Professional Documents
Culture Documents
أوال :
منذ أن بدأت مناقشة التراث السنى ونقد كتب البخارى وغيره وكان السؤال الذى أواجهه دائما :إذن كيف نصلى ؟ وأين عدد
الركعات وكيفيتها ومواقيتها فى القرآن الكريم ؟؟.
فى كل خطبة جمعة كنت ألقيها فى أواخر الثمانينيات فى مصر كنت أضطر ـ فى مناقشات ما بعد الصالة ـ الى االجابة على هذا السؤال.
ومللت من كثرة االجابة ،وأصبحت ملزما أمام كل فرد غير مقتنع بالقرآن ألن اخلو به جانبا ألقول له نفس االجابة ،وفى غمرة ضيقى
أقترحت لنفسى ساخرا أن أسجل االجابة واصطحب جهاز التسجيل معى أينما سرت حتى إذا ووجهت بنفس السؤال أدرت جهاز التسجيل
وأرحت نفسى من عناء التكرار .ثم قررت أن اكتب كتابا صغيرا فى الموضوع .كتبت الكتاب بخط اليد وسمحت لمن يشاء بتصويره
ووزعت منه الكثير من النسخ ،وفيما بعد عندما جاء وقت ارساله للمطبعة حدثت تطورات منعت من نشره.
كانت هذه هى مقدمة الكتابة األولى للكتاب
1ـ منذ أن طرده المولى عز وجل وإبليس يعمل دون يأس في غواية بنى أدم إلى قيام الساعة ( َفاْخ ُرْج ِإَّن َك ِمَن الَّص اِغ ِر يَن َقاَل َأنِظ ْر ِني ِإَلى
َيْو ِم ُيْبَع ُثوَن َقاَل ِإَّن َك ِمَن َقاَل َفِبَم ا َأْغ َو ْي َت ِني َألْق ُع َد َّن َلُهْم ِص َر اَط َك اْلُمْس َت ِقيَم ُثَّم آلِتَي َّن ُهم ِّم ن َبْي ِن َأْي ِديِهْم َو ِمْن َخ ْل ِفِهْم َو َع ْن َأْيَم اِنِهْم َو َع ن َش َم اِئِلِهْم
َو َال َت ِجُد َأْك َث َر ُه ْم َش اِك ِر يَن ).األعراف )- 12وقد أضل إبليس جيال كثيرا من البشر في كل زمان ومكان ،وسيتضح هذا يوم القيامة حين
يقول رب العزة للبشر يذكرهم بالعهد القديم الذي أخذه عليهم بعدم التباع الشيطان وعبادته ،وكيف أن معظمهم نسى وعصى ،وتكرر هذا
في أجيال كثيرةَ( :أَل َأْع َه ْد َلْي ُك َي ا َب ِني آَد َأن اّل َت ْع ُبُدوا الَّش ْي َط اَن َّن ُه َلُك َع ُد ٌّو ُّم يٌن َو َأْن اْع ُبُدوِني َه َذ ا ِص َر اٌط ُّمْس َت ِقي َو َلَقْد َأَض ِمنُك اًّل
َّل ْم ِجِب ٌم ِب ْم ِإ َم ِإ ْم ْم
َك ِثيًر ا َأَفَلْم َتُك وُنوا َت ْع ِقُلوَن ) يس 60ـ) 62
إن أغلبية البشر أتباع له ،فأكثرية البشر موصوفة في القرآن بالوقوع في الشرك والضالل ،وهم ال يعرفون وال يعترفون بأنهم ضالون أو
بتعبير القرآن الكريم "اَّلِذيَن َض َّل َسْع ُيُهْم ِفي اْل َح َي اِة الُّد ْن َي ا َو ُه ْم َيْح َس ُبوَن َأَّن ُهْم ُيْح ِس ُنوَن ُص ْن ًع ا)الكهف ) 104إن الشيطان يزين لهم سوء
عملهم فيجعله حسنا في تصورهم ،الشيطان هو الحاضر الغائب في معادلة الضالل واإلضالل ،واإلنسان حين يختارا لضالل بنفسه يكون
قد اختارا لشيطان وليا له دون أن يعرف ،بل يحسب نفسه مهتديا .يقول تعالى ِ (:إَّن ُهُم اَّتَخ ُذ وا الَّش َي اِط يَن َأْو ِلَي اء ِمن ُدوِن ِهَّللا َو َيْح َس ُبوَن
َأَّن ُهم ُّمْه َت ُدوَن ) األعراف .) 30
2ـ البداية انه يختار اإلعراض عن كتاب هللا تعالى ،وساعتها يتواله شيطان يقترن به يصده عن السبيل ويقنعه أنه على الصراط
المستقيم (َو َم ن َيْع ُش َع ن ِذ ْك ِر الَّر ْح َم ِن ُنَقِّيْض َلُه َش ْي َط اًن ا َفُهَو َلُه َقِر يٌن َو ِإَّن ُهْم َلَيُص ُّدوَن ُهْم َع ِن الَّس ِبيِل َو َيْح َس ُبوَن َأَّن ُهم ُّمْه َت ُدوَن ) الزخرف
) 37 – 36
3ـ كل ذلك التوجيه والسيطرة على اإلنسان تتم دون أن يرى اإلنسان ذلك الشيطان المسيطر عليه ،فطالما يرتدى اإلنسان جسده المادي
فال يمكن أن يرى عوالم البرزخ من المالئكة والشياطين ،وال يستطيع أن يرى ذلك القرين الذي يسيطر عليه ويقوده .عندما يموت ويبعث
ينكشف عنه الغطاء ،ويقال لهَ( :لَقْد ُك نَت ِفي َغ ْفَلٍة ِّم ْن َه َذ ا َفَكَش ْف َن ا َع نَك ِغ َط اَء َك َفَبَصُر َك اْلَيْو َم َح ِديٌد) ق )22عندها فقط يرى ذلك الشيطان
القرين الذي أضله ،يقول تعالى عن مفاجأة اإلنسان برؤية ذلك القرين الذي أضلهَ( :ح َّت ى ِإَذ ا َج اَء َن ا َقاَل َي ا َلْي َت َبْي ِني َو َبْي َن َك ُبْع َد اْل َم ْش ِر َقْي ِن
َفِبْئ َس اْلَقِر يُن ) الزخرف ) 38
4ـ وطريقته بسيطة وواحدة أن يقابل الوحي الذي ينزله على األنبياء بوحي آخر منسوب هلل والنبي؛ وأن يحول الناس إلى تقديس النبي
نفسه بل وتقديس طواغيت من البشر ويزين لهم أنهم على حق فيحسبون أنهم مهتدون.
