وبدأ الفقيه المؤرخ محمد بن سعد ( ت ‪ ) 222‬ـ المعروف بكاتب الواقدى ـ هذا الفن‬
‫التاريخى بكتابه األشهر ( الطبقات الكبرى ) وهو عمدة هذا الفن وأقدم تاريخ متخصص ومفّص ل لطبقات الصحابة والتابعين‬
‫وتابعيهم‪ .‬ثم تنوعت بعده كتب الطبقات للفقهاء عموما ولفقهاء المذاهب ولألدباء والنحويين و المغنيين والشعراء‬
‫والمفسرين ‪ ...‬الخ‪ .‬واذا كان تاريخ الطبرى هو أهم كتب الحوليات على االطالق فان طبقات ابن سعد قد سبق الطبرى نفسه‬
‫بنحو قرن من الزمان ‪ ،‬وعنه أخذ الطبرى ( ت ‪ ) 310‬ثم ابن الجوزى ( ت ‪ ) 597‬نظام العنعنة فى اسناد الروايات‬
‫التاريخية ‪.‬وقد اعتمدنا أساسا على طبقات ابن سعد فيما جاء من اشاراته عن الصالة كما اعتمدنا على كتب الفقه النظرى وكتب‬
‫‪ .‬الحديث فى اعطاء لمحة عن الصالة فى تاريخ المسلمين بعد عصر النبوة الى صدر العصر العباسى‬
‫ـ وتاريخ ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) مؤسس وفق تنظيم زمنى ( طبقى ) ‪ ،‬يبدأ بالطبقة األولى من الصحابة المهاجرين ثم ‪2‬‬
‫األنصار حسب أسبقية الدخول فى األسالم ‪ ،‬ثم يتتبع تواجدهم فى األمصار من الكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط ثم من جاء‬
‫‪ .‬بعدهم من التابعين وتابعيهم حسب ترتيب الرواة فى الحديث المنسوب للنبى محمد عليه السالم‬
‫ـ وكالعادة اتبع محمد بن سعد تسجيل الروايت التاريخية بالسند والعنعنة وفق منهج المحدثين حتى فى تأريخه ألشخاص من ‪3‬‬
‫التابعين وتابعيهم ‪.‬وابن سعد هو المصدر األصلى واألساسى لمعظم من جاء بعده من المؤرخين الذين كتبوا فى نفس الفترة من‬
‫‪ ..‬عصر النبوة الى مطلع العصر العباسى‬
‫ـ وقد عاش ابن سعد فى خالفة المأمون ‪ ،‬وكان من زعماء الفقهاء والمحدثين الذين رفضوا رأى المعتزلة بأن القرآن مخلوق ‪4‬‬
‫وكان ضمن المضطهدين فى هذه الفتنة ‪ ،‬واضطر الى التراجع بينما ثبت على رأيه ابن حنبل وابن نوح ‪ .‬ومع أنه كان فقيها‬
‫محدثا صاحب رأى وموقف إال أنه كان ــ فى األغلب ــ منصفا فيما يكتب ‪ ،‬خصوصا وأنه لم يتعرض فى طبقاته للتركيز على‬
‫‪.‬موضوع خلق القرآن‬
‫ـ وقد دون ابن سعد الروايات المتداولة فى عهده – فى خالفة المأمون العباسى ـ عن أجيال الصحابة والتابعين الذين ماتوا فى ‪5‬‬
‫عصر النبوة والخلفاء الراشدبن واألمويين والعباسيين حتى عصره ‪ .‬وبعض هذه الروايات تشير إلى بعض انشطة الذين يؤرخ‬
‫لهمم وأقوالهم واألقاويل التى قيلت عنهم‪ .‬وخالل هذه الروايات يرد بين السطور إشارات عن الصالة والزكاة والحج والثياب‬
‫‪ .‬واللحى وتخضيبها وتنتهى بموت وجنازة من يؤرخ له‬
‫ـ وبعض اإلشارات التى ذكرها ابن سعد ( وغيره ) عن الصالة هى تصوير للواقع التاريخى لتأدية الصالة من حيث الشكل ‪6‬‬
‫ومن خاللها نفهم كيف تم استغالل الصالة سياسيا لصالح الحكم األموى ‪ .‬وكيف كانت صالة القوم وسيلة فى العصيان والبغى‬
‫والعدوان ‪ ،‬وجمعت بين المعاصى األخالقية من إنحالل خلقى و التطرف فى العبادة السطحية المظهرية ‪ .‬أى كانت ( صالة‬
‫شيطانية ) ‪ .‬الصالة إسالمية هى وسيلة للتقوى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ‪ ،‬أما الصالة الشيطانية فهى تبرير وتشجيع‬
‫مقدما على العصيان والظلم وسفك الدماء ‪ ،‬وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ثم إتبعهم األمويون‬
‫‪.‬ثم العباسيون والفاطميون والمماليك‬
‫ـ وبعض الروايات األخرى عن الصالة وغيرها كانت انعكاسا الختالفات فقهية ‪ ،‬فحاول كل فريق تأييد رأيه وتدعيمه بإسناده ‪7‬‬
‫للنبى محمد أو أحد كبار الصحابة ‪ ،‬خصوصا عمر وعلى ‪ ،‬أو بعض التابعين مثل الحسن البصرى ومكحول وعمر بن عبد‬
‫‪.‬العزيز‬
‫خامسا ‪ :‬التسجيل التاريخى للصالة عند المسلمين‬
‫ـ ودائما تتناقض كتب الحديث و التاريخ والفقه فيما بينها ‪ .‬وحتى فى داخل الكتاب الواحد وربما فى الصفحة الواحدة ‪ ،‬ومثال ‪1‬‬
‫فإن ابن سعد فى طبقاته الكبري يقول ‪ :‬عن عبد هللا ابن عمر انه كان يصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد ‪ ،‬ثم يروى رواية‬
‫اخرى تقول ان ابن عمر اعتاد فى منزله الوضوء لكل صالة والمصحف بينهما ( الطبقات الكبرى ‪ . )125 ،119 – 4‬ومهمة‬
‫الباحث أن يرجح الرواية الصحيحة بين الروايات المتناقضة بنقد المتن و السند ‪ ،‬وبالنظر الى روايات اخرى فى نفس‬
‫‪.‬الموضوع‪ ،‬وفى النهاية فإن كل ما يصل اليه الباحث هو مجرد وجهة نظر‪،‬والعلم الحقيقى بهذا الغيب عند هللا تعالى وحده‬
‫ـ ومن الطبيعى أن التسجيل التاريخى للصالة يختلف عن الكتابة الفقهية عن الصالة وغيرها ‪ .‬الكتابه الفقهية تكتب فى الفراغ ‪2‬‬
‫نظريا وتضع أحكاما ألحداث تفترض وقوعها على نسق من فعل كذا فهو واجب أو مكروه أو حرام ‪ .‬أما الكتابه التاريخية عن‬
‫‪ .‬الصالة وغيرها فهى فى األغلب تسجيل ما كان يحدث وكتابة ما كان يقال دون إعطاء حكم فقهى له‬
‫ـ وفى هذا البحث التاريخى عن الصالة فإن المادة التاريخية التى جمعناها هى التى تحدد مسار البحث ألن الباحث التاريخى ال ‪3‬‬
‫يفرض أمنياته على البحث وال يؤلف روايات من خياله وال ينتقى من الروايات ما يحلو له ‪ ،‬بل هو يدخل إلى الموضوع المراد‬
‫بحثه فى العصر التاريخى دون حكم مسبق ودون هوى أو غرض ‪ ،‬ليبحث كل الروايات الخاصة بموضوعه ‪ ،‬والقريبة منه‬
‫والتى تعطى خلفية لألحداث والقضايا األساسية فى بحثه‪ ،‬ويقرن ذلك بفهم عميق لكل نواحى العصر التاريخى الذى يأخذه مجاال‬
‫لبحث تلك الجزئية ‪ .‬وعموما فالروايات تتحدث عما هو كائن بالفعل وبالتالى فليس على الباحث سوى أن يجمع ما اتصل منها‬
‫فى موضوعه ثم يقوم بنقده وتحليله ‪ ،‬وإذا إستلزم عرضه على القرآن الكريم فال بد أن يفعل طالما هو يؤرخ لشعيرة دينية هى‬
‫‪ .‬الصالة‬
‫سادسا ‪ :‬لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية‬
‫بعد تلك اللمحة التاريخية نعطى القارىء فكرة سريعة على أنواع الكتابات الفقهية وصلتها بالواقع التاريخى الذى عاشه‬
‫‪.‬المسلمون لنتمكن من أن نتتبع ـ تاريخيا ـ كيف أّد ى المسلمون فريضة الصالة بعد انتهاء عصر النبوة‬
‫الفقه النظرى والشافعى‬
‫‪ ".‬الكتابات الفقهية الكالسيكية تأثرت بمنهج الشافعى ت ‪ 204‬فى كتابه الضخم (األم ) وبالقواعد التى وضعها فى " الرسالة‬
‫منهج الشافعى فى كتاباته الفقهية ( الفقه النظرى )‬
‫كان يبدأ بفكرة مسبقة ويحاول االستدالل عليها بإنتقاء اآليات القرآنية وتحريف معناها وبصناعة أحاديث تعضدها ‪ ،‬وبالرد‬
‫‪ :‬مقدما على خصومه المخالفين لرأيه‪ .‬ونعطى بعض التفصيل‬
‫ـ االعتماد على تأليف األحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السالم ‪ ،‬وجعلها تحمل الرأى الذى يريده دون الحاجة الى ‪1‬‬
‫‪ .‬استدالل عقلى‬
‫ـ ظهرت الكتابة الفقهية الجدلية على يد الشافعى‪ ،‬ويبدو فيها كأنه فى مناظرة أو مناقشة مع خصم له ‪ ،‬مثل قوله ‪ :‬فإن قلت ‪2‬‬
‫كذا فالجواب كذا‪ .‬ومع أنه بهذا جمع منهج أهل الحديث مع منهج أصحاب الرأى إال إن الشافعى قد قام بتطويع الرأى للحديث‪.‬‬
‫‪.‬ونفس الحال قام بتطويع المنهج الصورى للحديث‬
‫ـ ظهر أبو حنيفة ( ت ‪ ) 150‬زعيما لمدرسة الرأى فى العراق فكان ( مالك بن أنس ) خصما لهذه المدرسة بإفتراء ‪3‬‬
‫األحاديث‪ .‬إنحاز الشافعى لشيخه ( مالك ) فى ( المدينة ) ( ت ‪ ) 179‬وقام بتقعيد مدرسة ( الحديث ) فى رسالته المشهورة ‪.‬‬
‫وفى هجرته للعراق تعلم من البيئة العراقية غرامها بالمنهج الصورى ( التصورى ) االستقرائى فجاء كتابه (األم ) مزيجا من‬
‫‪ .‬الحديث المخترع المنسوب للنبى محمد عليه السالم والفقه التصورى النظرى‬
‫‪ :‬لمحة عن المنهج الصورى ( التصورى ) الذى بدأه الشافعى فى الكتابة الفقهية‬
‫‪ :‬أن ( يتصور الفقيه فى خياله ) ‪1 :‬‬
‫رأيا مخالفا لرأيه فيرد عليه ‪ .‬والشافعى هو الذى بدأ هذا المنهج الصورى فى كتاباته التى يغلب عليها طابع الجدل ‪1 / 1 :‬‬
‫‪.‬والمناظرة ‪ ،‬خصوصا وأنه واجه من ينكر األحاديث فى عهده ‪ ،‬فقام بالرد عليهم مقدما دون أن يستفيض فى ذكر أدّلتهم‬
‫‪.‬حدثا ثم يضع له حكما فقهيا ‪ ،‬مثل قوله ‪ :‬أن فعل كذا فالحكم فيه كذا ‪1 / 2 :‬‬
‫ـ هذا المنهج التصورى نشأ وتطور فى الحضارة السريانية قبل الغزو العربى ‪ ،‬ثم عاد للظهور فى العراق فى العصر العباسى ‪2‬‬
‫‪ .‬مع النهضة الفكرية وقتها‬
‫وهذا المنهج الصورى أو التصورى له بالطبع أصل نسبى فى الواقع الذى عاشه الفقيه‪ .‬فالفقيه كان تتأثر أفكاره بمعطيات ‪2 :‬‬
‫‪.‬عصره‬
‫ـ اال أن الفقه الّس نى بالغ وأوغل فى التنظير والتصورات مبتعدا عن ذلك الواقع‪ .‬ثم انتقل من التنظير الى االستقراء أى ‪3‬‬
‫محاولة تعميم الحكم بالبناء عليه والتوسع فيه الى درجة تغطية كل الصور العقلية الممكنة التى يفترضها افتراضا ‪ .‬وأقرب مثل‬
‫لهذا المنهج بعد الشافعى وكتابه ( األم ) هو الفقيه الحنفى عالء الدين أبو بكر القاشانى المتوفى سنة ‪ 587‬فى كتابه الضخم ‪( :‬‬
‫بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع )‬
‫كان هذا مقبوال نوعا ما فى عصر االزدهار العلمى والنضج العقلى فى العصر العباسى األول ‪ .‬اال أنه تحول الى بلوى فى ‪4 :‬‬
‫العصور الالحقة التى سيطر فيها التصوف وانتشرت فيها خرافات الكرامات والمنامات وانقطع االجتهاد وحل محله الجمود‬
‫والتقليد والتأخر والتخلف بالتدريج ‪ .‬التنظير الفقهى فى هذا العصر وصل الى افتراضات مضحكة بذيئة كقولهم ( من اضطر الى‬
‫أكل لحم نبى هل يجوز له ) ( من حمل قربة ُف ساء هل ينتقض وضوؤه ) ( من كان لذكره فرعان ونكح زوجته فى قبلها ودبرها‬
‫هل يجب عليه غسل واحد أو غسالن ) ( من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة عامدا ماذا عليه من االثم )‪ .‬وقد كان‬
‫ابتالؤنا فظيعا بهذا الفقه فى التعليم األزهرى‪ .‬وهو مع خياالته المريضة البعيدة عن الواقع فقد كان انعكاسا أمينا للذهنية الفقهية‬
‫ومستواها الهابط الى الحضيض ‪ .‬وال يزال هذا الفقه فى مناهج األزهر ‪ ،‬وبدأنا اإلنكار عليه من ربع قرن وطالبنا بمحوه‬
‫‪ .‬بإجتهاد جديد يستنبط األحكام الشرعية من القرآن الكريم ‪ ،‬وتعرضنا لإلضطهاد كالعادة‬
‫‪ :‬بين الفقه النظرى والواقع الُم عاش‬
‫‪.‬ـ يتكون الفقه النظرى من ( أحاديث ) مصنوعة ‪ ،‬ومن ( تصورات ) بالمنهج الصورى المشار اليه ‪1‬‬
‫ـ وقلنا إن هذا الفقه النظرى الصورى أو التصورى لم يكن ـ فى أغلبيته العظمى ـ شديد االلتصاق بحركة المجتمع ولم يكن ‪2‬‬
‫‪..‬قوى التأثير فيها ‪ ،‬وان كان نابعا منها ومن خياالت الفقيه وتصوراته ومعبرا عن مستواه الثقافى والعقلى‬
‫ـ ونفس الحال مع األحاديث التى إفتراها مالك والشافعى ومن جاء بعدهما من أعمدة الحديث الُّس ّن ى مثل ابن حنبل والبخارى ‪3‬‬
‫ومسلم‪ .‬والذين راعوا األبواب الفقهية فى كتبهم ( الحديثية ) ‪ .‬معظم األحاديث الفقهية فى الفقه النظرى كان انعكاسا لبعض‬
‫المظاهر الحياتية وقتها ‪ .‬فقد كانت تلك األحاديث رد فعل للمتطلبات الحياتية وانعكاسا للتطور السائد حتى فى البيئة المحافظة‬
‫التقليدية كالمدينة‪ .‬وكان األمر أكثر وضوحا فى البيئات النهرية خصوصا فى العراق حيث التنوع الثقافى والعنصرى والجنسى‬
‫واالختالفات السياسية والمذهبية والدينية ‪ ،‬وتحولها الى أحزاب متصارعة بالبنان واللسان والسنان‪ .‬وكان اختراع األحاديث أهم‬
‫‪.‬سالح فى الخالفات الفقهية والمذهبية والسياسية والحزبية والطائفية والقبلية ( نسبة للقبيلة ) والقطرية( نسبة للقطر)‬
‫فقه الحيل‬
‫ـ أنتج العراق هذا النوع الفقهى الذى يريد االلتفاف على الفرائض الشرعية بأنواع من الحيل متناسيا أن تلك األوامر ‪1‬‬
‫‪.‬التشريعية هى مجرد وسائل للتقوى‪ ،‬واذا كنا نتحايل على شرع هللا تعالى فال مجال للتقوى فى القلوب‬
‫ـ فقه الحيل كان تعبيرا أمينا على التلون الذى ساد العصر العباسى ‪ ،‬فقد أعطى فقه الحيل مشروعية زائفة للجمع بين ‪2‬‬
‫المظهر الدينى واالنحالل الخلقى والعقيدى‪ .‬كان النتاج الطبيعى للتدين المظهرى السطحى الشكلى الذى أعادته الى حياتنا‬
‫المعاصرة الحركة الوهابية فى الصحراء العربية وربطته باالسالم زورا وبهتانا‪ .‬كان المجون على أشده فى القصور العباسية‬
‫والحانات الشعبية ‪ ،‬وكان على الجانب اآلخر حركات دينية فاعلة ومساجد مأهولة وثقافة دينية يختلط فيها الصحيح بالفاسد مع‬
‫ظلم اجتماعى وقهر سياسى وخالفة كهنوتية تنتسب للنبى عليه السالم وتشجع الرواية عنه وعن ابن عمه ابن عباس وهو جد‬
‫الخلفاء العباسيين‪ .‬وظهر (فقه الحيل ) يعقد الصلح شكليا بين الواقع الُم شين والتدين السطحى المظهرى ‪ ،‬فيعطى ُح جة زائفة‬
‫‪.‬للمعاصى أن تستمر وتعلو برأسها متمتعة بدليل من فقه الحيل ( أو التحايل ) على شرع الرحمن جل وعال‬
‫ـ بدأ فقه الحيل داخل مدرسة الرأى التى تزعمها الفقيه الثائر ابو حنيفة (ت ‪ ،)150‬وهذا فيما يروونه عنه ‪ ،‬ألن أبا حنيفة ‪3‬‬
‫‪ .‬ظهر مبكرا قبل عصر التدوين ولم يؤلف كتبا‬
‫ـ تطور فقه الحيل فى العصر العباسى الثانى ليصبح منهجا متكامال يتطرف فى استعمال الحيل بذكاء فى مقابل مدرسة الحديث ‪4‬‬
‫الفقهية المحافظة التى تطورت بعد الشافعى بظهور ابن حنبل الذى جعل كتاباته الفقهية أحاديث خالصة فيما يعرف ب(مسند‬
‫‪.‬أحمد )‬
‫ـ واستمر فقه الحيل حتى صدر العصر المملوكى ‪ ،‬فكتب ابن القيم الجوزية ( ‪ ) 751 : 691‬يرد عليه فى كتابه (إغاثة ‪5‬‬
‫‪ .‬اللهفان من مكايد الشيطان )‬
‫الفقه الوعظى‬
‫ـ واذا كان فقه الحيل استجابة طبيعية للبيئة العباسية ومعبرا عنها بصورة غير مباشرة فان الفقه الوعظى ــ الذى بدأ فى ‪1‬‬
‫‪ .‬العصر العباسى الثانى ــ كان األكثر تعبيرا عن عصره واألكثر قربا من علم التاريخ‬
‫تعليقا بالنقد واالنكار على بعض ‪2‬‬ ‫ـ (الفقه الوعظى ) هو تعبير من إختراعنا ‪ ،‬ونعنى به الكتابة الفقهية التى تتوخى الوعظ‬
‫‪.‬ما يقع فيه الناس من أخطاء ‪ ،‬والحكم عليها فقهيا بالحرام أو المكروه‬
‫ـ واذا كان الفقه النظرى يتخيل مسبقا حدوث فعل ثم يعطيه حكما فقهيا كقولهم ( ان فعل كذا فهو حرام أو حالل او مندوب أو ‪3‬‬
‫مكروه) فان الفقه الوعظى يحكى الواقعة الحقيقية التى تحدث أو اعتاد الناس فعلها ثم يعلق عليها باالنكار معطيا ما يراه حكما‬
‫‪.‬فقهيا لها‬
‫ـ هنا يتحول الفقيه ـ دون أن يدرى ـ الى مؤرخ ‪ .‬بل ومؤرخ موثوق به ألنه ـ دون أن يدرى ايضا ـ قد ذكر مالمح تاريخية ‪4‬‬
‫اجتماعية ثمينة بدون تهويل أو تضخيم‪ .‬والعادة أن المؤرخ المعاصر للحدث ال يهتم بالتفصيالت االجتماعية الحياتية العادية‪،‬‬
‫‪.‬ويركز على األحوال السياسية ويلون األحداث برؤيته الشخصية‬
‫ـ ميزة الفقه الوعظى من الناحية الفقهية أنه يصاحب تطور المجتمع بالنقد والتعليق‪ ،‬يجرى معه وخلفه يطلب االصالح من ‪5‬‬
‫‪.‬وجهة نظر الفقيه المؤلف بالطبع‬
‫ـ نشأ هذا الفقه الوعظى مع ابى حامد الغزالى ( ت ‪ ) 505‬بين ثنايا كتابه ( احياء علوم الدين)‪ .‬ثم أفرد له الفقيه المؤرخ ‪6‬‬
‫الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ( ت ‪ ) 597‬كتابا خاصا هو ( تلبيس ابليس ) ‪ .‬ثم سار على أثره ابن القيم الجوزية الحنبلى‬
‫‪ 751‬فى كتابه ( اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ‪ ،‬والفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى ( ت ‪ ) 737‬فى كتابه‬
‫( المدخل )‪ .‬ثم جاء الشعرانى‪ 973‬فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ليكتب كثيرا من المؤلفات فى الفقه‬
‫الوعظى منها ( تنبيه المغترين ) و ( لطائف المنن ) و( المنن الصغرى ) ( األنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية )‬
‫( أألنوار فى صحبة األخيار ) ( آ داب العبودية ) ( البحر المورود فى المواثيق والعهود ) ( لواقح األنوار )‪ .‬وقد مزج‬
‫‪ .‬الشعرانى فقهه الوعظى بالحديث عن كراماته وكرامات أشياخه المزعومة‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫بعد هذه اللمحة التاريخية والفقهية ندخل فى موضوعنا عن الصالة ‪ ،‬وكيف أضاعها ( المسلمون ) فى تاريخهم وفى تشريعاتهم‬
‫‪.‬‬

‫مقدمة الباب الثانى ‪( :‬الخلفاء الفاسقون وصالتهم الشيطانية )‬


‫‪ :‬أوال‬
‫ـ كان العرب ( يؤدون ) الصالة تأدية حركية بال خشوع وبال تقوى ‪ .‬أضاعوا الصالة بعصيانهم وبإنغماسهم فى الشهوات ‪1‬‬
‫الحرام والمنكر والبغى والعدوان وبعبادة األولياء والقبور المقدسة التى ألحقوها بمساجدهم ‪ ،‬كما يفعل المحمديون اليوم‪ .‬لذا‬
‫كان التركيز فى القرآن الكريم على إقامة الصالة وليس على تأدية الصالة ‪ ،‬وجاء ذكر ( الصالة ) ب ( أل ) أى ( الصالة ) التى‬
‫‪.‬تعرفونا‪ ( .‬أل ) هنا بمعنى ( العهد ) أى الصالة المعهودة المعروفة‬
‫ـ لم تكن عندالعرب وال أهل الكتاب ــ وقتها ــ مشكلة على االطالق فى عدد ركعات الصالة وتوقيت الصلوات الخمس أو ‪2‬‬
‫‪ .‬الفاتحة ‪ ،‬وكل هذا متوارث من ملة ابراهيم شأن الحج والصيام فى رمضان واألشهر الحرم‬
‫‪ :‬ـ لو كانت الصالة تشريعا جديدا جاء به القرآن الكريم ‪3‬‬
‫لنزلت تفصيالته فى الكيفية وفى المواقيت ‪ ،‬ألن رب العزة ما فّر ط فى الكتاب من شىء يكون السكوت عنه تفريطا ‪ ،‬بل ‪3 / 1 :‬‬
‫أنزل الكتاب تبيانا لكل شىء يحتاج الى بيان ‪ .‬ولم تكن كيفية الصالة ومواقيتها تحتاج الى بيان‪ .‬هى حقيقة يكفر بها المحمديون‬
‫‪ .!.‬الذين يسعون فى آيات هللا جل وعال ُم عاجزين‬
‫‪ :‬لو كانت الصالة تشريعا جديدا ال يألفه العرب كانوا سيكفرون به ويتعجبون منه كما فعلوا مع ‪3 / 2‬‬
‫‪ :‬دعوة ( ال إله إال هللا ) فقالوا ‪3 / 2 / 1 :‬‬
‫‪َ ).‬أَج َع َل اآْل ِلَه َة ِإَلٰـ ًه ا َو اِحًدا ۖ ِإَّن َه ٰـ َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ﴿‪ ﴾٥‬ص ( ‪3 / 2 / 1 / 1 :‬‬
‫وقال جل وعال عنهم ‪َ( :‬أَك اَن ِللَّن اِس َع َج ًب ا َأْن َأْو َح ْي َن ا ِإَلٰى َر ُج ٍل ِّم ْن ُهْم َأْن َأنِذ ِر الَّن اَس َو َب ِّش ِر اَّلِذيَن آَم ُن وا َأَّن َلُهْم ‪3 / 2 / 1 / 2 :‬‬
‫‪َ .‬ق َد َم ِص ْد ٍق ِع نَد َر ِّب ِهْم ۗ َقاَل اْلَك اِفُر وَن ِإَّن َه ٰـ َذ ا َلَس اِحٌر ُّم ِبيٌن ﴿‪ ﴾٢‬يونس )‬
‫‪ :‬مع دعوتهم الى االيمان بالبعث قالوا ساخرين ‪3 / 2 / 2 :‬‬
‫َه ْل َن ُد ُّلُك ْم َع َلٰى َر ُج ٍل ُيَن ِّب ُئُك ْم ِإَذ ا ُم ِّز ْق ُتْم ُك َّل ُمَم َّز ٍق ِإَّنُك ْم َلِفي َخ ْل ٍق َج ِديٍد ﴿‪َ ﴾٧‬أْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأم ِبِه ِج َّن ٌة ۗ َب ِل (‪3 / 2 / 2 / 1 :‬‬
‫) اَّلِذيَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآْل ِخَر ِة ِفي اْلَع َذ اِب َو الَّض اَل ِل اْلَب ِعيِد ﴿‪ ﴾٨‬سبأ‬
‫َو َض َر َب َلَن ا َم َث اًل َو َن ِس َي َخ ْلَق ُه ۖ َقاَل َم ن ُيْح ِيي اْلِع َظ اَم َو ِه َي َر ِميٌم ﴿‪ُ ﴾٧٨‬قْل ُيْح ِييَه ا اَّلِذي َأنَش َأَها َأَّو َل َمَّر ٍة ۖ َو ُه َو ( ‪3 / 2 / 2 / 2 :‬‬
‫‪ِ ).‬بُك ِّل َخ ْل ٍق َع ِليٌم ﴿‪ ﴾٧٩‬يس‬
‫لو كانت عندهم مشكلة فى كيفية الصالة ومواقيتها ألزعجوا النبى محمدا بأسئلة متكررة عنها ‪ .‬لكنهم لم يسألوا ‪3 / 2 / 3 :‬‬
‫‪ .‬مطلقا عن كيفية الصالة ومواقيتها ‪ ،‬ألنها ببساطة معروفة لديهم ويؤدونها‬
‫‪ :‬ونعطى نماذج من أسئلتهم فى مكة عن موعد الساعة والرد االلهى عليها ‪3 / 2 / 4 :‬‬
‫حقيقة قرآنية مؤكدة كررها رب العزة جل وعال فى القرآن ‪ ،‬وهى أن النبي ال يعلم الغيب وال يعلم موعد قيام ‪3 / 2 / 4 / 1 :‬‬
‫‪ :‬الساعة وال ما سيحدث له أو للناس ‪ ،‬واقرأ في ذلك قوله جل وعال‬
‫ُقْل ال َأُقوُل َلُك ْم ِع نِدي َخ َز اِئُن ِهَّللا َو ال َأْع َلُم اْلَغ ْيَب ﴾ (األنعام ‪ُ﴿ )50‬قْل ِإْن َأْد ِر ي َأَقِر يٌب َم ا ُتوَع ُدوَن َأْم َيْج َع ُل َلُه ﴿ ‪3 / 2 / 4 / 1 / 1 :‬‬
‫َر ِّب ي َأَم دًا (‪َ )25‬ع اِلُم اْلَغ ْي ِب َفال ُي ْظ ِه ُر َع َلى َغ ْي ِبِه َأَح دًا (‪ِ )26‬إَّال َم ْن اْر َت َض ى ِمْن َر ُس وٍل ‪( ﴾..‬الجن ‪)27 :25‬‬
‫َفِإْن َت َو َّلْو ا َفُقْل آَذ ْنُتُك ْم َع َلى َس َو اٍء َو ِإْن َأْد ِر ي َأَقِر يٌب َأْم َب ِعيٌد َم ا ُتوَع ُدوَن ﴾ (األنبياء ‪3 / 2 / 4 / 1 / 2 : ﴿ )109‬‬
‫وهل هناك أوضح من قوله تعالى ﴿ُقْل َم ا ُكْن ُت ِبْد عًا ِمْن الُّر ُس ِل َو َم ا َأْد ِر ي َم ا ُيْف َع ُل ِبي َو ال ِبُك ْم ‪ ﴾..‬؟(األحقاف ‪3 / 2 / 4 / 1 / 3 :‬‬
‫‪)9.‬‬
‫‪ :‬وهناك آيات أخرى كثيرة تؤكد أن علم الساعة عند هللا وحده ‪ .‬قال جل وعال ‪3 / 2 / 4 / 2 :‬‬
‫ِإَّن َهَّللا ِع ْن َد ُه ِع ْلُم الَّس اَع ِة َو ُيَنِّز ُل اْلَغ ْي َث َو َيْع َلُم َم ا ِفي اَألْر َح اِم َو َم ا َت ْد ِر ي َن ْف ٌس َم اَذ ا َتْك ِس ُب َغ دًا َو َم ا َت ْد ِر ي﴿ ‪3 / 2 / 4 / 2 / 1 :‬‬
‫َن ْف ٌس ِبَأِّي َأْر ٍض َت ُم وُت ﴾ (لقمان ‪)34‬‬
‫ِإَلْي ِه ُيَر ُّد ِع ْلُم الَّس اَع ِة﴾ (فصلت ‪َ﴿ )47‬و َت َب اَر َك اَّلِذي َلُه ُم ْلُك الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض َو َم ا َبْي َن ُهَم ا َو ِع ْن َد ُه ِع ْلُم ﴿ ‪3 / 2 / 4 / 2 / 2 :‬‬
‫‪.‬الَّس اَع ِة َو ِإَلْي ِه ُتْر َج ُع وَن ﴾ (الزخرف ‪)85‬‬
‫كلها آيات تؤكد أن النبي ال يعلم الغيب وأن علم الساعة هلل وحده وكانت تكفى آية واحدة ولكنهم سألوا النبي ــ ‪3 / 2 / 5 :‬‬
‫عنادا ــ مرة ومرات عن الساعة ‪ ،‬ومع ذلك لم يبادر باإلجابة بأن يقرأ عليهم اآليات السابقة ‪ ،‬وإنما انتظر الوحى ‪ ،‬وكان الوحى‬
‫‪.‬ينزل دائمًا بنفس اإلجابة وهى أن علم الساعة هلل وحده وأن النبي ال يعلم الغيب‬
‫‪ :‬انتظر النبي اإلجابة ونزل قوله تعالى ‪3 / 2 / 6 :‬‬
‫َيْس َأُلوَن َك َع ْن الَّس اَع ِة َأَّي اَن ُمْر َس اَها ُقْل ِإَّن َم ا ِع ْلُمَه ا ِع ْن َد َر ِّب ي ال ُيَج ِّليَه ا ِلَو ْق ِتَه ا ِإَّال ُه َو َثُقَلْت ِفي الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض ﴿ ‪3 / 2 / 6/ 1 :‬‬
‫ال َت ْأِتيُك ْم ِإَّال َب ْغ َت ًة َيْس َأُلوَن َك َك َأَّن َك َح ِفٌّي َع ْن َه ا ُقْل ِإَّن َم ا ِع ْلُمَه ا ِع ْن َد ِهَّللا َو َلِكَّن َأْك َث َر الَّن اِس ال َيْع َلُم وَن ُقْل ال َأْم ِلُك ِلَن ْف ِس ي َن ْف عًا َو ال َض ّر ًا‬
‫ِإَّال َم ا َش اَء ُهَّللا َو َلْو ُك نُت َأْع َلُم اْلَغ ْيَب الْس َتْك َث ْر ُت ِمْن اْلَخ ْي ِر َو َم ا َمَّس ِني الُّس وُء ‪( ﴾...‬األعراف ‪ )188 :187‬وهذا توضيح فيه أكثر‬
‫‪.‬من الكفاية‬
‫ولكنهم سألوه أيضًا عن الساعة ونرى النبي عليه السالم أيضًا ينتظر اإلجابة فنزل قوله تعالى يجيب ﴿َيْس َأُلوَن َك ‪3 / 2 / 6 / 2 :‬‬
‫َع ْن الَّس اَع ِة َأَّي اَن ُمْر َس اَها ِفيَم َأْن َت ِمْن ِذ ْك َر اَها ِإَلى َر ِّب َك ُم نَت َه اَها ِإَّن َم ا َأْن َت ُم نِذ ُر َم ْن َي ْخ َش اَها ﴾ (النازعات ‪ )45 :42‬واآليات‬
‫األخيرة ملئت بأسلوب االستفهام اإلنكاري ﴿ِفيَم َأْن َت ِمْن ِذ ْك َر اَها ﴾ وجاء أسلوب القصر يقصر علم الساعة على رب العزة ﴿ِإَلى‬
‫‪َ ﴾.‬ر ِّب َك ُم نَت َه اَها ﴾ ويقصر وظيفة النبي على اإلنذار ﴿ِإَّن َم ا َأْن َت ُم نِذ ُر َم ْن َي ْخ َش اَها‬
‫لو كانت الصالة تشريعا جديدا لبادروا باألسئلة لمجرد العناد ‪ .‬وكانوا يفعلون هذا فى طلبهم المتكرر ألن تنزل على ‪3 / 2 / 7 :‬‬
‫‪.‬النبى آية حسية كراهية فى القرآن الكريم‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫ـ لم تكن كيفية الصالة ومواقيتها مشكلة بعد موت النبى محمد عليه السالم وإنتهاء الوحى القرآنى نزوال ‪ .‬كانت المشكلة مع ‪1‬‬
‫الخلفاء الفاسقين ( ابو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ‪ ،‬وقد كانوا أئمة بتضييعهم للصالة بأفظع ما كانوا يفعله العرب فى‬
‫الجاهلية ‪ .‬وتبعهم األمويون بتضييع الصالة ثم تحريفها ‪ .‬وفى العصر العباسى إكتملت فيه أديانهم األرضية من سنة وتشيع‬
‫‪ .‬وتصوف ‪ ،‬وبدأ التشريع لها بتحريفات أّس سوها على أحاديث كاذبة ينسبونها للنبى محمد بعد موته بقرون‬
‫ـ ومنها فى موضوع الصالة حديث ‪ ( :‬صلوا كما رأيتمونى أصلى )‪ .‬لو كان هذا صحيحا ‪2‬‬
‫‪ .‬فليست الصالة واجبة على األجيال التى جاءت بعده ولم تره كيف ُيصّلى ‪ ،‬ومنها نحن ‪2 / 1 :‬‬
‫ستكون واجبة على من رآه فقط يصليها ‪ .‬وكان عليهم أن يسجلوها بالضبط ‪ .‬ولكن هذا لم يحدث إذ إنشغل الصحابة ‪2 / 2 :‬‬
‫‪ .‬وخلفاؤهم بالفتوحات وبالفتنة الكبرى ‪ ،‬ثم سار على ُس ّن تهم األمويون والعباسيون‬
‫ظهرت الكتابات الفقهية فى تشريعات الصالة مع موطأ مالك ‪ .‬وسنعرض لهذا ‪ ،‬ثم تابعه الشافعى وغيره ‪ .‬فهل هذا يعنى أن ‪3 ،‬‬
‫السابقين لم يكن لديهم علم بالصالة ؟‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫ـ سنعرض ـ بعون الرحمن جل وعال ـ للصالة عند ( المسلمين ) تاريخيا وتشريعيا ‪ .‬لنرى كيف أضاعوها تاريخيا وكيف ‪1‬‬
‫‪ .‬زيفوها وحرفوها تشريعيا‬
‫ـ ورّد ا على سعى خصومنا فى آيات هللا جل وعال ُم عاجزين يسألون أين عدد الصلوات وكيفيتها ومواقيتها سنعرفهم من خالل ‪2‬‬
‫‪ .‬تاريخهم وتشريعاتهم جناية ( سلفهم الصالح ) على الصالة االسالمية‬
‫‪ .‬ــ وهللا جل وعال هو المستعان ‪3‬‬

‫‪ :‬الباب الثانى‬
‫الفصل األول ‪ :‬بين الصالة االسالمية والصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين‬
‫ـ تحدثنا فى الباب األول عن إقامة الصالة االسالمية وتضييعها لدى العرب والقرشيين الذين أهملوا ملة ابراهيم ‪ ،‬ونزل ‪1‬‬
‫القرآن الكريم باالصالح وفق ملة ابراهيم الحقيقية بإخالص الدين والعبادة والدعاء لرب العالمين وحده ‪ .‬ننصح بالرجوع الى‬
‫‪.‬الباب األول منعا للتكرار‬
‫‪ :‬ـ ولكن نعيد التأكيد والتركيز على النقاط اآلتية ‪2‬‬
‫أوال ‪ :‬القيام للصالة غير إقامة الصالة‬
‫ـ القيام للصالة يعنى االستعداد لتأديتها بالطهارة ( المائدة ‪ ) 6‬كما جاء فى قوله جل وعال ‪1‬‬
‫‪ .‬ـ باالستعداد لتأديتها فى ظروف الخوف ( النساء ‪2 ) 102‬‬
‫ـ وكان المنافقون يؤدونها كسالى ز ( النساء ‪3 ) 142‬‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬إقامة الصالة باالسالم الحقيقى‬
‫االسالم الحقيقى هو (السالم ) مع الناس و( التسليم ) للخالق جل وعال‪ .‬أى أن يكون االنسان مسالما فى تعامله مع الناس وأن‬
‫ُي سلم قلبه ودينه وعبادته للخالق جل وعال‪ .‬أى يجمع بين االسالم الظاهرى السلوكى بالسالم وبين االسالم القلبى بااليمان‬
‫الخالص والعمل الصالح واالبتعاد عن الظلم والفسوق والبغى والعدوان ‪ ،‬أى تكون إقامته للصالة فى هذا اإلطار من السالم مع‬
‫‪ .‬الناس واإلخالص فى عبادة هللا جل وعال وعمل الصالحات‬
‫‪ :‬فى هذا المعنى جاءت آيات القرآن الكريم عن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة بمعنى التزكى والتطهر‬
‫فى الخطاب العام للبشر ‪ ( :‬المؤمنون ‪ ( ) 11 : 1‬المعارج ‪ ( ) 35: 19‬النور ‪ ( ) 37‬الحج ‪ ( ) 35 : 34‬ابراهيم ‪1 : ) 31‬‬
‫( فاطر ‪ () 30 : 29‬الشورى ‪ () 39 : 36‬الرعد ‪ () 25 : 19‬البقرة ‪ ( ) 3 : 2‬النمل ‪ ( ) 3 : 1‬لقمان ‪ ( ) 5 : 2‬االعراف‬
‫‪ ( ) 170‬البقرة ‪ ( ) 277‬االنعام ‪ ( ) 92‬االنفال ‪ ( ) 3 : 2‬الحج ‪) 41 : 40‬‬
‫فى ملة ابراهيم ‪ ( :‬ابراهيم ‪ ( ) 40 : 35‬األنبياء ‪ ( ) 73‬الحج ‪2 : ) 78‬‬
‫فى أهل الكتاب ‪ ( :‬طه ‪ () 14‬يونس ‪ ( ) 87‬البقرة ‪ ( ) 83 ، 43‬النساء ‪ () 162‬المائدة ‪ ( ) 12‬البينة ‪ ( ) 5 : 4‬البقرة ‪3 :‬‬
‫‪) 45‬‬
‫‪ :‬اهل القرآن ‪4 :‬‬
‫نزل للمؤمنين فى مكة األمر ليس بتأدية الصالة ألنها معروفة ولكن بإقامة الصالة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪4 / 1 : :‬‬
‫( العنكبوت ‪ ( ) 45‬الروم ‪ () 32 : 30‬هود ‪ ( ) 114‬االسراء ‪ ( ) 79 : 78‬فاطر ‪ ( ) 18‬االنعام ‪) 72 : 71‬‬
‫ونزل فى المدينة ‪ ( :‬النور ‪ ( ) 56‬البقرة ‪ ( ) 238 ، 177 ، 153‬النساء ‪ ( ) 77‬المجادلة ‪ ( ) 13 : 12‬األحزاب‪4 / 2 :‬‬
‫‪ ( ) 33.‬المائدة ‪ ( ) 55‬التوبة ‪) 71‬‬
‫‪ :‬ثالثا‪ :‬إقامة الصالة باالسالم السلوكى الظاهرى ‪ ،‬بالسالم‬
‫‪ .‬ـ كل مسالم هو إنسان مسلم بغض النظر عن عقيدته ‪1‬‬
‫ـ ومن الصحابة من كان مسلما من حيث إختيار السالم ومؤمنا من حيث إختيار األمن واألمان ‪ .‬دخلوا فى صحبة النبى ‪2‬‬
‫وهاجروا معه ‪ ،‬ونزلت آيات فى السور المدنية تدعوهم الى أن يعززوا إيمانهم السلوكى ( بمعنى األمن واألمان ) بإيمان قلبى‬
‫‪ :‬بأنه ( ال إله إال هللا ) ‪ .‬جاء هذا فى قوله جل وعال لهم‬
‫َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا آِم ُنوا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو اْلِك َت اِب اَّلِذي َنَّز َل َع َلٰى َر ُس وِلِه َو اْلِك َت اِب اَّلِذي َأنَز َل ِمن َقْب ُل ۚ َو َم ن َي ْك ُفْر ِبالَّلـِه ( ‪2 / 1 :‬‬
‫) َو َم اَل ِئَك ِتِه َو ُكُتِبِه َو ُرُس ِلِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َفَق ْد َض َّل َض اَل اًل َب ِعيًدا ﴿‪ ﴾١٣٦‬النساء‬
‫آِم ُن وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو َأنِفُقوا ِم َّم ا َج َع َلُك م ُّمْس َتْخ َلِفيَن ِفيِه ۖ َفاَّلِذيَن آَم ُنوا ِمنُك ْم َو َأنَفُقوا َلُهْم َأْج ٌر َك ِبيٌر ﴿‪َ ﴾٧‬و َم ا َلُك ْم اَل (‪2 / 2 :‬‬
‫ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلـِه ۙ َو الَّر ُس وُل َي ْد ُع وُك ْم ِلُتْؤ ِم ُن وا ِبَر ِّب ُك ْم َو َق ْد َأَخ َذ ِميَث اَقُك ْم ِإن ُك نُت م ُّم ْؤ ِمِنيَن ﴿‪ُ ﴾٨‬ه َو اَّلِذي ُيَنِّز ُل َع َلٰى َع ْب ِدِه آَي اٍت َبِّي َن اٍت‬
‫) ِّلُيْخ ِر َج ُك م ِّم َن الُّظ ُلَم اِت ِإَلى الُّن وِر َۚو ِإَّن الَّلـَه ِبُك ْم َلَر ُء وٌف َّر ِحيٌم ﴿‪﴾٩‬الحديد‬
‫كانوا عاكفين على عبادة األوثان متمتعين بالحرية المطلقة فى الدين فى دولة النبى محمد االسالمية ‪ ،‬والتى تمتع فيها ‪3 /‬‬
‫المنافقون أيضا بحريتهم الدينية والسياسية ( السلمية ) نزلت آيات مدنية تدعوهم لنبذ الرجس من األوثان ‪ ،‬قال لهم جل وعال‬
‫‪:‬‬
‫) َفاْج َت ِنُبوا الِّر ْج َس ِمَن اَأْلْو َث اِن َو اْج َت ِنُبوا َقْو َل الُّز وِر ﴿‪ ﴾٣٠‬الحج ( ‪3 / 1 :‬‬
‫لم يستجيبوا ‪ ،‬وظل هذا ساريا ‪ ،‬فكان من أواخر ما نزل فى المدينة قوله جل وعال لهم ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَّن َم ا ‪3 / 2 :‬‬
‫اْلَخ ْمُر َو اْل َمْي ِس ُر َو اَأْلنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم ِر ْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الَّش ْي َط اِن َفاْج َت ِنُبوُه َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ﴿‪ِ ﴾٩٠‬إَّن َم ا ُيِر يُد الَّش ْي َط اُن َأن ُيوِقَع َبْي َنُك ُم‬
‫اْلَع َداَو َة َو اْلَب ْغ َض اَء ِفي اْل َخ ْم ِر َو اْلَمْي ِس ِر َو َيُص َّد ُك ْم َع ن ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َع ِن الَّص اَل ِة ۖ َفَه ْل َأنُتم ُّم نَت ُهوَن ﴿‪َ ﴾٩١‬و َأِط يُع وا الَّلـَه َو َأِط يُع وا‬
‫الَّر ُس وَل َو اْح َذ ُر وا ۚ َفِإن َت َو َّلْي ُتْم َفاْع َلُم وا َأَّن َم ا َع َلٰى َر ُس وِلَن ا اْلَب اَل ُغ اْلُم ِبيُن ﴿‪ ﴾٩٢‬المائدة )‬
‫ـ إذا كان هذا هو حال بعض الصحابة فى المدينة فالحال خارجها أكبر‪ .‬بمعنى أن االستجابة لالسالم القلبى فى الجزيرة العربية ‪4‬‬
‫لم تكن هائلة ‪ .‬هذا بينما كانت االستجابة لالسالم السلوكى عامة ‪ ،‬إذ دخل فى االسالم السلوكى بمعنى السالم واألمن واألمان‬
‫العرب أفواجا ‪ .‬قال جل وعال فى أواخر ما نزل من القرآن عن النصر والفتح ‪ِ( :‬إَذ ا َج اَء َن ْص ُر الَّلـِه َو اْلَفْت ُح ﴿‪َ ﴾١‬و َر َأْي َت الَّن اَس‬
‫َي ْد ُخ ُلوَن ِفي ِديِن الَّلـِه َأْف َو اًج ا ﴿‪ ﴾٢‬النصر )‪ .‬النبى محمد لم ير قلوب الذين دخلوا فى دين هللا جل وعال أفواجا ‪ ،‬فهو لم يكن يعلم‬
‫الغيب وخصوصا غيب ما تخفيه األنفس ‪ ،‬فقد كان من أصحابه من مرد على النفاق ‪ ،‬ولم يكن يعلمهم ئئئئز قال جل وعال ‪:‬‬
‫( َو ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن َأْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن‬
‫ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿‪ ﴾١٠١‬التوبة ) ؟ لم ير النبى محمد االسالم القلبى ولكن رأى االسالم الظاهرى السلوكى ‪ .‬رآهم يدخلون‬
‫‪ .‬أفواجا فى االسالم بمعنى السالم‪ .‬آثروا العيش فى سالم ونبذ الغارات والحروب القبلية ( نسبة للقبيلة )‬
‫ـ دخولهم فى السالم ( دين هللا جل وعال السلوكى ) جعلهم متمتعين بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة السلوكية ‪ .‬فهناك (إقامة ‪5‬‬
‫للصالة وإيتاء للزكاة قلبيا وسلوكيا ) وتعرضنا لها سابقا ‪ ،‬وهنا إقامة للصالة وإيتاء للزكاة سلوكيا وظاهريا بإختيار السالم‬
‫‪.‬واألمن وعدم اإلعتداء‬
‫ـ بعد أن دخل العرب فى دين هللا جل وعال أفواجا وعقدوا العهود والمواثيق على إلتزام السالم نكث العهد متطرفون من قريش ‪6‬‬
‫‪ ،‬إعتدوا على المؤمنين فى مكة وهُّم وا بإخراج النبى والمؤمنين ‪ ،‬وهذا ضمن المسكوت عن تفصيالته فى أول كتاب للسيرة‬
‫وضعه محمد بن إسحاق تقربا لبنى العباس ‪ ،‬بما يوحى أن من الناكثين للعهد من كانت ذريته صاحبة سلطان وقت تأليف ابن‬
‫إسحاق لسيرته التى مألها بأكاذيب جعل فيها شخصية للنبى تخالف القرآن وتتشابه مع شخصية أبى جعفر المنصور المشهور‬
‫‪.‬بالغدر واالسراف فى سفك الدماء‬
‫جاءت تفصيالت نكث العهد هذا فى صدر سورة براءة ‪ ،‬وكما يدل إسم السورة فقد بدأت ببراءة هللا جل وعال ورسوله فى لهجة‬
‫شديدة ‪ ،‬قال فيها جل وعال ‪َ ( :‬بَر اَء ٌة ِّم َن الَّلـِه َو َر ُس وِلِه ِإَلى اَّلِذيَن َع اَه دُّت م ِّم َن اْل ُم ْش ِر ِكيَن ﴿‪َ﴾١‬فِس يُح وا ِفي اَأْلْر ِض َأْر َبَع َة َأْش ُهٍر‬
‫َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم َغ ْيُر ُمْع ِجِز ي الَّلـِه ۙ َو َأَّن الَّلـَه ُم ْخ ِز ي اْلَك اِفِر يَن ﴿‪َ ﴾٢‬و َأَذ اٌن ِّم َن الَّلـِه َو َر ُس وِلِه ِإَلى الَّن اِس َيْو َم اْلَح ِّج اَأْلْك َب ِر َأَّن الَّلـَه‬
‫َب ِر يٌء ِّم َن اْل ُم ْش ِر ِكيَن ۙ َو َر ُس وُلُه َۚفِإن ُتْب ُتْم َفُهَو َخ ْيٌر َّلُك ْم ۖ َو ِإن َت َو َّلْي ُتْم َفاْع َلُم وا َأَّنُك ْم َغ ْيُر ُمْع ِجِز ي الَّلـِه ۗ َو َب ِّش ِر اَّلِذيَن َك َفُر وا ِبَع َذ اٍب‬
‫َأِليٍم ﴿‪ ﴾ ٣‬التوبة ) ‪ .‬لم تبدأ السورة بالبسملة التى توحى بالرحمة بل بإنذار وإعطائهم مهلة األشهر األالربع الحرم األربعة‬
‫يتوبون فيها ‪ ،‬فإن لم يتوبوا بعد األشهر الحرم فيجب على النبى والمؤمنين قتالهم بكل ما يستطيعون ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ( :‬فِإَذ ا‬
‫انَس َلَخ اَأْلْش ُهُر اْلُحُر ُم َفاْق ُتُلوا اْلُم ْش ِر ِكيَن َح ْي ُث َو َج دُّت ُم وُه ْم َو ُخ ُذ وُه ْم َو اْح ُصُر وُه ْم َو اْق ُع ُدوا َلُهْم ُك َّل َمْر َص ٍد ۚ َفِإن َت اُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة‬
‫َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َف َخ ُّلوا َس ِبيَلُهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪ ﴾٥‬التوبة )‪ .‬وكان نكثهم للعهد ذا أثر هائل أغاظ المؤمنين المسالمين ‪ ،‬لذا قال‬
‫َأ‬
‫جل وعال فى تحريض المؤمنين على قتالهم ‪َ ( :‬قاِتُلوُه ْم ُيَع ِّذ ْبُهُم الَّلـُه ِب ْي ِديُك ْم َو ُيْخ ِز ِه ْم َو َي نُصْر ُك ْم َع َلْي ِهْم َو َي ْش ِف ُص ُدوَر َقْو ٍم‬
‫‪ُّ .‬م ْؤ ِمِنيَن ﴿‪َ ﴾١٤‬و ُي ْذ ِه ْب َغ ْي َظ ُقُلوِبِهْم ۗ َو َي ُتوُب الَّلـُه َع َلٰى َم ن َي َش اُء ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم َح ِكيٌم ﴿‪ ﴾١٥‬التوبة )‬
‫‪ :‬ـ ومع هذا ‪7‬‬
‫فإن الجندى المعتدى منهم إذا إستجار فيجب على المؤمنين إجارته وضمان سالمته ‪ ،‬وإسماعه القرآن الكريم ثم ‪7 / 1 :‬‬
‫إلرجاعه الى مأمنه ‪َ ( .‬و ِإْن َأَح ٌد ِّم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن اْس َت َج اَر َك َفَأِجْر ُه َح َّتٰى َيْس َمَع َك اَل َم الَّلـِه ُثَّم َأْب ِلْغ ُه َم ْأَم َن ُه ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َقْو ٌم اَّل َيْع َلُم وَن ﴿‬
‫‪ ﴾٦‬التوبة )‬
‫إن تابوا ورجعوا الى السالم أو االسالم السلوكى فقد عادوا الى دين هللا الذى دخل فيه الناس أفواجا ‪ ،‬ويكونون بهذا قد ‪7 / 2 :‬‬
‫حققوا ( ظاهريا وسلوكيا ) إقامة الصالة وإيتاء الزكاة ويجب تخلية سبيلهم ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬فِإن َت اُب وا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا‬
‫َأ‬
‫الَّز َك اَة َفَخ ُّلوا َس ِبيَلُهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪َ ()﴾٥‬فِإن َت اُبوا َو َقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن ۗ َو ُنَفِّص ُل اآْل َي اِت ِلَق ْو ٍم‬
‫‪َ.‬يْع َلُم وَن ﴿‪ ﴾١١‬التوبة )‬
‫رابعا ‪ :‬الحكم للبشر فى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة سلوكيا‬
‫‪.‬ـ عرفنا إن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة سلوكيا تعنى اإللتزام بالسالم ونبذ االعتداء على الغير ‪1‬‬
‫ـ ليس للبشر الحكم على إقامة الصالة قلبيا فذلك مرجعه هلل جل وعال يوم الدين وهو الذى يحكم على البشر بهذا الخصوص ‪2 .‬‬
‫ولكن للبشر الحكم على االسالم الظاهرى السلوكى طبقا للتصرفات ‪ .‬فالذى يبغى ويقتل ويقاتل معتديا يكون كافرا بسلوكه‬
‫وبغيه ‪ .‬فإذا تاب عن البغى والعدوان وعاد الى طريق السالم فقد أصبح أخا فى دين هللا بمعنى السالم ‪ .‬ولهذا نزلت التشريعات‬
‫‪ .‬االسالمية صالحة للتطبيق حسب تصرفات البشرية الظاهرة‬
‫ـ ينطبق هذا على أولئك المعتدين الذين نزلت فيهم آيات تشريع بخصوصهم فى سورة التوبة ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪ ( :‬اَل ‪3‬‬
‫اًّل‬
‫َيْر ُقُبوَن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإ َو اَل ِذ َّم ًة ۚ َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلُمْع َت ُدوَن ﴿‪َ ﴾١٠‬فِإن َت اُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن ۗ َو ُنَفِّص ُل‬
‫اآْل َي اِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ﴿‪ ﴾ ١١‬التوبة )‪ .‬هم المعتدون أى الكافرون سلوكيا والمشركون سلوكيا‪ .‬وهذا وصفهم فى اآليات الثالث‬
‫األولى من السورة ‪ .‬ولكن إذا تابوا عن اإلعتداء أصبحوا أخوة فى االسالم السلوكى الذى به تتأسس المواطنة فى الدولة‬
‫االسالمية ‪ ،‬ويتمتع فيها المواطنون بالحرية الدينية المطلقة والحرية السياسية المطلقة تحت مظلة السالم ‪ ،‬وهو االسالم‬
‫السلوكى‪ .‬وبهذا االسالم السلوكى الظاهر يكون المعتدى حربيا على المواطنين المسالمين فى الداخل محاربا هلل جل وعال‬
‫ورسوله ‪ ،‬ونزلت فيهم عقوبة الحرابة ( ِإَّن َم ا َج َز اُء اَّلِذيَن ُيَح اِر ُبوَن الَّلـَه َو َر ُس وَلُه َو َيْس َعْو َن ِفي اَأْلْر ِض َفَس اًدا َأن ُيَقَّت ُلوا َأْو‬
‫ُيَص َّلُب وا َأْو ُتَقَّط َع َأْي ِديِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخاَل ٍف َأْو ُينَف ْو ا ِمَن اَأْلْر ِض ۚ َٰذ ِلَك َلُهْم ِخْز ٌي ِفي الُّد ْن َي ا ۖ َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم﴿‪ِ ﴾٣٣‬إاَّل‬
‫اَّلِذيَن َت اُب وا ِمن َقْب ِل َأن َت ْق ِد ُر وا َع َلْي ِهْم ۖ َفاْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪ ﴾٣٤‬المائدة ) ‪ .‬أما الذى يعتدى على الدولة من الخارج‬
‫‪ .‬فيجب على المؤمنين القتال الدفاعى ردا على هذا المعتدى‬
‫خامسا ‪ :‬تشريعات القتال الدفاعى فى االسالم‬
‫ـ دولة االسالم مؤسسة على االسالم بمعنى السالم ‪ ،‬والدعوة فيها أن يدخل الناس فى السلم كافة ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ‪1‬‬
‫اْد ُخ ُلوا ِفي الِّس ْلِم َك اَّفًة َو اَل َتَّت ِبُع وا ُخ ُط َو اِت الَّش ْي َط اِن ۚ ِإَّن ُه َلُك ْم َع ُد ٌّو ُّم ِبيٌن ﴿‪ ﴾٢٠٨‬البقرة )‬
‫‪:‬ـ وقد عرضنا كثيرا لتشريعات االسالم الدفاعية ‪ ،‬ومنها ‪2‬‬
‫أن القتال فى سبيل هللا هو الدفاعى فقط ‪ ،‬ألن هللا جل وعال ال يحب المعتدين ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َقاِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ‪2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو اَل َت ْع َت ُدوا ۚ ِإَّن الَّلـَه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾١٩٠‬البقرة )‬
‫وأن المؤمنين المسالمين حين يتعرضون لهجوم باغ معتد عليهم أن يدعو هللا جل وعال أن ينصرهم على المعتدين ‪2 / 2 :‬‬
‫الكافرين قائلين ‪َ ( :‬أنَت َمْو اَل َن ا َفانُصْر َن ا َع َلى اْلَق ْو ِم اْلَك اِفِر يَن ﴿‪ ﴾٢٨٦‬البقرة ) ‪ .‬فالكافرون سلوكيا هم الذين يشُّن ون حربا‬
‫‪ .‬هجومية على قوم مسالمين لم يبدأوهم باالعتداء‬
‫رُّد االعتداء على هذا الهجوم يتوقف بتوقف الهجوم ‪َ( :‬فِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪َ ﴾١٩٢‬و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ‪2 / 3 :‬‬
‫ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ِلَّلـِه ۖ َفِإِن انَت َهْو ا َفاَل ُع ْد َو اَن ِإاَّل َع َلى الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾١٩٣‬البقرة ) ‪ .‬بل يمنح هللا جل وعال المغفرة للكافرين‬
‫المعتدين إذا تابوا عن إعتدائهم زكفوا عنه ‪ ،‬قال جل وعال ‪ ( :‬اُقل ِّلَّلِذيَن َك َفُر وا ِإن َي نَت ُهوا ُيْغ َفْر َلُهم َّم ا َق ْد َس َلَف َو ِإن َيُع وُدوا َفَق ْد‬
‫َمَض ْت ُس َّن ُت اَأْلَّو ِليَن ﴿‪َ ﴾٣٨‬و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ُك ُّلُه ِلَّلـِه ۚ َفِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن الَّلـَه ِبَم ا َيْع َم ُلوَن َب ِص يٌر ﴿‪ ﴾٣٩‬ألنفال‬
‫‪ .) .‬هذا مع القوم المعتدين المهاجمين‬
‫أما الدولة التى لم تشُّن على المسلمين حربا ولم تخرجهم من ديارهم ولم تظاهر وتؤيد إخراجهم من ديارهم فيجب على ‪2 / 4 :‬‬
‫المؤمنين التعامل معهم بالبر وبالقسط ‪ .‬قال جل وعال ‪ ( :‬اَّل َي ْن َه اُك ُم الَّلـُه َع ِن اَّلِذيَن َلْم ُيَقاِتُلوُك ْم ِفي الِّديِن َو َلْم ُيْخ ِر ُج وُك م ِّم ن‬
‫ِد َي اِر ُك ْم َأن َت َبُّر وُه ْم َو ُتْق ِس ُط وا ِإَلْي ِهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه ُيِحُّب اْلُم ْق ِس ِط يَن ﴿‪ ﴾٨‬الممتحنة )‬
‫‪ .‬ـ وفى هذا كله يكون قتل االنسان الُم سالم جريمة فظيعة ‪3‬‬
‫إذ ال يمكن التصور إسالميا أن يقتل مسلم مسالما إنسانا ُم سالما إال عن طريق الخطا‪ .‬وإذا حدث فعليه دية مغّلظة ‪ ،‬قال ‪3 / 1 :‬‬
‫) جل وعال ‪َ ( :‬و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َأن َي ْق ُتَل ُم ْؤ ِم ًن ا ِإاَّل َخ َط ًأ ) ﴿‪ ﴾٩٢‬النساء‬
‫أما الذى يتعمد قتل مؤمن مسالم فمصيره الخلود فى النار مع اللعنة والغضب االلهى والعذاب العظيم ‪ ،‬قال جل وعال فى ‪3 / 2 :‬‬
‫أالية التالية ‪َ ( :‬و َم ن َي ْق ُتْل ُم ْؤ ِم ًن ا ُّم َت َع ِّم ًدا َفَج َز اُؤ ُه َج َه َّن ُم َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َغ ِض َب الَّلـُه َع َلْي ِه َو َلَع َن ُه َو َأَع َّد َلُه َع َذ اًب ا َع ِظ يًم ا ﴿‪﴾٩٣‬‬
‫النساء )‬
‫يسرى هذا على الجندى فى جيش معتد وفى أرض المعركة‪ ،‬إذا ألقى هذا الجندى السالم ( شعار االسالم السلوكى ) ‪3 / 3 :‬‬
‫عندها يجب حقن دمه ‪ ،‬قال جل وعال فى اآلية التالية ينهى ويحّذ ر ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا َضَر ْب ُتْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َفَت َبَّي ُن وا َو اَل‬
‫َٰذ‬
‫َت ُقوُلوا ِلَم ْن َأْلَق ٰى ِإَلْي ُك ُم الَّس اَل َم َلْس َت ُم ْؤ ِم ًن ا َت ْب َت ُغ وَن َع َر َض اْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا َفِعنَد الَّلـِه َم َغ اِنُم َك ِثيَر ٌة ۚ َك ِلَك ُك نُتم ِّم ن َقْب ُل َفَم َّن الَّلـُه َع َلْي ُك ْم‬
‫‪َ.‬فَت َبَّي ُن وا ۚ ِإَّن الَّلـَه َك اَن ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن َخ ِبيًر ا﴿‪ ﴾٩٤‬النساء )‬
‫‪ :‬سادسا ‪ :‬بالتالى‬
‫ـ دولة االسالم السلمية تطبق هذا فى تعاملها مع غيرها‪ .‬تتعامل بالبر والقسط من لم يعتد عليها ‪ .‬وال يمكن أن تعتدى على ‪1‬‬
‫دولة أخرى ‪ ،‬وفى داخلها ال يمكن السماح بقتل إنسان مؤمن مسالم‪ .‬ومن يخرج على هذه الدولة من داخلها فجزاؤه ما نزل فى‬
‫‪.‬سورة المائدة ( آية ‪) 34 : 33‬‬
‫‪.‬ـ بالتالى فالدولة الكافرة هى التى تشُّن هجوما باغيا على دولة أخرى لم تقم تلك الدولة باالعتداء عليها ‪2‬‬
‫‪ :‬ـ تلك الدولة الكافرة نوعان ‪3‬‬
‫دولة علمانية تهاجم دوال أخرى بال شعار دينى ‪ ،‬وهذا ما كانت قبائل العرب تفعل فى غاراتها على بعضها بال شعارت ‪3 / 1 :‬‬
‫‪ .‬دينية‪ .‬وهذا ما فعله سفاكو الدماء فى تاريخ العالم من جنكيزخان الى هتلر وستالين ‪..‬الخ ‪ ..‬هنا ظلم للناس فقط‬
‫دولة ترفع إسم هللا ودينه االسالمى وهى تعتدى على دول أخرى تقتل المدافعين عنها وتسبى نساءهم وأطفالهم وتنهب ‪3 / 2 :‬‬
‫كنوزهم وتستبقى الفالحين والعوام لتسترقهم فى العمل وترغمهم على دفع الجزية والخراج ‪ .‬وتحتل بالدهم ‪ ،‬ثم بسبب‬
‫‪ .‬االختالف على المسروقات يتقاتلون فيما بينهم ‪ ،‬وينشرون فى كل ما يفعلون الفساد فى األرض‬
‫وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ‪ .‬فى إستغاللهم لإلسالم العظيم لم يظلموا فقط مئات ‪3 / 3 :‬‬
‫!‪ .‬الماليين بل ظلموا رب العالمين ‪ .‬وسار على سنتهم الالحقون ‪ .‬وال يزالون ‪ !.‬الخلفاء الفاسقون أشُر من هتلر وستالين‬
‫‪ :‬سابعا ‪ :‬صلة موضوع الصالة بتشريعات القتال االسالمية‬
‫ـ هناك الصالة االسالمية التى هى ضمن العبادات االسالمية وسيلة للتقوى ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُدوا َر َّب ُك ُم ‪1‬‬
‫‪.‬اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّت ُقوَن ﴿‪ ﴾٢١‬البقرة )‬
‫ـ إقامة هذه الصالة االسالمية تعنى أن يجتنب المؤمن الفحشاء والمنكر ‪َ( :‬و َأِقِم الَّص اَل َة ۖ ِإَّن الَّص اَل َة َتْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء ‪2‬‬
‫‪َ.‬و اْل ُم نَك ِر ۗ َو َلِذ ْك ُر الَّلـِه َأْك َبُر ۗ َو الَّلـُه َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ﴿‪ ﴾٤٥‬العنكبوت )‬
‫ـ صالة الخلفاء الفاسقين كانت تحثهم على الفحشاء والمنكر ‪ ،‬وتجعلهم يهتفون ( هللا أكبر ) وهم يرتكبون البغى والعدوان ‪3‬‬
‫ويسبون النساء وينهبون األموال ‪ .‬وهم لم يتذكروا قول هللا جل وعال ‪ ( :‬إَّن الَّلـَه َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ٰى‬
‫َو َي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْل ُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي ۚ َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ﴿‪ ﴾٩٠‬النحل ) ‪ .‬وعظهم هللا جل وعال لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فلم يتذكروا ‪.‬‬
‫!‪ .‬ليس هذا مجرد تضييع للصالة ‪ ،‬هو أفظع‬
‫‪ :‬ثامنا ‪ :‬هناك أنواع من تضييع الصالة‬
‫هناك من وصفهم رب العزة بالمكذبين بالدين الذين يسيئون معاملة اليتيم وال يحضون على طعام المسكين ‪ ،‬وهم بذلك عن ‪1 :‬‬
‫الصالة التى يصلونها ساهون ‪ ،‬اضاعوها بهذا بل وكانوا يؤدون الصالة رياءا ‪ .‬لذا توعدهم رب العزة جل وعال بالويل‪ .‬قال جل‬
‫وعال ‪َ ( :‬أَر َأْي َت اَّلِذي ُيَك ِّذ ُب ِبالِّديِن ﴿‪َ ﴾١‬ف َٰذ ِلَك اَّلِذي َي ُد ُّع اْلَي ِتيَم ﴿‪َ﴾٢‬و اَل َيُحُّض َع َلٰى َط َع اِم اْلِم ْس ِكيِن ﴿‪َ ﴾٣‬فَو ْي ٌل ِّلْلُمَص ِّليَن ﴿‪ ﴾٤‬اَّلِذيَن‬
‫‪ُ.‬ه ْم َع ن َص اَل ِتِهْم َس اُهوَن ﴿‪ ﴾٥‬اَّلِذيَن ُه ْم ُيَر اُء وَن ﴿‪َ ﴾٦‬و َيْم َن ُع وَن اْل َم اُع وَن ﴿‪ ﴾٧‬الماعون )‬
‫هناك من العرب القرشيين من كان يُص ُّد عن المسجد الحرام ومع هذا يؤدون الصالة ‪ ،‬وصفها رب العزة بالُم كاء ‪2 :‬‬
‫والتصدية ‪ ،‬قال جل وعال يتوعدهم بالعذاب ‪َ ( :‬و َم ا َلُهْم َأاَّل ُيَع ِّذ َبُهُم الَّلـُه َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْل َمْس ِج ِد اْل َح َر اِم َو َم ا َك اُنوا َأْو ِلَي اَء ُه ۚ ِإْن‬
‫َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإاَّل اْلُم َّت ُقوَن َو َلٰـ ِكَّن َأْك َث َر ُه ْم اَل َيْع َلُم وَن ﴿‪َ ﴾٣٤‬و َم ا َك اَن َص اَل ُتُهْم ِع نَد اْلَبْي ِت ِإاَّل ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة ۚ َفُذ وُقوا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم‬
‫َتْك ُفُر وَن ﴿‪ ﴾٣٥‬االنفال )‬
‫هناك من اضاع صالته بالمعاصى وإتباع الشهوات وتوعدهم هللا جل وعال بالعذاب إن لم يتوبوا ‪ ،‬قال جل وعال عن األجيال ‪3 :‬‬
‫الالحقة ‪َ ( :‬فَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص اَل َة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت ۖ َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ﴿‪ِ ﴾٥٩‬إاَّل َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا‬
‫َفُأوَلٰـ ِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْلَج َّن َة َو اَل ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ﴿‪ ﴾٦٠‬مريم )‬
‫ـ نحن هنا أمام وضع فريد فى جنون العصيان أّس سه الخلفاء الفاسقون ‪ :‬إنها ما نسميه بالصالة الشيطانية ‪ ،‬وهى أن تتعبد ‪4‬‬
‫بالصالة وتتدّي ن مستغال دين هللا جل وعال وإسم هللا جل وعال فى البغى والعدوان بقتل الماليين ونهب الشعوب وإحتالل البالد‬
‫والسبى واإلسترقاق للصغار والكبار‪ .‬نتذكر أن قتل مؤمن مسالم واحد يعنى الخلود فى النار مع غضب هللا جل ولعنته فكيف بقتل‬
‫الماليين ؟‪ ،‬ثم كيف بقتلهم بشعار االسالم إفتراءا على هللا جل وعال ورسوله ؟ كل المطلوب أن تتهم الغير بالكفر وتستحل‬
‫دماءهم وأموالهم وأعراضهم وتجعل ذلك دين هللا جل وعال‪ !.‬ترتكب كل هذا الفجور وأنت تصلى الصلوات الخمس وأنت تهتف (‬
‫‪ .‬هللا أكبر )‬
‫ـ المعبود األكبر لهم ليس رب العزة جل وعال بل هو المال الذى تأتى بالحرب وسفك الدماء ‪ ،‬وفى سبيل معبودهم األكبر ‪5‬‬
‫يؤدون الصالة ‪ .‬من حيث الشكل هى الصالة االسالمية ( فى األغلب بسبب وجود تحريفات الحقة ) ومن حيث المضمون هى‬
‫‪ .‬وسيلة ليس للتقوى ولكن للحث على البغى والعدوان والفساد والظلم‬
‫أخيرا ‪ :‬فى الفصول القادمة نتتبع الصالة تاريخ الخلفاء بإستغاللها فى اإلثم والعدوان مع تأديتها بنفس المعهود من توقيتها‬
‫‪ .‬وكيفيتها‬

‫الفصل الثانى ‪ :‬الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين ‪ :‬حرب الردة والفتوحات‬


‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ دين الخلفاء الفاسقين يناقض دين رب العالمين ‪ .‬يقوم دين رب العالمين على السالم وااليمان باهلل جل وعال واليوم اآلخر ‪1 ،‬‬
‫وبه تكون إقامة الصالة تقوى وخشوعا والجهاد فى سبيله إبتغاء مرضاته ‪ .‬أما دين الخلفاء الفاسقين ومن تبعهم ومن خرج‬
‫عليهم فإالههم األكبر هو المال ‪ ،‬وللحصول عليه يؤدون الصالة ويؤمنون باالستحالل ؛ إستحالل الدماء واألموال واألعراض‬
‫‪.‬وإحتالل البالد‬
‫ـ نبدأ هنا بلمحة قرآنية عن طوائف الصحابة وهم فى المدينة حول النبى محمد عليه السالم‪ .‬ثم بعدها مع لمحة تاريخية عنهم ‪2‬‬
‫‪.‬فى عصر الخلفاء الفاسقين بعد موت خاتم النبيين‬
‫أوال ‪ :‬دعوة الجهاد فى سبيل هللا جل وعال تأتى مقرونة بااليمان باهلل واليوم األخر‬
‫ـ النفس والمال هما أحرص ما يحرص عليه االنسان فى حياته الدنيا ‪ .‬المؤمن باهلل جل وعال يعلم إن حياته المؤقتة فى هذه ‪1‬‬
‫‪ .‬الدنيا الفانية هى فرصته ليفوز بالخلود فى الجنة ‪ .‬ولهذا فهو يبادر بالتضحية بحياته وماله فى سبيل هللا جل وعال‬
‫ـ لذا إحتوى خطاب الدعوة للقتال فى سبيل هللا جل وعال على أن الجنة تنتظر من يجاهد صابرا فى سبيله جل وعال ‪ .‬قال جل ‪2‬‬
‫وعال ‪َ ( :‬أْم َح ِس ْب ُتْم َأن َت ْد ُخ ُلوا اْلَج َّن َة َو َلَّم ا َيْع َلِم الَّلـُه اَّلِذيَن َج اَهُدوا ِمنُك ْم َو َيْع َلَم الَّص اِبِر يَن ﴿‪ ﴾١٤٢‬آل عمران )‬
‫ـ وبعضهم كان يتثاقل عن الخروج دفاعا عن المدينة ‪ ،‬قال جل وعال يلومهم على إيثارهم الحياة الدنيا الفانية على الخلود فى ‪3‬‬
‫الجنة ‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا َم ا َلُك ْم ِإَذ ا ِقيَل َلُك ُم انِفُر وا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه اَّث اَقْلُتْم ِإَلى اَأْلْر ِض ۚ َأَر ِض يُتم ِباْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا ِمَن اآْل ِخَر ِة ۚ َفَم ا‬
‫َم َت اُع اْل َح َي اِة الُّد ْن َي ا ِفي اآْل ِخَر ِة ِإاَّل َقِليٌل ﴿‪ ﴾٣٨‬التوبة ) وأوضح لهم رب العزة جل وعال أن القتال االسالمى هو الخير لهم لو كانوا‬
‫‪.‬يعلمون ‪ ( :‬انِفُر وا ِخَفاًفا َو ِثَق ااًل َو َج اِهُدوا ِبَأْم َو اِلُك ْم َو َأنُفِس ُك ْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ۚ َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿‪ ﴾٤١‬التوبة )‬
‫‪ :‬ـ وجاء الخطاب االلهى لهم فى شكل صفقة تجارية بالبيع والشراء ‪ .‬بيع الدنيا وشراء جنة اآلخرة ‪ .‬قال جل وعال ‪4‬‬
‫َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا َه ْل َأُد ُّلُك ْم َع َلٰى ِتَج اَر ٍة ُتنِجيُك م ِّم ْن َع َذ اٍب َأِليٍم ﴿‪ُ ﴾١٠‬تْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو ُتَج اِهُدوَن ِفي َس ِبيِل ( ‪4 / 1 :‬‬
‫الَّلـِه ِبَأْمَو اِلُك ْم َو َأنُفِس ُك ْم ۚ َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿‪َ ﴾١١‬ي ْغ ِفْر َلُك ْم ُذ ُنوَب ُك ْم َو ُيْد ِخ ْلُك ْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَأْلْن َه اُر َو َمَس اِكَن‬
‫) َط ِّيَب ًة ِفي َج َّن اِت َع ْد ٍن َٰۚذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُم ﴿‪َ ﴾١٢‬و ُأْخ َر ٰى ُتِحُّب وَن َه ا ۖ َن ْص ٌر ِّم َن الَّلـِه َو َفْت ٌح َقِر يٌب ۗ َو َب ِّش ِر اْلُم ْؤ ِمِنيَن ﴿‪ ﴾١٣‬الصف‬
‫ِإَّن الَّلـَه اْشَت َر ٰى ِمَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َأنُفَس ُهْم َو َأْم َو اَلُهم ِبَأَّن َلُهُم اْل َج َّن َة ُۚيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َفَي ْق ُتُلوَن َو ُيْق َت ُلوَن ۖ َو ْع ًدا َع َلْي ِه ( ‪4 / 2 :‬‬
‫َح ًّق ا ِفي الَّت ْو َر اِة َو اِإْلنِج يِل َو اْلُقْر آِن ۚ َو َم ْن َأْو َفٰى ِبَع ْه ِدِه ِمَن الَّلـِه ۚ َفاْس َت ْب ِش ُر وا ِبَبْي ِع ُك ُم اَّلِذي َب اَيْع ُتم ِبِه ۚ َو َٰذ ِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُم ﴿‪﴾١١١‬‬
‫‪ ).‬التوبة‬
‫ـ القتال الدفاعى فى االسالم هو رد االعتداء بمثله بال أى تجاوز ‪ ،‬قال جل وعال ‪ ( :‬الَّش ْهُر اْلَح َر اُم ِبالَّش ْه ِر اْلَح َر اِم َو اْلُحُرَم اُت ‪5‬‬
‫ِقَص اٌص ۚ َفَم ِن اْع َت َد ٰى َع َلْي ُك ْم َفاْع َت ُدوا َع َلْي ِه ِبِم ْث ِل َم ا اْع َت َد ٰى َع َلْي ُك ْم ۚ َو اَّت ُقوا الَّلـَه َو اْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َمَع اْلُم َّت ِقيَن ﴿‪ ﴾١٩٤‬البقرة ) ‪.‬‬
‫ولكن هذا القتال الدفاعى يستوجب تكلفة مالية ‪ ،‬أو اإلنفاق فى سبيل هللا ‪ ،‬لذا جاءت اآلية التالية تحث عليه ألنه بدونه تكون‬
‫التهلكة على يد عدو ال يرقب فى مؤمن إاّل وال ذّم ة ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َأنِفُقوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َو اَل ُتْلُقوا ِبَأْي ِديُك ْم ِإَلى‬
‫‪.‬الَّت ْه ُلَك ِة َۛو َأْح ِس ُنوا ۛ ِإَّن الَّلـَه ُيِحُّب اْلُمْح ِس ِنيَن ﴿‪ ﴾١٩٥‬البقرة )‬
‫‪:‬ـ وتكررت الدعوة الى اإلنفاق فى سبيل هللا جل وعال بصورة غاية فى التأثير ‪6‬‬
‫تجعله إقراضا لرب العزة الغنى الحميد‪ .‬قال جل وعال ‪َّ ( :‬م ن َذ ا اَّلِذي ُيْق ِر ُض الَّلـَه َقْر ًض ا َح َس ًن ا َفُيَض اِع َف ُه َلُه َأْض َع اًفا ‪6 / 1 :‬‬
‫َك ِثيَر ًة ۚ َو الَّلـُه َي ْق ِبُض َو َيْبُس ُط َو ِإَلْي ِه ُتْر َج ُع وَن ﴿‪ ﴾٢٤٥‬البقرة ) ( َّم ن َذ ا اَّلِذي ُيْق ِر ُض الَّلـَه َقْر ًض ا َح َس ًن ا َفُيَض اِع َف ُه َلُه َو َلُه َأْج ٌر َك ِر يٌم ﴿‬
‫‪ ﴾١١‬الحديد )( ِإَّن اْلُمَّص ِّدِقيَن َو اْلُمَّص ِّد َقاِت َو َأْق َر ُض وا الَّلـَه َقْر ًض ا َح َس ًن ا ُيَض اَع ُف َلُهْم َو َلُهْم َأْج ٌر َك ِر يٌم ﴿‪ ﴾١٨‬الحديد )( َو َأْق ِر ُض وا‬
‫الَّلـَه َقْر ًض ا َح َس ًن ا ۚ َو َم ا ُتَق ِّد ُم وا َأِلنُفِس ُك م ِّم ْن َخ ْي ٍر َت ِج ُدوُه ِعنَد الَّلـِه ُه َو َخ ْيًر ا َو َأْع َظ َم َأْج ًر ا ۚ َو اْس َت ْغ ِفُر وا الَّلـَه ۖ ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‬
‫‪ ﴾٢٠.‬المزمل )‬
‫وتحّذ ر المؤمنين من الندم حين يأتى األجل ويتمّن ى أحدهم أن يعود ليتبرع بالمال فى سبيل الرحمن جل وعال ‪6 / 2 : ( :‬‬
‫َو َأنِفُقوا ِمن َّم ا َر َز ْق َن اُك م ِّم ن َقْب ِل َأن َي ْأِتَي َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت َفَي ُقوَل َر ِّب َلْو اَل َأَّخ ْر َت ِني ِإَلٰى َأَج ٍل َقِر يٍب َفَأَّص َّد َق َو َأُك ن ِّم َن الَّص اِلِحيَن ﴿‬
‫‪َ ﴾١٠‬و َلن ُيَؤ ِّخ َر الَّلـُه َن ْف ًس ا ِإَذ ا َج اَء َأَج ُلَه ا ۚ َو الَّلـُه َخ ِبيٌر ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن ﴿‪ ﴾١١‬المنافقون )‬
‫ثانيا ‪ :‬تطبيق الصحابة لهذه األوامر االلهية‬
‫‪ :‬ـ فى بداية سورة البقرة ( المدنية ) اشار رب العزة الى أن البشر ثالثة أصناف ‪1‬‬
‫المتقون ‪َٰ ( :‬ذ ِلَك اْلِك َت اُب اَل َر ْيَب ۛ ِفيِه ۛ ُهًد ى ِّلْلُم َّت ِقيَن ﴿‪ ﴾٢‬اَّلِذيَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِباْلَغ ْي ِب َو ُيِقيُم وَن الَّص اَل َة َو ِم َّم ا َر َز ْق َن اُه ْم ُينِفُقوَن ﴿ ‪1 / 1 :‬‬
‫‪َ﴾٣‬و اَّلِذيَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبَم ا ُأنِز َل ِإَلْي َك َو َم ا ُأنِز َل ِمن َقْب ِلَك َو ِباآْل ِخَر ِة ُه ْم ُيوِقُنوَن ﴿‪ُ ﴾٤‬أوَلٰـ ِئَك َع َلٰى ُهًدى ِّم ن َّر ِّب ِهْم ۖ َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم‬
‫اْلُم ْف ِلُح وَن ﴿‪)﴾٥‬‬
‫الكافرون الُّص رحاء ‪ِ ( :‬إَّن اَّلِذيَن َك َفُر وا َس َو اٌء َع َلْي ِهْم َأَأنَذ ْر َت ُهْم َأْم َلْم ُتنِذ ْر ُه ْم اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ﴿‪َ ﴾٦‬خ َت َم الَّلـُه َع َلٰى ُقُلوِبِهْم َو َع َلٰى ‪1 / 2 :‬‬
‫‪َ.‬س ْم ِع ِهْم ۖ َو َع َلٰى َأْبَص اِر ِه ْم ِغ َش اَو ٌة َۖو َلُهْم َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿‪)﴾٧‬‬
‫‪ :‬المنافقون ‪1 / 3 :‬‬
‫وصفهم رب العزة بأنهم يزعمون االيمان باهلل جل وعال وباليوم اآلخر وما هم بمؤمنين ‪َ ( :‬و ِمَن الَّن اِس َم ن َي ُقوُل ‪1 / 3 / 1 :‬‬
‫آَم َّن ا ِبالَّلـِه َو ِباْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو َم ا ُهم ِبُم ْؤ ِمِنيَن ﴿‪ُ ﴾٨‬يَخ اِد ُع وَن الَّلـَه َو اَّلِذيَن آَم ُن وا َو َم ا َي ْخ َد ُع وَن ِإاَّل َأنُفَس ُهْم َو َم ا َي ْش ُعُر وَن ﴿‪ِ﴾٩‬في ُقُلوِبِه م‬
‫‪َّ﴾ .‬مَر ٌض َفَز اَدُه ُم الَّلـُه َمَر ًض ا ۖ َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم ِبَم ا َك اُن وا َي ْك ِذ ُبوَن ﴿‪)١٠‬‬
‫وذكر رب العزة جل وعال جانبا من مكرهم وقلبهم الحقائق ‪َ (:‬و ِإَذ ا ِقيَل َلُهْم اَل ُتْف ِس ُدوا ِفي اَأْلْر ِض َقاُلوا ِإَّن َم ا َن ْح ُن ‪1 / 3 / 2 :‬‬
‫ُمْص ِلُح وَن ﴿‪َ ﴾١١‬أاَل ِإَّن ُهْم ُه ُم اْلُم ْف ِس ُدوَن َو َلٰـ ِكن اَّل َي ْش ُعُر وَن ﴿‪َ ﴾١٢‬و ِإَذ ا ِقيَل َلُهْم آِم ُنوا َك َم ا آَم َن الَّن اُس َقاُلوا َأُنْؤ ِمُن َك َم ا آَم َن‬
‫الُّس َف َه اُء ۗ َأاَل ِإَّن ُهْم ُه ُم الُّس َف َه اُء َو َلٰـ ِكن اَّل َيْع َلُم وَن ﴿‪َ ﴾١٣‬و ِإَذ ا َلُقوا اَّلِذيَن آَم ُن وا َقاُلوا آَم َّن ا َو ِإَذ ا َخ َلْو ا ِإَلٰى َش َي اِط يِنِهْم َقاُلوا ِإَّن ا َمَع ُك ْم ِإَّن َم ا‬
‫‪َ .‬ن ْح ُن ُمْس َت ْه ِز ُئوَن ﴿‪ ﴾١٤‬الَّلـُه َيْس َت ْه ِز ُئ ِبِهْم َو َيُم ُّدُه ْم ِفي ُط ْغ َي اِنِهْم َيْع َمُهوَن ﴿‪ ﴾١٥‬البقرة )‬
‫وقال جل وعال عن خداعهم ‪ِ ( :‬إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن الَّلـَه َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وا ِإَلى الَّص اَل ِة َقاُم وا ُك َس اَلٰى ‪1 / 3 / 3 :‬‬
‫‪ُ.‬يَر اُء وَن الَّن اَس َو اَل َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِإاَّل َقِلياًل ﴿‪ ﴾١٤٢‬النساء )‬
‫‪ :‬ـ وتنوعت إستجابة الصحابة حسب االيمان والتقوى والكفر والنفاق ‪2‬‬
‫الصحابة المتقون الصادفون فى إيمانهم ‪ .‬منهم مهاجرون تركوا أموالهم وبيوتهم وهاجروا فى سبيل الرحمن جل ‪2 / 1 :‬‬
‫وعال ‪ ،‬وفى المدينة وجدوا من أهل المدينة من أكرمهم وأثرهم على أنفسهم حتى لو كانوا فقراء ذوى خصاصة‪ .‬قال جل وعال‬
‫يصف أوائك الصحابة المهاجرين الصادقين ‪ِ ( :‬لْلُفَقَر اِء اْلُمَه اِجِر يَن اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِه ْم َو َأْم َو اِلِهْم َيْب َت ُغ وَن َفْض اًل ِّم َن الَّلـِه‬
‫َو ِر ْض َو اًن ا َو َي نُصُر وَن الَّلـَه َو َر ُس وَلُه ۚ ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم الَّص اِد ُقوَن ﴿‪ ﴾٨‬الحشر ) ‪,‬فى اآلية التالية قال جل وعال عن الصحابة األنصار‬
‫الصادقين ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن َت َبَّو ُء وا الَّداَر َو اِإْليَم اَن ِمن َقْب ِلِهْم ُيِحُّب وَن َم ْن َهاَج َر ِإَلْي ِهْم َو اَل َي ِج ُدوَن ِفي ُص ُدوِر ِه ْم َح اَج ًة ِّمَّم ا ُأوُتوا َو ُيْؤ ِثُر وَن‬
‫َع َلٰى َأنُفِس ِهْم َو َلْو َك اَن ِبِهْم َخ َص اَص ٌة ۚ َو َم ن ُيوَق ُش َّح َن ْف ِس ِه َفُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن ﴿‪ ﴾٩‬الحشر )‬
‫مصطلح ( صاحب ) فى القرآن يعنى الُّص حبة فى نفس الزمان والمكان‪ .‬بالتالى كان كفار العرب الذين عاشوا فى عصر ‪2 / 2 :‬‬
‫النبى وتعاملوا معه هم ضمن أصحابه ‪ .‬وقد كانوا يهاجمون المؤمنين بعد الهجرة حتى فى األشهر الُحُر م ‪ ،‬وتحّر ج بعض‬
‫المؤمنين من القتال الدفاعى فى الشهر الحرام ‪ ،‬وسألوا النبى فنزل قوله جل وعال ‪َ ( :‬يْس َأُلوَن َك َع ِن الَّش ْه ِر اْلَح َر اِم ِقَت اٍل ِفيِه ۖ ُقْل‬
‫ِقَت اٌل ِفيِه َك ِبيٌر ۖ َو َص ٌّد َع ن َس ِبيِل الَّلـِه َو ُك ْف ٌر ِبِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو ِإْخ َر اُج َأْه ِلِه ِم ْن ُه َأْك َبُر ِعنَد الَّلـِه ۚ َو اْلِفْتَن ُة َأْك َبُر ِمَن اْلَقْت ِل ۗ َو اَل‬
‫َي َز اُلوَن ُيَق اِتُلوَنُك ْم َح َّتٰى َيُر ُّدوُك ْم َع ن ِديِنُك ْم ِإِن اْس َت َط اُع وا ۚ َو َم ن َيْر َت ِدْد ِمنُك ْم َع ن ِديِنِه َفَيُم ْت َو ُه َو َك اِفٌر َفُأوَلٰـ ِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم ِفي‬
‫الُّد ْن َي ا َو اآْل ِخ َر ِة ۖ َو ُأوَلٰـ ِئَك َأْص َح اُب الَّن اِر ۖ ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُدوَن ﴿‪ ﴾٢١٧‬البقرة )‪ .‬هنا تاكيد إالهى أن أولئك سيستمرون فى الهجوم‬
‫الحربى حتى يردوا المؤمنين المسالمين عن دينهم‪ .‬وأن الذى يرتد عن االسالم ويموت كافرا فمصيره الخلود فى النار‪ ( .‬هنا‬
‫!‪.‬دليل على ان من يرتد يظل حيا حتى موته ‪ ،‬اى ليس هناك ‪ :‬حّد الّر ّد ة )‬
‫‪ :‬ـ الصحابة المنافقون ‪3‬‬
‫كانوا يرفضون القتال الدفاعى ‪.‬قال جل وعال عنهم ‪َ (:‬و ِإَذ ا ُأنِز َلْت ُس وَر ٌة َأْن آِم ُن وا ِبالَّلـِه َو َج اِهُدوا َمَع َر ُس وِلِه اْس َت ْأَذ َن َك ‪3 / 1 :‬‬
‫ُأوُلو الَّط ْو ِل ِم ْن ُهْم َو َقاُلوا َذ ْر َن ا َنُك ن َّمَع اْلَق اِع ِديَن ﴿‪ ﴾٨٦‬التوبة )‬
‫‪ :‬فى اإلنفاق المالى ‪3 / 2 :‬‬
‫كانوا يقبضون أيديهم عن اإلنفاق فى سبيل هللا‪.‬قال جل وعال عنهم ‪ (:‬اْل ُم َن اِفُقوَن َو اْلُم َن اِفَقاُت َبْع ُضُهم ِّم ن ‪3 / 2 / 1 :‬‬
‫َبْع ٍض ۚ َي ْأُمُر وَن ِباْلُم نَك ِر َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْل َمْع ُر وِف َو َي ْق ِبُض وَن َأْي ِد َيُهْم نُس وا الَّلـَه َفَن ِس َيُهْم ۗ ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُه ُم اْلَفاِس ُقوَن ﴿‪ ﴾٦٧‬التوبة )‬
‫كانوا يتزعمون حملة لمنع التبرعات ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪ُ (:‬ه ُم اَّلِذيَن َي ُقوُلوَن اَل ُتنِفُقوا َع َلٰى َم ْن ِع نَد َر ُس وِل الَّلـِه ‪3 / 2 / 2 :‬‬
‫) َح َّتٰى َي نَف ُّض وا ) ﴿‪ ﴾٧‬المنافقون‬
‫كانوا يسخرون مّم ن يتطوع بماله من المؤمنين األتقياء ‪ ،‬قال جل وعال ‪ (:‬اَّلِذيَن َي ْلِم ُز وَن اْلُم َّط ِّو ِع يَن ِمَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ‪3 / 2 / 3 :‬‬
‫ِفي الَّص َد َقاِت َو اَّلِذيَن اَل َي ِج ُدوَن ِإاَّل ُجْه َد ُه ْم َفَيْس َخ ُر وَن ِم ْن ُهْم ۙ َس ِخَر الَّلـُه ِم ْن ُهْم َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم﴿‪ ﴾٧٩‬التوبة )‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬عقد مقارنات‬
‫‪ :‬ـ بين المتقين والكافرين ‪1‬‬
‫ال يخلو المشركون من أعمال صالحة ‪ ،‬وكذلك كان كفار قريش ‪ ،‬وكانوا يعتقدون أن أن سقايتهم للحجاج وتعمير البيت الحرام‬
‫بالبناء والتشييد يرفع مكانتهم عند هللا جل وعال ‪ ،‬كما هو الحال مع األسرة السعودية اآلن‪ .‬قال جل وعال يعقد مقارنة بينهم‬
‫وبين المؤمنين المتقين المجاهدين فى سبيل هللا جل وعال بأموالهم وأنفسهم‪َ ( :‬أَج َع ْلُتْم ِس َق اَي َة اْلَح اِّج َو ِع َم اَر َة اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َك َم ْن‬
‫آَم َن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو َج اَهَد ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ۚ اَل َيْس َت ُو وَن ِعنَد الَّلـِه ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾١٩‬اَّلِذيَن آَم ُن وا َو َهاَج ُر وا‬
‫َو َج اَهُدوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم َأْع َظ ُم َد َر َج ًة ِعنَد الَّلـِه ۚ َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلَفاِئُز وَن ﴿‪ ﴾٢٠‬التوبة )‬
‫‪ :‬ـ بين المتقين والمنافقين ‪2‬‬
‫فى حصار الكفار للمدينة فى موقعة األحزاب وعد هللا جل وعال أهل المدينة بالنصر ‪ .‬وتباينت مواقف المؤمنين الصادق ‪2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬والمنافقين‬
‫عن المنافقين قال جل وعال ‪َ ( :‬و ِإْذ َي ُقوُل اْلُم َن اِفُقوَن َو اَّلِذيَن ِفي ُقُلوِبِه م َّمَر ٌض َّم ا َو َع َد َن ا الَّلـُه َو َر ُس وُلُه ِإاَّل ُغ ُر وًر ا ﴿ ‪2 / 1 / 1 :‬‬
‫‪َ ﴾١٢‬و ِإْذ َقاَلت َّط اِئَف ٌة ِّم ْن ُهْم َي ا َأْه َل َي ْث ِر َب اَل ُم َقاَم َلُك ْم َفاْر ِج ُع وا ۚ َو َيْس َت ْأِذُن َفِر يٌق ِّم ْن ُهُم الَّن ِبَّي َي ُقوُلوَن ِإَّن ُبُيوَتَن ا َع ْو َر ٌة َو َم ا ِه َي‬
‫ِبَعْو َر ٍة ۖ ِإن ُيِر يُدوَن ِإاَّل ِفَر اًر ا ﴿‪َ ﴾١٣‬و َلْو ُدِخَلْت َع َلْي ِه م ِّم ْن َأْقَط اِر َها ُثَّم ُس ِئُلوا اْلِفْتَن َة آَل َت ْو َها َو َم ا َت َلَّب ُثوا ِبَه ا ِإاَّل َي ِس يًر ا ﴿‪َ ﴾١٤‬و َلَق ْد‬
‫‪َ .‬ك اُنوا َع اَهُدوا الَّلـَه ِمن َقْب ُل اَل ُيَو ُّلوَن اَأْلْد َب اَر َۚو َك اَن َع ْه ُد الَّلـِه َمْس ُئواًل ﴿‪ ﴾١٥‬االحزاب )‬
‫وقال جل وعال عن موقف المؤمنين المتقين ‪َ(:‬و َلَّم ا َر َأى اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَأْلْح َز اَب َقاُلوا َه ٰـ َذ ا َم ا َو َع َد َن ا الَّلـُه َو َر ُس وُلُه ‪2 / 1 / 2 :‬‬
‫َو َص َد َق الَّلـُه َو َر ُس وُلُه ۚ َو َم ا َز اَدُه ْم ِإاَّل ِإيَم اًن ا َو َت ْس ِليًم ا ﴿‪ ﴾ِّ٢٢‬مَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِر َج اٌل َص َد ُقوا َم ا َع اَهُدوا الَّلـَه َع َلْي ِه ۖ َفِم ْن ُهم َّم ن َقَض ٰى‬
‫َن ْح َب ُه َو ِم ْن ُهم َّم ن َي نَت ِظ ُر ۖ َو َم ا َب َّد ُلوا َت ْب ِد ياًل ﴿‪ ﴾٢٣‬االحزاب )‬
‫‪ :‬فى موقعة ذات العسرة والتى كانت وقت قيظ شديد تباينت المواقف ‪2 / 2 :‬‬
‫كان هناك منافقون يستأذنون النبى فى التخلف عن القتال وهم كاذبون ‪ ،‬ويحلفون كذبا يهلكون أنفسهم ‪ ،‬عنهم قال ‪2 / 2 / 1 :‬‬
‫جل وعال ‪َ ( :‬لْو َك اَن َع َر ًض ا َقِر يًب ا َو َس َفًر ا َقاِص ًدا اَّل َّت َبُع وَك َو َلٰـ ِكن َبُع َد ْت َع َلْي ِهُم الُّش َّق ُة َۚو َس َيْح ِلُفوَن ِبالَّلـِه َلِو اْس َت َط ْع َن ا َلَخ َر ْج َن ا َمَع ُك ْم‬
‫ُيْه ِلُك وَن َأنُفَس ُهْم َو الَّلـُه َيْع َلُم ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن ﴿‪ ﴾٤٢‬التوبة )‪ ،‬بعدها عاتب رب العزة النبى محمدا على قبول إعتذارهم الكاذب ‪ ،‬فقال‬
‫‪.‬له ‪َ ( :‬ع َفا الَّلـُه َع نَك ِلَم َأِذنَت َلُهْم َح َّتٰى َي َت َبَّي َن َلَك اَّلِذيَن َص َد ُقوا َو َت ْع َلَم اْلَك اِذ ِبيَن ﴿‪ ﴾٤٣‬التوبة )‬
‫بعدها قال جل وعال فى المقارنة بينهم وبين المؤمنين ‪ ( :‬اَل َيْس َت ْأِذ ُنَك اَّلِذيَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َأن ُيَج اِهُدوا ‪2 / 2 / 2 :‬‬
‫ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم َۗو الَّلـُه َع ِليٌم ِباْلُم َّت ِقيَن ﴿‪ِ ﴾٤٤‬إَّن َم ا َيْس َت ْأِذ ُنَك اَّلِذيَن اَل ُي ْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو اْر َت اَب ْت ُقُلوُبُهْم َف ُهْم ِفي َر ْي ِبِهْم‬
‫َي َت َر َّد ُدوَن ﴿‪ ﴾٤٥‬التوبة )‬
‫وفى مقابل أولئك المنافقين قال جل وعال عن النبى والمؤمنين ‪َ ( :‬لٰـ ِك ِن الَّر ُس وُل َو اَّلِذيَن آَم ُنوا َمَع ُه َج اَهُدوا ِبَأْم َو اِلِهْم ‪2 / 3 :‬‬
‫َو َأنُفِس ِهْم ۚ َو ُأوَلٰـ ِئَك َلُهُم اْل َخ ْيَر اُت ۖ َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن ﴿‪ ﴾٨٨‬التوبة ) وقال جل وعال عن مثوبتهم ‪َ( :‬أَع َّد الَّلـُه َلُهْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي‬
‫‪ِ.‬من َت ْح ِتَه ا اَأْلْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا ۚ َٰذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُم ﴿‪ ﴾٨٩‬التوبة )‬
‫كان هناك مؤمنون متقون تمنعهم ظروف قهرية من الجهاد فى سبيل هللا جل وعال بالنفس والمال ‪ ،‬قال جل وعال ‪2 / 4 : :‬‬
‫( َّلْيَس َع َلى الُّضَع َفاِء َو اَل َع َلى اْلَمْر َض ٰى َو اَل َع َلى اَّلِذيَن اَل َي ِج ُدوَن َم ا ُينِفُقوَن َح َر ٌج ِإَذ ا َن َص ُح وا ِلَّلـِه َو َر ُس وِلِه ۚ َم ا َع َلى اْلُمْح ِس ِنيَن‬
‫ِمن َس ِبيٍل ۚ َو الَّلـُه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪َ ﴾٩١‬و اَل َع َلى اَّلِذيَن ِإَذ ا َم ا َأَت ْو َك ِلَت ْح ِم َلُهْم ُقْلَت اَل َأِج ُد َم ا َأْح ِم ُلُك ْم َع َلْي ِه َت َو َّلوا َّو َأْع ُيُنُهْم َت ِفيُض ِمَن‬
‫الَّد ْم ِع َح َز ًن ا َأاَّل َي ِج ُدوا َم ا ُينِفُقوَن ﴿‪ ﴾٩٢‬التوبة ) فى المقابل قال جل وعال عن المنافقين الذين يستأذنون وهم أصّح اء أغنياء ‪:‬‬
‫( ِإَّن َم ا الَّس ِبيُل َع َلى اَّلِذيَن َيْس َت ْأِذ ُنوَن َك َو ُه ْم َأْغ ِنَي اُء ۚ َر ُض وا ِبَأن َي ُك وُنوا َمَع اْلَخ َو اِلِف َو َط َبَع الَّلـُه َع َلٰى ُقُلوِبِهْم َفُهْم اَل َيْع َلُم وَن ﴿‬
‫‪﴾٩٣‬التوبة)‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬ال إجبار وال إكراه فى الجهاد‬
‫ـ هو عمل تطوعى يقوم به من يؤمن باهلل جل وعال واليوم اآلخر ‪ .‬وعقاب من يتخلف هو حرمانه من شرف الجهاد بالنفس ‪1‬‬
‫‪.‬والمال ‪ ،‬وينتظره العذاب األليم فى اآلخرة‬
‫ـ عن المنافقين الرافضين للجهاد فى سبيل هللا جل وعال بأموالهم وأنفسهم قال جل وعال ‪َ ( :‬فِر َح اْلُم َخ َّلُفوَن ِبَم ْق َع ِدِه ْم ِخاَل َف ‪2‬‬
‫َر ُس وِل الَّلـِه َو َك ِر ُهوا َأن ُيَج اِهُدوا ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َو َقاُلوا اَل َت نِفُر وا ِفي اْل َح ِّر ۗ ُقْل َن اُر َج َه َّن َم َأَش ُّد َح ًّر ا ۚ َّلْو َك اُنوا‬
‫َي ْفَق ُهوَن ﴿‪َ ﴾٨١‬فْلَيْض َح ُك وا َقِلياًل َو ْلَيْب ُك وا َك ِثيًر ا َج َز اًء ِبَم ا َك اُن وا َي ْك ِس ُبوَن ﴿‪ ﴾٨٢‬التوبة ) ‪ .‬عقابهم هو حرمانهم متقبال من شرف‬
‫الجهاد االسالمى ‪ ،‬ثم عذاب أليم فى اآلخرة ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬فِإن َّر َج َع َك الَّلـُه ِإَلٰى َط اِئَف ٍة ِّم ْن ُهْم َفاْس َت ْأَذ ُنوَك ِلْلُخ ُر وِج َفُقل َّلن‬
‫َتْخ ُرُج وا َم ِع َي َأَب ًدا َو َلن ُتَقاِتُلوا َم ِع َي َع ُد ًّو ا ِۖإَّنُك ْم َر ِض يُتم ِباْلُقُع وِد َأَّو َل َمَّر ٍة َفاْق ُع ُدوا َمَع اْلَخ اِلِفيَن ﴿‪َ ﴾٨٣‬و اَل ُتَص ِّل َع َلٰى َأَح ٍد ِّم ْن ُهم َّم اَت‬
‫َأَب ًدا َو اَل َت ُقْم َع َلٰى َقْب ِر ِه ۖ ِإَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن ﴿‪َ ﴾٨٤‬و اَل ُتْع ِج ْب َك َأْم َو اُلُهْم َو َأْو اَل ُدُه ْم ِإَّن َم ا ُيِر يُد الَّلـُه َأن‬
‫‪ُ.‬يَع ِّذ َبُهم ِبَه ا ِفي الُّد ْن َي ا َو َتْز َه َق َأنُفُسُهْم َو ُه ْم َك اِفُر وَن ﴿‪ ﴾٨٥‬التوبة )‬
‫ـ وليست تبرعاتهم المالية مقبولة ‪ ،‬وينتظرهم عذاب أليم فى اآلخرة ‪ ،‬قال جل وعال ‪ُ ( :‬قْل َأنِفُقوا َط ْو ًع ا َأْو َك ْر ًها َّلن ُيَت َقَّب َل ‪3‬‬
‫ِمنُك ْم ۖ ِإَّنُك ْم ُك نُتْم َق ْو ًم ا َفاِس ِقيَن ﴿‪َ ﴾٥٣‬و َم ا َم َن َع ُهْم َأن ُتْق َب َل ِم ْن ُهْم َن َفَقاُتُهْم ِإاَّل َأَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو ِبَر ُس وِلِه َو اَل َي ْأُتوَن الَّص اَل َة ِإاَّل َو ُه ْم‬
‫ُك َس اَلٰى َو اَل ُينِفُقوَن ِإاَّل َو ُه ْم َك اِر ُهوَن ﴿‪َ ﴾٥٤‬فاَل ُتْع ِج ْب َك َأْم َو اُلُهْم َو اَل َأْو اَل ُدُه ْم ۚ ِإَّن َم ا ُيِر يُد الَّلـُه ِلُيَع ِّذ َبُهم ِبَه ا ِفي اْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا َو َتْز َه َق‬
‫َأنُفُسُهْم َو ُه ْم َك اِفُر وَن ﴿‪ ﴾٥٥‬التوبة )‬
‫‪ :‬ـ ‪ :‬بل كان بعضهم يأمر بالبخل تحديا لرب العزة جل وعال ‪ .‬قال جل وعال ‪4‬‬
‫) اَّلِذيَن َيْب َخ ُلوَن َو َي ْأُمُر وَن الَّن اَس ِباْلُبْخ ِل ۗ َو َم ن َي َت َو َّل َفِإَّن الَّلـَه ُه َو اْلَغ ِنُّي اْل َح ِميُد ﴿‪ ﴾٢٤‬الحديد ( ‪4 / 1 :‬‬
‫وتوعدهم رب العزة جل وعال بأن يهلكهم فى الدنيا ويستبدل بهم قوما آخرين ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ها َأنُتْم َه ٰـ ُؤ اَل ِء ُت ْد َع ْو َن ‪4 / 2 :‬‬
‫ِلُتنِفُقوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َفِمنُك م َّم ن َيْب َخ ُل ۖ َو َم ن َيْب َخ ْل َفِإَّن َم ا َيْب َخ ُل َع ن َّن ْف ِس ِه ۚ َو الَّلـُه اْلَغ ِنُّي َو َأنُتُم اْلُفَقَر اُء ۚ َو ِإن َتَت َو َّلْو ا َيْس َت ْب ِد ْل َقْو ًم ا‬
‫َغ ْيَر ُك ْم ُثَّم اَل َي ُك وُن وا َأْم َث اَلُك م ﴿‪ ﴾٣٨‬الحديد )‬
‫‪ :‬وتوعدهم رب العزة جل وعال بالعذاب فى اآلخرة ‪ .‬قال جل وعال‪4 / 3 :‬‬
‫َو اَل َيْح َسَب َّن اَّلِذيَن َيْب َخ ُلوَن ِبَم ا آَت اُه ُم الَّلـُه ِمن َفْض ِلِه ُه َو َخ ْيًر ا َّلُهم ۖ َب ْل ُه َو َش ٌّر َّلُهْم َۖسُيَط َّو ُقوَن َم ا َب ِخ ُلوا ِبِه َيْو َم ( ‪4 / 3 / 1 :‬‬
‫) اْلِقَي اَم ِة ۗ َو ِلَّلـِه ِميَر اُث الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ۗ َو الَّلـُه ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن َخ ِبيٌر ﴿‪ ﴾١٨٠‬آل عمران‬
‫اَّلِذيَن َيْب َخ ُلوَن َو َي ْأُمُر وَن الَّن اَس ِباْلُبْخ ِل َو َي ْكُتُم وَن َم ا آَت اُه ُم الَّلـُه ِمن َفْض ِلِه ۗ َو َأْع َت ْد َن ا ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اًب ا ُّم ِه يًن ا ﴿‪4 / 3 / 2 : ( ﴾٣٧‬‬
‫) النساء‬
‫ـ وعن الذين كانوا يسخرون مّم ن يتطوع بماله من المؤمنين األتقياء ‪ ،‬قال جل وعال‪( :‬اْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َأْو اَل َت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم ِإن ‪5‬‬
‫‪َ .‬ت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َس ْب ِعيَن َمَّر ًة َفَلن َي ْغ ِفَر الَّلـُه َلُهْم ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َك َف ُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَفاِس ِقيَن ﴿‪ ﴾٨٠‬التوبة )‬
‫‪ :‬خامسا ‪ :‬النوع األخطر من المنافقين‬
‫ـ أولئك المنافقون فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم ونزل القرآن الكريم يخبر بأمرهم‪ .‬األخطر هم الذين مردوا على النفاق ‪1 ،‬‬
‫إذ لم يصدر منهم قول أو فعل ينبىء ويشير ويشى بما فى قلوبهم من ُك فر ‪،‬وبالتالى أحاطوا بالنبى محمد ‪ ،‬وكانوا األقرب اليهم ‪،‬‬
‫ومنهم مهاجرين بعثت بهم قريش جواسيس حول النبى ليختطفوا ( االسالم ) حين ُتتاح لهم الفرصة فيستغلونه لصالح قريش ‪.‬‬
‫وهم الذين أصبحوا ( الخلفاء الراشدين ) ومن تبعهم ‪ .‬قال عنهم رب العزة جل وعال ‪َ ( :‬و ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب‬
‫ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن َأْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿‬
‫‪ ﴾١٠١‬التوبة )‪ .‬أنبأ رب العزة مقدما أنهم لن يتوبوا عن كفرهم بل سيرتكبون عظائم الكبائر بحيث سيستحقون عليها عذابا‬
‫دنيويا مرتين ‪ ،‬ثم عذاب عظيم فى اآلخرة ‪ .‬ونرجو الرجوع الى كتابنا عن المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ‪ ،‬وهو‬
‫‪.‬منشور هنا ‪ ،‬وفيه التفصيل‬
‫ـ أولئك الخلفاء الفاسقون هم الذين ذكرهم التاريخ ‪ ،‬بينما أهمل التاريخ المؤمنين الصادقين السابقين بعملهم وبإيمانهم ‪ .‬إذ ‪2‬‬
‫يكفيهم الخلود فى الجنة ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪َ ( :‬و الَّس اِبُقوَن اَأْلَّو ُلوَن ِمَن اْلُمَه اِجِر يَن َو اَأْلنَص اِر َو اَّلِذيَن اَّت َبُع وُهم ِبِإْح َس اٍن َّر ِض َي‬
‫الَّلـُه َع ْن ُهْم َو َر ُض وا َع ْن ُه َو َأَع َّد َلُهْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي َت ْح َت َه ا اَأْلْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا َأَب ًدا ۚ َٰذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُم ﴿‪ ﴾١٠٠‬التوبة )‬
‫‪:‬سادسا ‪ :‬ال ننتظر من التاريخ أن يذكر أولئك الصحابة المؤمنين الصادقين ‪ .‬لماذا ؟‬
‫ال يهتم التاريخ بالفقراء المغمورين ‪ .‬منهم من لم يكن ثريا غنيا أو صاحب جاه‪ .‬يكفى وصف رب العزة جل وعال لهم ‪1 : :‬‬
‫( َّلْيَس َع َلى الُّضَع َفاِء َو اَل َع َلى اْلَمْر َض ٰى َو اَل َع َلى اَّلِذيَن اَل َي ِج ُدوَن َم ا ُينِفُقوَن َح َر ٌج ِإَذ ا َن َص ُح وا ِلَّلـِه َو َر ُس وِلِه ۚ َم ا َع َلى اْلُمْح ِس ِنيَن‬
‫ِمن َس ِبيٍل ۚ َو الَّلـُه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿‪َ ﴾٩١‬و اَل َع َلى اَّلِذيَن ِإَذ ا َم ا َأَت ْو َك ِلَت ْح ِم َلُهْم ُقْلَت اَل َأِج ُد َم ا َأْح ِم ُلُك ْم َع َلْي ِه َت َو َّلوا َّو َأْع ُيُنُهْم َت ِفيُض ِمَن‬
‫الَّد ْم ِع َح َز ًن ا َأاَّل َي ِج ُدوا َم ا ُينِفُقوَن ﴿‪ ﴾٩٢‬التوبة )‬
‫العادة أن ( عباد الرحمن ) ال يتصدرون المواكب ‪ ،‬ولذا ال تطفو أخبارهم الى التسجيل التاريخى ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و ِع َب اُد ‪2 :‬‬
‫‪.‬الَّر ْح َم ٰـ ِن اَّلِذيَن َيْم ُشوَن َع َلى اَأْلْر ِض َه ْو ًن ا َو ِإَذ ا َخ اَط َبُهُم اْل َج اِه ُلوَن َقاُلوا َس اَل ًم ا﴿‪ ﴾٦٣‬الفرقان )‬
‫وهم أبعد الناس عن الصراع على ( الُع ُلّو ) فى الدنيا وحطامها الزائل‪ .‬قال جل وعال عن المتقين أصحاب الجنة ‪ِ( :‬تْلَك ‪3 / 3 :‬‬
‫‪.‬الَّداُر اآْل ِخَر ُة َن ْج َع ُلَه ا ِلَّلِذيَن اَل ُيِر يُدوَن ُع ُلًّو ا ِفي اَأْلْر ِض َو اَل َفَس اًدا ۚ َو اْل َع اِقَب ُة ِلْلُم َّت ِقيَن ﴿‪ ﴾٨٣‬القصص )‬
‫ـ فى المقابل نعيد التذكير بقوله جل وعال عن مشاهير التاريخ بعد موت خاتم النبيين ‪َ ( :‬و ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب ‪4‬‬
‫ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن َأْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿‬
‫‪ ﴾١٠١.‬التوبة )‬
‫‪.‬ـ نعيش مع تاريخهم المكتوب فى الحلقة القادمة ‪4‬‬

‫‪ :‬مقارنة بين دين الرحمن ودينهم الشيطانى فى حرب الردة‬


‫ـ ابو بكر حاربهم ألنهم طالبهم بدفع الصدقات فرفضوا ‪ ،‬فقال كلمته المشهورة التى ارودها الطبرى ‪ ( :‬لو منعوني عقاال ‪1‬‬
‫‪.‬لجاهدتهم عليه )‬
‫ـ عرفنا أن هللا جل وعال جعل تقديم الصدقة واالنفاق عمال تطوعيا ال إلزام فيه ‪ ،‬بل منع النبى محمدا من قبول نفقات ‪2‬‬
‫المنافقين‪ .‬المنافقون كانوا ال يعترفون بذنوبهم بل يصممون عليها يتخذون الحلف الكاذب برب العزة وسيلة‪ ( .‬المنافقون ‪6 : 1‬‬
‫) ‪ .‬وهناك صحابة مؤمنون إعترفوا بذنوبهم فأمرهم رب العزة جل وعال أن يقدموا صدقة تطهرهم مقابل أن يستغفر لهم النبى‬
‫‪ (.‬التوبة ‪) 104 : 102‬‬
‫ـ وعرفنا أن العرب دخلوا أفواجا فى االسالم السلوكى بمعنى السالم واألمن ‪ ،‬وأن إختيارهم السالم ونبذ الحرب وإحترام ‪3‬‬
‫العهود والمواثيق تعنى إقامتهم الصالة وإيتاءهم الزكاة سلوكيا وظاهريا ‪ .‬وهذا هو الذى للبشر الحكم عليه ‪ .‬أما من حيث‬
‫االيمان القلبى وتزكية النفس بالتقوى ( أى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة قلبيا ) فهذا مرجعه لرب العزة جل وعال يحكم به على‬
‫البشر جميعا‪ .‬بالتالى فإن العرب الذين دخلوا فى االسالم السلوكى أفواجا فوجئوا بنظام حكم جديد يتسلط عليهم ويأمرهم بدفع‬
‫‪ .‬الصدقات له ‪ ،‬وكانوا من قبل يتولون هم جمع الصدقات وتوزيعها‪ .‬لذا رفضوا فأعلن ابو بكر الحرب عليهم‬
‫ـ عرفنا أن االسالم القلبى وما فيه من عبادات ليس فيه إلزام فى دولة االسالم القائمة على الحرية المطلقة فى الدين وأنه ال ‪4‬‬
‫إكراه فى الدين ‪ ،‬ألن الحساب فى حق هللا جل ( فى الدين ) وعال مؤجل الى ( يوم الدين ) ‪ .‬وعرفنا انه كان من الصحابة‬
‫الموصوفين بالذين آمنوا من كان يعبد األنصاب مع تكرار األمر االلهى لهم باإليمان القلبى ‪ .‬بالتالى فإن أبا بكر صادر هذه‬
‫‪.‬الحرية الدينية ‪ ،‬خصوصا فى موضوع الصدقات‬
‫‪ :‬فى الفتوحات‬
‫ـ عرفنا ان هللا جل وعال دعا المؤمنين فى الدخول فى السلم كافة وأاّل يتبعوا خطوات الشيطان ( البقرة ‪ ) 208‬وأنه جل وعال ‪1‬‬
‫حصر القتال فى الدفاع فقط وأن يكون قصاصا بالمثل ( البقرة ‪ ) 194 : 190‬وأنه جل وعال أمر بمعاملة من ال يعتدى على‬
‫المسلمين بالبر والقسط ( الممتحنة ‪ ،) 8‬وأن من ينكث العهود السلمية كل مرة فعلى النبى أن يتعامل معهم بإستقامة ( االنفال‬
‫‪ ، ) 58 : 56‬وأنه جل وعال حّر م القتال والظلم فى األشهر الُحُر م وإعتبر النسىء زيادة فى الكفر ( التوبة ‪،) 37 : 36‬‬
‫‪ .‬والنسىء يعنى إستحالل شهر من األشهر الحرم وتأجيله الى شهر آخر‬
‫ـ أبو بكر فى دينه الشيطانى فعل عكس ذلك ‪ .‬بعد أن أخمد حركات الردة بصعوبة رأى ومعه قريش أنه ال بد من شغل األعراب ‪2‬‬
‫المرتدين بحرب خارجية تفاجأ بها الحكام من حوله ‪ .‬هذا يستدعى دينا جديدا بدأ أبو بكر بتطبيقه عمليا بالحديد والنار ‪ ،‬وهو أن‬
‫يصف األقوام األخرين بالكفر ويستحل دماءهم واموالهم وأعرضهم ويحتل بالدهم ‪ .‬يقف على أبوابهم مستعدا للهجوم ‪،‬‬
‫ويخّي رهم ــ أو بمعنى أصّح ــ يرغمهم على قبول االسالم او الجزية او الحرب ‪ .‬هو يعلم أنه يتعامل مع أمم قوية ال ترضى بهذه‬
‫اإلهانة ‪ ،‬وقد إعتادت االستهانة بالعرب ‪ ،‬بالتالى فال بد من ان يدافعوا عن أوطانهم وكرامتهم‪ .‬أى ال بد من الحرب ‪ ،‬وهى حرب‬
‫بين عرب ( جوعى متلهفين على الثروة ويعتبرون حربهم دينا كما أفهمهم ابو بكر وقريش ) وبين أمم مترفة يحكمها‬
‫‪.‬مستبدون فاسدون‬
‫ـ لذا كانت تأدية الصالة فى مواقيتها وبكيفيتها أمرا ضروريا إلقناع العرب أنهم على الحق وأن اآلخر هو كافر يستحلون دمه ‪3‬‬
‫‪.‬وماله وعرضه وبالده‬
‫‪ :‬ـ ونستشهد ببعض ما جاء فى الطبرى ‪4‬‬
‫يقول الطبرى عن حملة خالد ‪ .. ( :‬أن أبا بكر رحمه هللا وجه خالد بن الوليد إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة ‪4 / 1 :‬‬
‫الشيباني فسار في (المحرم) سنة اثنتي عشرة فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة السدوسي ) أى سار خالد يغزو باسم‬
‫ابى بكر فى شهر حرام هو شهر المحرم ‪ .‬واستمرت الحروب ال تعرف توقفا فى الشهور الُحُر م ‪ .‬والهدف هو إالههم األعظم ‪:‬‬
‫‪ .‬المال والكنوز‬
‫يذكر الطبرى أنه قبيل موقعة القادسية عام ‪ 14‬قابل وفد من العرب كسرى ( فأذن لهم وأحضر الترجمان وقال له‪ :‬سلهم ‪4 / 2 :‬‬
‫ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببالدنا؟ أمن أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟ فقال لهم النعمان بن مقرن إن‬
‫شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته فقالوا بل تكلم ‪..‬فتكلم النعمان فقال إن هللا رحمنا فأرسل إلينا رسوال يدلنا على الخير ويأمرنا‬
‫به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خيرالدنيا واآلخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إال صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة‬
‫تباعده وال يدخل معه في دينه إال الخواص فمكث بذلك ما شاء هللا أن يمكث ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم‬
‫وفعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من‬
‫العداوة والضيق ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من األمم فندعوهم إلى اإلنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح‬
‫القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب‬
‫هللا وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبالدكم وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإال قاتلناكم قال‬
‫فتكلم يزدجرد فقال إني ال أعلم في األرض أمة كانت أشقى وال أقل عددا وال أسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي‬
‫فيكفونناكم ال تغزون فارس وال تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان عدد لحق فال يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا‬
‫إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش األسيدي‬
‫فقال أيها الملك إن هؤالء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من األشراف وإنما يكرم األشراف األشراف ويعظم‬
‫حقوق هذا الرجل كالمنا فتكلم النعمان فقال إن هللا رحمنا فأرسل إلينا رسوال يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا‬
‫عنه ووعدنا على إجابته خيرالدنيا واآلخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إال صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده وال يدخل معه‬
‫في دينه إال الخواص فمكث بذلك ما شاء هللا أن يمكث ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعا‬
‫على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم‬
‫أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من األمم فندعوهم إلى اإلنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله فإن‬
‫أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب هللا وأقمناكم‬
‫عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبالدكم وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإال قاتلناكم قال فتكلم يزدجرد‬
‫فقال إني ال أعلم في األرض أمة كانت أشقى وال أقل عددا وال أسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم ال‬
‫تغزون فارس وال تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان عدد لحق فال يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم‬
‫وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش األسيدي فقال أيها‬
‫الملك إن هؤالء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من األشراف وإنما يكرم األشراف األشراف ويعظم حقوق‬
‫األشراف األشراف ويفخم األشراف األشراف وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك وال كل ما تكلمت به أجابوك عليه وقد أحسنوا‬
‫وال يحسن بمثلهم إال ذلك فجاوبني ألكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فأما ما ذكرت‬
‫من سوء الحال فما كان أسوأ حاال منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعالن والعقارب والحيات فنرى‬
‫ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر األرض وال نلبس إال ما غزلنا من أوبار اإلبل وأشعار الغنم ديننا أن يقتل بعضنا بعضا‬
‫ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت‬
‫لك فبعث هللا إلينا رجال معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا‬
‫وقبيلته خير قبائلنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد قبل ترب كان له‬
‫وكان الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيئا إال كان فقذف هللا في قلوبنا التصديق له واتباعه‬
‫فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول هللا وما أمرنا فهو أمر هللا فقال لنا إن ربكم يقول إني أنا هللا وحدي ال‬
‫شريك لي كنت إذ لم يكن شيء وكل شيء هالك إال وجهي وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء وإن رحمتي أدركتكم فبعثت‬
‫إليكم هذا الرجل ألدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي وألحلكم داري دار السالم فنشهد عليه أنه جاء بالحق‬
‫من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه‬
‫انفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه فاختر إن شئت‬
‫الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك )‬
‫‪ :‬آثرنا نقل هذا الّن ص بكامله ‪ ،‬ومنه نفهم اآلتى‬
‫‪ .‬ـ إحتقار كسرى للعرب ودهشته من غزوهم بالده ‪ ،‬ووصفه لهم بالجوع ‪4 / 1‬‬
‫ـ كذبهم بأن هللا جل وعال قال ( ‪ ..‬وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل ألدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد ‪4 / 2‬‬
‫الموت من عذابي وألحلكم داري دار السالم فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه‬
‫ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه انفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم‬
‫أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه )‬
‫ـ تخيير كسرى بين ( االسالم ) أو ( الجزية ) أو ( الحرب ) ‪( .‬فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت ‪4 / 3‬‬
‫‪.‬فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك )‪ .!.‬والنتيجة معروفة مقدما‬
‫ـ أى نحن أمام دين شيطانى جديد يناقض االسالم ‪ ،‬ويطبقه بالحديد والنار‪ .‬واإلله األعظم فيه هو الثروة والمال ‪ .‬يقول ‪5‬‬
‫الطبرى عن ( الدهاقين ) أى الذين كانوا يجمعون األموال لكسرى‪ ( :‬كان الدهاقين يتربصون بخالد وينظرون ما يصنع أهل‬
‫الحيرة فلما استقام ما بين أهل الحيرة وبين خالد واستقاموا له أتته دهاقين ‪ ...‬فصالحوه على ما بين الفالليج إلى هرمز جرد‬
‫على ألفي ألف ‪..‬وأن للمسلمين ما كان آلل كسرى ‪ ..‬وضرب خالد رواقه في عسكره وكتب لهم كتابا ‪ " :‬بسم هللا الرحمن‬
‫الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لزاذ بن بهيش وصلوبا بن نسطونا ‪ :‬لكم الذمة وعليكم الجزية وأنتم ضامنون لمن نقبتم‬
‫‪ .‬عليه من أهل البهقباذ األسفل واألوسط ‪ ...‬على ألفي ألف ثقيل في كل سنة ‪) ...‬‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬مقارنة بين المنافقين الذين فضحهم سلوكهم والذين مردوا على النفاق‬
‫ـ المنافقون الظاهرون كانوا ساذجين عكس الماكرين الذين مردوا على النفاق وكتموا كفرهم وخدعوا النبى محمدا فكانوا ‪1‬‬
‫األقرب اليه فتولوا األمر بعد موته ‪ ،‬وأحدثوا تغييرا هائال على مستوى العالم ‪ ،‬ذكرهم التاريخ ولكن فى ميزان القرآن هم أكابر‬
‫المجرمين ‪ ،‬وحق عليهم قول الرحمن جل وعال ‪َ ( :‬و َك َٰذ ِلَك َج َع ْلَن ا ِفي ُك ِّل َقْر َي ٍة َأَك اِبَر ُمْج ِر ِميَه ا ِلَيْم ُك ُر وا ِفيَه ا ۖ َو َم ا َيْم ُك ُر وَن ِإاَّل‬
‫ِبَأنُفِس ِهْم َو َم ا َي ْش ُعُر وَن ﴿‪ ﴾١٢٣‬االنعام )‬
‫ـ المنافقون الظاهرون لم يحملوا سالحا ‪ ،‬وإكتفوا باإليذاء القولى للنبى واالمتناع عن القتال الدفاعى وعن التطوع ‪2‬‬
‫بالصدقات ‪ .‬ومع أن من يموت منهم على نفاقه فمصيره فى الدرك األسفل إال إن من يتوب منهم توبة مقبولة سيكون ( مع‬
‫المؤمنين ) ‪ .‬قال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ِفي الَّد ْر ِك اَأْلْس َف ِل ِمَن الَّن اِر َو َلن َت ِج َد َلُهْم َن ِص يًر ا ﴿‪ِ ﴾١٤٥‬إاَّل اَّلِذيَن َت اُب وا َو َأْص َلُح وا‬
‫َو اْع َت َص ُم وا ِبالَّلـِه َو َأْخ َلُص وا ِديَن ُهْم ِلَّلـِه َفُأوَلٰـ ِئَك َمَع اْلُم ْؤ ِمِنيَن َۖو َس ْو َف ُيْؤ ِت الَّلـُه اْلُم ْؤ ِمِنيَن َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا ﴿‪ ﴾١٤٦‬النساء )‪ .‬أما الذين‬
‫مردوا على النفاق فقد أخبر رب العزة جل وعال ــ وهو عاّل م الغيوب ــ أنهم لن يتوبوا وأنهم سيرتكبون جرائم يستحقون عليها‬
‫العذاب الدنيوى مرتين ثم ينتظرهم فى اآلخرة عذاب عظيم ‪ .‬قال جل وعال عنهم ‪َ ( :‬و ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن‬
‫‪َ.‬أْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿‪ ﴾١٠١‬التوبة )‬
‫ـ إذا كان المنافقون الظاهرون المسالمون فى الدرك األسفل من النار ‪ ،‬فما هو مصير الخلفاء الفاسقين وأنصارهم ‪3‬‬
‫ومعارضيهم الخارجين عليهم ‪ ،‬وقد بلغ بغيهم غايته ثم ألصقوا هذا البغى باالسالم دين السالم والعدل والحرية والرحمة ؟‬
‫ثالثا ‪ :‬مقارنة بين الخلفاء الفاسقين والعرب الجاهليين‬
‫ـ العرب فى الجاهلية كانت تنشب بينهم الغارات طلبا للسلب والنهب والسبى ‪ .‬وعدا ذلك إشتهر ما يعرف ب ( أيام العرب ) ‪1‬‬
‫وهى حروبهم المحلية ‪ ،‬ومنها ‪ ( :‬داحس والغبراء بين عبس وذبيان ) ( البسوس بين بكر وتغلب ) ( حليمة بين الغساسنة‬
‫والمناذرة ) ( الفجار قريش وكنانة ضدغطفان وهوازن )‪ .‬كانت حروبا ( علمانية ) بال مزاعم دينية ‪ .‬ولهذا كانت تنتهى ويتم‬
‫‪ .‬نسيانها ‪ .‬ثم كان ضحاياها بضع آالف‬
‫ـ حروب الخلفاء الفاسقين كانت عالمية ‪ ،‬وبها حازوا الكنوز والثروات وكونوا إمبراطوية ضخمة إمتدت ما بين حدود الصين ‪2‬‬
‫الى جنوب فرنسا ‪ ،‬تضّخ م عدد ضحاياهم من القتلى والسبى واالسترقاق ليصل الى ماليين ‪ .‬ووصل سفك الدماء الى الداخل فى‬
‫‪ .‬حروب أهلية‬
‫ـ لم يكن الخلفاء الفاسقون أول من أسس أمبراطوريات باالحتالل والقتل والظلم ‪ ،‬ولكنهم يفترقون عن غيرهم بزعمهم أن هذا ‪3‬‬
‫‪ :‬هو االسالم ‪ .‬ترتب على هذا‬
‫‪ .‬تشويه االسالم ‪3 / 1 :‬‬
‫اإلستمرار فى هذا الظلم بعد أن إكتسب أرضية دينية وتكونت على أساسه أديان أرضية ‪ .‬المحمديون كرروا ويكررون ما‪3/ 2 :‬‬
‫‪ .‬فعله الخلفاء الفاسقون‬
‫الخلفاء الفاسقون هم شُّر مكانا من المنافقين الذين هم فى الدرك األسفل من النار‪ .‬ومع ذلك فقد أصبحوا آلهة مقدسة ‪3 / 3 :‬‬
‫لدى المحمديين‪ ،‬بدليل الرهبة التى يشعر بها القارىء حين نصفهم بالخلفاء الفاسقين ‪ .‬هذا مع أننا نستشهد بتاريخهم المكتوب‬
‫‪.‬ونحتكم فيه الى القرآن الكريم‬
‫فى دينهم الشيطانى حافظوا على ( تأدية الصالة ) لتكون مبررا لهم ووسيلتهم فى إرتكاب اإلستحالل والبغى والعدوان ‪3 / 4 :‬‬
‫‪ .‬واإلغتصاب واالسترقاق والسلب والنهب‬

‫الفصل الثالث ‪ ( :‬التكفير ) فى الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين‬


‫التكفير وسيلتهم فى إستحالل الدماء واألموال واألعراض‬
‫‪ :‬أوال‬
‫ـ حّر م هللا جل وعال قتل النفس إال بالحق ‪ :‬جاء هذا ضمن الوصايا العشر (ُقْل َت َع اَلْو ا َأْت ُل َم ا َح َّر َم َر ُّب ُك ْم َع َلْي ُك ْم ۖ َأاَّل ُتْش ِر ُك وا ِبِه ‪1‬‬
‫َش ْي ًئ ا ۖ َو ِباْلَو اِلَد ْي ِن ِإْح َس اًن ا ۖ َو اَل َت ْق ُتُلوا َأْو اَل َد ُك م ِّم ْن ِإْم اَل ٍق ۖ َّن ْح ُن َن ْر ُز ُقُك ْم َو ِإَّي اُه ْم ۖ َو اَل َت ْق َر ُبوا اْلَف َو اِح َش َم ا َظ َهَر ِم ْن َه ا َو َم ا َب َط َن ۖ َو اَل‬
‫َت ْق ُتُلوا الَّن ْف َس اَّلِتي َح َّر َم الَّلـُه ِإاَّل ِباْلَح ِّق ۚ َٰذ ِلُك ْم َو َّص اُك م ِبِه َلَع َّلُك ْم َت ْع ِقُلوَن ﴿‪﴾١٥١‬األنعام )‪ ،‬وتكرر فى قوله جل وعال ‪َ( :‬و اَل َت ْق ُتُلوا‬
‫الَّن ْف َس اَّلِتي َح َّر َم الَّلـُه ِإاَّل ِباْلَح ِّق ۗ َو َم ن ُقِتَل َم ْظ ُلوًم ا َفَق ْد َج َع ْلَن ا ِلَو ِلِّي ِه ُس ْلَط اًن ا َفاَل ُيْس ِر ف ِّفي اْلَقْت ِل ۖ ِإَّن ُه َك اَن َم نُص وًر ا ﴿‪﴾٣٣‬االسراء )‬
‫ـ أى ال يجوز قتل النفس إال بالحق ‪ ،‬أى بالتشريع القرآنى الحق ‪ ،‬وهللا جل وعال وصف القرآن الكريم بأنه الحق فى تنزيله ‪2‬‬
‫وفى مضمونه ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و ِباْلَح ِّق َأنَز ْلَن اُه َو ِباْلَح ِّق َنَز َل ۗ َو َم ا َأْر َس ْلَن اَك ِإاَّل ُمَب ِّش ًر ا َو َن ِذيًر ا﴿‪ ﴾١٠٥‬االسراء )‪ .‬وطبقا للتشريع‬
‫‪ :‬االسالمى فالمبرر الوحيد لقتل النفس هو القصاص ‪ .‬وهو فى حالتين‬
‫عقوبة القاتل ‪ ،‬وحتى هنا يمكن تفادى القتل قصاصا بتقديم الدية فى حاالت تكون الدية بديال عن القصاص جاء هذا فى ‪2 / 1 :‬‬
‫قوله جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ُك ِتَب َع َلْي ُك ُم اْلِقَص اُص ِفي اْلَقْت َلى ۖ اْلُحُّر ِباْلُحِّر َو اْلَعْب ُد ِباْلَعْب ِد َو اُأْلنَث ٰى ِباُأْلنَث ٰى ۚ َفَم ْن ُع ِفَي َلُه‬
‫ِمْن َأِخيِه َش ْي ٌء َفاِّت َب اٌع ِباْلَمْع ُر وِف َو َأَداٌء ِإَلْي ِه ِبِإْح َس اٍن ۗ َٰذ ِلَك َتْخ ِفيٌف ِّم ن َّر ِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة ۗ َفَم ِن اْع َت َد ٰى َبْع َد َٰذ ِلَك َفَلُه َع َذ اٌب َأِليٌم ﴿‬
‫‪ ﴾١٧٨‬البقرة ) هو تخفيف عما فرضه رب العزة جل وعال على بنى اسرائيل ‪َ( :‬و َكَت ْب َن ا َع َلْي ِهْم ِفيَه ا َأَّن الَّن ْف َس ِبالَّن ْف ِس ) (‪﴾٤٥‬‬
‫‪.‬المائدة )‬
‫فى القتال الدفاعى ‪ ،‬وهنا يكون رد اإلعتداء بمثله قصاصا دون تطرف ‪ ،‬فهذا ما يجب أن يراعيه المسلمون المتقون ‪2 / 2 : ،‬‬
‫قال جل وعال ‪ ( :‬الَّش ْهُر اْلَح َر اُم ِبالَّش ْه ِر اْلَح َر اِم َو اْلُحُرَم اُت ِقَص اٌص ۚ َفَم ِن اْع َت َد ٰى َع َلْي ُك ْم َفاْع َت ُدوا َع َلْي ِه ِبِم ْث ِل َم ا اْع َت َد ٰى‬
‫َع َلْي ُك ْم ۚ َو اَّت ُقوا الَّلـَه َو اْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َمَع اْلُم َّت ِقيَن ﴿‪ ﴾١٩٤‬البقرة )‬
‫ـ وحتى فيما يسمى باالنتحار هو حرام فى االسالم إال إذا كان عن إضطرار قال جل وعال ‪َ( :‬و اَل َت ْق ُتُلوا َأنُفَس ُك ْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َك اَن ‪3‬‬
‫‪ِ.‬بُك ْم َر ِحيًم ا ﴿‪َ ﴾٢٩‬و َم ن َي ْف َع ْل َٰذ ِلَك ُع ْد َو اًن ا َو ُظ ْلًم ا َفَس ْو َف ُنْص ِليِه َن اًر ا ۚ َو َك اَن َٰذ ِلَك َع َلى الَّلـِه َي ِس يًر ا ﴿‪ ﴾٣٠‬النساء )‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬أحوال البشر فى قتل النفس‬
‫ـ المؤمنون عباد الرحمن يؤمنون بُح رمة قتل النفس ‪ .‬قال جل وعال ضمن صفاتهم ‪َ( :‬و اَّلِذيَن اَل َي ْد ُع وَن َمَع الَّلـِه ِإَلٰـ ًه ا آَخ َر َو اَل ‪1‬‬
‫َي ْق ُتُلوَن الَّن ْف َس اَّلِتي َح َّر َم الَّلـُه ِإاَّل ِباْلَح ِّق َو اَل َي ْز ُنوَن ۚ َو َم ن َي ْف َع ْل َٰذ ِلَك َي ْل َق َأَث اًم ا ﴿‪﴾٦٨‬الفرقان ) ‪ .‬صفات عباد الرحمن تنطبق على‬
‫‪ .‬الصحابة المسالمين السابقين عمال وتقوى ‪ ،‬والذين لم يذكرهم التاريخ‬
‫‪ :‬ـ المجرمون العاديون يقتلون اآلخرين ويقتلون حتى أنفسهم فى سبيل المال‪ .‬وهم نوعان ‪2‬‬
‫صغار المجرمين من عصابات اإلجرام ‪ ،‬تقتل اآلخرين وتقاتل البوليس وتتقاتل فيما بينها‪ .‬ويضحى أفرادها بحياتهم ‪2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬سعيا للمال والنفوذ الذى يأتى بالمال‪ .‬ضحاياهم بالمئات واالآلف‬
‫أكابر المجرمين ‪ ،‬وهم الحكام المستبدون الذين يعلون فى األرض بالفساد والعدوان والمؤامرات ‪ ،‬وإذا وصل أحدهم ‪2 / 2 :‬‬
‫للحكم يضطر لإلستمرار فى القتل والتعذيب ليحمى نفسه وسلطانه ‪ .‬هم أكابر المجرمين الذين قال جل وعال عنهم ‪َ( :‬و َك َٰذ ِلَك‬
‫َج َع ْلَن ا ِفي ُك ِّل َقْر َي ٍة َأَك اِبَر ُمْج ِر ِميَه ا ِلَيْم ُك ُر وا ِفيَه ا ۖ َو َم ا َيْم ُك ُر وَن ِإاَّل ِبَأنُفِس ِهْم َو َم ا َي ْش ُعُر وَن ﴿‪ ﴾١٢٣‬االنعام )‪ .‬نهاية مكرهم خسارة‬
‫‪ :‬العرش بالقتل أو بالموت أو بالعزل ‪ ،‬ثم عذاب خالد فى السعير‪ .‬أى هم ال يمكرون إال بأنفسهم ‪ .‬أكابر المجرمين نوعان‬
‫مستبد يقنع بدولته ووطنه ‪ .‬مثل السادات ومبارك وأغلبية المستبدين قديما وحديثا ‪ .‬ضحاياهم من القتلى فى ‪2 / 2 / 1 :‬‬
‫‪.‬أوطانهم بمئات األلوف وربما بالماليين مثل الخمير الحمر ومستبد بروما اآلن الذى يقتل المسلمين الروهينجا‬
‫مستبد ال يقنع بدولته وإنما يقيم إمبراطورية بالحروب الهجومية وإحتالل أوطان اآلخرين ‪ .‬ضحاياهم بالماليين ‪2 / 2/ 2 : .‬‬
‫‪ :‬هؤالء المستبدون أكابر المجرمين أيضا نوعان‬
‫أباطرة علمانيون ال يزعمون أن ما يفعلونه دين ‪ ،‬ينطبق هذا على تحتمس الثالث ورمسيس الثانى وقيصر ‪2 / 2 / 2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬وجنكيزخان وهوالكو ‪ ،‬وهتلر وستالين وموسولينى‬
‫أباطرة يزعمون الخالفة االسالمية عن الرسول عليه السالم ‪ ،‬ويزعمون أن ما يفعلونه هو دين الرحمن ‪2 / 2 / 2/ 2 : .‬‬
‫وحروبهم مؤسسة على دين شيطانى يقوم بتكفير اآلخر وإستحالل دمه وماله وبلده وعرضه ‪ .‬وحتى تكون حروبهم مبررة دينيا‬
‫فال بد من تأدية ( الصالة ) ‪ .‬القتال هنا ليس فى سبيل هللا جل وعال بل فى سبيل (المال ) ‪ ،‬وفى سبيل هذا المال يتقربون‬
‫بالصالة ( االسالمية ) من حيث الشكل ‪ ،‬يرجون أن ينصرهم هللا على اآلخر الذى يعتدون عليه‪ .‬وبهذا جعلوا رب العزة ( وسيلة‬
‫‪ ).‬تقربهم زلفى لمعبودهم األكبر ‪ ،‬وهو المال ‪ ،‬والنفوذ الذى يأتى بالمال‬
‫هؤالء إعتبروا المسالمين الذين لم يعتدوا عليهم كفرة يجب غزوهم وإحتالل بالدهم وقتل أبطالهم المدافعين عن ‪2 / 2/ 2/ 3 :‬‬
‫‪.‬الوطن وأهله ‪ ،‬وإستحالل سلبهم ونهبهم وسبى نسائهم وذراريهم‪ .‬ثم ينسبون هذا لرب العزة جل وعال‬
‫ثالثا ‪ :‬فى الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين‬
‫ـ هللا جل وعال جعل االعتداء الباغى كفرا ‪ ،‬وجعل للبشر تحديد هذا بحسب السلوك الظاهر للغازى المعتدى الباغى ‪ .‬وأيضا ‪1‬‬
‫فالشعب الُم سالم هو الذى لم يعتد ولم يبدأ حربا على شعب مسالم‪ .‬ولكن الخلفاء الفاسقين قلبوا الوضع ‪ ،‬هم الكفرة المعتدون‬
‫‪.‬الباغون ليس فقط على البشر ولكن على رب العزة الذى تمسحوا بدينه وشرعه وإسمه ليرتكبوا هذه الشناعات‬
‫ـ تأدية الصالة ( االسالمية من حيث الشكل ) تغّلف تاريخ الخلفاء الفاسقين وخصومهم الخوارج ‪ .‬وهذا ما سنتعرض له الحقا ‪2‬‬
‫بالتفصيل ‪ .‬ولكن ألن الصالة وسيلتهم فى عبادة معبودهم األعظم ( المال ) فسنتوقف هنا مع معبودهم األعظم وكيف صاغوا له‬
‫عمليا عقيدة قتالية وعبادة من الصالة والتكبير ( هللا أكبر )‪ ،‬مما جعل الخلفاء الفاسقين ينتصرون ويرتكبون مذابح هائلة‬
‫‪ .‬ويحوزون على الماليين من الكنوز ومئات األلوف من السبى‬
‫ـ مجال البحث هو الفتوحات فى عصر الخلفاء الفاسقين أبى بكر وعمر وعثمان ‪ .‬والمصدر األساس هو تاريخ الطبرى وما ‪3‬‬
‫نقله عنه ابن األثير فى تاريخه ( الكامل ) ‪ ،‬وفيه قام ابن األثير بإنتقاء رواية واحدة من روايات الطبرى فى الموضوع الواحد‬
‫وتخّف ف من ذكر االسنادات التى ذكرها الطبرى‪ .‬واإلشارات تأتى بين تفصيالت وسطور الروايات عن ( التكفير ) و ( الصالة ) و‬
‫( التكبير ) و ( السبى والسلب ) ‪ .‬لذا تخفيفا على القارىء لن نذكر تفصيالت الرواية بكاملها ‪ ،‬ونكتفى بذكر ما جاء بين‬
‫‪ .‬سطورها ما يخص الموضوع‪ .‬ومن يشاء يمكنه الرجوع الى تاريخ الطبرى وتاريخ ابن األثير ليتأكد مما ننقله‬
‫ـ نبدأ بالتكفير وما يعنيه من إستحالل قتال من لم يقاتل العرب وخلفائهم الفاسقين ‪ .‬ننقل النصوص التاريخية ونتمنى أن ‪4‬‬
‫‪ :‬يتعقلها القارىء‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬المدافعون عن بالدهم ضد الغزو العربى هم كافرون مشركون‬
‫كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميرًا من أهل العلم والفقه‪ ،‬فاجتمع إليه جيش من المسلمين‪ ،‬فبعث ( ‪1‬‬
‫عليهم سلمة بن قيس األشجعي‪ .‬فقال‪ :‬سر باسم هللا‪ ،‬قاتل في سبيل هللا من كفر باهلل‪ ،‬فإذا لقيتم عدوكم فادعوهم إلى اإلسالم‪،‬‬
‫فإن أجابوا وأقاموا بدارهم فعليهم الزكاة وليس لهم من الفيء نصيب‪ ،‬وإن ساروا معكم فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي‬
‫‪.. ).‬عليكم‪ ،‬وإن أبوا فادعوهم إلى الجزية‪ ،‬فإن أجابوا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم‬
‫هنا تشريع يضعه (عمر ) فى قتال من لم يقاتلهم ‪ .‬عمر يجعله ب ( إسم هللا ) وفى سبيل هللا ‪ .‬ويتهم من لم يعتد عليهم بالكفر ‪.‬‬
‫وقبل الهجوم عليه يدعونهم الى االسالم وإال دفع الزكاة وإال فالجزية وإن أبوا فالقتال‪ .‬هذا تشريع الخلفاء الفاسقين المناقض‬
‫‪.‬للقرآن الكريم ‪ .‬طبقا للقرآن فمن حق أصحاب البالد أن يقاتلوا دفاعا عن بالدهم وأنفسهم من هذا اإلعتداء ( الكافر )‬
‫ـ أى كان وصف أصحاب البالد بالمشركين الستحالل دمائهم وأموالهم وأعراضهم وإحتالل بالدهم ‪ .‬ونعطى أمثلة من بين ‪2‬‬
‫‪ :‬سطور الروايات‬
‫وأتاهم الخبر أن الهرمزان قد لحق بتستر‪ ،‬فساروا نحوه وسار النعمان أيضًا وسار حرقوص وسلمى وحرملة وجزء (‪2 / 1 :‬‬
‫فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال واألهواز في الخنادق‪ ،‬وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله‬
‫على أهل البصرة‪ ،‬وعلى الجميع أبو سبر‪ ،‬فحاصروهم أشهرًا وأكثروا فيهم القتل‪ ..‬وزاحفهم المشركون أيام تستر ثمانين زحفًا‬
‫أكثر المعتدون الُب غاة القتل فى األبطال المدافعين عن وطنهم ‪ .‬وأولئك األبطال المدافعون عن ‪. ).‬يكون لهم مرة ومرة عليهم‬
‫‪.‬وطنهم وأهاليهم موصوفون بالشرك‬
‫ذكر خبر بيروذ من األهواز‪ ...:‬وتقدم المهاجر فقاتل قتاًال شديدًا حتى قتل‪ .‬ووهن هللا المشركين حتى تحصنوا في ( ‪2 / 2 :‬‬
‫)‪...‬قلة وذلة‬
‫ذكر فتح همذان والماهين وغيرهما‪ :‬لما انهزم المشركون دخل من سلم منهم همذان وحاصرهم نعيم بن مقرن ( ‪2 / 3 :‬‬
‫) ‪...‬والقعقاع بن عمرو‬
‫ولما عبر يزدجرد النهر مهزومًا أنجده خاقان في الترك وأهل فرغانة والصغد‪ ،‬فرجع يزدجرد وخاقان إلى خراسان ( ‪2 / 4 :‬‬
‫هرب يزدجر بعد أن هزمه العرب ‪.).‬فنزال بلخ‪ ،‬ورجع أهل الكوفة إلى األحنف بمرو الروذ‪ ،‬ونزل المشركون عليه بمرو أيضًا‬
‫!!‪.‬المعتدون ووفد اليه أتباعه ( المشركون )‬
‫‪ .‬خامسا ‪ :‬الُب غاة يسمون أنفسهم بالمسلمين ‪ ،‬والمعتدى عليهم هم المشركون‬
‫ـ ( فجمع عمر الناس واستشارهم‪ ،‬وقال لهم‪ :‬هذا يوم له ما بعده‪ ،‬وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل ‪1‬‬
‫منزًال وسطًا بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءًا حتى يفتح هللا عليهم ويقضي ما أحب‪ ،‬فإن فتح هللا عليهم‬
‫صبيتهم في بلدانهم‪ ... .‬فقام عثمان فقال‪ :‬أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم‪ ،‬وإلى أهل اليمن‬
‫فيسيروا من يمنهم‪ ،‬ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين‪ .) ..‬هنا وصف‬
‫‪.‬األخرين بالمشركين ووصف أنفسهم بالمسلمين‬
‫ـ ( ذكر يوم عماس‪ .. :‬ثم أصبحوا اليوم الثالث وهم على مواقفهم‪ ،‬وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان من جريٍح وميٍت‪2 ،‬‬
‫ومن المشركين عشرة آالف‪ ،‬فجعل المسلمون ينقلون قتالهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء‪ ،‬وكان النساء والصبيان يحفرون‬
‫القبور‪ ،‬وكان على الشهداء حاجب بن زيد‪ .‬وأما قتلى المشركين فبين الصفين لم ينقلوا‪ ،‬وكان ذلك مما قوى المسلمين‪...‬ثم حمل‬
‫على المشركين يقاتلهم حتى خرق صفهم إلى العتيق ثم عاد‪ .‬وكان المشركون قد باتوا يعملون توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا‬
‫على مواقفهم‪ ..‬فحمل وضرب فيهم حتى ستره الغبار وحمل أصحابه فأفرج المشركون عنه بعدما صرعوه‪ ..‬فبقي الفيل جريحًا‬
‫متحيرًا بين الصفين كلما جاء صف المسلمين وخزوه وإذا أتى صف المشركين نخسوه‪ .‬وولى الفيل‪ ....،‬وكتب سعد إلى عمر‬
‫بالفتح وبعدة من قتلوا وبعدة من أصيب من المسلمين‪ ،‬وسمى من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري‪ .‬وكان عمر يسأل الركبان‬
‫من حين يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية ثم يرجع إلى أهله ومنزله‪ ،‬قال‪ :‬فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره‪،‬‬
‫‪ .‬قال‪ :‬يا عبد هللا حدثني‪ .‬قال‪ :‬هزم هللا المشركين‪ .) .‬هنا يتردد وصفهم ألنفسهم بالمسلمين ووصف المعتدى عليهم بالمشركين‬
‫ـ وقعة أليس‪ ..‬على الفرات ‪ .. :‬واقتتلوا قتاًال شديدًا والمشركون يزيدهم ثبوتًا توقعهم قدوم بهمن جاذويه‪ ،‬فصابروا ‪3‬‬
‫المسلمين‪ ،‬فقال خالد‪ :‬اللهم إن هزمتهم فعلي أن ال أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم‪ . ) .‬وصف‬
‫شجعان بلد أليس بالمشركين ‪ ،‬ووصف المعتدون أنفسهم بالمسلمين ‪.‬وخالد المعتدى عليهم بجيشه يقسم لو هزمهم سيجعل‬
‫‪.‬نهرهم يجرى بدمائهم ‪ .‬جريمتهم أنهم أبطال يدافعون عن بالدهم‬
‫ـ ( وفيها بعث عمر إليها عبد هللا بن عبد هللا بن عتبان‪ ،‬وكان شجاعًا من أشراف الصحابة ومن وجوه األنصار حليف لبني ‪4‬‬
‫الحبلى‪ ،‬وأمده بأبي موسى‪ ،‬وجعل على مجنبتيه عبد هللا بن ورقاء الرياحي وعصمة بن عبد هللا‪ ،‬فساروا إلى نهاوند‪ ...‬وسار‬
‫عبد هللا فيمن كان معه ومن تبعه من جند النعمان بنهاوند‪ ،‬نحو أصبهان‪ ،‬وعلى جندها االستندار‪ ،‬وعلى مقدمته شهربراز بن‬
‫جاذويه‪ ،‬شيخ كبير‪ ،‬في جمع عظيم‪ ،‬فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق ألصبهان‪ ،‬فاقتتلوا قتاًال شديدًا ‪ .)..‬ما عالقة‬
‫أصفهان الفارسية بالعرب فى جزيرتهم ؟ وما الذى جاء بجيوش العرب الى هذه المنطقة ؟‪ .‬اللهم سوى الغزو والبغى‪ .‬ثم يسمى‬
‫‪.‬العرب الُب غاة أنفسهم مسلمين ويصفون من يعتدون عليهم بالمشركين‬
‫ـ (فإذا هم بالقعقاع بن عمرو وقد أخذ به‪ ،‬فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك‪ ،‬فعقرت ‪5‬‬
‫دوابهم وعادوا رجالة واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إال من ال يعد‪ ،‬وقتل يومئٍذ منهم مائة ألف‪ ،‬فجللت القتلى المجال وما‬
‫بين يديه وما خلفه فسميت جلوالء بما جللها من قتالهم‪ ،‬فهي جلوالء الوقيعة‪ .).‬قتل العرب المعتدون مائة ألف من المدافعين‬
‫‪.‬عن وطنهم ‪ ،‬وهذا بعد أن جعلوهم مشركين‬
‫ـ ( ذكر فتح ماسبذان‪ :‬فأرسل إليهم ضرار بن الخطاب في جيش‪ ،‬فالتقوا بسهل ماسبذان فاقتتلوا‪ ،‬فأسرع المسلمون في ‪6‬‬
‫المشركين‪ ،‬وأخذ ضرار آذين أسيرًا فضرب رقبته‪ .) .‬نفس الوصف للمعتدين بأنهم مسلمون ‪ ،‬والمدافعين بأنهم مشركون ‪ ،‬وقد‬
‫‪ .‬قتلوا قائد الجيش بعد أن أسروه‬
‫ـ ( فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا جال المسلمون‪ ،‬فذمرهم عمرو‪ ،‬فقال له رجل من اليمن‪ :‬إنا لم ‪7‬‬
‫نخلق من حديد‪ .‬فقال له عمرو‪ :‬اسكت‪ ،‬إنما أنت كلب‪ .‬قال‪ :‬فأنت أمير الكالب‪ .‬فنادى عمرو بأصحاب النبي‪ ،‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأجابوه‪ ،‬فقال‪ :‬تقدموا فبكم ينصر هللا المسلمين‪ ،‬فتقدموا وفيهم أبو بردة وأبو برزة وتبعهم الناس‪ ،‬وفتح هللا على‬
‫المسلمين وظفروا وهزموا المشركين )‪ .‬هؤالء لم يهاجموا العرب فى جزيرتهم ولكن عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب‬
‫‪ .‬يعتبرونهم مشركين ويعتبرون أنفسهم مسلمين‬
‫ـ ( ذكر خبر سلمة بن قيس األشجعي واألكراد‪:‬قال‪ :‬فساروا حتى لقوا عدوًا من األكراد المشركين فدعوهم إلى اإلسالم أو ‪8‬‬
‫الجزية‪ ،‬فلم يجيبوا‪ ،‬فقاتلوهم فهزموهم وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فقسمه بينهم‪ ،‬ورأى سلمة جوهرًا في سفط فاسترضى عنه‬
‫المسلمين وبعث به إلى عمر‪ . ).‬األكراد هم مشركون مع أنهم لم يسبق لهم اإلعتداء على العرب فى جزيرتهم‪ .‬وجعلوا أنفسهم‬
‫‪ .!.‬مسلمين‬
‫فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها‪ ،‬بقيت عظام القتلى دهرًا طويًال‪ ،‬وكانوا يحرزون القتلى مائة ألف‪9 :( ،‬‬
‫وسمي ذلك اليوم األعشار‪ ...‬وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات وتبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى‬
‫هذا تقدير لعدد القتلى من األبطال المدافعين عن وطنهم وأهاليهم ‪ ،‬وهم مشركون بينما يسمى المجرمون الكفار أنفسهم ‪.) .‬الليل‬
‫!!‪ .‬مسلمين‬
‫والفرس بالخيار ال يخرجون إال إذا أرادوا الخروج‪ ،‬فخاف المسلمون أن يطول أمرهم‪ ،‬حتى إذا كان ذات يوم في جمعة ( ‪10 :‬‬
‫من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين وقالوا‪ :‬نراهم علينا بالخيار‪ .‬وأتوا النعمان ‪ ...‬فتكلم النعمان فقال‪ :‬قد ترون المشركين‬
‫واعتصامهم بخنادقهم ومدنهم وأنهم ال يخرجون إلينا إال إذا شاؤوا وال يقدر المسلمون على إخراجهم‪ ،‬وقد ترون الذي فيه‬
‫الُب غاة هم المسلمون‪ .‬والضحايا عندهم )‪.‬المسلمون من التضايق‪ ،‬فما الرأي الذي به نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل؟‬
‫‪ .‬مشركون‬
‫فاقتتلوا‪ .‬فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو ( ‪11 :‬‬
‫اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه‪ ،‬فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد فيقتلون‬
‫الُب غاة قتلوا من ‪.).‬جميعًا‪ ،‬وجعل يعقرهم حسك الحديد‪ ،‬فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة‬
‫‪ ( .‬المشركين ) أى األبطال المدافعين عن وطنهم وأهاليهم أكثر من مائة ألف‬
‫ذكر فتح قزوين وزنجان‪ ... :‬ثم غزا قزوين‪ ،‬فلما بلغ أهلها الخبر أرسلوا إلى الديلم يطلبون النصرة فوعدوهم‪ ،‬ووصل ( ‪12 :‬‬
‫المسلمون إليهم فخرجوا لقتالهم والديلم وقوٌف على الجبل ال يمدون يدًا‪ ،‬فلما رأى أهل قزوين ذلك طلبوا الصلح على صلح‬
‫‪:‬أبهر؛ وقال بعض المسلمين‬
‫قد علم الديلم إذ تحارب ** حين أتى في جيشه ابن عازب‬
‫فكم قطعنا في دجى الغياهب‬ ‫‪ ).‬بأن ظن المشركين كاذب‬
‫قبائل الديلم واهل قزوين لم يكن لهم علم بالعرب أصال ‪ ،‬ولكنهم مشركون ‪،‬بينما المعتدون الذين هاجموهم وقطعوا آالف األميال‬
‫!! هم مسلمون‬
‫‪ :‬نفس الحال ‪13 :‬‬
‫) ‪.‬ودخل المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها (‪13 / 1 :‬‬
‫ذكر فتح كرمان‪:‬ثم قصد سهيل بن عدي كرمان‪ ،‬ولحقه أيضًا عبد هللا بن عبد هللا بن عتبان‪ ،‬وعلى مقدمة سهيل بن (‪13 / 2 :‬‬
‫عدي النسير بن عمرو العجلي وحشد لهم أهل كرمان واستعانوا عليهم بالقفص‪ ،‬فاقتتلوا في أداني أرضهم‪ ،‬ففض هللا تعالى‬
‫)‪...‬المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق‬
‫وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين‪ ،‬فجمعوا أهل فارس عليهم فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم ( ‪13 / 3 :‬‬
‫وأبو سبرة بعد طاووس وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم‪ ،‬وعلى المشركين شهرك‪ ،‬فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل‬
‫‪.. ).‬المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا‬
‫‪.. ).‬فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا ( ‪13/ 4 :‬‬
‫ودخل المسلمون وألقى المشركون بأيديهم ونادوا‪ :‬الصلح الصلح‪ .‬فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوها عنوًة‪13 / 5 : ( ،‬‬
‫)‪.‬واقتسموا ما أصابوا‬
‫فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيهم بالمرغاب فاقتتلوا‪ .‬فقال نساء المسلمين‪ :‬لو لحقنا بهم فكنا معهم‪ ،‬فاتخذن ‪13 / 6 : ( ..‬‬
‫من خمرهن رايات وسرن إلى المسلمين‪ .‬فلما رأى المشركون الرايات ظنوا أن مددًا للمسلمين قد أقبل فانهزموا وظفر بهم‬
‫) ‪ ..‬المسلمون‪ .‬وكتب إلى عمر بالفتح‬
‫ذكر يوم أرماث‪:‬لما عبر الفرس العتيق جلس رستم على سريره ‪ ...‬وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين (‪13 / 7 :‬‬
‫وخيول المشركين‪ ،‬وكان صف المشركين على شفير العتيق‪ ،‬وكان صف المسلمين مع حائط قديس والخندق‪ ،‬فكان المسلمون‬
‫والمشركون بين الخندق والعتيق‪ ،‬ومع الفرس ثالثون ألف مسلسل وثالثون فيًال تقاتل‪..‬وقيل‪ :‬إن هالًال لما قصد رستم رماه‬
‫‪.).‬رستم بنشابة أثبت قدمه بالركاب‪ ،‬فحمل عليه هالل فضربه فقتله ثم احتز وعلقه ونادى‪ :‬قتلت رستم! فانهزم قلب المشركين‬
‫وسار أبو موسى إلى البصرة من السوس وصار مكانه على أهل البصرة بالسوس المقترب بن ربيعة‪ ،‬واجتمع ( ‪13 / 8 :‬‬
‫األعاجم بنهاوند‪ ....‬فتقطعت السالسل وتكسرت األغالق وتفتحت األبواب ودخل المسلمون وألقى المشركون بأيديهم ونادوا‪:‬‬
‫‪.).‬الصلح الصلح‪ .‬فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوها عنوًة ‪ ،‬واقتسموا ما أصابوا‬
‫خامسا ‪ :‬الذين يثورون على االحتالل العربى كفرة مشركون مرتدون‬
‫بعض أصحاب البالد التى خضعت للعرب ما لبث أن ثارت لتستعيد حريتها ‪ ،‬وهذا حق مشروع فى تشريع الرحمن ‪ .‬ولكن العرب‬
‫‪ :‬إعتبروه كفرا ‪ .‬وتردد هذا فى روايات كثيرة ‪ ،‬نقتطف منها‬
‫ذكر فتح همذان ثانيا ‪ ..‬قد تقدم مسير نعيم بن مقرن إلى همذان وفتحها على يده ويد القعقاع بن عمرو‪ ،‬فلما رجعا عنها( ‪1 :‬‬
‫‪.‬كفر أهلها بمعنى ثورتهم على االحتالل العربى ‪ .) .‬كفر أهلها مع خسروشنوم‬
‫بعد هروب كسرى يزدجر ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وأقام يزدجرد ببلد الترك‪ ،‬فلم يزل مقيمًا زمن عمر كله إلى أن كفر أهل ‪2 :‬‬
‫‪.‬خراسان زمن عثمان وكان يكاتبهم ويكاتبونه‪ . ) .‬كفر أهل خراسان يعنى ثاروا على إحتالل العرب‬
‫هذا حاكم فارسى أذعن للغزو العربى فلما تقاتل على ‪ ) .‬فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل ( ‪3 :‬‬
‫‪ .‬ومعاوية ثار فأصبح عندهم كافرا‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين فى سبيل المال ــ إالههم األعظم‬
‫مقدمة‬
‫ـ الصالة االسالمية ليست مجرد حركات قيام وركوع وسجود وكلمات ُت قال ‪ ،‬فهكذا كانت تفعل قريش فى تأديتها السطحية ‪1‬‬
‫للصالة ‪ .‬وهى بهذا الشكل أقرب ما تكون الى اللهو واللعب ‪ ،‬وهذا وصف رب العزة جل وعال لصالتهم عند البيت الحرام‪ ،‬قال‬
‫جل وعال يهددهم بعذاب اآلخرة ‪َ( :‬و َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِع ْن َد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوا اْل َع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن (‪ )35‬االنفال )‬
‫‪ .‬حافظت قريش هلى تأدية صالة سطحية تؤدى نفس الصالة االبراهيمية التى نعرفها اآلن ‪ ،‬ولكن بال خشوع وبال تقوى ‪.‬‬
‫الصالة االسالمية هى أن تخشع لربك وانت تصلى له ‪ ،‬ثم أن تنهاك صالتك عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬قال جل وعال يأمر ويحّذ ر ‪(:‬‬
‫اْت ُل َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمَن اْلِك َت اِب َو َأِقِم الَّص اَل َة ۖ ِإَّن الَّص اَل َة َتْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر ۗ َو َلِذ ْك ُر الَّلـِه َأْك َبُر ۗ َو الَّلـُه َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ﴿‬
‫‪ ﴾٤٥ .‬العنكبوت )‪ .‬بدون ذلك تصبح الصالة وسيلة للفسوق والعصيان ‪ ،‬أى فطالما ُتصّلى فال عليك مهما فعلت‬
‫ـ بدخول قريش ظاهريا فى االسالم مالبث أن تولت قيادة المسلمين عبر حواسيسها الذين مردوا على النفاق ثم اصبحوا ‪2‬‬
‫الخلفاء الفاسقين ‪ ،‬وبهم كان غزو وإحتالل إمتد من أواسط آسيا الى شمال إفريقيا ( من خالفة أبى بكر الى خالفة عثمان ) ‪ .‬فى‬
‫هذا الغزو إحتاج الغزاة للمبالغة فى ( تأدية ) هذه الصالة السطحية‪ .‬أقنعت قريش األعراب إن الغزو االحتالل والبغى والسلب‬
‫والسبى لمن ليس منهم هو فريضة اسالمية ‪ ،‬لذا كان ال بد أن يصاحب جهادهم هذا تأدية لصالة سطحية تؤكد لهم إقتناعهم‬
‫بأنهم على الحق ‪ .‬وهنا يبدو التناقض هائال بين المؤمن الخاشع الذى يصلى ويخاطب ربه فى الصالة قائال ( إهدنا الصراط‬
‫المستقيم ) ‪ 17‬مرة يوميا ‪ ،‬ثم إذا عرضت له معصية بين الصلوات تذكر دعاءه لربه جل وعال وقوله ( إهدنا الصراط‬
‫المستقيم ) فيخجل من نفسه إذ كيف يعصى ثم كيف له فى الصالة التالية يقول لربه جل وعال ( إهدنا الصراط المستقيم ) ‪.‬‬
‫‪.‬فكانوا يؤدون الصالة لتساعدهم على ارتكاب أفظع الظلم ‪ ،‬وجعلوها وسيلة تقربهم الى الحصول على إالههم العظم ( المال )‬
‫ـ من الُح مق االعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة ‪ ) 110 : 107‬كان ‪3‬‬
‫مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر ‪ .‬مسجد الضرار هو الذى ُي ستخدم فى االضرار بالناس ‪ ،‬بالتناقض مع دور المسجد الذى‬
‫يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى واالخالص فى العبادة لرب العزة وحده ال شريك له ‪ .‬مسجد الضرار يجمع بين الكفر االعتقادى‬
‫بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها ‪ ( :‬الجن ‪ ) 23 : 18‬وفى الكفر السلوكى باالعتداء والظلم ‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد هللا جل وعال ( البقرة ‪ . ) 114‬وجمعت قريش بين‬
‫النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة ‪ ، ) 18 : 17‬ثم أعادت قريش فى خالفة الفاسقين مسيرة مساجد الضرار ‪،‬‬
‫‪. .‬فنشروها فى البالد إحتلوها ‪ ،‬وما لبث أن اصبحت فيما بعد مراكز لإلقتتال األهلى ‪ ،‬وال تزال تؤدى نفس الدور‬
‫ـ الصالة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخالص القلب ‪4‬‬
‫لرب العزة جل وعال ‪ ،‬بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى ( َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُدوا َر َّب ُك ُم اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم‬
‫َتَّت ُقوَن ﴿‪ ﴾٢١‬البقرة )‪ ،‬والتقوى تنعكس فى السالم والعدل واالبتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ‪ ،‬وعدم تقديس المخلوقات ‪.‬‬
‫قريش حافظت على شكل الصالة وارتكبت فظائع فى إستغالل البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ‪ ،‬وإضطهاد النبى‬
‫والمؤمنين ‪ ،‬وبهذا أضاعوا ثمرة صالتهم كما حدث للسلف السىء قبلهم والذين قال عنهم رب العزة جل وعال ‪َ ( :‬فَخ َلَف ِمن‬
‫َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص اَل َة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت ۖ َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ﴿‪ِ ﴾٥٩‬إاَّل َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا َفُأوَلٰـ ِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْل َج َّن َة‬
‫َو اَل ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ﴿‪ ﴾٦٠‬مريم )‬
‫ـ المنافقون فى عصر النبى محمد عليه السالم كانوا يؤدون صالة سطحية بال تقوى يراءون فيها الناس ‪ ،‬قال عنهم جل وعال ‪5‬‬
‫‪ِ ( :‬إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن الَّلـَه َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وا ِإَلى الَّص اَل ِة َقاُم وا ُك َس اَلٰى ُيَر اُء وَن الَّن اَس َو اَل َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِإاَّل َقِلياًل ﴿‬
‫‪ ﴾١٤٢‬النساء )( َو َم ا َم َن َع ُهْم َأن ُتْق َب َل ِم ْن ُهْم َن َفَقاُتُهْم ِإاَّل َأَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو ِبَر ُس وِلِه َو اَل َي ْأُتوَن الَّص اَل َة ِإاَّل َو ُه ْم ُك َس اَلٰى َو اَل ُينِفُقوَن‬
‫ِإاَّل َو ُه ْم َك اِر ُهوَن ﴿‪ ﴾ ٥٤‬التوبة )‪ .‬لذا لم تنههم صالتهم عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬بل كانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف‪،‬قال جل وعال عنهم ‪ ( :‬اْلُم َن اِفُقوَن َو اْل ُم َن اِفَق اُت َبْع ُضُهم ِّم ن َبْع ٍض ۚ َي ْأُمُر وَن ِباْلُم نَك ِر َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلَمْع ُر وِف َو َي ْق ِبُض وَن‬
‫َأْي ِد َيُهْم َن ُس وا الَّلـَه َفَن ِس َيُهْم ۗ ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُه ُم اْلَفاِس ُقوَن ﴿‪ ﴾٦٧‬التوبة ) وقال جل وعال عن العذاب الذى ينتظرهم ‪َ ( :‬و َع َد الَّلـُه‬
‫اْلُم َن اِفِقيَن َو اْل ُم َن اِفَق اِت َو اْلُك َّفاَر َن اَر َج َه َّن َم َخ اِلِديَن ِفيَه ا ۚ ِه َي َح ْس ُبُهْم ۚ َو َلَع َن ُهُم الَّلـُه ۖ َو َلُهْم َع َذ اٌب ُّم ِقيٌم ﴿‪ ﴾٦٨‬التوبة )‪ .‬األسوا منهم هم‬
‫الذين مردوا على النفاق وأصبحوا الخلفاء الفاسقين بعد موت خاتم النبيين ‪ .‬المنافقون الُّص رحاء لم يرفعوا سالحا ولم يسلبوا‬
‫أموال الناس ولم يسبوا األحرار‪ .‬الخلفاء الفاسقون إرتكبوا هذا كله وهم يؤدون صالتهم الشيطانية‪ .‬لم يعد هناك وحى قرآنى‬
‫يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السالم فى المدينة ‪،‬فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتالل‬
‫وسبى وسلب تعززه صالة مظهرية شيطانية ‪ ،‬حافظوا على تأديتها حتى وقت المعارك ‪ ،‬سواء كانت غزوا لآلخرين أو حربا‬
‫‪ .‬أهلية‬
‫ــ االنغماس فى الظلم والبغى مع ( تأدية ) الصالة تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصالة الى صالة شيطانية أى وسيلة تبرر ‪6‬‬
‫‪ .‬الظلم وتؤكده وتساعد عليه‪ ،‬أى بدال من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة لإلثم والعدوان‬
‫‪ .‬ـ ونعرض لتأديتهم الصالة فى غزوهم ‪7‬‬
‫أوال ‪ :‬التحريض على القتال الباغى بالصالة الشيطانية‬
‫ـ ‪( :‬ذكر غزوة فارس من البحرين‪ ... :‬فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا عليه ‪1‬‬
‫فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن هللا إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه وإن‬
‫هؤالء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن واألرض لمن غلب فاستعينوا‬
‫بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتاال شديدا في موضع من‬
‫األرض يدعى طاوس )‪ .‬الحظ ‪( :‬واألرض لمن غلب ) هذا تشريع كافر ظالم ‪ .‬ويستعينون على تنفيذه بالصالة وبالصبر ‪:‬‬
‫( فاستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين ) لذا إستجابوا له ‪ ( :‬فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم‬
‫فاقتتلوا قتاال شديدا )‬
‫ـ ( وخطب الناس يومئٍذ ‪ ،‬وهو يوم االثنين من المحرم سنة أربع عشرة‪ ،‬وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم هللا من فتح ‪2‬‬
‫البالد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس‪ ،‬وكذلك فعل أمير كل قوم‪ ... ،‬وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد‪،‬‬
‫وهي األنفال‪ ،‬فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها‪ .‬فلما فرغ القراء منها قال سعد‪ :‬الزموا‬
‫مواقفكم حتى تصلوا الظهر‪ ،‬فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا‪ ،‬فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم‪ .‬ثم إذا‬
‫كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس‪ ،‬فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعًا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا ال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪ .‬فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال‪ ... ..‬ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم‬
‫واستقبلوا الليل استقباًال بعد ما صلوا العشاء‪ ،‬وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح‪ ،‬وأفرغ هللا الصبر‬
‫عليهم إفراغًا‪ ،‬وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها‪ ،‬ورأى العرب والعجم أمرًا لم يروا مثله قط‪ ،‬وانقطعت األخبار واألصوات عن سعد‬
‫ورستم‪ ،‬وأقبل سعد على الدعاء‪ ،‬فلما كان عند الصبح انتمى الناس فاستدل بذلك على أنهم األعلون‪ ) ،‬الحظ ‪ ( :‬الزموا مواقفكم‬
‫حتى تصلوا الظهر‪ ،‬فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا‪ ،‬فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم‪ .‬ثم إذا كبرت‬
‫الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ‪ .. ( )..‬ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقباًال‬
‫بعد ما صلوا العشاء‪ ،‬وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح‪)،‬‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬تأدية الصالة الشيطانية حتى وقت إشتداد القتال‬
‫ـ ( فى معركة جلوالء ‪ .... :‬فاقتتلوا قتاال شديدا لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن حتى أنفدوا النبل وحتى ‪1‬‬
‫أنفدوا النشاب وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصالة‬
‫صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها )‪ .‬الحظ‪( :‬ولما حضرت الصالة صلى‬
‫الناس إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها )‬
‫ـ ( وعطف عليهم النعمان فضرب عسكره ثم عبى كتائبه وخطب الناس فقال إن اصبت فعليكم حذيفة بن اليمان وإن أصيب ‪2‬‬
‫فعليكم جرير بن عبدهللا وإن أصيب جرير بن عبدهللا فعليكم قيس بن مكشوح ‪ ..‬فقال النعمان نصلي إن شاء هللا ثم نلقى عدونا‬
‫دبر الصالة فلما تصافوا قال النعمان للناس إني مكبر ثالثا فإذا كبرت األولى فشد رجل شسعه وأصلح من شأنه فإذا كبرت الثانية‬
‫فشد رجل إزاره وتهيأ لوجه حملته فإذا كبرت الثالثة فاحملوا عليهم فإني حامل ‪ . ) ..‬الحظ ‪( :‬نصلي إن شاء هللا ثم نلقى عدونا‬
‫دبر الصالة )‬
‫ـ ( وخرج عبدهللا بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدا ونزل أبرشهر وبلغ نزوله أبرشهر سعيدا فنزل سعيد ‪3‬‬
‫قومس وهي صلح صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من طبرستان‬
‫جرجان وهي مدينة على ساحل البحر وهي في تخوم جرجان فقاتله أهلها حتى صلى صالة الخوف فقال لحذيفة كيف صلى‬
‫رسول هللا فأخبره فصلى بها سعيد صالة الخوف وهم يقتتلون ‪ . ) .‬الحظ (فقاتله أهلها حتى صلى صالة الخوف فقال لحذيفة‬
‫كيف صلى رسول هللا فأخبره فصلى بها سعيد صالة الخوف وهم يقتتلون ‪ .) .‬عبد هللا عامر عبد هللا بن عامر بن كريز بن‬
‫ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ـ ابن عم األمويين ‪ ،‬ومولود فى مكة بعد ثالث سنوات من هجرة النبى محمد الى المدينة ‪ .‬ثم دخل‬
‫فى االسالم بعد فتح مكة ‪ ،‬ومالبث أن صار من قادة البغى المسمى بالفتوحات ولصيقا باألمويين حتى لقد زوجه معاوية ابنته‪.‬‬
‫‪ .‬كان ال يعرف صالة الخوف ألنها من التشريعات الجديدة فى الصالة والتى نزلت فى المدينة‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬الصالة الشيطانية إحتفاال بعد إنتصار البغى‬
‫ـ ( فتح المدائن عام ‪ .... : 16‬واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل‪.. .‬ولما دخل سعد اإليوان ‪1‬‬
‫قرأ‪ ( :‬كم تركوا من جناٍت وعيوٍن وزروٍع ) إلى قوله‪( :‬قومًا آخرين)؛ وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال‬
‫يصلي جماعة‪ ،‬وأتم الصالة ألنه نوى اإلقامة‪ ،‬وكانت أول جمعة بالعراق‪ ،‬وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة‪ . ).‬هنا‬
‫إبتداع فى صالتهم الشيطانية هى صالة الفتح (وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال يصلي جماعة‪ ،‬وأتم‬
‫الصالة ألنه نوى اإلقامة‪ ،‬وكانت أول جمعة بالعراق‪ ،‬وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة )‬
‫ـ ( وكان فتح المدائن في صفر سنة ست عشرة قالوا ولما دخل سعد المدائن أتم الصالة وصام وأمر الناس بإيوان كسرى ‪2‬‬
‫فجعل مسجدا لألعياد ونصب فيه منبرا فكان يصلي فيه وفيه التماثيل ويجمع فيه فلما كان الفطر قيل ابرزوا فإن السنة في‬
‫العيدين البراز فقال سعد صلوا فيه قال فصلي فيه ‪ .) .‬تحول ايوان كسرى الى مسجد ‪ ،‬وتركوا ما فيه من ( تماثيل ) أى‬
‫( أصنام )‪ .‬فكان سعد بن أبى وقاص يصلى فيه ويجمع فيه الناس فى الصالة وصالة العيد ‪ .‬ضمن طقوس االحتفاالت بإنتصارهم‬
‫‪.‬الباغى‬
‫‪ :‬أخيرا ‪:‬إغتيال عمر وهو يصلى صالته الشيطانية‬
‫ـ إغتاله أحد ضحاياه ‪ ،‬وهو أبو لؤلؤة المجوسى ‪ .‬وقد كان طفال من أطفال السبى عاش معاناتهم ‪ ،‬وجىء به للمدينة فرأى ‪1‬‬
‫معسكرات ألطفال السبى وهم فيها يبكون ‪ ،‬فكان يبكى لبكائهم ‪ .‬وصصم على إغتيال عمر ‪ ،‬فقتله وهو يصلى صالته‬
‫الشيطانية ‪ ،‬ثم إنتحر أبو لؤلؤة المجوسى ‪ .‬تقول الرواية ( فلما أصبح خرج عمر إلى الصالة وكان يوكل بالصفوف رجاًال فإذا‬
‫استوت كبر‪ ،‬ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه‪ ،‬فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته‬
‫وهي التي قتلته‪ ،‬وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه‪ ،‬وقتل جماعة غيره‪ ( )...‬ولما احتضر ورأسه في حجر ولده‬
‫‪:‬عبد هللا قال‬
‫‪ ).‬ظلوٌم لنفسي غير أني مسلٌم ** أصلي الصالة كلها وأصوم‬
‫‪.‬ـ عليه وعليهم لعنة هللا جال وعال والمالئكة والناس أجمعين ‪2‬‬
‫‪ ..‬ـ ال أقصد أبا لؤلؤة المجوسى بالطبع ‪3‬‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬فى دينهم الشيطانى ‪ :‬الخلفاء الفاسقون إستخدموا رب العزة جل وعال للقتال فى سبيل المال إالههم األعظم‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ نضطر الى القول بأن الخلفاء الفاسقين ( أبو بكر وعمر وعثمان) إستخدموا رب العزة جل وعال فى إستحالل الدماء ‪1‬‬
‫واألموال واألعراض ‪ ،‬أى جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة للحصول على المال إالههم األعظم ‪ .‬هناك أكابر المجرمين من‬
‫الغزاة والمحتلين الذين رفعوا شعارات دنيوية شتى ‪ ،‬ولكن هؤالء الخلفاء الفاسقين جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة للحصول‬
‫‪ .‬على المال إالههم األعظم‬
‫ـ فارق هائل بينهم وبين المؤمنين الموصوفين فى قوله جل وعال ‪ِ( :‬إَّن َم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم ‪2‬‬
‫) ‪﴾٢‬األنفال ) (َو َب ِّش ِر اْل ُم ْخ ِبِتيَن ﴿‪ ﴾٣٤‬اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم ) ‪ ) 35‬الحج)‪ .‬هؤالء الكفرة الفجرة كانوا يذكرون إسم‬
‫هللا جل وعال فى أفظع عصيان هلل جل وعال ‪ ،‬بل يعتبرون هذا دينا وعبادة ‪ .‬هو فعال دين ولكنه دين شيطانى ‪ ،‬وهى فعال عبادة‬
‫‪ .‬ولكنها عبادة شيطانية ‪ ،‬ولكن يزينونها زورا وبهتانا بإسم هللا العظيم‬
‫‪ :‬ـ تالعب الشيطان بالعرب والقرشيين وقت نزول القرآن الكريم ‪ ،‬فجعلهم ‪3‬‬
‫ينسبون وقوعهم فى الفاحشة الى أوامر رب العزة جل وعال‪ .‬ذكر هذا رب العزة ورّد عليه‪ .‬قال جل وعال ‪ِ( :‬إَّن ا َج َع ْلَن ا ‪3 / 1 :‬‬
‫الَّش َي اِط يَن َأْو ِلَي اَء ِلَّلِذيَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ﴿‪َ ﴾٢٧‬و ِإَذ ا َف َع ُلوا َفاِح َش ًة َقاُلوا َو َج ْد َن ا َع َلْيَه ا آَب اَء َن ا َو الَّلـُه َأَمَر َن ا ِبَه ا ُقْل ِإَّن الَّلـَه اَل َي ْأُمُر‬
‫ِباْلَف ْح َش اِء َأَت ُقوُلوَن َع َلى الَّلـِه َم ا اَل َت ْع َلُم وَن ﴿‪ُ ﴾٢٨‬قْل َأَمَر َر ِّب ي ِباْلِقْس ِط َو َأِقيُم وا ُو ُج وَه ُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه‬
‫) الِّديَن ) ﴿‪ ﴾٢٩‬االعراف‬
‫ينسبون عبادتهم للمالئكة الى مشيئة الرحمن جل وعال ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪َ ( :‬و َقاُلوا َلْو َش اَء الَّر ْح َم ٰـ ُن َم ا َع َب ْد َن اُهم ۗ َّم ا ‪3 / 2 :‬‬
‫َلُهم ِبَٰذ ِلَك ِمْن ِع ْلٍم ۖ ِإْن ُه ْم ِإاَّل َي ْخ ُرُص وَن ﴿‪ ﴾٢٠‬الزخرف )‬
‫ينسبون وقوعهم فى الشرك وتحريم الحالل الى مشيئة الرحمن ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َقاَل اَّلِذيَن َأْش َر ُك وا َلْو َش اَء الَّلـُه َم ا ‪3 / 3 :‬‬
‫َع َب ْد َن ا ِمن ُدوِنِه ِمن َش ْي ٍء َّن ْح ُن َو اَل آَب اُؤ َن ا َو اَل َح َّر ْم َن ا ِمن ُدوِنِه ِمن َش ْي ٍء ۚ َك َٰذ ِلَك َفَع َل اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم ) ﴿‪ ﴾٣٥‬النحل )‪ .‬أى هى عادة‬
‫سيئة فعلها الذين كفروا من قبلها ‪ ،‬وسيفعلها الذين كفروا من بعدهم سيقولون نفس اإلفك ‪ ،‬لذا قال جل وعال بصيغة المستقبل ‪:‬‬
‫َٰذ‬
‫( َسَي ُقوُل اَّلِذيَن َأْش َر ُك وا َلْو َش اَء الَّلـُه َم ا َأْش َر ْكَن ا َو اَل آَب اُؤ َن ا َو اَل َح َّر ْم َن ا ِمن َش ْي ٍء ۚ َك ِلَك َك َّذ َب اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم َح َّتٰى َذ اُقوا َب ْأَس َن ا ۗ ُقْل‬
‫َه ْل ِعنَد ُك م ِّم ْن ِع ْلٍم َفُتْخ ِر ُج وُه َلَن ا ۖ ِإن َتَّت ِبُع وَن ِإاَّل الَّظ َّن َو ِإْن َأنُت ْم ِإاَّل َتْخ ُرُص وَن ﴿‪ ﴾١٤٨‬االنعام )‪ .‬قالتها قريش وقالها من سبقهم‬
‫وسيقولها من سيأتى بعدهم ألنهم أولياء الشيطان ‪ ،‬يشاءون الوقوع فى الشرك والكفر ثم ينسبون هذا الى مشيئة الرحمن جل‬
‫وعال ‪ .‬هذا مع إنه تكرر فى القرآن الكريم أن االنسان هو الذى يختار الهدى أو يختار الضالل (االسراء ‪ ( )107‬الكهف ‪) 29‬‬
‫‪ ،‬وهللا جل وعال يزيد الضال ضالال ويزيد المهتدى هدى‪ ( ،‬مريم ‪ ( )76 : 75‬محمد ‪ ()17‬البقرة ‪ ()10‬العنكبوت ‪) 69 : 68‬‬
‫‪.‬وهذا بمجرد أن يشاء فتأتى مشيئة هللا تؤكد ما شاءه االنسان لنفسه ‪ ( :‬االنسان ‪ ( ) 30 : 29‬التكوير ‪ 26‬ـ )‬
‫ـ الشيطان جعل الخلفاء الفاسقين الُغ زاة الُب غاة ينسبون هذا البغى الى رب العزة جل وعال الذى حّر م الظلم والعدوان والبغى ‪4‬‬
‫وأمر بالعدل والقسط ‪ .‬قال جل وعال ‪ِ( :‬إَّن الَّلـَه َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ٰى َو َي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر‬
‫َو اْلَب ْغ ِي ۚ َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ﴾ النحل )‪ .‬وعظهم رب العزة لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فلم يتذكروا بل فى تطرف فى الكفر إستخدموا إسم‬
‫هللا جل وعال فى بغيهم وعدوانهم وظلمهم‪ .‬أى جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة لتحقيق مطامعهم فى المال ‪ :‬إالههم األكبر‪.‬‬
‫‪ .‬عليهم لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين‬
‫‪ :‬ـ ونستشهد ببعض ما جاء فى الروايات التاريخية عن إستخدامهم رب العزة جل وعال فى بغيهم وعدوانهم ‪5‬‬
‫أوال ‪ :‬البغى بإسم هللا ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا )‬
‫ـ ( كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميرًا من أهل العلم والفقه‪ ،‬فاجتمع إليه جيش من المسلمين‪1 ،‬‬
‫فبعث عليهم سلمة بن قيس األشجعي‪ .‬فقال‪ :‬سر باسم هللا‪ ،‬قاتل في سبيل هللا من كفر باهلل‪ ( .) ،‬الحظ ‪ :‬سر باسم هللا‪ ،‬قاتل في‬
‫!‪.‬سبيل هللا من كفر باهلل‪) .‬‬
‫ـ القسم بإسم هللا على قتل الجميع ‪ :‬فى وقعة أليس‪ ..‬على الفرات ‪ ..( :‬واقتتلوا قتاًال شديدًا والمشركون يزيدهم ثبوتًا ‪2‬‬
‫توقعهم قدوم بهمن جاذويه‪ ،‬فصابروا المسلمين‪ ،‬فقال خالد‪ :‬اللهم إن هزمتهم فعلي أن ال أستبقي منهم من أقدر عليه حتى‬
‫‪ .‬أجري من دمائهم نهرهم‪ ) .‬نذر هلل إن إنتصر على المدافعين عن وطنهم أن يقتلهم جميعأ‬
‫ثانيا ‪ :‬النصر الباغى على ضحاياهم ينسبونه الى هللا جل وعال‬
‫ـ ( فجمع عمر الناس واستشارهم‪ ،‬وقال لهم‪ :‬هذا يوم له ما بعده‪ ،‬وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل ‪1‬‬
‫منزًال وسطًا بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءًا حتى يفتح هللا عليهم ويقضي ما أحب‪ ،‬فإن فتح هللا عليهم‬
‫!‪.‬صبيتهم في بلدانهم‪ ( ).‬الحظ‪ :‬حتى يفتح هللا عليهم ويقضي ما أحب‪ ،‬فإن فتح هللا عليهم صبيتهم في بلدانهم )‬
‫ـ فى مصر ‪ ( :‬فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا ‪ ...‬فنادى عمرو بأصحاب النبي‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪2 ،‬‬
‫فأجابوه‪ ،‬فقال‪ :‬تقدموا فبكم ينصر هللا المسلمين‪ ) ،‬الحظ (فبكم ينصر هللا المسلمين )‬
‫ـ ( ثم مضى حتى قدم جلوالء فحاصرهم في خنادقهم وأحاط بهم‪ ..‬وأمد سعد المسلمين‪ ،‬وخرجت الفرس ‪ ..‬فاقتتلوا‪ ،‬فأرسل ‪3‬‬
‫هللا عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البالد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق‪ ) ..‬الحظ ‪( :‬فأرسل هللا عليهم الريح )‬
‫ـ ( وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين‪...‬وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم‪ ،‬وعلى المشركين شهرك‪4 ،‬‬
‫فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا‪ ) ..‬الحظ ‪ ( :‬ففتح هللا على المسلمين )‬
‫ـ ( فخرج عمر من الغد يتوقع األخبار‪ .‬قال‪ :‬فأتيته فقال‪ :‬ما وراءك؟ فقلت‪ :‬خيرًا يا أمير المؤمنين‪ .‬فتح هللا عليك وأعظم ‪5‬‬
‫الفتح‪( )،‬فتح هللا عليك وأعظم الفتح)‬
‫ـ سعد بن أبى وقاص كان مريضا فلم يشارك فى قتال القادسية بنفسه فقال شاعر يهجوه ‪ ( :‬نقاتل حتى أنزل هللا نصره ** ‪6‬‬
‫وسعٌد بباب القادسية معصم ) الحظ ‪( :‬أنزل هللا نصره )‬
‫‪ :‬ـ بزعمهم ‪ :‬هللا جل وعال هو الذى يهزم الضحايا الُم عتدى عليهم ‪7‬‬
‫)‪..‬فتقدموا وفيهم أبو بردة وأبو برزة وتبعهم الناس‪ ،‬وفتح هللا على المسلمين وظفروا وهزموا المشركين ( ‪7 / 1 :‬‬
‫وكان عمر يسأل الركبان من حين يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية ثم يرجع إلى أهله ومنزله‪ ،‬قال‪ :‬فلما ( ‪7 / 2 :‬‬
‫)‪.‬لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره‪ ،‬قال‪ :‬يا عبد هللا حدثني‪ .‬قال‪ :‬هزم هللا المشركين‬
‫) ‪.‬ذكر فتح كرمان‪.. :‬فاقتتلوا في أداني أرضهم‪ ،‬ففض هللا تعالى المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق ( ‪7 / 3 :‬‬
‫ذكر خبر بيروذ من األهواز‪ .. :‬وعزم أبو موسى على الناس فأفطروا‪ ،‬وتقدم المهاجر فقاتل قتاًال شديدًا حتى قتل‪7 / 4 :( .‬‬
‫) ووهن هللا المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة‬
‫فتح البصرة ‪ ..‬وألقى هللا الرعب في قلوب الفرس فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء وأخلوا المدينة (‪7 / 5 :‬‬
‫)‪،‬ودخلها المسلمون فأصابوا متاعًا وسالحًا وسبيًا فاقتسموه وأخرج الخمس منه‬
‫)‪،‬ثم قاتلوهم‪ ،‬فهزمهم هللا وأصاب المسلمون مغانمهم‪ ،‬وأصابوا في الغنائم سفطًا فيه جوهر ( ‪7 / 6 :‬‬
‫احدهم يقسم على هللا أن يهزم الُم عتدى عليهم ‪ ... ( :‬فحاصروهم أشهرًا وأكثروا فيهم القتل‪ ... ،‬واشتد القتال قال ‪7 / 7 :‬‬
‫المسلمون‪ :‬يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا‪ .‬قال‪ :‬اللهم اهزمهم لنا ‪ ...‬وكان مجاب الدعوة‪ ،‬فهزموهم حتى أدخلوهم‬
‫خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ثم دخلوا مدينتهم وأحاط بها المسلمون‪).‬‬
‫) فالتقى النعمان والهرمزان بأربك فاقتتلوا قتاًال شديدًا‪ ،‬ثم إن هللا‪ ،‬عز وجل‪ ،‬هزم الهرمزان‪7/ 8 :(..‬‬
‫قال أحدهم عن قتل النعمان بن مقرن أحد قادة البغى ‪ ( :‬فلما انهزم المشركون أتيته‪ ،‬ومعي إداوة فيها ماء‪ ،‬فغسلت عن ‪7 / 9 :‬‬
‫وجهه التراب فقال‪ :‬ما فعل الناس؟ فقلت‪ :‬فتح هللا عليهم‪ .‬قال‪ :‬الحمد هلل! ومات‪).‬‬
‫ثالثا ‪ :‬القاتل المجرم ( النعمان بن مقرن ) جعلوه شهيدا‬
‫وقال لهم‪ :‬إني مكبر ثالثًا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا‪ ،‬وإن قتلت فاألمير بعدي حذيفة‪ ،‬فإن قتل ففالن‪ ،‬حتى عد (‬
‫سبعة آخرهم المغيرة‪ .‬ثم قال‪ :‬اللهم أعزز دينك‪ ،‬وانصر عبادك‪ ،‬واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر‬
‫عبادك‪.‬وقيل‪ :‬بل قال‪ :‬اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز اإلسالم واقبضني شهيدًا‪ .‬فبكى الناس‪ .. .‬فلما أقر‬
‫ودخل ( )‪...‬هللا عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيدًا‪ ،‬زلق به فرسه فصرع‪ .‬وقيل‪ :‬بل رمي بسهم في خاصرته فقتله‬
‫المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها‪ .‬فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم‪ ،‬ولما تم الظفر‬
‫للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن‪ ،‬فقال لهم أخوه معقل‪ :‬هذا أميركم قد أقر هللا عينه بالفتح وختم له‬
‫)‪.‬بالشهادة فاتبعوا حذيفة‬
‫رابعا ‪ :‬يسلبون وينهبون باسم الرحمن‬
‫إسالميا ‪ :‬الفىء هو ما يفىء الى بيت المال بغير قتال ‪ ( .‬الحشر ‪ . ) 6‬أما عند الخلفاء الفاسقين فالفىء هو ما يسلبون وما‬
‫‪ :‬ينهبون وما يسبون من النساء والذرية ‪ .‬وينسبون هذا لرب العزة جل وعال‪ .‬ونستشهد ببعض األمثلة‬
‫ـ ( ‪ .‬ذكر فتح الري ‪ ..:‬فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها‪ ،‬وأفاء هللا على المسلمين بالري نحوًا مما في المدائن ) ‪1‬‬
‫ـ ( فأوثقوه واقتسموا ما أفاء هللا عليهم‪ ،‬فكان سهم الفارس ثالثة آالف‪ ،‬وسهم الراجل ألفًا‪2 ) .‬‬
‫خامسا ‪ :‬الحث على البغى والعدوان باسم الرحمن جل وعال‬
‫ـ بالدعاء ‪ (:‬وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها‪ ،‬ورأى العرب والعجم أمرًا لم يروا مثله قط‪ ،‬وانقطعت األخبار واألصوات عن ‪1‬‬
‫سعد ورستم‪ ،‬وأقبل سعد على الدعاء‪) ،‬‬
‫ـ بالوعظ ‪ ( :‬وأعلم الناس أنه قد استخلف خالدًا وإنما يأمرهم خالد‪ ،‬فسمعوا وأطاعوا‪ ،‬وخطب الناس يومئٍذ‪ ،‬وهو يوم االثنين ‪2‬‬
‫من المحرم سنة أربع عشرة‪ ،‬وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم هللا من فتح البالد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من‬
‫الفرس‪ ،‬وكذلك فعل أمير كل قوم‪) ،‬‬
‫ـ بقراءة القرآن ‪ .. ( :‬وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد‪ ،‬وهي األنفال‪ ،‬فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا ‪3‬‬
‫السكينة مع قراءتها‪) .‬‬
‫سادسا ‪ :‬الحث على البغى والعدوان بالتكبير ( هللا أكبر )‬
‫يقولها المؤمن فى صالته خشوعا‪ ،‬بينما قالها ويقولها الكافرون البغاة وهم يرتكبون مجازرهم ‪ .‬بدأ هذا بالخلفاء ) هللا أكبر (‬
‫‪ .‬الفاسقين وال يزال مستمرا‬
‫ـ ( ‪ .‬ذكر يوم عماس ‪ ... :‬فحين رآهم كبر وكبر المسلمون وتقدموا وتكتبت الكتائب واختلفوا الضرب والطعن والمدد متتابع‪1 ،‬‬
‫فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم فأخبر بما صنع القعقاع‪ ،‬فعبى أصحابه سبعين سبعين‪ ،‬وكان فيهم قيس بن‬
‫هبيرة ابن عبد يغوث المعروف بقيس بن المكشوح المرادي‪ ،‬ولم يكن من أهل األيام إنما كان باليرموك‪..... ،‬فانتدب مع هاشم‬
‫حتى إذا خالط القلب كبر وكبر المسلمون ) ( وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة من أصحابه كبر وكبر المسلمون ويحمل‬
‫ويحملون‪) ،‬‬
‫ـ ( فدخلوا في السرب والناس من خارج‪ .‬فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت األبواب فاجتلدوا ‪2‬‬
‫فيها ‪) ..‬‬
‫‪ :‬ـ فى موقعة القادسية ‪3‬‬
‫فلما فرغ القراء منها قال سعد‪ :‬الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر‪ ،‬فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا‪ ،‬فإذا( ‪3 / 1‬‬
‫سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم‪ .‬ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس‪ ،‬فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعًا حتى‬
‫تخالطوا عدوكم وقولوا ال حول وال قوة إال باهلل‪ .‬فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال‪ ...،‬والمسلمون ينتظرون‬
‫التكبيرة الرابعة من سعد‪ ،‬فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم‪ ،‬وكبر سعد الرابعة وزحف إليهم‬
‫‪ ).‬المسلمون‬
‫ـ ( ولما اشتد القتال‪ ،‬وكان أبو محجن قد حبس وقيد فهو في القصر فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله فزبره ‪3 / 2‬‬
‫ورده فنزل‪ ،‬فأتى فقال لسلمى زوج سعد‪ :‬هل لك أن تخلي عني وتعيريني البلقاء؟ فلله علي إن سلمني هللا أن أرجع إليك حتى‬
‫أضع رجلي في قيدي ‪..‬فرقت له سلمى وأطلقته وأعطته البلقاء فرس سعد‪ ،‬فركبها حتى إذا كان بحيال الميمنة كّب ر ثم حمل على‬
‫ميسرة الفرس ‪ ..‬وتعجب الناس منه وهم ال يعرفونه )‬
‫ـ فى فتح حمص ‪ ... ( :‬فناهدهم المسلمون فكبروا تكبيرة فانهدم كثير من دور حمص وزلزلت حيطانهم فتصدعت‪ ،‬فكبروا ‪4‬‬
‫ثانية فأصابهم أعظم من ذلك‪) ،‬‬
‫ـ ( فأدخلهم الزينبي المدينة وال يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتًا فشغلهم عن مدينتهم‪ ،‬فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير ‪5‬‬
‫من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها‪) .‬‬
‫خامسا ‪ :‬المرتدون عماد جيوش البغى‬
‫ـ إرتدوا رفضا لجمع ابى بكر المال‪ .‬ثم أجبرتهم قريش على العودة ‪ ،‬مقابل أن تتوجه قوتهم الحربية للغزو الخارجى فى سبيل ‪1‬‬
‫إالههم األعظم ‪ ،‬وهو المال‪ .‬وكان قادة المرتدين ضمن قادة الغزو ‪ .‬ونستشهد بهذه الرواية ‪ ( :‬وسار هاشم من المدائن بعد‬
‫قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفًا‪ ،‬منهم وجوه المهاجرين واألنصار وأعالم العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد‪)... ،‬‬
‫ـ طليحة بن عبيد هللا كان من زعمار حركة الردة وزعم النبوة ‪ ،‬ثم دخل فى طاعة قريش ‪ . ،‬وكان عمرو بن معد يكرب ‪2‬‬
‫‪ :‬فارس المرتدين ‪ ،‬وكذا كان األشعث بن قيس ‪ .‬وترددت إسماؤهم فى روايات الغزو ‪ ،‬منها‬
‫ومضى طليحة وعمرو ابن معد يكرب‪ .‬فلما كان آخر الليل رجع عمرو‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما رجعك؟ قال‪ :‬سرنا يومًا وليلًة ولم ‪2 : 1 : ( .‬‬
‫نر شيئًا وخفت أن يؤخذ علينا الطريق فرجعت‪ .‬ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند‪ .‬وبين موضع المسلمين‬
‫الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخًا‪ .‬فقال الناس‪ :‬ارتد طليحة الثانية‪ .‬فعلم كالم القوم ورجع‪ .‬فلما رأوه كبروا‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫) ‪.‬شأنكم؟ فأعلموه بالذي خافوا عليه‬
‫)‪ ..‬ذكر ليلة الهرير وقتل رستم‪.. :‬وأخذ طليحة وراء العسكر وكبر ثالث تكبيرات ثم ذهب وقد ارتاع أهل فارس‪2 / 2 :( .‬‬
‫فأرسل إليهم عبد هللا‪ :‬إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق فخذوا األبواب التي تلي دجلة وكبروا ‪2 / 3 :( ...‬‬
‫)‪،‬واقتلوا من قدرتم عليه‪.‬وخرج إلى طليحة عظيم منهم‪ ،‬فقتله طليحة‬
‫ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع‪ ،‬وتقدم حنظلة بن الربيع وأمراء األعشار وطليحة وغالب وحمال‪2 / 4 :( ..‬‬
‫) وأهل النجدات‪ ،‬ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم‬
‫وخرج فارسي فطلب البراز‪ ،‬فبرز إليه عمرو بن معدي كرب‪ ،‬فأخذه وجلد به األرض‪ ،‬فذبحه وأخذ سواريه‪2 / 5 :(..‬‬
‫) ‪.‬ومنطقته‬
‫وحملت الفيلة عليهم ففرقت بين الكتائب‪ ،‬فنفرت الخيل‪ ،‬وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيًال‪ ،‬فنفرت خيل ( ‪2 / 6‬‬
‫بجيلة‪ ،‬فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها‪ ،‬وأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس‪.‬‬
‫فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك في كتائبهما فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها‪ .‬وخرج إلى طليحة عظيم منهم‪ ،‬فقتله‬
‫) ‪،‬طليحة‬
‫وقام األشعث بن قيس في كندة حين استصرخهم سعد فقال‪ :‬يا معشر كندة هلل در بني أسد أي فري يفرون واي هٍّذ (‪2 / 7 :‬‬
‫) ‪.‬يهذون عن موقفهم‪ ،‬أغنى كل قوم ما يليهم‪ ،‬وأنتم تنتظرون من يكفيكم‪ ،‬أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من العرب‬
‫وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال‪ :‬ناهدهم وكابرهم وال تخفهم‪.. ،‬وقال طليحة‪ :‬أرى أن نبعث خيًال لينشبوا القتال فإذا ‪2 / 8 : ( ..‬‬
‫اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادًا فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم‪ ،‬فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا فقاتلناهم حتى يقضي‬
‫)‪.‬هللا فيهم وفينا ما أحب‬
‫‪ :‬سادسا ‪ :‬كل شىء فى بغيهم ينسبونه هلل جل وعال ‪ ،‬ومنه‬
‫ـ االسراف فى القتل الباغى يجعلونه بمشيئة هللا جل وعال عن ذلك علوا كبيرا ‪ ...( :‬وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ‪1‬‬
‫ما شاء هللا‪).. ،‬‬
‫‪ :‬ـ إحتمال النصر أو الهزيمة‪2‬‬
‫ذكر فتح قزوين وزنجان‪:‬لما سير المغيرة جريرًا إلى همذان ففتحها سير البراء بن عازب في جيش إلى قزوين وأمره ( ‪2 / 1 :‬‬
‫) أن يسير إليها فإن فتحها هللا على يده غزا الديلم منها‬
‫كتب عمر الى سعد بن أبى وقاص ‪ .. ( :‬وإن هزم هللا الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل‪ ،‬وليكن الجند اثني ‪2 / 2 :‬‬
‫عشر ألفًا‪) .‬‬
‫ـ استمرار القتال بمشيئة هللا ‪ ( :‬وأنشب النعمان القتال بعد حط األثقال‪ ،‬فاقتتلوا يوم األربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم ‪3‬‬
‫سجاٌل وإنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة‪ ،‬وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء هللا‪)..‬‬
‫ـ فى الحصار ‪. ( :‬ذكر فتح فسا ودارابجرد‪ :‬وقصد سارية بن زنيم الدئلي فسا ودار ابجرد حتى انتهى إلى عسكرهم فنزل ‪4‬‬
‫عليهم وحاصرهم ما شاء هللا‪)..‬‬
‫ـ وحتى صبرهم فى القتال الباغى ‪ ( :‬وأفرغ هللا الصبر عليهم إفراغًا ‪5 ) ..‬‬
‫ـ وحتى الرأى الحربى يجعلونه وحيا إالهيا ‪ ( :‬وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديدًا‪ ،‬العرب والعجم فيه سواء‪ ،‬وال ‪6‬‬
‫تكون بينهم نقطة إال أبلغوها يزدجر باألصوات‪ ،‬فيبعث إليهم أهل النجدات ممن عنده‪ ،‬فلوال أن هللا ألهم القعقاع ما فعل في‬
‫‪.‬اليومين وإال كسر ذلك المسلمين‪).‬‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫تطور هذا فى العصر األموى ‪ ،‬إذ آمن األمويون بأن هللا جل وعال هو الذى يقوم بالبغى والعدوان ‪ .‬وبرروا بهذا كل فظائعهم ‪.‬‬
‫‪.‬يرتكبون البغى ويقولون هذه مشيئة هللا ‪ .‬وعرضنا لهذا بالتقصيل فى بحث عن فلسفة الجبرية فى الدولة األموية‬