5ـ وهللا عندما ينزل وحيا مكتوبا على نبي ينزله كامال تاما مبينا واضحا فهكذا كانت التوراة (َو َكَت ْب َن ا َلُه ِفي اَألْلَو ا ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َّمْو ِع َظ ًة
ِح
َو َت ْف ِص يًال ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) األعراف )145
ِّلَق ًة ْل َل َن ْل َف َت ْئَن َلَق
وهكذا القرآن الذي ما فّر ط في شيء (األنعام )38والذي قال تعالى عن تفصيالته (َو ْد ِج اُهم ِبِك اٍب َّص اُه َع ى ِع ٍم ُهًدى َو َر ْح َم ْو ٍم
ُيْؤ ِم ُنوَن .األعراف )52ولكن الشيطان صاحب السيطرة على أغلبية البشر يقنع الناس بأن كتاب هللا ناقص موجز غامض وال يكفى
ويدفعهم إلى تحريف كتاب هللا وإلى إنشاء منهج مزيف ينسبونه هلل تعالى و للنبي ،لتتم الضاللة باسم الدين والهداية .يقول تعالى عن
أعداء األنبياء من أصحاب الوحي الشيطاني َو َك َذ ِلَك َج َع ْل َن ا ِلُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ًّو ا َش َي اِط يَن اِإلنِس َو اْلِجِّن ُيوِحي َبْع ُضُهْم ِإَلى َبْع ٍض ُزْخ ُرَف اْلَقْو ِل
ُغ ُر وًر ا َو َلْو َش اء َر ُّب َك َم ا َفَع ُلوُه َفَذ ْر ُه ْم َو َم ا َي ْف َت ُر وَن " ثم يتحدث المولى تعالى عن األتباع من العامة لهذا الوحي الشيطانيَ( :و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه
َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن َال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َضْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوْا َم ا ُهم ُّم ْق َت ِر ُفوَن " ثم يقول تعالى عن كتابه الذي ينبغي أن تحتكم إليه وهو الكتاب
المفصل الذي يعلم أهل الكتاب أنه الحق من ربهم " َأَفَغ ْيَر ِهَّللا َأْب َت ِغي َح َك ًم ا َو ُه َو اَّلِذي َأنَز َل ِإَلْي ُك ُم اْلِك َت اَب ُم َفَّص ًال َو اَّلِذيَن آَت ْي َن اُه ُم اْلِك َت اَب
َيْع َلُم وَن َأَّن ُه ُم َنَّز ٌل ِّم ن َّر ِّب َك ِباْلَح ِّق َفَال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُمْم َت ِر يَن " ثم يصف القرآن بأنه تام غير ناقص وصادق غير كاذب ألنه كلمة هللا " َو َّم ْت
َت
َك ِلَم ُت َر ِّب َك ِص ْد ًقا َو َع ْد ًال َّال ُمَب ِّد ِل ِلَك ِلَم اِتِه َو ُه َو الَّس ِميُع اْلَع ِليُم ) ثم يبين المولى عز وجل أن أكثرية البشر ضالة مضلة تتبع أحاديث آحاد
تفيد الظن وال تفيد اليقين " َو ِإن ُتِط ْع َأْك َث َر َم ن ِفي اَألْر ِض ُيِض ُّلوَك َع ن َس ِبيِل ِهَّللا ِإن َي َّت ِبُع وَن ِإَّال الَّظ َّن َو ِإْن ُه ْم ِإَّال َي ْخ ُرُص وَن ) :األنعام 112؛
"116
َق ْك ًة َل ِلَك َذ َل َل ْت َت ْل َك َل َن ْل َز َأ َّنَأ ْك َل َأ
َر ْح َم َو ِذ َر ى ِل ْو ٍم العنكبوت 52هلل على من ال يكتفي بالقرآن كالم هللا " َو ْم َي ِفِهْم ا ن ا َع ْي ا ِك اَب ُي ى َع ْي ِهْم ِإَّن ِفي
ُيْؤ ِم ُنوَن ) العنكبوت " 51فاالكتفاء بالقرآن كتابا يعادل االكتفاء باهلل تعالى إال ها ،والمؤمن الحقيقي هو من يكتفي بالقرآن كتابا وباهلل
تعالى إال ها ال شريك له (َأَلْيَس ُهَّللا ِبَك اٍف َع ْب َد ُه) الزمر ) 36وهللا تعالى هو الحق ،وقرآنه هو الحق ،وفى ذلك الكفاية للمؤمنُ( :قْل َك َفى
ِباِهَّلل َبْي ِني َو َبْي َنُك ْم َش ِه يًد ا َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض َو اَّلِذيَن آَم ُنوا ِباْلَب اِط ِل َو َك َفُر وا ِباِهَّلل ُأْو َلِئَك ُه ُم اْلَخ اِس ُر وَن .العنكبوت )" 52
6ـ المكذبون بالقرآن الكريم ال يتوانون عن اتهام رب العزة وقرآنه الكريم بالتفريط والعوج والنقص والغموض ،ويسارعون بالسعي في
آيات هللا تعالى معاجزين متسائلين أين تفصيالت الصالة في القرآن ؟ أين كذا وكذا في القرآن.
نقول منذ البداية إن هذا الكتاب لن يفلح في إصالح اعوجاجهم مهما تكاثرت اآليات القرآنية فيه ألنهم ببساطة ال يؤمنون بالقرآن الكريم.
تسلط إبليس على عقول أولئك " المسلمين " يتجلى في مواقفهم المختلفة حين قراءة هذا الكتاب .منهم من يشعر بالملل من كثرة اآليات
القرآنية ،وتسارع عيناه بالهروب من قراءتها ضجرا أو اعراضا عن الفهم ناسيا عنوان الكتاب ( الصالة في القرآن الكريم ) وما يستلزمه
منهج البحث في هذا الكتاب من االعتماد أساسا على القرآن ولو كره اآلخرون .بعضهم قد يقرأ اآليات ممتعضا ولكنها ال تجدي في إيقاظ
ضميره الديني ،وال تؤثر على مشاعره اإلنسانية طالما تناقض قدس األقداس عنده وهو األحاديث والسنة وما وجدنا عليه آباءنا .وبعضهم
يقرأ اآليات ويحاول فهمها وفهم ما يقوله المؤلف عنها ولكنه يعيش في انزعاج حقيقي ،إذ كيف يضحى بكل ما توارثه مقابل ما يقرؤه
ألول مرة في كتاب كهذا وكاتب هذا الكتاب تالحقه اللعنات وتتوالى عليه االتهامات..
في المقابل هناك بعض المؤمنين ممن يبحث مخلصا عن الحق داعيا هللا تعالى بإخالص وإخبات أن يهديه للحق وأن يعينه على الصبر
عليه والتمسك به ،فالحق في هذا الزمن األغبر بالذات يستلزم صبرا ونضاال للتمسك به .فإذا قرأ هذا الكتاب استراح ،وأحس بالتقصير في
حق المولى جل وعال .ومن مّن ا يستطيع أن يؤدى حق هللا تعالى عليه كما يجب؟
7ـ إلى هؤالء المؤمنين بالقرآن حق اإليمان أهدى هذا الكتاب
د .أحمد صبحي منصور
كتبت المقدمة فى القاهرة عام . 1987ثم كانت الموجة األولى من إعتقال أهل القرآن .أكملت الكتاب ،وكتبت خاتمته ،وفيها قلت :
- 1وضح فى القرآن أن الدين واحد وأن كل األنبياء كانوا يقيمون الصالة وان القرآن الكريم أمر النبى بإتباع ملة إبراهيم التى كان يعرفها
العرب فى الصالة والحج والصيام ولكن البد أن يكون اتباع ملة إبراهيم حنيفيا أى مخلصا هلل عقيدته من كل معصية ومن كل شرك ألن
العرب أضاعوا الصالة بالمعاص والشرك
- 2وبعد نزول القرآن عاد الخلف بعد اإلسالم إلى الواقع فى المعصية وفى تقديس األولياء والقبور وزادوا على ذلك محاولة التشكيك فى
الصالة والتحريف فيها .....ومع ذلك فالخلف فى عصرنا الراهن يتمسكون بهذا التراث ويعكفون على هذه األحاديث ويدافعون عنها ومن
أجلها يتهمون القرآن بأنه ناقص وبأنه مجمل وبأنه غامض وبأنه ال يكفى ..وأن كالم البشر الذى نسبوه ظلما للنبى هو الذى يكمل
نقص القرآن ويفصل المجمل فيه ويشرح غوامضه.
-3هللا تعالى يقول أن القرآن كامل " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم اإلسالم دينا " أخر ما نزل من القرآن
المائدة "2ويقول " وتمت كلمة ربك صدقا وعدال المبدل لكلماته وهو السميع العليم :االنعام "115
وهم يتهمون رب العزة بالكذب ويقولون أن سنة البشر هى التى تكمل النقص فى القرآن ألن القرآن عندهم ناقص .
هللا تعالى يقول أن القرآن مفصل " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .االعراف "52ويقول " افغير هللا
أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصال .االنعام " 114ويقول عن كتابه " ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه
وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .يوسف " 111ويقول وكل شىء فصلناه .اإلسراء "12ويقول " ما فرطنا فى الكتاب
من شىء .االنعام " 38ويقول عن أحكام التفصيل فى القرآن " آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير .هود "1ويقول "
حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون .فصلت "3 :1ولكن الذين ال يعلمون ال يكترثون لهذه التأكيدات
اإللهيه ويصممون على إتهام رب العزة بالكذب وأنه أنزل القرآن مجمال وليس مفصال .
وهللا تعالى يؤكد أن القرآن كتاب مبين وأن آياته بينات واضحات وأن القرآن ميسر :للذكر وأن هللا تعالى هو الذى يتولى تبيين آيات الكتاب
فى داخل الكتاب .
ولكثرة اآليات فى هذا المجال نقتصر على بعضها " فإذا قرأناه فاتبع قرأنه ثم إن علينا بيانه ..القيامة 18؛ "19فاهلل هو الذى يتولى
بيان القرآن ثم وما على المؤمن إال أن يبلغ القرآن كما هو وال يكتمه فالبيان مجرد تالوة االية " إن الذين يكتمون ما انزلنا من البينات
والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك لعنهم هللا ويلعنهم الالعنون إال الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ........البقرة " 159
وتفسير القرآن فى داخل القرآن " وال يأتونك بمثل إال جئناك بالحق وأحسن تفسيرا .الفرقان "33وهذه روعة التكرار والتشابه فى
اآليات " هللا نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى .الزمر "23فكل معنى تجده يتكرر فى القرآن .ثم آيات تكررت كثيرا فى وصف
القرآن " :تلك آيات الكتاب المبين " " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
ثم قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين النحل "89
وكل هذه اآليات البينات ال تجدى معهم شيئا فهم ال يزالون مصرين على إتهام هللا تعالى بالكذب وأنه أنزل القرآن مبهما محتاجا ألقوال
البشر كى تفسره هذا مع أن زعيمهم ابن كثير يعترف فى مقدمة تفسيره أن أحسن التفسير أن يفسر القرآن بعضه بعضُا .إذن فال حاجة
ألقوال البشر وإنما آيات يشرح بعضها بعضا فالقرآن مثانى ،ولكنهم ال يعترفون بمدلول آية إال إذا جاء كالم المفسرون مؤيدا لها أى
جعلوا كالم البشر مهيمنا على كالم هللا عز وجل .هذا مع أن القرآن جعله هللا مهيمنا على كل الكتب السماوية السابقة " وأنزلنا إليك
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" ......المائدة 101
-4المؤمن عند هللا هو من يؤمن بحديث هللا فى القرآن وحسب " فبأى حديث بعده يؤمنون " ....المرسالت " ، 50أولم ينظروا فى
ملكوت السواوات واألرض وما خلق هللا من شيىء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون............االعراف
" ".185تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد هللا وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات هللا تتلى عليه ثم
يصرمستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب اليم .الجاثية "-6
والمؤمن عند هللا هو من يكتفى باهلل وليا وبالقرآن كتابا أو ليس هللا بكاف عبده ..الزمر " "36أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى
عليهم إن فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى باهلل بينى وبينكم شهيدا يعلم ما فى السماوات وما فى االرض والذين آمنوا بالباطل
وكفروا باهلل أولئك هم الخاسرون .العنكبوت " - 51لم يكفيهم رب العزة وليا فاتخذو األولياء ولم يكفهم القرآن كتابا فوضعوا ألنفسهم
األسفار وأساطير األولين ثم التفتوا إلى كتاب هللا يتهمون هللا بأنه أنزل كتابا ناقصا موجزا مبهما مختصرا فأعلوا من مقدار علمائهم بقدر
ما ظلموا هللا تعالى وبخسوه حقه ثم إذا تليت عليهم آيات هللا كادوا يبطشون بك " واذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين
كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم؟ النار وعدها هللا الذين كفروا وبئس المصير يأيها الناس
ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون هللا لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ضعف
الطالب والمطلوب ما قدروا هللا حق قدره إن هللا لقوى عزيز الحج )-72
ثم هم بعد ذلك يطالبون بتطبيق شريعة من كتبهم الصفراء ما أنزل هللا بها من سلطان ويخدعون الشباب ويدفعونهم للتطرف والتدمير
واإلصطدام بالسلطة واستحالل قتل المسلم وكل ذلك من أقوال علمائهم الذين حكموا بغير ما أنزل هللا ونسبوا أقولهم للرسول كذبا وبهتانا.