‫الفصل السادس ‪ :‬الخلفاء الفاسقون هم األكثر وحشية فى التاريخ ألنهم جعلوا القتل دينا‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫‪ :‬ـ عاشت البشرية كارثتى حربين عالميتين ‪1‬‬
‫الحرب العالمية األولى إستمرت أربع سنوات فقط (‪ 28‬يوليو ‪ 11 : 1914‬نوفمبر ‪ ) 1918‬وخلفت ( مليون قتيل ‪1 / 1 :‬‬
‫‪.‬وحوالى ‪ 21‬مليون جريح )‬
‫الحرب العالمية الثانية إستمرت ست سنوات ‪ (:‬سبتمبر ‪ : 1939‬سبتمبر ‪ ) 1945‬شارك فيها أكثر من ‪ 100‬مليون ‪1 / 2‬‬
‫شخص و ‪ 30‬دولة ‪ .‬وصل عدد القتلى من المدنيين والعسكرين ما بين ‪ 50‬الى ‪ 85‬مليون شخص ‪ .‬هذا بسبب المذابح وقصف‬
‫‪ .‬المدن واستعمال األسلحة الدمار الشامل ومنها القنبلة الذرية‬
‫‪ :‬ـ نرى أن الحرب التى أشعلها الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفظع من الحربين العالميتين لألسباب التالية ‪2‬‬
‫هى حرب عالمية ولكن من طرف واحد معتد هاجم اآلخرين شرقا وغربا ‪ ،‬اسقط االمبراطورية الفارسية وتعّداها شرقا ‪2 / 1 : ،‬‬
‫‪.‬وهزم االمبراطورية البيزنطية وتوسع على حسابها من الشام الى شمال أفريقيا‬
‫استمرت الحربان العالميتان عشر سنوات فقط ‪ ،‬بينما إستمرت حرب الخلفاء الفاسقين ‪ 22‬عاما ‪ .‬بدأها أبوبكر فى شهر ‪2 / 2 :‬‬
‫‪.‬محرم عام ‪ 12‬واستمرت هادرة تقيم حمامات دم بال توقف حتى قبيل مقتل عثمان بعامين‬
‫كان ضحايا الحربين العالميتين عشرات الماليين من القتلى والجرحى ‪ ،‬أضعاف أضعاف القتلى فى حرب الخلفاء ‪2 / 3 :‬‬
‫‪:‬الفاسقين ‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من كون الخلفاء الفاسقين هم األكثر وحشية ‪ ،‬ألن‬
‫نوعية السالح المستخدم ‪ :‬كان فرديا فى عصر الخلفاء الفاسقين (سيف يقابله سيف ورمح يقابله رمح )‪ .‬أما ‪2 / 3 / 1 :‬‬
‫‪.‬السالح الحديث فهو يقتل اآلالف فى أقل وقت ممكن‬
‫حرب الخلفاء الفاسقين لم تعرف الجرحى ‪ ،‬بل كان يتم ( التزفيف ) عليهم أى قتلهم أو تركهم يموتون‪ ،‬ولم تكن ‪2 / 3 / 2 :‬‬
‫تعرف األسر ‪ ،‬فالقاعدة عندهم قتل كل ( المقاتلة ) وسبى نسائهم وأوالدهم وبناتهم ‪ ،‬مع حقن دماء الفالحين ومن يجمع منهم‬
‫الخراج أو الضرائب ‪ .‬لم تصل وحشية الحربين العالميتين الى هذا المستوى فى التعامل مع الجرحى واألسرى والنساء‬
‫‪.‬واألطفال‬
‫لم تتأّس س الحربان العالميتان على دين أرضى ‪ ،‬بل كانت تنافسا (علمانيا ) على ُح طام الدنيا بال أى خلفية دينية ‪2 / 3 / 3 : .‬‬
‫لذا كان سهال الشعور بالذنب ومحاولة االصالح بعد الحرب العالمية األولى بتأسيس ُع صبة األمم ‪ ،‬ثم بعد الحرب العالمية تم‬
‫تأسيس األمم المتحدة ومؤسساتها لمنع تكرار الحروب العالمية ‪ .‬أما حرب الخلفاء الفاسقين فهى ظاهرة لم تنته بموت ُط غاتها ‪.‬‬
‫توقفت فقط عندما إختلفوا على الغنائم وتحاربوا ‪ ،‬ثم بعدها تأسس حكم األمويين فإستأنفوا الغزو حتى وصلوا الى مشارف‬
‫الصين شرقا وأسوار القسطنطينية شماال وجنوب فرنسا غربا مع إستمرار األمويين فى حرب أهلية مع خصومهم الخوارج‬
‫والشيعة وغيرهم‪ .‬األسوأ أن تلك الحروب المسلحة الدينية تأّس س عليها دينا الُّس ّن ة والتشيع ‪ ،‬والطغاة من أولئك الخلفاء‬
‫الفاسقين أصبحوا آلهة معصومة من الخطأ ‪ .‬لذا إستمرت الحروب الدينية مع الخارج والحروب األهلية فى الداخل ‪ .‬وتتبعناها‬
‫‪.‬فى سلسلة مقاالت منشورة عن ( مسلسل الدماء ) وفيما كتبنا عن الوهابية والسعودية وداعش‬
‫نتخيل أن الخلفاء الفاسقين كان لديهم اسلحة عصرية ‪ ،‬وهم يعتبرون قتل اآلخر عبادة وجهادا فكم سيكون عدد القتلى ؟ ‪2 / 4 :‬‬
‫هنا نتذكر قوله جل وعال لخاتم النبيين عليهم السالم ‪َ ( :‬و َم ا َأْر َس ْلَن اَك ِإَّال َر ْح َم ًة ِّلْلَع اَلِميَن ) األنبياء ‪ . ) 107‬أرسل هللا جل ‪3 :‬‬
‫وعال رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين‪ .‬فأرسل الشيطان الخلفاء الفاسقين لقتل من يستطيعون من العالمين ‪ .‬وال يزال‬
‫‪ .‬خلفاؤهم على ُس ّن ة الشيطان سائرين‬
‫‪ :‬ـ نعطى نماذج من وحشيتهم فى القتال فيما بين سطور تفصيالت الغزو ‪4‬‬
‫أوال ‪ :‬إحصاءات لعدد القتلى من األبطال المدافعين عن أوطانهم وأهاليهم‬
‫ـ ( وقعة البويب‪:‬عام ‪. 13‬لما بلغ عمر خبر وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى‪ ..‬وكتب إلى أهل الردة فلم يأته أحد ‪1‬‬
‫إال رمى به المثنى‪ ،‬وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم ‪ ....‬حتى هزموا الفرس‪ ،‬وسبقهم‬
‫المثنى إلى الجسر وأخذ طريق األعاجم‪ ،‬فافترقوا مصعدين ومنحدرين‪ ،‬وأخذتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم وجعلوهم جثًا ‪.‬فما‬
‫كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها‪ ،‬بقيت عظام القتلى دهرًا طويًال‪ ،‬وكانوا يحرزون القتلى مائة ألف‪ ،‬وسمي ذلك‬
‫اليوم األعشار‪ ،‬أحصي مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة‪ ...‬وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات وتبعهم‬
‫المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل‪ .‬وكان قد أصاب المسلمون غنمًا ودقيقًا وبقرًا فبعثوا به إلى عيال من قدم من المدينة‬
‫وهم بالقوادس‪ .. .‬فأغاروا حتى بلغوا ساباط‪ ،‬وتحصن أهله منهم واستباحوا القرى )‪ .‬شارك فيها المرتدون السابقون ‪ ،‬أرسلهم‬
‫عمر بن الخطاب مددا للمثنى فجاءوا اليه فى ( جمع عظيم ) ‪ .‬بلغ عدد القتلى ‪ 100‬ألف ‪ ،‬وجثث القتلى من الفرس مألت‬
‫‪.‬المكان ‪ ،‬وبعدها طارد الُب غاة من أفلت من القتل ‪ ،‬وإستباحوا القرى قتال وسلبا ونهبا وسبيا وإسترقاقا‪ .‬عليهم اللعنة‬
‫‪:‬ـ ( ذكر وقعة جلوالء وفتح حلوان ‪2‬‬
‫وخرجت الفرس وقد احتفلوا‪ ،‬فاقتتلوا‪ ،‬فأرسل هللا عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البالد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في ‪2 / 1 (...‬‬
‫الخندق‪ ... ،‬فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك‪ ،‬فعقرت دوابهم وعادوا رجالة واتبعهم‬
‫المسلمون فلم يفلت منهم إال من ال يعد‪ ،‬وقتل يومئٍذ منهم مائة ألف‪ ،‬فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت‬
‫‪. ).‬جلوالء بما جللها من قتالهم‪ ،‬فهي جلوالء الوقيعة‬
‫وفى رواية أخرى ‪ ( :‬وقد أخذ به وأخذ المشركون في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم فهلكوا فيما ‪2 / 2 :‬‬
‫أعدوا للمسلمين فعقرت دوابهم وعادوا رجالة وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إال من ال يعد ‪ .‬وقتل هللا منهم يومئذ مائة ألف‬
‫فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلوالء بما جللها من قتالهم فهي جلوالء الوقيعة ) فى الروايتين ‪ :‬القتلى‬
‫‪ 100.‬ألف‬
‫‪ :‬نهاوند عام ‪3 / 21‬‬
‫فاقتتلوا‪ .‬فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا ‪3 / 1 : (...‬‬
‫نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه‪ ،‬فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد‬
‫‪ 100‬الف )‪.‬فيقتلون جميعًا‪ ،‬وجعل يعقرهم حسك الحديد‪ ،‬فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة‬
‫!‪.‬حرقا بالنار سوى من ُقتل فى المعركة‬
‫وفى رواية أخرى ‪ ( :‬ورجع إلى موقفه فكبر ثالثًا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال‪ ،‬وحمل النعمان والناس‪3 / 2 :‬‬
‫معه وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة‪ ،‬فاقتتلوا قتاًال شديدًا لم يسمع السامعون بوقعة‬
‫كانت أشد منها‪ ،‬وما كان يسمع إال وقع الحديد‪ ،‬وصبر لهم المسلمون صبرًا عظيمًا‪ ،‬وانهزم األعاجم وقتل منهم ما بين الزوال‬
‫واإلعتام ما طبق أرض المعركة دمًا يزلق الناس والدواب‪.‬وقيل‪ :‬قتل في اللهب ثمانون ألفًا وفي المعركة ثالثون ألفًا سوى من‬
‫قتل في الطلب‪ ،‬ولم يفلت إال الشريد‪) ،‬‬
‫ـ ( وقعة الثني ‪ ...:‬وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثالثين ألفًا سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم‪4 ) ...‬‬
‫!‪ .‬لوال الماء إلزداد عدد القتلى‬
‫ـ (وقعة أليس‪ ..‬على الفرات ‪ ..... :‬وبلغ عدد القتلى سبعين ألفًا‪5 ) ...‬‬
‫ذكر فتح قيسارية وحصر غزة‪ .. :‬فسار معاوية إليها فحصر أهلها‪ ،‬فجعلوا يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم‪6 : ( .‬‬
‫) ‪،‬ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين‪ ،‬وبلغت قتالهم في المعركة ثمانين ألفًا وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها‬
‫ثانيا ‪ :‬تقديرات للقتلى األبطال بدون حساب‬
‫ـ أغار المثنى على األسواق التى يتجمع فيها الباعة والمشترون ‪ .‬نقتطف من الرواية ‪( :‬وجاء إلى المثنى رجالن أحدهما ‪1‬‬
‫أنباري فدله على سوق الخنافس‪ ،‬والثاني حيري دله على بغداذ قال المثنى‪ :‬أيتهما قبل صاحبتها‪ .‬فقال‪ :‬بينهما مسيرة أيام‪ .‬قال‪:‬‬
‫أيهما أعجل؟ قاال‪ :‬سوق الخنافس يجتمع بها تجار مدائن كسرى والسواد وربيعة وقضاعة يخفرونهم‪ .‬فركب المثنى وأغار على‬
‫الخنافس يوم سوقها وبها خيالن من ربيعة وقضاعة‪ ،‬وعلى قضاعة رومانس بن وبرة‪ ،‬وعلى ربيعة السليل بن قيس وهم‬
‫الخفراء‪ ،‬فانتسف السوق وما فيها وسلب الخفراء‪ .‬ثم رجع فأتى األنبار فتحصن أهلها منه‪ ،‬فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوا‬
‫باألعالف والزاد‪ ،‬وأخذ منهم األدالء على سوق بغداذ وأظهر لدهقان األنبار أنه يريد المدائن‪ ،‬وسار منها إلى بغداذ ليًال وعبر‬
‫إليهم وصبحهم في أسواقهم فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء‪ .‬وقال المثنى‪ :‬ال تأخذوا إال الذهب والفضة والحر من كل شيء ‪...‬‬
‫ثم سار بهم إلى األنبار‪ ،‬وكان من خلفه من المسلمين يمخرون السواد ويشنون الغارات ما بين أسفل كسكر وأسفل الفرات‪.. ،‬‬
‫ولما رجع المثنى من بغداذ إلى األنبار بعث المضارب العجلي في جمع إلى الكباث وعليه فارس العناب التغلبي‪ ،‬ثم لحقهم المثنى‬
‫فسار معهم‪ ،‬فوجدوا الكباث قد سار من كان به عنه ومعهم فارس العناب‪ ،‬فسار المسلمون خلفه فلحقوه وقد رحل من الكباث‪،‬‬
‫فقتلوا في أخريات أصحابه وأكثروا القتل ‪) .‬‬
‫ـ ( وكان خليد قد أمر أصحابه أن يقاتلوا رجالًة فقتلوا من أهل فارس مقتلة عظيمة‪ ... ،‬وكان أهل إصطخر حيث أخذوا ‪2‬‬
‫الطريق على المسلمين‪ ،‬فجمعوا أهل فارس عليهم فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاووس وقد توافت إلى‬
‫المسلمين أمدادهم‪ ،‬وعلى المشركين شهرك‪ ،‬فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما‬
‫شاؤوا‪) ،‬‬
‫ـ ذكر فتح رامهرمز وتستر وأسر الهرمزان‪ (:‬وسار النعمان أيضًا وسار حرقوص وسلمى وحرملة وجزء فاجتمعوا على ‪3‬‬
‫تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال واألهواز في الخنادق‪ ،‬وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة‪،‬‬
‫وعلى الجميع أبو سبر‪ ،‬فحاصروهم أشهرًا وأكثروا فيهم القتل‪) ،‬‬
‫ـ ( ذكر فتح همذان ثانيًا‪ .. :‬فاجتمعوا وتحصن منهم أمراء المسالح وبعثوا إلى نعيم بالخبر‪ ،‬فاستخلف يزيد بن قيس ‪4‬‬
‫الهمذاني وخرج إليهم‪ ،‬فاقتتلوا بواج روذ قتاًال شديدًا‪ ،‬وكانت وقعة عظيمة تعدل بنهاوند‪ ،‬فانهزم الفرس هزيمة قبيحة وقتل‬
‫منهم مقتلة كبيرة ال يحصون‪) ،‬‬
‫ـ ( وقام الجالينوس على الردم ونادى الفرس إلى العبور‪ ،‬وأما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق‪ ،‬فوخزهم ‪5‬‬
‫المسلمون برماحهم فما أفلت منهم مخبر‪ ،‬وهم ثالثون ألفًا‪ ... ،‬وقتلوا في المعركة عشرة آالف سوى من قتلوا في األيام قبله‪،‬‬
‫)‬
‫ـ هذه رواية تستحق التأمل ‪ .. ( :‬وأمر القعقاع وشرحبيل باتباعهم حتى بلغا مقدار الخرارة من القادسية‪ ،‬وخرج زهرة بن ‪6‬‬
‫الحوية التميمي في آثارهم في ثالثمائة فارس‪ ،‬ثم أدركه الناس فلحق المنهزمين والجالينوس يجمعهم‪ ،‬فقتله زهرة وأخذ سلبه‪،‬‬
‫وقتلوا ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف‪ ،‬وعادوا من أثر المنهزمين ومعهم األسرى‪ ،‬فرؤي شاب من النخع وهو يسوق‬
‫ثمانين رجًال أسرى من الفرس‪ .. .‬ولما اتبع المسلمون الفرس كان الرجل يشير إلى الفارسي فيأتيه فيقتله‪ ،‬وربما أخذ سالحه‬
‫‪.‬فقتله به‪ ،‬وربما أمر رجلين فيقتل أحدهما صاحبه‪).‬‬
‫ـ ( ‪ ...‬فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا ‪7‬‬
‫عليه ‪ ..‬فاقتتل القوم فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها قبلها )‬
‫ـ(وقعة الولجة ‪ ... :‬فانهزمت األعاجم‪ ،‬وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقًا كثيرًا‪8 ) ..‬‬
‫ـ ( ذكر فتح شهرزور والصامغان‪ :‬لما استعمل عمر عزرة بن قيس على حلوان حاول فتح شهرزور‪ ،‬فلم يقدر عليها‪ ،‬فغزاها ‪9‬‬
‫عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال ‪ .. ..‬وقتل خلقًا كثيرًا من األكراد‪ .‬وكتب إلى عمر‪ :‬إن فتوحي قد بلغت أذربيجان‪ .‬فواله إياها )‬
‫ـ ( ثم إن عمرًا سار إلى اإلسكندرية‪ ،‬وكان من بين اإلسكندرية والفسطاط من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا‪ :‬نغزوه قبل ‪10‬‬
‫أن يغزونا ويروم اإلسكندرية‪ .‬فالتقوا واقتتلوا‪ ،‬فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة‪) ،‬‬
‫ــ ذكر فتح الري‪ .. ( ..‬فأدخلهم الزينبي المدينة وال يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتًا فشغلهم عن مدينتهم‪ ،‬فاقتتلوا وصبروا له ‪11‬‬
‫حتى سمعوا التكبير من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها‪) ،‬‬
‫ـ ( ذكر الخبر عن فتح توج‪ ... :‬فقصد مجاشع بن مسعود لسابور وأردشير خرة‪ ،‬فالتقى هو والفرس بتوج فاقتتلوا ما شاء ‪12‬‬
‫هللا‪ ،‬ثم انهزم الفرس وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا كل قتلة وغنموا ما في عسكرهم وحصروا توج فافتتحوها وقتلوا منهم خلقًا‬
‫كثيرًا وغنموا ما فيها‪) ،‬‬
‫ـ ( ذكر فتح إصطخر وجور وغيرهما‪.. :‬وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي إلصطخر فالتقى هو وأهل إصطخر بجور ‪13‬‬
‫فاقتتلوا وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ما شاء هللا‪ ،‬ثم فر منهم من فر‪) ،‬‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬قتلهم األبطال غدرا‬
‫وخرج عبدهللا بن عامر من البصرة يريد خراسان ‪ ..‬وضرب يومئذ سعيد رجال من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف (‬
‫) من تحت مرفقه وحاصرهم فسألوا األمان فأعطاهم على أال يقتل منهم رجال واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إال رجال واحدا‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬قتل جميع األسرى‬
‫ـ هنا رواية تستحق التأمل ‪( :‬وقعة أليس‪ ..‬على الفرات ‪ .. :‬واقتتلوا قتاًال شديدًا والمشركون يزيدهم ثبوتًا توقعهم قدوم ‪1‬‬
‫بهمن جاذويه‪ ،‬فصابروا المسلمين‪ ،‬فقال خالد‪ :‬اللهم إن هزمتهم فعلي أن ال أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم‬
‫نهرهم‪ .‬فانهزمت فارس فنادى منادي خالد‪ :‬األسراء األسراء إال من امتنع فاقتلوه‪ .‬فأقبل لهم المسلمون أسراء ووكل بهم من‬
‫يضرب أعناقهم يومًا وليلًة ‪ .‬فقال له القعقاع وغيره‪ :‬لو قتلت أهل األرض لم تجر دماؤهم‪ ،‬فأرسل عليها الماء تبر يمينك؛ ففعل‪،‬‬
‫وسمي نهر الدم ‪)...‬‬
‫ـ (عين التمر ‪ ... :‬وسار عقة إلى خالد فالتقوا‪ ،‬فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه‪ ،‬فاحتضنه وأخذه أسيرًا ‪2 ،‬‬
‫وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم‪..‬فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن‪ ،‬فلما انتهى المنهزمون إليه‬
‫‪.‬تحصنوا به‪ ،‬فنازلهم خالد‪ ،‬فطلبوا منه األمان‪ ،‬فأبى‪ ،‬فنزلوا على حكمه‪ ،‬فأخذهم أسرى وقتل عقة ‪ ،‬ثم قتلهم أجمعين ‪)..‬‬
‫‪.‬ـلمجرد التذكرة ‪ :‬قلنا من قبل أنه يحرم قتل األسير فى االسالم‪ .‬األسير هنا هو فى جيش معتدى ‪3‬‬
‫خامسا ‪ :‬قتل الجميع‬
‫ـ ( فساروا حتى لقوا عدوًا من األكراد المشركين ‪ ..‬فقاتلوهم فهزموهم ‪ ،‬وقتلوا المقاتلة ‪ ،‬وسبوا الذرية فقسمه بينهم‪1 ) ..‬‬
‫ـ ( ذكر فتح تكريت والموصل‪ ... :‬فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت األبواب فاجتلدوا فيها ‪2‬‬
‫!‪.‬فأناموا كل مقاتل‪ .).‬أناموا أى قتلوا‬
‫ـ ( ولحق سلمان بن ربيعة الباهلي وعبد الرحمن بن ربيعة بطائفة منهم قد نصبوا راية وقالوا‪ :‬ال نبرح حتى نموت‪ ،‬فقتلهم ‪3‬‬
‫‪.‬سلمان ومن معه‪ .) .‬هؤالء أبطال رفضوا الهرب وصمموا على الصمود فكان مصيرهم القتل‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫‪ .‬ـ هتلر نفسه لو قرأ هذا لشعر بالخجل ‪1‬‬
‫أوال ‪ :‬مقتطفات من روايات الطبرى >"‪ "right‬ـ حتى ال ننسى ‪ :‬صالتهم ‪2‬‬
‫عام ‪98‬‬
‫ـ ( وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح اآلخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ‪ ..‬ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان ‪1‬‬
‫قصد لجرجان فأعطى هللا عهدا لئن ظفر بهم أال يقلع عنهم واليرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك الطحين‬
‫ويأكل منه ‪ .. .‬وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها وحولها غياض ( أى غابات ) يعرف لها إال طريق واحد ‪ ،‬فأقام‬
‫بذلك سبعة أشهر ال يقدر منهم على شيء وال يعرف لهم مأتى إال من وجه واحد فكانوا يخرجون في األيام فيقاتلونه ويرجعون‬
‫إلى حصنهم ‪ ..‬فخرج رجل من عسكره من طيىء يتصيد فأبصر ( وعال ) ( أى غزال جبلى ) يرقي في الجبل‪ ،‬فاتبعه‪ ،‬وقال‬
‫لمن معه ‪" :‬قفوا مكانكم "‪ .‬ووقل في الجبل يقتص األثر فما شعر بشيء حتى هجم على عسكرهم فرجع يريد أصحابه ‪..‬فانطلق‬
‫به ابنا زحر حتى أدخاله على يزيد فأعلمه ‪ ..‬فأمر له بأربعة آالف ‪ ،‬وندب الناس فانتدب ألف وأربعمائة ‪ ،‬فقال ‪ " :‬الطريق ال‬
‫يحمل هذه الجماعة اللتفاف الغياض ( أى الغابات ) ‪ ،‬فاختار منهم ثالثمائة ‪ ،‬فوجههم واستعمل عليهم جهم بن زحر ‪ .. .‬وقال‬
‫يزيد للرجل الذي ندب الناس معه ‪ " :‬متى تصل إليهم ؟ " قال ‪ " :‬عند العصر فيما بين الصالتين " قال ‪ " :‬امضوا على‬
‫بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر‪ . " .‬فساروا فلما قارب انتصاف النهار من غد أمر يزيد الناس أن‬
‫يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم ‪ ،‬فصيره آكاما فأضرموه نارا ‪ ،‬فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره‬
‫أمثال الجبال من النيران ‪ .‬ونظر العدو إلى النار فهالهم ما رأوا من كثرتها ‪ ،‬فخرجوا إليهم ‪ .‬وأمر يزيد الناس حين زالت‬
‫الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين ‪ ،‬ثم زحفوا إليهم ‪ ،‬فاقتتلوا ‪ ،‬وسار اآلخرون بقية يومهم والغد فهجموا على عسكر الترك‬
‫قبيل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه ‪ ،‬ويزيد يقاتل من هذا الوجه‪ ،‬فما شعروا إال بالتكبير من ورائهم ‪ ،‬فانقطعوا جميعا إلى‬
‫حصنهم‪ ،‬وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ‪ ،‬ونزلوا على حكم يزيد ‪ ،‬فسبى ذراريهم ‪ ،‬وقتل مقاتلتهم ‪ ،‬وصلبهم فرسخين عن‬
‫يمين الطريق ويساره ‪ ،‬وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى األندرهز وادي جرجان وقال من طلبهم بثأر فليقتل فكان الرجل من‬
‫المسلمين يقتل األربعة والخمسة في الوادي ‪ ،‬وأجرى الماء في الوادي على الدم‪ ،‬وعليه أرحاء ( رحى للطحن ) ليطحن‬
‫‪ .‬بدمائهم ‪ ،‬ولتبر يمينه ‪ ،‬فطحن واختبز ‪ ( .‬أى عمل منه خبزا )‬
‫ـ رواية أخرى ‪( :‬دعا يزيد جهم بن زحر فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد ‪2‬‬
‫فقال إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا حتى إذا كان في السحر فكبروا ثم انطلقوا نحو باب المدينة فإنكم تجدوني وقد نهضت‬
‫بجميع الناس إلى بابها فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى إذا كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه‬
‫فأخذ ال يستقبل من أحراسهم أحدا إال قتله وكبر ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم مثله قط فيما مضى فلم يرعهم إال والمسلمون‬
‫معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا فألقى هللا في قلوبهم الرعب وأقبلوا ال يدرون أين يتوجهون غير أن عصابة منهم ليسوا‬
‫بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر فقاتلوا ساعة فدقت يد جهم وصبر لهم هو وأصحابه فلم يلبثوهم أن قتلوهم إال قليال وسمع‬
‫يزيد بن المهلب التكبير فوثب في الناس إلى الباب فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب فلم يجد عليه من يمنعه وال من‬
‫يدفع عنه كبير دفع ففتح الباب ودخلها من ساعته فأخرج من كان فيها من المقاتلة فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين‬
‫الطريق ويساره فصلبهم أربعة فراسخ وسبى أهلها وأصاب ما كان فيها )‬
‫وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك ‪ " :‬أما بعد فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ‪ ،‬وصنع للمسلمين أحسن ( ‪3‬‬
‫الصنع ‪ ،‬فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ‪ ،‬أظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ‪ ،‬وقد أعيا ذلك سابور ذا‬
‫األكتاف وكسرى بن قباذ وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء هللا ‪ ،‬حتى‬
‫فتح هللا ذلك ألمير المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه ‪ .‬وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد‬
‫‪ .‬إنتهى ) ‪ .‬أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬فى ( الكامل ) البن األثير‬
‫ذكر فتح جرجان الفتح الثاني‪ :‬قد ذكرنا فتح جرجان وقهستان وغدر أهل جرجان‪ ،‬فلما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان سار إلى (‬
‫جرجان ‪ ،‬وعاهد هللا تعالى لئن ظفر بهم ال يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين‪ .‬فأتاها وحصر أهلها‬
‫بحصن ‪ ..‬فحصرهم يزيد فيها سبعة أشهر وهم يخرجون إليه في األيام فيقاتلونه ويرجعون‪.‬بينا هم على ذلك إذ خرج رجل من‬
‫عجم خراسان يتصيد‪ ،‬وقيل‪ :‬رجل من طيء‪ ،‬فأبصر ( وعًال ) في الجبل ‪ ،‬ولم يشعر حتى هجم على عسكرهم ‪ ..‬فأتى يزيد‬
‫فأخبره‪ ،‬فضمن له يزيد دية إن دلهم على الحصن‪ ،‬فانتخب معه ثالثمائة رجل واستعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد وقال له‪ :‬إن‬
‫غلبت على الحياة فال تغلبن على الموت‪ ،‬وإياك أن أراك عندي مهزومًا‪ .‬وضم إليه جهم بن زحر‪ ،‬وقال للرجل‪ :‬متى تصلون؟‬
‫قال‪ :‬غدًا العصر‪ .‬قال يزيد سأجهد على مناهضتهم عند الظهر‪ ...‬فساروا فلما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب كان‬
‫عندهم‪ ،‬فصار مثل الجبال من النيران‪ ،‬فنظر العدو إلى النيران فهالهم ذلك فخرجوا إليهم‪ ،‬وتقدم يزيد إليهم فاقتتلوا‪ ،‬وهجم‬
‫أصحاب يزيد الذين ساروا على عسكر الترك قبل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه‪ ،‬ويزيد يقاتلهم من هذا الوجه‪ ،‬فما شعروا إال‬
‫بالتكبير من ورائهم‪ ،‬فانقطعوا جميعًا إلى حصنهم‪ ،‬وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكم يزيد‪ ،‬فسبى ذراريهم‬
‫وقتل مقاتلهم وصلبهم فرسخين إلى يمين الطريق ويساره وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى وادي جرجان وقال‪ :‬من طلبهم بثأر‬
‫فليقتل‪ .‬فكان الرجل من المسلمين يقتل األربعة والخمسة‪ ،‬وأجرى الماء على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم ليبر يمينه‪،‬‬
‫فطحن وخبز وأكل‪ ،‬وقيل‪ :‬قتل منهم أربعين ألفًا‪ .... .‬وقيل‪ :‬بل قال يزيد ألصحابه لما ساروا‪ :‬إذا وصلتم إلى المدينة انتظروا‬
‫فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه‪ .‬فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى كانت الساعة‬
‫التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر‪ ،‬ففزع أهل الحصن‪ ،‬وكان أصحاب يزيد ال يلقون أحدًا إال قتلوه‪ ،‬ودهش الترك فبقوا ال‬
‫يدرون أين يتوجهون‪ ،‬وسمع يزيد التكبير فسار في الناس إلى الباب فلم يجد عنده أحدأ يمنعه وهم مشغولون بالمسلمين‪ ،‬فدخل‬
‫الحصن من ساعته وأخرج من فيه وصلبهم فرسخين من يمين الطريق ويساره‪ ،‬فصلبهم أربعة فراسخ‪ ،‬وسبى أهلها وغنم ما‬
‫) ‪..‬فيها‪ ،‬وكتب إلى سليمان بالفتح يعظمه ويخبره أنه قد حصل عنده الخمس ستمائة ألف ألف‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬تاريخ ( المنتظم ) البن الجوزى ) حوادث عام ‪ 98‬هجرية‬
‫وفيها‪ :‬غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان فى مائة الف مقاتل سوى الموالى والمتطوعين‪ .‬وجاء فنزل بدهستان(‬
‫فحاصرها ومنع عنهم المواد فبعث إليه ملكهم‪ :‬إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي وأدفع إليك‬
‫المدينة وما فيها وأهلها‪.‬فصالحه ووفى له ودخل المدينة ‪ ،‬وأخذ ما كان فيها من األموال والكنوز ومن السبي ما ال يحصى ‪،‬‬
‫وقتل أربع عشر ألف تركي صبًر ا‪ ،‬وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك ‪.‬ثم خرج حتى أتى جرجان و قد كانو يصالحون أهل‬
‫الكوفة على مائة ألف ومائتي ألف وثالثمائة ألف وقد كانوا صالحوا سعيد بن العاص ثم امتنعوا وكفروا‪ ،‬فلم يأت بعد سعيد إليهم‬
‫أحد ‪ ،‬ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إال على وجل وخوف منهم‪ .‬فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح فاستخلف رجال ‪ .......‬ثم‬
‫إنهم غدروا بجنده فقتلوا منهم ‪ ،‬ونقضوا العهد ‪ ،‬فأعطى هللا عهًد ا لئن ظفر بهم ال يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم‬
‫ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ‪ ،‬فنزل عليها سبعة أشهر ال يقدر منهم على شيء وال يعرف لها مأتى إال من وجه واحد ‪ ،‬فكانوا‬
‫يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم ‪ ،‬فدله رجل على طريق آخر يشرف عليهم ‪ ،‬فبعث معه جنًد ا ‪ ،‬ونهض هو لقتالهم ‪،‬‬
‫فركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ‪ ،‬ونزلوا على حكمه ‪ ،‬فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق‬
‫ويساره ‪ .‬وقاد منهم اثني عشر ألًف ا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز‬
‫وأكل ‪ .....‬وكتب يزيد إلى سليمان‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪.‬أما بعد فإن هللا تعالى ذكره قد فتح ألمير المؤمنين فتًح ا عظيًم اوصنع‬
‫للمسلمين أحسن الصنع فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه واظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان وقد أعيا ذلك‬
‫سابور ذا األكتاف وكسرى بن قباد وكسرى بنهزمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وذا النورين ومن بعدهما حتى فتح هللا‬
‫سبحانه ذلك ألمير المؤمنين كرامة هللا عز وجل له وزيادة في نعمه عليه وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا عز وجل على‬
‫) المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة سبعة آالف ألف وأنا حامل هذا ألمير المؤمنين إن شاء هللا‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬التعليق‬
‫ـ هذه روايات تختلف فى بعض التفاصيل ‪ ،‬ولكن األساس فيها واحد ‪ ،‬وهو عن إعادة ( فتح ) جرجان فى خالفة سليمان بن ‪1‬‬
‫عبد الملك ‪ ،‬وهى اآلن جورجيا وما حولها ‪ .‬سكان هذه البالد لم يعتدوا على المسلمين ـ بل إن الخلفاء الفاسقين هم الذين‬
‫‪.‬واصلوا الغزو و االستيالء على تلك البالد والهجوم عليهم فى عقر دارهم باالثم والعدوان‬
‫ـ القائد هنا هو يزيد بن المهلب بن أبى صفرة ‪ ،‬وهو الذى حاصر دولة دهستان ومنع عنها الطعام فاضطر الملك الى ‪2‬‬
‫االستسالم والنجاة بنفسه فدخل يزيد بن المهلب المدينة واستولى على ما فيها من أموال وكنوز واسترق ما ال يحصى من‬
‫أهلها ‪ ،‬وقتل منهم ‪ 14‬الف انسان ( صبرا ) أى يلقيه فى سجن محكم بال طعام وال شراب الى ان يموت بعد ما نتخيله من ألم‬
‫يعجز الصبر عن تحمله ‪ ،‬وهى من الطرق الوحشية فى القتل ‪ ،‬حيث أن أرحم طرق القتل هو أسرعها وليس أبطأها‪..‬وكتب‬
‫‪ ..‬القائد ( المظفر ) الى الخليفة يفتخر بما فعل‬
‫ـ وهاجم يزيد جرجان أو ما يعرف االن بجورجيا ‪ ،‬وقد كانت خاضعة لألمويين من قبل ولكنهم ثاروا على االحتالل طالبين ‪3‬‬
‫الحرية ‪ ،‬أو بتعبير الراوى ( إمتنعوا وكفروا ) فذهب يزيد الخضاعهم بجيشه فاستقبلوه بالصلح ‪ ،‬فلما ولى عنهم بمعظم جيشه‬
‫عادوا للثورة أو بتعبير الراوى ( غدروا بجنده فقتلوا منهم ونقضوا العهد ) فاقسم يزيد بن بن المهلب بعهد هللا تعالى (عهًدا لئن‬
‫ظفر بهم ال يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ) فحاصرهم سبعة اشهر الى أن اقتحم المدينة‬
‫وفعل باهلها شنائع بربرية ‪ ،‬أو بتعبير الراوى (فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره‬
‫وقاد منهم اثني عشر ألًف ا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز وأكل) أى‬
‫!!‪ ..‬شرب دماءهم‬
‫ـ كل هذه الوحشية يغلفها الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين ‪ ،‬والذى يتمسح زورا وبهتانا برب العالمين ‪ .‬ونستشهد بما جاء ‪4‬‬
‫‪ :‬فى الروايات‬
‫‪ :‬إستعمال إسم هللا جل وعال فى إرتكاب هذه الشنائع ‪4 / 1 :‬‬
‫وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح اآلخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ‪ ..‬ثم إن يزيد لما صالح أهل ( ‪4 / 1 / 1 :‬‬
‫طبرستان قصد لجرجان فأعطى هللا عهدا لئن ظفر بهم أال يقلع عنهم واليرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك‬
‫أى يعاهد ‪. ) .‬وعاهد هللا تعالى لئن ظفر بهم ال يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين ( ) الطحين ويأكل منه‬
‫‪.‬هللا على أن يفعل بهم هذا‪ .‬هو يعاهد الشيطان ‪ .‬وليس رب العزة أرحم الراحمين والذى من ضمن أسمائه الحسنى ( السالم )‬
‫)قال ‪ " :‬امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر ( ‪4 / 1 / 2 :‬‬
‫‪ .‬هنا إستخدام حقير السم رب العزة جل وعال ) فألقى هللا في قلوبهم الرعب ( ‪4 / 1 / 3 :‬‬
‫على أن خطاب يزيد بن المهلب الى سليمان بن عبد الملك فى رواية الطبرى يستحق وقفة ‪ ( :‬وكتب يزيد إلى ‪4 / 1 / 4 :‬‬
‫سليمان بن عبد الملك ‪ " :‬أما بعد فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ‪ ،‬وصنع للمسلمين أحسن الصنع ‪ ،‬فلربنا الحمد‬
‫على نعمه وإحسانه ‪ ،‬أظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ‪ ،‬وقد أعيا ذلك سابور ذا األكتاف وكسرى بن قباذ‬
‫وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء هللا ‪ ،‬حتى فتح هللا ذلك ألمير‬
‫المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه ‪ .‬وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي‬
‫‪ :‬حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا ‪ . ) .‬نالحظ هنا أنه‬
‫ينسب الفتح لرب العزة جل وعال ‪ ( :‬فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ‪ ،‬وصنع للمسلمين أحسن ‪4 / 1 / 4 / 1 :‬‬
‫الصنع ‪ ،‬فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ) ( حتى فتح هللا ذلك ألمير المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه )‬
‫يجعل الخلفاء الفاسقين ( خلفاء هللا ) ‪( :‬وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من ‪4 / 1 / 4 / 2 :‬‬
‫‪.‬خلفاء هللا ‪) ،‬‬
‫يجعل المال الُّس حت الحرام من رب العزة جل وعال ‪( :‬وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد ‪4 / 1 / 4 / 3 :‬‬
‫أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا )‬
‫‪ :‬الصالة الشيطانية ‪ :‬كانت فى تفصيالت البغى اآلثم ‪4 / 2 :‬‬
‫وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه ‪ " :‬متى تصل إليهم ؟ " قال ‪ " :‬عند العصر فيما بين الصالتين " ( ‪4 / 2 / 1 :‬‬
‫‪. " .‬قال ‪ " :‬امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر‬
‫)‪ ..‬وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين ‪4 / 2 / 2 : ( ...‬‬
‫‪ :‬التكبير ‪4 / 3 :‬‬
‫قال لهم ‪( :‬فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه‪ .‬فلما دخل ابن زحر المدينة ‪4 / 3 / 1 :‬‬
‫أمهل حتى كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر‪ ،‬ففزع أهل الحصن‪) ..‬‬
‫وكان أصحاب يزيد ال يلقون أحدًا إال قتلوه‪ ،‬ودهش الترك ‪ ،‬فبقوا ال يدرون أين يتوجهون‪ ،‬وسمع يزيد التكبير ( ‪4 / 3 / 2 :‬‬
‫‪ ).‬فسار في الناس‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫قال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اَّلِذيَن اْر َت ُّدوا َع َلٰى َأْد َب اِر ِهم ِّم ن َبْع ِد َم ا َت َبَّي َن َلُهُم اْلُهَدى ۙالَّش ْي َط اُن َس َّو َل َلُهْم َو َأْم َلٰى َلُهْم ﴿‪ ﴾٢٥‬محمد )‬
‫‪.‬ـ الشيطان أنساهم أن الجهاد فى االسالم لرد االعتداء و الدفاع فقط وليس للهجوم على من ال يعتدى عليك ‪1‬‬
‫ـ الشيطان أنساهم أن هللا تعالى ال يحب المعتدين ‪ .‬قال جل وعال ‪َ( :‬و َقاِتُلوْا ِفي َس ِبيِل ِهّللا اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو َال َت ْع َت ُد وْا ِإَّن َهّللا َال ‪2‬‬
‫ُيِحِّب اْلُمْع َت ِديَن ) ( البقرة ‪) 190‬‬
‫ـ الشيطان زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا ‪ .‬قال جل وعال ‪َ( :‬أَفَم ن ُز ِّي َن َلُه ُس وُء َع َم ِلِه َفَر آُه َح َس ًن ا َفِإَّن َهَّللا ُيِض ُّل َم ن َي َش اء ‪3‬‬
‫ُ ) َو َيْه ِدي َم ن َي َش اء َفاَل َت ْذ َه ْب َن ْف ُس َك َع َلْي ِهْم َح َسَر اٍت ِإَّن َهَّللا َع ِليٌم ِبَم ا َيْص َن ُع وَن ) فاطر ‪8‬‬
‫‪ .‬ـ الشيطان أضلهم أكثر فأقنعهم أن ينسبوا جرائمهم لرب العزة هللا جل وعال ‪4‬‬
‫‪ :‬ـ تخيل ‪5‬‬
‫‪.‬هذا يحدث لبلدك فاذا قمت بثورة على الطغيان ــ وهو ما يجب عليك ــ اعتبر االخرون ذلك كفرا و غدرا ‪5 / 1 :‬‬
‫أن يعتبر االخرون اغتصاب نسائك واسترقاق أهلك وقتلهم وشرب دمائهم جهادا ‪ ،‬وهم يعتبرون دفاعك عن شرفك ‪5 / 2 :‬‬
‫‪.‬وكرامتك كفرا و غدرا‬
‫ـ الى هذا الحد ينقلب الحق باطال و الباطل حقا‪ .‬والى هذا الحد ننسب جرائمنا هلل تعالى ـ ونظلم رب الناس بعد أن ظلمنا الناس ‪6‬‬
‫‪.‬وقتلنا الناس وشربنا دماء الناس‬
‫ـ واذا كتبنا هنا النصاف االسالم من المسلمين فان بعضهم يحتج ألنه ال يطيق أن ينتقد أحد السلف الصالح ( المجاهد ) مع ‪7‬‬
‫‪ .‬أننا نستشهد بواقع تاريخنا المكتوب الذى يعد إقرارا صريحا‬
‫‪ .‬ـ ومن عادتنا السيئة أننا نكيل بمكيالين‪ .‬نهاجم االستعمار واالمبريالية ونقدس ونؤله الخلفاء الفاسقين المحتلين ‪8‬‬
‫ـ بل و نفعل ذلك مع هللا سبحانه وتعالى ‪ .‬ندافع عن الذين ظلموا رب العزة و نسبوا له جرائمهم‪ .‬واذا كتب باحث يحاول ‪9‬‬
‫!‪ .‬إنصاف رب العزة واالسالم مما فعله المسلمون أصبح متهما بالخروج عن االسالم‪.. .‬الى هذا الحد شّو هوا االسالم‬
‫‪.‬ـ بسيطة‪ ..‬يوم الدين آت ‪ ..‬وال مفر منه وال مهرب ‪10‬‬

‫الفصل الثامن ‪ :‬صالتهم الشيطانية فى حروبهم األهلية ( الفتنة الكبرى األولى )‬


‫لمحة تاريخية‬
‫ـ نبدأ بالفتنة الكبرى األولى التى ترتبت على الغزو اآلثم ‪ ،‬وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا‪1‬‬
‫وغربا‬
‫ـ فى خالفة عثمان اختص أهله األمويين وقريش بالنصيب األكبر فى توزيع المال المنهوب واألراضى الزراعية ‪ ،‬على حساب ‪2‬‬
‫األعراب وهم جند الفتوحات ‪ ،‬فاحتج زعماء األعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ‪ ،‬وواجه عثمان احتجاجهم باالضطهاد ( عام‬
‫‪ 33 .‬هجرية ) فتحول االحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام ‪35‬‬
‫ـ وعينوا عليا خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر ‪ ،‬محمال عليا المسئولية ‪.‬بينما ثار صحابة آخرون ‪3‬‬
‫وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد هللا وعائشة ‪ ،‬وهزمهم (على ) فى موقعة الجمل ‪ ،‬وهى‬
‫‪ .‬أول حرب طاحنة بين الصحابة ( عام ‪)36‬‬
‫ـ ثم اضطر (على ) لحرب معاوية ‪ ،‬وكاد أن ينتصر عليه فى ( صفين ) (عام ‪ ) 37‬لوال لجوء عمرو بن العاص الى خدعة ‪4‬‬
‫التحكيم ‪ ،‬أى االحتكام الى كتاب هللا ‪ ،‬وأرغم األعراب من شيعة (على )(عليا ) على قبول التحكيم ‪ ،‬رغم تحذيره لهم بأنها خدعة‬
‫‪ ،‬فأضاعوا االنتصار فى صفين ‪ ،‬ثم أرغموا (عليا ) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم ‪ ،‬وهو ( أبوموسى‬
‫األشعرى ) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص ‪ ،‬فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا‬
‫( لعلى)‪ .‬وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو ألبى موسى األشعرى ‪ ،‬فثار نفس األعراب على (على ) تحت شعار ( ال حكم اال‬
‫هلل ) ‪ ،‬وطلبوا من (على ) أن يعترف بكفره ويتوب ألنه وافق على التحكيم ‪ ،‬كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على‬
‫قبول التحكيم ‪ .‬ورفض (على ) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان ‪ ،‬فقتله أحدهم ( ابن ملجم ) عام ‪. 40‬واكتسبوا‬
‫‪ .‬آخر ألقابهم وهو (الخوارج )‬
‫ـ الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى األولى ‪ .‬هؤالء األعراب كانوا فى البداية كفارا فأسلموا باالسالم السلوكى بمعنى ‪5‬‬
‫السالم ودخلوا فى دين هللا جل وعال أفواجا ‪،‬كيدا لقريش ‪ ،‬ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ‪ ،‬ولما‬
‫هزمهم أبوبكر عادوا تحت سيطرة قريش ـ وأفهمتهم قريش أن غزو ما حولهم من البالد هو جهاد ‪ ،‬لهم به الجنة ولهم أيضا‬
‫المغانم من سبى وسلب ونهب ‪ ،‬فأصبحوا عماد الفتوحات ‪ ،‬ثم أصبحوا الثوار على عثمان ‪ ،‬ثم شيعة على ‪ ،‬وفى النهاية خرجوا‬
‫‪.‬عليه فأصبحوا ( الخوارج )‬
‫ترتب على الفتنة الكبرى األولى أيضا تأسيس معاوية للدولة األموية ‪.‬فبعد قتل (على ) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام‬
‫الجماعة (‪ 40‬هجرية )‪ ،‬وخرج على هذا االجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة األموية الى سقوطها‬
‫‪.‬عام ‪ 132‬هجرية‬
‫‪ .‬ـ فى كل هذه الحروب األهلية حافظ المتحاربون على الصالة الشيطانية ‪6‬‬
‫ـ وبعد هذه اللمحة التاريخية نقتطف من بين آالف التفصيالت إشارات عن تأديتهم الصلوات الشيطانية التى تبرر لهم حروبهم ‪7‬‬
‫‪.‬وصراعهم على المال ( إالههم األكبر ) سواء فى االعتداء على الخارج أو اإلقتتال األهلى فى الداخل‬
‫أوال ‪ :‬إشارات عن الصالة فى الثورة على عثمان وقتله‬
‫جاء الثوار األعراب الى المدينة محتجين عليه ‪ ،‬ودارت مفاوضات إنتهت بإتفاق فعادوا راجعين ‪ ،‬وفى الطريق قبضوا على ‪1‬‬
‫رسول من عثمان يأمر واليه بقتل وفد الثوار ‪ ،‬كتبه مروان بن الحكم المسيطر على عثمان ‪ ،‬وهو اساس الفتنة‪ .‬عاد الثوار أكثر‬
‫غضبا ‪ ،‬فدخلوا المدينة فى غفلة من أهلها‪ .‬تقول الرواية ( فلم يشعر أهل المدينة إال والتكبير في نواحيها‪ ،‬ونزلوها وأحاطوا‬
‫بعثمان وقالوا‪ :‬من كف يده فهو آمن‪ .‬وصلى عثمان بالناس أيامًا‪ ،‬ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كالمه‪ ،‬وأتاهم أهل‬
‫المدينة وفيهم "علي" فقال لهم‪ :‬ما ردكم بعد ذهابكم؟ فقالوا‪ :‬أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا‪ . ) .‬الشاهد هنا ان عثمان (صلى‬
‫‪.‬بالناس أياما‪ ،‬أى ظل محتفظا بسلطته أياما ‪ ،‬حيث سمح الثوار للناس أن يكلموا عثمان‬
‫ـ إختلف الوضع فى صالة الجمعة التالية ‪ ،‬إذ خطب عثمان وهاجم الثوار يزعم أنهم ملعونون على لسان النبى محمد كما لو ‪2‬‬
‫أنه عليه السالم كان يعلم الغيب‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة‪ ،‬خرج عثمان فصلى بالناس‬
‫ثم قام على المنبر فقال‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬هللا هللا! فوهللا إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فامحوا الخطأ بالصواب‪ . ) .‬غضب الثوار ‪ ( :‬وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد‪ ،‬وحصبوا عثمان‬
‫حتى صرع عن المنبر مغشيًا عليه‪ ،‬فأدخل داره ) وتأتى إشارة بعدها عن الصالة ‪ ،‬تقول الرواية ‪ .. ( :‬وصلى عثمان بالناس‬
‫بعد ما نزلوا به في المسجد ثالثين يومًا‪ ،‬ثم منعوه الصالة‪ ،‬وصلى بالناس أميرهم الغافقي ودان له المصريون‪ ،‬والكوفيون‬
‫والبصريون‪ ،‬وتفرق أهل المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم ال يجلس أحد وال يخرج إال بسيفه ليمتنع به‪ ،‬وكان الحصار أربعين‬
‫يومًا ومن تعرض لهم وضعوا فيه السالح‪ .) .‬صلى عثمان بالناس ثالثين يوما ‪ ،‬ثم منعوه الصالة ‪ ،‬وأصبح الغافقى زعيمهم هو‬
‫الحاكم الذين يصلون خلفه ‪ ،‬وأصبح عثمان محاصرا فى داره ‪ ،‬وأصبح أهل المدينة تحت رحمة الثوار‪ .‬وجاءت أخبار للثوار أن‬
‫جيشا فى الطريق إلنقاذ عثمان فإقتحموا على عثمان داره وقتلوه‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬بقي عثمان ثالثة أيام ال يدفن‪ ) ،‬ثم دفنوه‬
‫فى (حش كوكب‪ ،‬وهو خارج البقيع‪ ،‬فصلى عليه جبير بن مطعم‪ ،‬وقيل‪ :‬حكيم بن حزام‪ ،‬وقيل‪ :‬مروان‪ ،‬وجاء ناس من األنصار‬
‫ليمنعوا من الصالة عليه ثم تركوهم خوفًا من الفتنة‪ (.).‬الحش) هو موضع قضاء الحاجة ‪(.‬وقيل لم يغسل وكفن في ثيابه‪).‬‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬إشارات عن الصالة فى موقعة الجمل‬
‫كانت عائشة تطعن فى عثمان فلما علمت بقتله وتولى (على ) تزعمت المطالبة بالثأر له ‪ ،‬وأيدها الزبير بن العوام و طلحة بن‬
‫عبيد هللا‪ .‬خرجوا من الحجاز بجيش واتجهوا الى البصرة وعليها وال الصالة من قبل (على ) هو عثمان بن حنيف ‪ ،‬ودارت‬
‫‪ .‬بينهم معارك هزموا فيها ابن حنيف وأسروه وأهانوه‪ .‬ونقتطف بعض التفصيالت‬
‫ـ ( ‪ ..‬فاقتتلوا بدار الرزق قتاًال شديدًا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في ‪1‬‬
‫الفريقين‪....‬فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صالة العشاء‪ ،‬وكانوا‬
‫يؤخرونها‪ ،‬فأبطأ عثمان‪ ،‬فقدما عبد الرحمن بن عتاب‪ ،‬فشهر الزط والسيابجة السالح ثم وضعوه فيهم‪ ،‬فأقبلوا عليهم فاقتتلوا‬
‫في المسجد فقتلوا‪ ،‬وهم أربعون رجًال ‪ ،‬فأدخال الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما‪ .‬فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في‬
‫وجهه شعرة‪ ... ،‬وقيل‪ :‬لما أخذ عثمان أرسله إلى عائشة يستشيرونها في أمره‪ ،‬فقالت‪ :‬اقتلوه‪ .‬فقالت لها امرأة‪ :‬نشدتك هللا في‬
‫عثمان وصحبته لرسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم! فقالت لهم‪ :‬احبسوه‪ .‬فقال لهم مجاشع بن مسعود‪ :‬اضربوه وانتفوا لحيته‬
‫وحاجبيه وأشفار عينيه‪ .‬فضربوه أربعين سوطًا ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ثم أطلقوه وجعلوا على بيت المال‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‪ . ) .‬أسروا عثمان بن أبى حنيف وفعلوا به األفاعيل ‪ ،‬وفازوا ببيت مال البصرة ‪ ،‬وهذا هو بيت‬
‫‪.‬القصيد‬
‫ـ انهزم جيش عائشة فى موقعة الجمل ‪ .‬وكان مروان ضمن جيش عائشة ‪ ،‬وقد أتته فرصة فإغتال طلحة بن عبيد هللا ألن له ‪2‬‬
‫يدا فى إغتيال عثمان‪ ، .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وكان الذي رمى طلحة مروان بن الحكم‪ ).. ،‬أما الزبير فهرب بعد الهزيمة فلحقه أحد‬
‫أتباع (على ) وهو ( عمرو بن جرموز ) ‪ ،‬تقول الرواية ‪ .. ( :‬وحضرت الصالة‪ ،‬فقال ابن جرموز‪ :‬الصالة‪ .‬فقال الزبير‪:‬‬
‫الصالة‪ ،‬فلما نزال استدبره ابن جرموز فطعنه في جربان درعه فقتله وأخذ فرسه وسالحه وخاتمه‪) .‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إشارات عن الصالة فى موقعة ( صفين )‬
‫كان (على ) يتأهب لحرب معاوية ‪ ،‬فشجع األمويون عائشة وطلحة والزبير على الخروج على (على ) وقتاله إستنفادا لجهده‬
‫‪ :‬وإلتاحة الفرصة لمعاوية حتى يستعد‪ .‬وكانت المواجهة بينهما فى حرب صفين‪ .‬ونلتقط منها بعض إشارات عن الصالة‬
‫ـ عن بأس (األشتر النخعى ) قائد جيش على تقول الرواية ‪ ( :‬وقاتلهم األشتر قتاًال شديدًا‪ .. ،‬فما زال هو ومن رجع إليه ‪1‬‬
‫يقاتلون حتى كشف أهل الشام وألحقهم بمعاوية والصف الذي معه بين صالة العصر والمغرب‪ ) ،‬هنا التوقيت لإلقتراب من‬
‫‪ .‬النصر بما بين صالتى العصر والمغرب‬
‫ـ وتستمر الرواية ‪ ( :‬وانتهى إلى عبد هللا بن بديل وهو في عصابة من القراء نحو المائتين أو الثلثمائة قد لصقوا باألرض ‪2‬‬
‫كأنهم جثًا‪ ،‬فكشف عنهم أهل الشام فأبصروا إخوانهم فقالوا‪ :‬ما فعل أمير المؤمنين؟ قالوا‪ :‬حٌّي صالح في الميسرة يقاتل الناس‬
‫أمامه‪ .‬فقالوا‪ :‬الحمد هلل! قد كنا ظننا أنه قد هلك وهلكتم‪ ..).‬و ( الُقّر اء ) هو لقب من أصبحوا الخوارج فيما بعد‪ .‬ووصفهم‬
‫بالقراء يعنى الذين يقيمون الليل قراءة للقرآن وصالة ‪ .‬وقد تطرف الخوارج فى الصالة وفى إستحالل دماء األبرياء ‪ ،‬وسنعرض‬
‫‪.‬لهم الحقا‬
‫ـ وتقول الرواية ‪ .. ( :‬فتناهض الناس يوم األربعاء فاقتتلوا قتاًال شديدًا نهارهم كله‪ ،‬ثم انصرفوا عند المساء وكٌّل غير ‪3‬‬
‫غالب‪ ،‬فلما كان يوم الخميس صلى "علي " بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وزحفوا معه‪ ،‬وكان على ميمنة‬
‫علي عبد هللا ابن بديل بن ورقاء الخزاعي‪ ،‬وعلى ميسرته عبد هللا بن عباس‪ ،‬والقراء مع ثالثة نفر‪ :‬عمار‪ ،‬وقيس بن سعد‪،‬‬
‫وعبد هللا بن بديل‪ ،‬والناس على راياتهم ومراكزهم‪ .. .‬ورفع معاوية قبة عظيمة فألقى عليها الثياب وبايعه أكثر أهل الشام على‬
‫الموت ‪ . ) ..‬هنا إشارة لصالة (على ) فى الغلس أى فى الفجر عند إختالط ضوء الفجر بظالم الليل‪ .‬وهنا أيضا إشارة الى‬
‫‪ (.‬الُقّر اء ) الذين صاروا خوارج فيما بعد‪ .‬وكان منهم (ُابّى ) تقول عنه الرواية ‪ ( :‬وكان يقال ألبي ابي الصالة لكثرة صالته‪) .‬‬
‫ـ حين إقترب األشتر من فسطاط معاوية إستشار عمرو بن العاص فأشار عليه برفع المصاحف على الرماح وتحكيم القرآن‪4 .‬‬
‫وفهم (على ) أنها خدعة ‪ ،‬ولكن ( الُقّر اء ) أرغموا عليا على قبول التحكيم وأرغموه على أن يستدعى األشتر ‪ ،‬وهو على وشك‬
‫اإلنتصار‪ .‬ووقع الخالف بين األشتر والُقّر اء ‪ ،‬فصاح فيهم األشتر ‪ُ ( :‬خ دعتم فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم‪ ،‬يا‬
‫أصحاب الجباه السود! كنا نظن صالتكم زهادة في الدنيا وشوقًا إلى لقاء هللا‪ ،‬فال أرى مرادكم إال الدنيا‪ ،‬أال قبحًا يا أشباه النيب‬
‫الجاللة! ما أنتم برائين بعدها عزًا أبدًا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون! فسبوه وسبهم وضربوا وجه دابته بسياطهم وضرب‬
‫وجوه دوابهم بسوطه فصاح به وبهم علي فكفوا‪ .‬وقال الناس‪ :‬قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكمًا‪ .).‬هذا وصف األشتر‬
‫‪.‬لهم بالصالة وعالمة السجود فى جباههم‬
‫ـ وانتهى التحكيم بأن نجح معاوية فى تفريق جيش (على ) وإنقاذ نفسه من هزيمة محققة‪ ،‬ورجع بجيشه الى الشام وهم ‪5‬‬
‫يسلمون عليه بالخالفة ‪ ،‬ورجع (على ) بخيبة كبرى‪ .‬فصّب نقمته على معاوية بأن كان يدعو عليه وعلى أصحابه فى الصالة‪.‬‬
‫تقول الرواية ‪ ..( :‬ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخالفة‪ ... ،‬وكان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول‪:‬‬
‫اللهم العن معاوية وعمرًا وأبا األعور وحبيبًا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد! فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت‬
‫سب عليًا وابن عباس والحسن والحسين واألشتر‪ . ).‬وبهذا تم إبتداع اللعن فى الصالة‪ .‬بدأه (على ) وإستمر فيه معاوية‬
‫‪.‬وخلفاؤه‬
‫ـ ثم كانت محنة على بالُقّر اء الذين أرغموه على التحكيم ثم بعد أن ظهرت الخدعة إرتدوا بلوم (على ) ‪ ،‬ودار جدل عقيم بينهم ‪6‬‬
‫‪ .‬ومن الروايات نرى إشارات الى الصالة ‪ ،‬تقول الرواية ‪.. ( :‬فخرج علي في الناس حتى دخل إليهم‪ ،‬فأتى فسطاط يزيد بن‬
‫قيس فدخله فصلى فيه ركعتين وأمره على أصبهان والري‪ ،‬ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال‪ :‬ألم أنهك‬
‫‪.‬عن كالمهم؟ )‬
‫ـ بعد التحكيم طمع معاوية فى أن يأخذ ( مصر ) التابعة لخصمه (على )‪ .‬فاتفق مع عمرو ابن العاص أن يفتحها له عمرو ‪7‬‬
‫مقابل أن تكون مصر ( ُط عمة له ) أى أن يستأثر عمرو بخراجها وجزيتها ‪ ،‬وال يعطى منه شيئا لمعاوية ‪ .‬تقول الرواية ‪..( :‬‬
‫وذلك أن عمرًا كان صالح معاوية على قتال علي على أن له مصر طعمًة ما بقي‪ . ) .‬وراسل معاوية أعوانه فى مصر وهم‬
‫مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج السكوني والمناصرين للثأر لعثمان بن عفان ‪ ،‬وجهز جيشا من ستة آالف جندى مع عمرو‬
‫بن العاص ‪ .‬وكان والى مصر من قبل (على ) هو محمد بن ابى بكر المتهم بالمشاركة فى قتل عثمان ‪ .‬وانتهى األمر بأن هزم‬
‫معاوية بن حديج جيش محمد بن أبى بكر ‪ ،‬وأسروه ‪ ،‬وجىء به الى معاوية بن حديج ‪ ،‬قال له معاوية ابن حديج ‪ ( :‬أتدري ما‬
‫أصنع بك؟ أدخلك جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار‪ .. .‬وقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار‪.‬فلما بلغ ذلك عائشة‬
‫جزعت عليه جزعًا شديدًا وقنتت في دبر الصالة تدعو على معاوية وعمرو وأخذت عيال محمد إليها‪ ،‬فكان القاسم بن محمد بن‬
‫أبي بكر في عيالهم‪ ،‬ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت‪ ).‬الشاهد هنا أن عائشة تصلى ‪ ،‬أى صالة شيطانية تدعو فيها‬
‫‪.‬على قتلة أخيها‬
‫ـ كان (على ) يخرج من فشل ليدخل فى فشل آخر‪ .‬وإنتهى فشله بأن قتله الخارجى عبد الرحمن بن ملجم‪ .‬وعاونه فى ‪8‬‬
‫االغتيال شبيب بن بجرة ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وأتى ابن ملجم رجًال من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له‪ :‬هل لك في شرف‬
‫الدنيا واآلخرة؟ قال‪ :‬وماذا؟ قال‪ :‬قتل علي‪ .‬قال شبيب‪ :‬ثكلتك أمك! لقد جئت شيئًا إدًا! كيف تقدر على قتله؟ قال‪ :‬أكمن له في‬
‫المسجد فإذا خرج إلى صالة الغداة شددنا عليه فقتلناه‪ ،‬فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا‪ ،‬وإن قتلنا فما عند هللا خير من الدنيا وما‬
‫فيها‪ .. .‬فلما كان ليلة الجمعة‪ .. ،‬أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصالة‪ ،‬فلما خرج‬
‫علي نادى‪ :‬أيها الناس الصالة الصالة‪ .‬فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب‪ ،‬وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف‪،‬‬
‫وقال‪ :‬الحكم هلل ال لك يا علي وال ألصحابك! ‪ ..‬وهرب شبيب في الغلس‪ .)...‬مثل عمر والزبير كان ُقتل على فى الصالة‪.....‬‬
‫‪ .‬الصالة الشيطانية‬
‫‪:‬الفصل التاسع ‪ :‬صالتهم الشيطانية فى حروبهم األهلية فى العصر األموى‬
‫) من ‪( 1 2‬‬
‫‪ :‬مقدمة ‪ :‬ال زلنا نبحث عن صالتهم الشيطانية فى حروبهم األهلية ‪ ،‬وندخل فى العصراألموى ‪ ،‬نعطى منه بعض النماذج‬
‫أوال ‪ :‬إشارات عن الصالة الشيطانية فى عهد معاوية‬
‫ـ إنفرد معاوية بالحكم بعد تنازل الحسن بن على ‪ ،‬وكان مشغوال بالعراق مركز المعارضة ‪ ،‬فجعل واليه على الصالة فيها ‪1‬‬
‫زياد بن أبيه ‪ ،‬جمع له البصرة والكوفة ‪ .‬تقول الرواية إن معاوية ‪ ( :‬أرسل إلى زياد‪ ،‬وهو بالكوفة‪ ،‬فأمره بالمسير إلى‬
‫البصرة‪ ،‬فواله البصرة وخراسان وسجستان‪ ،‬ثم جمع له الهند والبحرين وعمان‪ ،‬فقدم البصرة آخر شهر ربيع اآلخر سنة خمس‬
‫وأربعين والفسق ظاهر فاٍش ‪ ،‬فخطبهم خطبته البتراء‪، ) ..‬وفيها أعلن فى مسجدها تشريعا جديدا ‪ ،‬قال فيه ‪( :‬وإني ألقسم باهلل‬
‫ألخذن الولي بالولي‪ ،‬والمقيم بالظاعن‪ ،‬والمقبل بالمدبر‪ ،‬والصحيح منكم بالسقيم‪ ،‬حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول‪ :‬انج سعد‬
‫فقد هلك سعيد‪.. ،‬إياكم ودلج الليل فإني ال أوتى بمدلج إال سفكت دمه‪ ،‬وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع‬
‫إليكم‪ ،‬وإياي ودعوى الجاهلية فإني ال أجد أحدًا دعا بها إال قطعت لسانه‪.‬وقد أحدثتم أحداثًا لم تكن‪ ،‬وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة‪،‬‬
‫فمن غرق قومًا غرقناه‪ ،‬ومن حرق على قوم حرقناه‪ ،‬ومن نقب بيتًا نقبت عن قلبه‪ ،‬ومن نبش قبرًا دفنته فيه حيًا‪ ،‬فكفوا عني‬
‫أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم لساني ويدي‪ ،‬وإياكم ال يظهر من أحد منكم خالف ما عليه عامتكم إال ضربت عنقه‪ ...‬وإن لي فيكم‬
‫لصرعى كثيرة‪ ،‬فليحذر كل امرىء منكم أن يكون من صرعاي‪ .).‬إعترض بعض الخوارج وهو ابو بالل بن مرداس على سياسة‬
‫معاقبة البرىء إنتقاما من الظالم ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فقام إليه أبو بالل مرداس بن أدية‪ ،‬وهو من الخوارج‪ ،‬وقال‪ :‬أنبأ هللا بغير‬
‫ماقلت‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ( :‬وإبراهيم الذي وفى أال تزر وازرٌة وزر أخرى وأن ليس لإلنسان ما سعى) فأوعدنا هللا خيرًا مما‬
‫أوعدتني يا زياد‪ .‬فقال زياد‪ :‬إنا ال نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيًال حتى نخوض إليها الدماء‪ .).‬أى إعترف زياد بن أبيه‬
‫‪ .‬بأنه فى تشريعه هذا يخوض فى الباطل خوضا ليثبت سلطان معاوية‬
‫وقام زياد بتطبيق سياسته هذه ‪ ،‬تقول عنه الرواية ‪ ( :‬واستعمل زياد على شرطته عبد هللا بن حصن‪ ... ،‬فكان يؤخر العشاء‬
‫اآلخرة ثم يصلي ‪ ،‬فيأمر رجًال أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتل القرآن‪ ،‬فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانًا يبلغ أقصى‬
‫البصرة‪ ،‬ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج‪ ،‬فيخرج فال يرى إنسانًا إال قتله‪ .‬فأخذ ذات ليلة أعرابيًا فأتى به زيادًا فقال‪" :‬هل‬
‫سمعت النداء؟ " فقال‪ " :‬ال وهللا! قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع وأقمت ألصبح وال علم لي بما كان‬
‫من األمير‪ ، ".‬فقال‪ " :‬أظنك وهللا صادقًا ‪ ،‬ولكن في قتلك صالح األمة " ‪ .‬ثم أمر به فضربت عنقه‪ .).‬يهمنا هنا أنه جعل صالة‬
‫‪.‬العشاء موعدا لحظر التجول ‪ ،‬يؤخر صالة العشاء ‪ ،‬ثم تقتل الشرطة من يسير فى الطريق حتى لو لم يكن يعلم بحظر التجول‬
‫ـ وتسبب زياد فى قتل حجر بن عدى كبير الشيعة فى العراق ‪ .‬ويتردد فى هذه الرواية عن قتل حجر بن عدى موضوع الصالة ‪2‬‬
‫‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬أن زيادًا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصالة‪ ،‬فقال له حجر بين عدي‪ :‬الصالة‪ .‬فمضى في خطبته‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬الصالة‪ .‬فمضى في خطبته‪ .‬فلما خشي حجر بن عدي فوت الصالة ضرب بيده إلى كف من حصى وقام إلى الصالة وقام‬
‫الناس معه‪ .‬فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس ‪ ،‬وكتب إلى معاوية وكثر عليه‪ ،‬فكتب إليه معاوية ليشده في الحديد ويرسله‬
‫إليه‪ .‬فلما أراد أخذه قام قومه ليمنعوه‪ ،‬فقال حجر‪ :‬ال ولكن سمعًا وطاعة‪ .‬فشد في الحديد وحمل إلى معاوية‪ .‬فلما دخل عليه‬
‫قال‪ :‬السالم عليك يا أمير المؤمنين! فقال معاوية‪ :‬أأمير المؤمنين أنا؟ وهللا ال أقيلك وال أستقيلك! أخرجوه فاضربوا عنقه! فقال‬
‫حجر للذين يلون أمره‪ :‬دعوني حتى أصلي ركعتين‪ .‬فقالوا‪ :‬صل‪ ،‬فصلى ركعتين خفف فيهما‪ .‬ثم قال‪ :‬لوال أن تظنوا بي غير‬
‫الذي أردت ألطلتهما ‪) ..‬‬
‫ـ وقد عّي ن زياد إبن أبيه (الربيع بن زياد الحارثي ) واليا على خراسان وسخط والى خراسان هذا على قتل حجر بن عدى ‪3 ،‬‬
‫وقال ‪ " :‬ال تزال العرب تقتل صبرًا بعده‪ ،‬ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرًا‪ ،‬ولكنها أقّر ت فذّلت‪ ".‬وفى خطبة‬
‫الجمعة قال ‪ " :‬أيها الناس إني قد مللت الحياة وإني داٍع بدعوة فأمنوا! ثم رفع يديه بعد الصالة فقال‪ :‬اللهم إن كان لي عندك‬
‫خير فاقبضني إليك عاجًال! " وفى الرواية أنه مات بعدها ‪ ،‬وإستخلف ابنه عبد هللا فمات من يومه ‪ ،‬ومات ابن آخر له بعد‬
‫‪.‬شهرين ‪ .‬بعدها عّي ن زياد واليا جديدا هو خليد بن يربوع الحنفى‬
‫ـ واضح أن زياد بن ابيه هو الذى دبر قتل الربيع الحارثى وإبنيه ‪ ،‬وجعلها مؤامرة محكمة حتى ال تثور قبيلته‪ .‬وإختلف ‪4‬‬
‫الوضع مع وال آخر لمعاوية هو سمرة الذى أخلص فى طاعة معاوية فعزله معاوية فقال ‪ " :‬لعن هللا معاوية! وهللا لو أطعت هللا‬
‫كما أطعته ما عذبني أبدًا ‪ . " .‬كان سمرة هذا جبارا فى األرض ‪ ،‬تقول الرواية ‪.. ( :‬وجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم‬
‫‪ .‬دخل المسجد فصلى‪ ،‬فأمر سمرة بقتله فقتل‪ . ) ..‬وبسبب كلمته ضد معاوية مات فجأة‬
‫ـ وكانت سياسة معاوية التخلص بالُّس م مّم ن يتوجس منهم‪ .‬فعل هذا مع األشتر النخعى ومع الحسن بن على ومع عبد الرحمن ‪5‬‬
‫‪ .‬بن خالد بن الوليد‪ .‬هذا مع محافظة معاوية على تأديته الصالة الشيطانية‬
‫ثانيا ‪ :‬إشارات عن الصالة الشيطانية فى مذبحة كربالء‬
‫تعرضنا لمذبحة كربالء بالتفصيل فى كتاب منشور هنا‪ .‬وأثبتنا إنه كان صراعا على المال والُّس لطة ‪ ،‬وأن الحسين هو الذى‬
‫يتحمل نتيجة فشله ومقتله وأهله فى هذه المذبحة ‪ ،‬وإنها كانت مغامرة خاسرة صمم عليها برغم تكرار النصيحة له ‪ .‬وهنا‬
‫‪ .‬نعطى لمحة عن وقوع الفريقين فى الصالة الشيطانية فى ثنايا األحداث‬
‫ـ أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب الى الكوفة ليقوم بتجميع أنصاره ‪ ،‬تقول الرواية ‪( :‬ثم دعا الحسين ‪1‬‬
‫مسلم بن عقيل فسيره نحو الكوفة وأمره بتقوى هللا وكتمان أمره واللطف‪ ،‬فإن رأى الناس مجتمعين له عجل إليه بذلك‪ .‬فأقبل‬
‫مسلم إلى المدينة فصلى في مسجد رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وودع أهله واستأجر دليلين من قيس )‪ .‬هنا الصالة فى‬
‫‪.‬مسجد نسبوه الى بشر وليس الى هللا جل وعال‬
‫ـ وكان عبيد هللا بن زياد ( والى الصالة ) على العراق خلفا ألبيه زياد بن أبيه‪ .‬فلما قدم مسلم بن عقيل الى الكوفة واجتمع ‪2‬‬
‫اليه الشيعة فى ( المسجد ) بعث عبيد هللا بن زياد جاسوسا وأعطاه ثالثة آالف درهم ليتحبب بها الى مسلم بن عقيل وينضم اليه‬
‫‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬ودعا ابن زياد مولى له وأعطاه ثالثة آالف درهم وقال له‪ " :‬اطلب مسلم ابن عقيل وأصحابه والقهم‬
‫وأعطهم هذا المال وأعلمههم أنك منهم واعلم أخبارهم ‪ .. ".‬وأتى هذا الجاسوس الى المسجد وأخذ يصلى ‪ ( ،‬فسمع الناس‬
‫يقولون‪ :‬هذا يبايع للحسين‪ ،‬وهو يصلي‪ ،‬فلما فرغ من صالته ‪ ) ..‬قال ألحد الشيعة ‪ " ( :‬يا عبد هللا إني امرؤ من أهل الشام‬
‫أنعم هللا علي بحب أهل هذا البيت‪ ،‬وهذه ثالثة آالف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع البن بنت رسول‬
‫هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد سمعت نفرًا يقولون إنك تعلم أمر هذا البيت وإني أتيتك لتقبض المال وتدخلني على صاحبك‬
‫‪.‬أبايعه‪ ،‬وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إياه‪ .).‬وبهذه الصالة فى المسجد زرع ابن زياد جاسوسا مقربا من مسلم بن عقيل‬
‫ـ بعدها هّد د ابن زياد رءوس القبائل فى الكوفة بمنع العطاء أو المرتبات ‪ ،‬فبدأت حموع الشيعة تنفض من حول مسلم بن ‪2‬‬
‫عقيل ‪ ،‬وأصبح تائها يبحث عن ملجأ ‪ .‬وجمع ابن زياد رءوس القبائل وجموع الناس فى المسجد وهّد د من يقوم بإيواء مسلم‬
‫بن عقيل وأغرى من يقوم بتسليمه بالمكافأة‪ .‬تقول الرواية ‪ .. ( :‬وأما ابن زياد ‪ ..‬فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس‬
‫أصحابه حول المنبر وأمر فنودي‪ :‬أال برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إال في المسجد‪.‬‬
‫فامتأل المسجد‪ ،‬فصلى بالناس ثم قام فحمد هللا ثم قال‪ :‬أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخالف والشقاق‬
‫فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره‪ ،‬ومن أتانا به فله ديته‪ .‬وأمرهم بالطاعة ولزومها‪ ،‬وأمر الحصين بن تميم أن يمسك‬
‫أبواب السكك ثم يفتش الدور‪ ،‬وكان على الشرط‪ ،‬وهو من بني تميم‪ .).‬هنا المسجد و تجميع الناس للصالة فيه بغرض سياسى ‪.‬‬
‫وانتهى مسلم بن عقيل بالقتل ‪ ،‬وعرف الحسين بمقتله وأن أهل الكوفة أصبحوا خصوما له ‪ ،‬فظل فى طريقه اليهم ‪ ،‬برغم ُنصح‬
‫‪.‬الناصحين‬
‫ــ وأرسل ابن زياد بجيش يقوده الُحُّر بن يزيد التميمى ليمنع الحسين من التوجه الى الكوفة ‪ .‬ثم أرسل جيشا آخر يقوده عمر ‪3‬‬
‫بن سعد بن أبى وقاص ‪ ،‬ثم أرسل أيضا شّم ر بن ذى الجوشن ليؤكد على قتل الحسين وأهله‪ .‬وفى مذبحة كربالء يتردد بين‬
‫‪ :‬سطورها أن القوم كانوا يصٌّلون وقت االقتتال ‪ ،‬تقول الروايات‬
‫وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي‪ ،‬فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر ( ‪3 / 1‬‬
‫الظهيرة ‪ ...‬فلم يزل مواقفًا الحسين حتى حضرت صالة الظهر‪ ،‬فأمر الحسين مؤذنه باألذان‪ ،‬فأذن ‪..‬فسكتوا ‪ ،‬وقالوا للمؤذن‪:‬‬
‫أقم‪ ،‬فأقام‪ ،‬وقال الحسين للحر‪ :‬أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال‪ :‬بل صل أنت ونصلي بصالتك‪ .‬فصلى بهم الحسين‪ ،‬ثم دخل‬
‫واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه‪ ،‬ثم صلى بهم الحسين ‪ ...‬فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤوا للرحيل‬
‫) ‪..‬ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم‬
‫عن جيش األمويين بقيادة عمر بن سعد ‪ .. ( :‬فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم ‪3 / 2 :‬‬
‫الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ) ( ثم إن عمر بن سعد نادى ‪ " :‬يا خيل هللا اركبي وأبشري‬
‫"‪ ،‬فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صالة العصر وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ‪)..‬‬
‫عن جيش الحسين ‪ ( :‬وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صالة الغداة‪ ،‬وكان معه اثنان وثالثون فارسًا‪ ،‬وأربعون ‪3 / 3 :‬‬
‫راجًال‪... ،‬ولما حضر وقت الصالة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين‪ :‬نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤالء قد اقتربوا منك‪ ،‬وهللا ال‬
‫تقتل حتى أقتل دونك‪ ،‬وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصالة! فرفع الحسين رأسه وقال‪ :‬ذكرت الصالة جعلك هللا من‬
‫المصلين الذاكرين ‪،‬نعم هذا أول وقتها‪ ،‬ثم قال‪ :‬سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي‪ .‬ففعلوا‪ ،‬فقال لهم الحصين‪ :‬إنها ال تقبل‪ .‬فقال‬
‫له حبيب بن مطهر‪ :‬زعمت ال تقبل الصالة من آل رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين‪،‬‬
‫وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه ‪ .‬ثم صلوا الظهر‪ ،‬صلى بهم الحسين‬
‫صالة الخوف‪ ،‬ثم اقتتلوا بعد الظهر‪ ،‬فاشتد قتالهم‪ ...‬فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون‬
‫ويتضرعون ‪)..‬‬
‫ـ ووصلت األنباء الى عبيد هللا بن زياد بالنصر ‪ ،‬فعقد مؤتمرا فى (المسجد ) ‪ ،‬تقول الرواية ‪( :‬ثم نادى‪ :‬الصالة جامعة‪4 ،‬‬
‫فاجتمع الناس‪ ،‬فصعد المنبر فخطبهم وقال‪ " :‬الحمد هلل الذي أظهر الحق وأهله‪ ،‬ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه‪ ،‬وقتل‬
‫الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته‪ . ".‬فوثب إليه عبد هللا بن عفيف األزدي ثم الوالبي‪،‬وكان ضريرًا قد ذهب إحدى‬
‫عينيه يوم الجمل مع علي واألخرى بصفين معه أيضًا‪ ،‬وكان اليفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف‪ ،‬فلما سمع مقالة‬
‫ابن زياد قال‪ " :‬يا ابن مرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي والك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين‬
‫‪ .‬وتتكلمون بكالم الصديقين‪..‬؟ " فقتله‪ ،‬وأمر بصلبه في المسجد‪ ،‬فصلب‪)..‬‬
‫‪.‬المسجد هنا مركز للمكائد السياسية ‪ ..‬بل والصلب أيضا‬
‫َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر‬ ‫وقد قال جل وعال ‪َ( :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وا َمَس اِج َد الَّلـِه َش اِهِديَن َع َلٰى َأنُفِس ِه م ِباْلُك ْف ِر ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َح ِبَط ْت‬
‫ِإاَّل الَّلـَه ۖ َفَعَس ٰى ُأوَلٰـ ِئَك‬ ‫ُه ْم َخ اِلُدوَن ﴿‪ِ ﴾١٧‬إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد الَّلـِه َم ْن آَم َن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش‬
‫َأن َي ُك وُن وا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ﴿‪ ﴾١٨‬التوبة )‬
‫صالتهم الشيطانية فى حروبهم األهلية فى العصر األموى ( ‪ 2‬من ‪) 2‬‬
‫ـ خالل حكم يزيد بن معاوية حدثت ثالث فواجع ‪ :‬مذبحة كربالء فى شهر حرام هو المحرم عام ‪ ، 61‬وإقتحام المدينة ‪1‬‬
‫وإستحاللها قتل رجالها وإغتصاب نسائها فى موقة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام ‪ ، 63‬وإنتهاك حرمة البيت الحرام‬
‫فى الهجوم على ابن الزبير عام ‪ .64‬كل هذا عبادة لإلله األعظم عندهم وهو المال والسلطان‪ .‬ثم مات يزيد موتة غامضة وهو‬
‫فى ريعان شبابه وقت حصار الكعبة ‪ ،‬وتولى ابنه معاوية بن يزيد فإعتزل الحكم ‪ ،‬وأعلن إعتزاله فى المسجد ‪ ،‬تقول الرواية ‪( :‬‬
‫ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي‪ " :‬الصالة جامعة " ‪ ،‬فاجتمع الناس‪ ،‬فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪ " :‬أما بعد فإني ضعفت‬
‫عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده‪ ،‬فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم‪ ،‬فأنتم‬
‫أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم‪ " .‬ثم دخل منزله وتغيب حتى مات ‪ . ) !.‬كان المسجد مركز االعالم وقتها ‪ ،‬عند األمور‬
‫الهامة يؤّذ ن بنداء ( الصالة جامعة ) فيأتى الناس لسماع الخبر ‪ .‬ومن الطبيعى أن يكون هذا فى المسجد األكبر ‪ ،‬ومنه إكتسبت‬
‫‪ .‬بعض المساجد وصف ( الجامع )‬
‫ـ إستفحل نفوذ ابن الزبير وأصبح الخليفة الوحيد ‪ ،‬بينما إختلف وتفرق أتباع بنى أمية ‪ .‬كانت معهم قبائل قيس يتزعمهم ‪2‬‬
‫الضحاك بن قيس الفهرى والمتولى أمر دمشق ‪ ،‬وقبائل قحطان اليمنية يتزعمهم حسان بن بحدل الكلبة زعيم قبيلة كلب فى‬
‫الشام وهو خال يزيد بن معاوية ‪ ،‬فلما إعتزل معاوية بن يزيد أعلن الضحاك بن قيس ( زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام)‬
‫‪ .‬خروجه على األمويين‬
‫تقول الرواية ‪ ( :‬وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه فقام إليه شاب من كلب بعصا معه‬
‫فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير‬
‫ونصرة الضحاك وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل الضحاك دار اإلمارة وأصبح الناس فلم‬
‫يخرج إلى صالة الفجر وكان من األجناد ناس يهوون هوى بني أمية وناس يهوون هوى ابن الزبير ) يهمنا فى الرواية أن‬
‫الضحاك كان معتادا بحكم إمارته على دمشق أن يذهب للمسجد فيها ‪ ،‬فلما بدأ فى تحويل والئه الى ابن الزبير أعلن سّب يزيد‬
‫بن معاوية فى المسجد تمهيدا للخروج من طاعة األمويين ‪ ،‬وأنه حدث إقتتال فى هذا المسجد وحين عورض إنقطع عن صالة‬
‫الفجر فى المسجد ‪ .‬فالمسجد هنا والصالة فيه هو خلفية األحداث ‪ ،‬وفى اليوم التالى تخلف الضحاك عن صالة الفجر فى المسجد‬
‫دليال على تدهور األحوال ووقوع االنقسام ‪ .‬بعض الجنود مع ابن الزبير والبعض اآلخر مع بنى أمية ‪ ،‬دون وجود زعيم أموى‬
‫‪.‬يلتفون حوله‬
‫ـ أصبح موقف األمويين عسيرا فى الشام ‪ ،‬إذ إختار العرب في مصر االنضمام الى ابن الزبير ‪ ،‬بل إن بعض أنصار األمويين ‪2‬‬
‫فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبير مثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكالبى فى قنسرين‬
‫وانضموا الى الضحاك وبايعوا ابن الزبير‪ .‬هذا الوضع المتردى لألمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة البن‬
‫الزبير ‪ ،‬ولكن أثناه عن ذلك عبيد هللا بن زياد والى العراق والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير‪.‬ووقف‬
‫الى جانب األمويين فى محنتهم حسان ابن بحدل الكلبى ‪ .‬وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائالت األمويين فى الحجاز فأتاح لهم‬
‫التجمع فى الشام ‪ .‬وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر ( الجابية ) واتفقوا فيه على تولى الخالفة مروان بن الحكم شيخ األمويين وقتها‬
‫‪ ،‬ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( األشدق ) ‪ .‬بهذا توّح د األمويون ومعهم سيوف قبائل كلب ‪،‬‬
‫وبدأ مروان باستخالص الشام من أتباع ابن الزبير ‪ ،‬فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ‪ ،‬عام ‪، 64‬‬
‫وإستخلص الشام ‪ .‬وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم السترداد مصر من والى ابن الزبير ‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن جحدم‬
‫‪ .‬القرشى فهزمه وقتله ‪.‬وتمّلك مروان بن الحكم مصر والشام‬
‫نقض مروان بن الحكم إتفاق الجابية ‪ ،‬إذ عزل من والية العهد كال من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد األشدق‪ ،‬وعهد البنيه ‪3 :‬‬
‫على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز‪.‬ورضى خالد ابن يزيد بن معاوية مرغما ‪ ،‬ذلك أن مروان تزوج أم خالد ليذل ابنها خالد ‪،‬‬
‫وسّب ه بأّم ه أمام المأل التابع لألمويين ‪ ،‬فإشتكى خالد ألّم ه وجعلها مسئولة عن اإلهانة التى حدثت له ‪ ،‬فما كان منها إال دبرت‬
‫‪.‬قتل مروان بن الحكم خنقا عام ‪ ، 65‬وتولى ابنه عبد الملك فلم يعاقب أم خالد إكتفاء بإعتزال إبنها خالد بن يزيد السياسة‬
‫بقى عمرو بن سعيد بن العاص حانقا على عزله من والية العهد ‪ .‬وجاءته الفرصة عام ‪ 69‬حين خرج الخليفة عبد الملك ‪4 :‬‬
‫بن مروان بن العاص بجيش لمحاربة أتباع ابن الزبير ‪ ،‬وإستخلف عمرو بن سعيد بن العاص األشدق على دمشق ‪ ،‬فأسرع‬
‫األشدق باالستيالء على بيت المال ودمشق وتحّص ن بها ‪ ،‬فرجع عبد الملك بجيشه وحاصره ‪ .‬وفى النهاية تم الصلح بينهما‬
‫وأعطاه عبد الملك العهود والمواثيق أاّل يمسه بسوء ‪ .‬وعاد عمرو بن سعيد بن العاص الى طاعة عبد الملك بن مروان بن‬
‫العاص ‪ .‬ولكن الخليفة عبد الملك غدر بإبن عمه وذبحه بيده‪ .‬وفى روايات ذبح عبد الملك البن عمه يتردد ذكر الصالة‬
‫‪.‬والمسجد‬
‫فى البداية دعاه عبد الملك الى زيارته ‪ ،‬ومنع حراس عمرو بن سعيد من الدخول معه وأغلق األبواب ‪ ،‬وإختلى به ‪4 / 1 :‬‬
‫وجّر ده عبد الملك من سيفه ثم قّي ده ‪ ،‬ثم جذبه بقيوده ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬ثم اجتبذه اجتباذة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته ) أى‬
‫كسر أسنانه األمامية ‪ .‬وإسترحم عمرو ابن عمه الخليفة ‪ ( :‬فقال عمرو ‪ " :‬أذكرك هللا يا أمير المؤمنين أن يدعوك الى كسر‬
‫عظم مني أن تركب ما هو أعظم من ذلك " ‪ .‬فقال له عبدالملك ‪ " :‬وهللا لو أعلم أنك ُت بقي علي إن أبقي عليك وتصلح قريش‬
‫ألطلقتك ‪ ،‬ولكن ما اجتمع رجالن قط في بلدة على مثل مانحن عليه إال أخرج أحدهما صاحبه ")‪ .‬فلما تيقن عمرو أنه مقتول ال‬
‫‪ .‬محاله شتم الخليفة‪ ،‬قال له‪ (:‬أغدرا يابن الزرقاء ؟ )‬
‫ترك عبد الملك ابن عمه مقيدا وخرج ( يصلى العصر) وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان ( والد عمر بن عبد العزيز ) أن ‪4 / 2 :‬‬
‫يقتل إبن عمهما عمرو بن سعيد ‪ .‬تقول الرواية ‪.. ( :‬وأذن المؤذن العصر فخرج عبدالملك يصلي بالناس وأمر عبدالعزيز بن‬
‫مروان أن يقتله فقام إليه عبدالعزيز بالسيف فقال له عمرو ‪ " :‬أذّك رك هللا والرحم أن تلي أنت قتلي وليتول ذلك من هو أبعد‬
‫رحما منك ‪ " .‬فألقى عبدالعزيز السيف وجلس ‪ ،‬وصلى عبدالملك صالة خفيفة ودخل وغلقت األبواب ‪) ...‬‬
‫رجع عبد الملك من الصالة فوجد أخاه عبد العزيز لم يقتل ابن العم ‪ ،‬فشتم عبد الملك أخاه عبد العزيز بُأّم ه ‪ ،‬تقول ‪4 / 3 :‬‬
‫الرواية ‪ ( :‬ودخل عبدالملك حين صلى فوجد عمرا حيا فقال لعبد العزيز ‪ " :‬ما منعك من أن تقتله ؟ " قال ‪ " :‬منعني أنه‬
‫ناشدني هللا والرحم فرققت له ‪ " !.‬فقال له عبدالملك ‪ " :‬أخزى هللا أمك البّو الة على عقبيها فإنك لم تشبه غيرها ‪ ) ".‬وقام عبد‬
‫الملك بقتله بنفسه‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬ثم إن عبدالملك قال ‪ " :‬يا غالم ائتني بالحربة " ‪ ،‬فأتاه بالحربة فهزها ثم طعنه بها ‪ ،‬فلم‬
‫تجز ‪ ،‬ثم ثّن ى فلم تجز ‪ ) ،‬أى طعنه مرتين بالحربة فلم تفعل شيئا فإكتشف عبد الملك أن عمرا يرتدى درعا تحت ثيابه ‪:‬‬
‫( فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مس الدرع فضحك ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬ودارع أيضا يا أبا أمية إن كنت لمعدا ‪ ،‬يا غالم ائتني‬
‫بالصمصامة ‪ " .‬فأتاه بسيفه ‪ ،‬ثم أمر بعمرو فُص رع وجلس على صدره فذبحه ‪ ).‬ثم ألقى براسه ألتباعه ومعها األموال‪ .‬تقول‬
‫الرواية ‪.. ( :‬وجاء عبدالرحمن ابن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس فألقاه إلى الناس‪ ،‬وقام عبدالعزيز بن مروان فأخذ المال في‬
‫البدور فجعل يلقيها إلى الناس‪ ،‬فلما نظر الناس إلى األموال ورأوا الرأس انتهبوا األموال وتفرقوا )‪ .‬هنا الصالة وسيلة للغدر ‪،‬‬
‫‪.‬والمال هو المعبود األكبر للخليفة ولألعوان أيضا‬
‫دخل العراق فى فوضى وقتئذ ‪ ،‬وكان والى (الصالة ) عبيد هللا بن زياد فى موقف حرج ‪ ،‬وتحت عنوان ( ذكر حال ابن زياد ‪5 :‬‬
‫بعد موت يزيد ) تقول الرواية ‪ ( :‬لما مات يزيد وأتى الخبر عبيد هللا بن زياد ‪ ،..‬فأمر فنودي‪ :‬الصالة جامعة‪ ،‬فاجتمع‬
‫الناس‪،‬وصعد المنبر فنعى يزيد وثلبه‪ ..‬وقال‪ :‬يا أهل البصرة إن مهاجرنا إليكم ودارنا فيكم ومولدي فيكم‪ )...،‬أراد ابن زياد‬
‫‪ .‬التحبب الى أهل البصرة فعقد هذا المؤتمر الجامع فى المسجد ‪ ،‬وفيه شتم يزيد بن معاوية‬
‫ـ ثم هرب ابن زياد الى الشام ‪ ،‬ووقعت إضطرابات بين القبائل فى العراق ‪ .‬وفى تفصيالت عديدة يأتى ذكر المسجد ساحة ‪6‬‬
‫‪ :‬للقتال والحكم والسيطرة باالضافة للصالة الشيطانية ‪ ،‬ونقتطف من بين السطور‬
‫وصعد مسعود المنبر وسار مالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية فحرق دورهم ‪ ...‬وجاء ( ‪6 / 1 :‬‬
‫بنو تميم إلى األحنف فقالوا‪ :‬يا أبا بحر‪ ،‬إن ربيعة واألزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها‪ .‬فقال‪ :‬لستم بأحق بالمسجد‬
‫)‪. ...‬منهم‬
‫فسار عبس إلى المسجد‪ ،‬فلما سار عبس جاء عباد فقال‪ :‬ما صنع الناس؟ فقيل‪ :‬سار بهم عبس‪ .‬فقال‪ :‬ال أسير تحت ( ‪6 / 2 :‬‬
‫لواء عبس‪ ،‬وعاد إلى بيته ومعه ستون فارسًا‪ .‬فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل األزد على أبوابه ومسعود على المنبر‬
‫) ‪..‬يحضض الناس‬
‫واجتمعت تميم إلى األحنف فقالوا له‪ :‬إن األزد قد دخلوا المسجد‪ .‬قال‪ :‬إنما هولهم ولكم‪ .‬قالوا‪ :‬قد دخلوا القصر وصعد ( ‪6 / 3 :‬‬
‫) ‪..‬مسعود المنبر‬
‫)‪..‬فجاءت عصابة منهم حتى دخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه ‪6 / 4 : ( ..‬‬
‫إنتهز الفرصة مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق ‪ ،‬مرة بزعمه تبعيته آلل البيت ودعوته لمحمد بن على ‪7 :‬‬
‫بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أوالد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ‪ ،‬ومرة بزعمه التبعية البن الزبير ‪،‬‬
‫ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين ‪ .‬والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربالء بدءا من عبيد هللا بن‬
‫زياد والى العراق لألمويين الى بقية الذين شاركوا فى قتل الحسين وآله ومنهم عمر بن سعد بن أبى وقاص وشمر بن ذى‬
‫‪ :‬الجوشن ‪ .‬وفى صراع المختار الثقفى مع خصومه فى العراق يظهر دور المساجد ‪ .‬نقتطف هذه السطور‬
‫‪ :‬ـ عن تجميعه الناس ليبايعوه نرى المختار يستخدم المساجد ‪7 / 1‬‬
‫ثم ركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة فاغتسل ولبس ثيابه‪ ،‬ثم ركب فمر بمسجد ‪7 / 1 / 1 : (.‬‬
‫)‪ ..‬السكون وجبانة كندة ال يمر على مجلس إال سلم على أهله وقال‪ :‬أبشروابالنصرة والفتح‬
‫ومّر على حلقة من همدان فقال‪ :‬قد قدمت عليكم بما تحبون ‪ ...‬ثم أتى المسجد واستشرف له الناس‪ ،‬فقام إلى ( ‪7 / 1 / 2 :‬‬
‫) ‪،‬سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصالة ‪ ،‬وصلى مع الناس ‪ ،‬ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره‬
‫أى جاءته الشيعة ‪ .‬وخطب على منبر المسجد ( فحمد هللا ثم قال‪ :‬إن المهدي ابن الوصي ) ‪،‬واختلف إليه الشيعة ( ‪7 / 1 / 3‬‬
‫بعثني إليكم أمينًا ووزيرًا ومنتخبًا وأميرًا وأمرني بقتل الملحدين والطلب بدم أهل بيته والدفع عن الضعفاء‪ ،‬فكونوا أول خلق هللا‬
‫‪ .‬إجابًة ‪ ).‬فبايعوه‬
‫وتجمع معه جيش صلى بهم الفجر ‪( :‬فلحقوا بالمختار‪ ،‬فتوافى إلى المختار ثالثة آالف وثمانمائة من اثني عشر ألفًا ‪7 / 1 / 4 :‬‬
‫كانوا بايعوه‪ ،‬فاجتمعوا له قبل الفجر‪ ،‬فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس‪).‬‬
‫‪ :‬ـ ابن مطيع كان والى ( الصالة ) البن الزبير على الكوفة ‪ ،‬اصبح خصم المختار ‪ ،‬وقد استخدم ابن مطيع المسجد أيضا ‪7 / 2‬‬
‫إذ أمر أتباعه باالجتماع بالمسجد الرسمى ‪ ،‬ومن ال يحضر فقد برئت منه الذمة ‪ ( :‬وأرسل ابن مطيع إلى الجبابين ‪7 / 2 / 1 :‬‬
‫فأمر من بها أن يأتوا المسجد‪ ،‬وأمر راشد بن إياس فنادى في الناس‪ :‬برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة‪ .‬فاجتمعوا‪) ،‬‬
‫وبعث ابن مطيع ( شبث بن ربعي ) في نحو ثالثة آالف لحرب المختار‪ ،‬وكان شبث بن ربعى ممن شارك فى جيش ‪7 / 2 / 2 :‬‬
‫األمويين فى كربالء ‪ (.‬فسار شبث إلى المختار‪ ،‬فبلغه خبره وقد فرغ من صالة الصبح ‪ ) ..‬هنا الصالة أيضا فى وقت الحرب‬
‫‪ .‬األهلية‬
‫وانتصر المختار فدخل قصر االمارة والمسجد الرسمى ‪ ( :‬ودخل المختارالقصر فبات فيه‪ ،‬وأصبح أشراف الناس في ‪7 / 3 :‬‬
‫المسجد وعلى باب القصر‪ ،‬وخرج المختار فصعد المنبر فحمد هللا وأثنى عليه فقال‪ " :‬الحمد هلل الذي وعد وليه النصر‪ ،‬وعدوه‬
‫الخسر‪،‬وجعله فيه إلى آخر الدهر‪ ،‬وعدًا مفعوًال وقضاء مقضيًا‪ ،‬وقد خاب من افترى‪)" ..‬‬
‫‪ :‬وعلى يد المختار تحول المسجد الى مركز لإلفتراء ‪7 / 4 :‬‬
‫إذ وصل التالعب الدينى عند المختار أن زعم أن معه كرسيا ينتصر به ‪ ،‬فصّد قه الناس ‪ .‬عن الكرسى الذى زعم ‪7 /4 / 1 :‬‬
‫المختار أن ينتصر به تقول الرواية ان المختار عقد مؤتمرا صحفيا ( فى المسجد ) ‪ ( :‬ثم دعا‪ :‬الصالة جامعة‪ ،‬فاجتمع الناس‪،‬‬
‫فقال المختار‪ :‬إنه لم يكن في األمم الخالية أمر إالوهو كائن في هذه األمة مثله‪ ،‬وإنه كان في بني إسرائيل التابوت‪ ،‬وإن هذا فينا‬
‫‪.‬مثل التابوت‪ .‬فكشفوا عنه‪ ،‬وقامت السبئية فكبروا‪ .) .‬السبئية هم أول فرقة شيعية ‪ ،‬كانت تؤمن برجعة (على بن أبى طالب )‬
‫وأراد الشاعر سراقة بن مرداس ــ وهو أسير ـ أن ينجو من القتل فزعم للمختار أن المالئكة كانت تقاتل معه ‪7 / 4 / 2 : ،‬‬
‫فأمره المختار أن يعلن ذلك ( فى مؤتمر صحفى ) فى المسجد ‪ ( :‬وقال سراقة بن مرداس للمختار وقال ‪ " :‬أصلح هللا‬
‫األمير‪،‬أحلف باهلل الذي ال إله إال هو لقد رأيت المالئكة تقاتل معك على الخيول البلق بين السماء واألرض "‪ .‬فقال له المختار‪" :‬‬
‫اصعد المنبر فأعلم الناس " ‪ .‬فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل‪ ،‬فخال به المختار فقال له‪ :‬إني قد علمت أنك لم تر شيئًا وإنما أردت‬
‫‪.‬ما قد عرفت أن ال أقتلك‪ ،‬فاذهب عني حيث شئت ال تفسد علي أصحابي‪) ..‬‬
‫ونرى الصالة الشيطانية ركنا أساسيا فى هذه الحرب األهلية‪ .‬كان ابراهيم بن األشتر النخعى القائد العسكرى للمختار‪7 / 5 : ،‬‬
‫تقول عنه الرواية ‪ .. ( :‬ثم سار ليلته كلها ‪ ،‬ومن الغد فوصل العصر وبات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة‪ .‬ولما‬
‫اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصالة‪ ،‬فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه‪،‬فقال لهم عبد الرحمن بن‬
‫مخنف‪ " :‬هذا أول االختالف‪ ،‬قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي‪ ، ".‬ففعلوا‪ ،‬فلم يزل يصلي بهم حتى كانت‬
‫‪.‬الوقعة ‪) .‬‬
‫بعد هزيمة ابن مطيع اصبح الوالى للصالة بعده مؤقتا الحارث بن أبى ربيع ‪ .‬ثم أرسل عبد هللا بن الزبير أخاه مصعب ‪7 / 6 :‬‬
‫بن الزبير واليا على الصالة فى العراق ‪ .‬وجاء مصعب البصرة فدخل الى مسجدها مباشرة ‪ ( :‬فقدمها مصعب ملثمًا ‪ ،‬ودخل‬
‫المسجد وصعد المنبر‪ ،‬فقال الناس‪ :‬أمير أمير! وجاء الحارث بن أبي ربيع‪،‬وهو األمير‪ ،‬فسفر مصعب لثامه فعرفوه‪ ،‬وأمر‬
‫مصعب الحارث بالصعود إليه فأجلسه تحته بدرجة ‪ ،‬ثم قام مصعب فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪ .) ..‬حين رأى الناس مصعب‬
‫‪ .‬يصعد المنبر عرفوا أنه األمير الجديد‪ .‬والوالى الجديد ( مصعب ) يجعل الوالى السابق يجلس تحته بدرجة على المنبر‬
‫وهزم مصعب بن الزبير المختار ‪ ،‬وجىء له برأس المختار ‪ ( :‬وأمر مصعب بكف المختار بن أبي عبيدة فقطعت ‪7 / 7 : ،‬‬
‫وسمرت بمسمارإلى جانب المسجد‪ ،‬فبقيت حتى قدم الحجاج فنظر إليها وسأل عنها عقيل‪ :‬هذه كف المختار‪،‬فأمر بنزعها )‪.‬‬
‫المسجد معرض للرءوس المقطوعة األيدى المقطوعة‪ .‬هى مساجد ضرار‪ .‬وال ننسى أنه فى السعودية حتى اآلن يتم القتل وقطع‬
‫‪ .‬الرءوس فى ساحة المسجد‪ .‬والقتل هناك بالشريعة السنية الوهابية المناقضة لشرع هللا جل وعال‬
‫ـ ‪ :‬من على المنبر أعلن عبد الملك بن مروان هزيمة التوابين الشيعة ‪ ( :‬ولما سمع عبدالملك بن مروان بقتل سليمان ‪8‬‬
‫وانهزام أصحابه صعد المنبر فحمد هللا وأثنى عليه وقال‪ " :‬أما بعد فإن هللا قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنٍة ورأس‬
‫ضاللٍة سليمان بن صرد‪).."،‬‬
‫ـ فى النهاية هزم الحجاج عبد هللا بن الزبير وقتله عام ‪ 73‬وإخماد حركته ‪ ،‬وكافأ عبد الملك بن مروان الحجاج فواله الحجاز ‪9‬‬
‫ثم واله العراق وما بعد العراق شرقا‪ .‬وحكم الحجاج العراق بالحديد والنار وكان يقتل من يشتبه فيه ‪ ،‬بإعتباره ( والى‬
‫الصالة )‪ .‬تقول الرواية عن عدد ضحاياه من المدنيين الذين كان يُشُّك فيهم ‪ ( :‬بلغ ما قتل الحجاج صبرا مائة وعشرين أو‬
‫مائة وثالثين ألفا )‪ .‬وفى نفس الوقت واصل الحجاج الفتوحات فى الشرق‪ .‬وجاءت فرصة ألهل العراق فى الثورة عليه فيما‬
‫ُي عرف بموقة ( دير الجماجم )‪ ،‬بسبب أن جماجم القتلى أصبحت أهرامات هناك‪ .‬وموجزها أن الحجاج بعث بجيش للغزو يقوده‬
‫عبد الرحمن بن محمد بن األشعث بن قيس زعيم قبائل اليمن فى الشرق ‪ .‬وضم هذا الجيش كثيرين من (الُقّر اء ) أى الخوارج‬
‫المتعبدين وغيرهم من الناقمين على الحجاج‪ .‬وكان الناقمون على الحجاج متعاطفين مع من أسلم من الموالى ‪ ،‬وكان الحجاج‬
‫طبقا للسياسة األموية يضطهد الموالى ويأخذ منهم الجزية حتى لو أسلموا ‪ .‬تقول الرواية عنهم ‪ ( :‬فجعلوا يبكون وينادون ‪ :‬يا‬
‫محمداه يا محمداه )‪ .‬لم يعرفوا أن المال هو اإلله األعظم للخلفاء الفاسقين‪ .‬الناقمون على الحجاج ما زالوا بالقائد عبد الرحمن‬
‫بن محمد بن األشعث حتى إستدار بالجيش ليحارب الحجاج‪ ، !.‬ودارت موقعة ( دير الجماجم ) التى إنتصر فيها الحجاج ‪،‬‬
‫واسرف فى قتل األسرى بعد أن أعطاهم عهدا باألمان ‪ .‬تقول الروايات ‪ ( :‬قتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفا ‪) ...‬‬
‫( ‪..‬وإنما خدعهم باألمان ‪ .. ،‬فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬آلمرن بكم اليوم رجال ليس بينكم وبينه‬
‫قرابة‪ " .‬فأمر بهم عمارة بن تميم اللخمي فقربهم فقتلهم ‪ .). .‬وعدهم باألمان وبنى من جماجمهم أهرامات‪ .‬وفى ثنايا‬
‫المعركة نلمح إشارات لصالتهم الشيطانية ‪ .‬تقول الرواية عن قائد جيش الحجاج ‪ .. ( :‬فانطلق القائد بعد صالة العصر والتقى‬
‫‪ .‬عسكر الحجاج وعسكر ابن األشعث حين فصل القائد بمن معه وذلك مع صالة العصر فاقتتلوا إلى الليل‪) ..‬‬

‫ج ‪ ) ٢‬الخلفاء الفاسقون وصالتهم الشيطانية ( ) الباب الثانى (‬

‫الفصل العاشر ‪ :‬معالم الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين‬


‫أوال ‪ :‬إمام الصالة ( الشيطانية ) هو الحاكم الباغى‬
‫ـ فى تبرير إستحقاق أبى بكر بالخالفة زعموا أن النبى محمدا فى مرضه األخير أمر أبا بكر أن يصلى بالناس ‪ .‬روى ابن سعد ‪1‬‬
‫أن عمر فى فى التشاور على خالفة النبى فى سقيفة بنى ساعدة قال لإلنصار ‪( :‬يا معشر األنصار ألستم تعلمون أن رسول هللا‬
‫أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا بلى قال فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قالوا نعوذ هللا أن نتقدم أبا بكر )‪ .‬وفى مرض أبى‬
‫‪.‬بكر األخير كان (ال يخرج إلى صالة وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلي بالناس )‬
‫‪‬‬ ‫ـ وحرص أبو بكر على إمامة الصالة حتى حين كان يسكن خارج المدينة‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬يغدو على رجليه إلى المدينة ‪2‬‬
‫وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهلــه‬
‫بالسنح فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى عمـر بن الخطـاب وكـان يقيم يـوم الجمعـة في صـدر النهـار بالسـنح‬
‫يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس )‪ .‬أى كان يحافــظ على (تأديــة ) صــالته الشــيطانية بنفس محافظتــه‬
‫‪.‬على إرسال جيوشه للقتل والبغى والسلب والنهب واالغتصاب‪ .‬أى هى ( صالة شيطانية ) تأمر بالفحشاء والمنكر‬
‫ـ ونفس الحال مع عمر وعثمان وعلى فى إمامة الصالة تأكيدا على أن إمامة الصالة ( الشيطانية ) هى عمود دينهم الشيطانى ‪3‬‬
‫‪ .‬القائم على البغى والظلم والعدوان والسلب والنهب والقتل واإلغتصاب‬
‫‪ .‬ـ وكانت الصالة ( الشيطانية ) خلف الحاكم تعنى االعتراف به حاكما ‪4‬‬
‫معاوية فى خالفته جعل مروان بن الحكم والى الصالة ( الشيطانية ) على المدينة عدة مرات فكان هو الذى يصلى ‪4 / 1 :‬‬
‫بالناس ‪ .‬وطّب ق مروان سياسة معاوية فى لعن (على بن أبى طالب ) فى صالة الجمعة‪ .‬ومع ذلك كان الحسن والحسي">ثانيا ‪:‬‬
‫إمامة الصالة ( الشيطانية ) للوالى الحاكم فى الواليات‬
‫ـ كانت العادة أن الذى ينجح فى الغزو تكون مكافأته أن يكون الوالى للصالة ( الشيطانية ) فى االقليم الذى فتحه ‪ ،‬ولهذا عّي ن ‪1‬‬
‫عمر بن الخطاب ( سعد بن أبى وقاص ) واليا للصالة ( الشيطانية )على ما إفتتحه بعد نصره فى موقعة القادسية ‪ .‬وعّي ن عمرو‬
‫بن العاص واليا للصالة ( الشيطانية ) على مصر بعد أن إفتتحها ‪ .‬والى الصالة هو الوالى الحاكم ‪ ،‬ويعاونه والى الخراج الذى‬
‫يجمع الخراج والجزية ‪ .‬وقد يكون هناك قائد للجيش المحلى فى الوالية ‪ ،‬ولكن يظل األمير األول أو الوالى األول هو ( والى‬
‫الصالة الشيطانية ) اى الحاكم الفعلى للوالية‪ .‬وهو كالعادة يمارس الظلم تحت عنوان الصالة ( الشيطانية )‬
‫ـ مثال ‪ :‬تقول الرواية ‪.2‬‬
‫وكان عامل عثمان على الكوفة أبو موسى على الصالة‪ ،‬وعلى خراج السواد جابر بن فالن المزني‪..‬وسماك ( ‪2 / 1 ::‬‬
‫الوالى األول للخليفة عثمان على الكوفة هو أبو موسى األشعرى ‪ .‬وهناك والى ) ‪، .‬األنصاري‪ ،‬وعلى حربها القعقاع بن عمرو‬
‫‪ .‬الخراج أقل شأنا ‪ ،‬ثم قائد الجيش‬
‫ـ وأصبح الحجاج والى ( الصالة ) فى العراق ‪ ،‬أى حاكم العراق فى خالفة عبد الملك وابنه الوليد ‪ .‬وكان العراق يشمل ‪2 / 2‬‬
‫العراق ومابعده شرقا‪ .‬وكان للحجاج أن يعين والة فى األقاليم التابعة للعراق ‪ .‬فكان المقدم فيهم والى الصالة ‪ .‬تقول الرواية ‪:‬‬
‫( وكان األمير على العراق والمشرق كله الحجاج ‪ ،‬وعلى الصالة بالكوفة المغيرة بن عبد هللا وعلى البصرة أيوب بن الحكم‬
‫!‪.‬وعلى خراسان قتيبة بن مسلم‪ ) .‬كل منهم كان واليا للصالة ( الشيطانية )‬
‫ثالثا ‪ :‬إمامة الصالة فى الفتن والحروب األهلية‬
‫ـ محمد بن أبي حذيفة عاش فى مصر واصبح خصما لعثمان بعد أن تبين فساد عثمان‪ ،‬وهو الذى بعث من مصر المحتجين ‪1‬‬
‫على عثمان وكانوا ممن قتلوه يوم الدار‪ ، .‬تقول الرواية ‪ ( :‬سرب المصريين إلى عثمان بن عفان ‪ ،‬وإنهم لما ساروا إلى‬
‫عثمان فحصروه وثب هو بمصر على عبدهللا بن سعد بن أبي سرح ) ‪ ،‬وهو والى الصالة والحكم من طرف عثمان ‪ .‬تقول‬
‫‪.‬الرواية عنه ‪ ( :‬وهو عامل عثمان يومئذ على مصر فطرده منها وصلى بالناس ‪ ( ) .‬صلى بالناس ) أى حكم الناس‬
‫ـ حين خرجت عائشة والزبير وطلحة لحرب ( على ) فى الكوفة لحقهم مروان بن الحكم ‪ .‬تقول الرواية‪ ( :‬وأذن مروان حين ‪2‬‬
‫فصل من مكة ‪ ،‬ثم جاء حتى وقف عليهما فقال ‪ :‬أيكما أسلم باإلمرة وأؤذن بالصالة ؟ فقال عبد هللا بن الزبير على أبي عبد هللا‬
‫وقال محمد بن طلحة على أبي محمد ‪ ،‬فأرسلت عائشة رضي هللا عنها إلى مروان فقالت ‪ " :‬مالك أتريد أن تفرق أمرنا لُيصّل‬
‫ابن أختي " ‪ ،‬فكان يصلي بهم عبدهللا بن الزبير حتى قدم البصرة ‪ .) .‬أى إن مروان أراد االيقاع بينهما مبكرا ‪ ،‬فسأل من هو‬
‫األمير ؟ هل هو الزبير أو طلحة ؟ فاألمير هو الذى سيؤم الناس فى الصالة ‪ ،‬وفهمت عائشة قصده ‪ ،‬فجعلت عبد هللا بن الزبير‬
‫هو الذى يؤم الصالة‬
‫حين خرج الخريت بن راشد على ( على بن أبى طالب ) أعلنه بأنه لن يصلى خلفه‪ .‬تقول عنه رواية الطبرى ‪ ..( :‬فجاء ‪3 :‬‬
‫‪.‬إلى علي في ثالثين راكبا من أصحابه ‪ ..‬فقال له ‪ :‬وهللا يا علي ال أطيع أمرك وال أصلي خلفك ‪) .‬‬
‫ـ البصرة فى خالفها مع على ودخولها مع أهل الجمل جعلوا ( كعب بن سوار ) واليا عليهم ‪ ،‬تقول رواية الطبرى ‪ ( :‬قد كانوا ‪4‬‬
‫اجتمعوا عليه ورضوا به لصالتهم )‬
‫ـ إنعكس الصراع بين (على ) و ( معاوية ) على من يصلى بالناس فى موسم الحج عام ‪ ، 39‬ألن من يصلى الناس خلفه ‪6‬‬
‫يكونون معترفين بشرعيته فى الحكم ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬يقال إن عليا وجه ابن عباس ليشهد الموسم ويصلي بالناس في سنة‬
‫تسع وثالثين وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ) وحتى ال يتحول الخالف الى إقتتال فى الحرم تم االتفاق على أن يصلى‬
‫بالناس شخص محايد ‪ ،‬هو ‪ :‬شيبة بن عثمان ‪ .‬تقول الرواية ‪( :‬اصطلحا على شيبة بن عثمان فصلى بالناس سنة تسع وثالثين‬
‫)‬
‫ـ فى الفتنة الكبرى الثانية ‪7 ) 73 : 61 ( :‬‬
‫بعد استتاب األمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخالفة ‪ ،‬فتوالها يزيد فى شهر رجب عام ‪ 60‬بقوة السالح ‪ ،‬فنشبت ‪7 / 1 :‬‬
‫الفتنة الكبرى الثانية ‪.‬بدأت بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربالء عام ‪ 61‬هجرية ‪ ،‬مما أدى الى ثورة المدينة‬
‫فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ‪ ،‬استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحاللها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض‬
‫‪ .‬نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام ‪63‬‬
‫وكان عبد هللا بن الزبير قد استغل مذبحة كربالء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز‪ ،‬ومات مسلم بن عقبة‬
‫أثناء توجه الجيش األموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ‪ ،‬فتولى القيادة الحصين بن نمير ‪ ،‬وحوصرت مكة والكعبة‬
‫عام ‪ ، 64‬وأثناء الحصار احترق البيت الحرام يوم السبت ‪ 3‬ربيع األول عام ‪ ، 64‬وجاءت األنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية‬
‫فى ‪ 14‬ربيع األول ‪ .‬وانفض حصار مكة ورجع الجيش األموى خائبا ‪ ،‬واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم‬
‫بعد حوالى شهر من واليته متبرئا مما فعله أهله األمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن ‪ 13‬عاما ‪.‬إستفاد من هذه الفوضى‬
‫عبد هللا بن الزبير‪ ،‬فأعلن نفسه خليفة ‪ .‬وكان الوالى على الصالة فى مكة هو الحارث بن خالد المخزومى ‪ ،‬منع عبد هللا بن‬
‫الزبير والى الخليفة األموى على مكة من الصالة بالناس ‪ ،‬تقول الرواية (‪ ..‬وكان الحارث بن خالد المخزومي على الصالة‬
‫‪.‬فمنعه ابن الزبير)‬
‫بايع أهل الكوفة عبد هللا بن الزبير فبعث لهم ( عبد هللا بن يزيد الخطمي األنصاري على الصالة‪ ،‬وإبراهيم بنمحمد ‪7 / 2 :‬‬
‫بن طلحة على الخراج ‪ . ) .‬وفى البصرة كان يصلى بهم أى يحكمهم عبد هللا بن الحارث (فإنه أقام يصلي بهم حتى قدم عليهم‬
‫عمر بن عبيد هللا بن معمر أميرًا من قبل ابن الزبير‪ ( ).‬وقيل‪ :‬بل كتب ابن الزبير إلى عمر بعهده على البصرة‪ ،‬فأتاه الكتاب‬
‫وهو متوجه إلى العمرة‪،‬فكتب عمر إلى أخيه عبيد هللا يأمره أن يصلي بالناس‪ ،‬فصلى بهم حتى قدم عمر‪ ) ،‬وهناك رواية‬
‫أخرى ‪ .. ( :‬فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير‪ ،‬فكتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلي بالناس‪ ،‬فصلى بهم أربعين‬
‫يومًا‪)،‬‬
‫‪.‬فى كل ماسبق كان الجميع يحافظون على تأدية صالتهم الشيطانية وهم يسفكون دماء بعضهم البعض ‪7 / 3 :‬‬
‫‪ .‬ثالثا ‪ :‬المدح بالصالة ‪ .‬نكتفى بعثمان بن عفان مثال‬
‫ـ تميز عثمان على أبى بكر وعمر بالفساد الداخلى‪ .‬إرتكب الفتوحات مثلهم ولكن إعتبر األموال ملكية خاصة له يوزعها كيف ‪1‬‬
‫‪ .‬شاء مخالفا طريقة عمر فى إرضاء الجميع بالعدل فى توزيع األموال الُّس حت عليهم‬
‫ـ إقترن فساد عثمان بشهرته بقيام الليل يصلى ويقرأ القرآن ‪ ،‬حتى بالغت الروايات التى ذكرها ابن سعد فى هذا ‪ .‬نكتفى منها ‪2‬‬
‫بقوله ‪( :‬أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة ‪.. ( ).‬قال ‪ ..‬فنظرت فإذا عثمان بن عفان فتنحيت فتقدم فقرأ‬
‫القرآن في ركعة ثم انصرف ) ‪ ( ،‬قالت امرأة عثمان حين قتل عثمان لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة ‪) .‬‬
‫( عثمان بن عفان صلى بالناس ثم قام خلف المقام فجمع كتاب هللا في ركعة ‪ 2 ) .‬ـ وعن فساده المالى روى ابن سعد ما تركه‬
‫من ثروة ‪ ،‬قال ‪ ( :‬كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثالثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف‬
‫دينار فانتهبت وذهبت وترك ألف بعير بالربذة وترك صدقات كان تصدق بها ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف‬
‫دينار )‬
‫رابعا ‪ :‬الثورة على من ال يحافظ على تأدية الصالة‬
‫‪ :‬ألن صالتهم الشيطانية كانت عمود دينهم الشيطانى فلم يرضوا بمن ال يحترمها أو يؤديها ‪ .‬ونعطى أمثلة سريعة‬
‫ـ عمر بن الخطاب عزل المغيرة بن أبى شعبة والى الصالة على البصرة بسبب إتهامه بالزنا ‪ .‬تحت عنوان ‪ ( :‬ذكر عزل ‪1‬‬
‫المغيرة عن البصرة ووالية أبي موسى‪ :‬في هذه السنة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة واستعمل عليها أبا موسى وأمره‬
‫أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع األول) وكان السبب أنهم ضبطوه يزنى بإمرأة ‪ .‬ضبطه خصم له هو أبو بكرة وأشهد‬
‫عليه قوما ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما خرج المغيرة إلى الصالة منعه أبو بكرة وكتب إلى عمر بذلك‪ ،‬فبعث عمر أبا موسى أميرًا‬
‫على البصرة ‪) .‬‬
‫ـ الوليد بن عقبة بن أبى معيط عينه عثمان واليا للصالة ‪ ،‬فكان يسكر ويصلى وهو سكران ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬الوليد سكر ‪2‬‬
‫وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعًا ثم التفت إليهم وقال‪ :‬أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود‪ :‬ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم‪ ،‬وشهدوا‬
‫عليه عند عثمان‪ ،‬فأمر عليًا بجلده‪ ،‬فأمر علي عبد هللا بن جعفر فجلده‪.. ،‬فلما علم عثمان من الوليد شرب الخمر عزله وولى‬
‫سعيد بن العاص بن أمية‪) .‬‬
‫ـ حاول يزيد بن معاوية إسترضاء زعماء األنصار فأكرمهم ولكنهم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد وخلع بيعته ‪2 ،‬‬
‫وقالوا ‪ ( :‬إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكالب ويسامر‬
‫الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه )‪ ،‬فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع نعالنا ) ‪ .‬وبايعوا عبدهللا بن حنظلة‬
‫االنصارى أميرا عليهم ‪ .‬وكان المنذر بن الزبير ممن يحرض على يزيد ‪ ،‬وكان من قوله ‪ ( :‬إن يزيد وهللا لقد أجازني بمائة‬
‫الف درهم وإنه ال يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ‪ ،‬وهللا إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصالة ‪) .‬‬
‫‪.‬‬
‫ـ فى فتنة ابن الزبير وظهور المختار بن عبيدة ( ولما اجتمعأهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصالة‪ ،‬فكره كل رأس من أهل ‪3‬‬
‫اليمن أن يتقدمه صاحبه‪ ،‬فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف‪ :‬هذا أول االختالف‪ ،‬قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد‬
‫البجلي‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة‪).‬‬
‫ـ فى ثورة ابن األشعث على الحجاج والى العراق كانت حجة الثوار أنه طاغية ‪ ( :‬سفك الدم الحرام واخذالمال الحرام وترك ‪4‬‬
‫‪ .‬الصالة )‬

‫الفصل الحادى عشر ‪ :‬الصالة الشيطانية للخوارج‬


‫التطرف فى الصالة وفى القتل ‪( 1 ):‬‬
‫‪ :‬مقدمة ‪ :‬هيا بنا نرتدى األحذية وندخل بها سراديب مخ الخوارج نحلل ذهنيتهم المريضة‬
‫أوال ‪ :‬التطرف فى العبادة من الصالة وقراءة القرآن‬
‫‪ :‬نعطى أمثلة‬
‫‪ :‬ـ فى والية عبيد هللا بن زياد ( والى الصالة فى العراق وما ورائه شرقا ) ‪1‬‬
‫يذكر الطبرى لمحة عن أبى بالل مرداس بن أدية زعيم الخوارج يقول ‪ ... ( :‬فكان عابدًا مجتهدًا عظيم القدر في ‪1 / 1 :،‬‬
‫الخوارج‪ ،‬وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم‪ ،‬وشهد النهروان مع الخوارج‪ ،‬وكانت الخوارج كلها تتواله‪ ،‬ورأى على ابن‬
‫عامر قباء أنكره فقال‪ :‬هذا لباس الفساق! فقال أبو بكرة‪ :‬ال تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه هللا‪ .‬وكان ال يدين‬
‫باالستعراض ( اإلستعراض أى قتل الجميع كما يفعل الخوارج ) ‪ ،‬ويحرم خروج النساء‪ ،‬ويقول‪ :‬ال نقاتل إال من قاتلنا وال نجبي‬
‫‪.‬إال من حمينا‪ ).‬أى ال يبدأ بالقتال ‪ ،‬وال يأخذ خراجا إال ممن يقوم بحمايتهم‬
‫وإعتقل عبيد هللا بن زياد ( أبا بالل مرداس بن أدية ) فى موجة إعتقاالت للخوارج ومن أنصارهم وكل المشكوك فى ‪1 / 2 :‬‬
‫والئهم ‪ .‬ورأى السجان عبادة مرداس وقيامه الليل فكان يأذن له كل ليلة ليبيت فى منزله ثم يعود صباحا‪ .‬وأمر ابن زياد بقتل‬
‫بعض السجناء ممن الخوارج ‪ ،‬وكان مرداس فى بيته فعرف فأسرع بالمجىء الى السجن حتى ال يؤاخذ السجان ‪ .‬وجىء‬
‫بمرداس للقتل ‪ ،‬فشفع فيه السجان لدى ابن زياد وكان صهره ‪ ،‬فأفرج ابن زياد عن مرداس‪ .‬يقول الطبرى ‪ ( :‬ثم إن ابن زياد‬
‫ألّح في طلب الخوراج ‪ ،‬فمأل منهم السجن وأخذ الناس بسببهم ‪ ،‬وحبس أبا بالل ‪ ،‬قبل أن يقتل أخاه عروة‪ ،‬فرأى السجان‬
‫عبادته فأذن له كل ليلة في إتيان أهله‪ ،‬فكان يأتيهم ليًال ويعود مع الصبح‪ ،‬وكان صديق مرداس إليه فأعلمه الخبر‪ ،‬وبات‬
‫السجان بليلة سوء خوفًا أن يعلم مرداس فال يرجع‪ ،‬فلما كان الوقت الذي كان يعود فيه إذا به قد أتى‪ ،‬فقال له السجان‪ :‬أما بلغك‬
‫ما عزم عليك األمير؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬ثم جئت؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬لم يكن جزاؤك مني مع إحسانك إلي أن تعاقب‪ .‬وأصبح عبيد هللا فقتل‬
‫‪.‬الخوارج‪ ،‬فلما أحضر مرداس قام السجان‪ ،‬وكان ظئرًا لعبيد هللا‪ ،‬فشفع فيه وقص عليه قصته‪ ،‬فوهبه له وخلى سبيله‪).‬‬
‫وقتل ابن زياد أخ مرداس ‪ ،‬وهو عروة بن أدية ‪ ،‬وقتل إبنته ‪ .‬يقول الطبرى فى أحداث عام ‪ ( : 61‬في هذه السنة اشتد ‪1 / 3 :‬‬
‫عبيد هللا بن زياد على الخوارج فقتل منهم جماعًة كثيرة‪ ،‬منهم‪ :‬عروة بن أدية أخو أبي بالل مرداس بن أدية‪ )..‬ويذكر الطبرى‬
‫السبب ‪ ( :‬وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له‪ ،‬فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة‪ ،‬فأقبل‬
‫على ابن زياد يعظه‪ ،‬وكان مما قال له‪ ( :‬أتبنون بكل ريٍع آيًة تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم‬
‫جبارين} الشعراء‪ ، ).130 -128 :‬فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يقل ذلك إال ومعه جماعة‪ ،‬فقام وركب وترك رهانه‪ .‬فقيل‬
‫لعروة‪ :‬ليقتلنك! فاختفى‪ ،‬فطلبه ابن زياد فهرب وأتى الكوفة‪ ،‬فأخذ وقدم به على ابن زياد‪ ،‬فقطع يديه ورجليه وقتله‪ ،‬وقتل‬
‫‪.‬ابنته‪ .).‬هنا رجل يعظ بالقرآن فيكون مصيره تقطيع أطرافه وقتله وقتل إبنته‬
‫كان مرداس معتدال بالنسبة لبقية الخوارج ‪ ،‬ويقول بالتقية حتى ال يصطدم بالسلطة األموية ‪ .‬لكن موقفه تغير عندما ‪1 / 4 :‬‬
‫قتل عبيد هللا بن زياد إمرأة من الخوارج إسمها البثجاء كانت عابدة مجتهدة فى العبادة ولكن تنتقد ابن زياد ‪ ،‬نصحها مرداس‬
‫بالتقية خوفا عليها فلم تطاوعه ‪ ،‬فقطع ابن زياد أطرافها وعلقها فى السوق لتموت صبرا ‪ .‬ومّر بها مرداس فتغير موقفه ‪،‬‬
‫وثار خارجا على ابن زياد‪ .‬يقول الطبرى ‪ ( :‬وكانت البثجاء‪ ،‬امرأة من بني يربوع‪ ،‬تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء‬
‫سيرته‪ ،‬وكانت من المجتهدات‪ ،‬فذكرها ابن زياد‪ ،‬فقال لها أبو بالل‪ " :‬إن التقية ال بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك " ‪.‬‬
‫قالت‪ " :‬أخشى أن يلقى أحٌد بسبي مكروهًا‪ .".‬فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها‪ ،‬فمر بها أبو بالل في السوق فعض على‬
‫لحيته وقال‪ " :‬أهذه أطيب نفسًا بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتٌة أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! " ‪ . !.‬ومر أبو بالل ببعير‬
‫‪.‬قد طلي بقطران فغشي عليه ثم أفاق فتال‪ (:‬سرابيلهم من قطراٍن وتغشى وجوههم النار} إبراهيم‪).50 :‬‬
‫لهذا ثار الخارجى ( مرداس أبو بالل ) وغادر العراق الى األهواز ومعه أربعون رجال فقط ‪ .‬بعث إليهم ابن زياد جيشا ‪1 / 5 :‬‬
‫‪ :‬بألفى رجل ‪ ،‬فهزمهم األربعون خارجيا فى موقعة ( آسك ) ‪ ،‬كانت فضيحة ‪ .‬قال فيها شاعر يمدح الخوارج‬
‫ويقتلهم بآسك أربعونا‬ ‫أألفا مؤمن منكم زعمتم‬
‫كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونا‬
‫هي الفئة القليلة قد علمتم على الفئة الكثيرة ينصرونا‬
‫كان ال بد لعبيد هللا بن زياد أن يثأر ‪ .‬فأرسل لهم جيشا آخر بثالثة أالف ‪ ،‬وإشتد القتال ‪ ،‬تقول الرواية عن أبى بالل ‪1 / 6 : :‬‬
‫( ‪..‬وحمل عليهم أبو باللفيمن معه فثبتوا ‪ ،‬واشتد القتال حتى دخل وقت العصر ‪ ،‬فقال أبو بالل ‪ " :‬هذا يوم جمعة ‪ ،‬وهو يوم‬
‫عظيم وهذا وقت العصر فدعونا حتى نصلي‪ ) .‬وإستجاب له القائد األموى ابن األخضر ‪ .‬تقول الرواية ( ‪..‬فأجابهم ابن األخضر‬
‫وتحاجزوا ‪ ،‬فعجل ابن األخضر الصالة ‪ ،‬وقيل قطعها‪ ،‬والخوارج يصلون ‪ ،‬فشد عليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع‬
‫وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله فقتلوا من آخرهم وأخذ رأس أبي بالل‪ .) .‬لم يتركوا الصالة ‪ ،‬كان الجيش األموى يقتلهم‬
‫‪ .‬وهم فى الصالة يقولون ( وعجلت اليك ربى لترضى )‪ ! .‬هنا الوجه المتطرف فى الصالة لدى الخوارج‬
‫ـ عّي ن الخليفة األموى هشام بن عبد الملك ( خالد القسرى ) والى الصالة على العراق وشرقها‪ .‬أرسل خالد جيشا قاتل ‪2‬‬
‫‪ :‬الخوارج فى الموصل ‪ ،‬إنهزم الخوارج وُقتل معظمهم ‪ .‬قال شاعر يرثى قتلى الخوارج‬
‫فتية تعرف التخشع فيهم ** كلهم أحكم القرآن إماما (‬
‫) قد برى لحمه التهجد حتى ** عاد جلدًا مصفرًا وعظامًا‬
‫‪ .‬هذا هو المظهر الخارجى للخوارج بسبب اإلفراط فى الصالة والتهجد وقراءة القرآن‬
‫ثانيا ‪ :‬الملمح الثانى ‪ :‬التطرف فى القتل للجميع حتى النساء واألطفال‬
‫ـ حين خرجوا على ( على بن أبى طالب ) وأقاموا فى حروراء عينوا أميرا على الصالة ‪ ،‬تقول الرواية ‪ (:‬وأتوا حروراء‪1 ،‬‬
‫فنزل بها منهم اثنا عشر ألفًا‪ ،‬ونادى مناديهم‪ :‬إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي‪ ،‬وأمير الصالة عبد هللا بن الكوا‬
‫‪ .‬اليشكري ‪)..‬‬
‫ـ وأول جريمة لهم كانت قتل رجل مسالم وبقر بطن زوجته ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من ‪2‬‬
‫النهروان رأى عصابٌة منهم رجًال يسوق بامرأة على حمار‪ ،‬فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬أنا عبد هللا بن‬
‫خباب صاحب رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أفزعناك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالوا‪ :‬ال روع عليك‪ ) ..‬وناقشوه فى التحكيم وفى‬
‫(على ) ولّم ا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته ‪ ( :‬فقالوا‪ :‬إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها ال على أفعالها‪،‬‬
‫وهللا لنقتلنك قتلًة ما قتلناها أحدًا‪ .‬فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته‪ ،‬وهي حبلى متم ‪ ...‬فأضجعوه فذبحوه‪ ،‬فسال دمه في‬
‫الماء‪ ،‬وأقبلوا إلى المرأة فقالت‪ :‬أنا امرأة أال تتقون هللا! فبقروا بطنها‪ ،‬وقتلوا ثالث نسوة من طيء‪ ،‬وقتلوا أم سنان‬
‫! ‪.‬الصيداوية )‪ .‬الخوارج يستبيحون قتل األجنة فى البطون‬
‫ـ كان شبيب بن بجرة مع ابن ملجم حين قتل عليًا‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما دخل معاوية الكوفة أتاه شبيب كالمتقرب إليه فقال‪3 :‬‬
‫" أنا وابن ملجم قتلنا عليًا‪ ، "،‬فوثب معاوية من مجلسه مذعورًا حتى دخل منزله ‪ .‬وبعث إلى أشجع وقال‪ " :‬لئن رأيت شبيبًا‬
‫أو بلغني أنه ببابي ألهلكنكم‪ ،‬أخرجوه عن بلدكم‪ . "!.‬وكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق أحدًا إال قتله‪ .) .‬يقتل الناس‬
‫‪ .‬ليال قتال عشوائيا‬
‫ـ أثناء خالفته عّي ن عبد هللا بن الزبير أخاه مصعب واليا للصالة على العراق وما يتبعه شرقا ‪ ،‬وتعين على مصعب مواجهة ‪4‬‬
‫الخوارج‪ .‬فى حوادث عام ‪ 68‬وتحت عنوان ‪ ( :‬حروب الخوارج بفارس والعراق) يذكر ابن األثير تفصيالت هذه الحروب نقال‬
‫عن الطبرى ‪ .‬ومنها نقتطف أهم ملمح من ذهنية الخوارج ودينهم ‪ ،‬وهو اإلسراف فى القتل ‪ .‬تقول الرواية عنهم ‪ ( :‬فشنوا‬
‫الغارة على أهل المدائن ‪..‬ووضعوا السيف فى الناس يقتلون الرجال والنساء والولدان ويشقون أجواف الحبالى ‪ .).‬أى يقتلون‬
‫األجّن ة فى االحام‪ !.‬وهم فى طريقهم عثروا على رجل اسمه سماك بن يزيد ‪ ،‬معه بنت له ‪ ،‬فأخذوها ليقتلوها وأبيها ‪ ،‬فقالت‬
‫تستعطفهم ‪ "( :‬يا أهل االسالم ‪ !.‬إن أبى مصاب فال تقتلوه ‪ ،‬وأما أنا فجارية ‪ ،‬وهللا ما أتيت فاحشة قط ‪ ،‬وال آذيت جارة لى ‪،‬‬
‫وال تطلعت وال تشرفت قط " ) (أى لم تتجسس على جيرانها ) ‪ .‬تستمر الرواية ‪ ( :‬فلما أرادوا قتلها سقطت ميتة ) أى ماتت‬
‫من الرعب ‪ ،‬ولم يرحموا جثتها‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فقطعوها بسيوفهم )‪ . !.‬اما أبوها المريض فإصطحبوه معهم ثم قتلوه‬
‫!!‪.‬وصلبوه‪ .‬لو قرأ هتلر هذا إلبيّض ت عيناه من الُح زن‬
‫ـ فى عام ‪ ، 69‬تقول الرواية ‪ ( :‬وفيها حكم رجل من الخوارج بمنى وسل سيفه‪ ،‬وكانوا جماعة‪ ،‬فأمسك هللا أيديهمفقتل ذلك ‪5‬‬
‫الرجل عند الجمرة‪( : ).‬حّك م ) أى صاح ( ال حكم إال هلل ) وهى الصيحة التى يستبيحون بها القتل حتى لألبرياء ‪ .‬وهذا الرجل‬
‫‪.‬يقتل الناس حتى فى الحرم‬
‫ـ إستمر هذا حتى العصر العباسى ‪ ،‬ورصده الملطى المتوفى عام ‪ . 377‬فى كتابه ( التنبيه والرد ) يقول الملطى عن ‪6‬‬
‫الخوارج ‪ ( :‬فأما الفرقة األولى من الخوارج فهم المحكمة األولى ( اصحاب شعار ‪ :‬ال حكم إال هلل ) ‪ ،‬الذين كانوا يخرجون‬
‫بسيوفهم فى األسواق حين يجتمع الناس ‪ ،‬فينادون ‪ :‬ال حكم إال هلل ‪ ،‬ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ‪ ،‬فال يزالون‬
‫يقتلون حتى يقتلوا‪ .‬وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم ال يرجع حتى ُي قتل ‪.‬ولم يبق منهم أحد على وجه األرض بحمد هللا ‪. ).‬‬
‫ويقول عن بعض طوائفهم ‪ ( :‬اإلباضية ‪ .. :‬خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا األطفال وكّف روا األمة‬
‫وأفسدوا فى العباد والبالد ‪ ،‬فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة ) ‪ ( .‬السواد يعنى األرض الزراعية التى تجاور الصحراء فى‬
‫العراق‪ ) .‬ـ ويقول عن الحرورية ‪ ( :‬يقولون بتكفير األمة ‪ ..‬ويسبون ويستحلون األموال والفروج ‪..‬وهم بناحية سجستان‬
‫وهراة وخراسان ‪ ،‬وهم عالم كثير ‪..‬وهم اصحاب خيل وشجاعة ‪ ( ) ..‬الصليدية ‪..‬يقتلون ويستحلون الموال على األحوال كلها ‪،‬‬
‫‪.‬وهم أشر الخوارج وأقذرهم وأكثرهم فسادا ‪ ،‬ولهم عدد بناحية سجستان ونواحيها ‪) ..‬‬
‫الملمح الثالث ‪ :‬الجمع بين التطرف فى العبادة والتطرف فى القتل‬
‫ـ حين كان خالد القسرى والى العراق للخليفة هشام بن عبد الملك ثار الخارجى ( وزير السختياني ) بالحيرة في نفر قليل ‪1 ( :‬‬
‫فجعل ال يمر بقرية إال أحرقها‪ ،‬وال يلقى أحدًا إال قتله‪ ،‬وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال‪ ،‬فوجه إليه خالد جندًا فقاتلوا عامة‬
‫أصحابه وأثخن بالجراح‪ ،‬وأتي به خالد‪ ) ،‬أخذ هذا الخارجى يحرق القرى ويقتل من يراه وهو مع ذلك عابد مجتهد فى العبادة‪!.‬‬
‫هو يعظ خالد القسرى المشهور بغلظته وقسوته فيجعل قلب خالد يلين‪ !.‬أثار إعجاب خالد فإكتفى بحبسه ولم يقتله ‪ ،‬وإتخذه‬
‫نديما يسمر معه ‪ ،‬وأرسل خصوم خالد الى الخليفة أنه آوى اليه ( حروريا ) أى خارجيا يسامره ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وأقبل على‬
‫خالد فوعظه‪ ،‬فأعجب خالدًا ما سمع منه فلم يقتله وحبسه عنده‪ ،‬وكان يؤتى به في الليل فيحادثه‪ .‬فسعي بخالد إلى هشام وقيل‪:‬‬
‫أخذ حروريًا قد قتل وحرق وأباح ألموال فجعله سميرًا‪ ،‬فغضب هشام وكتب إليه يأمره بقتله‪ ،‬وكان خالد يقول‪ :‬إني أنفس به عن‬
‫الموت‪ ،‬فأخر قتله‪ ،‬فكتب إليه هشام ثانيًا يذمه ويأمره بقتله ‪ ،‬فقتله خالد حرقا ونفرا معه ‪ .‬وهو فى الحرق كان يتلو قوله جل‬
‫‪.‬وعال ‪ُ( :‬قْل َن اُر َج َه َّن َم َأَش ُّد َح ًّر ا َّلْو َك اُنوا َي ْفَق ُهوَن ﴿‪ ﴾٨١‬التوبة )‬

‫بين دين الخوارج ودين قريش ‪( 2 ):‬‬


‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ المعروفون بالخوارج أسلموا من قبل فى عهد النبى محمد عليه السالم باالسالم السلوكى بمعنى السالم وأوقفوا غاراتهم ‪1‬‬
‫على بعضهم ‪ ،‬وتحرروا من سلطان قريش التى كانت تتخذ من اصنامهم فى البيت الحرام رهينة كى يخضعوا لها ويمتنعوا عن‬
‫مهاجمة قوافل قريش فى رحلتى الشتاء والصيف‪ . .‬ثم إستعادت قريش نفوذها بخالفة أبى بكر ( رأس الذين مردوا على‬
‫النفاق ) فثار األعراب رفضا ألخذ ابى بكر منهم الصدقات فأصبح إسمهم المرتدين ‪ ،‬وبعد هزيمتهم صاروا جنود الغزو معتنقين‬
‫دين قريش وخلفائها الفاسقين فتحولت غاراتهم القبلية فى الجزيرة العربية الى حرب عالمية تنتحل إسم االسالم زورا وبهتانا‪.‬‬
‫عاملهم (عمر ) بالعدل فى توزيع الغنائم ‪ ،‬ثم ثاروا على ( عثمان ) بسبب فساده وقتلوه فأصبح إسمهم الثوار‪ ،‬ثم إنضموا الى‬
‫(على ) وأصبحوا من شيعته ‪ ،‬ثم خرجوا عليه وكفروا بقريش كلها ‪ ،‬وحاربوه وقتلوه وإلتصق بهم اسم الخوارج‪ .‬كل هذا فى‬
‫‪.‬جيل واحد‬
‫ـ كان الخوارج من القوى الفّع الة فى الفتنة الكبرى ‪ ،‬لم يؤثروا فى حسم إلصراع على السلطة بين أجنحة قريش المتصارعة ( ‪2‬‬
‫أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ‪ ،‬ولكنهم ـ فى األغلب ـ حاربوا الجميع ‪ ،‬من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ‪ ،‬ثم إستمروا‬
‫‪ .‬فى حرب األمويين ‪ ،‬واستمروا فى العصر العباسى األول‬
‫ـ حملوا لقب ( الخوارج ) بمعنى الخارجين على الحكم الُقرشى والدين القرشى الذى أرساه عمليا الخلفاء الفاسقون بغزوهم ‪3‬‬
‫وإحتاللهم وبغيهم وعدوانهم‪ .‬إستمر الخوارج يحملون هذا اللقب وهذا الدين مع إستمرار حكم قريش فى عصر األمويين‬
‫والعباسيين‪ .‬إذ لم يتغير األمر بالنسبة لهم ‪ ،‬الخلفاء جميعا قرشيون ‪ ،‬ال فارق بين األربعة األوائل أو األمويين أو العباسيين ‪،‬‬
‫وال فارق ايضا بينهم فى التسلط واالستبداد واإلستثار بالسلطة وإعتبار القبائل األخرى مجرد أعوان يقاتلون فى سبيل مجد‬
‫قرسش وتوسعها ‪ .‬بإستمرار اإلستبداد القرشى فى العصر األموى ثم العباسى إنضم كثير من الناقمين والطموحين للخوارج‬
‫وإعتنقوا دينهم ‪ ،‬وإنتشر دينهم ما بين أواسط آسيا الى شمال أفريقيا ‪ ،‬بل إن بعض من خدم األمويين ( خرج ) على األمويين‬
‫معتنقا دين (الخوارج ) عندما صارت له قوة ‪ ،‬مثل إبن األشعث الذى كان قائدا لجيش أموى فوقع تحت سيطرة الخوارج‬
‫‪ .‬فإستخدم جيشه فى حرب األمويين ‪ ،‬وتصارع مع الحجاج بن يوسف‬
‫ـ رفض الخوارج ( أن تحكم قريش ) وكما إنتحل الخلفاء الفاسقون إسم االسالم فى غزوهم وإحتاللهم وبغيهم وعدوانهم فإن ‪4‬‬
‫الخوارج إنتحلوا ( ال حكم إال هلل ) أو حاكمية هللا جل وعال عنوانا لدينهم الجديد حقدا على إنفراد قريش بالحكم ‪ ،‬وجعلوا ( ال‬
‫‪.‬حكم إال هلل ) شهادة دينهم وصيحتهم فى جهادهم فى الخروج على الحاكم وفى قتلهم العشوائى للناس‬
‫ـ تميز الخوارج بتطرفهم فى العبادة ( الصالة وقراءة القرآن ) وتطرفهم فى القتل وإستحالل الدماء‪ .‬ولنا أن نتخيل ــ وهم ‪5‬‬
‫بوحشيتهم تلك ــ كيف كانوا يتفانون فى قتل جنود البالد الذين كانوا يدافعون عن أوطانهم ‪ .‬زاد تفانيهم فى القتل والقتال حين‬
‫تحولوا الى خوارج ‪ ،‬وزادها تطرفهم فى العبادة وإعتقادهم إمتالك الحق ‪ ،‬أى كانوا مخلصين فى سفك الدماء بنفس إخالصهم‬
‫‪.‬فى تأدية صالتهم الشيطانية التى تأمرهم بالفحشاء والمنكر‬
‫ــ بدينهم المتطرف هذا إختلفوا عن دين الخلفاء الفاسقين ‪ ،‬سواء فى العبادة أو فى إستحالل الدماء ‪ .‬تطرفوا ــ وبكل خشوع ‪6‬‬
‫شيطانى ــ فى العبادة وقيام الليل ‪ ،‬وتطرفوا ــ وبكل شجاعة ــ فى إستحالل الدماء لكل ( المسلمين ) حتى األطفال والنساء‬
‫والذرية وحتى كانوا يبقرون بطون الحوامل ليقتلوا األجّن ة‪ .‬وكأى دين أرضى إنقسم الخوارج طوائف وشيعا تسّم ت بأسماء‬
‫قوادها أو ببعض سماتها ‪ ،‬وكلها تتفق فى أنه ( ال حكم هلل ) إعالنا للثورة على السلطان وقتل الناس جميعا ‪ ،‬ثم يختلفون فى‬
‫بعض الفرعيات‬
‫لم يقع الخلفاء الفاسقون فى التطرف فى العبادة أو التطرف فى القتل‪ .‬كان هُّم هم األكبر وإالههم األكبر هو المال‪ .‬إذا حصلوا‬
‫عليه بالجزية وبالصلح بدون حرب فال داعى للحرب‪ .‬وإذا حاربوا قتلوا الجنود وإسترقوا ذريتهم وتركوا الباقين يعملون عندهم‬
‫سواء كانوا فالحين أو عاملين فى جمع المال ‪ .‬أما الخوارج فقد دفعهم حقدهم على قريش أن قتلوا كل من يقع فى أيديهم ‪ ،‬ولم‬
‫‪ .‬يكن إهتمامهم بالمال بقدر إهتمامهم بسفك الدماء‬
‫ـ ولقد قضى ( على بن أبى طالب ) على معظم الخوارج ‪ ،‬ولكن إستمر الخوارج بعده ‪ ،‬بل قتلوه ‪ .‬ولم يفلح أيضا الخلفاء ‪7‬‬
‫‪ :‬الالحقون فى القضاء على الخوارج ‪ .‬إنتشر دين الخوارج لسببين‬
‫األصل فى ثورة الخوارج هو إستئثار الخليفة القرشى بالحكم ‪ ،‬وقد إستمر هذا بعد قتل ( على ) ومعززا بالفساد وقوة ‪7 / 1 :‬‬
‫‪ .‬السالح ‪ ،‬وبال أمل فى االصالح‬
‫جاذبية الفكرة وعدم مواجهتها من داخل االسالم ألن االسالم أصال ضد خلفاء قريش كما هو ضد دين الخوارج‪ .‬بالتالى ‪7 / 2 :‬‬
‫كانوا يقضون على األشخاص مع بقاء اإلستبداد والفساد دون إصالح ‪ ،‬ومع عدم مواجهة الفكرة نفسها ‪ ،‬لذا إستمرت الفكرة‬
‫‪ .‬وأنجبت آالفا مؤلفة فيما بعد قتلوا آالفا مؤلفة من األبرياء الذين ال ذنب لهم‬
‫وهذا يؤكد ــ لمن يهمه األمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ‪ ،‬ولكن بعالج المرض ‪7 / 3 :‬‬
‫الذى أنتج داعش ‪ ،‬وأنتج من قبله الخوارج ‪ .‬وهو االستبداد والفساد وتحكم المأل والنخبة بالحديد والنار‪ ،‬لذا تشتعل ثورات‬
‫الناقمين تحت أى شعار ‪ ،‬وأصعبها الشعار الدينى كما فعل الخوارج والدواعش ‪ .‬وسيظل الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب‬
‫ما يسمى باالرهاب بقوة الجيش واسلحة األمن ‪ ،‬مع االبقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات االرهابية من‬
‫الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها ‪ .‬وسيظل الشرق األتعس يعايش حركات االرهاب طالما يرتع فيه‬
‫‪.‬االستبداد مصاحبا الفساد ‪ ،‬وطالما يرفض االصالح والعدل‬
‫‪ :‬وعن الخوارج نعطى بعض التفصيالت‬
‫أوال ‪ :‬دينهم ( ال حكم إال هلل )‬
‫ـ تولد هذا الدين فجأة بإعتراض ( الُقّر اء ) أو األعراب المتشددين فى العبادة والمتفانين فى الحرب مع على ضد معاوية فى ‪1‬‬
‫‪ :‬معركة (صفين ) ‪ .‬تقول الروايات‬
‫وخرج األشعث بالكتاب ( أى كتاب التحكيم ) يقرؤه على الناس حتى مر على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية ( ‪1 / 1 :‬‬
‫أخو أبي بالل فقرأه عليهم‪ ،‬فقال عروة‪ :‬تحّك مون في أمر هللا الرجال؟ ال حكم إال هلل! ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابة األشعث‬
‫‪.. ) .‬ضربًة خفيفة واندفعت الدابة‬
‫لما أراد (علي ) أن يبعث أبا موسى للحكومة ( التحكيم ) أتاه رجالن من الخوارج‪ :‬زرعة ابن البرج الطائي ( ‪1 / 2 :‬‬
‫وحرقوص بن زهير السعدي فقاال له‪ :‬ال حكم إال هلل! فقال علي‪ :‬ال حكم إال هلل‪ .‬وقال حرقوص بن زهير‪ :‬تب من خطيئتك وارجع‬
‫‪ ).‬عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا‪ .‬فقال علي‪ :‬قد أردتكم على ذلك فعصيتموني‬
‫ـ والحقوا (على بن أبى طالب ) بهذا الشعار الذى صار دينا للخوارج ‪ .‬واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حّك م ) أى صرخ بشعار ‪2‬‬
‫‪ (:‬ال حكم إال هلل ) ‪ ،‬واصبح لقب الخوارج ‪ ( :‬الُم حّك مة ) ‪ .‬تقول الرواية عن (على ) وهو يخطب ( فى المسجد )‬
‫! "وخطب (علي ) ذات يوم‪ ،‬فحّك مت الُم حّك مة في جوانب المسجد‪ ،‬فقال ( علي ) ‪ " :‬هللا أكبر‪ ،‬كلمة حق أريد بها باطل ( ‪2 / 1‬‬
‫)‪.‬‬
‫ثم خطب (علي ) يومًا آخر فقام رجل فقال‪ " :‬ال حكم إال هلل! " ‪ ،‬ثم توالى عدة رجال يحّك مون‪ .‬فقال علي‪ " :‬هللا أكبر‪2 / 2 : ( ،‬‬
‫) !" كلمة حق أريد بها باطل‬
‫ـ والخارجى عبد الرحمن بن ملجم هتف بهذا الشعار وهو يضرب عليا بالسيف ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما كان ليلة الجمعة‪3 ،‬‬
‫وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو‪ ،‬أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة‬
‫التي يخرج منها علي للصالة‪ ،‬فلما خرج علي نادى‪ :‬أيها الناس الصالة الصالة‪ .‬فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة‬
‫الباب‪ ،‬وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف‪ ،‬وقال‪ :‬الحكم هلل ال لك يا علي وال ألصحابك! )‬
‫ـ وتواتر هذا التعبير فى تاريخ الخوارج بعد مقتل (على ) ‪ ،‬فيأتى التعبير عن ثورة فالن من الخوارج بأنه ( حّك م ) ‪ .‬ومثال فى ‪4‬‬
‫عام ‪ 64‬تقول الرواية ‪ ( :‬ذكر خروج سهم والخطيم‪:‬وفيها خرج الخطيم‪ ،‬وهو يزيد بن مالك الباهلي‪ ،‬وسهم بن غالب الهجيمي‪،‬‬
‫فحّك ما؛ فأما سهم فإنه خرج إلى األهواز فحّك م بها‪ ،‬ثم رجع فاختفى وطلب األمان فلم يؤمنه زياد وطلبه حتى أخذه وقتله وصلبه‬
‫على بابه‪).‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وصف دينهم بالمروق ( أى مرقوا من دين قريش )‬
‫‪ :‬ـ بدأ هذا فى روايتين عن (على بن ابى طالب ) ‪1‬‬
‫قد روى جماعة أن عليًا كان يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج أن قومًا يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق ‪1 / 1 : (..‬‬
‫السهم من الرمية‪ ،‬عالمتهم رجل مخدج اليد‪ ،‬سمعوا ذلك منه مرارًا‪ ،‬فلما خرج أهل النهروان سار بهم إليهم ( علي ) وكان منه‬
‫معهم ما كان‪ ،‬فلما فرغ أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج‪ ،‬فالتمسوه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ما نجده‪ ،‬حتى قال بعضهم‪ :‬ما هو فيهم‪،‬‬
‫وقيل‪.) ( :‬وهو يقول‪ " :‬وهللا إنه لفيهم‪ ،‬وهللا ما كذبت وال كذبت! " ثم إنه جاءه رجل فبشره فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين قد وجدناه‬
‫بل خرج (علي ) في طلبه قبل أن يبشره الرجل ‪ ،‬ومعه سليم بن ثمامة الحنفي والريان بن صبرة ‪ ،‬فوجده في حفرة على‬
‫شاطىء النهر في خمسين قتيًالن ‪ ،‬فلما استخرجه نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود فإذا‬
‫ُم ّد ت امتدت حتى تحاذي يده الطولى ثم تترك فتعود إلى منكبيه‪ .‬فلما رآه قال‪ " :‬هللا أكبر ما كذبت وال كذبت‪ ،‬لوال أن تنكلوا عن‬
‫العمل ألخبرتكم بما قص هللا على لسان نبيه‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لمن قاتلهم مستبصرًا في قتالهم عارفًا للحق الذي نحن‬
‫غنى عن الذكر أن النبى محمدا عليه السالم لم يكن يعلم غيب المستقبل وإذا قاله (على ) ونسبه للنبى عليه السالم ‪.. ) .‬عليه‬
‫‪.‬فقد إفترى برهانا وإثما عظيما يضاف الى سجل أعماله فى القتل فى سبيل الُّس لطة والمال‬
‫وقال (على ) ‪ " :‬إذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة ‪ ،‬وإذا حدثتكم عن رسول هللا ‪ ،‬فوهللا ألن أخّر من ( ‪1 / 2 :‬‬
‫السماء أحُّب إلى من الكذب عليه ‪ ،‬وإنى سمعته يقول ‪ :‬يخرج قوم فى آخر الزمان أحداث األسنان سفهاء األحالم يقولون من‬
‫خير قول البرية ‪ ،‬ال يجاوز إيمانهم حناجرهم ‪ ،‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم‬
‫يذكر ما سيحدث ( آخر الزمان ) مع أن وقت ظهور الخوارج لم يكن آخر الزمان‪ .‬هذا إفتراء ‪ ) . . ،‬أجر لمن قتلهم يوم القيامة‬
‫ولكن يهمنا هنا أن تشريع الدين القرشى يأتى بقتلهم وقتالهم والمثوبة على ذلك ‪ ،‬والمعنى أن الدين الُقرشى يواجه دين‬
‫‪ .‬الخوارج باالتهام بالمروق ( عن دين الخلفاء الفاسقين )‬
‫ـ ومع إستمرار الخروج فى العصرين األموى والعباسى راجت صيغ أخرى من أحاديث تتهم الخوارج بالمروق عن الدين ‪2‬‬
‫القرشى‪ .‬فقد صاغوا حديثا منسوبا للنبى محمد عن الشاعر األموى المشهور ( الفرزدق ) يرويه عن أبى سعيد الخدرى يزعم ‪:‬‬
‫( قلت ألبى سعيد الخدرى ‪ :‬قبلنا قوم يصلون صالة ال يصليها احد ويقرءون قراءة ال يقرؤها أحد " ‪ ،‬وكان متكئا فاستوى‬
‫جالسا ‪ ،‬وقال ‪ " :‬سمعت رسول هللا يقول ‪ " :‬إن قبل المشرق قوما يقرءون قراءة ال ُت جاوز حلوقهم ) ‪ .‬لم يذكروا ظهور‬
‫‪ .‬الخوارج غربا فى شمال أفريقيا‬
‫ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﻳﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻳﻘﺮﺅﻭﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﺗﺤﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺗﻤﺘﻪ (‪3‬‬
‫يخرج فيكم قوم تحقرون صالتكم مع صالتهم وصيامكم مع ( ) ﻻ ﻳﺠﺎﻭﺯ ﺣﻨﺎﺟﺮﻫﻢ ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻕ ﺍﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻴﺔ‬
‫صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم ‪ ،‬يقرآون القرآن وال يجاوز حناجرهم‪ .‬يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر فى القدح‬
‫يهمنا هنا تكرار وصف الخوارج بالتطرف فى العبادة من صالة وصوم وقراءة ) ‪ ..‬فال ترى شيئا وتنظر فى الريش فال ترى شيئا‬
‫‪ .‬للقرآن‬
‫لماذا إختار الخوارج الحاكمية دينا ؟ ‪( 3 ):‬‬
‫ـ رأينا أنه التعصب القبلى ( نسبة للقبيلة ) ‪ .‬وفى الطريق بحث قادم بعون الرحمن جل وعال عن أثر العصبية القبلية فى ‪1‬‬
‫الدولة األموية‪ .‬ولكن نكتفى هنا بلمحة تخص موضوعنا عن أثر التعصب القبلى فى إختيار الخوارج الحاكمية دينا رفضا لدين‬
‫‪ .‬قريش‬
‫ـ ينقسم العرب الى قسمين كبيرين ‪ :‬عرب اليمن القحطانيون ‪ ،‬والعرب المستعربة من نسل إسماعيل بن ابراهيم ‪ ،‬والمعرون ‪2‬‬
‫من أقدم أجدادهم هو نزار بن معد بن عدنان ‪ .‬وقد أنجب نزار ثالثة أوالد هم ( ُم ضر ) و ( ربيعة ) و ( إياد ) ‪ .‬من مضر‬
‫تناسلت قبائل كثيرة منها كنانة ومنه فرع قريش ‪ .‬قبائل ربيعة هى أكثرية عرب الشرق وفى نجد بينما تركز معظم قبائل ( ُم ضر‬
‫‪ ).‬فى الحجاز والغرب‬
‫أما عرب اليمن ( قحطان ) فتوزعوا ‪ ،‬ومنهم قبيلة كلب فى جنوب الشام ‪ .‬وتوثقت عالقة قريش بقبيلة كلب التى كانت تسيطر‬
‫على الطرق التجارية وتحمى رحلتى الشتاء والصيف الى الشام ‪ ،‬وكان األمويون هم قادة القوافل لذا تأسست عالقتهم بكلب‬
‫‪.‬وأصهر معاوية الى زعيم قبية كلب وتزوج ابنته ميسون بنت بحدل فأنجب منها إبنه يزيد‬
‫ولم تكن العالقة جيدة بين قريش الُم ضرية وقبائل ربيعة ‪ ،‬وقبيلتا بكر وتغلب من نسل ربيعة بن نزار ‪ .‬ومن بكر بن وائل كان‬
‫‪ .‬معظم الخوارج‬
‫ـ دخل العرب فى االسالم السلوكى وتناسوا العصبية القبلية وإستبدلوها باألخوة فى االسالم الذى يكون فيه األكرم عند هللا جل ‪3‬‬
‫وعال هو األتقى ‪ ،‬وسيكون هذا معروفا يوم القيامة طبقا لقوله جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا الَّن اُس ِإَّن ا َخ َلْق َن اُك م ِّم ن َذ َك ٍر َو ُأنَث ٰى َو َج َع ْلَن اُك ْم‬
‫ُشُع وًب ا َو َقَب اِئَل ِلَت َع اَر ُفوا ۚ ِإَّن َأْك َر َم ُك ْم ِع نَد الَّلـِه َأْت َقاُك ْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َع ِليٌم َخ ِبيٌر ﴿‪ ﴾١٣‬الحجرات )‪ .‬أى جعلنا رب العزة شعوبا وقبائل‬
‫مختلفة فى اللسان واأللوان لكى نتعارف سلميا ال لنتقاتل حربيا‪ .‬الشورى االسالمية عرضنا لها هنا فى بحث منشور ‪ ،‬وبها‬
‫تخلص العرب من سيطرة المأل ‪ ،‬سواء كان من قريش أو من المدينة وهذا بتحجيم سيطرة المنافقين األكثر ثراءا ونفوذا‪ ،‬ثم‬
‫هناك الحرية المطلقة فى الدين طالما إلتزم الفرد بالسالم وعدم اإلكراه فى الدين وعدم إستغالل الدين فى إكراه الناس على تقديم‬
‫الصدقات ‪ .‬بالمساواة وبالشورى والسالم والحرية الدينية إستراح العرب من حروبهم مؤقتا بأن دخلوا فى االسالم السلوكى‬
‫أفواجا ‪ .‬تغّي ر هذا بما فعله رائد الخلفاء الفاسقين ( ابو بكر )‪ ،‬إذ عادت العصبية القبلية قوية وظهرت فى حركة الردة ‪ ،‬وكانت‬
‫أعتى حركات الردة هى التى تزعمها مسيلمة الكذاب ‪ ،‬وحظى على تأييد قبائل ربيعة مع علمهم بأنه كذاب ‪ ،‬لكن إشتهر قولهم‬
‫(كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر‪ . ) .‬النبى محمد عليه السالم ينتمى الى قبائل ( مضر ) ‪ ،‬وقد مات وتولى بعده قرشى‬
‫‪.‬مضرى يريد أن يعلو عليهم ‪ ،‬لذا فالمتنبىء الكذاب أفضل عندهم من النبى المضرى القرشى الصادق الذى مات‬
‫ـ وأشرنا الى دخول القبائل العربية أفواجا تحت قيادة قريش فى الفتوحات اإلجرامية ‪ ،‬وكان منهم قادة المرتدين سابقا‪ .‬بعد ‪4‬‬
‫توقف الفتوحات فى عهد عثمان بدأ التذمر من فساد عثمان وإستئثاره باألموال ‪ ،‬وإنفجر الخالف بقضية ( السواد ) وهو‬
‫األرض الزراعية المتاخمة للصحراء النجدية ‪ ،‬والتى كانت قبائل ربيعة تعتبرها ملكا خاصا لها‪ .‬إعتبرت قريش هذا السواد ملكية‬
‫‪.‬لها ‪ ،‬وأسموه ( بستان قريش ) ‪ ،‬بهذا تحولت نقمة األعراب الى ثورة على عثمان إنتهت بقتله ‪ ،‬وتعيين (على ) خليفة‬
‫ليزايدوا على (على ) تفانى أولئك األعراب فى القتال وتفانوا فى العبادة ‪ ،‬وأيضا زايدوا عليه فى الحكم ‪ ،‬يفرضون رأيهم عليه‬
‫ويعصونه ‪ ،‬لذا كان (على ) يناديهم ( يا أهل العراق ‪ ،‬يا اهل الشقاق والنفاق ) ‪ .‬أرغموه على الرضى بالتحكيم ‪ ،‬ثم أرادوا‬
‫إرغامه على رفض التحكيم بحجة أن ال حكم إال هلل ‪ ،‬ثم خرجوا عليه بهذا الدين الجديد الذى يعنى كراهية حكم قريش‪ .‬وأساس‬
‫‪ .‬هذا هو عصبيتهم القبلية ضد قريش‬
‫ـ على أن العصبية القبلية كان لها تأثير خطير آخر بجانب إنتاج الخوارج ودينهم ( ال حكم إال هلل ) ‪ .‬ونستشهد بعام ‪5 ، 46‬‬
‫وهو أخطر األعوام ‪ ،‬والذى حدث فيه موت يزيد بن معاوية وتولى معاوية ثم إعتزاله وموته ‪ ،‬وإنضمام الضحاك بن قيس زعيم‬
‫القبائل القيسية المضرية البن الزبير ‪،‬ومن ثم إستفحال دعوة عبد هللا بن الزبير ‪ ،‬وإجتماع األمويين فى مؤتمر الجابية‬
‫وإختيارهم مروان بن الحكم خليفة ‪ ،‬ووقوف القبائل اليمنية ( خصوصا قبائل كلب ) الى جانب األمويين ‪ ،‬وحدثت موقعة مرج‬
‫راهط ‪ ،‬والتى كانت صراعا قبليا ( من القبيلة ) بين قبائل قيس الُم ضرية العدنانية وقبائل كلب اليمنية القحطانية ‪ .‬وإنهزمت‬
‫قيس وُقتل زعيمها الضحاك ‪ ،‬وتأّج جت العداوة بين قيس المضرية العدنانية وكلب اليمنية القحطانية ‪ .‬والجد األعلى لقيس هو (‬
‫ُم ضر ) ‪ :‬هو ( قيس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) ‪ ،‬ومن قبائل قيس ‪ :‬هوازن وغطفان وسليم وفهم وباهلة ومازن‬
‫‪ .‬وغنى‬
‫ومن قادة ( ُم ضر ) وقتها كان عبد هللا بن خازم السلمى أحد قادة الفتوحات البغى فى فارس ‪ ،‬وكان والى فارس فى عهد معاوية‬
‫‪ .‬وتولى فارس فى عام ‪ ، 64‬السبب أن ابن زياد عّي ن على خراسان ( المهلب بن أبى صفرة )‪ ،‬وهو من األزد ‪ ،‬واألزد من‬
‫قبائل اليمن القحطانية ‪ ،‬وفى مناطق أخرى من خراسان (مروالروذ والفارياب والطالقان والجوزجان ) كان هناك وال آخر من‬
‫( ربيعة ) ينتمى لقبيلة بكر بن وائل هو (سليمان بن مرثد) ‪ ،‬وبالتالى ال وجود لوال من ( ّم ضر ) ‪ .‬إتخذها عبد هللا بن خازم‬
‫فرصة إذ قال لوالى العراق ‪ ( :‬أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل واليمن ؟ اكتب لي عهًدا‬
‫على خراسان‪ ) .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم‪ .) .‬وجرت حروب بين القبائل فى خراسان ‪ ،‬بين قبائل اليمن‬
‫وقبائل ( ُم ضر ) ‪ ،‬وبين قبائل مضر وقبائل ( ربيعة ) ‪ .‬وقال عبد هللا بن خازم مقالته المشهورة عن حقد قبائل ربيعة على بنى‬
‫‪.! .‬عمومتهم ( ُم ضر ) ‪ ( :‬إن ربيعة لم تزل غضاًب ا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‪) .‬‬
‫ـ وفى مقالته تلك يفضح نفسية الخوارج ألن معظم الخوارج من قبائل ربيعة ‪ ،‬وأشهر قادة الخوارج من قبائل ربيعة ‪6‬‬
‫خصوصا قبائل بكر بن وائل ‪ .‬ومنهم ( نافع بن األزرق‪ ،‬ونجدة بن عامر‪ ،‬وعبد هللا بن وهب الراسبي‪ ،‬وحرقوص بن زهير‪،‬‬
‫‪.‬وشبيب بن يزيد‪ .) .‬وهم جميعا يشتركون فى الحقد على قريش الُم ضرية‬
‫ـ إنتشرت قبائل ربيعة فى العراق وخراسان ‪ ،‬ومنهم خوارج كانت لهم وقائع حربية ضد الدولة األموية ‪ ،‬وتزايد هذا فى ‪7‬‬
‫أواخر العهد األموى فى خالفة مروان بن محمد ‪ ،‬الذى واجه الخوارج وغيرهم ‪ ،‬بل ثار عليه بعض أهله ومنهم ( سليمان بن‬
‫هشام بن عبد الملك ) الذى إجتمع له أكثر من سبعين ألفا ‪ ،‬ولكن هزمه الخليفة مروان وقتل منهم أكثر من ثالثين ألفا ‪ ،‬وأمر‬
‫بقتل األسرى إال من كان مملوكا ‪ ،‬فزعم كثيرون أنهم عبيد للنجاة بحياتهم ـ فأمر مروان ببيعهم عبيدا ‪ .‬وهرب سليمان من‬
‫‪ .‬المعركة ‪ ،‬وحاول حرب مروان مرة أخرى فإنهزم أيضا ‪ ،‬وواصل الفرار‬
‫وقتها سيطر الضحاك الخارجى على الكوفة ‪ ،‬وتحارب مع الوالى األموى عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬والذى كان فى حرب‬
‫أيضا مع ابن عمه الخليفة مروان بن محمد ‪ ،‬ورأى عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز أن يوقف الحرب مع الضحاك الخارجى وأن‬
‫يتحالف معه ضد ابن عمه الخليفة مروان بن محمد‪ .‬ولكن التحالف مع الضحاك الخارجى يستلزم الخضوع له وأن يدخل فى‬
‫طاعته‪ .‬وقتها جاء سليمان بن هشام بن عبد الملك هاربا منهزما من مروان بن محمد ‪ ،‬ولحق بابن عمه عبدهللا بن عمر بن‬
‫عبد العزيز ‪ ،‬وذهبا الى الضحاك الخارجى وبايعاه بالخالفة‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬حتى صار إلى عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز‬
‫‪:‬بالعراق فخرج معه إلى الضحاك فبايعه وحرض على مروان؛ فقال بعض شعرائهم‬
‫‪ ).‬ألم تر هللا أظهر دينه ** وصّلت قريش خلف بكر بن وائل‬
‫الشاهد هنا أن عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك بايعا زعيم الخوارج فى العراق بالخالفة نكاية‬
‫فى الخليفة ابن عمهم ( مروان بن محمد ) وحّر ضاه على قتال مروان‪ .‬لذا قال الشاعر ( ألم تر هللا أظهر دينه ** وصلت قريش‬
‫خلف بكر بن وائل ) ‪ .‬هذا الشاعر يعبر عن ثقافة الخوارج ‪ .‬أى ( قريش ) يمثلها عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن‬
‫هشام بن عبد الملك ( تصلى ) أى تخضع ل ( بكر بن وائل ) ‪ ،‬أى الخوارج ألن معظم الخوارج من قبائل بكر بن وائل بن‬
‫‪.! .‬ربيعة ‪ .‬وقبائل ربيعة كما قال عبد هللا بن خازم السلمى ‪ ( :‬إن ربيعة لم تزل غضاًب ا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‪) .‬‬
‫من المشترك بين الخوارج واألمويين‬
‫ـ تعصب األمويون للعرب وإحتقروا الموالى ‪ ،‬والخوارج مع رأيهم ( الديمقراطى ) فى الحكم فلم يبثوا دعوتهم بين الموالى ‪1‬‬
‫فى العراق وفارس وخراسان ‪ .‬وهذا ما تنبهت له دعوة بنى العباس إذ إعتمدت على الخراسانيين ‪ ،‬وإنتشر التشيع فى فارس‬
‫‪.‬والعراق ‪ ،‬وكان أعمدته من الموالى‬
‫ـ وإشترك األمويون والخوارج فى موضوع السبى ‪ .‬مارسوا السبى فى حروبهم المحلية ‪ ،‬الخوارج كانوا يستبقون بعض ‪2‬‬
‫النساء ( المسلمات ) للسبى ‪ ،‬واألمويون كانوا يسبون نساء الخوارج ‪ .‬وجدير بالذكر أن السبى جرى فى حروب الردة قبلها ‪،‬‬
‫أى رجعت قريش والمرتدون الى ما إعتادوه فى حروبهم الجاهلية من سبى النساء ‪ ،‬ثم إرتكبوا نفس الفعل على نطاق عالمى‬
‫‪ .‬وأوسع فى فتوحاتهم الباغية فى آسيا وأفريقيا‬
‫فى عهد عبد الملك بن مروان أرسل أخاه عبد العزيز بن مروان لقتال الخوارج األزارقة ‪ ،‬فهزم األزارقة ‪ ،‬وسبى زوجة ‪2 / 1 :‬‬
‫زعيمهم ‪ ،‬تقول الرواية إن عبد الملك بن مروان ‪ ( :‬بعث أخاه عبد العزيز على قتال األزارقة فهزم ‪ ،‬وأخذت زوجته بنت‬
‫المنذر بن الجارود فأقيمت فيمن يزيد ‪ ،‬فبلغت مائة ألف ‪ .‬وكانت جميلة فغار رجل من قومها ‪ ،‬كان من رؤوس الخوارج ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" تنحوا ما أرى هذه المشركة إال قد فتنتكم ‪ " .‬فضرب عنقها‪ ) .‬أى عرضها األمويون للبيع ‪ ،‬وألنها جميلة فقد تزايدوا فى‬
‫ثمنها الى مائة ألف ‪ .‬وكان بين الحاضرين رجل من قومها كان من قبل من الخوارج ثم إنشق عليهم وإنضم لألمويين ‪ ،‬ولما‬
‫رآهم يتزايدون فى سعرها شعر بالغيرة والعصبية فقتلها‪ ،‬وسماها ( مشركة ) ‪ .‬كان من قبل يصف األمويين بالكفر والشرك ‪،‬‬
‫‪ ..‬فلما تركهم وإنضم لألمويين وصف الخوارج بالكفر والشرك‬
‫وفى حروب الحجاج مع الجيش المنشق عنه تحت قيادة ابن األشعث أسر الحجاج بعض النسوة الالتى ُك ّن فى الجيش ‪2 / 2 :‬‬
‫المعادى ‪ ،‬فأغار ( بسطام من مصقلة بن هبيرة الشيباني‪ ( ) ،‬قائد الخوارج من قبيلة ربيعة ) على جيش الحجاج ‪ ،‬وإستنقذ‬
‫‪ .‬ثالثين إمرأة كن سبايا ‪ .‬وأطلقهن‬
‫‪.‬ـ و كالهما إستخدم الدين فى حربه ضد اآلخر ‪3‬‬
‫زعم الخوارج أن الحكم ( السياسى ) هلل جل وعال وليس لقريش ‪ ،‬فقد رّدت عليهم قريش بحديث صنعوه يقول ( األئمة ‪3 / 1 :‬‬
‫‪ .‬من قريش )‬
‫ـ وبينما كان الخوارج يؤمنون أن قتلهم ( المسلمين ) جهاد ‪ ،‬فإن عبيد هللا بن زياد وهو فى محنته عام ‪ 64‬بّر ر كل ‪3 / 2‬‬
‫جرائمه ومنها قتل الحسين ‪ ،‬ولكن قال عن قتاله وقتله للخوارج‪( :‬وأما قولك ليتني لم أكن قتلت من قتلت فما عملت بعد كلمة‬
‫!‪.‬اإلخالصعماًل هو أقرب إلى هللا عندي من قتل من قتلت من الخوارج )‬
‫‪ .‬وتبادل الخوارج واألمويون إتهام بعضهم بأنه عدو هللا ‪3 / 3 :‬‬
‫كان المهلب بن أبى صفرة يحارب الخوارج األزارقة باسم عبد هللا بن الزبير فلما هلك ابن الزبير إنضم المهلب الى ‪3 / 3 / 1 :‬‬
‫عبد الملك وظل يحارب الخوارج ولكن بإسم عبد الملك بعد أن كان من قبل يتبرأ من عبد الملك‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬اقتتلت‬
‫األزارقة والمهلب بسوالف ثمانية أشهر أشد القتال ‪ ،‬فأتاهم قتل مصعب بن الزبير فبلغ ذلك إلى األزارقة قبل المهلب فنادت‬
‫الخوارج لعسكر المهلب‪ :‬ما قولكم في مصعب فقالوا‪ :‬إمام هدى قالوا‪ :‬فما قولكم في عبد الملك قالوا‪ :‬نحن براء منه قالوا‪ :‬فإن‬
‫مصعب قد قتل وستجعلون غًد ا عبد الملك إمامكم‪ .‬فلما كان من الغد بلغ المهلب الخبر فبايع لعبد الملك فقالت الخوارج‪ :‬يا أعداء‬
‫هللا أنتم أمس تتبرأون منه وهو اليوم إمامكم‪).‬‬
‫فى موقعة دير الجماجم بين الحجاج الوالى األموى والجيش الخارج عليه نادى الجيش األموى الخوارج ‪ ( :‬يا ‪3 / 3 / 2 :‬‬
‫‪.‬أعداء هللا قد هلكتم وقد قتل طاغيتكم! )‬
‫ومع كل هذه الحروب ضد الخارج فقد حافظ الفريقان على تأدية الصالة ‪ .‬وقد تعرضنا للخوارج فى صالتهم ‪ ،‬ونكتفى ‪4 :‬‬
‫‪ :‬بروايتين عن قادة األمويين‬
‫تحت عنوان ( ذكر غزوة الغور‪:‬عام ‪ ) 47‬تقول الرواية ‪ ( :‬في هذه السنة سار الحكم بن عمرو إلى جبال الغور فغزا ‪4 / 1 :‬‬
‫من بها‪ ،‬وكانوا ارتدوا‪ ،‬فأخذهم بالسيف عنوًة ‪ ،‬وفتحها وأصاب منها مغانم كثيرة وسبايا‪ )... ،‬وتقول الرواية عن الحكم ‪..( :‬‬
‫فشرب وتوضأ وصلى ركعتين‪ ،‬وكان أول المسلمين فعل ذلك ثم رجع‪ ).‬صلى ركعتين ثم قاتل باغيا وسبى التنساء ونهب وسلب ‪.‬‬
‫!‪.‬وهو يحسب أنه يحسن صنعا‪ .‬ولماذا ؟ ألن أهل الغور ( إرتدوا ) أى ثاروا على االحتالل العربى والظلم العربى‬
‫عبد هللا بن خازم الفاتح فى خراسان لحساب األمويين قيل فيه أنه كانت له‪ (:‬عمامة سوداء يلبسها في صالة الجمعة ‪4 / 2 :‬‬
‫واألعياد والحروب‪ ،‬فإذا أنتصر تعمم بها تبركا بها‪).‬ـ‬