ويوم القيامة سيكون الرسول خصما لهم أمام هللا ألنهم هجروا كتاب هللا " ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول
سبيال ياويلتى ليتنى لم أتخذ فالنا خليال لقد اضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان لإلنسان خذوال وقال الرسول يارب إن قومى
اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ....الفرقان . "-27صدق هللا
العظيم .
د .احمد صبحى منصور 1988
لم يتيسر للكتاب الطبع والنشر بعدها لظروف كثيرة استمرت طيلة التسعينيات .ثم هاجرت الى أمريكا بالد الحرية واستمتعت بنعمة
االنترنت وتفضلت الكثير من المواقع الليبرالية بنشر كتاباتى وتتابعت نفس األسئلة عن الصالة فى القرآن الكريم .ورددت عليها بين سطور
بعض المقاالت واألبحاث .ومنها ما قلته فى نهاية بحث (االسناد ) :
(هنا نضع بعض الحقائق القرآنية والحقائق التراثية .
معنى السنة فى القرآن هو المنهج او الطريقة وذلك فيما يخص تعامل هللا تعالى مع المشركين .كما ان معناها هو التشريع
االلهى ،وبالمعنيين فان السنة فى القرآن تأتى منسوبة هلل ،اى سنة هللا ،يقول تعالى فى تشريع خاص بالنبى (صلي هللا عليه وسلم)((ما
كان على النبى من حرج فيما فرض هللا له ،سنة هللا فى الذين خلوا من قبل وكان امرا هللا قدرا مقدورا :االحزاب )) 38وفى االية الكريمة
يتضح ان ((فرض هللا ))يعنى(( سنة هللا ))يعنى ((امرا هللا))هى ((شريعة هللا))اى أن السنة معناها الشرع..
وهذا يتفق مع المعنى اللغوى لكلمة السنة ،تقول ((سن قانونا ))اى شرع قانونا ،واذا تم سن القانون اصبح شريعة واجبة التنفيذ.
وهذا ايضا يتفق مع المعنى الفقهى لمصطلح ((السنة العملية))اذ تعنى السنة العملية العبادات من الصالة وزكاة وحج وصيام..
وفى كل ذلك فان هللا تعالى هو صاحب التشريع الذى نزل فى القرآن الكريم ،والنبى عليه السالم هو القدوة لنا فى تطبيق ذلك
التشريع ،لذلك يقول تعالى ((لقد كان لكم فى رسول هللا اسوة حسنة :االحزاب )) 21لم يقل كان لكم فى رسول هللا سنة حسنة ،الن السنة
هى سنة هللا ،اما النبى عليه السالم فهو القدوة الحسنة فى تطبيق سنة هللا وشرع هللا..
اال ان بعض فقهاء التراث يقولون ان السنة العملية هى العبادات التى اشرنا اليها ،اما السنة القولية للنبى فهى تلك االحاديث التى
اسندوها اليه بعد موته بقرون فيما يعرف بكتب الصحاح وغيرها .وهنا نختلف معهم ،الن السنة القولية للنبى عليه السالم هى ما ورد فى
القرآن فى كلمة "قل "التى يتميز بها القرآن .
وقد تكررت كلمة "قل "للنبى فى القرآن () 332مرة ..وكانت الموضوعات التى ترددت فيها كلمة "قل" تشمل كل ما يحتاجه المؤمن من
امور الدين ،وبعضها يؤكد ما جاء فى القرآن ايضا بدون كلمة "قل".وكان النبى عليه السالم مأمورا بأن يقول ذلك القول المنصوص عليه
فى القرآن كما هو دون زيادة او نقصان ،اذ اليملك ان يتقول على هللا تعالى شيئا فى امر الدين ((ولو تقول علينا بعض االقاويل ،الخذنا
منه باليمين ،ثم لقطعنا منه الوتين ،فيما منكم من احد عنه حاجزين :الحاقة.)) 47: 44باختصار ان السنة القولية للنبى هى كلمة ((قل ))
الن السنة تعنى الشرع المفروض اتباعه .
ويقولون أن تلك االحاديث هى مصدر المعرفة بالصالة والعبادات .وهذا خطأ ظاهر الن تلك االحاديث اقاويل ،والسنة هى طريقة تأدية
للعبادة وكان معروفا تأدية العبادات ليس فقط قبل عصر البخارى وغيره ،بل كانت معروفة قبل نزول القرآن ،اذ كانت هى المالمح
االساسية لملة ابراهيم التى امر هللا تعالى النبى والمسلمين باتباعها حنفاء ،بل ان تلك االحاديث التى رويت فيما بعد النبى بقرون لم
تتعرض بالتفصيل لكيفية تأدية الصالة .وأكثر من ذلك أنها تشوه الصالة وتشكك فيها.
ومن الطبيعى ان النبى عليه السالم وهو يقيم دولة وينشئ امه ويواجه مكائد اعدائه ان تكون له اقوال وتعليمات،كما كانت له تطبيقاته فى
تنفيذ شرائع القرآن خارج العبادات ،مثل اعداد الجيش والقوة الحربية .وذلك كله يدخل ضمن التاريخ والسيرة ،وليس ضمن الدين الذى
يعلو فوق الزمان والمكان ).
ولم تفلح تلك االشارات فى منع تكرار نفس السؤال .لذا قررت اعادة نشر الكتاب بصورة جديدة وتحت عنوان جديد .واستلزمت الكتابة
الثانية للكتاب مقدمة ثانية .قلت فيها :
1ـ كانت الكتابة األولى لهذا الكتاب تحت عنوان ( الصالة فى القرآن الكريم ) ،وكان رقم 3من سلسلة " دراسات قرآنية " التي لم يصدر
منها سوى كتاب " المسلم العاصي :هل يخرج من النار ويدخل الجنة " وقد صودر في ظروف ادخالي السجن في نوفمبر . 1987ثم
كان كتاب " ال ناسخ وال منسوخ في القرآن الكريم" هو رقم 2في السلسلة والذي لم أستطع طباعته وقتها ،فظلت بقية السلسلة ممنوعة
قابعة بين أوراقى ومنها كتب ( الصالة فى القرآن الكريم ) إلى أن أنعم هللا تعالى بنعمة الهجرة والحرية ونعمة االنترنت فطلبت من أوالدي
كتابة هذا الكتاب الثالث من السلسلة على الكومبيوتر لنشره تلبية لرغبة كثير من القّر اء .وهكذا يظهر هذا الكتاب بعد تأليفه بحوالى
عشرين سنة مصحوبا بفصول إضافية ترتب عليها تغيير عنوانه ليكون ( الصالة بين القرآن الكريم والمسلمين ) .
كان الكتاب القديم يتحدث فقط عن الصالة فى القرآن الكريم معتمدا على القرآن فقط .ثم جاءت االضافة بحثا جديدا فى ميدانه يسير مع
الصالة فى الواقع التاريخى للمسلمين وفى التنظير الذى كتبه الفقهاء ورواة الحديث ،وما حدث من تحريف وتضييع للصالة بعد نزول
القرآن الكريم خالل القرنين األوليين بعد الهجرة ،أى فى العصر األموى والصدر األول من العصر العباسى ،مع اشارات لتأثر الصالة فى
عصرنا بهذا الموروث ،خصوصا مع غلبة التدين الوهابى السلفى.
2ـ الكتاب األصلى كان للرد على سؤال سئمت من سماعه من كثرة ما قيل لى :هو إذا كان القرآن الكريم ال يحتاج الى الّس نة فأين مواقيت
الصالة وركعاتها في القرآن ؟؟ لذا كان الكتاب فى بدايته يؤكد أن القرآن الكريم ما فّر ط في شيء ،وأنه نزل تبيانا لكل شيء ،وأن فيه
تفصيل كل شيء ..ولكن أولئك الناس ال يفهمون منهج القرآن الكريم فى التشريع .وألنهم مؤمنون بما يناقض القرآن الكريم ـ وهى الّس نة ـ
لذا يتهمون هللا تعالى بالكذب حين أّك د فى القرآن الكريم أنه ما فّر ط فى شىء وأنه نزل تبيانا لكل شىء .أولئك الناس نّب أ هللا تعالى عنهم
سلفا بأنهم يسعون وسعوا فى آيات هللا معاجزين ،يحاولون النيل من كتابه الكريم و نسبة العوج اليه ،والسعى الى تعجيزه الثبات أنه
ناقص يحتاج للبشر الكماله ،والثبات أنه غامض يحتاج للبشر لتفسيره وايضاحه ،وأنه موجز مخّل يحتاج للبشر لتفصيله .أولئك الذين
سعوا ويسعون فى آيات هللا تعالى معاجزين مشككين معاندين توعدهم رب العزة بالعذاب ،فقال عنهم ( :والذين سعوا في آياتنا معاجزين
أولئك أصحاب الجحيم )الحج َ( 51و اَّلِذيَن َسَع ْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك َلُهْم َع َذ اٌب ِّم ن ِّر ْج ٍز َأِليٌمَ .و َيَر ى اَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِع ْلَم اَّلِذي ُأنِز َل ِإَلْي َك
ِمن َّر ِّب َك ُه َو اْل َح َّق َو َيْه ِدي ِإَلى ِص َر اِط اْلَع ِز يِز اْلَح ِميِدَ( ).و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن ).سبأ 5؛ 6؛
.38صدق هللا العظيم.
يوم القيامة سيكون األشهاد من هذه األمة هم أولئك الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن القرآن ،الذين جاهدوا ليثبتوا أنه نزل تبيانا لكل شىء
وهدى وموعظة للمتقين َ" .و َيْو َم َن ْبَع ُث ِفي ُك ِّل ُأَّم ٍة َش ِه يًد ا َع َلْي ِه م ِّم ْن َأنُفِس ِهْم َو ِجْئَن ا ِبَك َش ِه يًد ا َع َلى َهُؤ الء َو َنَّز ْل َن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل
َش ْي ٍء َو ُهًدى َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِميَن " النحل )89صدق هللا العظيم.
3ـ فى الكتابة الثانية للكتاب جعلت الفصلين األوليين عن الصالة فى القرآن بابا واحدا فى االجابة على ذلك السؤال المعاند ثم أضفت بابا
آخر يتكون من ستة فصول لتسير مع الصالة فى تاريخ المسلمين وتراثهم فى القرنين األولين .الهدف هو التنبيه على ما حدث من خلل
وتحريف وضياع لثمرة الصالة .وإلثبات اعجاز القرآن الكريم .فالقرآن الكريم لم يخبر فقط مقدما عن أولئك الذين يسعون فى آياته
معاجزين ،وإنما حذر مقدما من تضييع الصالة بالوقوع فى االنحالل الخلقى والشرك باهلل تعالى كما كان يفعل العرب فى الجاهلية ،حين
أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات .وجاء المسلمون على آثار أجدادهم يهرعون ،ويرتكبون نفس االثم ويقولون نفس البهتان ويقدسون
نفس االفك.والقرآن الكريم بينهم قد اتخذوه مهجورا ،وقد أخبر رب العزة مقدما عنهم أنهم أعداء النبى محمد الذين سيتبرأ منهم يوم
القيامة (.الفرقان .) 31: 30
4ـ أرجو من ربى جل وعال أن يفلح هذا الكتاب فى التحذير واالنذار لمن ال تزال لديه بقية من ايمان وتوقير للقرآن ،قبل أن يمضى به
قطار العمر الى النهاية (..األعراف ) 185
أما من زين له الشيطان له سوء عمله فرآه حسنا فال فائدة منه ،وال نملك له اال األسى والشفقة (.فاطر ) 8
وهللا تعالى المستعان.