‫الفصل الثانى عشر ‪ :‬الصالة الشيطانية بين الحجاج بن يوسف وشبيب الخارجى‬
‫عن الحجاج ) ‪(1‬‬
‫‪:‬مقدمة‬
‫ـ الحجاج بن يوسف الثقفى ( ‪ ) 95 : 40‬أشهر والى أموى ‪ ،‬فى بدايته كان معلما للقرآن ‪ ،‬ثم عمل شرطيا لدى عبد الملك ‪1‬‬
‫بن مروان ‪ ،‬ولفت االنتباه بهمته وحزمه فأصبح رئيس الشرطة ‪ ،‬ثم كان الذى قضى على ابن الزبير ‪ ،‬وصار واليا على العراق‬
‫وما يتبعه ‪ ،‬فأنقذ الدولة األموية فى هذا الجزء الذى تأتى منه الفتن ‪ .‬أما شبيب الخارجى فهو ‪( :‬شبيب بن َي زيد بن نعيم بن‬
‫قيس الشيباني ( ‪ ) 77 : 26‬أشهر قادة الخوارج وأشجعهم‪ .‬وقد تحارب الحجاج وشبيب ‪ ،‬وتشاركا فى أداء الصالة ‪ ،‬وكان‬
‫للمسجد منزلة فى هذا الصراع الحربى‪ 2 .‬ـ وتشارك األمويون والخوارج الحرص على الصالة حتى فى اإلقتتال بينهما‪ .‬وفى‬
‫عام ‪ 43‬وفى الصراع بين معاوية والخوارج كان قتل (المستورد بن علفة ) الخارحى ‪ ،‬ونقتطف بعض ما جاء فى هذا تحت‬
‫عنوان ‪ ( :‬ذكر مقتل المستورد الخارجي‪.. (:‬فجعلت الخوارج كلما حملت عليهم انحازوا عنهم‪ ،‬فإذا عاد الخوراج رجع أبو‬
‫الرواغ في آثارهم‪ ،‬فلم يزالوا كذلك إلى وقت الظهر‪ ،‬فنزل الطائفتان يصلون ثم أقاموا إلى العصر‪ .. ،‬فتقدم حتى وقف مقابل‬
‫الخوارج ولحقهم معقل‪ ،‬فلما دنا منهم غربت الشمس فصلى بأصحابه وصلى أبو الرواغ بأصحابه وصلى الخوارج أيضًا‪. ) ..‬‬
‫‪ .‬فيما نكتب ال تعنينا التفصيالت ‪ ،‬بل ما جاء بين سطورها إشارة الى الصالة أو المسجد‬
‫‪ :‬ـ وننتاول طائفة من أخبار الحجاج تجمع بين صالته وإسرافه فى الدماء ‪3‬‬
‫أوال ‪ :‬الحجاج بين االسراف فى القتل والصالة‬
‫ـ عن تولية الحجاج واليا ( للصالة ) على العراق عام ‪ ، 75‬تقول الرواية عن دخوله الكوفة ‪ ( :‬فبدأ الحجاج بالمسجد ‪1 ،‬‬
‫فصعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء فقال‪ :‬علي بالناس ) أى بدأ بالمسجد ليلقى منه بيانه األول للناس ‪ ،‬فالمسجد لم يعد‬
‫بيت هللا جل وعال يعمره من يخشى هللا جل وعال ‪ ،‬بل هو بيت الشيطان ومسجد ضرار ‪ .‬وإجتمع الناس فظل ساكتا ملثم الوجه ‪،‬‬
‫فإستخف به بعضهم وكانوا قد تعودوا االستهزاء بالوالة ‪ .‬تقول الرواية عن الحجاج ‪ .. ( :‬وهو ساكت قد أطال السكوت‪ ،‬فتناول‬
‫محمد بن عمير حصباء وأراد أن يحصبه بها وقال‪ " :‬قاتله هللا ما أغباه وأذمة! ‪ ) "...‬وخطب الحجاج خطبة خطيرة على مثال‬
‫خطبة زياد ابن أبيه من قبل ‪ ،‬فإرتعب ذلك الرجل إبن عمير ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما تكلم الحجاج جعلت الحصباء تنتثر من يده‬
‫وهو ال يعقل به‪) ،‬‬
‫‪:‬ـ وعن خطبة الحجاج تقول الرواية ‪ ( :‬قال‪ :‬ثم كشف الحجاج عن وجهه وقال ‪2‬‬
‫أنا ابن جال وطالع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني‬
‫إّن ى ألرى رؤوسًا قد أينعت وقد حان قطافها‪ ،‬إني ألنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها تشميرًا ‪ ..‬إني ‪..‬‬
‫وهللا يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين‪ ،‬وال يقعقع لي بالشنان‪ ،‬ولقد فررت عن ذكاء‪ ،‬وجريت إلى الغاية القصوى‪ .‬ثم‬
‫قرأ‪( :‬وضرب هللا مثًال قرية كانت آمنة مطمئنًة بأتيها رزقها رغدًا من كل مكاٍن فكفرت بأنعم هللا فأذاقها هللا لباس الجوع‬
‫والخوف بما كانوا يصنعون) النحل‪ .)) 112) :‬وواصل التهديد ‪ ،‬ومنه قوله لهم ‪( :‬وهللا لتستقيمن على الحق أو ألضربنكم‬
‫بالسيف ضربًا يدع النساء أيامى‪ ،‬والولدان يتامى‪ ) ،‬وعن تثاقلهم عن االنضمام لعسكر المهلب بن أبى صفرة المتجه لحرب‬
‫الخوارج هددهم قائال ‪ ( :‬وقد بلغني رفضكم المهلب ‪ ..‬وإني أقسم باهلل ال أجد أحدًا من عسكره بعد ثالثة إال ضربت عنقه‬
‫‪ .‬وأنهبت داره! )‪ .‬بعدها أمر ( العرفاء ) بجمع الناس لحرب المهلب وإخباره عّم ن يتخلف‬
‫ـ حاولوا تهديده بالتكبير ( هللا أكبر ) فخطبهم مهددا ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما كان اليوم الثالث سمع تكبيرًا في السوق ‪ ،‬فخرج ‪3‬‬
‫حتى جلس على المنبر فقال‪ " :‬يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ األخالق! إني سمعت تكبيرًا ليس بالتكبير الذي‬
‫يراد به وجه هللا ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب‪ ،‬وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قصف‪ ،‬يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء‬
‫األيامى أال يربع رجل منكم على ظلعة‪ ،‬ويحسن حقن دمه‪ ،‬ويعرف موضع قدمه! فأقسم باهلل ألوشك أن أوقع بكم وقعة تكون‬
‫نكاًال لما قبلها وأدبًا لما بعدها‪ . ).‬هنا يصف تكبيرهم أنه ليس لوجه هللا ‪ ،‬كما لو كان التكبير الذى يستعمله األمويون لوجه هللا‬
‫‪.‬جل وعال‪ .‬هو إستخدام سياسى للتكبير ‪ ،‬وكل فريق يزعم إحتكار رب العزة ( جل وعال ) لنفسه‪ .‬تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‬
‫ـ وأمر بقتل شيخ طاعن فى الّس ن هو( عمير بن ضابىء التيمى ) ونهب داره ‪،‬عقابا على انه كان ممن إشترك فى قتل عثمان‪4 .‬‬
‫وأمر مناديا ينادى ‪ " ( :‬أال إن عمير بن ضابئ أتى بعد ثالثة وكان سمع النداء فأمرنا بقتله‪ ،‬أال إن ذمة هللا بريئة ممن لم يأت‬
‫الليلة من جند المهلب‪ ) ".‬هنا يجعل الذمة ( ذمة هللا ) هو أيضا إحتكار لرب العزة ‪ ،‬كما لو أن رب العزة جل وعال أعطاه‬
‫‪.‬تفويضا بالقتل‪ .‬تعالى هللا جل وعال عن ذلك علوا كبيرا‬
‫ـ بعدها ذهب الى البصرة ‪ ،‬تقول الرواية ( خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن ‪5‬‬
‫شعبة‪ ،‬فلما قدم البصرة خطبهم بمثل خطبته بالكوفة وتوعد من رآه منهم بعد ثالثة ولم يلحق بالمهلب‪ ،‬فأتاه شريك بن عمرو‬
‫اليشكري‪ ،‬وكان به فتق‪ ،‬وكان أعور يضع على عينه قطعًة ‪ ..‬فقال‪ :‬أصلح هللا األمير‪ ،‬إن بي فتقًا وقد رآه بشر بن مروان‬
‫فعذرني‪ ،‬وهذا عطائي مردود في بيت المال ‪ ،‬فأمر به فضربت عنقه‪ ،‬فلم يبق بالبصرة أحد من عسكر المهلب إال لحق به‪ ) .‬أى‬
‫كان لديه ُع ذر للتخلف عن القتال ‪ ،‬وعرض أال يأخذ عطاءه أو مرتبه مقابل اإلعفاء من القتال ‪ ،‬ولكن قتله الحجاج‪ .‬وبهذا‬
‫‪.‬االرهاب تكامل جيش المهلب‬
‫ـ كان الحجاج أول من عاقب بقتل من يتخلف عن االشتراك فى ( الجهاد األموى ) فى الغزو الخارجى او الحروب ضد ‪6‬‬
‫الخوارج ‪ .‬إذ كان العرب يتقاضون عطاءا مقابل تجنيدهم فى الحرب ‪ ،‬وبعضهم كان يتخلف فيلحقه العقاب‪ .‬كان العقاب فى عهد‬
‫عمر وعثمان وعلى التشهير ‪ ،‬ثم أضاف مصعب بن الزبير عقوبة حلق الرءوس واللحى ‪ ،‬ثم أضاف بشر بن مروان بن الحكم‬
‫والى الصالة فى العراق عقوبة التسمير ‪ .‬وجاء الحجاج فجعل عقوبة القتل‪ .‬قال الشعبى أشهر رواة العصر األموى ‪ ( :‬كان‬
‫الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلي نزعت عمامته وُيقام للناس وُي شهر أمره‪ ،‬فلما ولي مصعب قال‪:‬‬
‫ما هذا بشيء‪ ،‬وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى‪ ،‬فلما ولي بشر بن مروان زاد فيه فصار يرفع الرجل عن األرض ويسمر في‬
‫يديه مسماران في حائط‪ ،‬فربما مات وربما خرق المسمار كفه فسلم‪.. ،‬فلما كان الحجاج قال‪ :‬هذا لعب‪ ،‬أضرب عنق من يخل‬
‫‪.‬مكانه من الثغر‪).‬‬
‫ـ بدأ الحجاج مدينة واسط بين الكوفة والبصرة ‪،‬فى عام توليه العراق ( عام ‪ ،) 75‬وجعلها عاصمة له ‪ .‬وحرص فى‪7‬‬
‫تخطيطها على أن يتوسطها المسجد ‪ ،‬تقول الرواية ( ‪ ..‬فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين فبنى القصر والمسجد‬
‫والسورين وحفر الخندق في ثالث سنين وفرغ في هذه السنة ) اى عام ‪ . 78‬وتقول الرواية ‪ ( :‬ثم نقل إليها من وجوه أهل‬
‫الكوفة وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ‪ ،‬ونقل من وجوه أهل البصرة وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ‪ ،‬وأمر من‬
‫كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة‪ . ) .‬إبتدع معاوية بناء ( المقصورة ) فى المسجد بعد أن تعرض‬
‫لمحاولة إغتيال من الخوارج‪ ،‬وصار عادة أن يبنى والى الصالة مقصورة فى مسجده للحماية إذ صار المسجد موقعا حربيا ‪.‬‬
‫وهذا ما فعله الحجاج فى مسجد واسط‪ .‬بنى المقصورة ثم حّد د مكانا لصالة أتباعه من الكوفة وآخر لصالة للبصريين وثالثا‬
‫‪.‬لصالة أتباعه من الشام‪ .‬ولم ينس أن يبنى فى واسط سجنا يقتل فيه الناس األبرياء صبرا‬
‫ـ إشتهر الحجاج بالفصاحة ‪ ،‬وكان يحلو له أن يطيل فى خطبة الجمعة والتى جعلها األمويون دعاية سياسية ‪ ،‬وأثار تطويله ‪8‬‬
‫فى خطبة الجمعة إعتراض عبد هللا بن عمر من قبل فإحتج ودفع ابن عمر ثمن إحتجاجه بأن قتله الحجاج غيلة‪ .‬ومارس‬
‫الحجاج تطويل خطبة الجمعة فإعترض عليه الحسن البصرى أشهر الٌّز هاد فى البصرة ‪ ،‬تقول الرواية عن الحسن ( البصرى ) ‪:‬‬
‫( أقام الحسن حتى صلى الجمعة خلف الحجاج فرقي الحجاج المنبر فأطال الخطبة حتى دخل في وقت العصر فقال الحسن‪ :‬أما‬
‫من رجل يقول‪ :‬الصالة جامعة فقال رجل من تالمذة الحسن‪ :‬يا أبا سعيد أتأمرنا أن نتكلم واإلمام يخطب فقال‪ :‬إنما أمرنا أن‬
‫ننصت لهم إذا أخذوا في أمر ديننا فإذا أخذوا في أمر دنياهم أخذنا في أمر ديننا قوموا الصالة جامعة ثم التفت إلى جلسائه فقال‪:‬‬
‫بعث إليكم أخيفش أعيمش ملعون معذب قوموا الصالة جامعة فقام الحسن وقام الناس لقيام الحسن فقطع الحجاج الخطبة ونزل‬
‫‪.‬فصلى بهم وطلب الحجاج الحسن فلم يقدر عليه‪) .‬‬
‫ـ وألن الحجاج كان يعّلم الصبية القرآن فقد إشتهر أيضا بُح سن قراءته للقرآن ‪.. ( .‬وقال ابن عوف‪ :‬كنت إذا سمعت الحجاج ‪9‬‬
‫يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن‪. ) .‬ولم يغير هذا شيئا فى إسرافه فى الدماء ‪ .‬قال أحدهم ‪ ( :‬سمعت الحجاج يقول‪ .. :‬وهللا‬
‫‪.‬لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم؟‪ ) ،‬أى إستحل القتل ألى مخالفة ألمره‬
‫ـ بعد إنتصاره على الخارجين عليه فى معركة دير الجماجم أسرف الحجاج فى قتل األسرى ‪ .‬فإشترط عليهم أن يبايعوه وال ‪10‬‬
‫بد لمن يبايعه أن يشهد على نفسه بالكفر‪ .‬أى إنه كفر حين (خرج ) على دين األمويين‪ .‬تقول الرواية ‪.. ( :‬وأخذ الحجاج يبايع‬
‫الناس‪ ،‬وكان ال يبايع أحدًا إال قال له‪ :‬اشهد أنك كفرت‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬بايعه‪ ،‬وإال قتله‪ ،‬فأتاه رجل من خثعم كان معتزًال للناس‬
‫جميعًا فسأله عن حاله فأخبره باعتزاله‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت متربص‪ ،‬أتشهد أنك كافر؟ قال‪ :‬بئس الرجل! أنا أعبد هللا ثمانين سنة ثم‬
‫أشهد على نفسي بالكفر! قال‪ :‬إذًا أقتلك‪ .‬قال‪ :‬وإن قتلتني فوهللا ما بقي من عمري إال ظمء حمار‪ .‬فقتله ‪ ..‬وأتي بآخر من بعده‪،‬‬
‫فقال له الحجاج‪ :‬أرى رجًال ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر‪ .‬فقال له الرجال‪ :‬أتخادعني عن نفسي؟ أنا أكفر أهل األرض وأكفر‬
‫من فرعون‪ .‬فضحك منه وخلي سبيله‪).‬‬
‫ـ وكان يسجن الناس بمجرد الُّش بهة ‪ .‬تقول الرواية فى تاريخ المنتظم البن الجوزى (ُو جد في سجن الحجاج ثالثة وثالثون ‪11‬‬
‫ألفا ما يجب على أحد منهم قطع وال قتل وال صلب ‪ ) .‬أى أبرياء ال يستحقون العقاب ‪ .‬وكان سجنهم يعنى تركهم حتى الموت ‪،‬‬
‫أو بتعبير عصرهم ( الموت صبرا ) ‪ ،‬تقول الرواية ‪ُ ( :‬أحصي من قتله الحجاج صبرًا فكانوا مائة ألف وعشرين ألفًا‪ ) .‬وقيل فى‬
‫وصف سجن الحجاج فى عاصمته ( مدينة واسط ) ‪ ( :‬كان سجن الحجاج بواسط إنما هو حائط محوط ليس فيه مآل وال ظل وال‬
‫بيت ‪ ،‬فإذا آوى المسجونون إلى الجدران يستظلون بها رمتهم الحرس بالحجارة ‪ .‬وكان يطعمهم خبز الشعير مخلوًط ا به الملح‬
‫والرماد ‪ ،‬فكان ال يلبث الرجل فيه إال يسيًر ا حتى يسود فيصير كأنه زنجي ‪ .‬فحبس فيه مرة غالم فجاءته أمه تتعرف خبره ‪،‬‬
‫فصيح به لها ‪ ،‬فلما رأته أنكرته ‪ ،‬قالت‪ " :‬ليس هذا ابني كان ابني أشقر أحمر وهذا زنجي ‪ " !.‬فقال لها‪ " :‬أنا وهللا يا أماه‬
‫ابنك ‪ ،‬أنا فالن وأختي فالنة وأبي فالن ‪ " .‬فلما عرفته شهقت فماتت‪).‬‬
‫ـ وبهذا نشر الحجاج االرهاب فى العراق‪ .‬ونأخذ مثال على ذلك مما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة فقيه ‪12‬‬
‫الكوفة في عهد الحجاج وهو " إبراهيم ألنخعي " الذي عاش حياته في رعب من الحجاج حتى مات دون الخسمين بعد وفاة‬
‫الحجاج ببضعة اشهر سنة ‪ 96‬هجرية ‪ ،‬لقد أرسل الحجاج شرطيا للقبض على إبراهيم النخعى ‪ ،‬وكان عنده في البيت رفيقه‬
‫إبراهيم التيمي فجاء الشرطي للبيت يقول ‪ " :‬أريد إبراهيم "‪ ،‬فأسرع إبراهيم التيمي يقول ‪" :‬أنا إبراهيم "‪ .‬وسار مع الشرطي‬
‫للحجاج وهو يعلم أن المطلوب هو إبراهيم النخعى ‪ ،‬ولكن لم يرد أن يدل عليه‪ ،‬وجيء به للحجاج فأمر بحبسه بدون تهمة ‪،‬‬
‫يقول ابن سعد " ولم يكن لهم ظل من الشمس وال كن من البرد ‪ ،‬وكان كل اثنين في السلسلة فتغير إبراهيم فجاءته أمه في‬
‫‪ " .‬الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ‪ ،‬فمات في السجن‬
‫وأثرت تلك الحادثة على سلوك الفقيه الشاب إبراهيم ألنخعي فسيطر عليه الرعب من الحجاج ما بقي الحجاج حيا ‪ .‬وظل حينا‬
‫من الدهر مستخفيا في بيت صديقه أبي معشر تطارده وساوسه ومخاوفه من إرهاب الحجاج ‪ .‬وكان في لقاءاته السرية مع‬
‫أصحابه يستحل لعن الحجاج مستدال بقوله تعالي " أال لعنة هللا علي الظالمين " ويتشجع أحيانا فيسب الحجاج ‪ .‬وإذا كان يجلس‬
‫مع غرباء فإنه يأخذ جانب الحذر والتوجس مخافة أن يكون بينهم أعوان للحجاج ‪ ،‬وهو يتذكر وصية قالها له أحد أصدقائه ‪:‬‬
‫( تذهب إلي المسجد األعظم فيجلس إليكم العريف والشرطي ؟ ) ‪،‬ويكون إبراهيم ألنخعي أكثر حصافة فيقول لهم ‪ ( :‬نجلس في‬
‫المسجد فيجلس إلينا العريف والشرطي أحب من أن نعتزل فيرمينا الناس برأي بهوي ‪ .)..‬أي كان يخاف من االنزواء ‪ ،‬ويخاف‬
‫أيضا من إظهار آرائه ‪ ،‬لذلك كان يظهر امام الناس انتقاده للمرجئة ويقول لبعض الشيعة علي مسمع الجالسين ‪ ( :‬أما إن عليا‬
‫لو سمع كالمك ألوجع ظهرك ‪ ،‬وإذا كنتم تجالسوننا بهذا فال تجالسوننا ‪ .).‬ولم يتخلص إبراهيم النخعي من شبح الحجاج إال‬
‫عندما بشره صديقه حماد بموت الحجاج يقول حماد‪ ( :‬بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد ‪ ،‬وما كنت أري أن أحدا يبكي من‬
‫الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكى من الفرح ‪ .).‬ومات إبراهيم النخعي بعد موت الحجاج ببضعة أشهر ‪ ،‬وقد اضطر أصحابه إلي‬
‫‪ .‬دفنه ليال وهم خائفون‪ .‬ألن االرهاب األموى كان سياسة دولة يقوم به ( والى الصالة )‬
‫ـ وعدا هؤالء قتل الحجاج آالفا مؤلفة بمجرد الّظ ن ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وقال الحجاج ليزيد بن أبي مسلم‪ :‬كم قد قتلنا في ‪13‬‬
‫الظنة قال‪ :‬ثمانين ألًفا‪) .‬‬
‫ـ ويقول ابن الجوزى فى المنتظم ‪ ( ،‬وهو عراقى ) ‪ ( :‬وبقي الحجاج في إمرته على العراق تمام عشرين سنة وكان مقدًم ا ‪14‬‬
‫على القتل والظلم )‪ .. ( .‬ولما حضرته الوفاة استخلف على الصالة ابنه عبد هللا بن الحجاج‪ ،‬واستخلف على حرب الكوفة‬
‫والبصرة يزيد بن أبي كبشة‪ ،‬وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم‪ ،‬فأقرهما الوليد بعد موته ولم يغير أحدًا من عمال الحجاج‪).‬‬
‫ـ هذا عن الحجاج ‪ ،‬فماذا عن غريمه ( شبيب ) ؟ وماذا عن حروبهما ؟ ‪15‬‬

‫بين الحجاج وشبيب الخارجى ‪ :‬لمحة عن ( شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانى ) وزوجته غزالة ) ‪(2‬‬
‫ـ قيل إن أباه ( يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان ‪1‬‬
‫بن عفان إياه بذلك مدًد ا ألهل الشام إلى أرض الروم ‪ ،‬فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع ‪ ،‬فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء ال‬
‫شهالء وال زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين فابتاعها ‪ ،‬وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة ‪ .‬فلما أدخلها الكوفة قال‪" :‬‬
‫أسلمي " فأبت ‪ ،‬فضربها ‪ ،‬فلم تزدد إال عصياًن ا ‪ ،‬فأمر بها فأصلحت له ثم أدخلت عليه فلما تغشاها حملت ‪ ،‬فولدت له شبيًب ا في‬
‫ذي الحجة يوم النحر ‪ ،‬وكان يوم السبت ‪ ،‬وأسلمت قبل أن تلده )‪ .‬أى إشترك يزيد بن نعيم فى حملة فى غزو الروم فى خالفة‬
‫عثمان‪ ،‬ورجعوا بالسبى من النساء ‪ ،‬وعرضوا نساء السبى للبيع فى المزاد على العادة‪ .‬فرأى يزيد فتاة أعجبته فإشتراها ‪،‬‬
‫‪.‬وحملت بشبيب‬
‫وعاش شبيب مع قومه ربيعة الناقمين على قريش ‪ ،‬وسرعان ما أصبح أشهر قواد الخوارج فى العصر األموى‪ .‬تزّع م شبيب‬
‫‪ .‬فرقة الحرورية من الخوارج ‪ ،‬وهزم عشرين جيشا للحجاج وخمسة من قواده فى مدة سنتين فقط‬
‫ـ زوجته غزالة مولودة فى الموصل ‪ .‬وشاركت زوجها شبيب فى حروبه ضد األمويين‪ .‬كانت غزالة قد نذرت هلل جل وعال أن ‪2‬‬
‫تصلى فى مسجد الكوفة ‪ ،‬فصاحبت زوجها حين دخل الكوفة غازيا للمرة الثانية ‪ ،‬وكان مع غزالة مائتان من نساء الخوارج‬
‫مسلحات ‪ ،‬ووصلوا الى المسجد الجامع فقتلوا الحراس ومن يصلى فى المسجد ‪ ،‬وخطبت غزالة على المنبر‪ ،‬هذا بينما هرب‬
‫‪ .‬منها الحجاج متحصنا فى قصره‬
‫ـ سجل هذا الشعراء‪ ،‬ومنهم عمران بن حطان ( ت ‪ ) 84‬وهو من الخوارج الشراة ‪،‬من شيبان بن بكر بن وائل‪ .‬كان الحجاج ‪3‬‬
‫ربداء تجفل من صفير الصافر‬ ‫يطارد هذا الشاعر الخارجى ‪ ،‬فقال الشاعر يعّي ره ‪ :‬أسد علّى وفى الحروب نعامة‬
‫بل كان قلبك فى جناحى طائر‬ ‫هال برزت الى غزالة فى الوغى‬
‫تركت منابذه كأمس الدابر‬ ‫صدعت غزالة قلبه بفوارس‬
‫‪ .‬وصار قوله ( أسد علّى وفى الحروب نعامة ) مثال‬
‫ونعطى بعض التفصيل ‪ ،‬وفيها ال نهتم بتحركات القتال فى المعارك بين الحجاج وشبيب‪ .‬نختار فقط السطور التى جاءت فيها‬
‫‪ .‬إشارة للصالة والمسجد وما يتصل بجعل الصراع بينهما دينيا ؛ دين األمويين ودين الخوارج‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬الصالة والمسجد فى صراع الحجاج وشبيب‬
‫ـ ( دخل شبيب الكوفة ‪ ..... :‬وذلك أنه لما قتل صالح كان قتله يوم الثالثاء لثالث عشرة ليلة بقين من جمادى اآلخرة ‪ ،‬فقال ‪1‬‬
‫شبيب ألصحابه‪ :‬بايعوني أو بايعوا من شئتم فبايعوه ‪ ،‬فخرج فقتل من قدر عليه ‪ .‬وبعث الحجاج جنًد ا في طلبه فهزمهم فبعث‬
‫إليهم سورة بن األبجر فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ‪ ،‬ثم خرج فأتى النهروان ‪ ،‬فتوضأ هو وأصحابه‬
‫وصلوا ‪ ،‬وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا إلخوانهم وتبرأوا من علي وأصحابه ‪ ،‬وبكوا فأطالوا‬
‫البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ثم التقوا فهزموا سورة‪ . ) ..‬شبيب قتل ( من قدر عليه )‬
‫وقتل من ( ظهر له ) ثم ذهب يُحُّج وأصحابه الى النهروان حيث كانت معركة النهروان التى قتل فيها (على ) معظم الخارجين‬
‫‪. .‬عليه ‪ ،‬فتوضأ هو واصحابه وصُّلوا ‪ ،‬وبكوا علي أسالفهم قتلى النهروان واستغفروا لهم‬
‫ثم جاء شبيب حتى دخل الكوفة ومعه زوجته غزالة‪ ،‬وكانت نذرت أن تصلي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة‪2 : ( ...‬‬
‫وآل عمران‪ ،‬واتخذ في عسكره اخصاصًا‪ ،‬فجمع الحجاج ليًال بعد أن لقي من شبيب الناس ما لقوا فاستشارهم في أمر شبيب‪،‬‬
‫أن غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران فدخل بها شبيب ‪، ) (..‬فأطرقوا‬
‫أى هو تمام التحدى للحالج ‪ ،‬أن تصلى فى جامع الحجاج واألمويين فى الكوفة ( وهو رمز دينى لحكمه ‪. ).‬الكوفة فوفت بنذرها‬
‫!‪ ،) .‬وأن تقرأ فيهما سورتى البقرة وآل عمران ‪ .‬أى كانت تحفظ أطول سورتين فى القرآن‬
‫ذكر قدوم شبيب الكوفة وانهزامه عنها‪ ..:‬وجاء شبيب فعسكر بناحية الكوفة وأقام ثالثًا‪ ،‬فلم يكن في اليوم األول غير ‪3 : ( ..‬‬
‫قتل الحارث ‪ ،‬فلما كان اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك‪ ،‬وجاء شبيب فنزل السبخة وابتنى بها مسجدًا‬
‫وفى رواية أخرى ‪.. ( :‬ثم أقبل إلى الكوفة وبعث الحجاج إليه جيًش ا فهزمهم وجاء شبيب حتى ابتنى مسجًدا في أقصى ‪.. ).‬‬
‫‪ .‬السبخة ) فى خضم معاركه شبيب يبنى مسجدأ‬
‫وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه‪ ،‬فوثبوا في وجهه‪ ،‬وما زالوا يطاعنونه ويضاربونه قدما ويدفعونه وأصحابه حتى ‪4 : ( ..‬‬
‫أجازوهم مكانهم‪ ،‬وأمر شبيب أصحابه بالنزول‪ ،‬فنزل نصفهم‪ ،‬وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب ثم قال‪ " :‬يا أهل‬
‫الشام هذا أول الفتح "‪ ،‬وصعد المسجد ومعه جماعة معهم النبل ليرموهم إن دنوا منه‪ ،‬فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال رآه‬
‫الحجاج إستولى على ( مسجد شبيب ) وإعتبر هذا أول الفتح ألن المسجد مركزا حربيا ‪ ،‬وإعتلى المسجد ومعه فريق )‪...‬الناس‬
‫‪. .‬من الُّر ماة ليرموا جيش شبيب إن إقتربوا من المسجد الذى إبتناه شبيب‪ .‬المسجد هنا مركز حربى‬
‫فخرج الناس يلعنون عنبسة بن سعيد ألنه هو الذي كلم الحجاج فيه حتى جعله من صحابته‪ ،‬وصلى الحجاج من الغد ‪5 : ( ..‬‬
‫الحجاج يصلى الصبح ويجتمع اليه الناس فى المسجد‪ !.‬الصالة الشيطانية يؤدونها ــ كالعادة ـ فى ‪ ...) .‬الصبح واجتمع الناس‬
‫‪ .‬معاركهم ‪ .‬ألنها أحد طقوس دينهم الشيطانى‬
‫ـ عندما إقترب شبيب من جيش الحجاج فى األنبار لم ينس أن يصلى المغرب‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فخرج في أثره حتى نزل ‪6‬‬
‫األنبار‪ ،‬وكان الحجاج قد نادى عند انهزامهم‪ :‬من جاءنا منكم فهو آمن‪ .‬فتفرق عن شبيب ناس كثير من أصحابه‪ .‬فلما نزل‬
‫‪.‬حبيب األنبار أتاهم شبيب‪ ،‬فلما دنا منهم نزل فصلى المغرب ‪)..‬‬
‫ـ وفى رواية أخرى عن شبيب ‪ ( :‬فلما بلغ عتاب سوق حكمة أتاه شبيب‪ ،‬وكان أصحابه بالمدائن ألف رجل‪ ،‬فحثهم على ‪7‬‬
‫القتال‪ ،‬وسار بهم‪ ،‬فتخلف عنه بعضهم‪ ،‬ثم صلى الظهر بساباط وصلى العصر وسار حتى أشرف على عتاب وعسكره‪ ،‬فلما‬
‫رآهم نزل فصلى المغرب‪).. ،‬‬
‫التوقيت التوقيت بوقت الصلوات ‪8 :‬‬
‫وخرج الحجاج نحو الكوفة فبادره شبيب إليها ‪ ،‬فنزل الحجاج الكوفة صالة العصر ونزل شبيب السبخة صالة ‪8 / 1 : ( ..‬‬
‫التوقيت هنا بمواقيت الصالة ‪ :‬الحجاج يصل وقت صالة العصر فى الكوفة ‪ ،‬وشبيب يصل وقت صالة المغرب فى ) ‪.‬المغرب‬
‫‪.‬موضع آخر‬
‫) ‪..‬ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء اآلخرة حين أضاء القمر ‪8 / 2 : ( ..‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التكبير وإستعمال لفظ الجاللة‬
‫ـ (ثم إن خالد بن عتاب قال للحجاج‪ :‬ائذن لي في قتالهم فإني موتور‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فخرج ومعه جماعة من أهل الكوفة وقصد ‪1‬‬
‫عسكرهم من ورائهم فقتل مصادًا أخا شبيب وقتل إمرأته غزالة وحرق في عسكره‪ .‬وأتى الخبر الحجاج وشبيبًا‪ ،‬فكبر الحجاج‬
‫وأصحابه‪ ،‬وأما شبيب فركب هو وأصحابه‪ ،‬وقال الحجاج ألهل الشام‪ :‬احملوا عليهم فإنهم قد أتاهم ما أرعبهم‪ .‬فشدوا عليهم‬
‫فهزموهم‪ ،‬وتخلف شبيب في حامية الناس‪ .‬فبعث الحجاج إلى خيله‪ :‬أن دعوه‪ ،‬فتركوه ورجعوا‪ ،‬ودخل الحجاج إلى الكوفة فصعد‬
‫المنبر ثم قال‪ :‬وهللا ما قوتل شبيب قبلها‪ ،‬ولى وهللا هاربًا وترك امرأته يكسر في استها القصب‪ .).‬خالد بن عتاب قتل أخ شبيب‬
‫وقتل غزالة فى هذه المعركة ‪ .‬وعندما عرف الحجاج صاح وأصحابه ‪ ( :‬هللا أكبر )‪ .‬ثم دخل الحجاج الكوفة وصعد منبر المسجد‬
‫فيها وقال كلمة بذيئة فى حق غزالة (‪..‬وترك امرأته يكسر في استها القصب‪ . ) !.‬نسى الحجاج أنه هرب منها متحصنا‬
‫!‪.‬بقصره‬
‫ـ وعندما جاء الخبر بغرق شبيب فى نهر دجيل صاح سفيان قائد جيش الحجاج بالتكبير هو وجنوده ‪ ( :‬وكان أهل الشام ‪2‬‬
‫يريدون االنصراف‪ ،‬فاتاهم صاحب الجسر فقال لسفيان‪ :‬إن رجًال منهم وقع في الماء‪ ،‬فنادوا بينهم‪ :‬غرق أمير المؤمنين! ثم‬
‫إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد‪ ،‬فكّب ر سفيان وكّب ر أصحابه‪) ،‬‬
‫ـ ( ثم دعا حبيب بن عبد الرحمن الحكمي فبعثه في ثالثة آالف فارس من أهل الشام في أثر شبيب‪ ،‬وقال له‪" :‬احذر بياته ‪3‬‬
‫وحيث لقيته فانزل له‪ ،‬فإن هللا تعالى قد فل حده وقصم نابه"‪ .)...‬الحجاج ينسب إنتصاره على شبيب الى رب العزة جل وعال‬
‫‪ .‬بقوله ‪ ( :‬فإن هللا تعالى قد فل حده وقصم نابه )‬
‫ـ ( ‪ ..‬وحمل شبيب على خالد بن عتاب ومن معه وهو على ميسرة الحجاج فبلغ بهم الرحبة‪ ،‬وحمل على مطر بن ناجية ‪4‬‬
‫وهو على ميمنة الحجاج فكشفه‪ ،‬فنزل عند ذلك الحجاج ونزل أصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد‪ ،‬فإنهم على‬
‫ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب وقال‪ :‬ما تقول في صالح‪ .‬فقال له مصقلة‪ :‬برئ هللا منك‪ ،‬وفارقه إال أربعين‬
‫فارسًا‪ .‬فقال الحجاج‪ :‬قد اختلفوا‪ . )،‬مصقلة الضبى من أتباع شبيب ‪ ،‬وإختلف معه فقال لشبيب ‪ ( :‬برىء هللا منك ) ‪ .‬أى طالما‬
‫!‪.‬تبرأ من شبيب فقد تبرأ هللا من شبيب‬
‫ــ ( فاقتتلوا قتااًل شديًد ا ‪ ،‬ثم حمل شبيب بجميع أصحابه ‪ ،‬ونادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون ‪5‬‬
‫ويضربون ‪ ،‬فنادى شبيب‪ " :‬يا أولياء هللا فى األرض " ‪ ،‬ثم نزل وأمر أصحابه فنزل بعضهم ‪ . ) ..‬شبيب يجعل أصحابه‬
‫‪ (.‬اولياء هللا )‬
‫‪ 6‬ـ (‪ ..‬وبلغ شبيب أن عبد الرحمن باألنبار ‪ ،‬فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء ألنهم قد احترزوا ‪ ،‬وجرت مقتلة‬
‫وسقطت أيد وفقئت أعين ‪ ،‬فقتل من أصحاب شبيب نحو من ثالثين ‪ ،‬ومن اآلخرين نحو من مائة ‪ .‬فمّل الفريقان بعضهم بعًض ا‬
‫من طول القتال ‪ ،‬ثم انصرف عنهم شبيب وهو يقول ألصحابه‪ " :‬ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا ‪ ،‬وما أيسر هذا‬
‫‪.‬في جانب ثواب هللا عز وجل‪ ) !".‬شبيب يرى أن قتله الناس وقتاله الناس من أجل ثواب هللا جل وعال‬
‫ـ ( وقام إليه زهرة بن حوية‪ ،‬وهو شيخ كبير ال يستتم قائمًا حتى يؤخذ بيده‪ ،‬فقال له‪ :‬أصلح هللا األمير أنك إنما تبعث إليهم ‪7‬‬
‫الناس منقطعين‪ ،‬فاستنفر الناس إليهم كافة وابعث إليهم رجًال شجاعًا مجربًا ممن يرى الفرار هضمًا وعارًا‪ ،‬والصبر مجدًا‬
‫وكرمًا‪ .‬فقال الحجاج‪ :‬فأنت ذلك الرجل فاخرج‪ .‬فقال زهرة‪ :‬أصلح هللا األمير‪ ،‬إنما يصلح الرجل يحمل الدرع والرمح ويهز‬
‫السيف ويثبت على متن الفرس‪ ،‬وأنا ال أطيق من هذا شيئًا‪ ،‬وقد ضعف بصري وضعفت‪ ،‬ولكن أخرجني مع األمير في الناس‬
‫فأكون معه وأشير عليه برأيي‪ .‬فقال الحجاج‪ :‬جزاك هللا خيرًا عن اإلسالم وأهله في أول أمرك وآخره‪ ،‬فقد نصحت‪ .) .. .‬رجل‬
‫!!‪. ".‬نصح الحجاج فقال له الحجاج ‪ " :‬جزاك هللا خيرًا عن اإلسالم وأهله‬
‫ـ عن شبيب ووصوله الى قصر الحجاج ( ثم دخل الكوفة وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ثم خرج من الكوفة ‪ ،‬فنادى ‪8‬‬
‫‪. .‬الحجاج وهو فوق القصر‪ :‬يا خيل هللا اركبي‪ .) .‬الحجاج يجعل خيوله ( خيل هللا )‪ !!.‬تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬دين شبيب ضد دين الحجاج‬
‫يتشاركان فى الصالة الشيطانية ‪ ،‬وفى القتال ‪ ،‬وفى التكبير ‪ ،‬وكالهما يزعم أن هللا جل وعال فى جانبه‪ .‬يتشاركان فى عبادة‬
‫الشيطان الذى أضّل هم وجعلهم يحسبون أنهم مهتدين ‪ ،‬وهما دينان مختلفان متصارعان ‪ ،‬ولكن تأديتهما الصالة شكال تجعل كال‬
‫‪ :‬منهم يعتقد أنه على الحق‪ .‬ونعطى أمثلة‬
‫ـ ( شبيب ) كان لقبه ( امير المؤمنين ) وكان يطلب من الناس أن يبايعوه ‪ ،‬وإال قتلهم ‪ .‬وعندما قتل القائد األموى عّت اب منع ‪1‬‬
‫قتل األسرى حتى يبايعوه خليفة ‪ ،‬فبايعوه خوف القتل ثم هربوا منه ليال‪.‬تقول الرواية ‪...( :‬وتمكن شبيب من العسكر وحوى ما‬
‫فيه فقال‪ " :‬ارفعوا عنهم السيف" ثم دعا إلى البيعة ‪ ،‬فبايعه الناس من ساعتهم ‪ ،‬وهربوا تحت الليل‪) .‬‬
‫ـ وصيغة البيعة له هى شهادة‪ ( :‬الحكم إال هللا ) ‪ .‬تقول الرواية ‪ ..( :‬فرجع إليه ثمانية نفر فقاتلوه حتى بلغوا به الرحبة‪2 ،‬‬
‫وأتي شبيب بخوط بن عمير السدوسي فقال‪ :‬يا خوط ال حكم إال هللا‪ .‬فقال‪ :‬إن خوطًا من أصحابكم ولكنه كان يخاف‪ ،‬فأطلقه؛‬
‫وأتي بعمير بن القعقاع فقال‪ :‬يا عمير ال حكم إال هللا‪ .‬فقال‪ :‬في سبيل هللا شبابي‪ ،‬فردد عليه شبيب‪ :‬ال حكم إال هللا‪ ،‬فلم يفقه ما‬
‫!‪.‬يريد‪ ،‬فقتله‪ .).‬شبيب يعرض دينه على عمير ( ال حكم إال هلل ) ينتظر منه أن يردد نفس الشهادة بعده ‪ .‬لم يفعل فقتله‬
‫ـ وكان الخوارج يقاتلون أهلهم الذين هم على دين األمويين ‪ ،‬يعتبرونهم كفارا‪ .‬وبعض أتباع شبيب من قبيلة (تيم ) وقد رأوا ‪3‬‬
‫منه تهاونا فى قتال عشيرته الشيبانيين مع انهم يقتلون ويقتلون عشائرهم من بنى (تيم ) ‪ ،‬فهجموا على عشيرة شبيب‬
‫يقتلونهم بدون إذن شبيب ‪ ،‬فقال شبيب لقائدهم ‪ ( :‬ما حملك على قتلهم بغير أمري؟ فال‪ :‬له‪ :‬قتلت كفار قومي فقتلت كفار‬
‫قومك‪ ،‬ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا‪ ،‬وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك‪ ،‬وما يحل لك يا أمير المؤمنين‬
‫أن تجد على قتل الكافرين‪ .‬قال‪ :‬ال أجد )‪ ( .‬تجد ) من الوجد ‪ ،‬وهو التعاطف ‪ .‬يتهمه بالتعاطف حزنا على قتل قومه ‪ ،‬وشبيب‬
‫‪.‬ينفى هذا‬
‫ـ شبيب يحزن أن بعض قومه من ربيعة فى جيش الحجاج وهو يراهم كفارا ‪،‬ويعلن شعار دينه ‪ .. ( :‬ومضى هو في مائتين ‪4‬‬
‫إلى الميمنة بين المغرب والعشاء اآلخرة حين أضاء القمر‪ ،‬فناداهم‪ :‬لمن هذه الرايات؟ فقالوا‪ :‬رايات لربيعة‪ .‬قال‪ :‬طالما نصرت‬
‫الحق وطالما نصرت الباطل‪ ،‬وهللا ألجاهدنكم محتبسًا‪ ،‬أنا شبيب‪ ،‬ال حكم إال هللا‪ ،‬للحكم‪ ،‬اثبتوا إن شئتم! ثم حمل عليهم‬
‫ففضهم‪ ) ،‬وحزن على قائدهم القتيل ‪ .. ( :‬ثم وقف عليه وقال‪ :‬ويحك لو ثبت على إسالمك األول سعدت! )‬
‫ـ وقبيل قتل ( عّت اب ) القائد للجيش األموى قال له صاحبه زهرة بن حوية ‪( :‬أحسنت يا عتاب‪ ،‬فعلت فعًال ال يفعله مثلك‪5 .‬‬
‫‪.‬أبشر‪ ،‬فإني أرجو أن يكون هللا‪ ،‬جل ثناؤه‪ ،‬قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا ‪ )..‬يعتبر مقتله شهادة عند هللا جل وعال‬
‫ـ وبعد مقتل زهير بن حوية وقف عليه شبيب حزينا ‪ .. ( :‬فانتهى إليه شبيب فرآه صريعًا فعرفه فقال‪ :‬هذا زهرة بن حوية‪6 ،‬‬
‫أما وهللا لئن كنت قتلت على ضاللة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بالؤك وعظم فيه غناؤك! ولرب خيل للمشركين‬
‫هزمتها وقرية من قراهم جم أهلها قد افتتحتها! ثم كان في علم هللا أنك تقتل ناصرًا للظالمين‪ .‬وتوجع له‪ .‬فقال له رجل من‬
‫أصحابه‪ :‬إنك لتتوجع لرجل كافر‪ .‬فقال إنك لست أعرف بضاللتهم مني‪ ،‬ولكني أعرف من قديم أمرهم ما ال تعرف‪ ،‬ما لو ثبتوا‬
‫عليه لكانوا إخواننا )‪ .‬شبيب يتحسر على صديقه زهير أنه مات كافرا بدين الخوارج ‪ ،‬مات على دين األمويين مناصرا‬
‫‪.‬للظالمين‬
‫ـ بلغ األمويين الذروة فى الظلم ‪ ،‬وظلمهم جعل كثيرين يعتنقون دين الخوارج‪ .‬بل جعل مطرف بن المغيرة بن شعبة ينضم ‪7‬‬
‫للخوارج‪ .‬أبوه المغيرة بن شعبة من أبرز قواد معاوية ‪ ،‬وهو من ثقيف الُم ضرية ‪ ،‬والى ثقيف ينتمى الحجاج بن يوسف (الثقفى‬
‫)‪ ،‬لذا إهتم الحجاج بأبناء المغيرة فجعل عروة بن المغيرة واليا على الكوفة وجعل مطرف بن المغيرة واليا على المدائن ‪ ،‬وولى‬
‫حمزة بن المغيرة على همدان‪ .‬ومع هذا إنضم مطرف بن المغيرة الى شبيب خارجا على الحجاج‪ .‬وكان هذا عام ‪ .75‬تقول‬
‫الرواية ‪( :‬في هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع عبد الملك بن مروان ولحق بالجبل فقتل‪.)...‬‬
‫الذى يعنينا هنا أنه كان خروجا على ( دين األمويين ) أى كان إقتناعا بدين الخوارج‪ .‬نفهم هذا حين إقترب شبيب من المدائن‬
‫التى يحكمها مطرف ‪ ،‬وقبيل الحرب بعث مطرف الى شبيب يطلب منه وفدا من عنده يدارسهم القرآن ‪ ،‬تقول الرواية ‪.. ( :‬‬
‫وبعث إلى شبيب‪ " :‬ابعث رجااًل من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه‪ ... "..‬وبعثوا إليه رجااًل ‪)..‬‬
‫وترددوا اليه فإقتنع ( ‪ ..‬وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج‪ ...‬فخرج وجمع رؤوس أصحابه‬
‫وقال لهم‪ " :‬إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء فإني ال أحب أن‬
‫‪.‬يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور‪.). ".‬وبعث الحجاج بجيش هزمه وقتله‬
‫وكان إحراجا للحجاج أن يخرج عليه أحد قواده وهو أيضا من أعيان قومه ثقيف وأبن للمغيرة بن أبى شعبه الذى مات على دين‬
‫معاوية ‪ .‬لذا كان الحجاج يقول ‪ ( :‬إن مطرفًا ليس بولد للمغيرة بن شعبة إنما هو ولد مصقلة بن سبرة الشيباني‪ ،‬وكان مصقلة‬
‫والمغيرة يدعيانه‪ ) ..‬يقول صاحب الرواية معلقا ‪ ( :‬قال الحجاج ذلك ألن كثيرًا من ربيعة كانوا من الخوارج ولم يكن منهم أحد‬
‫‪ .‬من قيس عيالن ‪ .) .‬أى نسب مطرفا الى رجل من شيبان قوم شبيب وليس الى المغيرة بن أبى شعبة‬
‫والواقع أن الصحابى ( الجليل ) المغيرة بن أبى شعبة كان زانيا محترفا مدمنا على الزنا مع كثرة نسائه وجواريه ‪ .‬وقد عزله‬
‫عمر بن الخطاب بسبب إتهامه بالزنا‪ .‬والحجاج يعتمد على الثقافة العربية المتوارثة ‪ .‬إذ كان متعارفا عليه أن العاهرة حين تلد‬
‫طفال تنسبه الى من تشاء من عشاقها‪ .‬وهذا ما حدث مع الصحابى ( الجليل ) عمرو بن العاص ‪ ،‬إذ كانت أمه من البغايا‬
‫العاهرات إسمها ( النابغة ) وحين ولدت (عمرا ) تنازعه كثيرون فإختارت أن تنسبه الى العاص من بينهم‪ .‬وحافظ المغيرة‬
‫‪.‬وعمرو بن العاص ومعاوية وغيرهم على الصالة الشيطانية‬

‫الفصل الثالث عشر ‪ :‬والة الصالة الشيطانية فى مصر ( األموية )‬


‫أوال ‪ :‬لمحة عن والة الصالة فى العصر األموى‬
‫من الروايات التاريخية نعرف أن الوالى األهم فى الواليات هو ( والى الصالة ) وقد يكون هو أيضا والى الخراج الذى يجمع‬
‫المال ‪ ،‬وقد يكون هو القائد للجيش‪ .‬بما يؤكد أهمية الصالة ( الشيطانية ) فى دين قريش ‪ ،‬فالصالة هى وسيلتهم للحصول على‬
‫‪ :‬المال إالههم األعظم ‪ .‬ونعطى أمثلة مما قاله المقريزى فى ( الخطط ) عن والة مصر ‪ ،‬يقول‬
‫ـ ( قيس بن سعد بن عبادة األنصاري‪ :‬واله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه لما بلغه مصاب ابن أبي حذيفة ‪1‬‬
‫‪.‬وجمع له الخراج والصالة ‪ ،‬فدخل مصر مستهل ربيع األول سنة سبع وثالثين )‪ .‬جمع له الخراج والصالة‬
‫ـ ( ‪ ..‬ثم وليها‪ :‬محمد بن أبي بكر الصديق من قبل علي رضي هللا عنه وجمع له صالتها وخراجها فدخلها للنصف من ‪.2‬‬
‫‪.‬رمضان سنة سبع وثالثين ) جمع له الخراج والصالة‬
‫ـ ( ثم وليها‪ :‬عمرو بن العاص‪ :‬واليته الثانية من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنه فاستقبل بواليته شهر ربيع األول ‪3‬‬
‫سنة ثمان وثالثين ‪ ،‬وجعل إليه الصالة والخراج جميًع ا وجعلت مصر له طعمة بعد عطاء جندها والنفقة في مصلحتها ) ‪( :‬وجعل‬
‫إليه الصالة والخراج جميًع ا )‪ .‬ويقول المقريزى عن نهاية عمرو بن العاص ‪ ( :‬وتوفي ليلة الفطر فغسله عبد هللا بن عمرو ‪،‬‬
‫وأخرجه إلى المصلى ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬فلم يبق أحد شهد العيد إال صلى عليه‪ ،‬ثم صلى بالناس صالة العيد‪ .‬وكان أبوه‬
‫استخلفه ‪ .‬وخّلف عمرو ابن العاص سبعين بهاًر ا دنانير والبهار‪ :‬جلد ثور ومبلغه أردبان بالمصري ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة‬
‫أخرجه وقال‪ " :‬من يأخذه بما فيه " ‪ ،‬فأبى ولده أخذه‪ ،‬وقاال‪ " :‬حتى ترد إلى كل ذي حق حقه‪... " .‬فبلغ معاوية فقال‪ :‬نحن‬
‫‪ .‬نأخذه بما فيه‪ .).‬هنا يتردد الصالة على عمرو صالة الجنازة ‪ ،‬مع ذكر ما سرقه عمرو من المصريين‬
‫ـ ( ثم وليها‪ :‬عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية بن أبي سفيان على صالتها فقدم في ذي القعدة سنة ثالث وأربعين ) ‪4‬‬
‫‪.‬يقول ‪ ( :‬على صالتها )‬
‫ـ ( ثم وليها‪ :‬عقبة بن عامر بن عبس الجهني من قبل معاوية وجعل له صالتها وخراجها ) ‪ :‬يقول ‪( :‬وجعل له صالتها ‪5‬‬
‫‪.‬وخراجها )‬
‫ـ ( وكان صرفه ( أى عزله ) فولى مسلمة بن مخلد بن صامت بن نيار األنصاري من قبل معاوية وجمع له الصالة والخراج ‪6‬‬
‫‪.‬والغزو )‪ .‬يقول ‪ ( :‬وجمع له الصالة والخراج والغزو )‬
‫ـ ( ‪ ..‬وجعل مروان صالة مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو األصبغ ولي من قبل أبيه لهالل رجب سنة ‪7‬‬
‫خمس وستين على الصالة والخراج ) ‪ ،‬أى إن مروان بن الحكم ولى إبنه عبد العزيز ( صالة مصر ) أى جعله الوالى األساس ‪،‬‬
‫‪.‬وجمع له ( الصالة والخراج )‪ .‬وهو الذى أنشأ حى ( حلوان ) وبنى فيه مسجدا ‪ ،‬فهو ( والى الصالة )‬
‫ـ ( ولي‪ :‬عبد هللا بن عبد الملك بن مروان من قبل أبيه على صالتها وخراجها فدخل يوم االثنين إلحدى عشرة خلت من ‪8‬‬
‫جمادى اآلخرة سنة ست وثمانين وهو ابن تسع وعشرين سنة )‪ ،‬وّلى عبد الملك ابنه عبد هللا ( الصالة ) فى مصر وخراجها‬
‫‪.‬أيضا‬
‫ـ ( فولي‪ :‬قرة بن شريك بن مرثد بن الحرث العبسي للوليد بن عبد الملك على صالة مصر وخراجها فقدمها يوم االثنين لثالث ‪9‬‬
‫‪.‬عشرة خلت من ربيع األول سنة تسعين )‪.‬يقول‪(:‬على صالة مصر وخراجها)‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي‪ :‬من قبل الوليد بن عبد الملك على صالتها وتوفي الوليد ‪10‬‬
‫‪.‬واستخلف سليمان بن عبد الملك فأقر ابن رفاعة) ‪ .‬يقول ‪( :‬على صالتها )‬
‫ـ ( ‪ ..‬ثم ولي‪ :‬أيوب بن شرحبيل بن أكسوم بن أبرهة بن الصباح من قبل عمر بن عبد العزيز على صالتها في ربيع األول ‪11‬‬
‫‪.‬سنة تسع وتسعين ‪ . ) .‬يقول ‪ (:‬على صالتها)‬
‫ـ ( وتوفي عمر بن عبد العزيز واستخلف يزيد بن عبد الملك فأقر أيوب على الصالة ‪ .).‬يقول ‪ ( :‬على الصالة ) ـ ‪12‬‬
‫ـ ( وولي‪ :‬محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم من قبل أخيه هشام بن عبد الملك على الصالة فدخل مصر إلحدى عشرة ‪13‬‬
‫‪.‬خلت من شوال سنة خمس ومائة ) ‪ .‬يقول ‪ ( :‬على الصالة)‬
‫ـ ( فولي‪ :‬الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم من قبل هشام بن عبد الملك على صالتها ‪ ،‬فدخل لثالث خلون من ذي الحجة ‪14‬‬
‫‪.‬سنة خمس ومائة ) ‪ .‬يقول ‪ ( :‬على صالتها )‬
‫ـ ( ولي‪ :‬عبد الملك بن رفاعة ثانًي ا على الصالة ‪ ،‬فقدم من الشام علياًل لثنتي عشرة بقيت من المحرم سنة تسع ومائة ‪15 . ) .‬‬
‫‪ .‬يقول ‪ ( :‬على الصالة )‬
‫ـ ( ثم ولي أخوه‪ :‬الوليد بن رفاعة باستخالف أخيه فأقره هشام بن عبد الملك على الصالة )‪ .‬يقول ‪ ( :‬على الصالة) ‪16‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أبو الوليد من قبل هشام بن عبد الملك على صالتها ) ‪ .‬يقول ‪ ( :‬على ‪17‬‬
‫‪.‬صالتها )‬
‫ـ ( ولي حفص بن الوليد الحضرمي ثانًي ا باستخالف حنظلة له على صالتها ‪ ،‬فأقره هشام بن عبد الملك إلى ليلة الجمعة ‪18‬‬
‫لثالث عشرة خلت من شعبان سنة أربع وعشرين فجمع له الصالة والخراج جميًع ا واستسقى بالناس وخطب ودعا ثم صلى‬
‫بهم ‪ ،‬ومات هشام بن عبد الملك واستخلف من بعده‪ :‬الوليد بن يزيد فأقر حفًص ا على الصالة والخراج ثم صرف عن الخراج‬
‫بعيسى بن أبي عطاء لسبع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائة وانفرد بالصالة ) ‪ .‬يقول ‪( :‬على صالتها ) ‪ (،‬فجمع له‬
‫‪.‬الصالة والخراج جميعا ) (وخطب ودعا ثم صلى بهم ) (فأقر حفًص ا على الصالة والخراج )( وانفرد بالصالة )‬
‫ـ ( ثم قدم حسان لثنتي عشرة خلت من جمادى اآلخرة سنة سبع وعشرين ومائة على الصالة ‪ ،‬وعيسى بن أبي عطاء على ‪19‬‬
‫‪.‬الخراج ‪ . ) .‬يقول ‪ ( :‬على الصالة )‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬المغيرة بن عبيد هللا بن المغيرة الفزاري على الصالة من قبل مروان فقدم لست بقين من رجب سنة إحدى ‪20‬‬
‫وثالثين ) ‪ .‬يقول ‪ ( :‬على الصالة )‬
‫ـ ( وولى‪ :‬عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير من قبل مروان على الصالة والخراج وكان والًي ا على الخراج قبل أن ‪21‬‬
‫يولي الصالة في جمادى اآلخرة سنة اثنتين وثالثين ومائة) ‪ .‬يقول ‪( :‬على الصالة والخراج وكان والًي ا على الخراج قبل أن‬
‫‪ .‬يولي الصالة )‬
‫ثانيا ‪ :‬لمحة عن تطرف األمويين فى إستنزاف المصريين وفى قتلهم‬
‫ـ الخليفة الفاسق عثمان بن عفان ( األموى ) كان فاسدا جشعا ‪ ،‬لم يعجبه المقدار الذى كان يجبيه عمرو بن العاص من ‪1‬‬
‫المصريين ‪ ،‬فعزله وولى مكانه أخاه من الرضاعة عبد هللا بن أبى السرح ‪ ،‬وكان ابن أبى السرح من المرتدين سابقا‪ .‬يقول‬
‫المقريزى فى ( الخطط ) ‪ ( :‬وتوفي عمر ‪..‬في ذي الحجة سنة ثالث وعشرين وبويع أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ..‬فوفد‬
‫عليه عمرو وسأله عزل عبد هللا بن سعد بن أبي سرح عن صعيد مصر ‪ ،‬وكان عمر واله الصعيد ‪ ،‬فامتنع من ذلك عثمان ‪،‬‬
‫وعقد لعبد هللا بن سعد على مصر كلها فكانت والية عمرو على مصر‪ :‬صالتها وخراجها منذ افتتحها إلى أن صرف عنها أربع )‬
‫( ثم جمع لعبد هللا بن سعد أمير مصر صالتها وخراجها ومكث أميًر ا مدة والية عثمان )‪ .‬ويذكر الواقدى أن ابن أبى السرح‬
‫الذى كان واليا على الصعيد قد إشتكى الى عثمان يتهم عمرو بن العاص بأنه ( كسر الخراج ) أى لم يقم بالواجب فى تحميل‬
‫المصريين أكبر قدر من السلب والنهب ( الخراج ) فما كان من عثمان إال أن عزل عمرو بن العاص عن الخراج ‪ ،‬تقول‬
‫الرواية ‪ ( :‬كتب عبد هللا بن سعد الى عثمان إن عمرا كسر الخراج ‪ ..‬فعزل عمرا ‪ ،‬وأضاف الخراج إلى ابن أبي سرح ‪) ..‬‬
‫( وكان عمرو بن العاص على مصر لعثمان ‪ ،‬فعزله عن الخراج وأقره على الصالة والجند ‪ .‬واستعمل عبد هللا بن أبي‬
‫سرح على الخراج ‪ . ) ...‬وأسرف ابن سعد فى تحصيل الجباية من الخراج والجزية بالظلم والعسف ‪ ،‬وإفتخر عثمان بهذا فى‬
‫‪.‬لوم لعمرو بن العاص‬
‫ـ خالل حكم بنى مروان بن الحكم تطرف والة ( الصالة ) فى العسف بالمصريين ‪ ،‬وظهر هذا التطرف بإقتران السلب والنهب ‪2‬‬
‫بالقتل والتعذيب وقطع األطراف واإلذالل ‪ ،‬وأرهاب المصريين بتعذيب وإذالل رهبانهم وبطركهم وقياداتهم الدينية ‪ ،‬وهم الذين‬
‫ساعدوا العرب من قبل فى فتح بالدهم وهزيمة الروم‪ .‬وننقل فقرات مما ذكره المقريزى وهو يؤرخ لبطاركة مصر بعد الفتح‬
‫العربى ‪ .‬وهى ناحية مجهولة فى تاريخ المصريين فى العصر األموى ‪ ،‬والمقريزى ــ اشهر مؤرخ لمصر فى العصور الوسطى‬
‫كان متعصبا ضد النصارى ‪ ،‬ولكنه نقل بعض ما سجله المؤرخون السابقون من سطور األهوال التى القاها المصريون من والة‬
‫‪ ( .‬الصالة الشيطانية ) فى مصر األموية‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬نماذج من جرائم والة الصالة الشيطانية فى مصر األموية‬
‫ـ يقول المقريزى فى الخطط عن البطرك االسكندروس الذى استمر فى منصبه حوالى ربع قرن‪ (:‬ومات سنة ست ومائة ‪1 .‬‬
‫ومّر ت به شدائد صودر فيها مّر تين‪ ،‬أخذ منهفيهما ستة آالف دينار‪ ،‬وفي أيامه أّم ر عبد العزيز بن مروان فأمر بإحصاء الرهبان‬
‫‪ .‬فأحصوا‪ ،‬وأخذت منهم الجزية عن كّل راهب دينار‪ ).‬هنا مصادرة للبطرك ( البابا )‪ ،‬وفرض للجزية على الرهبان‬
‫وتعصب المقريزى يظهر فى قوله عن(المصريين)‪ (:‬النصارى‪،‬القبط ‪،‬األقباط ) إذ لم يكونوا قد دخلوا فى االسالم بعد‪ ،‬يقول ‪2 (:‬‬
‫ولما ولي مصر عبد هللا بن عبد الملك بن مروان اشتّد على النصارى‪ ..‬واقتدى به قّر ة بن شريك أيًض ا في واليته على مصر‪،‬‬
‫وأنزل بالنصارى شدائد لم يبتلوا قبلها بمثلها‪ .).‬هنا عبارة رهيبة لم يقم المقريزى بشرحها وتفصيلها ‪ ،‬ولنا أن نتخيلها فى‬
‫ضوء االضطهاد الذى عاناه المصريون فى عهد كراكال ودقلديانوس ‪ ،‬أى باعتراف المقريزى تفسه فإّن عبد هللا إبن الخليفة عبد‬
‫‪.!!.‬الملك بن مروان حين ولى مصر أنزل بأهلها شدائد لم يبتلوا بها من قبل حتى فى عهد فرعون موسى‬
‫ـ ثم يورد المقريزى بعض التفصيالت ‪ ،‬فيقول ( وكان عبد هّللا بن الحبحاب متولي الخراج قد زاد على القبط قيراًط ا في كّل ‪3‬‬
‫دينار فانتقض عليه عاّم ة الحوف الشرقّي من القبط فحاربهم المسلمون وقتلوا منْه م عّد ة وافرة في سنة سبع ومائة‪.).‬أى إن‬
‫والى الخراج هو الذى زاد الخراج أى الضرائب ـ وهو غير الجزية ـ فثار المصريون فيما يعرف اآلن بمحافظة الشرقية أو‬
‫‪ .‬الحوف الشرقى ‪ ،‬فأخمد األمويون ثروتهم وقتلوا منهم (عّد ة وافرة ) عام ‪ 107‬هجرية‬
‫ـ ( واشتّد أيًض ا أسامة بن زيد التنوخّي ‪..‬على النصارى ( أى المصريين )‪ ،‬وأوقع بهم ‪ ،‬وأخذ أموالهم ‪ ،‬ووسم أيدي الرهبان ‪4‬‬
‫بحلقة حديد فيها اسم الراهب واسم ديره وتاريخه‪ ،‬فكل من وجده بغير وسم قطع يده‪ .‬وكتب إلى األعمال بأن من وجد من‬
‫النصارى وليس معه منشور أن يؤخذ منه عشرة دنانير ‪ .‬ثم كبس الديارات( أى األديرة ) وقبض على عّد ة من الرهبان بغير‬
‫وسم فضرب أعناق بعضهم وضرب باقيهم حتى ماتوا تحت الضرب ‪ .‬ثم هدمت الكنائس وكسرت الصلبان ومحيت التماثيل‬
‫وكسرت األصنام بأجمعها‪ ،‬وكانت كثيرة ‪ ،‬في سنة أربع ومائة ‪ ،‬والخليفة يومئٍذ يزيد بن عبد الملك)‪ .‬وألّن مهمة متوّلى الخراج‬
‫هى سلب أموال المصريين بما يمأل خزائن األمويين ويشبع نهمهم للمال الّس حت فقد أعطى والى الصالة الشيطانية متولى‬
‫خراج مصر سلطة مطلقة عسكرية وقضائية وسياسية ؛ فهو الذى يقّد ر الضرائب ‪ ،‬وهو الذى يقوم بجمعها ‪ ،‬وهو الذى يعاقب‬
‫ــ بما شاء من عقوبة ـ المصرى الذى يعجز عن دفع المطلوب منه ‪ ،‬أى له مطلق الحرية فى توقيع أقصى العقوبة بال رادع ‪،‬‬
‫ومعه الجيش العربى يقتل به الفالحين المصرين العاجزين عن دفع الضرائب ‪ .‬وواضح أن هذا الموظف السادى( أسامة بن زيد‬
‫التنوخّي متولي الخراج ) قد أستغّل سلطته فى معاقبة الرهبان المساكين وإذاللهم بوسمهم بأن يفرض علي كل منهم وضع حلقة‬
‫حديدية فى يده مدّو ن فيها إسمه ومحل إقامته ‪ ،‬ويقطع يد من يضبط منهم بدون هذه الحلقة‪ .‬ثم كان يغير على األديرة يمارس‬
‫ساديته ‪ ،‬فيعتقل من يشاء من الرهبان ‪ ،‬ومن يجده منهم ال يضع فى يده تلك الحلقة الحديدية يضرب عنقه أو يقتله تحت العذاب‬
‫‪ .‬ثم يهدم الكنائس ويكسر الصلبان والتماثيل ‪ ،‬ويحظر تنقل المصريين فى بالدهم ‪ ،‬فمن يسافر منهم بغير تصريح يدفع غرامة‬
‫‪ .‬قدرها عشرة دنانير‬
‫ـ ورسم الخليفة هشام بن عبد الملك بإزالة بعض الظلم ‪ ،‬ولكن لم ينّف ذها الوالى حنظلة بن صفوان الذى بالغ فى الضرائب ‪5‬‬
‫وقام بإحصاء المصريين وبهائمهم إحتقارا لهم ‪ ،‬بل ووسم المصريين كما فعل الوالى السابق بالرهبان ‪ ،‬وعوقب من ال يحمل‬
‫الوسم فى يده بقطع يده ‪ .‬يقول المقريزى ‪ (:‬فلما قام هشام بن عبد الملك في الخالفة كتب إلى مصر بأن يجري النصارى على‬
‫عوايدهم وما بأيديهم من العهد‪ ،‬فقدم حنظلة بن صفوان أميًر ا على مصر في واليته الثانية فتشّد د على النصارى وزاد في‬
‫‪. ،‬الخراج وأحصى الناس والبهائم وجعل على كّل نصرانّي وسًم ا صورة أسد ‪ ،‬وتتبعهم فمن وجده بغير وسم قطع يده‪).‬‬
‫ـ وبسبب هذا الظلم المتطرف نشبت ثورات الفالحين المصريين فى الدلتا والصعيد‪ ،‬وهم المشهورون بالمسالمة ــ فتم ‪6‬‬
‫إخمادها بكل قسوة ‪ .‬يقول المقريزى ‪ ( :‬انتقض القبط ( أى ثار المصريون ) بالصعيد وحاربوا العمال ( أى جباة الضرائب )‬
‫في سنة إحدى وعشرين فحوربوا وُقتل كثير منهم) ‪ ( ،‬ثم خرج بجنس ( قائد مصرى ) بسمنود وحارب وُقتل في الحرب وُقتل‬
‫‪.‬معه قبط كثير في سنة اثنتين وثالثين ‪ ،‬ومات‪).‬‬
‫ـ وبلغ الظلم مداه بالتنكيل بالبطرك القائد الدينى للمصريين وإذالله وإهانته بين مواطنيه ‪ ،‬فقد إعتقله الوالى األموى وفرض ‪7‬‬
‫عليه غرامة ال يستطيع دفعها ‪ ،‬فإضطره الى أن يسير فى أنحاء مصر ومعه أساقفته يتسّو ل منهم دفع الغرامة ‪ ،‬فما إستطاعوا‬
‫سدادها كلها ‪ ،‬بسبب ما هم فيه من فقر‪ ،‬فعاد البطرك يائسا بائسا الى ذلك الوالى وأعطاه ما جمعه ‪ ،‬فأفرج عنه ألن الغرض‬
‫كان إذالل البطرك ‪ ،‬وقد حدث ‪ ،‬يقول المقريزى ‪ (:‬وقبض عبد الملك بن موسى بن نصير أمير مصر على البطرك ميخائيل ‪،‬‬
‫فاعتقله وألزمه بمال ‪ ،‬فسار بأساقفته في أعمال مصر يسأل أهلها ‪ ،‬فوجدهم في شدائد ‪ ،‬فعاد إلى الفسطاط ودفع إلى عبد الملك‬
‫ما حصل له ‪ ،‬فأفرج عنه)‬
‫ـ وسقطت الدولة األموية بهزيمة الخليفة مروان بن محمد فى موقعة الزاب أمام الجيش العباسى ‪ .‬وفّر الخليفة األموى ‪8‬‬
‫المهزوم بجيشه الى مصر ‪ ،‬وانتهز المصريون الفرصة فثاروا أمال فى التخّلص من الظلم األموى ‪ ،‬ولكن الخليفة األموى‬
‫المهزوم استخدم جيشه فى التنكيل بالمصريين كما لو كان قد أراد أن يعّو ض هزيمته باالنتقام منهم ‪ .‬يقول المقريزى ‪ (:‬ثم‬
‫خالفت القبط ( أى ثار المصريون) برشيد فبعث إليهم مروان بن محمد لما قدم مصر وهزمهم ) ويقول عما فعله مروان بن‬
‫محمد وتنكيله بالمصريين وبالبابا أى البطرك المصرى‪ ( :‬فنزل به بالء كبير من مروان وبطش به وبالنصارى ) ‪ .‬ويقول عن‬
‫فظائع ارتكبها مروان بن محمد بالقرى والمدن المصرية ‪ ( :‬وأحرق مصر وغالتها ) ويقول عما فعله باألديرة والراهبات من‬
‫أسر وإغتصاب ‪ (:‬وأسر عّد ة من النساء المترهبات ببعض الديارات ‪ ،‬وراود واحدة منهّن عن نفسها ‪ ،‬فاحتالت عليه ودفعته‬
‫عنها ـ بأن رّغ بته في دهن معها إذا اّد هن به اإلنسان ال يعمل فيه السالح‪ ،‬وأوثقته بأن مكنته من التجربة في نفسها فتمت‬
‫حيلتها عليه‪ ،‬وأخرجت زيًت ا ادهنت به ثم مّد ت عنقها فضربها بسيفه فأطار رأسها ‪ ،‬فعلم أنها اختارت الموت على الزنا )‪ ،‬أى‬
‫أن هذه الراهبة المصرية الشريفة العفيفة أقنعت ذلك الخليفة األموى الفاسق الفاجر مروان بن محمد الذى يريد إغتصابها بأّن‬
‫معها دهنا يقى الرقبة من الذبح فال يستطيع السيف أن يقطعها‪،‬ودهنت رقبتها وطلبت من أن يجرب ضرب رقبتها بالسيف ليتأكد‬
‫من قولها‪ ،‬فضرب رقبتها بالسيف فقطعها‪ .‬فعلم أنها إختارت االنتحار والقتل لتحفظ شرفها ‪ !!..‬لم يعّلق المقريزى محتّج ا ‪..‬هل‬
‫!!من تعليق على هذا ‪ ..‬يرحمكم هللا جّل وعال ؟‬
‫ـ ويقول المقريزى ‪( :‬وما زال البطرك والنصارى في الحديد مع مروان إلى أن ُقتل ببوصير فأفرج عنهم‪ ).‬أى ظل مروان ‪9‬‬
‫يحتفظ بالبطرك وزعماء المصريين أسرى معه الى أن وصل جيش العباسيين وقاتل مروان وهزمه وقتله ‪ .‬وأفرج العباسيون‬
‫‪ .‬عن البطرك وصحبه‬
‫!!‪.‬أخيرا ‪ :‬بهذا نعرف الوظيفة الحقيقية لوالى الصالة ( الشيطانية )‬
‫الفصل الرابع عشر ‪ :‬عمرو بن العاص والى الصالة ( الشيطانية ) فى مصر‬
‫أوال ‪ :‬عمرو بن العاص ومصر‬
‫ـ فتح "عمرو " مصر وتوالها أربع سنوات في خالفة " عمر " ثم أربع سنوات في خالفة " عثمان" وبعد أن عزله ‪1‬‬
‫"عثمان" أعاد " عمرو " فتح مصر لحساب " معاوية أثناء الصراع بين " علي " ومعاوية ‪ ،‬وظل " عمرو " واليا علي‬
‫‪ .‬مصر سنتين إلي أن مات سنة ‪ 42‬هـ‬
‫ـ وحين بدأ الخالف بين " علي " و"معاوية " كان " عمرو " معتزال وقد استشار ولديه " عبدهللا " و" محمد" ماذا يفعل في ‪2‬‬
‫تلك الفتنة ‪ ،‬فأشار عليه ابنه " عبدهللا بن عمرو " أن يعتزل الفتنة وأشار عليه ابنه " محمد" أن يشارك فيها‪ ،‬فقال " عمرو‬
‫" البنه " عبدهللا"‪ ( :‬رأيك أسلم لي في ديني )‪ ،‬وقال البنه " محمد" ‪ ( :‬رأيك أحسن لي في دنياي‪ ،‬إال أنه أشر لي في‬
‫آخرتي‪ .)،‬ثم اختار االنغماس في الفتنة واالنضمام إلي "معاوية " وعقد معه عهدا أن تكون له والية مصر طعمة له أي ضيعة‬
‫‪".‬خاصة به يأكل خيرها لنفسه مقابل أن ينتزعها من والة "علي" ويحمي ظهر " معاوية " في صراعه مع " علي‬
‫ـ وفي ذلك الوقت كان معاوية قد استطاع أن يقتل والي مصر ابن أبي حذيفة بالمكر والحيلة ‪ ،‬وقتل األشتر النخعى بالُّس م وهو ‪3‬‬
‫فى طريقه واليا على مصر لصالح (على ) ‪ .‬وبعث " علي " واليا آخر علي مصر ‪ ،‬هو " قيس بن سعد بن عبادة " المشهور‬
‫بحنكته وسياسته ‪ .‬ورأي معاوية وعمرو أن واليته علي مصر ستحبط أمالهما في ضم مصر فأشاع معاوية بأن " قيس " من‬
‫أنصاره سرا ‪ ،‬وأبلغ جواسيس " علي" ذلك إليه فعزل " قيس " وولي مكانه " محمد بن أبي بكر الصديق " وكان شابا متهورا‬
‫واستطاع " عمرو " أن يهزمه ‪ ،‬وقتلوه ثم جعلوا جثته في جيفة حمار ميت واحرقوه فيها ‪.‬وذلك في ‪ 14‬صفر سنة ‪ 38‬هـ ‪،‬‬
‫‪ .‬وبدأت بذلك والية " عمرو " علي مصر ليكون له وحده ايرادها وخيرها‬
‫ثانيا ‪ :‬ماذ حدث من عمرو بن العاص والى الصالة ( الشيطانية ) على مصر‬
‫بعد فتح مصر عّي ن عمر بن الخطاب عمرو بن العاص والى الصالة ( الشيطانية ) فى مصر ‪ .‬فما الذى فعله والى الصالة‬
‫‪ :‬الشيطانية فى مصر‬
‫‪ :‬ـ بناء المسجد ‪1‬‬
‫بناء المسجد كانت مهمة والى الصالة فى أى بلد إحتله العرب‪ .‬ينقل المقريزى فى ( الخطط ) ( لما افتتح عمر البلدان ‪1 / 1 :‬‬
‫كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجًد ا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد ‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى‬
‫مسجد الجماعة‪ .‬وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ‪ ،‬وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل‬
‫ذلك ‪ .‬وكتب إلى أمراء أجناد الشام أن ال يتبددوا إلى القرى وأن ينزلوا المدائن ‪ ،‬وأن يتخذوا في كل مدينة مسجًدا واحًدا‪ ،‬وال‬
‫‪.‬تتخذ القبائل مساجد فكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده‪) .‬‬
‫المسجد هو التبرير الدينى إلحتاللهم وظلمهم وفق دين قريش وخلفائها الفاسقين‪ .‬وفى الدين الُقرشى األرضى جعلوا ‪1 / 2 :‬‬
‫تلك المساجد التى بنوها فى ( األمصار ) المفتوحة مقدسة ‪ ،‬وذكر المقريزى بعض األحاديث فى هذا ‪ ،‬قال ‪ ( :‬خّر ج الحافظ أبو‬
‫القاسم بن عساكر من حديث معاوية بن قرة قال‪ " :‬قال عمرو بن الخطاب رضي هللا عنه‪ :‬من صلى صالة مكتوبة في مسجد‬
‫مصر من األمصار كانت له كحجة متقبلة فإن صلى تطوًع ا كانت له كعمرة مبرورة‪ ، ) ".‬وعن كعب‪ ( :‬من صلى في مسجد‬
‫مصر من األمصار صالة فريضة عدلت حجة متقبلة ومن صلى صالة تطوع عدلت عمرة متقبلة فإن أصيب في وجهه ذلك حرم‬
‫لحمه ودمه على النار أن تطعمه وذنبه على من قتله‪).‬‬
‫والمسجد الذى بناه عمرو فى مصر فى ( الفسطاط ) أطلقوا عليه ألقابا دينية ‪ ،‬مثل ( الجامع العتيق ) و ( تاج الجوامع ‪1 / 3 :‬‬
‫‪ ، ).‬و ( جامع عمرو بن العاص )‪ .‬أسموه جامع عمرو بن العاص ألنه أول مسجد أقيم فى مصر بإسم أول والى الصالة فيها‬
‫ـ رفض تحرير نساء السبى المصريات ‪2‬‬
‫بعد فتح مصر على يد عمرو بن العاص إنساح جيش الغزاة فى الريف المصرى الُم سالم ينهب ويسبى النساء ‪2 / 1 :‬‬
‫ويغتصبهن فى كل قرية ‪ ،‬ويبعثون بأربعة أخماس الغنائم ومن السلب والنهب والسبى الى عمر بن الخطاب فى المدينة ‪ ،‬ومنها‬
‫يتوزع السلب والنهب فى الجزيرة العربية على األعراب هناك ‪ .‬وتكاثر هذا السبى من الفتيات المصريات حتى مأل مكة والمدينة‬
‫واليمن ‪ .‬هذا ما يذكره الطبرى راويا عن جندى كان مّم ن حضر فتح مصر ‪.‬يقول الطبرى‪ ... (:‬وحدثني القاسم بن قزمان رجل‬
‫من أهل مصر ‪ ،‬عن زياد بن جزء الزبيدي ‪ ،‬أنه حدثه أنه كان في جند عمرو بن العاص حين افتتح مصر واإلسكندرية قال ‪:‬‬
‫افتتحنا اإلسكندرية في خالفة عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين أو سنة اثنتين وعشرين ‪.‬قال ‪ :‬لما افتتحنا باب اليون‬
‫تدنينا قرى الريف فيما بيننا وبين اإلسكندرية ‪ ،‬قرية فقرية ‪ ،‬حتى انتهينا إلى بلهيب قرية من قرى الريف يقال لها قرية‬
‫‪.!!.‬الريش‪.‬وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن )‬
‫وفيما بعد جاء رجالن من المصريين يطلبان إسترجاع السبى فرفض عمرو بن العاص ‪ ،‬طبقا لما رواه الطبرى ‪ .‬تقول ‪2 / 2 :‬‬
‫الرواية ‪ ( :‬وجاء أبو مريم وأبو مريام إلى عمرو وطلبا منه السبايا التي أصيبت بعد المعركة‪ ،‬فطردهما‪ ،‬فقاال‪ :‬كل شيء‬
‫أصبتموه منذ فارقناكم إلى أن رجعنا إليكم ففي ذمة‪ .‬فقال عمرو لهما‪ :‬أتغيرون علينا وتكونون في ذمة؟ قاال‪ :‬نعم‪ .‬فقسم عمرو‬
‫‪.‬ابن العاص السبي على الناس وتفرق في بلدان العرب‪ .) .‬لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب‬
‫ـ فرض الجزية والخراج على المصريين ‪3‬‬
‫يقول المقريزى ‪ ( :‬لما فتح عمرو بن العاص اإلسكندرية بقي من األسارى بها ممن بلغ الخراج وأحصي يومئذ ستمائة‪3 / 1 :‬‬
‫ألف سوى النساء والصبيان ‪ ) .‬كان هذا عدد سكان االسكندرية فقط ‪ .‬تستمر الرواية ‪ ( :‬فاختلف الناس على عمرو في قسمهم‬
‫فكان أكثر المسلمين يريد قسمها ) أى يريدون تقسيم أهل االسكندرية سبايا وأرقاء وفق المعمول به فى دين البغى لديهم ‪ .‬تقول‬
‫الرواية ‪ ( :‬فقال عمرو‪ :‬ال أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين ‪ .‬فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها وأن المسلمين‬
‫طلبوا قسمها ‪ ،‬فكتب إليه عمر رضي هللا عنه‪ :‬ال تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيًئ ا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم ‪،‬‬
‫فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج ‪ ) .‬ـ أى أمر الخليفة عمر بإستغاللهم يعملون ويدفعون الخراج‪ .‬لنتذكر أن‬
‫‪.‬المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب‬
‫هذا باالضافة التى الجزية على الرءوس التى فرضها عمرو على أهل مصر طبقا للصلح الذى عقده مع المقوقس الحاكم ‪3 / 2 :‬‬
‫الذى كان على مصر ‪ .‬فألزم المصريين بدفع دينارين سنويا ‪ .‬وبلغت الجزية ‪ 12‬مليون دينار‪ ،‬فأصبح الوالى بعده عبد هللا بن‬
‫أبى سرح يجمعها ‪ 14‬مليون دينار فى خالفة عثمان وبتوجيهاته ‪ .‬لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر‬
‫‪.‬بن الخطاب‬
‫ـ ‪ :‬عمرو بن العاص يسلب كنوز المصريين بالقتل واالرهاب ‪4‬‬
‫ـ وشرهت نفس عمرو لكنوز اآلثار المصرية وذهبها المدفون وما يتم الكشف عنه ‪ ،‬فيذكر أبوعبيدة في كتابه " ‪4 / 1‬‬
‫األموال " والمقريزي في كتابه " الخطط " أن "عمرا " أعلن ألهل مصر‪ :‬أن من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته!!‪ .‬ونشر‬
‫‪ .‬عمرو عيونه تتحّس س وتتجّس س عن من لديه كنوز فرعونية‬
‫ونشر عمرو جواسيسه فى العمران المصرى من االسكندرية الى الصعيد ‪ ،‬ويذكر المقريزى أن عمرو بن العاص ‪4 / 2 :‬‬
‫جاءته إخبارية بأن مصريا من الصعيد اسمه بطرس لديه كنز فرعونى‪ ،‬فحبسه عمرو واستجوبه فأصر الرجل على اإلنكار‪،‬‬
‫وجعل عليه الجواسيس فى السجن يحصون عليه أنفاسه فعلموا أنه يسأل عن راهب بالطور ‪ ،‬فاستدعي " عمرو" ذلك‬
‫المصري السجين ونزع خاتمه من يده ‪ ،‬وأرسل بالخاتم إلي الراهب برسالة مزيفة من بطرس تسأله عن الكنز‪ ،‬فصًد ق الراهب‬
‫الرسالة وبعث بمكان الكنز‪ ،‬فعثر عليه عمرو وكان مقداره " ‪ 52‬أردبا من الذهب أخذه " عمرو " وضرب "عمرو" رقبة "‬
‫بطرس " وعلق رأسه على باب المسجد ( مسجد عمرو بن العاص والى الصالة ) ‪ ،‬ليرهب المصريين ‪ ،‬فارتعبوا ‪،‬ومن كان‬
‫‪.‬منهم عنده كنز أسرع بتسليمه إلى عمرو‪ .‬لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب‬
‫ـ ويذكر المقريزى أن عمرًا اعتقل مصريا آخر اتهمه بمماالة الروم واستجوبه ‪ ،‬وكانت التهمة ملفقة وبهدف إبتزاز ‪4 / 2‬‬
‫الرجل المسكين ‪ ،‬بدليل أن عمرو بن العاص أطلق سراح الرجل بعد أن حصل منه على أكثر من خمسين أردبًا من‬
‫الذهب‪.!!..‬نكّر ر ( ‪ 50‬إردبا من الذهب ‪..)!!.‬وهذا من رجل واحد فقط ‪ ..‬لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون‬
‫‪.‬عمر بن الخطاب‬
‫أخيرا ‪ :‬ثروة عمرو ( والى الصالة الشيطانية ) من نهب أموال المصريين‬
‫ـ في واليته األخيرة علي مصر تضاعفت ثروة " عمرو " حتي أثارت حسد معاوية وخشي أن تستخدم تلك الثروة في تحقيق ‪1‬‬
‫طموحه السياسي‪ .‬وانتهي األمر بينهما بالصلح علي أن تتحدد والية مصر " لعمرو" سبع سنين فقط ضيعة خاصة‪ ،‬ثم تعود‬
‫!! إلي الخالفة األموية‪ .‬إال أن " عمرو " مالبث أن مات وقد ترك األموال السائلة " ‪ "140‬أردبا من الدنانير‬
‫ـ وحين حضرته الوفاة عرض علي ابنيه عبدهللا ومحمد تلك األموال المكدسة وقال‪ :‬من يأخذها؟ فأبي ولداه وقاال ‪ :‬حتي ترد ‪2‬‬
‫إلي كل ذي حق حقه أي أنهما اعتبراه ماال حراما ‪ .‬وبلغ معاوية الخبر فقال ‪ ( :‬نحن نأخذها ) ‪ .‬ومات عمرو واستولى الخليفة‬
‫!!‪..‬معاويةعلى كل تلك األموال التى خلفها عمرو فى ميراثه وقال‪ :‬نحن نأخذه بما فيه ‪ ..‬أى بما فيه من ظلم وسحت‬
‫‪ .‬ـ ومع ذلك فإن عمرو بن العاص كان أكثرهم والة الصالة رفقًا بالمصريين بالمقارنة بمن جاء بعده ‪3‬‬

‫الفصل الخامس عشر ‪ :‬صالة الخلفاء الفاسقين العباسيين ‪ :‬صالة أبى العباس السفاح‬
‫مقدمة‬
‫ـ الخلفاء العباسيون كانوا أكثر ُج رأة من سابقيهم فى سفك الدماء األساس ‪ ،‬ألنهم فى دعوتهم قبل تأسيس دولتهم منحوا ‪1‬‬
‫دعوتهم شعار ( الرضا من آل محمد ) ونشروا دعايتهم بأنهم األئمة المنتظرون الذين يقيمون العدل بدال من جور األمويين ‪،‬‬
‫‪ .‬ودعموا هذا باألحاديث التى إفتروها‬
‫ـ وقبل تأسيس دولتهم كان قائدهم أبو مسلم الخراسانى يقتل بما يقال عنه التفويض االلهى‪ .‬يستحل دم شخص برىء بمجرد ‪2‬‬
‫أن يفترى حديثا ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبرًا‪ ).‬أى حبسهم فى سجون وتركهم حتى‬
‫الموت‪ .‬وتقول عنه الرواية ‪ ( :‬وكان أبو مسلم قد سمع الحديث من عكرمة‪ ،‬وأبي الزبير المكي‪ ،‬وثابت الناتي‪ ،‬ومحمد بن علي‬
‫بن عبد هللا بن عباس‪ ،‬والسدير؛ وروى عنه إبراهيم ابن ميمون الصائغ‪ ،‬وعبد هللا بن المبارك‪ ،‬وغيرهما‪ ).‬أى تلقفه أساطين‬
‫الدعوة العباسية السرية فأعدوه أيدلوجيا بأحاديثهم المفتراة ‪ ،‬وبها كان سهال عليه أن يسفك الدماء‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬خطب‬
‫يومًا فقام إليه رجل فقال‪ :‬ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ فقال‪ :‬حدثني أبو البير عن جبابر بن عبد هللا أن النبي‪ ،‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء‪ ،‬وهذه وثياب الدولة‪ ،‬يا غالم اضرب عنقه‪ .).‬سأله رجل سؤاال بريئا عن‬
‫‪.‬شعار السواد الذى إتخذه العباسيون فرد عليه بحديث ثم أمر بضرب عنقه‬
‫ـ ومن األساطير التى نشروها أن النبى محمدا قد بّش ر العباس بأن ولده سيكونون الخلفاء ‪ ،‬ومع أنه عليه السالم لم يكن يعلم ‪3‬‬
‫الغيب وليس له أن يتكلم فيه فقد حظيت هذه األكاذيب الغيبية بالتصديق ‪ ،‬ورواها المؤرخون معتقدين صدقها ‪ ،‬منها قولهم ‪:‬‬
‫( وكان بدء ذلك وأوله أن رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخالفة تؤول إلى ولده‪ ،‬فلم يزل‬
‫ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم‪ ).‬وشاعت أحاديث تؤكد أن ُم لك بنى العباس سيستمر الى قيام الساعة وحتى يسلمونه‬
‫الى المسيح عندما ينزل بزعمهم ‪ ،‬وأحاديث أخرى تبشر بأسماء الخلفاء الباسيين وتشيد بهم ‪ ،‬وقد ذكر السيوطى هذه األحاديث‬
‫‪.‬عن العباسيين بعد سقوط دولتهم ببضعة قرون فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) مما يدل على أن األحاديث المصنوعة أقوى تاثيرا‬
‫ـ وبهذا بدأ الكهنوت العباسى أى المستبد الفرعونى الذى يملك الدين والسياسة ‪ ،‬وهذا ما لم يجرؤ األمويون على زعمه ‪4 ،‬‬
‫وربما ألنهم كانوا علمانيين مثل أسالفهم الذين عملوا بالتجارة خالفا للهاشميين الذين قاموا على سقاية الحاج ورعاية البيت‬
‫‪.‬الحرام‬
‫ـ وعليه لم تعد الصالة وحدها من شعائر عبادة اإلله األعظم ( وهو المال ) بل أضاف لها العباسيون الخطاب الدينى الصريح ‪5‬‬
‫وتلقيب الخليفة بلقب ينسبه الى هللا جل وعال ‪ .‬وهذه األلقاب بدأت بأول خليفة ‪ ،‬وقد أعطى نفسه لقبا ُم رعبا ( السفاح ) الذى‬
‫يقتل بالتفويض االلهى ‪ ،‬ثم تاله أخوه فلّق ب نفسه بالمنصور ‪ ،‬ثم تلقب إبنه بالمهدى ‪ ،‬وبعده ( الهادى ) والرشيد ‪ ،‬ثم أصبح‬
‫‪ ..‬اللقب للخليفة أكثر ُج رأة فتلقب الالحقون بالمعتصم باهلل الى المستعصم باهلل‬
‫ـ وخالل هذا الدجل الدينى حاز العباسيون على كنوز الدنيا وسفكوا دماء الماليين ‪ .‬منهم حوالى مليون قتيل فى تأسيس ‪6‬‬
‫‪ .‬دولتهم ‪ .‬ونعطى بعض التفصيالت فى خالفة السفاح‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬الصالة والخطبة‬
‫ـ تقول الرواية عن الخليفة العباسى األول ( أبو العباس السفاح ‪ :‬عبد هللا بن محمد بن علي بن عبد هللا بن عباس )‪ ( :‬ولما ‪1‬‬
‫ولي الخالفة خرج يوم الجمعة فصلى بالناس ثم قال في خطبته‪ " :‬الحمد هلل الذي اصطفى اإلسالم لنفسه وكرمه وشرفه وعظمة‬
‫واختاره لنا وأيده وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذأبين عنه والناصرين له وخصنا برحم رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعته وأنزل بذلك كتاًب ا فقال فيه‪ :‬قل ال أسألكم عليه أجًر ا إال المودة في القربى " فلما‬
‫قبض هللا رسوله قام بذلك األمر أصحابه وأمرهم شورى بينهم فعدلوا وخرجوا خماًص ا ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها‬
‫وتداولوها فاستأثروا بها وظلموا أهلها فأملى هللا لهم حيًن ا فلما أسفوه أنتقم هللا منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وأنا السفاح المبيح‬
‫الثائر المبير‪ .) .‬السفاح هنا يصلى ويخطب بالناس ويجعل نفسه السفاح المبير مستبيح الدماء باسم هللا ( تعالى عن ذلك علوا‬
‫‪ .‬كبيرا‪ . ).‬أى له تفويض االهى بالقتل والتسلط على الناس ونهب أموالى على هامش القتل‬
‫ـ وفى نفس الخطبة قال ‪ ( :‬إنا وهللا ما خرجنا لنكثر لجيًن ا وال عقياًن ا وال نحفر نهًر ا وإنما أخرجتنا األنفة من ابتزازهم لحقنا ‪2‬‬
‫ولقد كانت أموركم ترمضنا لكم ذمة هللا عز وجل وذمة رسوله صلى هللا عليه وسلم وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل هللا‬
‫ونعمل بكتاب هللا ونسير فيكم بسيرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم واعلموا أن هذا األمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى‬
‫‪ .‬عيسى ابن مريم‪ ).‬هنا يكذب بملء فمه ‪ .‬وعد بالعدل وأخلف الوعد ‪ ،‬وزعم أن الخالفة ستظل فيهم الى نهاية العالم ‪ ،‬وكذب‬
‫ـ كان هذا هو ( خطاب العرش ) تقول الرواية ‪ ( :‬ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر فأجلس أبا جعفر وأخذ ‪3‬‬
‫البيعة على الناس في المسجد ) ‪ .‬وفى رواية أخرى ‪( :‬ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه‬
‫أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد‪ ،‬فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب وجنهم الليل‬
‫‪ .‬فدخل‪ ) .‬هنا الصالة والخطبة ‪..‬والمسجد ‪ !.‬كان هذا فى شهر ربيع األول عام ‪132‬‬
‫ـ وإذا كان الخلفاء الفاسقون األوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفهموا األعراب أن غزوهم وقتلهم وسلبهم ونهبهم األمم ‪4‬‬
‫األخرى هو جهاد إسالمى فإن الخلفاء الفاسقين العباسيين سفكوا دماء األمويين بإتهامهم بالكفر ‪ .‬كان األمويون فى نهاية‬
‫عصرهم مثقلين باالتهامات بالظلم فأرسوا اساسا لبنى العباس تمكنوا به من إستحالل دمائهم وأموالهم ‪ ،‬وصار قتالهم األمويين‬
‫جهادا دينيا ‪ .‬فى معركة ( الزاب ) التى إنهزم فيها مروان بن محمد كان القائد العباسى عبد هللا بن على ( عم الخليفة السفاح )‬
‫يقاتل وهى يقول ‪ ( :‬يار رب حتى متى نقتل فيك؟ ‪ ، ) !.‬وتثاقل العرب من جنود مروان بن محمد عن القتال ‪ ،‬فإذا دعا قبيلة‬
‫طلبت أن يدعو غيرها ‪ ،‬فأمر رئيس الشرطة بالتقدم فرفض ‪ ،‬فتوعده مروان فتحداه قائال ( وددت أن تفعل ذلك ) فاضطر الى أن‬
‫يعطى جنوده األموال ‪ ،‬نقول الرواية ‪ ( :‬فأمر باألموال فأخرجت‪ ،‬وقال للناس‪ :‬اصبروا وقاتلوا فهذه األموال لكم‪ .‬فجعل ناس من‬
‫الناس يصيبون من ذلك‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن الناس قد مالوا على هذا المال وال نأمنهم أن يذهبوا به‪ .‬فأرسل إلى ابنه عبد هللا‪ :‬أن سر‬
‫في أصحابك إلى قوم عسكرك فاقتل من أخذ من المال وامنعهم‪ . ).‬إنهزم مروان وإستولى عبد هللا بن على العباسى على‬
‫معسكره ‪ ،‬وحاز ما فيه من أموال ( والمال هو غاية الُم راد ) تقول الرواية ‪.. ( :‬وكتب يومئذ عبد هللا بن علي إلى السفاح‬
‫بالفتح‪ ،‬وحوى عسكر مروان بما فيه فوجد سالحًا كثيرًا وأمواًال ‪ ( ) ..‬فلما أتى الكتاب السفاح صلى ركعتين وأمر لمن شهد‬
‫الوقعة بخمسمائة خمسمائة دينار‪ ،‬ورفع أرزاقهم إلى ثمانين‪ ).‬هنا صالة شكر على النصر وعلى المال ‪ ،‬ومكافأة للمقاتلين‬
‫المرتزقة برفع أجورهم ‪ .‬تقول الرواية ( وكانت هزيمة مروان بالزاب يوم السبت إلحدى عشرة ليلة خلت من جمادى اآلخرة ‪)..‬‬
‫ـ هرب مروان فطارده العباسيون حتى مصر ‪ .‬وقاد مطاردته فى صعيد مصر صالح بن على العباسى ‪ ،‬وأرسل فرقة يقودها ‪5‬‬
‫الحسن بن قحطبة ‪ .‬تقول الرواية ( ‪ ..‬ومضى صالح ومن معه في طلبه إلى الصعيد ‪ ...‬وساروا حتى أدركوه بقريه من قرى‬
‫الصعيد تسمى بوصير في أخر الليل ‪ ،‬وقد نزل الكنيسة ومعه حرمه وولده وثقله ‪ )..‬ودارت معركة إنتهت بقتل مروان ‪ ،‬تقول‬
‫الرواية ‪ ..( :‬وأثخنته الجراح وحمل عليه رجل فقتله واحتّز رأسه رجل من أهل البصرة كان يبيع الرمان ) وأمر الحسن بن‬
‫قحطبة القائد وقتها بإحضار بنت مروان الكبرى ‪ ،‬فوضع رأس أبيها فى حجرها ‪ ،‬تقول الرواية ‪ .. ( :‬فأجلسها ووضع الرأس‬
‫في حجرها فصرخت واضطربت فقيل له‪ :‬ماحملك على هذا فقال‪ " :‬كفعلهم بزيد بن علي حين قتلوه فإنهم جعلوا رأسه في حجر‬
‫زينب بنت علي‪) .‬‬
‫بعث القائد ابن قحطبة برأس ‪ ).‬وبعث برأس مروان إلى صالح بن علي فنصب على باب مسجد دمشق ‪ ،‬وبعث به إلى السفاح (‬
‫مروان الى قائده األعلى ( صالح بن على ) فبعث بها صالح الى الخليفة السفاح فى الكوفة ‪ ،‬وفى الطريق علقوها فى مسجد‬
‫دمشق ( المسجد األموى ) إعالنا بنهاية الحكم األموى ‪ .‬ولم ينسوا إرسال الغنائم من األموال والسالح والسبى ‪ ( :‬ورجع صالح‬
‫إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السالح واألموال والرقيق‪ .).‬وتقول الرواية عن وصول رأس مروان الى السفاح ‪: :‬‬
‫( ولما وصل الرأس إلى السفاح كان بالكوفة‪ ،‬فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال‪ :‬الحمد هللا الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم‬
‫‪.‬يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين! )‪ .‬أى هو قتال دينى ‪ ،‬يبتغى وجه الشيطان‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬اإلٌقتتال بالدين يعنى المبالغة فى القتل أو القتل إستئصاال‬
‫إستأصل العباسيون من قدروا على قتله من األمويين ‪ .‬وكانوا يعطونهم األمان ثم ينكثون بالعهد‪ .‬ومن الحوادث المشهورة ‪1 :‬‬
‫أن عبد هللا بن على الذى تولى الشام إستأمن اليه من كان فى دمشق من األمويين ‪ ،‬فدعا تسعين رجال منهم الى طعام وقتلهم ‪،‬‬
‫تحت عنوان ‪ ( :‬ذكر من قتل من بني أمية‪ ):‬تقول الرواية ‪ ( :‬ودخل شبل بن عبد هللا مولى بني هاشم على عبد هللا بن علي‬
‫وعنده من بني أمية نحو تسعين رجًال على الطعام‪ ) ..‬إستنكر هذا الرجل إستضافة أولئك األمويين فقال شعرا أثار عبد هللا بن‬
‫على فأمر عبد هللا بن على بضربهم بأعمدة الحديد حتى ماتوا ‪ ( :‬فأمر بها عبد هللا فضربوا بالعمد حتى قتلوا‪ ،‬وبسط عليهم‬
‫األنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جيمعًا‪) .‬‬
‫ـ ‪.‬وقيل عن عبد هللا بن على ‪ ( :‬وتتبع بني امية من أوالد الخلفاء وغيرهم فأخذهم‪ ،‬ولم يفلت منهم إال رضيع أو من هرب ‪2‬‬
‫إلى األندلس وقتل سليمان بن علي بن عبد هللا بن عباس بالبصرة أيضًا جماعًة من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة‬
‫وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكالب‪ ) !..‬كان هذا عام ‪132‬‬
‫ـ فى عام ‪ ( 133‬قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة‪ ،‬ولما أراد قتلهم قال له عبد هللا بن الحسن بن ‪3‬‬
‫الحسن‪ :‬يا أخي إذا قتلت هؤالء فمن تباهي بملكه؟ أما يكفيك أن يروك غاديًا ورائحًا فيما يذلهم ويسؤهم؟ فلم يقبل منه وقتلهم‪).‬‬
‫ـ أكثر من هذا أن عبد هللا بن على هذا إنتقم من الخلفاء األمويين الموتى فى قبورهم ‪ ،‬تقول الرواية ‪ .. ( :‬وأمر عبد هللا ابن ‪4‬‬
‫علي بنبش قبور بني أمية بدمشق‪ ،‬فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فلم يجدوا فيه إال خيطًا مثل الهباء‪ ،‬ونبش قبر يزيد بن‬
‫معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطامًا كأنه الرماد‪ ،‬ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحًا لم يبل منه إال أرنبة أنفه‪ ،‬فضربه‬
‫‪.‬بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح )‬
‫‪ :‬ـ ووصل اإلسراف فى القتل الى الحروب الخارجية ‪5‬‬
‫فى عام ‪ : 133‬حارب أبو مسلم ملك فرغانة المتحالف مع ملك الصين " ( فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون ‪5 / 1 :‬‬
‫وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفًا وأسروا نحو عشرين ألفًا وهرب الباقون إلى الصين‪).‬‬
‫فى العام التالى ‪ ( :‬ذكر غزوة كش‪ :‬وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل االخريد ملكها‪ ،‬وهو ‪5 / 2 :‬‬
‫سامع مطيع‪ ،‬وقتل أصحابه وأخذ منهم من األواني الصينية المنقوشة المذهبة ما لم ير مثلها‪ ،‬ومن السروج ومتاع الصين كله‬
‫من الديباج والطرف شيئًا كثيرًا فحمله إلى أبي مسلم وهو بسمرقند‪ ،‬وقتل عدة من دهاقينهم‪ .) ،‬هذا ملك سامع مطيع ‪ ،‬ولكن‬
‫‪ .‬جريمته الكبرى أن لديه نفائس يطمع فيها أبو مسلم‪ .‬والمال هو معبودهم األكبر‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلٌقتتال بالدين يعنى نكث العهود والمواثيق‬
‫ـ قتل السفاح إثنين من الذين قاموا بالدعوة وساعدوا فى إرساء ُم لك العباسيين ‪ ،‬وهما أبو سلمة الخالل وسليمان بن كثير ‪1 ،‬‬
‫‪.‬بل وقتلوا الوالة الذين عينهم أبو سلمة الخالل فى فارس‬
‫وفى عام ‪ : 133‬قتل سليمان بن على العباسى ( عم السفاح ) زعيم بنى المهلب فى الموصل‪ .‬أعطاه أمانا ثم قتله‪ .‬تقول ‪2 :‬‬
‫الرواية ‪ ( :‬وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل‪ ،‬قتله سليمان الذي يقال له األسود بأمان كتبه له‪).‬‬
‫ـ أما الفاجعة الكبرى فهى ما فعله أخ الخليفة السفاح وإسمه ( يحيى ) بأهل الموصل ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وفي هذه السنة ‪3‬‬
‫استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل عوض محمد بن صول‪.‬وكان سبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة‬
‫محمد بن صول‪ ،‬وقالوا‪ :‬يلي علينا مولى الخثعم‪ ،‬وأخرجوه عنهم‪ .‬فكتب إلى السفاح بذلك واستعمل عليهم أخاه يحيى بن محمد‬
‫وسيره إليها في اثني عشر ألف رجل‪ ،‬فنزل قصر اإلمارة بجانب مسجد الجامع‪ ،‬ولم يظهر ألهل الموصل شيئًا ينكرونه ولم‬
‫يعترض فيما يفعلونه‪ ،‬ثم دعاهم فقتل منهم أثني عشر رجًال‪ ،‬فنفر أهل البلد وحملوا السالح‪ ،‬فأعطاهم األمان‪ ،‬وأمر فنودي‪ :‬من‬
‫دخل الجامع فهو آمن؛ فأتاه الناس يهرعون إليه‪ ،‬فأقام يحيى الرجال على أبواب الجمع‪ ،‬فقتلوا الناس قتًال ذريعًا أسرفوا فيه‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬إنه قتل فيه أحد عشر ألفًا ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقًا كثيرًا‪ .‬فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء الالتي قتل‬
‫رجالهن‪ ،‬فسأل عن ذلك الصوت فأخبر به‪ ،‬فقال‪ :‬إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان‪ .‬ففعلوا ذلك‪ ،‬وقتل منهم ثالثة أيام‪ ،‬وكان‬
‫في عسكره قائد معه أربعة آالف زنجي‪ ،‬فأخذوا النساء قهرًا‪ .‬فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل في اليوم الثالث ركب اليوم‬
‫الرابع وبين يديه الحراب والسيوف المسلولة‪ ،‬فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته‪ ،‬فأراد أصحابه قتلها فنهاهم عن ذلك‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬له‪ :‬ألست من بني هشام؟ ألست ابن عم رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن‬
‫الزنج؟ فأمسك عن جوابها وسير معها من يبلغها مأمنها‪ ،‬وقد عمل كالمها فيه‪ .‬فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء‪ ،‬فاجتمعوا‪،‬‬
‫فأمر بهم فُقتلوا عن آخرهم‪ .) .‬يضيق الصدر عن تحليل هذا‪ .‬ففيه التطرف فى القتل ونكث العهد وأن يكون المسجد مركز هذه‬
‫‪.‬الفواجع ‪ ..‬هتلر لو قرأ هذا سينفطر قلبه ُح زنا‬
‫‪ .‬رابعا ‪ :‬اإلٌقتتال بالدين يعنى قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس‬
‫فى عام ‪ : 133‬نقم ( شريك بن شيخ المهري ) ببخارى على أبي مسلم معترضا على اإلسراف فى القتل ‪ .‬تقول الرواية ‪:‬‬
‫( ونقم عليه وقال‪ " :‬ما على هذا اتبعنا آل محمد‪ ،‬أن نسفك الدماء وأن يعمل بغير الحق! " وتبعه على رأيه أكثر من ثالثين‬
‫‪.‬ألفًا‪ ،‬فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله‪ ،‬وقتله زياد‪) .‬‬
‫أخيرا ‪ :‬مات السفاح عام ‪ ، 136‬وتولى بعده أخوه أبوجعفر المنصور الذى قام بتوطيد الدولة العباسية بالحديد والنار وبالدجل‬
‫الدينى والكهنوت الدينى‪ .‬وكان مشهورا بجمع المال أو بعبادة المال حتى كان لقبه ( أبو الدوانيق ) ‪ .‬والدانق هو مثل المليم أو‬
‫‪ .‬السنت‬

‫الفصل السادس عشر ‪ :‬والة الصالة الشيطانية فى مصر العباسية‬

‫‪ :‬أوال ‪ :‬نماذج من وصفهم بوالة الصالة من خالل ما ذكره المقريزى فى ( الخطط )‬


‫مقدمة ‪ :‬اسلوب المقريزى أن يقول عن الوالى العباسى فى مصر ‪ (:‬فُو ّلى ) ( ُو ّلى ) أى أصدر الخليفة قرار بتعيينه واليا ‪.‬‬
‫وحين يقول ( ُص رف ) يعنى عزل الوالى‪ .‬ويذكر إسم الخليفة وتاريخ التعيين وتاريخ عزله او صرفه عن الحكم‪ .‬ولن نذكر كل‬
‫‪ :‬التفصيالت ‪ ،‬إكتفاءا بوصف الوالى بأنه على الصالة والخراج ‪ .‬ونعطى أمثلة ‪ ،‬قال‬
‫‪.‬ـ ( أبو عون‪ :‬عبد الملك بن يزيد ‪ ...‬ولي صالة مصر وخراجها‪ ..‬في مستهل شعبان سنة ثالث وثالثين ومائة‪1 ) ..‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬صالح بن علي الثانية على الصالة والخراج فدخل لخمس خلون من ربيع اآلخر سنة ست وثالثين ومائة ‪ ..‬ثم ‪2‬‬
‫خرج صالح إلى فلسطين‪..‬سنة سبع وثالثين فلقي أبا عون بالفرما فأمره على مصر صالتها وخراجها ‪..‬فولي‪ :‬أبو عون واليته‬
‫‪.‬الثانية من قبل صالح بن علي ‪ ..‬فاستخلف عكرمة على الصالة وعطاء على الخراج ‪)..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فوليها‪ :‬موسى بن كعب ‪..‬من قبل أبي جعفر المنصور ‪ ..‬سنة إحدى وأربعين ومائة على صالتها وخراجها ‪3 ) ..‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬محمد بن األشعث بن عقبة الخزاعي من قبل أبي جعفر على الصالة والخراج ‪ ،‬وقدم لخمس خلون من ذي الحجة ‪4‬‬
‫‪.‬سنة إحدى وأربعين ومائة ‪) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( وولي‪ :‬حميد ين قحطبة ‪ ..‬من قبل أبي جعفر على الصالة والخراج ‪ ..‬سنة ثالث واربعين ومائة‪5 ).‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬يزيد بن حاتم ‪ ..‬من قبل أبي جعفر على الصالة ‪6 )..‬‬
‫‪.‬ـــ ( وولي‪ :‬عبد هللا بن عبد الرحمن ‪ ..‬من قبل أبي جعفر على الصالة ‪7 )..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬محمد بن عبد الرحمن باستخالف أخيه فأقره أبو جعفر على الصالة ‪8 ) ..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬موسى بن علي ‪..‬باستخالف محمد بن خديج فأقره أبو جعفر على الصالة‪9 ) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( وولي‪ :‬عيسى بن لقمان بن محمد الجمحي‪ :‬من قبل المهدي على الصالة والخراج ‪10 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي‪ :‬واضح مولى أبي جعفر من قبل المهدي على الصالة والخراج ‪11 )..‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬منصور بن يزيد ‪ ..‬على الصالة فقدم إلحدى عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين وستين ومائة وصرف للنصف ‪12‬‬
‫‪.‬من ذي الحجة فكان مقامه شهرين وثالثة أيام‪)...‬‬
‫‪ .‬ـ ( ثم ولي‪ :‬يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصالة والخراج‪13 ) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( وقدم‪ :‬سالم بن سوادة التميمي من قبل المهدي على الصالة‪14 ) ..‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬إبراهيم بن صالح ‪..‬من قبل المهدي على الصالة والخراج ‪15 )..‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصالة والخراج من قبل المهدي‪16 )..‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬علي بن سليمان ‪ ..‬من قبل الهادي على الصالة والخراج ‪ ..‬فدخل في سنة تسع وستين ومائة ‪ ،‬ومات الهادي ‪17‬‬
‫‪ .‬للنصف من ربيع األول سنة سبعين ومائة وبويع هارون بن محمد الرشيد فأقر علي بن سليمان‪) ..‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬موسى بن عيسى ‪ ..‬من قبل الرشيد على الصالة ‪18 )..‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬مسلمة بن يحيى ‪..‬من قبل الرشيد على الصالة ثم صرف في شعبان سنة ثالث وسبعين فوليها أحد عشر ‪19‬‬
‫‪.‬شهًر ا‪).‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي‪ :‬محمد بن زهير األزدي على الصالة والخراج‪20 ) .‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي‪ :‬داود بن يزيد‪ ...‬فولى داود الصالة ‪21 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي‪ :‬موسى بن عيسى ‪..‬على الصالة والخراج من قبل الرشيد ‪ ...‬فولي سنة واحدة‪22 ).‬‬
‫‪ .‬ـ ( ثم ولي‪ :‬عبد هللا بن المسيب ‪..‬من قبل الرشيد على الصالة ‪ ..‬سنة ست وسبعين ومائة‪23 ) .‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي‪ :‬إسحاق بن سليمان ‪ ..‬من قبل الرشيد على الصالة والخراج ‪24 ).‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي‪ :‬هرثمة بن أعين من قبل الرشيد على الصالة والخراج‪25 ) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي‪ :‬عبد الملك بن صالح ‪ ..‬من قبل الرشيد على الصالة والخراج ‪26 )..‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬عبيد هللا بن المهدي ‪ ..‬من قبل الرشيد على الصالة والخراج في يوم االثنين لثنتي عشرة خلت من المحرم سنة ‪27‬‬
‫تسع وسبعين ومائة ‪...‬فأعاد الرشيد موسى بن عيسى وواله مرة ثالثة على الصالة ‪ ..‬وصرف في جمادى اآلخرة سنة ثمانين‬
‫‪.‬ومائة‪ .‬فولى الرشيد عبيد هللا بن المهدي ثانًي ا على الصالة ‪ ..‬وصرف لثالث خلون من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة‪) .‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬إسماعيل بن صالح ‪..‬على الصالة ‪28 ) ..‬‬
‫ـ (‪ ..‬فولي‪ :‬إسماعيل بن عيسى ‪..‬من قبل الرشيد على الصالة فقدم ألربع عشرة بقيت من جمادى اآلخرة وصرف في ‪29‬‬
‫‪.‬رمضان‪) .‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي‪ :‬الليث بن الفضل ‪..‬على الصالة والخراج ‪30 )..‬‬
‫‪. ).‬فولي‪ :‬أحمد بن إسماعيل ‪..‬من قبل الرشيد على الصالة والخراج‪ ..‬فولى سنتين وشهًر ا ونصًفا (‪31 :‬‬
‫‪ ..).‬ثم ولي‪ :‬عبيد هللا بن محمد ‪ ..‬على الصالة ( ‪31 :‬‬
‫ـ ( وولي‪ :‬الحسين بن جميل من قبل الرشيد على الصالة وقدم لعشر خلون من رمضان ثم جمع له الخراج مع الصالة في ‪32‬‬
‫‪.‬رجب سنة إحدى وتسعين ‪ ..‬وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع اآلخر سنة اثنتين وتسعين ومائة‪).‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬مالك بن دلهم بن عمير الكلبي على الصالة والخراج وقدم لسبع بقين من ربيع اآلخر‪ ...‬وصرف مالك ألربع ‪33‬‬
‫‪.‬خلت من صفر سنة ثالث وتسعين ومائة‪) .‬‬
‫‪.. ) .‬فولي‪ :‬الحسن بن التختاح بن التختكان على الصالة والخراج ( ‪34 :‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل األمين على الصالة والخراج ‪35 )..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬جابر بن األشعث ‪..‬من قبل األمين على الصالة والخراج ‪36 )..‬‬
‫ـ ( فولي‪ :‬عباد بن محمد ‪ ..‬من قبل المأمون على الصالة والخراج ‪ ..‬وصرف عباد في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة ‪37‬‬
‫‪.‬فكانت واليته سنة وسبعة أشهر‪).‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي‪ :‬المطلب بن عبد هللا بن مالك ‪ ..‬من قبل المأمون على الصالة والخراج ‪ ..‬وصرف في شوال بعد سبعة أشهر‪38 ) .‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي العباس بن موسى ‪ .‬من قبل المأمون على الصالة والخراج ‪39 ) ...‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي سليمان بن غالب ‪ ..‬على الصالة والخراج سنة إحدى ومائتين ‪ ..‬ثم صرف بعد خمسة أشهر‪40 ).‬‬
‫‪.‬ـ ( وأعيد السري بن الحكم ثانًي ا من قبل المأمون على الصالة والخراج ‪41 ) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي ابنه محمد بن السري أبو نصر أول جمادى اآلخرة على الصالة والخراج ‪42 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي عبيد هللا بن السري بن الحكم ‪ ..‬على الصالة والخراج ‪43 ) ..‬‬
‫ـ ( فولي عبد هللا بن طاهر بن الحسين بن مصعب من قبل المأمون على الصالة والخراج فدخل يوم الثالثاء لليلتين خلتا من ‪44‬‬
‫‪.‬ربيع األول سنة إحدى عشرة ومائتين ‪)..‬‬
‫ـ ( ثم ولي عيسى بن يزيد الجلودي باستخالف ابن طاهر على صالتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثالث عشرة فصرف ‪45‬‬
‫ابن طاهر وولي األمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر فأقر عيسى على الصالة فقط وجعل على الخراج‪ :‬صالح بن شيرازاد‬
‫‪).. .‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي عمير بن الوليد ‪..‬باستخالف أبي إسحاق بن الرشيد على الصالة ‪ ..‬فكانت مدة إمرته ستين يوًم ا‪46 ).‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي عيسى الجلودي ثانًي ا ألبي إسحاق على الصالة ‪47 ) ..‬‬
‫‪.‬ــ ( وولي على مصر عبدويه بن جبلة من األبناء على الصالة ‪48 )..‬‬
‫ـ ( وصرف وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعي ‪..‬فولي من قبل أبي إسحاق أول سنة ست عشرة على ‪49‬‬
‫‪.‬الصالة ‪) ..‬‬
‫ــ ( فولي موسى بن أبي العباس ثابت ‪ ..‬على الصالة ‪ ..‬وصرف في ربيع اآلخر سنة أربع وعشرين ومائتين فكانت واليته ‪50‬‬
‫‪.‬أربع سنين وسبعة أشهر‪) .‬‬
‫ـ ( فولى مالك بن كيدر ‪ ..‬على الصالة وقد لسبع بقين من ربيع اآلخر وصرف لثالث خلون من ربيع اآلخر سنة ست ‪51‬‬
‫‪ .‬وعشرين فولى سنتين وأحد عشر يوًم ا ‪)..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي علي بن يحيى ‪..‬على صالتها ‪ ..‬فكانت واليته سنتين وثالثة أشهر‪52 ) .‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي عيسى بن منصور الثانية ‪ ..‬على صالتها فدخل لسبع خلون من المحرم سنة تسع وعشرين ومائتين‪53 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي هرثمة بن نضر الجبلي ‪ ..‬على الصالة وقدم لست خلون من رجب سنة ثالث وثالثين ومائتين ‪54 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي حاتم بن هرثمة ‪ ..‬على الصالة وصرف لست خلون من رمضان‪55 ).‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي علي بن يحيى بن األرمني الثانية ‪ ..‬على الصالة‪56 ) ..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي إسحاق بن يحيى ‪..‬من قبل المنتصر ‪ ..‬على الصالة والخراج‪57 )..‬‬
‫ـ ( ‪ ..‬فولي خوط عبد الواحد بن يحيى ‪ ..‬من قبل المنتصر على الصالة والخراج فقدم لتسع بقين من ذي القعدة سنة ست ‪58‬‬
‫وثالثين ومائتين وصرف عن الخراج لتسع خلون من صفر سنة سبع وثالثين وأقر على الصالة ثم صرف سلخ صفر سنة ثمان‬
‫‪.‬وثالثين بخليفته عنبسة على الصالة والشركة في الخراج مستهل ربيع األول‪) .‬‬
‫ـ ( فولي عنبسة بن إسحاق ‪ ..‬من قبل المنتصر على الصالة وشريًك ا ألحمد بن خالد الضريقسي صاحب الخراج فقدم لخمس ‪59‬‬
‫خلون من ربيع اآلخر سنة ثمان وثالثين ومائتين ‪ ...‬وأضيف له الخراج مع الصالة ثم صرف عن الخراج أول جمادى اآلخرة‬
‫سنة إحدى وأربعين وأفرد بالصالة ‪ ...‬وعنبسة هذا آخر من ولي مصر من العرب وآخر أمير صلى بالناس في المسجد‬
‫‪.‬الجامع ‪)..‬‬
‫ـ ( فولي يزيد بن عبد هللا بن دينار أبو خالد من الموالي واله‪ :‬المنتصر على الصالة فقدم لعشر بقين من رجب سنة اثنتين ‪60‬‬
‫‪.‬وأربعين ‪)..‬‬
‫‪.‬ـ ( فولي مزاحم بن خاقان ‪ .‬لثالث خلون من ربيع األول سنة ثالث وخمسين ومائتين على الصالة من قبل المعتز ‪61 ) ...‬‬
‫ـ ( فاستخلف ابنه أحمد بن مزاحم فولي باستخالف أبيه على الصالة إلى أن مات لسبع خلون من ربيع اآلخر فكانت واليته ‪62‬‬
‫شهرين ويوًم ا فاستخلف أرجوز بن أولع طرخان التركي على الصالة فولي خمسة أشهر ونصًفا وخرج أول ذي القعدة بعد أن‬
‫‪.‬صرف بأحمد بن طولون في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وإليه كان أمر البلد جميعه‪) ..‬‬
‫ـ ( وولي منهم خمسة أمراء أولهم‪ :‬أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صالتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين ‪63‬‬
‫‪.‬من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ‪) ..‬‬
‫ـ ( ‪ ..‬فورد كتاب المعتضد بوالية خمارويه على مصر هو وولده ثالثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصالة ‪64‬‬
‫‪.‬والخراج والقضاء وجميع األعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ‪)..‬‬
‫ـ ( ثم ورد كتاب المكتفي بوالية‪ :‬عيسى بن محمد النوشري ‪..‬فولي على الصالة ‪ .. ( )..‬وأقبل عيسى النوشري ومعه ‪65‬‬
‫الحسين المادراني ومن كان معهما لخمس خلون منه فعاد النوشري إلى ما كان عليه من صالتها والمادراني إلى ما كان عليه‬
‫‪.‬من الخراج ‪ ( )..‬وبويع جعفر المقتدر فأقر النوشري على الصالة ‪)..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي تكين الخزري أبو منصور من قبل المقتدر على الصالة ‪66 )..‬‬
‫‪.‬ـ ( ثم ولي‪ :‬ذكا الرومي ‪..‬من قبل المقتدر على الصالة ‪ ..‬لثنتي عشرة خلت من صفر سنة ثالث وثلثمائة ‪67 )..‬‬
‫‪ .‬ـ ( ثم ولي‪ :‬هالل بن بدر من قبل المقتدر على الصالة ‪68 )..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصالة ‪69 )..‬‬
‫‪ .‬ـ ( فولي‪ :‬تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصالة ‪70 ) .‬‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬محمد بن طغج بن جف الفرغاني أبو بكر من قبل القاهر باهلل على الصالة ‪ ...‬وولي‪ :‬محمد بن طغج الثانية من ‪71‬‬
‫‪ .‬قبل الراضي على الصالة والخراج ‪)..‬‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬مالحظات‬
‫ـ يتكرر قول المقريزى عن الوالى األساس أنه الوالى على ( الصالة ) (الشيطانية ) ‪ .‬وفى المقال التالى سنرى ما فعله ‪1‬‬
‫‪.‬مجرمو والة الصالة الشيطانية بأهل مصر‬
‫‪.‬ـ ألهمية الخراج كان تعيين واليا للخراج ‪ ،‬وأحيانا يكون والى الصالة الشيطانية هو والى الخراج ‪2‬‬
‫ـ ألن المال هو معبودهم األعظم فقد كان الحرص على أال يبقى الوالى فترة طويلة حتى ال يتكاثر ماله من النهب ‪ ،‬ولذا كان ‪3‬‬
‫‪.‬يتكرر العزل والتولية ‪ ،‬ولهذا ايضا إشتد العسف بالمصريين بسبب الخراج بالذات ‪ ،‬وسنعرض لذلك فى المقال التالى‬
‫ـ فى بداية العصر العباسى كان أكثر والة الصالة ( الشيطانية ) من األسرة العباسية ‪ ،‬ومن ذرية القادة العرب الموالين ‪4‬‬
‫‪.‬للعباسيين ‪ ،‬وبعد سيطرة القادة األتراك على الخالفة العباسية أصبح والة الصالة منهم‬
‫ـ وكان يحدث أن يتولى والى الصالة مصر سواء كان عربيا أو تركيا فيظل فى بغداد ليحمى نفوذه ويرسل نائبا عنه يحكم ‪5‬‬
‫‪.‬مصر بإسمه‬
‫ـ توقفنا عند اإلخشيد ‪ ،‬وهو الذى أقام والية مستقلة فى إطار الخالفة العباسية كما فعل من قبله أحمد بن طولون‪ .‬وكالهما من ‪6‬‬
‫‪ .‬والة الصالة‪ .‬ثم إحتل الفاطميون مصر‬

‫الفصل السابع عشر ‪ :‬من إجرام والة الصالة الشيطانية فى مصر العباسية‬
‫)‪(1‬‬
‫هو موضوع مؤلم وطويل ‪ ،‬نكتفى منه بموجز مما كتبه المقريزى ‪ ،‬وقد كان متعصبا ‪ ،‬وننتظر أن يتجاهل الكثير من الوقائع ‪.‬‬
‫‪ :‬ولكنه المصدر التاريخى الهام المعتمد لنا‪ .‬ونعطى هنا بعض لمحات من التاريخ المجهول للمصريين‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬المقريزى فى تأريخه لوالة الصالة يلمح الى بعض مظالمهم‬
‫فى المقال السابق ركزنا عن والة مصر العباسية بوصفهم بوالة الصالة‪ .‬وكان المقريزة يذكر بعض المشهور من ظلمهم ‪.‬‬
‫‪ :‬ونعطى أمثلة ‪ .‬قال‬
‫ـ ( فولي‪ :‬موسى بن علي بن رباح باستخالف محمد بن خديج ‪ ،‬فأقره أبو جعفر على الصالة ‪ .‬وخرج القبط بهبيب في سنة ‪1‬‬
‫ست وخمسين ‪ ،‬فبعث إليهم وهزمهم ‪ .‬وكان يروح إلى المسجد ماشًي ا وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة وإذا أقام صاحب‬
‫الشرطة الحدود يقول له‪ :‬ارحم أهل البالد فيقول‪ :‬أيها األمير ما يصلح الناس إال ما يفعل بهم ‪ .)!!..‬هذا فى خالفة المنصور‬
‫العباسى‪ .‬ثار األقباط بسبب العسف وكثرة الضرائب ‪ .‬فهزمهم ( والى الصالة )‪ .‬وكان يرفض صاحب الشرطة برحمة الناس ‪،‬‬
‫ألنه يرى أن هذا هو األصلح للناس ‪ ،‬وهم له مستحقون ‪ .‬الناس هنا هم المظلومون ‪ ،‬وإاّل ما أشفق عليهم صاحب الشرطة ‪.‬‬
‫والحدود التى يذكرها المقريزى ال عالقة بتشريعات االسالم ‪ ،‬ولكنها تشريع العباسيين ووالى الصالة الذى كان ُم طلق اليد فى‬
‫‪ .‬قتل من يشاء وعقاب من يشاء دون رقيب أو مؤاخذة‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصالة والخراج فقدم في ذي الحجة وكان أبوه ‪2‬‬
‫تركًي ا وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة ‪ .. ...‬وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره قال‪ :‬هو‬
‫رجل يخافني وال يخاف هللا فولي إلى المحرم سنة أربع وستين‪ .).‬الخليفة المنصور كان من جبابرة الخلفاء أجمعين ‪ .‬و كان من‬
‫أتباعه ( يحيى بن داود ) وقد وصفه المنصور بأنه ال يخشى هللا ولكن يخشى المنصور ‪ ،‬ولذلك قام الخليفة المهدى ابن الخليفة‬
‫المنصور بتعيينه واليا على الصالة والخراج فى مصر‪ .‬لذا كان بمصر كما قال المقريزى ‪( :‬وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة‬
‫‪ .‬وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة )‪ .‬وال نعرف عدد وال أسماء ضحاياه ‪ ..‬هذا الوالى للصالة الشيطانية‬
‫ـ ( ثم ولي‪ :‬موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصالة والخراج من قبل المهدي ‪ ،‬فقدم لسبع خلون من ذي ‪3‬‬
‫الحجة المذكور ‪ ،‬فرد إبراهيم وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ‪ ،‬ثم سيره إلى بغداد ‪ ،‬وشدد موسى في استخراج‬
‫الخراج ‪ ،‬وزاد على كل فدان ضعف ما يقبل به ‪ ،‬وارتشى في األحكام ‪ ،‬وجعل خرًج ا على أهل األسواق وعلى الدواب ‪ ....‬وكان‬
‫ظالًم ا غاشًم ا ‪ .)..‬هنا يصادر شخصا ‪ ،‬ويتشدد فى سلب المصريين بزعم الخراج ‪ ،‬الى درجة مضاعفة الضريبة على الزراعة‬
‫‪ .‬وفرض ضرائب على االسواق والبهائم ‪ ،‬مع أخذه الرشوة‬
‫ـ ( فولي‪ :‬إسحاق بن سليمان ‪ ..‬من قبل الرشيد على الصالة والخراج ‪ ،‬مستهل رجب ‪ ،‬فكشف أمر الخراج ‪ ،‬وزاد على ‪4‬‬
‫المزارعين زيادة أجحفت بهم فخرج عليه أهل الحوف فحاربهم فقتل كثير من أصحابه‪ ،‬فكتب إلى الرشيد بذلك فعقد لهرثمة بن‬
‫أعين في جيش عظيم وبعث به فنزل الحوف فتلقاه أهله بالطاعة وأذعنوا فقبل منهم واستخرج الخراج كله ‪ ،‬فكان صرف‬
‫‪.‬إسحاق في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة‪ .).‬اسحاق هذا زاد فى الخراج فأشعل ثورة األعراب ضده‬
‫ـ ( فولي‪ :‬الليث بن الفضل البيوردي من أهل بيورد على الصالة والخراج وقدم لخمس خلون من شوال ثم خرج إلى الرشيد ‪5‬‬
‫لسبع بقين من رمضان سنة ثالث وثمانين ومائة بالمال والهدايا ‪ ،‬واستخلف أخاه الفضل بن علي ‪ ،‬ثم عاد في آخر السنة‬
‫وخرج ثانًي ا بالمال لتسع بقين من رمضان سنة خمس وثمانين واستخلف هاشم بن عبد هللا بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج‬
‫وقدم ألربع عشرة خلت من المحرم سنة ست وثمانين ‪ ،‬فكان كلما غلق خراج سنة وفرغ من حسابها خرج بالمال إلى أمير‬
‫المؤمنين هارون الرشيد ومعه الحساب ‪ ،‬ثم خرج عليه أهل الحوف وساروا إلى الفسطاط فخرج إليهم في أربعة آالف ليومين‬
‫بقيا من شعبان سنة ست وثمانين ومائة واستخلف عبد الرحمن بن موسى بن علي بن رباح على الجند والخراج فواقع أهل‬
‫الحوف وانهزم عنه الجند فبقي في نحو المائتين فحمل بهم وهزم القوم من أرض الجب إلى غيفة وبعث إلى الفسطاط بثمانين‬
‫رأًس ا وقدم فرجع أهل الحوف ومنعوا الخراج فخرج ليث إلى الرشيد وسأله أن يبعث معه بالجيوش فإنه ال يقدر على استخراج‬
‫الخراج من أهل األحواف إال بجيش ‪ ،‬فرفع محفوظ بن سليمان أنه يضمن خراج مصر عن آخره بغير سوط وال عصا ‪ ،‬فواله‬
‫الرشيد الخراج وصرف ليًث ا عن الصالة والخراج ‪ ،‬وبعث أحمد بن إسحاق على الصالة مع محفوظ ‪ .‬وكانت والية ليث أربع‬
‫سنين وسبعة أشهر‪ ) .‬هذا الوالى على الصالة ( الليث ) عرف كيف يرضى الرشيد ‪ ،‬فاإلله األعظم لديهم هو المال‪ ،‬لذا حرص‬
‫على توصيله للرشيد عاما بعام ‪ ،‬ولكن ثار عليه األعراب فى شرق الدلتا ( الحوف ) ‪ ،‬وكان واضحا أن التطرف فى جمع‬
‫‪.‬األموال يؤدى الى ثورة األعراب ‪ ،‬وإقترح محفوظ أنه يضمن دفع الخراج وبدون ثورة ‪ ،‬فكان عزل الليث‬
‫ـ ( وولي‪ :‬الحسين بن جميل من قبل الرشيد على الصالة وقدم لعشر خلون من رمضان ‪ ،‬ثم جمع له الخراج مع الصالة في ‪6‬‬
‫رجب سنة إحدى وتسعين ‪ ،‬وخرج أهل الحوف وامتنعوا من أداء الخراج ‪ ...‬وسار جيش الرشيد إلى بلبيس في شوال سنة‬
‫إحدى وتسعين ومائة فأذعن أهل الحوف بالخراج‪ .‬وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع اآلخر سنة اثنتين وتسعين‬
‫‪ .‬ومائة‪ .).‬كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب‬
‫ـ ـ ( فولي‪ :‬مالك بن دلهم بن عمير الكلبي على الصالة والخراج وقدم لسبع بقين من ربيع اآلخر ‪ ،‬وفرغ يحيى بن معاذ أمير ‪7‬‬
‫جيش الرشيد من أمر الحوف ‪ ،‬وقدم الفسطاط لعشر بقين من جمادى اآلخرة فكتب إلى أهل األحواف أن اقدموا حتى أوصي بك‬
‫مالك بن دلهم فدخل الرؤساء من اليمانية والقيسية فأخذت عليهم األبواب وقيدوا وسار بهم للنصف من رجب وصرف مالك‬
‫‪ .‬ألربع خلت من صفر سنة ثالث وتسعين ومائة‪ .).‬كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب‬
‫ـ ( فولي العباس بن موسى ‪ .‬من قبل المأمون على الصالة والخراج ‪ ...‬وتحامل على الرعية وعسفها وتهدد الجميع فثاروا )‪8 .‬‬
‫‪ .‬كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب‬
‫ـ ( وأعيد السري بن الحكم ثانًي ا من قبل المأمون على الصالة والخراج فذمت واليته ) ‪9‬‬
‫ـ ( ثم ولي عيسى بن يزيد الجلودي باستخالف ابن طاهر على صالتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثالث عشرة فصرف ‪10‬‬
‫ابن طاهر وولي األمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر فأقر عيسى على الصالة فقط وجعل على الخراج‪ :‬صالح بن شيرازاد‬
‫‪ ،‬فظلم الناس وزاد عليهم في خراجهم فانتفض أهل أسفل األرض وعسكروا ‪ ،‬فبعث عيسى بابنه محمد في جيش فحاربوه‬
‫‪ .‬فانهزم وقتل أصحابه في صفر سنة أربع عشرة‪ .).‬كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب‬
‫ـ ( فولي عيسى الجلودي ثانًي ا ألبي إسحاق على الصالة فحارب أهل الحوف بمنية مطر ثم انهزم في رجب فأقبل أبو إسحاق ‪11‬‬
‫إلى مصر في أربعة آالف من أتراكه فقاتل أهل الحوف في شعبان ودخل إلى مدينة الفسطاط لثمان بقين منه وقتل أكابر‬
‫‪ .‬الحوف )‪ .‬كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب‬
‫ـ ( ‪ ..‬وولي على مصر عبدويه بن جبلة من األبناء على الصالة فخرج ناس بالحوف في شعبان فبعث إليهم وحاربهم حتى ‪12‬‬
‫ظفر بهم ‪ ،‬ثم قدم اإلفشين حيدر بن كاوس الصفدي إلى مصر لثالث خلون من ذي الحجة ومعه علي بن عبد العزيز الجروي‬
‫ألخذ ماله فلم يدفع إليه شيًئ ا فقتله ‪ ،‬وصرف وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعي فولي من قبل أبي إسحاق‬
‫أول سنة ست عشرة على الصالة ‪ ،‬فانتقضت أسفل األرض عربها وقبطها في جمادى األولى ‪ ،‬وأخرجوا العمال لسوء سيرتهم‬
‫وخلعوا الطاعة ‪ ،‬فقدم اإلفشين من برقة للنصف من جمادى اآلخرة ثم خرج هو وعيسى في شوال فأوقعا بالقوم وأسرا منهم‬
‫وقتال ‪ .‬ومضى اإلفشين ورجع عيسى فسار اإلفشين إلى الحوف وقتل جماعتهم ‪ .‬وكانت حروب إلى أن قدم أمير المؤمنين عبد‬
‫هللا المأمون لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين ‪ ،‬فسخط على عيسى وحل لواءه فأخذه بلباس البياض ‪ ،‬ونسب‬
‫الحدث إليه وإلى عماله وسير الجيوش وأوقع بأهل الفساد وسبى القبط وقتل مقاتلتهم ثم رحل لثمان عشرة خلت من صفر بعد‬
‫تسعة وأربعين يوًم ا‪ .).‬هنا إشارة الى سبب مجىء الخليفة المأمون بنفسه الى مصر يحارب أهلها من األعراب واألقباط معا ‪،‬‬
‫وهذا بعد تكرار الثورات الى درجة خلع الطاعة ‪ ،‬وتحالف األعراب مع األقباط ضد ظلم والة الصالة الشيطانية العباسية‪.‬‬
‫‪.‬وسنتعرض لهذا بالتفصيل الحقا‬
‫ـ ( فولي مزاحم بن خاقان ‪ .‬لثالث خلون من ربيع األول سنة ثالث وخمسين ومائتين على الصالة من قبل المعتز وخرج ‪13‬‬
‫إلى الحوف فأوقع بأهله وعاد ثم خرج إلى الجيزة فسار إلى تروجة فأوقع بأهلها وأسر عدة من أهل البالد وقتل كثيًر ا وسار إلى‬
‫‪.‬الفيوم فطاش سيفه وكثر إيقاعه بسكان النواحي وعاد‪ .) .‬هنا تكرار الثورات الحروب بسبب الظلم فى فرض الضرائب‬
‫ـ ( وولي منهم خمسة أمراء أولهم‪ :‬أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صالتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين ‪14‬‬
‫من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ‪ ..‬وورد كتاب المعتمد يستحثه في حمل األموال فكتب إليه لست أطيق ذلك‬
‫والخراج بيد غيري فأنفذ المعتمد نفيًس ا الخادم بتقليد أحمد بن طولون الخراج وبواليته على الثغور الشامية فأقر أبا أيوب أحمد‬
‫بن محمد بن شجاع على الخراج خليفة له عليه‪ .)..‬تخلص أحمد بن طولون والى الصالة من والى الخراج ( إبن المدبر )‬
‫منتهزا فرصة جشع الخليفة المعتز وطلبه المزيد من المال‪ ،‬فجعله المعتز والى الخراج أيضا‪ .‬وبهذا تهيأ ابن طولون ألن يستقل‬
‫‪ .‬بمصر ‪ ،‬ونشبت حروب بينه وبين الدولة العباسية‬
‫ـ وتولى بعده ابنه خمارويه فاتفق خمارويه مع الخليفة المعتضد على أن يدفع للمعتضد ما طلب من المال مقابل ‪...‬يقول ‪15‬‬
‫المقريزى ‪ ( :‬وقدم من الشام لست خلون من ربيع األول سنة ثمانين فورد كتاب المعتضد بوالية خمارويه على مصر هو‬
‫وولده ثالثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصالة والخراج والقضاء وجميع األعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف‬
‫‪ .‬دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ‪ .)..‬المال هو إالههم األعظم‬
‫ـ وتولى المقتدر بن المعتضد ‪ ( .‬ثم ولي‪ :‬هالل بن بدر من قبل المقتدر على الصالة فدخل لست خلون من ربيع اآلخر وخرج ‪16‬‬
‫مونس لثمان عشرة خلت منه ومعه ابن حمل فشغب الجند على هالل وخرجوا إلى منية األصبغ ومعهم محمد بن طاهر صاحب‬
‫الشرط فكثر النهب والقتل والفساد بمصر إلى أن صرف عنها في ربيع اآلخر سنة إحدى عشرة وثلثمائة وخرج في نفر من‬
‫‪.‬أصحابه‪ .).‬هنا يذكر المقريزى إضطراب األحوال وشغب الجنود وكثرة السلب والنهب والقتل والفساد بمصر‬
‫ـ ـ ( فولي‪ :‬أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصالة وقدم ابنه أبو العباس خليفة له أول جمادى األولى ‪ ،‬ثم قدم ومعه ‪17‬‬
‫محمد بن الحسين بن عبد الوهاب المادراني على الخراج في رجب فأحضرا الجند ووضعا العطاء وأسقطا كثيًر ا من الرجالة‬
‫وكان ذلك بمنية األصبغ فثار الرجالة به ففر إلى فاقوس وأدخل المادراني إلى المدينة لثمان خلون من شوال وأقام ابن كيغلغ‬
‫‪.‬بفاقوس إلى أن صرف بقدوم رسول تكين في ثالث ذي القعدة‪ .) .‬إستمرار لإلضطراب وما يعنيه من فساد‬
‫ـ ـ ( فولي‪ :‬تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصالة وخلفه ابن منجور إلى أن قدم يوم عاشوراء سنة اثنتي عشرة ‪18‬‬
‫وثلثمائة فأسقط كثيًر ا من الرجالة وكانوا أهل الشر والنهب ونادى ببراءة الذمة ممن أقام منهم بالفسطاط وصلى الجمعة في دار‬
‫اإلمارة بالعسكر وترك حضور الجمعة في مسجد العسكر والمسجد الجامع العتيق في سنة سبع عشرة ولم يصل قبله أحد من‬
‫‪.‬األمراء في دار اإلمارة الجمعة ‪ . ) ..‬يقول المقريزى عن أتباع والة الصالة انهم أهل الّش ر والنهب‪ .‬والناس على دين ملوكهم‬
‫ثانيا ‪ :‬بالمناسبة ‪ :‬لمحة عن هذا الخليفة المقتدر‬
‫ـ تولى الخالفة طفال عام ‪ 295‬هجرية‪ .‬وهو مولود عام ‪ ، 282‬وهذا بنفوذ أمه جارية اسمها ( شغب ) وهى الجارية التى ‪1‬‬
‫‪.‬سيطرت على الخالفة العباسية‪ .‬وقد عرضنا لها فى مقال بحثى منشور فى باب دراسات تاريخية‬
‫ـ عن الخليقة المقتدر يقول ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) ‪( :‬ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات وما زال يرفع ‪2‬‬
‫صوته بالدعاء واالستخارة ‪ ،‬فبويع ولقب المقتدر باهلل وهو ابن ثالث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يوًم ا ولم يكن ولي‬
‫‪.‬الخالفة قبله أحد أصغر منه ‪ ) .‬الحظ صالته الشيطانية‬
‫ـ وعن أمواله وممتلكاته الخاصة يقول ابن الجوزى ‪ .. ( :‬وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت ‪3‬‬
‫مال العامة ستمائة ألف دينار ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار ومن الفرش واآللة والجوهر ما يزيد قيمته على‬
‫‪.‬الكل ‪) ..‬‬
‫ـ وإنفرد هذا الخليفة الصبى بصفة فريدة هى االستهتار بالمال الذى يجمعه والة الصالة الشيطانية بالقتل والعسف ‪ .‬إذ بعثر ‪4‬‬
‫الكنوز التى آلت للخلفاء العباسيين مّم ن سبقهم ‪ .‬األمويون آلت اليهم جواهر األكاسرة وغيرهم ‪ ،‬ثم ورثها العباسيون ‪ ،‬وظل‬
‫الخلفاء العباسيون يزيدون رصيدهم من الجواهر بإعتبارها ( ُع دة الخالفة ) ‪ ،‬يشترون الجواهر من المال الُّس حت الذى يجمعه‬
‫والة الصالة الشيطانية ‪ .‬تولى المقتدر فصار يوزع الجواهر على أتباعه مما أثار رءوس ( الدولة العميقة ) العباسية‪ .‬يقول ابن‬
‫الجوزى ‪ ( :‬كان جواهر األكاسر وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ‪ ،‬ثم صارت إلى السفاح ثم إلى المنصور واشترى‬
‫المهدي الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار ‪ ،‬واشترى الرشيد جوهره بألف ألف دينار ‪ ،‬ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك‬
‫إلى أن آلت الخالفة إلى المقتدر ‪ ،‬وهناك ما لم ير مثله ‪ ،‬وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثالثة مثاقيل ‪ ،‬فبسط فيه المقتدر يده ‪ ،‬ووهب‬
‫بعضه لصافي الحرمي ‪ ،‬ووجه منه إلى وزيره العباس فرده ‪ ،‬وقال‪ " :‬هذا الجوهر عدة الخالفة وال يصلح أن يفرق ‪ " .‬وكانت‬
‫زيدان القهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها ‪ ،‬وكان يضرب بها المثل فيقال‪ :‬سبحة زيدان ‪ ،‬فلما وزر علي بن‬
‫عيسى قال للمقتدر‪ " :‬ما فعلت سبحة جوهر قيمتها ثالثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ " فقال‪ " :‬في الخزانة " ‪.‬‬
‫فقال‪ُ " :‬ت طلب" ‪ .‬فُط لبت ‪ ،‬فلم توجد ‪ ،‬فأخرجه من كمه وقال‪ " :‬إذا كانت خزانة الجوهر ال تحفظ فما الذي يحفظ ؟ " وقال‪" :‬‬
‫ُع رضت علي فاشتريتها‪ " .‬فاشتد ذلك على المقتدر ‪ ،‬ثم امتدت يد الخزانة في أيام القاهر والراضي إلى خزائن الجوهر فلم يبق‬
‫‪.‬منه شيء ‪).‬‬
‫أخيرا ‪ :‬األكاسرة والقياصرة والخلفاء الفاسقون وأعوانهم من والة الصالة جمعوا األموال وإكتنزوها ثم ماتوا وتركوها‪.‬‬
‫‪ .‬وسيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم ‪ ،‬منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وكل المستبدين‬

‫من إجرام والة الصالة الشيطانية فى مصر العباسية ( ‪) 2‬‬


‫‪:‬أوًال‬
‫‪:‬من بداية الخالفة العباسية إلى سنة ‪ 235‬هجرية فى خالفة المتوكل على هللا العباسى‬
‫فى هذه الفترة واصل األقباط ثوراتهم على ظلم الوالة العباسيين‪ ،‬وكان االضطهاد فى أغلبه رسميًا من السلطة الحاكمة التى تريد‬
‫اعتصار الضرائب بالقسوة‪ ،‬والعنف فال يجد األقباط المسالمون طريقة إال الثورة التى تنتهى بالهزيمة والمذابح‪ ..‬ونعطى أمثلة‬
‫‪:‬سريعة‬
‫ـــ فى سنة ‪ 150‬هجرية ثار األقباط فى سخا وطردوا والة الضرائب فأرسل لهم العباسيون جيشًا يقوده يزيد بن حاتم‪ ،‬وهاجم ‪1‬‬
‫األقباط الجيش ليًال وقتلوا بعض أفراده وهزموا بعض فصائله‪ ،‬إال أن اإلمدادات العباسية تالحقت وحاصرت األقباط وهزمتهم‪،‬‬
‫وامتد االنتقام إلى حرق الكنائس‪ .‬واضطر األقباط إلى دفع غرامة قدرها خمسون ألف دينار للوالى العباسى سليمان بن على كى‬
‫يكف عن حرق الكنائس إال أنه أبى‪..‬يقول المقريزى ‪ ,,( :‬فاشتد البالء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف وُهدمت الكنائس‬
‫المحدثة بمصر فهدمت كنيسة مريم المجاورة ألبي شنودة بمصر وهدمت كنائس محارس قسطنطين فبذل النصارى لسليمان بن‬
‫علي أمير مصر في تركها خمسين ألف دينار فأبى ‪) .‬‬
‫ــ وتولى بعده الوالى موسى بن عيسى العباسى فاستمع إلى نصيحة األئمة المستنيرين من الفقهاء المشهورين بمصر مثل ‪2‬‬
‫الليث بن سعد وعبد هللا بن لهيعة‪ ،‬وقد أفتوا له بأن بناء الكنائس من عمارة البلد‪ ،‬فأذن الوالى بإعادة بناء الكنائس‪..،‬يقول‬
‫المقريزى ‪ ( :‬فلما ولي بعده موسى بن عيسى أذن لهم في بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد هللا بن لهيعة قاضي‬
‫مصر واحتجا بأّن بناءها من عمارة البالد‪).‬‬
‫ــ ولكن ظلت المظالم على حالها‪ .‬فى سنة ‪ 156‬هجرية عاد األقباط للثورة فى بلهيت‪ ،‬فأرسل لهم الوالى موسى بن على ‪3‬‬
‫جيشًا فهزمهم‪ .‬يقول المقريزى ‪( :‬خرج القبط ببلهيت سنة ست وخمسين فبعث إليهم موسى بن علّي أمير مصر وهزمهم ‪) .‬‬
‫ـ وفى الفتنة بين األمين والمأمون يقول المقريزى ‪ .. ( :‬كانت الفتنة بين األمين والمأمون فانُت هبت النصارى باإلسكندرية ‪4 ،‬‬
‫وأحرقت لهم مواضع عديدة ‪ ،‬وأحرقت ديارات وادي هبيب ونهبت فلم يبق بها من رهبانها إّال نفر قليل‪) .‬‬
‫ـ وجاء المأمون لزيارة مصر وأّن ب والة الصالة واعتبرهم سبب المظالم والثورات‪ ،‬ومع ذلك كان المأمون أكثر ظلما إذ حارب ‪5‬‬
‫الثوار من العرب والمصريين األقباط ‪ ،‬وأنزل عقوبة القتل والسبى بحق األقباط الثائرين ونسائهم وذريتهم‪ ،‬يقول المقريزى ‪( :‬‬
‫وفي أيامه انتقض القبط في سنة ست عشرة ومائتين فأوقع بهم اإلفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد هّللا المأمون‬
‫فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية فبيعوا وسبى أكثره )‪ .‬وسنتعرض لهذا فى المقال القادم‪ .‬لكن يهمنا هنا موضوع‬
‫الصالة والتكبير ‪ ،‬إذ صدر أمر الخليفة المأمون لجنوده فى هذا العام ‪ 216‬بالتكبير فى الصالة ثالث تكبيرات ‪ ،‬يذكر ابن األثير ‪:‬‬
‫( وفيها كتب المأمون إلى أسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوأ‪ ،‬فبدأ بذلك منتصف رمضان‪ ،‬فقاموا قياما ‪،‬‬
‫!‪ .‬وكبروا ثالثأ‪ ،‬ثم فعلوا ذلك في كل صالة مكتوبة‪ . ).‬هى صالتهم الشيطانية‬
‫ــ وكانت ثورة ‪ 216‬هجرية هى آخر ثورات األقباط الحربية‪ ،‬وبعدها اتبعوا طريق المقاومة السرية‪ ،‬ونحن ننقل معاناة ‪6‬‬
‫األقباط عن المقريزى وهو الذى ال يخفى تعصبه ضد النصارى‪ ،‬يقول فى التعليق على ثورة ‪ 216‬هجرية وآثارها ‪ ( :‬ومن‬
‫حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر ولم يقدر أحد منهم على الخروج على السلطان‪ ،‬وغلبهم المسلمون على عامة القرى‪،‬‬
‫فرجعوا من المحاربة إلى المكيدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين‪)..‬‬
‫ثانيًا‪ :‬فى عصر الخليفة المتوكل‬
‫ـ شهد عصر الخليفة المتوكل ظاهرة جديدة هى انتصار الفكر الحنبلى المتشدد وهزيمة الفكر المعتزلى العقالنى‪ ،‬وقد استمال ‪1‬‬
‫الحنابلة ورواة األحاديث الخليفة المتوكل إليهم‪ ،‬فجعل ( الُّس ّن ة ) الدين الرسمى ‪ ،‬وارسل دعاتها الى اآلفاق ‪ ،‬وبتأثيرهم دخلت‬
‫الدولة العباسية فى اضطهاد مخالفيها فى المذهب والدين‪ ،‬فحوكم شيوخ التصوف وطورد الشيعة وهدم ضريح الحسين فى‬
‫كربالء‪ ،‬وصدرت قرارات الضطهاد اليهود والنصارى‪ ،‬وانتشرت الروايات والفتاوى التى تضع اإلطار التشريعى لتلك‬
‫الممارسات‪ ،‬ومنها الحديث المشهور "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده‪ "...‬ذلك الحديث الزائف الذى أثبتنا كذبه فى مقالة‬
‫‪..‬بجريدة األحرار من حوالى ربع قرن ‪ ،‬والذى يعتبر الدستور العملى للتطرف حتى اآلن‬
‫‪ :‬ـ ترتب على هذا أن ‪2‬‬
‫‪ .‬اصبح إضطهاد األقباط والمخالفين فى الدين والمذهب دينا أرضيا وفريضة تدعو اليها األحاديث والفتاوى ‪2 / 1 :‬‬
‫انتقل االضطهاد لألقباط من دائرة الحكم والسياسة إلى الشارع والعوام‪ ،‬وساعدت الروايات والفتاوى وجهود الفقهاء ‪2 / 2 :‬‬
‫والقصاصين وأهل الحديث فى شحن األفراد العاديين بالكراهية ضد مخالفيهم فى المذهب سواء كانوا صوفية أو شيعة أو كانوا‬
‫مخالفين لهم فى الدين أى من اليهود أو من النصارى‪ ..‬وبالتالى تحول االضطهاد الرسمى العنصرى لألقباط إلى اضطهاد دينى‬
‫‪..‬يشارك فيه المصرى المسلم ضد أخيه المصرى القبطى‬
‫ـ وبمرور الزمن تعاظم تأثير تلك الروايات والفتاوى وأصبحت ركائز دينية تفرق بين أبناء الشعب الواحد وتباعد بينهم وبين ‪3‬‬
‫الدين الحق الذى نزل على خاتم األنبياء عليهم السالم‪ .‬والمؤسف أن المسلم اليوم ‪ -‬إذا أراد أن يتدين ‪ -‬يجد أمامه كتابات اولئك‬
‫األئمة فيما يعرف اآلن بكتب الفقه والسنن وقد احتوت على تلك الروايات والفتاوى فيأخذها عنهم كأنها الدين الحق ويصدق‬
‫نسبتها الكاذبة للنبى محمد ‪ ،‬مع انها – أى تلك األحاديث – قد كتبوها ونسبوها للنبى بعد موته بأكثر من قرنين من الزمان عبر‬
‫اسناد شفهى مضحك‪ .‬اال أن المسلم اليوم يصدق هذه األحاديث المفتراة ويعتقد أن النبى محمدا عليه السالم قد قالها فعال ‪،‬‬
‫وعلى أساسها يعتقد أن كراهية المخالفين فى المذهب واالعتقاد من معالم الدين حتى لو كانوا من المسالمين الصابرين‪ .‬والدليل‬
‫على ذلك ما نراه فى عصرنا الراهن من اضطهاد لألقباط مع علو لنفوذ التيار الحنبلى السلفى والذى استعادته الدولة السعودية‬
‫عبر مذهبها الوهابى وأصبح من عالماته التطرف والتعصب واالنغالق واضطهاد المخالفين والحكم بتكفيرهم وما يترتب على‬
‫‪..‬التكفير من سفك للدماء واستحالل لألموال‬
‫أعاد ذلك لعصرنا الراهن ما ساد فى عصر الخليفة المتوكل العباسى من سطوة الفقهاء المتزمتين الذين سموا أنفسهم بأهل‬
‫السنة واستمرت سطوتهم فى عصر من جاء بعده من الخلفاء حتى أصبحت سياسة متبعة ‪ .‬ثم اعاد التطرف الوهابى والنفوذ‬
‫السعودى هذا التراث حيا فى عصرنا‪.‬وليس غريبًا بعدها أن نعرف أن أئمة الحديث المشهورين عاشوا تلك الفترة من ابن حنبل‬
‫إلى البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ‪،‬وقد أصبحوا اآلن فى عصرنا آلهة منزهة عن الخطأ ومن يناقشهم ‪ -‬معتبرا اياهم بشرا‬
‫!!‪.‬يخطئون ويصيبون – يكون مصيره االتهام بالكفر وإنكار السنة‬
‫‪.‬ــ ونعود إلى الروايات التاريخية فى سردها للتطور الجديد فى اضطهاد األقباط فى هذه الفترة ‪4‬‬
‫فى سنة ‪ 235‬هجرية أصدر الخليفة المتوكل مرسومًا يهدف إلى تحقير (أهل الذمة) فى كل االمبراطورية العباسية‪4 / 1 : ،‬‬
‫وذلك بإلزامهم بارتداء زى معين ومظهر معين‪ ،‬مع هدم الكنائس الجديدة وتحصيل الضرائب والعشور من منازلهم وأن يجعل‬
‫على أبواب بيوتهم صورًا للشياطين‪ ،‬ونهى المرسوم عن توظيفهم وتعليمهم عند المسلمين‪ ،‬وتسوية قبورهم باألرض وأال‬
‫يحملوا الصليب فى أعيادهم وأال يشعلوا المصابيح فى احتفاالتهم وأال يركبوا الخيول‪ ..‬وقد طبق الوالة ذلك على أقباط مصر‬
‫‪.‬وأصبحت سنة متبعة‬
‫يذكرها ابن األثير فى أحداث عام ‪ . 235‬يقول ابن األثير فى تاريخه ( الكامل ) ‪ ( :‬وفي هذه السنة أمر المتوكل أهل ‪4 / 2 :‬‬
‫الذمة بلبس الطيالسة العسلية‪ ،‬وشد الزنانير‪ ،‬وركوب السروج بالركب الخشب‪ ،‬وعمل كرتين في مخر السروج‪ ،‬وعمل رقعتين‬
‫على لباس مماليكهم مخالفتين لون الثوب‪ ،‬كل واحدة منهما قدر أربع أصابع‪ ،‬ولون كل واحدة منهما غير لون األخرى‪ ،‬ومن‬
‫خرج من نسائهم تلبس إزارًا عسليأن ومنعهم من لباس المناطق‪ ،‬وأمر بهدم بيعهم ( كنائسهم ) المحدثة‪ ،‬وبأخذ العشر من‬
‫منازلهم‪ ،‬وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب‪ ،‬ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان‪ ،‬وال يعلمهم مسلم‪،‬‬
‫وأن يظهروا في شعانينهم صليبأن وأن يستعملوه في الطريق‪ ،‬وأمر بتسوية قبورهم مع األرض‪ ،‬وكتب في ذلك إلى اآلفاق‪).‬‬
‫‪ ،‬وذكرها ابن الجوزى فى أحداث عام ‪ ، 239‬يقول ‪ ( :‬ثم دخلت سنة تسع وثالثين ومائتين ‪4 / 3 :‬‬
‫فمن الحوادث فيها‪ :‬أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسليتين على األقبية والدراريع وكان ذلك في المحرم ‪ ،‬وأن تصنع‬
‫) ‪.‬النساء مقانعهن عسليات ‪ ،‬ثم أمر في صفر بأن يقتصروا في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين‬
‫ويذكرها المقريزى فى ( الخطط ) فى عام ‪ . 235‬يقول ‪.. ( :‬وفي أيامه أمر المتوكل على هللا في سنة خمس وثالثين ‪4 / 4 :‬‬
‫ومائتين أهل الذّم ة بلبس الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مؤخر السرج وعمل‬
‫رقعتين على لباس رجالهم تخالفان لون الثوب قدر كّل واحدة منهما أربع أصابع ولون كّل واحدة منهما غير لون األخرى ومن‬
‫خرج من نسائهم تلبس إزاًر ا عسلًي ا ومنعهم من لباس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وأن يجعل‬
‫على أبواب دورهم صور شياطين من خشب ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان وال يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في‬
‫شعانينهم صليًب ا وأن ال يشعلوا في الطريق ناًر ا وأمر بتسوية قبورهم مع األرض ‪ .‬وكتب بذلك إلى اآلفاق ‪ .‬ثم أمر في سنة‬
‫تسع وثالثين أهل الذّم ة بلبس دراعتين عسليتين على الذراريع واألقبية وباالقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون‬
‫‪.‬الخيل والبراذين‪) .‬‬
‫ـ ومفهوم تلك القرارات أن يشارك الناس فى إلزام األقباط بها‪ ،‬ومن هنا بدأ انغماس العوام فى اضطهاد األقباط‪ ..‬وتعلموا أن ‪5‬‬
‫ذلك يعنى إظهار اإلخالص لإلسالم‪ ،‬وانتقل ذلك الفهم الخاطىء لبعض الوالة المتدينين مثل أحمد بن طولون الذى استقل بمصر‬
‫ذاتيًا فى إطار الخالفة العباسية‪ ،‬وكان معروفًا بتدينه وجرأته على سفك الدماء لصالح سلطانه‪ ،‬ولم يكن األقباط يشكلون خطرًا‬
‫على نفوذه‪ ،‬بل كان يستعين بهم فى دواوينه وأعماله ومع ذلك فقد قام بعمليات اضطهاد ضد األقباط كأفراد ومنشآت دينية‪ ..‬ولم‬
‫تكن له فيها دوافع سياسية‪ ،‬مما يرجح أن دوافعه كانت دينية نتيجة تأثره بالفكر السلفى السنى السائد‪ ،‬وقد كان معروفًا‬
‫بإخالصه لذلك الفكر‪ .‬والمقريزى يذكر أن أحمد بن طولون ألزم البطرك ميخائيل بدفع غرامة قدرها عشرون ألف دينار واضطره‬
‫‪..‬لبيع أوقاف الكنيسة‪ ،‬وفرض ابن طولون ضرائب جديدة على األقباط‬
‫‪..‬ـ وحدث سنة ‪ 300‬هجرية إحراق كنيسة القيامة فى اإلسكندرية ‪6‬‬
‫ـ وبعد انتهاء الدولة الطولونية اشتد الوالى ابن الجراح على األقباط وألزم الرهبان بدفع الجزية فاستغاثوا بالخليفة العباسى ‪7‬‬
‫‪.‬المقتدر فأمر برفع الجزية عنهم اكتفاء بما دفعه عامة األقباط‬
‫ـ وأقام محمد بن طغج دولته األخشيدية بمصر فأرسل فرقة من جيشه إلى مدينة تنيس على ساحل المتوسط فى سيناء فصادر ‪8‬‬
‫‪.‬ما فى الكنيسة الملكية بها‬
‫ـ أصبح إضطهاد األقباط شريعة دينية بما إقترفه الخليفة المتوكل ( على هللا ) ‪ ،‬وبما إفتراه الحنابلة من أحاديث ‪ ،‬وخصوصا ‪9‬‬
‫‪.‬حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) ‪ ،‬وقد إعتبروا بيوت العبادة لمخالفيهم فى الدين والمذهب منكرا يجب إزالته‬

‫من إجرام والة الصالة الشيطانية فى مصر العباسية ( ‪) 3‬‬


‫أوال ‪ :‬سكن األعراب فى مصر‬
‫ـ عمل األمويون علي نقل بعض القبائل القيسية إلي مصر في شرق الدلتا أو ما كان يعرف بالحوف الشرقي وهو المنطقة بين ‪1‬‬
‫األرض الزراعية في الدلتا وشبه جزيرة سيناء وتحتلها اآلن محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والسويس واإلسماعيلية‬
‫وبورسعيد ‪ .‬وقبل خالفة هشام بن عبد الملك لم يكن من قبائل قيس بمصر إال بعض البيوت من قبيلتي فهم وعدوان ‪ ،‬ثم وفد‬
‫ابن الحبحاب علي الخليفة هشام بن عبد الملك وسأله أن ينقل إلي مصر بعض قبائل أخري من قيس ‪ ،‬وكان ذلك في والية‬
‫الوليد بن رفاعة علي مصر ‪ ،‬فأذن هشام في أن يهاجر إلي مصر ثالثة آالف من قبائل قيس وأن يحول ديوانهم إلي مصر‬
‫بشرط أال ينزلوا الفسطاط عاصمة الحكم وقتها ‪ .‬ونزلت قيس بالمنطقة ‪ ،‬جاءوا من البادية العربية إلي بلبيس وما حولها ‪،‬‬
‫وكان منهم مائة بيت من بني نضر ومائة بيت من بني سليم ‪ ،‬واستوطنوا المنطقة الزراعية القريبة من صحراء بلبيس وباشروا‬
‫زراعتها ‪ ،‬وقاموا بتحصيل الصدقات والزكاة لصالح الدولة األموية ‪ ،‬وكانوا يحملونها علي اإلبل إلي الدلتا إلي ما يعرف بميناء‬
‫‪ .‬السويس اآلن ‪ ،‬وكان الرجل منهم يتكسب في نقل المحاصيل هذه أكثر من عشرة دنانير في الشهر‬
‫ــ ثم سمحت لهم السلطات بشراء الخيول واالتجار فيها فأثروا من تربية الخيول بسبب جودة المرعي واتساع الصحراء ‪2‬‬
‫لنشاطها ‪ ،‬وكان أحدهم يشتري الُم هر فال يلبث الُم هر عنده شهرا حتى يصلح للركوب ‪ .‬وازداد ثراؤهم ووصلت األخبار إلي‬
‫أقاربهم من قيس في الجزيرة العربية فنزح إليهم خمسمائة بيت ‪ ،‬وبعدها بعام واحد جاء خمسمائة بيت آخر فصار في بلبيس‬
‫‪ .‬وحدها ألف وخمسمائة بيت من قبائل قيس‬
‫ــ وفي خالفة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية كان واليه علي مصر الحوثرة بن سهيل الباهلي ‪ ،‬وقد مالت إليه قبائل ‪3‬‬
‫قيس فتوافد علي مصر في عهده عناصر كثيرة ‪ ،‬حتى أصبح عددهم حينئذ أكثر من ثالثة آالف بيت ‪ .‬وحينئذ أصبح تركز‬
‫‪ .‬القيسيين في شرق الدلتا ظاهرة تاريخية وسياسية ألنهم أثاروا القالقل للدولة العباسية‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬جاءت الدولة العباسية بسياسة جديدة ‪ ،‬وهى‬
‫ـ احتالل الفرس موقع الصدارة ‪ ،‬ولم يرض العرب في بغداد وغيرها عن ذلك ‪ ،‬وحدث نوع من التوتر بين أعراب قيس الذين ‪1‬‬
‫استوطنوا الحوف الشرقي وبين والة الصالة العباسية في مصر ‪ ،‬تلك السلطات التي تركت الفسطاط وأقامت عاصمة جديدة هي‬
‫‪ .‬العسكر‬
‫ـ وفرضت زيادة جديدة في الضرائب سنة ‪ 178‬وهي زيادة أجحفت بالمزارعين األقباط المصريين واألعراب معا ‪ ،‬مما ادى ‪2‬‬
‫‪ :‬الى ثورة األعراب ‪ .‬مثال‬
‫كان الوالى على الصالة فى مصر هو إسحاق بن سليمان بن علي العباسي ‪ ،‬وقد فرض زيادة فى الخراج ‪ ،‬فثار أعراب ‪2 / 1 :‬‬
‫قيس علي تلك الزيادة وجمعوا فرسانهم وأقاموا لهم عسكرا منع تحصيل الضرائب ‪ ،‬فبعث إليهم الوالي العباسي جيشا لم يستطع‬
‫إخماد ثورتهم ‪ ،‬فأرسل إلي هارون الرشيد يطلب المدد فأرسل له بجيش هائل يقوده هرثمة بن أعين ‪ ،‬ونزل ذلك الجيش‬
‫‪ .‬الحوف الشرقي فأخاف القيسيين وأذعنوا ودفعوا الخراج كله‬
‫ـ ثم أرسل الوالي العباسي رجاال يقيسون األرض الزراعية ‪ ،‬ولم يعجب عملهم عرب قيس في الحوف الشرقي ‪2 / 2‬‬
‫واتهموهم بعدم األمانة في القياس ‪ ،‬واشتكوا إلي الوالي وهو الليث ابن الفضل البيودي فلم يهتم بهم ‪ .‬فجمعوا فرسانهم وساروا‬
‫إلي الفسطاط والعسكر حيث يقيم الوالي ‪ ،‬فخرج إليهم الوالي في شعبان سنة ‪ 186‬في أربعة آالف جندي ‪ ،‬فالتقي معهم في‬
‫معركة طاحنة في رمضان ومع أن جنوده انهزموا وتركوه في ‪ 12‬رمضان إال أنه ثبت مع نحو المائتين من جنوده حتى هزم‬
‫القيسيين وطاردوهم إلي غيتة ‪ ،‬وهي قرية بجوار بلبيس ‪ .‬وبعد هذا االنتصار بعث الوالي إلي بغداد بثمانين من رؤوس أكابر‬
‫‪ .‬القيسيين ‪ ،‬ورجع إلي عاصمته‬
‫إال أن تلك الهزيمة المنكرة لم تخضع القيسيين بل أثارت فيهم نزعة الثأر واالنتقام فعادوا إلي منع الخراج ‪ ،‬وخشي ‪2 / 3 :‬‬
‫الوالي أن يخسر أمامهم الجولة التالية ‪ ،‬فسافر بنفسه إلي بغداد في محرم سنة ‪ ، 187‬وطلب من هارون الرشيد أن يزوده‬
‫بجيش قوي ألنه ال يستطيع تحصيل الخراج من الحوف الشرقي إال بقوة الجيش ‪ .‬وكان حاضرا محفوظ بن سليم ذلك المجلس ‪،‬‬
‫‪ ..‬فضمن للرشيد خراج مصر عن آخره بال سوط وال عصا ‪ ،‬فواله الخراج وعزل الوالي ليث بن الفضل‬
‫ــ مع الزيادة المطردة فى الضرائب إنضم الى قبائل قيس قبائل عربية أخرى تعيش فى مصر ‪ ،‬وإستمر الصراع حتى ‪2 / 4‬‬
‫عصر المأمون ‪ ،‬حين تحالف األقباط المصريون مع األعراب ضد ظلم والة الصالة العباسيين ‪ .‬وأعلن الجميع الثورة العامة‬
‫‪.‬وخلعوا طاعة العباسيين في الدلتا كلها وفي صعيد مصر وطردوا الموظفين العباسيين‬
‫ـ وفى الدولة العباسية كان الخليفة يريح نفسه بأن يعين والى الصالة على أن يوّر د للخليفة مبلغا معينا كل عام ‪ ،‬ويترك له ‪3‬‬
‫أن يحّص ل أضعاف هذا المبلغ من المصريين كيف شاء ‪ .‬وفى احداث عام ‪ 205‬تقول الرواية ( ومات نائب مصر السري بن‬
‫الحكم بها‪ ،‬ونائب السند داود بن يزيد‪ ،‬فولى مكانه بشر بن داود على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم ) أى تم تعيين‬
‫‪ .‬الوالى على ( الهند ‪ /‬السند ) مقابل دفع مبلغ مليون درهم سنويا ‪ ،‬وليس مهما كيف يجمعها أو المقدار الذى يجمعه‬
‫ـ يضاف الى هذا ذلك التبذير الهائل فى هذا المال الذى يجمعونه بالُّس حت وبالقهر ‪ .‬وتجلى هذا فى عصر المأمون بالذات ‪4 .‬‬
‫‪ :‬ونعطى بعض أمثلة‬
‫وزعوا األموال والضياع والجواهر فى زفاف المامون ‪ /‬بوران بنت الحسن بن سهل ‪ .‬ومدح الشعراء والمؤرخون‪4 / 1 :‬‬
‫المأمون ووصفوه بالكرم الزائد ‪ ،‬دون أن يتساءلوا عن مصدر هذه األموال وكيف جىء بها اليه ‪ .‬ودائما يكون المستفيدون بهذا‬
‫‪ .‬السخاء الشعراء والمنافقون والقواد‬
‫‪ :‬ومدحوا عبد هللا بن طاهر قائد المأمون وواليه على مصر بالسخاء ‪ .‬ونعطى أمثلة ‪4 / 2‬‬
‫فى أحداث عام ‪ ، 206‬يقول أحد الرواة ( لما افتتح عبد هللا بن طاهر ُمْض ر ونحن معه سَّو غه المأمون خراجها ‪4 / 2 / 1 :‬‬
‫سنة ) أى منحه خراج مصر عاما بأكمله ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها‪ ) .‬أى فرق أيراد مصر‬
‫‪.‬كله على أصحابه وهو على المنبر‬
‫وفى الحرب عام ‪ 210‬بين عبد هللا بن طاهر و عبيد هللا بن السرى المتغلب على مصر إنهزم عبيد هللا بن السرى ‪4 / 2 / 2 :‬‬
‫وتحصن بالفسطاط ‪ ،‬تقول الرواية ( ودخل الفسطاط منهزًم ا فأغلق على نفسه وأصحابه الباب ‪ ،‬فحاصره ابن طاهر ‪ ،‬فبعث إليه‬
‫لياًل ألف وصيف وألف وصيفة مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير ‪ . ) ..‬الوصيف والوصيفة ( رقيق من الذكور واالناث )‬
‫!!‪ ..‬ومعهم مليون دينار‬
‫موت طلحة بن طاهر بخراسان فوَل ى المأمون أخاه أبا إسحاق الشام ومصر وولى ابنه العباس بن المأمون ( ‪4 / 2 / 3 :‬‬
‫أى نصف مليون دينار لكل منهم ) ‪ .‬الجزيرة والثغور والعواصم ‪ ،‬وأمر لهما ولعبد هللا بن طاهر لكل منهم بخمسمائة ألف دينار‬
‫!‪.‬‬
‫‪.‬أدى هذا الى الثورة الكبرى على المأمون والتى إشترك فيها المصريون واألعراب معا‬
‫ثالثا ‪ :‬الثورة المصرية على المأمون‬
‫ــ استمرت المعارك فيها سجاال منذ بداية الثورة في جمادي األولي عام ‪ 216‬إلي ‪ 10‬محرم عام ‪ 217‬حتى جاء الخليفة ‪1‬‬
‫‪ .‬العباسي المأمون بنفسه وأخمد الثورة‬
‫ـ وُت طلق المراجع القبطية على هؤالء الثوار المصريين لقب ( البشموريين ) وتقول انهم كانوا يسكنون شمال الدلتا فى ‪2‬‬
‫المنطقة الرملية الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد ‪ ،‬ويعملون في إنتاج ورق البردي الذي كان العالم كله في ذلك الوقت‬
‫‪..‬يستخدمه لتسجيل علومه ومعارفه وفى مختلف أنشطه حياته اليومية‬
‫ثاروا ضد الظلم أيام عيسى بن منصور الوالى العباسى من زياده ظلم جباة الخراج (الضرائب) ومضاعفة الجزية ‪،‬وقد قاموا‬
‫بطرد عمال الدولة ورفضوا دفع الجزية‪ .‬ارسل المأمون قائده االفشين بحربهم ‪ ،‬وفشل االفشين بسبب مناعة منطقتهم التى‬
‫تحيط بها قنوات المياه ‪ ،‬وجهل جنود االفشين بالطرق والمسالك ‪ ،‬فكان البشموريون يتبعون حرب العصابات يختطفون جنود‬
‫‪ .‬العدو ويقتلونهم على حين غفلة‬
‫وبهزيمة االفشين جاء المأمون بنفسه ‪ ،‬وصحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية واستعان به وببطرك‬
‫األقباط األنبا يوساب‪ ،‬إلخماد ثورة البشموريين‪ ،‬وساعدوه بفرقة من خبراء الطرق والمسالك حتى تمكن من االنتصار على‬
‫‪ .‬البشموريين‬
‫وأحرق جيش المأمون بيوت البشموريين ‪ ،‬ولما رأى المأمون كثرة القتلى أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم‪ ،‬ثم أرسلهم في‬
‫طلب رؤسائهم وأمرهم أن يغادروا بالدهم ‪ .‬وسافروا على سفن إلى أنطاكية حيث أرسلوا إلى بغداد ‪ ،‬وكان يبلغ عددهم ثالثة‬
‫آالف‪ ،‬مات معظمهم في الطريق‪ .‬أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد ‪ ،‬وبلغ عدد هؤالء خمسمائة‪ ،‬فأرسلوا إلى‬
‫‪ .‬دمشق وبيعوا هناك‬
‫‪ :‬الخاتمة‬
‫هذا ما فعله المأمون مع الثوار األحرار ‪ ،‬وهو الذى أمر جنوده بزيادة التكبير فى الصالة ‪ ،‬والذى كان يتفاخر بمدى حلمه‬
‫‪.‬وصفحه وتسامحه‬
‫!!‪.‬أال لعنة هللا جل وعال عليهم أجمعين‬

‫الفصل الثامن عشر ‪ :‬الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا‬
‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 1‬‬
‫مقدمة‬
‫ـ إستولى جوهر الصقلى على مصر بسهولة واسس مدينة القاهرة والجامع األزهر عام ‪ 358‬هجرية ‪ 972‬ميالدية ‪1 ،‬‬
‫‪ .‬وإستمرت الدولة الفاطمية حتى أسقطها صالح الدين األيوبى بسهولة أيضا عام ‪ 567‬هجرية ‪ 1171 /‬ميالدية‬
‫ـ فيما يخص موضوعنا عن الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين الفاطميين نكتفى بالتركيز على ( الحاكم بأمر هللا )‪ .‬ال نراه ‪2‬‬
‫مجنونا كما يتهمه المؤرخون ‪ ،‬ولكن نراه خليفة فاطميا صريحا ال يؤمن بالتقية الشيعية ‪ ،‬بل يمارس ما يراه حقا له ‪ ،‬كخليفة‬
‫شيعى له أن يقتل من يشاء وأن يصدر من التشريعات ما يهوى حتى لو إستغرب الناس ‪ ،‬ثم هو الذى كشف المستور ‪ ،‬وهو‬
‫تأليه االمام الشيعى فأعلن األلوهية ‪ .‬فى كل هذا أظهر خفايا دينه الشيعى وهتك أستاره ‪ .‬ساعدته ظروفه على هذا ‪ ،‬إذ تشّر ب‬
‫الحاكم هذا من بيئته الفاطمية ‪ ،‬وتولى الحكم صغيرا ‪ ،‬وتحت رعاية أخته الكبرى ست الملك ‪ .‬ثم تمرد عليها وإنطلق يتصرف‬
‫‪.‬بال تقية يطبق شريعته بهواه يقتل ويصدر التشريعات المضحكة ‪ ،‬وأحّس ت أخته ست الملك بالخطر فقتلته غيلة‬
‫‪ :‬ـ ونبدأ ببعض التفصيالت ‪3‬‬
‫‪ :‬أوال‬
‫الحاكم بأمر اللهوأخته ست الملك‬
‫ـ حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر هللا مصر والشام وأجزاء من العراق مع الحجاز وشمال أفريقيا في المدة ما بين (‪386‬ـ ‪1‬‬
‫‪ )411‬هـ الموافق (‪ 996‬ـ ‪1020‬م) ‪ .‬كان الحاكم في الحادية عشرة من عمره حين تولى الخالفة في يوم الثالثاء الثامن‬
‫والعشرين من رمضان سنة ‪386‬هـ ‪ .‬وقع الحاكم تحت سيطرة ابن عمار ‪ ،‬ولم تتحمل ست الملك ذلك الوضع فتآمرت مع أخيها‬
‫الصغير ( الحاكم ) على عزل ابن عمار ‪ .‬وكانت ست الملك تشارك أخاها سعادته ظنًا منها أن خادمهم برجوان سيكون أفضل‬
‫من ابن عمار ‪.‬وأهدت ست الملك أخاها الخليفة ثالثين فرسًا مرصعة بالذهب والبللور وعشرين بغلة وخمسين خادمًا ومائة تخت‬
‫ثياب وتاجًا مرصعًا وأدوات ثمينة وتحفة فنية عبارة عن بستان من فضة مليء باألشجار ‪ ،‬وذلك ابتهاجًا بالنصر ‪.‬ولكن أفراح‬
‫الحاكم وأخته لم تطل ‪ ،‬إذ ما لبث أن استبد برجوان الخادم باألمر بعد أن كون لنفسه حرسًا خاصًا وعقد صلحًا مع خصومه‬
‫السابقين ومنهم ابن عمار في مقابل اعترافهم بسلطانه‪ ،‬وبعد أن تمكن له األمر أصبح برجوان الخادم السابق يستخّف بالخليفة‬
‫ويسيء معاملته وينهب األموال حتى بلغت ثروته أكثر من مائتي مليون دينار وخمسين أردبًا من الدراهم والفضة واثني عشر‬
‫صندوقًا من الجواهر باإلضافة إلى الممتلكات العينية ‪ .‬وفي غمرة فساده وطغيانه نسي برجوان أن الخليفة الصبي أصبح شابًا‬
‫وأن أخته ست الملك معه تخطط له ‪ ،‬وفي النهاية نجح التخطيط فاستدعى الخليفة خادمه برجوان وقتله‪ .‬وال تزال إحدى حارات‬
‫‪.‬القاهرة تحمل اسم برجوان‬
‫ـ بعد التخلص من برجوان إنفرد الحاكم باألمر ‪ ،‬وبالتالى بدأت الجفوة بينه وبين أخته‪ .‬ولسنا فى مجال التفصيل ‪ ،‬فقد كتبنا ‪2‬‬
‫فى هذا فى مقاال بعنوان ( لغز الحاكم بأمر هللا وست الملك ) فى ( دراسات تاريخية )‪ .‬إنتهى الصراع بأن خططت ست الملك‬
‫إلغتيال أخيها وبعد قتله عينت إبنه الظاهر خليفة‪ .‬وتمت البيعة للخليفة الظاهر الفاطمي إبن الخليفة الحاكم في يوم األضحى‬
‫سنة ‪411‬هــ ‪ ،‬وكان عمره وقتها ست عشرة سنة وثالثة أشهر ‪ ،‬وعمته ( ست الملك ) هي التي ألبسته تاج الخالفة المرصع‬
‫بالجواهر وجعلت على رأسه مظلة مرصعة وأركبته فرسًا رائعًا بمركب ذهب مرصع بالجواهر ‪ ،‬وأخرجت بين يديه الوزير‬
‫وكبار الدولة ‪ ،‬فلما تقدم الموكب هتف الوزير في الناس ‪ :‬يا عبيد الدولة موالتنا ست الملك تقول لكم هذا موالكم أمير المؤمنين‬
‫فسلموا عليه ‪ ،‬فارتمى ابن دَّو اس بين يديه يقبل األرض وتتابع بعده القواد والزعماء يعطونه العهد والميثاق ‪ ،‬وهمس أحد‬
‫الغلمان قائًال ‪ :‬ال أبايع حتى أعرف خبر موالي الحاكم ‪ ،‬فأخذوه لوقته وغرقوه في النيل ‪ ،‬فارتعب الجميع ‪ ،‬وتم األمر لست‬
‫‪..‬الملك والخليفة الصغير الذي ليس له من األمر شيء‬
‫ثانيا ‪ :‬أخذ الحالكم عن أسالفه الصالة الشيطانية‬
‫ـ ونعنى بها كما سبق ـ تادية الصالة وسيلة للظلم وسفك الدماء والسلب والنهب والفساد واالستبداد‪ .‬وأهم مظهر لهذا هو ‪1‬‬
‫المسجد ‪ ،‬وتأدية الصالة ‪ .‬وقد كان المسجد والخطبة فيه تعنى االعتراف بالخليفة ‪ .‬لذا قيل عن الحاكم (ُخ طب له على منابر‬
‫مصر والشام وإفريقية‪ .).‬أنشأ جوهر الصقلى القاهرة والجامع األزهر ليكون القاعدة الدينية للخالفة الفاطمية‪ .‬وجاء الحاكم فزاد‬
‫‪ .‬أو زايد على جده بإنشاء ( جامع الحاكم ) و ( جامع راشدة )‬
‫ـ كان المؤرخون يذكرون خطبة الخليفة الفاطمى كأحد أنشطته السياسية الرسمية ‪،‬ونتعرف على رسوم وطقوس الصالة ‪2‬‬
‫والخطبة للخليفة الفاطمى فى صالة الجمعة والعيدين مما كتبه المقريزى فى تاريخه ‪ (:‬إتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين‬
‫‪ :‬الخلفاء )‬
‫عن الخليفة المعز لدين هللا الفاطمى ثالث الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر قال المقريزى ‪ ( :‬وفي ‪2 / 1 :‬‬
‫يوم عيد الفطر ركب المعز وصلى بالناس على رسمه وخطب‪( ).‬على رسمه ‪:‬أى طبقا للنظم الرسمية للدولة ) ‪.‬وتكرر هذا ‪:‬‬
‫( وصلى المعز صالة العيد وخطب على الرسم الذي تقدم ذكره وانصرف إلى القصر فأطعم على الناس‪).‬‬
‫وعن ابنه الخليفة العزيز باهلل قال ‪ ( :‬عام ‪ 378‬وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ركب العزيز إلى جامع القاهرة ‪2 / 2‬‬
‫بالمظلة فخطب وصلى‪ ).‬أى كان يسير بمظلة ( شمسية ) فوقه ‪ ،‬ضمن شعائر الصالة والخطبة ‪ .‬وجامع القاهرة هو الجامع‬
‫‪ .‬األزهر‬
‫ـ وذكر المؤرخ ابن زوالق أنه صلى الجمعة خلف الخليفة المعز لدين هللا الفاطمى ‪ ،‬قال ‪ ( :‬أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي ‪3‬‬
‫كل سجدة نيفًا وثالثين تسبيحة ‪ ،‬وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير ‪ .‬وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى‬
‫‪ ،‬ثم كبر أيضًا بعد القراءة ‪ ،‬وهي صالة جده علي بن أبي طالب ‪ ،‬وأطال أيضًا في الثانية الركوع والسجود ‪ .‬وأنا سبحت خلفه‬
‫نيفا وثالثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة ‪ ،‬وجهر ببسم هللا الرحمن الرحيم في كل‪ ،‬فلما فرغ من الصالة صعد المنبر‬
‫وسلم على الناس يمينا وشماال ‪ ،‬ثم نشر البندين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما ‪ ،‬وكان في أعلى درجة من المنبر‬
‫وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين ‪ ،‬واستفتح الخطبة ببسم هللا الرحمن الرحيم‪ .‬وكان معه على المنبر جوهر وعمار‬
‫بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال‪ :‬هللا أكبر هللا أكبر استفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبته بخضوع‬
‫وخشوع‪ .‬فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أوالده األربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين‬
‫يديه بالفيلين‪ . ).‬هنا طقوس فى الخطبة وهو على المنبر ‪ ،‬وهناك القائم بالمظلة أو الشمسية ‪ ،‬واسمه شفيع ‪ .‬وموكب فى‬
‫دخوله الجامع األزهر وموكب فى رجوعه القصر ( قصر الذهب ) ‪ .‬ومع أن الحاكم تولى الخالفة صبيا فقد كان يحرص على‬
‫‪ .‬الصالة والخطبة بنفسه ‪ ،‬كما سيأتى‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫‪ .‬جذور زعمه األلوهية فى تاريخ اسالفه‬
‫ـ المعز الفاطمي هو الذي مدحه الشاعر ابن هانيء االندلسي بقصيدة أولها ‪1‬‬
‫فاحكم فأنت الواحد القــهار‬ ‫ما شئت ال ما شاءت األقدار‬
‫‪ :‬ويقول فيه‬
‫عاينت تحت ركابه جبريال‬ ‫وإذا تمثل راكبا في موكب‬
‫هذا ما ذكره السيوطى فى تأريخه للقاهرة فى الجزء األول من كتابه ( ُح سن المحاضرة )‬
‫وهو ما قاله ُدعاة تأليه الحاكم ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وكان دعاته إذا ركب يقولون‪ :‬السالم عليك يا واحد يا أحد ‪ " ،‬ويغلونفيه‬
‫الغُلو المفرط‪) .‬‬
‫ـ وكان على رأس الدعاة لتأليه الحاكم بأمر هللا حمزة والدرزي وخوتكين‪ .‬وقد ثار الكثيرون على دعوة تأليه الحاكم فقتلوا ‪2‬‬
‫خوتكين وبعض أتباعه‪ ,‬فهرب الدرزي وحمزة إلى بالد الشام حيث نشرا هذه العقائد بين قبائل كلب وأوجدا فرقة الدروز في‬
‫‪ .‬سورية ولبنان وشمال فلسطين‬
‫تقول الروايات عن الحاكم ‪ ( :‬وكان له سعي في إظهار كلمته فبعث دعاته إلى خراسان ‪ ،‬وأقامفيها مذهب الشيعة ‪2 / 1 :‬‬
‫واستجاب له عالم ‪ .‬وكان أبو عبد هللا أنوشتكين النجري الدرزي أول رجل تكلم بدعوته ‪ ،‬وأمر برفع ما جاء به الشرع ‪ ،‬وسير‬
‫مذهبه إلى بالد الشام والساحل ‪ ،‬ولهم مذهب في كتمان السر ال يطلعون عليه من ليس منهم‪ .‬وكان الدرزي يبيح البنات‬
‫واألمهات واألخوات‪ .‬فقام الناس عليه بمصر وقتلوه ‪ ،‬فقتل الحاكم به سبعين رجال‪ .‬وأنفذ الدرزي إلى الحجر األسود برجل‬
‫ضربه وكسره ‪ ،‬وادعى الربوبية‪ .‬وقدم رجل يقال له يحيى اللباد ويعرف بالزوزني األخرم فساعده على ذلك ونشط جماعة على‬
‫الخروج عن الشريعة‪ .‬وركب يوما ‪ ..‬في خمسين رجال من أصحابه إلى مصر ‪ ،‬ودخل الجامع بدابته ‪ ،‬وأصحابه كذلك ‪ ،‬فسلم‬
‫إلى القاضي رقعة فيها‪ :‬باسم الحاكم الرحمن الرحيم ‪ ،‬فأنكر القاضي ذلك ‪ ،‬وثار الناس بهم وقتلوهم وشاع هذا في الناس‬
‫فلعنوه‪) .‬‬
‫وتقول رواية أخرى عن الحاكم ‪ ( :‬خرج يوما وعليه قباء أطلس وفي وسطه سيف فخلع القباءوقال‪ :‬هذا الظاهر قد ‪2 / 2 :‬‬
‫خلعته ثم جرد السيف وقال‪ :‬هذا الباطن قد سللته‪ .) .‬فى دين التشيع يوجد ظاهر و باطن‪ .‬الظاهر هو التمسك الظاهرى باالسالم‬
‫أو على حد قولهم ( ظاهر الشرع )‪ ،‬اما الباطن فهو تأليه األئمة والعقائد الشيعية‪ .‬والحاكم فى هذه الرواية ينكر الظاهر ويعلن‬
‫‪.‬الباطن المستور‬
‫وتقول رواية أخرى عنه ‪.. ( :‬فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفا إعظاما ‪2 / 3 :‬‬
‫لذكره ‪ ..‬فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين ‪ ..‬ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية فصار قوم‬
‫‪.‬من الجمال إذا رأوه يقولون‪ :‬يا واحد يا أحد يا محي يا مميت)‬
‫‪ .‬أى إن الحاكم ال يأتى بجديد‬
‫‪ :‬ما قاله ابن هانيء االندلسي فى جده المعز لدين هللا‬
‫فاحكم فأنت الواحد القــهار‬ ‫ما شئت ال ما شاءت األقدار‬
‫‪.‬قاله الحاكم عن نفسه وأمر الناس بقوله‬
‫‪.‬الفارق هو فى ( الظاهر المنافق ) والباطن المستور‪ .‬والحاكم أعلن ما كان يستره أسالفه من الخلفاء الفاطميين الفاسقين‬
‫‪.‬ـ حتى رد الفعل المستنكر من المصريين كان واحدا ‪ ،‬وبما هو معروف عنهم من سخرية ظريفة يواجهون بها ما ال يحبون ‪3‬‬
‫فى مواجهة زعم المعز الفاطمى ثم إبنه العزيز علم الغيب صعد العزيز المنبر ليخطب كالعادة فوجد فيها ( بطاقة ) أى ‪3 / 1 :‬‬
‫‪ :‬ورقة مكتوبا فيها‬
‫بالظلم و الجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة‬
‫فقل لنا كاتب البطاقة‬ ‫أن كنت قد أعطيت علم غيب‬
‫وكانت السخرية بالحكم أدهى وأمر وعلى رءوس األشهاد فى موضوع علم الغيب بالذات ‪ ،‬وقد أتعبوه بسخريتهم ‪3 / 2 :‬‬
‫وتندرهم به في أوراق كانت تكتب له في صورة قصص أى شكاوى ‪ ،‬يقول السيوطى ‪ ( :‬حتى عملوا صورة امرأة من ورق‬
‫بخفها وإزارها في يدها قصة (أي عريضة شكوى ) فيها من الشتم شيء كثير ‪ ،‬فلما رآها ظنها امرأة فذهب من ناحيتها ‪ ،‬وأخذ‬
‫القصة من يدها ‪ ،‬فلما رأي ما فيها غضب وأمر بقتلها ‪ ،‬فلما تحققها من ورق أزداد غضبا إلى غضبه ‪ ،‬وأمر العبيد من‬
‫‪ .!.‬السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من األموال والحريم ‪ ،‬ففعلوا وقاتلهم أهل مصر قتاال عظيما ثالثة أيام )‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫الحاكم أفرط فى سفك الدماء تعبيرا عن حق اإلمام الشيعى فى قتل من يشاء‬
‫ـ تحّب ب جده المعز وابوه العزيز الى المصريين واألقباط ليستعينوا بهم ضد العرب والسنيين فى مصر من أتباع العباسيين ‪1 .‬‬
‫لذا دخل المصريون أفواجا فى الدين الشيعى ‪ ،‬فرأى الحاكم أن الوقت قد حان ليطبق التشريع الشيعى علنا وصراحة ‪ ،‬فأفرط فى‬
‫سفك الدماء ‪ ،‬فلم يسلم منه القادة أو غيرهم ‪ .‬ونرى أن إفراطه فى سفك الدماء ال ينفصل عن لقبه ( الحاكم بأمر هللا ) وال عن‬
‫‪ .‬دينه الشيعى الذى يؤله األئمة ‪ ،‬وان لهم حق قتل من يشاءون بال تبرير وبال سبب‬
‫ـ قالوا عن الحاكم ‪ ( :‬وكانالحاكم شديد السطوة عظيم الهيبة جريئا على سفك الدماء‪ ( ) ...‬وكان مهابًا عند أهل مملكته‪2 ) ...‬‬
‫(ووقف رجل للحاكم فصاح عليه فمات لوقته‪) .‬‬
‫ـ إفراطه فى عموم القتل للجميع جاءت به الروايات ‪ ،‬ومنها ‪ ( :‬وعّم بالقتل بين وزير وكاتب وقاض وطبيب وشاعر ونحوي ‪3‬‬
‫ومغن ومختاروصاحب ستر وحمامي وطباخ وابن عم وصاحب حرب وصاحب خبر ويهودي ونصراني ‪ ،‬وقطع حتى‬
‫أيدي الجواري في قصره‪ .‬وكان في مدته القتل والغيلة حتى على الوزراء وأعيان الدولة يخرج عليهم من يقتلهم ويجرحهم‪.‬‬
‫وخطفت العمائم جهارًا بالنهار وكان لعبيد الشراء في مدته مصائب وخطوب في الناس‪ .‬وكان المقتول ربما ُجّر في األسواق‬
‫‪) .!.‬‬
‫‪ .‬ـ وكان يمارس القتل بنفسه وبال سبب‪ ،‬تطبيقا لحّق ه الشرعى فى دينه الشيعى ‪4‬‬
‫تقول الرواية عنه ‪ ( :‬وقتل الحاكم ركابيا له بحربة في يده على باب جامع عمرو بن العاص وشقبطنه بيده‪4 / 1 : ).‬‬
‫وتأتى رواية أخرى بالتفصيل ‪ ( :‬وفي يوم استدعى الحاكم أحد الركابية السودان المصطنعة ليحضر إلىحانوت ابن ‪4 / 2 :‬‬
‫األزرق الشواء ‪ ،‬فوقفه بين اثنين ‪ ،‬ورماه برمح ثم أضجعه ‪ ،‬واستدعى سكينا فذبحه بيده ‪ ،‬ثم استدعى شاطورا ففرق بين‬
‫رأسه وجسده ‪ ،‬ثم استدعى ماء فغسل يده بأشنان ثم ركب‪ .‬وحمل المقتول إلى الشرطة فأقام ليلة ثم دفن بالصحراء‪ .‬ثم بعث‬
‫المؤتمن بعد ثالثة أيام فنبشه وغسله وأنفذ إليه أكفانا كفن بها ثم أمر قاضي القضاة بالصالة عليه وأمر أال يتخلف أحد فحضر‬
‫الشهود وأهل السوق وصلى عليه قاضي القضاة ودفن بالقرافة وواراه قاضي القضاة وجعل التراب تحت خده وأمر ببناء قبره‬
‫وتبيضه في وقته ففعل ذلك‪ ) .‬أى قتله بيده ومّث ل بجثته ثم أقام له حفل تكريم بعدها‪..‬هتلر لو قرأ هذا كان سيغنى ألم كلثوم ( يا‬
‫ظالمنى ‪) !.‬‬
‫‪ :‬ـ وارتبط سفكه للدماء بكرمه وجوده ‪ ،‬تقول الروايات ‪5‬‬
‫)‪..‬وكان جوادا بالمال سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من أماثل دولتهوغيرهم صبرا وكانت سيرته من أعجب السير‪5 / 1 : ( .‬‬
‫‪ ( : 3 / 5‬وفي السنة ‪) .‬كان الحاكم أجود الخلفاء بماله وبه تفشت حاله فيماسفكه من الدماء التي ال يحصيها إال هللا‪5 / 2 :( .‬‬
‫التي قتل فيها الحاكم أشاع أنه يريد أن ينزل في أول رمضان إلى الجامع ومعه الطعام فمن أبى األكل قتله‪) .‬‬
‫ـ والدين الشيعى أعطى لإلمام الشيعى حق التشريع ‪ .‬وقد طبق هذا الخليفة الحاكم فى أوامره ونواهيه الغريبة فى التحريم ‪6 ،‬‬
‫مثل تحريم الملوخية وسمك القراميط ‪ ،‬وسنعرض لها الحقا ‪ ،‬ولكن منها ما كان مضحكا الى درجة البكاء‪ .‬منها أن كان يمارس‬
‫( الحسبة ) بنفسه راكبا حمار يطوف به األسواق ليتحرى عن الموازين والمكاييل والغش واألسعار ‪ .‬ولم تخطر هذه العقوبة‬
‫العلنية التى شرعها الحاكم على بال هتلر نفسه‪ .‬روى السيوطى ‪ ..( :‬وكان يعمل الحسبة بنفسه يدور في األسواق على حمار له‬
‫‪ ،‬وكان ال يركب إال حمارا ‪ ،‬فمن وجده قد غش في معيشته أمر عبدا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة‬
‫‪ .‬العظمي ‪ ) ..‬من حق الشيعة أن يحمدوا هللا جل وعال أنهم لم يعيشوا عصر الحاكم بأمر هللا‬
‫‪ :‬ـ والمصريون المشهورون بالصبر والسخرية إتسع لهم الوقت للسخرية من الحاكم‪ .‬يروى السيوطى ‪7‬‬
‫وتتبع من يبيع العنب واشتد األمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفقأن شيخا حمل خمرا له على حمار وهرب ‪7 / 1 :( ،‬‬
‫فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له‪ :‬من أين أقبلت ؟ قال " من أرض هللا الضيقة‪ ".‬فقال‪ " :‬يا شيخ أرض‬
‫) هللا ضيقة؟ " فقال‪ " :‬لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر‪ . ".‬فضحك منه وتركه‪.‬‬
‫وكان أمر أال ُيكشف ُم غّط ى ‪ ،‬فسكر رجل ونام في قارعة الطريق وغطى نفسهبمنديل ‪ ،‬فصار الناس يمرون به وال ( ‪7 / 2 :‬‬
‫يقدر أحد أن يكشف عنه‪ .‬فمر به الحاكم وهو كذلك فوقف عليه وقال له‪ " :‬ما أنت ؟ " فقال‪ " :‬أنا مغطى وقد أمر أمير‬
‫‪ ).‬المؤمنين أال يكشف مغطى‪ ، " .‬فضحك وطرح عنده ماال وقال‪ :‬استعن بهذا على ستر أمرك‪.‬‬
‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 2‬‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ لم يكن الخليفة الفاطمى ( الحاكم بأمر هللا ) مجنونا ‪ ،‬بل كان صريحا واضحا معبرا عن دين التشيع ونظرته فى ( حاكمية ‪1‬‬
‫اإلمام ) أو الخليفة الذى يكون معصوما متمتعا بالتأليه وصاحب الشرع االلهى فى دينهم األرضى ‪ .‬هذا هو ( الباطن ) المستور‬
‫الذى كان يغلفه أساطين التشيع بالتقية أو ( الظاهر ) تظاهرا باالسالم وشريعته‪ .‬هتك الخليفة الحاكم هذا الستر الباطنى‬
‫‪ .‬وأوضحه بأعمال خارجة عن المألوف‬
‫ـ ولم ينتبه أحد الى مدلول لقبه وهو ( الحاكم بأمر هللا ) ‪ .‬كانت ألقاب أسالفه من الخلفاء كاآلتى ‪ ( :‬عبيد هللا المهدى ‪ ،‬القائم ‪2‬‬
‫بأمر هللا ‪ ،‬المنصور بنصر هللا ‪ ،‬المعز لدين هللا ‪ ،‬العزيز باهلل ) ثم ألقاب من جاء بعده ( الظاهر إلعزاز دين هللا ‪ ،‬المستنصر باهلل‬
‫‪ ،‬المستعلى باهلل ‪ ،‬الحافظ لدين هللا ‪ ،‬اآلمر بأحكام هللا ‪ ،‬الظافر بأمر هللا ‪ ،‬الفائز بنصر هللا ‪،‬العاضد لدين هللا )‪ .‬كلهم إحتكر اسم‬
‫رب العزة جل وعال لنفسه شأن الدولة الدينية ( وهو ما حدث فى خلفاء العصر العباسى الثانى )‪ .‬ولكن تميز ( الحاكم بأمر هللا )‬
‫فى أن لقبه يعنى أنه يحكم بأمر هللا ‪ ،‬أى مايقوم به من أحكام إنما هى أوامر هللا ‪ ،‬وما يقترفه من كبائر ليست سوى شرع هللا‪.‬‬
‫لذا تصرف حسب هواه ـ وتقلب وتناقض مؤمنا أن ما يقوم به هو تجسيد لكونه ( الحاكم بأمر هللا )‪ .‬وتأكيدا لهذا لم يكتف‬
‫باألزهر مسجدا ‪ ،‬فأقام مسجدا حمل إسمه ( مسجد الحاكم بأمر هللا ) وكان يخطب ويؤم فيه الصالة وفق المراسيم الدينية‬
‫‪ .‬للخالفة الفاطمية‬
‫ـ فى المقال السابق نقلنا عن السيوطى ( ‪ ) 911 : 849‬فى كتابه ( ُح سن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة )‪ ،‬وقد نقل ‪3‬‬
‫السيوطى أخبار الدولة الفاطمية عن مؤرخى العصر الفاطمى باالضافة الى ما ذكره المقريزى فى ( خطط المقريزى ) ‪.‬‬
‫‪.‬السيوطى كان متعصبا للعباسيين وصديقا للخليفة العباسى فى القاهرة ‪ ،‬وقد أّر خ لهم محتفال بهم فى كتابه ( تاريخ الخلفاء)‬
‫ــ كان المقريزى ( ‪ ) 845 : 764‬متعاطفا مع الفاطميين متأثرا بشيخه ابن خلدون‪ .‬قام المقريزى بتجميع تاريخ الفاطميين ‪4‬‬
‫فى الخطط المقريزىة وفى كتابه ( إتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين الخلفاء )‪ .‬والعنوان يوضح إحتفاءه بالفاطميين ‪ .‬وقد‬
‫نقل المقريزى عن المسبحى وابن زوالق ‪ .‬وبسبب تعصبه فقد تجاهل الكثير مما ُي شين الخلفاء الفاطميين ‪ ،‬وخصوصا خالل‬
‫ربع قرن هى فترة خالفة الحاكم بأمر هللا‪ 411 : 386 (:‬هجرية‪ 1020 : 996 :‬ميالدية )‪ .‬وكرر بعض هذا فى (الخطط )‬
‫‪ .‬ـ ننقل منهما بعض ما أورده المقريزى مما يعبر عن ُح كم الخليفة الحاكم بأمر هللا وصالته الشيطانية ‪5‬‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬عام ‪386‬‬
‫‪ .‬وهو العام الذى تولى فيه الخالفة صبيا فى الحادية عشر من عمره‬
‫ـ قال عنه المقريزى ‪ ( :‬أبو علي منصور بن العزيز باهلل نزار بن المعز لدين هللا أبي تميم معد ‪ .‬ولد بالقصر من القاهرة ‪1‬‬
‫المعزية ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع األول سنة خمس وسبعين وثالثمائة في الساعة التاسعة والطالع من برج‬
‫السرطان سبع وعشرون درجة ‪ .‬وُس ّلم عليه بالخالفة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثالثاء عشري شهر رمضان سنة‬
‫‪.‬ست وثمانين وثالثمائة ‪ .‬ودخل القصر قبل صالة المغرب‪ ) .‬الحظ دقة التوقيت ‪ ،‬وإتخاذ مواقيت الصالة دليال زمنيا‬
‫ـ عن طقوس دفن والده العزيز باهلل قال ‪( :‬وسار إلى قصره في يوم األربعاء بسائر أهل الدولة ‪ ،‬والعزيز في قبة علىناقة بين ‪2‬‬
‫يديه ‪ ،‬وعلى الحاكم دراعة مصمتة وعمامة فيها الجوهر‪ ،‬وبيده رمح وقد تقلد السيف فوصل إلى القصر ولم يفقد من جميع ما‬
‫كان مع العساكر شيء‪ .‬ودخله قبل صالة المغرب ‪ ).‬الطفل الذى سيتم تنصيبه خليفة يرتدى عمامة فيها الجوهر يحضر جنازة‬
‫‪.‬والده ‪ ،‬ثم يدخل القصر ( قبل صالة المغرب)‪ .‬هنا التوقيت بموعد الصالة‬
‫ـ تنصيبه خليفة قال ‪( :‬ثم بكر( أى ذهب باكرا ) سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس ‪ ،‬وقد نصب للحاكم سريرمن ذهب ‪3‬‬
‫عليه مرتبة مذهبة في اإليوان الكبير‪ .‬وخرج من قصره راكبًا وعليه معممة الجوهر ‪ ،‬فوقف الناس بصحن اإليوان‪ ،‬وقبلوا‬
‫األرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير ‪ ،‬فوقف من مهمته الوقوف وجلس من له عادة الجلوس‪ .‬فسلم عليه الجماعة‬
‫باإلمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمر هللا‪ .‬وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام‪ . ).‬عمامة‬
‫مزينة بالجوهر وسرير من الذهب ومرتبة من الذهب ‪ ،‬وسجودهم أمامه يقبلون األرض ‪ ..‬هل هذا من االسالم ؟ ثم هو طفل فى‬
‫!‪.‬الحادية عشر من عمره ‪ ،‬وقد أصبح إالها عندهم وحاكما بأمر هللا ‪ .!!.‬سبحانك هذا بهتان عظيم‬
‫ـ للمسجد دور حتى لو كان مسجدا صغيرا ‪ ،‬أو ( مصالة )‪ .‬بعضهم إعترض على تولية الحاكم ‪ ،‬وهم من شيوخ قبيلة ُك تامة ‪3‬‬
‫( األمازيغية ) وهم عسكر الفاطميين‪ .‬وأعلنوا عن موقفهم بالتجمع فى ( المصّلى )‪ .‬قال المقريزى ‪ ( :‬وكان جماعة من شيوخ‬
‫كتامة تخلفوا عن الحضور وتجمعوا نحو المصلى‪ ).‬وتمت ترضيتهم بالمال ‪ ،‬وهو إالههم األعظم ‪ .‬يقول ‪( :‬وفي ثاني ذي القعدة‬
‫‪.‬تجمع الكتاميون عند المصلى فأنفذ إليهم واستحضرهم وتقرر أمرهم على النفقة فيهم فأنفق عليهم‪) .‬‬
‫ـ وتم تعيين أبن عمار فى وظيفة الوساطة بين الخليفة المؤّله و( الرعية )‪ .‬ويأتى هنا دور الجامع ‪ ،‬إذ تّم فيه االعالن عن ‪4‬‬
‫تعيين ابن عمار‪ .‬يقول ‪ ( :‬وقرىء سجل قرأه القاضي بالجامع ‪ ،‬يتضمنوالية ابن عمار الوساطة ‪ ،‬وتلقيبه بأمين الدولة وأمر‬
‫‪.‬الناس كلهم أن يترجلوا البن عمار فترجلوا بأسرهم له‪) .‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عام ( ‪) 387‬‬
‫ـ ( في المحرم ورد سابق الحاج فأخبر بتمام الحج والدعاء للحاكم فيالحرمين‪ .) .‬كان الحجاز تابعا للفاطميين‪ .‬وهذا ملمح آخر ‪1‬‬
‫‪.‬من إستغالل الدين عند الفاطميين‬
‫‪.‬ـ ( وفيه ضربت رقبة عيسى بن نسطورس‪2 ).‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عام ‪389‬‬
‫ـ ( وقتل األستاذ برجوان ألربع بقين من ربيع اآلخر سنة تسع وثمانين وثالثمائة وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير ‪1‬‬
‫يوم واحد )‬
‫أى لوقال ‪ )،‬ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبة بسيدنا وموالنا إال أمير المؤمنين وحده وأبيح دم من خالف ذلك ( ‪2‬‬
‫‪.‬أحدهم لشخص ما ‪ :‬سيدنا وموالنا فهو حالل الدم‪ .‬ألنه الخليفة الصغير هو وحده سيدهم وموالهم‬
‫‪.‬أى فى هذا العام تخلص الحاكم من برجوان وابن عمار ‪ .‬وهذا بتدبير أخته ست الملك ‪. ) .‬وفي شوال قتل ابن عمار ( ‪3 :‬‬
‫رابعا ‪ :‬عام ( ‪) 391‬‬
‫‪ :‬ــ الحاكم يقتل كبار الموظفين ‪1‬‬
‫ـ ( سنة إحدى وتسعين وثلثمائة‪ :‬في المحرم ‪ :‬قتل الحاكم ابن أبي نجدة ‪ ،‬وكان بقاال ‪ ،‬فترقت أحواله حتى ولى الحسبة ‪1 / 1 ،‬‬
‫ودخل فيما ال يليق به وأساء في معاملة الناس ‪ ،‬فاعتقل ‪ ،‬ثم قطعت يده ولسانه ‪ ،‬وشهر على جمل ‪ ،‬وضربت عنقه‪ . ) .‬هذا‬
‫بقال أثرى وبالرشوة صار المحتسب ‪ ،‬وصار له نفوذ متخيال أنه ال بأس بهذا فى دولة هذا الخليفة الصبى‪ .‬فعوقب باالعتقال ثم‬
‫بقطع يده ولسانه والتشهير على جمل ثم باالعدام بقطع الرأس ‪ ،‬ليكون عظة لمن تسّو ل له نفسه من أرباب الوظائف أن يعلو‬
‫‪.‬صوته‬
‫ـ ( ثم وفيها قتل الحاكم مؤدبه أبا القاسم سعيد بن سعيد الفارقي يومالسبت لثمان بقين من جمادى األولى ‪ ،‬وهو يسايره ‪1 / 2‬‬
‫بأن أشار إلى األتراك بعينيه بعد أن بيت معهم قتله ‪ ،‬فأخذته السيوف ‪ ،‬وكان قد داخل الحاكم في أمور الدولة وقرأ عليه‬
‫الرقاع واستأذنه في األمور كهيئة الوزراء‪ .) .‬هذا الطفل كان له معلم يعلمه ‪ ،‬وظل هذا المعلم يعلمه بعد أن صار خليفة ‪ ،‬ولكن‬
‫أصبح المعلم يتدخل قيما ال يعنيه ‪ ،‬فكان قتله وهو يصاحب تلميذه الخليفة‪ .‬هذا الخليفة لم يعش فى عصر أمير الشعراء (أحمد‬
‫!‪ ).‬شوقى ) القائل ‪ُ :‬قم للمعلم وّف ه التبجيال ‪ ..‬كاد المعلم أن يكون رسوال‬
‫ـ قتل الحاكم من ( فهد بن ابراهيم ) أحد الرؤساء ‪ ( :‬وفي ثامن جمادى اآلخرة ضربت رقبة فهد بن إبراهيم ‪ ،‬وله منذ ‪1 / 3‬‬
‫نظر في الرئاسةخمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما‪ .).‬وجاء أبو غالب بثروة أخيه القتيل الى قصر الخليفة ‪ ،‬وهى نصف‬
‫مليون دينار ‪ ،‬فرفض الحاكم أخذها وأمر بتوزيعها على ورثة القتيل ‪ .‬ثم جاءت وشاية الى الخليفة أن أبا غالب تكلم كلمة فى‬
‫حق الخليفة فأمر الخليفة بقتله وإحراقه دون أن يتثبت فى األمر‪ .‬يقول المقريزى ‪ ( :‬فحمل أخوه أبو غالب إلى سقيفة القصر‬
‫من مال أخيه فهد جرايات فيها خمسمائة ألف دينار‪ .‬فلما خرج الحاكم سأل عنها فعرف خبرها فأعرض عنا وبقيت هناك مدة‬
‫ثم أمر بها فردت إلى أوالد فهد وقال إنا لم نقتله على مال فحملت إليهم ثم رفع أصحاب األخبار عن أبي غالب كلمة تكلم بها‬
‫فقتل وأحرق بالنار‪) .‬‬
‫ـ ( وفي خامس عشر من شهر رجب ضرب عنق أبي طاهر محمود بن النحويالناظر في أعمال الشام لكثرة تجبره ‪1 / 4‬‬
‫وعسفه بالناس‪) .‬‬
‫‪ .‬ـ فى هذه السنة بدأ تناقض الحاكم بين الخروج واالنعزال فى القصر و‪ ،‬وبداية حظره التجول ‪2‬‬
‫الخليفة الطفل أراد اللهو فصار يتنزه ليال فى شوارع القاهرة ‪ ،‬وأمر الناس بإشعال المصابيح ‪ ،‬فوجدها الناس فرصة ‪2 / 1 :‬‬
‫لّل هو واللعب ‪ ،‬وصارت فرصة لإلنحالل الخلقى فمنع الخليفة الصغير خروج النساء فى الليل ومنع الرجال من الجلوس فى‬
‫الحوانيت‪ .‬قال المقريزى ‪ ( :‬وفي سنة إحدى وتسعين ‪ :‬واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة ‪ ،‬فكان يشق الشوارع واألزقة‬
‫وبالغ الناس في الوقود والزينة وانفقوا األموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو ‪ ،‬وكثر تفرجهم على ذلك حتى‬
‫خرجوا فيه عن الحد ‪ ،‬فمنع النساء من الخروج في الليل ‪ ،‬ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت‪ ( ) .‬سنة إحدى وتسعين‬
‫وثلثمائة‪ :‬في المحرم واصل الحاكم الركوب في الليل في كل ليلة وكان يركب إلىموضع موضع وإلى شارع شارع وإلى زقاق‬
‫زقاق‪ .‬وأمر الناس بالوقيد فتزايدوا فيه بالشوارع واألزقة وزينت األسواق والقياسر بأنواع الزينة وباعوا واشتروا وأوقدوا‬
‫الشموع الكبيرة طول الليل وأنفقوا األموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو‪ .‬ومنع الرجال المشاة بين يدي الحاكم‬
‫أن يقرب أحد من الناس الحاكم فزجرهم وقال ال تمنعوا أحدًا فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له‪ .‬وزينت الصناعة وخرج‬
‫سائر الناس بالليل للتفرج وغلب النساء الرجال على الخروج في الليل وتزايد الزحام في الشوارع والطرقات وتجاهروا بكثير‬
‫من المسكرات وأفرط األمر من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الرابع والعشرين فلما خرج الناس عن الحد أمر الحاكم أال تخرج‬
‫امرأة من العشاء فإن ظهرت نكل بها‪ .‬ومنع الناس من الجلوس في الحوانيت‪) .‬‬
‫) وفي ربيع األول قرئ سجل برفع المنكرات وإبطالها ‪ ،‬وبمنع ذلك ‪ ،‬فختم علىعدة مواضع فيها المسكرات لتراق‪2 / 2 ( .‬‬
‫‪ .‬وفى شهر رجب ‪ ..( :‬وقطع الحاكم الركوب في الليل‪..) .‬أى فرض على نفسه حظر التجول ‪2 / 3 .‬‬
‫ـ هذا العام شهد بداية قتل الحاكم لعوام الناس ‪ ( .‬وقبض على رجل شامي قال‪ :‬ال أعرف علي بن أبي طالب وأقول إن ‪3‬‬
‫النبيصلى هللا عليه وسلم مرسل غير أني ال أعرف علي بن أبي طالب‪ .‬فحبس وروجع ‪ ،‬فأصر على أنه ال يعرف عليا ‪ ،‬فرفق به‬
‫‪ .‬القائد حسين فلم يعترف بمعرفة علي رضي هللا عنه ‪ ،‬فخرج األمر بقتله فضرب عنقه وصلب ‪) .‬‬
‫ــ وفى هذا العام بدأ الحاكم إضطهاده لألقباط ‪3‬‬
‫إعتقال الموظفين األقباط ومصادرة أموالهم ‪( :‬وقبضت أموال من قبض عليه من النصارى الكتاب‪3 / 1 : ).‬‬
‫بهدم كنيسة وإقامة جامع مكانها بإسم ( جامع راشدة ) وأقيمت فيه صالة الجمعة‪ .‬قال المقريزى ‪ ( :‬وابتدئ في عمارة ‪3 / 2 :‬‬
‫جامع راشدة ‪ ،‬وكان مكانه كنيسة فبنى جامعًا ‪ ،‬وأقيمتفيه الجمعة )‪( ..‬وأمر بإتمام بناء الجامع الذي ابتدأ بعمارته العزيز على‬
‫يد وزيره يعقوب بن كلس ‪ .‬وفيه كانت صالة الجمعة فى أول شعبان ‪ ( :‬وفي غرة شعبان جمع في الجامع الجديد بظاهر باب‬
‫‪.‬الفتوح‪) .‬‬

‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 3‬‬


‫نتابع ما سجله المقريزى عن الخليفة الحاكم الفاطمى فى كتابيه ( الخطط ) و ( إتعاظ الحنفاء ) من عام ‪396 : 393‬‬
‫أوال ‪ ( :‬سنة ثالث وتسعين وثالثمائه‪) :‬‬
‫‪ :‬حدث فيها‬
‫عن الصالة الشيطانية والمسجد الشيطانى‬
‫‪ :‬ـ كان هو اإلمام فى الصالة الشيطانية ‪1‬‬
‫ـ فى شهر رمضان ‪ ( :‬وصلى الحاكم بالناس في رمضان صالة الجمعة مرتين وخطب‪1 / 1 ).‬‬
‫ـ فى عيد الفطر ‪ ( :‬وركب الحاكم لصالة العيد بالمصلى فصلى وخطب وحضر السماط بالقصر علىرسمه في ذلك‪1 / 2 ) .‬‬
‫ـ فى عيد األضحى ( عيد النحر )‪ ( :‬وصلى الحاكم بالناس صالة عيد النحر ونحر في الملعب‪1 / 3 ).‬‬
‫ـ كان هو صاحب التشريع فى الصالة الشيطانية ‪2‬‬
‫أى أصدر ‪ . ) .‬وقبض على ثالثة عشر رجال ضربوا وشهروا على الجمال وحبسوا ثالثة أيامبسبب أنهم صلوا صالة الضحى (‬
‫!‪ .‬قرارا بتحريم صالة الضحى ‪ ،‬وعاقبهم بسبب ذلك بالضرب والتشهير‬
‫ـ عمارة المساجد الشيطانية ‪3‬‬
‫بناء جامع راشدة ( وابتدأ في عمارة جامع راشدة في سنة ثالث وتسعين ‪3 / 1 : ) .‬‬
‫) ووقع الشروع في إتمام الجامع خارج باب الفتوح ( ‪3 / 2‬‬
‫هدم جامع ُس ّن ى ‪ ( :‬وأمر بهدم جامع عمرو بن العاص باإلسكندرية‪3 / 3 : ).‬‬
‫‪ :‬ـ المسجد مركز إعالن القرارات الرسمية ‪4‬‬
‫وفي شعبان خرج الكتاميون إلى باب الفتوح فترجلوا وكشفوارؤوسهم واستغاثوا بعفو أمير المؤمنين فأوصل إلى الحاكم (‬
‫) جماعة منهم فوعدهم وكتب لهم سجل قرئ بالقصر والجوامع بالرضا عنهم وإعادتهم إلى رسومهم في التكرمة‪.‬‬
‫‪ :‬ـ المسجد الشيطانى مركز التعذيب وأيضا التكريم ‪5‬‬
‫عوقب القاضى الحسين بن النعمان بالعزل وبالضرب فى الجامع ‪ .‬وفى الجامع أيضا جرى تكريمه ‪ .‬والتناقض فى التشريع أهم‬
‫مالمح شخصية الحاكم‪ .‬يقول المقريزى ‪ ( :‬وفي سادس عشره صرف الحسين بن النعمان عن القضاء‪ .‬وكان قد ُض رب في‬
‫الجامع ‪ ،‬فندب الحاكم جماعة من شيوخ األضياف يركبونمعه إلى كل مجلس فيه جماعة من الخاصة ‪ ،‬وأمر أصحاب سيوف‬
‫الحلي بالمشي بين يديه في كل يوم‪ .‬فكان إذا حضر إلى الجامع العتيق وقام يصلي وقف جماعة األضياف صفا خلفه يسترونه‬
‫وال يصلي أحد منهم حتى يفرغ من صالته ويعود إلى مجلسه فإذا جلس في مجلسه كانوا قياما عن يمينه وشماله‪) .‬‬
‫‪ :‬ـ عن القتل ‪2‬‬
‫!‪.‬القتل والحرق ‪ :‬الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار ‪2 / 1 :‬‬
‫)وفيها قتل أبو علي الحسن بن عسلوج في المحرم ‪ ،‬وأحرق‪2 / 1 / 1 : ( .. .‬‬
‫)وقتل علي بن عمر بن العداس في شعبان ‪ ،‬وأحرق‪2 / 1 / 2 : ( .‬‬
‫‪ :‬القتل فقط ‪2 / 2 :‬‬
‫) وقتل األستاذ أبو الفضل زيدان صاحب المظلة لعشر بقين من ذي الحجةضرب عنقه‪( .‬‬
‫وفيها قتل سهل بن يوسف أخو يعقوب بن يوسف بن كلس الوزير بسبب قوةطمعه وكثرة شرهه ‪ .‬وعندما قدم للقتل سأل أن (‬
‫) يدفع الساعة ثلثمائة ألف دينار عينًا يفدى بها نفسه فلم يجب‪.‬‬
‫وقتل أيضا القائد أبو عبد هللا الحسين بن الحسن البازيار من أجل أنهكان إذا دخل من باب البحر تكون رجله على عنق دابته (‬
‫ويكون الحاكم في المنظرة التي على بابه فتصير رجله إلى وجه الحاكم ‪ .‬وكان ابن البازيار قد اعتراه وجع النقرس ‪ .‬فعد ذلك‬
‫) الحاكم عليه دينا قتله به في شوال لسوء التوفيق‪.‬‬
‫‪ :‬القتل لكثيرين ‪2 / 3 :‬‬
‫) وقتل علي بن عمر العداس واألستاذ زيدان الصقلي ‪ ،‬وعدة كثيرة من الناس (‬
‫‪ :‬القتل والحرق لكثيرين ‪2 / 4 :‬‬
‫وفيها استأذن عبد األعلى بن األمير هاشم بن المنصور أن يخرج إلى بعضضياعه فأذن له الحاكم فخرج بجماعة من ندمائه (‬
‫فبعث الحاكم عينا يأتيه بخبرهم ‪ ،‬فصاروا إلى متنزههم ‪ ،‬فأكلوا وشربوا وجرى من حديثهم أن قال أحد أوالد المغازلي المنجم‬
‫البن هاشم‪ " :‬ال بد لك من الخالفة فأنت إمام العصر‪ . ".‬فلما عادوا ودخل ابن هاشم على الحاكم وجلس أخرج الحاكم من تحت‬
‫فراشه سيفا مجردا وضربه به فُح مل من داره ‪ ،‬وكتب يعتذر عن ذنبه إن كان قيل عنه ‪ ،‬ويحلف ويذكر أن ضربته سالمة ‪،‬‬
‫ويسأل اإلذن في طبيب يعالجه فأجيب إلى ذلك‪ .‬فلما أفاق استأذن في الدخول إلى الحمام فأذن له ‪ ،‬فبعث الحاكم إلى الحمام من‬
‫ذبحه فيه وأتاه برأسه‪ .‬وبعث إلى من حضر المجلس فقتلوا وأحرقوا بالنار ‪ ،‬وفيهم أوالد المغازلي وابن خريطة وأوالد أبي‬
‫)الفضل بن الفرات وفتيان من كتامة‪ .‬وتتابع القتل في الناس من الجند والرعية بضروب مختلفة‪.‬‬
‫ـ إضطهاد النصارى ‪3‬‬
‫ـ ( وهدمت كنيستان بجانب جامع راشدة‪3 / 1 ).‬‬
‫ـ ( أمر الخليفة الحاكم بأمر هللا الفاطمى باعتقال البطرك زخريس لمدة ثالثة شهور‪3 / 2 ) .‬‬
‫تناقض‬
‫ـ ( وفي رجب قرئ سجالن أحدهما فيه إنكار الحاكم على من يخاطبه فيالمكاتبة بمولى الخلق أجمعين‪ ) .‬يتصرف الحاكم كأنه ‪1‬‬
‫‪.‬إله ال ُي سأل عما يفعل ‪ ،‬وفيما بعد أعلن االلوهية ‪ ،‬وهنا يمنع من يقول له ( مولى الخلق أجمعين )‬
‫‪.‬ـ ( وقطع الحاكم الركوب في الليل )‪ .‬إعتاد التنزه ‪ ،‬ثم إمتنع عن ذلك ‪ ،‬واصبح خبرا مذكورا فى تاريخه ‪2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عام ‪395‬‬
‫عن الصالة‬
‫‪ :‬ـ كان هو اإلمام فى الصالة الشيطانية ‪1‬‬
‫فى صالة العيد ‪ ( :‬وركب الحاكم يوم عيد الفطر وعليه ثوب مصمت أصفر وعلى رأسه منديلمنكر وهو محنك بذؤابة ‪1 / 1 :‬‬
‫والجوهر بين عينيه‪ .‬وقيد بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجوهر وست فيلة وخمس زرافات‪ ،‬فصلى بالناس صالة‬
‫العيد وخطبهم ‪ ،‬فلعن في خطبته ظالمه حقه والمرجفين به وأصعد معه قائد القواد وقاضي القضاة عز الدين‪ .) .‬إصطحب فى‬
‫‪ .‬موكبه للصالة بعض الحيوانات ‪ .‬هذا تشريع مضحك يعكس طقوسا جديدة فى صالته العيد‬
‫طقوسه فى صالة عيد األضحى ( النحر ) ‪ (:‬ونزل الحاكم يوم النحرإلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بها ثالث ‪1 / 2 :‬‬
‫بدن وعاد إلى القصر فحضر السماط ثم نحر في الملعب إحدى وعشرين بدنة وواصل النحر أيامًا‪) .‬‬
‫‪ :‬ـ كان هو صاحب التشريع فى الصالة الشيطانية ‪ :‬تشريع بتحديد صالتى الظهر والعصر ‪1 / 3 :‬‬
‫) وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصالة الظهر في أول الساعة السابعة ‪ ،‬ويؤذنلصالة العصر في أول الساعة التاسعة‪( .‬‬
‫ـ المساجد ‪2‬‬
‫)وفيه فرش جامع راشدة‪2 / 1 : ( .‬‬
‫‪ :‬المسجد مركز إعالن القرارات الرسمية ‪2 / 2 :‬‬
‫ـ اإلعالن عن المواعيد الجديدة لصالتى الظهر والعصر كانت فى المسجد ‪ ( :‬وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصالة ‪2 / 2 / 1‬‬
‫الظهر في أول الساعة السابعة ‪ ،‬ويؤذنلصالة العصر في أول الساعة التاسعة‪) .‬‬
‫االعالن فى المسجد بشتم ولعن الخلفاء السنيين ‪ ( :‬وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب ‪2 / 2 / 2 :‬‬
‫الحوانيت والحجر والمقابر سب السلف ولعنهم ‪ ( ) .‬وكتب في صفر على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق من ظاهره‬
‫وباطنهفي جميع جوانبه وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم ‪) .‬‬
‫ـ االعالن فى المسجد بإضطهاد أهل الكتاب‪ ( :‬في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد‪2 / 2 / 3‬‬
‫الزنارولبس الغيار وشعارهم بالسواد شعار الغاصبين العباسيين )‬
‫‪ :‬ـ السجود لإلله المولود الصغير ‪ ( :‬ولى العهد ) ‪2 / 2 / 4‬‬
‫وكان سابع المولود فأخرج على يد خادم إلى قائد القواد فتسلمه حتىأعد المزين شعره وذبح عنه الشريف أبو الحسن النرسي (‬
‫العقيقة بيده وحمل عثمان الحاجب الدم والعقيقة فأمر له بألف دينار وفرس ملجم وعدة ثياب من أجل حمل الدم والعقيقة ودفع‬
‫إلى المزين مائتا دينار وفرس‪ .‬وسمى المولود بالحارث وكنى بأبي األشبال‪ .‬وخرج قائد القواد إلى سائر األتراك والديلم‬
‫والعرفاء وقال‪ :‬موالنا يقرأ عليكم السالم ويقول قد سميت موالكم األمير الحارث وكنيته أبا األشبال‪ .‬فقبل الجميع األرض‬
‫) وأكثروا الدعاء وانصرفوا‪ .‬وزينت البلد أربعة أيام‪.‬‬
‫ـ القتل ‪3‬‬
‫!‪.‬القتل والحرق ‪ :‬الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار ‪3 / 1 :‬‬
‫الحسين بن النعمان ( وهو أول قاض أحرق بعد قتله فإن الحاكم أحرقه بعد ما قتله في سادسمحرم اآلتي ذكره‪ ( ) .‬وقتل قاضي‬
‫القضاة حسين بن النعمان وأحرق بالنار ) ( وفيها قتل القاضي حسين بن النعمان ضربت رقبته ثم أحرق بالنار‪) .‬‬
‫‪ :‬قتل كثيرين ‪3 / 2 :‬‬
‫وقتل عدة أناس يزيد عددهم على مائة نفس ضربت أعناقهم وصلبوا وقتلعبد األعلى بن هاشم من القرابة ألنه ( ‪3 / 2 / 1 :‬‬
‫) ‪ .‬وقتل عدًد ا كثير من الناس ضربت أعناقهم () كان يتحدث بأنه يلي الخالفة وأنه كان يجمع قوما ويعدهم بوالية األعمال‪.‬‬
‫ـ نشر االرهاب بين الجميع ‪ ،‬وطلب األمان من الحاكم ‪4‬‬
‫واشتد خوف الناس بأسرهم ‪ ،‬وقويت الشناعات وزاد اإلضطراب ‪ ،‬فاجتمع كثير من الكتاب وغيرهم تحت القصر ‪4 / 1 : ( ،‬‬
‫) وضجوا يسألون العفو ‪ ،‬فكتب عدة أمانات لجميع الطوائف ‪ ،‬من أهل الدعوة وغيرهم من الباعة والرعية‬
‫‪ :‬قتل الحّم ارين ( المكارية أو الركابية ) ‪4 / 2 :‬‬
‫بعد إفتتاح مكتبة دار الحكمة توافد اليها يستأجرون الحمير التى يقودها الحمارون أو الركابية‪ .‬فتزايد العدد فقتل الحاكم بعض‬
‫الحمارين فسألوا األمان ‪ ( :‬وفتحت دار الحكمة بالقاهرة وحمل إليها الكتب ‪ ،‬ودخل إليها الناس ‪ ،‬فاشتد الطلب على الركابية‬
‫المستخدمين في الركاب وقتل منهم كثير عفي عنهم وكتب لهم أمان ) ( وفي جمادى اآلخرة فتحت دار الحكمة بالقاهرة وجلس‬
‫الفقهاء فيها وحملتالكتب إليها ودخلها الناس للنسخ من كتبها وللقراءة‪...‬وانتصب فيها الفقراء والقراء والنحاة وغيرهم من‬
‫أرباب العلوم وفرشت وأقيم فيها خدام لخدمتها وأجريت األرزاق على من بها من فقيه وغيره وجعل فيها ما يحتاج إليه من‬
‫الحبر واألوراق واألقالم‪ .. .‬وفيه اشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب بعد أن قتل منهم في يومين أكثر من خمسين‬
‫نفسا ‪ ،‬فتغيبوا وامتنع أحد من الناس أن يمشي بين يديه غالم أو شاكري ‪ ،‬فكانت القواد ومن جرى رسمه أن يكونوا بين يديه‬
‫يسيرون وحدهم وإذا نزل أحدهم للسالم أمسك خادمه الدابة ‪ ،‬ثم عفى عنهم وكتب لهم أمان‪ () .‬وفيه منع كل أحد ممن يركب أن‬
‫يدخل من باب القاهرة راكبا ‪ ،‬ومنع المكاريون أن يدخلوا بحميرهم ‪ ،‬ومنع الناس من الجلوس على باب الزهومة من‬
‫التجار وغيرهم ‪ ،‬ومنع كل أحد أن يمشي مالصق القصر من باب الزهومة إلى باب الزمرد‪ () .‬ثم أذن للمكاريين في الدخول‬
‫وكتب لهم أمان‪) .‬‬
‫!‪.‬الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار ‪4 / 3 :‬‬
‫إزداد رعب الناس من أن يحرقهم الحاكم عندما جّه ز مكانا للحرق ‪ ،‬فساروا فى مظاهرة الى قصر الحاكم وهم يقبلون األرض‬
‫‪ :‬يطلبون األمان ‪ ،‬ووقفوا أمام القصر يتضرعون ويبكون‬
‫وفيه أمر الحاكم بشونة تحت الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفاء ‪ ،‬فتخوفالناس كافة من يتعلق بخدمة الدولة من األولياء (‬
‫والقواد والكتاب وسائر الرعية من العوام‪ .‬وقويت الشفاعات وكثر االضطراب ‪ ،‬فاجتمع سائر الكتاب والمتصرفين من المسلمين‬
‫والنصارى‪ ،‬وخرجوا بأجمعهم في خامسة إلى الرياحين بالقاهرة ‪ ،‬وما زالوا يقبلون األرض حتى وصلوا إلى القصر ‪ ،‬فوقفوا‬
‫على بابه يدعون ويتضرعون ويضجون ‪ ،‬ويسألون العفو عنهم ‪ ،‬ومعهم رقعة قد كتبت عن الجميع‪ .‬ثم دخلوا باب القصر وهم‬
‫يسألون أن يعفى عنهم وال يسأل فيهم قول ساع يسعى فيهم‪ .‬وسلموا رقعتهم لقائد القواد فأوصلها إلى الحاكم ‪ ،‬فعفا عنهم‬
‫وأمرهم على لسان قائد القواد باالنصراف والبكور لقراءة سجل بالعفو عنهم فانصرفوا بعد العصر‪ .‬وقرئ من الغد سجل كتب‬
‫نسخة للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود<">‪ : 3 / 4 / 4‬صيغة األمان ‪.. ( :‬وهي بعد البسملة‪ :‬هذا كتاب من عبد هللا‬
‫ووليه المنصور أبي علياإلمام الحاكم بأمر هللا أمير المؤمنين ألهل مشهد عبد هللا إنكم من اآلمنين بأمان هللا الملك الحق المبين‬
‫وأمان سيدنا محمد خاتم النبيين وأبينا علي خير الوصيين وذرية النبوة المهديين آبائنا صلى هللا على الرسول ووصيه وعليهم‬
‫أجمعين‪ .‬وأمان أمير المؤمنين على النفس واألهل والدم والمال‪ .‬ال خوف عليكم وال تهديد بسوء إليكم إال في حد يقام بواجبه‬
‫وحق يوجد لمستوجبه‪ .‬فليوثق بذلك وليعول بأمان هللا‪ .‬وكتب في جمادى اآلخرة سنة خمسين وتسعين وثلثمائة‪) .‬‬
‫‪ :‬التسلية بقتل األطفال بأمرهم بالقفز من سطح القصر ‪5 :‬‬
‫وفيه رسم الحاكم لجماعة من األحداث أن يتقافزوا من موضع عال فيالقصر ورسم لكل منهم بصلة فحضر جماعة وتقافزوا (‬
‫) فمات منهم نحو ثالثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجًا عن الماء على صخر هناك ووضع لمن قفز ماله‪.‬‬
‫قتل الكالب ‪ (:‬وفيه أمر بقتل الكالب فقتل منها ما ال يحصى حتى لم يبق منها باألزقةوالشوارع شيء وطرحت بالصحراء ‪6 ،‬‬
‫وبشاطىء النيل وأمر بكنس األزقة والشوارع وأبواب الدور في كل مكان ففعل ذلك‪ ( ) .‬وأمر بقتل الكالب فقتل منها ما‬
‫الينحصر حتى فقدت ‪) .‬‬
‫ـ سب السلف من الخلفاء السنيين ‪7‬‬
‫وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر سب السلف ولعنهم وأكره ( ‪7 / 1 :‬‬
‫وكتب في صفر على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق من ( ) ‪ ..‬الناس على نقش ذلك وكتابته باألصباغ في سائر الموضع‬
‫ظاهره وباطنهفي جميع جوانبه وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم ونقش ذلك ولون‬
‫باألصباغ والذهب وعمل كذلك على أبواب القياسر وأبواب الدور وأكره على عمل ذلك‪ .‬ولما دخل الحاج نالهم من العامة سب‬
‫) وبطش فإنهم طلبوا منهم سب السلف ولعنهم فامتنعوا‪.‬‬
‫)وفيه فحش كثير وقدح في حق الشيخين رضي هللا عنهما‪7 / 2 :( .‬‬
‫إضطهاد النصارى ‪8 :‬‬
‫في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد الزنارولبس الغيار وشعارهم بالسواد شعار (‪8 / 1 :‬‬
‫) الغاصبين العباسيين‪.‬‬
‫‪. ).‬وفي سنة خمس وتسعين أمر النصارى واليهود بشد الزنار ولبس الغيار ( ‪8 / 2 :‬‬
‫‪ :‬ـ تشريعات بأوامر ونواهى مضحكة وعقوبة من يخالف ‪9‬‬
‫‪ :‬فى الطعام والشراب ‪9 / 1 :‬‬
‫ومنع الناس من أكل الملوخية والجرجير والتوكلية والدلينس وذبح األبقار السليمة من العاهة إال في أيام ( ‪9 / 1 / 1 :‬‬
‫األضحية‪ .‬ومنع من بيع الفقاع وعمله البتة ( الفقاع هو شراب الشعير المتخمر ) ‪ ،‬وأن اليدخل أحد الحمام إال بمئزر ‪.. ،‬وال‬
‫يباع شيء من السمك بغير قشر ‪ ،‬وال يصطاده أحد من الصيادين ‪ .‬وتتبع اناس في ذلك كله ‪ ،‬وشدد فيه ‪ ،‬وضرب جماعة بسبب‬
‫وقرئ سجل في األطعمة بالمنع من أكل الملوخية التى كانت محببة لمعاويةبن أبي ( ) مخالفتهم ما أمروا به ونهوا عنه مما ذكر‬
‫وفيه المنع من ( )سفيان والبقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة رضي هللا عنها والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل‪.‬‬
‫عجن الخبز بالرجل والمنع من أكل الدلنيس ‪ ،‬والمنع من ذبح البقر التي ال عاقبة لها إال في أيام األضاحي وما سواها من األيام‬
‫‪ ) .‬ال يذبح منها‬

‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 4‬‬


‫من عام ‪399 : 397‬‬
‫سنة ‪397‬‬
‫عن الصالة الشيطانية والمسجد الشيطانى‬
‫‪ :‬الصالة‬
‫ـ المعتاد فى رمضان وفى إمامته الناس فى صالة الجمعة ‪ ( :‬وجرى األمر في الفطر على السماط ليالي رمضان وفي صالة ‪1‬‬
‫الحاكم بالناس يوم الجمعة على ما تقدم‪ ، ) .‬وفى إمامته لصالة الجنازة ‪ ( :‬وتوفى األمير منجوتكين ألربع خلون من ذي الحجة‬
‫فصلى عليه الحاكم‪) .‬‬
‫‪ :‬المسجد مركز إعالن القرارات الرسمية‬
‫ـ كان فيه اإلعالن بالحرية الدينية ( ال يشمل األقباط واليهود ) وهو ضمن تناقضات الحاكم ‪ ( :‬وقريء سجل فيه يصوم ‪2‬‬
‫الصائمون على حسابهم ويفطرون ‪ ،‬واليعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ‪ ،‬وصالة الخميس للذي جاءهم‬
‫فيها يصلون وصالة الضحى وصالة التراويح ال مانع لهم منها وال هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون‬
‫واليمنع من التربيع عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون وال يؤذي من بها اليؤذنون ‪ ،‬اليسب أحد من السلف‬
‫وال يحتسب على الواصف فيهم بما وصف والحالف منهم بما حلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده ‪ .) .‬أى الحرية فى حساب‬
‫وقت االفطار فى رمضان ووقت اإلمساك ‪ ،‬ودون تدخل أصحاب رؤية الهالل‪ .‬وحرية صالة الخمبس والتراويح والتكبير خمسا‬
‫أو أربعة فى صالة الجنازة ‪ ،‬واألذان الشيعى بحى على خير العمل ال إلزام فيه ‪ ،‬وال سب للسلف ‪ ،‬وال عقوبة على من يمدحهم ‪،‬‬
‫وحرية االجتهاد‪ ..‬كالم رائع ‪ ..‬ولكن ‪..‬تم إحراق صلبان الكنائس على باب المسجد ‪ ،‬مع مصادرة أوقافها أو ( احباسها )‪ .‬وكان‬
‫االعالن عن هذا فى المسجد‪ ( : .‬وقبض جميع ما محبس على الكنائس وجعل في الديوان وأحرق عدة صلبان على باب الجامع‬
‫بمصر وكتب إلى سائر األعمال بذلك‪) .‬‬
‫اضطهاد النصارى واليهود‬
‫وقبض جميع ما ُح بس على الكنائس ‪ ،‬وجعل في الديوان وأحرق عدة صلبان على باب الجامع بمصر وكتب إلى سائر األعمال (‬
‫وكتب بهدم ( ) ‪ .‬وهدمت كنائس كانت بطريق المقس وهدمت كنيسة كانت بحارة الروم من القاهرة ونهب ما فيها ( ) بذلك‪.‬‬
‫) ‪.‬واشتد باألمر على النصارى واليهود في إلزامهم لبس الغيار ( )‪ .‬كنيسة قماسة‬
‫القتل والقطع لكثيرين‬
‫وقتل كثير من الخدم ومن الكتاب ومن الصقالية بعدما قطعت أيدي بعضهم من الكتاب بالشطور على الخشبة من وسط الذراع (‬
‫) وجدد ديوان المفرد برسم من يقبض ماله من المقتولين وغيرهم ( ) وقتل القائد فضل بن صالح في ذي القعدة ( )‬
‫الرعب وإعطاء األمان‬
‫‪ ) .‬وكتب عدة أمانات لعدة طوائف من شدة خوفهم (‬
‫‪ :‬االستمرار فى التشريعات المضحكة وعقوبة من يخالف‬
‫وقبض على جماعة من أصحاب الفقاع (شراٌب ُيَّتَخ ذ من الشعير ‪ُ ،‬يخَّم ر حّت ى تعلوه ُفقاعاته ) والسماكين وكبست الحمامات (‬
‫وفي تاسع ( ) وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية ودلينس وضربوا ( ) وضربجماعة لمخالفتهم ما نهو عنه وشهروا‪.‬‬
‫المحرم وهو نصف توت نقص ماء النيل ولم يوف ستة عشر فمنع الناس من التظاهر بالغناء ومن ركوب البحر للتفرج ‪ ،‬ومنع‬
‫من بيع المسكرات ومنع الناس كافة من الخروج قبل الفجر وبعد العشاء إلى الطرقات ‪ ،‬واشتد األمر على الكافة لشدة ما داخلهم‬
‫وقطعت قراءة مجالس الحكمة بالقصر ‪ ،‬ووقع التشديد في ( )من الخوف مع شدة الغالء وتزايد األمراض في الناس والموت‪.‬‬
‫) المنع من المسكرات‬
‫تناقض‬
‫ـ ( وفي تاسع ربيع اآلخر أمر الحاكم بمحو ما هو مكتوب على المساجدواألبواب وغيرها من سب السلف فمحي بأسره وطاف ‪1‬‬
‫متولي الشرطة حتى أزال سائر ما كان منه‪ .‬وقرئ سجل بترك الخوض فيما ال يعنى واشتغال كل أحد بمعيشته عن الخوض في‬
‫‪.‬أعمال أمير المؤمنين وأوامره‪ ).‬هذا مع قتل على أهون سبب‬
‫وفي سنة سبع وتسعين أمر بمحسوب السلف فحمي سائر ما كتب من ذلك‬
‫‪.‬ـ فى الضرائب ‪ .. ( :‬وأعيدت المكوس التي رفعت ) وعكس ذلك ‪ ( :‬وكتب إبطال أخذ الخمس والنجاوي والفطرة ) ‪2‬‬
‫‪ :‬عام ‪398‬‬
‫الصالة الشيطانية‬
‫وقد صلى الحاكم بالناس صالة الجمعة في جامع راشدة ‪ ،‬وصلى صالة عيدالفطر وخطب على ما جرت عادته به ‪ .‬وأصعد (‬
‫ألن المسجد مركز ‪ ) .‬معه المنبر وقت الخطبة قائد القواد صالح بن علي ومالك بن سعيد القاضي والشريف النرسي وجماعة‪.‬‬
‫‪.‬للحكم فالحاكم يصطحب معه على المنبر جماعة من كبار أتباعه‬
‫ويستمر إحراق الصلبان أمام الجامع ‪ ( :‬وأحرق صلبان كثيرة على باب الجامع ‪) .‬‬
‫إضطهاد النصارى‬
‫ـ المنع من إحتفاالتهم الدينية ‪ (:‬فلما كان ليلة عيد الشعانين منع النصارى من تزيين كنائسهم على ما هيعادتهم ‪ ،‬وقبض على ‪1‬‬
‫جماعة منهم في رجب ‪ ،‬وأمر باحضار ما هو معلق على الكنائس وإثباته في دواوين السلطان وكتب إلى سائر األعمال بذلك‪.‬‬
‫وأحرق صلبان كثيرة على باب الجامع )‬
‫ـ منعهم من زيارة كنيسة القمامة فى القدس ‪ ،‬واألمر بهدمها ونهب ما فيها‪ ،‬وقد أراد تعميم هذا على كل الكنائس فخاف ‪2‬‬
‫العاقبة ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وفيها خرج النصارى من مصر إلى القدس لحضور الفصح بقمامة على عادتهمفي كل سنة بتجمل‬
‫عظيم كما يخرج المسلمون إلى الحج فسأل الحاكم ختكين الضيف العضدي أحد قواده عن ذلك لمعرفته بأمر قمامة فقال هذه بيعة‬
‫تعظمها النصارى ويحج إليها من جميع البالد وتأتيها الملوك وتحمل إليها األموال العظيمة والثياب والستور والفرش والقناديل‬
‫والصلبان المصوغة من الذهب والفضة واألواني من ذلك وبها من ذلك شيء عظيم‪ .‬فإذا كان يوم الفصح واجتمع النصارى‬
‫بقمامة ونصبت الصلبان وعلقت القناديل في المذبح تحيلوا في إيصال النار إليه بدهن البيلسان مع دهن الزئبق فيحدث له ضياء‬
‫ساطع يظن من يراه أنها نار نزلت من السماء‪ .‬فأنكر الحاكم ذلك وتقدم إلى بشر بن سورين كاتب اإلنشاء فكتب إلى أحمد بن‬
‫يعقوب الداعي أن يقصد القدس ويهدم قمامة وينهبها الناس حتى يعفى أثرها ففعل ذلك‪ .‬ثم أمر بهدم ما في أعمال مملكته من‬
‫البيع والكنائس فخوف أن تهدم النصارى ما في بالدها من مساجد المسلمين فأمسك عن ذلك‪) .‬‬
‫عام ‪399‬‬
‫الصالة الشيطانية‬
‫وصلى القاضي بالناس صالة ( ) ولم يركب الحاكم لصالة عيد الفطر وصلى القاضي مالك بن سعيد بالناسفي المصلى وخطب‪( .‬‬
‫‪.‬على الرسم أو على رسمه أى حسب القانون السائد " ‪ ) :‬عيد الفطر على الرسم‪.‬‬
‫وحمل سماط عيد النحر يوم التاسع من ذي الحجة على عادته غير أنه أبطلمنه المالهي والخيال واللعب الذي كان يعمل في كل (‬
‫هذا فى الجامع ‪ .‬أما الحاكم ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وصلى الحاكم ‪ ).‬وصلى القاضي بالناس صالة عيد النحر وخطب‪ ) ( .‬سنة‪.‬‬
‫بالناس في المصلى صالة عيد النحر وخطب ونحر وحضر السماط على رسمه‪) .‬‬
‫‪ :‬تكرار االعالن بالحرية الدينية فى رمضان‬
‫وفي رمضان قرئ سجل فيه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون وال يعارضأهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ويفطرون (‬
‫وصالة الخمسين للذين بما جاءهم فيها يصلون وصالة الضحى وصالة التراويح ال مانع لهم منها والهم عنها يدفعون ويخمس‬
‫في التكبير على الجنائز المخمسون وال يمنع من التربيع عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون وال يؤذى من بها‬
‫ال يؤذنون ال يسب أحد من السلف وال يحتسب على الواصف فيهم بما يصف والحالف منهم بما حلف لكل مسلم مجتهد في دينه‬
‫‪ ).‬اجتهاد‪.‬‬
‫وقرئ سجل في الجامع العتيق ( جامع الفسطاط ) بإقبال الناس على شأنهم وتركهم الخوضفيما ال يعنيهم وسجل آخر برد(‬
‫التثويب في األذان واإلذن للناس في صالة الضحى وصالة القنوت‪ .‬ثم جمع في سائر الجوامع وقرئ عليهم سجل بأن يتركوا‬
‫األذان بحي على خير العمل ويزاد في أذان الفجر‪ :‬الصالة خير من النوم وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم‪ :‬السالم‬
‫وقرئ سجل بترك الخوض فيما ال عيني واالشتغال بالصلوات في ( ) على أمير المؤمنين ورحمة هللا فامتثل الناس وعمل‪.‬‬
‫) أوقاتها واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأال يخوض أحد في أحوال السلطان وأوامره وأسرار الملك‪.‬‬
‫ثم تناقض هنا ‪ ( :‬ومنع كل أحد من الناس أن يخرج من منزله قبل صالة الصبح وبعد صالةالعشاء واشتد األمر في هذا واعتقل‬
‫جماعة خالفوا ما أمر به‪).‬‬
‫) وقرئ آخر في سائر الجوامع بتسكين قلوب الناس (‬
‫اضطهاد النصارى‬
‫) وال يمشي اليهود والنصارى إالبالغيار وضربوا على ترك ذلك‪( .‬‬
‫) ودرست كنائس كانت بطريق المكس وكنيسة بحارة الروم من القاهرة ونهبما فيها‪( .‬‬
‫)وهدم دير القصير ونهب‪( .‬‬
‫)واشتد األمر على اليهود والنصارى في إلزامهم لبس الغيار‪( .‬‬
‫‪ :‬القتل لكثيرين‬
‫وقتل في ( ) وقتل في هذه الليلة كثير من الخدم والصقالبة والكتاب بعد أن قطعتأيديهم بالساطور على خشبة من وسط الذراع‪( .‬‬
‫وقتل أصحاب األخبار عن آخرهم لكثرة أذيتهم الناس بالكذب ()هذه السنة عدة كثيرة من الخدام والفراشين والكتاب وغيرهم‪.‬‬
‫) عليهم وأخذهم األموال من الناس‪.‬‬
‫قتل القادة‬
‫وفيها مات أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المنجملثالث خلون من جمادى األولى وقتل القائد فضل بن (‬
‫قتل أبو أسامة جنادة أسامة بن محمد اللغوي لثالث عشرة خلت من ( ) صالح ضربت رقبته لتسع بقين من ذي القعدة‪.‬‬
‫ذي الحجة ومعه الحسن بن سليمان األنطاكي النحوي واستتر عبد الغني بن سعيد وكان ذلك بسبب اجتماعهم بدار العلم‬
‫وفيها قتل أبو علي بن ثمال الخفاجي متولي الرحبة من قبل الحاكم وملكها بعده صالح بن مرداس الكالبي ( ) وجلوسهم فيها‪.‬‬
‫) متملك حلب‪.‬‬
‫ومع إعالن الحرية الدينية نقرأ هذا الخبر ‪ ( :‬وقتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صالة التراويح في شهررمضان‪) .‬‬
‫نشر االرهاب بين الجميع ‪ ،‬وطلب األمان من الحاكم‬
‫وقرئ آخر في سائر الجوامع بتسكين قلوب الناس وتطمينهم لكثرة مااشتهر عندهم وداخلهم من الخوف بما يجري من أوامر (‬
‫وفي حادي عشر جمادى اآلخرة قبض على عبد العزيز بن النعمان وطلب حسين بن جوهر ففر هو وابناه ( ) الحضرة في البلد‪.‬‬
‫وجماعة‪.‬وكثر الصياح في دار عبد العزيز وغلقت حوانيت القاهرة وأسواقها‪ .‬فأفرج عن عبد العزيز ونودي في القاهرة بأال‬
‫) يغلق أحد‪ .‬وتخوف الناس من الحاكم فكتب عدة أمانات ألناس شتى‪.‬‬
‫وفيه قرىء عدة أمانات بالقصر للكتاميين من جند إفريقية واألتراكوالقضاة والشهود وسائر األولياء واألمناء والرعية (‬
‫)وقرئت عدة أمانات بالقصر‪ ) ( .‬والكتاب واألطباء والخدام السود والخدام الصقالبة لكل طائفة أمان‪.‬‬
‫‪ :‬االستمرار فى التشريعات المضحكة وعقوبة من يخالف‬
‫‪ :‬فى هذا العام ‪ 399‬تكرر ما حدث عام ‪397‬‬
‫ـ ( وفي تاسعه ( المحرم )وهو نصف توت أشيع وفاء النيل وخلع على ابن أبي الردادفابتدأ في النقص قبل أن يوفى ستة ‪1‬‬
‫عشر ذراعا من تاسع عشر توت فأمر الناس كافًة بأال يتظاهر أحد منهم على شاطىء النيل بشيء من الغناء وال يسمع في دار‬
‫وال يشرب في المراكب‪ .‬وكبست عدة دور وقبض على جماعة‪ .‬ونودي أال يدخل أحد الحمام إال بمئزر ‪ .‬وكسبت الحمامات وأخذ‬
‫منها جماعة وشهروا من أجل أنهم وجدوا بغير مئزر‪ .) .‬وتكرر أيضا هذا التشريع فى الصالة ‪ ( :‬ومنع كل أحد من الناس أن‬
‫يخرج من منزله قبل صالة الصبح وبعد صالة العشاء واشتد األمر في هذا واعتقل جماعة خالفوا ما أمر به‪) .‬‬
‫ـ الجديد هنا تشريع بشأن سوق الرقيق ‪ ( :‬ومنع أن يدخل أحد إلى سوق الرقيق إال أن يكون بائعا أو مشتريا وأفردالجواري ‪2‬‬
‫من الغلمان وجعل لكل منهم يوم‪ ) .‬وتشريعات أخرى ‪ ( :‬ومنع من نصب الشراعات التي كانت النساء تنصبها في المقابر‬
‫أيام الزيارة‪) .‬‬
‫ـ ( وأشيع بين الناس بأن النبيذ يمنع من بيعه فازدحموا على شرائه وبيعمنه شيء كثير فعز حتى بيع كل عشر جرار بدينار ‪3‬‬
‫ولم يوجد لكثرة طالبه‪ .‬وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية وترمس ودلينس بعد ضربهم‪ .‬وقرئ سجل مندد فيه بشرب‬
‫النبيذ وجميع أنواع المسكر‪ .‬وقرئ سجل في ربيع األول بالمنع من حمل النبيذ والموز وحذر من التظاهر بشيء منه أو من‬
‫الفقاع والدلينس والسمك الذي ال قشر له والترمس المعفن‪).‬‬
‫تكرار تناقض‬
‫وقرئ سجل بإبطال ما كان يؤخذ على أيدي القضاة من الخمس ( )وفي ذي القعدة أعيدت المكوس التي كانت رفعت‪( .‬‬
‫وقرئ سجل بقطع مجالس الحكمة التي كانت تقرأ على ( ) وفي يوم عيد الغدير منع الناس من عمله‪ ) ( .‬والفطرة والنجوى‪.‬‬
‫‪ ).‬األولياء في يومي الخميس والجمعة‪.‬‬

‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 5‬‬


‫) ‪( 401 : 403‬‬
‫عام ‪401‬‬
‫الصالة والمسجد‬
‫صالة العيد ‪ .. ( :‬وركب الحاكم لصالة العيد على رسمه‪).‬‬
‫المسجد مركزا العالن القرارات‬
‫ـ ( وقرئ سجل في سائر الجوامع فيه النهي عن معارضة اإلمام فيما يفعله‪ ،‬وترك الخوض فيما ال يعنى ‪ .‬وأن يؤذن بحي ‪1‬‬
‫على خير العمل ‪ ،‬ويترك من أذان الصبح قول‪ :‬الصالة خير من النوم ‪ .‬والمنع من صالة الضحى وصالة التراويح وإعادة الدعوة‬
‫والمجلس على الرسم‪ . ) .‬هنا تشريع بالمنع من صالة الضحى وصالة الترويح وتعديل فى األذان ‪ .‬وإعادة مجلس الدعوة‬
‫‪.‬الفاطمية بعد إلغائه ‪ .‬وهو ملمح من تناقض الحاكم وتخبطاته ‪ ،‬وهى كثيرة‬
‫ـ ( وفي شعبان وقع قاضي القضاة مالك إلى سائر الشهود بخروج األمر العاليالمعظم أن يكون الصوم يوم الجمعة والعيد يوم ‪2‬‬
‫‪.‬األحد‪ .‬وأن يكون الخروج للحج في سابع شوال‪ ) .‬تشريع ببدء شهر الصوم ونهايته وموعد الخروج للحج‬
‫ـ ( وخلع على قاضي القضاة مالك وقلد النظر في المظالم مع القضاء وقرئسجله بالجامع‪ ) .‬إعالن تعيين قاضى القضاة ‪3‬‬
‫‪ .‬بالمسجد‬
‫إستمرار المراسيم بإضطهاد النصارى‬
‫وفى رواية ‪ ( :‬ومنع النصارى من ‪ ) .‬وشدد على النصارى في لبس الغيار بالعمائم الشديدة السواد دون ماعداها من األلوان‪( .‬‬
‫الغطاس فلم يتظاهروا على شاطىء البحر بما جرت عادتهم به‪) .‬‬
‫القتل‬
‫ـ قتل الوزير وهو يمارس عمله ‪ ( :‬وأقام ابن القشوري على رسمه ينظر عشرة أيام إلى ثالث عشره فبينا هويوقع إذ قبض ‪1‬‬
‫عليه وضربت رقبته ‪ ،‬من أجل أنه بلغ الحاكم عنه أنه يبالغ في تعظيم حسين بن جوهر وأكثر من السؤال في حوائجه‪ . ) .‬وفى‬
‫رواية ‪( :‬ثم ُص رف ابن القشورّي بعد عشرة أيام من استقراره وضربت عنقه وُقّر ر بدله زرعة بن عيسى بن نسطورس الكاتب‬
‫النصراني ولقَب بالشافي )‬
‫ـ ( وُقتل الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان في ثاني عشر جمادى اّالخرة سنة إحدى وأربعمائة وأحيط بأموالهما )‪2 .‬‬
‫والتفاصيل فى رواية أخرى ‪ ( :‬وفي ثاني عشر جمادى اآلخرة ركب حسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمانعلى رسمهما إلى‬
‫القصر فلما خرج المتسلم قيل لحسين وعبد العزيز وأبي علي أخي الفضل أطيعوا ألمر تريده الحضرة منكم‪ .‬فجلس الثالثة‬
‫وانصرف الناس فقبض على ثالثتهم وقتلوا في وقت واحد وأحيط بأموالهم وضياعهم ودورهم فوجد لحسين بن جوهر في جملة‬
‫ما وجد سبعة آالف مبطنة حريرا من سائر أنواع الديباج والعتابي وغيره وتسع متارد صيني مملؤة حب كافور قنصوري وزن‬
‫الحبة الواحدة ثالثة مثاقيل‪ .‬وأخذت األمانات والسجالت التي كتبت لهم‪ .) .‬كان معهم ( األمان ) ولم يغن عنهما شىء ‪ ،‬فتم‬
‫‪ .‬قتلهما بعد إستدعائهما‬
‫ـ ( واعتقل ابن عبدون وأمر بعمل حسابه ثم ضربت عنقه وقبض ماله‪ ).‬وفى رواية ‪ ( :‬وُقتل ابن عبدون وأخذ ماله ) ‪3‬‬
‫أوامر ونواهى تشريعية غريبة‬
‫منع التنزه ( ومنع من الركوب في المراكب بالخليج وسدت أبواب القاهرة التي مما يليالخليج وأبواب الدور والطاقات المطلة‬
‫عليه والخوخ‪) .‬‬
‫)واشتد األمر في منع المسكرات وتتبع مواضعها‪( .‬‬
‫) ومنع الغناء واللهو وأمر االتباع مغنية وأال يجتمع الناس في الصحراءومنع النساء من الحمام‪( .‬‬
‫)وقبض على جماعة بسبب بيع النبيذ واعتقلوا وكبست مواضع ذلك‪( .‬‬
‫‪ :‬منع الملوخية وسمك القراميط‬
‫) وُض رب جماعة وُش هروا من أجل بيعهم الملوخية والسمك الذي ال قشر له وبسبب بيع النبيذ (‬
‫عام ‪402‬‬
‫‪ :‬الصالة‬
‫)وصلى مالك بن سعيد بالناس صالة العيد‪( .‬‬
‫)ولم يركب الحاكم لصالة عيد النحر فصلى بالناس مالك بن سعيد وخطب‪( .‬‬
‫‪:‬المسجد مركزا العالن القرارات‬
‫وقرئ سجل بمنع الناس من السفر إلى مكة في البر والبحر ومن حمل األمتعةواألقوات إليها فرد قوم خرجوا إلى الحج من (‬
‫) الطريق‪.‬‬
‫) واستهل شعبان يوم االثنين فأمر أن يجعل أوله يوم الثالثاء وأخذ جميعما عند التجار من السالح بثمنه للخزانة‪( .‬‬
‫‪ :‬االحتفاالت الدينية‬
‫)وحضر القاضي مالك إلى جامع القاهرة في ليلة النصف من رجب‪( .‬‬
‫( وفي رجب قطع الرسم الجاري من الخبز والحلوى الذي كان يقام فيالثالثة أشهر لمن يبيت بجامع القاهرة في ليالي الجمع‬
‫واألنصاف‪) .‬‬
‫) في ليلة النصف من شعبان كثر إيقاد القناديل في المساجد وتنافسالناس في ذلك (‬
‫أوامر ونواهى تشريعية غريبة‬
‫ـ ( وفي جمادى اآلخرة منع بيع قليل الزبيب وكثيره وكوتب بالمنع من حملهوألقى في النيل منه شيء كثير‪ ( ) .‬وأحرق زبيب ‪1‬‬
‫كثير كان في محارق التجار‪) .‬‬
‫‪ :‬ـ وروايات فى التفصيل ‪2‬‬
‫في المحرم قلدت الشرطتان لمحمد بن نزال وأمر بتتبع المنكرات والمنعمنها وأال يباع زبيب أكثر من خمسة أرطال وال تباع (‬
‫وفي سنة اثنتين وأربعمائة منع من بيع الزبيب وكوتب بالمنع من حمله وألقي في بحر النيل منه شيء كثير وأحرق ( ) الجرار‪.‬‬
‫شيء كثير ومنع النساء من زيارة القبور فلم ُي ر في األعياد بالمقابر امرأة واحدة وُم نع من اإلجتماع على شاطىء النيل للتفّر ج‬
‫وُم نع من بيع العنب إال أربعة أرطال فما دونها ومنع من عصره وُط رح كثير منه وديس في الطرقات وغّر ق كثير منه في النيل‬
‫ومنع من بيع العنب وأال يتجاوز في بيعة أربعة أرطال ( ) ‪.‬وُم نع من حمله وقطعت كروم الجيزة كلها وسّي ر إلى الجهات بذلك‬
‫ومنع من اعتصاره فبيع كل ثمانية أرطال بدرهم وطرح كثير منه في الطرقات وأمر بدوسه ومنع من بيعه ألبتة وغرق ما حمل‬
‫منه في النيل‪ .‬وبعث شاهدين إلى الجيزة فأخذ جميع ما على الكروم من األعناب وطرحت تحت أرجل البقر لدوسه وبعث بذلك‬
‫وتتبع من يبيع العنب واشتد األمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفق أن شيخا حمل خمرا له على حمار ( ) إلى عدة جهات‪.‬‬
‫وهرب فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له‪ :‬من أين أقبلت قال من أرض هللا الضيقة‪ .‬فقال‪ :‬يا شيخ أرض‬
‫) هللا ضيقة فقال‪ :‬لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر‪ .‬فضحك منه وتركه‪.‬‬
‫ـ ( وفيهتشدده في المسكرات والمنع من بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي ال قشر له والمنع من المالهي ومن اجتماع ‪3‬‬
‫الناس في المآتم واتباع الجنائز والمنع من بيع العسل إال أن يكون ثالثة أرطال فما دونها‪ ( ).‬وجمع الصيادون وحلفوا أنهم ال‬
‫يصطادون سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك ضربت رقبته وتوالى إحراق الزبيب عدة أيام بحضرة الشهود وتولى مؤنة اإلنفاق‬
‫على حمله وإحراقه متولى ديوان النفقات فأحرق منه ألفان وثمانمائة وأربعون قطعة بلغت مؤنة اإلنفاق ‪ ( ) .‬وتشدد األمر في‬
‫اإلنكار على بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي ال قشر له‪ ( ) .‬وجمع الشطرنج من أماكن متعددة وأحرق‪) .‬‬
‫ـ ( ومنع الناس من االجتماع في المآتم ومن اتباع الجنائز‪ ( ).‬ومنع النساء من الخروج بعد العشاء اآلخرة‪ ( ) .‬ولم يخرج ‪4‬‬
‫من النساء إلى الصحراء فلم تر امرأة على قبر‪ ( ) .‬ومنع من االجتماع على شاطىء النيل ومن ركوب النساء المراكب‬
‫مع الرجال وخروجهن إلى مواضع الحرج مع الرجال‪).‬‬
‫إضطهاد النصارى‬
‫ومنع النصارى من االجتماع في عيد الصليب وأن يظهروا في المضي إلىالكنائس‪.‬‬
‫عام ‪403‬‬
‫الصالة‬
‫وصلى بالجامع العتيق ( أى جامع الفسطاط ) بمصر جمعة ‪ .‬وهو أول من صلى فيه من الخلفاءالفاطميين‪( .‬‬
‫)ومنع النساء من الجلوس في الطرقات للنظر إليه‪.‬‬
‫) ‪ .‬وفي رمضان صلى الحاكم بالناس مرة ‪ ،‬وفي جامعه براشدة ومرة بجامعه خارجباب الفتوح (‬
‫وركب في يوم الفطر إلى المصلى بغير شيء مما كان يظهر في هذا اليوممن الزينة والجنائب ونحوها فكان في عشرة (‬
‫أفراس جياد بين يديه بسروج ولجم محالًة بالفضة البيضاء الخفيفة ومظلة بيضاء بغير ذهب وعليه بياض بغير طرز وال ذهب‬
‫وركب الحاكم يوم عيد الفطر إلى المصلي بغير زينة وال جنائب وال أبهة سوى ( ) وال جوهر في عمامته ولم يفرش المنبر‪.‬‬
‫عشرة أفراس تقاد بسروج ولجم محالة بفضة بيضاء خفيفة وبنود ساذجة ومظلة بيضاء بغير ذهب عليه بياض بغير طرز وال‬
‫وصلى صالة عيد النحر كما صلى صالة عيد الفطر من غير أبهة ونحر ( ) ‪ .‬ذهب وال جوهر في عمامته ‪ .‬ولم يفرش المنبر‬
‫‪ ) .‬عنه عبد الرحينبن الياس بن أحمد بن المهدّي‬
‫‪:‬المسجد مركزا العالن القرارات‬
‫‪ :‬قرارات هامة تتناقض مع الدين الشيعى‬
‫‪ 1‬ـ ( وفي رجب قرئ سجل بمنع الناس من تقبيل األرض للحاكم وبمنعهم من تقبيل ركابه ويده عند السالم عليه في المواكب‬
‫واالنتهاء عن التخلق بأخالق أهل الشرك من االنحناء إلى األرض فإنه صنيع الروم وأمروا أن يكون للسالم عليه‪ :‬السالم على‬
‫أمير المؤمنين ورحمة هللا وبركاته‪ .‬ونهوا عن الصالة عليه في المكاتبة والمخاطبة وأن تكون مكاتبتهم في رقاعهم ومراسالتهم‬
‫بإنهاء الحال ويقتصر في الدعاء على سالم هللا وتحياته وتوالى بركاته على أمير المؤمنين ويدعى له بما سبق من الدعاء ال‬
‫غير‪ .‬فلما كان يوم الجمعة لم يقل الخطيب سوى‪ :‬اللهم صل على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى‬
‫اللهم وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين اللهم اجعل أفضل سالمك على سرك وخليفتك‪( ) .‬وأمر الحاكم أن ال ُيَقَّب ل‬
‫أحد له األرض وال ُيَق ِّب ل ركابه وال يده عند السالم عليه في المواكب فإّن االنحناء إلى األرض لمخلوق من صنيع الروم وأن ال‬
‫يزاد على قولهم السالم على أمير المؤمنين ورحمة هللا وبركاته وال ُي صلى أحد عليه في مكاتبة وال مخاطبة ويقتصر في مكاتبته‬
‫على سالم هللا وتحياته‪ .‬ونوامي بركاته على أمير المؤمنين ويدعي له بما يتفق من الدعاء ال غير فلم يقل الخطباء يوم الجمع‬
‫سوى اللهّم صّل على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى اللهّم وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير‬
‫المؤمنين اللهم اجعل أفضل سالمك على عبدك وخليفتك وُم نع من ضرب الطبول واألبواق حول القصر فصاروا يطوفون بغير‬
‫طبل وال بوق ‪ ( .) .‬ومنع من ضرب الطبول واألبواق التي كانت تضرب حول القصر في الليل فصاروا يطوفون بغير طبل وال‬
‫بوق‪).‬‬
‫ـ ( وأنزل من القصر سبع صناديق فيها ألف ومائتان وتسعون مصحفا إلىالجامع العتيق ليقرأ فيها الناس‪2 ).‬‬
‫وأحصيت المساجد التي ال غلة لها فكانت ثمانمائة مسجد ونيف فأطلق لهافي كل شهر تسعة آالف ومائتا درهم وعشرون ( ‪3‬‬
‫وأنزل إلى جامع ابن طولون ثمانمائة مصحف وأربعة عشر مصحفا‪.‬وأبطلت مكوس ( ) درهما لكل مسجد اثنا عشر درهما‪.‬‬
‫) الحسبة وأذن للناس بالتأهب للحج في البر والبحر‪.‬‬
‫ـ ومنع الناس من عمل حزن عاشوراء‪4 .‬‬
‫ـ ( وُم نع الناس من َس ب السلف وضرب في ذلك وشهر ‪ ) .‬وتفصيل فى هذه الرواية ‪ ( :‬ومنع الناس من سب السلف وضرب ‪5‬‬
‫في ذلك رجل وشهر ونودي عليه‪ :‬هذاجزاء من سب أبا بكر وعمر وتبرأ الناس‪ .‬فشق هذا على كثير من الناس وتجمعوا‬
‫يستغيثون وهم يستغيثون في الطرقات‪ .‬فقرئ سجل بالقصر فيه الترحم على السلف من الصحابة والنهي عن الخوض في مثل‬
‫ذلك‪ .‬ورأى في طريقه وقد ركب لوحًا فيه سب على السلف فأنكره ووقف حتى قلع‪ .‬وتتبع األلواح التي فيها شيء من ذلك فقلعت‬
‫كلها ومحى ما كان على الحيطان منها حتى لم يبق لها أثر‪ .‬وشدد في اإلنكار على من خالف ذلك ووعد عليه بالعقوبة‪) .‬‬
‫أوامر ونواهى تشريعية غريبة‬
‫في محرم ختم على مخازن العسل وجميع ما عند التجار والباعة منه ورفعتمكوس الساحل‪ .‬وغرق في أربعة أيام خمسة آالف (‬
‫وفي جمادى ( ) وقبض على جماعة بسبب اللعب بالشطرنج وضربوا وحبسوا‪ ) ( .‬وواحد وخمسون زيرًا من أزيال العسل‪.‬‬
‫وتشدد في منع ذبح األبقار السالمة من العيب ومنع النساء من ( ) اآلخرة اشتد اإلنكار بسبب الفقاع والزبيب والسمك‪.‬‬
‫) وضرب جماعة بسبب اللعب بالشطرنج ( ) الغناء والنشيد‪.‬‬
‫القتل‬
‫الحاكم يشعر بالندم ألن أحد القادة مات دون أن يقتله الحاكم ‪ ( :‬وهلك زرعة بن عيسى بن نسطورس من علته في ثاني عشره‬
‫فكانت مدة نظرهفي الوساطة سنتين وشهرا فتأسف الحاكم على فقده من غير قتل وقال ما أسفت على شيء قط أسفي على‬
‫خالص ابن نسطورس من سيفي وكنت أود ضرب عنقه ألنه أفسد دولتي وخانني ونافق علي وكتب إلى حسان بن الجراح في‬
‫المداجاة علي وأنه يبعث من يهرب به إليه‪ ).‬وتناقض هذا مع ما فعله مع أخوة هذا الرجل ‪ ( :‬وخلع على إخوته الثالثة وأقروا‬
‫على ما بأيديهم من الدواوين‪) .‬‬
‫)وقبض على جماعة فاعتقلوا وأمر بضرب أعناقهم ثم أطلقوا‪( .‬‬
‫الرعب واألمان‬
‫وكثر ابتياع الناس للسيوف والسكاكين والسالح وحمله من لم يحمله قطمن العوام والصناع وكثر الكالم فيه فقرئ سجل على (‬
‫) منابر الجوامع بتطمين الناس وإعراضهم عن سماع أقوال المرجفين‪.‬‬
‫إضطهاد النصارى‬
‫وأمر النصارى إال الحبابرة بلبس العمائم السود والطيالسة السود وأنيعلق النصارى في أعناقهم صلبان الخشب ويكون ركب (‬
‫سروجهم من خشب وال يركب أحد منهم خيال وأنهم يركبون البغال والحمير وأال يركبوا السروج واللجم محالًة وأن‬
‫تكون سروجهم ولجمهم بسيور سود وأنهم يشدون الزنانير على أوساطهم وال يستعملون مسلما وال يشترون عبدا وال أمة ‪.‬‬
‫وأذن للناس في البحث عنهم وتتبع آثارهم في ذلك فأسلم عدة من النصارى الكتاب وغيرهم‪ .‬وشدد األمر عليهم ومنع المكاريون‬
‫وفيه أمر النصارى بعمل ركب ( ) من تركيبهم وأخذوا بتسوية السروج والخفاف ومنعوا من ركوب النيل مع نواتية مسلمين‪.‬‬
‫السروج من خشب الجميز‪ .‬وألزم النصارى أن يكون الصليب الذي في أعناقهم طوله ذراع في مثله وكثرت إهاناتهم وضيق‬
‫عليهم وأمروا أن تكون زنة الصليب خمسة أرطال وأن يكون فوق الثياب مكشوفا ففعلوا ذلك‪ .‬ولما اشتدت عليهم األمور تظاهر‬
‫كثير منهم باإلسالم فوقع األمر بهدم الكنائس وأقطعت بجميع مبانيها وبمالها من رباع وأراض لجماعة وعملت مساجد وأذن‬
‫وتتابع هدم ( ) في بعضها وبيعت أوانيها‪ .‬ووجد في المعلقة بمصر وفي كنيسة بو شنوده مال جزيل من مصاغ وثياب وغيره‪.‬‬
‫الكنائس وكتب إلى األعمال بهدمها فهدمت‪.‬‬
‫وأقطعت الكنائس والديارات بنواحي بمصر لكل من التمسها‪ ().‬وفي ثاني ربيع األّو ل منها هلك عيسى بن نسطورس فأمر‬
‫النصارى بلبس السواد وتعلق صلبان الخشب في أعناقهم وأن يكون الصليب ذراًع ا في مثله وزنته خمسة أرطال وأن يكون‬
‫مكشوًفا بحيث يراه الناس وُم نعوا من ركوب الخيل وأن يكون ركوبهم البغال والحمير بسروج الخشب والسيور السود بغير حلية‬
‫وأن َي سّد وا الزنانير وال يستخدموا مسلمَا وال يشتروا عبًد ا وال أمة وتتبعت آثارهم في ذلك فأسلم منهم عّد ة‪ () .‬وُهدمت الكنائس‬
‫وأخذ جميع ما فيها ومالها من الرباع وكتب بذلك إلى األعمال فهدمت بها ‪) .‬‬
‫‪ :‬تناقض فى إحسانه للناس‬
‫ـ إختلط بالناس يأخذ منهم الشكاوى ( القصص ) ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وأخذ القصص بيده ووقف ألهلها وسمع كالمهم وخالطه ‪1‬‬
‫العوام وحالوا بينهوبين موكبه‪) .‬‬
‫ـ ( وكثرت إنعامات الحاكم فتوقف أمين األمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة ‪2‬‬
‫الحمد هّلل كما هو أهله‪ :‬أصبحُت ال أرجو وال أتقي إّال إلهي و له الفضل جدي نبي وإمامي أبي ودينَي اإلخالُص والعدل المال مال‬
‫هللا عز وجل والخلق عباد هّللا ونحن أمناؤه في األرض أطلق أرزاق الناس وال تقطعها والسالم )‬
‫ـ ( واستماحه قوم فوصلهم بصالت كثيرة ‪ ،‬وأهدى إليه قوم مصاحف فقبلهاوأجازهم عليها‪ .‬ووقف عليه اثنان من تربة ‪3‬‬
‫عمرو بن العاص وشكوا أن حبسهما قبض عليه للديوان من أيام العزيز فخلع عليهما ووصلهما بألف دينار‪ .‬وكثرت في هذا‬
‫الشهر إنعاماته فتوقف أمين األمناء حسين بن طاهر الوزان في ذلك فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة‪ :‬الحمد هلل كما هو‬
‫أهله‪ .‬أصبحت ال أرجو وال أتقي سوى إلهي وله الفضل جّد ي نبّي ي وإمامي أبي وديني اإلخالص والعدل المال مال هللا عز وجل‬
‫والخلق عباد هللا ونحن أمناؤه في األرض‪ .‬أطلق أرزاق الناس وال تقطعها والسالم‪ .‬وكان يركب كل ليلة بعد المغرب‪ .‬ووقف إليه‬
‫خراساني يذكر أنه أخذ منه متاع برسم الخزانة ولم يدفع إليه ثمنه فدفع إليه جميع ما كان له وهو نحو خمسة آالف دينار فشق‬
‫‪ .‬به البلد وكثر الدعاء للحاكم‪ .‬ونزع السعر وكثر االزدحام على الخبز ففرق الحاكم ماًال على الفقراء‪).‬‬

‫الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ‪) 6‬‬


‫من عام ‪ 404‬الى مقتله عام ‪411‬‬
‫إزداد التناقض فى تشريعات الخليفة الفاطمى الحاكم ‪ ،‬وإزداد خروجه على ثوابت الدين الشيعى ‪ ،‬ومنه أن جعل ابن عمه ولى‬
‫العهد وإزداد كرمه مع الناس وعطاياه مع تمسكه بإضطهاد أهل الكتاب وإستمرار التشريعات فى تحريم الفقاع والقراميط‬
‫وخروج النساء ‪ ،‬وأضاف تشريعات جديدة ‪ ،‬هذا مع إدمانه الخروج راكبا حمارا وبهيئة ال تليق ‪ .‬لذا تخلصت منه اخته ست‬
‫‪.‬الملك بالقتل حرصا على الدولة الفاطمية ودينها الشيعى ‪ .‬ونعطى مختارات مما جاء فى تاريخه فى سنواته األخيرة‬
‫عام ‪404‬‬
‫الصالة‬
‫وفي رمضان صلى بالناس في الجوامع األربعة‪ :‬جامع القاهرة والجامعخارج باب الفتوح وجامع عمرو وجامع راشدة ‪( .‬‬
‫وتصدق بأموال كثيرة ‪ .‬وركب لصالة الجمعة بجامع القاهرة فازدحم الناس عليه بعد ركوبه من الجامع إلى القصر فوقف لهم‬
‫وأخذ رقاعهم وحادثهم وضاحكهم فلم يرجع إلى القصر من كثرة وقوفه ومحادثته العوام إلى غروب الشمس ووقع صالت‬
‫‪ .‬هنا هو يصلى الجمعة فى مسجد عمرو بن العاص ‪ ).‬كثيرة‪.‬‬
‫وفي يوم النحر ركب عبد الرحيم بالعساكر إلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بالمصلى وبالملعب ولم يعمل سماط (‬
‫‪ .‬ولى العهد ابن عم الخليفة يصلى بالناس فى المصلى ) بالقصر‪.‬‬
‫وركب لصالة العيد بغير زي الخالفة ومظلته بيضاء وعبد الرحيم يسايرهوهو حامل الرمح الذي من عادة الخليفة حمله (‬
‫‪ .‬الخليفة يصلى العيد بغير الزى الرسمى ومعه على المنبر ولى العهد ) وأصعده معه المنبر ودعا له‪.‬‬
‫المسجد‬
‫وأقيم عبد الرحيم بن الياس ولّي العهد ‪ .‬وأمر أن ُي قال في السالم عليه السالم على ابن عّم أمير المؤمنين وولّي عهد (‬
‫)المسلمين وصار يجلس بمكان في القصر‬
‫فى المسجد كان التنصيب الرسمى لولى العهد ‪ ( :‬ودعا فوق المنابر بنفسهلعبد الرحيم بن إلياس فقال‪ :‬اللهم استجب منى في‬
‫ابن عمي وولي عهدي والخليفة من بعدي عبد الرحيم بن إلياس بن أحمد بن المهدي باهلل أمير المؤمنين كما استجبت‬
‫من موسى في أخيه هرون‪ ) .‬التفاصيل فى هذه الرواية ‪ ( :‬وفيه جمع سائر الناس على اختالفهم بالقصر وقرئ عليهم سجل‬
‫بأن أبا القاسم عبد الرحيم بن إلياس بن أبي علي بن المهدي باهلل أبي محمد عبيد هللا قد جعله الحاكم بأمر هللا ولي عهد‬
‫المسلمين في حياته والخليفة بعد وفاته وأمر الناس بالسالم عليه وأن يقولوا له في سالمهم عليه‪ :‬السالم على ابن عم أمير‬
‫المؤمنين وولي عهد المسلمين وتعين له محل يجلس فيه من القصر‪ .‬ثم قرئ السجل على منابر البلد وباإلسكندرية وبعث بذلك‬
‫سجًال إلى إفريقية فقرئ بجامع القيروان وغيره وأثبت اسمه مع اسم الحاكم في البنود والسكة والطراز‪.‬‬
‫فعظم ذلك على نصير الدولة أبي مناد باديس وقال‪ :‬لوال أن اإلمام اليعترض عليه في تدبير لكاتبته أال يصرف هذا األمر وخلع‬
‫) على عبد الغني بن سعيد ودفع له ألف وخمسمائة دينار وخمس عشرة قطعة ثياب وحمل على بغلة ولرفيقه مثل ذاك‪.‬‬
‫ونزل الذين عادتهم النزول في يوم عاشوراء إلى القاهرة من المنشدينوغيرهم أفرادًا غير مجتمعين وال متكلمين فما اجتمع (‬
‫أى منع االحتفال بعاشوراء ) اثنان في موضع‪.‬‬
‫إضطهاد أهل الكتاب‬
‫)في محرم أمر أال يدخل يهودي وال نصراني الحمام إال ويكون مع اليهوديجرس ومع النصارى صليب‪( .‬‬
‫) ‪ .‬وفي سنة أربع وأربعمائة ألزم اليهود أن يكون في أعناقهم جرس إذا دخلوا الحمام وأن يكون في أعناق النصارى صلبان (‬
‫‪ ).‬وأمر اليهود والنصارى بالخروج من مصر إلى بالد الروم وغيرها (‬
‫تشريعات غريبة ومتناقضة‬
‫‪ :‬نوردها على الترتيب ونترك للقارى التعجب من التناقض بينها‬
‫ونهى عن الكالم في النجوم فتغيب عدة من المنجمين وبقي منهم جماعةوطردوا وحذر الناس أن يخفوا أحدًا منهم فأظهر (‬
‫) جماعة منهم التوبة فعفى عنهم وحلفوا أال ينظروا في النجوم‪.‬‬
‫وأمر بغلق سائر الدواوين وجميع األماكن التي تباع فيها الغاللوالفواكه وغيرها ثالثة أيام من آخر حزن عاشوراء فلما كان (‬
‫) يوم عاشوراء أغلقت سائر حوانيت مصر والقاهرة بأسرها إال حوانيت الخبازين‪.‬‬
‫) وأكثر الحاكم في هذا الشهر من الصدقاتوإعطاء األموال الكثيرة جدا‪( .‬‬
‫)وأعتق سائر مماليكه وجواريه‪( .‬‬
‫وبلغ الحاكم أن أبا القاسم علي بن أحمد الزيدي النقيب عليه عشرونألف دينار فوقع له بها مما عليه من الخراج وبعث له (‬
‫)بثالثة آالف دينار أخرى‪.‬‬
‫وكثر ركوب الحاكم وهو بدراعة صوف وبيضاء وعمامة فوطة وفي رجله حذاءعربي بقبالين فأقبل الناس إليه بالرقاع ما بين (‬
‫) متظلم أو مستمنح فأجزل في الصالت والعطايا ما بين دور ودراهم وثياب فلم يرد أحد خائبا‪.‬‬
‫ورد ما كان في الديوان من الضياع واألمالك المأخوذة ألربابها وأقطعكثيرا من الناس عدة آدر‪( .‬‬
‫)وفي ربيع األول بسط الحاكم يده بالعطاء‪.‬‬
‫)وقتل الكالب فقتلت بأجمعها (‬
‫) وأبطل مكس الرطب ومكس دار الصابون ومبلغه ستة عشر ألف دينار وأطلق أمواال جزيلةللصدقة‪( .‬‬
‫) ونزل ليلة النصف من شعبان إلى القرافة ومشى فيها وتصدق بشيء كثيروأبطل عدة جهات من جهات المكس‪( .‬‬
‫ومنع النساء أن يخرجن إلى الطرقات في ليل أو نهار سواء أكانت المرأةشابًة أم عجوزًا فاحتبسن في بيوتهن ولم تر امرأة (‬
‫) في طريق ‪ .‬وأغلقت حماماتهن ‪ .‬وامتنع األساكفة من عمل خفاف النساء وتعطلت حوانيتهم‪.‬‬
‫وفي سادس عشره وقع في الناس خوف وفزع من شناعة القول وكثرة إشاعتهبأن السيف قد وقع في الناس فتهارب الناس (‬
‫) وغلقت الحوانيت فلم يكن سوى القلب‪.‬‬
‫) وضرب قوم خالفوا النهي عن بيع الملوخية والسمك الذي ال قشر لهوشهروا‪( .‬‬
‫)وضرب كثير من النساء من أجل خروجهن من البيوت وحبسن‪( .‬‬
‫) وقرئ سجل بالمنع من تفتيش المسافرين في البحر والبر والنهي عنالتعرض‪( .‬‬
‫)ومنع من عادته الطواف في األعياد باألسواق ألخذ الهبات من الرجالةوالبواقين‪( .‬‬
‫) ولم يعمل في القصر سماط وال رؤيت امرأة وال أبيع شيء مما عادته يباعفي األعياد من اللعب والتماثيل‪( .‬‬
‫) واشتد األمر في منع النساء من الخروج وحبس عدة عجائز وخدم وجدن فيالطرقات‪( .‬‬
‫) وقرئ سجل بأن كل من كانت له مظلمة فليرفعها إلى ولي العهد فجلس عبدالرحيم ورفعت إليه الرقاع فوقع عليها‪( .‬‬
‫)وواصل الحاكم الركوب في العشايا‪( .‬‬
‫واصطنع خادما وكاتبا أسود كناه بأبي الرضا سعد وأعطاه من الجواهرواألموال ما يجل وصفها وأقطعه إقطاعات كثيرة فقصده (‬
‫الناس لحوائجهم ولزموا بابه لمهماتهم فتكلم لهم مع الحاكم فلم يرد سؤاله في شيء‪ .‬وكان مما يسأل فيه إقطاعات للناس‬
‫) تتجاوز خمسين ألف دينار‪.‬‬
‫‪ :‬أفظع تناقض‬
‫وقع ضحية تناقض الحاكم فى هذا العام إثنان هما ( الجرجائى ) ‪ .‬أمر الحاكم بقطع يديه هذا العام ‪ . 404‬وكان الجرجائى كاتبا‬
‫للقائد (غين ) ‪ .‬وكان الحاكم قد قطع يد القائد ( غين ) عام ‪ ، 401‬ثم بعد قطع يدى الجرجرائى باسبوعين أمر الحاكم بقطع اليد‬
‫األخرى للقائد ( غين ) قطع يده األخرى فصار القائد (غين ) مقطوع اليدين ‪ .‬ثم أنعم عليه الحاكم وأمر بمداوته ‪ ،‬ثم أمر بقطع‬
‫لسانه ‪ .‬ثم جعله يسير فى موكب عظيم للقصر‪ !!..‬تقول الروايات ‪ ( :‬وفي ثامن عشر ربيع اآلخر أمر الحاكم بقطع يدي أبي‬
‫القاسم أحمد بنعلي الجرجرائي فقطعتا جميعًا وهو يومئذ كاتب قائد القواد غين‪ ( ) .‬وفي ثالث جمادى األولى قطعت يد غين بعد‬
‫قطع يد كاتبه الجرجرائي بخمسة عشر يومًا وكانت يده األخرى قد قطعت قبل ذلك بثالث سنين وشهر فصار مقطوع اليدين‪ .‬ثم‬
‫إن الحاكم بعث إليه بآالف من الذهب وعدة أسفاط من الثياب وأمر بمداواته‪ .‬فلما كان في ثالث عشره أمر بقطع لسان غين‬
‫فقطع‪ .‬وفى رجب ركب قائد القواد غين إلى القصر في موكب عظيم فخلع عليه‪ ( ).‬وفي ربيع اآلخر أمر بقطع يدي أبي القاسم‬
‫الجرجانّي وكان يكتب للقائد غين ثم قطع يد غين فصار مقطوع اليدين وبعث إليه الحاكم بعد قطع يديه بألف من الذهب والثياب‬
‫‪..‬ثم بعد ذلك أمر بقطع لسانه فُقطع‪).‬‬
‫عام ‪405‬‬
‫قتل‬
‫وفي سنة خمس وأربعمائة قتل مالك بن سعيد الفارقي في ربيع اآلخر وكانت مّدة نظره في قضاء القضاة ست سنين وتسعة (‬
‫وفي جمادى اآلخرة منها ُقِتل الحسين بن طاهر الوزان ( )‪ .‬أشهر وعشرة أيام وبلغ إقطاعه في السنة خمسة عشر ألف دينار‬
‫وقتل ابني أبي السيد ( ) فكانت مّد ة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يوًم ا فأمر أصحاب الدواوين بلزوم دواوينهم‬
‫) ‪.‬فكانت مّد ة نظرهما اثنتين وستين يوًم ا وقلد الوساطة فضل بن جعفر بن الفرات ثم قتله في اليوم الخامس من واليته‬
‫عام ‪407‬‬
‫الصالة والمسجد‬
‫وفي يوم الجمعة رابع رمضان ركب ولي العهد فصلى بالجامع األنورالجديد بباب الفتوح في موكب الخالفة ثم صلى جمعة (‬
‫)أخرى بجامع القاهرة ثم جمعتين بالجامع الجديد‪.‬‬
‫) وركب ولي العهد يوم الفطر في موكب الخالفة وصلى بالناس في المصلىوخطب‪( .‬‬
‫) ومنع مؤذنو القصر وجامع القاهرة من قولهم بعد األذان‪ :‬السالم علىأمير المؤمنين وأن يقولوا بعد األذان‪ :‬السالم من هللا‪( .‬‬
‫واستمر على مواصلة الركوب إلى ليلة النحر قرب العشاء وشق البلدوالطرادون يفرقون الناس عنه‪( .‬‬
‫) وصلى ولي العهد صالة عيد النحر ولم يضح بشيء ونهى الناس عن ذبحالبقر‪.‬‬
‫تناقضات‬
‫في المحرم تزايد وقوع النار وكثر الحرق فياألماكن فأمر الناس باتخاذ القناديل على الحوانيت وعلى أريافها وطرحت (‬
‫) السقائف والرواشن‬
‫)وأمر بقتل الكالب فقتل منها كثير‪( .‬‬
‫وعظم الحريق ووقعت في أمره شناعات من القول فقرئ سجل في الجوامعبزجر السفهاء والكف عن أحوال تفعل وأن يدخل (‬
‫الناس إلى دورهم من بعد صالة العشاء‪ .‬فأغلقت الدور والحوانيت والدروب من بعد صالة المغرب وكثر الكالم وعظم الترحم في‬
‫) الليل‪.‬‬
‫)وفيه ركب الحاكم مرتين فرفعت إليه الرقاع فأمر برافعيها فحبسوا‪( .‬‬
‫وحبس عدة قياسر وأمالك مع سبع ضياع بإطفيح وطوخ على القراءوالمؤذنين بالجوامع وعلى ملء المصانع والمارستان (‬
‫) وثمن األكفان‪.‬‬
‫وفي ربيع األول واصل الركوب وأخذ الرقاع ووقف مع الناس طويال ‪ .‬ثمامتنع من أخذ الرقاع وأمر أن ترفع إلى عبد الرحيم (‬
‫) وإلى القاضي مالك وإلى أمين األمناء فتناولوا الرقاع‪.‬‬
‫هذا خروج على ثوابت الدين الشيعى ‪ ) .‬وفي جمادى األولى رد الحاكم على بني عمرو بن العاص حبس جدهم عمرو بنالعاص (‬
‫‪ .‬الذى يلعن عمرو بن العاص‬
‫) وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب في اليوم الواحد عدة مرات وعظمتهباته وعطياته‪( .‬‬
‫ثم أمر بابتياع الحمير وصار يركبها من تحت السرداب إلى باب البستانإلى المقس ويغلق األبواب التي يتوصل منها إلى (‬
‫) المقس وقت ركوبه ومنع الناس من الخروج إلى هذه المواضع‪.‬‬
‫وفي جمادى اآلخرة ‪....‬وركب الحاكم بصوف أبيض وعمامة مفوطة بمظلة مثلهاوولي العهد يسايره وعليه ثوب مثقل ومعهم (‬
‫) الجواهر‪.‬‬
‫واعتل الحاكم أياما فركب على حمار بشاشية مكشوفة وأكثر من الحركة فيالعشيات إلى المقس والتعدية إلى الجيزة وهو على (‬
‫وأكثر الحاكم فيه من الركوب ( ) وواصل الركوب في كل غداة وهو على الحمار‪ ) ( .‬وأكثر من الركوب في النيل‪ ) ( .‬الحمار‪.‬‬
‫فركب في يوم واحد ست مرات تارة على فرس وأخرى على حمار ومرة في محفة تحمل على األعناق ومرة في عشارى في‬
‫)النيل بشاشية ال عمامة عليها‪.‬‬
‫وفيه كثرت صالت الحاكم ومواهبه وإقطاعاته للناس حتى خرج في ذلك عنالحد‪( .‬‬
‫وخرج الحاكم عن المعهود في العطاء واإلقطاعات حتى أقطع النواتيةالذين يجدفون به في العشاري وأقطع المشاعلية وكثيرا‬
‫) من الوجوه واألقارب وبني قرة فكان مما أقطع اإلسكندرية والبحيرة ونواحيها‪.‬‬
‫وقرئ سجل بأن يكون ما يرفعه الناس من حوائجهم في ثالثة أيام يومالسبت للكتاميين والمغاربة ويوم االثنين للمشارقة (‬
‫ويوم الخميس لسائر الناس كافة وأن يتجنبوا لقاء أمير المؤمنين ليًال ونهارًا بالرقاع فما يتعلق بالمظالم فإلى ولي العهد وما‬
‫) يتعلق بالدعاوى فإلى قاضي القضاة وما استصعب من ذلك ينتهي إلى أمير المؤمنين‪.‬‬
‫) وتشدد األمر في منع النساء من الخروج في الطرقات ومن التطلع فيالطيقان بأسرهن شبابهن وعجائزهن‪( .‬‬
‫قتل‬
‫وأكثر من فلما كان يوم السبت سادس عشري ربيع اآلخر ركب في الليل علىرسمه إلى الجب وتالحق به الناس وفيهم قاضي (‬
‫القضاة مالك بن سعيد فلما أقبل على الحاكم أعرض عنه فتأخر وإذا بصقلبي يقال له غادى يتولى الستر والحجية أخذه وسار‬
‫به إلى القصور وألقاه مطروحا باألرض فمر به الحاكم وأمر بمواراته فدفن هناك بثيابه وخفيه‪ .‬وكانت مدة نظره في األحكام‬
‫) عشرين سنة منها ست سنين وتسعة أشهر قاضي القضاة وباقيها خالفة لبني النعمان‪.‬‬
‫) وبلغ الحاكم أن ثالثة من الركابية أخذوا هبة منالرسول فأمر بقتلهم فقتلوا من أجل ذلك‪( .‬‬
‫وفي جمادى اآلخرة ركب الحاكم ومعه أمين األمناء الحسين بن طاهرالوزان على رسمه فلما انتهى إلى حارة كتامة خارج باب (‬
‫القاهرة أمر فضربت رقبة ابن الوزان ودفن مكانه‪ .‬فكانت مدة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يوما وكان توقيعه‬
‫عن الحاكم‪ :‬الحمد هلل وعليه توكلي‪ .‬وتقدم األمر لسائر أرباب الدواوين بلزوم دواوينهم‪.‬‬
‫) وفي نصفه قتل ابنا أبي السيد حسين وعبد الرحيم ضربت أعناقهما بالقصرفكانت مدة نظرهما اثنين وتسعين يوما‪( .‬‬
‫وفي سابع عشره تقلد أبو العباس فضل بن جعفر بن الفرات الوساطة ولميخلع عليه فجلس ووقع ثم قتل في اليوم الخامس (‬
‫) من جلوسه‪.‬‬
‫سنة ‪408‬‬
‫شهد هذا العام الدعوة الدرزية لتأليه الحاكم‬
‫قدم مصر داع عجمي اسمه محمد بن اسماعيل الدرزي واتصل بالحاكم فأنعمعليه‪ .‬ودعا الناس إلى القول بإلهية الحاكم فأنكر (‬
‫الناس عليه ذلك ووثب به أحد األتراك ومحمد في موكب الحاكم فقتله وثارت الفتنة فنهبت داره وغلقت‬
‫أبواب القاهرة‪ .‬واستمرت الفتنة ثالثة أيام قتل فيها جماعة من الدرزية وقبض على التركي قاتل الدرزي وحبس ثم قتل‪ .‬ثم ظهر‬
‫داع آخر اسمه حمزة بن أحمد وتلقب بالهادي وأقام بمسجد تبر خارج القاهرة ودعا إلى مقالة الدرزي وبث دعاته في أعمال‬
‫مصر والشام وترخص في أعمال الشريعة وأباح األمهات والبنات ونحوهن وأسقط جميع التكاليف في الصالة والصوم‬
‫وال تزال الديانة الدرزية ) ‪ .‬ونحو ذلك‪ .‬فاستجاب له خلق كثير فظهر من حينئذ مذهب الدرزية ببالد صيدا وبيروت وساحل الشام‬
‫‪.‬حتى االن فى لبنان و فلسطين ( واسرائيل )‬
‫سنة ‪409‬‬
‫العجب الُع جاب‬
‫وأكثر الحاكم من الركوب فركب في يوم ستة مّر ات مّر ة على فرس ومّر ة على حمار ومّر ة في محفة تحمل على األعناق ومّر ة (‬
‫) في عشاري في النيل بغير عمامة‬
‫التخلص من ولى العهد ‪ ( :‬وولى عبد الرحيم بن الياس دمشق فسار إليها في جمادى اَالخرة سنة تسع وأربعمائة فأقام فيها‬
‫شهرين ثم هجم عليه قوم فقتلوا جماعة ممن عنده وأخذوه في صندوق وحملوه إلى مصر ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها إلى ليلة‬
‫عيد الفطر وأخرج منها‪ ) .‬وهذه الرواية تعطى تفصيال ‪ ( :‬وفيها عزل الحاكم سديد الدولة عن دمشق ووليها عبد الرحيم بن‬
‫إلياسوسار إليها لعشرين من جمادى اآلخرة فبينما هو قصره إذ هجم عليه قوم ملثمون فقتلوا جماعًة من غلمانه ثم أخذوه‬
‫ووضعوه في صندوق وحملوه إلى مصر‪ .‬فلم يكن بها أكثر من شهرين ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها ليلة العيد‪ .‬وورد من مصر‬
‫رجل يقال له أبو الداود المغربي ومعه جماعة وأخرجوا عبد الرحيم وضربوا وجهه وأصبح الناس يوم العيد وليس لهم من‬
‫يصلي بهم‪ .‬وعجب الناس من هذه األمور‪) .‬‬
‫ثم التخلص من الزير ابن فالح ‪ ( :‬في آخر شوال ركب الوزير علي بن جعفر بن فالح إلى البرك التي قباللخليج خارج القاهرة‬
‫فثار عليه فارسان فأخذه أحدهما فألقاه وفرا فلم يعرف خبرهما وحمل إلى داره فمات من األخذ‪) .‬‬
‫‪ .‬بعدها كان التخلص من الخليفة الحاكم نفسه عام ‪411‬‬

‫الفصل التاسع عشر ‪ :‬الصالة الشيطانية فى الدولة المملوكية‬

‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ كان مستغربا أن يحكم المماليك ( وهم رقيق سابقا) مصر ويمتد ملكهم الى حدود العراق وجنوب آسيا الصغرى مع الحجاز ‪1 .‬‬
‫المعارضة الكبرى بدأت من مصر ضد عز الدين أيبك أول سلطان مملوكى‪ .‬لم يرض المصريون أن يحكمهم مماليك األيوبيين ‪.‬‬
‫يقول المؤرخ المملوكى جمال الدين أبو المحاسن ( إبن تغرى بردى ) فى تاريخه ( النجوم الزاهرة ) ‪ ( :‬أن أهل مصر لم‬
‫يرضوا بسلطان مسه الرق ‪ ,‬وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب في الطرقات )‬
‫ولذا اشتد هذا السلطان فى فرض هيبته على المصريين ‪ .‬يقول المقريزى في حوادث سنة ‪648‬هـ التى شهدت قيام الدولة‬
‫المملوكية البحرية ‪ ( :‬وفيها كثر ضرر المماليك البحرية بمصر‪ ،‬ومالوا على الناس ‪ ،‬وقتلوا ونهبوا األموال وسبوا الحريم ‪،‬‬
‫وبالغوا في الفساد حتى لو حكم الفرنج ما فعلوا فعلهم)‪ ،‬أى لو حكم الصليبيون مصر فإنهم‪ -‬فى رأي المقريزى‪ -‬لن يظلموا‬
‫المصريين بالقدر الذى فعله بهم المماليك المسلمون‪.‬ويقول المقريزى في ترجمة للسلطان أيبك أول سلطان مملوكى (وكان ملكًا‬
‫حازمًا شجاعًا سفاكًا للدماء‪ ،‬قتل خلقًا كثيرًا‪ ،‬وشنق عالمًا من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته‪ ،‬وأحدث مظالم‬
‫ومصادرات عمل بها من بعده) ‪.‬أى أن السلطان أيبك استن سنة سيئة عمل بها خلفاؤه المماليك هى القسوة المتناهية فى قهر‬
‫‪ .‬المصريين حتى ال يثوروا‬
‫ـ تصدى المماليك للمغول وهزموهم فى معركة عين جالوت ‪ ، 658‬وتصدووا للصليبيين حتى إستأصلوا شافتهم باستيالء ‪2‬‬
‫االشرف خليل بن قالوون على عكا ثم صور وبيروت وانطرطوس وعثيلت وارواد ‪ ،‬وأنهي المماليك بذلك الحروب الصليبية‬
‫‪ .‬التي بدأت قبلهم بنحو قرن ونصف القرن وخلصت لهم سيطرتهم على الشام‬
‫ـ وقع على كاهل السلطان الظاهر بيبرس عبء توطيد الدولة المملوكية ‪ ،‬وهو الذى أرهق الصليبيين بغاراته وارهق أيضا ‪3‬‬
‫المغول حكام العراق‪ .‬ولكنه فيما يخص موضوعنا أّس س الشرعية الدينية للدولة المملوكية بنقل الخالفة العباسية الى القاهرة‬
‫ليكون الخليفة العباسى هو الذى يعقد شرعية السلطان المملوكى حين يتولى السلطة ‪ ،‬وبتأسيس المذاهب األربعة وقضاتها‬
‫‪ :‬السنيين ‪ ،‬وبناء المساجد ‪ .‬ونتوقف ببعض التفصيل‬
‫‪:‬أوال ‪ :‬إقامة الخالفة العباسية فى القاهرة بعد إحتالل المغول بغداد والعراق‬
‫ـ لم ينس المماليك أن آخر خليفة عباسى فى بغداد إعترض على تولية شجرة الدر السلطنة بعد موت السلطان الصالح أيوب ‪1‬‬
‫وهزيمة الحملة الفرنسية التى قادها لويس التاسع‪ .‬لم يشفع عند الخليفة العباسى أسر لويس التاسع وإبادة جيشه بقيادة شجرة‬
‫الدر والمماليك الذين إختاروها سلطانة فبعث يتندر إن كانت مصر قد خلت من الرجال‪ .‬وتحاشيا إلغضابه والرأي العام معه فقد‬
‫‪.‬تم حل المشكلة بأن تتزوج من أيبك الداودار ‪ ،‬وتقاسما السلطة وصارت شجرة الدار تحكم ولكن من وراء ستار‬
‫ـ دعا الظاهر بيبرس أحد أقارب الخليفة العباسي الذى قتله المغول عام ‪ 658‬ونصبه خليفة في القاهرة ‪ .‬إال أن بيبرس ‪2‬‬
‫تخوف من الخليفة الجديد فحجر عليه ثم قرر أن يتخلص منه فبعثه بجيش صغير ليحارب المغول فهزم وقتل ‪ ،‬وعين آخر محله‬
‫‪.‬‬
‫واقتصر دور الخليفة على مبايعة كل سلطان ‪ ،‬أى مجرد ( مأذون شرعى ) يقوم بعقد الشرعية السنية على السلطان المملوكى‪.‬‬
‫بل كان الخليفة العباسى يعطى مشروعية دينية للحكام خارج الدولة المملوكية ‪ ،‬فقد جاء سفير ملك الهند يطلب من الخليفة‬
‫العباسى بالقاهرة ومن السلطان قايتباى تقليدًا له بالحكم ‪ ،‬وفق ما ذكره المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر فى أنباء‬
‫‪.‬العصر )‬
‫كان الخليفة العباسى األول فى الترتيب الرسمى قبل السلطان نفسه‪ ،‬ومع ذلك لم يكن للخلفاء العباسيين فى دولة المماليك ‪3 :‬‬
‫نفوذ‪ .‬والسيوطي عاصر السلطان قايتباى وكان صديقا للخليفة العباسى فى القاهرة‪ ،‬وفى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) أفرد جزءا‬
‫للتأريخ للخلفاء العباسيين فى القاهرة ‪ .‬وفي حديثه عن علو شأن الخالفة العباسية في بغداد حتى مع ضعف سلطة الخليفة فى‬
‫العصر العباسى الثانى قال السيوطى يتحّس ر عن حال الخلفاء العباسيين في القاهرة‪ (:‬وقد صار األمر في زماننا إلى أن الخليفة‬
‫يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر‪ ،‬فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معًا خارج المرتبة‪ ،‬ثم يقوم‬
‫الخليفة يذهب كأحد الناس ‪ ،‬ويجلس السلطان في دست مملكته‪ .‬وقد ُح ّد ثت أن السلطان األشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال‬
‫العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكبًا أمامه‪ ،‬يحجبه‪ (،‬أى يعمل حاجبًا أمامه)‪ ،‬والهيبة والعظمة للسلطان‪ ،‬والخليفة كأحد‬
‫‪.‬األمراء الذين في خدمة السلطان‪).‬‬
‫ويتفق معه المؤرخ ابن الصيرفى الذى يقول عن الخليفة العباسى فى عهده وهو ( المستنجد ) ‪ ( :‬ليس له في الخالفة إال‬
‫اإلسم‪.،).‬كان مجرد رمز تكتمل به مالمح الدولة الدينية للنظام المملوكي‪ .‬أما السلطان المملوكى فهو الحاكم الفعلي الذى يقود‬
‫‪ .‬الجيش ويمثل السلطة الزمنية السياسية ويحيط عنقه بقالدات السلطة الدينية‬
‫ـ وبها أصبحت الرموز الدينية للدين األرضى السائد خدما للسلطان ‪ .‬ونستشهد بالمؤرخ ابن الصيرفى الذى كان معاصرا لما ‪4‬‬
‫يسجله من أحداث فى تاريخه (إنباء الهصر ) يقول عن أحداث يوم السبت أول ربيع الثاني ‪ ( :877‬صعد فيه قضاة القضاة‬
‫لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وكان يتقدمهم أمير المؤمنين المتوكل على هللا أبو العز عبد العزيز دام شرفه‪ ،‬فهنأه بالشهر‪،‬‬
‫ثم دخل القضاة بعد أن جلسوا طويًال بجامع الناصر ابن قالوون ينتظرون األذن‪ ،‬فإن السلطان نصره هللا كان يلعب بالكرة هو‬
‫واألمراء المتقدمون ‪ ،‬فلما فرغوا جلس بالحوض السلطانى تحت الدكة ‪ ،‬وكنت معهم ‪ ،‬فهّن وا ودعوا وانصرفوا ‪ ،‬ولم يتكلم أحد‬
‫منه ببنت شفة"‪ . ) .‬الخليفة العباسى ( يصعد ) الى السلطان ليهنئه بأول الشهر العربى ( كالعادة )‪ .‬ومعه الُقضاة وضمنهم‬
‫‪ .‬المؤرخ القاضى ابن الصيرفى‬
‫ثانيا ‪ :‬تأسيس النظام القضائى الُس ّن ة بالمذاهب األربعة‬
‫ـ يقول المقريزى عن السلطان الظاهر بيبرس ‪ .. ( :‬فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقدارّي ولي بمصر والقاهرة ‪1‬‬
‫أربعة قضاة وهم شافعّي ومالكّي وحنفّي وحنبلّي ‪ ) .‬وصار هذه ُس ّن ة متبعة ٌت ام لها دور العبادة بأنواعها من مساجد ومؤسسات‬
‫صوفية كالخوانق والزوايا واألربطة ‪ ،‬ومن يخرج عن هذا يتعرض للعداء كخارج عن الدين‪ .‬يقول المقريزى ‪ ( :‬فاستمّر ذلك‬
‫من سنة خمس وستين وستمائة حتى لم يبق في مجموع أمصار اإلسالم مذهب يعرف من مذاهب أهل اإلسالم سوى هذه‬
‫المذاهب األربعة وعقيدة األشعرّي ‪ ،‬وُع ملت ألهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك اإلسالم ‪ ،‬وُع ودي من‬
‫تمذهب بغيرها وأنكر عليه ‪ ،‬ولم يوّل قاض وال قبلت شهادة أحد وال قّد م للخطابة واإلمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلًداألحد‬
‫هذه المذاهب ‪ ،‬وأفتى فقهاء هذه األمصار في طول هذه المّد ة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى‬
‫‪.‬اليوم‪ ).‬هذا ما قاله المقريزى ‪ ،‬وهو الحال حتى اليوم‬
‫ـ كان القضاء في العصر المملوكي نوعين‪ :‬قضاء شرعى وقضاء سياسي‪ .‬والقضاء الشرعى يرأسه القاضى الشافعي الذى ‪2‬‬
‫يعين نوابا عنه في األقاليم المصرية يقوم كل منهم بوظيفة القاضى في بلد‪ ،‬ويقوم القضاة األحناف والمالكية والحنابلة بتعيين‬
‫نواب عنهم أيضًا ولكن يقف القاضى الشافعي في المقدمة على رأس الهيئة القضائية الشرعية‪ ،‬ويختص إلى جانب ذلك بالنظر‬
‫في أمر األيتام واألوقاف وبيت المال‪ ،‬ثم هو خطيب الجامع األعظم بالقلعة‪.‬وعدد نواب القضاة في األقاليم أكثر من مائتى نائب أو‬
‫قاض للحكم فى منطقته المحلية‪ ،‬وكل قاض منهم لقبه نائب أى ينوب عن قاضى القضاء في المنطقة التى بها المحكمة‬
‫الشرعية‪ .‬كان القضاء جزءا من الدولة المملوكية ‪ ،‬وكانوا يصعدون مع الخليفة العباسى الى السلطان يهنئونه بمقدم الشهر‬
‫‪.‬العربى‪ .‬كما سبقت اإلشارة اليه‪ .‬وهم بهذا يمثلون خضوع الدين السنى للسلطان المملوكى‬
‫ــ وكان السلطان المملوكى العسكرى مؤلها ‪ ،‬فقد كان من الطقوس الدينية‪ ،‬أو من المراسيم المملوكية وقواعد البروتوكول أن ‪3‬‬
‫يسجد الناس أمام السلطان المملوكي أو أن يقبلوا األرض بين يديه‪ .‬كان الجميع يفعلون ذلك من الخليفة العباسى إلى القضاة‬
‫األربعة وسائر األمراء‪ .‬وكان التعبير المعتاد أن يقال أن فالنًا "صعد" إلى القلعة وقّب ل األرض بين يدى السلطان ‪ .‬وكلمة‬
‫"صعد" كانت تتكرر في وصف أى زيارة يقوم بها أى شخص للسلطان لتوحي بتقديس السلطان وتأليهه‪ ،‬يقول ابن الصيرفي‬
‫عن األتابك أزبك قائد الجيش‪ (:‬وصعد القلعة بعد عصر يومه المذكور‪ ،‬فقّب ل األرض‪،).‬ويتكرر مع وصف السلطان بعبارات دينية‬
‫مثل(المواقف الشريفة شّر فها هللا وعّظ مها ‪ )،‬ففي وم (األحد أول رجب ‪ )873‬ووصل سفير األمير حسن بك سلطان ديار بكر‬
‫يقول ابن الصيرفي ‪ (:‬فصعد بين يدى المواقف الشريفة شّر فها هللا وعّظ مها‪ ،‬وّق بل األرض‪ .).‬وقايتباى حين كان أميرا فى‬
‫سلطنة السلطان المنصور عثمان بن جقمق كان يسجد له أيضا‪.‬وحتى في الرسائل الموجهة للسلطان يقال له‪ (:‬وبعد تقبيل‬
‫األرض والدعاء للسلطان‪ ،) .‬وهذا ما كتبه األتابك أزبك في رسالته‪ .‬وحين يتعطف السلطان على أحدهم ويرفعه فوق مرتبته‬
‫يسمح له بأن يقبل يده‪ ،‬وفي أحداث يوم االثنين ‪ 5‬جمادى الثانية ‪ 876‬يقول ابن الصيرفى ‪ ( :‬صعد القاضى عبد البر بن‬
‫‪.‬الشحنة إلى السلطان وقّب ل يده فأكرمه‪).‬‬
‫ـ بهذا يمكن القول بأن الدولة المملوكية دولة عسكرية دينية إذا نظرنا الى مؤسساتها الدينية ووجود الخالفة العباسية فى ‪4‬‬
‫القاهرة بما تمثله هذه الخالفة من كهنوت دينى ‪ ،‬وبما يتمتع السلطان المملوكى من تأليه ‪ ،‬وهو الذى يطبق الشريعة الّس نية‬
‫بأعوانه من العلماء ورجال الدين‪ ،‬ومنشآت العصر كلها مدارس وخوانق ومساجد وجوامع لتدريس العلوم الدينية الشريفة‪،‬‬
‫والخليفة العباسى يسجدون له ومعه قضاة ( الشرع الشريف )‪ .‬وهم أعوانه فى الظلم حيث إرتبط طقوس العبادة بأشد أنواع‬
‫‪ .‬الظلم المملوكى‪،‬ومعها المساجد الشيطانية المملوكية‬
‫ثالثا ‪ :‬تأسيس وإنتشار المساجد ( الشيطانية )‬
‫ـ المساجد قبل الظاهر بيبرس كانت معدودة ‪ ،‬اشهرها (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ‪ ،‬فى مدينة الفسطاط التى بناها ‪1‬‬
‫عمرو ‪ .‬ثم بنى العباسيون مدينة العسكر ‪ ،‬وبنى فيها الوالى العباسى السرى بن الحكم مسجد العسكر ‪ .‬وبنى أحمد بن طولون‬
‫مدينة القطائع وبنى فيها مسجده ( أحمد بن طولون ) ‪ .‬ثم بنى جوهر الصقلى مدينة القاهرة والجامع األزهر ‪ ،‬ثم بنى العزيز‬
‫باهلل الفاطمى عام ‪ 380‬جامعا أتّم ه ابنه الحاكم فحمل إسم ( جامع الحاكم ) وبنى الحاكم مسجد راشدة وجامع المقس ‪ .‬ثم بنى‬
‫صالح الدين األيوبى للصوفية خانقاه سعيد السعداء ليحارب بالتصوف السنى الدين الشيعى‪ .‬واتصلت مبانى الفسطاط بالعسكر‬
‫بالقطائع بالقاهرة ‪ ،‬واصبح فى العصر المملوكى يطلق عليها ( مصر والقاهرة ) ‪ .‬قال المقريزى فى ( الخطط ) ‪ ( :‬فلما كانت‬
‫الدولة التركية ( المملوكية ) حدث بالقاهرة والقرافة ومصر وما بين ذلك عدة جوامع أقيمت فيها الجمعة وما برح األمر يزداد‬
‫حتى بلغ عدد المواضع التي تقام بها الجمعة فيما بين مسجد تبر خارج القاهرة من بحريها إلى دير الطين قبلي مدينة مصر‬
‫زيادة على مائة موضع‪ .. ( )...‬وقد بلغت عدة المساجد التي تقام بها الجمعة مائة وثالثين مسجًد ا‪ ،) .‬أى إمتألت القاهرة‬
‫بحوالى مائة مسجد أو جامع كبير ُت قام فيه صالة الجمعة ‪ ،‬هذا عدا المؤسسات الصوفية من زوايا وأضرحة وخوانق وُر بط‬
‫‪ ( .‬جمع رباط )‬
‫ـ كانت البداية فى سلطنة الظاهر بيبرس ‪ .‬كان صالح الدين األيوبى قد أغلق الجامع األزهر الذى كان مركز الدين الشيعى ‪2 .‬‬
‫وظل معطال مائة عام حتى جاء الظاهر بيبرس فقام بترميم الجامع األزهر ‪ ،‬واوقف عليه األوقاف ‪ ،‬وأعاد فيه صالة الجمعة‬
‫ليكون معبرا عن دين التصوف السنى السائد فى الدولة المملوكية ‪ ،‬قال المقريزى فى (الخطط ) عن الجامع األزهر ‪ ( :‬ثم أنه‬
‫جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس ‪ ..‬لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع األول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت‬
‫الجمعة بالجامع األزهر بالقاهرة )‪ .‬وقام الظاهر بيبرس بتجديد جامع عمرو بن العاص ‪ ،‬كما إنه هو أول من أنشأ خانقاة فى‬
‫العصر المملوكى‪ .‬وقد أنشأها وهو أمير لم يكن قد تولى السلطنة‪ .‬وقد وصفها المقريزى فقال ‪ ( :‬هذه الخانقاه من جملة دار‬
‫الوزارة الكبرى التي تقّد م ذكرها عند ذكر القصر من هذا الكتاب وهي أجّل خانقاه بالقاهرة بنياًن ا وأوسعها مقداًر ا وأتقنها صنعة‬
‫بناها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورّي قبل أن يلي السلطنة وهو أمير‪ .‬فبدأ في بنائها في سنة ست‬
‫وسبعمائة وبنى بجانبها رباًط ا كبيًر ا يتوصل إليه من داخلها ‪ . ).‬ثم إنتشرت المؤسسات الصوفية بمساجدها وخوانقها وزواياها‬
‫وأربطتها ‪ ،‬يقيم فيها صوفية يتخصصون فى الدعاء للسلطان والذى بنى هذه المؤسسة وجعل لها األوقاف ‪ .‬وقد حرص‬
‫المماليك في وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية على إلزام الصوفية المعينين فيها بالدعاء لهم واالستغفار من أجلهم‬
‫ليمارسوا الظلم وهم آمنون من غضب هللا حسبما يعتقدون ‪ .‬وتمتعوا مع ذلك برضا أعوانهم من أولياء التصوف وحمايتهم في‬
‫الدنيا واآلخرة بزعمهم‪ .‬ومن الطبيعي أن يهتم الواقف على المؤسسة الصوفية بإلزام الصوفية فيها بالدعاء له للتكفير عن‬
‫ظلمه وفي اعتقاده أن ذلك كفيل بالغفران له مهما ظلم ‪ .‬وقد ورد في وثيقة وقف الغوري (ويتولى شيخهم الدعاء فيحمد هللا‬
‫سبحانه وتعالى ثم يصلي كثيرًا على نبيه ويهدي ثواب القراءة إلى حضرته الشريفة ثم في صحيفة موالنا السلطان ‪ ..‬ثم في‬
‫‪.‬صحيفة نجله وصحيفة كريمته المرحومة خوند الصغرى)‬
‫رابعا ‪ :‬إقتران الظلم بالصالة الشيطانية‬
‫ـ المماليك جىء بهم الى مصر من آسيا وأوربا ‪ ،‬وتعلموا فى هذا المناخ إرتباط الدين بالظلم دون تعارض بينهما‪ .‬فكان ‪1‬‬
‫أكثرهم تدينا هو األكثر ظلما ‪ ،‬فلم يعد غريبًا أن نقرأ في ترجمة األمير تمراز أنه كان (يظهر التدين ويقرأ القرآن وبه بطش‬
‫وظلم وجبروت وكان يعاقب العقوبة الشديدة المؤلمة على الذنب الصغير)‪ .‬أما يلبغا السالمي فكان يضرب المظلوم (‪..‬ثم يصلي‬
‫‪ .‬ثمان ركعات مع إطالة ركوعها وسجودها ‪ ،‬وال يجسر أحد أن يترك الضرب دون فراغه)‬
‫‪ :‬ويصور الشاعر الحراتي هذه الحالة الفريدة في أبياته فيقول‬
‫قد بلينا بأمير‬ ‫فجاء بحمد هللا غير موفق>"‪&"RTL‬‬ ‫بنى جامعًا هلل من غير حله‬
‫فليتلِك ال تزني وال تتصدقي‬ ‫كمطعمة األيتام من كد فرجها‬
‫وهو نفس التعليق الذي أورده أبو المحاسن على زين الدين االستادار الذي (استولى على معاش الفقراء وأرباب التكسب‬
‫وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف أضعافها‪ ،‬حتى جمع من هذا المبلغ الخبيث أمواال كثيرة وعمر منها الجوامع والمساجد‬
‫‪ :‬والسبل) ويقول فيه أبو المحاسن ‪ :‬فهو كما قال الشاعر‬
‫بنى جامعا هلل من غير ماله‬
‫فكان بحمد هللا غير موفق‬
‫كمطعمة األيتام من كد فرجها‬
‫لِك الويل ال تزني وال تتصدق‬

‫ـ ويذكر أن زين الدين االستادار هذا اشتهر باالثنين معًا ‪ :‬الظلم وكثرة العمائر الدينية ‪ ،‬يقول فيه أبو المحاسن أنه (حَس ن ‪3‬‬
‫للسلطان أخذ جميع الرزق ( أى األوقاف الخيرية ) التي على وجوه البر والصدقة ‪ .‬وبضواحي القاهرة ‪ ،‬وبتأثيره على السلطان‬
‫عم البالء غالب المسلمين حتى الجوامع والمساجد والفقهاء والفقراء وغير ذلك ‪ .‬ولما أثرى وكثر ماله من هذه األنواع أخذ في‬
‫عمارة األربطة والجوامع والمساجد ‪ ،‬فعّم ر جامعه بالقرب من داره بين الصورين عند باب سعادة ‪ ،‬ثم جامعه الذي بخط بوالق‬
‫على النيل ‪ ،‬ثم جامعه الذي يخط الحبانية على بركة الفيل ‪ ،‬وفي غير القاهرة عدة أمالك وسبل ومساجد تفوت على الحصر ‪ ,‬كل‬
‫‪ .‬ذلك وهو مستمر على ما هو عليه وزيادة إلى أن كانت نكبته )‬
‫ـ وقد بنى األمير أقبغا المدرسة األقبغاوية وجعل فيها صوفية ‪ .‬يقول فيها المقريزي ( وهى مدرسة مظلمة ليس عليها من ‪4‬‬
‫بهجة المساجد وال أنس بيوت العبادة شيء البتة) وذلك ألن أقبغا ـ حسبما يصفه المقريزي ـ ( كان من الظلم والطمع والتعاظم‬
‫على جانب كبير) ‪ .‬وقد سخر في عمارة مدرسته كل صانع بالقاهرة ومصر ‪( :‬وأقام بها أعوانًا لم ُير أظلم منهم ‪ ،‬كانوا‬
‫يضربون العمال ‪ ،‬وحمل لها األصناف من الناس‪ ،‬فكانت بين غصب وسرقة ‪ .‬ومع ذلك فإنه ما نزلها قط إال وضرب فيها من‬
‫الصناع عدة ضربًا مؤلمًا ‪ ,‬ويعبر ذلك الضرب زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شاهدًا بها ‪ ...‬فلما تمت جمع بها‬
‫القضاة والفقراء ـ يعني الصوفية)‬
‫وقاسى العمال الفقراء من السخرة والضرب في بناء تلك المنشئات الدينية كما نلمح من النص السابق‪ ،‬حتى أن شدة األمير‬
‫قان بردى األشرف في تسخيرهم دفعت المؤرخ المملوكي االرستقراطى أبا المحاسن إلى االحتجاج الذي نحسه من النص‬
‫التالي ‪ ( :‬ابتدأ األمير سيف الدين قان بردى األشرف في عمارة تربة عظيمة عند الريدانية (العباسية ) وشرع في ذلك أيام‬
‫يسيرة ‪ ،‬ومع هذا ظلم في تلك األيام الظلم الزائد وعسف الصناع وأبادهم بالضرب وباستعمالهم بغير أجرة ‪ ،‬فما عّف وال كّف ‪،‬‬
‫‪.‬إلى أن أخذه هللا أخذ عزيز مقتدر )‬
‫واقترنت سيئات أخرى بالظلم ‪ ،‬مثل الرشوى فوصف يونس الداودارى بأنه ( كان يحب المال‪ ،‬ويأخذ الرشوة ‪ ،‬وعّم ر ‪5-‬‬
‫‪.‬مدرسة وخانقاه ورباطًا وزاوية وتربة وأحواض سبيل بالديار المصرية والشامية )‬
‫ـ وبعضها إقترن بالشذوذ الجنسى الذى كان منتشرًا بفعل الصوفية‪ ،‬وأدمنه بعض أرباب الدولة ‪ ،‬ومنهم السلطان الناصر ‪6‬‬
‫محمد بن قالوون ‪ ،‬حتى يقال في حوادث سنة ‪ ( 735‬وفيها كثر شغف السلطان (الناصر محمد) بمملوكه الطنبغا الماردينى‬
‫شغفًا زائدًا فأحب أن ينشئ له جامعًا) ‪ ..‬وهكذا ارتبط الشذوذ الجنسى بإنشاء جامع الماردينى المشهور‪ ،‬وارتبط بالطبع بالظلم‬
‫‪ .‬فقد وصف المقريزي أصناف الظلم التي واكبت إنشاء ذلك الجامع‬
‫ـ وأسهم الظلم بطريق غير مباشر في ازدهار العمائر الدينية والوقف عليها ‪ ..‬ذلك أن المصادرات كانت أبرز سمات االنتقام ‪7‬‬
‫من المهزوم أو الحصول على األموال من األغنياء والمباشرين فتحايل المماليك ـ سالطين وأمراء ـ على تحصين أموالهم من‬
‫المصادرة بعد وفاتهم بالبناء والوقف عليها وجعل ورثتهم متمتعين بعائد الوقف مشاركين فيه ‪ ،‬فكان أن استشرى الوقف على‬
‫األراضي الزراعية المصرية وأقيمت مؤسسات دينية تتعيش من ذلك الوقف ‪ .‬ومع ذلك فقد احتال الغالب على سلب أوقاف عدوه‬
‫‪ .‬المغلوب بتشجيع القضاة المتصوفة‪ ،‬إذ كان يتم استبدال الوقف ـ على الورق ‪ ،‬أو يّغ ير كتاب الوقف على المؤسسة الدينية‬

‫مع صالتهم الشيطانية إضطهدوا األقباط فى مصر المملوكية‬


‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ لم تر الدولة المملوكية بأسًا فى االستعانة باألقباط فى أعمالها اإلدارية والمالية ‪ ،‬وفى نفس الوقت أوسعت للشيوخ نفوذًا فى ‪1‬‬
‫إدارتها المدنية سواء ما كان خاصًا بالوظائف الديوانية كالوزارة أو كان خاصًا بالوظائف الدينية كالقضاء والحسبة ومشيخة‬
‫‪..‬الخوانق والمدارس والجوامع‬
‫ـ وفى هذا العصر‪ -‬المملوكى‪ -‬تسيد التصوف السنى الحياة الدينية والعقلية ‪ ،‬وقامت الحركة العلمية فى المؤسسات الصوفية ‪2‬‬
‫بتدريس مؤلفات الفقه والتفسير والحديث وعكف فقهاء العصر المملوكى على شرحها وتلخيصها وتقديس مؤلفيها ‪ .‬ومن ضمن‬
‫هذه المؤلفات تحقير اهل الكتاب وإعتبارهم (أهل ذمة ) ‪ .‬وبالدراسة والتلقين تجذرت كراهية أهل الكتاب وخصوصا النصارى ‪.‬‬
‫يضاف الى ذلك الحروب الصليبية ‪ ،‬ومع إنتهاء الوجود الصليبى فى الشام فقد إستمرت المواجهة بين المماليك والفرنجة فى‬
‫البحر المتوسط ‪ .‬عّز ز هذا من عقيدة تقسيم العالم الى معسكر السالم وااليمان ومعسكر الكفر والحرب ‪ ،‬وكانت النظرة للنصارى‬
‫‪.‬داخل ( معسكر المسلمين ) على أنهم يتبعون العدو الخارجى‬
‫ـ وهذا التشبع بأفكار التعصب وممارسته ساعد على تسيده عوامل أخرى منها أن التصوف نفسه فى العصر المملوكى تحول ‪3‬‬
‫من الفكر النظرى الملىء بالتسامح الذى كان يردده الحالج وابن عربى وابن الفارض‪ -‬وأحيانًا أبو حامد الغزالى‪ -‬إلى طرق‬
‫صوفية عملية تسعى للسيطرة على الشارع المصرى وتجتذب لها األعوان والمريدين وتسترزق بالتجارة بالدين فى الموالد‬
‫الصوفية وحول األضرحة‪ ..‬ومن هنا لم يعد ألولئك الشيوخ الجدد متسع للتنظير أو مناقشة األفكار السلفية التعصبية لخصومهم‬
‫الحنابلة‪ ،‬بل أن التصوف فى تأثيره الشديد على الحياة العقلية لغير الصوفية قد هبط بها إلى حضيض الجمود وإغالق باب‬
‫االجتهاد وتعقيم الحياة العقلية النقدية‪ ،‬مما أدى إلى ترسيخ المتوارث من الفكر السلفى وتحصينه ضد النقد والنقاش بل وتقديس‬
‫‪..‬أئمة الحديث والفقه وأسفارهم ومؤلفاتهم‬
‫ومن ناحية أخرى فإن أشياخ التصوف فى سعيهم نحو السيطرة على المريدين وقعوا فى التنافس‪ ،‬وامتدت ساحات التنافس‬
‫لتشمل صراعًا داخليًا بين أشياخ الطريق الصوفى الواحد‪ ،‬وبين أشياخ الطرق الصوفية ذات األصل الواحد‪ ،‬والطرق الصوفية‬
‫المختلفة‪ ،‬ثم بين الصوفية ومشاهير الفقهاء أصحاب الصيت واألتباع‪ ،‬ثم امتدت المنافسة لتشمل صراعًا بين الصوفية والرهبان‬
‫وأصحاب النفوذ الدينى بين األقباط مع غيرة أصحاب الموالد الصوفية من احتفال أو مولد دينى لألقباط‪ ..‬وذلك التنافس أدى إلى‬
‫‪.‬تعصب فاضطهاد فحوادث مؤسفة‬
‫ــ وقريب من ذلك ما كان يجرى من تنافس سياسى على النفوذ إذ كان الحسد يالحق بعض كبار الموظفين األقباط فيلجأ بعض ‪4‬‬
‫‪..‬الشيوخ إلى إثارة الجماهير والفقهاء ضدهم وتثور حركات التعصب وتلجأ الدولة لترضية الشيوخ بالسماح باضطهاد األقباط‬
‫ـ وبعض األقباط كان يعلن إسالمه لينجو من دائرة االضطهاد ويدعم مركزه الوظيفى فى الدولة المملوكية التى تقوم إدارتها ‪5‬‬
‫على الظلم والعسف‪ ..‬ويستخدم ذلك الذى أسلم نفوذه الجديد فى االنتقام ممن ساموه الذل والهوان وهو قبطى‪ ..‬وهكذا كانت‬
‫‪..‬تدور طاحونة التعصب واالضطهاد فى العصر المملوكى فوق رؤوس الجميع‬
‫ـ ثم ال ننسى طاحونة الظلم المملوكى التى شملت الجميع ‪ ،‬ومن شأن هذا الظلم التى يأخذ شرعية دينية أن يكون أبرز ‪6‬‬
‫‪.‬ضحاياه المخالفين للدين األرضى السائد‬
‫‪..‬ـ ونعطى أمثلة تاريخية للتحليل السابق نراعى ترتيبها حسب السنين ‪7‬‬
‫‪:‬أوال ‪ :‬مأساة الراهب بولس الحبيس سنة ‪ 666‬هجرية‬
‫ـ وقصته مع الظاهر بيبرس تشبه قصة عمرو بن العاص مع القبطى بطرس صاحب الكنز الذى قتله عمرو بعد أن استولى ‪1‬‬
‫‪..‬على كنزه بالحيلة‬
‫ـ كان الراهب بولس كاتبًا نصرانيًا ثم ترهب‪ ،‬وقد عثر على كنز فرعونى فأخفاه وأخذ يتصدق منه على فقراء المسلمين ‪2‬‬
‫واألقباط ‪ ،‬وانتشر خبره فاعتقله السلطان الظاهر بيبرس وطلب منه ذلك الكنز فرفض ‪ .‬وقال للسلطان أنه يساعد بذلك الكنز‬
‫الفقراء والمحتاجين ومعظمهم ممن يصادر السلطان أموالهم أى أن األموال تصل للسلطان فى نهاية األمر‪ ،‬وكأن الراهب قد‬
‫أعطى ضوءًا أخضر للسلطان الظاهر بيبرس فى مصادرة األقباط بالذات‪ ،‬إذ تكاثر ضحايا السلطان من الذين أوقع بهم‬
‫المصادرات وفرض عليهم الغرامات وقام ذلك الراهب بدفع الغرامات عنهم وإعانتهم‪ ،‬وانطلق الراهب بولس يسير فى المدن‬
‫والقرى يعين المحتاجين ويطلق بأمواله سراح المعتقلين والمحبوسين بسبب عجزهم عن دفع الغرامات واإلتاوات ويتصدق على‬
‫المحرومين من النصارى والمسلمين وغيرهم من النصابين محترفى الفقر‪ ،‬ومن النوادر التى تحكى أن بعضهم كان يقوم أمامه‬
‫بتمثيلية‪ ،‬يقوم اثنان بجر رجل وهو يستغيث وهما يضربانه يمثالن دور رجال الشرطة فيستغيث المضروب بالراهب يقول له "يا‬
‫أبونا أقضى ما علّى من الديون‪ ،‬فيسأله الراهب عما عليه من الديون‪ ،‬ويكتب له ورقة بالمبلغ الذى يدعيه‪ ،‬فيأخذونه ويصرفونه‬
‫من الصيرفى كما هو‪ .‬ووصلت للسلطان الظاهر بيبرس ستمائة ألف دينار عن طريق ذلك الراهب فيما دفعه عن المحبوسين‬
‫‪.‬والمصادرين‬
‫ـ ولم يكن ذلك الراهب يأكل من ذلك المال‪ ،‬بل كان طعامه ونفقاته من صدقات النصارى‪ ،‬ثم حدث حريق غامض فى حى ‪3‬‬
‫الباطنية فى سنة ‪ 663‬وانتشر فى أحياء أخرى بالقاهرة واتخذها السلطان بيبرس فرصة ليصادر كل أموال الراهب فاتهم اليهود‬
‫والنصارى بإشعال ذلك الحريق‪ ،‬وأصدر أمرًا بإحراق كل اليهود واألقباط‪ ،‬ولكى يتقن هذه التمثيلية فقد جمع كبار اليهود‬
‫والنصارى تحت القلعة وأحضر الحطب والوقود‪ ،‬وكان عددهم ألوفًا وارتفعت استغاثاتهم بالسلطان‪ ،‬فعفا عنهم السلطان نظير‬
‫‪.‬غرامة قدرها خمسمائة ألف دينار‪ ..‬وكما توقع السلطان بادر الراهب بولس بدفعها على أخرها‬
‫ـ اكتسب هذا الراهب الصالح شهرة فى كل أنحاء مصر‪ ،‬وصارت تتبعه مظاهرات أينما سار تتبرك به وتطلب منه المساعدات ‪4‬‬
‫واألموال‪ .‬وتكاثرت تلك المظاهرات فى مدينة اإلسكندرية وأثارت غيظ العلماء والشيوخ فأرسلوا فتاويهم للسلطان تحتم قتل‬
‫ذلك الراهب حتى ال يفتن المسلمين فى دينهم‪ ،‬ورآها السلطان فرصة شرعية ليتخلص من الراهب ويستولى على كنزه الخبيئ‬
‫فاعتقله واستجوبه للمرة الثانية عن الكنز فرفض الراهب االعتراف‪ ،‬فأمر السلطان بتعذيبه حتى يعترف‪ ..‬واستمر الراهب تحت‬
‫‪ .‬التعذيب إلى أن لفظ أنفساه األخيرة ومات سنة ‪ 666‬هجرية ومات معه سر الكنز‬
‫‪:‬ثانيا ‪ :‬الشيخ الصوفى خضر العدوى سنة ‪ 672‬هجرية‬
‫كان هذا الشيخ يتمتع باعتقاد السلطان الظاهر بيبرس‪ ..‬ومشهورًا بانحالله الخلقى وشذوذه الجنسى وتعصبه ضد النصارى فى‬
‫الشام ومصر‪ ،‬وأفسح الظاهر بيبرس له المجال فهدم كثيرًا من الكنائس فى الشام ومصر‪ ،‬ومن الكنائس التى هدمها بمصر‬
‫كنيسة الروم باإلسكندرية التى يشاع أن فيها رأس النبى يحيى عليه السالم (يوحنا)‪ ،‬وقد تحولت على يد الشيخ خضر العدوى‬
‫‪.‬إلى مسجد وسماه (المدرسة الخضراء) وأنفق فى تعمير هذه المدرسة األموال الكثيرة من بيت المال‬
‫‪:‬ثالثا ‪ :‬واقعة النصارى سنة ‪ 682‬هجرية‬
‫ـ بسبب الحروب الصليبية كان النصارى مقهورين فى سلطنة الظاهر بيبرس والسلطان المنصور قالوون وانتهى ذلك بتولى ‪1‬‬
‫السلطان األشرف خليل بن قالوون الذى أنهى الوجود الصليبى فى الشام‪ .‬األشرف خليل بن قالوون أتاح لألقباط النفوذ وعين‬
‫منهم كبار الموظفين األقباط الذين تولوا الكتابة فى الدواوين‪ ،‬فأتيح لهم التنفيس عما فى صدروهم من مشاعر االنتقام‪ ،‬فتسلطوا‬
‫‪.‬على أرباب الحوائج من المسلمين يذلونهم‪ ..‬وأدى ذلك فى النهاية إلى ما يعرف بواقعة النصارى سنة ‪ 682‬هجرية‬
‫ـ وبدأت الواقعة بالكاتب القبطى المعروف باسم "عين الغزال" وقد اتهم سمسارًا مسلمًا بتأخير ما عليه من أموال لألمير ‪2‬‬
‫المملوكى الذى يعمل عنده الكاتب القبطى عين الغزال‪ .‬ورأى الناس فى الشارع السمسار المسلم يعتذر للكاتب القبطى ويقبل‬
‫قدمه وهو راكب حصانه والكاتب ال يزداد إال تجبرًا وهو يصمم على اعتقال السمسار وأخذه إلى بيت األمير المملوكى‪ ،‬وتدخل‬
‫الناس فى الشوارع وتجمهروا يحاولون تخليص السمسار من الكاتب وهو يرفض‪ ،‬فما كان من الناس إال أن تكاثروا على الكاتب‬
‫وألقوه من على دابته وخلصوا السمسار من يده‪ .‬فذهب الكاتب إلى األمير وأحضر عدة من الجنود وشرعوا فى القبض على‬
‫‪..‬الناس‬
‫ـ وثارت العوام وساروا فى مظاهرة غاضبة إلى القلعة يهتفون "هللا أكبر" فخاف السلطان من ثورة العوام حين عرف بما ‪3‬‬
‫حدث ‪ ،‬فأمر باعتقال الكاتب القبطى عين الغزال وأصدر مرسومًا بعزل الكتبة األقباط إن لم يدخلوا فى اإلسالم ومن رفض منهم‬
‫الدخول فى اإلسالم ضربت عنقه‪ .‬فاختفى األقباط من الشوارع‪ ..‬ووقع النهب فى بيوتهم‪ ..‬والسبى فى بعض نسائهم‪ ،‬وأصبح‬
‫الشارع مشحونًا بالمزيد من التعطش للعنف وأصبح المماليك أسرى للشعور الشعبى المتعصب ‪ ،‬فأمر السلطان بحفر حفرة‬
‫كبيرة فى سوق الخيل إلحراق الكتبة النصارى‪ ،‬وحضر السلطان واألمراء‪ ،‬وتشفع األمير بيدرا فى األقباط‪ ..‬وفى النهاية ارتضى‬
‫‪.‬الكتبة الدخول فى اإلسالم‪ ،‬وكتبوا إقرارًا بذلك‬
‫ــ ويقول المقريزى يعلق على تلك الحادثة "فصار الذليل منهم بإظهار اإلسالم عزيزًا‪ ،‬يبدى من إذالل المسلمين والتسلط ‪4‬‬
‫عليهم بالظلم ما كان تمنعه نصرانيته من إظهاره ‪ .‬أى بمجرد النطق بالشهادة‪ -‬أو الشهادتين‪ -‬أنقذ كل منهم حياته وأصبح من‬
‫حقه االنتقام من خصومه بسيف السلطة المملوكية وفى حمايتها‪ ..‬وتلك ضريبة التعصب الدينى حين يسود مجتمعًا وينشر‬
‫‪.‬الفرقة والكراهية بين أبنائه‬
‫‪:‬رابعا ‪ :‬واقعة الوزير المغربى سنة ‪ 700‬هجرية‬
‫ــ قدم ذلك الوزير المغربى للقاهرة فى طريقه للحج واحتفت به السلطات المملوكية‪ ،‬ونزل ذلك الوزير المغربى يتجول فى ‪1‬‬
‫القاهرة فى سوق الخيل فرأى رجًال راكبًا فرسه فى ثياب فاخرة وجماعة يمشون فى ركابه وحوله أصحاب الحاجات يتضرعون‬
‫إليه ويقبلون قدميه وركابه وهو يصيح بغلمانه أن يطردوهم وهم يزدادون له خضوعًا‪ ،‬فسأل الوزير المغربى عن ذلك الراكب‬
‫صاحب السلطان فعرف أنه كاتب نصرانى‪ ،‬فغضب وصعد للسلطان فلم يجده ووجد كبار األمراء فأخذ يعظهم ويبكى ويحذرهم من‬
‫نقمة هللا إذ تركوا أعوانهم من الكتبة األقباط يذلون المسلمين‪ ،‬ونجح الوزير المغربى فى إثارة األمراء وانتهى األمر باستصدار‬
‫قرارات استرجعت مراسيم الخليفة المتوكل العباسى فى إلزام األقباط بزى معين ومنعهم من ركوب الخيل‪ ،‬وكالعادة تطور األمر‬
‫بالوزير المغربى فقام يدعو لهدم الكنائس فوقف ضده قاضى القضاة المصرى ابن دقيق العيد وأفتى بأنه ال يجوز أن يهدم من‬
‫‪..‬الكنائس إال ما استجد بناؤه‪ ،‬ولكن اضطر األقباط إلى غلق بعض كنائسهم خوفًا عليها من الهدم‬
‫ــ وانتقلت عدوى التخريب من الوزير المغربى إلى العوام فكثرت شكاويهم فى النصارى‪ ،‬وكالعادة استرضتهم السلطات ‪2‬‬
‫المملوكية بالتضييق على األقباط واليهود‪ ،‬ومنعهم من التوظف فى الدواوين‪ ..‬ورآها العوام فرصة لفرض سيطرتهم على أغنياء‬
‫‪..‬األقباط‪ ،‬فتتبعوهم بالضرب حتى اختفوا من الشوارع ولجأ بعضهم إلى إظهار اإلسالم تكبرًا من ارتداء الزى المفروض عليهم‬
‫ــ وأدى ذلك االضطهاد إلى تدخل ملك برشلونة إذ أرسل هدية للسلطان المملوكى سنة ‪ 703‬هجرية ويرجوه إرجاع األقباط ‪3‬‬
‫‪..‬إلى وظائفهم وفتح كنائسهم‪ ..‬فاستجاب له السلطان وفتح كنيسة فى حارة زويلة وأخرى بالبندقانيين‬
‫‪:‬خامسا ‪ :‬حركة الشيخ البكرى سنة ‪ 714‬هجرية‬
‫والشيخ البكرى أحد الصوفية البارزين فى سلطنة الناصر محمد بن قالوون‪ ،‬وأحد خصوم الشيخ ابن تيمية‪ .‬وحدث أن عرف‬
‫الشيخ البكرى أن النصارى استعاروا من قناديل جامع عمرو شيئًا فهجم الشيخ البكرى على الكنيسة ونكل بالنصارى فيها‪ ،‬ثم‬
‫عاد إلى جامع عمرو وأهان الموظفين فيه‪ ،‬ووصل أمره للسلطان فعقد له مجلسًا للتحقيق‪ ،‬فأخذت العزة الشيخ البكرى وأغلظ‬
‫القول للسلطان وهو يتصور أن السلطان يخضع له ويتعظ‪ ،‬ولكن فوجئ بالسلطان يأمر بقطع لسانه عقابًا له على جرأته‪..‬‬
‫فانقلب الشيخ البكرى إلى حالة أخرى‪ ،‬وأخذ يستغيث باألمراء يرجوهم التشفع له عند السلطان حتى ال يقطع لسانه‪ ،‬ورق له‬
‫‪..‬األمراء فتشفعوا فيه عند السلطان‪ ..‬فأمر السلطان بنفيه‬
‫‪:‬سادسا ‪ :‬واقعة اإلحراق العام للكنائس المصرية فى وقت واحد سنة ‪ 721‬هجرية‬
‫ـ فى كتابنا "السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة" المأخوذ عن رسالة الدكتوراة حققنا هذه الحادثة المجهولة والغريبة فى ‪1‬‬
‫التاريخ المصرى وأثبتنا أن المسئول عنه هى حركة "أحمد البدوى" السرية الشيعية المستترة بالتصوف‪ ،‬إذ أنه بعد فشل تلك‬
‫الحركة السرية فى قلب نظام الحكم المملوكى ‪ -‬القامة دولة شيعية تعيد الحكم الفاطمى لمصر والمنطقة ‪ -‬قامت بتفجير عملية‬
‫ارهابية سرية إلحراج الدولة المملوكية‪ :‬وهى التدمير العام للكنائس المصرية من اإلسكندرية ألسوان فى وقت واحد وبطريقة‬
‫‪..‬واحدة‬
‫ـ إذ أنه بعد صالة الجمعة يوم التاسع من شهر ربيع األول سنة ‪ 721‬هجرية فوجئ المصلون فى كل المدن المصرية التى ‪2‬‬
‫بها كنائس بمجذوب مجهول الشخصية يقف صائحًا مضطربًا داعيًا لحرق الكنائس‪ ،‬وحين يخرج المسلمون من المسجد يفاجأون‬
‫بتدمير الكنائس فى المدينة وحرقها وقد سويت باألرض ‪ .‬وفى ضوء االعتقاد فى بركات المجاذيب الذى تسيد العصر المملوكى‬
‫يؤمن الناس بأنها إرادة إلهية وانكشفت أمام بصيرة ذلك المجذوب "المكشوف عنه الحجاب"‪ .‬وسرعان ما يدب الحماس إلى‬
‫‪..‬العوام ويشاركون فى اإلجهاز على ما تبقى من بنيان للكنيسة‬
‫ــ ووصل إلى علم السلطان الناصر محمد بن قالوون ما حدث ‪ ،‬جاءته األنباء من ضواحى القاهرة بأن الكنائس فيها قد دمرت ‪3‬‬
‫فى نفس الوقت وبنفس الكيفية‪ ..‬وأن المجذوب المجهول قد صاح فى نفس الوقت وفى كل المساجد‪ ..‬وفى اليوم التالى جاءت‬
‫األنباء من اإلسكندرية والوجه البحرى والصعيد أن كل الكنائس‪ -‬عدا الكنيسة المعلقة‪ -‬قد أصابها الهدم والحريق فى نفس‬
‫الوقت‪ ،‬أى فى ساعة الصفر‪ .‬وبلغ عدد الكنائس ستين كنيسة‪ ..‬وتعجب السلطان ووافق مقالة العلماء والقضاء على أنها إرادة‬
‫هللا‪ ،‬ألنه ال يستطيع بشر أن يفعل ذلك فى كل أنحاء مصر فى نفس الوقت‪ ،‬واقتنع السلطان برأى العلماء بأال يفعل شيئًا ألنها‬
‫‪.‬إرادة هللا التى ال يقف فى وجهها إنسان‬
‫‪..‬ــ إال أن األقباط لم يقتنعوا‪ ..‬وصمموا على االنتقام ‪4‬‬
‫فى األيام التالية فوجئ سكان القاهرة باشتعال الحرائق فى المساجد فى نواح مختلفة‪ ،‬وال يكادون يفرغون من إطفاء حريق حتى‬
‫يفاجئهم حريق آخر‪ ،‬واستراح المسلمون إلى التفسير الغيبى القائل بأنها إرادة هللا‪ ،‬لوال أنهم اكتشفوا فتيلة كبيرة ملوثة بالنفط‬
‫قد ألقيت على بعض المساجد مع توالى الحرائق فى الجوامع والخوانق والمدارس‪ ..‬فأشارت أصابع االتهام لألقباط‪ ،‬وسرعان ما‬
‫ضبطوا بعض الرهبان متلبسين واعترفوا فأحرقت السلطات أربعة منهم‪ ..‬وانطلق العوام فى إيذاء األقباط‪ ،‬واندلعت المظاهرات‬
‫وكادت أن تتحول إلى مذابح‪ ،‬وأسرعت السلطات المملوكية بالسيطرة على األمور وقبضت على بعض العوام ومثيرى الشغب‬
‫وكان منهم بعض المتعممين والتجار‪ ،‬وأمرت السلطات بقطع بعضهم نصفين‪ ،‬أو ما يعرف بالتوسيط‪ ،‬وتدخل الكبار وتشفعوا فى‬
‫كبار المتهمين وأفرج عنهم ‪ .‬إال أن الحريق لم ينقطع‪ ،‬وضبط بعض النصارى متلبسين واعترفوا تحت التعذيب‪ ،‬وعندما علم‬
‫العوام بما حدث حاصروا القلعة وواجهوا السلطان بصيحة رجل واحد تدعو لنصرة الدين فخشع لهم السلطان وسمح لهم بقتل‬
‫كل من وجدوه من النصارى‪ ،‬ثم تعدل األمر بقتل من يلبس العمامة البيضاء من النصارى ومن يركب دابة‪ ،‬وفرض عليهم ركوب‬
‫الحمير بهيئة مقلوبة وال يدخلون الحمامات إال وفى رقابهم جرس وال يرتدى أحدهم زى المسلمين‪ ،‬وأال يعملوا فى الوظائف‪،‬‬
‫‪..‬وعزل جميع األقباط من الوظائف‬
‫‪..‬ــ وكان ذلك أفظع اضطهاد واجهه األقباط فى العصر المملوكى‪ .‬وكانت له آثاره الداخلية والخارجية ‪5‬‬
‫‪..‬فعلى الصعيد الداخلى احتدم العداء والحقد الطائفى بين المسلمين واألقباط فى السنوات التالية كما سنرى‬
‫وعلى الصعيد الخارجى اشتد غضب ملك الحبشة الذى كان يعتبر نفسه مسئوًال عن حماية األقباط المصريين فبعث باحتجاج‬
‫شديد اللهجة إلى السلطان الناصر محمد ويهدد فيه باتخاذ إجراءات مماثلة ضد المسلمين عنده ويهدد بتحويل مجرى النيل‪ ،‬غير‬
‫أن الناصر محمد لم يعبأ بهذا التهديد ولذلك بدأ سلطان الحبشة واسمه "عمد صيهون" الحرب ضد اإلمارات اإلسالمية المجاورة‬
‫‪..‬له‪ ،‬وتابع ابنه "سيف أرعد" أعماله ضد التجارة المصرية وممتلكات المسلمين المجاورة له‬
‫سابعا ‪ ( :‬النشو ) القبطى ينتقم من ( المسلمين )‬
‫ــ وتمكن أحد ضحايا االضطهاد لسنة ‪ 721‬هجرية من االنتقام لقومه األقباط من المسلمين‪ ..‬وهو النشو الذى أظهر اإلسالم ‪1‬‬
‫لدى السلطان الناصر محمد وسماه السلطان عبد الوهاب شرف الدين‪ ،‬وأظهر للسلطان الورع والفقر والزهد فحاز على ثقته‬
‫وتعاظم نفوذه حتى أصبح المسيطر على الدولة المملوكية كلها لمدة سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتله السلطان بعد تعذيب‬
‫‪.‬شديد فى يوم األربعاء ثانى ربيع اآلخر سنة ‪ 740‬هجرية‬
‫ـ وما فعله النشو بالمسلمين فى إطار السلطة المملوكية وتحت شعارها كان ال يمكن تفسيره إال فى ضوء االنتقام لقومه بعد ‪2‬‬
‫أن ضمن رضا السلطان الناصر محمد عنه‪ ..‬وقد تنوعت مظالمه للمسلمين ما بين قتل ومصادرة ونفى وتقطيع أطراف وخصاء‪،‬‬
‫وكانت مصادرته لوجوه الناس وأرباب المناصب والتجار والعوام ال تنقطع‪ ..‬وكان يجتمع كل ليلة مع خواصه والمقربين منه‬
‫يفكر فى طريقة جديدة لالنتقام من المسلمين وفرض ضرائب جديدة عليهم أو اإليقاع بأصحاب المناصب أو سلب األوقاف على‬
‫‪..‬المساجد وبيوت العبادة‬
‫ـ وبرغم تنوع أعدائه واختالفاتهم وتفرقهم وصراعاتهم إال أنهم اتحدوا ضد النشو‪ ،‬وحاولوا الكيد له مرارًا إال أن ثقة ‪3‬‬
‫السلطان فيه وقفت حائًال يحميه ‪ .‬وفى عهده ضاع صوت االضطهاد ضد األقباط‪ ..‬بل أن اضطهاده للمسلمين جعلهم جميعًا‬
‫يجتمعون فى المساجد للدعاء عليه‪ ..‬وعندما علم النشو بذلك ما زال بالسلطان حتى منع الوعاظ من الوعظ‪ .‬وتحدى النشو كبار‬
‫الصوفية‪ -‬وهم أصحاب النفوذ الدينى والشعبى‪ -‬فطرد من مصر أشهر صوفى فى عصره وهو الشيخ الكردى الذى نفاه للشام‪،‬‬
‫كما اعتقل شيخ خانقاه بهاء الدين أرسالن باإلسكندرية واتهمه بتهم باطلة ‪ 4 .‬ـ وفى النهاية ظهر للسلطان خيانته وسرقاته‬
‫فاعتقله واعتقل أخاه وصهره وأعوانه‪ ،‬واكتشف السلطان حجم ما سرقه من أموال ونفائس‪ ..‬فعذبه وقتله‪ ..‬وكان التخلص منه‬
‫يوم عيد‪ ،‬ذاعت فيه أساطير الكرامات وشتى االدعاءات ومنها أن النيل زاد ورؤيت المنامات الصالحة على حد قولهم‪ ،‬وسارت‬
‫‪.‬المظاهرات تحمل المصاحف واألعالم‬
‫‪ :‬ثامنا ‪ :‬حركات فردية ضد النصارى‬
‫‪.‬ـ سنة ‪ 838‬هجرية ‪ :‬هدم الشيخ سليم لكنيسة جددها النصارى فى الجيزة ‪1‬‬
‫ـ سنة ‪ 841‬هجرية ‪ :‬هدم الشيخ ناصر الدين الطنطاوى لدير العطش الذى يقام عنده مولد سنوى يضاهى مولد السيد ‪2‬‬
‫‪..‬البدوى‪ ،‬فأحس الشيخ ناصر الدين الطنطاوى بالغيرة فما زال يسعى حتى هدم الدير‬
‫‪..‬ـ وكان مثله الشيخ النعمانى سنة ‪ 852‬هجرية الذى تخصص فى هدم الكنائس التى يجددها أصحابها ‪3‬‬
‫‪ :‬تاسعا ‪ :‬ـ مأساة عام ‪876‬‬
‫ـ سجلها المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه (إنباء الهصر بأناء العصر ) في أحداث األربعاء ‪ 22‬شوال ‪ ، 876‬قال ‪ ( :‬وقعت ‪1‬‬
‫حادثة شنيعة غريبة قليلة الوجود والوقوع ُح كى ‪ ) ...‬وبعد هذا االستهالل في وصف الحكاية بالشناعة والندرة يقول مؤرخنا ‪( :‬‬
‫ُح كى أن شخصًا من المغاربة كان مقيمًا بمسجد يعبد هللا ويصلى ويؤذن ويقرأ ‪ ،‬كل ذلك بالمناوات من الجيزية ‪ ،‬على ما تواتر‬
‫به النقل ‪ ،‬وصار له ُس معة وأّب هة ‪ ،‬فصار أوالد النصاري يسمعون قراءته فيسلموا ‪ ،‬فعّز ذلك على أهلهم فتحيلوا على المغربي‬
‫المذكور وخنقوه حتى تدلى لسانه فقطعوه وشقوا بطنه ‪ ،‬وقالوا له أنك تفتن أوالدنا ‪ ،‬وحملوه ليلقوه في ُجّب ‪ ،‬فصاروا كلما‬
‫توجهوا به إلى ُجّب يجدونه مردومًا ‪ ،‬إلى أن سقط في أيديهم ‪ ،‬وقبض عليهم الكاشف وجّه زهم إلى القاهرة ‪ ،‬فتسلمهم الوالى‬
‫وأحضرهم بين يدى األمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير آخور كبير‪ ،‬فلم يأمر بقتلهم آنذاك حتى يعرضهم على السلطان ‪،‬وأمر‬
‫بسجنهم‪ .‬وكان العوام لما بلغهم ذلك تجّم عوا وتحّز بوا ورجموهم تحت القلعة إلى أن ماتوا‪ ،‬وقيل أن عدة النصاري ستة نفر ‪،‬‬
‫فأما أحدهم لما شاهد الهول العظيم رفع إصبعيه بالتشهد إشارة إلى أنه أسلم فكفوا عنه وسجنوه‪ ،‬وبلغ السلطان نصره هللا ذلك‬
‫فتغيظ وتكلم معه األتراك في العوام يقتلون بأيديهم ويمسكون لجام المماليك السلطانية‪ ،‬ويحكمون ألنفسهم ‪،‬فازداد غضب‬
‫‪.‬السلطان ‪،‬ورسم للوالى أن ينادى بالمدينة حسب المرسوم الشريف أن أحدًا ال يحكم لنفسه وال يقبض لجام مملوك وأمثال ذلك‪).‬‬
‫ـ ونالحظ أن عنصر التزيد واألساطير واضح في الرواية السابقة في وصف حال المؤذن القتيل وكراماته بعد قتله بحيث أنهم ‪2‬‬
‫لم يجدوا مكانَا يدفنونه فيه بعد أن قتلوه‪ .‬أى إنها أساطير تم خلقها وتم نشرها‪ ،‬وقد شاعت ووصلت للقاهرة وصدقها العوام‬
‫فيها ‪ ،‬فأثارت حفيظتهم ولم ينتظروا حكم القضاء‪ ،‬وتولوا هم إصدار الحكم وتنفيذه ولو كان األمر مقنعًا لألمير جانبك أمير آخور‬
‫الكبير لما انتظر أن يعرضهم على السلطان‪ ،‬وهذا ما نأخذه من رواية مؤرخنا‪ ،‬وهو يقول عن األمير جانبك "فلم يأمر بقتلهم‬
‫آنذاك حتى يعرضه على السلطان وأمر بسجنهم"‪ .‬واغتاظ السلطان وأعوانه من تصرف العوام‪ ،‬ليس ألنهم خرقوا ناموس‬
‫العدالة اإلسالمية ولكن ألنهم خرقوا ناموس السياسة المملوكية التى تجعل القتل والحكم واستعمال السالح مقصورًا على‬
‫المماليك دون الشعب فال يصح للعوام" أن يقتلوا بأيديهم ويمسكوا لجام المماليك السلطانية" لذا نودي في المدينة أن أحدًا ال‬
‫يحكم بنفسه وال يقبض لجام مملوك" وإال فإذا كان للشعب حرية استعمال السالح فال حاجة إذن لوجود المماليك‪ ..‬وتلك هى‬
‫‪.‬فلسفة الوجود المملوكي‬
‫ـ طبقا لهذه العقلية كانت عادة سيئة فى تلك العصور أنه إذا حدث أوبئة أو مجاعات ونقصان للنيل فمن السهل أن يعتبر ذلك ‪3‬‬
‫غضبًا من هللا تعالى بسبب التهاون مع "أهل الذمة" والسماح لهم بممارسة شعائرهم‪ ،‬لذلك كانت ترتبط المجاعات واألوبئة‬
‫!! أحيانًا بحركات اضطهاد طائفية تستجلب رضى هللا تعالى بظلم األبرياء‬
‫!‪ .‬أخيرا ‪ :‬يبقى أن نتذكر أن أولئك الظلمة كانوا يؤدون الصالة الشيطانية فى مساجد شيطانية‬

‫الفصل العشرون ‪ :‬الصالة الشيطانية للسلطان قايتباى أكثر السالطين المماليك ورعا‬

‫) ‪(1‬‬
‫لمحة عن السلطان قايتباى‬
‫ـ السلطان قايتباى حكم من ‪ ، 901 : 872‬قال عنه المؤرخ ابن الصيرفى أنه ( سلطان عظيم شجاع فارس معدود من ‪1‬‬
‫الفرسان‪ ،‬ديِّن عفيف الفرج ال يلوط وال يزني وال يسكر وله ورد في الليل من صالة وقيام ‪ ( .).‬وفي الواقع فسلطان مصر‬
‫الملك األشرف أبو النصر قايتباى‪ -‬نصره هللا‪ -‬سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان‪ ،‬ديِّن عفيف الفرج ال يلوط وال‬
‫يزني وال يسكر وله ورد في الليل من صالة وقيام"‪.).‬أى تميز السلطان قايتباى عن غيره من السالطين واألمراء المماليك بأنه‬
‫ال يقع فى الزنا وال فى الشذوذ الجنسى الذى كان سائدا وقتها فى ظل حماية الشريعة السنية و سكوتها عنه ‪ .‬بل إنه يقوم الليل‬
‫‪ .‬يصّلى ويقرأ األوراد الصوفية على المعتاد وقتها‬
‫ـ وهو صاحب أكبر عدد من المنشئات الدينية من جوامع ومدارس وقباب ومساجد وُسُب ل ( جمع سبيل لرعاية األيتام ‪2‬‬
‫وتعليمهم ) ‪ ،‬ومنها ‪ :‬جامع تمراز‪ ،‬جامع أزبك بن تتش‪ ، ،‬مدرسة ومقبرة قايتباى‪ ،‬مدرسة قايتباى في المدينة‪ ،‬سبيل‬
‫قايتباى‪ ،‬قبة قايتباى‪ ،‬قصر ومدرسة الروضة‪ ،‬جامع جانم‪ ،‬مدرسة أبوبكر بن مزهر‪ ،‬جامع قجماس‪ ،‬مدرسة أزبك اليوسفى ‪،‬‬
‫ومسجد قايتباى بمدينة الفيوم ومدرسه بقلعة الكبش ‪ . ) .‬والطريف أن مسجد قايتباى مطبوع على الجنيه المصرى ‪ ،‬كما أن‬
‫‪ .‬صورته محفوظة فى أوربا‬
‫ـ وقد قام المؤرخ ابن الصيرفى بتسجيل تاريخ السلطان قايتباى باليوم والشهر والعام فى تاريخه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ‪3‬‬
‫) ‪ .‬قمنا بتحليله فى بحث لنا منشور هنا عن المجتمع الصمرى تحت تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى ‪ .‬ومنه نعطى معلومات‬
‫‪.‬عن الصالة الشيطانية للسلطان قايتباى التى كانت ويلة للظلم‬
‫لمحة عن المؤرخ ابن الصيرفى (على بن داود بن إبراهيم الخطيب الجوهرى الصيرفى (‪)900-819‬‬
‫ـ هذا المؤرخ كتب تاريخه شاهدا على عصر قايتباى‪ .‬عمل قاضيا يرى السلطان فى مطلع كل شهر‪ ،‬وكان وثيق الصلة بابن ‪1‬‬
‫مزهر األنصارى كاتب الّس ر للسلطان ‪ ،‬أى كاتم أسرار السلطان وسكرتيره الخاص والذى يقوم عنه بكتابة المراسالت للخارج‬
‫والداخل‪ .‬أى إن عمله كقاضى يجعله متفاعال مع الشارع والناس ‪ ،‬مع صلته بالبالط المملوكى ‪ .‬فهو مؤرخ ينقل أخبار عصره‬
‫من مصادرها األصلية ‪ ،‬خصوصا مجتمع الفقهاء والقضاة والمماليك بل والطبقات الشعبية التى كان يحتّك بها بطبيعة عمله ‪.‬‬
‫وقد غّط ي كتاب (الهصر) عصر السلطان قايتباى‪ ،‬خصوصا السنوات الخيرة منه ‪ ،‬حيث كان يؤرخ لهذه السنوات باليوم‬
‫والشهر‪،‬ويورد كل التفصيالت من موقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة والتفاعل مع األحداث والمشاركة فيها‪ ،‬فقد كان ابن‬
‫الصيرفي مصريًا صميمًا اختلط الناس وعايشهم ومارس التجارة وعاش في األسواق ثم اندرج في سلك الفقهاء والقضاة وخالط‬
‫أرباب الحكم والجاه ومن موقعه بين الحكام والمحكومين سجل ما رآه وما عايشه فجاء تاريخه وثيقة حية لفترة غامضة من‬
‫‪.‬تاريخ المجتمع المصري في العصر الوسيط‬
‫ـ ونستقى معلوماتنا عن الصالة مما ذكره ابن الصيرفى فى تاريخه ‪ .‬وليست الصالة عنوانا رئيسا فيما كتبه ابن الصيرفى فى ‪2‬‬
‫التأريخ لقايتباى وعصره‪ .‬جاءت إشارات عرضية عنها فى سياق عناوين أخرى تحوى تفصيالت كثيرة ‪ ،‬لذا نضطر الى ذكر‬
‫‪ .‬تلك التفصيالت فى ذكر الصالة والمساجد ‪ .‬وألن السياقات تلك تحفل بالظلم فمن العدل أن نقول إنها صالة شيطانية‬
‫‪ :‬ـ ونضع تلك المقتطفات تحت عناوين كاآلتى ‪3‬‬
‫أوال ‪ :‬صالة السلطان قايتباى اليومية‬
‫ـ يقول ابن الصيرفى ( وفي يوم الخميس ‪ 19‬صفر ‪ 875‬تشاجر الشيخ القاضى أبو بكر األبشيهي مع القاضى شهاب الدين ‪1‬‬
‫الصوفي بسبب وظيفة الخطابة في مدرسة المغلبية طاز‪ .‬وانتهى الصراع بينهما بالوقوف أمام السلطان‪ ،‬وتدخلت أطراف في‬
‫ذلك النزاع‪ ،‬يقول ابن الصيرفي‪ ( :‬والمؤّلب على األبشيهي‪ -‬كما بّلغني الشيخ اإلمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره‬
‫هللا ‪ ) !.‬أى كان الشيخ برهان الدين الكركي إمام مسجد القلعة والذى يصلى إمامًا بالسلطان منضمًا للشيخ شهاب الدين الصوفي‬
‫ضد الشيخ أبى بكر األبشيهي‪ ،‬وربما كان الشيخ برهان الدين الكركي هو الذى أوصل القضية إلى السلطان قايتباى‪ .‬وألن‬
‫مؤرخنا ابن الصيرفي من محبي الشيخ برهان الدين الكركي كما يبدو من سطور تاريخه (‪ -‬كما بّلغني الشيخ اإلمام البرهان‬
‫الكركي إمام المقام الشريف نصره هللا ‪ .) !.‬ونفهم أنه كان للسلطان قايتياى شيخ يؤمه فى الصالة اليومية ‪ ،‬واألغلب أن ال‬
‫‪ .‬يحضر هذه الصلوات اليومية خاصة بالسلطان ال يحضرها آخرون ‪ ،‬أى يؤديها السلطان خلف إمامه الخاص‬
‫‪ :‬ثانيا ـ صالة السلطان الجمعة‬
‫ـ ويفترق الوضع مع صالة الجمعة التى كانت ضمن الطقوس الدينية السياسية ‪ ،‬توارثها العصر المملوكى عن العصور ‪1‬‬
‫‪ .‬السابقة خصوصا العصر الفاطمى‬
‫ـ كان هناك نوعان من القضاء ‪ :‬القضاء الخاص باألحوال الشخصية ‪ ،‬ويتواله ُقضاة الشرع ( الُس ّن ى ) ‪ ،‬ثم هناك القضاء ‪2‬‬
‫السياسي الذى ال عالقة له باألحوال الشخصية‪ ،‬ويختص القضاء بالجنايات مثل االعتداء أوالظلم والضرب والقتل وشئون‬
‫الدواوين‪ ،‬ويتولى السلطان واألمراء مباشرة القضاء السياسي يعاونهم بعض القضاة‪ ،‬وكانوا يجلسون باإلسطبل السلطانى‬
‫بالقلعة في أيام السبت والثالثاء أول النهار ويوم الجمعة بعد الصالة‪ ،‬وسار قايتباى على هذا الترتيب ‪ ،‬وكان يذهب إليه في‬
‫موكب يعرف بموكب اإلسطبل‪ .‬وفى عصر قايتباى ( المتدين الورع ) تمّي ز وقت ما بعد صالة الجمعة بجلوس السلطان للقضاء‬
‫‪.‬السياسى‬
‫ـ ولم يكن قايتباى يتخلف عن صالة الجمعة إال عند المرض ‪ .‬يقول ابن الصيرفى ‪ ( :‬ولم يحضر السلطان صالة الجمعة ‪3 16‬‬
‫محرم ‪ .‬وصعد األمراء اليه فى القلعة ‪ ،‬ودخلوا بين يديه فسلموا عليه وسقاهم المشروب وعادوا لمنازلهم‪ .‬ولم يطع أهل المدينة‬
‫األوامر فقاموا بهدم الزينة التى كانوا قد أعّد وها لإلحتفال باستقبال السلطان ‪ ) .‬وبعد شفاء السلطان عقدوا له إحتفاال بعد صالة‬
‫الجمعة والتى حضرها السلطان ‪ ،‬وكان هذا يوم الجمعة ‪ 28‬صفر يقول مؤرخنا ‪ .. ( :‬وركب السلطان من القلعة إلى الجامع‬
‫‪.‬وصلى الجمعة ‪ ( .. ) .‬وفرشت له الشقق المخمل من باب الحريم إلى باب الجامع ‪).‬‬
‫ثالثا ‪ :‬خطبة الجمعة وخطبة العيد‬
‫من المعتقدات السائدة في العصر المملوكي الخوف على السلطان إذا كان العيد يوم جمعة وخطب فيها خطبتان‪ ،‬خطبة صالة‬
‫العيد وخطبة صالة الجمعة‪ ،‬ومنشأ ذلك إلى ما تعود الخطباء من الدعوة للسلطان القائم‪ ،‬ومجيء خطبتين في يوم واحد يشير‬
‫إلى احتمال قيام سلطانين‪ ،‬أى قيام فتنة وذهاب السلطان القائم واالتيان بسلطان آخر‪ .‬وفي عصر عرف الصراعات السياسية‬
‫المسلح كالعصر المملوكي التى كانت تعنى حروبا وفتنا وفوضى وسلبا ونهبا للبيوت والمتاجر كان ال بد أن يفتقد الناس فيه‬
‫األمن‪ ،‬وكان أرباب السلطان هم أكثر الناس خوفا وقلقا وافتقادًا لألمن‪ .‬من هنا كانت حساسية منصب السلطنة وما يتصل بها‬
‫على المستوى الرسمى والشعبى ‪ ،‬مما سّب ب رواج االعتقاد فى خوف السلطان وآله من حدوث خطبتين فى يوم واحد ‪ .‬لذا كان‬
‫القضاة يجتهدون في إخفاء رؤية الهالل إذا ترتب عليها مجيء عيد الفطر أو عيد األضحى يوم الجمعة‪ .‬ونعطى مثلين مما ذكره‬
‫‪ :‬ابن الصيرفى‬
‫ـ ـ في ليلة الثالثين من شهر رمضان ‪ 875‬توجه القضاة إلى مدرسة المنصور قالوون لرؤية هالل شهر شوال وتحديد أول ‪1‬‬
‫أيام عيد الفطر‪ ،‬واتفقوا على أنهم لم يروا الهالل حتى ال تكون خطبتان يوم الجمعة‪ ،‬يقول مؤرخنا في ذلك‪ ( :‬ولم ُير الهالل ‪،‬‬
‫وهو المقصود األعظم ‪ ،‬لئال تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور‪ .‬فال قوة إال باهلل‪ .)!!.‬وعلى‬
‫‪.‬ذلك جعلوا هالل شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت‪ ،‬وتالعبوا بالصيام وشوال تقربًا للسلطان‬
‫ـ وفي عيد األضحى ‪ 885‬تكرر نفس العمل‪ ،‬وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم األربعاء‪ ،‬ولكنهم لم ‪2‬‬
‫يفعلوا ذلك حتى ال يكون عيد األضحى يوم الجمعة‪ ،‬يقول صاحبنا ‪ ( :‬وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله األربعاء‪ ،‬وعلى‬
‫‪.‬هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب فيه بخطبتين‪ .).‬وذلك ما لم يحدث بالطبع‬
‫رابعا ‪ :‬التوقيت بالصالة‬
‫‪ .‬تبعا للسابق كان التوقيت لألحداث بأوقات الصلوات‬
‫ـ يقول مؤرخنا ‪ ( :‬وفي يوم الجمعة ‪ 7‬محرم ‪ 875‬بعد صالة الجمعة وصل المبشر من الحجاز المسمى قانصوه الجمالى وهو ‪1‬‬
‫عريان وليس معه أحد سوى هّج ان واحد وذكر أن األعراب فى صحراء الجزيرة العربية سلبوه وعّر وه‪ .) ،‬ويذكر مؤرخنا أنهم‬
‫( رجعوا به إلى خيبر وأرادوا قتله‪ ،‬فنهضت امرأة منهم وأظهرت أبزازها ) فأنقذته منهم ( وحضر بهذه الحالة‪ .).‬الشاهد هنا‬
‫‪ .‬تسجيل وصولهم فى يوم كذا بعد صالة الجمعة‬
‫ـ ـ ويذكر ابن الصيرفي بعض التفصيالت عن خروج محمل الحجاج يوم الخميس ‪ 20‬شوال ‪ 875‬الى بركة الحاج حيث كانت ‪2‬‬
‫محطة التجمع للحجاج ‪ ،‬وحدث بعض التأخير ‪ ،‬سجله ابن الصيرفى ‪ ،‬ويقول ضمن التفصيالت ‪ .. ( :‬وأقام األول (أى الركب‬
‫األول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصالة‪ ،‬فرحل إلى البويب‪ ،‬ورحل بعده المحمل صبيحة يوم السبت ثانى عشر‪،‬‬
‫وحصل على الحجاج تشويش كبير برحيله‪ ،‬فإن العادة إذا رحل األول بعد صالة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر‪،‬‬
‫فرحل هذا من الصبح األكبر‪ .‬فال قوة إال باهلل‪ .).‬يهمنا قوله ‪( :‬وأقام األول (أى الركب األول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى‬
‫عشر بعد الصالة‪ .) ،‬هذا عن صالة الجمعة فى طريقهم ‪ .‬وقوله ‪( :‬فإن العادة إذا رحل األول بعد صالة الصبح يرحل المحمل غد‬
‫تاريخه بعد الظهر‪ ،‬فرحل هذا من الصبح األكبر‪ ) .‬هنا إشارة الى صالة الصبح ‪ .‬والمعنى أنهم فى سفرهم الى الحج كان التوقيت‬
‫‪ .‬بالصلوات‬
‫ـ يقول ابن الصيرفى عن إبن المقسى ‪ ،‬وهو أحد الشيوخ اللصوص ‪ ( :‬غير أنهم أيضًا ذكروًا أنه سيئ المعاملة جدَا‪3 ،‬‬
‫ومعلوم أن المعاملة هى الدين‪ ،‬وأنه إذا ابتاع شيئًا اليقول في نفسه إال أنه ملكه‪،‬وال يدفع ثمنه إال لمن له جاه أو صولة أو‬
‫شوكة أما الضعفاء والفقراء‪ ..‬فنهاية ما عنده لهم كتابة الوصوالت ‪ ،‬ويكتب بخطه بالصرف على كل وصل‪ ،‬أى وصل نحو‬
‫العشر مرات وال يصرف لهم شيئًا وغالبهم يضيع وصوله وغالبهم يتعب وغالبهم يترك والنادر من يتجوه‪ -‬أى يبحث عن جاه‪-‬‬
‫بأحد حتى يصل إلى بعض شيئ‪ .).‬إذن نحن هنا أمام نصاب محترف يتقوى بنفوذه على أكل مال الضعفاء ويعطيهم "وصوالت"‬
‫غير قابلة لدفع‪ ،‬أو بتعبير عصرنا "شيك بال رصيد"‪ .‬ومن خالل هذه المظالم أصبح ابن المقسي من كبار األثرياء‪ ،‬ويقول عنه‬
‫القاضى ابن الصيرفي‪ ( :‬وسمعت أن جامع المقسي الذى هو متحدث عليه قطع غالب معاليم قومته‪ ( ،‬أى مرتبات موظفيه) ‪،‬‬
‫وأبطل ملء فسقيته وغير ذلك ‪ ،‬فدعوا عليه عشاء وضحى وعصرًا ومغربًا ‪.‬والدعاء من المظلوم في األسحار ال يخطئ‪ .).‬أى‬
‫إن ابن المقسي كما كان نهما في أكل أموال الضعفاء وقطع أرزاق الموظفين في المسجد الذى يقوم برعايته كان على العكس‬
‫من ذلك كريمَا في تعامله مع ندمائه وجلسائه ‪ .‬يهمنا ما جاء بين السطور عن الصالة فى قوله ‪( :‬فدعوا عليه عشاء وضحى‬
‫‪.‬وعصرًا ومغربًا )‪ ،‬أى كان المقيمون فى ذلك الجامع كانوا يدعون عليه فى صلوات العشاء والضحى والعصر والمغرب‬
‫ـ وال ننسى أن المقيمين فى بيوت العبادة كانوا موظفين وظيفتهم الصلوات الخمس وصالة الجمعة والدعاء للسلطان وصاحب ‪4‬‬
‫‪.‬الوقف على ذلك المسجد أو الرباط أو الجامع أو الُقّب ة أو الخانقاه‬
‫خامسا ‪ :‬اللباس الرسمى للسلطان للشتاء والصيف مرتبط بيوم الجمعة وصالة الجمعة‬
‫ـ ويقول مؤرخنا عن يوم االثنين ‪ 26‬شوال ‪ ( : 873‬لبس السلطان الملك األشرف نصره هللا القماش األبيض المعد لبسه ‪1‬‬
‫للصيف على العادة في كل سنة‪ ،‬من غير موكب‪ ،‬وهذا بخالف عادات الملوك‪ ،‬فإن العادة ال يلبس السلطان ذلك إال في يوم‬
‫‪ .‬الجمعة عند دخوله إلى الصالة بموكب عظيم‪) . ،‬‬
‫ـ وفي يوم الجمعة ‪ 12‬جمادى األولى ‪ 874‬يقول ‪ ( :‬لبس السلطان القماش والصوف الملون المعد لبسه للشتاء في كل سنة ‪2‬‬
‫‪ .‬عند دخوله لصالة الجمعة ‪ .‬وتأخر عن العادة أكثر من عشرة أيام‪)،‬‬
‫ـ وفي يوم الجمعة ‪ 29‬جمادى األولى ‪ 875‬يقول‪ ( :‬لبس السلطان الصوف الملون ‪ ،‬وألبسه األمراء األلوف بعد صالة ‪3‬‬
‫الجمعة ‪ .‬وتأخر لبسه عن العادة القديمة بعشرين يومًا‪ ،‬أعنى عن عادة الملوك المتقدمين مثل األشرف برسباى وقبله‪ ،‬وعن‬
‫‪.‬السنة الماضية بعشرة أيام‪).‬‬
‫ـ وفي يوم الجمعة ‪ 15‬ذى القعدة ‪ ( 876‬لبس السلطان نصره هللا القماش البعلبكي المعد لبسه للصيف قبل عادته بثمانية ‪4‬‬
‫‪ .‬أيام‪ ،‬وقيل بثمانية عشر يومًا‪) .‬‬
‫ـ وفي يوم الجمعة ‪ 27‬صفر ‪ 886‬الموافق ‪ 8‬بشنس ‪ ( :‬لبس السلطان نصره هللا القماش األبيض المعد لبسه للصيف قبل ‪5‬‬
‫‪.‬صالة الجمعة وسبق العادة بخمسة أيام‪ ،‬وما قارب الشيء يعطي حكمه‪).‬‬
‫سادسا ‪ :‬الصالة فى السجون المملوكية‬
‫حتى السجون كانت فيها صالة فى أوقاتها اليومية ‪ .‬يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره ( إن ما يحدث فيها ال‬
‫يجوز عند أحد من المسلمين‪ ،‬وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق‪ ،‬فال يتمكنون من الوضوء والصالة ‪،‬‬
‫وقد يروى بعضهم عورة بعض ‪ ،‬ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء‪ ،‬وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر وال جريمة له‬
‫ويكون أصل حبسه على ضمان )‪ ،‬أى يكون مسجونًا ألنه ضامن للغير فى ديون ‪ ،‬أى مسجون بال جريمة ومع ذلك يظل في‬
‫‪.‬السجن وقد ال يحس به أحد إلى أن يموت‬
‫سابعا ‪ :‬العقوبة بسبب إهمال الصالة فى المساجد‬
‫ـ أوائل ذى القعدة علم السلطان قايتباى أن الشيخ صالح الدين المكينى قاضى القضاة الشافعية جعل أحد الشهود قاضيًا‪1 ،‬‬
‫واسمه أبو الخير الفيومي الذى كان متزوجًا بإحدى الجواري المعتوقات‪ ،‬وكان متورطًا في قضية سلب وفي إلحدى األوقاف‬
‫ضمن مجموعة من الشيوخ ‪ ،‬وقد استدعاهم السلطان وعرف أنهم يأكلون إيراد الوقف وال يعطون المستحقين شيئًا ‪ ،‬بل وال‬
‫حتى يقيمون في شعائر الصالة‪ .‬وحّق ق معهم السلطان بنفسه ‪ ،‬ولم يستطيعوا الدفاع عنه أنفسهم أمام السلطان ‪ .‬فأمر السلطان‬
‫القضاة األربعة بأن يعين كل منهم نائبًا عنه للجلوس بالجامع الذى فيه الوقف وفحص مستنداته وموارده ومصروفاته ويعلمون‬
‫‪.‬السلطان بذلك‬
‫ـ وفي أول شهر ربيع اآلخر يروى إبن الصيرفى أن ( صعد القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وصحبهم شخص ‪2‬‬
‫اشتكي للسلطان القاضى الشافعي بسبب خان السبيل الذى تحت نظره ‪ ،‬وأخبر بأن بالخان مسجدًا ‪ ،‬وأن الجّم الين جعلوه مخزنًا‬
‫لمتاع الجمال وخياطة الزرابيل‪ ،‬وأنه حاول منعهم فتغلب عليه أعوان القاضى الشافعي )‪ .‬أى إن أعوان القاضى الشافعى جعلوا‬
‫المسجد مزبلة للجمال والجّم الين مع أنهم القائمون على رعاية المسجد واالنفاق عليه من األوقاف الخاصة به‪ .‬أى أكلوا أوقاف‬
‫المسجد وجعلوا المسجد مزبلة بأجر‪ .‬وعن طريق شيوخ آخرين منافسين لقاضى القضاة الشافعى تمكن هذا الرجل من الوصول‬
‫‪.‬للسلطان والشكوى اليه ‪ .‬أى أن التنافس بين الشيوخ ودسائسهم فى بعضهم كانت من عوامل فضحهم أمام السلطان‬
‫ثامنا ‪ :‬العقوبة على ترك الصالة‬
‫القاضى علم الدين إبن الهصيم‪ ،‬يقول عنه مؤرخنا ابن الصيرفي "كان عربًا عن اإلسالم كثير الميل إلى دين النصرانية مدمنًا‬
‫على السكر ال يكاد يوجد صاحيًا لحظة‪ ،‬ولما تولى البباوى الوزر‪ -‬أى الوزارة ـــ طلبه وضربه ثالث علقات في مجلس واحد‬
‫بسبب أنه لم يشهد صالة الجمعة )‪ .‬وقد مات يوم األحد ‪ 7‬ربيع الثانى ‪ 874‬ودفن يوم ‪ 10‬من نفس الشهر‪ ،‬وصلوا عليه بباب‬
‫النصر‪ ،‬ويقول عنه ابن الصيرفي ‪ ( :‬ودفن بمقابر المسلمين ‪ ،‬وهللا أعلم بما هو عليه‪ .)! .‬هنا عقوبة للقاضى ألنه لم يشهد‬
‫‪.‬صالة الجمعة‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫هذا السلطان الورع الذى يقوم الليل يقرأ األوراد ويحرص على تأدية الصلوات الخمس بإمام خاص يؤمه فيها ‪ ،‬والذى أقام‬
‫مساجد وبيوتا للعبادة ‪ ..‬هل كان عادال يقيم القسط بين الناس أم كان ظالما ؟ هل كان بصالته يؤمن باهلل جل وعال وحده أم كان‬
‫بصالته عبادته يؤمن بالمال إالها أعظم ؟‬

‫صالة السلطان الورع قايتباى من أجل المال (إالههم األعظم ) ) ‪( 2‬‬


‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ شأن الخلفاء الفاسقين وغيرهم من الملوك والسالطين فاإلله العظم لديهم هو المال ‪ ،‬وهم يستخدمون كل الوسائل لسلبه من ‪1‬‬
‫( الرعية )‪ .‬وأكثرهم ظلما وجشعا هم الذين يستخدمون التدين فى تسريغ ظلمهم ونهبهم ‪ ،‬وبهذا تكون صالتهم ليست لرب‬
‫‪.‬العزة جل وعال بل للشيطان الذى يأمر بالفحشاء والمنكر‬
‫ـ والسلطان قايتباى كان أكثر سالطين المماليك ورعا بالمفهوم الصوفى ‪ ،‬ومن ورعه هذا تجلى جشعه فى جمع المال‪ .‬كان ‪2‬‬
‫قايتباى أغنى فرد فى دولته ‪ ،‬ولكنه لم يقنع بما لديه ‪ ،‬ولم يقنع بالضرائب المعتادة التى كان يجبيها أسالفه ففرض المزيد ‪،‬‬
‫وتنوعت الضرائب فى عهده ‪ ،‬منها مكس البضائع‪ -‬الجمارك‪ ،‬زكاة الدولة‪ ،‬وما كان يجبي إذا حضر مبشر بفتح حصن‪ ،‬وما‬
‫يجبي من أهل الذمة‪ ،‬ما يجبي من التجار عند سفر العسكر إلى الحرب ‪ ،‬وعند وفاء النيل‪ ،‬ضمان القراريط من كل ما يباع من‬
‫األطيان بنسبة ‪ % 2‬من ثمن البيع حتى لو تكرر بيع األطيان في الشهر الواحد‪ ،‬ثم ما يؤخذ من أهل الشرقية من الخيل والجمال‬
‫والبقر إذا سرحوا للصيد في بركة العباسة‪ .‬باالضافة الى هذه الضرائب كان يحصل على األموال السائلة والعينية بطرق مختلفة‬
‫‪.‬‬
‫ـ وقد كان المؤرخ المملوكى االرستقراطى أبو المحاسن بن تغري بردي جريئا فى نقد السلطان قايتباى وجشعه ‪ ،‬ومات هذا ‪3‬‬
‫المؤرخ سنة ‪ 874‬فحرمنا من أخباره ونقده للسلطان ‪ ،‬وانفرد مؤرخنا ابن الصيرفي بالساحة يسجل األحداث بالطريقة التى‬
‫تحلو له في دفاعه عن سيده السلطان‪ ،‬وبمقارنة ما ذكره ابو المحاسن بما ذكره ابن الصيرفى نجد ابن الصيرفى تجاهل الكثير‬
‫من مظالم قايتباى ‪ ،‬ونجد ابن الصيرفى منافقا يحاول الدفاع عن سيده السلطان قايتباى الذى كان يعمل قاضيا فى دولته يسير‬
‫على طريقة شيخه المؤرخ القاضى ابن حجر العسقالنى بينما كان ابو المحاس حاد النقد يسير على طريقة شيخه المقريزى‬
‫‪ :.‬ونعرض ألمثلة لما ذكره ابن الصيرفى‬
‫‪ :‬أوال‬
‫الهدايا االجبارية ( التبرع اإلجبارى )‬
‫باإلضافة إلى الضرائب كان للسلطان الحق في الحصول على هدايا (إجبارية) أو بتعبير عصرنا "تبرع إجبارى" وكيف يكون‬
‫تبرعًا ويكون إجباريًا في نفس الوقت؟ هنا المأساة والملهاة أيضًا فى حكم العسكر قديما وحديثا حيث تستوجب السلطة سلب‬
‫‪.‬الثروة طوعا أو كرها‬
‫‪ .‬ـ في شهر شعبان سنة ‪ 874‬جاءت للسلطان تقدمه (أى هدية قدمت له) مقدارها مائتا ألف دينار ‪1‬‬
‫ـ وكان يكفي للسلطان أن يشير من طرف خفي لتنهال عليه الهدايا (اإلجبارية)‪ ..‬ففي يوم االثنين ‪ 22‬ذى القعدة ‪ 875‬كان ‪2‬‬
‫السلطان يتنزه على ساحل بوالق وهناك سأل عن بيت ابن مزهر وهو كاتب السر‪ ،‬وفي الصباح التالى جهز ابن مزهر للسلطان‬
‫‪..‬هدية من السكر المكرر عشرة قناطير ومن األغنام السمينة عشرين خروفًا‪ ،‬ولوال الرغبة والرهبة ما تكلف كاتب السر كل هذا‬
‫ـ وكان السلطان يأخذ (الهدايا) لكى يطلق سراح المساجين السياسيين‪ ،‬ففي ‪ 7‬ربيع األول ‪ 875‬أطلق السلطان سراح األمير ‪3‬‬
‫خاير بك الذى كان دودارًا في سلطنة الظاهر تمربغًا وذلك في مقابل عشرين ألف دينار‪ ،‬وكان الذى توسط في الصفقة المحتسب‬
‫‪.‬يشبك الجمالى وناظر الجيش‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫المآدب والضيافات‬
‫ـ يروى ابن الصيرفى نزهة للسلطان قام بها يوم الجمعة ‪ 10‬ربيع األول ‪ 875‬وذكر ما استهلكه السلطان من هدايا‪ ،‬ولم يذكر ‪1‬‬
‫بالطبع ما ارتبط بذلك من ضرر ونهب للفالحين‪ .‬يقول مؤرخنا ‪ ( :‬وكان السلطان نصره هللا عزم في يوم الجمعة ـــ الذى هو‬
‫العاشرـــ أن يتوجه إلى خليج الزعفران ويقيم به ثالثة أيام للتفرج والتنزه‪ ،‬وجهز له المقر األشرف الكريم العالم أمير داودار‬
‫الكبير ـ دامت سعادته يشبك من مهدى ــ من األغنام المعاليف (أى السمينة ) عشرين معلوفًا سعر سبعة دنانير الواحد ومن‬
‫البداري خمسون بدريًا ومن الحلوى ثمانية قناطير ومن السكر ستة قناطير ومن األرز والدجاج المعلوف ما قيمته مائة دينار‬
‫وغير ذلك‪ .‬وجهز المباشرون تقادمهم من سكر وحلوى وفاكهة وأرز ودجاج وغنم ومعاليف‪ ،‬وجهز أيضَا المقر الزينى أبو بكر‬
‫بن المقر المرحوم الزينى عبد الباسط عشرين معلوفُا وفاكهة وحلوى وسكرًا‪ ،‬فاقتضى الحال أن السلطان ركب يوم الجمعة بكرة‬
‫النهار فسيَّر ورجع إلى القلعة وبطل الفرجة‪ .).‬فأرباب الوظائف وهم أرباب الظلم جهزوا للسلطان كل هذه األطعمة من عرق‬
‫الفالح المصري الذى لم يتخيل حتى في األحالم أن تؤخذ له صورة بجانب تلك األكداس الشهية التى يسيل لها لعاب عدة بالد من‬
‫‪.‬الفالحين الجوعى‬
‫ــ وعاد السلطان إلى نزهته تلك يوم الثالثاء ‪ 14‬ربيع األول وظل فيها إلى يوم الجمعة ‪ 17‬ربيع األول حيث عاد للقلعة وصلى ‪2‬‬
‫الجمعة بها بعد أن ذبحت له الذبائح من األبقار المسمنة واألغنام المعاليف والحلوي والسكر والفاكهة‪ ،‬على حّد قول مؤرخنا‬
‫الذى يذكر ( وحتى من جملة ما صرفه عظيم الدنيا الداودار الكبير حفظه هللا ألف دينار وقس على هذا المباشرين بأجمعهم‪ ،‬غير‬
‫أن شخصًا مسجونًا بسجن الجرائم مشهورًا باألذى والنحس كان قبض عليه من مدة فهرب من السجن ثم حِّص ل ( أى قبضوا‬
‫عليه) فرسم السلطان بكحل عينيه‪.!.).‬فالسلطان ذبحوا له الذبائح المسمنة مع الحلوى والسكر والفواكه وكان وقتًا سعيدًا عند‬
‫مؤرخنا ابن الصيرفي أن يتمتع السلطان بكل ذلك لوال أن شخصًا هرب من السجن ثم اعتقلوه وأمر السلطان بكحل عينيه‬
‫بالحديد المحمى بالنار حتى فقد نظره كي ال يستطيع الهرب من السجن بعدها ‪ .!.‬ونقم مؤرخنا على ذلك السجين الهارب ألنه‬
‫‪ .!!.‬عكر صفو الحفل بهروبه وما كان ينبغى له أن يفعل حتى ال يتعكر مزاج السلطان الورع‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫‪:‬السلطان قايتباى يصادر أموال األحياء‬
‫والسلطان الورع قايتباى كان يصادر أموال األحياء ‪.‬ففي يوم األربعاء ‪ 17‬رجب ‪ 876‬أمر السلطان بمصادرة ممتلكات ابن‬
‫زوين كاشف‪ -‬أى والى ـ الغربية‪ ،‬يقول في ذلك مؤرخنا "وارسل السلطان إلى الغربية بالحوطة على موجود ابن زوين الكاشف‬
‫بها من صامت وناطُق أحضروه فأخذ أحسنه ورد عليه أخسه"‪ .‬أى إغتصب منها ما يريد وترك ما اليريد‪ .‬منتهى الكرم‬
‫!!‪ .‬واألريحية‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫‪.‬وكان السلطان قايتباى الورع يلتهم التركات ويأكل أموال اليتامي ظلمًا‬
‫فى شريعة السلطان الورع قايتباى كان يعتبر نفسه شريكًا ووارثًا في التركة على أساس أنه رئيس المماليك وسيدهم ‪ ،‬هذا ما‬
‫‪ :‬نفهمه من األحداث التالية‬
‫ـ عندما مات األمير يشبك جن ‪ 875‬أخذ السلطان خيوله وجماله ومماليكه ويرقة ‪ ( ،‬أى عتاده الحربى) وكل متاعه ‪ .‬يقول ‪1‬‬
‫‪.‬ابن الصيرفي "وهكذا شأن الزمان"‪ .‬أى هذا هو الشرع المعتاد‬
‫ـ وعندما مات األمير بردبك البجمقدار ‪ 875‬بالشام بعث السلطان األمير قجماس ليستحوذ على تركته وتركة داوداره أبى بكر ‪2‬‬
‫وكان قد توفي هو اآلخر‪ ،‬ووصل األمير قجماس للقاهرة يوم األحد أول جماد الثاني ‪ 875‬ومعه تركة االثنين‪ ،‬يقول ابن‬
‫الصيرفي "فبلغنى أن النقد خاصة أربعون ألف دينار خارجًا عن القماش والصوف والسنجاب والسمور والقاقل والبعلبكي وهو‬
‫‪".‬شيء كثير جدًا‪ ،‬وكذلك الذهب المزركش‬
‫ـ وفي نفس اليوم األحد أول جماد اآلخر ‪ 875‬حضرت بنت خوند شقرا للسلطان لتصالح على تركة زوجها فردها السلطان ‪3‬‬
‫إلى حيث جاءت منه‪ ،‬فركبت أمها خوند شقرا إلى الداودار الكبير وسألته في أمر بنتها فرضى عنها السلطان بشرط أن تدفع‬
‫عشرة آالف دينار فامتنعت ‪ .‬فأمر السلطان بمصادرة كل التركة وجئ بالتركة للسلطان ليراها‪ .‬ثم قرر السلطان في يوم الخميس‬
‫‪ 5‬جماد اآلخر اهداء كل التركة إلى الدوادار الكبير‪ ،‬وفي النهاية تم الصلح بينها وبين السلطان في شعبان ‪ 875‬على أن تدفع‬
‫"للسلطان عشرين ألف دينار وتأخذ تركتها‬
‫ـ ولذلك كان بعضهم يتقرب للسلطان بإفشاء أسرار تركات الغير‪ ،‬ومن ذلك أن األمير تغري بردى قريب السلطان كان عينا ‪4‬‬
‫للسلطان على الدودار الكبير‪ ،‬وبعد موت الداودار الكبير في الشام عين السلطان قريبه تغري بردي في االستادرية الكبرى‪ ،‬يقول‬
‫المؤرخ ابن الصيرفي في تعليل ذلك‪" :‬وكيف ال وهو يسد الوظيفة ويطلعه على أموال أستاذه وذخائره وودائعه" أى كان يطلع‬
‫السلطان على كل أموال الداودار الكبير مما سهل على السلطان أن يحصل عليها بعد موت الداودار‪ ،‬وكافأ تغري بردى بالوظيفة‬
‫‪.‬الكبري‪ ،‬أما ابن الداودار الكبير الذى كان طفًال فقد ضاعت حقوقه‬
‫ـ وإذا كانت شريعة السلطان المملوكي تبيح له مصادرة تركات أتباعه من المماليك فكيف تبيح له سلب تركات أعيان ‪5‬‬
‫‪.‬المسلمين ؟‬
‫التاجر ابن سويد ت ‪ 873‬من أعيان مصر القديمة ‪ ،‬وكان فقيهًا تاجرًا ترك ماًال كثيرًا ‪ .‬وقد أخذ السلطان من األوالد ‪5 / 1 :‬‬
‫‪.‬الورثة ستة آالف دينار‬
‫وتوفي في نفس العام حسن بن بغداد شيخ أعراب الغربية بمحلة مرحوم وكان لديه مال جزيل‪ ،‬يقول ابن الصيرفي عن ‪5 / 2 :‬‬
‫‪".‬ورثته "وأخذ السلطان منهم ما أرضاه‬
‫وتوفي التاجر ابن كرسون يوم السبت ‪ 6‬ربيع اآلخر ‪ 875‬وخلف ولدًا وبنتًا وزوجة وماًال كثيرًا‪ ،‬وكان ذلك التاجر ‪5 / 3 :‬‬
‫معروفًا بالتقوي وإخراج الزكاة في موضعها‪ ،‬ويقول ابن الصيرفي عما حدث لتركته "واختلف الناس في أمره ‪ ،‬فمن قائل أن‬
‫السلطان ختم على الموجود ( أى صادر التركة كلها ) ‪ ،‬ومن قائل أن السلطان لم يتعرض له ولكن ناظر الخاص‪ -‬أى القائم على‬
‫رعاية أمالك السلطان‪ -‬البد له من شيء ( أى ال بد أن ينال شيئا من التركة ) فإنه يتعلل على ورثته بأن في جهته ماًال من جهة‬
‫المكوس ‪ ( ،‬أى عليه ضرائب من الجمارك ) ‪ ،‬وهللا أعلم‪ )".‬أى البد من سلب التركة بأى طريق‪ .‬ومعناه أن زبانية السلطان‬
‫‪.‬كانوا يشاركونه في نهب أموال اليتامى ظلمًا بعد وفاة عائلهم‬
‫وقد توفي الشيخ كمال الدين النويرى ‪ 873‬وخلف من الذهب النقد تسعمائة دينار‪ ،‬وقد أخذ الوزير منها سبعمائة دينار ‪5 / 4 :‬‬
‫خالصة غير ما أخذه مباشرو أرباب المواريث على حد قول ابن الصيرفي‪ .‬فماذا تبقى للورثة ؟‬
‫‪ :‬خامسا‬
‫سجن الضحية للحصول على أمواله ‪ :‬االعتقال البتزاز األموال‬
‫ــــ وكان بعضهم يتفنن في إخفاء أمواله حتى إذا مات تمتع بها الورثة بعيدًا عن علم السلطان‪ ،‬والسلطان من ناحيته كان ‪1‬‬
‫يلعب معهم لعبة القط والفأر فال يتردد في اعتقال المقربين للمتوفى ليدلوه على المستور من تركته‪ .‬ففي عيد األضحى سنة‬
‫‪ 885‬اعتقل السلطان شابًا صغيرًا هو ابن يحيي األنصاري وقد مات أبوه‪ ،‬والسبب أن أخاه الكبير ذكر للسلطان أن أباه ترك ماًال‬
‫خبيئة عند ذلك الشاب‪ ،‬فطلبه السلطان وقرره فاعترف الشاب أنه وجد من تركة أبيه خاتمًا من عاج مخروط وله فص منقور‬
‫فوجد تحت الفص ورقة مكتوب فيها "ذخيرتي في مكان كذا وأنكم تعطونها أو تقسموها بين أوالدي النساء والرجال إال ولدى‬
‫الكبير فإنه أخذ حصته" وذكر الشاب أنه توجه فلم يجدها في المكان الذى ذكره‪ ،‬فاحتد السلطان عليه وأمر باعتقاله‪ .‬ثم قام‬
‫الشيخ زكريا األنصاري بالتشفع فيه عند السلطان فأمر السلطان بتحليفه فحلف الشاب أنه ما أخذ الذخيرة (التركة)‪ ،‬يقول ابن‬
‫الصيرفي "ثم أطلقه السلطان بعد أن عدد له أمورًا من كذا ‪ ،‬وأنه في كل ليلة يضيع خمسين دينارًا على الرحابية (مغنية‬
‫مشهورة في ذلك العصر) وأمثالها وهللا المستعان‪ ،‬وأخبار الناس عند هذا السلطان معروفه مضبوطة فنسأل هللا الستر والسالمة‬
‫ونعوذ باهلل من كالم العدا واختالفهم"‪.‬وهذا يعني أن للسلطان شرطة سرية كانت تراقب الورثة وأحوالهم وماذا كانوا قد خبأوا‬
‫‪ ..‬عن السلطان شيئًا‪ .‬ونفهم من تعليق ابن الصيرفى مدى هلعه من السلطان الورع وأجهزته األمنية‬
‫ـ وكثيرًا ما يدفع الورثة الصغار الثمن حبسًا بعد أن يضيع السلطان أموالهم‪ .‬في يوم االثنين ‪ 8‬صفر ‪ 875‬هربت زوجة ‪2‬‬
‫المباشر بالبحيرة عندما علمت بوفاة زوجها حتى ال يستولى السلطان على التركة‪ ،‬فأمر السلطان باعتقال ولدها الصغير الذى‬
‫ليس لها سواه وعمره أقل من عشر سنوات‪ ،‬يقول ابن الصيرفي "ورسم عليه ألجل أخذ المال"‪ .‬أى كان السلطان يقوم الليل‬
‫يصلى ويقرأ القرآن ويرتل اآليات التى تجعل أكل مال اليتيم كالذى يأكل النار في بطنه‪ ..‬ثم يختم بسجن األطفال األيتام إن لم‬
‫‪.‬يساعده أهلوهم على أكل أموالهم بالتى هى أحسن‬
‫ـ وبعضهم كان يحتال إلخفاء أمواله أو النفيس منها حتى ال تضيع كلها في المصادرة إذا حصلت‪ ،‬وكان السلطان يلعب معهم ‪3‬‬
‫نفس اللعبة فيحتال للحصول على كل األموال الظاهرة والخفية‪ ،‬فقد أمر السلطان باعتقال عبد كان لالستادار زين الدين كما أمر‬
‫باعتقال سكرتيره عبد الوهاب وباعتقال جاريته قمر‪ ،‬وكان السبب في اعتقال الثالثة هو إرغامهم ليدلوا على األموال المخبأة‬
‫‪.‬عند زين الدين االستادار‪ ،‬وظل الجميع في السجن عدة أشهر حتى تم إطالقهم في عيد الفطر ‪876‬‬
‫ـ وقد ترتبط المصادرة للمال بالمصادرة للحرية‪ ،‬أى السجن‪ .‬ففي يوم الثالثاء ‪ 21‬جماد األول ‪ 876‬أمر السلطان بالقبض ‪4‬‬
‫على صيرفي جدة ‪ ،‬واسمه ابن عبد الرحمن وأمر بأن يؤخذ منه عشرون ألف دينار‪ ،‬والسبب في سجن الصيرفي المسكين أن‬
‫السلطان أراد اقتراض عشرة آالف دينار من إحدي السيدات كانت أمًا للمحتسب وشاهين والى جده‪ ،‬وقد طلب السلطان من‬
‫المحتسب وشاهين والى جده التوسط لدى هذه السيدة ليقترض منها العشرة آالف‪ ،‬ولكن السيدة اعتذرت وأظهرت العجز‬
‫والفقر‪ ،‬فغضب السلطان وأمر باعتقال صيرفي جده ‪ ،‬وطلبه في خلوة ليعرف منه أسرار ومدخرات والى جده‪ ،‬ولما لم يحصل‬
‫منه على طائل صادر منه عشرين ألف دينار‪ .‬وابن الصيرفي بعد أن ذكر الحكاية قال يدافع عن السلطان دفاعا هزيال مضحكا ‪:‬‬
‫"وفي الواقع فهذا السلطان آخر الملوك العادلة فإنه خّو ل المحتسب وشاهين في البالد المصرية والحجازية"‪ .!!.‬لم يذكر‬
‫!‪ .‬المؤرخ القاضى كيف يكون أغنى فرد فى عصره محتاجا الى االقتراض من إمرأة‬
‫ـ ولم يقتنع السلطان باعتقال صيرفي جده‪ ،‬فقد جاءته معلومات بأن المحتسب وزوجته وشاهين نائب جده وأم أستاذهم ‪5‬‬
‫الصاحب جمال الدين قد وضعوا أيديهم على جواهر وأموال وتقاسموها‪ ،‬فهدد السلطان الموظفين اآلخرين الذين لهم اتصال‬
‫‪.‬بالموضوع‪ ،‬وهدد السيدة فأرسلت للسلطان خمسة آالف دينار فردها إليها‪ ،‬وحدث الجفاء بين السلطان والمحتسب بسبب ذلك‬

‫) ‪(3‬‬
‫التعذيب هو صالة السلطان الورع قايتباى للحصول على المال ( إالههم األعظم )‬
‫مقدمة‬
‫ـ يمكن إعتبار التعذيب نوعا من الصالة الشيطانية للحاكم المستبد المتدين ‪ ،‬يستخلص بها أموال الناس ‪ ،‬والمال هو إالههم ‪1‬‬
‫‪ :‬العظم ‪ ،‬والتعذيب هى صالتهم الشيطانية فى ( التقرب ) لهذا اإلله الشيطانى‪ !.‬ونعطى بعض التفاصيل‬
‫‪:‬أوال ‪ :‬أنواع التعذيب ‪ :‬تفنن المماليك في التعذيب‬
‫‪:‬التعذيب بالضرب‬
‫ـ كان الضرب هو الوسيلة المثلى للتفاهم مع المتهم في أى جناية حتى لو كان بريئًا مظلومًا‪ ،‬ففي يوم السبت ‪ 21‬صفر ‪1 886‬‬
‫ضربوا الشريف األكفاني المتهم بقتل زوجته ضربًا مبرحًا نحو خمسمائة مقرعة وعصيًا‪ ..‬ثم أمر قايتباى بحبسه في سجن‬
‫‪.‬المقشرة‪ .‬ولم تثبت عليه التهمة ‪ .‬وال يزال هذا ساريا فى مصر وغيرها‬
‫ـ وكان الضرب أحيانًا يفيد‪ ،‬ففي يوم االثنين ‪ 20‬صفر ‪ 877‬شكوا تاجرًا إلى الداودار الكبير يشبك من مهدي أنه أخذ من ‪2‬‬
‫التجار بضائع إلى أجل‪ ،‬وحين جاء األجل رفض أن يدفع ما عليه بسبب ما عليه من ديون‪ ،‬فأمر الداودار بضربه‪ ،‬ولما ذاق‬
‫الضرب المملوكي ( صار يصرخ ويقول‪ :‬ادفع الحق‪ )..‬فأمر الداودار أن يعمل أجيرا في الحفير ويدفعوا أجرته لمن له في ذمته‬
‫‪.‬شيء‬
‫‪..‬ـ لم يكن الضرب هو العقوبة الوحيدة‪ ،‬فالتكنولوجيا المملوكية في التعذيب كانت رهيبة ‪3‬‬
‫‪:‬عقوبة الشي بالنار‬
‫ثانى أمير فى سلطنة قايتباى كان الداودار يشبك من مهدي ‪ .‬وهو صاحب القبة التى ال تزال حتى اآلن تتوسط ما يسمى بميدان‬
‫القبة ‪ .‬و ( القبة ) تعنى مسجدا مشهورا بالقبة التى تعلوه ‪ .‬هذا األمير جمع بين التدين والقسوة المفرطة ‪ .‬وقد ظفر بأحد‬
‫مشايخ األعراب من بنى عدي فضربه بالمقارع وأمر بأن يشوى بين يديه بالنار وهو حى فصار يستغيث وال يغاث‪ ،‬وأخر األمر‬
‫‪ .‬أطلقه ‪،‬بعد أن قيل لألمير الداودار‪( :‬ال يعذب بالنار إلى خالقها‪ . ).‬وحدث ذلك يوم الخميس ‪ 14‬ربيع األول ‪874‬‬
‫‪:‬عقوبة السلخ والتشهير‬
‫‪.‬ــ أى سلخ جلد الضحية وهو حّى ‪ .!!.‬وكان الضحايا من زعماء األعراب الثائرين على الدولة ‪1‬‬
‫ـ في يوم األربعاء ‪ 18‬ذى الحجة ‪ 873‬أمر السلطان قايتباى بسلخ ابن سعدان أحد مشايخ األعراب من مدينة فّو ة‪ .‬وفي يوم ‪2‬‬
‫الخميس ‪ 5‬جمادى اآلخر ‪ 875‬قبض الداودار الكبير يشبك من مهدى على ( عيسى ابن بقر) أحد مشايخ األعراب وأمر بسلخه‪،‬‬
‫ثم أمر السلطان بالتشفع فيه إذا دفع عشرة آالف دينار‪ ،‬وجاء البشير إلى الضحية وهم يسلخونه فوجده قد قطعوا من رأسه‬
‫‪.‬قطعة فقال‪ :‬أنا أوزن‪ -‬أى أدفع الدنانير وأنقذ نفسه‬
‫ـ وأحيانًا كان السلخ مرتبطًا بالتشهير‪ ،‬أى يطاف بالمسلوخين المساكين في شوارع القاهرة ليتفرج عليهم الناس وينادى ‪3‬‬
‫عليهم المشاعلى هذا جزاء من يفعل كذا‪ ،‬وفي النهاية يتم صلبهم حتى يموتوا أمام أعين الناس‪ .‬وربما جاء تخويف األطفال‬
‫المصريين من ( ابو رجل مسلوخة ) من مشهد أولئك المسلوخين وهم يطاف بهم على أعين الناس الذين كانوا يصحبون‬
‫أطفالهم ‪ .‬وفي يوم السبت ‪ 29‬ذى الحجة ‪ 876‬طافوا في شوارع القاهرة بثالثة مسلوخين من أكابر أعراب بنى حرام ‪ ،‬كان قد‬
‫قبض عليهم األمير قنصوه من جوار غيط الشيخ إبراهيم المتبولى فسلخهم وجهزهم‪ -‬على حد قول مؤرخنا‪ -‬وبعد أن طيف بهم‬
‫‪.‬في القاهرة أرسلوا إلى خارجها ليصلبوا أيامًا ويرتدع المفسدون من قطاع الطرق من األعراب‬
‫ـ وتفنن المماليك في جريمة السلخ‪ ،‬فأحيانا كانوا يسلخون الضحية المسكين ثم يحشدون جلده تبنًا أو قطنًا يطوفون به في ‪4‬‬
‫الشوارع جنبا الى جنب مع الضحية المسلوخ ‪ .‬ففى أواخر جمادى األول ‪ 875‬وصل ابن زوين كاشف الغربية وصحبته رجل‬
‫من العريان يسمى عبد القادر حمزة مسلوخًا وقد حشي جلده قطنًا ومعه عدة رؤوس آدميين مقطوعة ‪ ،‬وصار يشهرهم فى‬
‫شوارع القاهرة ‪ ،‬إلى أن وصل به إلى بيت الداودار الكبير‪ ،‬وتصادف أن األمير تمراز الشمسي رأى الضحية المسلوخ عبد‬
‫القادر حمزة فعرفه‪ ،‬وكان تمراز كاشفًا للغربية قبل ابن زوين ‪ ،‬وكان يحمى عبد القادر حمزة وصديقا له ‪ ،‬فعندما رآه في ذلك‬
‫الحال هجم على ابن زوين‬
‫‪.‬وضربه‬
‫‪:‬ثانيا ‪ :‬التعذيب أرهب الموظفين من مقابلة قايتباى‬
‫ـ لذا كان خوف موظفي السلطان عظيمًا حين يستدعيهم للحساب‪ ،‬وكان خوفهم أعظم حين يعزلهم عن الوظيفة‪،‬وما يعنيه ‪1‬‬
‫العزل من إحتمال السجن والمصادرة والتعذيب حسب الّس نة السائدة ‪ .‬وقد هرب القاضى تاج الدين بن المقسى ناظر األمالك‬
‫السلطانية (ناظر الخاص) والسبب أن السلطان عزله‪ ،‬فبادر بالهرب خوفًا من المصادرة والتعذيب‪ ،‬وعّي ن السلطان بدًال منه ابن‬
‫‪.‬الكويز في يوم الخميس ‪ 12‬شعبان ‪874‬‬
‫ـ وفي يوم االثنين ‪ 9‬ربيع اآلخر في نفس العام ‪ 874‬مات القاضى المشهور فى عصره ‪ :‬عبد الرحيم ابن البارزي‪ ،‬مات خوفًا ‪2‬‬
‫من السلطان‪.‬فقد جاء من الشام لمصر ‪ ،‬وأرسل هدية للسلطان فردها السلطان عليه غاضبًا‪ ،‬وبلغه أن السلطان توعده قائًال ‪:‬‬
‫("عند من يهرب منى ؟ هذا هو وقع في القفص )‪ .‬هلع المسكين مما سمع‪ ،‬يقول ابن الصيرفى‪ (:‬واشتد مرضه بالصرع‬
‫!!‪ .‬فمات‪.).‬مات خوفًاورعبا من السلطان الورع قايتباى‬
‫ـ وعلينا أن نعذر الشيخ عبد الرحيم ابن البارزي حين مات خوفا ‪ ،‬فالشيخ عبد الرحيم يعى تمامًا تفنن المماليك في التعذيب ‪3‬‬
‫والعقوبات‪.‬ولعل الشيخ عبد الرحيم في أيامه األخيرة كان يتذكر وهو يرتجف كلمة السلطان "عند من يهرب منى؟ هذا هو وقع‬
‫في القفص" ولعل الشيخ عبد الرحيم كان له فهمه الخاص لعبارة السلطان "هذا هو وقع في القفص" وربما أدى تفكره في هذه‬
‫العبارة إلى أن قضى نحبه‪ .‬هذا ألن الشيخ عبد الرحيم شهد ما حدث للوزير األهناسي في ربيع األول ‪ 873‬بعد أن صادره‬
‫السلطان ( وأجرى عليه العقوبة) على حّد قول مؤرخنا ابن الصيرفى الذى أورد وصفا لما حدث لهذا الوزير ‪ ،‬إذ عّلقه السلطان‬
‫في شباك أو قفص حديد ( بأصابع يديه ‪ ،‬فما تحمل وأذعن ‪ ،‬ودفع للسلطان ألفى دينار"‪ ،).‬وال ريب أن الشيخ عبد الرحيم ابن‬
‫البازري حين قدم القاهرة عرف أن يحيي بن عبد الرازق صادره السلطان للمرة الثانية وظل يعذبه حتى طار لحم جسده ومات‬
‫في ‪ 18‬ربيع األول ‪ 874‬وكان تذكره لمأساة يحيي بن عبد الرازق مما عجل به إلى الموت في الشهر التالى يوم ‪ 9‬ربيع اآلخر‬
‫"‪ 874‬أى أن الشيخ عبد الرحيم "أخذها من قصيرها ومات‬
‫ثالثا ‪ :‬تفنن المماليك فى القتل‬
‫‪:‬القتل بالتوسيط‬
‫ـ والجبروت المملوكى إستخدم التعذيب حتى فى تنفيذ عقوبة القتل ‪ ،‬فلم يكتف في القتل بقطع الرقبة وإنما ابتدع التوسيط ‪1‬‬
‫وهو قطع الضحية نصفين‪ .‬وتلك إحدى منجزات الشريعة السنية فى العصر المملوكى ‪.‬وهى تعبر عن رغبة المماليك فى أن‬
‫ينفردوا وحدهم بالسلب والنهب ‪ ،‬لذا إستعملوا أفظع طريقة فى القتل الرهاب قّط اع الطرق من األعراب وغيرهم ألنهم ينافسون‬
‫‪ .‬المماليك فى نهب الناس‬
‫ـ وشريعة التوسيط لها طقوسها ‪ :‬أن يعرى المحكوم عليه باإلعدام من الثياب ثم يثبتون أطرافه بالمسامير فى خشبتين على ‪2‬‬
‫شكل صليب ويطرح مصلوبا عليها ‪ ،‬ويوضع على ظهر جمل ‪.‬وتسمى هذه العملية بالتسمير‪ .‬وربما يطاف به في شوارع‬
‫القاهرة على هذا الحال وهذا هو التشهير ‪ .‬ثم يأتى السياف فيضرب المحكوم عليه بقوة تحت السرة فيقسم الجسم قسمين من‬
‫‪.‬وسطه فتنهار أمعاؤه إلى األرض‬
‫ـ في يوم السبت ‪ 13‬ذى القعدة ‪ 875‬أمر السلطان بتسمير ستة أشخاص من قطاع الطرق وأن يتم توسيطهم بقليوب‪3 ،‬‬
‫فأشهروهم على الجمال تحت قيادة األمير يشبك بن حيدر صاحب الشرطة‪ ،‬وطبقا لما أورده ابن الصيرفى فقد ذكر صاحب‬
‫الشرطة عنهم "أنهم قتلوا رجًال بقليوب وأخذ ماله وحرقوه بمستوقد ‪ .‬وأمثال ذلك من التهجم والقتل وقطع الطرق" ويستطرد‬
‫مؤرخنا قائًال "وذاك ذنب عقابه فيه‪ ،‬ووسطوا بقليوب أو قربها وعلقت جثثهم ليرتدع أمثالهم عن هذه األفعال المنكرة ‪ ) .‬ويختم‬
‫مؤرخنا بقوله ( ‪..‬رب سّلم !!‪).‬‬
‫ـ وفي اليوم التالى وهو ‪ 14‬من ذى القعدة ‪ 876‬أمر السلطان بتسمير أربعة من العربان والمفسدين على الجمال‪ ،‬اثنان ‪4‬‬
‫بالجيزة واثنان من غيرها‪ ،‬وأشهروهم بالبلد‪ ،‬ووّس طوا منهم اثنين بباب النصر بالقاهرة لقربهم من أعراب بنى حرام ووسطوا‬
‫‪.‬اثنين بمصر لقربهم من الجيزة‬
‫ـ وحيكت أساطير عن موضوع التوسيط‪ ،‬يقول مؤرخنا "وبلغني أن شخصًا من العريان يسمى ابن زعازع قبض عليه الداودار ‪5‬‬
‫الكبير لما بلغه من الجرائم والمفاسد‪ ،‬وأمر بتوسيطه‪ ،‬فضربه المشاعلى بين يديه نحو سبع عشرة مرة ‪ ،‬فلم يقطع فيه السيف‬
‫‪.‬بل ينقلب" وزعموا أنه معه حرزا يحميه من التوسيط‬
‫‪.‬ـ وحمل التاريخ المملوكي بعض المآسي الدرامية للمحكوم عليهم باإلعدام ‪6‬‬
‫قبل عصرنا بقرنين‪ ،‬أى في شهر جمادى األول ‪680‬هـ يروى المقريزى أنهم قبضوا على قاطع طريق مشهور اسمه الكريدى‪،‬‬
‫فسّم روه على جمل ‪ ،‬وأقاموا عليه أيامًا يطوفون به في أسواق مصر والقاهرة ‪ ،‬وتعاطف معه الحارس الموكل به فقطع عنه‬
‫الطعام والشراب‪ ،‬فلما جاع وطلب الطعام(قال له الحارس ‪:‬إنما أردت أن أهون عليك لتموت سريعًا حتى تستريح مما أنت فيه‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬ال تقل كذا فإن شر الحياة خير من الموت!! فناوله الطعام والشراب‪ ،‬فأتفق أنه شفعوا فيه ‪ ،‬فأطلقوه وسجنوه فعاش‬
‫‪.‬أيامًا في السجن ثم مات)‪ .‬وأغلب الظن أنه مات بعد أن تسممت جراحه‬
‫‪:‬القتل بقطع الخصيتين‬
‫ـ وتفنن المماليك في التعذيب وإيقاع العقوبة ووصل إلى مناطق ال تخطر على البال‪.‬في سنة‪ 879‬أمر قايتباى بقطع خصيتى ‪1‬‬
‫مملوك يقال له شاهين ‪ ،‬كان خازندار األمير اينال األشقر‪ ،‬الرتكابه جريمة خلقية‪ ،‬وصادفت هذه العقوبة وجود شخص يهودي‬
‫‪.‬خبير باإلخصاء بمصر العتيقة‬
‫ـ واألتراك‪ -‬ومنهم كان أكثرية المماليك‪ -‬كانت لهم معرفة بهذه النوعية العجيبة من القتل والتعذيب‪ ،‬وبدأ ذلك قبل عصرنا ‪2‬‬
‫بستة قرون‪ .‬إذ يذكر الطبرى أن األتراك المتغلبين على الخالفة العباسية ثاروا على الخليفة المهتدي وقتلوه‪ ،‬ويحكي الطبرى‬
‫كيفية قتله فيقول" أمروا من عصر خصيته حتى مات" وذلك سنة ‪ 3 256.3‬ـ وأحيت الدولة المملوكية ذلك التقليد العجيب في‬
‫الصالة الشيطانية والسجون المملوكية>"‪"RTL‬القتل فمات بهذه الطريقة أول سلطان مملو‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ لم يرد ذكر السجن فى القرآن الكريم تشريعيا ضمن العقوبات ‪ ،‬وجاء ذكره فقط عن مصر فى قصة يوسف وفرعون ‪ ،‬ومنه ‪1‬‬
‫‪ :‬نأخذ المالمح اآلتية المعبرة عن النظام الفرعونى المصرى والذى ال يزال سائدا مع الديكتاتورية المصرية العتيقة العتيدة‬
‫ـ السجن وسيلة عقابية للمجرمين فى الدول الديمقراطية وطبقا لقانون عقوبات صاغته مجالس تشريعية وحكم به نظام‪1 / 1‬‬
‫قضائى يتحرى العدل ‪ .‬فى دولة الفرعون المستبد يكون العقاب بالسجن لمن يغضب عليهم المستبد وأصحاب النفوذ ‪ .‬لذا هددت‬
‫إمرأة العزيز يوسف بالسجن إن لم يفعل بها الفحشاء ( يوسف ‪ ، ) 32‬وهدد فرعون موسى نبى هللا موسى بالسجن إن إتخذ‬
‫إالها غيره ( الشعراء ‪ . ) 29‬أى إن المستبد وأعوانه يهددون بالسجن من ال يستجيب الى رغباتهم الدنيئة ‪ .‬كان هذا ـ وال يزال‬
‫‪.‬ـ سائدا وساريا‬
‫ـ ال يوجد تعذيب فى سجون الدول المتقدمة ‪ ،‬ألن السجن فيها الصالح المجرمين وليس لإلنتقام منهم ‪ .‬يختلف الوضع ‪1 / 2‬‬
‫فى دولة المستبد ‪ ،‬فهو ال يكتفى بالزّج باألبرياء فى السجون بل يعذبهم جسديا‪ .‬لذا إرتبط السجن المصرى بالتعذيب األليم فى‬
‫‪.‬قول إمرأة العزيز لزوجها عن يوسف ( يوسف ‪) 25‬‬
‫ـ والمتهم يتمتع باالحترام ويتم بهذا خطابه رسميا حتى بعد إدانته وهو فى السجن ‪ .‬ولمست هذا بنفسى حين زرت سجنا ‪1 / 3‬‬
‫أمريكيا ‪ .‬أما فى السجن المصرى فاألبرياء فيه يالقون اإلهانة واإلذالل ‪ ،‬تعذيبا نفسيا مضافا للتعذيب الجسدى ‪ ،‬وهما مقترنان ‪،‬‬
‫‪ .‬فالسجين يسمع اللعنات ويتلقى اللكمات‪ .‬ونرى إرتباط السجن المصرى باإلذالل فى قصة يوسف ( يوسف ‪) 32‬‬
‫ـ السجن المصرى الحالى يتشابه فى كثير مع السجن المملوكى من حيث الظلم المقترن بالصالة الشيطانية ‪ ،‬وفى توقيع أكبر ‪2‬‬
‫إيالم جسدى ونفسى بالضحايا ‪ .‬ولكن السجن المصرى الحالى يستعمل أحدث تكنولوجيا التعذيب التى لم تكن معروفة من قبل ‪.‬‬
‫‪.‬ولكن كانت للسجن المملوكى إبداعاته أيضا‪ .‬نتعرف عليها هنا‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬لمحة سريعة‬
‫ـ بلهجة الفقهاء يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره ( إن ما يحدث فيها ال يجوز عند أحد من المسلمين‪1 ،‬‬
‫وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق‪ ،‬فال يتمكنون من الوضوء والصالة ‪ ،‬وقد يروى بعضهم عورة‬
‫بعض ‪ ،‬ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء‪ ،‬وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر وال جريمة له ويكون أصل حبسه على‬
‫ضمان )‪ ،‬أى يكون مسجونًا ألنه ضامن للغير فى ديون ‪ ،‬أى مسجون بال جريمة ومع ذلك يظل في السجن وقد ال يحس به أحد‬
‫‪.‬إلى أن يموت‬
‫ـ و فزع بعض المماليك من قسوة الحياة في السجن وخصوصا سجن الجب بالقلعة ‪.‬وقبل أن يتولى السلطنة كان األمير ‪2‬‬
‫المملوكى شيخ المحمودى نزيال فى سجن شمايل ‪ ،‬وقاسى مما فيه ‪ ،‬فنذر إن نجا منه وأصبح سلطانا ليهدمنه ‪ .‬وعندما تولى‬
‫السلطنة بلقب المؤيد شيخ أوفى بنذره فهدم سجن الجب فى القلعة وسجن شمائل‪ ،‬ولكن قامت السجون األخرى مثل أبراج‬
‫القلعة والمقشرة بنفس الدور وأشنع‪ .‬فالمستبد يحتاج الى الكثير من القصور ليتنّع م ويحتاج الى الكثير من السجون ليأمن على‬
‫‪.‬حياته وليرهب شعبه‪ .‬والتعذيب ـــ وليس العدل ـــ هو أساس الُم لك المستبد‬
‫ـ وفي عصر قايتباى ذكر ابن الصيرفي إشارات للسجون المعروفة في مصر وقتها والتى كانت مبنية قبل عصر قايتباى مثل ‪3‬‬
‫‪ .‬سجن اإلسكندرية وسجن الجرائم وسجن الديلم وسجن الشرع وسجن المقشرة‪ ،‬وهذا باإلضافة إلى سجن البرج بالقلعة‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬أشهر المساجين وأشهر السجون‬
‫ـ وكان نزالء السجون من األمراء المماليك ‪ ،‬كنتيجة للصراع فيما بينهم ‪ ،‬ووقوع بعضهم ضحايا لهذا الصراع والفتن ‪1‬‬
‫والمؤامرات ‪ .‬وقد يصبح سجين سابق من األمراء المماليك سلطانا فيما بعد ‪ ،‬وحدث هذا قبل عصر قايتباى ‪ ،‬كما حدث فى‬
‫عصره ‪ ،‬فالملك الظاهر يلباى كان مسجونًا في عصر قايتباى في سجن اإلسكندرية ومات فيه بالطاعون في ليلة االثنين أول‬
‫‪.‬ربيع األول ‪873‬‬
‫ـ وفي سجن الجرائم أودع السلطان قايتباى جماعة من األعراب المفسدين من الشرقية وذلك يوم السبت ‪ 5‬محرم ‪2 .874‬‬
‫وهرب من هذا السجن أحد المجرمين المشهورين يوم الجمعة ‪ 17‬ربيع األول ‪ ،875‬وقد تمكن المماليك من القبض عليه وأمر‬
‫السلطان بكحل عينيه‪ -‬أى بوضع الحديد المحمى بالنار على عينيه حتى عمى‪ .‬واستطاع شيخ األعراب ابن زامل من الهروب من‬
‫ذلك السجن يوم الجمعة ربيع الثاني ‪ .876‬وفي يوم الثالثاء ‪ 17‬شعبان ‪ 876‬أطلق السلطان سراح حوالى أربعين مسجونًا من‬
‫‪ .‬سجن الجرائم وسجن الشرع‪ .‬كان هناك نوعان من السجون ‪ ،‬احدهما للمجرمين العاديين واآلخر لمن يغضب عليهم السلطان‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬أشهر السجون السياسية‬
‫مخصصًا لمن يغضب عليه السلطان من أرباب الوظائف فقد سجن فيه السلطان القاضى ابن العيسي ) سجن الديلم كان ( ‪1 :‬‬
‫‪.‬وسجن فيه الوزير قاسم جغيته‬
‫سجن ( برج القلعة ) الذى اعتقل فيه ابن العيني إلى أن أذعن ودفع للسلطان ما أراد ‪ ،‬وكان ذلك في ‪ 19 :17‬من جمادى ‪2 :‬‬
‫الثانية ‪ .873‬وفي نفس البرج حبس السلطان موسى بن كاتب غريب في شعبان ‪ ،873‬ثم اعتقل السلطان زين الدين االستادار‬
‫في رمضان من نفس العام‪ ،‬وصار موسي محبوسًا في برج القلعة وغريمة زين الدين االستادار محبوسًا في برج أخر يقول‬
‫مؤرخنا ابن الصيرفي‪ ،‬وفي رمضان ‪ 874‬أمر السلطان بسجن أسرى شاه سوار في برج القلعة‪ .‬والعسكر الذى يحكم مصر من‬
‫‪.‬عام ‪ 1952‬إستخدم نفس السجن ( سجن القلعة ) وال جديد تحت الشمس فى مصر‬
‫رابعا ‪ :‬سجن المقشرة ‪ :‬أشهر سجون العصر المملوكى للمجرمين العاديين‬
‫ـ وكانت المقشرة أشهر سجن في عصر قايتباى وفي عصر المقريزي أيضًا‪ .‬والمقريزي يحدد موقع سجن القشرة بأنه بجوار ‪1‬‬
‫‪.‬باب الفتوح فيما بينه وبين الجامع الحاكمى (أى المنطقة المجاورة لباب زويلة اآلن)‬
‫ـ وأصل تسميتها بالمقشرة أنه كان فيها القمح‪ ،‬وكان موضعها سجنا مشهورًا يسمى خزانة شمايل‪ ،‬وقد تم هدمه وأقيم مكان ‪2‬‬
‫سجن المقشرة‪ .‬وهذا السجن يضم برجًا في السور وموضع المقشرة وأضيف له الدورة المجاورة التى هدمت‪ ،‬وأصبحت بذلك‬
‫‪.‬المقشرة سجنًا ألرباب الجرائم‬
‫ـ ويقول عنه المقريزي" وهو من أشنع السجون وأضيقها يقاسى منه المسجونون من الغم والكرب‪ ،‬ال يوصف‪ ،‬عافانا هللا من ‪3‬‬
‫‪ .!!.‬جميع بالئه‬
‫‪ :‬ـ وذكر ابن الصيرفي إشارات لما حدث في عصره في سجن المقشرة ‪ .‬وتحديد ( اإلجرام ) يخضع لمزاج السلطان ‪4‬‬
‫‪.‬فقد أودع فيه السلطان أسرى الفرنج الذين أسرهم أهل ادكو ‪4 / 1 :‬‬
‫والفالحون الغالبة يكونون مجرمين إذا عجزوا عن دفع الضرائب ‪ ،‬إذ أنهم ( كفروا بالمال ‪ :‬اإلله األعظم للسلطان ‪4 / 2 :‬‬
‫الورع قايتباى) ‪ .‬يقول ابن الصيرف إنه كان فى هذا السجن ( سجن المقشرة ) جمع من الفالحين ممن ( إنكسر عليهم مال‬
‫للسلطان) ‪ ،‬أى سجنهم لعجزهم عن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان من الكاشف ومن هم‬
‫دونه‪. .‬وألنهم مظاليم فقد تجرأ بعضهم وإشتكى للسلطان مخدوعا بورعه وتقواه و أمال فى عدله وإقتناعا بوضوح قضيتهم ‪،‬‬
‫وكانت النتيجة فظيعة ‪ ،‬إذ أمر قايتباى بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين فسلخوا ‪ ،‬وأرسلوا إلى البالد فاشهروا بها ( ليرتدع‬
‫بها أمثالهم )‪ ،‬على حد قول مؤرخنا ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه المأساة قائًال عن السلطان " فنصره هللا نصرًا عزيزًا"‪.‬‬
‫أى يدعو له بالنصر ‪ .‬لم يعرف الفالحون الغالبة أنهم بشكواهم قد إزدادوا كفر بالمال ‪ ،‬وهو اإلله األعظم لقايتباى وغيره من‬
‫‪ .‬الخلفاء الفاسقين‬
‫‪ :‬خامسا ‪ :‬المساجين يملكهم السجانون ‪ :‬إجبار المساجين على التسول لصالح السّج انين‬
‫ـ السجانون ــ كانوا على دين ملوكهم ــ يؤمنون أيضا باإلله العظم ( المال ) ‪ ،‬لذا كان لهم الحق فى إجبار المساجين على ‪1‬‬
‫‪.‬التسول لصالحهم ‪ ،‬والويل للمساجين إن لم يجمعوا لهم المال المطلوب‬
‫ـ ووصف المقريزي أحوال المساجين باختصار فقال أنه ‪ ( :‬ال يوصف ما يحل بأهلها من البالء وأنه اشتهر أمرهم أنهم ‪2‬‬
‫يخرجونهم في الحديد حتى يشحذوا وهو يصرخون في الطرقات قائلين‪ :‬الجوع‪ ..‬فما يصلهم من الصدقات يأخذ معظمه السجان‬
‫!‪.‬وأعوان الوالى‪ ،‬ومن لم يحصل من المساجين على صدقات يبالغ السجان وزبانيته في عقوبته‪).‬‬
‫ـ وقبل ذلك كانت خزانة شمايل أبشع السجون‪ ،‬وقد هدمها السلطان شيخ المحمودى يوم األحد ‪ 10‬ربيع األول ‪ ،818‬وكان ‪3‬‬
‫والى القاهرة يفرض على السجان فيها مقدارًا يوميًا من المال يحمله إليه‪ ،‬ويحصل السجان على هذا المال من شحاذة‬
‫‪.‬المسجونين‪.‬واستمر ذلك في عصر السلطان قايتباى باستمرار الظلم المملوكي‬
‫ـ في يوم األحد ‪ 11‬صفر ‪ 875‬أمر السلطان الورع قايتباى ( بتوسيط سجين ( أى قتله بقطعه نصفين ) بعد أن أشهره على ‪4‬‬
‫الجمال مسمرا ُي طاف به فى الشوارع ‪ ،‬وعرضه الموكلون به أمام السلطان‪ ،‬والسبب في توسيطه وتسميره وتشهيره أنه كان‬
‫مسجونًا بالمقشرة من سنين وقد قرر عليه السجان قدرًا معلومًا كل يوم فكان يخرج في الحديد ويستعطى ويحضر ما عليه‬
‫للسجان كل يوم‪ ،‬وحدث أنه لم يحصل في ذلك اليوم على ما يوفي بالمقرر عليه فأراد الهروب خوفًا من الضرب والعصر )‪ ،‬أى‬
‫عصر قدميه بآالت التعذيب وآالت العقاب‪ .‬يقول ابن الصيرفى ‪ ( :‬فحصل بينه وبين الجمدار مشاجرة وضربا بعضهما فأصاب‬
‫الجندار ضربة فمات فقتلوا هذا به‪ .)."...‬أى حسبما يذكر المؤرخ ابن الصيرفي أن المسجون كان إذا لم يتسول للسجان قدرًا‬
‫‪.‬كافيًا يرضى نهمه فإنه يتعرض للضرب وعصر قدميه بآالت العذاب‬
‫ـ وفي يوم األحد ‪ 6‬ذى الحجة ‪ 875‬انتحر مسجون من سجن المقشرة ألنه خاف من العقوبة التى سينالها ألن ما حصل عليه ‪5‬‬
‫من التسول كان أقل من المقرر عليه‪ ،‬يقول ابن الصيرفي‪ (:‬ضرب شخص من الذين هم في سجن المقشرة ويسألون في الحديد‬
‫صحبة الجندار‪،‬نفسه بسكين‪ ،‬فخرجت مصارينه في وسط السوق‪ ،‬وسبب ذلك أن هذا الذى قتل نفسه كان عليه مقرر في كل يوم‬
‫للسجان ثالثة أنصاف وللذى معه قدر أخر‪ ،‬فإن لم ينهض فيعاقب عقوبة شديدة ويجعلون رجليه في الخشب‪ ،‬وطال ذلك عليه‬
‫!!‪..‬فقتل نفسه‪ ،‬وحسابه على هللا"‪.).‬كان هذا هو ما ناله المسكين من عبارات التعزية من مؤرخنا القاضى ابن الصيرفى‬
‫ـ وربما أدى انتحار ذلك المسجون المسكين إلى صحوة مؤقتة للضمير‪ ..‬فقد أصدر قايتباى مرسومًا بأال يأخذ السجان من ‪6‬‬
‫المسجون وال من أقاربه شيئًا وأخذ عليهم التعهدات أال يفعلوا ذلك‪ ،.‬وأاّل يأخذ نواب القضاء والعاملين معهم شيئا من‬
‫السّج انين ‪ ،‬إذ كان أعوان الوالى ــ وهو القائم بالقبض على المجرمين وتنفيذ أوامر الشرع السنى المملوكى ــ هم المتحكمين فى‬
‫السّج انين يأخذون منهم األموال ‪ ،‬والسجانون يرغمون المساجين على التسول لهم والعوان الوالى ‪ .‬وصدر ذلك المرسوم يوم‬
‫الخميس ‪ 15‬محرم ‪ ،876‬يقول مؤرخنا‪ ( :‬أشهر النداء بالقاهرة أمام الوالى حسب المرسوم الشريف أن أحدًا من النقباء‬
‫والرؤوس النوب ال يأخذ من السجان على السجون الذى يودعه عنده شيئًا‪ ،‬وأن سجانًا ال يأخذ من أحد يزور السجون شيئًا ‪،‬‬
‫وأن زوجة السجان ال تأخذ شيئًا في كل ليلة جمعة كما كانت عادتها‪ ،‬وأن يكتب عليهم قسائم بأن ال يعودا لذلك فكثرت األدعية‬
‫‪.‬للسلطان‪. ).‬أى كان السجان وزوجته يستغلون المساجين وزوجاتهم وأهليهم‬
‫ـ ومع صدور هذا المرسوم فإن األمور عادت إلى ما كانت عليه‪ ،‬وعاد السجان يرغم المسجون على التسول لحسابه وإال ‪7‬‬
‫‪..‬فأمامه العذاب الشديد‬
‫ـ وكان بعض المساجين يثور على الوضع فيقتل الجندار أو الحارس كما حدث من قبل‪ .‬في يوم السبت ‪ 16‬من ذى القعدة ‪8‬‬
‫‪ ( 876‬أمر السلطان بتوسيط لص مسجون" خرج يستعطي كعادته فقتل الجمدار المرسم عليه‪ ،‬قيل أنه عصر بيضه فمات‪،‬‬
‫‪ .‬فرسم بتوسيطه"‪ .).‬أى إّن هذا المسجون البائس قد تم قطعه نصفين‬
‫‪:‬سادسا ‪ :‬الهروب من السجن‬
‫ـ ويبدو أن المساجين في السجن مقامات حتى في العصر المملوكى‪ .‬فالسجين الثرى من مشايخ األعراب كانت له امتيازات ال ‪1‬‬
‫تتاح لغيره من الفقراء المساجين الذين عليهم أن يتسولوا ليرضوا جشع السجان والحراس ‪ ،‬إذ كانوا يغدقون المال على‬
‫‪ .‬الحراس ‪ ،‬هو المال إالههم األعظم‬
‫ـ وقد استغل بعض المساجين األثرياء تلك التسهيالت ــــ التى اشتراها بماله ــــ استغلها في الهروب‪ ،‬حدث ذلك يوم الجمعة ‪2‬‬
‫‪ 18‬ربيع ثان ‪ .876‬كان ابن زامل أحد مشايخ األعراب محكومًا عليه باإلعدام ومسجونًا على ذمة الحكم في سجن الجرائم‪،‬‬
‫وكان السلطان يؤجل تنفيذ إعدامه حتى يوّف ي ابن زامل ما عليه من ديون لديوان السلطنة‪ ،‬ثم نقلوه من سجن الجرائم ‪،‬‬
‫وأودعوه بقاعة المسجونين بين الصورين‪ ،‬بالقرب من بيت األتابك أزبك قائد الجيش المملوكي‪ (،‬وهو الذى تحمل حديقة‬
‫األزبكية بالقاهرة إسمه حتى اآلن ) واألتابك أزبك هو الذى قبض عليه‪ .‬وقد وثق ابن زامل عالقته بالقائمين على حراسته في‬
‫قاعة السجن‪ ،‬وصار الحراس يخرجون به كل ليلة والحديد في عنقه لزيارة بعض أصحابه بالقاهرة حيث يأخذ منهم األموال‬
‫ويأكل أجود الطعام ثم يعطى حراسه المائة درهم والمائتي درهم‪ .‬واستمر على ذلك إلى يوم هروبه ‪ ،‬حيث خرج كعادته وكان‬
‫معه اثنان من الحراس أحدهما حارس السجن‪ ،‬وقد قال لحارس السجن أنت أولى بأن تأخذ كل الدراهم‪ ،‬وأغراه بأن يصحبه‬
‫وحده ويترك زميله‪ ،‬وتوجه معه وهو في الحديد إلى الباطلية‪ ،‬وهناك في المكان الذى أراد الدخول فيه كان هناك كمين ينتظر‪،‬‬
‫فضربوا الحارس حتى أغمي عليه‪ ،‬وفكوا وثاق ابن زامل وأركبوه فرسًا وهربوا به‪ ،‬واستمر الحارس ملقى على الطريق إلى أن‬
‫‪.‬أدركوه‬

‫قضاة الشرع زبانية السلطان الورع فى الظلم ) ‪( 5‬‬


‫‪ :‬أوال‬
‫الدولة المملوكية كانت دولة عسكرية دينية أو دينية عسكرية‪ .‬وبصفتها الدينية كانت تمارس الظلم على أنه شريعة دينية ‪،‬‬
‫‪.‬وتؤدى الصالة على أنها وسيلة تقربهم الى شيطانهم أو إالههم األعظم وهو المال النرتبط بمقدار السلطة‬
‫‪ .‬ـ والدولة المملوكية كانت تسير على قدمين ‪ :‬العسكر والفقهاء ‪ ،‬وكالهما تلقى تعليما دينيا ‪2‬‬
‫المماليك كانوا رقيقا يؤتى بهم الى مصر ‪ ،‬فيتعلمون ما يقال لهم أنه ( االسالم ) ‪ ،‬يحفظون بعض القرآن ويتعلمون ‪2 / 1 :‬‬
‫معالم الدين السنى ‪ ،‬باالضافة الى فنون القتال ‪ ،‬وبالممارسة يتعملون فنون التآمر ‪ ،‬حيث يتم عتق المملوك ويصير جنديا‬
‫وينفتح أمامه طريق الترقى المحفوف بالتآمر والمكاره‪ ،‬قد يصل الى السلطنة أو ما دونها وقد يلقى حتفه أو يدخل السجن قبل‬
‫أن يصل الى أعلى أو بعد أن يصل الى أعال‪ .‬وفى كل هذا هو منغمس فى خدمة طاحونة الظلم المتلفع بعباءة الدين ‪ ،‬ويمارس‬
‫‪.‬الصالة الشيطانية يحسب أنه بها يحسن ُص نعا‬
‫نفس الحال مع الفقهاء ‪ .‬كانوا يتعلمون دين السنة الصوفى فى المدارس والزوايا واألربطة والمساجد والقباب ‪2 / 2 :‬‬
‫والجوامع والقباب والخوانق‪ .‬وهى لم تكن فقط بيوتا للعبادة بل كانت تحتوى على قاعات للعلم والدرس ومكتبات باالضافة الى‬
‫أمكنة التعبد ‪ .‬وفى وثائق الوقف عليها كان يتم تحديد واجبات المدرسين ونوعيات الكتب فى الحديث والتفسير والعقائد ‪.‬‬
‫ويتخرج أحدهم فيتنافس فى الحصول على وظيفة ‪ ،‬وقد يصل الى وظيفة ديوانية ‪ ،‬وأعالها أن يكون ناظرا للخاص ( مشرفا‬
‫على أمالك ومالية السلطان ) أو كاتب الّس ر ‪ ،‬الذى يكتب للسلطان مكاتباته الرسمية ‪ ،‬وقد يكون أقل من ذلك ‪..‬وهناك الوظائف‬
‫الدينية مثل المحتسب الذى يراقب األسواق والشوارع ‪ ،‬والقضاة ‪ .‬وفى كل األحوال يصل الفقيه الى منصبه الديوانى أو الشرعى‬
‫ليس بالكفاءة ولكن بالرشوة ‪ ،‬فشراء الوظائف كان رسميا من خالل ديوان ( البذل والبرطلة )‪ .‬وفى كل هذا هو منغمس فى‬
‫‪.‬خدمة طاحونة الظلم المتسربل بعباءة الدين ‪ ،‬ويمارس الصالة الشيطانية يحسب أنه بها يحسن ُص نعا‬
‫ـ وطاحونة الظلم المملوكى كانت تلتهم الجميع من مماليك وفقهاء ‪.‬المملوك الخاسر ال يلقى رحمة ‪ ،‬والفقيه الذى يصل بالبذل ‪3‬‬
‫والبرطلة يتعرض للمصادرة والتعذيب حتى يعترف بما خّب أه من سرقات ‪ ،‬ودون خجل ‪ .‬لذا كان نفاق السلطان أهم مالمح‬
‫‪ .‬الطقوس الدينية ‪ ،‬ال فارق بين العسكر والفقهاء ‪ ،‬وال فارق بين قاضى القضاة وأتابك العسكر (أى قائد الجيش )‬
‫ـ ولم يكن عصر قايتباى هو العصر الوحيد فى التعذيب والظلم والنهب‪ ،‬هو فقط كان المشهور بالورع والتقوى بين سالطين ‪4‬‬
‫المماليك ‪ ،‬ولكن التعذيب كان الزمة من لوازم الحكم العسكرى المملوكى ‪ ،‬وكل حكم عسكرى يستأثر بالثروة والسلطة ويقهر‬
‫المواطنين بالتعذيب حتى ال يثوروا ‪ ،‬ويستخدم الدين ( األرضى ) وفقهاءه السكات الناس ‪ ،‬بل يحضهم على الدعاء للسلطان‬
‫‪ .‬الظالم بالنصر (على الشعب )‬
‫ـ وال ننسى أن من فقهاء العصر المملوكى عصر التعذيب من ال يزالون يتمتعون بالتقديس حتى اآلن ‪ ،‬ومنهم ابن تيمية ‪5‬‬
‫وابن كثير وابن القيم وابن حجر‪ .‬وكان منهم فى عصر قايتباى السخاوى والسيوطى والبقاعى والبلقينى‪ (..‬وشيخ االسالم وقتها‬
‫) زكريا األنصارى ‪...‬وعلماء األزهر‪ .‬جميعهم سكتوا عن التعذيب ولم يعترضوا عليه إذ رأوه حقا للسلطان الراعى ‪ ،‬وله حق‬
‫التصرف فى الرعية كيف شاء‪ .‬بل كان بعضهم يتعرض للتعذيب فال يشكو بل يسكت ويجتهد فى إرضاء السلطان واالستمرار فى‬
‫‪.‬عمله معاونا لدولة الظلم ‪ .‬وال ننسى أننا ننقل وقائع التسجيل العملى لتطبيق الشريعة السنية عن مؤرخ قاض هو ابن الصيرفى‬
‫ـ هذا ال يمنع من وجو أقلية محترمة من الفقهاء مثل القاضى ابن جماعة والمؤرخ المقريزى الذى عمل محتسبا فترة من ‪6‬‬
‫الوقت وكان حاد النبرة فى تأريخه لمماليك عصره ‪ .‬ومنهم من نافق وتصاغر مثل الفقيه المؤرخ ابن حجر العسقالنى والفقيه‬
‫‪.‬المؤرخ العينى ‪ .‬وسار على طريقة ابن حجر تلميذه المؤرخ القاضى ابن الصيرفى‬
‫ـ وابن الصيرفي يمثل الطبقة التى ينتمى إليها فيما يكتب‪ ،‬ويعّب ر عنها بصدق‪ ،‬وإذا كان القضاة يمثلون الشرع الّس نى ‪،‬فإن ‪7‬‬
‫ذلك الشرع الّس نى وممثليه كانوا في خدمة السلطان وفي ركابه أينما سار‪ .‬وكان أولئك القضاة ومشايخ اإلسالم يجّددون‬
‫للسلطان عبوديتهم له في مطلع كل شهر عربي حيث يصعدون إلى القلعة يدعون له ويقّب لون األرض بين يديه فى صالة فيها‬
‫الدعاء وقراءة الفاتحة والتسليم والركوع والسجود ‪ .‬وهو كان يتدلل عليهم وينشغل عنهم باللعب والنزهة فيأتون له في اليوم‬
‫التالى‪ .‬وهم بين الخوف منه والتقرب اليه كانوا له راكعين ساجدين وفق المراسم البروتوكولية فى الدولة المملوكية ‪ .‬وال‬
‫‪ .‬يخجلون من جعل هذا إسالما‪ ،‬وأنهم ( ُقضاة الشرع الشريف )‪ !.‬ونعطى أمثلة من نفاق القاضى ابن الصيرفى‬
‫ثانيا ‪ :‬ابن الصيرفى منافقا للسلطان قايتباى‬
‫ـ ذكر ابن الصيرفي ما حدث لمجاهدى ( ادكو ) المدينة الساحلية المصرية ‪ ،‬وقد هزموا مركبًا افرنجيًا واستولوا عليه ‪1‬‬
‫وسلبهم األمير قجماس حقوقهم‪ ،‬فجاءوا يستغيثون بالسلطان فاعتقلهم مع األسرى الفرنجة وضربهم وأهانهم وحزن الناس من‬
‫أجلهم‪ ،‬وال يخفي الصيرفي حزنه من أجلهم ولكن ال ينسي مع ذلك الدفاع عن سّي ده قايتباى فيقول‪ ( :‬فما هان على غالب الناس‬
‫ترسيم على أهل ادكو فإنهم مجاهدون صلحاء وصنعوا جميًال غير أن موالنا السلطان نصره هللا ُغ ّط ي عليه أمرهم‪ .).‬ابن‬
‫الصيرفى ال يذكر السبب الحقيقى وهو ان شجعان مدينة ادكو انتصروا على مركب الفرنجة فى الوقت الذى تقاعس فيه قائد‬
‫المماليك هناك وهو االمير قجماس ‪ .‬وكان ممنوعا أن يحمل المصريون السالح أو أن يباشروا القتال حتى لو كان دفاعا عن‬
‫!‪ .‬وطنهم ألنها مسئولية العسكر فقط‪ .‬وال جديد تحت شمس مصر العسكر‬
‫ـ وال يمّل مؤرخنا من ترديد نفس الحجة وهى أن السلطان ال يعلم‪ ،‬فهو يتحدث عن مظالم ‪ 875‬وآثارها السيئة على الناس ‪2‬‬
‫فيقول كما لو كان يتكلم عن حال الشعب المصرى اآلن تحت حكم السيسى ‪ ( :‬وأما الناس فصاروا ثالث أثالث‪ ،‬الغني افتقر‬
‫والمكتسب ما يفي بنفقته‪ ،‬والفقير فبعد أن كان يسأل في الرغيف صال يطلب ُلبابة‪ ...‬وأما غير ذلك فمن جهة‪ :‬الظلم والجور‬
‫‪.‬واألحكام الباطلة وانتهاك حرمة الشرع وبهدلة القضاة والفقهاء وعدم نصره المظلوم‪ ،‬وفشا هذا األمر وانتشر‪).‬‬
‫ثم يسارع بتبرئة سيده قايتباى ‪ ،‬فيقول ‪ ( :‬وفي الواقع فسلطان مصر الملك األشرف أبو النصر قايتباى نصره هللا‪ ،‬سلطان‬
‫عظيم شجاع ‪ ،‬فارس معدود من الفرسان‪ ،‬دِّي ن عفيف الفرج‪ ..‬وله ورد في الليل من صالة وقيام‪ ..‬ولو بلغه المقربون لحضرته‬
‫‪.‬ما يحصل على المظلومين‪ ..‬ال نصف المظلومين من الظالمين‪).‬‬
‫ـ وذكرنا سجن الفالحين ممن ( إنكسر عليهم مال للسلطان) على حد قول ابن الصيرفى ‪ ،‬فسجنهم في ذلك السجن البغيض‪3 ،‬‬
‫أى سجنهم لعجزهم عن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان من الكاشف ومن هم دونه‪. .‬وألنهم‬
‫مظاليم فقد اشتكي بعضهم للسلطان أمال فى عدله وإقتناعا بوضوح قضيتهم ‪ ،‬فأمر قايتباى بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين‬
‫فسلخوا ‪ ،‬وأرسلوا إلى البالد فاشهروا بها ( ليرتدع بها أمثالهم )‪ ،‬على حد قول مؤرخنا ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه‬
‫!‪.‬المأساة قائًال عن السلطان " فنصره هللا نصرًا عزيزًا"‪ .‬أى يدعو له بالنصر‬
‫ـ وسبق ما حدث لألمير يحيي بن عبد الرازق االستادار ت ‪ 874‬من تعذيب أفضى الى موته وهو فى الثمانين من العمر ‪4 ،‬‬
‫وذكر ابن الصيرفى تفاصيل مصادرته وتعذيبه حتى الموت ‪ ،‬ويقول معلقا مدافعا عن سيده قايتباى ‪ ( :‬أنه صودر تسع عشرة‬
‫مرة ‪ ،‬وأحتاج حتى باع حوائج بيته وقماش خيوله بعد بيع أمالكه‪ ..‬واستمر على ذلك إلى أن صادرة الملك األشرف أبو النصر‬
‫قايتباى‪ -‬عز نصره‪ -‬أول مرة وثانية ‪ ،‬وهو معذور فيه ‪ ،‬فإنه يدعى فقرًا‪ ."..‬أى يستحق هذا المسكين القتل بالتعذيب ألنه يزعم‬
‫!!‪ .‬الفقر‪ .‬وال عذر له ‪ ،‬ولكن العذر كل العذر للسلطان الورع قايتباى‬
‫ـ األمير قاسم إبن جانبك جىء به للسلطان ومعه تركة زوجته المتوفاة ‪ ،‬يقول ابن الصيرفى ‪ ( :‬فلما تمثلوا به بين يد ‪5‬‬
‫السلطان‪ -‬نصره هللا‪ -‬سأله عن التركة ‪ ،‬فأجاب جوابًا نابيًا خشنًا ‪ ،‬فغضب وأمر بضربه بالمقارع‪ ،‬فتباطأوا في حل أزراره ‪،‬‬
‫فرسم بشق أثوابه فشقوها ‪ ،‬وضرب مقارع ‪ ،..‬وسجن حتى يقوم للذخيرة ( أى لخزينة السلطان ) بما يرضى صاحبها"‪ .).‬إبن‬
‫!‪.‬الصيرفى حين يذكر السلطان كان يدعو له بالنصر‬
‫ثالثا ‪ :‬األمراء المتدينون على دين قايتباى فى الظلم والتدين‬
‫ـ األمير يحيي بن عبد الرازق االستادار الذى مات تحت التعذيب عام ‪ ، 874‬قال عنه ابن الصيرفى ‪ ( :‬أّن ه عّم ر الجوامع ‪1‬‬
‫العظيمة ‪ ..‬وعّم ر الحمامات الهائلة والدور المفتخرة العظيمة‪ ،‬وعمل معروفًا زائدًا في الفضل من مغسل وأكفان ومواراة الميت‬
‫برمسه من الحّم الين والحّف ارين وغير ذلك‪ ،‬وصنع أيضًا صنيعًا جميًال في الغالء للفقراء من تفرقة خبز ودقيق وقمح لكل أحد‬
‫بقدر ما يالئمه‪ ،‬وكان يحسن لذوى البيوت ويتفقدهم ‪ ) .‬وإلى هنا كالم جميل‪ ..‬إال أننا نقرأ أيضًا أنه ‪ ( :‬كان قد أخرب دور أمر‬
‫المدركين والفالحين والمباشرين‪ ،‬وقال عنه أبو المحاسن‪ :‬وأما أفعاله في مباشرته فكانت بالضد أيضًا ‪ ،‬وهو أنه كان كثير الظلم‬
‫والجور والعسف وأخذ األموال الخبيثة ثم يعّم ر من ذلك الجوامع والمساجد واألوقاف على البر ويرسل السحابة (الطائفة التى‬
‫‪.‬ترافق الحّج اج لرعايتهم ) إلى الحّج اج في كل سنة ألجل الفقراء والمساكين‪ ،‬فهذا أيضًا بالضد‪).‬‬
‫ـ وظيفة المحتسب كانت قصرا على الفقهاء فقام قايتباى بتعيين أحد األمراء محتسبا ‪ ،‬ومؤهالته أنه كان مشهورا بالتدين ن ‪2‬‬
‫فقاسى منه أهل القاهرة الشدائد ‪ ،‬قال عنه ابن الصيرفى ‪ ( :‬وباشر يشبك المذكور الوظيفة المذكورة لم يكشف البلد بنفسه وال‬
‫مرة واحدة ‪ ،‬وال يعرف أحوال الرعايا والمسلمين إال من أعوانه الذين في خدمته‪ ،‬فصاروا أرباب أموال وأقمشة ودور وخيول‬
‫وبغال وحمير‪ ،‬وهو ماسك البقرة يحلبها فإنه ال يتعاطي شيئًا‪ ..‬وهذا في غاية الترفع أن يقف على سوقي أو وّز ان أو بّي اع‬
‫ويعتبر أوزانهم ‪ ،‬بل تحضر أعوانه له بمن ال يعطونهم المعلوم المعهود عندهم ( أى الرشوة المقررة ) فيضربهم ثالث علقات‪:‬‬
‫واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وأخرى علي أكتاقه‪ ..‬وأما أحكامه فبالبحت وأما أخالقه ففي غاية الشراسة‪ ..‬هذا مع‬
‫دينه المتين ومحافظته على الصالة والصيام‪ ..).‬وفى يوم الثالثاء ‪ 16‬صفر ‪ 875‬رفض بائع تين غلبان أن يدفع الرشوة‬
‫لزبانية المحتسب فاحتملوه إلى ذلك الطاغية فضربه الثالث علقات المعهودة ‪ ،‬وأشهره فى المدينة أى طيف به فى الطرقات‪ ،‬ثم‬
‫صلبه على باب دكانه في هيئة فظيعة‪ ،‬يقول ابن الصيرفي ‪ ( :‬ضرب المحتسب شخصًا من السوقية يبيع التين ثالث علقات‬
‫واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وواحدة على أكتافه‪ ،‬وأشهره بالمدينة على عادته التى يفعلها عريانًا مكشوف الرأس ‪،‬‬
‫ثم رسم بصلبه بذراعه على حانوته وقررت يده األخرى إلى ظهره‪ ،‬ولطخه عسًال ‪ ،‬وأوقفه في الشمس ‪ ،‬فتسلط عليه النحل‬
‫والزنبور والذباب وقاسى من العقوبة ماًال يوصف"‪ !!.).‬فهل كان ذلك البائع المسكين سارقًا أو قاتًال؟ بالطبع ال‪ ،‬فكل ما هنالك‬
‫أنه لم يستطيع دفع االتاوة ربما ألنه ال يملكها‪ .‬يقول ابن الصيرفي يعلل تلك العقوبة الهائلة "وسبب ذلك أن رسله الذين هم من‬
‫جهته ‪ ..‬كانوا إذا طلبوا البلص‪ -‬أى الرشوة‪ -‬من فقير وامتنع ‪ ،‬ذكروا ألستاذهم عنه ما أرادوا ‪ ،‬وهو سريع الحّد ة سريع الغضب‬
‫ال يثبت في األحكام فيطلبه ويفعل به ما ذكر‪ .).‬ويقول عن تدينه السطحى ‪( :‬هذا مع دينه المتين ومحافظته على الصالة‬
‫!‪ . .‬والصيام)‬
‫رابعا ‪ :‬تعذيب الفقهاء الستنزاف أموالهم‬
‫تعرض للتعذيب أولئك الفقهاء فى وظائفهم الدينية كالقضاء او وظائفهم الديوانية مثل النظارة والوزارة االستادارية القضاة ‪.‬‬
‫كانوا يتسلطون على الناس بنفوذهم ينهبون األموال ويأخذون الرشاوى واالتاوات بعلم السلطان ‪ ،‬وحين يوكل اليهم مصادرة‬
‫زمالئهم وغيرهم كانوا يسلبون ألنفسهم جزءا من األموال المصادرة وينهبون بعض األشياء العينية ويخفونها عن عيون‬
‫السلطان‪ ،‬ولكن كان كل ذلك بعلم السلطان‪ .‬لذا كان يلزمهم بأن يأخذ نصيبه بطرق متعددة ‪ ،‬منها أن يعزل الموظف ويعيده بعد‬
‫أن يدفع رشوة للسلطان ‪ ،‬أو أن يعزله ويصادر أمواله ‪ ،‬أو أن يفرض عليه غرامة ‪ .‬وقد يستخدم التعذيب معه ليعترف بالمخبأ‬
‫من أمواله ‪ .‬والعادة أن يصمد القاضى أو الموظف للتعذيب فال يعترف بكل ما لديه ألن أمواله هى سبيله للنجاة إذ يستطيع بها‬
‫فيما بعد شراء نفس المنصب أو منصب آخر وتعويض ما فات بنهب الناس ‪ .‬وهكذا دارت طاحون التعذيب تلتهم الظالمين ‪ ،‬وهم‬
‫‪ :‬بدورهم يلتهمون الشعب المسكين ‪ ،‬وهم والسلطان يحافظون على تأدية صالتهم الشيطانية ‪ .‬ونعطى أمثلة‬
‫ـ في يوم السبت ‪ 13‬ربيع األول ‪ 873‬غضب السلطان قايتباى على قاضى قضاة دمشق ابن الصابوني وضربه بين يديه ‪1‬‬
‫بقاعة الدهيشة بالقلعة‪ ،‬ألنه لم يدفع للسلطان المال الذى طلبه منه وهو مائة ألف دينار‪ ،‬ولم يزل يضربه حتى أذعن‪ ،‬فحملوه‬
‫إلى الحبس ليدبر أمره في الدفع‪ .‬في يوم الثالثاء ‪ 14‬ربيع الثاني ‪ 873‬سافر القاضى ابن الصابوني إلى دمشق بعد عزله‬
‫ومصادرته وحبسه بعد أن التزم للسلطان بدفع المائة ألف دينار‪ ،‬وسافر معه السيفي جانبك الخاصكي ليحرسه ويرافقه حتى‬
‫‪.‬يسدد ما التزم به‬
‫ـ وفي يوم السبت‪ 15‬جمادى الثانية ‪ 873‬أمر السلطان باعتقال ابن العينى بالبرج في القلعة بسبب ما تأخر عليه من المال ‪2‬‬
‫وظل محبوسًا بذلك البرج إلى يوم األربعاء ‪ 19‬جمادى الثانية ‪ ،‬ثم أطلقه السلطان بعد أن حمل المال‪ ،‬فأكرمه السلطان وألبسه‬
‫!!‪.‬التشريفة ورجع لداره مكرمًا معظمًا‬
‫ـ وفي شوال ‪ 876‬تولى الحافظ القطب الخيضرى قضاء القضاه بدمشق وكتابه السر بها بعد أن قاسى أهواًال من التعذيب‪3 ،‬‬
‫وقرر عليه السلطان ثالثين ألف دينار‪ ،‬فدفع بعضها والتزم بدفع الباقى‪ ،‬وأعاده السلطان للوالية بعد ما فرضه عليه ‪ ،‬وأكرمه‬
‫السلطان فأنزله ضيفًا في داره التى كان بها حين كان أميرًا ‪ ،‬وزاره السلطان في تلك الدار فوجده نائمًا فما أراد أيقاظه‪ ،،‬وحين‬
‫استيقظ وعلم بزيارة السلطان إليه وهو نائم أرسل هدية للسلطان‪ ،‬فلم يقبلها السلطان وأخبر أنه ما حضر إال ليزوره ‪ .‬وهكذا‬
‫تغير حال السلطان معه من التعذيب إلى اإلكرام والحنان ‪ ،‬بعد أن دفع له المال‪ .‬وبعدها أرسل السلطان بالكشف على ثروة القطب‬
‫الخيضري قاضى القضاة بدمشق وكاتب السر بها ومصادرة ما لديه‪ ،‬فلم يوجد لديه شيء ‪ .‬وعزموا على القبض عليه وإرساله‬
‫للقلعة‪ ،‬ولكنه اختفي وحضر للقاهرة سرًا‪ ،‬وكان من أمره أن قبض عليه السلطان والقي أهواًال عاد بعدها لمنصبه مكرمًا بعد أن‬
‫!!‪ .‬دفع للسلطان ما أرضاه عنه ‪.‬ال رضى هللا عنه وال رضى عن السلطان‬
‫ـ وقد سبق للسلطان في شهر رجب من نفس العام أن أصدر مرسومًا للشام بإعادة القاضى الحنفي إليها عوضًا عن القاضى ‪5‬‬
‫الحالوى المعزول عن القضاء وأمر بأن يدفع غرامة عشرة آالف دينار فإن امتنع فالبد من إرساله مسجونًا للقلعة ‪ ،‬فأذعن‬
‫‪ .‬القاضى الحنفى‬

‫الفصل الحادى والعشرون ‪ :‬عن الصالة الشيطانية والمساجد الشيطانية‬


‫مقدمة ‪ :‬فى التسجيل التاريخى لحروب الُّط غاة التوسعية ال يحدث رصد لتأديتهم شعائر دينهم من صالة وغيرها‪ .‬يحدث هذا فقط‬
‫لدى الُّط غاة الذين يستخدمون الدين األرضى فى حروبهم التوسعية ‪ .‬ولهذا جاء ذكر الصالة بين سطور التأريخ للخلفاء الفاسقين‬
‫وتابعيهم من السالطين ‪ .‬المؤرخون لم يقصدوا التأريخ للصالة ‪ ،‬ولكنهم فى تسجيلهم ذكروا الصالة ضمن تفصيالت الغزوات‬
‫‪.‬وما كان يصحبها من قتل وسلب ونهب وإغتصاب وسبى ‪ .‬هى هنا صالة شيطانية ‪ ،‬وكانت ُت قام لها مساجد شيطانية‬
‫ـ كل الشعوب تحمل كراهية شديدة لمن قام بغزو أوطانها وقتل أبطالها وإستنزاف خيراتها ‪ .‬يختلف هذا مع شعوب المحمديين ‪2‬‬
‫الذين يقدسون الخلفاء الفاسقين والصحابة الفاسقين ‪ ،‬تحول أولئك الفاسقون الى آلهة معصومة من الخطأ ‪ ،‬ألنه قامت حولهم‬
‫أديان ارضية كانوا فيها اآللهة المقدسة ‪ ،‬وهذا ألنهم قاموا بجرائمهم يرفعون راية االسالم ‪ ،‬وهى فى الحقيقة راية الشيطان ‪،‬‬
‫ويؤدون الصالة التى تأمرهم بالفحشاء والمنكر عكس الصالة االسالمية التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪ِ( :‬إَّن الَّص اَل َة َتْن َه ٰى َع ِن‬
‫‪).‬اْلَف ْح َش اِء َو اْل ُم نَك ِر )﴿‪ ﴾٤٥‬العنكبوت‬
‫ـ إمتد تقديس الخلفاء الفاسقين الى من يسير على دينهم من السالطين والحكام المستبدين ‪ ،‬وفى مساجدهم يتم إستخدامها ‪3‬‬
‫سياسيا للدعاء للسلطان والدعاء على خصومه ‪ ،‬واصبحت مساجدهم الشيطانية لتأكيد عبودية الشعب للسلطان المستبد ‪ ،‬كان‬
‫هذا فى العصور الوسطى ‪ ،‬وال يزال حتى االن فى بالد المحمديين الذين ال يزالون يعيشون فى العصور الوسطى ــ عصور‬
‫‪.‬الظالم ‪ ،‬يثيرون سخرية العالم المتقدم وإستهزاءه وإحتقاره‬
‫ـ قبل أن ندخل فى مبحث التواتر نتوقف فى كلمة ختامية عن مغزى الصالة الشيطانية والمساجد الشيطانية للتأكيد على ما ‪4‬‬
‫‪ .‬سبق‬
‫أوال ‪ :‬تشريع الخلفاء الفاسقين‬
‫ـ يقول جل وعال ‪َ ( :‬و َقاِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه اَّلِذيَن ُيَق اِتُلوَنُك ْم َو اَل َت ْع َت ُدوا ِإَّن الَّلـَه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾١٩٠‬البقرة )‪ .‬القتال فى ‪1‬‬
‫‪ .‬االسالم هو لرد عدوان قائم من قوم معتدين ‪ ،‬والمؤمنون المسلمون منهيون عن االعتداء ألن هللا جل وعال ال يحب المعتدين‬
‫الخلفاء الفاسقون بفتوحاتهم االجرامية طبقوا تشريعا يقول ‪ ( :‬وقاتلوا فى سبيل الشيطان الذين ال يقاتلونكم ‪ ،‬وإعتدوا إن‬
‫!‪.‬الشيطان يحب المعتدين )‬
‫‪ :‬ـ عبقرية الشيطان تتجلى فى اآلتى ‪2‬‬
‫ـ إستمرارهم فى تأدية الصالة شكليا بعد قطعها عن المقصد األسمى منها ‪ ،‬لم يعد المقصد األسمى للصالة إجتناب ‪2 / 1‬‬
‫!‪ .‬الفحشاء والمنكر بل أصبح هدف صالتهم الفحشاء والمنكر وما يتبعه من غزو وسلب ونهب وسبى فضائل دينية‬
‫الشعوب التى ال تعتدى على المسلمين ولم ُت خرجهم من ديارهم مفروض إسالميا أن يتعامل معهم المسلمون بالبر ‪2 / 2 :‬‬
‫والقسط ألن هللا جل وعال يحب المقسطين ‪ ،‬هذا ما قاله رب العزة جل وعال ‪ ( :‬اَّل َي ْن َه اُك ُم الَّلـُه َع ِن اَّلِذيَن َلْم ُيَقاِتُلوُك ْم ِفي الِّديِن‬
‫َو َلْم ُيْخ ِر ُج وُك م ِّم ن ِد َي اِر ُك ْم َأن َت َبُّر وُه ْم َو ُتْق ِس ُط وا ِإَلْي ِهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه ُيِحُّب اْلُم ْق ِس ِط يَن ﴿‪ ﴾٨‬الممتحنة ) ‪ .‬فى الدين العملى الذى إبتدعه‬
‫وطّب قه الخلفاء الفاسقون أصبح من لم يعتد على المسلمين ومن لم يخرجهم من ديارهم كافرا يجب دينيا قتالهم وإحتالل أوطانهم‬
‫‪ .‬وقتل أبطالهم وسلب ثرواتهم وسبى وإسترقاق أطفالهم ونسائهم‪ !.‬كل هذا وهم يؤدون صالتهم الشيطانية‬
‫ـ لم يظهر الشيطان لهم بنفسه يقول لهم اعبدونى وصّلوا لى وإتخذونى إالها‪ .‬صّد ر لهم الشيطان إالها بديال هو المال ‪2 / 3‬‬
‫فأصبح إالههم العظم ‪ ،‬اليه يتقربون بالقتال والسلطان ‪ ،‬واليه يتقربون بصالة يستحلون بها ما حّر م هللا جل وعال ‪ ،‬وبالتالى‬
‫‪.‬فهى صالة شيطانية‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬الخلفاء الفاسقون فى حضيض الكفر لذا فصالتهم شيطانية‬
‫‪ :‬ـ نبدأ بأنواع االعتداء المحرم فى االسالم ‪1‬‬
‫ـ التكذيب بآيات هللا ‪ ،‬قال جل وعال ‪ُ ( :‬ثَّم َبَع ْث َن ا ِمن َبْع ِدِه ُرُس اًل ِإَلٰى َقْو ِم ِهْم َفَج اُء وُهم ِباْلَبِّي َن اِت َف َم ا َك اُن وا ِلُيْؤ ِم ُنوا ِبَم ا َك َّذ ُبوا ‪1 / 1‬‬
‫ِبِه ِمن َقْب ُل ۚ َك َٰذ ِلَك َن ْط َبُع َع َلٰى ُقُلوِب اْلُمْع َت ِديَن ) ﴿‪ ﴾٧٤‬يونس ) ‪َ ( ،‬و ْي ٌل َيْو َم ِئٍذ ِّلْلُم َك ِّذ ِبيَن ﴿‪ ﴾١٠‬اَّلِذيَن ُيَك ِّذ ُبوَن ِبَيْو ِم الِّديِن ﴿‪َ ﴾١١‬و َم ا‬
‫) ُيَك ِّذ ُب ِبِه ِإاَّل ُك ُّل ُمْع َت ٍد َأِثيٍم ) ﴿‪ ﴾١٢‬المطففين‬
‫ـ تحريم ما أحل هللا جل وعال فى الطعام ‪ :‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا اَل ُتَح ِّر ُم وا َط ِّيَب اِت َم ا َأَح َّل الَّلـُه َلُك ْم َو اَل ‪1 / 2‬‬
‫َت ْع َت ُدوا ِإَّن الَّلـَه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾٨٧‬المائدة ) ( َو َم ا َلُك ْم َأاَّل َت ْأُك ُلوا ِم َّم ا ُذ ِك َر اْس ُم الَّلـِه َع َلْي ِه َو َق ْد َفَّص َل َلُك م َّم ا َح َّر َم َع َلْي ُك ْم ِإاَّل َم ا‬
‫اْض ُط ِر ْر ُتْم ِإَلْي ِه ۗ َو ِإَّن َك ِثيًر ا َّلُيِض ُّلوَن ِبَأْه َو اِئِه م ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم ِإَّن َر َّب َك ُه َو َأْع َلُم ِباْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾١١٩‬االنعام )‬
‫ـ تحريم الدعاء هلل جل وعال بدون تضرع أو بعلو الصوت ‪ ،‬كما يفعل الذين إتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغناءا ‪ ،‬قال جل ‪1 / 3‬‬
‫وعال ‪ ( :‬اْد ُع وا َر َّب ُك ْم َت َضُّر ًع ا َو ُخ ْف َي ًة ِإَّن ُه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾٥٥‬االعراف )‬
‫ـ تحريم االعتداء على الزوجة ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و ِإَذ ا َط َّلْق ُتُم الِّن َس اَء َفَب َلْغ َن َأَج َلُهَّن َفَأْم ِس ُك وُهَّن ِبَمْع ُر وٍف َأْو َس ِّر ُح وُهَّن ‪1 / 4‬‬
‫َٰذ‬
‫ِبَمْع ُر وٍف ۚ َو اَل ُتْم ِس ُك وُهَّن ِض َر اًر ا ِّلَت ْع َت ُدوا ۚ َو َم ن َي ْف َع ْل ِلَك َفَق ْد َظ َلَم َن ْف َس ُه ۚ َو اَل َتَّت ِخ ُذ وا آَي اِت الَّلـِه ُه ُز ًو ا ۚ َو اْذ ُك ُر وا ِنْع َم َت الَّلـِه َع َلْي ُك ْم‬
‫‪َ.‬و َم ا َأنَز َل َع َلْي ُك م ِّم َن اْلِك َت اِب َو اْلِح ْك َم ِة َي ِع ُظ ُك م ِبِه ۚ َو اَّت ُقوا الَّلـَه َو اْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴿‪ ﴾٢٣١‬البقرة )‬
‫ـ تحريم االعتداء الحربى ‪ ،‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬و َقاِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو اَل َت ْع َت ُدوا ِإَّن الَّلـَه اَل ُيِح ُّب ‪1 / 5‬‬
‫اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪ ﴾ ١٩٠‬البقرة )‪ .‬والتحريم هنا قاطع وال مجال فيه للتأويل أو األعذار حتى فى التعامل مع المجرمين الذين يصدون عن‬
‫المسجد الحرام ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و اَل َيْج ِر َم َّنُك ْم َشَن آُن َقْو ٍم َأن َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َأن َت ْع َت ُدوا َو َت َع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر‬
‫َو الَّت ْق َو ٰى َو اَل َت َع اَو ُنوا َع َلى اِإْلْث ِم َو اْلُع ْد َو اِن َو اَّت ُقوا الَّلـَه ِۖإَّن الَّلـَه َش ِديُد اْلِع َق اِب ﴿‪ ﴾٢‬المائدة )‪ .‬ووصف هللا جل وعال كفار قريش‬
‫الذين نقضوا العهد بعد فتح مكة فقال عنهم ‪ (:‬اَل َيْر ُقُبوَن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإاًّل َو اَل ِذ َّم ًة َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلُمْع َت ُدوَن ﴿‪ ﴾١٠‬التوبة )‬
‫ـ التأكيد على ُح رمة قتل نفس بشرية واحدة إال بالقصاص ‪ ،‬وتكرر هذا بأسلوب القصر والحصر فى قوله جل وعال‪َ(:‬و اَل ‪1 / 7‬‬
‫َت ْق ُتُلوا الَّن ْف َس اَّلِتي َح َّر َم الَّلـُه ِإاَّل ِباْلَح ِّق ) االنعام ﴿‪ ( ﴾١٥١‬االسراء ‪َ( )33‬و اَل َي ْق ُتُلوَن الَّن ْف َس اَّلِتي َح َّر َم الَّلـُه ِإاَّل ِباْلَح ِّق )‬
‫) ﴾الفرقان ﴿‪٦٨‬‬
‫وتوّع د هللا جل وعال من يقتل النفس المؤمنة البريئة متعمدا بالغضب واللعنة والعذاب العظيم فى االخرة ‪ ،‬قال جل ‪1 / 8 :‬‬
‫وعال ‪َ ( :‬و َم ن َي ْق ُتْل ُم ْؤ ِم ًن ا ُّم َت َعِّم ًدا َف َج َز اُؤ ُه َج َه َّن ُم َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َغ ِض َب الَّلـُه َع َلْي ِه َو َلَع َن ُه َو َأَع َّد َلُه َع َذ اًب ا َع ِظ يًم ا ﴿‪ ﴾٩٣‬النساء ) ‪ .‬هذا‬
‫فى قتل نفس مؤمنة ومسالمة واحدة فكيف بقتل الماليين ؟‬
‫وحتى فى ساحة القتال وفى مواجهة جيش معتد فإن الجندى فى هذا الجيش المعتدى إذا نطق بكلمة السالم فيحرم قتله ‪1 / 9 : ،‬‬
‫قال جل وعال فى االية التالية ‪َ (:‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا َضَر ْب ُتْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َفَت َبَّي ُن وا َو اَل َت ُقوُلوا ِلَم ْن َأْلَق ٰى ِإَلْي ُك ُم الَّس اَل َم َلْس َت‬
‫ُم ْؤ ِم ًن ا َت ْب َت ُغ وَن َع َر َض اْل َح َي اِة الُّد ْن َي ا َفِعنَد الَّلـِه َم َغ اِنُم َك ِثيَر ٌة َك َٰذ ِلَك ُك نُت م ِّم ن َقْب ُل َفَم َّن الَّلـُه َع َلْي ُك ْم َفَت َبَّي ُن وا ۚ ِإَّن الَّلـَه َك اَن ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن‬
‫‪َ.‬خ ِبيًر ا﴿‪ ﴾٩٤‬النساء )‬
‫ـ الخلفاء الفاسقون طبقوا دينا جعلوا من الفرائض الدينية إستحالل قتل من لم يعتد عليهم وسلب أمواله وإسترقاق ذريته ‪2 ،‬‬
‫ووصلت ضحاياهم وضحايا من سار على ُس ّن تهم بالماليين ‪ .‬ولتدعيم هذا الدرك األسفل من الكفر حافظوا على تأدية صالة شكلية‬
‫‪ . .‬هى صالة شيطانية‬
‫ـ هللا جل وعال وصف صالة المنافقين بالخداع والُم راءاة ‪ ،‬قال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن الَّلـَه َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا ‪3‬‬
‫َقاُم وا ِإَلى الَّص اَل ِة َقاُم وا ُك َس اَلٰى ُيَر اُء وَن الَّن اَس َو اَل َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِإاَّل َقِلياًل ﴿‪ ﴾١٤٢‬النساء ) وجعلهم فى الدرك األسفل من النار ‪،‬‬
‫فقال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ِفي الَّد ْر ِك اَأْلْس َف ِل ِمَن الَّن اِر َو َلن َت ِج َد َلُهْم َن ِص يًر ا ﴿‪ ﴾١٤٥‬النساء ) إال إنه جل وعال أخبر بإمكانية‬
‫توبتهم فقال ‪ِ ( :‬إاَّل اَّلِذيَن َت اُب وا َو َأْص َلُح وا َو اْع َت َص ُم وا ِبالَّلـِه َو َأْخ َلُص وا ِديَن ُهْم ِلَّلـِه َفُأوَلٰـ ِئَك َمَع اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو َس ْو َف ُيْؤ ِت الَّلـُه اْلُم ْؤ ِمِنيَن‬
‫َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا ﴿‪ ﴾ ١٤٦‬النساء )‪ .‬هؤالء هم المنافقون الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم ونزلت االيات تعلق عليهم ‪ .‬ولكن‬
‫هناك من مرد على النفاق وكتم نفاقه وضبط لسانه وجوارحه وحافظ على صالة شكلية يتقرب بها للنبى ‪ ،‬ولم يظهر منهم ما‬
‫ينزل بشأنه تعليق قرآنى ‪ ،‬فنجحوا فى أن يكونوا األقرب للنبى ومن ثم خالفته بعد موته فإرتكبوا جريمة الفتوحات ‪ ،‬لذا كان من‬
‫أواخر ما نزل فى القرآن التنبيه مقدما على خطرهم ‪ ،‬وأنهم لن يتوبوا ‪ ،‬بل سيعذبهم هللا جل وعال مرتين فى الدنيا ثم ينتظرهم‬
‫عذاب عظيم فى اآلخرة ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ (:‬و ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن َأْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل‬
‫َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿‪ ﴾١٠١‬التوبة )‪ .‬كانوا يصلون وقد مردوا على النفاق ‪ ،‬ثم‬
‫أصبحوا الخلفاء الفاسقين وحافظوا على صالتهم وهم يحطمون دين االسالم ‪ ،‬يرتكبون بإسمه الفظائع ‪ .‬ال يوجد وصف‬
‫‪ .‬لصالتهم سوى أنها صالة شيطانية‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬الخلفاء الفاسقون فى حضيض الكفر لذا فمساجدهم شيطانية‬
‫ـ كانت لقريش مساجد فى مكة ‪ ،‬وصفها رب العزة بأنها مساجد هللا برغم ما كان يحدث فيها من مظالم ‪ ،‬مثل منع المؤمنين ‪1‬‬
‫من دخولها ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد الَّلـِه َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ٰى ِفي َخ َر اِبَه ا ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن‬
‫َي ْد ُخ ُلوَها ِإاَّل َخ اِئِفيَن ۚ َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخ ْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿‪ ﴾١١٤‬البقرة )‪ ،‬ومثل إعالن الكفر فيها فقال جل وعال‬
‫لهم ‪َ ( :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وا َمَس اِج َد الَّلـِه َش اِهِديَن َع َلٰى َأنُفِس ِه م ِباْل ُك ْف ِر ُأوَلٰـ ِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن ﴿‬
‫‪ ﴾١٧‬التوبة )( َو َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿‪ ( ﴾١٨‬الجن )‪ .‬مساد الخلفاء الفاسقون فيها الكفر العقيدى والكفر‬
‫‪.‬السلوكى ‪ ،‬وهى تعلن حربا مستمرة هلل جل وعال ورسوله‬
‫ـ واقام منافقو المدينة مسجدا وصفه رب العزة جل وعال بالضرار وفضح ما كانوا يفعلون فيه تحت ستار الصالة ‪ ،‬قال جل ‪2‬‬
‫وعال ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج دًا ِض َر ارًا َو ُك ْف رًا َو َت ْف ِر يقًا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص ادًا ِلَم ْن َح اَر َب َهَّللا َو َر ُس وَلُه ِمْن َقْب ُل َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا‬
‫ِإَّال اْلُحْس َن ى َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن (‪ )107‬ال َت ُقْم ِفيِه َأَب دًا َلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأْن َت ُقوَم ِفيِه ِفيِه ِر َج اٌل‬
‫ُيِحُّب وَن َأْن َي َت َط َّهُر وا َو ُهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن (‪َ )108‬أَفَم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى َت ْق َو ى ِمْن ِهَّللا َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأْم َم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى‬
‫َش َف ا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر َج َه َّن َم َو ُهَّللا ال َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن (‪ )109‬ال َي َز اُل ُبْن َي اُنُهْم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَّال َأْن‬
‫‪َ :‬ت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم (‪)110‬التوبة)‪ .‬هنا نالحظ‬
‫مسجد الضرار فى المدينة إقتصر على التآمر خفية ‪ ،‬وظل فى الظاهر محافظا على توجهه االسالمى الى درجة أن النبى ‪2 / 1 :‬‬
‫كان يذهب اليه يصلى فيه ويقوم فيه ‪ .‬أما مساجد الضرار التى اقامها الخلفاء الفاسقون فقد كانت مراكز علنية فى حرب االسالم‬
‫‪.‬‬
‫لم ينتج عن مسجد الضرار فى المدينة إسالة دماء ‪ ،‬أما مساجد الضرار التى أقامها الخلفاء الفاسقون فهى مسئولة عن ‪2 / 2 :‬‬
‫‪ .‬حمامات دم‬
‫المنافقون ( الصحابة ) كانوا يقسمون كذبا على أنهم ما فعلوا ‪ ،‬وهللا جل وعال شهد بأنهم كاذبون ‪ .‬أى هم يعرفون أن ‪2 / 3 :‬‬
‫‪ .‬ما يفعلون هو خطأ ومخالف لإلسالم ‪ .‬أما الخلفاء الفاسقون فقد فرضوا مساجدهم لتنشر الكفر باالسالم على أنه االسالم‬
‫هللا جل وعال نهى النبى محمدا عليه السالم عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون الصرحاء وقال له ‪( :‬ال َت ُقْم ِفيِه ‪2 / 4 :‬‬
‫َأَب دًا )‪ .‬هذا عن مسجد هو أقل ضررا من مساجد الضرار التى أقامها الخلفاء الفاسقون ‪ .‬لو دعا مؤمن الى إجتناب الصالة فى‬
‫‪ .‬تلك المساجد التهموه بالكفر ‪ .‬أى هى مساجد تدعو لدين الشيطان والصالة فيها شيطانية تبرراإلثم والعدوان والظلم والبهتان‬
‫المؤلم أننا توارثنا هذه المساجد الشيطانية ‪ ،‬من أول مسجد تأسس على البغى فى عهد أبى بكر الى مساجد السالطين ‪2 / 5 :‬‬
‫المستبدين فى عصرنا الحديث مثل مسجد ( محمد على ) فى القلعة بالقاهرة الى غيره من مساجد يحرص المستبد على بنائها‬
‫وصرف الماليين فى زخرفتها من المال الُّس حت ‪ .‬ويؤدى فيها المحمديون صالة شيطانية يسمعون فيها أنواعا مختلفة من الكفر‬
‫‪ .‬تحت مسميات الحديث النبوى والتفاسير ‪ ،‬وفيها تقديس المستبد وتقديس األولياء والطاغوت الدينى والسياسى‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫ـ ووصلت الصلوات من حيث الشكل بالتواتر العملى‪ .‬وهو ما سمح به الشيطان ؛ أن يتمسكوا بشكل الصالة ولكن أن تكون فى ‪1‬‬
‫‪.‬حرب هللا جل وعال ورسوله‪ .‬ندخل اآلن فى موضوع التواتر‬
‫الباب الثالث ‪ :‬التواتر التاريخي في الصالة‬

‫الفصل األول ‪ :‬لمحة عن التواتر‬


‫‪ :-‬مقدمة‬
‫ـ أشار القرآن الكريم الى التواتر فى آية تلخص معناه فى ايجاز واعجاز‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى‪ُ( :‬ثَّم َأْر َس ْلَن ا ُرُس َلَن ا ‪1‬‬
‫َتْت َر ا ُك َّل َم ا َج اء ُأَّم ًة َّر ُس وُلَه ا َك َّذ ُبوُه َفَأْت َبْع َن ا َبْع َض ُهم َبْع ًض ا ‪ :‬المؤمنون ‪ ) 44‬فاآلية تشير الى تواتر الرساالت السماوية‬
‫‪.‬وتواتر التكذيب لها فى كل عصر‬
‫ـ التواتر هو المتوارث الذى تتمسك به األغلبية من عبادات وثقافات ‪ ،‬وفيه الصحيح والفاسد ‪ ،‬لذا يكون مرجع ‪2‬‬
‫‪.‬الحكم فيه هلل تعالى فى القرآن الكريم‬
‫ـ المشكلة هنا أن االحتكام الى القرآن الكريم مهمة علمية ال يقوم بها إال الراسخون فى العلم ‪ ،‬فاذا تدخل فيها غيرهم ‪3‬‬
‫‪.‬ضلوا وأضلوا ‪ ،‬وضاعوا واضاعوا‬
‫‪ :‬مقاالت متعلقة‬
‫‪‬‬ ‫بين الصالة القرآنية للمسلمين والصالة الشيطانية للمحمديين‬
‫‪‬‬ ‫ب ‪ ، 1‬ف‪ : 1‬بين الصالة االسالمية والصالة الشيطانية للخلفاء ( الفاسقين )‬
‫‪‬‬ ‫أخيرا ‪ :‬عن الصالة الشيطانية والمساجد الشيطانية‬
‫‪‬‬ ‫ج ‪ 2‬ف‪ : 1‬التصوف جعل الفقهاء يضيعون الصالة بالوسوسة ( طرائف الوسوسة الفقهية فى الوضوء والصالة )‬
‫‪‬‬ ‫ج ‪ 2‬ف‪ : 1‬بين الصالة االسالمية والصالة الشركية‬
‫‪‬‬ ‫ب ‪ 2‬ف ‪ : 1‬الصحابة بين االيمان أو الكفر باهلل جل وعال وباليوم اآلخر‪ 1 (:‬من ‪) 2‬‬
‫‪‬‬ ‫التواتر الشيطانى فى تبديل التشهد بالتحيات (‪ ) 3‬إختالفات صيغ التحيات الشيطانية فى العصر العباسى‬
‫‪‬‬ ‫الصالة الشيطانية للخوارج ( ‪ :) 1‬التطرف فى الصالة وفى القتل‬
‫‪‬‬ ‫التواتر التاريخى ‪ :‬أجدادنا تعلموا الصالة من ( والى الصالة )‬

‫ـ وفى نظرة سريعة إلى التدين العملى للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظا من لدن ‪4‬‬
‫هللا تعالى بكتابته وقراءته والذى يقف ضد محاوالت االلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية ( المتواترة ايضا )‪ ،‬ونجد تواترا‬
‫فى آداء الصالة تبلغ صحته فوق التسعين فى المائة ‪ ،‬ونجد مالمح أخرى من التواتر الصحيح فى جوانب أخرى تراثية ‪ ،‬كما‬
‫‪ .‬نجد أخطاء فادحة وابتداعات فى الدين ال سبيل إلى حصرها‬
‫ـ وألن وظيفة المصلح هو تتبع الخطأ الصالحه فان معظم عملنا يتركز على إصالح التواتر الفاسد بالقرآن الكريم ‪ ،‬ولكن ‪5‬‬
‫بعض المنتسبين للقرآنيين يتطرفون فى نفى كل التواتر فيقعون فى نفس التطرف السنى فى تكذيب القرآن الكريم ولكن باسلوب‬
‫‪ .‬آخر‬
‫‪ .‬لذا نعطى توضيحا سريعا لهذا الموضوع الشائك المعقد‬
‫‪.‬أوال ‪ - :‬التواتر اإللهى والتواتر البشرى‬
‫ــ هناك تواتر إلهى فى الرساالت السماوية من ( عقائد وتشريعات وعبادات ) وفى اللغة البشرية وفى الزمن ‪ .‬وال يلبث الحق ‪1‬‬
‫اإللهى المتواتر فى الدين والزمن أن يلحقه التحريف البشرى ‪ ،‬وال يلبث التحريف البشرى أن يتحول إلى تواتر بمرور الزمن ‪،‬‬
‫مما يستلزم التصحيح بارسال رسول برسالة سماوية أخرى ‪ ،‬ثم بعدها يعود التحريف ويتحول إلى تواتر ‪ ،‬ويرسل هللا تعالى‬
‫رسوال آخر ‪ ،‬وهكذا إلى أن نزلت الرسالة القرآنية الخاتمة محفوظة إلى قيام الساعة لتكون مرجعية حاكمة على كل تبديل يطرأ‬
‫‪ ..‬بعدها أو كل تواتر صحيحا كان أم باطال‬
‫ــ هنا نتذكر ونتأمل قوله تعالى فى قصة نوح (َك َّذ َب ْت َق ْو ُم ُنوٍح اْلُمْر َس ِليَن ‪ :‬الشعراء ‪ ، ) 105‬الواقع أن قوم نوح لم يعرفوا ‪2‬‬
‫رسوال سوى نوح أقدم الرسل المعروفين ‪ ،‬وقد جاءت البشرية كلها من نسل نوح عليه السالم (َو َج َع ْلَن ا ُذ ِّر َّي َت ُه ُه ْم اْلَب اِقيَن ‪:‬‬
‫الصافات ‪ ، ) 77‬ولكن الواقع أن نوحا كان يقول لقومه نفس ما قاله األنبياء بعده (َو َم ا َأْر َس ْلَن ا ِمن َقْب ِلَك ِمن َّر ُس وٍل ِإاَّل ُنوِحي‬
‫ِإَلْي ِه َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل َأَن ا َفاْع ُب ُدوِن ‪ :‬األنبياء ‪ . ) 25‬أى أن قوم نوح عندما كذبوا رسالة نوح فقد كذبوا بكل الرساالت السماوية التى‬
‫‪.‬تواترت بعده‬
‫ونتذكر أيضا قول النبى هود لقومه عاد يذّك رهم بماحدث لقوم نوح من قبلهم (َو اذُك ُر وْا ِإْذ َج َع َلُك ْم ُخ َلَف اء ِمن َبْع ِد َقْو ِم ُنوٍح )‬
‫( األعراف ‪ ) 69‬ثم قول النبى صالح لقومه ثمود يذّك رهم بما حدث لقوم عاد من قبلهم (َو اْذ ُك ُر وْا ِإْذ َج َع َلُك ْم ُخ َلَف اء ِمن َبْع ِد َع اٍد ) (‬
‫‪.‬األعراف ‪)74‬‬
‫‪:‬ـ هنا نجد نوعين من التواتر فيما يخص الرساالت السماوية و تكذيب المأل المتحكم لها ‪3‬‬
‫التواتر اإللهى فى الرساالت السماوية (ِإَّن ا َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه‪ :‬النساء ‪،) 163‬وايضا ‪3 / 1 :‬‬
‫(الشورى ‪)13‬‬
‫‪.‬التواتر البشرى فى تكذيب القوم للرسل فى كل زمان ومكان ‪3 / 2 :‬‬
‫وفى إعجاز وإيجاز يعبر رب العزة عن ذلك فيقول لخاتم الرسل محمد عليه السالم ( َم ا ُيَق اُل َلَك ِإاَّل َم ا َق ْد ِقيَل ِللُّر ُس ِل ِمن َقْب ِلَك‪:‬‬
‫فصلت ‪ ، ) 43‬أى ما يقال لك من وحى قرآنى وما يقال لك من تكذيب قد قيل لكل الرسل من قبلك‪ ،‬أى هو تواتر االهى حق ‪،‬‬
‫‪.‬وتواتر بشرى معاند كافر‬
‫وحتى إتهامهم له بأنه كاذب أو ساحر أو مجنون أصبح متواترا ‪ ،‬وقد عبر عنه رب العزة فى صورة ساخرة رائعة ‪ ،‬يقول تعالى‬
‫(َك َذ ِلَك َم ا َأَت ى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه م ِّم ن َّر ُس وٍل ِإاَّل َقاُلوا َس اِحٌر َأْو َمْج ُنوٌن ‪َ .‬أَت َو اَص ْو ا ِبِه ؟ ‪ :‬الذاريات ‪. ) 52:53‬أى كأنما تواصى كفار‬
‫قريش ومن سبقهم على قول نفس الكالم ‪ .‬وفى تعبير آخر للقرآن الكريم كأنما تشابهت قلوبهم مع إختالف الزمان والمكان ‪:‬‬
‫( َو َقاَل اَّلِذيَن َال َيْع َلُم وَن َلْو َال ُيَك ِّلُم َن ا ُهّللا َأْو َت ْأِتيَن ا آَي ٌة َك َذ ِلَك َقاَل اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه م ِّم ْث َل َق ْو ِلِهْم َتَش اَبَه ْت ُقُلوُبُهْم ‪ :‬البقرة ‪.) 118‬ويوم‬
‫القيامة يقال عن هذا التواتر المهلك الذى أوردهم الجحيم (ِإَّن ُهْم َأْلَف ْو ا آَب اءُه ْم َض اِّليَن َفُهْم َع َلى آَث اِر ِه ْم ُ يْهَر ُع وَن ‪ :‬الصافات ‪: 69‬‬
‫‪)70‬‬
‫ــ والرساالت السماوية لها جوانب ثالثة ‪ :‬عقيدة وأخالق وعبادات ‪ .‬والتواتر اإللهى يتركز فى إقامة هذا الهيكل الثالثى ‪4‬‬
‫‪ .‬للرساالت السماوية‬
‫ومثال فإن هللا تعالى يأمر بكل ما هو خير فى األخالق وينهى عن كل ما هو شر ( ِإَّن َهّللا َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإلْح َس اِن َو ِإيَت اء ِذي‬
‫اْلُقْر َب ى َو َي ْن َه ى َع ِن اْلَف ْح َش اء َو اْل ُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ‪ :‬النحل ‪ ، ) 90‬وهذا كله ما جاءت به كل الرساالت السماوية‬
‫فى تواترها ‪ ،‬ولكن تذكر ذلك والعمل به ال يتأتى إال لمن يطلب الهداية ‪ ،‬وبالتالى فإن للتواتر اإللهى جذورا داخل كل نفس‬
‫بشرية ‪ ،‬بغض النظر على ما يبدو على السطح من عناد واستنكار ومحاوالت للتسويغ واإلعتذار ‪ ،‬يقول تعالى ( َب ِل اِإْلنَس اُن‬
‫َع َلى َن ْف ِس ِه َب ِص يَر ٌة َو َلْو َأْلَق ى َمَع اِذيَر ُه ‪ :‬القيامة ‪ ) 15 : 14‬بل أن هللا تعالى احتكم إلى طاقة الخير هذه – أو الضمير األنسانى –‬
‫حين خاطب مشركى مكة المعاندين ‪ ،‬إذا طلب منهم أن يراجعوا أنفسهم فى لحظة صفاء إبتغاء مرضاة هللا تعالى ‪ُ( :‬قْل ِإَّن َم ا‬
‫َأِع ُظ ُك م ِبَو اِحَد ٍة َأن َت ُقوُم وا ِهَّلِل َم ْث َن ى َو ُفَر اَد ى ُثَّم َتَت َف َّك ُر وا َم ا ِبَص اِحِبُك م ِّم ن ِجَّن ٍة ِإْن ُه َو ِإاَّل َن ِذيٌر َّلُك م َبْي َن َي َد ْي َع َذ اٍب َش ِديٍد ‪ .‬سبأ‬
‫‪ . )46.‬وهذا دليل على وجود حقيقى للتواتر اإللهى داخل النفس البشرية مع طغيان التواتر البشرى أو التحريف البشرى‬
‫واألمر بالمعروف و النهى عن المنكر تواتر فى كل الرساالت السماوية ‪ ،‬ولكن يلحقه التأويل الفاسد الذى ال يزال موجودا حتى‬
‫االن فى حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره ‪ ) ..‬وفيما يطبقه المطوعة فى السعودية ‪ ،‬وما كانت تفعله جماعات االرهاب فى‬
‫‪.‬مصر فى تسعينيات القرن الماضى‬
‫ثانيا ‪ -:‬ملة إبراهيم بين التواتر اإللهى والتواتر البشرى‬
‫ـ أم المشاكل لدى المسلمين تتجلى أنهم فى تقديسهم للنبى محمد ورفعه فوق األنبياء فقد ترسب لديهم إيمان خاطىء بأنه جاء ‪1‬‬
‫برسالة جديدة ‪ ،‬وأنه – وحده – رسول اإلسالم ‪ .‬وتناسوا أن اإلسالم – وبكل األلسنة السابقة على العربية – هو دين هللا جل‬
‫وعال الذى نزلت به كل الرساالت السابقة بمعنى اإلستسالم هلل تعالى وحده والسالم مع البشر ‪ .‬وتناسوا ما كرره القرآن الكريم‬
‫‪ .‬من أوامر للنبى محمد عليه السالم ولنا وألهل الكتاب فى أن نتبع ملة إبراهيم حنيفا‬
‫ـ ورث العرب وأهل الكتاب ملة إبراهيم فى أنه ال إله إال هللا ‪ ،‬وإخالص العباد هلل تعالى وحده ‪،‬وورثوا العبادات وكيفياتها من ‪2‬‬
‫صالة وصدقات وحج وصوم ‪ ،‬ولكنهم أضاعوا الصالة بالوقوع فى الشرك وفى اإلنحالل الخلقى والعصيان ‪ ،‬ونزل القرآن الكريم‬
‫‪.‬إلصالح ملة إبراهيم وفق منهج محدد فى التعامل مع نوعى التواتر ؛ االلهى منه و البشرى‬
‫فى التعامل مع التواتر االلهى فى الكتب السماوية السابقة فقد نزل القرآن مصدقا لها ومهيمنا عليها ( َو َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك ‪2 / 1 :‬‬
‫اْلِك َت اَب ِباْلَح ِّق ُمَص ِّد ًقا ِّلَم ا َبْي َن َي َد ْي ِه ِمَن اْلِك َت اِب َو ُمَهْي ِم ًن ا َع َلْي ِه‪ :‬المائدة ‪َ( ، ) 48‬نَّز َل َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِباْلَح ِّق ُمَص ِّدقًا ِّلَم ا َبْي َن َي َد ْي ِه ‪ :‬آل‬
‫عمران ‪ ) 3‬لذا يقول تعالى ألهل الكتاب ‪َ ( :‬و آِم ُنوْا ِبَم ا َأنَز ْلُت ُمَص ِّدقًا ِّلَم ا َمَع ُك ْم ِ ‪ :‬البقرة ‪ . ) 41‬أى كان القرآن الكريم مصدقا لما‬
‫‪.‬سبقه وحكما عليه أو مهيمنا عليه‬
‫وفى التواتر البشرى لملة ابراهيم المطلوب اتباعها والتى تعرضت للتحريف فقد أمر هللا جل وعال بعرض تواترها على ‪2 / 2 :‬‬
‫القرآن لتوضيح الحق فيه من الباطل ‪ ،‬لذا تكرر فى القرآن الكريم دعوتهم إلى اإلحتكام إلى القرآن الكريم فيما وجدوا عليه‬
‫آبائهم‪ ،‬وكان مترفو العرب يرفضون االنصياع للقرآن الكريم تمسكا منهم بذلك التواتر ‪ .‬قال عنهم رب العزة جل وعال ‪َ( :‬و ِإَذ ا‬
‫ِقيَل َلُهُم اَّت ِبُع وا َم ا َأنَز َل ُهّللا َقاُلوْا َب ْل َنَّت ِبُع َم ا َأْلَفْي َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا ‪:‬البقرة ‪َ( ، ) 170‬و ِإَذ ا ِقيَل َلُهْم َت َع اَلْو ْا ِإَلى َم ا َأنَز َل ُهّللا َو ِإَلى‬
‫الَّر ُس وِل َقاُلوْا َح ْس ُبَن ا َم ا َو َج ْد َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا ‪:‬المائدة ‪َ ( )104‬و ِإَذ ا ِقيَل َلُهُم اَّت ِبُع وا َم ا َأنَز َل ُهَّللا َقاُلوا َب ْل َنَّت ِبُع َم ا َو َج ْد َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا‪:‬‬
‫لقمان ‪َ () 21‬ب ْل َقاُلوا ِإَّن ا َو َج ْد َن ا آَب اءَن ا َع َلى ُأَّم ٍة َو ِإَّن ا َع َلى آَث اِر ِهم ُّمْه َت ُدوَن ‪ :‬الزخرف ‪ .) 22‬المصالح اإلقتصادية هى أساس‬
‫تمسك قريش بالتواتر ‪ ،‬حيث عبادة األصنام وإقامة صنم لكل قبيلة فى الحرم المكى لضمان عدم إغارة أى قبيلة على رحلتى‬
‫الشتاء والصيف لقريش ‪ ،‬وبذلك تمتعت قريش وحدها باألمن والثراء فى وقت عانت فيه القبائل العربية من الفقر والغارات‬
‫المستمرة ‪ ،‬ولذلك يقول هللا جل وعال عن السبب اإلقتصادى فى التمسك بالتواتر الكاذب ( َو َت ْج َع ُلوَن ِر ْز َقُك ْم َأَّنُك ْم ُتَك ِّذ ُبوَن ‪ :‬الواقعة‬
‫‪)82 .‬‬
‫ـ وسبق القول بتأدية العرب الصلوات الخمس بالفاتحة فى مساجدهم (كما نفعل اآلن)‪ ،‬ولكن مع التمسك بتقديس قبوراألولياء ‪3‬‬
‫( كما نفعل اآلن) ‪ ،‬لذا قال سبحانه وتعالى لخاتم المرسلين محمد عليه السالم فى عدم اإلعتداد هذا التواتر الفاسد ‪َ ( :‬فَال َت ُك ِفي‬
‫ِم ْر َي ٍة ِّمَّم ا َيْع ُب ُد َهـُؤ الء َم ا َيْع ُبُدوَن ِإَّال َك َم ا َيْع ُبُد آَب اُؤ ُهم ِّم ن َقْب ُل‪ :‬هود ‪ ، ) 109‬وجاء هذا بعد أن قص هللا جل وعال قصص األنبياء‬
‫‪ .‬السابقين الذى يحوى على التواتر اإللهى الصحيح ‪ ،‬وتواترالعناد من المشركين‬
‫ـ وتكرار األمر فى مكة للمشركين بأن يقيموا الصالة ( َو َأْن َأِقيُم وْا الَّص الَة ‪ :‬األنعام ‪َ( ) 72‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة‪ :‬الروم ‪ ) 31‬يعنى ‪4‬‬
‫أنهم كانوا يعرفون الصالة ‪ ،‬فاهلل تعالى يأمرهم بإقامة ( الصالة ) المعروفة لديهم ‪ ،‬وإقامتها ليس مجرد تأديتها ‪ ،‬وهم كانوا‬
‫يؤدونها بنفس الشكل وفى نفس األوقات ‪ ،‬ولكن كانوا يقعون فى الشرك والمعاصى واالعتداء والظلم ‪ ،‬وبذلك يضيعون الصالة‬
‫وال يقيمونها ‪ ،‬وقد أوضح رب العزة معنى إقامة الصالة وأن الهدف منها ومن كل العبادات هو التقوى ‪ ،‬ولم تتوفر لديهم‬
‫التقوى ‪ ،‬وهو نفس الحال فى حياتنا الدينية االن حيث تجد أكثر الناس صالة أكثرهم غلظة وتعصبا وتطرفا وتمسكا بثقافة‬
‫االرهاب‪ .‬فالعرب المشركون عرفوا الصالة و الصوم و الحج وايتاء الصدقات ‪ ،‬وكلها من شعائر ملة ابراهيم ‪ ،‬ولكنهم لم يقيموا‬
‫‪ .‬الصالة بل أضاعوها بالوقوع فى ظلم هللا تعالى و ظلم البشر‬
‫أما الخبل العقلى الذى يزعم أن الصالة قد شرعها هللا تعالى فى اسطورة المعراج فان نفس االسطورة تنفيها ‪ ،‬حيث تزعم أن‬
‫محمدا صلى إماما باألنبياء قبل المعراج المزعوم‪ ،‬فكيف يصلى وهو ال يعرف الصالة و لم تكن قد وجبت عليه بعد؟ ‪ .‬أما حديث‬
‫!!‪(.‬صلوا كما رأيتمونى أصلى ) فهو يريح كل مسلم من أداء الصالة ألنه لم ير الرسول يصلى ‪ ،‬وبالتالى فال يشمله األمر‬
‫ـ إن أساس تلك الخرافات هو االعتقاد بأن محمدا عليه السالم جاء بدين جديد وشرع جديد وصالة جديدة ‪ .‬وهذا كله إفك ‪5‬‬
‫يناقض القرآن‪ .‬وأصحاب الديانات األرضية من المسلمين ـ والذين يتفقون معا فى تقديس محمد وتأليهه ـ يشتد بهم الغضب حين‬
‫تؤكد لهم من القرآن الكريم أن محمدا عليه السالم تابع لملة ابراهيم مأمور باتباعها ‪ .‬لذا هم ال يفهمون منهج القرآن الكريم فى‬
‫التعامل مع تشريع العبادات المتواترة‪ .‬لو أخلصوا هلل سبحانه وتعالى قلوبهم لعرفوا أن منهج القرآن هنا هو التأكيد على إخالص‬
‫الدين والعقيدة هلل تعالى وحده فقط ‪ ،‬وترك التواتر الصحيح كما هو‪ ،‬مثل معنى الصوم وكيفية الصالة ومواقيتها ‪ ،‬ولكن عندما‬
‫‪.‬يأتى تصحيح للتواتر الفاسد أو حينما يأتى تشريع جديد يأتى بيان القرآن الكريم بالتفصيل‬
‫‪ .‬ثالثا ‪ - :‬التواتر اإللهى والبشرى بعد نزول القرآن الكريم‬
‫ـ يتجلى التواتر اإللهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم برغم ما اخترعته أديان المسلمين األرضية من حرب للقرآن الكريم ‪1‬‬
‫بالنسخ التراثى واختراع األحاديث والقراءات والتأويل والتفسير والتغنى بالقرآن مع محاوالت ال تنتهى من اإللحاد فى الكتاب‬
‫العزيز‪ .‬ويتجلى التواتر اإللهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم ولغة القرآن الكريم الفريدة والمختلفة فى كتابتها – بعض الشىء‬
‫– عن الكتابة العربية ‪ ،‬والمختلفة بعض الشىء عن القواعد النحوية التى توسع فيها علماء النحو فى العصر العباسى بعد نزول‬
‫‪ .‬القرآن الكريم بقرنين أو أكثر‬
‫والمستفاد أن هناك تواتر إلهى فى حفظ القرآن الكريم ‪ ،‬ويسير معه بالتوازى تواتر بشرى بعضه صحيح فى السير على كتابة‬
‫المصحف بنفس الطريقة التى كتبه بها خاتم الرسل محمد عليه السالم الذى قام بكتابة القرآن بنفسه ( إقرأ بحثنا عن النبى كان‬
‫يقرأ ويكتب ) ‪ .‬ثم هناك تواتر بشرى خاطىء أقام ما يعرف بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن الكريم باإلضافة إلى ما يعرف‬
‫‪ .‬بالتأويل والتفسير والحديث ‪ ....‬إلخ‬
‫ـ وحتى اللسان العربي ‪ ،‬فهناك تواتر حافظ عليه ‪ ،‬وتواتر أخر باعد بينها وبين لسان القرآن الكريم وهى اللسان العربى ‪2‬‬
‫األصيل الذى كان ينطق به النبى محمد وقومه من العرب ‪ ،‬والمطلوب هنا تأمل معنى قوله تعالى (َفِإَّن َم ا َيَّسْر َن اُه ِبِلَس اِنَك ِلُتَب ِّش َر ِبِه‬
‫اْلُم َّت ِقيَن َو ُتنِذ َر ِبِه َقْو ًم ا ُّلًّد ا ‪ :‬مريم ‪َ ( ، ) 97‬فِإَّن َم ا َيَّسْر َن اُه ِبِلَس اِنَك َلَع َّلُهْم َي َت َذ َّك ُر وَن ‪ :‬الدخان ‪ِ ( ، ) 58‬بِلَس اٍن َع َر ِبٍّي ُّم ِبيٍن ‪:‬‬
‫‪ .‬الشعراء ‪ ، ) 195‬فالقرآن الكريم ذكر (اللسان ) ولم يذكر (اللغة ) وهذا موضوع شرحناه فى مقاالت منشورة هنا‬
‫ـ وفى كيفية الصالة ومواقيتها تجد التواتر صحيحا ماعدا شيئين‪ :‬قصر الصالة فى السفر ـ ألن قصرالصالة هو فى الجهاد ‪3‬‬
‫والمطاردة عند الهجرة فقط ـ والتأثر بأسطورة المعراج بوضع (التحيات ) بديال عن التشهد القرآنى ‪َ (:‬ش ِه َد ُهّللا َأَّن ُه َال ِإَلـَه ِإَّال‬
‫‪ُ.‬ه َو َو اْلَم َالِئَك ُة َو ُأْو ُلوْا اْلِع ْلِم َق آِئَم ًا ِباْلِقْس ِط َال ِإَلـَه ِإَّال ُه َو اْل َع ِز يُز اْل َح ِكيُم ‪ :‬آل عمران ‪)18‬‬
‫ـ أما فى العقائد فالتواتر المزيف هو األغلب واألبشع وهو الذى أضاع ثمرة الصالة وثمرة الحج ‪ ،‬حيث تكاثرت األضرحة ‪4‬‬
‫المقدسة المقصودة بالحج والزيارة وحيث تؤدى فيها الصالة هلل سبحانه وتعالى و للولى المدفون بالتوسل وقراءة الفاتحة و‬
‫الركوع و السجود والوقوف القانت الخاشع أمام الضريح‪ .‬وأقيمت تلك األضرحة لألئمة والفقهاء وآل البيت واألولياء الصوفية‬
‫وللنبى محمد نفسه‪ .‬كما نسج التواتر الزائف شخصية إلهية للنبى محمد تخالف حقيقته فى القرآن‪ ،‬ولكن أصبح اإلعتراض‬
‫عليها يعنى األتهام بالكفر ‪ ،‬ونشأت أديان أرضية على أساس الشرك باهلل سبحانه وتعالى ‪ .‬وهم يسمونها ( ثوابت ) ‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬العرب الكافرون يقولون عليها ( ماوجدنا عليه آباءنا )‬
‫‪ :‬ــ ومن أالعيب الشيطان ‪5‬‬
‫أنه فعل بالمسلمين مثلما فعل بالعرب قبل نزول القرآن ‪ ،‬تركهم يتمسكون بالشكل الظاهرى للصالة فى مواقيتها ‪ ،‬ولكنه ‪5 / 1‬‬
‫جعلهم يضيعونها بتقديسهم البشر والحجر واإلنهماك فى العصيان بزعم وجود الشفاعات وأن الصالة هى الهدف فى حد ذاتها‬
‫وليست وسيلة للتقوى ‪ ،‬فإذا صليت فال عليك بعدها مهما عصيت ‪ ،‬أى بعد أن كانت الصالة وسيلة للتقوى أصبحت وسيلة‬
‫‪ !.‬للعصيان‬
‫إنه تالعب الشيطان ببعض المساكين أنه جعلهم يقفزون للناحية األخرى وهى إنكار التواتر نهائيا ‪ ،‬وإعتباره صنما ‪5 / 2 : ،‬‬
‫وبالتالى يعتمدون على أنفسهم فى إبتكار دين جديد وعبادات جديدة حسب علمهم المتواضع‪،‬وينتهى بهم األمر إلى أن يجعلوا‬
‫‪ .‬أنفسهم شركاء هلل تعالى فى التشريع‬
‫‪ :-‬رابعا التواتر والزمن‬
‫‪ .‬والتواتر ألصق بالزمن ‪ .‬ألنه أفعال البشر المتراكمة عبر الزمن‬
‫والحديث عن عالقة التواتر بالزمن يطول ‪ ،‬ونختصره فيما يخص األسالم على النحو التالى‬
‫ــ فاهلل سبحانه وتعالى أشار إلى الحساب القمرى والشمسى ‪ ،‬أو السنة القمرية والشمسية فى الحديث عن الشمس والقمر ‪1‬‬
‫(الرحمن ‪ () 5‬األنعام ‪ ) 96‬واشار الى الفرق بين السنة الشمسية والقمرية فى حساب المدة التى قضاها أهل الكهف ( الكهف‬
‫‪)25 .‬‬
‫ــ وهلل جل وعال حرم مكانى هو الكعبة ‪،‬وصلته بالزمن أنه أول بيت وضعه هللا تعالى للناس فى هذا الكوكب ( آل عمران ‪2‬‬
‫‪ ) 96‬واسماه البيت العتيق ( الحج ‪ ، ) 29‬وإلى جانب هذا الحرم المكانى هناك الحرم الزمانى الذى حدده رب العزة يوم خلق‬
‫السماوات واألرض ‪ ،‬وفى الحج يجتمع الحرم المكانى بالحرم الزمانى حيث يحج الناس الى البيت الحرام فى األشهر الحرام ـ من‬
‫‪ .‬ذى الحجة الى ربيع األول ‪ ،‬وهى األشهر األربعة الحرم خالل األثنى عشر شهرا فى كل عام ( التوبة ‪)36‬‬
‫ــ إال إن هذا التواتر اإللهى فى الزمن ما لبث أن لحقه التحريف بالنسىء فى األشهر الحرم ‪ ،‬وتبديل موعد تلك األشهر ‪3‬‬
‫واستحالل القتال فى بعضها (التوبة ‪ ، ) 37‬وهذا التحريف فى النسىء صار متواترا يخالف التواتر اإللهى مما استدعى‬
‫التصحيح القرآنى ‪ .‬وارتبط هذا التحريف فى النسىء ( الزمن ) بتحريف أيضا صار متواترا فى شعائر الحج إلى الحرم المكانى‬
‫فى الكعبة ‪ ،‬فقد ابتدعت قريش لنفسها حج (الحمس) نوعا من التدين السطحى الذى يزعم البر والتقوى المظهرية لتتميز عن‬
‫بقية العرب ‪ ،‬وأصبح ذلك التحريف متواترا قبل نزول القرآن استوجب أن ينفيه القرآن الكريم (َو َلْيَس اْلِبُّر ِبَأْن َت ْأُتْو ْا اْلُبُيوَت ِمن‬
‫ُظ ُهوِر َها َو َلـِكَّن اْلِبَّر َم ِن اَّت َق ى َو ْأُتوْا اْلُبُيوَت ِمْن َأْبَو اِبَه ا َو اَّت ُقوْا َهّللا َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ‪ :‬البقرة ‪ )،189‬وجعلت قريش التقوى مظهرا‬
‫سطحيا عبر تأدية مظهرية للعبادات فى احتفاالت موسم الحج ـ كما يحدث االن فى السعودية ـ فنفى هللا جل وعال أن تكون‬
‫التقوى والبر هى تلك المظاهر السطحية ‪ ،‬وشرح معنى البر و التقوى ( البقرة ‪ ، ) 177‬وقد جعلت قريش من قيامها على‬
‫خدمة البيت مظهرا من مظاهر التدين السطحى والسيادة الدينية ـ كما يحدث فى السعودية اآلن ـ فجاء الرد عليهم ‪َ(:‬أَج َع ْلُتْم‬
‫ِس َق اَي َة اْلَح اِّج َو ِع َم اَر َة اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َك َم ْن آَم َن ِباِهّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َج اَهَد ِفي َس ِبيِل ِهّللا ؟ التوبة ‪ . )19‬أى أن التواتر البشرى‬
‫القائم على التحريف قبل نزول القرآن الكريم ‪ ،‬والذى صححه القرآن الكريم ـ مالبث أن عاد تحريفا أخذ طريقه للتواتر ‪ ،‬ففى‬
‫فريضة الحج ـ التى يرتبط بها تواتر الزمان بتواتر المكان فى الحج للكعبة خالل األشهر الحرم ـ ترى المسلمين وقد نسوا‬
‫األشهر الحرم الحقيقية كما نسوا جواز الحج فى خالل األشهر األربعة ‪ ،‬ألنه تواتر عندهم حصر الحج خالل إفتتاح موسم الحج‬
‫‪ .‬فى األيام العشرة األولى من شهر ذى الحجة ‪ (.‬راجع مقالنا عن ‪:‬الحج أشهر معلومات )‬
‫ــ والتاريخ الميالدى المرتبط بميالد المسيح عليه السالم تعرض للتغيير الجزئى فى عهد األمبراطور أغسطس ‪ ،‬وعندما قامت ‪4‬‬
‫الثورة الفرنسية اخترعت توقيتا جديدا وأشهرا جديدة ‪ ،‬ثم ما لبثوا أن ألغوها ‪ ،‬واألخ معمر القذافى إخترع تقويما جديدا وأشهر‬
‫جديدة مخالفا للتقويم الهجرى واخترع تقويما موازيا للتقويم الميالدى وسمى فيه األشهر أسماءا جديدة من نوعية النار‬
‫والسحاب والريح ‪ ...‬الخ ‪ ..‬أى أن التواتر الزمنى فى األشهر األثنى عشر من كل عام ما لبث أن لحقه الزيف الذى قد يصبح‬
‫‪ .‬متواترا أيضا ‪ ،‬ويقف القرآن الكريم حكما على ذلك التواتر الزمنى البشرى القائم على التحريف‬
‫ــ ولم يذكر القرآن الكريم أن األسبوع يتكون من ‪ 7‬أيام ولم يذكر أيام األسبوع‪ ،‬وحتى لم يذكر عدد األشهر فى العام الواحد إال ‪5‬‬
‫فى سياق الحديث عن إستحالل األشهر الحرام بالنسىء‪ ،‬ولم يذكر من أيام األسبوع سوى يومين فى سياق إستحالل " السبت "‬
‫عند بنى إسرائيل والتهاون فى صالة الجمعة لدى الصحابة‪ ،‬ولوال ذلك السياق ما ذكر القرآن الكريم أشياء هى معلومة‬
‫‪!!.‬بالتواتر‪ .‬فهل ننكر أيام األسبوع األخرى التى لم ترد فى القرآن ألنها لم ترد فى القرآن ؟‬
‫خامسا ‪ :‬التواتر فى منهج القرآن الكريم فى التشريع‬
‫ـ نزل القرآن فى بيئة تراكمت فيها الموروثات من ملة إبراهيم ومن الثقافة العربية المحلية والوافدة ‪ ،‬وتعامل القرآن مع هذه ‪1‬‬
‫‪ ...‬الثقافة وعالج المتوارث – أو المتواتر – من ملة إبراهيم بالتصحيح‬
‫ـ لو أنكر القرآن الكريم كل التواتر لكان مطلوبا منه أن يبدأ من الصفر ليوضح كل شيىء من البديهيات واألولويات من ‪2‬‬
‫المعارف والثقافة إلى أن ينتهى لما فيه إشارات علمية معجزة وبالغة فى البيان وإعجاز فى القصص والتشريع‪ .‬ومعنى أن يبدأ‬
‫القرآن الكريم من الصفر إلى النهاية أن تتكاثر سور القرآن الكريم لتصبح ماليين السور ومئات الماليين من اآليات ‪ ،‬فهل يتفق‬
‫ذلك مع كونه ميزانا يحتكم اليه الناس؟ وهل يتفق ذلك مع قيام الدين االلهى على التيسير والتخفيف ‪ ،‬وترك حرية البشر فى‬
‫االجتهاد ؟‪ .‬إن القرآن الكريم نزل يبنى على تواتر سابق فى ملة إبراهيم وفى ثقافة البشر وحضارتهم ولذلك تراه مع التكرار‬
‫والشرح والتفصيل جاء محددا فى عدد السور واآليات ‪ ،‬وأكد على أنه ما فرط فى شىء ( من الدين ) يكون تركه تفريطا ‪ ،‬وأنه‬
‫نزل تبيانا لكل شىء (فى الدين يحتاج إلى بيان) وأنه فصل كل شىء (فى الدين)‪ ،‬وجاء تفصيله على علم وهدى وليس عن‬
‫‪.‬ثرثرة ولغو‬
‫ـ ومن هنا فإن إنكار التواتر جملة وتفصيال يعتبر جهال قد يؤدى بصاحبه إلى الخروج عن ملة اإلسالم ‪ .‬إن منكر التواتر قد ‪3‬‬
‫‪ :‬يكون واحدا من إثنين‬
‫أن يكفر بقوله تعالى (َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ‪ :‬النحل ‪َّ ( ، ) 89‬م ا َفَّر ْط َن ا ِفي الِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ‪ :‬األنعام ‪* ) 38‬‬
‫(َو ُك َّل َش ْي ٍء َفَّص ْلَن اُه َت ْف ِص يًال ) ( االسراء ‪َ( )12‬و َلَق ْد ِجْئَن اُهم ِبِك َت اٍب َفَّص ْلَن اُه َع َلى ِع ْلٍم ُهًدى َو َر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن ) ( األعراف ‪52‬‬
‫) ‪ ،‬ويرى أنه البد أن يذكر القرآن كل شيىء معلوما كان أم مجهوال ‪ ،‬من البديهيات أم من خفايا العلم ‪ ،‬وحيث ال يوجد ذلك فى‬
‫‪ .‬القرآن فالبد أن يكذب بتلك األيات‬
‫وإما أن يتعسف تأويل أيات القرآن الكريم ليثبت أن فى القرآن كل شىء ‪ ،‬فيتفنن فى التأويل بما يجعله يخرج عن العبادات *‬
‫‪ .‬وعن العقل وعن اإلسالم‬
‫سادسا ‪ :‬التواتر والهداية والتدبر القرآنى‬
‫ـ هناك هداية ايمانية يجدها كل باحث عن الهداية فى القرآن الكريم ‪ ،‬الذى ترى فيه المستوى الميّس ر للذكر ‪ .‬يكفيه أن يأتى‪1‬‬
‫ربه يوم القيامة بقلب سليم ‪،‬ليس فيه تقديس لبشر أو حجر ‪ ،‬مع عمل صالح وعبادة خالصة لوجه هللا جل وعال‪ .‬إن أخطأ فال‬
‫عليه شىء طالما لم يتعمد الخطأ ( َو َلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح ِفيَم ا َأْخ َط ْأُتم ِبِه َو َلِكن َّم ا َت َع َّم َد ْت ُقُلوُبُك ْم َو َك اَن ُهَّللا َغ ُفوًر ا َّر ِحيًم ا ‪ :‬األحزاب‬
‫‪ .) 5.‬ليس مطالبا بالبحث فى القرآن والتعمق فى فهم مستوياته الخاصة بالعلماء الراسخين‬
‫ـ هذه هى وظيفة الراسخين فى العلم الذين أمضوا رحيق العمر فى معايشة القرآن وفهم دقائق اللغة العربية وتاريخ المسلمين ‪2‬‬
‫وتراثهم الفكرى والتشريعى ومللهم ونحلهم وفرقهم وطوائفهم وتلك الغابة المتشابكة من مصطلحاتهم ‪ ،‬مع فهم لمجريات‬
‫‪.‬عصرنا و ثقافاته‪ .‬من هنا يكون الراسخ فى العلم مؤهال للحكم على المتواتر البشرى بالرجوع الى القرآن الكريم‬
‫ـ إن حضارتنا األنسانية الحالية هى حصيلة تراكم وتواتر معرفى متصل ‪ ،‬بدأ بحضارة مصر والرافدين والهند والصين ‪3 ،‬‬
‫وأسهم الدين الحق وما قام على أشالئه من أديان أرضية وملل ونحل ومذاهب فى إثراء وتطور هذا التراكم أو التواتر‬
‫الحضارى‪ ،‬وحين نزل وحى القرآن كانت البشرية قد دخلت فى طور التعقل فكانت رسالة اإلسالم األخيرة كتابا عقليا وليس‬
‫مجرد آيه حسية وقتية محلية كما كان يحدث مع األنبياء السابقين ‪ ،‬وتعامل القرآن مع التواتر الموجود فى عصره باإلصالح ‪،‬‬
‫وال يزال يتعامل مع التواتر الذى يطفوا فى كل عصر بمنهج اإلصالح أيضا ‪ ،‬وسيظل هكذا إلى قيام الساعة ‪ ،‬ألن الذى أنزل‬
‫‪ .‬الكتاب هو الذى أحاط بكل شىء علما ‪ ،‬يعلم ما سيحدث للبشر إلى قيام الساعة‬
‫ـ والواقع أن عناصر الهداية واحدة ومتواترة فى كل عصر ألن مصدرها دين هللا تعالى الحق‪ ،‬كما أن عناصر الغواية متواترة‪4‬‬
‫أيضا ألن مصدرها واحد هو إبليس ‪ ،‬أى أن هناك تواترا فى الخير وتواترا فى الشر ‪ ،‬حدث هذا قبل وبعد نزول القرآن وال يزال‬
‫يحدث ‪ ،‬وسيظل يحدث الى آخر يوم فى هذه الدنيا‪ .‬ويوم القيامة سيقول هللا سبحانه وتعالى ألغلبية البشر أن الشيطان أضلهم‬
‫جيال بعد جيل دون أن يتعقل جيل بما حدث لسابقيه ‪َ( :‬و َلَق ْد َأَض َّل ِمنُك ْم ِجِباًّل َك ِثيًر ا َأَفَلْم َتُك وُنوا َت ْع ِقُلوَن ه؟ ‪ :‬يس ـ ‪ ،) 63‬أى‬
‫‪.‬سيظل تواتر الخير وتواتر الشر مستمرا إلى قيام الساعة‬
‫ـ مقابل هذا التواتر البشرى الذى يختلط فيه الحق و الباطل يقف القرآن الكريم حكما ‪ ،‬فهو الميزان الذى أنزله هللا تعالى قبيل ‪5‬‬
‫قيام الساعة ( ُهَّللا اَّلِذي َأنَز َل اْل ِك َت اَب ِباْل َح ِّق َو اْل ِميَز اَن َو َم ا ُي ْد ِر يَك َلَع َّل الَّس اَع َة َقِر يٌب ‪ :‬الشورى ‪ ) 17‬وإلى هذا الميزان اإللهى‬
‫يحتكم الراسخون فى العلم فى معرفة التواتر الصحيح والتواتر الباطل ( َأَفَغ ْيَر ِهّللا َأْب َت ِغي َح َك ًم ا َو ُه َو اَّلِذي َأَنَز َل ِإَلْي ُك ُم اْلِك َت اَب‬
‫‪ُ .‬م َفَّص ًال ‪ :‬األنعام ‪ ) 114‬ونالحظ أن رقم األية هنا ‪ 114‬وهى إشارة إلى عدد سور القرآن الكريم‬
‫ـ إن من إعجاز القرآن الكريم فيما يخص التواتر أن محور اإلرتكاز فى دعوة القرآن الكريم هى فى تصحيح العقيدة ‪ ،‬حيث‪6‬‬
‫تركز التواتر اإللهى على أنه ال إله إال هللا بينما دار التواتر البشرى على تقديس غير هللا مع هللا ‪ ،‬ومشكلة البشر قبل وبعد نزول‬
‫القرآن أنهم دائما يتخذون الهوى إلها مع هللا تعالى ‪ ،‬قد يكون ذلك الهوى تقديسا لنبى أو لولى أو إمام او للمال أو للشهوات أو‬
‫لمجرد حيوان أو حجر ‪ ،‬يقول تعالى ( َأَر َأْي َت َم ِن اَّتَخ َذ ِإَلَه ُه َه َو اُه َأَفَأنَت َتُك وُن َع َلْي ِه َو ِك ياًل َأْم َت ْح َسُب َأَّن َأْك َث َر ُه ْم َيْس َمُع وَن َأْو‬
‫‪َ.‬يْع ِقُلوَن ِإْن ُه ْم ِإاَّل َك اَأْلْن َع اِم َب ْل ُه ْم َأَض ُّل َس ِبياًل ‪ :‬الفرقان ‪)44 : 43‬‬
‫ـ وفى تركيز القرآن الكريم على مشكلة تصحيح العقيدة ـ التى ال تزال مشكلة حتى األن ـ فإنه لم يذكر كيفية الصالة ‪7‬‬
‫ومواقيتها ‪ ،‬ألنها لم تكن مشكلة قبل نزول القرآن ولم تكن مشكلة بعد نزول القرآن ‪ .‬المشكلة فى عبادة الهوى ‪ ،‬وبعض الناس‬
‫أفلت من عبادة البشر والحجر ولكن أوقعه الشيطان فى عبادة هواه ‪ ،‬فانطلق يؤول آيات القرآن الكريم ليقوم بتشريع صالة‬
‫‪ .‬وحج وصيام ما أنزل هللا به من سلطان ‪ ،‬فجعل نفسه إالها من حيث ال يدرى ‪ ،‬وهو بذلك أسوأ ممن يتخذ آلهة مع هللا‬
‫الفصل الثانى ‪ :‬التواتر التاريخى للصالة‪ :‬محافظة العرب على أوقات الصلوات حتى فى الحروب والفتن‬
‫مقدمة‬
‫نقتبس بعض سطور من مقاالت الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين تتجلى فيها محافظتهم على الصلوات الخمس فى مواقيتها‬
‫‪ .‬حتى فى الحروب والفتن ‪ .‬وننصح بمراجعة هذه المقاالت لمعرفة سياقاتها التاريخية‬
‫أوال ‪ :‬فى الحروب الهجومية‬
‫ـ ( فتح المدائن عام ‪ .... : 16‬واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل‪.. .‬ولما دخل سعد اإليوان ‪1‬‬
‫قرأ‪ ( :‬كم تركوا من جناٍت وعيوٍن وزروٍع ) إلى قوله‪( :‬قومًا آخرين)؛ وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال‬
‫يصلي جماعة‪ ،‬وأتم الصالة ألنه نوى اإلقامة‪ ،‬وكانت أول جمعة بالعراق‪ ،‬وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة‪ . ).‬هنا‬
‫‪ .‬صالة الجمعة ‪ .‬وكانت أول جمعة بالعراق‬
‫ـ (ذكر غزوة فارس من البحرين‪ ...:‬فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن هللا إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه ‪2‬‬
‫وإن هؤالء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن واألرض لمن غلب فاستعينوا‬
‫بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتاال شديدا في موضع من‬
‫‪.‬األرض يدعى طاوس )‪ .‬هنا صالة الظهر‬
‫ـ ( ‪ ..‬ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقباًال بعد ما صلوا العشاء‪ ) ..‬هنا صالة ‪3‬‬
‫‪ .‬العشاء‬
‫ـ ( فى معركة جلوالء ‪ .... :‬فاقتتلوا قتاال شديدا ‪ ..‬فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصالة صلى الناس ‪4‬‬
‫‪.‬إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها )‪ .‬هنا صالة الخوف صالة الظهر‬
‫ـ (فلما فرغ القراء منها قال سعد‪ :‬الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر‪ ،‬فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا‪ ) ،‬هنا ‪5‬‬
‫صالة الظهر‬
‫ـ ( ‪ .. ..‬وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه ‪ " :‬متى تصل إليهم ؟ " قال ‪ " :‬عند العصر فيما بين الصالتين " قال ‪6 " :‬‬
‫‪ .‬امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر‪ . ) .. .‬هنا صالة الظهر‬
‫‪.‬ـ ( ‪ ...‬وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين ‪ ، )..‬اى صالتى الظهر والعصر ‪7‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فى الفتن‬
‫ـ فى إغتيال عمر بن الخطاب فى صالة الفجر على يد أبى لؤلؤة المجوسى ‪ ( :‬فلما أصبح خرج عمر إلى الصالة ( صالة ‪1‬‬
‫الفجر ) وكان يوكل بالصفوف رجاًال فإذا استوت كبر‪ ،‬ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه‪،‬‬
‫فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته‪ ،‬وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه‪ ،‬وقتل جماعة‬
‫غيره‪)...‬‬
‫ـ فى إغتيال على فى صالة الفجر ( الغداة ) ‪ ( :‬وأتى ابن ملجم رجًال من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له‪ :‬هل لك في ‪2‬‬
‫شرف الدنيا واآلخرة؟ قال‪ :‬وماذا؟ قال‪ :‬قتل علي‪ .‬قال شبيب‪ :‬ثكلتك أمك! لقد جئت شيئًا إدًا! كيف تقدر على قتله؟ قال‪ :‬أكمن له‬
‫في المسجد فإذا خرج إلى صالة الغداة شددنا عليه فقتلناه‪ ،‬فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا‪ ،‬وإن قتلنا فما عند هللا خير من الدنيا وما‬
‫فيها‪ .. .‬فلما كان ليلة الجمعة‪ .. ،‬أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصالة‪ ،‬فلما خرج‬
‫علي نادى‪ :‬أيها الناس الصالة الصالة‪ .‬فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب‪ ،‬وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف‪،‬‬
‫وقال‪ :‬الحكم هلل ال لك يا علي وال ألصحابك! ‪) ..‬‬
‫ـ فى روايات محاصرة عثمان تقول الرواية ‪ ( :‬ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة‪ ،‬خرج عثمان فصلى بالناس ‪3‬‬
‫ثم قام على المنبر فقال‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬هللا هللا! فوهللا إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫‪.‬فامحوا الخطأ بالصواب‪ .) .‬هنا صالة الجمعة‬
‫ـ قبيل معركة الجمل وصل جيش عائشة والزبير وطلحة الى البصرة فقاتلوا واليها عثمان ابن حنيف واليها من قبل (على ) ‪4 ،‬‬
‫تقول الرواية ‪ .. ( :‬فاقتتلوا بدار الرزق قتاًال شديدًا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في‬
‫الفريقين‪....‬فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صالة العشاء‪ ،‬وكانوا‬
‫يؤخرونها‪ ،‬فأبطأ عثمان‪ ،‬فقدما عبد الرحمن بن عتاب‪ ،‬فشهر الزط والسيابجة السالح ثم وضعوه فيهم‪ ،‬فأقبلوا عليهم فاقتتلوا‬
‫في المسجد فقتلوا‪ ،‬وهم أربعون رجًال ‪ ،‬فأدخال الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما‪ .‬فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في‬
‫‪ .‬وجهه شعرة‪ )... ،‬هنا صالة العشاء‬
‫‪ ):‬ـ فى معركة صفين بين (على ) ومعاوية ‪5‬‬
‫فتناهض الناس يوم األربعاء فاقتتلوا قتاًال شديدًا نهارهم كله‪ ،‬ثم انصرفوا عند المساء وكٌّل غير غالب‪ ،‬فلما كان يوم ‪5 / 1 ( ..‬‬
‫هنا إشارة لصالة (على ) فى الغلس ‪.. ) .‬الخميس صلى "علي " بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وزحفوا معه‬
‫‪.‬أى فى الفجر عند إختالط ضوء الفجر بظالم الليل‬
‫عن بأس (األشتر النخعى ) قائد جيش على تقول الرواية ‪ ( :‬وقاتلهم األشتر قتاًال شديدًا‪ .. ،‬فما زال هو ومن رجع إليه ‪5 / 2 :‬‬
‫يقاتلون حتى كشف أهل الشام وألحقهم بمعاوية والصف الذي معه بين صالة العصر والمغرب‪ ) ،‬هنا ذكر لصالتى العصر‬
‫‪ .‬والمغرب‬
‫بعد فشل التحكيم ‪ :‬تقول الرواية ‪ ..( :‬ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخالفة‪ ... ،‬وكان علي ‪5 / 3 :‬‬
‫إذا صلى الغداة يقنت فيقول‪ :‬اللهم العن معاوية وعمرًا وأبا األعور وحبيبًا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد!‬
‫‪.‬فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت سب عليًا وابن عباس والحسن والحسين واألشتر‪ . ).‬هنا صالة الغداة أى الفجر‬
‫ـ فى خالفة معاوية جعل زياد بن أبيه واليا على العراق ‪6‬‬
‫كان العراق مركز المعارضة لألمويين ‪ ،‬ويتركز فيه الشيعة فإبتدع سياسة األحكام العرفية وأعلنها فى خطبته ‪6 / 1 :‬‬
‫( البتراء ) ‪ .‬وقام زياد بتطبيق سياسته هذه ‪ ،‬تقول عنه الرواية ‪ ( :‬واستعمل زياد على شرطته عبد هللا بن حصن‪ ... ،‬فكان‬
‫يؤخر العشاء اآلخرة ثم يصلي ‪ ،‬فيأمر رجًال أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتل القرآن‪ ،‬فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانًا‬
‫‪ .‬يبلغ أقصى البصرة‪ ،‬ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج‪ ،‬فيخرج فال يرى إنسانًا إال قتله‪ .)...‬هنا صالة العشاء‬
‫وتقول الرواية فى سبب قتل حجر بن عدى الكندى ‪ ( :‬أن زيادًا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصالة‪ ،‬فقال له ‪6 / 2 :‬‬
‫حجر بين عدي‪ :‬الصالة‪ .‬فمضى في خطبته‪ .‬فقال له‪ :‬الصالة‪ .‬فمضى في خطبته‪ .‬فلما خشي حجر بن عدي فوت الصالة ضرب‬
‫‪ .‬بيده إلى كف من حصى وقام إلى الصالة وقام الناس معه‪ .‬فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس‪ .)..‬هنا صالة الجمعة‬
‫‪:‬ـ فى مذبحة كربالء فى خالفة يزيد بن معاوية ‪7‬‬
‫ـ بعث الحسين بإبن عمه مسلم بن عقيل للكوفة لتجميع الشيعة ‪ ،‬فتحرك والى الكوفة عبيد هللا بن زياد ‪ ،‬تقول الرواية ‪7 / 1:‬‬
‫( ‪ ..‬وأما ابن زياد ‪ ..‬فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس أصحابه حول المنبر وأمر فنودي‪ :‬أال برئت الذمة من رجل من‬
‫الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إال في المسجد‪ .‬فامتأل المسجد‪ ،‬فصلى بالناس‪ .) .‬هنا المسجد و تجميع الناس‬
‫‪.‬لصالة العتمة ( العشاء )‬
‫وأرسل ابن زياد جيشا يقودة الُحُّر التميمى ليمنع الحسين من االتجاه نحو الكوفة وتالقى جيش الُحُّر مع جماعة ‪7 / 2 :‬‬
‫الحسين‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي‪ ،‬فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه‬
‫في نحر الظهيرة ‪ ...‬فلم يزل مواقفًا الحسين حتى حضرت صالة الظهر‪ ،‬فأمر الحسين مؤذنه باألذان‪ ،‬فأذن ‪..‬فسكتوا ‪ ،‬وقالوا‬
‫للمؤذن‪ :‬أقم‪ ،‬فأقام‪ ،‬وقال الحسين للحر‪ :‬أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال‪ :‬بل صل أنت ونصلي بصالتك‪ .‬فصلى بهم الحسين‪،‬‬
‫ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه‪ ،‬ثم صلى بهم الحسين ‪ ...‬فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤوا‬
‫‪.‬للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم‪ .)..‬هنا ذكر صالتى الظهر والعصر‬
‫عن جيش األمويين بقيادة عمر بن سعد ‪ .. ( :‬فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم ‪7 / 3 :‬‬
‫الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ) هنا صالة الغداة اى الفجر‬
‫ثم إن عمر بن سعد نادى ‪ " :‬يا خيل هللا اركبي وأبشري "‪ ،‬فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صالة العصر وحسين (‪7 / 4‬‬
‫‪.‬هنا صالة العصر )‪ ..‬جالس أمام بيته محتبيا بسيفه‬
‫هنا صالة )‪، ...‬وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صالة الغداة‪ ،‬وكان معه اثنان وثالثون فارسًا‪ ،‬وأربعون راجًال ( ‪7 / 5 :‬‬
‫الغداة ‪ :‬الفجر ‪ .‬ونكمل الراوية ‪ ( :‬ولما حضر وقت الصالة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين‪ :‬نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤالء‬
‫قد اقتربوا منك‪ ،‬وهللا ال تقتل حتى أقتل دونك‪ ،‬وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصالة! فرفع الحسين رأسه وقال‪ :‬ذكرت‬
‫الصالة جعلك هللا من المصلين الذاكرين ‪،‬نعم هذا أول وقتها‪ ،‬ثم قال‪ :‬سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي‪ .‬ففعلوا‪ ،‬فقال لهم‬
‫الحصين‪ :‬إنها ال تقبل‪ .‬فقال له حبيب بن مطهر‪ :‬زعمت ال تقبل الصالة من آل رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتقبل منك يا‬
‫حمار! فحمل عليه الحصين‪ ،‬وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه ‪).‬‬
‫هنا صالة الظهر وقت ) ‪...‬ثم صلوا الظهر‪ ،‬صلى بهم الحسين صالة الخوف‪ ،‬ثم اقتتلوا بعد الظهر‪ ،‬فاشتد قتالهم ( ‪7 / 6 :‬‬
‫‪.‬اإللتحام الحربى‪ .‬صلوها صالة خوف‬
‫هنا قيام الليل فى الصالة ‪ ..).‬فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ( ‪7 / 7 :‬‬
‫‪.‬والدعاء‬
‫ـ بعد موت يزيد بن معاوية وتنازل معاوية بن يزيد عن الخالفة بدأ إنشقاق الضحاك بن قيش الفهرى بإمتناعه عن عادته ‪8‬‬
‫صالة الفجر فى مسجد دمشق ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه‬
‫فقام إليه شاب من كلب بعصا معه فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد‬
‫فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل‬
‫الضحاك دار اإلمارة وأصبح الناس فلم يخرج إلى صالة الفجر وكان من األجناد ناس يهوون هوى بني أمية وناس يهوون هوى‬
‫‪.‬ابن الزبير )‪ .‬هنا ذكر صالة الفجر‬
‫‪ :‬ـ ظهر المختار الثقفى فسيطر على العراق وانتقم من قتلة الحسين‪ .‬وفى فترة االضطراب هذه فى العراق جاء ذكر الصلوات ‪9‬‬
‫عن المختار وهو يقوم بتجميع الناس مسنعمال الصالة معهم فى المساجد ‪ ( :‬ومّر على حلقة من همدان فقال‪ :‬قد قدمت ‪9 / 1 :‬‬
‫عليكم بما تحبون ‪ ...‬ثم أتى المسجد واستشرف له الناس‪ ،‬فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصالة ‪ ،‬وصلى مع‬
‫‪.‬الناس ‪ ،‬ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره‪ .) ،‬هنا صالة الجمعة ثم العصر‬
‫تجمع معه جيش صلى بهم الفجر ‪( :‬فلحقوا بالمختار‪ ،‬فتوافى إلى المختار ثالثة آالف وثمانمائة من اثني عشر ألفًا كانوا ‪9 / 2 :‬‬
‫بايعوه‪ ،‬فاجتمعوا له قبل الفجر‪ ،‬فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس‪).‬‬
‫وبعث ابن مطيع ( شبث بن ربعي ) في نحو ثالثة آالف لحرب المختار‪ ،‬وكان شبث بن ربعى ممن شارك فى جيش ‪9 / 3 :‬‬
‫األمويين فى كربالء ‪ (.‬فسار شبث إلى المختار‪ ،‬فبلغه خبره وقد فرغ من صالة الصبح ‪ ) ..‬هنا صالة الصبح ( الفجر ) أو‬
‫‪ .‬يسمونها صالة الغداة أو الغلس‬
‫وانتصر المختار فدخل قصر االمارة والمسجد الرسمى ‪ ( :‬ودخل المختارالقصر فبات فيه‪ ،‬وأصبح أشراف الناس في ‪9 / 4 :‬‬
‫المسجد وعلى باب القصر‪ ،‬وخرج المختار فصعد المنبر فحمد هللا وأثنى عليه فقال‪ " :‬الحمد هلل الذي وعد وليه النصر‪ ،‬وعدوه‬
‫‪ .‬الخسر‪،‬وجعله فيه إلى آخر الدهر‪ ،‬وعدًا مفعوًال وقضاء مقضيًا‪ ،‬وقد خاب من افترى‪ )" ..‬هنا صالة الصبح‬
‫أعطى عبد الملك األمان البن عمه عمرو بن سعيد ‪ ،‬ثم نكث عهده وقتله‪ .‬فى روايات القتل يتكرر ذكر الصالة ‪ ،‬ومنها أنه ‪10 :‬‬
‫ترك ابن عمه مقيدا وخرج ( يصلى العصر) وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان ( والد عمر بن عبد العزيز ) أن يقتل إبن عمهما‬
‫عمرو بن سعيد ‪ .‬تقول الرواية ‪.. ( :‬وأذن المؤذن العصر فخرج عبدالملك يصلي بالناس وأمر عبدالعزيز بن مروان أن يقتله‬
‫فقام إليه عبدالعزيز بالسيف فقال له عمرو ‪ " :‬أذّك رك هللا والرحم أن تلي أنت قتلي وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك ‪ " .‬فألقى‬
‫‪.‬عبدالعزيز السيف وجلس ‪ ،‬وصلى عبدالملك صالة خفيفة ودخل وغلقت األبواب ‪ .) ...‬هنا صالة العصر‬
‫ـ ودارت موقعة ( دير الجماجم ) التى إنتصر فيها الحجاج ‪ .‬وفى ثنايا المعركة نلمح إشارات لصالتهم الشيطانية ‪ .‬تقول ‪11‬‬
‫الرواية عن قائد جيش الحجاج ‪ .. ( :‬فانطلق القائد بعد صالة العصر والتقى عسكر الحجاج وعسكر ابن األشعث حين فصل‬
‫‪.‬القائد بمن معه وذلك مع صالة العصر فاقتتلوا إلى الليل‪ . ) ..‬هنا صالة العصر‬
‫‪ :‬مالحظات‬
‫ـ لم يقصد المؤرخون تسجيل الصالة بفروضها الخمس ‪ ،‬ولكن أتى ذكر الصلوات ضمن تفصيالت المعارك والمواقف ‪ .‬أى ‪1‬‬
‫كانت تأدية الصلوات الخمس إلتزاما لم يتخلوا عنه فى المعارك ‪ ،‬حتى كانوا يصلون صالة الخوف دون ترك الصالة‪ .‬هذا فى‬
‫‪.‬أوقات الشدة ‪ ،‬وبالتالى فأوقات السالم كانوا يحافظون على مواقيتها‬
‫ـ حين نضع هذا األحداث فى سياقها الزمنى ال نتصور أنهم تعلموا الصالة ألول مرة من النبى محمد عليه السالم ‪ .‬بل ‪2‬‬
‫مارسوها طبقا لتواتر سابق لنزول القرآن الكريم ‪ ،‬ثم أضاف القرآن الكريم صالة الخوف فقاموا بها‪ .‬هذا جيل دخل فى االسالم‬
‫بمعنى السالم ‪ ،‬وكانوا قبلها يتحاربون فى غارات وال يتركون فيها الصالة فى تواترها عبر القرون‪ .‬ثم بعد دخولهم االسالم‬
‫بالمعنى السلوكى حافظوا على تأدية الصالة حتى مع معتقداتهم الجاهلية فى تقديس البشر والحجر‪ .‬ثم بتولى الخلفاء الفاسقين (‬
‫‪ .‬أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ) إستمروا فى تأدية صالتهم بالتواتر حتى فى قتالهم الباغى وفى حروبهم األهلية‬
‫ـ هذا عن العرب الذين توارثوا ملة ابراهيم ومنها تواتر الصالة‪ .‬أما األمم المفتوحة الى خضعت ألمبراطوريتى الفرس والروم ‪3‬‬
‫‪ ..‬فقد كان للتواتر فى الصالة شأن آخر‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬التواتر التاريخى ‪ :‬أجدادنا تعلموا الصالة من ( والى الصالة )‬

‫‪ :‬أوال‬
‫ـ سبق أن الوالى صاحب النفوذ األكبر كان يحمل لقب ( والى الصالة ) وأن إقامة المسجد فى البالد المفتوحة كان من ‪1‬‬
‫األولويات ‪ .‬وبالتالى فإن من كان يدخل فى دين العرب المحتلين من مواطنى البالد المفتوحة كان يذهب الى المسجد يعلن‬
‫( إسالمه ) ويتعلم الصالة‪ .‬ومنه يتعلم أوالده وأحفاده بالتواتر‪ .‬هذا هو تواتر الصالة فى األمم التى حكمها وإحتلها العرب ‪ .‬ومن‬
‫الطبيعى أنهم تعلموا مع الصالة اللغة العربية والقرآن الكريم ‪ .‬وسبق قول المقريزى أنه لما افتتح عمر البلدان كتب ابى موسى‬
‫وهو على البصرة ان يتخذ مسجدا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد فإذا كان يوم الجمعة انضموا الى مسجد الجماعة‪ .‬وكتب عمر‬
‫الى سعد بن ابى وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ‪ ،‬وكتب الى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك ‪ ،‬وكتب إلى أمراء‬
‫االجناد بالشام( ان يتخذوا فى كل مدينة مسجدا )‪ ،‬ويذكر المقريزى أن عمرو أنشأ بمصر جامع الفسطاط أوالجامع العتيق سنة‬
‫‪ 12 .‬هجرية أى بعد فتح مصر بعام واحد ‪ ،‬أى قبل ان يولد البخارى وغيره بأكثر من مائتى عام‬
‫ـ وحسبما يذكر مؤرخو الحياة الدستورية واألحكام السلطانية مثل الماوردى وابن خلدون فإن إقامة الصالة كانت من أهم ‪2‬‬
‫شعائر الخليفة يقول ابن خلدون عن المقصورة التى اتخذها الخليفة للصالة وعن الدعاء فى خطبة الجمعة للخليفة " هما من‬
‫األمور الخالفيه ‪ -‬اى المرتبطة برسوم الخالفة ‪ -‬ومن شارات الملك اإلسالمى ولم يعرف فى غير دول االسالم " وكان الخليفة‬
‫يتولى اإلمامة فى الصالة بنفسه ؛ ويذكر أن عمرو بن العاص أول من اتخذ منبرا فى مسجد الفسطاط وأن الخليفة عمر وبخة‬
‫على ذلك وامره بكسر المنبر ‪ ...‬ويقرر ابن خلدون أن االمور الدينية الشرعية من الصالة والفتيا والقضاء والجهاد والحسبة‬
‫كلها مندرجة تحت اإلمامة الكبرى أى الخالفة ؛ وأن أمامة الصالة هى أرفع هذه األمور بل أرفع من السلطة السياسية للخليفة ‪،‬‬
‫ويستدل على ذلك بأن الصحابه عرفوا قدر أبو بكر حين استخلفه الرسول للصالة حين مرض النبى مرض الموت ففهموا‬
‫استحقاقه للخالفة بعد النبى وقالوا ارتضاة رسول هللا لديننا افال نرتضيه لدنيانا" (الخطط المقريزية ‪3‬؛‪107‬؛‪ 104‬ط دار‬
‫الشعب )‪ .‬وألن الصالة هى الوظيفة األسمى للخليفة فإن الخليفة هو الذى يعين بنفسه االئمة الذين يؤمون الناس فى المساجد‬
‫العظيمة فى األمصار " وذلك ما نقله ابن خلدون عن الماوردى صاحب كتاب " االحكام السلطانية " الذى يذكر فيه أن السلطان‬
‫له وحده حق تعيين إمام الصالة فى المساجد العظيمة وإذا قلد السلطان إماما كان أحق بامامة من غيره ؛وذكراختالف الفقهاء‬
‫‪ .‬فى األحق باإلمامة فى المساجد فيرى بعضهم أنه االمير الوالى وقال اخرون انه القاضى‬
‫ـ وفى بداية الفتوحات كان الوالى على أحد األمصار يقوم بإمامة الناس فى الصالة ويفصل فى النزاع ويقود الجيش ويجمع ‪3‬‬
‫الجزية ؛ أى كانت إمارة عامة ‪ .‬ثم بعد استقرار األحوال قيد الخليفة عمر سلطة الوالى ‪ ،‬فعمرو بن العاص كان اميرا للصالة‬
‫والجيش والقضاء والجزية فما لبث عمر بن الخطاب أن عين عبد هللا بن أبى السرح للخراج ثم عين قاضيا لمصر ‪ ،‬ولم يعد‬
‫‪ .‬لعمرو الوالى االصلى إال الصالة وقيادة الجيش‬
‫وقتها لم يكن كتاب مدون إال القرآن ولم يكن يتلى إال القرآن الكريم ؛ ومعروف تدوين األحاديث بدأ فى العصر العباسى مع موطأ‬
‫مالك ‪ ،‬بالتالى فمن الخبل أن يقال أن الناس تعلموا الصالة من كتب األحاديث ‪ .‬والمهم ان تأدية الصالة توارثناها فى مصر عبر‬
‫اسالفنا المصريين الذين أسلموا وتعلموا دين العرب واللغة العربية على أيدى الفاتحين العرب سنة ‪ 20‬هجرية وقبل أن يولد‬
‫البخارى وغيره ‪ ،‬أكثر من ذلك ال يوجد حديث واحد فى البخارى وغيره يفصل كل شىء عن كيفيةالصالة ومواقيتها وكل ما‬
‫يتعلق بها من بدايتها الى نهايتها من الصبح الى العشاء ‪ .‬بل أكاد اقطع بالقول بأن أحدا من المصلين لم يفتح كتاب البخارى‬
‫‪.‬ليتعلم منه الصالة ؛ ولو فعل لخرج قراءته بالشك فى الصالة ؛ وذلك هوالدور الحقيقى االذى تقوم به كتب االحاديث المشهورة‬
‫ثانيا ‪ :‬تواتر الصالة بدأ بدخول غير العرب دين العرب‬
‫وهذا يحتاج الى بحث مستقل عن دخول ابناء األمم المفتوحة الى دين العرب‬
‫‪ :‬ونكتفى هنا بلمحة عن دخول المصريين الى دين العرب ‪ .‬ونضع بعض المالحظات ‪.‬‬
‫ـ الكتابات التاريخية األولى تصف المصريين بالقبط أو األقباط ‪ .‬ظل هذا سائدا حتى العصر العباسى الثانى‪ .‬وربما الى عهد ‪1‬‬
‫احمد بن طولون كما يبدو من سيرة أحمد بن طولون للمؤرخ البلوى الذى عاصر ابن طولون‪ .‬هذا مع ان أولئك المؤرخين كانوا‬
‫يطلقون على األعراب الذين وفدوا وعاشوا فى مصر ( المصريين ) ‪ ،‬ويبدو هذا خصوصا فى التأريخ للثورة على الخليفة‬
‫عثمان ‪ ،‬جاء وصف الثوار القادمين من مصر بالمصريين ـ بينما كان أصحاب البلد مصر ( أقباطا )‪ .‬ومن هذا الخلط أصبح إسم‬
‫‪ .‬مصر فى الغرب ( إيجيبت) من (جبت ) أو قبط‬
‫ـ المرحلة األولى من دخول المصريين ( األقباط ) دين العرب وتركهم المسيحية اإلرثوذكسية بدأت مع االضطهاد األموى ‪2‬‬
‫‪ .‬والعباسي ‪ .‬وقد عرضنا لهذا من قبل‬
‫ـ وقد كان انتشار دين العرب محدودا خالل الدولة األموية‪ .‬إال أن الضغط القاسي الذي مارسه األمويون على األقباط جعل ‪3‬‬
‫الكثيرين يحاولون النجاة منه بدخولهم دين األمويين هربا من الجزية وأمال في وضع أفضل وقد فطن األمويون إلى هدفهم هذا‬
‫فألزموهم بدفع الجزية ‪ .‬وقد أنكر عمر بن عبد العزيز على والى مصر ذلك الصنيع وكتب إليه (أن هللا بعث محمدا هاديا ولم‬
‫يبعثه جابيا) وتم رفع الجزية مؤقتا إال أن األمور عادت إلى ما كانت عليه وفرضت عليهم الجزية بعد عهد ( عمر بن عبد‬
‫‪.‬العزيز) القصير الذي لم يتجاوز ثالث سنوات‬
‫ـ ارتبطت حوادث االضطهاد في العصر األموي باعتناق الكثيرين من األقباط لدين المحتلين العرب ‪ ،‬خصوصا من الفقراء ‪4‬‬
‫الذين طمعوا في وضع أفضل ‪ .‬بينما تمسكت أغلبية األقباط بدينهم المتوارث ‪ ،‬وكان األساقفة والرهبان يفرون عند االضطهاد‬
‫إلى األديرة في الصحاري تمسكا منهم بعقيدتهم‪ .‬وحرص كبار المسيحية على الثبات إلى درجة شراء األسرى الرومان حتى ال‬
‫يرغموا على دخول دين الغزاة المحتلين ‪ .‬ومع ذلك فإن اضطهاد األمويين لألقباط جعل بعضهم يدخلون في دين األمويين ‪.‬‬
‫وأخمد األمويون والعباسيون ثورات األقباط بكل قسوة ‪ ،‬وأدرك األقباط عجزهم عن المقاومة المسلحة فاضطر لدخول دين‬
‫المحتل ‪ ،‬وطوي القلب على حقد دفين عبر المقريزي عنه بقوله( فرجعوا من المحاربة للمكايدة واستعمال المكر والحيلة‬
‫‪ .‬ومكايدة المسلمين)‬
‫وفى العصر المملوكى وصل بعضهم باعتناق دين الحاكم الى أرفع المناصب فاستخدموا نفوذهم في االنتقام من ( المسلمين ) ‪.‬‬
‫يقول عنهم المقريزي (فصار الذليل منهم بإظهار اإلسالم عزيزا يبدي من اذالل المسلمين التسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه‬
‫‪ :‬نصرانيته من إظهاره ‪ ,‬وما هو إال ما كتب به بعضهم إلى األمير بيدرا النائب‬
‫وإذا ما خلوا فهم مجرمونا‬ ‫اسلم الكافرون بالسيف قهرا‬
‫فهم ساللون ال مسلمونا‬ ‫سلموا من رواح مال وروح‬
‫ـ كما أن الدولة العميقة فى مصر إضطرت الى أن تتعلم العربية عندما فرض الوليد بن عبد الملك تعريب الدواوين فى كل ‪5‬‬
‫الواليات ومنها مصر والتى كان األقباط يكتبون حساباتهم وتقاريهم بالقبطية ‪ .‬الدولة العميقة فى مصر هى التى كانت تمسك‬
‫باإلدارة الداخلية ‪ ،‬وأهمها حسابات الضرائب وتوزيعات األراضى وعدد المواليد ‪ .‬ولقد تعاقب على مصر إحتالالت شتى بعد‬
‫زوال حكمها الفرعونى ‪ ،‬وأولئك المحتلون األجانب تركوا موظفى الدولة العميقة يديرون مصر وركزوا على إستنزافها من‬
‫خاللهم ‪ .‬أحتل مصر الفرس والبطالمة والروم‪ .‬جاء العرب ‪ ،‬وهم ال سابقة لهم بإدارة الدول الزراعية فكان منتظرا أن يستبقوا‬
‫الموظفين المصريين يمارسون عملهم‪ .‬فلما أمر الوليد بن عبد الملك بتعريب الدواوين حاولوا التملص فلم يستطيعوا فتعلموا‬
‫العربية حفاظا على وظائفهم ونفوذهم ‪ .‬بهذا بدأ إنحسار اللسان المصرى ( اللغة المصرية القبطية ) ‪ ،‬وقد ظلت مستعملة حتى‬
‫عصر احمد بن طولون كما يظهر فى سيرته المشار اليها‪ .‬ثم واصلت إنحسارها حتى إذا جاء عصر المقريزى وصل تراجعها‬
‫الى الصعيد واألديرة المسيحية والنوبة والقرى المنقطعة ‪ .‬وبطغيان ( اللغة العربية ) إضطر األساقفة المصريون األقباط الى‬
‫‪ .‬تعلمها وترجمة نصوصهم الدينية اليها‬
‫‪ :‬ـ اعتنق أغلب المصريين ما كان معروفا باالسالم فى الدولة الفاطمية على الطريقة الشيعية ‪ .‬ولهذا أسباب ‪6‬‬
‫الدولة الفاطمية حولت الحياة الدينية الى طقوس وإحتفاالت ( دينية إجتماعية ) ‪ ،‬وكان هذا يشمل الصالة ‪ ،‬خصوصا ‪6 / 1 :‬‬
‫صالة الجمعة ‪ .‬وإشتهر تسامح الفاطميين مع األقباط الى درجة إحتفاالتهم باألعياد المسيحية والقبطية ( ذات األصل الفرعونى )‬
‫‪.‬جنبا الى جنب مع األعياد الشيعية واألعياد المتوارثة كالعيدين‬
‫تشابه الحياة الدينية لالقباط مع الدين الشيعى فى العقيدة و الطقوس ‪ ،‬ومن التشابه بين العقائد منذ العصر الفاطمي كان ‪6 / 2 :‬‬
‫من السهل أن يغير الناس عقائدهم فالتغيير منصب على اإلشكال واألسماء أما المضمون فهو واحد في كل حاله ‪ ،‬فاالسماعيلية‬
‫‪..‬عقيدة الدولة الفاطمية تأخذ من كل النحل واألهواء في سبيل أن تنتشر دعوتها وأن يتمتع أئمتها بتقديس الناس‬
‫وهناك عامل سياسى ‪ ،‬إذ تقرب الفاطميون الى األقباط المصريين ألن الفاطميين الشيعة كانوا أقلية فى مواجهة أكثرية ‪6 / 3 :‬‬
‫من السنيين فى مصر ‪ ،‬وبسبب طول بقائهم فى مصر أصبحت لهم فيها جذور ونفوذ وتداخل فى الدول العميقة فى مصر ‪ ،‬أى‬
‫كانوا خطرا على الفاطميين ‪ ،‬لذا كان تشجيع األقباط للدخول فى ( التشيع ) على أنه االسالم ‪ .‬وبهذا التحق األقباط المتحولون‬
‫بالمساجد وانغمسوا فى االحتفاالت الدينية المتنوعة ‪ ،‬بل ال تزال العادات الدينية للمصريين المسلمين متأثرة بالطقوس الفاطمية‬
‫فى شهر رمضان والعيدين واألصناف الخاصة باألطعمة ‪ .‬ولم يخل العصر الفاطمى من إضطهاد لألقباط ‪ ،‬وأشهره ما حدث فى‬
‫‪.‬خالفة الحاكم بأمر هللا ‪ ،‬ولكن عانى الجميع من حمق هذا الخليفة حتى أقرب الناس اليه‬
‫ـ وأسس صالح الدين األيوبى دولته األيوبية على أنقاض الدولة الفاطمية ودينها الشيعى وبادر بحرب التشيع بتشجيع ‪7‬‬
‫التصوف السنى فأنشأ خانقاة سعيد السعداء ‪ ،‬وكانت لها رسومها فى تأدية صالة الجمعة فأثارت إعجاب المصريين ‪ ،‬وبدا‬
‫التحول الى التصوف السنى الذى ما لبث أن تسيد فى العصر المملوكى‪ .‬ومع إضطهاد األقباط فى العصر المملوكى فقد كان جملة‬
‫إعتراضية فى تاريخ إستمر قرونا ‪ ،‬وتغلب عليه أساطين األقباط بإعتناق الدين المملوكى ‪ ،‬وهذا الدين المملوكى ( التصوف‬
‫السنى ) فى أغلبه تسامح ‪ ،‬وفى أغلبه تشابه مع دين األقباط ‪ ،‬من حيث تقديس البشر والحجر وااليمان بكرامات األولياء‬
‫ومعجزات القديسين ‪ .‬بل كانت بعض حاالت اإلضطهاد مبعثها التنافس بين بعض األولياء وبعض القساوسة‪ .‬وفى العصر‬
‫المملوكى صار األغلبية الساحقة من المصريين على الدين المملوكى السائد ( التصوف السنى ) وتركوا دينهم القبطى وصاروا‬
‫‪.‬يقيمون الصالة ( الشيطانية ) التى كانت وسيلة للفساد األخالقى وقتها‪ .‬والتفاصيل فى موسوعة التصوف فى مصر المملوكية‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫ـ ومن خالل هذه العصور إستمر التواتر فى الصالة الشيطانية وفى الصيام السطحى وفى الحج للبيت الحرام والقبر الرجسى ‪1‬‬
‫‪ .‬المنسوب للنبى محمد وقبور األولياء وآل البيت ‪ ..‬إستمر التواتر فى العبادات مختلطا بتزوير وفساد وتقديس للبشر والحجر‬
‫‪.‬ـ والقرآن الكريم هو الحكم على هذا الزيف ‪2‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬التواتر التاريخى فى الصالة فى العصر العباسى ( ‪ 1‬من ‪) 2‬‬


‫مقدمة‬
‫ـ مع بداية التأريخ للمسلمين برز نوعان ‪ :‬الحوليات التى تؤرخ لألحداث بالحول أو العام‪ ،‬واشهرها تاريخ الطبرى‪ .‬ثم التأريخ ‪1‬‬
‫للشخصيات ‪ ،‬واشهرها ورائدها هو الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ( كاتب الواقدى) ‪ .‬وقد عرضنا لتواتر الصالة فى الحروب‬
‫والفتن من خالل ما كتبه الطبرى وما نقله عنه ملخصا ابن األثير فى تاريخه ( الكامل ) ‪ .‬اآلن نتعرف على التواتر التاريخى‬
‫‪ .‬للصالة من خالل ما كتبه ابن سعد فى طبقاته ‪ ،‬ونناقش رواياته‬
‫ـ وفى تفصيالت الصالة إرتدى ابن سعد ثوب الفقهاء وأصحاب الحديث ولم يتورع عن نسبة أحاديث مختلفة ومتناقضة للنبى ‪2‬‬
‫‪ .‬محمد عليه السالم ‪ ،‬والى كبار الصحابة ‪ ،‬وابن سعد من أعمدة مدرسة الحديث فى العراق‬
‫ـ ومع إختالفات الروايات وكذبها فهى تعبر عن خالفات الفقهاء وقتها ‪ ،‬وكل منهم كان يعزز رأيه بحديث ينسبه للنبى أو ‪3‬‬
‫لكبار أصحابه ‪ ،‬هذا بينما يصلى الناس الصالة بالتواتر بعيدا عن مشاحنات أولئك الفقهاء النظريين‪ .‬على أية حال فهذه الثرثرة‬
‫من الروايات تؤكد على التواتر التاريخى للصالة فى العصر العباسى ‪ ،‬أى إنهم فى خالفاتهم فى التفصيالت فهذا يعنى حضورا‬
‫‪ .‬للصالة فى حياتهم اليومية‬
‫أوال ‪ :‬قبل الصالة ‪ :‬الطهارة‬
‫‪ .‬ـ يلفت النظر أن القرآن الكريم تحدث عن الطهارة الواجبة قبل الصالة فى سورة النساء والمائدة ‪1‬‬
‫أى أن ما يعرف بالوضوء وما يسبقه من " إستنجاء " أو طهارة موضعية أو يتم التيمم عند تعذر استعمال الماء ‪ ...‬كل ذلك لم‬
‫يكن معروفا فى الفترة المكية ‪ .‬أى أن تشريع الطهارة ( الوضوء والغسل والتيمم ) جاء فى أواخر العهد المدنى ونزول القرآن‬
‫بالتفصيل فى آيتين ‪ .‬ونزل فى العهد المكى قوله تعالى فى أوائل ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى " وثيابك فطهر " ‪،‬‬
‫والمقصود أن الصالة كانت تؤدى وفق ملة إبراهيم بال وضوء أو غسل أو تيمم – مجرد الطهارة العادية – من البول والغائط –‬
‫‪ .‬ثم نزل تشريع الطهارة فى سورتى النساء والمائدة‬
‫ـ إن طهر المرأة من الحيض والمنصوص عليه فى األية الكريمة رقم ‪ 222‬من سورة البقرة ليس مقصودا فيه طهرها للصالة ‪2‬‬
‫بل هو طهرها هو للقاء الجنسى فحسب ‪ ..‬فالحيض ال يمنع الصالة والصوم أو الحج وعلى الحائض أن تطهر موضوعيا وتمنع‬
‫‪ .‬تدفق دم الحيض ‪ ،‬ثم تتوضأ وتصلى لكل صالة‬
‫ـ وفى الفقه السنى يكون البدء بباب الطهارة ‪ ،‬وهو باب ضخم جدا ووفقا لمنهج هذا الفقه يتم فيه التركيز على التفصيالت ‪3‬‬
‫السطحية وإهمال المقصود األصلى من العبادات والصالة وهو التقوى ‪ .‬تضخم باب الطهارة وصل إلى إفراد فصول كاملة ألنواع‬
‫المياه وكيفية الطهارة من البول والغائط والوضوء والغسل والمسح على الخفين والجبيرة وغيرها من فصول ‪ ،‬وتحتها من‬
‫تفصيالت هامشية ومضحكة ‪ ،‬وقد ازدادت تلك التفصيالت سماجة فى عصور التقليد والجمود منذ القرن السادس إلى نهاية‬
‫العصر العثمانى وكل هذه الفصول والتفصيالت تثير تساؤال هاما ‪ ،‬هل لم يكن المسلمون قبل – تدوين الفقه – يعرفون كيفية‬
‫اإلستنجاء والطهارة ؟ فاهلل تعالى اكتفى فى كل هذا الموضوع بآيتين فحسب تكرر فيها معظم تفصيالت الطهارة ‪ .‬والمقصود أنه‬
‫لو كان هناك حاجة ضرورية فى موضوع الطهارة لذكرها القرآن وبالتالى فإن أطنان المؤلفات المكتوبة فى فكر الطهارة كلها‬
‫‪ .‬ثرثرة وإضاعة وقت وال حاجة لها إال فى خيال الفقهاء فقط‬
‫أطنان المؤلفات الفقهية فى الطهارة كانت أيضا مجرد تنظير ال صلة له بالواقع الذى عاشه المسلمون قبل وأثناء ذلك التنظير‬
‫الفقهى والدليل أنها مجرد روايات قليلة فى تاريخ المسلمين تلك التى تعرضت لموضوع الطهارة ‪ .‬ونعرض لها من خالل ما جاء‬
‫‪ .‬فى الطبقات الكبرى إلبن سعد مع التذكير بأن معظمها قد تمت صياغته فى العصر العباسى بسبب الخالفات الفقهية‬
‫اإلستنجاء‬
‫‪ .‬ـ هو المصطلح الفقهى للطهارة الموضعية من البول والغائط ‪1‬‬
‫ـ يقول أبو الغريف ‪ :‬كنت أصلى مع " على " فى الرحبة فبال ثم دع بماء فغسل يده ‪ ،‬ثم قرأ سورا من القرآن " (ابن سعد ‪2‬‬
‫‪ ) 167 ، 6‬أى لم يغسل عضوه الذكرى بالماء ‪ ،‬مجرد أن غسل يديه ثم قرأ القرأن بغير وضوء ‪ .‬وهناك رواية طريفة يقول‬
‫صاحبها " أول من رأينا من البصرة يتوضأ هذا الوضوء هو عبدهللا بن أبى بكر ‪ ،‬قلنا ‪ :‬أنظروا إلى هذا الحبشى يلوط إسته‬
‫بالماء " ( ابن سعد ‪ ) 138 ، 7‬هذه الرواية مليئه بالمصطلحات فهى تصف اإلستنجاء بالوضوء ونفهم منها أن العرب اعتادت‬
‫أن تقوم بالطهارة الموضعية بالحجارة دون الماء ‪ .‬فلما رأو ابن أبى بكر يتطهر من الغائط باستعمال الماء قالوا ‪ :‬انظروا إلى‬
‫‪ .‬هذا الحبشى يلوط إسته "واإلست هو الشرج أو المؤخرة أو الدبر فى مصطلح الفقه‬
‫المسح على النعلين‬
‫‪ .‬ـ وبعض الروايات تجمع بين اإلستنجاء والمسح على النعلين ‪1‬‬
‫يقول ابن جندب " رأيت عليا يبول فى الرحبة حتى أرغى بوله ‪ ،‬ثم يمسح على نعليه ويصلى " أى أنه استنجى ومس على‬
‫نعليه فقط – دون وضوء ثم صلى ‪ .‬والمعنى المرأد هنا أن التبول ال ينقض الوضوء وال يحتاج إلى إستنجاء ويكفى المسح على‬
‫‪ .‬النعلين‬
‫ـ وتأتى رواية أخرى فى نفس الصفحة كأنها تصحح الموضوع أو لترد عليه ‪ ،‬يقول مالك بن الجون " رأيت عليا جلس فبال ‪2‬‬
‫ثم دعا بماء فتوضأ ‪ ،‬ومسح على الجوربين والنعلين " ( ابن سعد ‪ ) 168 ، 6‬والرواية هنا أنه تبول – ولم يستنج بغسل ذكره‬
‫‪ – .‬بل توضأ ومسح على الجوربين والنعلين دون غسل الرجلين‬
‫ـ والواضح إعتناء الفقه السنى بالمسح على الخفين أوالنعلين ‪ ،‬أو المسح على الحذاء والجوارب دون غسل القدمين ولهذا ‪3‬‬
‫وضعت هذه الروايات تسند لعلي المسح على النعلين والجوربين ‪ ،‬فقال كعب بن عبدهللا " رأيت عليا قام فبال ثم توضأ ‪ ،‬ومسح‬
‫على جوربيه ونعليه ثم قام فصلى لنا الظهر " ( ابن سعد ‪ ) 162 ، 6‬وقال أخر " بال على فى الرحبة ثم توضأ ومسح على‬
‫نعليه " ( ابن سعد ‪. ) 166 ، 6‬التركيز هنا على المسح على الخفين وإهمال غسل القدمين المذكور فى القرآن الكريم ‪ ،‬وبسبب‬
‫‪ .‬تركيزهم على النعلين نسوا اإلستنجاء من البول قبل الوضوء‬
‫ـ والتركيز هنا على " على بن أبى طالب " فى هذه النقطة يعطى إنطباعا كاذبا بأن عليا كان فى خالفته متفرغا للتبول ‪4‬‬
‫والمسح على النعلين وهو الذى قضى فترة خالفته فى حروب أهلية ومحن ومصائب وانقسامات وهزائم ال تتيح له وقتا‬
‫‪ ....‬إلستعراض بوله أما الناس‬
‫هذا اإلستغالل السمج لعلى فى قضية الطهارة والمسح على الخفين قوبل برواية أخرى تجعل محمد بن الحنفية – إبن على بن‬
‫أبى طالب – يرفض ما قيل أن أباه كان يفعل ‪ ،‬يروى ابن سعد أن ابن الحنفيه أراد أن يتوضأ وعليه خفان ونزعهما ومسع على‬
‫‪.‬قدميه ( ابن سعد ‪) 85 ، 5‬‬
‫ـ ورد المناصرون للمسح على الخفين برواية أكثر إيقاعا نسبوها لعمر بن الخطاب وهى رواية مضحكة قال بعضهم ‪ :‬أتينا ‪5‬‬
‫عمر نريد أن نسأله عن المسح على الخفين فقام فبال ثم توضأ ومسح على خفيه فقلنا إنما أتيناك لنسألك على المسح على‬
‫‪ .‬الخفين فقال ‪ :‬إنما صنعت هذا من أجلكم ( ابن سعد ‪) 83 ، 6‬‬
‫أى أن عمر بن الخطاب عرف باإللهام – أو بالوحى – أنهم جاءوا خصيصا ليسألوه على المسح على الخفين أى أنها قضية‬
‫خالفيه كانت موجودة فى عهد عمر بن الخطاب ولذلك جاءوا يسألوه عن رأيه فيها ‪ .‬وألن عمر كان عندهم ملهما فقد بادر‬
‫وتوضأ من أجلهم وتوضأ من أجلهم ومسح على خفيه أيضا من أجلهم ‪ ،‬فلما سألوه عن القضية الهامة التى جاءوا من أجلها‬
‫قال إنما صنعت هذا من أجلكم ‪ .‬هى رواية مضحكة مبكية تذكرنا بما ذكره البخارى عن السيدة عائشة فى تعليم الناس كيفية‬
‫‪ ....‬الغسل‬
‫ـ كثيرة هى التفصيالت الفقهية عن اإلستنجاء بالحجر وبالماء وعن كيفية إستنجاء المرأة وكثيرة هى الخالفات الفقهية حول ‪6‬‬
‫الطهارة باألنواع المختلفة للماء ‪ ،‬وهل يجب التطهر من الريح بدون صوت أو بصوت ‪ ! .‬تفصيالت مخجلة تعبر عن تدهور‬
‫‪ .‬خطير ومؤلم فى عقلية الفقه السنى‬
‫الوضوء‬
‫ـ لم يرد هذا المصطلح فى القرآن ‪ ،‬وإنما هو ابتداع فى دين الفقه السنى‪ .‬ولم يكتف الفقه السنى بتفصيالت القرآن المحكمة ‪1‬‬
‫‪ .‬فى غسل األعضاء فأطنبوا وبلغوا فى الثرثرة واإلختالف إلى درجة الملل‬
‫ـ والروايات التاريخية ال شأن لها بذلك التطويل الفقهى ‪ .‬يقول عمرو ذو مر " رأيت عليا توضأ ثم أخذ كفا من الماء فصبه ‪2‬‬
‫على رأسه ‪ ،‬ثم دلكه " ( ابن سعد ‪ ) 169 ، 6‬أى أن عليا توضأ كالمعتاد ثم صب ماءا على رأسه ودلك رأسه ‪ ،‬ورواية أخرى‬
‫ألبى حية أن عليا قام فبال بالرحبة ‪ ،‬ثم قال إن توضأت فانثر " ( ابن سعد ‪ ) 165 ، 6‬أى أن عليا بلغ الوضوء عضلة ساقية‬
‫‪ ( .‬ابن عباس ‪ ) 147 ، 7‬أى هو تطوع أخر بغسل المزيد من الرجل والساق‬
‫‪ .‬ـ ويذكر ابن سعد أيضا أن شريح القاضى كان يصلى الصلوات كلها بوضوء واحد ( ابن سعد ‪3 ) 98 ، 6‬‬
‫التيمم‬
‫وينسب ابن سعد إلى من يسمى أسلع خادم النبى أن النبى قال له ‪ :‬با أسلع قم فأرحل لى فقلت يا نبى هللا أإصابتنى جنابة فسكت‬
‫ساعة وأتاه جبريل عليه السالم بأية الصعيد ‪ ،‬فدعانى النبى فأرانى كيف أمسح ‪ ،‬فمسحت ورحلت له وصليت ‪ ،‬فلما انتهى إلى‬
‫‪ .‬الماء قال لى قم يا أسلع فاغتسل " ( ابن سعد ‪) 45 ، 7‬‬
‫وأقول إذا كان لهذا األسلع وجود حقيقى وأنه عاش فعال بعد موت النبى محمد فإنه كان كذابا كذبا ال يبارى إذا كان قد حكى فعال‬
‫‪ .‬تلك الرواية‬
‫ثانيا ‪ :‬الصالة‬
‫‪ :‬صورة عامة للصالة‬
‫ـ عموما كان عمر بن عبدالعزيز نموذجا للمسلم الملتزم سواء فى خالفته القصيرة أو حين تولى إمارة المدينة سنة ‪ 87‬وهو ‪1‬‬
‫ابن ‪ 22‬عاما فى خالفة عمه الوليد بن عبدالملك ‪ .‬جذب األمير الشاب إهتمام أهل المدينة بحرصه على الصالة فى الوقت الذى‬
‫اشتهر فيه أهله األمويين بإماتتها وتأخيرها وإهمالها واستغاللها سياسيا ‪ .‬عندما جاء الشاب عمر بن عبدالعزيز واليا على‬
‫المدينة كان ال يزال فيها بقية من مخضرمى الصحابة منهم أنس بن مالك الذى انبهر بالوالى الجديد ‪ ،‬فصلى خلفة وقال بعدها "‬
‫ما صليت وراء أحد أشبه برسول هللا من هذا الفتى " يعنى عمر بن عبدالعزيز ‪ .‬وقال عنه أحد التابعين وهو الضحاك " كنت‬
‫أصلى وراءه فيطيل األولين من الظهر ويخفف األخرين ‪ ،‬ويخفف العصر ‪ ،‬ويقرأ فى المغرب بقضاء المفصل ‪ ،‬ويقرأ فى العشاء‬
‫بوسط المفصل ‪ ،‬ويقرأ فى الصبح بطوال المفصل " ابن سعد ‪ . 244 ،5‬المفصل يعنى السور القرآنية المدنية الطويلة نوعا ‪.‬‬
‫أى أن هذه الكيفية للصالة أشبة ما يكون بصالة النبى محمد عليه السالم ‪ .‬وال نستطيع بالطبع التحق من تطابق هذا مع صالة‬
‫‪ .‬محمد عليه السالم فى نوعية ما يقرأ من القرآن فى الصالة بعد الفاتحة أو فى تخفيف الركعات فى بعض الفرآئض‬
‫‪ .‬القراءة فى الصالة ‪ .‬على أن هناك تفصيالت أخرى فيما كان يقال فى الصالة‬
‫ـ ومن القضايا المثارة وكانت مدار خالف بين المدرستين ‪ ،‬هو قراءة الفاتحة ‪ :‬هل يجب على المأموم قرائتها إذا قرأها ‪2‬‬
‫األمام أو أن يكتفى بالسماع لإلمام والتأمين بعده ؟ حيث رأت المدرسة العقلية أنه ال يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة إكتفاءا‬
‫بالتأميم مع اإلمام أو بعده بينما صممت مدرسة الحديث على وجوب قراءة المأموم للفاتحة ‪ ،‬وروت فى ذلك حديثا يقول فيه‬
‫عمر بن الخطاب " ال صالة إال بفاتحة الكتاب وشىء معها ‪ ،‬فقال له رجال ‪ :‬فإن كنت خلف إمام ؟ فقال عمر ‪ :‬فاقرأ بنفسك "‬
‫( الطبقات الكبرى ‪) 101 ، 6‬‬
‫‪ .‬وهو خالف فقهى نظرى ‪ ،‬ولكن جاء ابن سعد بتلك الرواية ليعزز حجة المدرسة الحديثية التى ينتمى إليها‬
‫وعموما فهذه الرواية لعمر تتناقض مع رواية أخرى ‪ .‬يقول بعضهم " صلى بنا عمر بن الخطاب المغرب فلم يقرأ بنا فيها شيئا‬
‫‪ ( " .‬الطبقات الكبرى ‪) 104 ، 6‬‬
‫‪ :‬ـ وعن قراءة القرآن فى الصالة ‪3‬‬
‫يروى ابن سعد ان عثمان بن أبى العاص الثقفى قال له النبى أن يقرأ بقومه فى الصالة باسم ربك الذى خلق وأشباهها ‪3 / 1 :‬‬
‫من القرأن ( ‪ ) 273 : 372 ، 5‬وهى رواية تدل على أن الصالة لم تكن معروفة من قبل ‪ ،‬واستلزم أن يعلمها النبى محمد‬
‫للعرب‪ ،‬وهذا يخالف النسق القرآنى الذى فصلنا القول فيه سابقا ‪ ،‬وربما أورد ابن سعد هذه الرواية تعبيرا عن جدل فقهى احتدم‬
‫فى عصره أو قبله ‪ ،‬ولقد ثار جدل بين مدرسة الرأى فى العراق التى يتزعمها ابن حنيفة فى أواخر العصر األموى وأوائل‬
‫العصر العباسى ومدرسة الحديث التى كان يتزعمها مالك بن أنس فى المدينة ‪ ،‬ثم انتقلت للعراق وكان من أتباعها المؤرخ‬
‫محمد بن سعد ‪ ،‬وكانت هذه المدرسة ترد على المدرسة العقلية بإختراع روايات ينسبها للنبى محمد عليه السالم ‪ ،‬وقد سجل‬
‫ابن سعد معظمها فى الطبقات الكبرى ‪ .‬وهذه الرواية تتداخل مع رواية أخرى يرفعها ابن سعد للنبى محمد عليه السالم ‪ .‬انها‬
‫روايه مسعود بن يزيد األسدى القائل ‪ :‬شهدت رسول هللا يقرأ فى الصالة فترك شيئا لم يقرأه فقال رجل ‪ :‬يا رسول هللا تركت آية‬
‫‪ .‬كذا وكذا فقال ‪ :‬مهال أال ذكرتينها إذا ( ابن سعد ‪ ) 33 ، 6‬والواضح أنه عن قراءة شىء مع الفاتحة‬
‫وكان مشهورا عن عمر بن الخطاب ‪،‬فى خالفته أنه كان يقرأ سورة يوسف فى الفاتحة ‪ ،‬ويقول أحدهم " صلى بنا عمر ‪3 / 2 :‬‬
‫الفجر فقرأ فى الركعة األولى سورة يوسف " ( ابن سعد ‪ ) 102 ، 6‬أما شماس مولى العباس ابن المطلب فقد حفظ سورة‬
‫يوسف من فم عمر بن الخطاب وهو يتلوها فى الصالة ( ابن سعد ‪ ) 63 ، 5‬أى أن عمر كان يتلوها كل صالة حتى حفظها‬
‫شماس وهو مولى أعجمى !!! ‪ ،‬ولم يتقيد بهذا أخرون مثل سعيد بن المسيب فقيه التابعين فى المدينة ‪ ،‬الذى كان يقرأ فى‬
‫الصالة بعد الفاتحة سورة الشمس وضحاها ( ابن سعد ‪ ) 104 ، 5‬أما سعيد بن جبير فقيه العراق والبصرة فكان يقرأ فى‬
‫صالته " إذ األغالل فى أعناقهم والسالسل يسحبون " ( ابن سعد ‪ ) 181 ، 6‬وهذا مفهموم من أكبر معارض لألمويين فى‬
‫‪ .‬عصره ‪ ،‬ومات قتيال على يد الحجاج سفاح بنى أمية‬
‫الطريف أن القاضى األموى زرارة بن أوفى الحرشى كان يؤم الناس فى مسجد بنى قشير فى صالة الفجر حتى بلغ " ‪3 / 3 :‬‬
‫‪ .‬فإذا نقر فى الناقور فذلك يوم عسير " فسقط ميتا يقول الراوى فكنت فيمن حمله " ( ابن سعد ‪) 109 ، 7‬‬
‫ـ وفى الجهر فى القراءة هناك إختالف ؛ فسعيد بن المسيب كان يجهر بالبسملة بينما كان عمربن عبدالعزيز ال يجهر بالصالة ‪4‬‬
‫‪ .‬حين كان يؤم الناس ( ابن سعد ‪)246 ، 98 ،5‬‬
‫‪ :-‬القنوت‬
‫وهناك خالف أيضا فى " القنوت " أو الدعاء فى صالة الصبح ‪ ،‬مما نفهم منه أنه إختيارى وليس فرضا فى الصالة ؛ يقول‬
‫بعضهم " صليت خلف (علي )فقتنت فى الركعتين كليهما " ( ابن سعد ^ ‪ " ) 125 ،‬وقبله كان أبو رافع يصلى مع عمر بن‬
‫الخطاب سنتين ‪ ،‬وكان عمر يقنت بهم فى الركعة " ( ابن سعد ‪ . ) 89 :88 ، 7‬أما سعيد بن جبير فكان يصلى وال يقنت فى‬
‫الصبح ( ابن سعد ‪)182 ، 6‬‬
‫‪ :‬حركات الصالة‬
‫‪ .‬وجاءت روايات فى تفصيالت حركات الصالة‬
‫ـ يروى سعد عن مالك بن عبدهللا الخزاعى قوله " غزوت مع رسول هللا فما صليت خلف إمام يؤم الناس أخف من رسول هللا ‪1‬‬
‫" ( ابن سعد ‪ ، ) 41 ، 6‬وهذا خالف ما يعتقده المتشددون فى الصالة ‪ ،‬وحركاتها من سجود وقيام دون فهم للخشوع والتقوى‬
‫‪ ،‬ويروى ابن سعد عن أحدهم يقول " رأيت أبا إسحاق وهو يصلى بنا فيأخذ قلنسوته من األرض فيلبسها أو يأخذها عن رأسهه‬
‫‪ .‬فيضعها " ( ابن سعد ‪) 219 ، 6‬‬
‫ـ فى هيئة الذراع واليد فى الصالة يروى عطية الكندى أن النبى محمد " كان يصلى ويده اليمنى على اليسرى فى الصالة " ‪2‬‬
‫( ابن سعد ‪ ) 144 ، 2 ، 7‬ويقول سمير الخزاعى عن أبيه " رأيت رسول هللا واضعا يده اليمنى على فخذة اليمنى يشير إلى‬
‫الصالة بأصابعه " ( ابن سعد ‪ ) 33 ، 6‬وفى رواية أخرى لنفس الراوى أنه رأى النبى محمد " يصلى واضعا ذراعه اليمنى‬
‫على فخذه اليمنى رافعا أصبعه السبابة وهو يدعو ‪ ،‬قد أحناها شيئا " ( ابن سعد ‪ . ) 43 ، 7‬وروايات أخر تمت نسبتها ليس‬
‫‪ .‬للرسول محمد وإنما للتابعين ‪ ،‬فيقول أحدهم ( رأيت الحسن البصرى يصلى ويده فى طليسانه " ( ابن سعد ‪) 117 ، 7‬‬
‫ـ ومن الطريف فى هذا الشأن ما جاء فى تاريخ األندلس ‪ ،‬فقد كان أبو جعفر القيصى كاتبا لألمير فرج بن األحمر ملك ‪3‬‬
‫األندلس وقد خرج من األندلس ألنه كان يرفع يده فى الصالة على ما صح فى الحديث ‪ ،‬فبلغ ذلك السلطان فتوعده بقطع يده ‪،‬‬
‫فضج من ذلك وقال ‪ :‬أن إقليما يمات فيه سنة رسول هللا حتى يتوعد بقطع اليد من يقيمها " فخرج من األندلس لهذا السبب‬
‫ووفد إلى مصر ( الوافى بالوقيات ‪) 418 ، 6‬‬
‫‪ ...‬ـ وهناك تفصيالت شتى فى الركوع والسجود والقيام منها ‪4‬‬
‫يروى أن فقيه المدينة فى العصر األموى سعيد بن المسيب كان يصلى محتبيا فكان إذا أراد ان يسجد أحل حبوته فسجد‪4 / 1 :‬‬
‫ثم عاد فاحتبى ‪ ،‬وكان ربما حل أزاره فى الصالة وربطها ‪ ،‬وفى مرض موته كان يصلى مضطجعا مستلقيا فيومأ برأسه إلى‬
‫‪ .‬صدره‪ ....‬وال يرفع رأسه شيئا فشيئا ( ابن سعد ‪) 104 ، 103 ، 105 ، 5‬‬
‫أما سالم مولى عمر فكان يصلى جالسا ‪ ،‬وكان يجعل قيامه متربعا فإذا أراد الجلوس جثا ( ابن سعد ‪ ،) 147 ، 5‬وقال ‪4 / 2 :‬‬
‫‪ .‬أحدهم كان الربيع بن الهيثم يومىء وهو متكىء إلى سارية ‪ ،‬وهو يشتكى " أى من مرض ( ابن سعد ‪) 131 ، 6‬‬
‫ومراعاة لحال اإلمام إذا كان شيخا وضعوا حديثا يقول فيه النبى " أنى قد بدنت فال تبادرونى بالركوع وال تبادرونى ‪4 / 3 :‬‬
‫بالسجود ‪ ،‬فمن فاته ركوعى أدركه فى بطء قيامى" ( ابن سعد ‪ ) 138 ، 6‬وهذا أسلوب فقهى نستبعد أن يقوله ابن مسعود فى‬
‫‪ .‬عصره‬
‫ويقول الهيثم بن شهاب " ألن أقعد رضفتين أحب من أن اقعد متربعا فى الصالة " ( ابن سعد ‪ ، ) 138 ، 6‬وهى ‪4 / 4 :‬‬
‫بالطبع وجهة نظر مثل كل ما قيل من قبل ‪ ..‬وقد زعم وابصة بن معبد األسدى أنه صلى خلف الصفوف وحده فأمره النبى أن‬
‫!يعيد صالته ( ابن سعد ‪ ) 176 ،2 ،7‬فهل يصح هذا ؟‬
‫التسليم فى نهاية الصالة‬
‫‪ .‬وفى التسليم أخر الصالة جاءت روايات مختلفة‬
‫ـ هناك من يجعل تسليمتين بعد الصالة ‪ ،‬يقول مسروق بن األجدع ‪ .‬صليت خلف أبا بكر الصديق فسلم على يمينه وعن شماله ‪1‬‬
‫( ابن سعد ‪ ) 51 ، 50 ، 6‬وذكر بعضهم أنه صلى خلف ( على ) فسلم تسليمتين ‪ :‬السالم عليكم ‪ ...‬السالم عليكم ( ابن سعد ‪6‬‬
‫‪) 123 ،‬‬
‫‪ .‬ـ بينما ذكر أن سعد بن عمر بن عبدالعزيز كان يسلم واحدة تجاه القبلة ( ابن سعد ‪2 ) 246 ، 5‬‬
‫‪ .‬ـ وبعد التسليم واإلنتهاء من الصالة كان عمر بن الخطاب يكبر هللا أكبر وهلل الحمد ثالثا بعد كل صالة ( ابن سعد ‪3 ) 267 ، 5‬‬