أحمد صبحى منصور
فرجينيا ـ الواليات المتحدة األمريكية
يونية 2006
أخيرا
1ـ نبدأ من اليوم بعون الرحمن جل وعال إستكمال كتاب الصالة .غدا نعيد نشر كتاب ( الصالة فى القرآن الكريم ) للتذكرة .ثم ننشر ـ
بعونه جل وعال ــ الجزء الثانى عن إضاعة المسلمين الصالة االسالمية خالل عرض تاريخى سريع يبدأ من عصر الخلفاء الفاسقين ( من
أبى بكر الى على ) ثم الخلفاء األمويين ثم العباسيين وينتهى بالعصر المملوكى ،ثم عرض فقهى لتضييع الفقهاء السنيين للصالة
بالتحريف واالبتداع .ثم مناقشة موضوع التواتر .
2ـ هذا تصور مبدئى حتى اآلن .
3ـ والعادة أن الباحث يضع تصورا مبدئيا لبحثه ،ثم يسير خلف المادة العلمية هى التى توجهه ،وعلى أساس ما يظهر له يتم تعديل
فصول الموضوع وعناوينه .
وهللا جل وعال هو المستعان .
:الباب األول :الصالة فى القرآن الكريم
.الفصل األول :الصالة قبل نزول القرآن :في الرساالت السماوية السابقة وفى حياة العرب الجاهلية
:أوال
.وحدة الدين -وحدة الوحي -وحدة الشرع -ووحدة الحساب في اآلخرة
مهما اختلفت األديان وتنوعت ففي النهاية تنقسم إلى نوعين :دين الحق الذي أنزله هللا تعالى على األنبياء ،ودين الباطل 1-
.وهو ما يخترعه البشر من أديان أرضية أو نوعيات التدين العملي الناتج عن تحريف البشر في وحى هللا تعالى ودينه الحق
ومهما اختلفت لغات البشر فدين هللا الذي انزله وحيا على األنبياء يعنى اإلسالم " (ِإَّن الِّديَن ِعنَد ِهَّللا اِإلْس الُم)( َو َم ن َيْب َت ِغ َغ ْيَر
اِإلْس الِم ِديًن ا َفَلن ُيْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو ِفي اآلِخَر ِة ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن ).آل عمران 19؛ "85وهذا اإلسالم يعنى في كل اللغات التي نزل بها
الوحي اإللهي التسليم هلل تعالى وحده وطاعته وحده فيما يخص التعامل مع هللا تعالى ،والسالم في التعامل مع البشر ،إال انه
.تحول عندنا إلى دين بشرى محلي في صناعة بشرية تمتلئ بالتعصب واإلرهاب ناطقة باللغة العربية
لقد نزل كل وحى على كل نبي بلسان قومه " َو َم ا َأْر َس ْلَن ا ِمن َّر ُس وٍل ِإَّال ِبِلَس اِن َقْو ِمِه ِلُيَبِّي َن َلُهْم -إبراهيم "4وكل وحى عّب ر 2-
عن إسالم المؤمن قلبه وحواسه هلل تعالى وحده وتمسكه بالسالم مع الناس .وهكذا كان أتباع األنبياء في كل عصر مسالمين في
التعامل مع غيرهم ومسلمين هلل وحده صالتهم وحياتهم ومماتهم ،وهذه ما ورثته ملة إبراهيم من تاريخ السابقين من األنبياء،
وما أمر هللا تعالى خاتم النبيين محمد – عليهم جميعا السالم – أن يعلن االلتزام به واتباعهُ ":قْل ِإَّن ِني َهَداِني َر ِّب ي ِإَلى ِص َر اٍط
ُّمْس َت ِقيٍم ِديًن ا ِقَيًم ا ِّم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ُ .قْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن َال َش ِر يَك
"َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن " األنعام 163-
َأ
وفى القرآن تأكيد على وحدة الوحي اإللهى الذي نزل على كل األنبياء من نوح إلى محمد عليهم السالم " ِإَّن ا ْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا 3-
"َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه .النساء 163
الشورى "13أيضا تأكيد على وحدة التشريع الكلي في الرساالت السماويةَ :ش َر َع َلُك م ِّم َن الِّديِن َم ا َو َّص ى ِبِه ُنوًح ا َو اَّلِذي َأْو َح ْي َن ا
"ِإَلْي َك َو َم ا َو َّصْي َن ا ِبِه ِإْبَر اِهيَم َو ُم وَس ى َو ِع يَس ى َأْن َأِقيُم وا الِّديَن َو ال َتَت َفَّر ُقوا ِفيِه .الشورى 13
فإقامة الدين وعدم التفرق فيه شرع واحد في كل الرساالت ،وإقامة الصالة أهم مظهر في إقامة الدين ،ومعناه أن الصالة طريقة
.واحدة في كل الرساالت التي نزلت على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السالم
وهكذا فاهلل واحد أحد ،ودينه للبشر جميعا واحد هو اإلسالم بالمعنى الذي ذكرناه مهما اختلف الزمان والمكان ،وقد نزل به4-
الوحي االلهى بمختلف اللغات .يقول :تعالى لخاتم النبيين محمد عليهم جميعا السالم " َم ا ُيَقاُل َلَك ِإَّال َم ا َق ْد ِقيَل ِللُّر ُس ِل ِمن َقْب ِلَك.