‫التواتر التاريخى فى الصالة فى العصر العباسى ( ‪ 2‬من ‪) 2‬‬


‫الصالة والثياب‬
‫‪ .‬ـ وهناك روايات تتحدث عن الصالة فى الثياب ‪1‬‬
‫ـ ولم تكن تلك مشكلة فى عهد النبى حيث البساطة فى الثياب والفقر لذا قيل " كان الرجل من أصحاب النبى ليصلى أو ليؤم ‪2‬‬
‫فى جبة واحده ليس عليه غيرها ( ابن سعد ‪ ) 231 ، 6‬وقد سئلت أم سلمة فيم تصلى المرأة من الثياب ؟ فقالت‪ :‬فى الخمار‬
‫‪ .‬والدرع الذى يوارى ظهور القدمين ( ابن سعد ‪) 350 ، 8 ،‬‬
‫ـ واختلف الحال فى العصر األموى حيث عرفوا الثياب الفارسية ومنه الطيلسان مع أنواع مختلفة من الزى ‪ ،‬وكان لها ‪3‬‬
‫تسميات مختلفة ‪ ،‬فكانت لكل واحد طريقته فى الزى وكانت لكل واحد طريقته فى الصالة فى هذا الزى ‪ ،‬فكان األسود بن يزيد‬
‫يسجد فى برنس طيالسه ‪ ،‬ويداه فيه أو فى ثيابه ‪ ،‬وقد توفى فى الكوفة سنة ‪ 75‬هــ ( ابن سعد ‪ ) 94 ، 5‬وكان مسروق يصلى‬
‫فى برانسه ومسائقة ال يخرج يده منها ( ابن سعد ‪ ) 51 ، 50 ، 6‬وكان مكحول إذا صلى يسدل عليه الطيلسان كثيرا ( ‪/ 7‬‬
‫‪ .) 161 ، 2‬وقد أهديت لعلى زين العابدين بن الحسين معتقه فكان يلبسها فإذا أراد أن يصلى نزعها ( ابن سعد ‪. ) 161 ، 5‬‬
‫أما الحسن البصرى فكان ال يخرج من البهرجة فى ثيابه ‪ ،‬إذ كان يصلى كما يقول أحدهم "رأيت الحسن البصرى يصلى وعليه‬
‫‪.‬قبيصة كثيرة األعالم ‪ ،‬فال يخرج يده منها إذا سجد "( ابن سعد ‪) 126 ، 7‬‬
‫ـ وضمن معالم الترف التى عرفها العرب فى العصر األموى إستخدام السجادة فى الصالة ‪ ،‬وقد سئل سعيد بن المسيب عن ‪4‬‬
‫‪ .‬الصالة فى الطنفسة ( السجادة ) فقال محدث أى ابتداع ( ابن سعد ‪) 99 / 5‬‬
‫‪ :‬صالة الجماعة واألمام‬
‫‪ .‬ـ وكانت الصالة تلتئم وتكتمل صفوفا خلف األمام ‪1‬‬
‫ـ وهذه حكاية طريفة عن الربيع بن خيثم أحد مشاهير العابدين والمثقفين " كان فى المسجد رجل خلفه ‪ ،‬فلما بدأ الصالة ‪2‬‬
‫جعل الرجل يقول له ‪ " :‬تقدم " ‪ ،‬وال يجد الربيع مساغا بين يديه ‪ ،‬فرفع يده فوجأ بها فى عنق الربيع وال يعرف الربيع ‪،‬‬
‫فالتفت إليه الربيع وقال له ‪ :‬رحمك هللا ‪ ..‬فبكى الرجل حين عرف ربيعا " ( ابن سعد ‪) 130 ، 6‬‬
‫ـ وتحدثت بعض الروايات عن اإلمام فى الصالة ‪ ،‬ووجدوا الجرأة فى نسبتها للنبى بزعمهم ‪ " .‬يروى أن سعد بن مسلمة ‪3‬‬
‫الرمى قال ‪ :‬أتينا رسول هللا فقلنا يا رسول هللا من يصلى بنا ؟ فقال يصلى بكم أكثركم أخذا أو جمعا بالقرآن ‪ ،‬فكان مسلمة‬
‫الجرمى يصلى بهم فى مسجدهم وعلى جنائزهم ال ينازعه أحد حتى مات " (ابن سعد ‪ . ) 63 ، 7‬أما عن عثمان بن أبى العاص‬
‫الثقفى فيزعمون أنه كان مع وفد ثقيف الذى وفد على النبى يعلن أسالمه وكان عثمان أصغرهم ‪ ،‬وقد جعله النبى أميرا اى إماما‬
‫عليهم فى الصالة ‪،‬وقال له ‪ ،‬أن يتخذ مؤذنا ال يأخذ على أذانه أجرا ‪ ،‬وإذا أّم قومه فأقدرهم بأضعفهم ( أى يصلى بهم قدر ما‬
‫‪ .‬يتحمل الضعيف ) وإذا صليت لنفسك فأنت وما ذاك " وقال له ‪ :‬خفف عن الناس الصالة ( ابن سعد ‪) 373 ، 372 ، 5‬‬
‫ـ وهنا تأثر ضمنى بثقافة عصرها حيث يكون الوالى األول هو والى الصالة أة اإلمام فى الصالة ‪ ،‬ضمن المدلول السياسى ‪4‬‬
‫للصالة ‪ .‬وحين تولى األمويون الحكم كانت إمامة الصالة ضمن مهامهم الدينية السياسة مع عدم اإلهتمام بها ‪ .‬لذا كان‬
‫المعارضون لهم من الفقهاء متمسكين بالصالة والخشوع فيها كنوع من المزايدة الدينية بعد ان احتكر األمويين الدنيا لهم ولذلك‬
‫راج فى األحاديث روايات تجعل إمامة الصالة حقا للفقيه أوالقارىء‪ .‬والقراء ( بالجمع ) كان المدلول الذى يطلق على الفقهاء‬
‫المتعبدين فى هذا الوقت المبكر فى القرن األول الهجرى وكانوا يرون أنفسهم األحق بإمامة الصالة طالما احتكر األمويون‬
‫السياسة وجعلوا أنفسهم أيضا أئمة الصالة ‪ ..‬فى هذه البيئة نبتت هذه األحاديث ‪ .‬والحسن البصرى أشهر معارض مسالم‬
‫لألمويين كان أشهر أئمة عصره فى الصالة يقول شعبة " رأيت الحسن البصرى قام إلى الصالة فتكالبوا عليه " ( ابن سعد ‪، 7‬‬
‫‪ ، ) 116‬أى بمجرد أن قام يصلى تكالبوا ليصلوا وراءه مأمومين ‪ .‬واشتهر معروف بن واصل أنه ظل إماما فى الصالة لقومه‬
‫‪ .‬ستين سنة لم يسه ( من السهو ) فى صالة قط ‪ ،‬ألنها كانت تهمة ( ابن سعد ‪) 248 / 6‬‬
‫‪ :‬ـ وفى العصر العباسى ‪5‬‬
‫اختلف الحال ‪ ،‬فالواقدى المؤرخ ( استاذ محمد بن سعد ‪ " :‬كاتب الواقدين ) كان مقربا من الخلفاء العباسيين ولم يكن ‪5 / 1 :‬‬
‫متدينا ‪ ،‬وحدث أن صلى بعضهم خلفه فى صالة الجمعة ‪ ،‬فقرأ الواقدى األية الكريمة خطأ إذ قال " أن هذا لفى الصحف األولى‬
‫صحف عيسى وموسى " هذا ما رواه المؤرخ الصفدى فى ‪ ( :‬الوافى بالوفيات ‪) 240 ، 4‬‬
‫وفى الدولة العباسية كانت إمامة الصالة ضمن الوظائف الرسمية وكان القاض يوسف بن يعقوب يصلى بالناس الجمعة ‪5 / 2 :‬‬
‫‪.‬بأمر هارون الرشيد فى مدينة أبى جعفر المنصور ‪ ،‬أى بغداد ( ابن سعد ‪) 79 ، 2 / 7‬‬
‫وكان الخليفة العباسى يصلى إماما بالناس ‪ .‬واشتهر الخليفة المهدى بإمامة الصالة ‪ ،‬وحين قدم للبصرة ( صلى ‪5 / 3 :‬‬
‫بالناس الصلوات الخمس فى مسجدها الجامع ‪ ،‬وعندما أقيمت الصالة قال أعرابى للخليفة ‪ " :‬لست على طهر وقد رغبت فى‬
‫الصالة خلفك فأمر هؤالء بانتظارى" ‪ ،‬فقال الخليفة ‪ :‬انتظروه ‪ ،‬ووقف الخليفة فى المحراب إلى أن قيل ‪ :‬قد جاء الرجل فكّب ر ‪،‬‬
‫‪ .‬فيعجب الناس من سماحة أخالقه )( السيوطى تاريخ الخلفاء ‪) 442‬‬
‫ويحكى الجوزى هذه الطرفة فى كتابه أخبار األذكياء (صــ ‪ : ) 142‬حكى يموت ابن المزرع ‪ :‬كان أبى والجماز يمشيان ‪5 / 4 :‬‬
‫وأنا خلفهما بالعشى ‪ ،‬فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمر عليه فيصلى معه ‪ ،‬فلما رآنا قام للصالة مبادرا ‪ .‬فقال له الجماز ‪ " :‬دع‬
‫‪ ".‬عنك هذا فإن رسول هللا قد نهى أن يتلقى الجلب‬
‫أوقات الصالة‬
‫‪ .‬ـ وردت إشارات عن مواقيت الصالة واإلجتهاد فى تحديدها ضمن سطور الطبقات الكبرى البن سعد ‪1‬‬
‫ـ منها ما ورده حميد بن عبدالرحمن بن عوف ‪ .‬قال " رأيت عمر و عثمان يصليان المغرب فى رمضان إذا نظرا إلى الليل ‪2‬‬
‫األسود ثم يفطران بعد" ( ابن سعد ‪ ) 114 ، 5‬والواضح فى الرواية أنها أكثر داللة على وقت اإلفطار فى رمضان ‪ ،‬فاهلل تعالى‬
‫يقول "‪ُ ( :‬ثَّم َأِتُّم وا الِّصَي اَم ِإَلى الَّلْي ِل ) ‪: 187‬البقرة) والخالف فى موعد بدء الليل ‪ ،‬هل هو مجرد غروب الشمس أخذا من‬
‫السياق القرآنى ‪( :‬والليل إذا سجى " " والليل إذا عسعس " " والليل إذا يغشى " وعليه فإن الغروب هو بداية الليل ‪ ،‬وهو‬
‫وقت اإلفطار فى الصيام ‪ .‬والفقهاء لم يلتفتوا للسياق القرآنى األنف ‪ ،‬بل كان أسهل عليهم وضع رأيهم فى حديث منسوب للنبى‬
‫محمد عليه السالم ‪ ،‬وهكذا فعلوا فى حديث التعجيل باإلفطار ‪ ،‬وفى المقابل جاء أخرون يؤخرون اإلفطار فى رمضان إذا حل‬
‫الليل وبعد أن يصليا المغرب ‪...‬أى اإلنتظار قبل العشاء ‪ .‬المستفاد من الرواية السابقة أن هدفها األساسى ليس تحديد وقت‬
‫‪ .‬صالة المغرب فالمغرب ال يحتاج إلى ذلك فإسمه مشتق من الغروب‬
‫ـ وهناك روايه أخرى يقول صاحبها " وكنا قعودا عند ( على ) فجاء ابن النباح يؤذنه بصالة العصر فقال ‪ :‬الصالة الصالة ‪3 ،‬‬
‫ثم قام بعد ذلك فصلى بنا العصر فجثونا للركب لنبصر الشمس وقد ولت ‪ ( ) ..‬ابن سعد ‪. ) 166 ، 6‬هذه الرواية تؤخر صالة‬
‫‪ .‬العصر إلى ما قبيل المغرب بدون عذر‬
‫ـ وتقترب منها روايه أخرى تقول الجديد الذى ابتدعه الفكر التراثى هو األوقات التى حظروا فيها الصالة ‪ ،‬أو جعلوها مكروها ‪4‬‬
‫وكالعادة اختلفوا فيها وال شأن لنا بإختالفهم إال أنهم وضعوا فى ذلك حديثا رواه ابن سعيد يزعم فيه أن النبى محمد قال ‪ :‬ان‬
‫الشمس تطلع من قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها فإذا ارتفعت فارقها ‪ ،‬وقارنها حتى تستوى ‪ ،‬فإذا نزلت للغروب قارنها ‪ ،‬وإذا‬
‫غربت فارقها ‪ ,‬فال تصلوا هذه الساعات " (ةابن سعد ‪ ) 142 ، 2 ، 7‬ولتأكيد بعض فقرات هذا الحديث المفترى رووا أن خالد‬
‫بن الوليد كان يضرب الناس على الصالة بعد العصر ( ابن سعد ‪ ) 148 ، 6‬وهذه األساطير الفقهية كانت وال تزال بعيده عن‬
‫جمهور المسلمين ‪ ،‬وإن كان بعض الفقهاء قد التزم بها ‪ ،‬يدلنا على ذلك أن محتاال قام بتقليد الفقهاء المتنطعين فى المسجد‬
‫للعبادة وقد حكى ابن الجوزى قصته فى أخبار األذكياء وكيف سافر إلى حمص ‪ ،‬وانقطع بالمسجد متظاهرا بالعبادة والصالة "‬
‫) فصلى نهاره أجمع وليلته ال يستريح إال األوقات المحظور الصالة فيها " أخبار األذكياء ‪ 107‬تحقيق مرسى الخولى‬
‫الصالة فى النعلين ( الحذاء )‬
‫ـ مشهور اآلن عدم الصالة لمن يلبس النعلين ‪ ،‬كان المعروف فى العصر األموى الصالة فى النعلين ‪ ،‬واشتهر بذلك بعضهم ‪1‬‬
‫الذى " كان يصلى فى نعليه " ( ابن سعد ‪ ) 49 / 6‬وقال عباد بن راشد " رأيت الحسن البصرى يصلى فى نعليه " ( ابن‬
‫سعد ‪ ) 116 / 7‬وقال سالم بن يسار " أنى ألصلى فى نعلى وخلعهما أهون على وما أبتغى بذلك إال السنة " ( ابن سعد ‪، 7‬‬
‫‪) 136‬أى أن السنة هى أن تصلى البسا نعليك شأن بقية اللباس والزى ‪ .‬وال بأس من ذلك ‪ ،‬ولكن هل يجرؤ أحد شيوخ الفقه‬
‫السنى فى عصرنا على أن يؤم الناس فى المسجد وهو البس حذائه ؟‬
‫ـ وبالمناسبة هل يجرؤ أحدهم على أن يؤدى الصالة فى كنيسة ؟ ‪2‬‬
‫مكان الصالة‬
‫ـ يروى سعد أن عمر بن عبدالعزيز صلى إماما بأصحابه فى كنيسة ( ‪ ) 284 ، 5‬وقبيل وفاته اشترى عمر بن عبدالعزيز ‪1‬‬
‫موضعا فى دير سمعان ‪ ،‬اشتراه من الراهب المسئول عن الدير بدينارين ‪ ،‬وقد عرض الراهب أن يعطى األرض إلى عمر مجانا‬
‫ولكنه رفض ‪ ،‬قال له الراهب ‪ :‬يا أمير المؤمنين وهللا إنه لخير أن يكون قبرك فى أرضى " فأبى عمر وابتاعه منه ( ابن سعد ‪5‬‬
‫‪) 299 ، .‬‬
‫ـ وبعضهم كان ال يرى بديال عن المسجد مكانا للصالة ‪ ،‬ومنهم الربيع بن خيثم ‪ ،‬الذى اعتاد حضور صالة الجمعة فى المسجد ‪2‬‬
‫طيلة عمره ‪ ،‬وقد أصيب فى أخر عمره بالفالج فكانوا يقودونه إلى المسجد ويقولون له يا أبا زيد قد رخص لك فيقول ‪ :‬اى‬
‫أسمع حى على الصالة ‪ .......‬حى على الفالح ‪ ،‬فإن استطعتم فأتوها ولو حبوا " ‪ .‬وقال بعضهم " ما رأيت حّي ا أكثر جلوسا‬
‫فى المساجد من الثوريين والعرينين ‪ ،‬وإلى الثوريين ينتمى الربيع بن خيثم من آل ثور ‪ ،‬وكان فى بنى ثور ثالثون رجال ما‬
‫‪ .‬منهم رجل دون ربيع بن الخيثم فى العبادة ‪ ،‬وقد مات ابن الخيثم بالكوفة‬
‫ـ وضمن الترف الذى طرا على الحياة األموية فى العصر األموى إقامة مقاصير فى المسجد ألولى األمر ‪ .‬وكان معاوية أول ‪3‬‬
‫من اتخذ المقصورة فى المسجد بعد محاولة إغتيالة ‪ .‬وكان األحنف بن قيس يكره أن يصلى فى المقصورة ( ابن سعد ‪) 67 ، 7‬‬
‫‪.‬‬
‫ـ وكان أنس بن مالك أخر من توفى من الصحابة فى البصرة ‪ ،‬إذ توفى سنة ‪ 92‬هـ فى خالفة الوليد بن عبدالملك وقال عنه ‪4‬‬
‫أبو هريرة ‪ :‬ما رأيت أحدا أشبه بصالة رسول هللا من ابن أم سليم يعنى أنس بن مالك ‪ .‬وهذا العجب العجاب ‪ ،‬فليس من حق‬
‫أبى هريرة إذا صحت هذه الرواية أن يشهد أبو هريرة ألنس بن مالك ألن أنس بن مالك خدم النبى محمدا وعائشة أما أبو هريرة‬
‫فلم يمكث مع الرسول إالإٌق ل من سنتين وقد كان أنس بخدمته للرسول محمد والسيدة عائشة وهو صبى وحياته الطويلة بعده‬
‫أهم مصدر لألخبار ‪ ،‬وقد ذكروا عنه أنه كان إذا دخل المسجد الحرام ليصلى ركز شيئا أمامه ‪ ،‬أو هيأ شيئا ليصلى عليه ( ابن‬
‫‪ .‬سعد ‪ ) 11 / 7‬وهذا مفهوم من كثرة اإلزدحام أمام المصلى فى الحرم المكى‬
‫‪ .‬ـ وخارج المسجد كان مسرور إذا خرج وأبحر يأتى معه بلبنة ( طوبة ) ليسجد عليها فى السفينة ( ابن سعد ‪5 ) 53 ، 6‬‬
‫ـ وبعضهم كان يصلى فى أى مكان دون تقييد بالمسجد ‪ ،‬فاألسود بن يزيد كان إذا حضره الصالة نزل إلى أى حال كان ‪ ،‬وإن ‪6‬‬
‫كان مكان خشن نزل وصلى ‪ ،‬وإن كانت ناقته فى صعود وهبوط أناخ ولم ينتظر ‪ ،‬وقالوا عنه أنه ذا كان أناخ بعيره صلى ولو‬
‫‪ .‬على حجر ) ( ابن سعد ‪ ) 47 ، 6‬وقد مات بالكوفة سنة ‪75‬‬
‫ـ وبعضهم كان يتجنب أماكن ال يصلى فيها ‪ ،‬ورددوا أن عليا بن أبى طالب ( مر على خشف بإبل " موضع مناخ اإلبل " فلم ‪7‬‬
‫‪ .‬يصّل فيه حتى جاوزه ) ( ابن سعد ‪) 169 ، 6‬‬
‫صالة النساء‬
‫ـ حين يقول هللا سبحانه وتعالى‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َذ ُر وا اْلَبْيَع ۚ َٰذ ِلُك ْم ‪1‬‬
‫َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿‪ " ) ﴾٩‬الجمعة " فاألمر للرجال والنساء مثلما يقول جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ُك ِتَب َع َلْي ُك ُم‬
‫الِّص َي اُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّت ُقوَن ﴿‪ ") ﴾١٨٣‬البقرة " ‪ ،‬فالنساء ضمن الذين آمنوا طالما لم تأت أية قرآنية تفيد‬
‫‪ .‬حصر " الذين آمنوا" فى الرجال فقط‬
‫وفى ضوء هذا النسق القرآنى نفهم صدقية هذه الرواية التى تفيد بمشاركة النساء فى الصالة فىالمسجد فى عهد النبى محمد‬
‫عليه السالم ‪ ،‬تقول أم هاشم " ما أخذت قاف والقرآن المجيد إال على لسان النبى يقرؤها على الناس فى كل جمعة إذا خطبهم "‬
‫(ابن سعد ‪ ،) 324 ، 8‬وفى رواية أخرى عن خولة بنت قيس الجهينة " كنت أسمع خطبة رسول هللا وأنا فى مؤخرة النساء ‪،‬‬
‫وأسمع قراءة ق والقرآن المجيد على المنبر ‪ ،‬وأنا فى مؤخرة المسجد " ( ابن سعد ‪ ، )217 ، 8‬وبالتالى فلم تكن خطبة النبى‬
‫لصالة الجمعة سوى قراءة القرآن ‪ .‬وقد استمرت خولة بنت قيس فى المواظبة على حضور الصالة فى المسجد مع النسوة‬
‫األخرين إلى خالفة عمر ‪ .‬قالت ‪ :‬كنا نكون فى عهد النبى وأبا بكر وصدر خالفة عمر نسوة قد تخاللن ( أى أصبحن خليالت‬
‫وصديقات ) وربما غزلن ‪ ،‬وربما عالج بعضنا الخوص ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬ألردكن حرائر ‪ ،‬فأخرجنا منه ‪ .‬أال كنا نشهد الصالة فى‬
‫الوقت " ( ابن سعد ‪ . ) 217 ،8‬هنا تحول حضورهم إلى المسجد إلى عادة لتمضية وقت الفراغ ‪ ،‬ولهذا أخرجهن عمر من‬
‫‪ .‬المسجد وقصر حضورهن على صالة الجماعة‬
‫ـ على أن حضورهن صالة الجماعة امتد إلى صالة العشاء‪ ،‬وما يعنى ذلك من خروجهن ليال من المسجد ‪ ،‬وربما كان بعضهن ‪2‬‬
‫يقيم جزءا من الليل فى المسجد فى صالة الليل أو قيام الليل أو فى اإلعتكاف ‪ ،‬هذا مستفاد من قوله سبحانه وتعالى فى تشريع‬
‫الصوم واإلعتكاف " ( َو اَل ُتَب اِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِك ُفوَن ِفي اْلَمَس اِج ِد ) ﴿‪ ﴾١٨٧‬البقرة ) أن األزواج والزوجات كانوا يعتكفون فى‬
‫المساجد فى ليالى رمضان ‪ .‬وقد منع هللا تعالى المعاشرة الجنسية بين الزوجين فى المسجد وقت اإلعتكاف ‪ ،‬فى هذا الضؤ‬
‫القرآنى نفهم رواية بنت سعد بن أبى وقاص وقد رؤيت خارجة من مسجد المدينة ليال ومعها أصحابها ومعهن ضوء شمعة‬
‫‪ (.‬ابن سعد ‪) 343 ، 8‬‬
‫ـ وبإيجاز كانت النسوة فى المسجد صفوفا خلف صفوفالرجال ‪ .‬وهناك رواية تقول " كان ابن مسعود يمر فى المسجد يتخطى ‪3‬‬
‫‪.‬الرجال والنساء " ( ابن سعد ‪) 358، 8‬‬
‫ـ واستمر هذا التقليد معموال به فى حضور النساء للمسجد للصالة واإلعتكاف ‪ ،‬وقد كان من مشاهير الفقهاء فى العصر ‪4‬‬
‫األموى سعد بن كدام ‪ ،‬وهو أحد أعيان المرجئة‪ ،‬وهى فرقة معتدلة فى الصراع الفكرى والسياسى فى العصر األموى ‪ ،‬كانت أم‬
‫مسعد بنت كدام شمهورة بالتعبد وكان يرافقها ابنها سعد بن كدام كل يوم إلى المسجد ‪" :‬فكان يحمل معها لبدا ويمشى حتى‬
‫يدخل المسجد فيبسط لها اللبد ‪ ،‬فتقوم فتصلى ‪ ،‬ويتقدم هو إلى المسجد فيصلى ‪ ،‬ثم يقعد فيجتمع إليه من يريد ثم فيحدثهم ‪ ،‬ثم‬
‫‪ .‬ينصرف إلى أمه فيحمل لبدها وينصرف معها ‪ ،‬ولم يكن له مأوى إال منزله والمسجد " ( ابن سعد ‪) 245 : 253 / 6‬‬
‫ـ وقصة عاتكة بنت زيد من طريف ما يحكى فى هذا المقام ‪ .‬وهى من أشهر الشخصسات النسائية فى تاريخ النساء ‪5‬‬
‫الصحابيات ‪ ،‬وقد تحدث عنها أبن مسعود ‪ ،‬ثم توالى ذكرها فى المصادر التاريخية الالحقة مثل " المحبر ‪ ، 437‬نسب قريش‬
‫‪ ، 365‬جمهرة أنساب العرب ‪ ، 152‬اإلستيعاب ‪ ، 1876‬أسد الغابة ‪ ، 497 ، 5‬اإلصابة ‪ 356 ، 4‬رقم ‪ ، 795‬خزانة األدب‪4‬‬
‫‪ ، 351 ،‬المقاصد النحوية ‪ ، 278 ، 2‬الوافى بالوفيات ‪ ، 560 : 558 ، 16‬والطبقات الكبرى إلبن سعد ‪ . ) 195 ، 8‬يقول‬
‫عنها ابن سعد " عاتكة بنت زيد تزوجها عبدهللا بن أبى بكر الصديق ‪ ،‬وبعد مقتل زوجها تزوجها عمر بن الخطاب ‪ ،‬وبعد مقتله‬
‫تزوجت الزبير بن العوام ‪ ،‬وبعد مقتله أراد على بن أبى طالب أن يتزوجها فرفضت وقالت ‪ :‬يا أمير المؤمنين بالمسلمين إليك‬
‫حاجة " ويقال ‪ :‬ثم تزوجها الحسن بن على ومات وهى فى عصمته ‪ .‬ما يهمنا فى سيرتها أن زوجها الزبير بن العوام رضى‬
‫بشرطها أال يمنعها من الصالة فى المسجد حتى صالة الفجر ‪ .‬تقول الرواية ‪ " :‬وكانت امرأة خليقة ‪ ،‬وكانت إذا تهيأت إلى‬
‫الخروج إلى الصالة قال لها الزبير ‪ :‬وهللا إنك لتخرجين وإنى لكاره ‪ ،‬فتقول فتمنعنى فأجلس ؟‪ ،‬فيقول ‪ :‬كيف وقد شرطت لك أال‬
‫أفعل ‪ .‬فاحتال الزبير فجلس لها فى الطريق فى الغلس ( وقت الفجر ) ‪ ،‬فلما مرت وضع يده على كفلها ‪ ،‬فاسترجعت ثم‬
‫انصرفت إلى منزلها ‪ ،‬فلما جاء الوقت الذى تخرج فيه للصالة إلى المسجد لم تخرج ‪ ،‬فقال الزبير ‪ :‬مالك ؟ هذه الصالة ؟‬
‫"‪ ..‬فقالت ‪ :‬فسد الناس وهللا ال أخرج من منزلى‬
‫إمامة المرأة فى الصالة‬
‫ـ ليس فى القرآن ما يمنع أن تؤم المرآة الرجال فى الصالة ‪.‬ومنهج القرآن فى التشريع أنه يذكر المحظورات والمحرمات ‪1‬‬
‫بينما المباح ال يتعرض له ‪ .‬وفى المجتمع الصحراوى البدوى األبوى فى القرون الوسطى لم يكن منتظرا أن تؤم المرأة الرجال ‪،‬‬
‫لذا كان معتادا أن تؤم المرأة غيرها من النساء أو أن يؤم الرجل النساء وهذا ما أيدته الروايات التى ساقها ابن سعد فى‬
‫طبقاته ‪ ، ،‬قالت ريطة الحنفية " أّم تنا عائشة فى الصالة ‪ ،‬فقامت وسطنا " وقالت نائلة بنت الرافصة زوجة عثمان وقالت‬
‫‪ .‬حجيرة " أّم تنا أم سلمة فى صالة العصر فقامت وسطنا " ( ابن سعد ‪) 356 ، 355 ، 8‬‬
‫ـ ومن ناحية أخرى كان هناك رجل يؤم النساء ‪ ،‬فقد كان سليمان بن أبى حتمة إماما للنساء بأمر عمر بن الخطاب ‪ ،‬ويقول ‪2‬‬
‫ابن سعد أن أبى بن كعب وتميم الدارى كانا يصليان بالرجال بينما كان سليمان بن أبى حتمة يؤم النساء فى رحبة المسجد‪ ،‬فلما‬
‫جاء عصر عثمان جمع النساء والرجال على قارىء واحد هو سليمان بن أبى حتمة ‪ ،‬وكان يأمر بالنساء فيحبسن حتى يمضى‬
‫‪ .‬الرجال ثم يرسلن ( ابن سعد ‪ ) 17 ،16 ، 5‬أى بعد الصالة كانت النساء ينتظرن فى المسجد إلى أن يخرج الرجال أوال‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬تحريف التواتر فى العصر األموى وتطوره‬

‫‪ :‬مقدمة‬
‫قريش حّر فت تواتر ملة ابراهيم بالتجارة بالدين والّص ّد عن المسجد الحرام وعبادة األولياء والقبور المقدسة وإلحاقها بالمساجد‬
‫‪ .‬نزل القرآن بالتصحيح ‪ ،‬ولكن ما لبث أن عاد التحريف أشّد بموت النبى وتحكم الخلفاء الفاسقين القرشيين ‪ .‬الخلفاء الفاسقون‬
‫األوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) كان تحريفهم العملى فى الصالة بأن جعلوها صالة شيطانية تحض على الغزو االحتالل‬
‫والسلب والسبى واالسترقاق ‪ .‬ثم جاء األمويون فحكموا حكما إستبداديا وراثيا فأضافوا نوعيات أخرى من التحريف فى الصالة‬
‫وفى دور المساجد ‪ ،‬إستهدفت االستغالل السياسى لدعم الحكم األموى االستبدادى الوراثى والذى إبتدعه األمويون مختلفين‬
‫عّم ن سبقهم من الخلفاء السابقين ‪ .‬هذا االبتداع والتحريف ـ الذى إنصّب على الصالة وملحقاتها ودور المسجد ـ أّدى الى رّد‬
‫‪ .‬فعل لدى المعارضة السياسية لألمويين كما أنه تطور بعد العصر األموى فى عصور الخلفاء الالحقين والسالطين‬
‫هذا موضوع نزعم أنه ألول مرة يتم بحثه ‪ ،‬ولذا سيكون كالعادة مجرد تمهيد نرجو أن يبنى عليه الباحثون الجاُّدون ‪ .‬ونعطى‬
‫‪ .‬بعض التفصيالت‬

‫بداية االستغالل السياسي للصالة فى العصر االموي‬


‫‪ :‬اللعن‬
‫ـ أدخل معاوية لعن على ابن ابى طالب ضمن شعائر الصالة فى الجمعة وغيرها‪ .‬واصبح ذلك من لوازم صالة الجمعة ‪1‬‬
‫الرسمية ‪ ،‬ولم يكن ذلك سهال فى البداية ‪ ،‬وكان من أسباب مقتل حجر ابن عدى الكندي هو احتجاجه على الوالى المغيرة ابن‬
‫‪.‬شعبة ‪ ،‬ثم زياد ابن ابيه لتنفيذهما لعن على على المنبر فى خطبة الجمعة‬
‫ـ وقد تفنن جبابرة الغالة األمويين فى تنفيذ لعن على فى الصالة ‪ .‬واتخذوا منها وسيلة الذالل شيعة على‪ .‬ويذكر المسعودي ‪2‬‬
‫ان زياد ابن ابيه والى الكوفى لمعاوية جمع الناس وأمرهم بلعن على ‪ ،‬فمن أبي منهم عرضه على السيف ‪ ،‬أى قتله ( مروج‬
‫الذهب ج ‪) 20 ، 2‬‬
‫ـ وتحايل بعضهم على االفالت و النجاة من القتل‪ ،‬فيروى ابن سعد ان الحجاج ضرب الفقيه عبد الرحمن ابن ابي ليلة واهانه ‪3‬‬
‫وقال له ‪ :‬العن الكاذبين على ابن ابي طالب و عبد هللا ابن الزبير و المختار ابن عبيده ‪ ،‬فقال عبد الرحمن ‪ :‬لعن هللا الكذابين ‪،‬‬
‫وسكت‪ .‬ثم ابتدأ و قال ‪ :‬على ابن طالب ‪ ،‬وعبد هللا ابن الزبير و المختار ابن عبيدة‪ .‬فقال األعمش ‪ ،‬وهو الرواى لهذا الخبر‪،‬‬
‫) فعلمت حين ابتدأ فرفعهم ‪ ،‬لم يعنهم ‪ ،‬اى لم يقصدهم باللعن ‪ :‬الطبقات الكبري البن سعد ج‪76 ، 6‬‬
‫ـ الوحيد من خلفاء بنى أمية الذى منع لعن على هو عمرو بن عبد العزيز‪ .‬يقول ابن سعد ‪ ( :‬كان بنو أمية يشتمون عليا ‪4 ،‬‬
‫‪ :‬فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز أمسك عن ذلك ‪ ،‬فمدحه كثير عزة قائال‬
‫بريا ولم تتبع مقالة مجرم‬ ‫وليت فلم تشتم عليا ولم تخف‬
‫‪ .‬والشاعر كثير عزة كان شيعيا ‪) .‬الطبقات الكبري ج ‪( 267 ، 5‬‬
‫وقال عنه المسعودي ‪ ( :‬ترك عمرو ابن عبد العزيز لعن على على المنابر وجعل مكانه ‪ :‬ربنا اغفر لنا والخواننا الذين سبقونا‬
‫بااليمان وال تجعل فى قلوبنا غال للذين آمنوا ) ‪ ،‬وقيل بل جعل مكانها ( ان هللا يأمر بالعدل و االحسان ) ( وقيل بل جعلهما‬
‫جميعا ‪ ،‬فاستعمل الناس ذلك فى الخطبة الى هذه الغاية )‪ :‬مروج الذهب ‪ . )144 ، 2‬أى ظلت الى عصر المسعودي تقال اآليتان‬
‫‪ .‬الكريمتان مكان لعن على‬
‫وقال السيوطي ‪ ( :‬كان بنو أمية يسبون على ابن ابى طالب فى الخطبة‪ ،‬فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز ابطله وكتب الى نوابه‬
‫بابطاله ‪ ،‬وقرأ مكانه ‪ :‬ان هللا يأمر بالعدل و االحسان فاستمتر قراءتها فى الخطبة الى اآلن) ( تاريخ الخلفاء ‪ ) 387‬أى‬
‫‪).‬استمرت الى عصر السيوطي ت ‪910‬‬
‫ـ وكان وقع اللعن شديدا على ذرية على ابن طالب فى العصر االموي ‪ .‬يروى ابن سعد انه قيل لعلى زين العابدين ابن الحسين ‪5‬‬
‫ابن على ابن ابى طالب ‪ :‬كبف أصبحتم ؟‪ ،‬فقال ‪ :‬اصبحنا فى قومنا بمنزلة بنى اسرائيل فى آل فرعون ‪ .‬اذ كانوا يذبحون‬
‫أبناءهم ويستحيون نساءهم ‪ ،‬وأصبح شيخنا و سيدنا يتقرب الى عدونا بشتمه او سبه على المنابر )(الطبقات الكبرى ج ‪5‬‬
‫‪) 162 – 162 .‬‬
‫ـ وكان هشام ابن اسماعيل واليا على المدينة لبنى أمية ‪ ،‬فكان يؤذى على زين العابدين و اهل بيته ‪ ،‬ويخطب على المنبر و ‪6‬‬
‫ينال من على‪ .‬فلما تولى الخالفة الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به ان يوقف للناس ‪ ،‬اى يوضع فى مكان عام ‪ ،‬ليضربه الناس‬
‫كيفما شاءوا ‪ .‬فكان هشام ابن اسماعيل فى محنته يخشى ان ينتقم منه على زين العابدين وآله من ذرية على ابن ابى طالب او‬
‫ان يأمر الناس باالنتقام منه وهو مسموع الكلمة‪ .‬ولكن على زين العابدين جمع ولده واهله ونهاهم عن التعرض لهشام وغدا‬
‫على زين العابدين مارا لحاجة ‪ ،‬فمر على هشام وهو موقوف فلم يتعرض له بسوء ‪ .‬فناداه هشام ابن اسماعيل قائال ‪ " :‬هللا‬
‫يعلم حيث يجعل رسالته‪ !!.".‬وتوفى على زين العابدين سنة ‪ ( : 94‬الطبقات الكبرى ج‪)163 5‬‬
‫ـ استمر لعن على ابن ابي طالب على المنابر طيلة العصر األموى عدا السنتين اللتين حكم فيها عمر ابن عبد العزيز ‪ .‬وألن ‪7‬‬
‫الناس تعلموا الصالة على أيدي الوالة األمويين فى هذا العصر فقد اعتقدوا ان لعن على من أساسيات الصالة وكان صعبا ارجاع‬
‫بعضهم عن هذا اللعن فى العصر العباسي‪ .‬يقول المسعودي أن أهل مدينة ( حّر ان ) رفضوا الصالة بدون لعن على ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ال‬
‫صالة بدون لعن ابو تراب ‪ ،‬وابو تراب هو لقب على وظلوا على ذلك عاما كامال فى بداية العصر العباسي ( مروج الذهب ‪ :‬ج‬
‫‪)193 : 2 .‬‬
‫ـ وإذا كانت الدولة العباسية قد أبطلت لعن على إال أنها إضطهدت ذريته سياسيا وحربيا ‪ ،‬بل إن اللعن أعيد مرتين فى الخالفة ‪8‬‬
‫العباسية ففى سنة ‪ 212‬أمر الخليفة المأمون بلعن معاوية ( مروج الذهب ج‪ ) 157 : 356 ، 2‬وبعده بنحو قرنين تقريبا أمر‬
‫السلطان السلجوكى طغرلبك بلعن جميع المذاهب على المنبر يوم الجمعة ‪ ،‬وكان معتزليا ‪ .‬واستمر اللعن طيلة حكمة قال‬
‫القزوينى ( فشق ذلك على المسلمين ‪ ،‬وفارق إمام نيسابور وذهب إلى مكة وكذلك األستاذ أبو القاسم القشيرى ودخل على‬
‫‪ .‬الناس من ذلك أمر عظيم ثم انقطع ذلك بعد موت طغرلبك ) ( أثار البالد وأخبار العباد صــــــــ ‪) 447‬‬
‫‪ :-‬األمويين وإضاعة الصالة‬
‫ـ غلب على األمويين إستغالل الصالة سياسيا لمصلحتهم فى لعن على ‪ ،‬أو فى إستخدام القصاص بعد الصالة ألستمالة العوام ‪1‬‬
‫‪.‬‬
‫ـ وبعض الخلفاء األمويين كان متهما بالفواحش وترك الصالة ‪ ،‬ومنهم يزيد بن معاوية وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت ‪2‬‬
‫طاعته ‪ ،‬وكان زعيم الثوار عبدهللا بن حنظلة اإلنصارى ‪ ،‬وقد خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائال عن يزيد ( إن رجال ينكح‬
‫األمهات والبنات واألخوات ويشرب الخمر ويدع الصالة وهللا لو لم يكن معى أحد من الناس ألبليت هلل فيه بالء حسنا ) """‬
‫‪ ) .‬الطبقات الكبرى ألبن سعد ج‪ – 47 ، 5‬تاريخ المنتظم ج‪19 ،6‬‬
‫‪ .‬وقد وقعت موقعة الحرة سنة ‪ 63‬هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وكان من القتلى زعيم األنصار يومئذ ابن حنظلة‬
‫ـ وتكرر نفس اإلتهام لبنى أمية ‪ ،‬قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ‪ ،‬قال ‪ :‬قاتلوهم على جورهم فى الحكم ‪3‬‬
‫وخروجهم من الدين وإماتتهم الصالة "" طبقات ابن سعد ج‪ "" 185 ،6‬وكان على مثال يزيد بن معاوية خليفة أموى اخر‬
‫اشتهر بالفسق والفجور وترك الصالة وانتهاك حرمة المصحف الشريف ‪ ،‬إنه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك وقد ثار عليه‬
‫‪ .‬ابن عمه يزيد ين الوليد بن عبد الملك وخلعه من الحكم وقتله‬
‫ـ إال أن إهتمام األمويين تركز على صالة الجمعة إلستغالل خطبة الجمعة فى الدعاية السياسية والهجوم على خصومهم ‪ ،‬وهم ‪4‬‬
‫أول من ابتدع التوظيف السياسى لخطبة الجمعة والذى ما زال ساريا ‪ ،‬ومعلوم أن النبى محمدا عليه السالم كان يخطب الجمعة‬
‫بقراءة بعض سور القرآن الكريم وخصوصا سورة ( ق)‪ .‬ولم يتم تدوين خطب الجمع ضمن ما سجلوه من أحاديث النبى ألنها‬
‫‪ .‬كانت من سور القرآن‬
‫ـ وتركيز األمويين على استغالل الخطبة فى الجمعة سياسيا كان على حساب صالة الجمعة نفسها إذا كانوا يطيلون الخطبة ‪5‬‬
‫‪ .‬حتى يمل الناس ويضيع وقت الصالة ويحل موعد صالة العصر ‪ .‬ومن يحتج كان مصيره سيئا فى أغلب األحوال‬
‫وفى حدود سنة ‪ 90‬هجريا قتل األمويون زياد بن جاريه وكان من أفاضل التابعين فى دمشق‪ .‬وسبب قتله أنه دخل ‪5 / 1 :‬‬
‫مسجد دمشق وقت صالة الجمعة وقد تأخرت بهم الصالة والخطبة ال تزال قائمة ‪ ،‬فقال للخليفة الوليد بن عبدالملك ‪ " :‬وهللا ما‬
‫بعث هللا نبيا بعد محمد عليه السالم أمركم بهذه الصالة ‪ ..‬فأدخلوه حجرة وقطعوا رأسه) ( تاريخ الوافى بالوفيات للصفدى ‪-15‬‬
‫‪) 14.‬‬
‫واشتهر الحجاج بن يوسف بالفصاحة والتطرف فى سفك الدماء ‪ ،‬وقد تولى إمارة الحجاز ثم العراق لعبدالملك بن ‪5 / 2 :‬‬
‫مروان وبنيه ‪ .‬وفى واليته على الحجاز كان عبدهللا بن عمر ابن الخطاب يصلى خلفه فى الحرم المكى ‪ ،‬فلما رآه يؤخر الصالة‬
‫امتنع عن الصالة خلفه ‪ .‬ويروى ابن سعد فى الطبقات الكبرى أن الحجاج كان يخطب الجمعة فظل فى خطبته حتى أمسى ‪،‬‬
‫فناداه ابن عمر ‪ " :‬أيها الرجل الصالة "‪ .‬فأقعدوه ‪ ،‬ثم ناداه الثانية فأقعدوه ‪ ،‬ثم ناداه الثالثة فأقعدوه ‪ ،‬فقال ابن عمر للناس‬
‫وقد ملوا " أرأيتم إن نهضت أتنهضون ؟ فقالوا نعم ‪ .‬فنهض ابن عمر فنادى فى الناس وفى الحجاج ‪ " :‬الصالة الصالة ‪..‬فإنى‬
‫ال أرى لك فيها حاجة‪ " .‬فنزل الحجاج من على المنبر وصلى بالناس ‪ ،‬ثم دعى بابن عمر فقال له " ما حملك على ما صنعت؟‬
‫فقال ابن عمرو " إنما نجىء للصالة فإذا حضرت الصالة فصّل الصالة لوقتها ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة " ( ‪، 110-4‬‬
‫‪. ) 117 .‬وجدير بالذكر أن الحجاج بعدها دس إلى ابن عمرو من طعنه خلسة فى الحرم برمح مسموم فمات منه‬
‫ـ وفى غير صالة الجمعة وإطالة خطابها كان الحجاج مثل سائر الخلفاء األمويين ال يأمر بإقامة الصالة وإتمام ركوعها ‪6‬‬
‫وسجودها ‪ .‬وةقد سئل فقيه المدينه وكبير التابعين فيها سعيد ابن المسيب ‪ " :‬ما شأن الحجاج ال يبعث إليك وال يحركك وال‬
‫يؤذيك ؟؟ " فقال سعيد " أنه دخل مع أبيه المسجد فصلى صالة ال يتم ركوعها وال سجودها فأخذت كفا من حصى فحصبته به "‬
‫‪ " .‬الطبقات الكبرى البن سعد ‪95-5‬‬
‫ـ وتفّر د عمر بن عبدالعزيز بإهتمامه بالصالة والحث عليها فى إتمام ركوعها وسجودها ‪ ،‬بل أنه بفضل عمر بن عبدالعزيز ‪7‬‬
‫فإن ابن عمه الخليفة سليمان بن عبدالملك اشتهر باألمر بالصالة وقد كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار األول لسليمان فى‬
‫‪ .‬خالفته وقد وثق فيه سليمان حتى أنه عهد إليه بالخالفة‬
‫قيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار األول لسليمان فى خالفته حتى أنه عهد إليه بالخالفة ‪" .‬‬
‫وقيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر ابن عبدالعزيز هو المستشار األول له ‪ ،‬أحيا الصالة ألول مواقيتها ‪ ،‬وكان بنو أميه‬
‫‪ .‬قد أماتوها بالتأخير ( السيوطى تاريخ الخلفاء ‪) 359‬‬
‫وقد عاش سليمان فيما بين ( ‪ 99-60‬هــــ ) ودامت خالفته ثالثة سنين لم تكن له فيها من مآثر إال إهتمامه بالصالة ‪ .‬وقد كتب‬
‫سليمان للوالة " أن الصالة كانت قد أميتت فأحيوها وردوها إلى وقتها " وقال عنه التابعى ابن سيرين ‪ " :‬سليمان بن عبدالملك‬
‫افتتح خالفته بخير وختمها بخير ‪ .‬افتتح خالفته بإحياء الصالة وختمها بأن استخلف عمر بن عبدالعزيز ‪ ( " .‬الصفدى الوافى‬
‫‪ .‬بالوفيات ‪) 403 ،15‬‬
‫أما عمر بن عبدالعزيز فقد كان اهتمامه بالصالة ال يبارى بلغ من ذلك حرصه على صالة المساجين ‪ ،‬فكتب لوالته أن ال يقيد‬
‫أحد بقيد يمنعه من إتمام الصالة ‪ ( .‬طبقات اب سعد ‪ . ) 271 ،5‬وكانت العادة قبل عمر بن عبدالعزيز وبعده إهمال المساجين‬
‫حتى الموت غالبا ‪ ،‬وقد قتل الحجاج الوالى األموى الشهير مائة ألف سجين صبرا ‪ .‬أى تركهم يموتون فى السجن فأتى عمر بن‬
‫‪ .‬عبدالعزيز يرعى المساجين حتى فى الصالة‬
‫ـ وأحس األمويون أن موقفهم من الصالة يسىء إليهم ويستغله المعارضون لهم فى التشنيع عليهم وفى حشد الخصوم ‪8‬‬
‫والثوار ضدهم ‪ .‬فأذاعوا حديثا منسوبا للنبى محمد عليه السالم ينسبون روايته إلى صحابى مجهول اسمه قبيصة بن وقاص‬
‫يقول "" يكون عليكم أمراء من بعدى يؤخرون الصالة فهى لكم وهى عليهم ‪ ،‬فصلوا معهم ما صلوا بكم إلى القبلة "" وقد ظل‬
‫هذا الحديث ساريا إلى أن دونه ابن سعد فى الطبقات الكبرى بعد حوالى قرن من الزمان خالل الدولة العباسية ( الطبقات الكبرى‬
‫‪) 38 ، 7 .‬‬
‫ـ ولقد كان أبوبكرعياش من المخضرمين الذين أدركوا الدولتين األموية والعباسية إذ عاش حوالى مائة عام ( ‪9 ) 193-97‬‬
‫وأدرك حكم هارون الرشيد وقد قال له الرشيد ‪ " :‬إنك أدركت أمر بنى أمية وأمرنا ‪ ،‬فاسألك باهلل أيهما كان أقرب للحق ؟ "‬
‫فقال ‪ " :‬يا أمير المؤمنين أما بنو أمية فكانوا أنفع للناس منكم وأنتم أقوم بالصالة منهم" ‪ ( .‬الصفدى ‪ ،‬الوافى بالوفيات ‪، 10‬‬
‫‪) 243‬‬
‫المعارضة واالستغالل السياسى لتهاون األمويين فى تأدية الصالة‬
‫ـ ومع عمل األمويين على استغالل الصالة سياسيا مع باقى الشعائر اإلسالمية األخرى فقد إشتهر بعضهم بالتهاون فى تأدية ‪1‬‬
‫‪ .‬الصالة أو فى إمامتها بالتعبير التراثى‬
‫ـ وفى مقابل تهاون األمويين بالصالة لجأت المعارضة إلى المزايدة على األمويين فى الصالة بأن إشتهروا بالخشوع فيها ‪2‬‬
‫وإحيائها ‪ .‬ومع أن الخشوع فى الصالة عالقة خاصة بين المصلى والخالق جل وعال الذى يعلم خائنة األعين وما تخفى الصدور‬
‫‪ .‬إال أن المعارضة قاموا بتوظيف التظاهر بهذا الخشوع إتهاما لألمويين بطريق غير مباشر بالخروج على اإلسالم‬
‫‪ :‬ـ ولجأت المعارضة الى وضع أحاديث ضد األمويين تستغل تهاونهم فى الصالة ‪3‬‬
‫‪ .‬منها حديث نسبوه لعمر بن الخطاب ‪ ،‬يقول ‪ " :‬ال إسالم لمن لم يصل " ( الطبقات الكبرى ‪3 / 1 : ) 109 /6‬‬
‫ووضعوا حديثا يطعن فى معاوية وأبيه أبى سفيان ‪ .‬يقول الحديث فى رواية عاصم عن النبى ــ بزعمهم ــ ( إن ‪3 / 2 :‬‬
‫الصحابة فى المسجد غضبوا وقالوا ‪ " :‬نعوذ باهلل من غضب هللا وغضب رسول هللا"‪ !.‬فسأل الراوى ‪ " :‬لماذا ؟" فقالوا ‪" :‬‬
‫معاوية مّر قبيل فأخذ بيد أبيه ورسول هللا على المنبر ‪ ،‬يخرجان من المسجد ‪ ،‬فقال رسول هللا فيهم قوال "‪ ).‬هذا ما رواه ابن‬
‫سعد فى ‪ ( :‬الطبقات الكبرى‪ . ) 55 / 7 :‬وهذا توظيف لتأليف األحاديث فى الصراع السياسى ‪ .‬ومعروف أن معاوية أسلم مع‬
‫أبيه وأمه بعد فتح مكة ‪ ،‬ومات النبى بعدها بقليل فى المدينة ‪ ،‬ولكن هذا الحديث المصنوع يجعل النبى محمدا يغتابهما فى‬
‫غيابهما و بعد خروجهما ‪ ،‬وأنه غضب عليهما وغضب هللا عليهما وغضب المسلمون ‪.‬وهذا التزيد والمبالغة فى الغضب لم‬
‫يحدث حين سمع المسلمون نبأ قافلة أو تجارة فغادروا صالة الجمعة وتركوا الرسول قائما وفق ما جاء فى سورة الجمعة‪ .‬لم‬
‫‪.! .‬ينزل فيها هذا الغضب الحاد‬
‫‪ .‬ــ وبينما تهاون الحكام األمويون فى إمامة الصالة فقد تفنن المحكومون فى إحيائها بالكم وبالكيف ‪4‬‬
‫اشتهر بعضهم بكثرة الصالة ومنهم أبو بكرالغسانى الذى كانت أمرأته ال ُتفّلى ثيابه إلنشغاله بالصالة ‪ ،‬على حد قول ابن ‪4 / 1 :‬‬
‫سعد ( ‪ ) 107 /7‬ولو أنصف أبو بكر الغسانى لتذكر قول هللا تعالى ( وثيابك فطهر ) بدال من أن يترك ثيابه معسكرا للقمل‬
‫‪ .‬والبراغيث والبّق‬
‫‪ .‬وبعضهم تفنن فى الخشوع فى الصالة بإطالة السجود وإطالة القيام وبعض الروايات هنا حافلة بالمبالغة ‪4 / 2 :‬‬
‫تقول فى بعضهم " ما رأيت عمرو بن مرة فى صالة إال ظننت أنه ال ينصرف حتى يستجاب له ( الطبقات الكبرى ‪4 / 2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬إلبن سعد ‪) 220 /6‬‬
‫وقيل عن مسلم بن يسار أنه ‪ " :‬كان قائما يصلى فى بيته فوقع إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئت النار‪4 / 2 / 2 : " .‬‬
‫‪ ،‬وقد توفى عام ‪ 100‬فى خالفة عمر بن عبدالعزيز( ابن سعد ‪) 135 /7‬‬
‫وقيل عن مسلمة اإلبراشى بإختصار أنه ( من أخشع الناس فى الصالة )‪ .‬ذكر هذا إبن سعد فى الطبقات ‪4 / 2 / 3 : 2 / 7 ( :‬‬
‫‪) 110 /‬‬
‫أما يحيى بن ثابت الذى كان قليل الحديث وصاحب قرآن وتوفى سنة ‪ 103‬فقد قال عنه ابن سعد أنه كان يبلغ فى ‪4 / 2 / 4 :‬‬
‫صالته " كأنه يخاطب رجال " ( الطبقات الكبرى ‪ ) 206 /6 :‬أى يحرص على التركيز على النطق بالكلمات وتوضيحها فى‬
‫‪ .‬الصالة كنوع من التدبر والخشوع‬
‫‪ .‬ـ وجعلوا البكاء المسموع فى الصالة من أبرز الدالئل على الخشوع فيها نكاية فى األمويين ‪5‬‬
‫وقد قال بعضهم أن كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس صفوفا‪ ،‬والراوى كان فى أخر الصفوف ‪5 / 1 :‬‬
‫ويسمع بكاء عمر وهو يقرأ من سورة يوسف قوله تعالى (َقاَل ِإَّن َم ا َأْشُك و َب ِّث ي َو ُح ْز ِني ِإَلى الَّلـِه َو َأْع َلُم ِمَن الَّلـِه َم ا اَل َت ْع َلُم وَن ﴿‬
‫‪ ) 86‬فكيف كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب ( بدون ميكروفون ) إال إذا كان بكاء عمر بن‬ ‫‪ ( )﴾٨٦‬ابن سعد ‪/ 6‬‬
‫!‪ .‬الخطاب صراخا‬
‫وهناك رواية البن سعد تقول أن " ثابت اللبنانى " كان يقرأ فى صالته (َقاَل َلُه َص اِحُبُه َو ُه َو ُيَح اِو ُر ُه َأَك َفْر َت ِباَّلِذي َخ َلَقَك ‪5 / 2 :‬‬
‫ِمن ُتَر اٍب ُثَّم ِمن ُّن ْط َف ٍة ُثَّم َس َّو اَك َر ُج اًل ﴿‪ ﴾٣٧‬الكهف ) وكان ينتحب ويرددها وهو فى صالة الليل ؟ ( ابن سعد ‪ . )7،2،4‬المفهوم‬
‫أنه يصلى ليال منفردا فى جوف الليل ‪ ..‬فأين كان الراوى لهذه الرواية ؟ ‪ .‬وإذا كان ثابت البنائى هو الذى يحكى هذا عن نفسه‬
‫‪ ..‬فهو من الذين يراءون ويزكون أنفسهم‬
‫عالمات السجود على الوجوه‬
‫ـ ولقد ذكر رب العزة جل وعال فى القرآن الكريم صفات الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السالم ‪ُّ( :‬مَح َّم ٌد َّر ُس وُل ‪1‬‬
‫الَّلـِه ۚ َو اَّلِذيَن َمَع ُه َأِش َّداُء َع َلى اْلُك َّفاِر ُرَح َم اُء َبْي َن ُهْم َۖت َر اُه ْم ُر َّك ًع ا ُسَّج ًدا َيْب َت ُغ وَن َفْض اًل ِّم َن الَّلـِه َو ِر ْض َو اًن ا ۖ ِس يَم اُه ْم ِفي ُو ُج وِه ِه م ِّم ْن‬
‫َٰذ‬
‫َأَث ِر الُّسُج وِد ۚ ِلَك َم َث ُلُهْم ِفي الَّت ْو َر اِة ۚ َو َم َث ُلُهْم ِفي اِإْلنِج يِل َكَز ْر ٍع َأْخ َر َج َش ْط َأُه َف آَز َر ُه َفاْس َت ْغ َلَظ َفاْس َت َو ٰى َع َلٰى ُس وِقِه ُيْع ِجُب الُّز َّر اَع‬
‫ِلَي ِغيَظ ِبِهُم اْل ُك َّف اَر ۗ َو َع َد الَّلـُه اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت ِم ْن ُهم َّم ْغ ِفَر ًة َو َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا ﴿‪ ﴾٢٩‬الفتح )‪ .‬أى كان من وصفه جل‬
‫وعال لهم (ِس يَم اُه ْم ِفي ُو ُج وِه ِه م ِّم ْن َأَث ِر الُّسُج وِد ) ومن حيث الظاهر المرئى قال جل وعال عنهم ‪َ( :‬ت َر اُه ْم ُر َّك ًع ا ُسَّج ًدا َيْب َت ُغ وَن‬
‫َفْض اًل ِّم َن الَّلـِه َو ِر ْض َو اًن ا ) أما من حيث الباطن فليسوا جميعا من أهل الجنة فاهلل تعالى قد وعد الصالحين منهم فقط بمغفرة‬
‫‪ .‬وأجر عظيم ‪َ( :‬و َع َد الَّلـُه اَّلِذيَن آَم ُن وا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت ِم ْن ُهم َّم ْغ ِفَر ًة َو َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا )‬
‫ـ وفى العصر األموى إنتشرت عالمات السجود مزايدة سياسية على األمويين المتهاونين فى الصالة ‪ ،‬وأصبح من شيماء ‪2‬‬
‫بعض الكارهين لألمويين ان يكون سيماهم على وجوههم من أثر السجود ‪ .‬وتناسوا أن هلل جل وعال وحده مرجع الحكم على‬
‫‪ :‬الخشوع بغض النظر عن المظاهر ‪ .‬وتكاثرت الروايات‬
‫يقول ابن سعد عن أبان بن عثمان " كان بين عينيه أثر السجود قليال " ( الطبقات الكبرى ‪2 / 1 : ) 113 / 5 :‬‬
‫‪ .‬وقال أحدهم عن عبد هللا بن يسر المازنى ‪ " :‬رأيت فى وجه عبدهللا بن يسر أثر السجود ( ابن سعد ‪2 / 2 : ) 133 / 2 / 7‬‬
‫‪ .‬وقيل عن عطاء بن رباح ( كان بين عينيه أثار السجود ) ( ‪2 / 3 : )246 /5‬‬
‫وقال بعضهم عن حكيم عمير ‪ " :‬رأيت فى جبهة حكيم بن عمير أثر السجود " ( ‪2 / 4 : ) 160 / 2 / 7‬‬
‫كل ذلك معقول ويمكن تصديقه ‪ .‬أما هذا الخبر فيحتاج إلى جهد جهيد لتصديقه ‪ ،‬يقول ابن سعد " كان العفيش بن عقبة ‪2 / 5 :‬‬
‫ليسجد حتى أن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إال جزم حائط ) ( ‪ .. ) 144 ،6‬هل يجوز ( إنسانيا ) خداع‬
‫العصافير بهذا الشكل ؟‬
‫ـ آثرنا أن نأتى بأمثلة عن الخشوع من تاريخ الشخصيات المغمورة اما المكتوب عن الشخصيات المشهورة فهو أكثر عددا ‪3‬‬
‫‪ :.‬وأكثر فىالمبالغة ‪ ،‬وال يتسع المقال لتفصيلها ‪ ،‬فنكتفى بالقليل‬
‫‪ :‬عن أئمة العلويين نذكر بعض الروايات من المعارضة الهاشمية لبنى أمية فيما يخص الصالة ‪3 / 1 :‬‬
‫روى الحسين بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب ان أباه على زين العابدين قال إلبن عمه ‪3 / 1 / 1 :‬‬
‫محمد بن على ‪ " :‬كم مّر على جعفر؟‪ ( " .‬ابن محمد بن على ) فقال ‪ " :‬سبع سنين "‪ .‬قال ‪ " :‬مروه بالصالة "( الطبقات‬
‫‪ .‬الكبرى ‪ ) 162 / 5 :‬أى يتعلم الصالة من السابعة من عمره ‪ .‬وقد اخترعوا حديثا بهذا المعنى فيما بعد‬
‫واشتهر ( على زين العابدين بن الحسين بن على ) بالورع ‪ .‬ولهذا حمل لقب ( زين العابدين ) ‪ .‬وقالوا عنه ‪3 / 1 / 2 : " :‬‬
‫كان إذا قام للصالة أخذته رعدة‪ .‬فقيل له‪ " :‬مالك " ؟ قال ‪ " :‬ما تدرون بين يدى من اقوم ومن أناجى ‪ .. ) 5،160( "..‬وهى‬
‫رواية تستلزم الضحك بل القهقهة إذا تدبرناها وعقلناها ‪ ،‬فالمعنى أنه كان كلما قام للصالة ارتعد وسئل نفس السؤال وأجاب‬
‫نفس اإلجابة‪ ،‬أى كان يفعل ذلك خمس مرات كل يوم ‪ ،‬ويرتعد خمس مرات ‪ ،‬ويسألونه خمس مرات ‪ ،‬ويجيبهم نفس اإلجابة‬
‫!!‪ ...‬خمس مرات ‪ ،‬وهو ال يمّل وهم ال يمُّلون ‪ ..‬وسبحان هللا الذى يعلم السر وما أخفى‬
‫ـ ويبدو لى أن هذه الرواية الساذجة صيغت فى العصر العباسى ‪ ،‬ووضعها الشيعة لمقابلة الروايات األخرى التى وضعها ‪4‬‬
‫العباسيون فى مناقب ( عبدهللا بن عباس) جد الخلفاء العباسيين والذى أسبغوا عليه علما وأحاديث ما أنزل هللا جل وعال بها من‬
‫سلطان ‪ ،‬كل ذلك تقربا ألحفاده الخلفاء العباسيين ‪ ،‬هذا مع أن ابن عباس كان صبيا فى مكة وقت أن مات النبى محمد عليه‬
‫السالم فى المدينة‪ .‬وإختصت بعض الروايات أيضا العباس عم النبى ‪ .‬وهذه‬
‫الروايات التى حيكت فى العباس بن عبدالمطلب وأوالده خصوصا عبدهللا بن عباس تستحق الدراسة ‪ .‬والخلفاء العباسيون‬
‫‪ :‬ينتمون إلى محمد بن على بن عبدهللا بن عباس ‪ ،‬وقد كان يسكن فى قرية الحميمية باألردن اليوم ‪ .‬ونكتفى بالقليل‬
‫ومن تنويعات المدح التى قيلت فى ( على بن عبدهللا بن عباس ) جد الخلفاء العباسيين ‪ " :‬أنه كان أجمل قرشى على ‪4 / 1 :‬‬
‫وجه األرض ‪ ،‬وأكثرهم صالة ‪ ،‬وكان يقال له السجاد لكثرة عبادته وفضله ‪ ،‬وقيل أنه كان ليصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة "‬
‫أى أنه جمع بين الكم ( ألف ركعة ) والكيف ( السجاد ) ‪ .‬مفروض على مسيلمة الكذاب أن يرفع عليهم دعوة قضائية ألنهم‬
‫!‪ .‬يستحقون لقب الكذاب أكثر منه‬
‫ثم تتسع الرواية لتشمل كل بنى العباس فى العصر األموى قبل قيام دولتهم ‪ .‬يقول ابن سعد ‪ " :‬سمعت األشياخ ‪4 / 2 :‬‬
‫يقولون ‪ :‬وهللا لقد أفضت الخالفة إليهم وما فى األرض أحد أكثر قارئا للقرآن وال أفضل عابدا وناسكا منهم بالحميمية ""‬
‫‪ ( .‬الطبقات الكبرى ‪) 230 ،5‬‬
‫وهذه كذبة عريضة تبدأ بالقسم باهلل جل وعال ‪ .‬وقد قال جل وعال عن المنافقين الذين كانوا يحلفون بإسمه جل وعال كذبا ‪:‬‬
‫(َو َسَيْح ِلُفوَن ِبالَّلـِه َلِو اْس َت َط ْع َن ا َلَخ َر ْج َن ا َمَع ُك ْم ُيْه ِلُك وَن َأنُفَس ُهْم َو الَّلـُه َيْع َلُم ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن ﴿‪ ﴾٤٢‬التوبة ) ‪ .‬ثم إن هذه الكذبة أكثر‬
‫إتساعا من الصحراء الكبرى ولكن قالها أولئك األشياخ ببساطة وسهوله ‪ .‬وابن سعد لم يذكر أولئك الشيوخ الذين سمع منهم فى‬
‫العصر العباسى والذين زعموا ألنفسهم علم الغيب وما تخفيه الصدور‪ ،‬وأعطوا حكما عاما شامال لكل من يعيش على وجه‬
‫‪ ...‬األرض فى عصر األجداد العباسيين فى العصر األموى‬
‫‪ .!!.‬وهكذا أفرط األمويون فى إماتتة الصالة فأفرط بعض خصومهم فى إحياء الكذب واإلفتراء والمراءاة‬

‫الفصل السادس ‪ :‬لمحة عن إستمرار وتطور التهاون فى الصالة بعد العصر األموى‬

‫ـ سبقت االشارة الى بعض خلفاء بنى أمية الذين أهملوا الصالة ‪ .‬والواضح ان التهاون فى الصالة كان يتزايد بمرور الزمن ‪1‬‬
‫خالل العصر العباسي حيث تحول الخليفة الى رمز كهنوتي ‪ .‬وكانت الصالة ضمن هذا الكهنوت ‪ .‬ومن عادة الكتابات التاريخية‬
‫التركيز على المشاهير من الحكام والقادة و العلماء‪ ،‬دون العوام والجماهير‪ .‬ومن النادر ان تشير فى تاريخها للمشاهير مدى‬
‫اهتمامهم بالصالة المفروضة إال اذا كان الشخص المشهور "مشهورا" باهماله الصالة‪ .‬فمثال يقول المسعودي فى (مروج‬
‫‪.‬الذهب) فى قصة طويلة عن الشعر العباسي المشهور "ابى تمام" انه كان ال يصلي ‪( .‬مروج الذهب ‪)2/377‬‬
‫ـ ولقد جمع المؤرخ صالح الدين بن ايبك الصفدى تراجم لكل المشاهير من بداية الصحابة الى عصره فى القرن الثامن ‪2‬‬
‫الهجرى ‪ ،‬وذلك فى موسوعته "الوافى بالوفيات" التى تربو على ‪ 23‬جزءا‪ .‬وقد راجعناها كلها‪ ،‬وجئنا بهذه النماذج التى‬
‫‪".‬اشتهرت باهمال الصالة المفروضة‬
‫‪ .‬يقول عن نجم الدين بن على الشافعي ت ‪( 699‬كان ُيخُّل بالصلوات ويتكلم فى الصحابة )( الوافي ‪2 / 1 : )7/305‬‬
‫‪ :‬ويقول عن االفريقي المتيم ـ وكان معاصرا للصفدى المؤرخ ــ انه قال فى شعره ‪2 / 2 :‬‬
‫فقلت اغربي عن ناظرى انت طالق‬ ‫تلوم على ترك الصالة حليلتى‬
‫)الوافي ‪(8/157‬‬
‫وكان عالء الدين الدواعي (‪ )716 – 640‬صديقا البن ايبك الصفدي وقد وصفه أيضا بأنه كان "يخل بالصلوات" ( ‪2 / 3‬‬
‫‪)200 : 2/199.‬‬
‫أما الشاغورى النحوي ت ‪ 773‬وكان من تالمذه ابن مالك ومعاصرا ايضا البن الصفدي فقد كان يدع الناس يصلون ‪2 / 4 :‬‬
‫‪.‬بالجامع األموي بدمشق ‪ ،‬ويتمشى ليرى الناس انه غير مكترث بالصالة (الوافي ‪)10/267‬‬
‫ومن غير الطريف ان احدهم (كان قبيح الوجه وقد نظر يوما فى المرآة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يارب لقد صورتني فشوهت بي ‪2 / 5 : ،‬‬
‫وخلقتني فقبحت صورتي وما أعلم شيئا أكافئك به إال ترك الصالة ‪ ،‬وأنا أدعها وال أصليها ) ( الوافى ‪)647 / 17‬‬
‫‪..‬ونستغفر هللا العظيم الضطرارنا الى كتابة هذا الكالم ‪ ،‬وناقل الكفر ليس بكافر‬
‫ومن غير اللطيف ايضا ان بعض القضاة كان يهمل الصالة ‪ ،‬ومنهم فى القرن الرابع الهجرى الحافظ الحجارى قاضى ‪2 / 6 :‬‬
‫الموصل المتوفى ‪ 350‬هـ قال صاحب له (أنه كان نائما فكتب على رجله ‪ ،‬فكنت أراه ثالثة أيام لم يمسه الماء) (الوافى‬
‫‪)4/240.‬‬
‫ـ هذا باالضافة الى خلط الصالة باالنحالل الخلقى ‪ ،‬وفى العصر العباسي ألمح اليها الجاحظ فى سخرية رائعة فى كتابه ‪3‬‬
‫"المحاسن واألضداد" حين حكي ان خمسة من الفتيان أتوا قرية (فنزلوا على باب خان ‪ ،‬فقام أحدهم يصلى والباقون جلوس‪.‬‬
‫فمرت بهم أمرأة نبطية ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬دلينا على قحبة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬نعم كم انتم ؟ قالوا ‪ :‬نحن أربعة‪ .‬فأومأ الذى يصلى بيديه ‪ :‬سبحان‬
‫هللا ‪ :‬أنا الخامس) (المحاسن واألضداد ‪ .‬ط ‪ 1332 1‬ص ‪) 92‬‬
‫وكان معروفا فى العصر العباسي انتشار البغاء علنا فى الخانات وغيرها من بيوت األثرياء ‪ ،‬وكان يصاحبه الشذوذ العادى‬
‫‪.‬وبأجر ‪ ..‬ومشهور فى هذا المجال الشاذ ابو نواس والخليفة محمد األمين بن هارون الرشيد‬
‫وفى الجزء (‪ )16‬ص ‪ 47‬من موسوعة (المنتظم) فى التاريخ يروي ابن الجوزي فى أحداث سنة ‪ 454‬انه "عطلت المواخير‬
‫"وغلقت ابوابها ونودي بازالتها وكان السبب انه كثر فساد وشرب الخمر ‪ ،‬وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن‬
‫ـ وعن اجتماع الظلم مع الصالة نقرأ فى موسوعة تاريخ الصفدي ان السلطان االيوبي شيريكوه بن محمد بن شيريكوه ‪5‬‬
‫صاحب حمص المتوفى سنة ‪ 638‬هـ (كان مشهورا بالظلم والتعذيب واالعتقال اال انه ال يشرب الخمر ابدا ويالزم الصالة فى‬
‫أوقاتها ‪ ،‬وكانت بالده طاهرة من الخمر و المكوس ‪ ،‬ومنع أهل حمص من تهريب الخمر بسبب عسفه وجوره ) (الوافى‬
‫بالوفيات ‪.)216 / 16‬وشهرته بعدم شرب الخمر ومنعها فى بالده يفيد أن الخمر كانت شائعة خارج مملكته ‪ .‬ويقول الصفدي‬
‫عن الشاعر ابن عينين الذى تولى الوزارة للسلطان المعظم األيوبي انه اشتهر آخر عمره بالعسف والظلم وترك الصالة وسب‬
‫‪.‬األنبياء وادمان الخمر وقد عاش ابن عينين فيما بين (‪)630- 549‬‬
‫التصوف السنى جعل التهاون فى الصالة دينا فى العصر المملوكى‬
‫ـ تسيد دين التصوف السنى العصر المملوكى بما أسموه ( الحقيقة والشريعة ) ‪ ،‬فالحقيقة هى عقائد التصوف وتقديس ‪1‬‬
‫‪ .‬األولياء الصوفية ‪ ،‬أما الشريعة فهى هامش أداء العبادات ومنها الصالة والتقاضى بالشريعة السنية وقضاتها األربعة‬
‫ـ وأئمة التصوف أسقطوا التكاليف (العبادات) اإلسالمية ‪ ،‬فالصوفية إّدعوا اُأللوهية فال تتفق بأى حال عبادة هللا وهم يزعمون ‪2‬‬
‫االتحاد به وحلوله فيهم حسبما يزعمون‪ .‬والتفاصيل فى كتابنا عن العبادات فى مصر المملوكية بين االسالم والتصوف ‪ .‬وننقل‬
‫‪ .‬منه تأثر الناس بهذا فى تهاونهم فى الصالة‬
‫ـ فقد أثار ترك الصوفية للصالة المكتوبة إعجاب المعتقدين فيهم من العوام والعلماء المعبرين عن فكرالعامة‪ .‬وقد عاش ‪3‬‬
‫الفقيه المغربى ابن الحاج العبدرى فى مصر فى القرن الثامن ‪ ،‬وكتب فى الفقه الوعظى كتاب ( المدخل ) يذكر فيه أحوال‬
‫المجتمع المصرى الذى أرهقه التصوف السنى بإنحالله وخرافاته‪ ،‬وهو يعظ على طريقة الفقهاء ‪ .‬يقول عن الذين يؤمنون‬
‫بالمجاذيب ــ وقد إنتشروا فى العصر المملوكى ــ وكان يحج اليهم متوسال العلماء الفقهاء‪ ،‬استنكر ابن الحاج ذلك المسلك من‪:‬‬
‫( بعض من ينسب إلى العلم‪،‬يقعد بين يدى بعض من يدعى الفقر (أى التصوف) والوالية وهو مكشوف العورة‪،‬وقد تذهب عليه‬
‫أوقات الصالة وهو لم يصل ‪،‬ويعتذرون عنه )‪]1[.‬‬
‫بل شارك فى ذلك اإلعجاب بعض من عرف بالصالح – أى الصالح بالمفهوم الصوفى وهو االيمان باألولياء الصوفية ‪ ،‬وقد رأى‬
‫ابن الحاج بعضهم يرحل إلى زيارة شخص (من هذا الجنس وبقى نحو ثالثة أيام أو أربعة حتى اجتمع به وهو عريان ليس عليه‬
‫شْى يستره‪ ،‬وبين يديه بعض قضاة البلد ورؤسائها‪،‬وهذا أمر شنيع فى الدين وقلة حياء من عمل الذنوب وارتكاب مخالفة السنة‬
‫‪.‬وترك الفرائض)[‪]2‬‬
‫ـ والعامة مغرمة بالتقليد ‪،‬السيما إذا تعلق التقليد بأمور تريح من آداء التكاليف وتجلب الكسل والدعة ‪ ،‬فالعامة تجسيد ‪4‬‬
‫لألكثرية فى كل مجتمع ‪ ،‬وقد وصف القرآن الكريم األكثرية بأنها ال تعلم وال تعقل والتفقه والتؤمن‪ .‬وهكذا فإن دين الصوفية فى‬
‫التهاون فى الصالة وافق هوى العامة ‪ .‬وقد بدأ ذلك منذ عصر الغزالى فى القرن الخامس فيما يخص ترك الصالة بالذات‪ ،‬يقول‬
‫الغزالى يصف العامة فى عصره ‪ ( :‬أكثر الناس جاهلون بالشرع فى شروط الصالة فى البالد‪ ،‬فكيف فى القرى والبوادى ومنهم‬
‫األعراب واألكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق)[‪. ]3‬أى أن أهل المدن أقرب إلى التحضر واإللتزام‪ ،‬ويتالشى ذلك اإللتزام‬
‫كلما بعدنا عن العمران والحضارة وتوغلنا فى الريف ‪ .‬وقد تحولت شعيرة الصالة ــ خصوصا الجمعة ـ الى وظيفة رسمية يتم‬
‫بها التعبير عن الوالء للسلطان ‪ ،‬ولم يكن هذا مرعيا فى الريف واألحياء الشعبية الفقيرة ‪ ،‬وزادهم التصوف جهال على جهل ‪.‬‬
‫ومن أسف فإن إهمال تاريخ العامة وشئونها يكاد يكون قاسمًا مشتركًا فى الكتابات التاريخية لمؤرخى العصر المملوكى وما‬
‫سبقه‪ ،‬إذ استحوذ على المؤرخين تتبع حركات الحكام وسكناتهم ومن خاللها نظروا للعامة فى شذرات متفرقة ال تسمن وال تغنى‬
‫‪..‬من جوع‪ ..‬ومن هذه الشذرات القليلة نستخلص موقف العامة من الصالة‬
‫ـ يقول المؤرخ ابن الفرات فى حوادث ‪ (790‬رتب القاضى نجم الدين الطبندى محتسب القاهرة جماعة من الفقهاء‪ ،‬فى كل ‪5‬‬
‫سوق من أسواق القاهرة وظواهرها فقيه يعلم التجار واصحاب الصنايع والمتعيشين سورة الفاتحة وغيرها من السور ليقرأوا‬
‫بذلك‪ ،‬وجعل لكل فقيه على كل من يعلمه فليس جرد‪ ،‬وهذا ترتيب حسن ال بأس به) [‪.]4‬أى أن العامة نسيت الفاتحة واستلزم‬
‫األمرإيفاد بعض الفقهاء لتعليم التجار والصناع سورة الفاتحة‪ ..‬وهذا فى المدينة العاصمة‪ .‬فكيف بالحال فى القرى والنجوع ؟!‬
‫‪..‬وكان ذلك فى القرن الثامن‪ ،‬فكيف الحال فى القرون التالية وقد اشتدت سيطرة التصوف ؟؟‬
‫ـ لقد وصل األمر فى القرن التاسع إلى درجة أن الجهل بالفاتحه والصالة وصل إلى األمراء والسالطين ‪،‬فكان األمير أحمد بن ‪6‬‬
‫نوروز ‪ُ (852‬يرمى بترك الصالة ) [‪]5‬‬
‫بل كان السلطان األشرف اينال‪( :‬ال ُي حسن قراءة الفاحة وال غيرها من القرآن‪ ،‬وكانت صالته للمكتوبات صالة عجيبه‪،‬نقرات‬
‫ينقر بها ال يعبأ بها هللا‪ ،‬وكان ال يحب إطالة الدعاء بعد الصالة‪ ،‬بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء) [‪ .]6‬فاألشرف اينال‬
‫طولب بالصالة طبقا للبروتوكول فكان يصلى صالته المضحكة وهو جاهل بالفاتحة‪ ،‬وكان يؤدى تلك النقرات بضيق حتى إذا ما‬
‫‪ ..‬انتهت أضرب عن الدعاء بعدها‬
‫ـ وفى القرن العاشر الهجرى تكاثر األولياء وانتشروا فى ربوع مصر ومدنها وقراها‪ . .‬وأغلبهم من العامة األميين فكانوا ‪7‬‬
‫يسترون تركهم الصالة بمزاعم الكرامات واالنتقال من مكان الى آخر بخطوة واحد ( من أهل الخطوة ) ‪ ،‬فكانوا يزعمون الصالة‬
‫فى اماكن بعيدة مثل الرملة واللد فى فلسطين ‪ ،‬وبعضها وهمى وخرافى مثل جبل قاف وسد اسكندر‪ ..‬وهم ما تعودوا الصالة قبل‬
‫‪..‬المشيخة فالبد أن يفكروا فى حل صوفى يبرر عدم صالتهم‬
‫ـ وقد ترسب فى الضمير الشعبى ما يعبر عن اهمال الصالة أو السخرية منها حسب الرؤية الذاتية للشعب المصرى الذى ‪8‬‬
‫‪ ..‬يغلف نظرته لألموربالسخرية والتندروالفكاهة‬
‫فعن الجهل بالفاتحة يقول المثل (سورتك إيه سورتك إياك) والمراد(بإياك) سورةالفاتحة (ويضرب المثل لبقاءالشخص ‪8 / 1 :‬‬
‫على نمط واحد كأنه يقرأ الفاتحة كل يوم ال يتعداها)[‪ .]7‬والفاتحة أصبحت فى عرفهم مجرد (إياك)‪ ،‬ويوصف المصلى بأنه يبقى‬
‫على نمط واحد يردد كل يوم دون وعى أو فقه بما يقول‪ .‬ويشبهون بالمصلى كل من توقف على أسلوب واحد ال يسأم من‬
‫‪.‬ترديده‬
‫وعن الجهل بالفاتحة أيضًا يقول المثل الشعبى(إذا نسيت الحمد تصلى بأيه) [‪8 / 2 : 8.]8‬‬
‫وقد يقصد الشخص الجامع متكاسًال متأففًا فيجد أبوابه موصدة وحينئذ يشعر بسرور يعبر عنه المثل الشعبى (بركة ‪8 / 3 :‬‬
‫‪.‬ياجامع اللى جت منك ما جت منى)[‪]9‬‬
‫وكانت المآذن تردد بعد آذان الفجر قولهم ‪ :‬أن الصالة خير من النوم ‪ ..‬وهذه مقولة ال توافق عليها العامة التى تؤثر ‪8 / 4 :‬‬
‫الكسل ‪ ،‬فلم تترك هذا القول دون تندر فيقول المثل الشعبي (الصالة خير من النوم ‪،‬قال جربنا ده وجربنا ده) أى أنهم من واقع‬
‫السخرية عرفوا أن النوم خير من االستيقظ لصاله الفجر ‪ ..‬فهذا المثل( يضرب فى تفضيل شىء على شىء دلت التجربه على‬
‫خالفه)[‪]10‬‬
‫أخيرا‬
‫‪.‬ما سبق يدل على تواتر الصالة فى توقيتاتها وحركاتها الشكلية ‪ .‬لو لم تكن موجودة ما قرأنا هذا الكالم‬

‫الفصل السابع ‪ :‬من إمامة الصالة الى العزلة فى العصر األموى‬

‫‪ :‬إمامة الصالة فى مجال اإلستغالل السياسى‬


‫ـ جعلوا أكبر مسوغات اإلمامة السياسية ألبى بكر خليفة بعد النبى محمد عليه السالم أنه كان إمام المسلمين فى الصالة ‪1 ،‬‬
‫ومن ذلك الوقت إرتبطت إمامة الصالة بالقوامة السياسية ‪ ،‬وأصبح من مهام األمير والوالى أن يؤم الناس فى الصالة ‪ ،‬بحيث‬
‫‪ .‬أن جبارا مثل الحجاج كان يؤم بقية الصحابة فى المدينة ومكة‬
‫ـ وكانت إمامة الصالة وجاهة إجتماعية ‪ .‬نفهم هذا مما جاء عن رجل مجهول من ذرية عبد مناف " جد النبى محمد وجد ‪2‬‬
‫األمويين " ‪ ،‬إسمه نافع بن جبير ــ كان مشهورا باإلستكبار والغرور ــ جلس خلف العالء بن عبدالرحمن العلقمى وهو يقرىء‬
‫الناس فى المسجد ‪ ،‬وقال للناس ‪ " :‬أتدرون لم جلست إليكم ؟ " قالوا ‪ " :‬جلست لتسمع "‪ .‬قال ‪ " :‬ال ولكنى جلست إليكم‬
‫ألتواضع إلى هللا بالجلوس إليكم ‪ . " .‬وقدم نافع رجال ليصلى إماما وقال له ‪ " :‬أتدرى لم قدمتك ؟ " قال ‪ " :‬قدمتنى ألصلى‬
‫بكم " ‪ ،‬قال ‪ " :‬ال ولكنى قدمتك ألتواضع إلى هللا بالصالة خلفك " ( الطبقات الكبرى ‪ ) 153 ،5‬ومات نافع هذا فى العصر‬
‫‪ .‬األموى عاه ‪ 99‬هـــ ‪ .‬هذايعطى لمحة عامة عن موقع الصالة وإمامة الصالة فى الحياة اإلجتماعية والسياسية‬
‫ومن الطريف أنه قبيل موقعة الجمل وفد طلحة والزبير مع عائشة إلى البصرة مغاضبين لعلى بن أبى طالب فى خالفته ‪3 ،‬‬
‫فاستولوا على بيت المال فى البصرة ‪ .‬وحضر وقت الصالة فتدافع كل من طلحة والزبير ليصلى كال منها إماما بالناس فإذا صلى‬
‫إماما بالناس كان هو القائد وكان رفيقه تابعا له ‪ ،‬واستمر تدافع طلحةوالزبير حتى كاد وقت الصالة أن ينتهى ‪ ،‬ثم اصطلحا‬
‫على إقتراح عائشة أن يصلى عبد هللا بن الزبير صالة ومحمد بن طلحة صالة األخرى‪ ،‬وفى أول صالة اختلفا فيمن يبدأ‬
‫باإلمامة فذهب ابن الزبير ليؤم الناس فأّخ ره ابن طلحة ‪ ،‬وذهب ابن طلحة يتقدم للصالة فأخره ابن الزبير ‪ ،‬وأخيرا اقترعا‬
‫فخرجت القرعة لمحمد بن طلحة فتقدم وأّم الناس فى الصالة وقرأ فيها " سأل سائل بعذاب واقع " ‪ .‬هذا ما يرويه ابن سعد‬
‫فى ‪ (:‬الطبقات الكبرى ‪ . ) 39 ،5‬وانهزم طلحة والزبير فى موقعة الجمل ومات فى الموقعة كالهما وعشرة آالف من المسلمين‬
‫والصحابة وكان من بين القتلى الشاب محمد بن طلحة وكان شابا ورعا اشتهر بلقب السجاد وبأنه من أطول الناس فى الصالة ‪،‬‬
‫إال أن أباه طلحة أرغمه على الخروج معه إلى الجمل ( الطبقات الكبرى ‪ .) 39 /5‬وبعد موقعة الجمل جاءت موقعة صفين بين‬
‫‪ ( .‬على ومعاوية ) وكانت تمهيدا لزوال خالفة على وقيام الدولة األموية‬
‫‪ :‬الصالة والعزلة‬
‫ـ وألن الدولة األموية استخدمت الصالة و المساجد ميدانا لألعالم والحرب الفكرية ‪ ،‬وألن خصومها واجهوها بنفس السالح ‪1‬‬
‫مستخدمين الصالة و المساجد والقصص والخطب و األحاديث والروايات فإن ارتياد المعارضين للمساجد و االنخراط فى‬
‫انشطتها كان بمثابة الدخول فى معترك حربي‪ .‬فجواسيس الدولة األموية يخترقون حلقات القصص وينتشرون فى المساجد‬
‫يستمعون الى الخطب و األحاديث‪ ،‬والواله الجبابرة مثل زياد ابن ابيه والحجاج ابن يوسف وخالد القسري يقتلون من يشكون‬
‫فى امرهم ‪ ،‬واشهرهم الحجاج الذى كان يقتل بمجرد الشك او الظن‪ .‬ومن هنا عرف بعضهم العزلة واجتناب المساجد ‪ .‬وبعضهم‬
‫توسط واعتدل ‪ .‬ويحتاج األمر توضيحا‪ .‬ونحن هنا نتحدث – ليس عن العوام‪ -‬ولكن عن الفقهاء او القّر اء بمصطلح العصر ‪.‬‬
‫‪.‬وكانوا القادة الفكريين للمعارضة السياسية و الحربية للدولة األموية‬
‫ـ المعضلة فى الموضوع ان الدولة األموية كانت ترتاب ايضا فيمن ينقطع عن ارتياد المساجد وال تثق اال فيمن يصلى خلف ‪2‬‬
‫والتها‪ .‬وهذه معضلة واجهت حتى اولئك الذين عملوا قضاة فى خدمة الدولة مع عدم رضاهم عن تعسفها و ظلمها‪ .‬فالقاضى‬
‫زرارة بن اوفى الحرشي كان يصلي فى منزله الظهر و العصر – وقت عمله الرسمي‪ -‬ثم يأتي الحجاج ليصلي خلفه الجمعة‬
‫(تاريخ ابن سعد ‪ )7/109‬وهو بذلك يتبع حديثا اخترعه بعضهم ونسبه الى النبي محمد عليه السالم ‪ ،‬الحديث يضع حال لتلك‬
‫المشكلة‪ ،‬فيقول "انه ستجئ امراء تشغلهم اشياء يؤخرون الصالة حتى ال يصلوا الصالة الى وقتها‪ ،‬فصلوا الصالة لوقتها ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يارسول هللا ‪ ،‬ثم نصلى معه ؟ قال نعم" ( تاريخ ابن سعد ‪ )125 /2 /7‬ومعلوم ان النبي محمد عليه السالم ال يعلم‬
‫الغيب و ليس له أمر يتكلم فيه ‪ ،‬ولكن تكاثرت أحاديث الغيبيات وراج نسبتها للنبي محمد لتعلق عما حدث فى العصور التالية‬
‫‪.‬بعد وفاة النبي محمد عليه السالم‬
‫ـ ومن الناحية السياسية كانت الدولة االموية محتاجة الى مراقبة المعارضة الفكرية ‪ .‬فثورات الخوارج كانت تشب فى كل ‪3‬‬
‫حين ‪ ،‬وهناك ثورات أخرى يقوم بها العلويون و الشيعة ‪ ،‬و الموالى فى العراق وفارس و البربر فى شمال أفريقيا و االقباط فى‬
‫مصر ‪ .‬ولكن كان العدد األكبر هم من العرب الخوارج المستميتين فى حربهم ضد الدولة األموية ‪ .‬وكانت قسوة األمويين فى‬
‫مجابهة الثورات تضيف اليها الكثير من األعداء ‪ ،‬خصوصا بعد قتل الحسين وآله فى كربالء ‪ ،‬وانتهاك حرمة المدينة وحصار‬
‫مكة وحرق الكعبة‪ .‬وكان واضحا ان قسما كبيرا من العاملين فى الدولة ال يتورعون عن الخروج عليها اذا وجدوا لذلك سبيال ‪،‬‬
‫والدليل على ذلك ما يسمى بفتنة ابن األشعث ‪ ،‬القائد األموى الذى كان يغزو فى الشرق األسيوي باسم األمويون مرسال من‬
‫الحجاج ‪ ،‬وكان عامة جيشه من العراقيين الناقمين على األمويين ‪ .‬واختلف ابن األشعث مع الحجاج فى موضوع بسيط ‪ ،‬ورد‬
‫عليه الحجاج بغلظة كعادته فإنتهزها القادة العراقيون العاملون مع ابن األشعث ومازالوا بابن األشعث حتى أقنعوه بأن يستدير‬
‫بالجيش ويعود الى العراق ليقاتل الحجاج ‪ ،‬وكانت موقعة دير الجماجم التى انتصر فيها األمويون بصعوبة ‪ ،‬والتى أسرف فيها‬
‫الحجاج فى قتل األسرى من الجيش المهزوم حتى بنى منها اهرامات من الجماجم ‪ .‬وكان سعيد بن جبير من حّر ض ابن األشعث‬
‫‪.‬على الخروج على الحجاج ‪ ،‬وقد فر و اختفى ‪ ،‬ومازال الحجاج يبحث عنه حتى عثر عليه وقتله‬
‫وسعيد بن جبير احد قادة الفقهاء فى البصرة و العراق ‪ ،‬وكان ندا للحسن البصري أكبر فقيه فى وقته ‪ .‬ويذكر ابن سعد انه لما‬
‫كانت فتنة ابن األشعث وحربه مع الحجاج بن يوسف ‪ ،‬انطلق عقبة بن عبد الغافر وابو الجوزاء وعبد هللا بن غالب فى نفر من‬
‫نظرائهم فدخلوا على الحسن البصري ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا ابا سعيد ما تقول فى قتال هذا الطاغية الذى سفك الدم الحرام واخذ المال‬
‫الحرام وترك الصالة وفعل وفعل ؟ وذكروا من فعل الحجاج الكثير ‪ ،‬فقال الحسن البصري ‪ :‬أرى ان ال تقاتلوه فإنها ان تكون‬
‫عقوبة من هللا فما انتم برادي عقوبة هللا بأسيافكم ‪ ،‬وان يكون بالء فاصبروا حتى يحكم هللا وهو خير الحاكمين‪ .‬فخرجوا من‬
‫عنده وهم يقولون ‪ :‬نطيع هذا العلج ( اى المولى األعجمي) وهم قوم عرب ‪ ،‬وخرجوا الى ابن األشعث يقاتلون معه فقتلوا‬
‫‪.‬جميعا (تاريخ ابن سعد ‪)7/119‬‬
‫لقد كانت سياسة الحسن البصري هي االحتجاج القولى دون ان يتحرك ايجابيا بالثورة على األمويون ‪. .‬وكان اكبر المعارضين‬
‫شهرة ونفوذا ‪ ،‬ومع ذلك فقد كان من خالل تحليل تاريخه – مسكونا بالخوف من الحجاج بن يوسف ‪ .‬وكان اذا قيل له ‪ :‬أال‬
‫‪.‬تخرج ؟ يعني أال تخرج مع الخوارج تاثرا ‪ ،‬يقول ‪ :‬ان هللا انما يغير بالتوبة وال يغير بالسبف " ( ابن سعد ‪)7/119‬‬
‫‪ ..‬ـ على انه يمكن تقسيم العزلة الى أنواع ‪4‬‬
‫عزلة تامة ‪ ،‬مثلما كان يفعل مطرف بن عبد هللا ‪ ،‬وهو القائل "لبثت فى فتنة ابن الزبير تسع او سبع سنين ما أخبرت ‪4 / 1 :‬‬
‫فيها بخبر وال استخبرت فيها عن خبر" وقالوا عنه انه كان يلزم قعر بيته وال يقرب لهم جمعة وال جماعة حتى تنجلى لهم عما‬
‫‪.‬انجلت ‪ ( .‬ابن سعد ‪)7/103‬‬
‫وبعضهم كان يحضر الى المساجد ويصلى ‪ ،‬ولكن يبتعد عن المشاكل ويجتنب ما يدور فيها من اجاديث سياسية او لغط ‪4 / 2 :‬‬
‫قد يؤدي الى مشاكل مع األمويين ‪ ،‬وتلك هى سياسية الحسن البصري الذى كان ال يفارق مسجد البصرة ‪ ،‬يقوم الناس ويحضر‬
‫حلقة علمه الكثيرون مع محافظته على عدم التورط فيما يدينه امام الحجاج‪ .‬وقد قال الحسن البصري " احترسوا من الناس‬
‫بسوء الظن " ( تاريخ ابن سعد ‪ ) 7/125‬وهى نصيحة ثمينة مريرة ألتباعه ‪ ،‬حيث كانوا جواسيس األمويون ينتشرون حوله‬
‫فالبد من سوء الظن بالجميع ‪ .‬وهى الحالة العقلية التى تأسست عليها العالقات االجتماعية فى الدول االستبدادية البوليسية‬
‫والتى ال يزال فيها المحمديون اليوم ‪ .‬وكان على منهج الحسن البصري كثيرون من اتباعه ‪ ،‬منهم من قال ( جالست الحسن‬
‫‪.‬البصري اثني عشر سنة اصلى معه الصبح ثالث سنين) ( تاريخ ابن سعد ‪)7/2/1‬‬
‫وتفنن بعضهم فى الجمع بين العزلة والصالة ‪ ،‬ومنهم ثابت البناني وكان عابدا مشهورا ‪ ،‬من أقاويله ( ال يكون العابد‪4 / 3 :‬‬
‫عابدا وان كان فيه خصلة من كل خير حتى يكون فيه هاتان الخصلتان ‪ :‬الصالة و الصوم) ‪ .‬ونحن نشكر له انه لم يحول هذه‬
‫المقالة الى حديث منسوب للنبي كما كان يفعل غيره ‪ .‬وثابت البناني الذى مات فى والية خالد القسري على العراق ‪ ( :‬كان كلما‬
‫مر بمسجد دخل فصلى فيه ) ( ابن سعد ‪ )7/2/3‬حتى يتجنب ارتباطه وبعضهم مثل ( صفوان ) سجن نفسه فى سرداب فى بيته‬
‫معتكفا الناس ولكنه كان يخرج من هذا السرداب فى اوقات الصالة فقط ( طبقات ابن سعد ‪ )7/107‬ويعود الى سردابه‪ .‬وقد‬
‫‪ .‬دخل صفوان المسجد مرة فرأى قوما يتخاصمون فيه ‪ ،‬فقام عنهم وقال ( انما انتم حرب) ( طبقات ابن سعد ‪)108 : 7/107‬‬
‫وحاول بعضهم ان يبرر موقفه هذا دينيا عن طريق الوحي ‪ ..‬وهو ان لم ينسبه حديثا للنبي محمد عليه السالم ‪ ،‬فقد ‪4 / 4 :‬‬
‫جعله مناما صاغه بطريقة مؤثرة مقنعة ‪ ،‬قال ميمون ابن شياه "تذاكروا عندي رجال من هؤالء السالطين فوقعوا فيه ‪ ،‬ولم‬
‫اذكر منه خيرا وال شرا ‪ .‬فانقلبت الى بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن ‪ ،‬وكأن‬
‫قائما على رأسي يقول ‪ُ :‬ك ل ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا عبد هللا ‪ ،‬ولماذا آكل ؟ قال ‪ :‬بما اغتبت عندك فالن ‪ .‬قلت ‪ :‬ما ذكرت منه خيرا وال‬
‫شرا ‪ .‬فقال لى ولكنك استمعت ورضيت " (تاريخ ابن سعد ‪ .)7/111‬وبالطبع فهذا المنام متأثر بقوله جل وعال ( َو اَل َي ْغ َت ب‬
‫َّبْع ُض ُك م َبْع ًض ا ۚ َأُيِحُّب َأَح ُد ُك ْم َأن َي ْأُك َل َلْح َم َأِخيِه َمْي ًت ا َفَك ِر ْه ُتُم وُه ۚ َو اَّت ُقوا الَّلـَه ۚ ِإَّن الَّلـَه َت َّو اٌب َّر ِحيٌم ﴿‪ ) ﴾١٢‬الحجرات )‪ .‬وقد أجاد‬
‫الصياغة فى استخدامه التنفير من حضور االجتماعات السياسية فى المساجد والتى كانت تتخذ ضد األمويين‪ .‬ولكن نرى فيه‬
‫تعصبا مقيتا ضد األفارقة ‪ ،‬وهذا ال يليق بالمسلم ألنه تجاهل اآلية التالية ‪( :‬يَ ا َأُّيَه ا الَّن اُس ِإَّن ا َخ َلْق َن اُك م ِّم ن َذ َك ٍر َو ُأنَث ٰى َو َج َع ْلَن اُك ْم‬
‫ُشُع وًب ا َو َقَب اِئَل ِلَت َع اَر ُفوا ۚ ِإَّن َأْك َر َم ُك ْم ِع نَد الَّلـِه َأْت َقاُك ْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َع ِليٌم َخ ِبيٌر ﴿‪ ﴾١٣‬الحجرات ) وقوله جل وعال ‪َ ( :‬و ِمْن آَي اِتِه َخ ْل ُق‬
‫‪.‬الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اْخ ِتاَل ُف َأْلِس َن ِتُك ْم َو َأْلَو اِنُك ْم ۚ ِإَّن ِفي َٰذ ِلَك آَل َي اٍت ِّلْلَع اِلِميَن ﴿‪ ﴾٢٢‬الروم )‬
‫وقد كانت مشكلة ابى العالية الرياحي مع الحجاج ‪ ،‬هل يصلى معه او يترك الصالة خلفه ؟ وهل يقبل هللا تعالى صالته ‪4 / 5 :‬‬
‫تلك او تلك ‪ ،‬يقول الرياحي انه صلى آخر جمعة خلف الحجاج ‪ ،‬ومات الحجاج بعدها ‪ .‬يقول عن تلك الصالة األخيرة " فعماه‬
‫هللا عني" ويقول " وقد صليت خلفه حتى خفت هللا ‪ ،‬ولقد تركت الصالة خلفه حتى لقد خفت هللا" ( ابن سعد ‪ .)7/83‬وهي‬
‫مشكلة حقيقية ان يكون الحاكم الظالم حاضرا فى قلب المؤمن الذى يصلى الى هذه الدرجة ‪ .‬لذلك ال نتعجب من مقالة عبد هللا‬
‫بن سعد من متأخرى الصحابة ‪ ،‬وقد عاش فى مصر وكان بيته قريبا من مسجد الفسطاط اال انه كان ال يصلي فيه اال الصلوات‬
‫الخمس المكتوبة فقط ‪ ،‬ويقول "ألن اصلى فى بيتي أحب الى من أن أصلى فى المسجد اال ان تكون صالة مكتوبة" ( ابن سعد‬
‫‪)7/2/193.‬‬
‫ـ وكان ابن عون المتوفى سنة ‪ 151‬هـ قد ادرك الدولتين األموية والعباسية ‪ ،‬اى شهد سقوط دولة وقيام اخرى معادية لها‪5 ،‬‬
‫وهي اصعب الفترات السياسية فى النظم االستبدادية ‪ ،‬اال انه عاش فى امن وسالم ألنه تصالح مع الدولة األموية‪ .‬يقول عنه ابن‬
‫سعد ( كان ال يبكر الى الجمعة ذلك التبكير الذى يعرف وال يؤخرها ‪ ،‬وكان أحب األمور اليه اوسطها واالختالط بالجماعة‪ .‬وكان‬
‫يغتسل الجمعة والعيدين ويتطيب للجمعة والعيدين ‪ ،‬ويرى ذلك ُس ّن ة‪ .‬وكان يلبس فى الجمعة والعيدين انظف ثيابه ‪ ،‬وكان يأتي‬
‫يوم الجمعة ماشيا او راكبا ‪ .‬وال يقيم بعد صالة الجمعة ‪ .‬وكان فى شهر رمضان ال يزيد على المكتوبة فى الجماعة ‪ ،‬ثم يخلو‬
‫فى بيته ‪ .‬وكان ربما اّم نا ابن عون ‪ ،‬وربما قدم بعض بنيه ‪ ،‬وكان يصلى بأصحابه المغرب و العشاء ‪ ،‬وكان له مسجد فى داره‬
‫يصلى فيها الصلوات كلها ومن حضر من اخوانه وولده ‪ .‬وكان له مؤذن مولى يقال له زيد ‪ .‬ويقيم مؤذنه مثنى ‪ ،‬ويقيم وترا‬
‫‪.‬وترا " (ابن سعد ‪)7/2/26‬‬
‫أخيرا‬
‫تطور األمر فى العصر العباسى فتحولت العزلة الى طقس دينى عند الزهاد ‪ ،‬ثم عند الصوفية تأثرا بالرهبان فى أديرتهم ‪،‬‬
‫‪.‬والتفاصيل فى كتاباتنا فى موسوعة التصوف المملوكى‬

‫الفصل الثامن ‪ :‬تحريف التواتر فى األذان للصالة‬

‫مقدمة ‪ :‬بين التواتر االلهى والتواتر الشيطانى فى األذان‬


‫ـ التواتر االلهى فى األذان للصالة أن يبدأ بتكبير هللا تعالى (هللا أكبر) الذى يؤكد أنه ال اله اال هللا ‪.‬وبعد ( هللا أكبر ) تأتى ‪1‬‬
‫تؤكدها شهادة اإلسالم الواحدة ( ال اله إال هللا) ‪،‬ثم الدعوة للصالة (حّى على الصالة ) التى يجب أن تقام لذكر هللا وحده وتقديسه‬
‫وحده وتعظيمه وحده والتسبيح بحمده وحده ‪ ،‬فذلك هو محتوى ومضمون الصالة هلل جل وعال رب العالمين هو قوله جل‬
‫وعال ‪ِ(:‬إَّن ِني َأَن ا ُهَّللا ال ِإَلَه ِإَّال َأَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص الَة ِلِذ ْك ِر ي ) ( طه ‪ . )14‬والذى يقيم هذه الصالة فى قلبه خشوعا وهو‬
‫يصلى ‪ ،‬ثم يقيمها فى سلوكه سموا فى الخلق يستحق الفالح ‪ ،‬لذا يقال فى األذان ( حّى على الفالح ) أى دعوة للفالح ليكون‬
‫المؤمن ضمن المؤمنين المفلحين الذين وردت صفاتهم فى مطلع سورة ( المؤمنون )‪،‬ويختتم األذان باعادة التكبير(هللا أكبر )‬
‫للتأكيد على نفس المعنى ‪ ،‬وأنه ال إله إال هللا‪ .‬تلك هى صيغة األذان الشرعية التى تتناسب مع النداء االسالمى ( هللا أكبر) التى‬
‫تعنى أن هللا تعالى (أكبر) ألنه الخالق وحده ‪،‬وأنه أكبر من أن يوضع الى جانب اسمه الكريم أى إسم ألى مخلوق من مخلوقاته ‪،‬‬
‫ألن ماعداه من مخلوقات هى بالنسبة إليه (أصغر) ويحرم أن يذكر (األصغر ) إلى جانب (األكبر ) سبحانه وتعالى ‪ .‬هذا ما كان‬
‫عليه النداء للصالة فى ملة ابراهيم طبقا لوحدة الدين االلهى شرعا ووحيا وإقامة للدين ‪ .‬وفى حياة النبى عليه السالم ‪ .‬لم يكن‬
‫فيه ذكر لغير هللا جل وعال ‪ ،‬ولم يكن إسمه عليه السالم يرتفع فى األذان وفى الدعاء للصالة ‪.‬هنا تجديد التواتر االلهى فى‬
‫‪ .‬األذان ‪ .‬هذا هو التواتر االلهى فى األذان‬
‫ـ التواتر الشيطانى جاء مخالفا فى األذان للصالة لتواتر ملة ابراهيم فى األذان ‪ ،‬لذا إعترض عليهم خاتم النبيين فكادوا ‪2‬‬
‫يفتكون به ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿‪َ ﴾١٨‬و َأَّن ُه َلَّم ا َقاَم َع ْب ُد الَّلـِه َي ْد ُع وُه َك اُدوا َي ُك وُنوَن َع َلْي ِه‬
‫‪ِ.‬لَب ًدا ﴿‪ُ ﴾١٩‬قْل ِإَّن َم ا َأْد ُع و َر ِّب ي َو اَل ُأْش ِر ُك ِبِه َأَح ًدا ﴿‪ُ ﴾٢٠‬قْل ِإِّن ي اَل َأْم ِلُك َلُك ْم َض ًّر ا َو اَل َر َش ًدا﴿‪ ﴾٢١‬الجن )‬
‫ونعطى بعض تفصيالت للتواتر الشيطانى فى تحريف األذان‬
‫ثانيا ‪ :‬تغيير فى صيغة األذان فى العصر العباسى‬
‫ـ ضمن الستغالل السياسى للمسجد وصالة الجمعة وخطبتها تحولت المساجد الى مساجد شيطانية ‪ ،‬وتأثر األذان بهذا التحول ‪1‬‬
‫فأصبح ضمن عباراته ذكر الخليفة ‪ ،‬وساد هذا فى العصر العباسى الذى شهد تدوين التاريخ وشعائر األديان األرضية والثقافة‬
‫السائدة ‪ ،‬منها تدوين التأريخ للعصر األموى وما سبقه بأثر رجعى ‪ .‬وألن الدولة العباسية كانت كهنوتا دينيا صريحا فقد جرى‬
‫‪ .‬تشريع هذا كله بأحاديث مصنوعة وسيرة مصنوعة للنبى تتناقض مع القرآن الكريم‬
‫ـ وشهد العصر العباسى أيضا صراعا سياسيا وحربيا ودينيا بين الشيعة والعباسيين السنيين ‪ ،‬وإنعكس هذا على نواح كثيرة ‪2‬‬
‫منها األذان ‪ ،‬بل إن الشيعة أقاموا الدولة الفاطمية وطبقوا فيها شعائرهم ومنها يخص األذان ‪ ،‬وحتى فى خالل الدولة الفاطمية‬
‫تعرض األذان لتقلبات فى خالفة الخليفة الفاطمى الحاكم ‪ ،‬وبعد سقوطها عادت شعائر الدين السنى فى مصر وما كان تابعا‬
‫للدولة الفاطمية من قبل‪ .‬ثم ساد التصوف السنى بديال عن الُّس ّن ة الحنبلية المتشددة والتصوف المتطرف ومعاديا شديد العداء‬
‫للتشيع والتصوف الشيعى ‪ ،‬وتأثر األذان بهذا التحول ‪ ،‬خصوصا مع غرام الصوفية بالرقص والغناء ‪ ،‬فأصبح األذان انشودة‬
‫‪ .‬سمجة ‪..‬وربما ال يزال‬
‫ـ استحدث العباسيون السالم على الخليفة العباسى فى األذان للصالة ‪ ،‬ثم تابعهم الفاطميون فيما بعد ‪ .‬وحتى يتم تبرير هذا ‪3‬‬
‫فقد أضاف العباسيون السالم على النبى محمد والخلفاء بعده ‪ ،‬وتولت مصانع األحاديث وصناعة الروايات التاريخية افتراء‬
‫أحاديث وروايات تسوغ هذا التالعب باألذان للصالة ‪.‬وقام بذلك الواقدى ( ‪ ) 207 : 130‬ثم كاتبه ( محمد بن سعد ‪: 168 ( :‬‬
‫‪ ( ) 230‬كاتب الواقدى )‬
‫ـ الواقدي شيخ المؤرخين كان متصال بالبرامكة وتولى القضاء للخليفة الرشيد ومن عمالء العباسيين شأن كاتب السيرة ‪4‬‬
‫محمد بن إسحاق ( ‪ ) 152 : 85‬من قبل ‪ ،‬وهو من أوائل المؤرخين فى التاريخ العام ‪ .‬وقد زعم الواقدى أن بالل كان يقف‬
‫على باب النبى يؤذن ‪ ( :‬فيقول‪ :‬السالم عليك يا رسول هللا وربما قال‪ :‬السالم عليك بأبي أنتوأمي يا رسول هللا حي على الصالة‬
‫حي على الصالة السالم عليك يا رسول هللا‪ . ).‬وينقل المقريزى عن مؤرخى العصر العباسى فى ( الخطط ) أن بالل ( كان يقول‬
‫السالم عليك يا رسول هللا ورحمة هللا وبركاته حي على الصالة حي على الفالح الصالة يا رسول هللا ‪ ،‬فلما ولي أبو بكر‬
‫رضي هللا عنه الخالفة كان سعد القرظ يقول السالم عليك يا خليفة رسول هللا ورحمة هللا وبركاته حي على الصالة حي على‬
‫الفالح الصالة يا خليفة رسول هللا‪ .‬فلما استخلف عمر رضي هللا عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السالم عليك يا خليفة خليفة‬
‫رسول هللا ورحمة هللا حي على الصالة حي على الصالة يا خليفة خليفة رسول هللا ‪ . ..‬ثم إن عمر رضي هللا عنه أمر المؤذن‬
‫فزاد فيها رحمك هللا‪ .‬ويقال أن عثمان رضي هللا عنه زادها ‪ ) .‬ترتب على هذا كما يقول المقريزى تشريع إضافة إسم الخليفة بل‬
‫واألمراء فى األذان ‪ ،‬قال ‪ ( :‬وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء األعمال ثم يقيمون الصالة بعد السالم ‪،‬‬
‫فيخرج الخليفة أو األمير فيصلى بالناس ‪.‬هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة بني العباس أيام كانت الخلفاء وأمراء‬
‫‪ .‬األعمال تصلي بالناس‪. ) .‬أى اصبح األذان حفل تكريم للخليفة واألمراء‬

‫ـ وإحتل عمر بن عبدالعزيز مكانة هامة فنسب محمد بن إسحاق هذا الخبر عّم ن اسماه ( محمد بن عمارة ) روى إنه قال ‪5 :‬‬
‫( كنا نؤذن عمر بن عبدالعزيز فى داره للصالة ‪ ،‬فنقول السالم عليك يا أيها األمير ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬حى على الصالة ‪ ،‬حى‬
‫على الفالح ‪ ،‬الصالة رحمك هللا " وفى الناس الفقهاء ال ينكرون ذلك " ( ابن سعد ‪ . ) 246 ، 5‬المهم قوله أن الفقهاء ال‬
‫ينكرون ذلك ‪ .‬وهذا للرد على أى معترض فى العصر العباسى ‪ .‬وفى رواية أخرى يقول ابن سعد أن مؤذن الخليفة عمر بن‬
‫عبدالعزيز يسلم على بابه ‪ :‬السالم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة هللا ‪ ،‬حى على الصالة يرحمك هللا ‪ ( ) .‬ابن سعد ‪) 264 ، 5‬‬
‫ـ على أن المقريزى ينقل خبرا يناقض هذا وهو أن األذان فى مصر فى والية عمرو بن العاص كان ( ال إله إال هللا ) فقط ‪6 .‬‬
‫ينقل اآلتى ‪( :‬قال أبو الخير‪ :‬حدثني أبو مسلم وكان مؤذًن ا لعمرو بن العاص أناألذان كان أوله الإله إال هللا وآخره الإله إال هللا‪،‬‬
‫وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات )‪ .‬إنتهى هذا فى الدولة العباسية ‪ ،‬واصبحت شهادة االسالم شهادتين وتأسس تقديس‬
‫النبى محمد وجعلوه إالها وشريكا لرب العزة جل وعال فى الشهادة وفى الصالة ( التحيات ) وصالة الُّس ّن ة وفى األذان وفى الحج‬
‫‪.‬الى الى المسجد الرجسى المنسوب له ظلما وعدوانا‬
‫ثالثا ‪ :‬الفاطميون والصراع الشيعى السنى‬
‫ـ ثم حدث أول تغيير مشهور فى األذان فى الدولة الفاطمية الشيعية التى أنشأت القاهرة و الجامع األزهر‪ ،‬يقول المقريزى ‪1‬‬
‫عن االبتداع الشيعى الفاطمى ‪( :‬إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين هللا وبني القاهرة ‪ ،‬فلما كان في يوم الجمعة الثامن‬
‫من جمادي األولى سنة تسع وخمسين وثالثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ‪..‬وأذن المؤذن ‪ " :‬حي‬
‫‪ .‬على خير العمل " ‪ ،‬وهو أول ما أذن به بمصر ‪ ...‬فلم يزل األمر على ذلك طول مدةالخلفاء الفاطميين‪) .‬‬
‫ـ ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا المشهور بتقلبه و حماقاته وإّد عائه االلوهية تالعب أيضا باألذان ‪ ،‬ينقل المقريزى ‪2‬‬
‫(‪ ..‬إال أن الحاكم بأمر هللا سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصروسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي‬
‫وقرأ أبو العباسي سجاًل فيهاألمر بترك حي على خير العمل في األذان ‪ ،‬وأن يقال في صالة الصبح "الصالة خير من النوم"‪،‬وأن‬
‫يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم ‪ :‬السالم على أمير المؤمنين ورحمة هللا ‪ ،‬فامتثل لذلك‪ ).‬أى أن قولهم ( الصالة خير من‬
‫النوم فى أذان الفجر من اختراعات الحاكم بأمر هللا الفاطمى ‪ .!.‬ثم عاد الحاكم األذان الشيعى لما كان عليه سنة ‪ ، 401‬ينقل‬
‫المقريزى ‪ ( :‬ثم عاد المؤذنون إلى قول "حي على خير العمل " في ربيع اآلخر سنة إحدى وأربعمائة‪ . ).‬ثم استحدث الحاكم‬
‫تغييرات وزيادات أخرى عام ‪ ، 405‬يقول المقريزى ‪ (:‬ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر‬
‫من قولهم بعد األذان ‪" :‬السالم على أمير المؤمنين "‪ ،‬وأمرهم أن يقولوا بعد األذان " الصالة رحمك هللا‪ . )!." .‬والمفهوم من‬
‫‪.‬هذا أن السلطان هو صاحب التشريع ‪ ،‬ال فارق بين خليفة سنى أو شيعى‬
‫ـ وإمتد الصراع الشيعى السنى خارج مصر فوصل بغداد ‪ ،‬ونال األذان منه نصيب ‪ ،‬ففى سنة ‪ 448‬انتصر السنة على ‪3‬‬
‫الشيعة فى بغداد وتحكموا فى أحياء الشيعة فيها وفى مقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ ‪،‬فأقيم األذان بشعار السنة "‬
‫الصالة خير من النوم " وأزيل ما كان الشيعة يقولونه فى األذان من " حى على خير العمل " وقلعوا جميع ما كان على أبواب‬
‫‪.‬الدور من " محمد وعلى خير البشر " ‪ .‬هذا ما ذكره ابن الجوزى فى تاريخ ( المنتظم ‪) 8: 7 / 16‬‬
‫ـ وجاء فى الدولة الحمدانية فى حلب ابتداع جديد فى األذان ‪ ،‬يقول المقريزى (وأول من قال في األذان بالليل ‪ " :‬محمد‪4‬‬
‫وعلي خير البشر" ‪....‬ابن شكنبة ويقال أشكنبة وهو اسم أعجمي معناه الكرش ‪ ،‬وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن‬
‫الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ‪ ،‬وكان أول تأذينة بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع‬
‫وأربعين وثالثمائة‪.‬قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ‪ ،‬ولم يزل األذان بحلب يزاد فيه ‪" :‬حي على خير العمل" ‪ ،‬و"‬
‫محمد وعلي خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود‪ .‬فلما فتح ( أى السلطان نورالدين زنكى ) المدرسة الكبيرة المعروفة‬
‫بالحالوية استدعى أبا الحسن عليبن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ‪ ،‬فجاء ‪ ،‬ومعه جماعة من الفقهاء ‪ ،‬وألقي بها‬
‫الدروس‪ ،‬فلما سمع األذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت األذان وقال لهم مروهم يؤذنون األذان المشروع ومن امتنع كبوه‬
‫على رأسه ‪ ،‬فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به‪ ،‬واستمر األمرعلى ذلك‪ .) .‬أى استطاع الشيعة تغيير األذان فى الدولة الحمدانية ‪،‬‬
‫وهى دولة عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان هواها مع الشيعة ‪ ،‬فلما تغلب محمود نور الدين زنكى على حلب تحت شعار‬
‫مواجهة الصليبيين وارساء المذهب الّس نى وحربه للتشيع أقام مدرسة الحالوية الّس نية واستقدم لها الفقهاء السنيين الذين‬
‫‪ .‬أبطلوا األذان الشيعى ‪ .‬أى أصبح األذان للصالة ميدانا للصراع السياسى بين الشيعة والّس نة‬
‫ـ واسقط صالح الدين األيوبى الدولة الفاطمية وعاد بمصر الى معسكر السنة أو ( التصوف السنى ) ‪ .‬يقول المقريزى ‪5 :‬‬
‫( وأما مصر فلم يزل األذان بها على مذهب القوم ( الفاطميين ) إلى أن استبد السلطانصالح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار‬
‫مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة ‪ ،‬وكان ينتحل مذهب اإلمام الشافعي رضي هللا عنه وعقيدة الشيخ‬
‫أبي الحسن األشعري رحمه هللا ‪ ،‬فأبطل من األذان قول حي على خير العمل ‪ ،‬وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان‬
‫!‪ .‬أهل مكة ‪ ،‬وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين )‪ .‬اى جعل الشهادة شهادتين‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬فى العصر المملوكى‬
‫ـ واستمر هذا طيلة الدولة األيوبية ‪ ،‬ثم الى الدولة المملوكية التى عاش فيها المقريزى القائل ‪ ( :‬فاستمر األمر على ذلك إلى‪1‬‬
‫أن بنت األتراك (أى المماليك من سالطين وأمراء ) المدارس بديار مصر ‪ ،‬وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي هللا عنه في مصر ‪،‬‬
‫فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصالة أيًض اعلى رأيهم ‪ ،‬وما عدا ذلك فعلى ما قلنا ‪ ) .‬أى‬
‫‪ .‬حدث اختالف فى األذان الّس نى بين أذان مكة وأذان الكوفة‬
‫ـ ثم جّد ابتداع جديد فى األذان فى العصر المملوكى بعدعام ‪ ، 760‬أخترعه المحتسب صالح الدين البرلسى‪ ،‬يقول عنه ‪2‬‬
‫المقريزى ‪ ( :‬إال أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهو شىء‬
‫أحدثه محتسب القاهرة صالح الدين عبد هللا بن عبد هللا البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة ‪ ).‬أى أضاف هذا المحتسب الصالة‬
‫‪ .‬على النبى بعد الفراغ من األذان ‪ ،‬وجعل ذلك فى ليالى الجمعة فقط‬
‫ـ ثم تم تعميم هذا ليشمل كل أذان وليكون فى صلب األذان وليس خاتمة له ‪ .‬وتم هذا عبر اكذوبة المنامات التى برع فيها ‪3‬‬
‫شيوخ التصوف‪ ،‬وكان للتصوف سطوته فى العصر المملوكى ‪ ،‬وكان أولياؤه يتمتعون باعتقاد الناس فى خوارقهم وكراماتهم‬
‫وعلمهم اللدنى ومناماتهم ‪ ،‬وكل األكاذيب التى ينسبونها ألنفسهم وألوليائهم‪ .‬نستكمل ما قاله المقريزى ‪ .( :‬وهو شىء أحدثه‬
‫محتسب القاهرة صالح الدين عبد هللا بن عبد هللا البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة ‪.....‬فسمع بعض الفقراء ( أى الصوفية )‬
‫الخالطين ( مهاجرون لمصر من بلدة خالط ) سالم المؤذنين على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في ليلة جمعة ‪ ،‬وقد استحسن‬
‫ذلك طائفة من إخوانه ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬أتحبون أن يكون هذا السالم في كل أذان ؟ قالوا‪ :‬نعم ‪ .‬فبات تلك الليلة وأصبح متواجًدا‬
‫( أى أخذه الوجد والحال والجذب بزعمهم ) يزعم أنه رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في منامه ‪ ،‬وأنه ( أى النبى ) أمره‬
‫أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسالم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في كل أذان ‪ .‬فمضى ( ذلك‬
‫الولى الصوفى أو الفقير الصوفى ) إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ ( نجم الدين محمد الطنبدي )‪ .‬ويصف المقريزى هذا‬
‫المحتسب نجم الدين الطنبدى بأسوأ الصفات ‪ ،‬يقول عنه‪ ( :‬وكان شيًخ ا جهواًل ‪ ،‬وبلهاًن ا مهواًل ‪ ،‬سيءالسيرة في الحسبة‬
‫والقضاء ‪ ،‬متهافًت ا على الدرهم ولو قاده إلى البالء ‪ ،‬اليحتشم من أخذ البراطيل والرشوة ‪ ،‬وال يراعي في مؤمن إاّل وال ذمة ‪،‬‬
‫قد ضرى على اآلثام ‪ ،‬وتجسد ( أى تضخم جسده ) من أكل الحرام ‪ ،‬يرى أن العلم إرخاء العذبة ‪ ،‬ولبس الجبة ‪ ،‬ويحسب أن‬
‫رضي هللا سبحانه في ضرب العباد بالدرة ووالية الحسبة ‪ ،‬لم تحمد الناس قط أياديه ‪ ،‬وال شكرت أبًد ا مساعيه ‪ ،‬بل جهاالته‬
‫شائعة ‪ ،‬وقبائح أفعاله ذائعة ‪ ،‬أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم ( أى حوكم كثيرا أمام مجلس المظالم ) وأوقف مع من‬
‫أوقف للمحكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ‪ ،‬حقق فيها شكاته عليه القوادح ‪ ،‬وما زال في السيرة مذموًم ا ‪ ،‬ومن‬
‫العامة ملوًم ا‪ .) !.‬وبعد هذا الهجاء المسجوع يذكر المقريزى أن ذلك الشيخ الصوفى ذهب للمحتسب وحكى له المنام قائال ان‬
‫النبى ( يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم ‪" :‬الصالة والسالم عليك يا رسول هللا "‪ ،‬كما يفعل في‬
‫ليالي الجمع‪ . ) ،‬ويقول المقريزى معلقا بعقيدته السنية ‪( :‬فأعجب الجاهل ( أى المحتسب ) هذا القول ‪ ،‬وجهل أن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ال يأمر بعد وفاته إالبما يوافق ما شرعه هللا على لسانه في حياته ‪ . ).‬واستمر هذا بعدئذ ‪ ،‬يقول‬
‫المقريزى ‪ ( :‬فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا فيجميع ديار مصر وبالد‬
‫الشام ‪ ،‬وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة األذان الذي اليحل تركه )‬
‫ـ ثم زادوا فى األذان التسليم على األولياء الصوفية الذين يؤمن بهم الناس ‪ ،‬قال المقريزى ‪ ( :‬وأدى ذلك إلى أن زاد بعض ‪4‬‬
‫أهل اإللحاد في األذان ببعض القرى السالمبعد األذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ‪ .‬فال حول وال قوة إال باهلل ‪ .‬وإنا‬
‫‪.‬هلل وأن إليه راجعون‪ .) .‬وإنتشر هذا فى الريف المصرى وغيره منذ العصر المملوكى وحتى اآلن‬

‫الفصل التاسع ‪ :‬تحريف التواتر االلهى فى التسبيح‬

‫اوال ‪ :‬فى التواتر االلهى االسالمى‬


‫ـ التسبيح فى التواتر االسالمى االلهى هو ذكر هللا جل وعال ‪ ،‬وهو فرض له مواقيته ويجب ان يكون بخفوت الصوت ‪1‬‬
‫وتضرعا ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ( :‬و اْذ ُك ر َّر َّب َك ِفي َن ْف ِس َك َت َضُّر ًع ا َو ِخيَف ًة َو ُدوَن اْلَج ْه ِر ِمَن اْلَق ْو ِل ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل َو اَل َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن ﴿‬
‫‪ ﴾٢٠٥‬االعراف )‪ ،‬وهذا يشمل الدعاء الذى يجب أن يكون بتضرع وبخفوت صوت ‪ ،‬وإال كان من يدعو ربه معتديا ‪ ،‬قال جل‬
‫وعال ‪ ( :‬اْد ُع وا َر َّب ُك ْم َت َضُّر ًع ا َو ُخ ْف َي ًة ۚ ِإَّن ُه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿‪َ ( ﴾٥٥‬و اْد ُع وُه َخ ْو ًفا َو َط َمًع ا ۚ ِإَّن َر ْح َم َت الَّلـِه َقِر يٌب ِّم َن اْلُمْح ِس ِنيَن ﴿‬
‫‪ ﴾٥٦‬االعراف ) ‪ .‬وهذا هو التواتر االسالمى والذى إتبعه النبى زكريا عليه إذ دعا ربه خاشعا بصوت خفى ‪ ،‬قال جل وعال ‪( :‬‬
‫ِذ ْك ُر َر ْح َم ِت َر ِّب َك َع ْب َد ُه َز َك ِر َّي ا ﴿‪ِ ﴾٢‬إْذ َن اَد ٰى َر َّب ُه ِنَداًء َخ ِفًّي ا ﴿‪ ﴾٣‬مريم ) ‪ ،‬وقد إستجاب له ربه جل وعال ‪ ،‬قال جل وعال ‪( :‬‬
‫َو َز َك ِر َّي ا ِإْذ َن اَد ٰى َر َّب ُه َر ِّب اَل َت َذ ْر ِني َفْر ًدا َو َأنَت َخ ْيُر اْلَو اِر ِثيَن ﴿‪َ﴾٨٩‬فاْس َت َج ْب َن ا َلُه َو َو َه ْب َن ا َلُه َيْح َي ٰى َو َأْص َلْح َن ا َلُه َز ْو َج ُه ) ووصفهم‬
‫رب العزة جل وعال بالمسارعة فى الخيرات والدعاء رغبا ورهبا والخشوع ‪ِ ۚ( :‬إَّن ُهْم َك اُن وا ُيَس اِر ُع وَن ِفي اْلَخ ْيَر اِت َو َي ْد ُع وَنَن ا‬
‫‪َ.‬ر َغ ًب ا َو َر َه ًب ا ۖ َو َك اُن وا َلَن ا َخ اِش ِعيَن ﴿‪ )﴾٩٠‬األنبياء )‬
‫ـ والخشوع فى العبادة ـ ومنه الذكر والتسبيح ـ تمسك به المؤمنون من أهل الكتاب ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪َ ( :‬و ِإَّن ِمْن َأْه ِل ‪2‬‬
‫اْلِك َت اِب َلَم ن ُيْؤ ِمُن ِبالَّلـِه َو َم ا ُأنِز َل ِإَلْي ُك ْم َو َم ا ُأنِز َل ِإَلْي ِهْم َخ اِش ِعيَن ِلَّلـِه اَل َي ْشَت ُر وَن ِبآَي اِت الَّلـِه َث َم ًن ا َقِلياًل ۗ ُأوَلٰـ ِئَك َلُهْم َأْج ُر ُه ْم ِع نَد‬
‫‪َ .‬ر ِّب ِهْم ۗ ِإَّن الَّلـَه َس ِر يُع اْلِح َس اِب ﴿‪﴾١٩٩‬آل عمران)‪.‬والتعبير عنهم بتأكيد الجملة االسمية يفيد الثبوت واالستمرارية‬
‫ـ ومن عالمات الخشوع أن يرتجف قلب المؤمن عند ذكر إسم هللا وإذا سمع تالوة آيات هللا ‪ ،‬فهذا مقياس االيمان الحق فى كل ‪3‬‬
‫زمان ومكان ‪ ،‬قال جل وعال ‪ِ( :‬إَّن َم ا اْل ُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم َو ِإَذ ا ُتِلَي ْت َع َلْي ِهْم آَي اُتُه َز اَد ْت ُهْم ِإيَم اًن ا َو َع َلٰى َر ِّب ِهْم‬
‫َي َت َو َّك ُلوَن ﴿‪ ) ﴾٢‬األنفال ) ‪ .‬وهؤالء هو ( المخبتون ) قال عنهم جل وعال ‪َ ( :‬فِإَلٰـ ُهُك ْم ِإَلٰـ ٌه َو اِحٌد َفَلُه َأْس ِلُم وا ۗ َو َب ِّش ِر اْلُم ْخ ِبِتيَن ﴿‬
‫‪ ﴾٣٤‬اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم َو الَّص اِبِر يَن َع َلٰى َم ا َأَص اَبُهْم َو اْلُم ِقيِمي الَّص اَل ِة َو ِم َّم ا َر َز ْق َن اُه ْم ُينِفُقوَن ﴿‪ ﴾٣٥‬الحج )‪ .‬وفى‬
‫كل زمان ومكان يصف رب العزة جل وعال أصحاب الجنة ‪ ،‬قال جل وعال عنهم ‪ِ ( :‬إَّن اْلُمْس ِلِميَن َو اْلُمْس ِلَم اِت َو اْلُم ْؤ ِمِنيَن‬
‫َو اْلُم ْؤ ِم َن اِت َو اْلَقاِنِتيَن َو اْلَقاِنَت اِت َو الَّص اِدِقيَن َو الَّص اِد َقاِت َو الَّص اِبِر يَن َو الَّص اِبَر اِت َو اْلَخ اِش ِعيَن َو اْلَخ اِش َع اِت َو اْلُم َت َص ِّدِقيَن َو اْلُم َت َص ِّد َقاِت‬
‫َو الَّص اِئِميَن َو الَّص اِئَم اِت َو اْلَح اِفِظ يَن ُفُر وَج ُهْم َو اْلَح اِفَظ اِت َو الَّذ اِك ِر يَن الَّلـَه َك ِثيًر ا َو الَّذ اِك َر اِت َأَع َّد الَّلـُه َلُهم َّم ْغ ِفَر ًة َو َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا ﴿‪﴾٣٥‬‬
‫‪.‬االحزاب )‬
‫ثانيا ‪ :‬إعالن التحريف للتسبيح فوق المآذن‬
‫ـ أصبحت المساجد مساجد ضرار تتبع البشر ‪ ،‬ليس فقط فى إطالق إسماء البشر عليها بل أيضا فى إستخدامها ألغراض ‪1‬‬
‫‪.‬سياسية ‪ ،‬ثم فيما بعد ألغراض دينية بتسيد التصوف وإنتشار مؤسساته الدينية فى العصر المملكى ثم العثمانى‬
‫ـ من المفترض أن التسبيح أن يكون لرب العزة جل وعال ( سبحانه وتعالى وحده ) ‪ ،‬ولكنهم جعلوا التسبيح علنيا فوق المآذن ‪2‬‬
‫ولخدمة أغراضهم السياسية ‪ .‬قال المقريزى عن التسبيح العلنى فوق المآذن ‪ ( :‬وأما التسبيح في الليل على المآذن فإنه لم يكن‬
‫من فعل سلف األمة ‪ )..‬ويرى أن صالح الدين األيوبى هو أول من إبتدعه وجعل له غرضا سياسيا فى حرب التشيع ونشر دين‬
‫التصوف السنى مكانه ‪ ،‬قال ‪ ... ( :‬فلما ولي السلطان صالح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولى القضاءصدر الدين عبد‬
‫الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي ‪ ،‬كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن األشعري في‬
‫األصول ‪ ،‬فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاده حتى يكفر من خالفه ‪ ،‬وتقدم األمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على‬
‫المآذن بالليل بذكر العقيدة التي تعرف بالرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا‬
‫‪ .‬هذا‪ ) .‬أى استمرت الى عصر المقريزى فى القرن التاسع الهجرى‬
‫ـ وتأسست صورة إالهية للنبى محمد ‪ ،‬وبجعله إالها كان التسبيح بذكر مناقبه االلهية ومنها الشفاعة ‪ ،‬وخصصوا ما يسمى ‪3‬‬
‫‪ :‬بالتذكير ‪،‬وبدأ هذا بالتدريج ‪ ،‬ننتبعه كاآلتى‬
‫يقول المقريزى ‪ ( :‬ومما أحدث أيًض ا التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع منالذكر على المآذن ليتهيأ الناس ‪3 / 1 :‬‬
‫لصالة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة‪ .‬قال ابن كثير رحمه هللا في يوم الجمعة سادس ربيع اآلخر سنة‬
‫‪.‬أربع وأربعين وسبعمائة رسم بأن يذكر بالصالة يوم الجمعة في سائر مآذن الجامع األموي ففعل ذلك‪) .‬‬
‫ثم كان تصريحا مباشرا في سنة ‪ ،782‬يذكر ابن حجر وابن إياس ‪( :‬أحدث السالم علي النبي عقب آذان العشاء ليلة ‪3 / 2 :‬‬
‫‪ .‬اآلذان اإلثنين) ‪( .‬إنباء الغمر البن حجر ‪ :‬جـ‪ ،1/218‬تاريخ ابن اياس جـ‪).1/2/265‬‬
‫ثم تحول التسليم على النبى الى توسل بجاهه المزعوم صريحا بعد صالة الصبح ‪ ،‬وأمر القاضي الشافعي بذلك ‪ ،‬وكان ‪3 / 3 :‬‬
‫سببه اعتراض بعض تالمذة ابن تيمية على قصيدة صوفية تتوسل بالرسول‪ .‬وكان ذلك سنة ‪ ] .874‬انباء الغمر جـ‪.) .1/290‬‬
‫ومعنى التوسل بغير هللا في اآلذان أن يجهر بعقيدة تخالف اإلسالم‪ ،‬ثم يقولون (هللا أكبر) وهو تناقض ال يستسيغه إال التصوف‬
‫ثم أضحى اآلذان في أواخر القرن التاسع مجاًال خصبًا للزيادة لكل من هب ودب‪ ..‬يقول البقاعي في حوادث ‪3 / 4 : 880‬‬
‫(أحدث بعض أتباع الشيطان العاشقون في البدع أن يقال عقب آذان الصبح بصوت كصوت اآلذان مع االتصال به ‪ :‬يا دايم‬
‫المعروف يا كثير الخير يا من ال ينقطع معروفه أبدًا) وقد أبطل البقاعي ذلك في كل مئذنة له فيها تعلق كما يقول ((تاريخ‬
‫‪.‬البقاعى مخطوط ‪..‬حوادث سنة ‪)880‬‬
‫ثم إنتشر وصف النبي بعبارات إلهية ‪( ،‬لطائف المنن للشعرانى ‪ 273: 272‬الطبعة القديمة ) تمهيدًا ألن يوصف ‪3 / 5‬‬
‫الصوفية بتلك الصفات على المآذن‪ ،‬لذا بعدها كانوا يقولون فى األذان تقديسا للسيد البدوى (السالم عليك يا سيدي أحمد يا‬
‫بدوي ) وانتشرت المنامات وإشاعات الكرامات تحذر من ينكر على ذلك بانتقام أحمد البدوي ‪( :‬الحلبى النصيحة العلوية‬
‫‪.37.‬مخطوط‪) .‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تحويل األذان ثم التسبيح الى أغنية‬
‫ـ ذكر ابن سعد فى طبقاته أن عمر بن عبد العزيز نهى عن التغنى باألذان ‪ ،‬فكان يقول للمؤذن ‪ ( :‬أّذ ن آذانا سمحا وال تغنه ‪1‬‬
‫وإال فاجلس فى بيتك ( ابن سعد ‪ ، ) 282 ، 5‬والمفهوم من هذا أن المؤذن الذى تعرض لتأنيب عمر بن عبدالعزيز كان يجعل‬
‫من األذان أغنية فهدده بالطرد من العمل إن لم يؤذن بدون غناء ‪ ..‬وقد قال عمر بن عبدالعزيز لمؤذنه ‪ ( :‬أحدد األقامة حدا وال‬
‫ترجع فيها ( ابن سعد ‪ ) 264 ، 5‬أى قل األذان بصيغة دعاء الناس للصالة والقيام لها دون ترجيع مثل ترجيع األغانى‪ .‬أى‬
‫وقف عمر بن عبد العزيز مبكرا ضد من يحّو ل األذان الى أغنية ‪ .‬وجدير بالذكر أن بعضهم كان يتندر على األذان االسالمى بأن‬
‫يجعله أغنية ساخرا ‪ ،‬وكان هذا فى المدينة فى عصر النبى محمد عليه السالم فقال جل وعال ‪َ( :‬و ِإَذ ا َن اَد ْي ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة اَّتَخ ُذ وَها‬
‫ُه ُز ًو ا َو َلِع ًب ا ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َق ْو ٌم اَّل َيْع ِقُلوَن ﴿‪ ﴾٥٨‬المائدة ) كان هؤالء من كفرة أهل الكتاب ‪ ،‬وقريب منه ما قاله جل وعال عن‬
‫المنافقين فى إستهزائهم باهلل جل وعال وكتابه ‪َ( :‬و َلِئن َس َأْلَت ُهْم َلَي ُقوُلَّن ِإَّن َم ا ُكَّن ا َنُخ وُض َو َن ْلَعُب ۚ ُقْل َأِبالَّلـِه َو آَي اِتِه َو َر ُس وِلِه ُك نُتْم‬
‫َت ْس َت ْه ِز ُئوَن ﴿‪﴾٦٥‬اَل َت ْع َت ِذ ُر وا َق ْد َك َف ْر ُتم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم ۚ ِإن َّن ْع ُف َع ن َط اِئَف ٍة ِّم نُك ْم ُنَع ِّذ ْب َط اِئَف ًة ِبَأَّن ُهْم َك اُنوا ُمْج ِر ِميَن ﴿‪ ﴾٦٦‬التوبة )‬
‫ـ تطور األمر سياسيا فى العصر العباسى بأن أمر أبو كاليجار المسيطر على الخالفة العباسية عام ‪ ( 436‬ضرب الطبل فى ‪2‬‬
‫الصلوات الخمس ‪ ،‬ولم يكن الملوك يضرب لها الطبل ببغداد فبدأ عضد الدولة بأن ضربوا له في األذان ثالث نوبات ‪ ،‬وجعلها‬
‫كاليجار خمسا ‪ ) .‬هذا ما ذكره المؤرخ الحنبلى ابن الجوزى ‪ ( :‬المنتظم ‪ . ) 293 ، 15‬أى تحول األذان إلى حفلة تكريم‬
‫‪.‬للسلطان‬
‫ـ وفى مصر الطولونية التابعة إسما للخالفة العباسية جاء تطور جديد قال عنه المقريزى ‪ ( :‬ثم إن األمير أبا العباس أحمد بن ‪2‬‬
‫طولون كان قد جعل في حجرة تقرب منه رجااًل تعرف بالمكبرين ‪ ،‬عدتهم اثنا عشر رجاًل يبيت في هذه الحجرة كل ليلة أربعة‬
‫يجعلون الليل بينهم عقبا ‪ ،‬فكانوا يكبرون ويسبحون ويحمدون هللا سبحانه في كل وقت ويقرأون القرآن بألحان ويتوسلون‬
‫ويقولون قصائد زهية ويؤذنون في أوقات األذان وجعل لهم أرزاًقا واسعة تجري عليهم‪ ) .‬يهمنا هنا أنهم كانوا يقرآون القرآن‬
‫باأللحان الموسيقية ‪ ،‬وبالتالى يكون تكبيرهم وتسبيحهم وتحميدهم‪ .‬وإستمر األمر بعد ابن طولون ‪ ،‬قال المقريزى ‪ ( :‬فلما مات‬
‫أحمد بن طولون وقام من بعده ابنه أبو الجيش خماروية أقرهم بحالهم وأجراهم على رسمهم مع أبيه ‪ ،‬ومن حينئذ اتخذ الناس‬
‫قيام المؤذنين في الليل على المآذن وصار يعرف ذلك بالتسبيح‪ .) .‬هذه هى بداية ما يسمى بالتسبيح فى مآذن مصر ‪ ،‬وواضح‬
‫‪ .‬إرتباطها بالموسيقى واأللحان‬
‫ـ قام الدين الصوفى على أساس الغناء والرقص تحت شعار ( الذكر ) و( الوجد )‪.‬وبهذا تحول دين التصوف الى دين حقيقى‪3‬‬
‫للهو واللعب ‪ .‬وبتسيد التصوف للعصر المملوكى انتشر التغنى بالقرآن باأللحان و(الجوقات ) و اآلالت الموسيقية ‪ ،‬وزحف‬
‫الغناء الى األذان للصالة مصطحبا معه ما شاع فى العصر المملوكى من شيوع للشذوذ الجنسى متأثرا أيضا (أى الشذوذ الجنسى‬
‫‪ ) :‬برعاية التصوف ‪ .‬ونعطى بعض لمحات‬
‫ـ تطرف الصوفية فى تأدية شعائر التصوف أثارت حنق بعض الفقهاء فاحتجوا على ما يحدث ‪ ،‬ومنهم الفقيه المغربى ‪3 / 1‬‬
‫الصوفى ابن الحاج العبدرى فى كتابه ( المدخل ) الذى خّص صه لنقد ما يحدث فى التدين المصرى فى عصره فى القرن الثامن‬
‫الهجرى ‪ .‬يقول ابن الحاج"وكان الغالب فى صفة اإلمام في قيام رمضان أن يكون حسن الصوت"[‪ ..]1‬وعن طريق الصوت‬
‫‪ .‬الحسن تتحول الصالة في رمضان إلى لهو‬
‫‪ :‬وعكست وثائق الوقف ذلك فكانت تشترط في قراء القرآن في المؤسسات الصوفية أن يكونوا حسنى الصوت ‪3 / 2 :‬‬
‫في وثيقة وقف برسباي "ويصرف األربعة نفر حسنى الصوات يجلسون مع الصوفية ويقرءون ما شرط على كل ‪3 / 2 / 1 :‬‬
‫من الصوفية "و"يصرف لخمس جوق كل جوقة ثالث نفرمن حفاظ القرآن العظيم تقرأ كل جوقة بعد كل صالة جزبين من القرآن‬
‫‪ .‬العظيم على العادة ألف درهم "[‪.]2‬أى جعل قارئى القرآن " جوقًا "والجوقة هم مجموعة مطربين‬
‫ـ وفي وثيقة وقف قراقجا الحسني " يصرف لخمسة عشر نفرًا من حملة كتاب هللا العزيزعن ظهر قلب بالسوية ‪3 / 2 / 2‬‬
‫بينهم ‪..‬على أن يكونوا خمسة جوق لكل جوقة منهم مائتا درهم ‪،‬على أن تقرأ جوقه منهم بعد صالة الصبح بالجامع المذكور‬
‫حزبًا واحدًا من تجزئة ستين حزبًا من القرآن العظيم ‪ ..‬ويجتمعون قراءتهم بالصالة على النبى (ص) ويدعون أحسنهم صوتًا"[‬
‫‪]3.‬‬
‫ـ وفي وثيقة وقف الغورى "تصرف لرجل من أهل العلم الشريف حافظًا لكتاب هللا‪ ..‬مشهور بالخير والدين حسن ‪3 / 2/ 3‬‬
‫الصوت"واشترطت ذلك للخطيب والمؤذن " وعند القراءة والدعاء للواقف يتولى ذلك "من يكون أحسنهم صوتًا وأطربهم‬
‫‪.‬نغمة"[‪]4‬‬
‫ـ والحظ ابن بطوطة في رحلته أن المصريين في القرافة "يرتبون القرآن ‪،‬يقرءون القرآن ليًال ونهارًا باألصوات الحسان"[ ‪4‬‬
‫‪]5.‬‬
‫‪ :‬ـ ونفس الشرط اشترطته حجج الوقوف للمؤذن واإلمام في الصالة ‪5‬‬
‫‪ .‬في وثيقة قراقجا الحسنى "يصرف لتسعة نفر من المؤذنين حسان األصوات على أن يكونوا ثالث جوق"[‪5 / 1 : ]6‬‬
‫وفي حجة قايتباى "ويصرف لتسعة نفر رجاًال مؤذنين‪ ..‬يكون كل منهم حسن الصوت وفي ليلة الجمعة ينشد أحسنهم ‪5 / 2 :‬‬
‫‪.‬صوتًا ما تيسر له من مدح النبى عند آذان الفجر "[‪]7‬‬
‫وفي حجة برسباى"‪..‬فيصرف لستة مؤذنين حسنى األصوات مبلغ ألف درهم‪.]8["..‬وفي حجة مغلطاى الجمالى"ويرتب ‪5 / 3 :‬‬
‫معه قارئ ميعاد حسن الصوت من حملة الفقرا العشرة المذكورين ‪ ..‬ويرتب بها أيضًا مؤذنين حسنى الصوت عارفين‬
‫‪.‬بالمواقيت"[‪]9‬‬
‫وكان المؤذنون ينشدون القصائد والمواعظ والسحريات والفجريات‪ .‬وتكاد تجمع وثائق الوقف على اشتراط كون ‪5 / 4 :‬‬
‫المؤذن حسن الصوت ( ‪) 10‬‬
‫ـ‪ .‬وبعضهم كان أمرد مخنثا في عصر انتشر فيه الشذوذ الجنسى‪.‬وقد احتج على هذا الوضع الفقيه ابن الحاج يقول"ما أحدثوه ‪6‬‬
‫من صعود الشبان على المنابر لآلذان ولهم أصوات حسنة ونغمات تشبه الغناء "فيرفعون عقيرتهم بذلك ‪،‬فكل من له غرض‬
‫خسيس يصدر منه في وقت سماعه ماال ينبغى ‪،‬وقد يكون ذلك سببًا إلى تعلق قلب من ال خير فيه بالشاب الذى يسمعونه ‪،‬‬
‫‪.‬ويترتب على ذلك من الفتن أشياء ال تنحصر"[‪ .]11‬أى صار النداء اإلسالمى للصالة " هللا أكبر" نداء للفتنة والشذوذ الجنسى‬
‫ـ واشتهر بعض المؤذنين في مجال الغناء والطرب ‪.‬منهم نجم الدين الصوفي ت‪ ، 731‬وكان رئيس المؤذنين بجامع الحاكم ‪7‬‬
‫"وكان بارعًا في فنه له أوضاع عجيبة وآالت غريبة"[‪ .]12‬وكان المازونى ت ‪" 862‬أحد األفراد في إنشاد القصيد وعمل‬
‫السماع‪،‬وكان من عجائب الدنيا في فنونه‪ ،‬كان صوته كامًال‪ ..‬مع شجاوة ونداوة وحالوة‪،‬وكان رأسًا في إنشاء القصيد على‬
‫وكان‬ ‫الضروب والممدود‪ ..‬وكان له تسبيح هائل على المآذن‪ ..‬وكان يشارك فى الموسيقى ويعظ في عقود األنكحة"[‪.]13‬‬
‫البدر الفيشى ت‪" 879‬أمام المؤيدية " قد "أتقن القراءات‪،‬وازدحم العامة علي سماعه ‪،‬حصوصًا في ليالى رمضان"[‪.]14‬وكان‬
‫المحالوى مؤذن السلطان الغورى"وكان حسن الصوت مطبوعًا في فنه"[‪ ..]15‬ويقول ابن خلدون فى مقدمته (والظاهر تنزيه‬
‫القرآن عن هذا كله‪..‬ألن القرآن محل الخشوع بذكر الموت وما بعده وليس مقام التذاذ بإدراك الحسن من األصوات " [‪..]16‬‬
‫وفى العصر الحديث كتب توفيق الحكيم معترضا على التسابيح الملحقة باألذان والتى تتغزل فى النبى محمد عليه السالم وتصفه‬
‫!!‪ .‬بصفات انثوية ‪ ،‬كقولهم يا كحيل العينين يا أحمر الخدين‬
‫‪ .‬المدخل جـ ‪(1 ) 86 /‬‬
‫حجة وقف برسباى نشر أحمد دراج ص‪[2]3‬‬
‫وثيقة قراقجا الحسنى ‪ .‬ص ‪ . 210‬نشر عبداللطيف ابراهيم ‪ ،‬سطر ‪ . 131 ، 126‬دوريات جامعة القاهرة]‪[3‬‬
‫‪ .‬وثيقة وقف الغورى ‪ 44 ، 43 :‬نشر عبداللطيف ابراهيم]‪[4‬‬
‫‪ .‬رحلة ابن بطوطه جـ ‪[5] 21 / 1‬‬
‫‪ .‬وثيقة قراقجا الحسنى ‪ .‬ص ‪ 208‬سطر ‪. 114‬نشر عبداللطيف ابراهيم ‪ .‬دوريات جامعة القاهرة]‪[6‬‬
‫‪ .‬حجة قايتباى ص‪[7] 65‬‬
‫‪ .‬حجة برسباى ‪[8] 2‬‬
‫‪ .‬حجة مغلطاى الجمالى]‪[9‬‬
‫‪ .‬محمد أمين ‪ :‬األوقاف ‪ ، 234‬عبداللطيف ابراهيم دوريات القاهرة ‪[10]241‬‬
‫‪ .‬المدخل جـ ‪[11] 67 / 2‬‬
‫‪ .‬تاريخ ابن الوردى جـ ‪[12]295 / 2‬‬
‫‪ .‬النجوم الزاهرة جـ ‪[13]193 : 192 / 16‬‬
‫‪ .‬الضوء الالمع جـ ‪[14]117 / 3‬‬
‫‪ .‬تاريخ ابن اياس جـ ‪[15] 218 / 4‬‬
‫‪ .‬مقدمة ابن خلدون ‪[16]426 ، 425‬‬

‫الفصل العاشر ‪ :‬التواتر الشيطانى فى صالة الجمعة فى لمحة تاريخية‬

‫مقدمة‬
‫يوم الجمعة أهم أيام األسبوع عند العرب قبل نزول القرآن وبعد نزولة وبه ارتبطت صالة الجمعة وعندما انفض بعض المؤمنين‬
‫من حول الرسول وهو يخطب خطبة الجمعة ‪ ،‬نزل القرآن ليعاتبهم وليس ليشرع صالة جديدة ‪ .‬ونبدأ بتتبع المكتوب فى الطبقات‬
‫‪ .‬الكبرى البن سعد عما كانوا يفعلونه فى صالة الجمعة‬
‫أوال ‪ :‬لمحات من الطبقات الكبرى البن سعد‬
‫عن القدوم لصالة الجمعة‬
‫يذكر ابن سعد أن " عسيب " مولى النبى محمد – أى خادمه – كان يقول ‪ :‬من كان منكم صحيحا يقدر على المشى إلى الجمعة‬
‫فال يدعها ‪ ،‬فإنها فريضة كفريضة الحج " ( ابن سعد ‪ ، ) 42 ، 7‬وكان كبار الصحابة يحرصون على حضور صالة الجمعة‬
‫مبكرا وفى أخر جمعة شهدها الخليفة األموى سليمان بن عبدالملك لبس ثيابا خضرا من حرير ونظر فى المرآة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا وهللا‬
‫‪.‬الملك الشاب ‪ ،‬فخرج الى الصالة ليصلى بالناس الجمعة ‪ ،‬فلم يرجع حتى أصابه المرض ومات (ابن سعد ‪)5/247‬‬
‫‪:‬وقت صالة الجمعة‬
‫عبد هللا السلمي صلى خلف النبي محمد الجمعة ‪ ،‬فكانت خطبة النبي وصالة قبل نصف النهار وصلى خلف عمر فكانت خطبته‬
‫وصالته قبل نصف النهار وصلى خلف عثمان ‪ ،‬فكانت خطبته وصالته قبل الزوال (ابن سعد ‪ )7/2/150‬أى أن عثمان بن عفان‬
‫‪ – .‬طبقا لهذه الرواية‪ -‬بدأ بتأخير صالة الجمعة ‪ ،‬وهو ما سار عليه أقاربه األمويون فى دولتهم‬
‫على اى حال فقد كان اهل الورع – او القّر اء فى مصطلح العصر األول‪ -‬يبكرون الى الصالة الجمعة اذا طلعت الشمس (ابن سعد‬
‫‪ )5/135.‬وكان منهم ابن نوفل الهاشمى مغيره من قراء قريش‬
‫‪ :‬هيئة صالة الجمعة‬
‫قيل عن األخنف بن قيس زعيم بنى تميم انه كان يكره ان يتخطى رقاب الناس قبل خروج االمام يوم الجمعة (ابن سعد ‪)7/67‬‬
‫ومعناه ان صفوف المصلين فى المسجد كانت تتكاثر فى وقت مبكر بحيث ان زعيم قبائل بني تميم ال يستطيع الوصول الى‬
‫‪.‬الصف األول الذى يليق بمقامه اال اذا تخطى الصفوف ‪ ،‬وهو ما يكره ان يفعله‬
‫والخليفة الورع عمرو بن عبد العزيز اشتهر باصطحاب عصا معه فى صالة الجمعة ‪ ،‬حيث كان يخطب ويقوم الناس "وكان اذا‬
‫قعد للتشهد فى صالة الجمعة وعرض تلك العصا على فخذه حتى يسلم" (ابن سعد ‪ )5/266‬وكان اذا صلى الجمعة أمر بعض‬
‫الحرس أن يقوموا على ابوب المسجد ‪ ،‬وال يمر عليهم رجل قد صفف شعره اال جزوه له (ابن سعد ‪ )5/282‬اى كان يعتبر‬
‫‪.‬تصفيف شهر الرجال مكروها‬
‫‪ :‬عن خطبة الجمعة‬
‫ـ التزم عمار ابن ياسر بقراءة القرآن فى خطبة الجمعة ‪ ،‬قال ابن سعد أنه كان اذا خطب الجمعة قرأ سورة (ياسين) على ‪1‬‬
‫المنبر ‪ .‬وقد كان عمار واليا على الكوفة فى خالفة عمر بن الخطاب (ابن سعد ‪ .)3/1/182‬وألن الخطبة بمجرد قراءة الحدى‬
‫السور فقد كان وقت صالة الجمعة قليال ‪ ،‬وقد قال عمار بن ياسر "نهانا رسول هللا ان نطيل الخطب فى الجمعة" (ابن سعد‬
‫‪)6/149.‬‬
‫ـ وهناك رواية متكاملة عن عمر بن عبد العزيز فى خطبته للجمعة ‪ ،‬يقول ابن المهاجر ‪" :‬رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب ‪2‬‬
‫يوم الجمعة خطبتين ويجلس ويسكت فيها ثالثة ‪ ،‬يخطب األولى جالسا وبيده عصا وقد عرضها على فخذيه ‪ ،‬يزعمون انها‬
‫عصا رسول هللا ‪ ،‬فإذا فرغ من خطبته األولى وسكت سكتة قام فخطب الثانية‪ ،‬يتوكأ عليها ‪ ..‬فإذا دخل فى الصالة وضعها الى‬
‫‪.‬جانبه " (ابن سعد ‪ )5/266‬وواضح هنا التركيز على العصا ‪ ،‬ولكن نفهم انه كان يخطب خطبتين قبل الصالة‬
‫االنصات للخطيب‬
‫ـ ومن الواجب شرعا االنصات للخطبة طالما انها مجرد قراءة ألحدى سور القرآن ‪ .‬فاهلل تعالى يقول "َو ِإَذ ا ُقِر َئ اْلُقْر آُن ‪1‬‬
‫َفاْس َت ِم ُع وا َلُه َو َأنِص ُتوا َلَع َّلُك ْم ُتْر َح ُم وَن ﴿‪ ﴾٢٠٤‬االعراف )‪ ،‬ولكن عندما تحولت الخطبة الى دعاية سياسية او منشور سياسي‬
‫لخدمة الحاكم األموي وغيره كان البد من تشاغل بعض الناس عن سماع ما يكرهون ‪ ،‬وهكذا كانت همسات التبرم وعبارات‬
‫االحتجاج تنتشر‪ .‬لذا روى ابن سعد ان عبد الرحمن بن ابي ليلى قال لبعضهم ‪ :‬اسكت فى الجمعة ‪ ،‬يعني واالمام يخطب (تاريخ‬
‫ابن سعد ‪ . )6/75‬وفيما بعد صنعوا حديثا يقول "اذا قلت لصاحبك واالمام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت " وقالوا ‪" :‬‬
‫ومن لغا فال جمعة له " يعني البد من االنتباه واالنصات للمنشور السياسي الذى يقوله خطيب الحكومة‪ ،‬واال فال جمعة له ‪ .‬وهذا‬
‫‪ .‬إلزام باالستماع واالنصات الى المنشور السياسى فيما يسمى بخطبة الجمعة‬
‫ثانيا ‪ :‬تمام السيطرة على صالة الجمعة من العصر العباسى‬
‫ـ لم يقتصر هذا على الشأن السياسى فقط بل خضعت صالة الجمعة لمزاج الخليفة وأهوائه حتى إرادة التالعب والمجون‪1 .‬‬
‫الخليفة المأمون العباسى المشهور بعقليته المتفّت حة وثقافته وزعمه أنه حليم أراد ان يتسلى بصديقه المؤرخ الواقدي ‪ ،‬وكان‬
‫محمد بن سعد يعمل كاتبا للواقدى ‪ ..‬صمم المأمون على ان يؤم الواقدي الناس فى الجمعة وأن يخطب فيهم ‪ ،‬وصمم الواقدي‬
‫على الرفض ألنه ال يحفظ سورة الجمعة ‪ ،‬وكان من العادة قراءتها فى الصالة ‪ ..‬فحاولوا معه ان يحفظ سورة الجمعة فما‬
‫‪.‬استطاع حفظها (المنتظم ‪)10/171‬‬
‫ـ وفى العصر العباسي المتأخر اشتهر احمد بن محمد حفيد الخليفة العباسي المهتدي باهلل بأنه خطيب فى أكبر جامع فى بغداد ‪2‬‬
‫وهو جامع المنصور ‪ .‬وقد ظل يخطب فيه خطبة واحدة ال يغيرها من سنة ‪ 386‬الى ان مات سنة ‪ . 418‬الظريف انها خطبة‬
‫‪ .‬واحدة ال تتغير ‪ ،‬ولكن كان الناس اذا سمعوها يضجون بالبكاء ويخشعون لصوته (المنتظم ‪)185/ 15‬‬
‫ـ ولخضوعها للسياسة فقد صارت خطبة الجمعة وظيفة ‪ ،‬وصارت كتابة خطب الجمعة من أبواب االرتزاق‪ ،‬وبعضهم كان ‪3‬‬
‫يكتب خطبة الجمعة لنفسه او لغيره ‪ ،‬ومنهم المسند الصايغ المقري (‪ )725 -636‬وبعد االنتهاء من صالة الجمعة كان بعضهم‬
‫يستمر فى الصالة الى ان يحل وقت العصر وكان منهم ابو بكر بن عباس (‪ )269/ 6‬الذى كان يصلي يوم الجمعة من حين يسلم‬
‫‪.‬االمام الى العصر وكان كذلك اربعين عاما‬
‫ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ‪ ،‬وكان لها دور فى ‪4‬‬
‫االقتتال الطائفى بينهما‪ .‬وحاليا عادت المساجد الى نفس الدور ‪ ،‬بل أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ‪ ،‬يتم‬
‫تفجيرها ‪ .‬أى ليس فقط تمجيد وتقديس السلطان فى خطبة الجمعة ‪ ،‬وليس فقط رواية أكاذيب ( أحاديث ) مفتراة تنشر اإلفك‬
‫‪ .‬على أنه إسالم ُت ضل الناس ‪ ،‬بل أيضا مشاركة قائدة ورائدة فى االقتتال وسفك الدماء ‪ ،‬ينتج عنها تفجيرات يقع ضحايا أبرياء‬
‫ثالثا ‪ :‬االستخدام السياسى لصالة الجمعة‬
‫أصبحت وظيفة المسجد خدمة السلطان القائم ‪ ،‬فالوليد بن عبد الملك أّس س ( المسجد األموى ) وعمرو بن العاص ‪1 :‬‬
‫أّس س فى الفسطاط مسجده ‪ ،‬وحين دخلت مصر فى حكم بنى العباس اسسوا مدينة العسكر ومسجدها ‪ ،‬وحين تولى احمد بن‬
‫طولون مصر وخّط ط لإلستقالل بها اسس مدينة القطائع ومسجدها ( مسجد أحمد بن طولون ) ‪ ،‬وأسس الفاطميون جامع األزهر‬
‫ثم جامع الحاكم وجامع راشدة ‪ ،‬والظاهر بيبرس الذى قام بتوطيد حكم المماليك أسس جامع ( الظاهر بيبرس ) وكان السالطين‬
‫واألمراء المماليك مغرمين بإنشاء المساجد والمؤسسات الدينية الصوفية ألغراض سياسية وغيرها ‪ ،‬وحتى عندما إنفرد‬
‫‪ (.‬محمد على ) بحكم مصر أسس جامع ( محمد على )‬
‫ـ أهمية المسجد هنا بسبب صالة الجمعة التى أصبحت خطبة الجمعة فيها مناسبة اسبوعية لتجديد الوالء للخليفة أو السلطان ‪2‬‬
‫القائم‪ .‬واصبح من المتواتر أن يقال عن الخليفة أو السلطان انه (ُخ طب له فى بالد كذا وكذا ) أى خطبوا الجمعة له وبإسمه أى‬
‫خضعوا له ودخلوا تحت حكمه ‪ .‬وأصبح من المعالم السياسية فى العصور الوسطى مدح وتبجيل خطبة الجمعة للسلطان القائم‬
‫كنوع من البيعة االسبوعية له‪ .‬وهذا خبر طريف يرويه المقريزى فى ( الخطط ) أن ابن طولون أنشأ مسجده المشهور مع‬
‫إنشائه عاصمته (القطائع ) بجوار الفسطاط والعسكر ‪ .‬وحدث فى خطبة الجمعة أن الخطيب أبا يعقوب البلخى دعا فى خطبته‬
‫للخليفة العباسى المعتمد وابنه ونسى أن يدعو البن طولون ‪ ،‬ونزل من على المنبر ‪ ،‬فأشار ابن طولون الى قائده نسيم أن‬
‫يضرب الخطيب خمسمائة سوط ‪ ،‬ولكن تذكر الخطيب سهوه فعاد الى المنبر وقال ( الحمد هلل وصلى هللا على محمد ‪ " :‬ولقد‬
‫عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "‪ ،‬اللهم وأصلح األمير أبا العباس أحمد بن طولون ‪..‬وزاد فى الشكر والدعاء له‬
‫بقدر الخطبة ‪..‬فنظر ابن طولون الى نسيم وقال ‪ :‬اجهلها له دنانير "‪ .‬وأصبح قطع الدعاء لحكم ما دليال على الثورة عليه‬
‫والتمرد على سلطته ‪ ،‬فطالما يبجلونه فى خطبة الجمعة فهم له خاضعون ‪ .‬وبتوالى القرون على هذا التقليد ساد فى العصر‬
‫المملوكى التشاؤم من مجىء عيد الفطر أو عيد األضحى يوم جمعة ‪ ،‬ألن هذا يعنى وجود خطبتين فى يوم واحد ‪ ،‬إحداهما فى‬
‫صالة العيد واألخرى فى صالة الجمعة مما تكون نذير شؤم على السلطان تشير الى قرب عزله ومجىء سلطان آخر‪ .‬لذا كان‬
‫‪ .‬يحدث كثيرا عدم اعتراف فقهاء السلطان بهالل شوال أو هالل ذى الحجة لو أدى ذلك الى مجىء العيد فى يوم جمعة‬
‫ـ وتألق االستخدام السياسى لصالة الجمعة فى العصر الفاطمى ‪ .‬ربما تختلف الدولة الفاطمية عن غيرها من الدول في ارتباط ‪2‬‬
‫ضعفها وقوتها بالعقيدة الشيعية التي قامت على أساسها الدولة ‪ ,‬فالعقيدة الشيعية اإلسماعيلية تبتعد باإلمام أوالخليفة الفاطمي‬
‫عن صفات البشر بقدر ما تقترب من صفات اإلله‪ .‬والخليفة الفاطمي يطالب رعاياه بأكثر مما يطالبهم به الحاكم العادي‪،‬‬
‫فالمستبد العادي ال يطلب من رعاياه أكثر من السمع والطاعة أما الخليفة الفاطمي فيطالب مع الوالء أن يعتبره الناس إماما‬
‫معصوما ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ,‬وذلك مجرد مظهر من مظاهر اإلمام الشيعي في العقيدة اإلسماعيلية‬
‫ومطلوب من الرعية أن تؤمن بهذا‪ ,‬ولتحقيق هذا الهدف كانت للدولة الفاطمية مؤسساتها العلنية في نشر الدعوة الشيعية‬
‫كاألزهر وجهاز للدعاية الشيعية يقوم على رأسه (داعي الدعاة) يعاونه جيش من الدعاة العلنيين والسريين موزعين توزيعا‬
‫دقيقا في داخل الدولة الفاطمية وخارجها وسبل االتصال بينهم مستمرة ومستقرة ‪ .‬وقد تحدث (المقريزى) عن وظيفة (داعي‬
‫الدعاة ) في الدولة الفاطمية في كتابه الخطط فذكر أسلوب الداعية في التأثير على الناس من خالل تدرج يصل بهم إلى اعتناق‬
‫الدعوة وتأليه الخليفة الفاطمى ‪ .‬إال إن الدولة الفاطمية حين ضعفت وانفض عنها الكثير من المصريين بسبب الكوارث‬
‫االقتصادية وضعف الخلفاء أمام الوزراء – لجأت الدولة إلى التالعب بأهواء المصريين فجددت مقبرة السيدة نفيسة ‪ ،‬بل‬
‫وأقامت ضريحا لإلمام الشافعي وهو يخالفهم في المذهب والعقيدة – ولكن تقربا منهم للمصريين وهم محبون للشافعي متبعون‬
‫لمذهبه‪،‬و قد سبق أنهم اشترطوا على جوهر الصقلي ضرورة احترامه للمذهب السني الشافعي ‪ .‬وقد وقع على عبء (األفضل) ـ‬
‫الوزير الفاطمي القوى المسيطر على الخالفة الفاطمية ـ مهمة بعث الحياة في الدولة الفاطمية الضعيفة أمام الخطر الصليبي‬
‫القادم من الشرق مع خطر األتراك السالجقة السنيين المتحكمين فى الدولة العباسية ‪ ،‬وكان السالجقة معروفين بتعصبهم للسنة‬
‫وكراهيتهم للتشيع ‪ ،‬هذا مع اهتزاز ثقة المصريين في الخالفة الفاطمية بعد المجاعة أو الشدة العظمي التي واجهتها مصر في‬
‫عهد المستنصر‪ .‬كان الوزير األفضل يواجه كل هذه التحديات فى الداخل و الخارج ‪ ،‬وبعضها عسكرى ‪ ،‬واآلخر دعوي‬
‫واقتصادى‪ .‬وكان ال بد من حل ينقذ به الدولة والخالفة الفاطمية اآليلة للسقوط‪.‬وإثناء خروج األفضل من الشام عثر على قبر‬
‫منسوب للحسين في عسقالن تنتشر إشاعات تقول أن فيه رأس الحسين ‪ ،‬مع إنه ال عالقة مطلقا بين رأس الحسين وعسقالن ‪،‬‬
‫ولكنها أوحت للوزير الفاطمى األفضل بفكرة إقامة ضريح للحسين أو(رأس الحسين ) فى مصر تكون ( أفضل) فرصة الستمالة‬
‫المصريين‪ .‬وإذا كان أبوه (بدر الجمالي) قد أقام مقبرة السيدة نفيسة فليكن األفضل منشئ قبر الحسين في القاهرة ‪.‬وهكذا عاد‬
‫األفضل من عسقالن تسبقه الدعاية الفاطمية بالعثور على رأس الحسين ‪ ،‬وتتواتر الدعاية بالكرامات التي أحاطت بالرأس ‪ ،‬ثم‬
‫حولوا مشهد الحسين إلى نصب مقدس تنحر عليه الذبائح بمثل ما كان الجاهليون يفعلون ‪ ،‬يقول المقريزي عن طقوسهم عنده‬
‫( فكان كل من يدخل الخدمة يقبل األرض أمام القبر ‪ ,‬وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر اإلبل والبقر والغنم ويكثرون‬
‫النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين ‪ ,‬ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم)‪ .‬وزالت الدولة الفاطمية وبقي ضريح الحسين‬
‫حتى اليوم دليال على عمق التأثر بالبدع التي أدخلتها تلك الدولة في عقائد المصريين ‪ ،‬واستخدمت فيها المساجد الضرار ‪ ،‬وهى‬
‫كثيرة ‪ ،‬ولكن أهمها االجامع األزهر ومسجد الحسين‪ ،‬وهما معا محور الحياة الدينية للمصريين ‪ .‬فالجامع األزهرهذا الجامع أول‬
‫مسجد أسس بالقاهرة ‪ ،‬انشأه جوهر الصقلي خادم المعز لدين هللا لما اختط القاهرة وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت‬
‫لست بقين من جمادى األولى سنة ‪ 359‬وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة ‪، 361‬وأول جمعة جمعت فيه في شهر‬
‫رمضان فى نفس العام ‪ .‬وعينت الدولة الفاطمية فيه ‪ 35‬من الفقهاء وأجرت عليهم المرتبات وأوقفت عليهم األوقاف ‪ .‬كل ذلك‬
‫‪ .‬لنشر الدعوة الشيعية بين المصريين‬
‫ـ وقضى صالح الدين األيوبى على الدولة الفاطمية ‪ ،‬وحاول ما أمكنه مطاردة الدين الشيعى ‪ ،‬وبنفس الطريقة ‪ ،‬فقطع الخطبة ‪3‬‬
‫من الجامع األزهر‪ ،‬وظل األزهر معطاًل من إقامة الجمعة فيه مائة عام الى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهربيبرس فى‬
‫العصر المملوكى‪ .‬وبديال عن األزهر جعل صالح الدين األيوبى من الخانكاه الصالحية دار سعيد السعداء مركزا للدعوة السنية ‪،‬‬
‫واستقدم لها صوفية وجعل لهم أوقافا ومرتبات عام ‪ ، 569‬ورتب للصوفية في كّل يوم طعاًم ا ولحًم ا وخبًز ا وبنى لهم حّم اًم ا‬
‫بجوارهم فكانت أّو ل خانكاه ُع ملت بديار مصر‪.‬وجعل لهم موكبا الجتذاب المصريين ‪ ،‬يقول ابن على القّص ار‪ ( :‬أنه أدرك الناس‬
‫فييوم الجمعة يأتون من مصر إلى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عندما يتوجهون منها إلى صالة الجمعة‬
‫بالجامع الحاكمّي ‪ ،‬كي تحصل لهم البركة والخير بمشاهدتهم ‪ ،‬وكان لهم في يوم الجمعة هيئة فاضلة ؛ وذلك أنه يخرج شيخ‬
‫الخانقاه منها وبين يديه خّد ام الربعة الشريفة ( المصاحف ) قد حملت على رأس أكبرهم ‪ ،‬والصوفية ُم شاة بسكون وخفر( أى‬
‫حياء ) ‪..‬ويستطرد فى شرح طقوسهم بما يدل على ترتيب سياسى دعائى الحالل التصوف الّس نى مكان الدعوة الشيعية فى‬
‫‪..‬مصر‪ .‬ونجح هذا الترتيب ‪ ،‬خصوصا مع سيطرة التصوف على مصر وغيرها مع العصرين المملوكى والعثمانى‬
‫ـ وورث االيوبيون ملكية صالة الجمعة للسلطان األيوبى ‪ .‬يروى المقريزى فى الخطط ‪ ( :‬وكانت العادة أن ال يحضر كتاب ‪4‬‬
‫اإلنشاء الديوان يوم الجمعة فُع رض للملك الصالح في بعض أيام الجمع شغل مهم فطلب بعض الموقعين فلم يجد أحًد ا منهم فقيل‬
‫له أنهم ال يحضرون يوم الجمعة فقال‪ :‬استخدموا في الديوان كاتًب ا نصرانًي ا يقعد يوم الجمعة لمهم يطرأ فاستخدم األمجد بن‬
‫‪ .‬العسال كاتب الدرج لهذا المعنى‪ .) .‬والمعنى أن حضورهم صالة الجمعة يعنى خضوعهم للسلطان ‪ ،‬أى وظيفة رسمية‬
‫ـ وورث المماليك عن األيوبيين رعاية التصوف الّس نى بديال للتشيع بل ومطاردة التشيع أو مذهب الرافضة كما كان يقال ـ وال ‪5‬‬
‫يزال‪ .‬وأدخل دين التصوف شعائر جديدة ومصطلحات دينية جديدة وأسماء جديدة لبيوت العبادة مثل الخوانق والرباط والزاوية‬
‫والضريح والتربة والمدرسة ‪ .‬وتكاثرت تلك المؤسسات منها ما يقيمه السالطين واألمراء والعيان ‪ ،‬ومنها ماينشئه الصوفية‬
‫أنفسهم وخصوصا القادمين منهم الى مصر ‪ ،‬واشتركت جميعها فى كونها دورا يقيم فيها الصوفية وطالب العلم وتوقف عليها‬
‫األوقاف وتصرف على العاملين والمقيمين فيها المرتبات ‪ ،‬وينشغلون فيها ظاهريا بالصالة والعبادة والدعاء للسلطان أو األمير‬
‫او غيره صاحب المؤسسة والذى ينفق عليها ويعطىهم المرتبات والجراية من خبز ولحم وكسوة ‪ ..‬وفى الحقيقة كانت تلك‬
‫المؤسسات مساجد ضرار من نوعية فريدة ‪ ،‬ال يكتفى القائمون فيها بأكل الّس حت من الظالمين الذين ينشئون تلك البيوت الدينية‬
‫من المال الحرام بل اشتهر العاكفون فى تلك المؤسسات بادمان اللواط‪ .‬والتفاصيل فى موسوعة التصوف المنشورة هنا ‪ .‬ولكن‬
‫نكتفى بذكر مثلين ذكرهما المقريزى فى الخطط ‪ .‬األول عن إقامة تلك المؤسسات بالظلم والمال الحرام ‪ ،‬واآلخر عن االنحالل‬
‫الخلقى فى تلك المؤسسات الدينية ‪ .‬يقول المقريزى عن مسجد الذخيرة تحت قلعة الجبل بأّو ل الرميلة تجاه شبابيك مدرسة‬
‫السلطان حسن ‪ ،‬أنشأه ابن الصيرفى عام ‪ ، 516‬يقول المقريزى (واستخدم فى إنشائه العسف والسخرة حتى أطلق الناس على‬
‫هذا المسجد ( مسجد ال باهلل ) ألنه كان يقبض الناس من الطريق ويعسفهم فيحلفونه ويقولون له ال باهِّلل ‪ ،‬فيقيدهم ويستعملهم‬
‫فيه بغير أجرة ‪ ،‬ولم يعمل فيه منذ أنشأه إّال صانع مكره أو فاعل مقيد وُك تبت عليه هذه األبيات المشهورة‪:‬‬
‫وكاَن بحمِد ِهَّللا غيَر موفِق ‪.‬‬ ‫بنى مسجًد هّللا من غيِر حِلِه‬
‫) َك ُم طِع َم ِة األيتام ِمن كِّد فرِج ها لِك الويُل ال تزني والتتصّد قي‪.‬‬
‫أما عن االنحالل الخلقى داخل هذه المؤسسات فنقرأ شهادة المقريزى فى الخطط عن صوفية عصره‪ ،‬وننقلها بالّن ص والحرف‬
‫مع االعتذار للقارىء الكريم‪ .‬يقول المقريزى ‪ (:‬ذهب وهللا ما هنالك ‪ ،‬وصارت الصوفية كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن‬
‫محمد بن سيد الناس اليعمري‪:‬‬
‫ماشروُط الصوفي في عصرنا اليو َم سوى ستة بغيِر زياَد ْه ‪.‬‬
‫وهي نيُك العلوُق والُس كِر والسطلِة والرقِص والغنا والقيادْه ‪.‬‬
‫وحلواًل من جهِلِه أو إعادْه ‪.‬‬ ‫وإذا ما هذى وأبدى اتحاًد ا‬
‫وأتى المنكراِت عقاًل وشرًع ا فهو شيُخ الشيوُخ ذو السَّج اَد ْه ‪.‬‬
‫‪.).‬ثم تالشى اآلن حال الصوفية ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع الينسبون إلى علم وال ديانة وإلى هللا المشتكى‬

‫الفصل الحادى عشر ‪ :‬صالة الجمعة فى مصر العصور الوسطى ( ‪)1‬‬

‫‪ :‬مقدمة‬
‫فى كتابه ( الخطط ) عقد المقريزى فصال عن المساجد فى القاهرة ومصر‪ ،‬أو ما يعنى اآلن ( القاهرة الكبرى ) إعتمد فيه على‬
‫تاريخ ( المسبحى ت ‪ ) 420‬وابن الطوير ت ‪ ، 617‬والقضاعى ت ‪ ، 454‬تتبع فيها اشهر المساجد واألنشطة الدعوية‬
‫والدينية والتعليمية فيها واألوقاف أو ( األحباس ) التى يأتى منها الدخل لإلنفاق على هذه المساجد ‪ ،‬ومنها مرتب خطيب‬
‫الجمعة ‪ .‬ونبدأ بلمحة عن أهم المساجد الجامعة أو الجوامع التى كانت ُت قام فيها صالة الجمعة وخطبتها ‪ ،‬ثم لمحة عن طقوس‬
‫صالة الجمعة والتى تم توظيفها لتقديس السلطان الدولة الفاطمية ذات الشهرة بالمواكب واالحتفاالت ‪ ،‬والتى أصبحت فيها صالة‬
‫الجمعة حفل تكريم وتقديس للخليفة الفاطمي ‪ .‬وهذا التواتر الشيطانى ال يزال دينا نراه فى صالة الجمعة بمصر وغيرها بدرجات‬
‫‪.‬مختلفة‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬لمحة عن أشهر الجوامع التى تقام فيها صالة الجمعة‬
‫ـ يقول المقريزى عن جامع عمرو بن العاص (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ‪ ( :‬فأما المسجد الجامع العتيق بمصر فكان يلي ‪1‬‬
‫إمامته في الصلوات الخمس والخطابة فيه يوم الجمعة والصالة بالناس صالة الجمعة أمير البلد فتارة ُي جمع لألمير بين الصالة‬
‫والخراج وتارة ُيفرد الخراج عن األمير فيكون األمير إليه أمر الصالة بالناس والحرب واآلخر أمر الخراج وهو دون مرتبة أمير‬
‫الصالة والحرب ‪ ) .‬أى يتولى اإلمامة والخطبة فى صالة الجمعة والى الصالة كما سبق بيانه‪ .‬فإذا غاب حل محله قائد الشرطة ‪:‬‬
‫( وكان األمير يستخلف عنه في الصالة صاحب الشرطة إذا شغله أمر ) ‪ .‬بعدها مع خفوت هيبة جامع عمرو بن العاص صار‬
‫كما يقول المقريزى ‪ ( :‬يصلى بالناس رجل يرزق من بيت المال وكذلك المؤذنون ونحوهم ) ‪ .‬أما فى مساجد األرياف فقد سيطر‬
‫عليها فقهاء األرياف بما يتمتعون به من جهل‪ ،‬قال المقريزى‪ ( :‬وأكثرها بأيدي أناس من فقهاء األرياف ال يدرون الفقه يسمون‬
‫‪.‬أنفسهم الخطباء وال يعرفون كيف يخطبون وال يقرؤن القرآن)‬
‫‪ 2‬ـ إنتقلت الشهرة الى مساجد أخرى ‪ ،‬مسجد العسكر العباسى ثم مسجد أحمد بن طولون ومساجد أخرى منها (جامع محمود‬
‫بالقرافة ‪ ،‬هذا المسجد قديم والخطبة فيه متجّد دة‪ .‬وينسب لمحمود بن سالم بن مالك الطويل من أجناد السرّي بن الحكم أمير‬
‫مصر بعد سنة مائتين من الهجرة‪ ).‬إشتهر هذا المسجد بسبب ما قيل عن مؤسسه محمود‪ ( :‬المسجد المعروف بمحمود ‪ُ ،‬يقال‬
‫أن محموًد ا هذا كان رجاًل جندًي ا من جند السرّي بن الحكم أمير مصر وأنه هو الذي بنى هذا المسجد‪ .‬وذلك أّن السرّي بن الحكم‬
‫ركب يوًم ا فعارضه رجل في طريقه فكلمه ووعظه بما غاظه‪ ،‬فالتفت عن يمينه‪ ،‬فرأى محموًد ا فأمره بضرب عنق الرجل ففعل‪.‬‬
‫فلما رجع محمود إلى منزله تفكر وندم وقال‪ :‬رجل يتكلم بموعظة بحق فيقتل بيدي وأنا طائع غير مكره على ذلك فهال امتنعت‪!.‬‬
‫وكثر أسفه وبكاؤه وآلى على نفسه أن يخرج من الجندية وال يعود فيها ‪ ،‬ولم ينم ليلته من الغّم والندم‪ .‬فلما أصبح غدا إلى‬
‫السرّي فقال له‪ " :‬إني لم أنم في هذه الليلة على قتل الرجل وأنا أشهد هللا عز وجّل وأشهدك أني ال أعود في الجندية فأسقط‬
‫اسمي منهم وإن أردت نعمتي فهي بين يديك‪" .‬ـ وخرج من بين يديه وحسنت توبته وأقبل على العبادة واتخذ المسجد المعروف‬
‫بمسجد محمود وأقام فيه‪).‬‬
‫ـ وأقام صالح الدين األيوبى جامعا بجوار تربة الشافعّي بالقرافة ‪ .‬ثم أصبحت فيه مدرسة وتمت توسعته فى عهد الملك الكامل ‪3‬‬
‫محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب‪ ( ،‬ونصب به منبًر ا وخطب فيه وصليت الجمعة به في سنة سبع وستمائة‪).‬‬
‫‪ 4‬ـ وهناك ‪ ( :‬المسجد الجامع المشهور بسفح المقطم ‪ .‬هذا الجامع من مساجد الخطبة ) أى تقام فيه خطبة الجمعة ‪ ( .‬وهو‬
‫بسفح الجبل المقطم بالقرافة الصغرى ‪ .‬وأّو ل من خطب فيه السيد الشريف شهاب الدين الحسين بن محمد قاضي العسكر‬
‫والمدّر س بالمدرسة الناصرية الصالحية بجوار جامع عمرو ‪ .‬وتوفي في شّو ال سنة خمس وخمسين وستمائة وكان أيًض ا نقيب‬
‫األشراف‪).‬‬
‫ـ الجامع األزهر ‪ :‬قال عنه المقريزى ‪ ( :‬هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة ‪ ،‬والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي ‪5‬‬
‫مولى اإلمام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين هللا لما اختط القاهرة ‪ .‬وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت‬
‫لست بقين من جمادى األولى سنة تسع وخمسين وثالثمائة‪ ،‬وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين‬
‫وثالثمائة‪ ..‬وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة إحدى وستين وثالثمائة‪ ).‬وعّي ن الخليفة الفاطمى‬
‫العزيز باهلل لهذا الجامع جماعة من الفقهاء وأجرى عليهم األرزاق ‪ ،‬وبنى لهم بيوتا بجوار الجامع األزهر ‪ ( :‬فإذا كان يوم‬
‫الجمعة حضروا إلى الجامع ‪ ،‬وتحلقوا فيه بعد الصالة إلى أن تصلى العصر ‪ ...‬وكانت عدتهم خمسة وثالثين رجاًل ‪ ....‬وانقطعت‬
‫الخطبة من األزهر لما استبد السلطان صالح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة ‪...‬فلم يزل الجامع األزهر معطاًل من إقامة الجمعة‬
‫فيه مائة عام من حين استولى السلطان صالح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس ‪ ).‬قام‬
‫السلطان الملوكى الظاهر بيبرس بتجديد الجامع األزهر ‪ .. ( :‬ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس‪ ..‬لما كانت يوم الجمعة‬
‫الثامن عشر من ربيع األول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع األزهر بالقاهرة‪ ...‬ولما تكمل تجديده تحدث في‬
‫إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيًب ا وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور‪ ،‬وحضر‬
‫األتابك فارس الدين والصاحب بها الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من األمراء والكبراء وأصناف‬
‫العالم على اختالفهم وكان يوم جمعة مشهوًد ا‪ .‬ولما فرغ من الجمعة جلس األمير عز الدين الحلي واألتابك والصاحب وقرئ‬
‫القرآن ودعى للسلطان ‪ .. .‬وأقيمت صالة الجمعة به واستمرت‪ ،‬ووجد الناس به رفًق ا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من‬
‫الجامع الحاكمي‪) .‬‬
‫‪ 6‬ـ جامع الحاكم ‪ :‬قال عنه ‪ (:‬هذا الجامع بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة ‪ ،‬وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز‬
‫باهلل نزار بن المعز لدين هللا معد ‪ ،‬وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة ‪ .‬ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر هللا ‪..‬ويقال له الجامع األنور‪.‬‬
‫وقال في حوادث سنة ثالث وتسعين و ثالثمائة ‪ :‬وأمر الحاكم بأمر هللا أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كلس بدأ‬
‫في بنيانه عند باب الفتوح ‪ ،‬وعلق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له وعلق فيه تنانير فضة عدتها أرببع و كثير من‬
‫قناديل فضة وفرش جميعة بالحصر التي عملت له ونصب فيه المنبر وتكامل فرشه وتعليقه وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر‬
‫رمضان سنة ثالث وأربعمائة لمن بات في الجامع األزهر أن يمضوا إليه فمضوا وصار الناس ليلتهم يمشون من كل واحد من‬
‫الجامعين إلى اآلخر بغير مانع لهم وال اعتراض من أحد من عسس القصر وال أصحاب الطوف إلى الصبح وصلى فيه الحاكم‬
‫بأمر هللا بالناس صالة الجمعة وهي أول صالة أقيمت فيه بعد فراغه‪).‬‬
‫ـ جامع راشدة ‪ :‬بدأ بناؤه عام ‪ 393‬فى خالفة الحاكم بأمر هللا الفاطمى ‪ ( :‬وابتدئ بناء جامع راشدة في سابع عشر ربيع ‪7‬‬
‫اآلخر ‪ ،‬وكان مكانه كنيسة حولها مقابر لليهود والنصارى ‪ ،‬فبني بالطوب ثم هدم وزيد فيه وبنى بالحجر ‪ .‬وأقيمت به الجمعة ‪..‬‬
‫و في سنة خمس وتسعين وثالثمائة وفيه يعني شهر رمضان فرش جامع راشدة وتكامل فرشه وتعليق قناديله وما يحتاج إليه‪،‬‬
‫وركب الحاكم بأمر هللا عشية يوم الجمعة الخامس عشر منه وأشرف عليه‪ .‬وفى سنة ثمان وتسعين وثالثمائة وفيه يعني شهر‬
‫رمضان صلى الحاكم بجامعه الذي أنشأه براشدة صالة الجمعة وخطب‪( ) .‬وفي شهر رمضان سنة ثالث وأربعمائة صلى الحاكم‬
‫في جامع راشدة صالة الجمعة وعليه عمامة بغير جوهر وسيف محلى بفضة بيضاء دقيقة ‪ ،‬والناس يمشون بركابه من غير أن‬
‫يمنع أحد منه ‪ ،‬وكان يأخذ قصصهم ( شكاويهم ) ويقف وقوًفا طوياًل لكل منهم ‪) .‬‬
‫ـ جامع عين بالروضة‪( .‬غين ) احد قادة الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ‪ ،‬وأشهر ضحاياه ‪ ،‬قاسى منه بالء ال يوصف ‪8 .‬‬
‫يقول عنه المقريزى ‪( :‬غين أحد خّد ام الخليفة الحاكم بأمر هّللا ‪ ،‬خلع عليه في تاسع ربيع اآلخر سنة اثنتين وأربعمائة‪ ،‬وقلده‬
‫سيًفا وأعطاه سجاًل قرىء فإذا فيه أنه لقب بقائد القّو اد ‪ ،‬وأمر أن ُيكتب بذلك وُي كاتب به ‪ ،‬وركب وبين يديه عشرة أفراس‬
‫بسروجها ولجمها ‪ .‬وفي ذي القعدة من السنة المذكورة أنفذ إليه الحاكم خمسة آلف دينار وخمسة وعشرين فرًس ا بسروجها‬
‫ولجمها ‪ ،‬وقلده الشرطتين والحسبة بالقاهرة ومصر والجيزة والنظر في أمور الجميع وأموالهم وأحوالهم كلها‪ ،‬وكتب له سجاًل‬
‫بذلك قرىء بالجامع العتيق ‪ ،‬فنزل إلى الجامع ومعه سائر العسكر والخلع عليه ‪ ،‬وُح مل على فرسين ‪ ،‬وكان في سجله مراعاة‬
‫أمر النبيذ وغيره من المسكرات وتتُبع ذلك والتشديد فيه وفي المنع من عمل الفقاع وبيعه ومن كل الملوخيا والسمك الذي ال‬
‫قشر له والمنع من المالهي كلها والتقّد م بمنع النساء من حضور الجنائز والمنع من بيع العسل وأن ال يتجاوز في بيعه أكثر من‬
‫ثالثة أرطال لمن ال يسبق إليه ظنه أن يتخذ منه مسكًر ا فاستمّر ذلك إلى غّر ة صفر سنة أربع وأربعمائة فُص رف عن الشرطتين‬
‫والحسبة بمظفر الصقلّي ‪ .‬فلما كان يوم اإلثنين ثامن عشر ربيع اآلخر منها أمر بقطع يدي كاتبه أبي القاسم علّي بن أحمد‬
‫الجرجانّي فقطعتا جميًع ا‪ ،‬وذلك أنه كان يكتب عند السيدة الشريفة أخت الحاكم فانتقل من خدمتها إلى خدمة غين خوًفا على‬
‫نفسه من خدمتها ‪ ،‬فسخطت لذلك فبعث إليها يستعطفها ويذكر في رقعته شيًئ ا وقفت عليه فارتابت منه ‪ ،‬فظنت أن ذلك حيلة‬
‫عليها ‪ ،‬وأنفذت الرقعة في طّي رقعتها إلى الحاكم ‪ ،‬فلما وقف عليها اشتّد غضبه وأمر بقطع يديه جميًع ا ‪ ،‬فقطعتا‪ ...‬ثم بعد قطع‬
‫يديه بخمسة عشر يوًم ا في ثالث جمادى األولى قطعت يد غين األخرى‪ ،‬وكان قد أمر بقطع يده قبل ذلك بثالث سنين وشهر ‪،‬‬
‫فصار مقطوع اليدين مًع ا ‪ .‬ولما قطعت يده حملت في طبق إلى الحاكم فبعث إليه باألطباء ووصله بألوف من الذهب وعّد ة من‬
‫أسفاط ثياب وعاده جميع أهل الدولة‪ .‬فلما كان ثالث عشره أمر بقطع لسانه فقطع وحمل إلى الحاكم فسّي ر إليه األطباء ومات بعد‬
‫ذلك‪ . ) .‬نعيد التذكير بهذه المآسى لنعرف طبيعة الحكم الذى يؤسس المساجد الشيطانية وبصالة شيطانية‪ .‬ونعود الى مسجد‬
‫المسكين (غين ) ‪ .‬فى مسجد غين كانت فيه الخطبة الى ان اقام الحاكم جامع المقياس ‪ ( :‬ولم تزل الخطبة قائمة فيه إلى أن‬
‫عمر جامع المقياس فبطلت الخطبة منه ولم تزل الخطبة بطالة منه إلى الدولة الظاهرية‪ ) .‬أى تم تجديده فى عصر الظاهر‬
‫بيبرس ‪, ،‬اصبحت فيه خطبة الجمعة باالضافة الى مثيلتها فى جامع القلعة ‪ ( :‬ورسم بإقامة الخطبة فيه مع بقاء الخطبة‬
‫بجامع القلعة‪..‬فأقيمت الخطبة به في سنة ستين وستمائة ‪ ،‬وولي خطابته أقضى القضاة جمال الدين بن الغفارّي ‪)..‬‬
‫ـ جامع المقس‪ ( :‬هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر هللا على شاطئ النيل بالمقس ) أى مقياس النيل ‪ .‬وكان الى جانبه ( منظرة ) ‪9‬‬
‫أى حديقة الستمتاع الخليفة ويشاهد منها االسطول فى النيل ‪ .‬ثم أنشأ صالح الدين األيوبى برجا حربيا ( قلعة المقس ) ضمن‬
‫سور القاهرة ‪ ،‬مكان منظرة الخلفاء الفاطميين ‪ .‬يقول المقريزى ‪ ( :‬فلما أمر السلطان صالح الدين بإدارة السور على مصر‬
‫والقاهرة تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس وبنى فيه برًج ا يشرف على النيل وبنى‬
‫مسجده جامًع ا واتصلت العمارة منه إلى البلد وصار تقام فيه الجمع والجماعات‪ ) .‬وتم تجديد جامع المقس عام ‪ 770‬فى العصر‬
‫المملوكى ‪ :‬يقول المقريزى ‪ ( :‬جدد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد هللا المقسي ‪ ...،‬وجعل عليه أوقاًفا‬
‫لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك‪) .‬‬
‫ـ ونختم بهذا الخبر الطريف ‪ ( :‬وقال جامع السيرة الصالحية‪ :‬وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار وهناك مسجد يتبرك به ‪10‬‬
‫األبرار وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيالء الصحابة رضي هللا عنهم على مصر )‪ .‬أى فى المكان الذى كان فيه‬
‫الصحابة يوزعون المسروقات والمال الُّس ح والسلب والنهب أقيم عليه مسجد وصار مسجدا مباركا‪ .‬هذا فى الدين الشيطانى‬
‫‪.‬وتواتره وصالته‬
‫ثانيا ‪ :‬طقوس صالة الجمعة الفاطمية (‪) 2‬‬
‫‪ :‬تحت عنوان ‪( :‬هيئة صالة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين) أورد المقريزى معلومات ننقل منها‬
‫ـ أّس س الخليفة العزيز باهلل جامع الحاكم ‪ ،‬وفى أول خطبة فيه جلب اليه الفقهاء المعينين فى الجامع األزهر‪ ،‬وسار للجامع ‪1‬‬
‫الجديد فى موكب ‪ ( :‬وركب لصالة الجمعة في رمضان سنة ثمانين وثالثمائة إلى جامعه ‪ ،‬ومعه ابنه منصور ‪ ،‬فجعلت المظلة‬
‫على منصور ‪ ،‬وسار العزيز بغير مظلة‪ .).‬وكان فى موكبه خمسة آالف شخص ‪ ( :‬وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين‬
‫وثالثمائة ركب العزيز باهلل إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة ‪ ،‬وبين يديه نحو خمسة آالف ماش ‪ ،‬وبيده القضيب وعليه‬
‫الطيلسان والسيف‪ .‬فخطب وصلى صالة الجمعة وانصرف ‪ ،‬فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق‪ .‬وكان يوًم ا‬
‫عظيًم ا ذكرته الشعراء‪ ).‬وفى العام التالى كانت حول موكبه مظاهرة من ثالثة آالف ‪ ( :‬وخطب فيه سنة إحدى وثمانين و‬
‫ثالثمائة ألربع خلون من شهر رمضان ‪..‬وكان في مسيرة بين يديه أكثر من ثالثة آالف وعليه طيسان وبيده القضب وفي رجله‬
‫‪ .‬الحذاء‪) ..‬‬
‫هل كان النبى محمد عليه السالم يسير الى صالة الجمعة فى موكب ؟ وهل كانوا يلتزمون بالبقاء معه حتى إنتهاء الصالة ؟ وهل‬
‫يجرؤون على ترك الخليفة وهو يخطب كما فعلوا مع النبى محمد عليه السالم ؟ ‪ .‬هنا ملمح من الفوارق بين صالة الجمعة‬
‫‪ .‬االسالمية وصالة الجمعة الشيطانية‬
‫ـ المؤرخ إبن الطوير ( عبد السالم القيسرانى ) عاش فى العصر الفاطمي وأدرك العصر األيوبى ومات عام ‪ 617‬وقد جاوز ‪2‬‬
‫‪ 92‬عاما ‪ ،‬وله فى تاريخ الدولتين كتاب (نزهة المقلتين فى اخبار الدولتين ) ‪ ،‬وقد ذكر طقوس صالة الجمعة الفاطمية من واقع‬
‫المشاهدة والمعاينة والمعاصرة ‪ .‬وقد نقل عنه المؤرخ المسبحى الذى كان من قواد الخليفة الحاكم الفاطمى ‪ ،‬وكتب عدة‬
‫مؤلفات منها التاريخ الكبير الذى قام المقريزى بتلخيصه فى كتاب (إّت عاظ الحنفاء ) ‪ ، .‬ونقل المقريزى عنهما فيما أسماه (هيئة‬
‫‪.‬صالة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين )‬
‫‪ :‬ـ قال المقريزى ‪3‬‬
‫قال المسبحي‪ :‬قال ابن الطوير‪ :‬إذا انقضى ركوب أول شهر رمضان استراح في أول جمعة فإذا كانت الثانية ركب ( ‪3 / 1 :‬‬
‫الخليفة إلى الجامع األنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدم ذكره من اآلالت ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيًر ا‬
‫الخليفة يستريح فى الجمعة األولى فى رمضان ألنه يكون قد أقام ‪ . ).‬للصالة من الذهب والمنديل والطيلسان المقور الشعري‬
‫موكبا بمناسبة أول رمضان ‪ .‬و هذا الموكب يتحلى بالذهب ( توقيرا للصالة ) التى ليست لرب العزة ألن رب العزة يتوعد الذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة بالعذاب األليم ( التوبة ‪) 35 : 34‬‬
‫فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدمه في أوائل النهار صاحب بيت المال وهو المقدم ذكره في األستذين ( ‪3 / 2 :‬‬
‫وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم وهو محمول بأيديي الفراشين المميزين وهو ملفوف في‬
‫العراضي الديبيقية فيفرش في المحراب ثالث طراحات أما سامان أو ديبيقي أبيض أحسن ما يكون من صنفها كل منهما منقوش‬
‫بالحمرة‪ .‬فتجعل الطراحات متطابقات ويعلق ستران يمنة ويسرة وفي الستر األيمن كتابة مرقومة بالحرير األحمر واضحة‬
‫منقوطة أولها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر األيسر مثل ذلك وسورة " إذا جاءك المنافقون " قد أسبال وفرشا‬
‫في التعليق بجانبي المحراب الصقين بجسمه‪ .‬ثم يصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه‬
‫صاحب بيت المال فيها جمرات ويجعل فيها ند مثلث ال يشم مثله إال هناك ‪ ،‬فيجز الذروة التي عليها الغشاء كالقبة لجلوس‬
‫قبل دخول الخليفة والوزير معه الى مسجد الحاكم ( األنور ) من الباب الخاص ‪. ) .‬الخليفة للخطابة ‪ ،‬ويكرر ذلك ثالث دفعات‬
‫بالخطابة يكون قد سبقهما ـــ ومن أول النهار ــ صاحب بيت المال ومعه الفراشون يحملون الفراش المختص بالخليفة فيفرشونه‬
‫فى المحراب ‪ ،‬أى يقومون بعمل ديكورات من األقمشة والستائر الحريرية والذهبية والمزخرفة بالبسملة والفاتحة وسورة‬
‫( المنافقون ) ‪ .‬بعد إستكمال الديكورات يصعد قاضى القضاة الى المنبر ومعه مدخنة ( مبخرة ) بعطر أّخ اذ مخصوص لهذا‬
‫!‪.‬الموقف ‪ ،‬ويقوم قاضى القضاة بتبخير المنبر ثالث مرات لتجهيزه بالرائحة الطيبة ( فى سبيل الخليفة )‬
‫فيأتي الخليفة في هيئة موقرة من الطبل والبوق وحوالي ركابه خارج أصحاب الركاب القراء وهم قراء الحضرة من (‪3 / 3 :‬‬
‫الجانبين يطربون بالقراءة نوبة بعد نوبة يستفتحون بذلك من ركوبه من الكرسي على ما تقدم طول طريقة إلى قاعة الخطابة‬
‫من الجامع ثم تحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسالر العساكر ومن داخلها إلى آخرها صبيان الخاص‬
‫وغيرهم ممن يجري مجراهم ومن داخلها من باب خروجه إلى المنبر واحد فواحد فيجلس في القاعة وإن احتاج إلى تجديد‬
‫فى طريقه الى الجامع يكون حول الخليفة فى موكبه من الجانبين ( الّق ّر اء ) اى الذين ‪. ) .‬وضوء فعل والوزير في مكان آخر‬
‫ينشدون ويتغٌّن ون بالقرآن الكريم نوبة بعد نوبة ‪ ،‬يجعلونه لهوا ولعبا فى (سبيل الخليفة وإبتغاء مرضاته ) ‪ ،‬وحول الُقّر اء‬
‫العساكر الراكبون ( أصحاب الركاب )‪ .‬ويصل الموكب الى الجامع ‪ ،‬حيث يكون الحراس والعسكر يحفظون المقصورة بالمنبر ‪.‬‬
‫‪.‬ويجرى تنظيمهم داخل المسجد ‪ .‬يدخل الخليفة ويجلس فى القاعة بينما يجلس الوزير فى مكان آخر‬
‫فإذا أذن بالجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال له‪ :‬السالم على أمير المؤمنين الشريف القاضي ورحمة هللا وبركاته ( ‪3 / 4 :‬‬
‫الصالة يرحمك هللا‪ .‬فيخرج ماشًي ا وحواليه األستذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الخواص وبأيديهم األسلحة من‬
‫صبيان الخاص وهم أمراء وعليهم هذا اإلسم فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة فإذا استوى جالًس ا‬
‫والوزير على باب المنبر ووجهه إليه فيشير إليه بالصعود إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه‬
‫تلك القبة ألنها كالهودج ثم ينزل مستقباًل فيقف ضابًط ا لباب المنبر فإن لم يكن ثم وزير صاحب سيف زر عليه قاضي القضاة‬
‫يقدم الوزير طقوس التقديس للخليفة وهو يدعوه لصعود المنبر ليخطب ‪ ،‬فيسير ‪.).‬كذلك ووقف صاحب الباب ضابًط ا للمنبر‬
‫‪ .‬الخليفة ماشيا الى المنبر ومعه قواد عسكره ‪ ،‬ويقدم الوزير طقوسا أخرى فى تقديس الخليفة وهو على المنبر يراها الناس‬
‫فيخطب خطبة قصيرة من مسطورة يحضر إليه من ديوان اإلنشاء يقرأ فيها آية من القرآن الكريم ولقد سمعته مرة في ( ‪3 / 5‬‬
‫خطابته بالجامع األزهر وقد قرأ في خطبته " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي علي وعلى والدي " اآلية ‪ ،‬ثم يصلي على أبيه‬
‫وجده يعني بهما محمًدا صلى هللا عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪ ،‬ويعظ الناس وعًظ ا بليًغ ا قليل اللفظ ‪ .‬وتشتمل‬
‫الخطبة على ألفاظ جزلة ‪ ،‬ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فقالـ ــ وأنا أسمعه ‪ " :‬اللهم وأنا عبدك وابن عبدك‬
‫الأملك لنفسي ضًر ا وال نفًع ا ‪ " .‬ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله ‪ ،‬ويدعو للوزير إن كان وللجيوش بالنصر والتأليف‬
‫يخطب الخليفة من ورقة )"‪.‬وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين والمخالفين بالهالك والقهر ثم يختم بقوله " إذكروا هللا يذكركم‬
‫يصلى على أبيه وجده ( النبى محمد بزعمهم ) ويقوم بتقديس أسالفه ونفسه ويدعو لنفسه وجنده بالنصر ‪ ،‬ويدعو على أعدائه‬
‫بالهزيمة ‪ .‬وابن الطوير الراوى لهذه الطقوس كان حاضرا ‪ ،‬وهو يقول ‪ ( :‬فقال وأنا أسمعه ‪ " :‬اللهم وأنا عبدك وابن عبدك‬
‫الأملك لنفسي ضًر ا وال نفًع ا ‪ " .‬ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله‪) ..‬‬
‫فيطلع إليه من زّر عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى ‪ .‬وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور ال كعادة ( ‪3 / 6 :‬‬
‫الخطباء ‪ ،‬فينزل الخليفة ويصير على تلك الطراحات الثالث في المحراب وحده إماًم ا ويقف الوزير وقاضي القضاة صًفا ومن‬
‫ورائهما األستاذون المحنكون واألمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف واألقالم والمؤذنون وقوف ‪ ،‬وظهورهم‬
‫إلى المقصورة لحفظه‪ .‬فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس ‪ ،‬هذا والجامع‬
‫أى هناك طقوس أخرى تقوم بها الحاشية عندما ينتهى الخليفة من الخطبة وينزل من المنبر )‪ .‬مشحون بالعالم للصالة وراء‬
‫‪ .‬للصالة ‪ ،‬وهذا إلبهار الناس‬
‫فيقرأ ما هو مكتوب في الستر األيمن في الركعة األولى وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر األيسر ‪ ،‬وذلك ( ‪3 / 7 :‬‬
‫فى الصالة يؤم الخليفة الناس فيقرأ اآليات المكتوبة عن يمينه فى الركعة األولى والمكتوبة )على طريق التذكار خيفة اإلرتجاج‬
‫‪.‬عن يساره فى الركعة الثانية‬
‫ثم ‪. ) .‬فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أواًل فأواًل وعاد طالًب ا القصر والوزير وراءه وضربت البوقات والطبول في العود ( ‪3 / 8 :‬‬
‫هناك طقوس وتنظيم فى خروج الناس من الجامع بعد صالة الجمعة‪ .‬ويعود الخليفة الى قصره فى موكب تدق فيه الطبول‬
‫‪.‬واألبواق‬
‫أى ) ‪.‬فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع األزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه ( ‪3 / 9 :‬‬
‫‪ .‬يتكرر هذا فى الجمعة الثانية من رمضان‬
‫فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر في جامعها ‪ ،‬فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن (‪3 / 10 :‬‬
‫طولون‪ ،‬ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر ‪ ،‬يرتب ذلك والي مصر كل أهل معيشة في مكان ‪ ،‬فيظهر‬
‫المختار من اآلالت والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثالثة أيام ولياليهن والوالي مار وعائد بينهم وقد ندب من يحفظ الناس‬
‫فى الجمعة الثالثة ُت قام الزينة فى ( مصر ) أى الفسطاط والعسكر والقطائع ‪ ،‬من مسجد عمرو بن العاص الى ‪. ).‬ومتاعهم‬
‫‪ .‬مسجد ابن طولون ‪ ،‬ويشرف الوالى على الزينة وحشد الناس ويستغرق هذا االستعداد ثالثة أيام تحت مراعاة الوالى‬
‫فيركب يوم الجمعة المذكور شاًقا لذلك كله على الشارع األعظم إلى مسجد عبد هللا الخراب اليوم إلى دار األنماط إلى ( ‪3 / 11 :‬‬
‫الجامع بمصر‪ ،‬فيدخل إليه من المعونة ‪ ،‬ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بالزي الذي تقدم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة‬
‫وعلى ترتيبهما‪ .‬فإذا قضى الصالة عاد من طريقه بعينها شاًق ا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر ‪ ،‬ويعطى أرباب المساجد التي يمر‬
‫هنا طريق محدد لسير موكب الخليفة وأبواب محددة لدخوله ‪ ،‬وبنفس الزى ونفس الموكب ‪ .‬ويعطى ‪. ) .‬عليها كل واحد ديناًر ا‬
‫‪ .‬أرباب المساجد التى يمر عليها بموكبه دينارا ـ للتبرك‬
‫أخيرا ‪ :‬هل يجرؤ أحد أن يقول إن صالة الجمعة هنا هى لوجه هللا جل وعال؟ وهل يجرؤ أحد أن يقول إنه ينطبق عليها قوله جل‬
‫) وعال ‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه ) ﴿‪ ﴾٩‬الجمعة‬
‫الفصل الثانى عشر ‪ :‬أخيرا ‪ :‬تحريم صالة الجمعة فى مساجد الضرار‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ مسجد الضرار هو الذى يتم إستغالله سياسيا لتمجيد سلطان قائم أو للثورة عليه ‪ ،‬والذى ُت قال فيه أحاديث شيطانية يحرم ‪1‬‬
‫‪ .‬على المؤمن اإلستماع اليها وحضور مجالسها‬
‫‪ .‬ـ كان هناك مسجد ضرار أقامه منافقو المدينة ‪ ،‬وامر هللا جل وعال النبى محمدا أال يحضر فيه ‪2‬‬
‫ـ مساجد الضرار التى تاّس ست بعد الفتوحات الشيطانية هى األشد ضرارا من مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ‪3‬‬
‫فى حياة النبى محمد عليه السالم‪ .‬لذا فالتحريم أشد فى حضور صالة الجمعة فى هذه المساجد الشيطانية ‪ .‬يمكن للمؤمن المسلم‬
‫أن يصلى فيها منفردا الصلوات الخمس معتزال القائمين على هذا المسجد حين يخشى أن يفوته وقت الصالة‪ ،‬أما الذهاب الى‬
‫هذه المساجد واالستماع الى اإلفك والبهتان األحاديث الشيطانية التى صنعها المجرمون فهذا عداء ُم علن لرب العزة ‪ ،‬وقد قال‬
‫جل وعال فى أظلم البشر ‪َ( :‬ف َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ۚ ِإَّن ُه اَل ُيْف ِلُح اْلُمْج ِر ُم وَن ﴿‪ ﴾١٧‬يونس ) (َو َم ْن‬
‫َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ۗ ِإَّن ُه اَل ُيْف ِلُح الَّظ اِلُم وَن ﴿‪ ﴾٢١‬االنعام ) (َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا ِّلُيِض َّل‬
‫الَّن اَس ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم ۗ ِإَّن الَّلـَه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾١٤٤‬االنعام ) (َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ) ‪) 37‬‬
‫االعراف ) (َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِباْل َح ِّق َلَّم ا َج اَء ُه ۚ َأَلْيَس ِفي َج َه َّن َم َم ْث ًو ى ِّلْلَك اِفِر يَن ﴿‪ ﴾٦٨‬العنكبوت ) (‬
‫َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه اْلَك ِذ َب َو ُه َو ُي ْد َع ٰى ِإَلى اِإْلْس اَل ِم َۚو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾٧‬الصف ) ( َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن‬
‫‪َ :‬ك َذ َب َع َلى الَّلـِه َو َك َّذ َب ِبالِّص ْد ِق ِإْذ َج اَء ُه َۚأَلْيَس ِفي َج َه َّن َم َم ْث ًو ى ِّلْلَك اِفِر يَن ﴿‪ ﴾٣٢‬الزمر )‪ .‬ونعطى بعض التفصيل‬
‫‪ :‬أوال‬
‫خطبة الجمعة االسالمية‬
‫ـ الذى يدخل المسجد لصالة الجمعة مفترض أن يسمع ذكر هللا جل وعال وعال وحده ‪ ،‬هذا أذا نودى للصالة من يوم الجمعة ‪1‬‬
‫وسمع هذا النداء ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُن وِدي ِللَّص الِة ِمْن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َذ ِلُك ْم‬
‫َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن (‪ )9‬الجمعة )‪ .‬لكنه يسمع خطبة للجمعة تتناقض مع ذكر هللا جل وعال وحده وتعظيمه جل وعال وحده‬
‫‪.‬‬
‫ـ خطبة الجمعة فى عهد النبى محمد عليه السالم كانت ذكرا للرحمن جل وعال بتالوة النبى للقرآن وهو يخطب ‪ .‬لهذا فلم تكن ‪2‬‬
‫له خطبة بالمعنى المألوف ‪ ،‬ولهذا أيضا ال توجد خطبة للجمعة منسوبة له عليه السالم ‪ ،‬مع أنه صلى الجمعة أكثر من خمسمائة‬
‫‪ .‬مرة‬
‫ـ الملفت للنظر انه مع كثرة األحاديث المنسوبة للنبي محمد فى العصر العباسي والمملوكي فإن النادر نسبة خطيب جمعة له ‪3 ،‬‬
‫ومشهور انه عليه السالم خطب فى مناسبات مختلفة جاءت فى السيرة ‪ ،‬إال أنه خطب الجمعة أكثر من عشر سنوات اى اكثر‬
‫من خمسمائة خطبة دون ان تسجل له المصادر التاريخية القديمة ايا من هذه الخطب‪ .‬والسبب انه عليه السالم كان يخطب فى‬
‫صالة الجمعة بقراء القرآن ‪ .‬أى يقرأ فى الخطبة سورة من سور القرآن ‪ .‬وطالما أن القرآن موجود فال داعى لتسجيل تلك‬
‫‪ .‬الخطب‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫خطبة الجمعة الشيطانية فى المساجد الشيطانية‬
‫ـ ‪ :‬تحولت خطبة الجمعة الى منشور سياسى فى العصر األموى ‪ ،‬إستخدمها األمويون مناسبة اسبوعية فى لعن ( أبى ‪1‬‬
‫تراب ) ( على بن ابى طالب )‪ .‬وإستمر إستغالل خطبة الجمعة فى الدعاية العباسية ‪،‬ثم فى الدعاية الفاطمية ‪ ،‬وتوارث‬
‫( المسلمون ) خطبة للجمعة فيها تقديس السلطان والدعاء على الكافرين وأن ينصر هللا عساكر السلطان وأن يهزم الكفار وأن‬
‫!‪ .‬يسبى المسلمون نساءهم ويغنموا أموالهم‬
‫ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ‪ ،‬وكان لها دور فى ‪2‬‬
‫االقتتال الطائفى بينهما ‪ .‬وحاليا أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ‪ ،‬يتم تفجيرها ‪ُ .‬ي ضاف الى هذا رواية أكاذيب‬
‫‪ ( .! .‬أحاديث ) مفتراة تنشر اإلفك على أنه إسالم ُتضل الناس على أن ذلك هو االسالم‬
‫ـ هذه المساجد فى عصرنا أكثر ضررا ‪ .‬ألن الضرر هنا ال يلحق فقط بتشويه االسالم ونشر اإلفك على أنه االسالم ‪ ،‬وال ‪3‬‬
‫‪ .‬يلحق فقط بتقديس البشر حربا لإلسالم وتقديسا للمستبد ( ولى األمر ) بل يتعداه الى سفك الدماء‬
‫‪:‬ثالثا‬
‫‪ :‬الفارق بين مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى عصر النبى ومساجد الضرار فى عصرنا‬
‫قال جل وعال عن مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى المدينة ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج دًا ِض َر ارًا َو ُك ْف رًا َو َت ْف ِر يقًا َبْي َن‬
‫اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص ادًا ِلَم ْن َح اَر َب َهَّللا َو َر ُس وَلُه ِمْن َقْب ُل َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإَّال اْلُحْس َن ى َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن (‪ )107‬ال َت ُقْم ِفيِه َأَب دًا‬
‫َلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأْن َت ُقوَم ِفيِه ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأْن َي َت َط َّهُر وا َو ُهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن (‪َ )108‬أَفَم ْن َأَّس َس‬
‫ُبْن َي اَن ُه َع َلى َت ْق َو ى ِمْن ِهَّللا َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأْم َم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر َج َه َّن َم َو ُهَّللا ال َيْه ِدي اْلَق ْو َم‬
‫‪ :‬الَّظ اِلِميَن (‪ )109‬ال َي َز اُل ُبْن َي اُنُهْم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَّال َأْن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم (‪)110‬التوبة)‪ .‬هنا نالحظ‬
‫مسجد الضرار فى المدينة إقتصر على التآمر خفية ‪ ،‬وظل فى الظاهر محافظا على توجهه االسالمى الى درجة أن النبى كان ‪1 :‬‬
‫يذهب اليه يصلى فيه ويقوم فيه ‪ .‬أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى ترفع الصوت بالفتنة واإلثم والعدوان ‪ ،‬وتجمع األموال‬
‫‪ .‬الُّس حت‬
‫لم ينتج عن مسجد الضرار فى المدينة إسالة دماء ‪ ،‬أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى مسئولة عن حمامات دم ‪ .‬وحتى ‪2 :‬‬
‫‪ .‬من تظاهر منها باالعتدال فهو ينشر إفك األحاديث التى تدعو لإلرهاب وقتل غير المسلم وقتل ما يجعلونه مرتدا وزنديقا‬
‫المنافقون ( الصحابة ) كانوا يقسمون كذبا على أنهم ما فعلوا ‪ ،‬وهللا جل وعال شهد بأنهم كاذبون ‪ .‬أى هم يعرفون أن ما ‪3 :‬‬
‫‪ .‬يفعلون هو خطأ ومخالف لإلسالم ‪ .‬أما ائمة مساجد الضرار فى عصرنا فكل منهم يعتقد أن ما يفعله هو صحيح االسالم‬
‫هللا جل وعال نهى النبى محمدا عليه السالم وقال له ‪( :‬ال َت ُقْم ِفيِه َأَب دًا )‪ .‬هذا عن مسجد هو أقل ضررا من مساجد الفتنة ‪4 :‬‬
‫والضرار فى عصرنا ‪ .‬فماذا عّن ا ؟ هل نذهب الى تلك المساجد وخطب الجمعة فيها وندواتها ؟‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫ال يجوز إسالميا أن ( نسمع ) خطبا دينية تحوى منكرا من القول وزورا‬
‫الذى ال يعرفه معظم الناس أننا يوم القيامة سنكون مسئولين عما نسمع ‪ ،‬وليس فقط عما ننطق وعما نفعل ‪ .‬قال جل وعال ‪:‬‬
‫(ِإَّن الَّس ْم َع َو اْلَبَص َر َو اْلُفَؤ اَد ُك ُّل ُأْو َلِئَك َك اَن َع ْن ُه َمْس ُئوًال (‪ )36‬االسراء ) والتطبيق العملى لآلية الكريمة جاء تشريعا مسكوتا‬
‫‪ :‬عنه فى عصرنا ‪ .‬نعطى أمثلة له‬
‫ـ كان مشركو قريش يعقدون مجالس للخوض فى آيات هللا وكتابه الكريم فتكرر النهى مرتين للنبى محمد أال يحضر مجالسهم ‪1‬‬
‫‪ .‬قال له ربه جل وعال ‪َ ( :‬فَذ ْر ُه ْم َي ُخ وُض وا َو َي ْلَعُبوا َح َّت ى ُيالُقوا َيْو َمُهْم اَّلِذي ُي وَع ُدوَن (‪ )83‬الزخرف ) (َفَذ ْر ُه ْم َي ُخ وُض وا َو َي ْلَعُب وا‬
‫‪َ.‬ح َّت ى ُيالُقوا َيْو َمُهْم اَّلِذي ُيوَع ُدوَن (‪ )42‬المعارج )‬
‫ونسى عليه السالم فتكرر النهى مصحوبا بلمحة تأنيب ‪ ،‬قال له جل وعال ‪َ ( :‬و ِإَذ ا َر َأْي َت اَّلِذيَن َي ُخ وُض وَن ِفي آَي اِتَن ا َفَأْع ِر ْض َع ْن ُهْم‬
‫َح َّت ى َي ُخ وُض وا ِفي َح ِديٍث َغ ْي ِر ِه َو ِإَّم ا ُينِس َي َّن َك الَّش ْي َط اُن َفال َت ْق ُع ْد َبْع َد الِّذ ْك َر ى َمَع اْلَق ْو ِم الَّظ اِلِميَن (‪َ )68‬و َم ا َع َلى اَّلِذيَن َي َّت ُقوَن ِمْن‬
‫ِح َس اِبِهْم ِمْن َش ْي ٍء َو َلِكْن ِذ ْك َر ى َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن (‪ )69‬االنعام ) وجاء األمر له فى اآلية التالية باالعراض عنهم ‪َ (:‬و َذ ِر اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا‬
‫ِديَن ُهْم َلِعبًا َو َلْه وًا َو َغ َّر ْت ُهْم اْلَح َي اُة الُّد ْن َي ا َو َذ ِّك ْر ِبِه َأْن ُتْبَس َل َن ْف ٌس ِبَم ا َك َسَب ْت َلْيَس َلَه ا ِمْن ُدوِن ِهَّللا َو ِلٌّي َو ال َش ِفيٌع َو ِإْن َت ْع ِد ْل ُك َّل َع ْد ٍل‬
‫ال ُيْؤ َخ ْذ ِم ْن َه ا ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن ُأْب ِس ُلوا ِبَم ا َك َسُب وا َلُهْم َش َر اٌب ِمْن َح ِميٍم َو َع َذ اٌب َأِليٌم ِبَم ا َك اُنوا َي ْك ُفُر وَن (‪ )70‬االنعام )‪ .‬أى هو نهى‬
‫‪ .‬وأمر بأال يحضر مجالس اللغو والخوض فى القرآن الكريم ألن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئوال‬
‫وإمتثل النبى محمد عليه السالم وأطاع ‪ .‬ولكن فريقا من المؤمنين إعتاد أن يحضر مجالس المنافقين التى تخوض فى آيات هللا‬
‫جل وعال وكتابه الكريم ‪ ،‬فنزل التأنيب لهم مغلظا مصحوبا بالتهديد ويذّك رهم بما نزل قبل ذلك ‪ ،‬قال جل وعال لهم فى خطاب‬
‫مباشر ‪َ (:‬و َق ْد َنَّز َل َع َلْي ُك ْم ِفي اْلِك َت اِب َأْن ِإَذ ا َس ِم ْع ُتْم آَي اِت ِهَّللا ُيْك َفُر ِبَه ا َو ُيْس َت ْه َز ُأ ِبَه ا َفال َت ْق ُع ُدوا َمَعُهْم َح َّت ى َي ُخ وُض وا ِفي َح ِديٍث‬
‫َغ ْي ِر ِه ِإَّنُك ْم ِإذًا ِم ْث ُلُهْم ِإَّن َهَّللا َج اِم ُع اْلُم َن اِفِقيَن َو اْلَك اِفِر يَن ِفي َج َه َّن َم َج ِميعًا (‪ )140‬النساء ) ‪ .‬هذا ألن هللا جل وعال قال ‪ِ( :‬إَّن الَّس ْم َع‬
‫َو اْلَبَص َر َو اْلُفَؤ اَد ُك ُّل ُأْو َلِئَك َك اَن َع ْن ُه َمْس ُئوًال (‪ )36‬االسراء )‬
‫ـ ال شأن لعائشة بحادث اإلفك كما شرحنا فى كتاب ‪ ( :‬القرآن وكفى ) المنشور هنا ‪ .‬هو يخص مجتمع المدينة فى أول ‪2‬‬
‫عهده حيث إزدحمت المدينة بالمهاجرين والمهاجرات ‪ ،‬ووقع على األنصار رجاال ونساءا عبء مساعدة المهاجرين الفقراء‬
‫والمهاجرات الفقيرات ‪ ،‬فأشاع المنافقون مزاعم تتهم المؤمنات بالزنا ‪ .‬فنرل قوله جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اَّلِذيَن َج اُء وا ِباِإلْف ِك ُعْص َب ٌة‬
‫ِم ْنُك ْم ال َت ْح َسُبوُه َش ّر ًا َلُك ْم َب ْل ُه َو َخ ْيٌر َلُك ْم ِلُك ِّل اْم ِر ٍئ ِم ْن ُهْم َم ا اْكَت َسَب ِمْن اِإلْث ِم َو اَّلِذي َت َو َّلى ِك ْبَر ُه ِم ْن ُهْم َلُه َع َذ اٌب َع ِظ يٌم (‪َ )11‬لْو ال‬
‫ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه َظ َّن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َن اُت ِبَأنُفِس ِهْم َخ ْي رًا َو َقاُلوا َه َذ ا ِإْف ٌك ُم ِبيٌن (‪َ )12‬لْو ال َج اُء وا َع َلْي ِه ِبَأْر َبَع ِة ُشَه َداَء َفِإْذ َلْم َي ْأُت وا‬
‫ِبالُّش َهَداِء َفُأْو َلِئَك ِع ْن َد ِهَّللا ُه ْم اْلَك اِذ ُبوَن (‪َ )13‬و َلْو ال َفْض ُل ِهَّللا َع َلْي ُك ْم َو َر ْح َم ُتُه ِفي الُّد ْن َي ا َو اآلِخَر ِة َلَمَّس ُك ْم ِفي َم ا َأَفْض ُتْم ِفيِه َع َذ اٌب‬
‫َع ِظ يٌم (‪ِ )14‬إْذ َت َلَّق ْو َن ُه ِبَأْلِس َن ِتُك ْم َو َت ُقوُلوَن ِبَأْف َو اِه ُك ْم َم ا َلْيَس َلُك ْم ِبِه ِع ْلٌم َو َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم (‪َ )15‬و َلْو ال ِإْذ‬
‫َس ِم ْع ُتُم وُه ُقْلُتْم َم ا َي ُك وُن َلَن ا َأْن َنَتَك َّلَم ِبَه َذ ا ُسْبَح اَن َك َه َذ ا ُبْه َت اٌن َع ِظ يٌم (‪َ )16‬ي ِع ُظ ُك ْم ُهَّللا َأْن َت ُع وُدوا ِلِم ْث ِلِه َأَب دًا ِإْن ُك نُتْم ُم ْؤ ِمِنيَن (‪)17‬‬
‫‪َ :‬و ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم (‪ )18‬النور ) ‪ .‬نالحظ فيما يخص موضوعنا عن مسئولية السمع‬
‫االستماع الى مثل هذا الحديث يوجب مسئولية على السامع ‪ ،‬يجب عليه أن ينكر ما سمعه ‪ ،‬قال جل وعال يلومهم ‪2 / 1 : :‬‬
‫(َلْو ال ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه َظ َّن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َن اُت ِبَأنُفِس ِهْم َخ ْي رًا َو َقاُلوا َه َذ ا ِإْف ٌك ُم ِبيٌن (‪ )12‬النور) (َو َلْو ال ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه ُقْلُتْم َم ا َي ُك وُن‬
‫َلَن ا َأْن َنَتَك َّلَم ِبَه َذ ا ُسْبَح اَن َك َه َذ ا ُبْه َت اٌن َع ِظ يٌم (‪ )16‬النور )‬
‫بدون ذلك وبتداول هذا المسموع من الشائعات يكون السامع مشاركا فى اإلثم ‪ ،‬وهو إثم عظيم‪.‬قال جل وعال‪ِ(:‬إْذ َت َلَّق ْو َن ُه ‪2 / 2 :‬‬
‫ِبَأْلِس َن ِتُك ْم َو َت ُقوُلوَن ِبَأْف َو اِه ُك ْم َم ا َلْيَس َلُك ْم ِبِه ِع ْلٌم َو َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم (‪ )15‬النور )‪ .‬مأروع قوله جل وعال ‪:‬‬
‫!‪َ(.‬و َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم )‬
‫ثم يأتى التحذير فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬ي ِع ُظ ُك ْم ُهَّللا َأْن َت ُع وُدوا ِلِم ْث ِلِه َأَب دًا ِإْن ُك نُتْم ُم ْؤ ِمِنيَن (‪َ )17‬و ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم اآلَي اِت َو ُهَّللا ‪2 / 3 :‬‬
‫!َع ِليٌم َح ِكيٌم (‪ ) 18‬النور )‪ .‬هذا فى االفتراء على بعض المؤمنات ‪ ،‬فكيف باإلفتراء على الواحد القهار جل وعال ؟‬
‫ـ الذين يسمعون خطبة الجمعة وما فيها من أفتراء على هللا جل وعال ورسوله ‪ ،‬هل يستطيع أحدهم أن يقف محتّج ا على ‪2 / 4‬‬
‫ما يسمع ؟ لقد تحسبوا لذلك مقدما بتأليف حديث يقول ‪ ( :‬إذا قلت لصاحبك واالمام يخطب يوم الجمعة ‪ :‬أنصت فقد لغوت ‪ .‬ومن‬
‫لغا فال صالة له ) ‪ .‬خطبة الجمعة فى هذه المساجد لغو غليظ ‪ ،‬ولكنهم أوجبوا سماع هذا اللغو ‪ ،‬وأوجبوا على المستمعين عدم‬
‫‪ .‬النطق‬
‫ـ أتذكر أنه بعد اإلفراج عنا من اإلعتقال فى مصر عام ‪ 1987‬عاد بعض أهل القرآن الى الخطبة فى المساجد ‪ ،‬وإلتزم أال ‪3‬‬
‫يهاجم األحاديث حتى ال يعود للسجن ‪ ،‬وإقتصر فى خطبة الجمعة على الهدى القرآنى ‪ ،‬فرفضوه ‪ ،‬وفرضوا عليه أن يخطب‬
‫‪ .‬باألحاديث‬
‫األحاديث الشيطانية هى دينهم ‪ ،‬وهى البضاعة التى يتقيؤها الخطيب فى صالة الجمعة وغيرها ‪ .‬وقد قال جل وعال ‪3 / 1 :‬‬
‫عنهم يجعلهم أعداء النبى ‪َ ( :‬و َك َذ ِلَك َج َع ْلَن ا ِلُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ّو ًا َش َي اِط يَن اِإلنِس َو اْلِجِّن ُيوِحي َبْع ُضُهْم ِإَلى َبْع ٍض ُزْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغ ُر ورًا‬
‫َو َلْو َش اَء َر ُّب َك َم ا َفَع ُلوُه َفَذ ْر ُه ْم َو َم ا َي ْف َت ُر وَن (‪َ )112‬و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن ال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َض ْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوا َم ا ُه ْم‬
‫‪ُ.‬م ْق َت ِر ُفوَن (‪ ) 113‬االنعام )‬
‫فى موضوعنا عن السمع ُننّب ه على قوله جل وعال ‪َ( :‬و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن ال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َض ْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوا ‪3 / 2 :‬‬
‫َم ا ُه ْم ُم ْق َت ِر ُفوَن (‪ ) 113‬االنعام )‪ .‬اى يسمعون لهذه األحاديث بكل إصغاء ‪ ،‬تصغى اليها ليس فقط أسماعهم بل أفئدتهم ‪ ،‬ثم‬
‫على أساسها يقترفون الكبائر ‪ .‬من القتل والتفجيرات ‪ ،‬وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‪ ،‬وأن الحور العين تنتظرهم ‪.‬‬
‫والعاصى العادى المسالم يجد التشجيع على المعصية بأحاديث الشفاعة والخروج من النار ‪ ،‬أى أن النتيجة أنهم يتشجعون على‬
‫‪ .‬إقتراف الكبائر بتلك األحاديث التى يلقيها خطيب الجمعة‬
‫ولهذا تجد مجتمعات المحمدين متخمة بالفساد وسفك الدماء ‪ ،‬مع حضور هائل ومكثف للمساجد وخطب الجمعة ‪ ،‬بل ‪3 / 3 :‬‬
‫أصبح الدعاة والخطباء ينافسون الراقصات ونجوم الفّن فى الشهرة ‪ .‬يتألقون شهرة وتتضخم أرصدتهم باألموال الُّس حت ‪،‬‬
‫‪ .‬وبنفس القدر يهوى المحمديون من الحضيض الى اسفل سافلين‬
‫ـ ويتكرر فى القرآن المجيد وصف الضالين الفاسقين بأنهم ( سًم اعون للكذب )‪ ،‬قال جل وعال عن بعضهم فى عهد النبى ‪4‬‬
‫محمد عليه السالم ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا الَّر ُس وُل ال َيْح ُزْن َك اَّلِذيَن ُيَس اِر ُع وَن ِفي اْلُك ْف ِر ِمْن اَّلِذيَن َقاُلوا آَم َّن ا ِبَأْف َو اِه ِهْم َو َلْم ُتْؤ ِمْن ُقُلوُبُهْم َو ِمْن‬
‫اَّلِذيَن َهاُدوا َس َّم اُع وَن ِلْلَك ِذِب ) ( ‪ ) 41‬المائدة ) ( َس َّم اُع وَن ِلْلَك ِذِب َأَّك اُلوَن ِللُّسْح ِت ) (‪ )42‬المائدة )‪ ( .‬سّم اع ) صيغة مبالغة‬
‫‪ .‬من إسم الفاعل ( سامع ) ‪ .‬فالكافر ُم دمن لسماع الكذب‬
‫ـ منافقو المدينة فى عهد النبى كان لهم ( سّم اعين ) من المؤمنين ‪ ،‬قال جل وعال ( َلْو َخ َر ُج وا ِفيُك ْم َم ا َز اُدوُك ْم ِإَّال َخ َب اًال ‪5‬‬
‫َو َألْو َض ُع وا ِخالَلُك ْم َيْب ُغ وَنُك ْم اْلِفْتَن َة َو ِفيُك ْم َس َّم اُع وَن َلُهْم َو ُهَّللا َع ِليٌم ِبالَّظ اِلِميَن (‪ )47‬التوبة )‪ .‬يهمنا هنا أن قوله جل وعال ‪َ ( :‬و ُهَّللا‬
‫‪َ .‬ع ِليٌم ِبالَّظ اِلِميَن ) يشمل القائل والسامع‬
‫‪ .‬ـ وتوالت األوامر باإلعراض عن أصحاب الخوض ‪6‬‬
‫قال جل وعال للنبى محمد عن الخائضين من أهل الكتاب ‪ُ ( :‬قْل ُهَّللا ُثَّم َذ ْر ُه ْم ِفي َخ ْو ِض ِهْم َي ْلَعُبوَن (‪ )91‬االنعام ) ‪6 / 1 :‬‬
‫وقال له جل وعال فى اإلعراض عن المشركين ‪ ( :‬اَّت ِبْع َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمْن َر ِّب َك ال ِإَلَه ِإَّال ُه َو َو َأْع ِر ْض َع ْن اْلُم ْش ِر ِكيَن ( ‪6 / 2 :‬‬
‫‪ )106‬االنعام ) ( ُخ ْذ اْلَع ْف َو َو ْأُمْر ِباْلُعْر ِف َو َأْع ِر ْض َع ْن اْلَج اِهِليَن (‪ )199‬االعراف )( َفاْص َد ْع ِبَم ا ُتْؤ َمُر َو َأْع ِر ْض َع ْن اْل ُم ْش ِر ِكيَن‬
‫(‪ )94‬الحجر ) ( َفَأْع ِر ْض َع ْن ُهْم َو اْنَت ِظ ْر ِإَّن ُهْم ُم نَت ِظ ُر وَن (‪ )30‬السجدة ) (َفَأْع ِر ْض َع ْن َم ْن َت َو َّلى َع ْن ِذ ْك ِر َن ا َو َلْم ُيِر ْد ِإَّال اْلَح َي اَة‬
‫‪ .‬الُّد ْن َي ا (‪ )29‬النجم )‪ .‬اإلعراض عنهم يوجب عدم االستماع اليهم وعدم حضور مجالسهم ‪ ،‬ومساجدهم وخطبهم وندواتهم‬
‫‪ :‬وما جاء فى هذا أمرا ونهيا للنبى هو لنا أيضا‪ .‬ومع هذا فقد جاء للمؤمنين ايضا ‪6 / 3 :‬‬
‫جعل رب العزة جل وعال من أولى صفات المؤمنين المفلحين أنهم ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن ُه ْم َع ْن الَّلْغ ِو ُمْع ِر ُض وَن (‪ )3‬المؤمنون ‪6 / 3 / 1 :‬‬
‫‪).‬‬
‫ومن صفات عباد الرحمن ‪َ( :‬و اَّلِذيَن ال َي ْش َه ُدوَن الُّز وَر َو ِإَذ ا َمُّر وا ِبالَّلْغ ِو َمُّر وا ِك َر امًا (‪ )72‬الفرقان )‪ ( .‬ال ‪6 / 3 / 2 : ،‬‬
‫يشهدون الزور ) أى ال يحضرون مجالس يقال فيها زور وبهتان ‪ .‬وافظع البهتان هو األحاديث الشيطانية ‪ .‬وحضور خطب‬
‫‪ .‬الجمعة فى مساجد الضرار هو حضور وشهود للزور‬
‫وقال جل وعال ‪َ ( :‬و ِإَذ ا َس ِم ُع وا الَّلْغ َو َأْع َر ُض وا َع ْن ُه َو َقاُلوا َلَن ا َأْع َم اُلَن ا َو َلُك ْم َأْع َم اُلُك ْم َس الٌم َع َلْي ُك ْم ال َن ْب َت ِغي اْلَج اِهِليَن ( ‪6 / 3 / 3 :‬‬
‫‪ )55 .‬القصص ) ‪ .‬أى هى قطيعة مرتبطة بقول السالم وتبتعد عن الجهل والجهالء‬
‫ـ فهل بعد هذا نحضر خطب الجمعة لنسمع منكرا من القول وزورا وإفتراءا على هللا جل وعال ورسوله ؟ هى حرية االيمان ‪7‬‬
‫والكفر ‪ .‬لك أن تقاطع هذه المساجد ‪ ،‬ولك أن تحضرها ‪ .‬ولكن يجب أن تعرف أنك إذا حضرت فستكون مشاركا فيما يقال من إثم‬
‫‪ . .‬ولغو وأفتراء وزور يمتلىء ظلما لرب العالمين جل وعال‬

‫الفصل الثالث عشر ‪ :‬إبتداع وظيفة القصص فى المسجد بعد الصالة‬

‫مقدمة‬
‫بإستغالل المسجد والصالة فيه سياسيا تأسست وظيفة (القصص ) فى الدعاية للسلطان القائم ‪ ،‬أو ضده ‪ ،‬نوعا من الحرب‬
‫الفكرية ‪ ،‬باالضافة الى تحول المسجد أحيانا الى مركز للقتال أو التخطيط للقتال ‪ .‬وهذا تواتر جديد شيطانى حافظ عليه األمويون‬
‫ثم العباسيون ‪ .‬وانتهى فى العصر المملوكى وحّل محّله (ميعاد البخارى ) ‪ .‬وظيفة القصص كانت تعدل فى أهميتها وظيفة‬
‫‪ :‬القضاء ‪ ،‬اى وظيفة دينية ولكن تتبع المسجد ‪ .‬ونعطى تفصيال‬
‫أوال ‪ :‬قبل العصر األموى‬
‫ـ بدأت فى عصر عمر بن الخطاب ‪ ،‬فيقال أن أبا عاصم ( عبدهللا بن عمير ) كان أول قاص فى عصر عمر بن الخطاب ‪1 " .‬‬
‫‪ ( .‬ابن سعد ‪)342 :341 ،5‬‬
‫ـ والسمة الرئيسة التى تجمع كل القصاص هو صناعتهم لألحاديث ‪ ،‬ومثال يقال عن سلمان بن األغر ( مولى جهينة ) كان ‪2‬‬
‫قاصا ‪ ،‬وروى عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة ( ابن سعد ‪ )210 /5‬ويقال عن بى األحوص (كان يحدث فى المسجد ‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬ثقة وله أحاديث) (ابن سعد ‪)6/126‬‬
‫ـ وهناك خالف فى بداية القصص ‪ .‬قال المؤرخ القضاعي أنه لم يقص في زمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال أبي بكر ‪3‬‬
‫وال عمر وال عثمان ‪ ،‬وإنما كان القصص في زمن معاوية ‪ .‬وذكر بعضهم أن القصص جاء في خالفة عثمان بن عفان‪ .‬وهناك‬
‫خالف فى أول من قام بالقصص ‪ ،‬قيل هو تميم الداري‪ .‬وقيل إن علًي ا رضي هللا عنه قنت فى صالته فدعا على قوم من أهل‬
‫حربه فبلغ ذلك معاوية فأمر رجاًل يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له وألهل الشام ‪ ،‬وكان ذلك أول القصص‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فى العصر األموى‬
‫ــ جعل الليث بن سعد نوعين من القصص ‪ :‬قصص العامة وقصص الخاصة ‪ " ،‬فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه ‪1‬‬
‫النفر من الناس يعظهم ويذكرهم ‪ ..‬وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ولى رجاًل على القصص ‪ ،‬فإذا سلم من صالة‬
‫الصبح جلس وذكر هللا عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبي صلى هللا عليه وسلم ودعا للخليفة وألهل واليته ولحشمه‬
‫‪ .‬وجنوده ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة‪ ." .‬والمستفاد من هذا أن معاوية هو الذى جعل القصص وظيفة رسمية‬
‫ـ إستغل األمويون خطبة الجمعة فى الدعاية لهم ‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا إلى جانب وظيفة الوالى والقاضى وصاحب ‪2‬‬
‫الخراج وقائد العسكر وظيفة أخرى فى كل الواليات هى القصص‪ .‬وكان أحيانا يتولى القصص والقضاء شخص واحد مما يدل‬
‫على أهمية وظيفة القصص فى ذلك الوقت ‪ .‬وكان القاّص يجلس فى المسجد بعد الصالة يقّص على الناس أخبار السابقين‬
‫ويعظهم ويخلط كالمه بأحاديث مخترعة وروايات مختلفة ومن خالل السيطرة على السامعين يدعو للسلطة األموية ‪ ،‬وال ينسى‬
‫أن يختم حديثه بلعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) ‪ .‬وكانت الروايات فى معظمها يخترعها الراوى نفسه ‪ .‬ولكى يجذب‬
‫القاص إهتمام العامة كان يكثر من الخرافات وينسب قصصه للنبى محمد عليه السالم واألنبياء السابقين‪ .‬وألن العصر األموى‬
‫هو عصر الروايات الشفهية فقد تم تداول هذ القصص عبر األجيال ونما وتكاثر إلى أن أتيح له التدوين فى العصر العباسى على‬
‫أنه أحاديث نبوية أو قصص األنبياء وعليه قام ما يسمى علوم الحديث والتفسير ‪ .‬ودعاة تنقية التراث فى عصرنا يطلقون على‬
‫بعض هذه القصص إسم إسرائيليات نظرا ألنهم اكتشفوا أخيرا تشابها بين تلك الروايات وما جاء فى المصادر التراثية السابقة‬
‫‪ .‬ألهل الكتاب‬
‫ـ ومن مشاهير القصاصين فى العصر األموى أبوهريرة وهو أيضا أشهر من إخترع األحاديث ‪ ،‬وقد إنضم الى األمويين وكان ‪3‬‬
‫واليا لهم على المدينة ‪ .‬ومن تالمذته عبد الرحمن ابن حجيزة (ت ‪ )83‬وقد اجتمعت له فى مصر فى الدولة األموية ثالث‬
‫وظائف هى القضاء و القصص و بيت المال ‪ ،‬وكان يأخذ رزقه من القضاء مائتي دينار ‪ ،‬وعطاؤه مائتا دينار ‪ ،‬وجائزته مائتا‬
‫‪ .‬دينار ‪ ..‬الخ ( تاريخ المنتظم البن الجوزي ‪)254 : 6/253‬‬
‫ـ وقد قابل المعارضون للدولة األموية قصصها الرسمي بقصص أخر ‪ ،‬وبذلك تحول القصص الى حرب فكرية اسلحتها ‪4‬‬
‫الروايات و الحكايات واألحاديث‪ .‬وأشهر معارضى الدولة األموية سعيد بن جبير ـ والذى قتله الحجاج سنة ‪ 94‬ــ كان من أشهر‬
‫القصاص وأشهر الفقهاء أيضا ‪ .‬كان يقّص كل يوم ألصحابه فى المسجد مرتين‪ .‬بعد صالة الفجر ‪ ،‬وبعد صالة العصر (ابن سعد‬
‫‪ )180 /6‬ورفيقه ابراهيم التيمي كان أيضا من ضحايا الحجاج ‪ ،‬وكان من القصاص أيضا‪ .‬قيل فيه ‪ ":‬إنى أحسبه يطلب‬
‫‪.‬بقصصه وجه هللا" ‪ ،‬وحين بدأ ابراهيم التيمي بالقصص أخرجه ابوه من المنزل خوفا من الحجاج (ابن سعد ‪)6/200‬‬
‫واشتهر المرجئة كطائفة سياسية وفكرية فى العصر األموي ‪ ،‬توسطوا بين الشيعة واألمويين ‪ ،‬وكان منهم من احترف‬
‫القصص ‪ ،‬مثل ذر بن عبد هللا ‪ ،‬قيل عنه "من أبلغ الناس فى القصص ‪ ،‬وكان مرجئا ‪ ،‬وخرج مع القراء ( الفقهاء) مع ابن‬
‫األشعث فى الثورة على الحجاج ‪ .‬وشارك فى هذه الثورة سعيد بن جبير ‪ ،‬وهناك ايضا عمرو بن ذر وكان قاصا مرجئا أيضا‬
‫‪ (.‬ابن سعد ‪)252 ، 6/205‬‬
‫ـ وبسبب االختالفات المذهبية والسياسية فقد تنوعت المواقف من القصص و القصاص ‪ .‬فيقال فى مدح صالح المرى أنه ‪5‬‬
‫(كان اذا قص فى المسجد ازدحم الناس للصالة والجلوس اليه)( ابن سعد ‪ .)7/2/39‬بينما كان سالم مولى عمر بن الخطاب‬
‫(اليشهد قاّص جماعة وال غيره ‪ ( )..‬ابن سعد ‪ )5/148‬هذا فى الوقت الذى استمع فيه عبد هللا بن عمر الى أحد القصاص وهو‬
‫عبيد بن عمير فدمعت عيناه ( ابن سعد ‪ .)124 ،4/119‬وبعضهم كان ينصح بمجالسة القصاص غير ابي األحوص ‪ ،‬وال‬
‫‪ .‬تجلسوا شقيقا ‪ ،‬وليس بأبي وائل وال سعد بن عبيدة) وقد مات السلمى فى خالفة عبد الملك بن مروان (ابن سعد ‪)6/120‬‬
‫ثالثا‪ :‬قصاصون عاشوا العصرين األموى والعباسى‬
‫ـ وبعض القصاصين أدرك الدولتين األموية و العباسية مثل الجعفى الذى كان امام مسجد جعفى مدة ستين عاما ‪ .‬واحترف ‪1‬‬
‫‪ .‬القصص فيه ‪ ،‬ومات فى خالفة ابي جعفر المنصور ( ابن سعد ‪ .)6/254‬على أن اشهرهم األوزاعى واألعمش‬
‫ـ األوزاعى ( ‪ ) 157 : 88‬كان مقربا من األمويين ونجح بدهائه فى أن يحظى فى عهد العباسيين حين إخترع لهم حديث ‪2‬‬
‫‪.‬الردة ليبرر قتلهم األمويين ‪ ،‬والتفاصيل فى كتابنا عن ( حد الردة )‬
‫إشتهر األوزاعى فقيها وقّص اصا بسبب جرأته الفائقة فى الكذب ‪ ،‬والعوام تصغى الى زخرف القول أو المزخرف ‪2 / 1 :‬‬
‫‪،‬بالمبالغات ( أألنعام ـ ‪) 113‬‬
‫وإشتهر من قصص األوزاعى ما رواه ابن الجوزى فى المنتظم عن قول األوزاعى ‪2 / 2‬‬
‫رأيت رب العزة في المنام فقال لي‪ :‬يا عبد الرحمن أنت الذي تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر ؟ قلت‪ :‬بفضلك يا (‪2 / 2 / 1 :‬‬
‫)رب‪ .‬فقلت‪ :‬يا رب أمتني على اإلسالم فقال‪ :‬وعلى السنة ‪.‬‬
‫األوزاعي قال‪ :‬أردت بيت المقدس فرافقت يهودًي ا فلما صرنا إلى طبرية نزل فاستخرج ضفدًع ا فشد في عنقه ‪2 / 2 / 2 :( ..‬‬
‫خيًط ا فصار خنزيًر ا فقال‪ :‬حتى أذهب فأبيعه من هؤالء النصارى فذهب فباعه وجاء بطعام ثم ركبنا فما سرنا غير بعيد حتى جاء‬
‫القوم في الطلب فقال لي‪ :‬أحسبه صار في أيديهم ضفدًع ا ‪.‬قال‪ :‬فحانت مني التفاتة فإذا بدنه بناحية ورأسه بناحية فوقفت وجاء‬
‫القوم فلما نظروا إليه فزعوا ورجعوا عنه ‪.‬قال‪ :‬فقال لي الرأس‪ :‬رجعوا ؟ قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬فالتأم الرأس إلى البدن وركب وركبنا‬
‫)‪ ..‬فقلت‪ :‬ال أرافقك أبًدا‬
‫ـ األعمش ( سليمان بن مهران ‪ ) 148 : 61 :‬كان أخطر الدعاة للعباسيين يؤلف لهم األحاديث وينشرها فى مجالس قصصه ‪3‬‬
‫ضمن خرافات شّي قة عن السابقين ‪ ،‬صارت أساسا فى كتب الحديث والتفسير والتاريخ لألنبياء والسيرة ‪ ،‬وهى أحاديث كاذبة‬
‫تنسب علم الغيب للنبى محمد عليه السالم بالتناقض مع القرآن الكريم ‪ .‬ونعطى نماذج منها نقال عن تاريخ المنتظم البن الجوزى‬
‫‪:‬‬
‫‪ :‬فى الدعاية للعباسيين ‪3 / 1 :‬‬
‫عناألعمش عن عطية عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬يخرج منا رجل انقطاع من‪3 / 1 / 1 : ( ...‬‬
‫‪ .‬هذا عن السفاح اول الخلفاء العباسيين ) الزمن وظهور من الفتن يسمى السفاح يكون عطاؤه للمال حثًي ا‪.‬‬
‫عناألعمش عن الضحاك بن مزاحم عن عبد هللا بن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه قال‪":‬منا ‪3 / 1 / 2 : ( ..‬‬
‫) السفاح والمنصور والمهدي"‪.‬‬
‫خرافات األعمش عن خلق الشمس والقمر والنجوم ‪( :‬حدثنااألعمش‪ ..‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬لما ابرم ‪3 / 2 :‬‬
‫هّللا عز وجل خلقه فلم يبق غيرادم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان في سابق علمه ان يطمسها ويحولها قمًر ا فانه‬
‫خلقها دون الشمس في الضوء ولوتركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ولكان الصائم ال يدري الى متى يصوم فارسل جبريل‬
‫فامر جناحه على وجه القمر ثالث مرات فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور وخلق للشمس عجلة لها ثلثمائة وستون عروة ووكل‬
‫بها ثالثمائة وستين ملًك ا قد يعلق كل ملك بعروة واذا اراد ان يري العباد اية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد‬
‫الشمس تحت العرش بمقدار الليل ثم تؤمر بالطلوع فاذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم‬
‫يعود الى ما خلق هّللا "‪) .‬‬
‫‪ :‬خرافات األعمش عن قصص السابقين ‪4 :‬‬
‫عن إبنى آدم ( حدثنااألعمش ‪ : ..‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ال تقتل نفس ظلًم ا اال كان على ابن ادم األول ‪4 / 1 :‬‬
‫كفل من دمها " النه كان اول من سن القتل‪ ) .‬قال ابن الجوزى عن هذا الحديث الكاذب ‪( :‬اخرجاه في الصحيحين‪ ) .‬فماذا عن‬
‫!قاعدة ( أاّل تزر وازرة وزر أخرى ) ؟‬
‫عن يونس والحوت ‪ .. ( :‬حدثنا األعمش ‪ ..‬لما التقم الحوت يونس نبذة الى قرار األرضين فسمع تسبيح الحصى في ‪4 / 2 :‬‬
‫الحماة فذلك الذي نابه‪) .‬‬
‫عن قارون وكنوزه ‪ ( :‬وروى األعمش ‪ ..‬قال‪ :‬كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل اإلصبع كل مفتاح ‪4 / 3 :‬‬
‫على خزانة على حدة فاذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغاًل ‪).‬‬
‫عن الكفل ‪ ( :‬اخبرنااألعمش ‪ ...‬قال‪ :‬لقد سمعت عن رسول هللا صلى هللا علية وسلم ‪ ..‬كان الكفل من بني اسرائيل ال ‪4 / 4 :‬‬
‫يتورع من ذنب فاتته امراة فاعطاها ستين دينارا على ان يطاها فلما قعد منها مقعد الرجل من امراته ارعدت وبكت فمال‪:‬‬
‫ما يبكيك اكرهتك‪ .‬قالت‪ :‬ال ولكن هذا عمل لم اعمله قط وانما حملني على ذلك الحاجة قال‪ :‬فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ثم نزل‬
‫فقال‪ :‬اذهبي والدنانير لك ثم قال‪ :‬واللة ال يعصي اللة الكفل ابًد ا فمات من ليلته فاصبح مكتوًب ا على بابه قد غفر هّللا للكفل ")‬
‫حظيت خرافات األعمش بالتقدير والتقديس ‪ ،‬ومأل الطبرى بها مقدمة تاريخه ‪ ،‬وكذلك فعل ابن الجوزى ‪ ،‬وتأسست بها ‪5 :‬‬
‫أساطير الدين الُّس ّن ى ‪ .‬يروى ابن الجوزى فى تاريخ المنتظم ‪/ 8‬عام ‪ 170‬أن الخليفة الرشيد ( وكان الرشيد معظًم ا للسنة‬
‫شديد النفور من البدع ‪ ).‬ويؤكد هذا بقصة أن أحدهم كان يقرأ حديث األعمش فى مجلس للرشيد ‪ .. ( :‬قال محمدبن حازم‪ :‬كنت‬
‫اقرا حديث األعمش ‪ ..‬على امير المؤمنين هارون فكلما قلت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬صلى هللا على سيدي‬
‫وموالي‪ ،‬حتى ذكرت التقاء ادم وموسى ‪ ،‬فقال عمه‪ :‬يا محمد اين التقيا؟ فغضب هارون الرشيد وقال‪ :‬من طرح اليك هذا ‪،‬‬
‫وأمر به فحبس ‪ ) ،‬أى ألنه تساءل ‪ :‬أين التقى موسى بآدم حبسه الرشيد ‪ .‬هذا ألن القصص كان وظيفة دينية مرتبطة بالصالة‬
‫‪ .‬وبالمسجد‬
‫الفصل الرابع عشر ‪ :‬من القصاص الى ميعاد البخارى‬
‫مقدمة‬
‫ـ من مجالس القصص تأسست معالم الدين الُّس ّن ى بالذات ‪ ،‬األقاصيص كانت ٌت نسب أحاديث للنبى محمد بعد موته ‪ ،‬وتم ‪1‬‬
‫تدوينها على أنها دين ووحى إالهى ‪ ،‬وتفرعت الى تفسير وحديث وعلوم قرآن وتشريعات وقصص عن األنبياء السابقين واألمم‬
‫السابقة ‪ ،‬وما جاء فى القرآن الكريم عن خلق السماوات واألرض وقصص السابقين علقوا عليه بخرافات القصاصين ‪ .‬كان هذا‬
‫فى العصر العباسى ‪ .‬فى العصر المملوكى إنتهى دور القصاصين وتوقف دور القصاصين الدعائى والسياسى ‪ .‬وتوقف االبتكار‬
‫فى تأسيس األديان األرضية بعد أن إستقرت دعائمها فى العصر العباسى ‪ ،‬لم يعد أمام فقهاء العصر المملوكى سوى الرقص‬
‫على ما قاله السابقون ‪ .‬لذا تحول الفقهاء العباسيون الى إئمة مقدسين فى العصر المملوكى من ائمة الحديث والفقه ( ابو حنيفة‬
‫ومالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم ‪..‬الخ ) وترسخت المذاهب الفقهية األربعة وتأسس القضاء بين الناس على‬
‫المذاهب األربعة ‪ ،‬والويل لمن ينتقد أو يعترض على األئمة ‪ .‬وحظى البخارى بالذات بتقديس أعظم ‪ .‬وتحولت مجالس القصص‬
‫‪.‬فى المسجد الى ما يعرف بميعاد البخارى‬
‫‪ :‬ـ ونعطى تفصيال ‪2‬‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬قيمة البخارى في العصر المملوكى‬
‫ـ ( صحيح البخارى ) كان ــ وال يزال ــــ الكتاب المقدس للشريعة السنية للعصر المملوكى ‪ ( ،‬صحيح البخارى ) هو ‪1‬‬
‫مجّر د( صنم فكرى ) فى عالقته بتطبيق الشريعة الّس نية فى العصر المملوكى الذى كان يتم بقضاة القضاة األربعة‪ ،‬والذين لم‬
‫يتقّي دوا بنصوص البخارى ‪ ،‬بل حتى لم يتقّي دوا بنصوص مذاهبهم فالحكم كان بالهوى وبالرشوة وبالفساد وبرضا السلطان‬
‫وأهوائه ‪ .‬والقاضى يقوم بدورين ‪ :‬التشريع ‪ ،‬أى يصيغ الحكم ‪ ،‬والقضاء أى يقضى به ‪ .‬وليس للبخارى شأن فيما يحكم به ‪.‬‬
‫وحتى لو أرادوا التقيد بما فى البخارى فهو فى نهاية األمر يعّب ر عن ظروف عصره فى الدولة العباسية فى القرن الثالث‬
‫الهجرى ‪ ،‬وهى ليست نفس ظروف العصر المملوكى وسالطينه وثقافته ومفاهيمه ‪ .‬و( صحيح البخارى ) هو أيضا مجّر د صنم‬
‫فكرى بالنسبة للدراسات التى أقيمت حوله فى العصر المملوكى أو عصرنا البائس ‪ .‬فالذين يهيمون فى البخارى تقديسا من‬
‫‪ .‬العوام وفقهاء العوام ال يفقهون شيئا فى كتاب البخارى‪ ،‬هو مجرد تقديس دون علم أو عقل شأن المعتاد لدى المشركين‬
‫ــ لم تكن لكتاب البخارى كل هذه القدسية فى العصر العباسى فقد تعّر ض البخارى للنقد واالستدراك عليه ‪ ،‬وتابع أئمة الحديث ‪2‬‬
‫التأليف بعده مخالفين له فى إثبات حديث أو نفيه‪ .‬ولو كان البخارى هو القول الفصل فى الدين الّس نى لما جرؤ أحد على التأليف‬
‫‪ .‬بعده‪ ،‬ولكن تكاثرت مؤلفات العصر العباسى فى الحديث منفصلة عن البخارى مستقلة عنه‬
‫ــ إختلف الوضع فى العصرين المملوكى والعثمانى‪ ،‬حيث تكاثر( المريدون ) حول صنم البخارى يطوفون حوله تقديسا ‪3‬‬
‫وتمجيدا وشرحا وتفسيرا وترتيال ‪ ،‬و تمت إضافة صنم البخارى الى أصنام صوفية أخرى حجرية من القبور المقدسة ‪ ،‬أو‬
‫بتعبير آخر كان هناك ( صحيح البخارى أو ضريح البخارى ) جنبا الى جنب مع آالف األضرحة والقبور المقدسة ‪ ،‬وحول ضريح‬
‫البخارى واألضرحة األخرى يطوف المجاذيب والمريدون تقديسا وتبركا بطرق مختلفة ‪ ،‬ولكن تتفق كلها فى غياب العقل وعداء‬
‫‪.‬هللا جّل وعال ورسوله عليه السالم‬
‫ـ تضاءل فى العصر المملوكى الفارق بين ( العالم المحّق ق ) مثل إبن حجر العسقالنى والعينى و السخاوى وبين أوباش ‪4‬‬
‫ومجاذيب الصوفية فيما يخص تقديس البشر؛ هذا يقّد س كتابا ( صحيح البخارى ) وذاك يقّد س وليا صوفيا حّي ا أو مقبورا ‪،‬‬
‫والفريقان معا فقدا العقل وااليمان باالسالم وحتى بكرامة االنسان التى تجعله أفضل من الحيوان ‪ .‬السبب أّن سيطرة التصوف‬
‫بدءا من القرن السابع الهجرى الثالث عشر الميالدى هبطت بمستوى الفقهاء السنيين الى مرتبة التقليد ‪ ،‬وجعلت الّس نة تابعة‬
‫للتصوف ‪ ،‬وفق هذا المزيج المشّو ة المسمى بالتصوف السنى ‪ ،‬والذى يحصر الّس ّن ة فى العبادات والتطبيق المظهرى األحوال‬
‫الشخصية للقضاة المذاهب األربعة وتقديس أئمة الحديث ( خصوصا البخارى ) وأئمة المذاهب ‪ ،‬مقابل التسليم للتصوف‬
‫وكراماته وأوليائه وخرافاته ‪ .‬هذا التسليم أوالتقليد قام بتحويل (تقدير) أئمة الحديث والفقه الى (تقديس)‪ ،‬برعاية التصوف ‪،‬‬
‫الذى خّص البخارى بالذات ألن كتابه تضمن بعض األحاديث التى تعلى وتقّد س األولياء الصوفية مثل حديث ( من عادى لى وليا‬
‫فقد آذنته بالحرب ) وهو الحديث الذى يسّو غ عقيدة االتحاد الصوفية ( كنت يده التى يبطش بها ‪..‬الخ )‪ .‬وإذا كان مألوفا فى هذا‬
‫العصر تقديس البشر والحجر وتأليه المجانين ( المجاذيب ) فمن األسهل تقديس األئمة السابقين ‪ ،‬حيث غاب العقل فى أجازة‬
‫‪ .‬مفتوحة مفسحا الطريق ألن تتحول الخرافات الى كرامات‬
‫ــ ومن الطبيعى بعدئذ أن يقام إحتفال يستمر شهر رمضان ـ ليس لتالوة القرآن الذى نزل فى رمضان ‪ ،‬ولكن لترتيل البخارى ‪5‬‬
‫والتبارى فى حفظ واستظهار ما فيه من أحاديث بمتونها وسندها ‪ .‬ومثل تعاملهم مع القرآن بالتفسير فقد وضعوا فى العصر‬
‫المملوكى شروحا وتفاسير للبخارى إزدادت بمرور الزمن‪ ،‬حيث دارت الحركة ( العلمية ) حول صحيح أو ضريح البخارى‪.،‬‬
‫‪ :‬ويطول بنا إستعراض المؤلفات فى هذا المضمار ‪ ،‬ولكن نعطى أمثلة سريعة‬
‫فالمؤرخ المحّد ث الفقيه الحافظ قاضى القضاة شهاب الدين إبن حجر ( ‪ ) 852 : 773‬كتب ( فتح البارى فى شرح ‪5 / 1 :‬‬
‫‪ .‬صحيح البخارى) فى ‪ 15‬جزءا ‪ ،‬وقد ظّل يؤلفه ‪ 20‬عاما‪ ،‬وله أيضا ( تغليق التعليق فى وصل معلقات البخارى‪).‬‬
‫ومثله القاضى بدر الدين العينى ( ‪ :) 855 :762‬كتب ( عمدة القارى فى شرح صحيح البخارى ) وأيضا استغرق ‪5 / 2 :‬‬
‫‪.‬العيني في تأليفه عشرين سنة‬
‫شهاب الدين القسطالنى الذى شهد عصر قايتباى ومات بعد عامين من سقوط الدولة المملوكية ( ‪ ) 923 : 851‬له ‪.5 / 3 :‬‬
‫‪.‬كتاب ‪ (:‬إرشاد السارى فى شرح صحيح البخارى )‬
‫والمؤرخ المحّدث الحافظ شمس الدين الّس خاوى ( ت‪ 902‬هـ) ‪ ،‬وله فى ميعاد البخارى كتاب‪ (:‬تحفة السامع والقاري ‪5 / 4 :‬‬
‫‪.‬بختم صحيح الجامع )‬
‫وكتاب السخاوي هذا يعتبر من أهّم المصنفات المعروفة بكتب الختم فى موضوعنا عن ‪ (:‬ميعاد البخارى) ‪ ،‬ومنها‪5 / 5 :‬‬
‫العناوين اآلتية ‪ (:‬مجالس في ختم صحيح البخاري)( كتاب تحفة القارئ عند ختم صحيح البخاري)( بداية القارئ في ختم‬
‫‪.‬صحيح البخاري ) و( شرح ختم صحيح البخاري)‬
‫‪ .‬أّم ا بقية الكتب التى عكفت على صحيح البخارى نفسه فى العصر المملوكى فهى كارثة مؤلمة يطول حصر عددها‪5 / 6 :‬‬
‫ولكّن الذى ننّب ه له هنا أن كل هذا التأليف ال يعدو أن يكون تهريجا وتهجيصا‪ ،‬فقد تغافل الجميع فى رقصهم المحموم ‪5 / 7 :‬‬
‫حول صنم البخارى عّم ا جاء فيه من طعن فى رب العزة والرسول عليه السالم والقرآن ودين االسالم‪ .‬وبعض(المحققين) كانت‬
‫سقطته أكبر من بقية (المغفلين)‪ ،‬فأولئك ( المحققون) بذلوا جهدهم فى التأويل والتلفيق والتعليل والّلف والدوران سترا‬
‫‪ .‬لعورات البخارى وتعصبا له ضد رب العزة والرسول عليه السالم‬
‫ـ والطريف أننا حين بدأنا فضح البخارى فى ندواتنا ومؤلفاتنا بعد قراءة متعمقة له فوجئنا بأن أكثر الناس تعصبا للبخارى فى ‪6‬‬
‫( األزهر ) وخارجه ال يعرفون عنه شيئا ‪ ،‬بل المضحك أنهم أيضا فوجئوا بما نستشهد به من أحاديث البخارى التى تطعن فى‬
‫االسالم ورب العّز ة جل وعال ورسول االسالم عليه السالم‪،‬وكان تعبيرهم عن هذه المفاجأة إضطهادا وسّب ا وشتما ال يزال ينهال‬
‫علينا‪ .‬ومن يشاهد برنامجنا ( فضح السلفية ) الذى يستعرض فضائح وآثام البخارى يتأّك د من هذا ‪ ،‬ويستغرب كيف لم يلتفت‬
‫الى هذه الفضائح البخارية أولئك الذين أنفقوا أعمارهم فى العصرين المملوكى عاكفين حول البخارى تقديسا وترتيال وتأليفا‪.‬‬
‫وهذا يؤّك د أن تقديس البشر والحجر يضع حجابا على العقل فيجعل االنسان يفقد التمييز ‪ ،‬بل يجعله فى مرتبة أقّل من الحيوان ‪.‬‬
‫وصدق هللا جل وعال ‪َ( :‬أَر َأْي َت َم ْن اَّتَخ َذ ِإَلَه ُه َه َو اُه َأَفَأْن َت َتُك وُن َع َلْي ِه َو ِكيًال (‪َ )43‬أْم َت ْح َسُب َأَّن َأْك َث َر ُه ْم َيْس َمُع وَن َأْو َيْع ِقُلوَن ِإْن ُه ْم‬
‫ِإَّال َك اَألْن َع اِم َب ْل ُه ْم َأَض ُّل َس ِبيًال (‪ ( )44‬الفرقان )‬
‫‪.‬ــ هذه مقدمة لملمح هام من مالمح عصر قايتباى ‪ ،‬وهو ( ميعاد البخارى ) ‪7‬‬
‫ميعاد البخارى فى عصر قايتباى كما جاء فى ( إنباء الهصر ) البن الصيرفى‬
‫ــ كان ميعاد البخارى أحد المناسبات الدينية في أيام قايتباى وفي المقابل لم يكن هناك ميعاد لقراءة القرآن الكريم أو احتفال ‪1‬‬
‫بأى كيفية بختمة كما كانوا يفعلون عند ختم البخارى‪ .‬ولم يكن االهتمام بتالوة البخارى وختمه مقصورًا على السلطة المملوكية‬
‫بل تعداه إلى العلماء‪ ،‬وأولئك العلماء كان منهم أصحاب سلطة ونفوذ مثل الشيخ كمال الدين النويرى ت‪ 873‬الذى كان يعقد‬
‫ختمًا للبخاري على حسابه الخاص‪ ،‬يقول عنه ابن الصيرفي ‪ ( :‬قرئ عليه صحيح البخارى في األشهر الحرم‪ ،‬وكان يختم‬
‫البخارى باألزهر‪ ،‬ويصنع يوم الختم أمورًا كثيرة من الخلع واإلحسان للطلبة خارجًا عن المأكل والمشرب ‪ ،‬وكذلك كان يفعل‬
‫‪ .‬بمكة‪).‬‬
‫ــ واآلخرون من العلماء كان لهم ارتباط آخر بالبخارى‪ ،‬وكان إرتباطا نفعيا ماديا يمثل لهم موردًا اقتصاديًا ثابتًا يتمثل في ‪2‬‬
‫(ُصّر ة البخارى) أو المنحة التى يأخذونها كل عام بسبب حضورهم ميعاد البخارى وختم البخاري‪ ،‬فالشيخ برهان الدين الحلبي‬
‫ت‪ ( 875‬رّت بوا له ( أى جعلوا له راتبا ) في الميعاد البخارى ُصّر ة بألف درهم في كل سنة‪ ،‬وكان السلطان يحسن إليه بالذهب‬
‫وبإهدائه الكتب مثل كتاب البخارى)‪ .‬وحين مات ابن التنسي في شوال ‪ 875‬توارث العلماء مناصبه وكان منها (ُصّر ته في‬
‫البخارى )‪،‬يقول مؤرخنا‪ (:‬فأخذ ُصّر ته في البخارى عمر بن موسى اللقانى ‪ ،‬وقيل أن ابن اللقاني أخذ الجوالى أى المرتبات‬
‫والشيخ عباس المغربي المالكي أخذ ُصّر ة البخارى‪ .).‬لذلك كان يقول ابن الصيرفي يعبر عن حزن العلماء في شعبان ‪: 875‬‬
‫‪ (.‬كان القصر بطاًال من الخدمة ولم ُي قرأ البخارى )‪ ،‬أى تعطل ميعاد البخارى وقتها فأصبح القصر السلطانى بطاًال‬
‫ــ وبعض مشاهير القرن التاسع كان له ( منصب ورزق وصرة في البخارى‪ .).‬فابن الحفار الواعظ ت ‪ 876‬أشهر القراء ‪3‬‬
‫والمنشدين في عصره ( كان مرصدًا إلنشاد المديح في ختم البخاري عند شيخ اإلسالم ابن حجر) العسقالنى ‪ .‬والبقاعي أحد‬
‫علماء الحديث وخصم الصوفية اللدود قال عنه مؤرخنا أن القاضى ابن حجر العسقالنى رّقاه حتى جعله قارئ البخارى في‬
‫‪.‬القصر بقلعة الجبل بحضور السلطان في دولة الظاهر جقمق وكان يثني على قراءته وفصاحته‬
‫‪:‬بداية االحتفال بميعاد البخارى‬
‫ــ وقد بدأ االحتفال بميعاد البخاري ألول مرة في سلطنة األشرف شعبان‪ ،‬وذلك يوم االثنين أول رمضان ‪ ، 775‬ويقول ‪1‬‬
‫المقريزي في تاريخ ذلك اليوم ‪ ( :‬وفيه استجد السلطان عنده بالقصر من قلعة الجبل قراءة كتاب صحيح البخارى في كل يوم‬
‫من أيام شهر رمضان بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم تبركًا بقراءته لما نزل بالناس من الغالء‪ ،‬فاستمر ذلك وتناول‬
‫‪.‬قراءته شهاب الدين أحمد إبن العرياني وزين الدين عبد الرحيم العراقي لمعرفتهما علم الحديث‪ ،‬فكان كل واحد يقرأ يومًا‪).‬‬
‫ـ ثم حدث تطور في طقوس ميعاد البخارى‪ ،‬شرحها المقريزي في أحداث شهر شعبان ‪827‬هـ يقول ‪ ( :‬وفيه ابتدئ بقراءة ‪2‬‬
‫صحيح البخارى بين يدى السلطان‪ ،‬وحضر القضاة ومشايخ العلم ‪ ).‬إلى أن يقول‪ ( :‬وكانت العادة من أيام األشرف شعبان أن‬
‫يبدأ بقراءة البخارى أول يوم شهر رمضان‪ ..‬ويختم في سابع عشرينه ويخلع على قاضى القضاة ويركب بغلة رائعة تخرج له‬
‫من االسطبل السلطانى‪)،‬‬
‫‪:‬خناقات في ميعاد البخاري‬
‫ـ نستكمل ما قاله المقريزى ‪ ... ( :‬ولم يزل األمر على هذا حتى تسلطن المؤيد شيخ فابتدأ القراءة من أول شهر شعبان إلى ‪1‬‬
‫سابع عشرين من شهر رمضان‪ ،‬وطلب قضاة القضاة األربع ومشايخ العلم وتحرر عدة من الطلبة يحضرون أيضَا فكانت تحدث‬
‫بينهم بحوث يسيء بعضهم فيها إساءات منكرة‪ ،‬فجرى السلطان األشرف برسباى على هذا واستجد حضور المباشرين وكثر‬
‫الجمع وصار المجلس جميعه صياحًا ومخاصمات يسخر منها األمراء وأتباعهم‪ . ).‬أى تحّو ل الحفل الى تهريج وتهجيص يعّب ر‬
‫عن مضمون البخارى ‪ ،‬ثم ما لبث التهريج والتهجيص فى عصر األشرف برسباى أن تحول فى عصر قايتباى الى خصام‬
‫‪.‬وخناقات بين ( الشيوخ والفقهاء و العلماء )‬
‫ـ وإنتقد شيخ المؤرخين المصريين المقريزي فى تاريخ (السلوك) ما كان يحدث في ختم البخارى فيقول عن أحداث األربعاء ‪2‬‬
‫‪ 23‬رمضان ‪ (: 841‬ختمت قراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل‪ ،‬وقد حضر قضاة القضاة األربع وعدة من‬
‫مشايخ العلم وجماعة من الطلبة كما جرت العادة من أيام المؤيد شيخ‪ )،‬ويقول المقريزي منتقدا ما كان يحدث‪ (:‬وهو منكر في‬
‫صورة معروف ‪ ،‬ومعصية في زى طاعة ‪ ،‬وذلك أنه يتصدى للقراءة من ال عهد له بممارسة العلم ‪ ،‬لكنه يصّح ح ما يقرأه ‪،‬‬
‫فيكثر لحنه وتصحيفه وخطؤه وتحريفه‪ ،‬هذا ومن حضر ال ينصتون لسماعه‪ ،‬بل دأبهم دائمًا أن يأخذوا في البحث عن مسألة‬
‫يطول صياحهم فيها حتى يفضى بهم الحال إلى اإلساءات التى تؤول إلى أشد العداوات وربما كّف ر بعضهم بعضًا ‪ ،‬وصاروا‬
‫‪.‬ضحكة لمن عساه يحضرهم من األمراء والمماليك‪).‬‬
‫ــ إزداد األمر سوءا فى عصر قايتباى ولكّن مؤرخنا ابن الصيرفي لم يكن على مستوى المقريزي في ثقافته وال في نقده ‪3‬‬
‫وجرأته‪ ،‬لذا كان يشير إلى بعض المساوئ من طرف خفي‪ ،‬فإذا كان المقريزي قد وصف ما كان يحدث من خصومات بين‬
‫المشايخ أثناء قراءة البخاري فإن مؤرخنا يشير إلى أحداث مماثلة ولكن بصورة عرضية كأن يقول عن قاضى قضاة الحنفية‬
‫إبراهيم الديري ت‪ ، 876‬أّن ه بعد عزله كان يحضر مجلس البخارى بالقلعة بصفته شيخ الخانقاه المؤيديه ويجلس تحت قاضى‬
‫الحنابلة‪ ،‬وأّن ه بحث مرة في مجلس البخاري بالقلعة بحضور السلطان الظاهر خشقدم مسألة مع شيخ اإلسالم الكافيجي فقطعه‬
‫الكافيجي أى غلبه ( وقهره بحضور الجمع الغفير‪ .).‬فهنا إشارة الى مشاجرة بين شيخين كبيرين ( الديرى والكافيجى )‪ ،‬ولكن‬
‫‪.‬تم التعمية علي تفصيالتها وما دار فيها من شجار وتنابز باأللقاب حرصا من إبن الصيرفى على مكانة شيخه الكافيجى‬
‫‪:‬مراسيم ميعاد البخاري في عصر قايتباى‬
‫ــ كانت العادة أن يجتمع بالقلعة طائفة من القّر اء والفقهاء لقراءة وترتيل البخارى كل ليلة الى أن يتم ختم البخارى ‪ ،‬فيقام له ‪1‬‬
‫حفل الختم في رمضان‪ .‬ويبدأ برجب أو شعبان‪ ،‬وفي حفل الختام يخلع السلطان على القضاة والمشايخ والفقهاء والقراء‪ ،‬وكانت‬
‫‪.‬العادة أن تبدأ القراءة بالقلعة ثم يكون حفل الختم بالقصر الكبير‬
‫ــ ونورد بعض ما جاء بتاريخ الهصر ‪ :‬في يوم األربعاء ‪ 3‬رجب ‪ 875‬يقول مؤرخنا‪ ( :‬كان ابتداء قراءة البخاري بقلعة ‪2‬‬
‫الجبل عند السلطان بالقصر‪ ،‬وصعد قضاة القضاة والمشايخ على العادة‪ . ).‬وفي يوم األربعاء ‪ 4‬شعبان ‪ 876‬يقول ‪ ( :‬كانت‬
‫الخدمة بالقصر السلطانى بقلعة الجبل وابتدئ بقراءة البخاري به‪.).‬وفي يوم األربعاء ‪ 28‬رمضان ‪ 876‬قال ‪ ( :‬ختم البخاري‬
‫بقلعة الجبل بالقصر الكبير على العادة وحضره القضاة‪ .).‬وقبل ذلك بعام بالضبط‪ :‬األربعاء ‪ 28‬رمضان ‪ 875‬يقول ‪ ( :‬ختم‬
‫البخارى بقلعة الجبل بحضور السلطان وكان مجلسًا حافًال بالقضاة األربعة‪ ،‬خال الحنفي لضعفه‪ ،‬والعلماء والفضالء والطلبة‬
‫واألمراء والرؤوس والنواب والخاصكية وأصحاب والوظائف‪).‬‬
‫ــ ونعود إلى حفل ختم البخاري يوم األربعاء ‪ 28‬رمضان ‪ ،876‬حيث أورد ابن الصيرفي بعض التفصيالت الهامة في ذلك ‪3‬‬
‫المجلس‪ ،‬ذلك أن ختم البخارى ‪ 876‬شهد تعيين الشيخ سعدى قاضيَا‪ ،‬وأعلن ذلك إبن مزهر كاتب السر بعد أن شاور السلطان‬
‫في ذلك الحفل‪ ،‬يقول ابن الصيرفي في أنه تشاور ابن مزهر مع السلطان في عاشر شعبان على الشيخ بدر الدين السعدي أن‬
‫يكون حاكمًا إلى أن يحضر ابن مفلح قاضى دمشق‪ ،‬ثم جاء أول ختم البخارى في ‪ 28‬رمضان فأعلن السلطان ذلك التعيين في‬
‫حضور الجميع‪.‬يقول مؤرخنا‪ (:‬ولما حضروا الختم ‪ ،‬وفرقت أجزاء البخاري ‪ ،‬وحضر السلطان ‪ ،‬وقرأ القارئ الذى هو اإلمام‬
‫البرهان الكركي وحضره والده فجلس فوق الشيخ قاسم الحنفي تحت الشيخ تقي الدين الحصنى‪ ،‬والحصنى تحت الحنفي‪ )،‬وهذا‬
‫يعنى الترتيب الرسمى للجلوس حسب منازل القوم‪(،‬وحضر السعدي فلم يجد له مكانًا يجلس فيه من الزحمة فجلس خلف‬
‫‪.‬الحلقة‪.).‬وانتهى الختم بإعالن تولى السعدى لهذه الوظيفة‪،‬وكانت مفاجأة للسعدى نفسه‬
‫ــ والمهم أن ختم البخارى كان مناسبة لقضاة الشرع في اجتماعهم بالسلطان‪ ،‬وفيه أحيانا كانت تصدر قرارات التعيين ألن ‪4‬‬
‫‪ .‬البخاري هو ( ُقدس األقداس ) لذلك العهد الفاسد البائس‬
‫الهوامش‬
‫‪.‬الهصر‪508 ،464 ،243 ،277 ،195 ،102 :‬‬
‫‪.‬السلوك المقريزي‪1032 :4/2/1031 ،4/2/667 ،3/1/223 :‬‬
‫‪.‬الهصر‪415 :414 ،264 :263 ،413 ،400 ،240 ،448 :‬‬

‫الفصل الخامس عشر ‪ ( :‬مساجد هللا جل وعال ) ‪ :‬ماهية المسجد االسالمى‬

‫مقدمة ‪ :‬سال ابنى الحبيب د عثمان محمد على المشرف على موقع أهل القرآن أن أكتب مقاال عن ماهية المسجد االسالمى ‪.‬‬
‫‪ .‬واستجيب لطلبه بهذا المقال ‪ ،‬وأجعله فى صيغة سؤال وجواب‬
‫س ‪ 1‬ـ هل هناك فى االسالم ( جامع ) بمعنى مسجد ؟‬
‫مصطلح ( جامع ) جاء وصفا لرب العزة جل وعال الذى سيجمع الناس يوم القيامة أو يوم الجمع ‪ ،‬قال جل وعال ‪ِ( :‬إَّن الَّلـَه‬
‫َج اِم ُع اْلُم َن اِفِقيَن َو اْل َك اِفِر يَن ِفي َج َه َّن َم َج ِميًع ا ﴿‪﴾١٤٠‬النساء ) ويقول المؤمنون ‪َ ( :‬ر َّب َن ا ِإَّن َك َج اِم ُع الَّن اِس ِلَيْو ٍم اَّل َر ْيَب ِفيِه ۚ ِإَّن الَّلـَه‬
‫‪.‬اَل ُيْخ ِلُف اْلِميَع اَد ﴿‪ ﴾٩‬آل عمران )‬
‫!‪ .‬س ‪ 2‬ـ ولكن كلمة ( جامع) جاءت أيضا فى سورة النور‬
‫نعم‪ .‬قال جل وعال فى موشوع الشورى أو الديمقراطية المباشرة ( ِإَّن َم ا اْل ُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن آَم ُنوا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو ِإَذ ا َك اُنوا َمَع ُه‬
‫‪َ .‬ع َلٰى َأْم ٍر َج اِم ٍع َّلْم َي ْذ َه ُب وا َح َّتٰى َيْس َت ْأِذ ُنوُه ) (‪ ﴾٦٤‬النور)‪ ،‬أى لم يرد وصف الجامع للمسجد ‪ ،‬هو وصف إلجتماع جامع‬
‫س ‪ : 3‬ما السبب فى تسمية المسجد بالجامع ؟‬
‫تكاثر إنشاء المساجد ألغراض سياسية ومذهبية ودينية‪ .‬المسجد الكبير الذى يصلون فيه صالة الجمعة والذى يجتمع فيه كثرة‬
‫‪ .‬كاثرة من الناس أطلقوا عليه اسم ( الجامع )‬
‫!‪ .‬س ‪ 4‬ـ ولكن مذكور فى القرآن الكريم اسماء لبيوت العبادة من صوامع وبيع فى اآلية ‪ 40‬من سورة الحج‬
‫قال جل وعال ‪ ( :‬اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِهم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإاَّل َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا الَّلـُه ۗ َو َلْو اَل َد ْف ُع الَّلـِه الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت‬
‫َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم الَّلـِه َك ِثيًر ا ۗ َو َلَي نُصَر َّن الَّلـُه َم ن َي نُصُر ُه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿‪ ﴾٤٠‬الحج )‪ .‬هذه‬
‫اآلية الكريمة عن حصانة بيوت العبادة للناس بغض النظر عن دينهم إن كان إسالما صحيحا أو كفرا ‪ .‬فى تشريع االسالم التأكيد‬
‫على حرية الدين وعدم اإلكراه فى الدين ألن للدين يوما هو يوم الدين أو الحساب‪ .‬والمقصد التشريعى للقتال فى االسالم هو أن‬
‫يكون الدين كله هلل جل وعال أى مؤجال الحكم فيه الى يوم الدين ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ( :‬و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن‬
‫ِلَّلـِه ۖ َفِإِن انَت َهْو ا َفاَل ُع ْد َو اَن ِإاَّل َع َلى الَّظ اِلِميَن ﴿‪﴾١٩٣‬البقرة ) (َو َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ُك ُّلُه ِلَّلـِه ۚ َفِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن‬
‫‪ ).‬الَّلـَه ِبَم ا َيْع َم ُلوَن َب ِص يٌر ﴿‪ )﴾٣٩‬االنفال‬
‫س ‪ 5‬ـ هناك ايضا بيوت هللا جل وعال ‪ .‬ما هو الفارق بين بيوت العبادة هلل جل وعال والمساجد ؟‬
‫تأتى البيوت بمعنى المساجد االسالمية فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬و َأْو َح ْي َن ا ِإَلٰى ُم وَس ٰى َو َأِخيِه َأن َت َبَّو آ ِلَق ْو ِم ُك َم ا ِبِم ْص َر ُبُيوًت ا َو اْج َع ُلوا‬
‫ُبُيوَتُك ْم ِقْب َلًة َو َأِقيُم وا الَّص اَل َة ) ﴿‪ ﴾٨٧‬يونس )‪ .‬هذه البيوت التى ُأقيمت فيها الصالة خوف فرعون كانت مساجد ‪ .‬وهللا جل وعال‬
‫وصف المساجد االسالمية فى أى زمان ومكان فى قوله جل وعال ‪ِ ( :‬في ُبُيوٍت َأِذَن الَّلـُه َأن ُتْر َفَع َو ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه ُيَسِّبُح َلُه‬
‫ِفيَه ا ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل ﴿‪ِ ﴾٣٦‬ر َج اٌل اَّل ُتْلِه يِهْم ِتَج اَر ٌة َو اَل َبْيٌع َع ن ِذ ْك ِر الَّلـِه َو ِإَقاِم الَّص اَل ِة َو ِإيَت اِء الَّز َك اِة ۙ َي َخ اُفوَن َيْو ًم ا َتَت َقَّلُب ِفيِه‬
‫‪.‬اْلُقُلوُب َو اَأْلْبَص اُر ﴿‪ِ﴾٣٧‬لَيْج ِز َيُهُم الَّلـُه َأْح َس َن َم ا َع ِم ُلوا َو َي ِز يَدُهم ِّم ن َفْض ِلِه ۗ َو الَّلـُه َيْر ُز ُق َم ن َي َش اُء ِبَغ ْي ِر ِح َس اٍب ﴿‪ ﴾٣٨‬النور )‬
‫س ‪: 6‬المفهوم هنا أن رّو اد هذه المساجد هم رجال ‪ .‬فأين النساء فى التعبد فى المساجد ؟‬
‫كلمة ( رجال ) هنا تعنى مترجلين ‪ ،‬مثل قوله جل وعال عن من يقصد الحج من الذكور واإلناث ‪َ ( :‬و َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج‬
‫‪َ.‬ي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿‪ ﴾٢٧‬الحج )‬
‫س ‪ : 7‬هذا عن المساجد العادية بيوت العبادة‪ .‬فماذا عن المسجد الحرام ؟‬
‫يطلق عليه وحده المسجد الحرام‪ ،‬قال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اَّلِذيَن َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل الَّلـِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه‬
‫ِللَّن اِس َس َو اًء اْلَع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِد ۚ َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُّن ِذ ْق ُه ِمْن َع َذ اٍب َأِليٍم ﴿‪ ﴾٢٥‬الحج )‪ ،‬وأيضا (البيت الحرام ) ( ِإَّن الَّص َف ا‬
‫َو اْل َمْر َو َة ِمن َش َع اِئِر الَّلـِه ۖ َفَم ْن َح َّج اْلَبْي َت َأِو اْع َت َمَر َفاَل ُج َن اَح َع َلْي ِه َأن َي َّط َّو َف ِبِه َم ا ۚ َو َم ن َت َط َّو َع َخ ْيًر ا َفِإَّن الَّلـَه َش اِك ٌر َع ِليٌم ﴿‪﴾١٥٨‬‬
‫البقرة ) ( ِإَّن َأَّو َل َبْي ٍت ُو ِض َع ِللَّن اِس َلَّلِذي ِبَب َّك َة ُمَب اَر ًك ا َو ُهًدى ِّلْلَع اَلِميَن ﴿‪ِ ﴾٩٦‬فيِه آَي اٌت َبِّي َن اٌت َّم َق اُم ِإْبَر اِهيَم َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن‬
‫آِم ًن ا َۗو ِلَّلـِه َع َلى الَّن اِس ِح ُّج اْلَبْي ِت َم ِن اْس َت َط اَع ِإَلْي ِه َس ِبياًل ۚ َو َم ن َك َفَر َفِإَّن الَّلـَه َغ ِنٌّي َع ِن اْلَع اَلِميَن ﴿‪ ﴾٩٧‬آل عمران) ( َج َع َل الَّلـُه‬
‫اْلَك ْع َب َة اْلَبْي َت اْلَح َر اَم ِقَي اًم ا ِّللَّن اِس َو الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو اْلَه ْد َي َو اْلَق اَل ِئَد َٰذ ِلَك ِلَت ْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو َأَّن‬
‫ًّل‬
‫الَّلـَه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم﴿‪ ﴾٩٧‬المائدة )( َو ِإْذ َج َع ْلَن ا اْلَبْي َت َم َث اَب ًة ِّللَّن اِس َو َأْم ًن ا َو اَّت ِخ ُذ وا ِمن َّم َقاِم ِإْبَر اِهيَم ُمَص ى ۖ َو َع ِه ْد َن ا ِإَلٰى ِإْبَر اِهيَم‬
‫‪َ.‬و ِإْس َم اِعيَل َأن َط ِّهَر ا َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد ﴿‪ ﴾١٢٥‬البقرة)‬
‫س ‪ ( : 8‬المسجد ) بالمفرد يكون عن البيت الحرام أو المسجد الحرام و ( مساجد ) بالجمع عن المساجد األخرى ‪ .‬هل هناك‬
‫فوارق أخرى ؟‬
‫بالمفرد ُت طلق أيضا على غير المسجد الحرام ‪ ،‬يعنى إن كان مسجدا للضالل مسجد ضرار أو مسجدا لإلسالم مؤسسا ) مسجد (‬
‫على التقوى ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج ًدا ِض َر اًر ا َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب الَّلـَه َو َر ُس وَلُه‬
‫َأ‬ ‫ُأ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ِمن َقْب ُل ۚ َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َر ْد َن ا ِإاَّل اْلُحْس َنٰى ۖ َو الَّلـُه َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن ﴿‪ ﴾١٠٧‬اَل َت ُقْم ِفيِه َب ًدا َّۚلَمْس ِج ٌد ِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ٰى ِمْن َّو ِل َيْو ٍم‬
‫َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ۚ ) ﴿‪ ﴾١٠٨‬التوبة ) ‪ .‬ولكن المسجد الحرم تأتى أوصافه المتفردة من الحج اليه ‪ ،‬قال جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن اَّلِذيَن‬
‫َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل الَّلـِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه ِللَّن اِس َس َو اًء اْلَع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِۚد َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُّن ِذ ْق ُه ِمْن‬
‫َع َذ اٍب َأِليٍم ﴿‪َ ﴾٢٥‬و ِإْذ َبَّو ْأَن ا ِإِلْبَر اِهيَم َم َك اَن اْلَبْي ِت َأن اَّل ُتْش ِر ْك ِبي َش ْي ًئ ا َو َط ِّهْر َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَقاِئِميَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد ﴿‪َ ﴾٢٦‬و َأِّذ ن‬
‫ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿‪ ﴾٢٧‬الحج )‪ ،‬واالتجاه اليه فى الصالة ‪ ،‬قال جل وعال ‪:‬‬
‫‪َ ().‬و ِمْن َح ْي ُث َخ َر ْج َت َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْط َر اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم ۚ َو َح ْي ُث َم ا ُك نُتْم َفَو ُّلوا ُو ُج وَه ُك ْم َش ْط َر ُه ) ﴿‪ ﴾١٥٠‬البقرة‬
‫س ‪ : 8‬مفهوم أن الكفر والشرك فى العبادة وفى القلب يعنى االيمان باهلل جل وعال وااليمان بأولياء وآلهة معه ‪ ،‬وعبادة هللا جل‬
‫وعال وتقديس وعبادة أولياء وآلهة معه‪ .‬وهذا يتجّس د فى المساجد ‪ .‬فيها مساجد يعبد فيها الناس هللا جل وعال ويعبدون غيره ‪،‬‬
‫يذكرون فيها هللا جل وعال ويذكرون غيره ‪ ،‬يدعون هللا فيها جل وعال ويتوسلون بغيره‪.‬هذه المساجد (المختلطة ) كيف تكلم‬
‫عنها رب العزة جل وعال فى القرآن الكريم ؟‬
‫َٰذ‬
‫فى قصة أهل الكهف وعند العثور عليهم قرر المأل أن يقيموا فوقهم مسجدا للتبرك بهم ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َك ِلَك َأْع َث ْر َن ا َع َلْي ِهْم‬
‫ِلَيْع َلُم وا َأَّن َو ْع َد الَّلـِه َح ٌّق َو َأَّن الَّس اَع َة اَل َر ْيَب ِفيَه ا ِإْذ َي َتَن اَز ُع وَن َبْي َن ُهْم َأْمَر ُه ْم ۖ َفَق اُلوا اْب ُن وا َع َلْي ِه م ُبْن َي اًن ا َّۖر ُّبُهْم َأْع َلُم ِبِهْم ۚ َقاَل اَّلِذيَن‬
‫َغ َلُبوا َع َلٰى َأْم ِر ِه ْم َلَنَّت ِخ َذ َّن َع َلْي ِه م َّمْس ِج ًدا ﴿‪ ﴾٢١‬الكهف )‪ .‬وفى هذه المساجد يذكرون هللا جل وعال ويذكرون غيره ‪ ،‬ويرفضون‬
‫ذكر هللا جل وعال وحده ‪ ،‬وحين بدأ النبى محمد عليه السالم يدعوهم الى أن تكون المساجد فى مكة هلل جل وعال وحده ثاروا‬
‫عليه وكادوا يفتكون به ‪ ،‬جاء هذا فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬و َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿‪َ ﴾١٨‬و َأَّن ُه َلَّم ا َقاَم َعْب ُد الَّلـِه‬
‫َي ْد ُع وُه َك اُدوا َي ُك وُنوَن َع َلْي ِه ِلَب ًدا ﴿‪ُ ﴾١٩‬قْل ِإَّن َم ا َأْد ُع و َر ِّب ي َو اَل ُأْش ِر ُك ِبِه َأَح ًدا ﴿‪ ﴾٢٠‬الجن )‬
‫س ‪ : 9‬هل هناك فوارق أخرى بين مساجد االسالم ومساجد الشرك والكفر ؟‬
‫نعم ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وا َمَس اِج َد الَّلـِه َش اِهِديَن َع َلٰى َأنُفِس ِه م ِباْل ُك ْف ِر ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر‬
‫ُه ْم َخ اِلُدوَن ﴿‪ِ ﴾١٧‬إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد الَّلـِه َم ْن آَم َن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإاَّل الَّلـَه ۖ َفَعَس ٰى ُأوَلٰـ ِئَك‬
‫َأن َي ُك وُن وا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ﴿‪﴾ ١٨‬التوبة )‪ .‬المشركون يتصورون عمارة المسجد بالزخرفة وبالبناء الفخم يتقربون بهذا هللا والى‬
‫آلهتهم ويتصورون أن هللا جل وعال يرضى هذا ‪ .‬هذا التعمير المادى أو العمارة المادية ال أهمية لها عند رب العزة جل وعال‪.‬‬
‫‪ .‬الذى يرضيه جل وعال تعمير القلوب بالتقوى‬
‫س ‪ : 10‬هذا عن الكفر فى العبادة وفى القلب ‪ .‬فماذا عن المسجد لدى الكافرين بالسلوك ‪ ،‬باالعتداء واإلكراه فى الدين وإّت خاذ‬
‫المسجد للتآمر ‪ ،‬وهذا هو حال المساجد فى عصرنا ؟‬
‫‪ :‬ذكرها رب العزة جل وعال ‪ ،‬وهى نوعان‬
‫ـ نوع يعبر عن الكفر المتعدى الصريح ‪،‬ومنه إرهاب المؤمنين ومنعهم من دخول المساجد إال إذا ذكروا فيها غير هللا جل ‪1‬‬
‫وعال ‪ ،‬أى يمنعون أن تكون المساجد لذكر هللا جل وعال وحده ‪ ،‬وهذا ما جاء فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬و َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد‬
‫الَّلـِه َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ٰى ِفي َخ َر اِبَه ا ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإاَّل َخ اِئِفيَن ۚ َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة‬
‫َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿‪ ﴾١١٤‬البقرة )‪ .‬وقد عانيت مع أهل القرآن من هذا فى مصر ‪ .‬ومنه أيضا ما فعلته قريش حين أخرجت المؤمنين‬
‫من ديارهم ‪ ،‬وهذا ما جاءت االشارة اليه فى قوله جل وعال فى تشريع القتال الدفاعى ‪ ( :‬اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِهم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإاَّل‬
‫َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا الَّلـُه ۗ َو َلْو اَل َد ْف ُع الَّلـِه الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم الَّلـِه‬
‫‪َ.‬ك ِثيًر ا ۗ َو َلَي نُصَر َّن الَّلـُه َم ن َي نُصُر ُه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿‪ ﴾٤٠‬الحج )‬
‫ـ النوع الثانى‪ :‬هو الذى يقوم به المنافقون حين يستخدمون المساجد فى التآمر ‪،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج ًدا ‪2‬‬
‫ِض َر اًر ا َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب الَّلـَه َو َر ُس وَلُه ِمن َقْب ُل ۚ َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإاَّل اْلُحْس َنٰى ۖ َو الَّلـُه َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم‬
‫َلَك اِذ ُبوَن ﴿‪ ﴾١٠٧‬اَل َت ُقْم ِفيِه َأَب ًدا َّۚلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ٰى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ۚ ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأن َي َت َط َّهُر وا ۚ َو الَّلـُه‬
‫ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن ﴿‪َ ﴾١٠٨‬أَف َم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َت ْق َو ٰى ِمَن الَّلـِه َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه‬
‫ِفي َن اِر َج َه َّن َم ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾١٠٩‬اَل َي َز اُل ُبْن َي اُنُهُم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة ِفي ُقُلوِبِهْم ِإاَّل َأن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم‬
‫‪َ.‬ح ِكيٌم ﴿‪ ﴾١١٠‬التوبة )‬
‫س ‪ : 11‬ولكن هذا النوع إنتهى واصبح تاريخا ماضيا ‪ ،‬ألنه حدث فى عهد النبى محمد عليه السالم ‪ ،‬ونهاه هللا جل وعال أن‬
‫‪ .‬يعود اليه ويقوم فيه‬
‫فى نفس السياق إشارة بإستعمال الفعل المضارع عن تكرار نفس العمل ‪ ،‬قى قوله جل وعال ‪ ( :‬اَل َي َز اُل ُبْن َي اُنُهُم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة‬
‫ِفي ُقُلوِبِهْم ِإاَّل َأن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم َح ِكيٌم ﴿‪ ﴾١١٠‬التوبة )‪ .‬وقبلها مقارنة بين المسجد االسالمى ومسجد الضرار فى‬
‫قوله جل وعال ‪َ( :‬أَفَم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َت ْق َو ٰى ِمَن الَّلـِه َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر‬
‫َج َه َّن َم ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿‪ ﴾١٠٩‬التوبة )‪ .‬هذه قاعدة سارية فى الفارق بين مسجد االسالم ومسجد الضرار ‪.‬‬
‫وأعتبره آية ( إعجازا ) تاريخيا ألن األغلبية الساحقة من مساجد اليوم هى مساجد ضرار ‪ ،‬يدعون فيها غير هللا جل وعال ‪،‬‬
‫‪ .‬ويقدسون فيها غير هللا جل وعال وينشرون فيها أحاديث شيطانية تنشر الكفر والتفريق والفتن‬
‫!‪ .‬س ‪ : 12‬نصل الى األهم ‪ :‬مواصفات المسجد االسالمى‬
‫هى واضحة من اآليات السابقة ‪ .‬أن يكون المسجد لذكر هللا جل وعال وحده ‪ ،‬األذان بالصالة يكون بإسمه جل وعال وحده دون‬
‫ذكر النبى محمد أو أى بشر ‪ ،‬وفيه شهادة االسالم الواحدة ( ال إله إال هللا ) ثم تكون فيه الصالة هلل جل وعال وحده بذكره فيها‬
‫وحده تطبيقا لقوله جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن ِني َأَن ا الَّلـُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل َأَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص اَل َة ِلِذ ْك ِر ي ﴿‪ ﴾١٤‬طه )‪ ،‬وان يكون فيها التوسل‬
‫باهلل جل وعال وحده والدعاء اليه وحده ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿‪ ﴾١٨‬الجن )‪ .‬بإختصار‬
‫أن يكون المسجد خالصا لرب العزة جل وعال يكون فيه إخالص الدين هلل جل وعال وحده ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ (:‬و َأِقيُم وا ُو ُج وَه ُك ْم‬
‫‪ِ.‬ع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن )( ‪ ﴾٢٩‬االعراف )‬
‫س ‪ : 12‬ماذا عن النساء ؟‬
‫صالة الجمعة فرض على الرجال والنساء ‪ ،‬لو كانت مقصورة على الرجال ما خاطب هللا جل وعال بها عموم المؤمنين ‪ ،‬قال جل‬
‫وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َذ ُر وا اْلَبْيَع ۚ َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿‬
‫‪ ﴾ ٩‬الجمعة ) الصالة اليومية فرض على عموم المؤمنين ‪ .‬واالعتكاف فى المساجد ليال ونهارا هو للمؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬ولكن‬
‫يحرم على الزوجين المباشرة الجنسية وقت االعتكاف فى المسجد ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و اَل ُتَب اِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِك ُفوَن ِفي‬
‫اْلَمَس اِج ِد ۗ ِتْلَك ُح ُدوُد الَّلـِه َفاَل َت ْق َر ُبوَها ۗ َك َٰذ ِلَك ُيَبِّي ُن الَّلـُه آَي اِتِه ِللَّن اِس َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن ﴿‪ ﴾١٨٧‬البقرة )‪ .‬ويجب على الرجال والنساء‬
‫) التزين عند الذهاب الى المسجد ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َب ِني آَد َم ُخ ُذ وا ِز يَنَتُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد ) ﴿‪ ﴾٣١‬االعراف‬
‫س ‪ : 13‬هل يجوز تسمية المسجد فى االسالم بأسماء أشخاص أو بأسماء مدن ؟‬
‫المسجد فى االسالم ال يجوز تسميته بإسم مخلوق من البشر ‪ ،‬ال تقول مسجد فالن ‪ .‬لك أن تقول مدرسة فالن أو شارع فالن ‪.‬‬
‫أو مستشفى فالن ‪ ..‬لكن بيت هللا جل وعال يكون منسوبا اليه جل وعال أو إلسم من أسمائه الحسنى ( مسجد الرحمن ‪ ،‬مسجد‬
‫‪..‬الرحيم ‪ ،‬مسجد الصمد مسجد الفاطر ) أو لكتابه الكريم ( مسجد الفرقان ‪ ،‬مسجد القرآن )‬
‫س ‪ : 14‬هل يجوز أن تكون للمسجد مهام أخرى مثل التعليم والتداوى ‪ ،‬ألن المساجد اليوم أصبحت مؤسسات فيها دروس‬
‫خصوصية وفيها مستشفيات ودور للرعاية االجتماعية ؟‬
‫المساجد هى لعبادة هللا جل وعال دون أى عمل إقتصادى أو نفعى ‪ .‬لنتذكر قوله جل وعال ‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِد َي‬
‫ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْل ُجُمَع ِة َفاْس َعْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿‪َ ﴾٩‬فِإَذ ا ُقِض َي ِت الَّص اَل ُة َفانَت ِش ُر وا ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َو اْب َت ُغ وا ِمن َفْض ِل الَّلـِه َو اْذ ُك ُر وا الَّلـَه َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ﴿‪َ ﴾١٠‬و ِإَذ ا َر َأْو ا ِتَج اَر ًة َأْو َلْهًو ا انَفُّض وا ِإَلْيَه ا َو َت َر ُك وَك َقاِئًم ا ُقْل‬
‫َم ا ِع نَد الَّلـِه َخ ْيٌر ِّم َن الَّلـْه ِو َو ِمَن الِّت َج اَر ِة َو الَّلـُه َخ ْيُر الَّر اِز ِقيَن ﴿‪ ﴾١١‬الجمعة )‪ .‬هذا فصل تام بين دور المسجد التعبدى وما فى‬
‫‪ .‬الدنيا من تجارة أو لهو‪ .‬ولنتذكر أن مساجد الضالل والضرار يتخذونها لممارسة اللغو واللهو واللعب والتغنى بالقرآن الكريم‬
‫س ‪ : 15‬ماذا عن إقامة عمل خيرى داخل المسجد ؟‬
‫هذا يشغل الناس عن التعبد فى المسجد بذكر هللا جل وعال‪ .‬يمكن أن تكون لهذه األنشطة الخيرية مؤسساتها المنفصلة‬
‫‪ .‬والمستقلة‬
‫س ‪ : 16‬ماذا عن تحفيظ القرآن الكريم فى المسجد ودراسته وتدبره ؟‬
‫‪ .‬تدخل ضمن أنواع الذكر فى المسجد‪ .‬ال تنس أن من أسماء القرآن ‪ ( :‬الذكر ) وأن التدبر ودراسة القرآن عبادة‬
‫س ‪ : 17‬ولكن التجارة وتبادل المنافع جائزة فى الحج عند المسجد الحرام‬
‫البيت الحرام فى واد ليس فيه زرع ‪ ،‬قال جل وعال ‪َّ( :‬ر َّب َن ا ِإِّن ي َأْس َك نُت ِمن ُذ ِّر َّي ِتي ِبَو اٍد َغ ْي ِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْي ِتَك اْلُمَح َّر ِم َر َّب َن ا‬
‫ِلُيِقيُم وا الَّص اَل َة َفاْج َع ْل َأْف ِئَد ًة ِّم َن الَّن اِس َت ْه ِو ي ِإَلْي ِهْم َو اْر ُز ْق ُهم ِّم َن الَّث َمَر اِت َلَع َّلُهْم َي ْشُك ُر وَن ﴿‪ ﴾٣٧‬ابراهيم ) وُي جبى اليه ثمرات كل‬
‫شىء ‪ ،‬وهذا مما إمتّن هللا به جل وعال على قريش ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ( :‬أَو َلْم ُنَم ِّك ن َّلُهْم َح َر ًم ا آِم ًن ا ُيْج َب ٰى ِإَلْي ِه َث َمَر اُت ُك ِّل َش ْي ٍء ِّر ْز ًقا‬
‫ِّم ن َّلُد َّن ا ) ﴿‪ ﴾ ٥٧‬القصص ) ‪ .‬أى يأتى الناس باألنعام وغيرها لتباع فى مكة ‪ ،‬ومن ضمنها حيوانات الهدى التى يتقرب الحجاج‬
‫بذبحها ‪ .‬هللا جل وعال قال عن األنعام ‪َ ( :‬و اَأْلْن َع اَم َخ َلَق َه ا ۗ َلُك ْم ِفيَه ا ِد ْف ٌء َو َم َن اِفُع َو ِم ْن َه ا َت ْأُك ُلوَن ﴿‪ ﴾٥‬النحل )‪ .‬ومن منافعها فى‬
‫الحج الى البيت الحرام قوله جل وعال ‪َ ( :‬و َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿‬
‫‪ِّ ﴾٢٧‬لَي ْش َه ُدوا َم َن اِفَع َلُهْم َو َي ْذ ُك ُر وا اْس َم الَّلـِه ِفي َأَّي اٍم َّمْع ُلوَم اٍت َع َلٰى َم ا َر َز َقُهم ِّم ن َب ِه يَم ِة اَأْلْن َع اِم ۖ َفُك ُلوا ِم ْن َه ا َو َأْط ِع ُم وا اْلَب اِئَس‬
‫‪ .‬اْلَف ِقيَر ﴿‪َ ( ، ) ﴾٢٨‬لُك ْم ِفيَه ا َم َن اِفُع ِإَلٰى َأَج ٍل ُّمَس ًّم ى ُثَّم َم ِحُّلَه ا ِإَلى اْلَبْي ِت اْلَع ِتيِق ﴿‪ ﴾٣٣‬الحج )‪ .‬هذا خاص بالحج للبيت الحرام‬

‫الفصل السادس عشر ‪ :‬من التواتر الشيطانى ‪ :‬إبتداع وإستمرار صالة العيدين‬

‫‪ :‬مقدمة‬
‫مصطلح ( عيد ) لم يأت عن الصالة مطلقا ‪ .‬حين طلب الحواريون من عيسى عليه السالم مائدة من السماء دعا ربه جل وعال‬
‫فقال ‪َ( :‬قاَل ِع يَس ى اْب ُن َمْر َي َم الَّلـُهَّم َر َّب َن ا َأنِز ْل َع َلْي َن ا َم اِئَد ًة ِّم َن الَّس َماِء َتُك وُن َلَن ا ِع يًدا َأِّلَّو ِلَن ا َو آِخِر َن ا َو آَي ًة ِّم نَك ۖ َو اْر ُز ْق َن ا َو َأنَت َخ ْيُر‬
‫الَّر اِز ِقيَن ﴿‪ ﴾ ١١٤‬المائدة )‪ .‬ومع انها آية ( معجزة ) هائلة فلم تتحول الى مناسبة دينية ‪ ،‬أى لم تصبح عيدا يحتفل الحواريون‬
‫‪ .‬بذكراه شكرا لرب العزة جل وعال ‪ ،‬بل تم تناسيه‬
‫ليس فى دين هللا جل وعال أعياد ‪ .‬األعياد توجد فى حياة البشر االجتماعية ‪ ،‬وال بأس فى هذا ‪ .‬ولكن أن تصبح األعياد دينا فهذا‬
‫ملمح من مالمح األديان األرضية القائمة على اللهو واللعب ‪ ،‬وتتكاثر فيها أعياد لآللهة وغيرها ‪ .‬العبادات االسالمية تقوم على‬
‫الخشوع والتضرع واإلخبات ‪ .‬ولكن تحكم الخلفاء والسالطين فى الحياة الدينية والمساجد والصالة ‪ ،‬أعطاهم الفرصة لتحويل‬
‫الدين الى لهو ولعب وإحتفاالت بمثل ما كان سائدا فى البيئات النهرية من قبل‪ .‬لذا أضافوا الى صالتهم الشيطانية صلوات فى‬
‫مناسبات ‪ ،‬أهمها صالة العيدين وما تبعها من من ( المولد النبوى ) تقليدا لعيد الميالد المجيد وموالد األولياء متابعة ألعياد‬
‫‪ .‬القديسين ‪..‬الخ‪ . ..‬ونعطى عن صالة العيد لمحة تاريخية‬
‫البداية‬
‫ـ إخترعوا حديثا رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى يزعم ‪ ( :‬أن بالل كان "يحمل العنزة بين يدي رسول هللا يوم العيد ‪1‬‬
‫واالستسقاء‪( "..‬ابن سعد ‪ .)7/2/112‬ومع هذا فلم ترد فى الطبقات الكبرى البن سعد تفصيالت عن كيفية صالة العيد فى عهد‬
‫‪.‬النبوة ‪ ،‬وان تكاثرت األخبار عنها فى الكتب الفقهية تحمل الكثير من التنظير‬
‫ـ الذى جاء فى المصادر التاريخية يفيد بأن األمويين هم الذين احتفلوا بصالة العيد وجعلوا لها آذانا وخطبة مثل صالة الجمعة ‪2‬‬
‫‪ ،‬وكان الغرض سياسيا ‪ ،‬بالطبع ‪ ،‬خاصة وهم الذين كانوا يتهاونون فى الصالة المفروضة الواجبة‪ ،‬وال يهتمون فى صالة‬
‫الجمعة اال بالتطويل فى الخطبة التى حولوها الى منشور سياسي دعائي‪ .‬تقول الروايات ان زياد بن ابيه حاكم العراق فى عهد‬
‫معاوية هو أول من جلس على المنبر فى العيدين وجعل لهما آذانا (الوافي بالوفيات ‪ ، )13/ 15‬وهناك رواية أخرى تقول ان‬
‫بشر بن مروان – أخ عبد الملك بن مروان – حاكم العراق هو أول من أحدث اآلذان للعيد فى الكوفة ‪" :‬فأكبر الناس ذلك‬
‫وأعظموه " أى احتجوا عليه ‪ ،‬وقد توفى بشر بن مروان سنة ‪ 75‬هـ ( الوافى بالوفيات ‪ ، )10/153‬يعزز ذلك رأى ابن ابي‬
‫شيبة الذى يقول ‪ :‬أول من أحدث اآلذان في عيدي الفطر واألضحى بنو مروان ‪ ،‬عبد الملك أو أحد من أوالده (السيوطي تاريخ‬
‫‪.‬الخلفاء ‪)248‬‬
‫وهناك آراء أخرى تقول انه معاوية اول من أحدث اآلذان فى العيد وينسب هذا الرأى لسعيد بن المسيب ‪ ،‬ورأى آخر منسوب‬
‫للزهري يقول ‪ :‬أول من أحدث الخطبة فى صالة العيد هو معاوية " (السيوطي ك نفس المرجع ‪ . )317‬فى كل األحوال فإنهم‬
‫‪ .‬إخترعوا العيد وصالة العيد وجعلوها صالة عامة فى المسجد وجعلوها كصالة الجمعة فى اآلذان وفى الخطبة‬
‫ـ واشتهر عمر بن عبد العزيز بطقوس خاصة فى صالة العيد ‪ .‬فكان فى عيد الفطر يدعو أصحابه صباحا ليفطر معهم بتمر ‪3‬‬
‫من "صدقة رسول هللا" أو "كان يأكل شيئا قبل ان يغدوا الى صالة العيد" وكان يمشى الى المصلى ثم يصعد الى المنبر فيكبر‬
‫سبع تكبيرات تترى ‪ ،‬ثم يخطب خطبة خفيفة ‪ ،‬ثم يكبر فى الثانية خمسا ‪ ،‬ثم يخطب خطبة أخف من األخرى ‪ ،‬يقول الرواي ‪:‬‬
‫رأيته أتي بكبش فى المصالة ‪ .‬فذبحه بيده ‪ ،‬ثم أمر بقسمته و لم يحمل الى منزله منه شيئ " ويقول آخر " سمعت عمر بن عبد‬
‫العزيز يجهر بالتكبير حتي يسمع آخر الناس ‪ ،‬مع األولى سبعا ثم يقرأ ‪ ،‬وفى اآلخرة خمسا ثم يقرأ فى األولى ( ق و القرآن‬
‫المجيد) ‪ ،‬وفى الثانية "اقتربت الساعة وانشق القمر )‪ ،‬وكان يدعو من كل تكبيرتين بحمد هللا ويكبر وصلي على النبي (ابن‬
‫‪ .‬سعد ‪)5/267‬‬
‫‪.‬ـ وبمجيء الدولة العباسية قامت بتغيير جزئي فيما ابتدعته األمويون فى صالة العيد ‪4‬‬
‫فى موسوعة "نهاية األرب" فى الجزء الثاني والعشرين وفى الحديث عن ظهور الدعوة العباسية فى خراسان سنة ‪ 129‬يذكر‬
‫النويري انه بعد تجمع أنصار الدعوة العباسية وحلول عبد الفطر أمر أبو مسم الخراساني (قائد الجيش الذى دمر فيما بعد‬
‫الدولة األموية) سليمان إبن كثير رئيس الدعاة السريين ان يصلي به وبالشيعة (ومصطلح الشيعة فى ذلك الوقت كان يعني‬
‫اتباع الدعوة للرضى من آل محمد ‪ ،‬وكان مفهوما انه من ذرية على ابن ابي طالب ‪ ،‬ولم يكن يعرف احد من الشيعة ان األمر قد‬
‫تحول لذرية ابن عباس)‪ ،‬وأمره أن يبدأ بالصالة قبل الخطبة بغير آذان وال إقامة ‪ .‬وأمره ايضا ان يكبر ست تكبيرات تباعا‪ .‬ثم‬
‫يقرأ ويركع بالسابعة ‪ .‬ويكبر فى الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا ‪ ،‬ثم يقرأ ويركع بالسادسة ‪ ،‬ويفتتح الخطبة بالتكبير‬
‫ويختمها بالقرآن ‪ /‬وكان بنوا أمية يكبرون وفى األولى أربع تكبيرات وفى الثانية ثالثا‪( .‬نهاية األرب ‪ .)22/20‬المفهوم من هذه‬
‫الرواية ان كبير الدعاة ‪ :‬سليمان ابن كثير تلقى أوامر من القائد العسكري والسياسي للحركة العباسية بكيفية صالة العيد وعدد‬
‫التكبيرات وموقع الخطبة ‪ ،‬بما يخالف "السنة األموية"‪ .‬و "السنة األموية" نفسها اختلفت مع نفسها ‪ ،‬اذ كان عمر بن عبد‬
‫العزيز يكبر ( اي يقول هللا اكبر) سبع مرات فى الركعة األولى ‪ ،‬وخمس تكبيرات فى الثانية ‪ ،‬ثم نزل التخفيض بعده فأصبحت‬
‫‪ .‬أربع تكبيرات فى األولى وثالثا فى الثانية‬
‫ـ وحين تولى الخليفة المعتضد العباسي سنة ‪ 240‬صلي بالناس صالة عيد األضحى فكبر فى األولى ستا وفى الثانية واحدة ‪5 .‬‬
‫ولم تسمع منه الخطبة (تاريخ الخلفاء للسيوطي ‪)590‬‬
‫ونرجع للسيوطي فى تاريخه ( تاريخ الخلفاء) لنراه يسجل ان صالة العيد أقيمت ألول مرة فى جامع مصر (الفسطاط) سنة ‪302‬‬
‫ولم يكن يصلي فيها العيد قبلها‪ ،‬وحدث ان خطب العيد الشيخ على بن شيخه ‪ ،‬وفى هذه الخطبة األولى للعيد فى مصر حدث خطأ‬
‫هائل ألن الخطيب قرأ قوله تعالى "اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن اال وانتم مسلمون" فقال " وال تموتن اال وانتم مشركون"‬
‫(تاريخ الخلفاء ‪ .) 607‬اى ان مصر بعد الفتح لم تعرف صالة العيد فى عصر الخلفاء الراشدين او االمويين او العصر العباسي‬
‫‪.‬األول‬

‫إزدهار صالة العيدين فى العصر الفاطمى‬


‫ـ تحولت الحياة االجتماعية والدينية الى إحتفاالت ومواكب لتقديس الخليفة الفاطمى ‪ ،‬كانت هناك ما يعرف باألعياد االسالمية ‪1‬‬
‫( عيد الفطر وعيد األضحى ) وأعياد شيعية مثل عاشوراء ‪ ،‬وقبطية وفرعونية ‪ ،‬وبهذا إجتذب الفاطميون المصريين اٌلباط‬
‫‪ .‬فدخلوا فى الدين الشيعى أفواجا ‪ ،‬إذ كانت تلك األعياد مواسم الظهار كرم الخليفة مع رعاياه‬
‫يقول المقريزى فى الخطط عن موسم عيد الفطر‪ ( :‬وكان لهم في موسم عيد الفطر عدة وجوه من الخيرات منها‪ :‬تفرقة الفطرة‬
‫وتفرقة الكسوة وعمل السماط وركوب الخليفة لصالة العيد وقد تقدم ذكر ذلك كله فيما سبق‪ ( ).‬عيد النحر‪ :‬فيه تفرقة الرسوم‬
‫من الذهب والفضة وتفرقة الكسوة ألرباب الخدم من أهل السيف والقلم وفيه ركوب الخليفة لصالة العيد وفيه تفرقة األضاحي‬
‫‪.‬كما مر ذلك مبيًن ا في موضعه من هذا الكتاب‪).‬‬
‫‪ :‬ـ ومما سجله المقريزى نعطى لمحة عن احتفاالت بعيد الفطر ‪2‬‬
‫‪ .‬شوال ‪361‬هـ‪ :‬كانت أول خطبة عيد للمعز الفاطمي في القاهرة عاصمته الجديدة‬
‫شوال ‪364‬هـ ‪ :‬ركب المعز الفاطمي لصالة عيد الفطر علي العادة ‪ ،‬وورد عليه الخبر بأن جنوده قد انتصروا علي الروم في‬
‫‪...‬الشام فسر المعز بذلك ‪ ،‬وتصدق على الفقراء‬
‫شوال ‪ 381‬هـ‪ :‬صلي الخليفة الفاطمي العزيز باهلل بن المعز صالة عيد الفطر وخطب علي العادة ‪.‬وأهدت إليه امرأة أسدا كانت‬
‫‪ .‬قد ربته وأرضعته فكان حجمه كالكبش الكبير‬
‫شوال‪386‬هـ ‪ :‬فرشوا سرير الذهب للخليفة ( الطفل ) الحاكم بأمر هللا الفاطمي بن العزيز باهلل وكان قد تقلد الخالفة في ‪28‬‬
‫رمضان ‪ ،‬وخرج الخليفة الجديد في عيد الفطر راكبا فرسا أدهم وقد تعمم بالجواهر وتقلد السيف ‪ ،‬وفي ركابه حسين بن عبد‬
‫الرحمن الرابض وبرجوان ‪ ،‬وقام له الناس وقبلوا األرض أمامه ‪ ،‬وتكلم ابن عمار عن الخليفة ( الطفل ) فقال للقاضي ابن‬
‫النعمان ‪ :‬موالنا يأمرك بالخروج إلي المصلي لتصلي العيد بالناس وإقامة الدعوة ألمير المؤمنين‪ ،‬فنهض القاضي قائما وقلده‬
‫برجوان سيفا محلي بالذهب‪ ،‬ومضي القاضى فصلي الناس وأقام الدعوة للخليفة الحاكم ‪ .‬ثم نصب السرير المذهب في صفة‬
‫‪ .‬اإليوان ونصب السماط للطعام وكان من فضة ‪ ،‬وجلس الخليفة ( الطفل ) علي السماط وحضر المدعوون فأكلوا‬
‫شوال ‪387‬هـ‪ :‬صلي الحاكم عيد الفطر وخطب العيد ‪ ،‬وأحضروا له امرأة من األقزام من الشام في علبة ‪ ،‬طولها ذراع واحد ‪،‬‬
‫وهى من غير ذراع ‪ ،‬ومعها أخ لها في قد الرجال من حيث الطول ‪ ،‬فأنزلت بالقصر وصرفوا لها ولمن معها الرواتب ‪ ،‬وقطع‬
‫لها في وقت واحد مائة ثوب من الحرير ‪ ،‬وكانت مليحة الكالم نظيفة ‪ .‬ولبثت بضعة وثالثين يوما وماتت ‪ ..‬فكانت لها جنازة‬
‫‪ .‬عظيمة‬
‫شوال ‪395‬هـ‪ :‬كانت أوامر الحاكم المتناقضة قد كثرت في ذلك العام وأحدثت أثرا سيئا ‪ .‬وفي عيد الفطر ركب الحاكم للصالة‬
‫وعليه ثوب أصفر وعلي رأسه منديل وقد غطي نصف وجهه األسفل والجوهر بين عينيه ‪ ،‬وكان بين يديه ستة أفراس بسروج‬
‫‪ .‬مرصعة بالجواهر وستة فيلة وخمس زرافات ‪ ،‬فصلي بالناس العيد ‪ ،‬وخطب فيهم فلعن في خطبته خصومه والمرجفين به‬
‫شوال ‪ 402‬هـ‪ :‬شدد الحاكم أوامره في منع بيع الملوخية والسمك الذي ال قشر له ( القراميط ) ومنع الناس من االجتماع في‬
‫المآتم والسير فى الجنائز ‪ ،‬وأحرق الزبيب والشطرنج وجمع الصيادين وحّلفهم أال يصطادوا سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك‬
‫‪ .‬ضربت عنقه‪ ،‬وتوالي إحراق الزبيب عدة أيام‪،‬وأحرقوا منه ‪ 2840‬قطعة وبلغت تكاليف حرقها خمسة آالف دينار‬
‫شوال ‪ 403‬هـ‪ :‬قبله جاءت أوامر جديدة للحاكم تمنع تقبيل األرض بين يديه واالنتهاء عن أخالق أهل الشرك من السجود لغير‬
‫هللا ‪ ،‬وأال يصلوا عليه في المكاتبة و المخاطبة ‪.‬ثم صلي الجمعة في رمضان في جامع عمرو بالفسطاط ‪ ،‬وهو مركز ألهل‬
‫السنة‪ ،‬والحاكم كان أول من صلي فيه من الخلفاء الفاطميين وكثرت إعطاياته للناس‪ .‬وحين جاء عيد الفطر ركب ليصلي بغير‬
‫‪ .‬ما تعود من الزينة والمواكب‬
‫شوال ‪ 404‬هـ ‪ :‬استمر الحاكم في سياسته الجديدة فركب لصالة الجمعة قبل عيد الفطر فازدحم عليه الناس فوقف لهم وحادثهم‬
‫وضاحكهم وأعطاهم الكثير‪ .‬وفي عيد الفطر ركب للصالة بغير زى الخالفة ‪ ،‬ولم يعمل سماط في القصر لكبار الناس ‪ ،‬ومنع‬
‫‪ ..‬النساء من الخروج‬
‫شوال ‪ 415‬هـ‪ :‬ركب الخليفة الجديد الظاهر لصالة العيد في عساكره وبين يديه فيل وزرافات وأعالم مذهبة بقصب وفضة‬
‫والطبول تضرب والخيول أمامه ‪ ،‬وجميع القواد أمامه في السالح ‪ ،‬وعليه ثوب خز وفي يده القضيب ‪ ،‬وعليه السيف ومعه‬
‫الرمح ‪ ،‬وعلي رأسه المظلة المذهبة يحملها خادمه مظفر وبين يديه الخدم السودان وعليهم أصناف المذهبات ‪.‬ووصل بهذه‬
‫الزينة و المواكب إلي الجامع األزهر فصلي العيد ورقي المنبر ‪ ،‬وخطب ثم نزل ‪ ،‬وعاد إلي قصره وأقيم السماط فأكل أهل الدولة‬
‫‪..‬‬

‫الفصل السابع عشر ‪ :‬لمحة عن االحتفال بالعيدين فى العصر المملوكى‬

‫ــ ويصف ابن الصيرفى بعض مظاهر االحتفال الرسمي بعيد الفطر ‪ ،876‬يقول عنه‪ ( :‬أهّل بيوم األربعاء ‪ ،‬ويوافقه من أيام ‪1‬‬
‫الشهور القبطية خمس عشر برمهات‪ ،‬وهذا أول يوم من الربيع‪ .‬فيه صعد قضاة القضاة إلى السلطان فصلوا صالة العيد باإليوان‬
‫الذى جّد ده بالقرب من باب القصر ‪ .‬وكنت في خدمة قاضى القضاة الحنفي ‪ .‬ودخلت القصر‪ ،‬فحضر السلطان‪ ،‬وكان له موكب‬
‫عظيم‪ ،‬الجاويشية تزعق واألوزان تضرب‪ ،‬والنشابه السلطانية والصنوج وأمثال ذلك‪ ،‬والعسكر واألمراء األكابر خلفه ‪ ،‬وهم‬
‫األمير جانبك قلقسيز أمير سالح واألمير الجين أمير مجلس واألمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير أخور واألمير تمر حاجب‬
‫الحجاب‪ ،‬واألمراء أزدمر الطويل واألمير قراجا الطويل واألمير قانصوه المحمودى واألمير سودون‪ ،‬وبقية العسكر ‪ .‬واألمراء‬
‫يقبلون يد السلطان ‪ ،‬وأمير جندار وأمير داودار ثانى يمسكانهم حتى يقبلوا يد السلطان‪ .‬ودخل قضاة القضاة بعد لبس خلعهم‬
‫وهّن وه فقام لهم‪ ،‬ولم يقم ألحد من الترك (المماليك) في هذا المجلس سوى لألمير جانبك اإلينالى الشرفي الشهير بقلقسيز نصف‬
‫‪.‬قومة‪ .‬ودخل المباشرون وبقية العسكر فهّن وه وقّب لوا األرض وباسوا يده ‪ ،‬وانصرفوا على ذلك ‪ .‬وهللا مالك الممالك‪).‬‬
‫وواضح مما سبق أن السلطان جعل لعيد الفطر احتفاًال موسيقيًا عسكريًا‪ ،‬وإن لم يخل من تقديس فرضته الطقوس المملوكية‬
‫وباركته الشريعة الّس نية في تقبيل األرض بين يدى السلطان‪ ،‬أى كانوا يسجدون سجودَا كامًال أمام السلطان‪ ،‬وقد كان ذلك يحدث‬
‫دائمًا وفي أثناء المناسبات الدينية وبعد أن سجدوا هلل تعالى في صالة العيد‪ ،‬جاءوا ليسجدوا للسلطان ويقبلوا األرض بين يديه‪،‬‬
‫وأحيط ذلك بطقوس مملوكية حربية من دق الصاجات والطبول وصراخ الجاويشية لترتجف القلوب وهى تدخل ذلك اإليوان‬
‫‪.‬الجديد الذى بناه السلطان‬
‫ـــ وكان ذلك يحدث بالطبع في صالة عيد األضحى‪ ،‬إال أن عيد األضحى تميز بأنه عيد األضحية ‪ ،‬حيث يقوم السلطان بذبح ‪2‬‬
‫األضاحي وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة‪ ،‬وكان الرؤساء واألمراء يقلدون السلطان في ذلك‪ .‬وفي عيد‬
‫األضحى ‪ 873‬كان السلطان في فارسكور‪ ،‬فلم يتم توزيع األضاحي في القاهرة بسبب غياب السلطان ‪ ،‬وكان ذلك من أسباب‬
‫الهم والغم في القاهرة‪ ،‬يقول مؤرخنا يعبر عن حزنه وحزن اآلخرين‪ ( :‬هذا والناس بالقاهرة في أمر مريج وقلق عظيم لعظم‬
‫الغالء ومخافة السبل والطرقات ‪ ،‬والمصيبة العظمي حزنهم على من مات لهم بالطاعون قبل تاريخه‪ ،‬والزيادة على ذلك قطع‬
‫( أى منع ) أضاحى الناس لسفر السلطان ألن المباشرون قطعوا ( منعوا ) غالب األضحية‪ ،‬ولم يفرق أحد في هذه السنة من‬
‫الرؤساء واألمراء شيئًا من األضاحي اقتداءًا بغيبة لسلطان نصره هللا‪ ،‬وكان هذا العيد أشبه شيء بالمأتم لما طرق الخلق من‬
‫الحزن والكآبة وقبض الخاطر‪ ،‬وافتقر بسبب هذا الغالء خالئق من األعيان وغيرهم لطول مكثه‪ .) .‬أى ألّن السلطان بالديار‬
‫‪.‬المصرية أى باألقاليم فلم يجد ابن الصيرفي في العيد إال مأتمًا ألن السلطان غائب وأضحياته ضاعت فضاعت بهجة العيد‬
‫ـ وفي عيد األضحى ‪ 875‬فّر ق السلطان األضحية على المستحقين من أرباب الوظائف‪ ،‬وخلع السلطان على ناظر الخاص ‪3‬‬
‫الذى قام بتفرقة األضحية‪ ( ،‬وشكر الناس ودعوا للسلطان بسبب ذلك‪ .).‬وفي عيد األضحى ‪ 875‬سافر األمير قانصوه الخسيف‬
‫من القاهرة‪ ،‬ويعلق مؤرخنا على ذلك فيقول‪ ( :‬كأنه هرب من تفرقة األضحية‪ ،‬وفرق السلطان نصره هللا‪ ،‬األضحية على‬
‫المماليك السلطانية وغيرهم ‪ ،‬فجزاه هللا خيرًا‪ .).‬وفي عيد األضحى ‪ 885‬فّر ق السلطان األضاحي‪ ،‬يقول مؤرخنا ‪ ( :‬وذبح فيه‬
‫السلطان‪ .‬ونحر ذبائح عظيمة وفّر ق فيه من قبله أضاحي من أول هذا الشهر بجمل من األموال ‪ ،‬ولم يعط المباشرون فيه ألحد‬
‫عادته كما رسم لهم‪ ،) .‬أى أن السلطان كان يوكل للمباشرين تفرقة األضاحى‪ ،‬ويقوم المباشرون باختالس األضحية وحرمان‬
‫‪.‬المستحقين ‪ .‬وهى عادة مصرية سيئة‬
‫الدعم ال يصل إلى مستحقيه‪ :‬ويقول مؤرخنا يعطي تفصيالت أكثر‪ (:‬وُفّر قت أضحية السلطان ــ نصره هللا ـــ في هذه السنة‬
‫بحضوره في الحوش السلطانى على الخاص والعام ‪ ،‬من أمير المؤمنين ( الخليفة العباسى الذى كان يقيم فى القاهرة ) دام‬
‫شرفه ‪ ،‬وقضاة القضاة ‪ ،‬حتى إلى اليتيم واألرملة والضعيف والفقير والفقية والعاجز والمسكين ‪ .‬وذلك بوصية السلطان في‬
‫ذلك‪ .) .‬وهذا كالم جميل يطمئننا على أن الفقراء أكلوا لحمًا فى ذلك العيد‪ ،‬ولكن ال يلبث مؤرخنا أن يناقض نفسه فيقول ‪:‬‬
‫( غير أن الفقهاء والفقراء يقاسون من ديوان الخاص من الشدائد والتعب أمرًا عظيمًا‪ ،‬وذاك أن المتكلم في هذه السنة في‬
‫وظيفة الخاص وكيل السلطان عالء الدين إبن الصابوني رسم له السلطان أن ال يعّو ق أحدًا‪ ،‬فصاروا يأخذون الوصول‪،‬ثم‬
‫يأخذون خط ابن الصابوني ثم يتوجهون إلى الصيرفي فال يعطيهم إال فلوسًا‪ .‬وأما أصحاب الجاه األقوياء فيأخذون ذهبًا وفضة‬
‫وغنمَا‪ ،‬بل ويرسلون إلى بيتهم من غير مطالبة ‪ .) .‬كانوا يصرفون الدعم في وصل أو بطاقة يتسلمها أحدهم وعليها توقيع‬
‫وكيل السلطان ابن الصابوني‪ ،‬ويذهب بالوصل إلى الموظف المختص بالصرف‪ ،‬فإذا كان صاحب الوصل فقيرًا صرف له قليًال‬
‫من الفلوس‪ ،‬أما إذا كان من أصحاب الجاه وذوى النفوذ أخذ بذلك الوصل الذهب والفضة والغنم‪ ،‬بل أرسلوه إلى بيته بدون أن‬
‫يحضر إلى الصّر اف‪.‬إّن ها (الدولة العميقة) فى مصر!‪.‬العميقة العريقة فى فسادها وتسّلطها وتحكم كبار موظفيها فى الشعب‬
‫‪.‬المسكين‪ .‬ومن سّن تها أن يذهب الدعم إلى غير مستحقيه‬
‫أخيرا‬
‫ومع ذلك فإن هذه البدعة ( صالة العيد ) ال تزال فريضة مرعية الجانب لصلتها باالستغالل السياسي ‪ ..‬ويحرص الفرعون‬
‫المصري على حضور صالة العيدين ‪ ،‬وفى المقابل فإن أتباع التيار الديني الوهابي السياسي ( االخوان المسلمين) يحرصون من‬
‫جانبهم على تأدية صالة العيد ‪ ،‬وألنهم خارج السلطة فإنهم يحرصون على تأدية صالة العيد فى الخالء ‪ ،‬الستعراض القوة‬
‫‪..‬ولجذب االنتباه ‪ ،‬ونشر النفوذ وكسب المزيد من االتباع‬

‫الفصل الثامن عشر ‪ :‬التواتر الشيطانى فى صالة الجنازة ‪ :‬لمحة تاريخية‬

‫‪ :‬أوال‬
‫‪ .‬ـ من العادات البشرية ما يعرف بتأبين الميت قبل دفنه ‪1‬‬
‫وإسالميا فالصالة على الميت هى مجرد الوقوف على قبرة والدعاء له ‪.‬الصالة ( على ) الميت هى دعاء له بعد الدفن قبره‪2 : ،‬‬
‫وليست لها كيفية معينة ‪ .‬مجرد الوقوف بخشوع ثم الدعاء للميت أن يرحمه هللا جل وعال‪.‬هذا الدعاء ال يفيد الميت ألن منزلته‬
‫‪.‬قد تحددت فعال وتم تبشيره بالجنة أو النار حسب عمله وإيمانه ‪.‬هذه الصالة يكتسب ثوابها من يصليها فى دعائه هلل جل وعال‬
‫ـ وكان النبى محمد عليه السالم يدعو لكل من مات فى عهده من أهل المدينة ‪ ،‬ونهاه هللا تعالى عن أن يقوم داعيا مصليا على ‪3‬‬
‫بعض المنافقين المعروفين لديه والذين قال هللا تعالى أنه لن يغفر لهم ‪ ،‬ألنهم سيظلون على كفرهم إلى الموت ‪ .‬ونتتبع‬
‫‪ .‬موضوعهم قرآنيا‬
‫قال جل وعال عن أولئك المنافقين بالذات ‪ ( :‬اَّلِذيَن َي ْلِم ُز وَن اْلُم َّط ِّو ِع يَن ِمَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِفي الَّص َد َقاِت َو اَّلِذيَن اَل َي ِج ُدوَن ِإاَّل ‪3 / 1 :‬‬
‫ُجْه َدُه ْم َفَيْس َخ ُر وَن ِم ْن ُهْم ۙ َس ِخَر الَّلـُه ِم ْن ُهْم َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم﴿‪ ﴾٧٩‬التوبة ) أى لم يقتصروا فقط على االمتناع عن االنفاق التطوعى‬
‫‪ .‬فى سبيل الجهاد بل كانوا يسخرون من المتبرعين المؤمنين سواء كانوا فقراء أو أغنياء‬
‫اْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َأْو اَل َت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم ِإن َت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َس ْب ِعيَن َمَّر ًة َفَلن َي ْغ ِفَر الَّلـُه َلُهْم ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َك َف ُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه ۗ َو الَّلـُه اَل ( ‪3 / 2 :‬‬
‫أى ال فائدة من أن يستغفر لهم النبى محمد عليه السالم ألنهم كفروا وسيظلون على ‪َ ) .‬يْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَفاِس ِقيَن ﴿‪ ﴾٨٠‬التوبة‬
‫‪.‬كفرهم حتى موتهم ‪ ،‬هكذا اخبر عالم الغيب جل وعال‬
‫َفِر َح اْلُم َخ َّلُفوَن ِبَم ْق َع ِدِه ْم ِخاَل َف َر ُس وِل الَّلـِه َو َك ِر ُهوا َأن ُيَج اِهُدوا ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َو َقاُلوا اَل َت نِفُر وا ِفي ( ‪3 / 3 :‬‬
‫اْلَح ِّر ۗ ُقْل َن اُر َج َه َّن َم َأَش ُّد َح ًّر ا ۚ َّلْو َك اُنوا َي ْفَق ُهوَن ﴿‪َ ﴾٨١‬فْلَيْض َح ُك وا َقِلياًل َو ْلَيْب ُك وا َك ِثيًر ا َج َز اًء ِبَم ا َك اُن وا َي ْك ِس ُبوَن ﴿‪َ ﴾٨٢‬فِإن َّر َج َع َك‬
‫الَّلـُه ِإَلٰى َط اِئَف ٍة ِّم ْن ُهْم َفاْس َت ْأَذ ُنوَك ِلْلُخ ُر وِج َفُقل َّلن َتْخ ُرُج وا َم ِع َي َأَب ًد ا َو َلن ُتَقاِتُلوا َم ِع َي َع ُد ًّو ا ِۖإَّنُك ْم َر ِض يُتم ِباْلُقُع وِد َأَّو َل َمَّر ٍة َفاْق ُع ُدوا‬
‫هم فرحوا بتخلفهم عن القتال الدفاعى فكان جزاؤهم منعهم من االشتراك مستقبال فى العمل الدفاعى ‪َ ).‬مَع اْلَخ اِلِفيَن ﴿‪ ﴾٨٣‬التوبة‬
‫‪ ،‬ثم الجزاء اآلخر هو منع النبى من أن يقوم على قبر أحدهم داعيا مستغفرا له ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ (:‬و اَل ُتَص ِّل َع َلٰى َأَح ٍد ِّم ْن ُهم َّم اَت‬
‫َأَب ًدا َو اَل َت ُقْم َع َلٰى َقْب ِر ِه ۖ ِإَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن ﴿‪ ﴾٨٤‬التوبة )‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫ـ الطقوس فيما يعرف بصالة الجنازة وطقوس الجنازة نفسها هى عادات اجتماعية متوارثة متواترة فى األديان األرضية بما ‪1‬‬
‫فيها كلمات التلقين ‪ ،‬وهم يفترضون ان الميت حُّى فى قبره يسمعهم ويتعلم منهم ‪ ،‬وهم يلقنونه أو ( يغششونه ) فى االمتحان‬
‫عندما يأتى المتحانه االستاذ (منكر) واألخ ( نكير ) ‪ ،‬وبعدها يكون القبر بزعمهم حفرة من حفر النار او روضة من رياض‬
‫الجنة‪ .‬وال عزاء لمن يسقط فى البحر غريقا ‪ُ (..‬طّظ ) فيه ‪ .‬طقوس الجنازة تختلف فى طرافتها وخرافاتها لدى كل الشعوب‬
‫والثقافات واألديان األرضية ‪ ،‬ولكنها أكثر إضحاكا عند المحمديين واألقباط المصريين ‪ ،‬ألنها متوارثة لديهم من عصر االعتقاد‬
‫‪ .‬فى ايزيس واوزوريس ‪ .‬وانتشرت من مصر الفرعونية الى ما حولها‬
‫ـ فى تاريخ المسلمين صنعوا حديثا نسبوه للنبى محمد عليه السالم أنه قال فى جنازة حبيب بن معلمه النهرى " صلوا على ‪2‬‬
‫أخيكم واجتهدوا فى الدعاء له ‪ ،‬وليكن من دعائكم له ‪ :‬اللهم اغفرلهذه النفس الحنيفية المسلمة واجعلها من الذين تابوا واتبعوا‬
‫سبيلك وقها عذاب الجحيم " ( ابن سعد ‪ . ) 155 ، 2 ، 7‬وقالوا أن سورة ( يـــس ) إذا قرئت عند المريض ى احتضاره خفف‬
‫هللا بها عنه ( ابن سعد ‪ .) 154 ، 2 ، 7‬هذا كله تشريع يتبع دينا ارضيا يحول الموروثات االجتماعية الى دين ‪ .‬وينضح‬
‫‪ .‬بالكذب واالفتراء‬
‫ـ ولهذا تحتضن الكنائس ومساجد المحمديين صالة الجنازة ‪ ،‬ويكون عقاب المغضوب عليه فى الكنيسة حرمانه عند موته من ‪3‬‬
‫خدمات الجنازة فى الكنيسة ‪, ،‬اذكر إن القس ابراهيم عبد السيد كان أكبر معارض للبابا شنودة ‪ ،‬وحين مات حرمه البابا شنودة‬
‫من خدمات الكنيسة ‪ ،‬وحضرت هذه الماساة بنفسى متعجبا كيف يسمحون لشخص أن يتحكم فى أتباعه فى حياته وفى موته ‪!!.‬‬
‫‪ .‬وهو نفس الشىء تقريبا فى كهنوت المحمديين فى حرمان من يخرج عن دينهم من الدفن فى ( مقابر المسلمين )‪ .‬كل هذا‬
‫هجص فى هجص فى هجص ‪ .‬فالنفس عند الموت تعود الى برزخها الذى أتت منه ‪ ،‬ويبقى الجسد الميت جيفة نتنة يجب دفنها‬
‫‪.‬وتغيبها فى جوف األرض لتحلل بعيدا عن الناس إكراما لمن كان صاحب هذه الجثة‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬لمحة عن طقوس الجنازة فى مصر العصر المملوكى‬
‫المؤرخ ابن الصيرفى سجل أحداث عصره فىة سلطنة قايتباى فى كتابه (إنباء الهصر بأبناء العصر ) ونقتطف منه ما سجله‬
‫‪ :‬عن مشاهداته فى بعض الجنازات نضعه تحت عناوين‬
‫الجنازة الحافلة والجنازة ب ( الفقيرى )‬
‫‪:‬ـ إذا كان من األعيان كانت جنازته حافلة يحضرها قضاة القضاة وأعيان الموظفين واألمراء وربما السلطان نفسه ‪1‬‬
‫يقول مؤرخنا يصف جنازة القاضى برهان الدين (في ‪ 9‬محرم ‪ ( )876‬كانت له جنازة حافلة حضرها قضاة القضاة ‪1 / 1 :‬‬
‫ومشايخ اإلسالم وأعيان الرؤساء والمباشرون‪ ،‬ومشى غالبهم في الجنازة من المؤيدية (أى الخانقاة المؤيدية وكان شيخًا لها)‬
‫إلى سبيل المؤمني‪ ،‬وركب السطان ونزل إليه حتى صلى عليه‪ ،‬وتقدم للصالة عليه قاضى القضاة ولى الدين أحمد األسيوطى‬
‫‪.‬الشافعي‪) .‬‬
‫وفي جنازة األمير سيف الدين يشبك ‪ ( : 876‬حضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصلى عليه هو واألمراء الموجودون ‪1 / 2 :‬‬
‫‪.‬واألكابر واألعيان والقضاة ومشايخ اإلسالم‪).‬‬
‫وحدث نفس الشيء في وفاة خوند مغل وخوند فاطمة بنت الظاهر ططر‪ ،‬بل حتى في وفاة ابن األتابكي أزبك ‪ ،‬وهو طفل ‪1 / 3 :‬‬
‫عمره سنتان‪ ،‬فقد كان من الحاضرين القضاة والمشايخ واألمراء واألعيان‪ ،‬يقول مؤرخنا‪ (:‬وكانت له جنازة حافلة)‪ ،‬وكيف ال؟‬
‫وأبوه األتابك قائد الجيش المملوكى وجده ألمه الظاهر جقمق‪ .‬أى ( إبن أكابر)‪ ،‬أو بتعبير العصر المملوكى وعصرنا ‪ (:‬إبن‬
‫‪.‬ناس )‬
‫وقد يكون المتوفى سيء الحظ مغضوبًا عليه قبل وفاته مثل ابن الكويز الذى كان له جنازة بالفقيرى على حد قول ابن ‪2 :‬‬
‫‪ .‬الصيرفي‪.‬أى مغموسة بالفقر ‪..‬والفقير ُم هان فى حياته وفى جنازته‬
‫خطبة نفاق وأكاذيب فى تأبين الميت‬
‫ـ وبعد الصالة على المتوفي يتطوع أحدهم ويرتجل خطبة يثني فيها على المتوفي ويشيد بمحاسنه حتى لو كان من أفجر ‪1‬‬
‫‪.‬الناس‪ ،‬وغالبًا ما يكون أرباب المناصب كذلك‪ ،‬ولكنهم في العادة يريدون االستحواذ على اآلخرة كما استحوذوا على الدنيا‬
‫ـ في جنازة القاضى (الفاسد ) برهان الدين‪ ،‬وقف كاتب السر بعد الصالة عليه وأثني عليه خيرًا‪ ،‬يقول مؤرخنًا يصف ما ‪2‬‬
‫حدث‪ ( :‬وشكر رئيس الدنيا ابن مزهر األنصاري كاتب السر حفظه هللا على المسلمين بين يدى السلطان ‪ ،‬وأثنى عليه بحضور‬
‫السلطان وقضاة القضاة ومشايخ اإلسالم ووصفه بالعفة والديانة والنظر السديد في األمور‪ .).‬مع أن هذا القاضى المتوفى كان‬
‫نموذجًا فريدًا للغدر والنذالة‪ ،‬فقد غدر بأخيه قاضى القضاة سعد الديرى الحنفي حين كان كاتب السر للسلطان خشقدم‪ ،‬ولكن‬
‫صاحبنا نسى أفضال أخيه عليه وصعد للسلطان يخبره بأن أخاه ذهل وعجز عن القضاء‪ ،‬ووعد بدفع رشوة قدرها ثمانية آالف‬
‫دينار عّج ل منها بخمسة ليعزل السلطان أخاه ويوليه مكانه‪ ،‬وتم له ما أراد‪ ،‬يقول مؤرخنا ابن الصيرفى ‪ (:‬فحصل ألخيه منه‬
‫حصر زائد‪ .).‬وبعد أن مات ذلك القاضى النذل تناسوا أفعاله الذميمة ووصفوه في جنازته بالعفة والديانة والنظر السديد‪.‬‬
‫والمضحك أن كاتب السر كان يعرف نذالته وفساده وكان يتحدث عنه بهذه الشهادة الزور أمام أولئك الذين يعرفونه‪ ،‬ومنهم‬
‫مؤرخنا ابن الصيرفي الذى نستقي منه تلك المعلومات‪ .‬فتلك سنتهم القائمة على الكذب والتزوير مع معرفتهم بأنه كذب‬
‫وتزوير ‪ .‬يتطوعون بالشهادات الزور أمام رب العزة عند موت أحدهم فيكذبون فى وصفه طبقا للّس نة الكاذبة التى تزعم‬
‫أحاديثها أن الثناء على الميت من أسباب دخول الجنة مهما فعل‪ .‬والمثل الشعبي في العصر المملوكي يعكس هذه الثقافة حين‬
‫كان يقول ساخرا ‪ ( :‬بعد ما راح المقبرة بقي في حنكه سكرة )‪ .‬ولعل ذلك المثل البليغ قد صيغ ليعبر عن ذلك النفاق الدينى‬
‫‪.‬االجتماعى‬
‫‪:‬ــ وأصبحت عبارة ‪ ( :‬وأثنوا عليه خيرا ) تأتى مرادفة لتفصيالت وقائع الجنازة ‪3‬‬
‫ففي وصف جنازة األمير سيف الدين يشبك‪ ،‬يقول مؤرخنا‪ ( :‬فحضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصّلى عليه هو ‪3 / 1 :‬‬
‫‪.‬واألمراء الموجودون واألكابر واألعيان والخاصكية وقضاة القضاة ومشايخ اإلسالم ‪ ،‬وأثنوا عليه خيرًا‪) .‬‬
‫ويقول عن جنازة الشيخ أحمد بن مظفر ‪ ( 876‬وممن حضر جنازته ودفنه شيخنا الشيخ أمين الدين األقصرائي وأثنوا‪3 / 2 :‬‬
‫‪.‬عليه خيرًا‪).‬‬
‫ويقول عن ابن إمام الكاملية ت‪ ( : 876‬كانت له جنازة حافلة وأثنوا عليه خيرًا ) ‪ ،‬وعن ابن الميقاتي‪( :‬كان له مشهد ‪3 / 3 :‬‬
‫‪.‬عظيم وأثنوا عليه ثناءًا حسنًا‪).‬‬
‫‪.‬وعن ابن قمر‪ ( :‬وكانت له جنازة شهدها الفضالء والطلبة وأثنوا عليه خيرًا ‪3 / 4، ).‬‬
‫وعن شمس الدين األمشاطي‪ ( :‬وكانت جنازة حافلة مشهودة حضرها الفضالء والعلماء والمشايخ واألعيان وكثر الثناء ‪3 / 5 :‬‬
‫‪.‬عليه )‬
‫وعن الشيخ سراج الدين العبادي شيخ الشافعية‪"( :‬كان له جنازة عظيمة حضرها قضاة القضاة ومشايخ العلماء ‪3 / 6 :‬‬
‫‪.‬والطلبة والفقهاء والمباشرون واألعيان وبعض األمراء‪ ،‬وكثر الثناء عليه والترحم والذكر الجميل‪).‬‬
‫ـ ولو صّد قنا أّن كل أولئك كانوا يستحّق ون الثناء الجميل لكان علينا أن نرفض معظم ما قاله ابن الصيرفى فى أحداث عصره ‪4‬‬
‫وأفعال أهل عصره التى جمعت كل الجرائم والموبقات والفساد‪ .‬ومن الواضح أن المتخّص صين فى التزوير من علماء الدين‬
‫والقضاة كانوا هم الذين يقومون بمهمة قول الثناء الحسن وذكر محاسن الموتي‪ ،‬أى يبدأ أحدهم حياته بالنفاق والزور‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬تشيعه فى دفنه عبارات النفاق والزور‬
‫‪ :‬أماكن الصالة على الميت فى القاهرة المملوكية‬
‫وكان يتم الصالة على الميت في سبيل المؤمني أو في مصلى باب النصر‪ ،‬ويتم دفن الميت في تربة أسالفه‪ .‬ولكن فى ظروف‬
‫‪ :‬الوباء وتزايد الموتى تتكاثر أماكن الصالة على الموتى ‪ .‬حتى تصل الى ‪ 17‬مصلى ‪ .‬وننقل من ابن الصيرفى‬
‫ـ فى شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة‪ .‬وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع اإلحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من الطاعون‪1 .‬‬
‫في يوم األربعاء ‪ 18‬رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفرًا‪ ..‬ثم وصل يوم الجمعة ‪ 20‬رجب إلى‬
‫مائة نفر‪ ،‬ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر أّن من تمت‬
‫‪.‬صالة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفرًا‬
‫ـ وبمرور أيام شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة‪ .‬وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع اإلحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من ‪2‬‬
‫الطاعون‪ .‬في يوم األربعاء ‪ 18‬رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفرًا‪ ..‬ثم وصل يوم الجمعة‬
‫‪ 20‬رجب إلى مائة نفر‪ ،‬ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر‬
‫أّن من تمت صالة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفرًا ‪ ( ،‬فما بالك ببقية المصالت التى بالقاهرة فإن عدتها سبع‬
‫عشرة مصالة وبهذا المقتضى ال نعتمد على ضبطهم ‪ .) .‬وهذه لفتة تضاف إلى رصيد الدقة والتحرى من جانب ابن الصيرفي‪.‬‬
‫‪.‬وكان ابن الصيرفي يأخذ إحصاءاته الرسمية من ديوان المواريث الحشرية‪،‬ويرى أنه ال ينبئ عن العدد الحقيقي لألموات‬
‫‪:‬ـ ثم هّل شهر شعبان وقد فشا الطاعون بالقاهرة ومصر وبوالق‪ ..‬وقد ذكر مؤرخنا بعض اإلحصاءات ‪3‬‬
‫ففي أحداث الجمعة ‪ 5‬شعبان ‪ ( :‬وصل عدد األموات بمصلي باب النصر والبياطرة إلى مائتى نفر بباب النصر مائة ‪3 / 1 :‬‬
‫‪.‬وثالثون‪ ،‬والبياطرة سبعون‪ ،‬وقس على هذا ما بقي من المصالت بالقاهرة وهى خمس عشرة مصالة‪).‬‬
‫وفي يوم الثالثاء ‪ 19‬شعبان مات جماعة من العسكر المملوكي المسافر لحرب شاه سوار‪ ،‬ماتوا بالطاعون قبل السفر‪3 / 2 : ،‬‬
‫ووصل عدد األموات بمصلى باب النصر أكثر من ‪ ،230‬وبمصلى البياطرة أكثر من ‪ ،130‬يقول مؤرخنا ‪ ( :‬وقس على ذلك‬
‫‪.‬باقى المصالت‪).‬‬
‫وفي يوم األحد ‪ 21‬شعبان بلغ عدد الموتى الذين صلوا عليهم بمصلى باب النصر ‪ ،441‬يقول مؤرخنا‪ ( :‬وقس على ‪3 / 3 :‬‬
‫هذا بقية المصالت التى بالقاهرة وظواهرها‪ ،‬والناس يقطعون ويجزمون بأن من يصلى عليه بمصلى باب النصر من األموات‬
‫يكون أكثر عشر من يموت بالقاهرة ‪ ،‬فعلى هذا يكون عدد من يموت بالقاهرة وظواهرها في كل يوم أربعة آالف إنسان‬
‫وأربعمائة إنسان‪ ،‬ومعظم الطاعون األن بأسفل مصر من جهة الحسينية وغيرها إلى بين القصرين‪ ،‬ومن جامع باب زويلة‬
‫‪ .‬الطاعون أخف مما تتقدم‪).‬‬
‫وفي يوم السبت ‪ 27‬شعبان أول فصل الربيع بلغ عدد الموتى الذين صلى عليهم بمصلى باب النصر ‪ ،407‬وفي مصلى ‪3 / 4 :‬‬
‫‪.‬البياطرة ‪ ،215‬ومصلى المؤمني‪185‬‬
‫وفي يوم االثنين ‪ 29‬شعبان توفي بالطاعون طفل للسلطان السابق خشقدم وكان في السادسة من عمره‪ ،.‬ذكروه ألنه ‪3 / 5 :‬‬
‫‪ .‬ابن السلطان ‪..‬أما الباقون فهم مجرد أعداد بال أوصاف وأسماء‬

‫الفصل التاسع عشر ‪ :‬التواتر الشيطانى فى ‪ :‬إبتداع صالة السنن بديال عن النوافل‬
‫‪ :-‬أوال ‪ :‬صالة النوافل االسالمية‬
‫ـ النافلة تعنى الزيادة ‪ .‬وقد وهب هللا جل وعال البراهيم ابنه البكرى إسماعيل ثم وهب له زيادة أو نافلة ابنه اآلخر اسحاق ثم ‪1‬‬
‫عاش ابراهيم حتى رأى حفيده يعقوب ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َو َه ْب َن ا َلُه ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب َن اِفَلًة َۖو ُك اًّل َج َع ْلَن ا َص اِلِحيَن ﴿‪ ) ﴾٧٢‬األنبياء‬
‫‪).‬‬
‫الزيادة فى العبادة أى فى العبادة المفروضة تأتى بمعنى النافلة ‪ ،‬وجاء فى سياق قيام الليل فى سورة اإلسراء ( َأِقِم الَّص اَل َة‬
‫ِلُد ُلوِك الَّش ْم ِس ِإَلٰى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ۖ ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًدا﴿‪َ ﴾٧٨‬و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َع َس ٰى َأن َيْبَع َث َك‬
‫‪َ.‬ر ُّب َك َم َقاًم ا َّمْح ُم وًدا ﴿‪)﴾٧٩‬‬
‫أنواع عبادة النوافل‬
‫ـ تالوة القرآن وتأويله فى بداية ما نزل من القرآن الكريم ‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اْلُم َّز ِّم ُل ﴿‪ُ ﴾١‬قِم الَّلْي َل ِإاَّل َقِلياًل ﴿‪ِّ ﴾٢‬ن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه ‪1‬‬
‫َقِلياًل ﴿‪َ ﴾٣‬أْو ِز ْد َع َلْي ِه َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن َت ْر ِتياًل ﴿‪ ﴾٤‬المزمل )‬
‫ـ ‪ :‬االستغفار ‪َ ( :‬ك اُن وا َقِلياًل ِّم َن الَّلْي ِل َم ا َيْهَج ُع وَن ﴿‪َ ﴾١٧‬و ِباَأْلْس َح اِر ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن ﴿‪ ﴾١٨‬الذاريات ) ‪2‬‬
‫التسبيح ‪َ ( :‬و َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل اْلُغ ُر وِب﴿‪َ ﴾٣٩‬و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو َأْد َب اَر الُّسُج وِد ﴿‪ ﴾٤٠‬ق ) (َو َسِّبْح ‪3:‬‬
‫ِبَح ْم ِد َر ِّب َك ِحيَن َت ُقوُم ﴿‪َ ﴾٤٨‬و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو ِإْد َب اَر الُّن ُج وِم ﴿‪ ﴾٤٩‬الطور ) (َفاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع‬
‫الَّش ْم ِس َو َقْب َل ُغ ُر وِبَه ا ۖ َو ِمْن آَن اِء الَّلْي ِل َفَس ِّبْح َو َأْط َر اَف الَّن َه اِر َلَع َّلَك َت ْر َض ٰى ﴿‪ ﴾١٣٠‬طه )‬
‫الدعاء ‪َ( :‬تَت َج اَفٰى ُج ُنوُبُهْم َع ِن اْلَمَض اِج ِع َي ْد ُع وَن َر َّبُهْم َخ ْو ًفا َو َط َمًع ا ) (‪﴾١٦‬السجدة ) ‪4 :‬‬
‫) الصالة ‪َ( :‬أَّم ْن ُه َو َقاِنٌت آَن اَء الَّلْي ِل َس اِج ًدا َو َقاِئًم ا َيْح َذ ُر اآْل ِخ َر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّب ِه ِ) ﴿‪ ﴾٩‬الزمر ‪5 :‬‬
‫التفكر فى عظمة الخالق جل وعال والتوسل اليه بالدعاء ‪ِ ( :‬إَّن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اْخ ِتاَل ِف الَّلْي ِل َو الَّن َه اِر آَل َي اٍت ‪6 :‬‬
‫ُأِّلوِلي اَأْلْلَب اِب ﴿‪ ﴾١٩٠‬اَّلِذيَن َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِقَي اًم ا َو ُقُع وًد ا َو َع َلٰى ُج ُنوِبِهْم َو َي َت َف َّك ُر وَن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َر َّب َن ا َم ا َخ َلْق َت َه ٰـ َذ ا‬
‫‪َ .‬ب اِط اًل ُسْبَح اَن َك َفِقَن ا َع َذ اَب الَّن اِر ﴿‪ ﴾١٩١‬آل عمران )‬
‫توقيت عبادة النوافل‬
‫هى تختلف عن الصلوات الخمس المفروضة المحددة بالتوقيت ‪ .‬عبادة النوافل فيها االختيار للمتعبد حسب ظروفه ‪ .‬يتضح هذا‬
‫فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬فاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل اْلُغ ُر وِب﴿‪َ ﴾٣٩‬و ِمَن الَّلْي ِل َفَسِّبْح ُه َو َأْد َب اَر‬
‫الُّسُج وِد ﴿‪ ﴾٤٠‬ق ) (َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك ِحيَن َت ُقوُم ﴿‪َ ﴾٤٨‬و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو ِإْد َب اَر الُّن ُج وِم ﴿‪ ﴾٤٩‬الطور ) (َفاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن‬
‫َو َس ِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل ُغ ُر وِبَه ا ۖ َو ِمْن آَن اِء الَّلْي ِل َفَس ِّبْح َو َأْط َر اَف الَّن َه اِر َلَع َّلَك َت ْر َض ٰى ﴿‪ ﴾١٣٠‬طه ) ( َأِقِم الَّص اَل َة‬
‫ِلُد ُلوِك الَّش ْم ِس ِإَلٰى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ۖ ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًدا﴿‪َ ﴾٧٨‬و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َع َس ٰى َأن َيْبَع َث َك‬
‫‪َ.‬ر ُّب َك َم َقاًم ا َّمْح ُم وًدا ﴿‪ ﴾٧٩‬االسراء)‬
‫‪ :‬من حيث الشكل والكيفية‬
‫فى أى وضع ‪ ،‬قال جل وعال ‪ (:‬اَّلِذيَن َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِقَي اًم ا َو ُقُع وًدا َو َع َلٰى ُج ُنوِبِهْم َو َي َت َف َّك ُر وَن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ) ﴿‬
‫) ‪ ﴾١٩١‬آل عمران‬
‫‪ :‬من حيث المدة واالستطاعة‬
‫األكثر ‪َ ( :‬ك اُن وا َقِلياًل ِّم َن الَّلْي ِل َم ا َيْهَج ُع وَن ﴿‪َ ﴾١٧‬و ِباَأْلْس َح اِر ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن ﴿‪ ﴾١٨‬الذاريات ) (َأَّم ْن ُه َو َقاِنٌت آَن اَء الَّلْي ِل ‪1 :‬‬
‫َس اِج ًد ا َو َقاِئًم ا َيْح َذ ُر اآْل ِخَر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّب ِه ) ﴿‪ ﴾٩‬الزمر )(َي ا َأُّيَه ا اْلُم َّز ِّم ُل ﴿‪ُ ﴾١‬قِم الَّلْي َل ِإاَّل َقِلياًل ﴿‪ِّ ﴾٢‬ن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه‬
‫َقِلياًل ﴿‪َ ﴾٣‬أْو ِز ْد َع َلْي ِه َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن َت ْر ِتياًل ﴿‪ ﴾٤‬المزمل )‬
‫ـ التوسط والتيسير ‪ِ ( :‬إَّن َر َّب َك َيْع َلُم َأَّن َك َت ُقوُم َأْد َنٰى ِمن ُثُلَث ِي الَّلْي ِل َو ِنْص َف ُه َو ُثُلَث ُه َو َط اِئَف ٌة ِّم َن اَّلِذيَن َمَع َك ۚ َو الَّلـُه ُيَق ِّد ُر الَّلْي َل ‪2‬‬
‫َو الَّن َه اَر ۚ َع ِلَم َأن َّلن ُتْح ُص وُه َفَت اَب َع َلْي ُك ْم ۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِمَن اْلُقْر آِن ۚ َع ِلَم َأن َسَي ُك وُن ِمنُك م َّمْر َض ٰى ۙ َو آَخ ُر وَن َيْض ِر ُبوَن ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َيْب َت ُغ وَن ِمن َفْض ِل الَّلـِه ۙ َو آَخ ُر وَن ُيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِم ْن ُه )﴿‪ ﴾٢٠‬المزمل ) ( َتَت َج اَفٰى ُج ُنوُبُهْم َع ِن‬
‫‪ ) .‬اْلَمَض اِج ِع َي ْد ُع وَن َر َّبُهْم َخ ْو ًفا َو َط َمًع ا ) ﴿‪﴾١٦‬السجدة‬
‫ثانيا ‪ :‬قيام الليل وصالة النوافل بين التواتر االسالمى والتواتر الشيطانى‬
‫ـ ذكر هللا جل وعال السابقين إيمانا وعمال من الصحابة ‪ ،‬ونعتقد أنهم كانوا يقومون الليل عبادة وخشوعا لرب العزة جل وعال ‪1‬‬
‫وبالتالى فلم يكن لديهم وقت لإلنغماس فى الحروب والفتن والصراع السياسى ‪ .‬النعزالهم عن المجال العام الذى شغله الخلفاء‬
‫‪ .‬الفاسقون وأتباعهم وخصومهم فقد أهمل التاريخ ذكر أولئك الصحابة السابقين األبرار‬
‫ـ وفى تاريخ الصحابة والتابعين منهم من كان يقضى ليله يقرأ القرآن ويصلى ثم يتفانى فى قتل األبرياء ‪ ،‬وقد تخصص ‪2‬‬
‫الخوارج فى هذا‪ .‬كانوا معروفين بلقب ( الّقّر اء ) وبسمات السجود فى وجوهمم كما كانوا معروفين أيضا بتطرفهم ووحشيتهم‬
‫فى قتل األبرياء ‪ .‬جعلوا من تطرفهم فى العبادة وسيلة لتطرفهم فى القتال‪ .‬أى إستمر التواتر وقتها من حيث الشكل مع إختالف‬
‫‪ .‬الثمرة والنتيجة‬
‫ـ وفيما بعد تحول الكفر السلوكى الذى وقع فيه الصحابة والتابعون ( من الغزو والحروب األهلية ) الى كفر قلبى تمثل فى ‪3‬‬
‫تقديس وعبادة النبى محمد ومن اسموهم بالخلفاء الراشدين ثم األئمة واألولياء ‪ .‬وبهذا تحولت عبادة قيام الليل الى ما أسمون‬
‫بصالة الُس ّن ة ‪ ،‬ثم جاء دين التصوف باالنحالل الخلقى فجعل من قيام الليل مناسبة للفجور ‪ ،‬كما جعل مواسم دينية وأماكن دينية‬
‫‪ :‬للفجور فى الموالد ‪ .‬ونعطى لمحة تاريخية‬
‫ثالثا ‪:‬صالة السنن فى الدين الُّس ّن ى فى لمحة تاريخية‬
‫ـ تعبيرا عن عبادتهم للنبى محمد أقحموا إسمه فيما يسمى بالتحيات فى الصالة ‪ ،‬وفى األذان ‪ ،‬ثم إخترعوا صالة زائدة له ‪1‬‬
‫سُّم ها صالة ( الُّس ّن ة ) أو ( صالة الُّس نن )‪ .‬وتوارث المحمديون حتى اليوم تلك الصالة الزائدة ‪ ،‬فأنت تصلى الظهر وتصلى قبله‬
‫ركعتين " سنة " وتصلى بعده ركعتين " سنة " ‪ ،‬وهناك صالة لتحية المسجد كما لو كان المسجد فى حّد ذاته إالها تجب تحيته‬
‫‪ .‬والصالة له‪ .‬ويعتبر المحمديون أن صالة الفرض هى هلل جل وعال أما صالة السنة فهى للنبى وفق عبادتهم للنبى محمد‬
‫ـ على أنهم فى البداية أطلقوا على الصالة الزائدة مصطلح النافلة ‪ ،‬وصنعوا فى ذلك حديثا ذكره ابن سعد فى الطبقات ‪2‬‬
‫الكبرى ‪ ،‬نسبوها لصحابى اسموه ( يزيد بن األسود ) يزعم أنه " صلينا مع النبى الفجر فى مسجد منى فى حجة الوداع ‪ ،‬فلما‬
‫قضى الصالة التفت فإذا هو برجلين لم يصليا ‪ ،‬فسألهما ‪ :‬ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قاال ‪ :‬يا رسول هللا صلينا فى رحالنا ‪،‬‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬إذا جئتم واألمام يصلى فصّلوا معه فإنها لكم نافلة " ( ابن سعد ‪) 378 / 5‬‬
‫ـ ثم جاءت روايات أخرى عن الصالة الزائدة بدون تحديد مسمى لها ‪ ،‬روى ابن سعد عن عبدالرحمن بن زيد " لقد خرجنا ‪3‬‬
‫مع على وهو يريد مسكن فصلى ركعتين بين الجسر والقنطرة " ( ابن سعد ‪. ) 159 ، 6‬ورواية تقول ‪ ( :‬وكان أبو المليح‬
‫‪ .‬يداوم على الصالة بين المغرب والعشاء بجانب المنبر وقد توفى سنة ‪ ( 181‬ابن سعد ‪) 182 ، 2 ، 7‬‬
‫ـ وبدأت مبكرا روايات مصنوعة فى مناقب المشاهير من الصحابة والتابعين تضّخ م من صالتهم وعباداتهم ‪ ،‬وبالتالى تكون ‪4‬‬
‫زائدة على الصلوات الخمس المفروضة ‪ ،‬وعهدنا بأولئك الصحابة والتابعين المشهورين الذين إحتفى بهم التاريخ أنهم إنشغلوا‬
‫بالفتوحات والفتن واالنغماس فى السياسة ‪ ،‬لكن العصر العباسى كافأهم بهذه الروايات التى تشيد بمناقبهم ‪ ،‬هذا فى الوقت الذى‬
‫ال نعرف شيئا عن السابقين من الصحابة الذين لم يلتفت اليهم التاريخ بينما اشاد بهم رب العزة جل وعال فى سور الحشر‬
‫‪ :‬واألحزاب والتوبة ‪ .‬ونعطى أمثلة‬
‫يروى ابن سعد أن األحنف بن قيس زعيم بنى تميم وأحد رءوس الفتنة فى بداية العصر األموى ‪ ( :‬كان يقضى الليل ‪4 / 1 :‬‬
‫فى الصالة أو " كانت عامة صالة األحنف فى الليل " ( ابن سعد ‪) 67 ، 7‬‬
‫‪ .‬أما عن ابن عون فقد( كان له سبع من القرآن يقرأه كل ليلة فإذالم يقرأ بالليل أتمه بالنهار ) ( ابن سعد ‪4 / 2 : ) 28 ، 2 ، 7‬‬
‫وأن أبا صخر األيلى كان يجمع بين الصالة والبكاء ليال ‪ ( :‬كان يصلى الليل أجمع ويبكى )‪ ( .‬ابن سعد ‪4 / 3 : ، 2 ، 7‬‬
‫‪) 206 .‬‬
‫وأن عمار بن ياسر ( كان يوتر من أول الليل ثم ينام فإذا استيقظ صلى ركعتين إلى ما شاء هللا ( ابن سعد ‪4 / 4 : : 108 ، 7‬‬
‫‪ ) 109 .‬وقالوا مبالغات أخرى عن عبد هللا بن الزبير وهو من الشخصيات الوضيعة فى عصره‬
‫وبعضهم كان يحلو له المبيت فى المسجد ‪ ،‬وفى مسجد الكوفة المليئة بالنفاق والمؤامرات إمتأل مسجدها بمن سموأ ‪4 / 5 :‬‬
‫انفسهم متهجدين بالليل ‪ ،‬وقد دخل شبيب الخارجى إلى مسجد الكوفة حين أغار على الكوفة ليال فقتل المتهدجين ‪ ،‬فترك الناس‬
‫التهدج فى المسجد من ليلتئذ ‪ ( .‬ابن سعد ‪ .) 243 ، 6‬ماذا عليهم لو تهجدوا فى بيوتهم ؟‬
‫ثم ظهر فى العصر العباسى متعبدون متطرفون هم ( البكاءون ) قيلت فيهم أعاجيب كاذبة مختلطة بأساطير المنامات ‪4 / 6 :‬‬
‫والمعجزات ( الكرامات ) ‪ ،‬ومأل ابن الجوزى تاريخه ( المنتظم ) بهؤالء المرائين ‪ ،‬وقد عرضنا لهم فى بحث منشور فى موقعنا‬
‫‪ .‬فى قسم الدراسات التاريخية‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬أشهر صالة الُّس نن‬
‫‪ :‬صالة الضحى‬
‫ـ فى مقابل إماتة األمويين الصالة وتأخيرها زايد عليهم المعارضون بالصالة فى مواقيتها بل والتزم بعضهم بتأدية صالة ‪1‬‬
‫جديدة ابتدعوها وهى صالة الضحى ‪ .‬ولم يرحب األمويون بهذه الصالة الجديدة ‪ ،‬فقد روى أن سويد بن غفلة كان يؤذن‬
‫بالهاجرة فسمعه الحجاج وهو بالدير فقال أتونى بهذا المؤذن ‪ .‬فجىء به فقال له ‪ :‬ما حملك على الصالة بالهاجرة ؟ فقال‬
‫صليتها مع أبى بكر وعمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال تؤذن لقومك وال تؤمهم ‪ (.‬ابن سعد ‪) 46 : 45 ،‬‬
‫‪ .‬والواضح أنه نسب صالة الضحى ألبى بكر وعمر ليتخلص من بطش الحجاج‬
‫وقد صيغت روايات عن صالة الضحى فى عهد عمر للرد على إحتجاج األمويون ‪ .‬روى ابن سعد أن عمر قال ‪ :‬عباد هللا أضحوا‬
‫لصالة الضحى " ( ابن سعد ‪ .) 108 ، 6‬ورفعوا حديثا مصنوعا للنبى محمد عليه السالم ‪ ،‬زعموا أن أبا عسيب مولى النبى‬
‫محمد كان يصلى الضحى قائما فحجز مكان يصلى فيه قاعدا ( ابن سعد ‪ . ) 42 ، 7‬والواضح أنها محاولة لنسبة صالة الضحى‬
‫إلى شخص قريب جدا من النبى ولكن الرواية تثير تساؤال إذا كان هذا الرجل يصلى الضحى قاعدا بعد عجزه فكيف بالصلوات‬
‫األخرى ؟ هل كان يصليها أيضا قاعدا بعد عجزه ؟ وعلى كل حال فإن هذاه الرواية لم تفلح فى خلق إجماع على تأدية هذه‬
‫الصالة فقد كان علقمة بن قيس ( ال يغتسل فى السفر يوم الجمعة وال يصلى الضحى ) " ابن سعد ‪58 ، 6‬‬
‫‪ :‬صالة التراويح‬
‫ـ زعموا أها بدأت فى خالفة عمر ‪ ،‬يقول ابن إياس الهذلى ‪ :‬كنا نقوم فى عهد عمر بن الخطاب فرقا فى المسجد فى رمضان ‪1‬‬
‫من هنا وهناك فكان الناس يميلون إلى أحسنهم صوتا ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬أراهم قد اتخذوا القرآن أغانى ‪ ،‬أما وهللا لئن إستطعتم‬
‫ألغيرن هذا فلم يمكث إال ثالث ليا حتى أمر أبى كعب فصلى بهم ثم قام فى أخر الصفوف فقال ‪ :‬لئن كانت هذه بدعة فنعم البدعة‬
‫هى ( ابن سعد ‪ . ) 42 ، 5‬وزعموا أنه فى خالفة على بن أبى طالب ‪ ،‬أمر شريحا أن يصلى بالناس فى رمضان ‪ ،‬يعنى قيام‬
‫‪ .‬الليل ( ابن سعد ‪) 95 ، 6‬‬
‫ـ وأطلقوا عليها صالة التراويح ‪ .‬ومصطلح التراويح يفيد الراحة بين كل صالة وصالة ‪ .‬فيروى عن عبدالرحمن بن األسود ‪2‬‬
‫الذى شهد حياة السيدة عائشة أنه كان يصلى بقومه فى رمضان أثنتى عشرة ترويحة ‪ ،‬ويصلى لنفسه بين كل ترويحتين إثنى‬
‫‪ .‬عشر ركعة ‪ ،‬ويقرأ بهم ثلث القرآن ‪ ،‬وكان يقوم بهم ليلة الفطر ‪ ،‬ويقول أنها ليلة عبد ( ابن سعد ‪) 203 ، 6‬‬
‫ـ واستمرت صالة التراويح فى المساجد حتى اآلن ‪ .‬وال يزال يتم فى الريف قيام الليل بإستئجار قارىء للقرآن يقوم بختم ‪3‬‬
‫‪ .‬القرآن طيلة ليالى رمضان يهب الثواب لمن مات من أهل المنزل الذى يستأجره ‪ ...‬بزعمهم‬
‫صالة ليلة النصف من شعبان‬
‫ـ نشر التصوف االنحالل الخلقى فى العصر المملوكى ‪ ،‬وعززه بأحاديث ‪ ،‬ومنها ما أضفاه المتصوفة من أفضال كثيرة على ‪1‬‬
‫ليلة النصف من شعبان ‪ ( .:‬ابن أجا ‪ :‬تاريخ يشبك ‪ ) 235‬وقد جعلوا لها صالة خاصة يقرأ فيها (قل هو هللا أحد) ألف مرة‬
‫ألنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ‪ ،‬يقول أبو شامة فى كتابه ( الباعث فى االنكار على الحوادث ‪( :‬وهى صالة طويلة‬
‫مستثقلة لم يأت فيها خبر وال أثر إال ضعيف موضوع)‪ .‬وذكر األحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن‬
‫الوضاعين من الصوفية (وكلفوا عباد هللا باألحاديث الموضوعة فوق طاقتهم)‪ .‬وفي الوقت الذى تقاعس فيه العوام عن الصالة‬
‫المفروضة هرعوا إلى صالة النصف من شعبان استجابة لألشياخ الصوفية ودعايتهم وعبادة منهم للتشريع الصوفي الذى‬
‫‪.‬يكلفهم فوق ما يطيقون‬
‫ـ يقول أبو شامة عن تلك الصالة ( وللعوام بها افتنان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد (اإلضاءة) في جميع مساجد البالد التى ‪2‬‬
‫تصلي فيها ‪ ،‬ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختالط الرجال بالنساء)‪ ( .‬الباعث فى اإلنكار على الحوادث ‪:‬‬
‫‪) 29 ، 24 ،9‬‬
‫ـ أى هو قيام الليل لممارسة الفسوق فى المساجد ‪ .‬وإذا عرف السبب بطل العجب فالعامة تسمع وتطيع لمن ييسر لها سبل ‪3‬‬
‫‪ ..‬اإلنحراف‬

‫‪ :‬الباب الرابع ‪ :‬تحريف التواتر فى الصالة بين الفقه والحديث‬


‫) مقدمة (‬
‫‪ :‬أوال‬
‫كتب الحديث ليست مصدرا لتعلم الصالة‬
‫ـ هب أنك مطالب بالبحث عن الصالة وكل ما يتعلق بها فى كتب األحاديث المختلفة ‪ ،‬وأن ذلك فرض دينى ال بد منه ‪1‬‬
‫على كل مسلم عالما كان أم جاهال قارئا كان أم أميا ‪ ،‬شابا أم شيخا ذكرا أم أنثى‪ .‬هل يستطيع كل فرد عمل ذلك ؟‬
‫‪ :‬مقاالت متعلقة‬
‫‪‬‬ ‫ب‬ ‫ين الصالة القرآنية للمسلمين والصالة الشيطانية للمحمديين‬
‫‪‬‬ ‫ت‬ ‫حريف التواتر فى الصالة بين الفقه والحديث ‪ ( :‬مقدمة )‬
‫ب ‪‬‬ ‫‪ ، 1‬ف‪ : 1‬بين الصالة االسالمية والصالة الشيطانية للخلفاء ( الفاسقين )‬
‫‪‬‬ ‫أخيرا ‪ :‬عن الصالة الشيطانية والمساجد الشيطانية‬
‫‪‬‬ ‫ج ‪ 2‬ف‪ : 1‬التصوف جعل الفقهاء يضيعون الصالة بالوسوسة ( طرائف الوسوسة الفقهية فى الوضوء والصالة )‬
‫‪‬‬ ‫تحريف التواتر فى األذان للصالة‬
‫‪‬‬ ‫تحريف التواتر االلهى فى التسبيح‬
‫‪‬‬ ‫التحية بين القرآن الكريم والحديث‬
‫‪‬‬ ‫ب ‪ 2‬ف ‪ : 1‬الصحابة بين االيمان أو الكفر باهلل جل وعال وباليوم اآلخر‪ 1 (:‬من ‪) 2‬‬

‫هب أن كل تلك الكتب ـ التى ال نهاية لصفحاتها وال نهاية الختالفاتها وتناقضاتها ـ كانت جزءا من الدين ونحن مأمورون‬
‫بقراءتها وتالوتها ودراستها كالقرآن الكريم ‪ ،‬من يستطيع اداء هذا الواجب الدينى وتلك الفريضة؟‬
‫ـ الرحمةااللهية اقتضت أن يكون لك كتاب إلهى واحد ميسر للذكر مفصل كامل تام حتى ال تضيع بين اسفار البشر الكاذبه ‪2‬‬
‫المختلفة المتناقضة ‪ .‬وألنه ال إله اال هللا الواحد فليس اال كتاب واحد هو القرآن‪ ،‬اذا اتخذت معه كتبا أخرى فقد جعلت مؤلفى‬
‫هذه الكتب آلهة مع هللا ‪ ،‬وجعلت شخصياتهم فوق النقد وفوق الخطأ ‪ ،‬وتناسيت انهم بشر سيتعرضون للحساب مثلى ومثلك‬
‫‪.‬أمام الواحد القهار جل وعال‬
‫ـ لقد ظل خاتم النبيين متمسكا بكتاب هللا وحده متبعا لوحى هللا وحده ‪ ،‬ثم دخل المسلمون عصر الفتنة ولم يخرجوا منه حتى ‪3‬‬
‫األن ؛ والبد للفتنة من دستور ينشر الخالف والتفرق فاخترعت أحاديث منسوبه للنبى راجت فى عصر الفتنة الكبرى ‪ ،‬ثم ازداد‬
‫إنتشارها بمرور الزمن إلى أن تم تدوينها منذ القرن الثالث الهجرى وأصبحت الدستور الحقيقى الذى يتمسك به المحمديون‬
‫حتى اآلن‪ ،‬بل على أساسه يتهمون القرآن بأنه ناقص مجمل وال يكفى وحده فى بيان الدين ‪ .‬والحجة المفضله لديهم هى أن‬
‫‪ .‬القرآن ليس فيه عدد ركعات الصالة ومواقيتها ‪ ...‬وأن االحاديث هى التى ذكرت ذلك كله‬
‫ـ وهذة الحجة المضحكة يقولها الكثيرون من الجهلة محترفى العلم ومن محترفى التدين بل يقولها من لم تعرف قدماه مسجدا ‪4‬‬
‫للصال"> ‪ 1‬ـ وفى صفحة واحدة يقول البخاري "كان النبي يتوضأ عند كل صالة" وبعدها مباشرة حديث يناقضه "إن النبي‬
‫‪.‬صلى المغرب ولم يتوضأ" (البخاري‪ :‬الجزء األول ص ‪)62‬‬
‫ـ وتأتى أحاديث كثيرة تحض على سرعة التبكير بالذهاب لصالة الجمعة‪ ،‬وتمأل هذه األحاديث صفحات من البخاري ثم يتبعها ‪2‬‬
‫حديث ينقضها جميعًا يقول "إذا ُأقيمت الصالة فال تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم‬
‫فأتموا"‪( ..‬البخاري‪ :‬الجزء الثاني ص ‪)9 ،8 ،4 ،3‬‬
‫ـ وروايات متناقضة في صالة الكسوف تمأل صفحات وقد يخرج منها القارئ بتصميم على أال يصلى الكسوف أبدًا (البخاري‪3 :‬‬
‫الجزء الثاني ص ‪)50 :42‬‬
‫ـ وأحاديث تحذر من المرور بين يدى المصلى وتأمر المصلى أن يخرج من صالته ليقاتل ذلك المسلم الذى مر أمامه ألنه ‪4‬‬
‫شيطان "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "لو يعلم المار‬
‫بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه"‪ .‬وفى نفس الصفحة أحاديث تبيح ذلك منسوبة‬
‫لعائشة "لقد رأيت النبي يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير" "كنت أنام بين يدى رسول هللا ورجالي في‬
‫قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" ثم حديث ابن عباس "أقبلت راكبًا على حمار أتان وأنا يومئذ قد‬
‫ناهزت االحتالم ورسول هللا يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت األتان ترتع فدخلت في الصف فلم‬
‫ينكر ذلك علّى أحد" وأحاديث أخرى تجعل الحمير والخراف والنساء تمر أمام النبي وهو يصلى‪ ،‬فأيهما نصدق؟ (البخاري‪:‬‬
‫‪.‬الجزء األول ص ‪ ،129 :128‬الجزء األول ص ‪ ،29‬ص ‪)126‬‬
‫ـ وهناك أحاديث تأمر المرأة بأن تصلى وهى حائض وأحاديث أخرى تنهى عن ذلك (البخاري‪ :‬الجزء األول ص ‪5 ،84 ،81‬‬
‫‪)86 ،85.‬‬
‫‪.‬ـ وأحاديث تأمر بالصالة بعد الصبح وبعد العصر وأحاديث تنهى عن ذلك (البخاري‪ :‬الجزء األول ص ‪6 )145 :143‬‬
‫ـ وأحاديث تثبت أن النبي كان يصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين في غير السفر وفى غير الخوف منها‪" :‬خرج علينا ‪7‬‬
‫رسول هللا بالهاجرة فأتى بوضوء فجعل الناس يأخذون منه فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي الظهر ركعتين والعصر‬
‫ركعتين وبين يديه عنزة" "أن النبي صلى بهم البطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة‬
‫‪.‬والحمار" (البخاري‪ :‬الجزء األول ص ‪ ،57‬ص ‪)126‬‬
‫ـ وأحاديث أخرى تقول أن النبي كان يصلى الصبح أربع ركعات "أن رسول هللا رأى رجًال وقد أقيمت الصالة يصلى ركعتين ‪8‬‬
‫فلما انصرف رسول هللا الث به الناس وقال له رسول هللا‪ :‬الصبح أربعًا الصبح أربعًا" (البخاري‪ :‬الجزء األول ص ‪:159‬‬
‫‪)160.‬‬
‫ـ من يؤمن بالبخارى ويجعله مصدرا للصالة سيخرج من قراءة البخارى بالشك العظيم فى الصالة ‪ ،‬بل ربما فى الشك فى ‪9‬‬
‫‪ .‬االسالم نفسه‬
‫ومع هذا يجعلون البخاري وكتب االحاديث مصدرا للمعرفة بالصالة وكيفيتها ‪ ،‬ولم يتساءل احدهم كيف كان المسلمون يصلون‬
‫قبل مولد البخاري ؟‬
‫‪ .‬ونكتفى بذلك حرصا على صحة بعض الناس‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫‪ :.‬الفقهاء والتشكيك فى الصالة‬
‫ـ الفاتحة كانت بداية الصالة التى تعلمها إبراهيم واسماعيل ونزلت فى القرآن كما نزلت فى سائر الوحى لجميع االنبياء بكل ‪1‬‬
‫اللغات ‪ .‬و الفاتحة عند االسرائيليين بنفس المعنى والتشابه بين االلفاظ العربية والعبرية واضح فيها ‪.‬وبعد الفتوحات العربية‬
‫تعلمت البالد المفتوحة الصالة وقراءة الفاتحة باللغة العربية ‪ .‬ثم كانت روايات األحاديث الضالة التى تشكك فى الصالة وعلى‬
‫‪ .‬أساسها دارعلم الفقه واختالفاته حول الصالة التى لم تعرف إختالفا قبل ظهور اولئك الفقهاء‬
‫‪ .‬ـ واختالفات الفقهاء حول الصالة كثيره إال إننا نكتفى منها ببعضها ‪ -‬حرصا منا كالعادة على صحة بعض الناس ‪2‬‬
‫ينقل ابن كثير فى تفسيره للفاتحة إختالف الفقهاء فى قراءة الفاتحة فى الصالة هل يجب قراءتها ام ال يقول " فعند ابى ‪2 / 1 :‬‬
‫حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها ال تتعين بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه فى الصالة " " والقول الثانى انه تتعين‬
‫"‪ ......‬قراءة الفاتحة ففى الصالة وال تجزىء الصالة بدونها وهو قول بقية االئمة‬
‫ثم اختلفوا فى قراءتها فى كل ركعة " فذهب الشافعى وجماعة من أهل العلم أنه يجب قراءتها فى كل ركعة وقال أخرون ‪2 / 2 :‬‬
‫أنه تجب قراءتها فى معظم الركعات وقال الحسن واكثر البصريين ‪ :‬انه تجب قراءتها فى ركعة واحدة من الصلوات " وقال ابو‬
‫"حنيفة واصحابه والثورى واألوزاعى ‪ :‬ال تتعين قراءتها بل لو قرا بغيرها أجزأه‬
‫ثم اختلفوا فى "هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم فى صالة الجماعة ؟ فقال بعضهم أنه تجب على المأموم قراءة ‪2 / 3 :‬‬
‫الفاتحة كما يجب على اإلمام ‪ .‬وقال بعضهم ال يجب على المأموم قرأءة الفاتحة او غيرها ‪ .‬وقال أخرون بوجوب قراءة المأموم‬
‫‪ .‬فى السرية وال يجب عليه الجهر‪ .‬ولكل فريق فى اآلراء السابقة إحتجاج بأحاديث متعارضة‬
‫ـ ومن حسن الحظ أن هذه اآلراء بقيت فى بطون الكتب بعيدا عن أغلبية الناس ‪.‬فظلت مجرد آراء للفقهاء نصبوا من أنفسهم ‪3‬‬
‫مشرعين فى دين هللا جل وعال‪ .‬ولكن بعض األحاديث انتشرت بين الناس جميعا ألنه كان يرويها القّص اص الذين كانت تعينهم‬
‫الدولة أو كانوا يتطوعون بهذا العمل لنشر ايدلوجية ما أو عقيدة ما ‪ .‬كانت تلك األقاصيص والحكايات تقال للناس فى المساجد‬
‫بعد الصالة فاستهوت عواطفهم واستولت على مشاعرهم‪ ،‬وألن لبعضها دخال بالصالة فقد أصاب الصالة منها تحريف ال يزال‬
‫‪ .‬مع شديد األسف ساريا حتى االن ‪ ،‬ونقصد بذلك أحاديث المعراج وصيغة التحيات‬

‫الفصل األول ‪ :‬مالك بن أنس ( ‪ 1>" 93‬ـ ‪ :‬هذا يعنى أنه كان يكتب ويتكلم من دماغه ‪ ،‬وال ينقل من كتاب سابق أو كتب‬
‫سابقة ‪ .‬وبالتالى ‪ :‬كيف يمكنه بالذاكرة تجميع أكثر من ألف إسناد مختلف ‪ ،‬كل واحد منها لحديث من تلك األحاديث التى فاقت‬
‫األلف حديث ؟ كيف له أن يملى من ذاكرته أكثر من ألف إسناد مختلف يقول فى كل واحد منها ( أخبرنا فالن عن فالن عن‬
‫فالن ) أو ( حدثنى فالن عن فالن عن فالن ) مع إختالفات فى تلك اإلسنادات ؟ ال يمكن أن يحفظ فى ذاكرته كل هذه العنعنات ‪.‬‬
‫أى مستحيل أن تكون تلك العنعنات صحيحة ‪ ،‬بل هى بالقطع مصنوعة ‪ .‬يؤكد هذا أنه فى وقته كان يتكلم عن رواة ماتوا من قبل‬
‫‪ ،‬ماتوا دون أن يعرف أحدهم ما أسنده اليه مالك من أحاديث ‪ .‬أى زعم مالك بعد موت هؤالء الناس جيال بعد جيل أن فالنا قال‬
‫لفالن الذى قال لفالن الذى قال لفالن الذى قال أن النبى أو الصحابى قال كذا‪ .‬وهؤالء األشخاص كلهم ماتوا جيال بعد جيل دون‬
‫‪ .‬أن يعلم أحدهم شيئا عن مستقبل سيأتى فيه مالك ويزعم أقواال ينسبها اليه‬
‫ـ يؤكد هذا قولهم ان مالك جمع الموطأ فى اربعين عاما ‪ ،‬وأنه فى البداية كان يحوى تسعة آالف حديث ‪ ،‬ثم لم يزل ينتقى ‪2‬‬
‫منه حتى رجع الى سبعمائة ‪ .‬هذا مع أن أشهر ُن سختين للموطا في كل منها يوجد أكثر من ألف حديث وليس ‪ . 700‬الموطأ‬
‫رواية يحيى بن يحيى فيها ‪ 1861‬حديثا ‪ ،‬آخرها اآلتى ‪َ - 1861 ( :‬ح َّد َث ِني َم اِلٌك‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن ُجَبْي ِر ْب ِن‬
‫ُم ْط ِع ٍم ‪َ ،‬أَّن الَّن ِبَّي صلى هللا عليه وسلم َقاَل " ِلي َخ ْمَس ُة َأْس َماٍء َأَن ا ُمَح َّم ٌد َو َأَن ا َأْح َم ُد َو َأَن ا اْلَم اِحي اَّلِذي َيْم ُح و ُهَّللا ِبَي اْلُك ْف َر َو َأَن ا‬
‫‪ .‬اْلَح اِش ُر اَّلِذي ُيْح َش ُر الَّن اُس َع َلى َق َد ِمي َو َأَن ا اْلَع اِقُب " ‪).‬‬
‫أما الموطأ رواية محمد بن الحسن الشيبانى فيحوى ‪ 1008‬حديثا ‪ ،‬آخرها هو ( أخبرنا مالك ‪ ،‬حدثنا عبد هللا بن دينار ‪ ،‬أن عبد‬
‫هللا بن عمر أخبره أن رسول هللا (ص ) قال ‪ :‬إنما أجلكم فيما خال من األمم كما بين صالة العصر الى مغرب الشمس ‪ ،‬وإنما‬
‫مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل إستعمل عامال فقال ‪..‬الخ ) ‪ ( :‬موطأ مالك ‪ :‬رواية محمد بن الحسن الشيبانى ( ‪132‬‬
‫‪ .) 189‬ط ‪ ، 2‬تحقيق ‪ :‬د عبد الوهاب عبد اللطيف ‪ .‬المكتبة العلمية )‬
‫‪ .‬ـ وننصح من يريد بالرجوع الى موطأ مالك ليراجع األسانيد المختلفة لكل األحاديث ‪3‬‬
‫ـ نعيد الـتأكيد على أن مالك أملى أسانيد الموطا كلها من دماغه ‪ ،‬صنعها بنفسه ‪ ،‬إذ يستحيل على الذاكرة البشرية أن تعى ‪4‬‬
‫‪ .‬هذا كله وتحفظه‬
‫ثانيا ‪ :‬هناك أكثر من ‪ 20‬نسخة مختلفة من الموطأ‬
‫ـ مالك أملى الموطأ على أكثر من عشرين شخصا فى أوقات مختلفة وكل منهم كتب نسخة من الموطأ مختلفة عن غيره ‪ ،‬وكل ‪1‬‬
‫منهم كتب ما قال إنه سمعه من مالك ‪ ،‬وبعضهم أملى ما سمعه من مالك على غيره ‪ ،‬مثل يحيى بن يحيى ‪ ،‬فجزء من الموطأ‬
‫المنسوب اليه رواه عن آخر عن مالك وجزء نقله من مالك ‪ .‬ولهذا توجد نسخ مختلفة من الموطا فى عدد األحاديث وفى االسناد‬
‫وفى متن الحديث ‪ .‬أى أننا أمام رجل يتكلم من ذاكرته لكل واحد من تالميذه ‪ ،‬ويتكلم من ذاكرته بأسانيد مختلفة ‪ ،‬وبمتون‬
‫‪ .‬احاديث مختلفة وفى أوقات مختلفة ‪ .‬هذا على فرض أن كل واحد ممن كتب الموطأ كان صادقا فى نقله عن مالك‬
‫‪ :‬ـ واشهر نسخ الموطأ ‪2‬‬
‫الموطأ ‪ :‬رواية محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ أبى حنيفة ‪ ،‬والذى تنكب طريق أبى حنيفة فعمل قاضيا فى الدولة ‪2 / 1 :‬‬
‫‪ .‬العباسية ‪ ،‬وكان يروى أحاديث مالك فى الموطأ ويقول رأيه هو ‪ ،‬وأحيانا ينسب أحاديث لشيخه أبى حنيفة‬
‫الموطأ رواية يحيى بن يحيى بن كثير بن وسالس بن شملل المصمودى األمازيغى ( توفى عام ‪ ، ) 234‬وقد روى ‪2 / 2 :‬‬
‫يحيى الموطأ عن بعض الرواة ‪ ،‬ثم إرتحل بنفسه الى المدينة فلقى مالك قبيل موت مالك عام ‪ ، 179‬فسمع من مالك معظم‬
‫‪ .‬الموطأ ‪ .‬وإشتهرت رواية يحيى للموطأ ألنه هو الذى نشر مذهب مالك فى االندلس وشمال أفريقيا‬
‫وهناك روايات أخرى للموطأ أقل شهرة ‪ ،‬منها موطأ ‪ ( :‬ابن وهب الفهرى ت ‪ ( ) 197‬ابن القاسم ت ‪ ( ) 191‬معن ‪2 / 3 :‬‬
‫بن عيسى ‪ ( ) 198‬القعنبى ت ‪ ( ) 221‬التنيسى ت ‪ 218‬يحيى بن بكير المصرى ت ‪ ( ) 231‬سعيد بن عفير ت‬
‫‪.. ) 226 ..‬الخ‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬مالك يزعم كذبا أنه لقى ابن شهاب الزهرى وروى عنه الحديث‬
‫ـ ابن شهاب الزهرى أشهر المصادر المذكورة فى الموطأ ‪.‬ومالك يزعم فى الموطأ انه روى عنه وأنه كان يسأله ويأخذ عنه ‪1‬‬
‫األحكام ‪ .‬وهذا كذب فاضح ‪ .‬ألن الزهرى ‪ :‬مولود عام ‪ ، 58‬ثم رحل لدمشق فى حدود عام ‪، 80‬ومات عام ‪ . 124‬بينما ( مالك‬
‫‪ :‬مولود عام ‪ ) 93‬بعد أن غادر ابن شهاب الزهرى المدينة بثالثة عشر عاما ‪ ،‬ولم يفارق مالك المدينة ومات بها عام ‪، 179‬‬
‫ولم يأت ابن شهاب الزهرى المدينة مطلقا بعد أن غادرها ألنه تفرغ لتربية أبناء وأحفاد الخليفة األموى عبد الملك بن مروان ‪.‬‬
‫أى أنه وقت مولد مالك فى المدينة عام ‪ 93‬كان الزهرى قد ترك المدينة تماما ‪ ،‬وعاش معتكفا فى قصر الخالفة األموية بدمشق‬
‫يخدم الخليفة عبد الملك وأوالده وأحفاده ‪ ،‬وإنه أثناء انشغال الزهرى بخدمة األمويين فى دمشق كانت والدة مالك فى المدينة‬
‫عام ‪ 93‬وحياته فيها بعيدا عن الزهرى الى أن مات الزهرى عام ‪ . 124‬فأين التقيا ؟‬
‫ـ كان مالك يكذب فى كل رواياته التى كتبها فى العصر العباسى بعد موت الزهرى فى العصر األموى زاعما بالكذب أنه سمعها ‪2‬‬
‫‪ .‬من الزهرى وغيره‬
‫رابعا ‪ :‬مالك يزعم كذبا أن ابن شهاب الزهرى روى عن النبى عليه السالم‬
‫ـ من السهل مالحظة كثرة األحاديث التى زعم مالك أنه رواها وسمعها من ابن شهاب الزهرى ‪ ،‬ولكن هناك مالحظة أخرى ‪1‬‬
‫دقيقة وخطيرة ‪ ،‬وهى أن مالك يزعم كذبا أن ابن شهاب الزهرى روى الحديث عن النبى مباشرة‪ ،‬بما يعنى أن ابن شهاب‬
‫الزهرى عاش مع النبى وروى عنه ‪ ،‬هذا مع أن ابن شهاب الزهرى مولود فى العصر األموى فى عام ‪ ، 58‬فكيف عاش مع‬
‫‪ .‬النبى عليه السالم‬
‫ـ ونستشهد بحديثين فى موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى ‪َ - 433 ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا ‪2‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َو َيْو َم اَألْض َح ى َقْب َل اْلُخ ْط َب ِة ‪َ - 1506 ( ) .‬ح َّد َث ِني َم اِلٌك‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬أَّن ُه َأْخ َبَر ُه ‪.‬‬
‫َأَّن َر ُج ًال اْع َت َر َف َع َلى َن ْف ِس ِه ِبالِّز َن ا َع َلى َع ْه ِد َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َو َش ِه َد َع َلى َن ْف ِس ِه َأْر َبَع َمَّر اٍت َفَأَمَر ِبِه َر ُس وُل ِهَّللا‬
‫‪.‬صلى هللا عليه وسلم َفُر ِجَم ‪َ .‬قاَل اْب ُن ِش َه اٍب َفِمْن َأْج ِل َذ ِلَك ُيْؤ َخ ُذ الَّر ُج ُل ِباْع ِتَر اِفِه َع َلى َن ْف ِس ِه ‪) .‬‬
‫والحديث األخير فى أكذوبة ( حد الرجم ) ورد أيضا فى الموطأ برواية الشيبانى تحت رقم ‪ ( : 692‬اخبرنا مالك ‪ ،‬اخبرنا ابن‬
‫شهاب ان رجال اعترف علي نفسه بالزنا علي عهد رسول هللا ( ص) وشهد علي نفسه اربع شهادات ‪ ،‬فأمر به فحد ‪ .‬قال ابن‬
‫شهاب ‪ :‬فمن اجل ذلك يؤخذ المرء باعترافه علي نفسه ؟ )‪ .‬ناقشنا من قبل ( ُأكذوبة الرجم فى األحاديث ) وكيف إخترعها مالك‬
‫وهو أول من إفترى هذه األكذوبة القاتلة ‪ ،‬وسار على سّن ته الشافعى وابن حنبل والبخارى وبقية أئمة الدين الُّس ّن ى ‪ .‬وبسبهم‬
‫‪ .‬كان ـ وال يزال تنفيذ الرجم ظلما وعدوانا‪ .‬ويتحمل االمام مالك مسئولية هذا اإلفك‬
‫أخيرا‬
‫وألن دين الُّس ّن ة ـ مثل غيره من األديان األرضية ـ مؤسس على الكذب ‪ ،‬فقد تباروا فى تقديس الموطأ ‪ .‬قال الشافعى ‪ ( :‬ما‬
‫ظهر على األرض كتاب بعد كتاب هللا‪ ،‬أصح من كتاب مالك"‪ .‬وقال البخاري عن الموطأ‪" :‬من أصح األسانيد مالك عن نافع عن‬
‫ابن عمر"‪ . ) .‬وإذا كان هذا صحيحا فلماذا لم يكتفوا بالموطأ ؟ لماذا كتبوا بعده مؤلفاتهم يختلفون فيها مع موطأ مالك ؟‬