فصلت " 43فالذي قيل له في الوحي االلهى واحد ،وما قيل ضده من تجريح واضطهاد من المشركين واحد أيضا مهما اختلفت
اللغات والزمان والمكان .وفى قصص األنبياء في القرآن تقرأ نفس الكالم في دعوة كل نبي لقومه مهما اختلفت اللغات
واألقوام؛ كل نبي يأمرقومه بالتقوى .والتقوى هي تلخيص معجز لمعنى اإلسالم الذي يعنى طاعة هللا تعالى في العقيدة
.والسلوك
ويقول تعالى لخاتم األنبياء ينبه على وحدة العقيدة اإلسالمية في كل العصور وفى كل الوحي الذي نزل على كل األنبياء
ومسئولية كل نبي في طاعة هذا الوحي وإال أضاع نفسه وكان من الخاسرينَ " :و َلَق ْد ُأوِح َي ِإَلْي َك َو ِإَلى اَّلِذيَن ِمْن َقْب ِلَك ِئْن
َل
) َأْش َر ْك َت َلَيْح َب َط َّن َع َم ُلَك َو َلَتُك وَن َّن ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن َب ِل َهَّللا َفاْع ُب ْد َو ُك ن ِّم ْن الَّش اِك ِر يَن .الزمر66-65
والشرع الذي يعبد الناس به ربهم الواحد هو أيضا واحد في أساسياته ،ومنه إقامة الصالة ،وكل نبي يقول " بسم هللا الر حمن
الرحيم " باللغة التي يتكلمها قومه -ليس في الصالة فقط -ولكن في ابتداء كل أمر ،كما فعل نوح عليه السالم حين ركب
السفينة " َو َقاَل اْر َك ُبوْا ِفيَه ا ِبْس ِم ِهَّللا َمْج َر اَها َو ُمْر َس اَها ِإَّن َر ِّب ي َلَغ ُفوٌر َّر ِحيٌم.هود " 41لم يقلها نوح باللغة العربية التي لم تكن
موجودة وقتها ،قالها بلغة قومه التي اندثرت وال نعرف شيئا عنها .النبي سليمان عليه السالم حين كتب رسالة إلى بلقيس
يدعوها إلى اإلسالم وليس إلى غيره قال في مطلع خطابه لهاِ ":إَّن ُه ِمن ُس َلْيَم اَن َو ِإَّن ُه ِبْس ِم ِهَّللا الَّر ْح َم ِن الَّر ِحيِم َأَّال َت ْع ُلوا َع َلَّي
َو ْأُتوِني ُمْس ِلِميَن .النمل " 31-30اى كتب البسملة ودعا لإلسالم باللغة العبرية -وليس العربية -وأعلنت بلقيس إسالمها بلغة
" اليمن العربية الجنوبية " َقاَلْت َر ِّب ِإِّن ي َظ َلْم ُت َن ْف ِس ي َو َأْس َلْم ُت َمَع ُس َلْيَم اَن ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن :النمل 44
والقرآن الكريم نقل آيات من الوحي الذي نزل على إبراهيم وموسى في األمر بالصالة وإيثار اآلخرةَ ":ق ْد َأْف َلَح َم ن َتَز َّك ى َو َذ َك َر
اْس َم َر ِّب ِه َفَص َّلى َب ْل ُتْؤ ِثُر وَن اْلَح َي اَة الُّد ْن َي ا َو اآلِخَر ُة َخ ْيٌر َو َأْب َق ى ِإَّن َه َذ ا َلِفي الُّصُح ِف اُألوَلى ُصُح ِف ِإْبَر اِهيَم َو ُم وَس ى ".األعلى 14
"– "-وتكرر ذلك في سورة النجم " 36
والن الوحي واحد والشرع واحد انزله اإلله الواحد جل وعال فان أوامر القرآن – وهو آخر وحى إالهي للبشر -تأتى عامة
للبشر بالعدل وإقامة الصالة في كل مسجد مع إخالص العبادة هلل وحده ومنه قوله تعالى في سياق حديثه لكل بنى آدم وعنهم":
"ُقْل َأَمَر َر ِّب ي ِباْلِقْس ِط َو َأِقيُم وْا ُو ُج وَه ُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن .األعراف" 31 - 29
المؤمنون في كل زمان ومكان يلتزمون بالوحي الصحيح الذي نزل باللغة التي يتكلمونها ،وهللا تعالى أوجب عليهم الصالة فرضا
يتكرر في أوقات معلومة " ِإَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت اًب ا َّمْو ُقوًت ا .النساء "103اآلية هنا عامة تتحدث عن كل المؤمنين
.قبل نزول القرآن وبعده في تقرير إالهي مؤكد مكتوب أي مفروض
وليس المؤمنون هم أتباع الرسالة الخاتمة فحسب بل المؤمنين هم أتباع كل رسالة سماوية وأتباع كل نبي ،ألن الحساب يوم 5-
".القيامة يوم عام لجميع الناس ولكل األمم " َذ ِلَك َيْو ٌم َّمْج ُم وٌع َّلُه الَّن اُس َو َذ ِلَك َيْو ٌم َّم ْش ُهوٌد.هود103
وفي نفس الوقت فذلك الحساب العام حساب موحد بشرع واحد في أساسياته ،أنزله اإلله الواحد .ومهما اختلف اللغات التي
يصلى بها البشر للرب الواحد األحد جل وعال فالعبرة بالخشوع في الصالة وفى المحافظة عليها بالخلق السامي والسلوك القويم
.في التعامل مع الناس ،وتلك أمور قلبية وسلوكية تسرى على كل مجتمع و على كل إنسان
وفى هذا الحساب الموحد العام لكل البشر تأتى الصالة فيه بندا أساسيا ،والخاسرون في كل زمان ومكان هم الذين
أضاعواالصالة ولم يصدقوا بكتاب هللا " َو اْلَت َّف ِت الَّس اُق ِبالَّس اِق ِإَلى َر ِّب َك َيْو َم ِئٍذ اْلَمَس اُق َفال َص َّد َق َو ال َص َّلى َو َلِكن َك َّذ َب َو َت َو َّلى.