‫الفصل الثانى‪ :‬التواتر الشيطانى فى تبديل التشهد بالتحيات ( ‪) 1‬‬


‫‪ :‬مقدمة‬
‫كثير من خرافات الصالة التى إبتدعها مالك ومن جاء بعده من الفقهاء تناساها الناس ولم تتواتر بعدهم مثل األوقات المكروه‬
‫فيها الصالة ‪ ،‬وخرافات االستغناء عن الفاتحة فى الصالة‪ .‬ولكن هناك خرافات فى الصالة إبتدعها مالك واستمرت تتواتر بعده‬
‫وتتمثل فى اسطورة التحيات بديال عن التشهد وقصر الصالة وجمعها فى السفر العادى والصلوات التى جعلوها ُس ّن ة كالعيدين‬
‫واألضحى ‪ ،‬وصالة الجنازة‪ .‬ونعرض لها من الناحية التشريعية الشيطانية ‪ .‬ونبدأ بالتشهد االسالمى الذى أبدلوه بالتحيات‬
‫‪ .‬الشيطانية‬
‫أوال ‪ :‬التشهد االسالمى‬
‫ـ التشهد كما يدل معناه إقرار بالعبودية هلل وحده ال شريك له فى نهاية الصالة ‪ .‬وكانت الصيغة القرآنية فيه قوله تعالى " ‪1‬‬
‫َش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْل َع ِز يُز اْلَح ِكيُم ) آل عمران ‪ . "18‬ومهم أن بعدها‬
‫يقول رب العزة جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن الِّديَن ِع ْن َد ِهَّللا اِإْلْس اَل ُم ) أى إن هذا التشهد أصل االسالم دين رب العالمين ويقال فى الصالة ‪،‬‬
‫وهذا هو التواتر االسالمى فى التشهد االسالمى فى الصالة ‪ .‬ولكن يحدث إختالف بعد نزول الوحى االلهى بالعلم ‪ ،‬فال يلبث أن‬
‫يبغى الوحى الشيطانى على دين رب العالمين ‪ ،‬فى تتابع بين التواتر االسالمى والتواتر الشيطانى الباغى ‪ ،‬يقول جل وعال ‪:‬‬
‫( َو َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِك َت اَب ِإاَّل ِمْن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ُم اْل ِع ْلُم َب ْغ ًي ا َبْي َن ُهْم ) وبعدها يقول جل وعال عّم ن يرفض صيغة التشهد‬
‫االسالمية ‪َ ( :‬و َم ْن َي ْك ُفْر ِبآَي اِت ِهَّللا َفِإَّن َهَّللا َس ِر يُع اْل ِح َس اِب ) ‪ .‬وأتباع الوحى الشيطانى الذين يبدلون نعمة هللا كفرا سيجادلون فى‬
‫َح اُّج وَك َفُقْل َأْس َلْم ُت َو ْج ِه َي ِهَّلِل َو َم ِن‬ ‫الحق الذى تبّي ن ‪ ،‬وهذا ما أنبأ به رب العزة جل وعال مقدما وأنزل مقدما الرد عليهم ‪َ ( :‬فِإْن‬
‫اْلَب اَل ُغ َو ُهَّللا َب ِص يٌر ِباْلِع َب اِد ) آل‬ ‫اَّت َبَع ِن َو ُقْل ِلَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِك َت اَب َو اُأْلِّمِّي يَن َأَأْس َلْم ُتْم َفِإْن َأْس َلُم وا َفَق ِد اْه َت َد ْو ا َو ِإْن َت َو َّلْو ا َفِإَّن َم ا َع َلْي َك‬
‫عمران ‪ 19‬ـ ‪ .) 20‬إن أسلموا وجوههم وقلوبهم لرب العزة مرتضين بالتشهد االسالمى فقد إهتدوا ‪ ،‬وإن تولوا معرضين فليس‬
‫‪.‬على خاتم النبيين سوى البالغ‬
‫ـ هذه اآليات تنبىء مسبقا عن خلل سيقع بعد نزول القرآن واكتماله يتمثل فى استبدال الصيغة العظمى للتشهد براويات ‪2‬‬
‫مختلفة هزيلة صيغت كلها فى العصر العباسى عصر التدوين والتأثر باالسرائيليات وأساطير المعراج والتشيع والتصوف أو ما‬
‫سماه رب العزة "العلم الباغى"‪ ،‬وهو نفس ما وقع فيه أهل الكتاب من قبل حين اتخذوا الكتاب مهجورا فوقعوا فى االختالف‬
‫(َو َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن ُأوُت وا اْلِك َت اَب ِإاَّل ِمْن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ُم اْلِع ْلُم َب ْغ ًي ا َبْي َن ُهْم )‪ .‬تكررت نفس القصة بعد نزول القرآن الكريم آخر الكتب‬
‫‪ .‬االلهية‬
‫ـ وقد يقول قائل أن التشهد إقرار بأنه ال إله إال هللا وللمؤمن أن يختار الصيغة التى يريدها ‪ .‬وهكذا اختلف العلماء ولم يروا ‪3‬‬
‫بأسا فى تعدد الصيغ ‪ .‬ونقول ان المؤمن يكتفى بالصيغة العظمى للتشهد التى جاءت فى سورة آل عمران "اية‪ "18‬إذا‬
‫عرفها ‪ ،‬ويصح أن يقول ( أشهد أنه ال إله إال هللا ) ويؤكد شهادته أنه ( ال إله إال هللا ) بأى لفظ ‪ .‬أما أن يخترع كالما فيه ذكر‬
‫‪.‬لغير هللا جل وعال فهذا يناقض كون الصالة لذكر هللا جل وعال وحده وتعظيمه جل وعال وحده وتقديسه وحده‬
‫ـ على أن صيغة التشهد التى جاءت فى هذه اآلية الكريمة( َش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط اَل ِإَلَه ‪4‬‬
‫ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْل َح ِكيُم ) لم يقدرها المسلمون حق قدرها‪ .‬أنها شهادة رب العزة بذاته على أنه ال اله اال هو‪ ،‬ويشهد معه المالئكة‬
‫وأولو العلم القائمون بالقسط ‪ .‬وهى اآلية القرأنية الوحيدة التى تكررت فيها ال اله اال هللا مرتين برغم قصرها ‪.‬وهى للتأكيد على‬
‫ان لالسالم شهادة واحدة هى ال اله اال هللا ‪ ،‬ومن قالها وأقّر بها فقد آمن ضمنيا وصراحة بكل رسل هللا تعالى ال يفرق بين أحد‬
‫من رسله‪ .‬والتشهد بهذا المعنى يحقق معنى أن تكون الصالة هلل تعالى وحده التقديس وال ذكر فيها لغيره جل وعال مصداقا‬
‫لقوله تعالى (ِإَّن ِني َأَن ا ُهَّللا اَل ِإَلَه ِإاَّل َأَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص اَل َة ِلِذ ْك ِر ي )(طه ‪) 14‬‬
‫ـ ويلفت النظر أن شهادة رب العزة بذاته على أنه ال إله إال هو ـ والتى لم يقدرها المسلمون حق قدرها ــ قد جاءت فى ‪5‬‬
‫‪.‬مواضع أخرى فى القرآن الكريم باالضافة الى سورة آل عمران عن التشهد كما سبق بيانه‬
‫فى سورة األنعام المكية يؤكد هللا تعالى شهادته ـ وهى أعظم شهادة ـ على أن القرآن الكريم وحى من هللا تعالى ‪ ،‬كما ‪5 / 1 :‬‬
‫يؤكد فى شهادته جل وعال أنه ال اله اال هو وأنه تعالى برىء من المشركين ‪ ،‬يقول تعالى (ُقْل َأُّي َش ْي ٍء َأْك َبُر َش َه اَد ًة ُقِل ُهَّللا‬
‫َش ِه يٌد َبْي ِني َو َبْي َنُك ْم َو ُأوِح َي ِإَلَّي َه َذ ا اْلُقْر آُن ُأِلْن ِذ َر ُك ْم ِبِه َو َم ْن َب َلَغ َأِئَّنُك ْم َلَتْش َه ُدوَن َأَّن َمَع ِهَّللا آِلَه ًة ُأْخ َر ى ُقْل اَل َأْش َه ُد ُقْل ِإَّن َم ا ُه َو ِإَلٌه‬
‫) َو اِحٌد َو ِإَّن ِني َب ِر يٌء ِم َّم ا ُتْش ِر ُك وَن ) األنعام ‪19‬‬
‫وفى سورة النساء المدنية تأتى شهادة الرحمن عن القرآن الكريم ‪ .‬وهو ـ اى القرآن أيضا ـ ما لم يقدره المسلمون حق ‪5 / 2 :‬‬
‫قدره ‪ ،‬بدليل اضطرارنا لتأليف هذا الكتاب للدفاع عن القرآن ضد من يتهم كتاب هللا تعالى العزيز بأنه مفّر ط وغامض وناقص ‪.‬‬
‫يقول تعالى (َلِك ِن ُهَّللا َي ْش َه ُد ِبَم ا َأْنَز َل ِإَلْي َك َأْنَز َلُه ِبِع ْلِمِه َو اْلَم اَل ِئَك ُة َي ْش َه ُدوَن َو َك َف ى ِباِهَّلل َش ِه يًد ا ) النساء ‪ ) 166‬فالمالئكة تشهد مع‬
‫‪.‬هللا تعالى أنه جل وعال قد أنزل القرآن بعلمه وكفى باهلل تعالى شهيدا لمن يقدر هللا تعالى حق قدره‬
‫ومعنى أنه جل وعال أنزل القرآن بعلمه أنه لم يخطىء ولم يكذب حين قال انه ما فّر ط فى الكتاب من شىء ‪ ،‬وأنه ‪5 / 2 / 1 :‬‬
‫نّز ل الكتاب تبيانا لكل شىء‪ ،‬وأنه جاء بالتفصيالت عن علم مصداقا لقوله تعالى (َو َلَق ْد ِجْئَن اُه ْم ِبِك َت اٍب َفَّص ْلَن اُه َع َلى ِع ْلٍم ُهًدى‬
‫َو َر ْح َم ًة ِلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن ) أألعراف ‪ .) 52‬ولكن هذا الكتاب االلهى الذى فّص له رب العزة جل وعال عن علم هدى ورحمة ــ ال‬
‫يهتدى به المحمديون إذ ال ينال رحمته اال المؤمنون‪ .‬بل ال يفهم تفصيالته ويدرك أسرارها ومنهجها ودقة بيانها وروعة‬
‫اعجازها اال المؤمنون العلماء‪ ،‬يقول تعالى (َتْن ِز يٌل ِمَن الَّر ْح َم ِن الَّر ِحيِم ِك َت اٌب ُفِّص َلْت آَي اُتُه ُقْر آًن ا َع َر ِبًّي ا ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ) فصلت ‪، 2‬‬
‫‪3 ).‬‬
‫والمؤمن الذى يكتفى بالقرآن الكريم كتابا هو الذى يقدر شهادة هللا تعالى حق قدرها ‪ ،‬ويكتفى باهلل تعالى شهيدا ‪5 / 2 / 2 : ،‬‬
‫اقرأ فى ذلك قوله تعالى (َأَو َلْم َي ْك ِفِهْم َأَّن ا َأْنَز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ُيْت َلى َع َلْي ِهْم ِإَّن ِفي َذ ِلَك َلَر ْح َم ًة َو ِذ ْك َر ى ِلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن ) فالقرآن رحمة‬
‫وذكرى للمؤمنين فقط ‪ ،‬وهم الذين يكتفون به كتابا ليس لهم غيره فى االسالم‪ ،‬وليس لهم غير رب العزة االها ‪ ،‬ولذا يكتفون به‬
‫شهيدا (ُقْل َك َف ى ِباِهَّلل َبْي ِني َو َبْي َنُك ْم َش ِه يًدا َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اَّلِذيَن آَم ُنوا ِباْلَب اِط ِل َو َك َف ُر وا ِباِهَّلل ُأوَلِئَك ُه ُم اْل َخ اِس ُر وَن )‬
‫‪ ).‬العنكبوت ‪ 51‬ـ ‪52‬‬
‫ـ من هنا نعرف السياق الموضوعى القرآنى الذى تأتى فيه آية التشهد (َش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِع ْلِم َقاِئًم ا ‪6‬‬
‫ِباْلِقْس ِط اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم ) آل عمران ‪ ، ) 18‬فهل بعد هذا نسقطها ونستبدل بها أقاويل بشرية ال أصل لها و مختلفة‬
‫الصيغ ‪ ،‬وتحوى تقديسا وذكرا لغير هللا جل وعال؟ وهى بذلك تتناقض أساسا مع معنى الصالة فى القرآن الكريم والتى هى لذكر‬
‫‪ .‬هللا جل وعال وحده ؟‬
‫ثانيا ‪ :‬بين التشهد والتحيات فى لمحة تاريخية‬
‫ـ بدأت القصة مع تقديس النبى محمد والذى بدأ به مالك وسجله فى الموطأ حين جعل المدينة حرنا يضاهىء الحرم المكى ‪1 ،‬‬
‫وتقديس المسجد الذى فى المدينة ليكون حرما ُتشُّد اليه الرحال‪ .‬ثم شاعت أساطير المعراج فأبطل الصيغة االسالمية للتشهد فى‬
‫القرآن " َش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْلِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم ) آل عمران ‪ "18‬وأحل‬
‫محلها خرافة التحيات ‪ .‬وقد دخل فى االسالم بعض مثقفى أهل الكتاب فأضافوا للتشهد القرآنى دعاءا قرآنيا ذكر القرآن أن‬
‫الحواريين كانوا يقولونه أمام عيسى حين قالوا ‪َ ( :‬و اْش َه ْد ِبَأَّن ا ُمْس ِلُم وَن َر َّب َن ا آَم َّن ا ِبَم ا َأْنَز ْلَت َو اَّت َبْع َن ا الَّر ُس وَل َفاْكُتْب َن ا َمَع‬
‫الَّش اِهِديَن ) آل عمران ‪ .)- 52‬وال تزال هذه اآلية تقال فى التشهد حتى األن تبعا لما تعلمه الخلف من السلف الذين اسلموا منذ‬
‫عهد الفتوحات ‪ .‬إال أن شيوع أساطير المعراج أحل محلها " التحيات المباركات ‪ ..........‬الخ " ثم زحزح أية " َر َّب َن ا آَم َّن ا ِبَم ا‬
‫" َأْنَز ْلَت َو اَّت َبْع َن ا الَّر ُس وَل َفاْكُتْب َن ا َمَع الَّش اِهِديَن " إلى ما بعد "التحيات المباركات‬
‫ـ فى العصر العباسى عصر العلم الباغى واإلختالفات فى الدين انتشرت صيغ مختلفة للتحيات تم تدوينها منسوبة إلى أعالم ‪2‬‬
‫الصحابه الذين ماتوا من قبل دون أن يدروا شيئا عما فعله المفترون من رواة العصر العباسى ‪ .‬وألنها افتراءات ألصقوها بدين‬
‫هللا تعالى فال بد أن يلحقها االختالف المشار اليه فى اآلية الكريمة(( َو َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن ُأوُت وا اْلِك َت اَب ِإاَّل ِمْن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ُم اْلِع ْلُم‬
‫‪َ .‬ب ْغ ًي ا َبْي َن ُهْم )‬
‫ـ والمحمديون اآلن يتمسكون بتواتر التحيات الشيطانية ‪ ،‬ويؤمنون أنها من صميم الصالة ‪ ،‬ولكنها لم تكن كذلك فى أوائل ‪3‬‬
‫القرن الثالث الهجرى‪ .‬ففى عصر المأمون العباسي أرسل ‪ 50‬ألف درهم الى الفقيه أبو عبد هللا األنصارى ليوزعها على فقراء‬
‫البصرة‪ ،‬فنازعه فيها هالل ابن مسلم‪ ،‬وأراد ان يقسمها على فقراء اصحابه ‪ ،‬فقال األنصارى لهالل ‪ :‬كيف تتشهد ؟ فقال هالل ‪:‬‬
‫أومثلى يسأل عن التشهد ؟ ! فتشهد على حديث ابن مسعود ‪ ،‬فقال له األنصارى من حدثك بهذا ؟ ومن أين يثبت عندك ؟ فبقى‬
‫هالل لم يجب ‪ ،‬فقال له االنصارى ‪ ،‬تصلى كل يوم وليلة خمس صلوات وتردد هذا الكالم وانت ال تدري من رواه عن نبيك ؟ قد‬
‫باعد هللا بينك وبين الفقه ‪ ،‬فقسمها االنصارى على اصحابه ‪ ،‬ومات االنصارى سنة ‪ 215‬هجريا ( المنتظم ج ‪. )272 ، 10‬‬
‫هذه الرواية ذكرها ابن الجوزى الفقيه المحّد ث المؤرخ ‪ ،‬ويستفاد منها إختالفا بين أئمة الحديث والفقه فى العصر العباسى‬
‫‪..‬األول ‪ ،‬وهو إختالف أخبر به مقدما رب العزة جل وعال عن الذين ينبذون التشهد االسالمى ويستبدلونه بأقاويل يختلفون فيها‬
‫ـ فى هوجة صناعة األحاديث تتابعت صناعة التحيات بعد مالك خالل العصر العباسى الذى ترعرعت فيه ديانات المسلمين ‪4‬‬
‫األرضية ‪ ،‬وتتابعت الزيادات واالختالفات في التحيات منسوبة الى الصحابة الى أن وصلت الينا بالتواتر الشيطانى ضمن ما‬
‫وجدنا عليه آباءنا مخالفا للقرآن الكريم ‪ .‬وهللا جل وعال أوجب على المؤمنين االحتكام الى القرآن الكريم في كل التواتر‬
‫الشيطانى لنتعرف على الذى يخالف منه القرآن الكريم‪ .‬وهنا الفيصل ‪ :‬فالكافرون بالقرآن يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم‬
‫‪ .‬والمتمسكون بالقرآن الكريم ينحازون الى القرآن ويرفضون ما وجدوا عليه آباءهم‬
‫ـ ونقول ‪ :‬إن هللا جل وعال قال عن التشهد ‪َ( :‬ش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه ال ِإَلَه ِإَّال ُه َو َو اْلَم الِئَك ُة َو ُأْو ُلوا اْلِع ْلِم َقاِئمًا ِباْلِقْس ِط ال ِإَلَه ِإَّال ُه َو ‪5‬‬
‫اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم (‪ِ )18‬إَّن الِّديَن ِع ْن َد ِهَّللا اِإلْس الُم ) ثم قال عن اهل الكتاب الذين تفرقوا وهجروا االسالم بغيا ‪َ ( :‬و َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن‬
‫ُأوُتوا اْل ِك َت اَب ِإَّال ِمْن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ْم اْلِع ْلُم َب ْغ يًا َبْي َن ُهْم َو َم ْن َي ْك ُفْر ِبآَي اِت ِهَّللا َفِإَّن َهَّللا َس ِر يُع اْلِح َس اِب (‪ )19‬آل عمران )‪ .‬وبالتالى فأنت‬
‫بين أمرين ‪ :‬إما أن تكون من أولى العلم القائلين بالتشهد القرآنى منتميا لدين االسالم دين هللا جل وعال ‪ ،‬وإما أن تكون مع‬
‫الذين فّر قوا دينهم وكانوا شيعا وأحزابا ؟ وأنت وما تختار لنفسك ‪ .‬هل تختار رب العزة جل وعال أم تختار التحيات ؟ وهل كان‬
‫النبى محمد عليه السالنم يقرأ التحيات فى صالته متبعا مالك بن أنس وغيره أم كان متبعا للقرآن الكريم وحده ‪ !.‬؟‬
‫أحسن الحديث‬
‫يقول جل وعال عن أهل النار ‪َ( :‬و َن اَد ْو ا َي ا َم اِلُك ِلَي ْق ِض َع َلْي َن ا َر ُّب َك َقاَل ِإَّنُك ْم َم اِك ُثوَن (‪َ )77‬لَق ْد ِج ْئَن اُك ْم ِباْلَح ِّق َو َلِكَّن َأْك َث َر ُك ْم ِلْلَح ِّق‬
‫‪َ.‬ك اِر ُهوَن (‪ )78‬الزخرف )‬
‫!!‪ .‬ودائما ‪ :‬صدق هللا العظيم‬

‫التواتر الشيطانى فى تبديل التشهد بالتحيات (‪) 2‬‬

‫‪:‬هجص مالك فى إختراع ( التحيات ) بديال عن ( التشهد )‬


‫‪:‬مقدمة‬
‫ـ كان مالك بن أنس الرائد فى التواتر الشيطانى ‪ ،‬أعاد تواتر الجاهلية فى تغيير ملة ابراهيم ‪ ،‬ليس فقط فى تقديس البشر ‪1‬‬
‫( محمد ) وتقديس الحجر ( المسجد فى المدينة ) بل أيضا فى الصالة وعبادات شتى‪ .‬إال إنه الذى إخترع اإلسناد ‪ ،‬أى يزعم أن‬
‫‪ .‬أكاذيبه سمعها من فالن الذى سمعها من فالن ثم من فالن ‪ ،‬وتنتهى النسبة الى النبى محمد ليجعل أكاذيبه دينا‬
‫ـ ومع هذا فإن مالك قد إتخذ القرآن مهجورا ‪ ،‬فهو قلما يستشهد فى ( الموّط أ ) بآية قرآنية ‪ ،‬وبدال من القرآن الحكيم حشد ‪2‬‬
‫روايات نسب بعضها للنبى محمد عليه السالم ونسب البعض اآلخر للصحابة والتابعين ‪ ،‬لذا ال ننتظر من مالك أن ُي لقى باال آلية‬
‫التشهد ‪ ،‬ويكفى أنه هو أول من إخترع هجص ما يسمى بالتحيات بديال عن آية التشهد ‪َ ( :‬ش ِه َد ُهَّللا َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة‬
‫َو ُأوُلو اْلِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم ) آل عمران ‪، ) 18‬مع أنه جعل العنوان ( باب التشهد فى الصالة ) مما‬
‫‪ .‬يرجح إصراره على تكذيب آية التشهد‪ .‬ونقلها عنه تالمذته بالتحريف والتخريف واالختالف‬
‫‪ .‬ونستشهد بأهم رواة الموطأ ‪ :‬رواية يحيى ثم رواية الشيبانى ‪ .‬ونناقشهما‬
‫‪ :‬أوال‬
‫‪ :‬هجص مالك فى ( التشهد ) ‪ .‬فى رواية الموطأ ( يحيى بن يحيى )‬
‫‪ :‬باب الَّتَش ُّه ِد ِفي الَّص َالِة ‪( 13 -‬‬
‫َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن ُعْر َو َة ْب ِن الُّز َبْي ِر ‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َع ْب ٍد اْلَقاِر ِّي ‪َ ،‬أَّن ُه َس ِم َع ُعَمَر ْب َن ‪203 -:‬‬
‫اْلَخ َّط اِب‪َ ،‬و ُه َو َع َلى اْلِم ْن َب ِر ُيَع ِّلُم الَّن اَس الَّتَش ُّه َد َي ُقوُل ُقوُلوا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي‬
‫) َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو َأْش َه ُد َأَّن ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه ‪.‬‬
‫‪ :‬مالحظة‬
‫‪.‬يروى هنا عن ابن شهاب الزهرى ‪ ،‬وقلنا إنه لم ير ولم يلق ابن شهاب‪ .‬أى إن مالك هنا كّذ اب أّفاك‬
‫ـــ ‪َ :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َي َتَش َّه ُد َفَي ُقوُل ِباْس ِم ِهَّللا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل ‪204‬‬
‫الَّس َالُم َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َش ِه ْد ُت َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َش ِه ْد ُت َأَّن ُمَح َّم ًد ا َر ُس وُل ِهَّللا‬
‫‪َ .‬ي ُقوُل َه َذ ا ِفي الَّر ْك َع َت ْي ِن اُألوَلَيْي ِن َو َي ْد ُع و ِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َج َلَس ِفي آِخِر َص َالِتِه َتَش َّه َد َك َذ ِلَك َأْيًض ا ِإَّال َأَّن ُه ُيَق ِّد ُم‬
‫الَّتَش ُّه َد ُثَّم َي ْد ُع و ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه َو َأَر اَد َأْن ُيَس ِّلَم َقاَل الَّس َالُم َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه ‪ .‬الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد‬
‫)ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم َع ْن َي ِميِنِه ُثَّم َيُر ُّد َع َلى اِإلَم اِم َفِإْن َس َّلَم َع َلْي ِه َأَح ٌد َع ْن َيَس اِر ِه َر َّد َع َلْي ِه ‪.‬‬
‫مالحظة ‪ :‬مالك هنا يروى عن ( نافع ) مولى عبد هللا بن عمر‪ .‬معنى أن مالك يروى عن نافع أن مالك كان شابا طالبا للعلم ‪.‬‬
‫ولكن مالك مولود عام ‪ 93‬هجرية ‪ ،‬بينما مات نافع عام ‪ . 95‬أى كان مالك صبيا رضيعا حين مات نافع فكيف يروى عن نافع ؟‬
‫‪ ..‬مالك هنا كّذ اب أّفاك‬

‫ــــ ‪َ :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َعْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَقاِس ِم ‪َ ،‬ع ْن َأِبيِه‪َ ،‬ع ْن َع اِئَش َة ‪َ ،‬ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َه ا َك اَن ْت ‪205‬‬
‫َت ُقوُل ِإَذ ا َتَش َّه َدِت الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو َأَّن ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه ‪.‬‬
‫الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه ‪ .‬الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم ‪.‬‬
‫‪ :‬مالحظة‬
‫مالك يزعم هنا أنه يروى عن عبد الرحمن بن القاسم حفيد أبى بكر ‪ ،‬وفى الحديث التالى يزعم أنه روى عن يحيى عن القاسم‬
‫والد عبد الرحمن ‪ .‬إذا كان يروى عن ابن القاسم ــ وهو األصل فى الرواية عن أبيه ــ فال حاجة ألن يروى عن آخر ( يحيى بن‬
‫‪ :‬سعيد األنصارى ) يزعم هذا اآلخر أنه سمع من القاسم‪ .‬ولكن هذا ما حدث فى الحديث التالى‬
‫ـــ ‪َ :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍد اَألْن َص اِر ِّي ‪َ ،‬ع ِن اْلَق اِس ِم ْب ِن ُمَح َّم ٍد‪َ ،‬أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن َع اِئَش َة َز ْو َج الَّن ِبِّي صلى هللا ‪206‬‬
‫عليه وسلم َك اَن ْت َت ُقوُل ِإَذ ا َتَش َّه َدِت الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو َأْش َه ُد َأَّن‬
‫ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ِهَّللا َو َر ُس وُلُه الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم ‪.‬‬
‫ـــ ‪َ :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َس َأَل اْب َن ِش َه اٍب َو َن اِفًع ا َمْو َلى اْب ِن ُعَمَر َع ْن َر ُج ٍل ‪َ ،‬د َخ َل َمَع اِإلَم اِم ِفي الَّص َالِة َو َق ْد َس َب َق ُه اِإلَم اُم ‪207‬‬
‫) ِبَر ْك َع ٍة َأَي َتَش َّه ُد َمَع ُه ِفي الَّر ْك َع َت ْي ِن َو اَألْر َب ِع َو ِإْن َك اَن َذ ِلَك َلُه ِو ْت ًر ا َفَقاَال ِلَي َتَش َّه ْد َمَع ُه ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َو ُه َو اَألْمُر ِع ْن َد َن ا ‪.‬‬
‫مالحظة‬
‫‪.‬مالك يزعم انه سأل ابن شهاب ونافعا ( معا ) ‪ .‬أى إن مالك هنا كّذ اب أّفاك‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫تحليل عام لهجص مالك فى ( التشهد ) ‪ .‬فى رواية الموطأ ( يحيى بن يحيى )‬
‫ـــ من حيث االسناد‪ :‬ـ روى حديثين عن ابن شهاب الزهرى ونافع ولم يرهما ولم يقابلهما أصال ‪ .‬كما أنه روى حديثا منسوبا ‪1‬‬
‫لعائشة بنفس الصيغة مع إختالف الرواة ‪ .‬وقد أشرنا من قبل الى إستحالة أن تعى الذاكرة البشرية مئات العنعنات وتحفظها بال‬
‫‪.‬نسيان ‪ .‬وهذا يؤكد أنه مجرد إفتراء وإنتحال وكذب وتزوير‬
‫ـ من حيث المتن ‪ :‬فقد روى صيغا مختلفة للتحيات ‪ ،‬نسبها للصحابة ‪ ،‬بما يعنى أنها لم تكن معروفة فى عصر النبوة ‪ ،‬وأن ‪2‬‬
‫كل من أراد أن يخترع تشريعا للتحيات فال بأس ‪ .‬حتى أن عمر كان يعلم الناس التحيات ومع ذلك فإن ابن عمر لم يأبه بصيغة‬
‫‪ .‬التحيات التى إخترعها أبوه‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫هجص مالك فى ( التشهد ) ‪ .‬فى رواية الموطأ ( محمد بن الحسن الشيبانى )‬
‫ـ ‪ :‬أخبرنا مالك ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة َأَّن َه ا َك اَن ْت تشهد فتقول ‪ :‬الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل ‪145‬‬
‫َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو اشهد َأَّن ُمَح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه ‪ .‬الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه ‪ .‬الَّس َالُم‬
‫َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم ‪.‬‬
‫ــ ‪َ :‬أخبرنا مالك عن ابن ِش َه اٍب الزهرى ‪َ ،‬ع ْن ُعْر َو َة ْب ِن الُّز َبْي ِر ‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َعْب ٍد اْلَقاِر ِّي ‪َ ،‬أَّن ُه َس ِم َع ُعَمَر ْب َن ‪146‬‬
‫اْلَخ َّط اِب‪َ ،‬و ُه َو َع َلى اْلِم ْن َب ِر ُيَع ِّلُم الَّن اَس الَّتَش ُّه َد َي ُقوُل ُقوُلوا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي‬
‫َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو َأْش َه ُد َأَّن ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه ‪.‬‬
‫ــ ‪ :‬أخبرنا َم اِلٍك ‪ ،‬أخبرنا َن اِفٍع ‪ ،‬عن اْب َن ُعَمَر ‪ ،‬أنه َك اَن َي َتَش َّه ُد َفَي ُقوُل ِباْس ِم ِهَّللا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل الَّس َالُم ‪147‬‬
‫َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َش ِه ْد ُت َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َش ِه ْد ُت َأَّن ُمَح َّم ًد ا َر ُس وُل ِهَّللا ‪.‬‬
‫َي ُقوُل َه َذ ا ِفي الَّر ْك َع َت ْي ِن اُألوَلَيْي ِن َو َي ْد ُع و ِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َج َلَس ِفي آِخِر َص َالِتِه َتَش َّه َد َك َذ ِلَك َأْيًض ا ِإَّال َأَّن ُه ُيَق ِّد ُم‬
‫الَّتَش ُّه َد ُثَّم َي ْد ُع و ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه َو َأَر اَد َأْن ُيَس ِّلَم َقاَل الَّس َالُم َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه ‪ .‬الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد‬
‫ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم َع ْن َي ِميِنِه ُثَّم َيُر ُّد َع َلى اِإلَم اِم َفِإْن َس َّلَم َع َلْي ِه َأَح ٌد َع ْن َيَس اِر ِه َر َّد َع َلْي ِه ‪.‬‬
‫قال محمد ‪ :‬التشهد الذى ذكر كله حسن ‪،‬وليس يشبه تشهد عبد هللا بن مسعود ‪ .‬وعندنا تشهده ألنه رواه عن رسول هللا (ص )‬
‫‪ ، .‬وعليه العامة عندنا‬
‫أخبرنا محل بن محرز الضبى عن شقيق بن سلمة بن وائل األسدى ‪ ،‬عن عبد هللا بن مسعود قال ‪ :‬كنا إذا صلينا خلف ‪148 :‬‬
‫رسول هللا ( ص ) قلنا ‪ :‬السالم على هللا ‪ .‬فقضى رسول هللا ( ص ) صالته ذات يوم ثم أقبل علينا فقال ‪ :‬ال تقولوا السالم على‬
‫هللا ‪ ،‬فإن هللا عز وجل هو السالم ‪ ،‬ولكن قولوا ‪ :‬التحيات هلل والصلوات الطيبات ‪ ،‬السالم عليك ايها النبى ورحمة هللا وبركاته ‪،‬‬
‫السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ .‬قال محمد ‪ :‬وكان عبد هللا بن‬
‫) ‪ .‬مسعود يكره ان ُي زاد فيه حرف أو ينقص منه حرف‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫تحليل هجص مالك فى ( التشهد ) ‪ .‬فى رواية الموطأ ( محمد بن الحسن الشيبانى )‬
‫ـ إتفق محمد بن الحسن الشيبانى مع رواية يحيى فى ثالثة أحاديث فقط ‪ ( ،‬عمر وابن عمر وعائشة ) وقال أنها أحاديث ‪1‬‬
‫حسنة ‪( :‬قال محمد ‪ :‬التشهد الذى ذكر كله حسن )‪ ،‬والحظ انها كلها غير منسوبة للنبى ‪ ،‬فتطوع هو بصناعة حديث عن‬
‫الصحابى عبد هللا بن مسعود عن النبى محمد عليه السالم ‪ .‬وبهذا رفع الشيبانى حديثه المفترى فوق إفتراء شيخه مالك ‪ ،‬وعّز ز‬
‫ذلك بقوله ‪( :‬وكان عبد هللا بن مسعود يكره ان ُي زاد فيه حرف أو ينقص منه حرف‪ ).‬أى إعتبره قرآنا ‪،!!.‬وهو ال يختلف عن‬
‫‪ .‬هجص مالك ‪ ،‬بل هو أرذل من هجص مالك‬
‫ـ وهجص الشيبانى فى حديثه مرذول ساقط ‪ ،‬ألنه ينسب للنبى هذا الهجص وليس للصحابة ‪ ،‬وألنه يزعم أن النبى علمهم أن ‪2‬‬
‫يقولوا له فى صالتهم ‪ ( :‬السالم عليك ايها النبى ورحمة هللا وبركاته )‪ ،‬ثم يجعل هذا الهجص المرذول المكذوب مقدسا ال يقبل‬
‫الزيادة أو النقص ألن ابن مسعود كان يكره أن ُي زاد فيه حرف أو ُي نقص منه حرف ‪ .‬فهل قال له ابن مسعود هذا ؟ توفى ابن‬
‫!‪ ..‬مسعود عام ‪ ، 32‬أما الشيبانى الكذاب فهو مولود بعدها بمائة عام فقط ‪ ،‬أى عام ‪132‬‬
‫‪ :‬أخيرا‬
‫هل يؤخذ دين هللا جل وعال من هؤالء األّف اكين الكذابين المختلفين مع بعضهم البعض ؟‬

‫التواتر الشيطانى فى تبديل التشهد بالتحيات (‪ ) 3‬إختالفات صيغ التحيات الشيطانية فى العصر العباسى‬
‫مقدمة‬
‫فى العصر العباسى عصر العلم الباغى واإلختالفات فى الدين انتشرت صيغ مختلفة للتحيات الشيطانية تم تدوينها منسوبة ‪1 :‬‬
‫إلى أعالم الصحابه الذين ماتوا من قبل دون أن يدروا شيئا عما فعله المفترون من رواة العصر العباسى ‪ .‬وهى إفتراءات‬
‫شيطانية ألصقوها بدين هللا تعالى تخالف التشهد االسالمى فى الصالة الذى ذكره رب العزة جل وعال ‪َ( :‬ش ِه َد الَّلـُه َأَّن ُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل‬
‫ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْل ِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط ۚ اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم ﴿‪ِ ﴾١٨‬إَّن الِّديَن ِع نَد الَّلـِه اِإْلْس اَل ُم ۗ ) لذلك فال بد أن يلحقها‬
‫االختالف المشار اليه فى اآلية الكريمة ‪َ ( :‬و َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِك َت اَب ِإاَّل ِمن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ُم اْل ِع ْلُم َب ْغ ًي ا َبْي َن ُهْم ۗ َو َم ن َي ْك ُفْر‬
‫ِبآَي اِت الَّلـِه َفِإَّن الَّلـَه َس ِر يُع اْلِح َس اِب ﴿‪ ﴾١٩‬آل عمران )‬
‫‪ :‬أوال‬
‫‪ :‬اختالفات صيغ التحيات الشيطانية من واقع كتب االحاديث‬
‫ـ تشهد ابن مسعود ‪ :‬التحيات هلل والصلوات والطيبات ‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد ‪1‬‬
‫‪ .‬هللا الصالحين ‪ ،‬واشهد أن ال إله إال هللا واشهد إن محمد عبده ورسوله‬
‫ـ تشهد ابن عباس ‪ :‬التحيات المباركات الصلوات الطيبات هلل ‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬السالم علينا ‪2‬‬
‫‪ .‬وعلى عباد هللا الصالحين ‪ ،‬اشهد أن ال إله إال هللا واشهد أن محمدا رسول هللا‬
‫‪.‬ـ تشهد عمر بن الخطاب ‪:‬التحيات الزكيات هلل الطيبات‪ ،‬الصلوات هلل ‪3‬‬
‫ـ تشهد أبى سعيد الخدرى ‪ .:‬التحيات الصلوات الطيبات ‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى ‪4‬‬
‫عباد هللا الصالحين ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا رسول هللا‬
‫‪ .‬ـ تشهد جابر ‪ .:‬باسم هللا وباهلل التحيات الصلوات ‪ .....‬الخ ‪5‬‬
‫‪.‬ـ تشهد عائشة ‪ .:‬التحيات الطيبات الزكيات هلل ‪ ........‬الخ ‪6‬‬
‫ـ تشهد أبى موسى االشعرى ‪ .:‬التحيات الطيبات الصلوات هلل وحده ال شريك له ‪ .....‬الخ ‪7‬‬
‫‪ .‬تشهد سمرة بن جندب ‪ .:‬التحيات الطيبات والصلوات والملك له ‪ ....‬الخ‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫الصالة على النبى فى تحياتهم الشيطانية‬
‫ـ صيغة الصالة على النبى وآله إنما وضعت للرد على ما أحدثة األمويون فى سب على وآل البيت فى صالة الجمعة ؛ حين ‪1‬‬
‫‪ .‬جعلوا لعن على وآل البيت من شعائر خطبة الجمعة كما سبق بيانه‬
‫ـ وإذا كان األمويون يلعنون عليا وآله تحقيرا فقد إستبدل العصر العباسى هذا بالتحيات الشيطانية التى تقّد س محمدا وآله ‪2‬‬
‫‪.‬وتجعل هذا فى داخل الصالة نفسها‬
‫ـ إذ أنهم يفهمون الصالة على النبى ليس بالمعنى القرآنى وهو التمسك بالقرآن الكريم الذى هو الصلة الباقية بين المؤمن ‪3‬‬
‫وخاتم النبيين ـ عليهم السالم ـ بعد موته ‪ ،‬ولكنهم يفهمون الصالة على النبى على أنها تقديس له وذكر له يقولونه فى الصالة‬
‫بطريقة التحيات الشيطانية ‪ ،‬وهم بذلك يكفرون بقوله جل وعال عن ذكره جل وعال وحده فى الصالة‪ِ( : :‬إَّن ِني َأَن ا الَّلـُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل‬
‫‪َ .‬أَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص اَل َة ِلِذ ْك ِر ي ﴿‪ ﴾١٤‬طه )‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫إختالفهم فى وجوب الصالة على النبى فى تحياتهم الشيطانية‬
‫وكالعادة فى كل مالمح الدين األرضى إختلفوا ‪ .‬اختلف أئمة الفقه فى وجوب الصالة على النبى فى التحيات الشيطانية ‪ .‬وهذه‬
‫اإلختالفات فى صيغ التحيات الشيطانية عندهم يجعلونها تحت عنوان التشهد ‪ ،‬وهم الذين اضاعوا التشهد االسالمى بتحياتهم‬
‫‪ .‬الشيطانية‬
‫‪ :‬ونعرض لبعض إختالفاتهم فى الصالة على النبى‬
‫‪.‬ـ ابو حنيفة وأصحابه ال يوجبونها وأما الشافعى فقد جعلها شرطا [‪1 ]1‬‬
‫‪ .‬ـ وبعدهم بنحو ثالثة قرون اختراع النووى صيغة للصالة على النبى لتقال فى التشهد أوردها فى كتابه المنشورات[‪2 ]2‬‬
‫ـ وجاء فى سبل السالم للصنعانى أنه قيل للشافعى " كيف صرت إلى حديث ابن عباس فى التشهد قال ‪ :‬لما رايته واسعا ‪3‬‬
‫وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندى أجمع وأكثر لفظا من غيره فأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح "[‪]3‬‬
‫وبين الشافعى وابن عباس ما يقترب من قرن ونصف القرن فكيف سمعه عنه صحيحا ؟ وما هو معيار الّص حة عند الشافعى‬
‫‪.‬وهو كّذ اب عريق ؟‬
‫ـ وورد أن النسائى روى حديثا ينسبه إلى ابن مسعود يزعم أن ابن مسعود قال‪" :‬كنا نقول قبل ان يفرض علينا التشهد ‪4 :‬‬
‫السالم على هللا السالم على جبريل وميكائيل فقال رسول هللا ال تقولوا هذا ولكن قولوا التحيات ‪ ........‬الخ " ‪ .‬النسائى األعجمى‬
‫التركمستانى المتوفى عام ‪ 303‬هجرية ما هى عالقته بالصحابة ؟ بل هو يكتشف ما لم يعرفه األئمة السنيون قبله من مالك الى‬
‫‪ ..‬الشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم‬
‫‪ .‬ـ وقالوا ان الحنفية والنخعى وطاووس يرون أنه ال يدعو فى الصالة إال بما يوجد فى القرآن فقط ‪5‬‬
‫ـ وجاء فى ( بلوغ المرام ) البن حجر العسقالنى حديث ( متفق عليه ) على حد قولهم يقول ‪ ":‬اذا تشهد احدكم فليستعذ باهلل ‪6‬‬
‫‪ .‬من أربع فيقول اللهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال "[‪]4‬‬
‫ونسأل ‪ :‬متى وكيف حدث االتفاق على هذا الحديث ؟ وإذا إتفقوا عليه فلماذا تكاثرت األحاديث األخرى المخالفة له ؟‬
‫ـ وكالعادة يختلفون دون محاولة لترجيح صيغة على أخرى‪ .‬وبدأ بهذا إمامهم مالك بن أنس رائد اإلفتراء واإلفك ‪ .‬فالذى كتب ‪7‬‬
‫موطأ مالك يذكر األحاديث المختلفة فى التحيات الشيطانية دون أدنى محاولة لترجيح صيغة على أخرى او تفصيل رواية على‬
‫رواية ؛‬
‫يقول فى باب التشهد فى الصالة أن عائشة كانت تتشهد فتقول " التحيات الطيبات الصلوات الزكيات هلل اشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاتة والسالم علينا وعلى عبادنا‬
‫الصالحين السالم عليكم " وبعده يذكر ان عمر كان يعلم الناس التشهد على المنبر ‪ -‬أى تشريع جديد فى الصالة فى خالفة عمر‬
‫فيقول لهم " قولوا التحيات هلل الزكيات هلل الطيبات الصلوات هلل ‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬السالم علينا‬
‫‪ ....‬وعلى عباد هللا الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا واشهد ان محمدا عبده ورسوله‬
‫وفى الحديث التالى يذكراالمام مالك أن عبد هللا بن عمر لم يلتزم بالصيغة التى قالها ابوه فيروى مالك أن ابن عمر كان يتشهد‬
‫فيقول ‪ :‬بسم هللا ‪ ،‬التحيات هلل‪ ،‬الصلوات هلل ‪ ،‬الزكيات هلل‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد‬
‫‪ ) .‬هللا الصالحين‪ ،‬شهدت أن ال إله إال هللا وشهدت أن محمدا رسول هللا‬
‫ثم يروى تشهد عبد هللا بن مسعود " التحيات هلل والصلوات الطيبات ‪ ،‬السالم عليك أيها النبى ‪ .......‬الخ"[‪]5‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬كافر باهلل جل وعال من يقول التحيات الشيطانية فى صالته‬

‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ دخل الموظف الصغير على رئيسه فى العمل أراد أن يحييه فقال له‪ " :‬مساء الُفّل‪ " .‬رئيسه فى العمل إعتبر هذه التحية ‪1‬‬
‫إساءة فعاقبه ‪ .‬تخيل لو دخل جندى على قائد المعسكر وحّي اه قائال ‪ ( :‬يا ميت مسا على الناس الكويسة ) ؟ تخيل لو دخل‬
‫شخص على ( جاللة الملك ) وحياه قائال ‪ " :‬صباح الورد "‪ .‬تتنوع التحيات بين البشر ‪ ،‬ولكنها تخضع لتقاليد إجتماعية‬
‫وسياسية وبروتوكولية ‪ ،‬فالتحيات من األدنى األعلى تختلف عن التحيات من األدنى الى األعلى ‪ .‬هذا مع أن البشر كلهم‬
‫‪ .‬متساوون من حيث أنهم مخلوقات الخالق جل وعال‬
‫ـ (التحيات ) التى يقولها المحمديون فى الصالة خطابا لرب العزة جل وعال هى كفر هائل وإهانة للعزيز الجبار سبحانه وتعالى ‪2‬‬
‫‪ ،‬ألن المؤمن حين يخاطب ربه جل وعال ال يخاطبه بالتحية التى يقولها البشر فيما بينهم ولكن يخاطب ربه جل وعال بالتسبيح‬
‫‪ .‬والحمد ‪ ،‬خصوصا إذا كان فى صالته‬
‫ـ التحيات يقولها البشر للبشر وتقولها المالئكة للبشر ‪ .‬وهم جميعا مخلوقات خلقها الخالق جل وعال‪ .‬أيضا فاهلل جل وعال ‪3‬‬
‫وهو ( األعلى ) يخطب البشر بالتحيات ‪ .‬أى التحيات يقولها (األعلى ) جل وعال للمخلوقات ‪ ،‬وتقولها المخلوقات الناطقة‬
‫لبعضها البعض ‪ ،‬ولكن يكون كفرا أن تخاطب المخلوقات ربها بالتحيات ‪ .‬فكل المخلوقات تسبح بحمد الرحمن جل وعال وإن كنا‬
‫‪.‬ال نفقه تسبيحهم‬
‫‪ :‬ونعطى بعض التفصيالت‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬فى الدنيا‬
‫‪:‬التحيات والسالمات ال تقال فى خطاب رب العزة سبحانه وتعالى ‪ ،‬بل ُت قال بين المخلوقات فى الدنيا‬
‫فالواجب القاء التحية‪ ،‬يقولها المؤمنون لبعضهم البعض ‪ .‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬فِإَذ ا َد َخ ْلُتْم ُبُيوًت ا َفَس ِّلُم وا َع َلى َأْن ُفِس ُك ْم َت ِحَّي ًة ‪1 :‬‬
‫‪ِ .‬مْن ِع ْن ِد ِهَّللا ُمَب اَر َك ًة َط ِّيَب ًة )‪ .‬النور ‪ ، )61‬فالتحية يقولها القادمون على أصحاب البيت‬
‫والرّد علي التحية بالمثل أو بما هو أفضل منها ‪ .‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬و ِإَذ ا ُحِّي يُتْم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها )‪2 : .‬‬
‫النساء ‪ . ) 86‬المعنى هنا أن أى تحية تقال للمؤمن فعليه أن يرد عليها بمثلها أو بأحسن منها ‪ ،‬أفضل التحية هى بالسالم ‪،‬‬
‫والسالم هو االسالم السلوكى فى التعامل بين الناس ‪ .‬ولكن يمكن أن ُت قال أى تحية بأى صيغة وبأى لسان أو باإلشارة ‪ ،‬ويجب‬
‫‪ .‬على المؤمن ردها بمثلها أو بأحسن منها‬
‫وامر هللا جل وعال النبى محمدا عليه السالم أن يحيى المؤمنين بالسالم إذا جاءوه ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و ِإَذ ا َج اَء َك اَّلِذيَن ‪3 :‬‬
‫‪ُ .‬يْؤ ِم ُنوَن ِبآَي اِتَن ا َفُقْل َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ) ﴿‪ ﴾٥٤‬االنعام )‪ ،‬فالتحية يقولها صاحب البيت للقادمين عليه‬
‫والمالئكة التى تجسدت فى هيئة بشر ودخلوا على ابراهيم عليه السالم ‪ ،‬ألقوا عليه التحية بالسالم فرد عليهم التحية ‪4 :‬‬
‫بأحسن منها ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َلَق ْد َج اَء ْت ُرُس ُلَن ا ِإْبَر اِهيَم ِباْلُبْش َر ٰى َقاُلوا َس اَل ًم ا ۖ َقاَل َس اَل ٌم ۖ َفَم ا َلِبَث َأن َج اَء ِبِع ْج ٍل َح ِنيٍذ ﴿‪﴾٦٩‬‬
‫هود )‪ .‬قالوا له ( سالما ) أى ( نسلم سالما ) كلمة ( سالما ) هنا مفعول به لفعل محذوف هو ( نسّلم ) ‪ .‬والفعل موقوت بزمنه‬
‫ماضيا أو حاضرا أو مستقبال ‪ .‬وجاء الرد من ابراهيم ( سالم ) ‪ ،‬اى جملة إسمية من مبتدأ هو ( سالم ) وخبر محذوف هو‬
‫( عليكم )‪ .‬والجملة االسمية تفيد الثبوت والدوام‪ .‬هنا رد عليهم السالم بأحسن منه‪ !.‬هذا من أسرار اإلعجاز القرآنى فى‬
‫‪.‬الفصاحة والبالغة‬
‫بل إن المؤمن الُم سلم الُم سالم يقول التحية بالسالم فى مواجهة الكافرين ‪ .‬قال جل وعال فى التعامل مع الكافرين المعاندين ‪5 :‬‬
‫‪:‬‬
‫‪ ﴾٨٩‬الزخرف )‪ .‬الصفح عنهم مرتبط بالسالم﴿) َو ِقيِلِه َي ا َر ِّب ِإَّن َه ٰـ ُؤ اَل ِء َق ْو ٌم اَّل ُي ْؤ ِم ُنوَن ﴿‪َ ﴾٨٨‬فاْص َف ْح َع ْن ُهْم َو ُقْل َس اَل ٌم( ‪5 / 1 :‬‬
‫‪.‬عليهم‬
‫يردون على الجاهلين ‪ ﴾٥٥ ) .‬القصص( ) َو ِإَذ ا َس ِم ُع وا الَّلْغ َو َأْع َر ُض وا َع ْن ُه َو َقاُلوا َلَن ا َأْع َم اُلَن ا َو َلُك ْم َأْع َم اُلُك ْم َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ( ‪5 / 2‬‬
‫‪ .‬اصحاب اللغو بالسالم عليهم‬
‫يقول جل وعال عن عباد الرحمن ‪َ( :‬و ِع َب اُد الَّر ْح َم ٰـ ِن اَّلِذيَن َيْم ُشوَن َع َلى اَأْلْر ِض َه ْو ًن ا َو ِإَذ ا َخ اَط َبُهُم اْلَج اِه ُلوَن َقاُلوا ‪5 / 3 :‬‬
‫‪َ .‬س اَل ًم ا﴿‪ ﴾٦٣‬الفرقان ) يردون على الجاهلين اصحاب اللغو بالسالم عليهم‬
‫وابراهيم عليه السالم حين إعتزل أباه الكافر حياه بالسالم ‪َ ( :‬قاَل َس اَل ٌم َع َلْي َك ) ﴿‪ ﴾٤٧‬مريم )‪ .‬يرد على أبيه الكافر ‪5 / 4 :‬‬
‫‪ .‬بالسالم عليه‬
‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬فى الجنة‬
‫التحيات والسالمات ال تقال فى خطاب رب العزة سبحانه وتعالى ‪ ،‬بل ُت قال بين المخلوقات ‪ ،‬فى اآلخرة تحية بالسالم ألهل‬
‫‪ .‬الجنة ‪ ،‬فهى دار السالم للمتقين‬
‫‪ :‬ـ قال عنها جل وعال ‪1‬‬
‫) ‪ ﴾٢٥‬يونس﴿ ) َو الَّلـُه َي ْد ُع و ِإَلٰى َداِر الَّس اَل ِم ( ‪1 / 1 :‬‬
‫‪ ﴾١٢٧ ).‬االنعام﴿ ) َلُهْم َداُر الَّس اَل ِم ِع نَد َر ِّب ِهْم ( ‪1 / 2 :‬‬
‫والذىن يموتون متقين تبشرهم مالئكة الموت بالتحية بالسالم وتبشرهم بالجنة دار السالم ‪ ،‬قال جل وعال ‪ ( :‬اَّلِذيَن ‪2 :‬‬
‫َتَت َو َّفاُه ُم اْلَم اَل ِئَك ُة َط ِّي ِبيَن ۙ َي ُقوُلوَن َس اَل ٌم َع َلْي ُك ُم اْد ُخ ُلوا اْل َج َّن َة ِبَم ا ُك نُتْم َت ْع َم ُلوَن ﴿‪ ﴾٣٢‬النحل )‬
‫‪ :‬وهناك مالئكة فى إستقبالهم عند دخول الجنة تحييهم بالسالم ‪ .‬قال جل وعال ‪3 :‬‬
‫َو ِس يَق اَّلِذيَن اَّت َق ْو ا َر َّبُهْم ِإَلى اْلَج َّن ِة ُز َمًر ا ۖ َح َّتٰى ِإَذ ا َج اُء وَها َو ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا َو َقاَل َلُهْم َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ِط ْب ُتْم َفاْد ُخ ُلوَها ( ‪3 / 1‬‬
‫)َخ اِلِديَن ﴿‪ ﴾٧٣‬الزمر‬
‫) ِإَّن اْلُم َّت ِقيَن ِفي َج َّن اٍت َو ُعُيوٍن ﴿‪ ﴾٤٥‬اْد ُخ ُلوَها ِبَس اَل ٍم آِمِنيَن ﴿‪ ﴾٤٦‬الحجر ( ‪3 / 2 :‬‬
‫) اْد ُخ ُلوَها ِبَس اَل ٍم ۖ َٰذ ِلَك َيْو ُم اْلُخ ُلوِد﴿‪ ﴾٣٤‬ق ( ‪3 / 3 :‬‬
‫ومالئكة الجنة يحّي ون المؤمنين داخل الجنة بالتحية والسالم ‪ ،‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬ج َّن اُت َع ْد ٍن َي ْد ُخ ُلوَن َه ا َو َم ْن َص َلَح ِمْن آَب اِئِهْم ‪4 :‬‬
‫‪َ-).‬و َأْز َو اِجِهْم َو ُذ ِّر َّي اِتِهْم َو اْلَم اَل ِئَك ُة َي ْد ُخ ُلوَن َع َلْي ِهْم ِمْن ُك ِّل َب اٍب َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ِبَم ا َص َبْر ُتْم َفِنْع َم ُع ْق َب ى الَّداِر )‪.‬الرعد ‪23‬‬
‫‪ :‬وعموما ال يسمع أهل الجنة فيها إال التحية والسالم ‪ .‬يقول جل وعال ‪5 :‬‬
‫) الواقعة ‪ ) 26 ، 25‬اَل َيْس َمُع وَن ِفيَه ا َلْغ ًو ا َو اَل َت ْأِثيًم ا ِإاَّل ِقياًل َس اَل ًم ا َس اَل ًم ا( ‪5 / 1 :‬‬
‫) ‪ ﴾٦٢‬مريم﴿ )ۖ اَّل َيْس َمُع وَن ِفيَه ا َلْغ ًو ا ِإاَّل َس اَل ًم ا ( ‪5 / 2 :‬‬
‫) َو ُأْد ِخ َل اَّلِذيَن آَم ُن وا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمْن َت ْح ِتَه ا اَأْلْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا ِبِإْذ ِن َر ِّب ِهْم َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم ( ‪5 / 3 :‬‬
‫‪" ) .‬إبراهيم‪23‬‬
‫‪ ).‬الفرقان ‪ُ )75‬أوَلِئَك ُيْج َز ْو َن اْلُغ ْر َفَة ِبَم ا َص َبُر وا َو ُيَلَّق ْو َن ِفيَه ا َت ِحَّي ًة َو َس اَل ًم ا( ‪5 / 4 :‬‬
‫‪ :‬ثالثا‪ :‬تحية هللا ألهل الجنة‬
‫التحية من هللا جل وعال األعلى لألدنى وليس العكس مطلقا‪ ،‬فاهلل تعالى ـ وهو األعلى ـ يحّي ى المؤمنين ويسلم عليهم وهم فى‬
‫‪ :‬الجنة ‪ .‬يقول جل وعال‬
‫يس ‪ُ ) ) 58 : 56‬ه ْم َو َأْز َو اُجُهْم ِفي ِظ اَل ٍل َع َلى اَأْلَر اِئِك ُم َّت ِك ُئوَن َلُهْم ِفيَه ا َفاِك َه ٌة َو َلُهْم َم ا َي َّد ُع وَن َس اَل ٌم َقْو اًل ِمْن َر ٍّب َر ِحيٍم ( ‪1 :‬‬
‫‪.‬أى يلقى السالم عليهم رب العزة جل وعال‬
‫وأيضا بمجرد ان يلقوا هللا تعالى يتلقون تحيته‪ .‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬ت ِح َّي ُتُهْم َيْو َم َي ْلَق ْو َن ُه َس اَل ٌم َو َأَع َّد َلُهْم َأْج ًر ا َك ِر يًم ا)‪ .‬االحزاب ‪2 :‬‬
‫‪44" ).‬‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫‪ :‬هذا بينما يكون خطابهم هلل فى الجنة بالحمد والتسبيح وليس بالتحية والسالم ‪ ،‬يقول جل وعال عن أهل الجنة‬
‫‪).‬ـ ( َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلُهَّم َو َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن ) ‪ .‬يونس‪1 10‬‬
‫ـ هذه اآلية الكريمة هى فصل الخطاب فى الموضوع ‪ ،‬فهم حين يخاطبون هللا يقولون سبحانك اللهم والحمد رب العالمين ‪2‬‬
‫ويكون الخطاب لرب العزة جل وعال دعاء للمولى عز وجل مقترنا بالتسبيح والحمد ؛ أما حديثهم مع بعضهم أو مع المالئكة‬
‫‪ .‬فهو التحية والسالم‬
‫‪ :‬خامسا‬
‫‪.‬إن مناجاة هللا جل وعال ال تكون اال بالتسبيح والتحميد والتمجيد‬
‫فالمالئكة خاطبت رب العزة سبحانه وتعالى ‪َ ( :‬قاُلوا ُسْبَح اَن َك اَل ِع ْلَم َلَن ا ِإاَّل َم ا َع َّلْم َتَن ا ِإَّن َك َأْن َت اْلَع ِليُم اْلَح ِكيُم ‪ .‬البقرة ‪1 :‬‬
‫‪) 23 .‬‬
‫وعيسى حين سيقول له ربه جل وعال ‪َ ( :‬أَأْن َت ُقْلَت ِللَّن اِس اَّت ِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْي ِن ِمْن ُدوِن ِهَّللا ) يبادر بالقول ‪َ ( :‬قاَل ‪2 :‬‬
‫"ُسْبَح اَن َك َم ا َي ُك وُن ِلي َأْن َأُقوَل َم ا َلْيَس ِلي ِبَح ٍّق )‪ .‬المائدة ‪116‬‬
‫‪ :‬ــ إن ما عدا هللا سبحانه وتعالى ملتزم بصيغة واحدة فى خطاب هللا هى التسبيح والتحميد والتمجيد ‪3‬‬
‫فكل ما عدا هللا يسبح هلل سبحانه وتعالى ‪ .‬يقول جل وعال ‪ُ ( :‬سْبَح اَن ُه َو َت َع اَلى َع َّم ا َي ُقوُلوَن ُع ُلًّو ا َك ِبيًر اُتَسِّبُح َلُه الَّس َم اَو اُت ‪3 / 1 :‬‬
‫)‪-‬الَّس ْبُع َو اَأْلْر ُض َو َم ْن ِفيِه َّن َو ِإْن ِمْن َش ْي ٍء ِإاَّل ُيَس ِّبُح ِبَح ْم ِدِه َو َلِكْن اَل َت ْفَق ُهوَن َت ْس ِبيَح ُهْم ِإَّن ُه َك اَن َح ِليًم ا َغ ُفوًر ا ) ‪ .‬اإلسراء ‪43‬‬
‫‪ :‬وقد ابتدأت سور قرآنية باألمر بالتسبيح أو االخبار عنه ‪3 / 2 :‬‬
‫فى سورة الحديد (َسَّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو ُه َو اْل َع ِز يُز اْل َح ِكيُم ) وسورة الحشر (َسَّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي ‪3 / 2 / 1 :‬‬
‫‪.‬الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو ُه َو اْل َع ِز يُز اْلَح ِكيُم )‬
‫وسورة الّص ف (َس َّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو ُه َو اْلَع ِز يز"> ‪ 4‬ـ هذا ملمح من كفر المحمديين الذين لم‪3 / 2 / 2 :‬‬
‫‪ :‬يقدروا هللا جل وعال حق قدره ‪ .‬قال جل وعال‬
‫َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس ُض ِر َب َم َث ٌل َفاْس َت ِم ُع وا َلُه ۚ ِإَّن اَّلِذيَن َت ْد ُع وَن ِمن ُدوِن الَّلـِه َلن َي ْخ ُلُقوا ُذ َب اًب ا َو َلِو اْج َت َمُع وا َلُه ۖ َو ِإن َيْس ُلْبُهُم( ‪4 / 1 :‬‬
‫) الُّذ َب اُب َش ْي ًئ ا اَّل َيْس َت نِقُذ وُه ِم ْن ُه ۚ َض ُعَف الَّط اِلُب َو اْلَم ْط ُلوُب ﴿‪َ ﴾٧٣‬م ا َق َد ُر وا الَّلـَه َح َّق َق ْد ِر ِه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿‪ ﴾٧٤‬الحج‬
‫َو َم ا َق َد ُر وا الَّلـَه َح َّق َق ْد ِر ِه َو اَأْلْر ُض َج ِميًع ا َقْبَض ُتُه َيْو َم اْلِقَي اَم ِة َو الَّس َم اَو اُت َم ْط ِو َّي اٌت ِبَي ِميِنِه ۚ ُسْبَح اَن ُه َو َت َع اَلٰى َع َّم ا( ‪4 / 2 :‬‬
‫) ُيْش ِر ُك وَن ﴿‪ ﴾٦٧‬الزمر‬
‫أخيرا‬
‫المحمديون بالتحيات الشيطانية متمسكون ‪ ،‬وال يزالون عن كيفية الصالة من القرآن يتساءلون ‪ ،‬وهم برب العزة وبكتابه‬
‫‪ .‬كافرون ‪ .‬وهم عن التذكرة القرآنية معرضون‬
‫‪ :‬أحسن الحديث‬
‫‪.‬قال جل وعال ‪َ ( :‬ف َم ا َلُهْم َع ِن الَّت ْذ ِك َر ِة ُمْع ِر ِض يَن ﴿‪َ ﴾٤٩‬ك َأَّن ُهْم ُحُمٌر ُّمْس َت نِفَر ٌة ﴿‪َ ﴾٥٠‬فَّر ْت ِمن َقْس َو َر ٍة﴿‪ ﴾٥١‬المدثر )‬
‫!!‪.‬ودائما ‪ :‬صدق هللا العظيم‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬تعقيبات وردود على مقال (كافر باهلل جل وعال من يقول التحيات الشيطانية فى صالته )‬

‫تعقيبات وردود على مقال (كافر باهلل جل وعال من يقول التحيات الشيطانية فى صالته )‬
‫‪ :‬نذكر التعقيبات ونرد عليها‬
‫‪ :‬مراد الخولى‬
‫دايما كان عندى لخبطة من التشهد الن النبى غير محتاج لدعائى النه سيدخل الجنة‪ .‬ونفس ( ‪ ) :‬لم أهضم التشهد بسهولة (‬
‫الشيء مع أل ابراهيم كنت أقول لنفسى وانا مالى بهم‪ .‬انا اللى محتاج المغفرة لو كان فى أي أمل فى دخول الجنة! هذا الكالم‬
‫‪.).‬عندما كنت سنيا‪ .‬ثم عندما عرض علي االفكار القرءانية وبالذات "اقم الصالة لذكرى" أصبحت التشهد فى خبر كان‬
‫‪ :‬أقول‬
‫كنُت متمسكا بها‪ .‬أذكر أننى سمعت مصليا ال يقرؤها فألححت عليه أن يقولها ‪ ،‬وإستأُت منه‪ .‬ثم بعدها تذكرت أننا تعلمنا فى‬
‫الثانوى األزهرى أنه يمكن االستعاضة عن التحيات ببعض آيات القرآن ‪ .‬ثم بعدها الحظت الفارق بين كلمة التشهد و التحيات‪.‬‬
‫‪ .‬وبدأ فى قلبى الّش ك‪ .‬بالمناسبة ال بد أن تجعل كلمة التحيات فى تعليقك بدال من كلمة التشهد‬
‫سعيد على ‪ ( :‬سمع هللا لمن حمده ! ) ‪ ( :‬الصالة هي ذكر هلل جل و عال من دخولها و حتى اإلنتهاء منها من ( هللا أكبر ) إلى‬
‫( السالم ) و بداية كل حركة فيها بـ ( هللا أكبر ) ‪ .‬و ال يستريح قلبي لعبارة ( سمع هللا لمن حمده ) !! فهل استبدلها بـ ( هللا‬
‫‪.‬أكبر ) ؟ ‪ .‬ال سيما و أن قصة ( سمع هللا لمن حمده ) ال يمكن أن أصدقها و أؤمن بها !!!)‬
‫‪ :‬أقول‬
‫القاعدة أن التواتر المرفوض هو ما يخالف القرآن الكريم ألن القرآن الكريم حكُّم على ما توارثناه وعلى التواتر‪( .‬سمع هللا لمن‬
‫حمده ) متسقة مع الصالة‪ ،‬ألن الصالة تبدأ بالفاتحة وحمد هللا جل وعال رب العالمين‪ .‬ويتوالى فيها تسبيح الرحمن وحمده ‪.‬‬
‫‪.‬وكل ذلك ذكر للرحمن جل وعال وحده‬
‫‪ :‬بن ليفانت‬
‫‪:‬السالم عليكم ‪ .‬عندي تساؤالت عما جاء في مقالكم ( ‪ ) :‬تساؤالت حول التحية (‬
‫أوال اآلية (َو ِإَذ ا ُحِّي يُتم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها ِإَّن الَّلـَه َك اَن َع َلٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِس يًب ا ﴿النساء‪ )﴾٨٦ :‬توجه الكالم بشكل‬
‫‪.‬عمومي على الناس (الذين يقرؤون هذه اآلية) وال تحدد مصدرا للتحية‪ ،‬بمعنا أّي ا كان المصدر‬
‫ثانيا اآليات (ِإَّن َأْص َح اَب اْلَج َّن ِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغ ٍل َفاِك ُهوَن ﴿‪ُ ﴾٥٥‬ه ْم َو َأْز َو اُجُهْم ِفي ِظ اَل ٍل َع َلى اَأْلَر اِئِك ُم َّت ِك ُئوَن ﴿‪َ ﴾٥٦‬لُهْم ِفيَه ا َفاِك َه ٌة‬
‫َو َلُهم َّم ا َي َّد ُع وَن ﴿‪َ ﴾٥٧‬س اَل ٌم َقْو اًل ِّم ن َّر ٍّب َّر ِحيٍم ﴿يسن ‪ )﴾٥٨‬تعني وكما ذكرتم أن التحية من هللا ألهل الجنة‪ .‬فلماذا ال يكون الرد‬
‫على هذه التحية بمثلها بناء على ما جاء في آية النساء ‪ ،86‬وهي ‪،‬كما ذكرت‪ ،‬عامة؟‬
‫ثالثا اآلية (َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلـُهَّم َو َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِلَّلـِه َر ِّب اْلَع اَلِميَن ﴿يونس‪ )﴾١٠ :‬تتكلم عن‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬وهم أصحاب الجنة‪ ،‬وعن دعواهم وتحيتهم هناك‪ .‬اآلية تنقسم إلى ثالث فقرات‪ ،‬جميعها تحتوي‬
‫(لغويا) على الفاعل أو المتكلم (صاحب الجنة)‪ ،‬والفعل (التحية والدعوى) والمفول به أو الموجه له الكالم‪ ،‬وهو في الفقرة‬
‫االولى والثالثة واضح بالنص (هللا تعالى)‪ ،‬فلماذا ال تكون الفقرة الثانية‪ ،‬التي تحتوي على التحية بالسالم‪ ،‬موجهة أيضا إلى هللا‬
‫‪ ).‬رب العالمين؟‬
‫‪ :‬وأقول‬
‫‪ :‬أوال وثانيا‬
‫ـ البشر يتعاملون مع الرحمن بالعبادة ‪ ،‬وهذا ينفى المساواة بين العابد والمعبود ‪ .‬ويسرى هذا حتى على الضمائر ‪ ،‬فى ضمير ‪1‬‬
‫الملكية تقول ‪ :‬بيتى قلمى أى أنت تملك بيتك وقلمك ‪ .‬ولكن عندما تقول ( ربى ) فإن ربك جل وعال هو الذى يملكك وأنت مملوك‬
‫له جل وعال‪ . .‬وحين تقول لشخص ‪ :‬إعطنى كذا يكون هذا أمرا أو طلبا‪ .‬ولكن حين تقول لربك جل وعال ‪ ( :‬إعطنى ) فهذا‬
‫‪ .‬يكون عبادة ( دعاء ) بتضرع ورجاء وتذلل‬
‫ـ اآلية ( ‪ ) 86‬من سورة النساء فيها تشريع ُم لزم برد التحية بمثلها أو بأحسن منها ‪ .‬هى تشريع للبشر وليست تعامال بين ‪2‬‬
‫‪ .‬الناس ورب الناس‬
‫‪.‬ـ التشريع الُم لزم للبشر هو تسبيح هللا جل وعال وحمده ‪ .‬وليس التحية ‪ .‬وقد أوضحنا هذا ‪3‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اآلية (َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلـُهَّم َو َت ِح َّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِلَّلـِه َر ِّب اْلَع اَلِميَن ﴿يونس‪ )﴾١٠ :‬تنقسم‬
‫قسمين فقط من حيث الموضوع ‪ :‬الدعاء ‪ :‬سبحانك اللهم ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪ .‬القسم اآلخر ‪ :‬تحيتهم بالسالم ‪ .‬وقد تتبعنا‬
‫‪ .‬التحية بالسالم ومراحلها‬
‫‪ :‬احمد المئذنى‬
‫مقال خطير جدا من حيث الجدية والتساؤل في الكم الهائل من التراث المحمدي ( )‪ ...‬عندي بعض التساؤالت هنا لو تكرمت (‬
‫‪ :‬ولدى قرائتي اتتني بعض االسئلة لو تكرمت علينا في اجابتها‬
‫ـ انا مقتنع تماما ان الصالة المحمدية هي بال معنى نهائي وحشو وحتى شرك باهلل ‪ ...‬الخ ‪1‬‬
‫هناك بعض الباحثين الذين يقولون ان السالم الى اليمين واليسار على المالئكة لختام الصالة ليس له داعي ؟؟ فما هو ‪2-‬‬
‫رايك ؟؟ وهو موضوع مهم ؟‬
‫ـ ‪ -‬الحظت ان هللا تعالى يأمرنا في قوله { قل } اي امر ان نذكر آية محددة في الصالة معه فهل يمكن وضعها هنا في ختام ‪3‬‬
‫الصالة بعد السجود االخير ‪َ ( -:‬و ُقِل اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َلْم َي َّت ِخ ْذ َو َلًدا َو َلْم َي ُك ن َّلُه َش ِر يٌك ِفي اْلُم ْلِك َو َلْم َي ُك ن َّلُه َو ِلٌّي ِّم َن الُّذ ِّل َو َك ِّبْر ُه‬
‫َتْك ِبيًر ا)‬
‫ـ ‪ -‬ان السالم على الملكين هو ايضا اشراك الحد مع هللا نعالى في ذكر غيره كما في الصالة االبراهيمية او التشهد كما في ‪4‬‬
‫‪ .‬سؤالي اعاله‬
‫ـ ان عدد الركعات او السجدات هل هو محصور كما قرره الحديث ام يمكن للمصلي السجود حسب التقرب الذي يراه ‪5‬‬
‫مناسبا ؟؟ ما رايك في هذا‬
‫ـ ال شك ان فاتحة الكتاب هي من السور المتكاملة التي فيها دعاء هلل وحمد له ‪6‬‬
‫ـ في موضوع آخر ايضا هام واعذرني اذا تطرقت الى امور متعلقة يالصالة وليست بالتشهد حتى نثري البحث ككل ان ‪7‬‬
‫المؤمنين ممكن ان يقوموا باكثر من صالة على وضوء واحد بينما القرآن ينص على ان كل اقامة لصالة يجب عليها اداء‬
‫الوضوء ‪( :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة َفاْغ ِس ُلوا ُو ُج وَه ُك ْم َو َأْي ِد َي ُك ْم ِإَلى اْلَمَر اِفِق َو اْمَس ُح وا ِبُرُء وِس ُك ْم َو َأْر ُج َلُك ْم ِإَلى‬
‫اْلَك ْع َبْي ِن َو ِإن ُك نُتْم ُج ُنًب ا َفاَّط َّهُر وا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ٰى َأْو َع َلٰى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو اَل َمْس ُتُم الِّن َس اَء َفَلْم َت ِج ُدوا َم اًء‬
‫َٰل‬
‫َفَت َيَّمُم وا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا َفاْمَس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك م ِّم ْن ُه َم ا ُيِر يُد ُهَّللا ِلَيْج َع َل َع َلْي ُك م ِّم ْن َح َر ٍج َو ِكن ُيِر يُد ِلُيَط ِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم ِنْع َم َت ُه َع َلْي ُك ْم‬
‫َلَع َّلُك ْم َتْشُك ُر وَن ) اي اذا قمتم باي حال عليكم الوضوء ام ال ‪ ...‬؟‬
‫ـ ‪ -‬اخيرا هل يجب على المصلي التوقف بعد اداء ‪ 2‬ركعة لالستراحة والتشهد طالمتا نتكلم هنا عن عدم صلتها بذكر هللا ‪8‬‬
‫اساسا ؟؟؟ وبالتالي تكون القضية ذكر صافي هلل بعدد يقدره المصلي حسب راحته ؟؟ طبعا النقول العشرات ولكن الشيء‬
‫المنطقي الذي يصبغ القنوت والخشوع الذي ضاع من اكثر المصلين اثناء الصالة ؟؟؟ ‪ .‬واشكركم مرة اخرى التاحة الفرصة لنا‬
‫) بالتواصل معكم في هذا االمر الهام‬
‫‪ :‬وأقول‬
‫ـ موضوع السالم فى نهاية الصالة كتبنا فيه مقاال يؤكد انه ال يتعارض مع القرآن الكريم ‪ 3 .‬ـ للمؤمن فى صالته أن ‪2 ، 4‬‬
‫يسبح هللا جل وعال ويحمده بما جاء فى القرآن الكريم ‪ .‬المهم الخشوع ‪ .‬و باالضافة الى الفاتحة أنا أختار بدايات سور األنعام‬
‫والكهف وسبأ وفاطر ‪ .‬وبدايات سور ( الملك ) و (الفرقان ) ‪ .‬وأقرأ مع التشهد ( أالية ‪ 18‬من سورة آل عمران ) آية‬
‫‪ .‬الكرسى ( البقرة ‪ )255‬وأواخر سورة الحشر ( ‪ 22‬ـ ) هنا يكون االجتهاد داخل الصالة وليس بالهوى والتغيير والتبديل‬
‫ـ الركعات والركوع والسجود محدد ‪ .‬نحن ال نصلى كما يحلو لنا وحسب هوانا بل طاعة للرحمن وشرعه جل وعال‪ .‬وهناك ‪5‬‬
‫‪ .‬النوافل لمن يريد الزيادة‬
‫‪ .‬قلنا إن الوضوء ليس لكل صالة بدليل ذكر نواقض الوضوء ‪7 :‬‬
‫‪.‬ـ نكرر أن المؤمن يعبد هللا جل وعال بما أمر وليس بما يهوى ‪8‬‬
‫اسامة قفيشة ‪ ( :‬هل الذكر المقصود هو مجرد لفظ األسماء !) ( إن كان كذلك فحين نقول ( ُّمَح َّم ٌد َّر ُس وُل ِهَّللا َو اَّلِذيَن َمَع ُه َأِش َّداء‬
‫َع َلى اْلُك َّفاِر ) هو ذكٌر لمحمد ‪ ,‬و قولنا ( َت َّب ْت َي َدا َأِبي َلَه ٍب َو َت َّب ) فهو ذكٌر ألبي لهب ‪ ,‬أنا أرى بأن إنكار التشهد بالتحيات ليس‬
‫لمجرد ذكر محمد باسمه عليه السالم ‪ ,‬و لكن ألن صيغة تلك التحيات لم ترد في ذكر هللا جل وعال الذي أمرنا سبحانه و تعالى‬
‫بأن نقيم الصالة به حين أمرنا سبحانه في قوله ( أقم الصالة لذكري ) ‪ ,‬مع التنويه هنا بأن ( أقم الصالة لذكري ) جاءت لموسى‬
‫‪.‬عليه السالم ‪ ,‬أي أنها جاءت من خالل القصص القرآني الذي ال يعتبر تشريعًا ‪) .‬‬
‫‪ :‬وأقول‬
‫‪ .‬ـ ( ذكر هللا ) جل وعال يعنى تعظيمه وحده ‪ ،‬ودون ذكر لمخلوق معه على سبيل التعظيم والتقديس ‪1‬‬
‫‪ :‬ـ ذكر غير هللا جل وعال مع هللا يعنى ‪1‬‬
‫منع ذكر إسمه جل وعال ‪ .‬قال جل وعال ‪َ( :‬و َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد الَّلـِه َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ٰى ِفي ‪1 / 1 :‬‬
‫َخ َر اِبَه ا ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإاَّل َخ اِئِفيَن ۚ َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخ ْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿‪ )١١٤‬البقرة)‪ .‬هذه‬
‫مساجد هللا جل وعال ويجب أن تكون لذكر هللا جل وعال وحده‪ .‬المشركون يذكرون اسم هللا ويذكرون غيره معه‪ .‬هذا منع لذكر‬
‫‪ .‬هللا ‪ ،‬إذا ال ُي ذكر معه غيره‬
‫‪ :‬شأن المشركين رفض ذكر إسم هللا جل وعال وحده ‪ .‬قال جل وعال ‪1 / 2 :‬‬
‫) َو ِإَذ ا َذ َك ْر َت َر َّب َك ِفي اْلُقْر آِن َو ْح َد ُه َو َّلْو ا َع َلٰى َأْد َب اِر ِه ْم ُنُفوًر ا ﴿‪ ﴾٤٦‬لالسراء( ‪1 / 2 / 1 :‬‬
‫َو ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ْح َد ُه اْش َم َأَّز ْت ُقُلوُب اَّلِذيَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآْل ِخَر ِة ۖ َو ِإَذ ا ُذ ِك َر اَّلِذيَن ِمن ُدوِنِه ِإَذ ا ُه ْم َيْس َت ْب ِش ُر وَن ﴿‪1 / 2 / 2 : (﴾٤٥‬‬
‫‪ ).‬الزمر‬
‫‪ :‬ـ هللا جل وعال أورد ذكر بعض البشر بأسمائهم ‪2‬‬
‫منهم متقون مدحهم رب العزة جل وعال ‪ .‬قال جل وعال ‪ :‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب َمْر َي َم ِإِذ انَت َب َذ ْت ِمْن َأْه ِلَه ا ‪2 / 1 :‬‬
‫َم َك اًن ا َش ْر ِقًّي ا﴿‪ ﴾١٦‬مريم (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ِإْبَر اِهيَم ۚ ِإَّن ُه َك اَن ِص ِّديًقا َّن ِبًّي ا ﴿‪ ﴾٤١‬مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ُم وَس ٰى ۚ ِإَّن ُه َك اَن ُم ْخ َلًص ا‬
‫َو َك اَن َر ُس واًل َّن ِبًّي ا ﴿‪ ﴾٥١‬مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ِإْس َم اِع يَل ِۚإَّن ُه َك اَن َص اِدَق اْلَو ْع ِد َو َك اَن َر ُس واًل َّن ِبًّي ا ﴿‪ ﴾٥٤‬مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي‬
‫اْلِك َت اِب ِإْد ِر يَس ۚ ِإَّن ُه َك اَن ِص ِّديًقا َّن ِبًّي ا ﴿‪َ ﴾٥٦‬و َر َفْع َن اُه َم َك اًن ا َع ِلًّي ا ﴿‪ ﴾٥٧‬مريم ) (اْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو اْذ ُك ْر َع ْب َد َن ا َداُو وَد َذ ا‬
‫اَأْلْي ِد ۖ ِإَّن ُه َأَّو اٌب ﴿‪ ﴾١٧‬ص ) (َو اْذ ُك ْر َع ْب َد َن ا َأُّي وَب ِإْذ َن اَد ٰى َر َّب ُه َأِّن ي َمَّس ِنَي الَّش ْي َط اُن ِبُنْص ٍب َو َع َذ اٍب ﴿‪ ﴾٤١‬ص ) ( َو اْذ ُك ْر ِع َب اَد َن ا‬
‫ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب ُأوِلي اَأْلْي ِدي َو اَأْلْبَص اِر ﴿‪ ﴾٤٥‬ص ) ( َو اْذ ُك ْر ِإْس َم اِعيَل َو اْلَيَس َع َو َذ ا اْلِك ْف ِل ۖ َو ُك ٌّل ِّم َن اَأْلْخ َي اِر ﴿‪ ﴾٤٨‬ص )‬
‫هنا ذكرهم بمدحهم وليس تقديسهم ‪ .‬ألن ذكر هللا جل وعال يكون بعبادته ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ( :‬و اْذ ُك ُر وا الَّلـَه َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم ‪2 / 2 :‬‬
‫ُتْف ِلُح وَن ﴿‪ ﴾١٠‬الجمعة ) (َو اْذ ُك ِر اْس َم َر ِّب َك َو َت َب َّت ْل ِإَلْي ِه َت ْب ِتياًل ﴿‪َّ ﴾٨‬ر ُّب اْلَم ْش ِر ِق َو اْلَم ْغ ِر ِب اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُه َو َفاَّت ِخ ْذ ُه َو ِك ياًل ﴿‪ ﴾٩‬المزمل )‬
‫(َو اْذ ُك ِر اْس َم َر ِّب َك ُبْك َر ًة َو َأِص ياًل ﴿‪ ﴾٢٥‬االنسان ) (َو اْذ ُك ر َّر َّب َك ِفي َن ْف ِس َك َت َض ُّر ًع ا َو ِخيَف ًة َو ُدوَن اْلَج ْه ِر ِمَن اْلَق ْو ِل ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل‬
‫َو اَل َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن ﴿‪ ﴾٢٠٥‬االعراف )‬
‫وهناك بشر كافرون مذكورون باالسم ‪ ،‬مثل والد ابراهيم آزر ‪َ ( :‬و ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َأِلِبيِه آَز َر َأَتَّت ِخ ُذ َأْص َن اًم ا آِلَه ًة ۖ ِإِّن ي ‪2 / 3 :‬‬
‫َأَر اَك َو َق ْو َم َك ِفي َض اَل ٍل ُّم ِبيٍن ﴿‪ ﴾٧٤‬االنعام ) ‪ ،‬ومثل الطغاة فى هذه اآلية الكريمة ‪َ( :‬و َلَق ْد َأْر َس ْلَن ا ُم وَس ٰى ِبآَي اِتَن ا َو ُس ْلَط اٍن ُّم ِبيٍن ﴿‬
‫‪ِ ﴾٢٣.‬إَلٰى ِفْر َع ْو َن َو َهاَم اَن َو َقاُر وَن َفَق اُلوا َس اِحٌر َك َّذ اٌب ﴿‪ )٢٤‬غافر )‪ .‬هنا ذكرهم ليس بالمدح بل بالذم‬
‫بالنسبة للعرب قوم النبى محمد عليه السالم فقد قال جل وعال يخاطبهم ‪َ ( :‬لَق ْد َأنَز ْلَن ا ِإَلْي ُك ْم ِك َت اًب ا ِفيِه ِذ ْك ُر ُك ْم َۖأَفاَل ‪2 / 4 :‬‬
‫َت ْع ِقُلوَن ﴿‪ ﴾١٠‬االنبياء )‪ .‬يعنى جاء فى القرآن الكريم ذكرهم‪ .‬وتكرر وصفهم بالكفر والشرك واالجرام ‪ .‬ومن أوصافهم قوله جل‬
‫وعال عنهم فى الدنيا ‪َ ( :‬و َك َّذ َب ِبِه َقْو ُم َك َو ُه َو اْلَح ُّق ۚ ُقل َّلْس ُت َع َلْي ُك م ِبَو ِكيٍل ﴿‪ِّ ﴾٦٦‬لُك ِّل َن َب ٍإ ُّمْس َت َق ٌّر ۚ َو َس ْو َف َت ْع َلُم وَن ﴿‪﴾٦٧‬‬
‫االنعام ) ‪ ،‬وعن اآلخرة سيتبرأ منهم الرسول ‪َ( :‬و َقاَل الَّر ُس وُل َي ا َر ِّب ِإَّن َقْو ِمي اَّتَخ ُذ وا َه ٰـ َذ ا اْلُقْر آَن َمْهُج وًر ا ﴿‪َ ﴾٣٠‬و َك َٰذ ِلَك َج َع ْلَن ا‬
‫‪ِ.‬لُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ًّو ا ِّم َن اْلُمْج ِر ِميَن ۗ َو َك َف ٰى ِبَر ِّب َك َهاِد ًي ا َو َن ِص يًر ا ﴿‪ ﴾٣١‬الفرقان ) ‪ .‬هنا ذكرهم ليس بالمدح بل بالذم‬
‫ـ أى إن معنى الذكر يختلف حسب السياق ‪ .‬يكون عبادة وتضرعا وتقديسا للرحمن جل وعال‪ .‬ويكون مدحا منه جل وعال ‪3‬‬
‫‪ .‬للمتقين ‪ ،‬ويكون ذما وتحقيرا للضالين ‪ .‬وإستشهدنا بأشخاص بأسمائهم‬
‫ـ الصالة هى ذكر هلل جل وعال وحده ‪ ،‬وهى ذكر منّظ م بالركعات والقيام والركوع والسجود والتشهد ‪ ،‬وبهذا الذكر تتجدد صلة ‪4‬‬
‫المؤمن بربه جل وعال ‪ ،‬وهو حين ( يذكر )ربه جل وعال خاشعا (يتذكره ) ربه جل وعال برحمته ‪ ،‬لذا فالمؤمن يستعين ( على‬
‫كل شىء ) بالصبر والصالة ‪ ،‬قال جل وعال يربط بين الصالة والذكر ( ذكره جل وعال وحده ) ‪َ ( :‬فاْذ ُك ُر وِني َأْذ ُك ْر ُك ْم َو اْشُك ُر وا ِلي‬
‫‪َ .‬و اَل َتْك ُفُر وِن ﴿‪َ﴾١٥٢‬ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اْس َت ِعيُنوا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص اَل ِة ۚ ِإَّن الَّلـَه َمَع الَّص اِبِر يَن ﴿‪ ﴾١٥٣‬البقرة )‬
‫وهو نفس ما جاء لبنى اسرائيل ‪ .‬قال لهم جل وعال ‪َ ( :‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة َو اْر َك ُع وا َمَع الَّر اِكِعيَن ﴿‪َ ﴾٤٣‬أَت ْأُمُر وَن‬
‫الَّن اَس ِباْلِبِّر َو َت نَس ْو َن َأنُفَس ُك ْم َو َأنُتْم َتْت ُلوَن اْلِك َت اَب ۚ َأَفاَل َت ْع ِقُلوَن ﴿‪َ ﴾٤٤‬و اْس َت ِعيُن وا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص اَل ِة ۚ َو ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإاَّل َع َلى‬
‫اْلَخ اِش ِعيَن ﴿‪ ﴾٤٥‬البقرة )‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬التواتر الشيطانى فى قصر الصالة وجمعها‬

‫مقدمة‬
‫ـ عام ‪ 1984‬حين كنت ضمن قادة جماعة دعوة الحق االسالمية مصلحا فى الدين السنى أعلنت أنه ال قصر فى الصالة فى ‪1‬‬
‫السفر العادى‪ .‬وحدث أن جاء أحد كبار الدعاة المخضرمين الى المركز العام للجماعة فى مسجدها بالدقى ‪ ،‬وهو من طنطا ‪،‬‬
‫وقام يؤم الناس فى صالة الظهر ‪ ،‬فصّلى الظهر ركعتين ثم توقف على عادة السنيين وقال لمن خلفه على عادة السنيين ‪" :‬‬
‫أتُّم وا صالتكم فإّن ا على سفر" ‪ .‬فقاطعه بواب المسجد وقال له ‪ ( :‬الدكتور أحمد صبحى منصور قال " إنه ال قصر إال فى صالة‬
‫الخوف ‪ .) ".‬وكانت مشكلة‪ 2!!.‬ـ ال يزال السنيون يصلون صالة الُّس نن بزعمهم عبادة وتقديسا اللههم المصنوع الذى سموه‬
‫محمدا ‪ ،‬ثم يقصرون فى صلوات الفرض ‪ .‬وحتى لو كانت صالة الُس ّن ة عندهم من ( الكماليات ) أو ليست فرضا ‪ ،‬فكيف‬
‫يحافظون عليها ويقصرون فى صالة الفرض ؟ كيف يصلى أحدهم ُس ّن ة الظهر ثم يقصر فى صالة الظهر بزعم أنه على سفر‪.‬‬
‫أليس هذا نوعا فريدا من الخبل العقلى ؟‬
‫‪ .‬ـ نتوقف فى لمحة عن هذا الخبل العقلى المناقض لالسالم ‪3‬‬
‫أوال ‪:‬التواتر االسالمى هو قصر الصالة فى الخوف فقط ‪ ،‬وال جمع بين الصلوات ‪ 1:‬ـ القصر فى الصالة ال يكون إال فى حالة‬
‫الخوف واحتمال الموت ‪ .‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و َم ْن ُيَه اِجْر ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َي ِج ْد ِفي اَأْلْر ِض ُمَر اَغ ًم ا َك ِثيًر ا َو َس َع ًة َو َم ْن َي ْخ ُرْج ِمْن َبْي ِتِه‬
‫ُمَه اِجًر ا ِإَلى ِهَّللا َو َر ُس وِلِه ُث َّم ُي ْد ِر ْك ُه اْل َمْو ُت َفَق ْد َو َقَع َأْج ُرُه َع َلى ِهَّللا َو َك اَن ُهَّللا َغ ُفوًر ا َر ِحيًم ا ‪َ ،‬و ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي اَأْلْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم‬
‫ُج َن اٌح َأْن َت ْق ُصُر وا ِمَن الَّص اَل ِة ِإْن ِخْف ُتْم َأْن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وا ِإَّن اْلَك اِفِر يَن َك اُن وا َلُك ْم َع ُد ًّو ا ُم ِبيًن ا ) ‪ .‬النساء ‪100‬؛‪ ."101‬ومعناه‬
‫أن المهاجر أو المجاهد يكون عليه جناح ومؤاخذة إذا قصر من الصالة إن لم يكن فى حالة خوف من الفتنة تستوجب أن يصلى‬
‫صالة الخوف ‪ ،‬ومعناه بالتالى أن المسافر سفرا عاديا ال شأن له على اإلطالق بقصر الصالة ‪.‬ومفهوم أن تشريع صالة الخوف‬
‫ـ فى القتال والمطاردة ـ نزل مفصال لقوم يعرفون الصالة المتوارثة من ملة ابراهيم ‪ ،‬ولكن ظروف الهجرة والحرب والمطاردة‬
‫إستلزمت تشريعا جديدا فى قصر الصالة‪ ،‬ويكفى أنه بعد توضيح هذا التشريع الجديد قال جل وعال عن حالة القتال والمطاردة‬
‫بعدها ‪َ( :‬و ال َت ِه ُنوا ِفي اْب ِتَغ اِء اْلَق ْو ِم ِإْن َتُك وُنوا َت ْأَلُم وَن َفِإَّن ُهْم َي ْأَلُم وَن َك َم ا َت ْأَلُم وَن َو َت ْر ُج وَن ِمْن ِهَّللا َم ا ال َيْر ُج وَن َو َك اَن ُهَّللا َع ِليمًا‬
‫‪َ.‬ح ِكيمًا (‪ )104‬النساء )‬
‫ـ ليس هناك قصر للصالة فى السفر ‪ ،‬ولكن قد تستجد ظروف ال تمكن المؤمن من أداء الصالة بكيفيتها من ركوع وسجود ‪2 ،‬‬
‫وهو يخاف أن يضيع وقت الصالة ‪ ،‬كمن يركب سيارة أو طائرة ويتعذر عليه الوقوف والركوع والسجود ‪ ،‬أو يكون فى طابور‬
‫انتظار طويل يقضى مصلحة له ‪ ،‬أو فى حالة حرب من حركة وكّر وفّر ‪ ،‬وتستمر حالته هذه بحيث يضيع منه وقت صالة الظهر‬
‫او العصر مثال ‪ .‬هنا يمكن أن يصلى كيفما اتفق ‪ ،‬راجال مترجال أو راكبا أو جالسا حتى ال يضيع منه وقت الصالة ‪ .‬وفى هذا‬
‫يقول جل وعال ‪َ (:‬ح اِفُظ وا َع َلى الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وا ِهَّلِل َقاِنِتيَن (‪َ )238‬فِإْن ِخْف ُتْم َفِر َج اًال َأْو ُر ْك َب انًا َفِإَذ ا َأِمنُتْم‬
‫‪َ.‬فاْذ ُك ُر وا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك ْم َم ا َلْم َتُك وُنوا َت ْع َلُم وَن (‪ )239‬البقرة )‬
‫ـ ال وجود فى االسالم للجمع بين الصالتين ‪ .‬إن الصالة علينا مفروضة فى أوقاتها الخمس المعروفة ‪ِ( :‬إَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى ‪3‬‬
‫اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت ابًا َمْو ُقوتًا (‪ )103‬النساء ) ‪ ،‬وطبقا للمقصد االسالمى التشريعى فى التخفيف ورفع الحرج يمكن للمؤمن أن يصلى‬
‫فى كل حال ‪ ،‬يصلى وقت الصالة المفروضة قائما أو ماشيا أو نائما ‪ ،‬ولو بلسانه وعينيه عند المرض بشرط إستحضار الخشوع‬
‫‪ .‬ما أمكن ‪ ،‬وعليه ‪ ،‬فال حاجة للجمع بين الظهر والعصر مثال‬
‫ـ األساس هو ( الخشوع فى الصالة ) و ( المحافظة عليها) بمعنى (إقامة الصالة ) قلبيا وسلوكيا بأن تتقى هللا جل وعال فال ‪4‬‬
‫تقع فى فحشاء وال منكر وال ظلم بين أوقات الصالة ‪ ،‬ألن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر (ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ْن اْلَف ْح َش اِء‬
‫َو اْلُم ْنَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن (‪ )45‬العنكبوت ) وألن المؤمن يجب أن يطيع قول ربه جل وعال ‪ِ ( :‬إَّن َهَّللا َي ْأُمُر‬
‫ِباْلَع ْد ِل َو اِإلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ى َو َي ْن َه ى َع ْن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن (‪ )90‬النحل ) ‪ .‬أى أن مدار‬
‫فريضة الصالة أن تخشع وقت الصالة ‪ ،‬وأن تتقى هللا جل وعال فيما بين الصلوات ‪ .‬وقد جاء هذان معا فى أوائل سورة‬
‫‪ .‬المؤمنون عن صفات المؤمنين المفلحين أصحاب النعيم‬
‫ثانيا ‪ :‬البداية التاريخية للتواتر الشيطانى فى القصر والجمع‬
‫ـ سبق أن خلفاء بنى أمية فى تهاونهم فى الصالة كانوا يؤخرونها أو بالتعبير السائد عنهم أنهم ( قد أماتوها بالتأخير ) ‪1‬‬
‫(السيوطى ‪ :‬تاريخ الخلفاء ‪ .) 395‬وقد مدحوا الخليفة سليمان بن عبد الملك أنه أقلع عن هذا فى خالفته القصيرة وتبعه عمر‬
‫‪ .‬بن عبد العزيز ‪ ،‬ثم عاد بنو أمية الى تأخير الصالة ‪ ،‬وإشتهر بهذا الحجاج فى تأخيره صالة الجمعة بسبب تطويله الخطبة‬
‫ـ وال يقال بأن تأخير األمويين فى الصالة وإماتتهم لها – بالتعبير التراثى – قد انتقلت إلى متحف التاريخ مع الدولة األموية إذ ‪2‬‬
‫أن العصر العباسى ــ وهو عصر التقعيد والتشريع للدين األرضى السائد ـ مالبث أن جعل تلك السنة األموية السيئة شريعة سنية‬
‫‪ .‬تحمل إسما أخر هو قصر الصالة وجمعها وتأخيرها‬
‫ـ وكالعادة اختلفوا ‪ ،‬بعضهم إخترع لهذه الفرية الكثير من األحاديث والروايات ولم يقتنع األخرون بهذه المقوله فواجهوهم ‪3‬‬
‫‪ .‬بأحاديث أخرى ‪ .‬ونقل المؤرخ ابن سعد فى الطبقات الكبرى هذا وذاك‬
‫يروى ابن سعد عن بعضهم قوله " صليت مع عمر بن الخطاب فكان يجمع المغرب ثالثا والعشاء ركعتين " الطبقات ‪3 / 1 :‬‬
‫‪ .‬الكبرى ‪ ، 107 ،6‬أى يصلى ويقصر أى يستعمل قصر الصالة مع الجمع والتأخير‬
‫ويروى عن أخر أن عمر بن عبدالعزيز فى خالفته كان إذا أتم الصالة جمع بالناس وإذا صلى ركعتين لم يجمع ‪3 / 2 : ،5 ( .‬‬
‫‪ ) 261‬أى إذا كان قصر بالصالة لم يجمع ‪ ،‬وإذا جمع بين الصلوات فإنه يقصرها ‪ .‬أى يصليها قصرا ‪ .‬أى أنه ال يجمع بين‬
‫القصر فى الصالة وجمع الصالة وتأخيرها فإذا استعمل أحدهما ال يستعمل األخرى ‪ .‬وهنا تعارض بين ما كان يفعله عمر بن‬
‫‪.‬الخطاب وما فعله عمر بن عبدالعزيز‬
‫وهناك روايات أخرى عن صحابه وتابعين كانوا يقصرون الصالة فى السفر ‪ .‬يروى ابن سعد أن عمر بن الخطاب خرج ‪3 / 3 :‬‬
‫‪ .‬إلى الجباية فى الشام فى صفر ‪ 16‬هــ فأقام بهاعشرين ليلة يقصر الصالة ( ابن سعد ‪) 203 ، 3‬‬
‫ورواية أخرى تزعم أن عليا بن أبى طالب قصر صالة الجمعة ‪ .‬وال يعرف أحدهم كيف يقصر صالة الجمعة وهى مجرد ‪3 / 4 :‬‬
‫ركعتين ‪ ،‬تقول الرواية لصاحبها الحارث بن توب " صلى بنا علُّى الجمعة فلما سلم قام فقال ‪ :‬عباد هللا أتموا الصالة ‪ ُ،‬ثم قام‬
‫‪ .‬فدخل )( الطبقات الكبرى ‪) 168 ، 6‬‬
‫وروى ابن سعد أن عبدهللا بن عمر أقام باذربيجان ستة أشهر حبسه فيها الثلج فكان يقصر الصالة ( الطبقات الكبرى ‪3 / 5 :‬‬
‫‪ ) 119 ،4‬كما يروى ان الشعبى – من كبار التابعين – مكث فى خرسان عشرة أشهر ال يزيد عن ركعتين أى يقصر كل صالة‬
‫‪ .‬رباعية ( الطبقات ‪) 173 ،6‬‬
‫وفى مواجهة تلك الروايات يذكر ابن سعد فى نفس الكتاب رواية واحدة تهدمها جميعا ‪ ،‬يقول " هبط الكوفة ثالثمائه من ‪3 / 6 :‬‬
‫‪ .‬أمن أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر ‪ ،‬النعلم أحد منهم قصر " الطبقات الكبرى ‪6،4‬‬
‫ـ وفى الجمع بين الصالتين – كالجمع بين الظهر والعصر أو الجمع بين المغرب والعشاء أو تأخيرهما تأتى روايات متعارضة ‪4‬‬
‫‪.‬‬
‫تقول رواية ان على بن الحسين ( زين العابدين ) كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فى السفر ‪4 / 1 :‬‬
‫‪ .‬ويقول ‪ :‬كان رسول هللا يفعل ذلك وهو غير عجل وال خائف ( الطبقات ‪) 163 ،5‬‬
‫ثم فى رواية أخرى مناقضة يقول فيها أبو إسحاق السبيعى " كنا فى زمن معاوية بخرسان ال نجمع " ( الطبقات الكبرى ‪4 / 2 :‬‬
‫‪) 6،219 .‬‬
‫ـ هذه الروايات المتناقضة ليست سوى مجرد جدل فقهى يناقض القرآن الكريم ‪ .‬هجروا القرآن الكريم وإفتروا أحاديث ‪5‬‬
‫‪ .‬وإختلفوا ـ كالعادة ـ فيها‪ ،‬واستندوها إلى صحابه وتابعين ماتوا من قبل العصر العباسى‬
‫ـ مالك بن أنس هو رائد كل هذا اإلفتراء والهجص ‪ ،‬وتابعه أخرون أهمهم الشافعى والبخارى‪ .‬والموضوع طويل نكتفى بلمحة ‪6‬‬
‫‪.‬عنه‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬نماذج من إختالفات موطأ مالك‬
‫ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ُعَمَر ‪َ ،‬أَّن ُه َك اَن ُيَس اِفُر ِإَلى َخ ْيَبَر َفَي ْق ُصُر الَّص َالَة‪َ ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ‪1‬‬
‫ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن َس اِلِم ْب ِن َع ْب ِد ِهَّللا‪َ ،‬أَّن َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َي ْق ُصُر الَّص َالَة ِفي َم ِس يِر ِه اْلَيْو َم الَّت اَّم ‪ .) .‬هو نفس الشخص ( ابن‬
‫عمر ) مع إختالف فى مسافة القصر فى السفر ‪ .‬ـ ( ــ َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن َع َّب اٍس ‪َ ،‬ك اَن َي ْق ُصُر الَّص َالَة ِفي‬
‫ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو الَّط اِئِف َو ِفي ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو ُعْس َفاَن َو ِفي ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو ُج َّد َة ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َو َذ ِلَك َأْر َبَع ُة ُبُر ٍد َو َذ ِلَك َأَح ُّب َم ا‬
‫ُتْق َص ُر ِإَلَّى ِفيِه الَّص َالُة ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َال َي ْق ُصُر اَّلِذي ُيِر يُد الَّس َف َر الَّص َالَة َح َّت ى َي ْخ ُرَج ِمْن ُبُيوِت اْلَقْر َي ِة َو َال ُيِتُّم َح َّت ى َي ْد ُخ َل َأَّو َل ُبُيوِت‬
‫‪ .‬اْلَق ْر َي ِة َأْو ُيَق اِر ُب َذ ِلَك ‪ ) .‬تقدير آخر مختلف فى مسافة القصر‬
‫ابن عمر يقصر هناك وال يقصر هنا‬
‫!!‪.‬ابن عمر ال يقصر أصال ‪َ ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن ُه َك اَن ُيَس اِفُر َمَع اْب ِن ُعَمَر اْلَب ِر يَد َفَال َي ْق ُصُر الَّص َالَة ‪( .‬‬
‫!!‪ :‬القصر فى الصبح فقط‬
‫ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َال َي ِز يُد َع َلى اِإلَقاَم ِة ِفي الَّس َف ِر ِإَّال ِفي الُّصْب ِح َفِإَّن ُه َك اَن ُيَن اِدي ِفيَه ا‬
‫‪َ .‬و ُيِقيُم َو َك اَن َي ُقوُل ِإَّن َم ا اَألَذ اُن ِلِإل َم اِم اَّلِذي َيْج َت ِم ُع الَّن اُس ِإَلْي ِه ) فى الجميع حتى فى األذان‬
‫ـ ( َو َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َة‪َ ،‬أَّن َأَب اُه‪َ ،‬قاَل َلُه ِإَذ ا ُكْن َت ِفي َس َف ٍر َفِإْن ِش ْئ َت َأْن ُتَؤ ِّذ َن َو ُتِقيَم َفَع ْلَت َو ِإْن ِش ْئ َت‬
‫‪َ.‬فَأِقْم َو َال ُتَؤ ِّذ ْن ‪َ .‬قاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ُقوُل َال َب ْأَس َأْن ُيَؤ ِّذ َن الَّر ُج ُل َو ُه َو َر اِك ٌب ‪) .‬‬
‫نالحظ أن مالك بن أنس أسند دور البطولة فى فيلم قصر الصالة وجمعها البن عمر ‪ .‬ويزعم مالك أنه سمع هذا من نافع مولى‬
‫ابن عمر‪ .‬وقلنا من قبل أنه لم ير ولم يسمع ولم يقابل نافع مولى عبد هللا بن عمر ‪ .‬مالك ال يرفع هذه األحاديث للنبى ‪ ،‬وأنه‬
‫‪.‬يقتصر على ابن عمر الذى كان طفال حين مات النبى عليه السالم‪ ،‬أى إن مالك اعجوبة فى الكذب‬
‫ولكن من جاء بعده تفوق عليه ‪ ،‬إذ قاموا بإختراع أحاديث لم يقلها مالك وصنعوا لها أسانيد جديدة ‪ ،‬ورفعوا بعضها للنبى‬
‫‪:‬محمد‪ .‬وهذا ما فعله الشافعى والبخارى وغيرهما ‪ .‬نعطى لمحة عن أكاذيب البخارى فى قصر الصالة وجمعها‬
‫رابعا ‪ :‬تناقضات البخارى‬
‫ـ جعل النبى يقصر تسعة عشر يوما ‪ ( :‬حدثنا أبو موسى بن إسماعيل قال‪ :‬حدثنا أبو عونة‪ ،‬عن عاصم وحصين‪ ،‬عن ‪1‬‬
‫عكرنة‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬أقام النبي صلى هللا عليه وسلم تسعة عشر يقصر‪ ،‬فنحن إذا سافرنا تسعة عشر‬
‫قصرنا‪ ،‬وإن زدنا أتممنا‪).‬‬
‫‪ :‬ـ ثم حديث آخر يجعل النبى يقصر عشرة أيام فقط ‪2‬‬
‫حدثنا أبو معمر قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي إسحق قال‪ :‬سمعت أنسا يقول‪ :‬خرجنا مع النبي النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم من المدينة إلى مكة‪ ،‬فكان يصلي ركعتين ركعتين‪ ،‬حتى رجعنا إلى المدينة‪ .‬قلت‪ :‬أقمتم بمكة شيئا؟ قال‪ :‬أقمنا بها‬
‫‪.‬عشرا‬
‫ـ ثم حديث يجعله يوما وليلة فقط ‪:‬وسمى النبي النبي صلى هللا عليه وسلم يوما وليلة سفرا‪ .‬وكان ابن عمر وابن عباس ‪3‬‬
‫‪.‬رضي هللا عنهم يقصران ويفطران في أربع برد‪ ،‬وهي ستة عشر فرسخا‬
‫‪ :‬ـ ثم إختالفات فى القصر فى الحج فى ( منى ) ‪4‬‬
‫حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن عبيد هللا قال‪ :‬أخبرني نافع‪ ،‬عن عبد هللا رضي هللا عنه قال‪ :‬صليت مع النبي النبي ‪4 / 1 :‬‬
‫‪.‬صلى هللا عليه وسلم بمنى ركعتين‪ ،‬وأبي بكر وعمر‪ ،‬ومع عثمان صدرا من إمارته‪ ،‬ثم أتمها‬
‫حدثنا أبو الوليد قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ :‬أنبأنا أبو إسحق قال‪ :‬سمعت حارثة بن وهب قال‪ :‬صلى بنا النبي صلى هللا عليه ‪4 / 2 :‬‬
‫‪.‬وسلم‪ ،‬آمن ما كان‪ ،‬بمنى ركعتين‬
‫حدثنا قتيبة قال‪ :‬حدثنا عبد الواحد‪ ،‬عن األعمش قال‪ :‬حدثنا إبراهيم قال‪ :‬سمعت عبد الرحمن بن يزييد يقول‪ :‬صلى بنا ‪4 / 3 :‬‬
‫عثمان بن عفان رضي هللا عنه بمنى أربع ركعات‪ ،‬فقيل لعبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه فاسترجع‪ ،‬ثم قال‪ :‬صليت مع رسول‬
‫هللا النبي صلى هللا عليه وسلم بمنى ركعتين‪ ،‬وصليت مع أبي بكر رضي هللا عنه بمنى ركعتين‪ ،‬وصليت مع عمر بن الظاب‬
‫‪.‬رضي هللا عنه بمنى ركعتين‪ ،‬فليت حظي من أربع ركعات متقبلتان‬
‫حدثنا أبو نعيم قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن محمد بن المننكدر وإبراهيم بن ميسرة‪ ،‬عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬صليت ‪4 / 4 :‬‬
‫‪.‬الظهر مع النبي صلى هللا عليه وسلم بالمدينة أربعا‪ ،‬والعصر بذي الحليفة ركعتين‬
‫‪ :‬ـ ثم أحاديث أخرى مختلفة عن عبد هللا بن عمر ‪5‬‬
‫‪.‬رأيت رسول هللا النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر‪ ،‬يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء ‪5 / 1 :‬‬
‫‪.‬قال سالم‪ :‬وكان عبد هللا ( ابن عمر ) يفعله إذا أعجله السير ‪5 / 2 :‬‬
‫وزاد الليث قال‪ :‬حدثني يونس‪ ،‬عن ابن شهاب( الزهرى ) ‪ ،‬قال سالم‪ :‬كان ابن عمر رضي هللا عنهما يجمع بين ‪5 / 3 :‬‬
‫المغرب والعشاءبالمزدلفة‪ .‬قال‪ :‬سالم‪ :‬وأخر ابن عمر المغرب‪ ،‬وكان استصرخ على إمرأته صفية بنت أبي عبيد‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫الصالة‪ ،‬فقال‪ :‬سر‪ ،‬فقلت‪ :‬الصالة‪ ،‬فقال‪ :‬سر‪ ،‬حتى سار ميلين أو ثالثة‪ ،‬ثم نزل فصلى‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا رأيت النبي صلى هللا عليه‬
‫‪.‬وسلم يصلي إذا أعجله السير‬
‫وقال عبد هللا (ابن عمر ) ‪ :‬رأيت النبي النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أعجله السير يؤخر المغرب فيصليها ثالثا‪ ،‬ثم ‪5 / 4 :‬‬
‫‪.‬يسلم‪ ،‬ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء‪ ،‬فيصليها ركعتين‪ ،‬ثم يسلم‪ ،‬وال يسبح بعد العشاء‪ ،‬حتى يقوم من جوف الليل‬
‫‪ :‬ــ ثم هذا الحديث المضحك الذى إخترعه البخارى ‪6‬‬
‫حدثنا عبد هللا بن محمد قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬الصالة أول ما فرضت‬
‫‪.‬ركعتين‪ ،‬فأقرت صالة السفر‪ ،‬وأتمت صالة الحضر‪ .‬قال الزهري‪ :‬فقلت لعروة‪ :‬ما بال عائشة تتم؟ قال‪ :‬تأولت ما تأول عثمان‬
‫ومعناه أن الصالة فرضت ناقصة مثنى مثنى وكان المسلمون وقتها فى حال ترحال وسفر ثم إذا استقروا فى الحضر زادت فى‬
‫‪ .‬الحضر وبقيت مثنى مثنى على المسافر كما كانت أوال‬
‫والواقع التاريخى يقول أن المسلمين كانوا مستقرين فى مكة ثم فى المدينة ‪ .‬لم يكونوا فى حالة ترحال مستمر فى تيه الصحراء‬
‫ثم استقروا فى النهاية كما يوحى بذلك الحديث السابق‪ .‬االستثناء فى حالة االستقرار هذه حدثت فى الهجرة‪ .‬ولذا نزل تشريع‬
‫قصر الصالة ليعالج هذه الحالة االستثنائية الطارئة فى السفر للهجرة أو الجهاد ‪ .‬والواقع القرآنى يقول " َو ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأْن َت ْق ُصُر وا ِمَن الَّص اَل ِة ) أى من الصالة المعروفة الكامله يكون القصر ‪ ،‬فاألصل أن الصالة كامله‬
‫‪ ..‬كما أن االصل هو اإلستقرار فى الحضر وليس الترحال والسفر‬
‫أخيرا‬
‫‪ .‬فى كل هذا الهجص واإلفتراء ال تستطيع أن تخرج بتشريع واحد متفق عليه فى زعمهم قصر الصالة فى السفر وجمعها‬

‫الفصل السادس ‪ :‬التواتر الشيطانى فى إختراع صالة العيدين ‪ :‬أوال ‪ :‬مالك بن أنس ‪ ،‬الرائد الشيطانى‬
‫‪ :‬أوال‬
‫ليس فى االسالم فريضة االحتفال باألعياد‬
‫ـ (المسلم ) العادى ال يصلى الفرائض الخمس يوميا ـ فى األغلب ـ ولكنه قلما تفوته صالة العيد ألن صالة العيد أضحت عادة ‪1‬‬
‫إجتماعية الزمة ‪ .‬هوايضا يصوم رمضان مع كونه اليصلى غالبا ‪ ،‬ألن الصوم فى رمضان قد تحول الى عادة إجتماعية مرتبطة‬
‫بذكريات لها عبق خاص ‪ ،‬فهو يصوم بحكم العادة ‪ ،‬وبعد الصيام يصلى العيد فرحا بحكم العادة ايضا ‪ .‬ولقد تحول الحج الى‬
‫مناسبة يعقبها صالة عيد بحكم العادة ‪ ،‬وفيه الناس يذبحون ( الهدى ) فى بيوتهم كما لو كانوا فى االحرام فى البيت الحرام ‪ .‬بل‬
‫‪ .‬وفى صالة العيدين يكبرون تكبيرات االحرام كما لو كانوا فى مناسك الحج‬
‫ـ أغلب (العبادات ) فى بالد ( المسلمين ) اصبحت (عادات) إجتماعية ‪ ،‬يؤدونها ( جماعيا ) كما وجدوا عليها آباءهم ‪ ،‬وغالبا ‪2‬‬
‫بال تقوى ‪ .‬غاب الخشوع والتقوى فى صومهم رمضان ‪ ،‬فتحول رمضان الى شهر االمتالء والسهر حتى الصباح وتمضية وقت‬
‫الصيام فى كسل وفى قرف ‪( .‬العادة ) تقتل االخالص فى ( العبادة )‪ ،‬وتجعل أداءها روتينيا بال إحساس بالتقوى ‪ .‬هذا مع‬
‫العبادات التى فرضها رب العزة جل وعال كالصالة والصوم ‪ .‬ولكن عندما يبتدعون عبادة ترتبط بمواسم إجتماعية تراهم‬
‫يمارسونها ( جماعيا ) بشغف وإهتمام ‪ .‬هذا هو الفارق بين التكاسل والتهاون فى أداء الصلوات الخمس والشغف فى صالة‬
‫‪ .!!.‬العيد ‪ ،‬وهو نفس الفارق بين الصوم فى رمضان ( المفروض ) وصوم عاشوراء و صوم (الستة البيض ) المحببة للنساء‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫جعل العيد دينا هو وقوع فى الشرك والكفر‬
‫ـ لك أن تصلى نافلة ولكن دون أن تجعل هذا شعائر دينية تخترع لها أحاديث ‪ .‬لك أن تصلى نافلة الوتر وغير الوتر ‪ ،‬وأن ‪1‬‬
‫تصلى بقدر ما تستطيع ‪ ،‬ولك أن تصوم أى يوم فى غير رمضان ‪ ( ،‬حتى أيام األعياد وما ُي عرف بيوم الوقفة )‪،‬ولكن ال بد أن‬
‫‪.‬تضع فى ُح سبانك أنها نوافل ( تتقرب ) بها لرب العزة لتكون يوم القيامة من ( السابقين المقربين )‬
‫‪ .‬ـ المشكلة فى أن االبتداع فى الدين يوقع فى الشرك والكفر العقيدى ‪ .‬وهذا يستلزم توضيحا ‪2‬‬
‫من ( المباح ) أن تحتفل بأى عيد شئت ؛عيد ميالدك وعيد ميالد خالتك وعيد الثورة وعيد الربيع وعيد االستقالل ‪..‬الخ ‪ .‬لكن‬
‫يتحول هذا ( المباح ) الى وقوع فى الشرك إذا جعلته دينا تعتقد أنك بذلك تتقرب به الى هللا جل وعال زلفى ‪ .‬أنت بهذا تقع تحت‬
‫طائلة قول رب العزة جل وعال ‪َ ( :‬أْم َلُهْم ُشَر َك اُء َش َر ُع وا َلُهْم ِمْن الِّديِن َم ا َلْم َي ْأَذ ْن ِبِه ُهَّللا َو َلْو ال َك ِلَم ُة اْلَفْص ِل َلُقِض َي َبْي َن ُهْم َو ِإَّن‬
‫الَّظ اِلِميَن َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم (‪ )21‬الشورى ) ‪ .‬هذا هو الشرك العلمى بإتباع أحاديث شيطانية تبتدع فى دين هللا جل وعال عبادات ما‬
‫أنزل هللا جل وعال بها من سلطان ‪ .‬ثم ‪ ،‬إذا أقمت ( عيدأ ) أى إحتفاال دينيا على ذكرى ( ولّى ) أو على قبر مقدس ( كالموالد )‬
‫فقد وقعت فى الشرك العملى ‪ ،‬وهو عادة سيئة للبشر ‪ ،‬وقد تحولت الموالد واالحتفاالت الدينية حول األوثان والقبور المقدسة‬
‫الى مناسبات إجتماعية يكون فيها التعارف وتكون فيها المودة ‪ .‬ولقد قالها ابراهيم عليه السالم لقومه من آالف األعوام ‪َ( :‬و َقاَل‬
‫ِإَّن َم ا اَّتَخ ْذ ُتْم ِمْن ُدوِن ِهَّللا َأْو َث انًا َمَو َّد َة َبْي ِنُك ْم ِفي اْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا ُثَّم َيْو َم اْلِقَي اَم ِة َي ْك ُفُر َبْع ُض ُك ْم ِبَبْع ٍض َو َي ْلَع ُن َبْع ُض ُك ْم َبْع ضًا َو َم ْأَو اُك ْم الَّن اُر‬
‫‪َ .‬و َم ا َلُك ْم ِمْن َن اِص ِر يَن (‪)25‬العنكبوت )‬
‫ـ هناك إرتباط إجتماعى شديد بصالة العيد‪ ،‬يؤكده ذكريات صالة العيد من الطفولة‪،‬وتغلغلها فى الحياة االجتماعية الى درجة ‪3‬‬
‫أن أصبحت متاحة لإلستغالل السياسى وأن تتحول الى مظاهرة سياسية ومظهر للتسلط وإظهار القوة كما يفعل السلفيون‬
‫الوهابيون اآلن ‪ .‬ولكن هذا كله ال يجعلها فريضة دينية ‪ ،‬وال يستطيع أى فقيه من فقهاء األديان األرضية أن يقول إنها‬
‫فريضة ‪ .‬غاية ما يستطيع أن يقول أنها ٍ( ُس ّن ة مؤكدة ) ‪ ،‬وهذا مصطلح فقهى إخترعه أرباب الدين الُّس ّن ى لتأكيد بعض‬
‫‪ .‬تشريعاتهم األرضية ومنحها ُص دقية‬
‫ـ إن مصطلح العيد قد جاء مرة وحيدة فى القرآن الكريم ‪َ ( :‬قاَل ِع يَس ى اْب ُن َمْر َي َم الَّلُهَّم َر َّب َن ا َأنِز ْل َع َلْي َن ا َم اِئَد ًة ِمْن الَّس َماِء َتُك وُن ‪4‬‬
‫َلَن ا ِع يدًا َألَّو ِلَن ا َو آِخِر َن ا َو آَي ًة ِم ْن َك َو اْر ُز ْق َن ا َو َأْن َت َخ يُر الَّر اِز ِقيَن (‪َ )114‬قاَل ُهَّللا ِإِّن ي ُم َنِّز ُلَه ا َع َلْي ُك ْم َفَم ْن َي ْك ُفْر َبْع ُد ِم ْنُك ْم َفِإِّن ي ُأَع ِّذ ُبُه‬
‫َع َذ ابًا ال ُأَع ِّذ ُبُه َأَح دًا ِمْن اْل َع اَلِميَن (‪ ) 115‬المائدة )‪ .‬لو كان (العيد ) شرعة إسالمية لنزل هذا فى القرآن فريضة يجب أداؤها ‪.‬‬
‫ولكن المرة الوحيدة الى ذكر فيها رب العزة مصطلح العيد كان فى قصص عيسى عليه السالم ‪،‬نفهم منها أن كلمة العيد ال شأن‬
‫لها بالصالة أو التعبد ‪ ،‬بل مجرد إحتفال بمائدة طعام تنزل من السماء إستجابة لدعوة نبى ‪ ،‬ومشروطة بعذاب أليم لو عصوا‬
‫‪ .‬بعدها‬
‫‪ :‬ثالثا‬
‫لمحة عن تاريخ (األعياد )‬
‫ـ ولقد تكاثرت األعياد الدينية فى األديان المسيحية األرضية ‪ .‬وبدأ األمر لدى (المسلمين) بعيدى الفطر واألضحى فيما قرره ‪1‬‬
‫مالك فى المدينة ‪ ،‬حيث كانت الحياة بسيطة ‪ ،‬ثم عرفوا الترف فى العصر العباسى الثانى الذى شهد ظهور أئمة الدين الُّس ّن ى من‬
‫البخارى ومسلم ‪ ،‬وشهد أيضا تسيد األديان األرضية من ُس ّن ة وتشيع وظهور التصوف ‪ ،‬فتكاثرت األعياد الدينية ولم تعد قاصرة‬
‫على عيدى الفطر واألضحى ‪ .‬وتفنن الشيعة ــ بالذات ــ فى إختراع صنوف من األعياد ‪ ،‬تسلل بعضها الى السنيين مثل‬
‫‪.‬االحتفال بعاشوراء ( ‪ 10‬محرم )‬
‫ـ وفى مصر أحدثت الدولة الفاطمية بدعة الموالد واألعياد وشاركت فيها رسميا وجعلتها عنصرا أساسيا في الحياة الدينية ‪2‬‬
‫ضمن سياستها في الدعاية لعقيدتها الشيعية وتقربا للمصريين من مسلمين وأقباط ‪ .‬وتنوعت األعياد الفاطمية بين أعياد شيعية‬
‫مثل عيد الغدير وعاشوراء وليالي الوقود في رجب وشعبان وأعياد قبطية مثل ميالد المسيح والغطاس وخميس العهد والنوروز‬
‫وأعياد مصرية مثل فتح الخليج واحتفاالت بمناسبات (إسالمية) مثل غرة رمضان والسحور ‪ ,‬واحتفاالت سياسة مثل عيد النصر‬
‫الذي عمله الخليفة الحافظ بمناسبة خروجه من محبسه باإلضافة إلى موالد الخلفاء واألئمة ومولد النبي ‪ .‬وقد أسهب المقريزي‬
‫في وصف احتفاالتهم بهذه األعياد ‪ .‬وال ننسى أن المصريين دخلوا أفواجا فيما حسبوه إسالما فى العصر الفاطمى ‪ .‬وال تزال‬
‫‪ .‬الشعائر الدينية االحتفالية المصرية تحمل وزر هذا التشيع حتى اآلن‬
‫ـ وانتهى دين التشيع فى مصر وحّل محله دين التصوف الُّس ّن ى ‪ ،‬وبرزت إحتفاالت دينية وضعية أخرى‪ ،‬منها عيد ‪ 27‬رجب ‪3‬‬
‫بزعم أنه وقت االسراء والمعراج ‪ .‬وهذا نفيناه فى بحث منشور هنا عن أن ليلة االسراء هى ليلة القدر ‪ .‬ومنها االحتفال بعيد‬
‫النصف من شعبان ‪ ،‬وكان مشهورا فى العصر المملوكى ‪ ،‬وفيه ارتبط (االنتحال باالنحالل )‪ .‬يتجمع الناس للصلوات رجاال‬
‫ونساءا فى ضوء المصابيح ‪ ،‬وبين الظالل وفى الزحام ينتشر الزنا والشذوذ الجنسى ‪ .‬وقد عرضنا لإلنحالل الخلقى فى العصر‬
‫المملوكى بتأثير التصوف فى مقاالت كتاب منشور هنا‪ ،‬وكانت تزدهر فى الموالد وفى المؤسسات الدينية‪ .‬يهمنا هنا جانب‬
‫االنتحال ‪ ،‬فقد أضفى المتصوفة مناقب كثيرة على ليلة النصف من شعبان ‪ ،‬وجعلوا لها صالة خاصة يقرأ فيها (قل هو هللا أحد)‬
‫ألف مرة ألنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ‪ ،‬يقول أبو شامة فى كتابه ( الباعث ) (وهى صالة طويلة مستثقلة لم يأت‬
‫فيها خبر وال أثر إال ضعيف موضوع)‪ .‬وذكر األحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضاعين من الصوفية‬
‫‪(.‬وكلفوا عباد هللا باألحاديث الموضوعة فوق طاقتهم)‬
‫‪ .‬ـ كل هذا الهجص بدأه مالك فى الموطأ ‪ ،‬ثم تابعه البخارى ومسلم ‪7‬‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫‪:‬فى موطأ مالك ( رواية يحيى )‬
‫‪ :‬أحاديث تنفى صالة العيد وأخرى تثبتها‬
‫ـ ( ‪َ -‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َس ِم َع َغ ْيَر ‪َ ،‬و اِحٍد‪ِ ،‬مْن ُع َلَم اِئِهْم َي ُقوُل َلْم َي ُك ْن ِفي ِع يِد اْلِفْط ِر َو َال ِفي اَألْض َح ى ِنَداٌء َو َال ِإَقاَم ٌة ‪1‬‬
‫‪ُ .‬م ْن ُذ َز َم اِن َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ِإَلى اْلَيْو ِم ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َو ِتْلَك الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا ‪) .‬‬
‫مالك ( سمع ) من السابقين ( أى هو دين يقوم على السماع ) أنه لم تكن فى العيدين أذان وال إقامة للصالة ‪ .‬ويقول أنها هى‬
‫الُّس ّن ة التى ال إختالف فيها عندهم ‪ .‬مالك هنا لم يذكر صراحة كلمة الصالة فى العيدين‪ ،‬مكتفيا بأنه لم تكن فيها أذان وال إقامة ‪.‬‬
‫واالقامة للصالة فى المصطلح الُّس ّن ى تعنى أداء الصالة ‪ ،‬وهذا ما يقوله المؤذن عندهم قبيل الصالة (أقم الصالة )‪ .‬هنا ينفى‬
‫‪ .!.‬مالك صالة العيدين ‪ ،‬ويقول ‪َ (:‬و ِتْلَك الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا ‪ .) .‬وعليه فليس فى العيدين صالة‬
‫ثم يناقض مالك نفسه فيثبت صالة العيد فى موضع آخر فيقول ‪َ ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى َقاَل َم اِلٌك َمَض ِت الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا‬
‫ِفي َو ْق ِت اْلِفْط ِر َو اَألْض َح ى َأَّن اِإلَم اَم َي ْخ ُرُج ِمْن َم ْن ِز ِلِه َق ْد َر َم ا َيْب ُلُغ ُمَص َّالُه َو َق ْد َح َّلِت الَّص َالُة ‪َ .‬قاَل َيْح َي ى َو ُس ِئَل َم اِلٌك َع ْن َر ُج ٍل َص َّلى‬
‫َمَع اِإلَم اِم َه ْل َلُه َأْن َي ْن َص ِر َف َقْب َل َأْن َيْس َمَع اْلُخ ْط َب َة َفَق اَل َال َي ْن َص ِر ُف َح َّت ى َي ْن َص ِر َف اِإلَم اُم ‪) .‬‬
‫ـ حديث البن عمر أنه لم يكن يصلى العيد ‪َ ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬لْم َي ُك ْن ُيَص ِّلي َيْو َم ‪2‬‬
‫اْلِفْط ِر َقْب َل الَّص َالِة َو َال َبْع َدَه ا ‪ . ) .‬وحديث آخر البن عمر نفسه أنه كان يصلى العيد ‪َ (:‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َعْب َد ِهَّللا‬
‫ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َي ْغ َت ِس ُل َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو ِإَلى اْل ُمَص َّلى ‪ .) .‬وقلنا إن مالك لم يلق ولم ير ولم يسمع (نافع ) مولى ابن عمر‪.‬‬
‫!!‪(.‬مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة القرف‬
‫ـ وأحاديث تزعم أن النبى كان يصلى العيدين بالناس ‪َ - ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا ‪3‬‬
‫عليه وسلم َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َو َيْو َم اَألْض َح ى َقْب َل اْل ُخ ْط َب ِة ‪ ، ) .‬وأن الخلفاء بعده كانوا يصلونها ( ‪َ-‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه‬
‫َب َلَغ ُه َأَّن َأَب ا َب ْك ٍر ‪َ ،‬و ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن ا َي ْف َع َالِن َذ ِلَك ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن َأِبي ُعَبْي ٍد‪َ ،‬مْو َلى اْب ِن َأْز َه َر َقاَل َش ِه ْد ُت‬
‫اْلِعيَد َمَع ُعَمَر ْب ِن اْلَخ َّط اِب َفَص َّلى ُثَّم اْن َص َر َف َفَخ َط َب الَّن اَس َفَقاَل ِإَّن َه َذ ْي ِن َيْو َم اِن َن َه ى َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َع ْن‬
‫ِص َي اِم ِه َم ا َيْو ُم ِفْط ِر ُك ْم ِمْن ِص َي اِم ُك ْم َو اآلَخ ُر َيْو ٌم َت ْأُك ُلوَن ِفيِه ِمْن ُنُس ِك ُك ْم ‪َ .‬قاَل َأُبو ُعَبْي ٍد ُث َّم َش ِه ْد ُت اْلِعيَد َمَع ُع ْث َم اَن ْب ِن َع َّفاَن َفَج اَء‬
‫َفَص َّلى ُثَّم اْن َصَر َف َفَخ َط َب َو َقاَل ِإَّن ُه َق ِد اْج َت َمَع َلُك ْم ِفي َيْو ِم ُك ْم َه َذ ا ِع يَداِن َف َم ْن َأَح َّب ِمْن َأْه ِل اْلَع اِلَي ِة َأْن َي ْنَت ِظ َر اْلُجُمَع َة َفْلَي ْنَت ِظ ْر َها‬
‫َو َم ْن َأَح َّب َأْن َيْر ِج َع َفَق ْد َأِذ ْن ُت َلُه ‪َ .‬قاَل َأُب و ُعَبْي ٍد ُثَّم َش ِه ْد ُت اْلِعيَد َمَع َع ِلِّي ْب ِن َأِبي َط اِلٍب ‪َ -‬و ُع ْث َم اُن َمْح ُص وٌر ‪َ -‬فَج اَء َفَص َّلى ُثَّم‬
‫اْن َص َر َف َف َخ َط َب ‪ . ) .‬وقلنا إن مالك لم يلق ولم ير ولم يسمع إبن شهاب الزهرى‪( .‬مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة‬
‫!!‪.‬القرف‬
‫وحديث آخر أن عمر بن الخطاب لم يكن يعرف ما كان النبى يقرأ به فى صالة العيدين ‪ ،‬فسأل رجال عن ذلك ‪َ- ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪،‬‬
‫َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َض ْمَر َة ْب ِن َس ِعيٍد اْلَم اِز ِنِّي ‪َ ،‬ع ْن ُعَبْي ِد ِهَّللا ْب ِن َعْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُع ْت َب َة ْب ِن َمْس ُع وٍد‪َ ،‬أَّن ُعَمَر ْب َن اْلَخ َّط اِب‪َ ،‬س َأَل َأَب ا َو اِقٍد الَّلْي ِثَّي‬
‫َم ا َك اَن َي ْق َر ُأ ِبِه َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ِفي اَألْض َح ى َو اْلِفْط ِر َفَقاَل َك اَن َي ْق َر ُأ ِبـ {ق َو اْلُقْر آِن اْلَم ِجيِد } َو {اْق َت َر َب ِت الَّس اَع ُة‬
‫َو اْنَش َّق اْلَق َمُر } ‪ .) .‬فكيف كان عمر يصلى العيد مع النبى سنينا ثم ال يعرف بما كان يقرأ فى الصالة ؟‪( .‬مالك ) كّذ اب بتقدير‬
‫!!‪.‬إمتياز مع مرتبة القرف‬
‫‪ :‬خامسا‬
‫أحاديث ( مالكية ) فى تشريع صالة العيدين منسوبة للصحابة والتابعين‬
‫مالك يجعل عمل أهل المدينة من الصحابة والتابعين مصدرا تشريعيا ‪ .‬وهذا منتظر من ( مالك ) الذى هو (مالك ) الدين المالكى‬
‫‪ :‬المتعصب لموطنه المدينة ‪ .‬وهو يضيف رأيه أحيانا بإعتباره (مالك ) هذا الدين األرضى ‪ .‬ونستشهد بما قاله‬
‫ـ ( َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َة‪َ ،‬ع ْن َأِبيِه‪َ ،‬أَّن ُه َك اَن َي ْأُك ُل َيْو َم ِع يِد اْلِفْط ِر َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو )‪ .‬هل عروة بن الزبير ‪1‬‬
‫‪.‬مصدر تشريعى ؟‬
‫ـ( ‪َ -‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِب‪َ ،‬أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن الَّن اَس َك اُن وا ُيْؤ َمُر وَن ِباَألْك ِل َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل ‪2‬‬
‫اْلُغ ُد ِّو ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َو َال َأَر ى َذ ِلَك َع َلى الَّن اِس ِفي اَألْض َح ى ‪ .) .‬إختالف فى األكل قبل الذهاب لصالة عيد الفطر‪ .‬وقلنا إن مالك لم‬
‫!!‪.‬يلق ولم ير ولم يسمع إبن شهاب الزهرى‪( .‬مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة القرف‬
‫ـ ( ‪َ -‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬مْو َلى َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُعَمَر َأَّن ُه َقاَل َش ِه ْد ُت اَألْض َح ى َو اْلِفْط َر َمَع َأِبي ُه َر ْيَر َة َف َك َّبَر ِفي الَّر ْك َع ِة ‪3‬‬
‫اُألوَلى َس ْبَع َتْك ِبيَر اٍت َقْب َل اْلِقَر اَء ِة َو ِفي اآلِخَر ِة َخ ْم َس َتْك ِبيَر اٍت َقْب َل اْلِقَر اَء ِة ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك َو ُه َو اَألْمُر ِع ْن َد َن ا ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك ِفي َر ُج ٍل َو َج َد‬
‫الَّن اَس َق ِد اْن َصَر ُفوا ِمَن الَّص َالِة َيْو َم اْل ِعيِد ِإَّن ُه َال َيَر ى َع َلْي ِه َص َالًة ِفي اْلُمَص َّلى َو َال ِفي َبْي ِتِه َو ِإَّن ُه ِإْن َص َّلى ِفي اْل ُمَص َّلى َأْو ِفي َبْي ِتِه َلْم‬
‫َأَر ِبَذ ِلَك َب ْأًس ا َو ُيَك ِّبُر َسْبًع ا ِفي اُألوَلى َقْب َل اْلِقَر اَء ِة َو َخ ْمًس ا ِفي الَّث اِنَي ِة َقْب َل اْلِقَر اَء ِة ‪ .).‬هل أبو هريرة مصدر تشريعى ؟ ‪ .‬ثم هنا‬
‫‪.‬إختالف فى صالة العيد فى البيت أو فى المنزل‬
‫ـ (َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َس ِعيَد ْب َن اْلُمَس َّي ِب‪َ ،‬ك اَن َي ْغ ُدو ِإَلى اْلُمَص َّلى َبْع َد َأْن ُيَص ِّلَي الُّصْبَح َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس ‪ .) .‬من ‪4‬‬
‫أبلغ مالك أن سعيد بن المسيب قال هذا ؟ وهل سعيد بن المسيب مصدر تشريعى ؟‬
‫ـ ( َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َعْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَقاِس ِم ‪َ ،‬أَّن َأَب اُه اْلَقاِس َم ‪َ ،‬ك اَن ُيَص ِّلي َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو ‪ِ ،‬إَلى اْلُمَص َّلى َأْر َبَع َر َك َع اٍت ‪5 .‬‬
‫)‪ .‬هل هذا القاسم مصدر تشريعى ؟‬
‫ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َة‪َ ،‬ع ْن َأِبيِه‪َ ،‬أَّن ُه َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل الَّص َالِة ِفي اْلَمْس ِج ِد) ‪ .‬هل عروة بن ‪6‬‬
‫‪.‬الزبير مصدر تشريعى ؟‬

‫الفصل السابع ‪ :‬التواتر الشيطانى فى تشريع صالة العيدين بعد مالك بن أنس ‪ :‬هجص صالة العيدين فى البخارى ومسلم‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫بدأ مالك التشريع لصالة العيدين ‪ ،‬وبعده بقرن تقريبا تكاثرت التشريعات فى طقوس صالة العيدين ‪ ،‬وذكرها البخارى ومسلم ‪.‬‬
‫‪ :‬ونضع لها عناوين توجز موضوعها‬
‫‪ :‬أوال‬
‫التجمل للعيد‬
‫حدثنا أبو اليمان قال‪ :‬أخبرنا شعيب‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬أخبرني سالم بن عبد هللا‪ :‬أن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬أخذ عمر جبة ‪(-‬‬
‫من إستبرق تباع في السوق‪ ،‬فأخذها فأتى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬اتبع هذه تجمل بها للعيد‬
‫والوفود‪ ،‬فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إنما هذه لباس من ال خالق له)‪ .‬فلبث عمر ما شاء هللا أن يلبث‪ ،‬ثم أرسل‬
‫إليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بجبة ديباج‪ ،‬فأقبل بها عمر‪ ،‬فأتى بها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪،‬‬
‫إنك قلت‪( :‬إنما هذه لباس من الخالق له)‪ .‬وأرسلت إلي بهذه الجبة‪ ،‬فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬تبيعها‪ ،‬أو تصيب‬
‫‪.‬بها حاجتك‪ .).‬يهمنا أن هذا الحديث يزعم أن عمر إشترى ُجّب ة من حرير ليتزين بها النبى فى العيد وعند إستقبال الوفود‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫‪ :‬جدل حول خطبة العيد ‪ :‬هل هى قبل صالة العيد أم بعدها‬
‫ـ يبدو أن جدال شّب بين ُص ّن اع الدين الُّس ّن ى حول خطبة العيد هل تسبق الصالة كما فى خطبة الجمعة التى تسبق صالة ‪1‬‬
‫الجمعة‪ ،‬أم على العكس من ذلك ‪ ،‬وقد حرص البخارى على أن تتأخر الخطبة بعد الصالة ‪ ،‬بمعنى أن يبدأوا بالصالة ثم يخطب‬
‫‪ :‬االمام ‪ .‬يروى البخارى‬
‫حدثنا سعيد بن أبي مريم قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر قال‪ :‬أخبرني زيد‪ ،‬عن عياض بن عبد هللا بن أبي سرح‪ ،‬عن أبي سعيد (‬
‫الخدري قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى‪ ،‬فأول شييء يبدأ به الصالة‪ ،‬ثم‬
‫ينصرف‪ ،‬فيقوم مقابل الناس‪ ،‬والناس جلوس على صفوفهم‪ ،‬فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم‪ :‬فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه‪ ،‬أو‬
‫يأمر بشيء أمر به‪ ،‬ثم ينصرف‪.‬قال أبو سعيد‪ :‬فلم يزال الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان‪ ،‬وهو أمير المدينة‪ ،‬في أضحى‬
‫أو الفطر‪ ،‬فلما أتينا المصلى‪ ،‬إذا منبر بناه كثير بن الصلت‪ ،‬فإذا مروان يريد أن يرقيه فبل أن يصلي‪ ،‬فجبذت بثوبه‪ ،‬فجبذني‪،‬‬
‫فارتفع فخطب قبل الصالة‪ ،‬فقلت له‪ :‬غيرتم وهللا‪ ،‬فقال‪ :‬أبا سعيد‪ ،‬قد ذهب ما تعلم‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أعلم وهللا خير مما ال أعلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين ‪ .‬فى هذا )‪.‬إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصالة‪ ،‬فجعلتها قبل الصالة‬
‫الحديث الزعم بأن النبى كان يأتى يوم العيد فيصلى صالة العيد أوال ‪ ،‬ثم يقوم خطيبا فى الناس ‪ .‬ثم ينصرف ‪ .‬وفى الجزء اآلخر‬
‫من الحديث يذكر أبو سعيد الخدرى أن مروان بن الحكم ( فى خالفة معاوية وحين كان واليا على المدينة ) قام بتغيير ذلك‬
‫‪.‬فخطب قبل الصالة ‪ ،‬فأنكر عليه أبو سعيد الخدرى‬
‫‪ :‬ـ وحرص البخارى فى احاديث مختلفة على أن يضع بين السطور عبارة تفيد أن صالة العيد تسبق خطبة العيد ‪.‬منها ‪2‬‬
‫ـ ( وعن جابر بن عبد هللا قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن النبي صلى هللا عليه وسلم قام فبدأ بالصالة‪ ،‬ثم خطب الناس بعد ‪2/ 1 ) ...‬‬
‫ـ ( ‪ -‬حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن سفيان قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عابس قال‪ :‬سمعت ابن عباس قيل له‪2 / 2 :‬‬
‫أشهدت العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولوال مكاني من الصغر ما شهدته‪ ،‬حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن‬
‫الصلت‪ ،‬فصلى‪ ،‬ثم خطب‪) ،‬‬
‫ـ (‪ -‬حدثنا إبراهيم بن المنذر قال‪ :‬حدثنا أني‪ ،‬عن عبيد هللا‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن عبد هللا بن عمر‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا ‪2 / 3‬‬
‫‪ .‬عليه وسلم كان يصلي في األضحى والفطر‪ ،‬ثم يخطب بعد الصالة‪ . ).‬ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين‬
‫ـ (حدثنا إبراهيم بن موسى قال‪ :‬أخبرنا هشام‪ :‬أن ابن جريج أخبرهم قال‪ :‬أخبرني عطاء‪ ،‬عن جابر بن عبد هللا قال‪2 / 4 :‬‬
‫سمعته يقول‪ :‬إن النبي صلى هللا عليه وسلم خرج يوم الفطر‪ ،‬فبدأ بالصالة قبل الخطبة‪ .).‬ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة‬
‫‪ .‬العيدين‬
‫ـ ( حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال‪ :‬حدثنا أسامة قال‪ :‬حدثنا عبيد هللا‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا ‪2 / 5‬‬
‫عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي هللا عنهما‪ ،‬يصلون العيدين قبل الخطبة‪).‬‬
‫ــ (‪ -‬قال ابن جريج‪ :‬وأخبرني الحسن بن مسلم‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬شهدت الفطر مع ‪2 / 6‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم‪ ،‬يصلونها قبل الخطبة‪ ،‬ثم يخطب بعد ‪ ( .)..‬ابن جريج ‪ :‬هو‬
‫أصبح ابن جريج ( تصغير جورج ) من ُص ّن اع الدين الُّس ّن ى ‪ .‬زبإسناد ‪ . ( George ) .‬مولى أبوه نصرانى اسمه ‪ :‬جورج‬
‫مختلف وبعض االختالفات فى المتن أورد البخارى نفس الحديث عن ابن جورج الصغير ( جريج ) فى ‪ ( :‬باب‪ :‬الخطبة بعد‬
‫العيد‪ ( ) .‬حدثنا أبو عاصم قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج قال‪ :‬أخبرني الحسن بن مسلم‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬شهدت العيد‬
‫مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم‪ ،‬فكاهم كانوا يصلون قبل الخطبة‪).‬‬
‫‪:‬ثالثا‬
‫‪ :‬عدم األذان وعدم االقامة‬
‫وأخبرني عطاء‪ :‬أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير‪ ،‬في أول ما بويع له‪ :‬إنه لم يكن يؤذن بالصالة يوم الفطر‪ ،‬إنما الخطبة (‬
‫) ‪.‬بعد الصالة‪ - ..‬وأخبرني عطاء‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وعن جابر بن عبد هللا قاال ‪ :‬لم يكن يؤذن يوم الفطر وال يوم األضحى‬
‫‪ :‬رابعا‬
‫االمام المسلح فى العيد‬
‫حدثنا محمد بن بشار قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب قال‪ :‬حدثنا عبيد هللا‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن ( )‪.‬باب‪ :‬الصالة إلى الحربة يوم العيد(‪-‬‬
‫باب‪ :‬حمل العنزة أو الحربة بين ( )‪.‬عمر‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان تركز الحربة قدامه‪ ،‬يوم الفطر والنحر‪ ،‬ثم يصلي‬
‫يدي اإلمام يوم العيد‪ - .‬حدثنا إبراهيم بن المنذر قال‪ :‬حدثنا الوليد قال‪ :‬حدثنا أبو عمرو قال ‪ :‬أخبرني نافع‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫‪.) .‬قال‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم يغدو إلى المصلى‪ ،‬والعنزة بين يديه تحمل‪ ،‬وتنصب بالمصلى بين يديه‪ ،‬فيصلي إليها‬
‫‪ .‬جعلوا النبى يضع السالح أمامه فى المحراب وهو يصلى العيدين‬
‫‪ :‬خامسا‬
‫بعد الصالة ‪ :‬السير فى طريق مخالف‬
‫حدثنا محمد قال‪ :‬أخبرنا أبو تميلة‪ ،‬يحيى بن واضح‪ ،‬عن فليح بن سلمان‪ ،‬عن ( )‪.‬باب‪ :‬من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد (‬
‫لماذا ‪ ..‬يا هذا ؟؟ ‪.) .‬سعيد بن الحارث‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إذا كان يوم عيد‪ ،‬خالف الطريق‬
‫‪ :‬سادسا‬
‫قضاء صالة العيد‬
‫باب‪ :‬إذا فاته العيد يصلي ركعتين‪ ،‬وكذلك النساء‪ ،‬ومن كان في البيوت والقرى‪-.‬لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬هذا ‪-( -‬‬
‫عيدنا أهل اإلسالم ) ( وأمر أنس بن مالك موالهم ابن أبي عتبة بالزاوية‪ ،‬فجمع أهله وبنيه‪ ،‬وصلى كصالة أهل المصر‬
‫وتكبيرهم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬أهل السواد يجتمعون في العيد‪ ،‬يصلون ركعتين‪ ،‬كما يصنع اإلمام‪ .‬وقال عطاء‪ :‬إذا فاته العيد صلى‬
‫ركعتين)‪ .‬المشرعون هنا بعض الصحابة ( أنس بن مالك ) وبعض التابعين ( عكرمة )‬
‫‪ :‬سابعا‬
‫ال صالة قبل صالة العيد وال بعدها‬
‫ـ (باب‪ :‬الصالة قبل العيد وبعدها‪ - ( ).‬وقال أبو المعلى‪ :‬سمعت سعيدا‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬كره الصالة قبل العيد‪ ( ).‬حدثنا أبو ‪1‬‬
‫الوليد قال‪ :‬حدثنا شعبة قال‪ :‬حدثني عدي بن ثابت قال‪ :‬سمعت سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫خرج يوم الفطر‪ ،‬فصلى ركعتين‪ ،‬لم يصل قبلها وال بعدها‪ ،‬ومعه بالل‪).‬‬
‫ـ وفى اسناد آخر ومتن مختلف يزعم البخارى ‪ (:‬حدثنا سلمان بن حرب قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن عدي بن ثابت‪ ،‬عن سعيد بن ‪2‬‬
‫جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين‪ ،‬لم يصل قبلها وال بعدها‪ ،‬ثم أتى النساء ومعه‬
‫بالل‪ ،‬فأمرهن بالصدقة‪ ،‬فجعلهن يلقين‪ ،‬تلقي المرأة خرصها وسخابها‪).‬‬
‫‪ :‬ثامنا‬
‫فى صالة العيد فى غير المسجد‬
‫حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن سفيان قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عابس قال‪ :‬سمعت ابن ‪.) ( -‬باب‪ :‬العلم الذي بالمصلى(‬
‫عباس قيل له‪ :‬أشهدت العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولوال مكاني من الصغر ما شهدته‪ ،‬حتى أتى العلم الذي‬
‫‪.. ).‬عند دار كثير بن الصلت‪ ،‬فصلى‪ ،‬ثم خطب‬
‫‪ :‬تاسعا‬
‫مشاركة النساء فى صالة العيد‬
‫‪ :‬تحت عنوان ‪( :‬باب‪ :‬شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين‪ ،‬ويعتزلن المصلى‪ ).‬يفترى البخارى‪-‬‬
‫حدثنا محمد‪ ،‬هو ابن سالم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الوهاب‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن حفصة قالت‪ :‬كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين‪( ،‬‬
‫فقدمت امرأة‪ ،‬فنزلت قصر بني خلف‪ ،‬فحدثت عن أختها‪ ،‬وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى هللا عليه وسلم ثنتي عشرة‪،‬‬
‫وكانت أختي معه في ست‪ ،‬قالت‪ :‬كنا نداوي الكلمى‪ ،‬ونقوم على المرضى‪ ،‬فسألت أختي النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أعلى إحدانا‬
‫بأس‪ ،‬إذا لم يكن لها جلباب‪ ،‬أن ال نخرج؟ قال‪( :‬لتلبسها صاحبتها من جلبابها‪ ،‬ولتشهد الخير‪ ،‬ودعوة المسلمين)‪ .‬فلما قدمت أم‬
‫عطية‪ ،‬سألتها‪ :‬أسمعت النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قالت‪ :‬بأبي‪ ،‬نعم‪ ،‬وكانت ال تذكره إال قالت بأبي‪ ،‬سمعت يقول‪( :‬يخرج‬
‫العواتق‪ ،‬وذوات الخدور‪ ،‬أو العواتق ذوات الخدور‪ ،‬والحيض‪ ،‬وليشهدن الخير‪ ،‬ودعوة المؤمنين‪ ،‬ويعتزل الحيض المصلى)‪.‬‬
‫ذكره ( مسلم ) في العيدين‪ ،‬باب‪ :‬ذكر إباحة خروج النساء ‪.).‬قالت حفصة‪ :‬فقلت‪ :‬الحيض؟ فقالت‪ :‬أليس تشهد عرفة‪ ،‬كذا وكذا‬
‫في العيدين إلى المصلى ‪ .‬هنا حفصة أم المؤمنين تسأل أم عطية عن حديث للنبى ‪ !!.‬أى إن الست أم عطية هى األعلم من أم‬
‫‪ .‬المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب‬
‫ـ وكرر البخارى هذا الحديث بأسناد آخر وباختالف فى المتن وتحت عنوان آخر ‪ ( :‬باب‪ :‬إذا لم يكن لها جلباب في العيد‪2 ).‬‬
‫حدثنا أبو معمر قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث قال‪ :‬حدثنا أيوب‪ ،‬عن حفصة بنت سيرين قالت‪ :‬كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم (‬
‫العيد‪ ،‬فجاءت امرأة‪ ،‬فنزلت قصر بني خلف‪ ،‬فأتيتها‪ ،‬فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى هللا عليه وسلم اثنتي عشرة‬
‫غزوة‪ ،‬فكانت أختها معه في ست غزوات‪ ،‬فقالت‪ :‬فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬على إحدانا‬
‫بأس إذا لم يكن لها جلبات أن التخرج؟ فقال‪( :‬لتلبسها صاحبيها من جلبابها‪ ،‬فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين)‪ .‬قالت حفصة‪:‬‬
‫فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها‪ :‬أسمعت في كذا وكذا؟ قالت‪ :‬نعم بأبي‪ ،‬وقلما ذكرت النبي صلى هللا عليه وسلم إال قالت بأبي‪،‬‬
‫قال‪( :‬ليخرجن العواتق ذوات الخدور‪ ،‬أو قال‪ :‬العواتق وذوات الخدور ‪ -‬شك أيوب ‪ -‬والحيض‪ ،‬ويعتزل الحيض المصلى‪،‬‬
‫وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين)‪ .‬قالت‪ :‬فقلت لها‪ :‬آلحيض؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬أليس الحائض تشهد عرفات‪ ،‬وتشهد كذا وتشهد‬
‫‪.).‬كذا‬
‫ـ وكرره البخارى بإيجاز ودون ذكر لحفصة ‪ ( :‬حدثنا موسى بن إسماعيل قال‪ :‬حدثنا يزيد بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن أم ‪3‬‬
‫عطية قالت‪ :‬أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين‪ ،‬وذوات الخدور‪ ،‬فيشهدان جماعة المسلمين ودعوتهم‪ ،‬ويعتزل الحيض عن‬
‫مصالهن‪ ،‬قالت امرأة‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إحدانا ليس لها جلباب؟ قال‪( :‬لتلبسها صاحبتها من جلبابها) (حدثنا محمد‪ :‬حدثنا عمر بن‬
‫حفص قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن حفصة‪ ،‬عن أم عطية قالت‪ :‬كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد‪ ،‬حتى نخرج البكر من خدرها‪،‬‬
‫حتى تخرج الحيض‪ ،‬فيكن خلف الناس‪ ،‬فيكبرن بتكبيرهم‪ ،‬ويدعون بدعائهم‪ ،‬يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته‪).‬‬
‫‪ :‬عاشرا‬
‫الغناء فى العيد‬
‫حدثنا أحمد قال‪ :‬حدثنا ابن وهب قال‪ :‬أخبرنا عمرو‪ :‬أن محمد بن عبد الرحمن األسدي حدثه‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة(‬
‫قالت‪ :‬دخل علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعندي جاريتان‪ ،‬تغنيان بغناء بعاث‪ :‬فاضطجع على الفراش وحول وجهه‪،‬‬
‫ودخل أبو بكر فانتهزني‪ ،‬وقال‪ :‬مزمارة الشيطان عند النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأقبل عليه رسول هللا عليه السالم فقال‪:‬‬
‫(دعهما)‪ .‬فلما غفل غمزتهما فخرجتا‪ .‬وكان يوم عيد‪ ،‬يلعب السودان بالدرق والحراب‪ ،‬فإما سألت النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وإما قال‪( :‬تشتهين تنظرين)‪ .‬فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأقامني وراءه‪ ،‬خدي على خده‪ ،‬وهو يقول‪( :‬دونكم يا بني أرفدة)‪ .‬حتى إذا مللت‪،‬‬
‫ذكره ( مسلم ) في العيدين‪ ،‬باب‪ :‬الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه ‪ .) .).‬قال‪( :‬حسبك)‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬فاذهبي)‬
‫(حدثنا عبيد بن اسماعيل قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬دخل أبو بكر‪ ،‬وعندي‬
‫جاريتين من جواري األنصار‪ ،‬تغنيان بما تقاولت األنصار يوم بعاث‪ ،‬قالت‪ :‬وليستا بمغنيتين‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬أمزامير الشيطان في‬
‫بيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬يا أبا بكر‪ ،‬إن لكل قوم عيدا‪،‬‬
‫‪ .‬وهذا عيدنا‪ . ) .‬حديث سخيف مع شهرته‬
‫‪ :‬الحادى عشر‬
‫التسول فى العيد‬
‫كرر البخارى حديثا بروايات مختلفة وأسانيد مختلفة يزعم فيها أن النبى عليه السالم كان يستجدى الصدقة من النساء يوم العيد‬
‫‪ ،‬وهذا مع مخالفته لتشريع الزكاة المالية فى القرآن الكريم فإنه ال يليق بالنبى محمد عليه السالم ‪ .‬ولكنه (البخارى ‪، ) !..‬‬
‫‪ :‬يزعم‬
‫ـ ( حدثنا عمرو بن عباس قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن عبد الرحمن قال‪ :‬سمعت ابن عباس قال‪:‬خرجت مع ‪1‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يوم الفطر أو أضحى‪ ،‬فصلى ثم خطب‪ ،‬ثم أتى النساء‪ ،‬فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة‪).‬‬
‫ـ ( وعن جابر بن عبد هللا قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن النبي صلى هللا عليه وسلم قام فبدأ بالصالة‪ ،‬ثم خطب الناس بعد‪ ،‬فلما فرغ ‪2‬‬
‫نبي هللا صلى هللا عليه وسلم نزل‪ ،‬فأتى النساء فذكرهن‪ ،‬وهو يتوكأ على يد بالل‪ ،‬وبالل باسط ثوبه‪ ،‬يلقي فيه النساء صدقة‪.‬‬
‫قلت لعطاء‪ :‬أترى حقا على اإلمام اآلن أن يأتي النساء فيذكرهن حين يفرغ؟ قال‪ :‬إن ذلك لحق عليهم‪ ،‬وما لهم أن ال تفعلوا‪.).‬‬
‫‪ .‬ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين‬
‫ـ ( ‪ -‬حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن سفيان قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عابس قال‪ :‬سمعت ابن عباس قيل له‪ :‬أشهدت ‪3‬‬
‫العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولوال مكاني من الصغر ما شهدته‪ ،‬حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت‪،‬‬
‫فصلى‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬ثم أتى النساء‪ ،‬ومعه بالل‪ ،‬فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة‪ ،‬فرأيتهن يهوين بأيديهن‪ ،‬يقذفنه في ثوب‬
‫بالل‪ ،‬ثم انطلق هو وبالل إلى بيته‪).‬‬
‫ـ ( حدثني إسحق بن إبراهيم بن نصر قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق قال‪ :‬حدثنا ابن جريج قال‪ :‬أخبرني عطاء‪ ،‬عن جابر بن عبد ‪4‬‬
‫هللا قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬قام النبي صلى هللا عليه وسلم يوم الفطر فصلى‪ ،‬فبدأ بالصالة‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬فلما فرغ نزل فأتى النساء‪،‬‬
‫فذكرهن‪ ،‬وهو يتوكأ على يد بالل‪ ،‬وبالل باسط ثوبه‪ ،‬يلقي فيه النساء الصدقة‪.‬قلت لعطاء‪ :‬زكاة يوم الفطر؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن صدقة‬
‫يتصدقن حينئذ‪ ،‬تلقي فتخها‪ ،‬ويلقين‪ .‬قلت‪ :‬أترى حقا على اإلمام ذلك يأتهن ويذكرهن؟ قال‪ :‬إنه لحق عليهم‪ ،‬وما لهم ال‬
‫يفعلونه؟ )‬
‫قال ابن جريج‪ :‬وأخبرني الحسن بن مسلم‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬شهدت الفطر مع النبي صلى ‪( -‬‬
‫هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم‪ ،‬يصلونها قبل الخطبة‪ ،‬ثم يخطب بعد‪ ،‬خرج النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫كأني أنظر إليه حين يجلس بيده‪ ،‬ثم أقبل يشقهم‪ ،‬حتى جاء النساء معه بالل‪ ،‬فقال‪{ :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات‬
‫يبايعنك} اآلية‪ ،‬ثم قال حين فرغ منها‪( :‬آنتن على ذلك)‪ .‬قالت امرأة واحدة منهن‪ ،‬لم يجبه غيرها‪ :‬نعم‪ .‬ال يدري حسن من هي‪،‬‬
‫ذكره ( مسلم ) ‪.).‬قال‪( :‬فتصدقن)‪ .‬فبسط بالل ثوبه‪ ،‬ثم قال‪( :‬هلم‪ ،‬لكن فداء أبي وأمي)‪ .‬فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بالل‬
‫‪ .‬في أول كتاب الصالة العيدين‬
‫ثانى عشر‬
‫‪ :‬هجص متناقض وغير مفهوم فى تشريع صالة العيد‬
‫قال أبو عبد هللا‪ :‬قال إسحق‪ :‬وإن كان ناقصا فهو تمام‪ .‬وقال محمد‪ :‬ال يجتمعان كالهما‪.) ( -‬باب‪ :‬شهرا عيد ال ينقصان ‪(-‬‬
‫)‪.‬ناقص‬
‫حدثنا مسدد‪ :‬حدثنا معتمر قال‪ :‬سمعت إسحق‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكرة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪( .‬‬
‫وحدثني مسدد‪ :‬حدثنا معتمر‪ ،‬عن خالد الحذاء قال‪ :‬أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة‪ ،‬عن أبيه رضي هللا عنه‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال‪( :‬شهران ال ينقصان‪ ،‬شهرا عيد‪ :‬رمضان وذو الحجة‪ ).‬ذكره (مسلم ) في الصيام‪ ،‬باب‪ :‬معنى قوله صلى‬
‫‪-‬هللا عليه وسلم‪ :‬شهرا عيد ال ينقصان‪ ( - ،‬باب‪ :‬قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ال نكتب وال نحسب ‪).‬‬
‫حدثنا آدم‪ :‬حدثنا شعبة‪ :‬حدثنا األسود بن قيس‪ :‬حدثنا سعيد بن عمرو‪ :‬أنه سمع ابن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬عن النبي صلى (‬
‫‪ ).‬هللا عليه وسلم أنه قال‪( :‬إنا أمة أمية‪ ،‬ال نكتب وال نحسب‪ ،‬الشهر هكذا هكذا)‪ .‬يعني مرة تسعة وعشرين‪ ،‬ومرة ثالثين‬

‫الفصل الثامن ‪ :‬التواتر الشيطانى فى تشريع صالة الجنازة ‪ :‬هجص ( موطأ مالك ) نموذجا‬
‫‪ :‬مقدمة‬
‫ـ قبل نزول القرآن وفى كل المجتمعات البشرية ‪ ،‬وبعد نزول القرآن وفى كل المجتمعات البشرية يقوم الناس بتشييع الجنازات ‪1‬‬
‫وتالوة عبارات دينية وممارسة طقوس دينية ‪ .‬هى تقاليد وعادات ‪ ،‬ولكن أئمة الهجص فى كل كهنوت دينى يجعلون هذا دينا ‪،‬‬
‫ليجعلوا لنفسهم وظيفة ومكانة ‪ ،‬ثم يقومون بتعقيد مراسيم الجنازات وطقوسها ‪ ،‬ثم إذا إشتد تحكمهم فى الحياة الدينية للمجتمع‬
‫فرضوا ألنفسهم الوصاية ليس فقط على األحياء بل على األموات ‪ .‬فإذا كان الفرد مغضوبا عليه من الكهنوت حكموا عليه‬
‫بالحرمان من الطقوس التى يعملونها على جثته ‪ ،‬وحكموا عليه بعدم الدفن فى مقابرهم ‪ ،‬وبالتالى ـ طبقا لخرافاتهم المقدسة أو‬
‫‪ .‬هجصهم المقدس ـ يكون المغضوب عليه محروما من دخول الملكوت أو من دخول الجنة‬
‫ـ لم يكن الكهنوت الُّس ّن ى فى عنفوانه فى عصر ( مالك ) ‪ .‬بل كان فى بدايته ‪ ،‬وهو المؤسس ‪ ،‬والذى سار على ُس ّن ته ‪2‬‬
‫الالحقون من الشافعى الى البخارى ‪..‬الخ ‪ .‬وكان ( مالك ) يعتبر ( عمل أهل المدينة ) المصدر األساس عنده فى التشريع ‪ .‬لذا‬
‫كان يفترى األحاديث وال ينسبها فقط للنبى بعد موت النبى بثالثة اجيال ‪ ،‬بل ينسب بعضها أيضا الى بعض الصحابة ( أبو هريرة‬
‫مثال ) والى التابعين ( سعيد بن المسيب مثال ) والى تابعى التابعين ( ابن شهاب الزهرى)‪ ،‬وقلنا من قبل إنه نسب معظم‬
‫‪.‬مروياته الى ابن شهاب الزهرى مع إنه لم يلق ولم ير الزهرى طيلة حياته ‪ ،‬وهو يروى عن نافع ‪ ،‬ولم ير نافع ولم يلقه‬
‫ـ وقلنا ـ ونقول ـ أن مالك بن أنس كان كذابا فى نسبة ما قاله للنبى والصحابة والتابعين وتابعى التابعين ‪ .‬ولكنه كان صادقا ‪3‬‬
‫فى التعبير عن دينه األرضى الذى يملكه أصحابه ويقولون فيه بأهوائهم كيف شاءوا ‪ .‬وهو أيضا صادق فى التعبير عن ثقافة‬
‫‪.‬عصره ‪ ،‬لهذا تقبل الناس أكاذيبه بقبول حسن‪ ،‬وبنوا عليها ألنها تعبر بصدق عن ثقافتهم الُم ناقضة لالسالم العظيم‬
‫ـ ونستكمل عرض بعض هجص مالك فى الجنازة ‪3‬‬
‫‪ :‬أوال ‪ :‬تشييع الجنازة‬
‫ـ يأتى مالك بأحاديث تؤكد أن النبى وكبار أصحابه كانوا يقومون بتشييع الجنازات ‪ .‬وفى ( باب اْلَم ْش ِى َأَم اَم اْل َج َن اَز ِة ) يقول ‪1 :‬‬
‫( ‪َ -‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َو َأَب ا َب ْك ٍر َو ُعَمَر َك اُنوا َيْم ُشوَن َأَم اَم اْل َج َن اَز ِة‬
‫َو اْل ُخ َلَفاُء َه ُلَّم َج ًّر ا َو َع ْب ُد ِهَّللا ْب ُن ُعَمَر ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن اْلُم ْنَك ِد ِر ‪َ ،‬ع ْن ِر ِبيَع َة ْب ِن َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن اْلَه ِديِر ‪َ ،‬أَّن ُه‬
‫َأْخ َبَر ُه َأَّن ُه‪َ ،‬ر َأى ُعَمَر ْب َن اْلَخ َّط اِب َي ْق ُد ُم الَّن اَس َأَم اَم اْلَج َن اَز ِة ِفي َج َن اَز ِة َز ْي َن َب ِبْن ِت َج ْح ٍش ‪َ - ( ).‬و َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن‬
‫ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َة‪َ ،‬قاَل َم ا َر َأْي ُت َأِبي َقُّط ِفي َج َن اَز ٍة ِإَّال َأَم اَمَه ا ‪َ -‬قاَل ‪ُ -‬ثَّم َي ْأِتي اْلَب ِقيَع َفَيْج ِلُس َح َّت ى َيُمُّر وا َع َلْي ِه ‪ .) .‬ثم يفترى مالك‬
‫أن ابن شهاب الزهرى أفتى بأن من الخطأ المشى خلف الجنازة ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬أَّن ُه َقاَل اْلَم ْش ُى َخ ْل َف‬
‫اْلَج َن اَز ِة ِمْن َخ َط ِإ الُّس َّن ِة ‪ ، ) .‬أى ُس ّن ة خاطئة المشى خلف الجنازة ‪ .‬ثم يأتى فى ( ‪ -‬باب اْلُو ُقوِف ِلْلَج َن اِئِز َو اْلُج ُلوِس َع َلى‬
‫اْلَم َق اِبِر ) بأحاديث ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َع ِلَّي ْب َن َأِبي َط اِلٍب‪َ ،‬ك اَن َي َت َو َّس ُد اْلُقُبوَر َو َيْض َط ِج ُع َع َلْيَه ا ‪َ .‬قاَل َم اِلٌك‬
‫َو ِإَّن َم ا ُنِه َي َع ِن اْلُقُع وِد َع َلى اْلُقُبوِر ِفيَم ا ُنَر ى ِلْلَم َذ اِهِب ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َأِبي َب ْك ِر ْب ِن ُع ْث َم اَن ْب ِن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍف‪َ ،‬أَّن ُه‬
‫‪َ .‬س ِم َع َأَب ا ُأَم اَم َة ْب َن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍف‪َ ،‬ي ُقوُل ُكَّن ا َنْش َه ُد اْلَج َن اِئَز َفَم ا َيْج ِلُس آِخُر الَّن اِس َح َّت ى ُيْؤ َذ ُنوا ‪) .‬‬
‫ويبدو أن قد ظهرت عادة هى تشييع الجنازة بإشعال النيران أو إيقاد المصابيح ‪ ،‬وتصدى مالك لهذه الظاهرة ‪ ،‬فروى تحت ‪:‬‬
‫(‪ -‬باب الَّن ْه ِى َع ْن َأْن ُتْت َبَع اْلَج َن اَز ُة ِبَن اٍر ‪َ - ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َة‪َ ،‬ع ْن َأْس َم اَء ِبْن ِت َأِبي َب ْك ٍر ‪َ ،‬أَّن َه ا َقاَلْت‬
‫َألْه ِلَه ا َأْج ِم ُر وا ِثَي اِبي ِإَذ ا ِمُّت ُثَّم َح ِّن ُط وِني َو َال َت ُذ ُّر وا َع َلى َك َفِني ِحَن اًط ا َو َال َتْت َبُع وِني ِبَن اٍر ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َس ِعيِد ْب ِن‬
‫َأِبي َس ِعيٍد اْلَم ْق ُبِر ِّي ‪َ ،‬ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َة‪َ ،‬أَّن ُه َن َه ى َأْن ُيْت َبَع ‪َ ،‬بْع َد َمْو ِتِه ِبَن اٍر ‪َ .‬قاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ْك َر ُه َذ ِلَك ‪) .‬‬
‫‪ .‬والمستفاد مما سبق وجوب تشييع الجنازة على الجميع‬
‫ـ ولكن يأتى مالك بأحاديث أخرى نفهم منها أن النبى كانت تمر عليه الجنازة فيتكلم معلقا دون المشاركة فيها ‪ ،‬يقول ‪2 :‬‬
‫( ‪َ -‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َع ْم ِر و ْب ِن َح ْلَح َلَة الِّديِلِّي ‪َ ،‬ع ْن َمْع َب ِد ْب ِن َك ْع ِب ْب ِن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َأِبي َقَت اَد َة ْب ِن ِر ْب ِع ٍّي ‪َ ،‬أَّن ُه َك اَن‬
‫ُيَح ِّد ُث ‪َ :‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ُمَّر َع َلْي ِه ِبَج َن اَز ٍة َفَق اَل ‪ُ " :‬مْس َت ِر يٌح َو ُمْس َت َر اٌح ِم ْن ُه " ‪َ .‬قاُلوا ‪َ :‬ي ا َر ُس وَل ِهَّللا َم ا‬
‫اْلُمْس َت ِر يُح َو اْلُمْس َت َر اُح ِم ْن ُه َقاَل ‪ " :‬اْل َعْب ُد اْل ُم ْؤ ِمُن َيْس َت ِر يُح ِمْن َن َص ِب الُّد ْن َي ا َو َأَذ اَها ِإَلى َر ْح َم ِة ِهَّللا‪َ ،‬و اْلَعْب ُد اْلَفاِجُر َيْس َت ِر يُح ِم ْن ُه اْل ِع َب اُد‬
‫َو اْلِبَالُد َو الَّش َج ُر َو الَّد َو اُّب " ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َأِبي الَّن ْض ِر ‪َ ،‬مْو َلى ُعَمَر ْب ِن ُعَبْي ِد ِهَّللا َأَّن ُه َقاَل ‪َ :‬قاَل َر ُس وُل ِهَّللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم َلَّم ا َم اَت ُع ْث َم اُن ْب ُن َم ْظ ُع وٍن َو ُمَّر ِبَج َن اَز ِتِه ‪َ " :‬ذ َه ْب َت َو َلْم َت َلَّبْس ِم ْن َه ا ِبَش ْى ٍء " ‪) .‬‬
‫ـ ثم يتصدى أبو هريرة بتشريع طريف ظريف ـ وأبو هريرة كان خفيف الدم ظريفا يهزأ به الناس ـ وتشريع أبى هريرة هو ‪3‬‬
‫االسراع بالجنازة والتعليل فى داخل الحديث ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َأَب ا ُه َر ْيَر َة‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬أْس ِر ُع وا ِبَج َن اِئِز ُك ْم ‪َ ،‬فِإَّن َم ا‬
‫ُه َو َخ ْيٌر ُتَق ِّد ُم وَن ُه ِإَلْي ِه َأْو َش ٌّر َت َض ُع وَن ُه َع ْن ِر َقاِبُك ْم ‪) .‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الصالة على الميت فى االسالم‬
‫ـ فى االسالم ‪ :‬الصالة ( على ) الميت تعنى الدعاء له بالرحمة ‪ ،‬يستوى إن كان هذا الدعاء على قبره ـ فى أو قت بعد دفنه أو ‪1‬‬
‫عند دفنه ‪ ،‬أو كان الدعاء له بالرحمة فى أى مكان ‪ .‬ولقد نهى هللا جل وعال النبى عن الصالة على من مات من بعض المنافقين‬
‫‪ ،‬ول أن يقوم على قبر أحدهم داعيا له بالرحمة ‪ ،‬قال جل وعال ‪َ ( :‬و ال ُتَص ِّل َع َلى َأَح ٍد ِم ْن ُهْم َم اَت َأَب دًا َو ال َت ُقْم َع َلى َقْب ِر ِه ِإَّن ُهْم‬
‫َك َفُر وا ِباِهَّلل َو َر ُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن (‪ )84‬التوبة )‪ .‬ويشبه هذا موقف النبى صالح من كفار قومه ثمود الذين أهلكتهم‬
‫الصيحة فلم يصل عليهم داعيا بالرحمة ‪ ،‬بل عّب ر عن أسفه وهو يقف أمام جثثهم ‪َ ( :‬فَأَخ َذ ْت ُهْم الَّر ْج َف ُة َفَأْص َبُح وا ِفي َداِر ِه ْم‬
‫َج اِثِميَن (‪َ )78‬فَت َو َّلى َع ْن ُهْم َو َقاَل َي ا َقْو ِم َلَق ْد َأْب َلْغ ُتُك ْم ِر َس اَلَة َر ِّب ي َو َن َص ْح ُت َلُك ْم َو َلِكْن ال ُتِحُّب وَن الَّن اِص ِحيَن (‪ )79‬االعراف )‪ ،‬وحدث‬
‫نفس الحال فيما بعد مع النبى شعيب وقومه ( مدين ) ‪( :‬اَّلِذيَن َك َّذ ُب وا ُشَعْي بًا َك َأْن َلْم َي ْغ َن ْو ا ِفيَه ا اَّلِذيَن َك َّذ ُبوا ُشَعْي بًا َك اُنوا ُه ْم‬
‫اْلَخ اِس ِر يَن (‪َ )92‬فَت َو َّلى َع ْن ُهْم َو َقاَل َي ا َق ْو ِم َلَق ْد َأْب َلْغ ُتُك ْم ِر َس االِت َر ِّب ي َو َن َص ْح ُت َلُك ْم َفَك ْيَف آَس ى َع َلى َق ْو ٍم َك اِفِر يَن (‪ )93‬االعراف )‬
‫‪.‬‬
‫ـ وفى كل األحوال فإن الدعاء للميت هو مجرد تكريم له ‪ ،‬مثل المعتاد فى تأبين الموتى ‪ .‬ولكن هذا الدعاء ال يفيد الميت ‪2‬‬
‫بشىء ‪ ،‬ألنه قد تم قفل كتاب أعماله ‪ ،‬فليس له أو عليه إال سعيه حين كان حيا يسعى فى األرض ‪ ،‬ثم هذا العمل سيكون مرئيا‬
‫للجميع ‪َ ( :‬و َأْن َلْيَس ِلِإل نَس اِن ِإَّال َم ا َس َع ى (‪َ )39‬و َأَّن َس ْع َي ُه َس ْو َف ُيَر ى (‪ )40‬النجم ) ‪ .‬سعينا ونحن احياء يتم تسجيله أوال‬
‫بأول ‪ ،‬ويأتى كل منا يحمله فى كتاب أعماله (َو ُك َّل ِإنَس اٍن َأْلَز ْم َن اُه َط اِئَر ُه ِفي ُع ُنِقِه َو ُنْخ ِر ُج َلُه َيْو َم اْلِقَي اَم ِة ِك َت ابًا َي ْلَقاُه َم نُشورًا (‬
‫‪ )13‬اْق َر ْأ ِك َت اَب َك َك َف ى ِبَن ْف ِس َك اْلَيْو َم َع َلْي َك َح ِس يبًا (‪ )14‬االسراء )‪ .‬ال ينفع الميت أى دعاء ‪ .‬الدعاء ينفع الداعى فقط ‪ .‬حين تدعو‬
‫لوالديك بعد وفاتهما فهذا الدعاء يفيدك أنت ‪ ،‬وال يفيدهما ‪ .‬يفيدك أنت ألنك مأمور بالدعاء لك ولغيرك ‪ .‬وحين تدعو فأنت تنفذ‬
‫‪ .‬أوامر هللا جل وعال ‪ .‬وهو جل وعال يستجيب لدعائك بمعرفته جل وعال‬
‫ثالثا ‪ :‬الصالة على الميت فى دين ( مالك )‬
‫‪ :‬قام ( مالك) بتحويل هذا الدعاء العادى الى تشريع مختلف فيه‪ ،‬نوجزه فى اآلتى‬
‫‪ :‬المكان‬
‫ـ يروى مالك ‪ - ( :‬باب َج اِم ِع الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز ‪َ - :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن ُع ْث َم اَن ْب َن َع َّف اَن ‪َ ،‬و َعْب َد ِهَّللا ْب َن ‪1‬‬
‫ُعَمَر ‪َ ،‬و َأَب ا‪ُ ،‬ه َر ْيَر َة َك اُن وا ُيَص ُّلوَن َع َلى اْلَج َن اِئِز ِباْلَم ِديَن ِة الِّر َج اِل َو الِّن َساِء َفَيْج َع ُلوَن الِّر َج اَل ِم َّم ا َي ِلي اِإلَم اَم َو الِّن َس اَء ِم َّم ا َي ِلي اْلِقْب َلَة‬
‫‪ . ) ..‬المكان هنا فى ( المدينة) ‪ ،‬لم يقل ( المسجد ) ولم يقل ( البقيع أو المقبرة)‬
‫ـ ثم تأتى أحاديث بالصالة على الميت فى المسجد ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُعَمَر ‪َ ،‬أَّن ُه َقاَل ُص ِّلَي ‪2‬‬
‫َع َلى ُعَمَر ْب ِن اْلَخ َّط اِب ِفي اْلَمْس ِج ِد ‪ ، ) .‬والمصالة ( ‪ -‬باب الَّتْك ِبيِر َع َلى اْل َج َن اِئِز ‪َ - :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪،‬‬
‫َع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِب‪َ ،‬ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َة‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َن َع ى الَّن َج اِش َّي ِللَّن اِس ِفي اْلَيْو ِم اَّلِذي َم اَت ِفيِه َو َخ َر َج‬
‫ِبِهْم ِإَلى اْلُمَص َّلى َفَص َّف ِبِهْم َو َك َّبَر َأْر َبَع َتْك ِبيَر اٍت ‪ -( ) .‬باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز ِفي اْلَمْس ِج ِد ‪َ - ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن‬
‫َأِبي الَّن ْض ِر ‪َ ،‬مْو َلى ُعَمَر ْب ِن ُعَبْي ِد ِهَّللا َع ْن َع اِئَش َة ‪َ ،‬ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َه ا َأَمَر ْت َأْن ُيَمَّر َع َلْيَه ا ِبَس ْع ِد ْب ِن َأِبي َو َّقاٍص‬
‫ِفي اْلَمْس ِج ِد ِحيَن َم اَت ِلَت ْد ُعَو َلُه َفَأْنَك َر َذ ِلَك الَّن اُس َع َلْيَه ا َفَقاَلْت َع اِئَش ُة َم ا َأْس َر َع الَّن اَس َم ا َص َّلى َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫َع َلى ُسَهْي ِل اْب ِن َبْيَض اَء ِإَّال ِفي اْلَمْس ِج ِد ‪) .‬‬
‫ـ ثم أحاديث أخرى فى الصالة على الميت فى المقبرة ( البقيع ) ‪ - ( :‬باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز َبْع َد الُّصْب ِح ِإَلى اِإلْس َفاِر َو َبْع َد ‪3‬‬
‫اْلَعْص ِر ِإَلى اِالْص ِفَر اِر ‪َ - :‬و َح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َح ْر َم َلَة ‪َ ،‬مْو َلى َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َأِبي ُس ْف َي اَن ْب ِن ُحَو ْي ِط ٍب َأَّن‬
‫َز ْي َن َب ِبْن َت َأِبي َس َلَم َة ‪ُ ،‬تُو ِّفَي ْت ‪َ -‬و َط اِر ٌق َأِميُر اْلَم ِديَن ِة ‪َ -‬فُأِتَي ِبَج َن اَز ِتَه ا َبْع َد َص َالِة الُّصْب ِح َفُو ِض َع ْت ِباْلَب ِقيِع ‪َ .‬قاَل َو َك اَن َط اِر ٌق ُيَغِّلُس‬
‫ِبالُّصْب ِح ‪َ .‬قاَل اْب ُن َأِبي َح ْر َم َلَة َفَس ِم ْع ُت َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َي ُقوُل َألْه ِلَه ا ِإَّم ا َأْن ُتَص ُّلوا َع َلى َج َن اَز ِتُك ُم اآلَن َو ِإَّم ا َأْن َتْت ُر ُك وَها َح َّت ى‬
‫َت ْر َت ِفَع الَّش ْم ُس ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َم اِلٌك‪َ ،‬ع ْن َع ْلَق َم َة ْب ِن َأِبي َع ْلَق َم َة ‪َ ،‬ع ْن ُأِّم ِه‪َ ،‬أَّن َه ا َقاَلْت َس ِم ْع ُت َع اِئَش َة ‪َ ،‬ز ْو َج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه‬
‫وسلم َت ُقوُل ‪َ :‬قاَم َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َذ اَت َلْي َلٍة َفَلِبَس ِثَي اَب ُه ُثَّم َخ َر َج ‪َ -‬قاَلْت ‪َ -‬فَأَمْر ُت َج اِر َي ِتي َب ِر يَر َة َتْت َبُع ُه‪َ ،‬فَت ِبَع ْت ُه‬
‫َح َّت ى َج اَء اْلَب ِقيَع ‪َ ،‬فَو َق َف ِفي َأْد َن اُه َم ا َش اَء ُهَّللا َأْن َي ِقَف ‪ُ ،‬ثَّم اْن َص َر َف َف َسَب َقْت ُه َب ِر يَر ُة َفَأْخ َبَر ْت ِني‪َ ،‬فَلْم َأْذ ُك ْر َلُه َش ْي ًئ ا َح َّت ى َأْص َبَح ُثَّم‬
‫َذ َك ْر ُت َذ ِلَك َلُه َفَقاَل ‪ِ " :‬إِّن ي ُبِع ْث ُت ِإَلى َأْه ِل اْلَب ِقيِع ُألَص ِّلَي َع َلْي ِهْم " ‪ . ) .‬وبالصالة على قبر الميت ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن‬
‫اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن َأِبي ُأَم اَم َة ْب ِن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍف‪َ ،‬أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن ِم ْس ِكيَن ًة َم ِر َض ْت َفُأْخ ِبَر َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ‪ِ -‬بَمَر ِض َه ا‬
‫َو َك اَن َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َيُع وُد اْلَمَس اِكيَن َو َيْس َأُل َع ْن ُهْم ‪َ -‬فَقاَل َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم " ِإَذ ا َم اَت ْت َف آِذ ُنوِني‬
‫ِبَه ا " ‪َ .‬فُخ ِر َج ِبَج َن اَز ِتَه ا َلْي ًال َف َك ِر ُهوا َأْن ُيوِقُظ وا َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َفَلَّم ا َأْص َبَح َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ُأْخ ِبَر‬
‫ِباَّلِذي َك اَن ِمْن َش ْأِنَه ا َفَق اَل " َأَلْم آُمْر ُك ْم َأْن ُتْؤ ِذ ُنوِني ِبَه ا " ‪َ .‬فَقاُلوا َي ا َر ُس وَل ِهَّللا َك ِر ْه َن ا َأْن ُنْخ ِر َج َك َلْي ًال َو ُنوِقَظ َك ‪َ .‬فَخ َر َج َر ُس وُل‬
‫ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َح َّت ى َص َّف ِبالَّن اِس َع َلى َقْب ِر َها َو َك َّبَر َأْر َبَع َتْك ِبيَر اٍت ‪) .‬‬
‫التوقيت‬
‫إختالف يظهر فى هذين الحديثين ‪ - ( :‬باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز َبْع َد الُّصْب ِح ِإَلى اِإلْس َفاِر َو َبْع َد اْل َعْص ِر ِإَلى اِالْص ِفَر اِر ‪َ - :‬و َح َّد َث ِني‬
‫َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َح ْر َم َلَة ‪َ ،‬مْو َلى َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َأِبي ُس ْف َي اَن ْب ِن ُحَو ْي ِط ٍب َأَّن َز ْي َن َب ِبْن َت َأِبي َس َلَم َة ‪ُ ،‬تُو ِّفَي ْت ‪-‬‬
‫َو َط اِر ٌق َأِميُر اْلَم ِديَن ِة ‪َ -‬فُأِتَي ِبَج َن اَز ِتَه ا َبْع َد َص َالِة الُّصْب َف ُو ِض َع ْت ِباْلَب ِقي ‪َ .‬قاَل َو َك اَن َط اِر ٌق ُيَغِّلُس ِبالُّصْب ‪َ .‬قاَل اْب ُن َأِبي َح ْر َم َلَة‬
‫ِح‬ ‫ِع‬ ‫ِح‬
‫َفَس ِم ْع ُت َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َي ُقوُل َألْه ِلَه ا ِإَّم ا َأْن ُتَص ُّلوا َع َلى َج َن اَز ِتُك ُم اآلَن َو ِإَّم ا ْن َتْت ُر ُك وَها َح َّت ى َت ْر َت ِفَع الَّش ْم ُس ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني‬
‫َأ‬
‫َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬قاَل ُيَص َّلى َع َلى اْلَج َن اَز ِة َبْع َد اْلَعْص ِر َو َبْع َد الُّصْب ِح ِإَذ ا ُص ِّلَي َت ا ِلَو ْق ِتِه َم ا ‪) .‬‬
‫الكيفية‬
‫ـ فى التسليم ( ‪َ -‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن ِإَذ ا َص َّلى َع َلى اْلَج َن اِئِز ُيَس ِّلُم َح َّت ى ُيْس ِم َع َم ْن َي ِليِه ‪1 .) .‬‬
‫هذا عن ابن عمر فماذا عن اآلخرين ؟‬
‫ـ فى الطهارة ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َي ُقوُل َال ُيَص ِّلي الَّر ُج ُل َع َلى اْل َج َن اَز ِة ِإَّال َو ُه َو َط اِه ٌر ‪2 .‬‬
‫) هذا عن ابن عمر فماذا عن اآلخرين ؟‬
‫ـ فى التكبير ( ‪َ -‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َس َأَل اْب َن ِش َه اٍب َع ِن الَّر ُج ِل ‪ُ ،‬ي ْد ِر ُك َبْع َض الَّتْك ِبيِر َع َلى اْلَج َن اَز ِة َو َي ُفوُتُه َبْع ُض ُه َفَق اَل ‪3‬‬
‫َي ْق ِض ي َم ا َفاَت ُه ِمْن َذ ِلَك ‪ . ) .‬لم يقل عدد التكبيرات ‪ .‬تركها مفتوحة يثشّر ع فيها الالحقون حسب الهوى ‪ .‬وهذا تشريع ابن‬
‫‪ .‬شهاب الزهرى ‪ ،‬ينسبه اليه مالك زاعما أنه سأله ‪ .‬ومالك لم يلق ابن شهاب الزهرى أصال‬
‫ـ فى كيفية الدعاء ‪ :‬هذا تشريع أبى هريرة ‪ - ( :‬باب َم ا َي ُقوُل اْلُمَص ِّلي َع َلى اْلَج َن اَز ِة ‪َ - ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َس ِعيِد ‪4‬‬
‫ْب ِن َأِبي َس ِعيٍد اْلَم ْق ُبِر ِّي ‪َ ،‬ع ْن َأِبيِه‪َ ،‬أَّن ُه َس َأَل َأَب ا ُه َر ْيَر َة َك ْيَف ُتَص ِّلي َع َلى اْلَج َن اَز ِة َفَقاَل َأُبو ُه َر ْيَر َة َأَن ا َلَع ْمُر ِهَّللا‪ُ ،‬أْخ ِبُر َك َأَّت ِبُعَه ا‪ِ ،‬مْن‬
‫َأْه ِلَه ا َفِإَذ ا ُو ِض َع ْت َك َّبْر ُت َو َح ِمْد ُت َهَّللا َو َص َّلْي ُت َع َلى َن ِبِّي ِه ُثَّم َأُقوُل الَّلُهَّم ِإَّن ُه َع ْب ُد َك َو اْب ُن َعْب ِدَك َو اْب ُن َأَم ِتَك َك اَن َي ْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال‬
‫َأْن َت َو َأَّن ُمَح َّم ًدا َع ْب ُد َك َو َر ُس وُلَك َو َأْن َت َأْع َلُم ِبِه الَّلُهَّم ِإْن َك اَن ُمْح ِس ًن ا َفِز ْد ِفي ِإْح َس اِنِه َو ِإْن َك اَن ُم ِس يًئ ا َفَت َج اَو ْز َع ْن َسِّي َئ اِتِه الَّلُهَّم َال‬
‫َت ْح ِر ْم َن ا َأْج َر ُه َو َال َت ْف ِتَّن ا َبْع َد ُه ‪ . ) .‬ثم هذا تشريع آخر مختلف ألبى هريرة ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍد‪َ ،‬أَّن ُه َقاَل‬
‫َس ِم ْع ُت َس ِعيَد ْب َن اْلُمَسَّي ِب‪َ ،‬ي ُقوُل َص َّلْي ُت َو َر اَء َأِبي ُه َر ْيَر َة َع َلى َص ِبٍّي َلْم َيْع َم ْل َخ ِط يَئ ًة َقُّط َف َس ِم ْع ُتُه َي ُقوُل الَّلُهَّم َأِع ْذ ُه ِمْن َع َذ اِب اْلَقْب ِر‬
‫‪).‬‬
‫ـ عن قراءة القرآن ‪ .‬هنا تشريع ابن عمر ‪َ - (:‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َن اِفٍع ‪َ ،‬أَّن َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر ‪َ ،‬ك اَن َال َي ْق َر ُأ ِفي الَّص َالِة ‪5‬‬
‫َع َلى اْلَج َن اَز ِة ‪ . ) .‬فماذا عن اآلخرين ؟‬
‫ـ وقد أصبح الزنا ظاهرة فاشية بسبب خروج الرجال للغزو والفتوحات ‪ ،‬وتكاثر الُلقطاء وأبناء الزنا ‪ ،‬وتمتعوا باالحتقار ‪6 ،‬‬
‫وفى التشريع الُّس ّن ى عوقب ابن الزنا بجريمة أبويه ـ مع أن التشريع االسالم يؤكد على أنه ال تزر وازرة وزر أخرى ‪ .‬ويبدو أنه‬
‫ثار جدل فى عصر مالك حول الصالة على الميت إذا كان ابن زنا أو على والدته الزانية ‪ ،‬فوضع مالك رأيه فى هذا الحديث ‪:‬‬
‫( َقاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ُقوُل َلْم َأَر َأَح ًدا ِمْن َأْه ِل اْلِع ْلِم َي ْك َر ُه َأْن ُيَص َّلى َع َلى َو َلِد الِّز َن ا َو ُأِّم ِه ‪) .‬‬
‫‪ :‬رابعا ‪ :‬العزاء‬
‫ـ مزاعم مفتراة بالغفران مقدما ألهل الميت مهما إرتكبوا من كبائر ‪ - ( :‬باب اْلِح ْس َب ِة ِفي اْلُم ِص يَب ِة ‪َ - ( :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن ‪1‬‬
‫َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب‪َ ،‬ع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِب‪َ ،‬ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َة‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َال َيُم وُت َألَح ٍد ِمَن‬
‫اْلُمْس ِلِميَن َث َالَث ٌة ِمَن اْل َو َلِد َفَت َمَّس ُه الَّن اُر ِإَّال َت ِحَّلَة اْلَق َس ِم " ‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َب ْك ِر ْب ِن َع ْم ِر و ْب ِن َح ْز ٍم ‪،‬‬
‫َع ْن َأِبيِه‪َ ،‬ع ْن َأِبي الَّن ْض ِر الَّس َلِم ِّي ‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َال َيُم وُت َألَح ٍد ِمَن اْلُمْس ِلِميَن َث َالَث ٌة ِمَن اْل َو َلِد‬
‫َفَيْح َت ِس ُبُهْم ِإَّال َك اُنوا ُج َّن ًة ِمَن الَّن اِر " ‪َ .‬فَقاَلِت اْمَر َأٌة ِع ْن َد َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َي ا َر ُس وَل ِهَّللا َأِو اْث َن اِن َقاَل " َأِو اْث َن اِن "‬
‫‪َ - ( ) .‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬أَّن ُه َب َلَغ ُه َع ْن َأِبي اْل ُحَب اِب‪َ ،‬س ِعيِد ْب ِن َيَس اٍر َع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َة‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل "‬
‫َم ا َي َز اُل اْلُم ْؤ ِمُن ُيَص اُب ِفي َو َلِدِه َو َح اَّم ِتِه َح َّت ى َي ْلَق ى َهَّللا َو َلْيَس ْت َلُه َخ ِط يَئ ٌة ") ‪ 2 .‬ـ ومنها أن النبى نفسه مات أوالده ‪ - (:‬باب‬
‫َج اِم ِع اْلِح ْس َب ِة ِفي اْلُم ِص يَب ِة ‪َ - :‬ح َّد َث ِني َيْح َي ى‪َ ،‬ع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَق اِس ِم ْب ِن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َب ْك ٍر ‪َ ،‬أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم َقاَل " ِلُيَع ِّز اْل ُمْس ِلِميَن ِفي َمَص اِئِبِهُم اْل ُم ِص يَب ُة ِبي ") ‪.‬‬
‫ـ ثم مكافأة مضحكة لمن مات عنها زوجها ‪ ،‬أن تقول بعض العبارات فتتزوج بعده ‪َ - (:‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َر ِبيَع َة ْب ِن َأِبي ‪3‬‬
‫َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ‪َ ،‬ع ْن ُأِّم َس َلَم َة ‪َ ،‬ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َم ْن َأَص اَب ْت ُه ُم ِص يَب ٌة َفَق اَل‬
‫َك َم ا َأَمَر ُهَّللا ِإَّن ا ِهَّلِل َو ِإَّن ا ِإَلْي ِه َر اِج ُع وَن الَّلُهَّم ْأُجْر ِني ِفي ُم ِص يَب ِتي َو َأْع ِقْب ِني َخ ْيًر ا ِم ْن َه ا ِإَّال َف َع َل ُهَّللا َذ ِلَك ِبِه " ‪َ .‬قاَلْت ُأُّم َس َلَم َة َفَلَّم ا‬
‫‪ُ.‬تُو ِّفَي َأُبو َس َلَم َة ُقْلُت َذ ِلَك ُثَّم ُقْلُت َو َم ْن َخ ْيٌر ِمْن َأِبي َس َلَم َة َفَأْع َقَبَه ا ُهَّللا َر ُس وَلُه صلى هللا عليه وسلم َفَتَز َّو َج َه ا ‪) .‬‬
‫ـ ثم قصة درامية فى التعزية عن إمرأة إسرائيلية وعابد إسرائيلى ‪َ - ( :‬و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك ‪َ ،‬ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍد‪َ ،‬ع ِن اْلَقاِس ِم ‪4‬‬
‫ْب ِن ُمَح َّم ٍد‪َ ،‬أَّن ُه َقاَل َه َلَك ِت اْمَر َأٌة ِلي َفَأَت اِني ُمَح َّم ُد ْب ُن َك ْع ٍب اْلُقَر ِظ ُّي ُيَع ِّز يِني ِبَه ا َفَقاَل ِإَّن ُه َك اَن ِفي َب ِني ِإْس َر اِئيَل َر ُج ٌل َفِقيٌه َع اِلٌم َع اِبٌد‬
‫ُمْج َت ِه ٌد َو َك اَن ْت َلُه اْمَر َأٌة ‪َ -‬و َك اَن ِبَه ا ُمْع َج ًب ا َو َلَه ا ُم ِحًّب ا ‪َ -‬فَم اَت ْت َفَو َج َد َع َلْيَه ا َو ْج ًدا َش ِديًدا َو َلِقَي َع َلْيَه ا َأَس ًفا َح َّت ى َخ َال ِفي َبْي ٍت َو َغ َّلَق‬
‫َع َلى َن ْف ِس ِه َو اْح َت َج َب ِمَن الَّن اِس َفَلْم َي ُك ْن َي ْد ُخ ُل َع َلْي ِه َأَح ٌد َو ِإَّن اْمَر َأًة َس ِم َع ْت ِبِه َف َج اَء ْت ُه َفَقاَلْت ِإَّن ِلي ِإَلْي ِه َح اَج ًة َأْس َت ْف ِتيِه ِفيَه ا َلْيَس‬
‫ُيْج ِز يِني ِفيَه ا ِإَّال ُم َش اَفَه ُتُه َفَذ َه َب الَّن اُس َو َلِز َم ْت َب اَب ُه َو َقاَلْت َم ا ِلي ِم ْن ُه ُبٌّد ‪َ .‬فَق اَل َلُه َقاِئٌل ِإَّن َها ُه َن ا اْمَر َأًة َأَر اَد ْت َأْن َت ْس َت ْف ِتَي َك َو َقاَلْت‬
‫ِإْن َأَر ْد ُت ِإَّال ُم َش اَفَه َت ُه َو َق ْد َذ َه َب الَّن اُس َو ِه َي َال ُتَفاِر ُق اْلَب اَب ‪َ .‬فَقاَل اْئ َذ ُنوا َلَه ا ‪َ .‬ف َد َخ َلْت َع َلْي ِه َفَقاَلْت ِإِّن ي ِج ْئُتَك َأْس َت ْف ِتيَك ِفي َأْم ٍر ‪.‬‬
‫َقاَل َو َم ا ُه َو َقاَلْت ِإِّن ي اْس َت َعْر ُت ِمْن َج اَر ٍة ِلي َح ْلًي ا َفُكْن ُت َأْلَبُس ُه َو ُأِع يُرُه َز َم اًن ا ُثَّم ِإَّن ُهْم َأْر َس ُلوا ِإَلَّى ِفيِه َأَفُأَؤ ِّديِه ِإَلْي ِهْم َفَقاَل َن َع ْم َو ِهَّللا ‪.‬‬
‫َفَق اَلْت ِإَّن ُه َق ْد َم َك َث ِع ْن ِدي َز َم اًن ا ‪َ .‬فَق اَل َذ ِلَك َأَح ُّق ِلَر ِّدِك ِإَّي اُه ِإَلْي ِهْم ِحيَن َأَع اُر وِكيِه َز َم اًن ا ‪َ .‬فَقاَلْت َأْى َيْر َح ُم َك ُهَّللا َأَفَت ْأَس ُف َع َلى َم ا‬
‫َأَع اَر َك ُهَّللا ُثَّم َأَخ َذ ُه ِم ْن َك َو ُه َو َأَح ُّق ِبِه ِم ْن َك َفَأْبَص َر َم ا َك اَن ِفيِه َو َن َف َع ُه ُهَّللا ِبَق ْو ِلَه ا ‪) .‬‬

‫الخاتمة‬
‫‪ :‬أوال‬
‫ـ داعشى ُيصّل ى ثم يذبح األبرياء ويغتصب النساء ‪ .‬تقرأ له قوله جل وعال ‪َّ ( :‬م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء )﴿‪ ﴾٣٨‬االنعام ) ‪1‬‬
‫( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) ﴿‪ ﴾٨٩‬النحل )‪ .‬يرد مكذبا رب العزة جل وعال ‪ :‬وأين نجد ركعات الصالة ومواقيتها ؟‬
‫ـ شيخ ُيصّلى ثم ُي فتى بجواز جهاد المناكحة ويتحدث عن لّذ ة المجاهدين فى ذبح األبرياء ‪ .‬تقرأ له قوله جل وعال ‪َّ ( :‬م ا ‪2‬‬
‫َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء )﴿‪ ﴾٣٨‬االنعام ) ( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) ﴿‪ ﴾٨٩‬النحل )‪ .‬يرد مكذبا رب العزة جل‬
‫وعال ‪ :‬وأين نجد ركعات الصالة ومواقيتها ؟‬
‫ـ شيخ من الكهنوت ُيصّلى وهو يعبد الحاكم المتأّله المستبد ‪ (:‬ولى األمر ) ُي فتى لولى األمر بما يهوى ‪ ،‬ويتناقض فى فتاويه ‪3‬‬
‫حسب تناقض ولى األمر فى هواه‪ .‬يبيح لولى األمر القتل والنهب والفساد ‪ .‬تقرأ له قوله جل وعال ‪َّ ( :‬م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن‬
‫َش ْي ٍء )﴿‪ ﴾٣٨‬االنعام ) ( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء )﴿‪ ﴾٨٩‬النحل )‪ .‬يرد مكذبا رب العزة جل وعال ‪ :‬وأين نجد ركعات‬
‫الصالة ومواقيتها ؟‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫ـ هم ال يعرفون أن الصالة التى توارثناها اليوم هى نفس الصالة المتواترة من حيث الشكل وعدد الركعات والمواقيت ‪ ،‬ما عدا ‪1‬‬
‫‪ :‬استبدال التشهد بالتحيات وأن يكون قصر الصالة فى السفر فقط ‪ .‬أما األفظع فأنها أصبحت‬
‫‪ .‬صالة شيطانية تأمر بالفحشاء والمنكر من القتل والسلب والنهب واالغتصاب ‪1 / 1 :‬‬
‫مطية لإلستغالل السياسى من تقديس الحاكم فى صالة وخطبة الجمعة الى إستخدامها وسيلة للوصول الى السلطة ‪1 / 2 :‬‬
‫‪ .‬والخروج على الحاكم‬
‫أبرز ملمح فى تقديس البشر والوقوع فى الشرك وتقديس النبى محمد وغيره‪ ،‬مما أعاد الثقافة القرشية التى سادت قبل ‪1 / 3 :‬‬
‫‪.‬نزول القرآن ‪ ،‬ثم عادت وسادت بعده أيضا‬
‫‪ :‬ـ وهنا يصبح التساؤل المعاند عن عدد ركعات الصالة وكيفيتها ‪2‬‬
‫مبنيا على جهل وعلى تكذيب لرب العزة الذى أّك د كمال القرآن فى بيانه لما يحتاج الى بيان وفى عدم تفريطه لما يكون ‪2 / 1 :‬‬
‫‪.‬تركه تفريطا‬
‫‪ .‬مؤكدا على إعجاز القرآن فى الحديث عن الكافرين الذين يسعون فى آيات هللا جل وعال معاندين ‪2 / 2 :‬‬
‫منطبقا اآلن على المحمديين ‪ ،‬وتعبيرا عن أزمة عقيدية لديهم ‪ ،‬وتعبيرا حيا على تناقضهم مع القرآن الكريم فى حياتهم ‪2 / 3 :‬‬
‫الدينية‪ .‬فالشيطان خدعهم وأضل منهم اجياال وأجياال فأضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات ‪ .‬جعلهم يؤدون الصالة شكليا دون أن‬
‫يقيموها فى قلوبهم وفى جوارحهم تقوى وعمال صالحا تبتعد بهم عن المعاصى ‪ .‬بل إن صالتهم الشكلية تحّر ضهم على‬
‫التطرف فى العصيان ‪ .‬وهو ما يتجلى اآلن ‪ ،‬حيث يقترن التدين المظهرى السطحى وإمتالء المساجد بالناس مع التطرف فى‬
‫‪ .‬الفساد واالنحالل‬

You might also like