" -القيامة 29
ِّل ْل َل ُل َق َق َل
وبعد أن يدخلوا جهنم يعترفون بالذنب ،إذ أضاعوا الصالة بالعصيان " َم ا َس َكُك ْم ِفي َس َر ا وا ْم َن ُك ِمَن ا ُمَص يَن .المدثر 42
"-
.إذن هي صالة واحدة إلله واحد في دين إاله واحد ،ويوم الحساب واحد للجميع
ال نعرف عدد األنبياء (َو ُرُس ًال َق ْد َقَصْص َن اُه ْم َع َلْي َك ِمن َقْب ُل َو ُرُس ًال َّلْم َن ْق ُصْص ُهْم َع َلْي َك) النساء 164مع أن هللا تعالى أخبر انه
بعث في كل أمة نذيرا (َو ِإن ِّم ْن ُأَّم ٍة ِإَّال َخ ال ِفيَه ا َن ِذيٌر ) فاطر )24واألمة في المصطلح القرآني تعنى هنا اى مجتمع في زمان
معين.لم يقص علينا القرآن إال ما بعض من بعثهم هللا تعالى في منطقة الشرق األوسط .ومن خالل قصص األنبياء جاء تاريخ
.بعض األمم السابقة التي عاصرت أولئك األنبياء
.تنقسم األمم السابقة إلى قسمين :قسم أهلكه هللا تعالى وأباده مثل قوم نوح وغيرهم
استمرت ذرية نوح بعد هالك قومه المعاندين ،وكان من هذه الذرية من عاند األنبياء الالحقين فعوقبوا باالبادة مثل قوم وعاد
.وثمود ومدين في منطقة الشرق األوسط
قال تعالى عن البشر بعد طوفان نوح "َ :و َج َع ْلَن ا ُذ ِّر َّي َت ُه ُه ْم اْلَب اِقيَن "الصافات .،"77يقول تعالى عن البائدين من ذرية نوح كقوم
عاد وثمود " َفَه ْل َت َر ى َلُهم ِّم ن َب اِقَي ٍة؟؟ الحاقة ( )8ويقول تعالى " َو َأَّن ُه َأْه َلَك َع اًدا اُألوَلى َو َث ُم وَد َفَم ا َأْب َق ى َو َق ْو َم ُنوٍح ِّم ن َقْب ُل
ِإَّن ُهْم َك اُن وا ُه ْم َأْظ َلَم َو َأْط َغ ى " .النجم ()- 50
وقسم استمر وجوده متمتعا بالرساالت السماوية المشهورة في فروعه ،ومنهم في الشرق األوسط ذرية إبراهيم المتمثلة في
العرب المستعربة وبنى إسرائيل ،يقول تعالى عن إبراهيمَ " :قاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس ِإَم اًم ا َقاَل َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َقاَل َال َي َن اُل َع ْه ِدي
الَّظ اِلِميَن ) البقرة ( )124إذن له ذرية سيكون إماما للمسلمين منهم .ويقول تعالى عن ذرية نوح وإبراهيمَ ":و َلَق ْد َأْر َس ْلَن ا
"ُنوًح ا َو ِإْبَر اِهيَم َو َج َع ْلَن ا ِفي ُذ ِّر َّي ِتِه َم ا الُّن ُبَّو َة َو اْلِك َت اَب َفِم ْن ُهم ُّمْه َت ٍد َو َك ِثيٌر ِّم ْن ُهْم َفاِس ُقوَن ) الحديد26
في األمم البائدة كانت الصالة موجودة يحافظ عليها المؤمنون مع النبي ،وقد اندثر تاريخ هذه األمم لكن القرآن يذكر طرفا منه،
فقوم شعيب يتهكمون عليه وعلى صالته " َقاُلوْا َي ا ُشَعْيُب َأَص الُتَك َت ْأُمُر َك َأن َّنْت ُر َك َم ا َيْع ُب ُد آَب اُؤ َن ا َأْو َأن َّن ْف َع َل ِفي َأْم َو اِلَن ا َم ا َنَش اء
ِإَّن َك َأَلنَت اْلَح ِليُم الَّر ِش يُد "هود )87:وبينما اندثر تاريخ األمم السابقة فإن تراث إبراهيم استمر مع ذريته صحفا سماوية وأنبياء
من ذريته مع تحريفات وضعتها الذرية ،واختالفات ،واتباع بالحق وزيغ بالباطل ،وكانت الصالة احد المعالم األساسية التي
.توارثناها عن إبراهيم فلحقها كل ذلك
:ثانيا
ملة إبراهيم الحنيفة بين تشريع السماء وتحريف الذرية
كانت الكعبة أول بيت وضعه هللا تعالى للبشر قبل إبراهيم " ُقْل َص َد َق ُهَّللا َفاَّت ِبُع وْا ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْل ُم ْش ِر ِكيَن َ 1 -
ِإَّن َأَّو َل َبْي ٍت ُو ِض َع ِللَّن اِس َلَّلِذي ِبَب َّك َة ُمَب اَر ًك ا َو ُهًدى ِّلْلَع اَلِميَن ِ -فيِه آَي اٌت َبِّي َن اٌت َّم َقاُم ِإْبَر اِهيَم َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن آِم ًن ا َو ِهَّلِل َع َلى الَّن اِس
ِ".ح ُّج اْلَبْي ِت َم ِن اْس َت َط اَع ِإَلْي ِه َس ِبيًال َو َم ن َك َفَر َفِإَّن هَّللا َغ ِنٌّي َع ِن اْلَع اَلِميََن " آل عمران 95
كان بيت هللا مهجورا قبل إبراهيم ثم أوضح هللا إلبراهيم مكان البيتَ ".و ِإْذ َبَّو ْأَن ا ِإِلْبَر اِهيَم َم َك اَن اْلَبْي ِت َأن اّل ُتْش ِر ْك ِبي َش ْي ًئ ا َو َط ِّهْر
َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَقاِئِميَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد َو َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج اال َو َع َلى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق .الحج (
)-26
وجعل هللا تعالى من إبراهيم إماما للناس يقيم الصالة حول البيت بعد أن رفع قواعده ،و يساعده في ذلك ابنه إسماعيل الجد
األكبر للعرب المستعربة" َو ِإِذ اْب َت َلى ِإْبَر اِهيَم َر ُّب ُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَت َّمُهَّن َقاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس ِإَم اًم ا َقاَل َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َقاَل َال َي َن اُل َع ْه ِدي
الَّظ اِلِميَن َو ِإْذ َج َع ْلَن ا اْلَبْي َت َم َث اَب ًة ِّللَّن اِس َو َأْم نًا َو اَّت ِخ ُذ وْا ِمن َّم َق اِم ِإْبَر اِهيَم ُمَص ًّلى َو َع ِه ْد َن ا ِإَلى ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِع يَل َأن َط ِّهَر ا َبْي ِتَي
ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد " ..البقرة ()-124
إذن توافد الناس على إبراهيم بعد أن أتم بناء البيت الحرام يتعلمون مناسك الحج واالعتكاف والصالة عند البيت بنفس 2-
الطريقة التي أراها هللا تعالى إلبراهيم وإسماعيل ،وهى نفس طريقة العبادة التي كانت من قبل لألمم السابقة البائدة حيث كان
البيت الحرام أول بيت هلل تعالى وضعه للناس منذ أن كان على هذا الكوكب ناس .وهي نفس الطريقة التي حافظت الذرية على
حركاتها وأعدادها ومواقيتها حتى جاء خاتم النبيين محمد عليهم جميعا السالم .هذه الطريقة في العبادة من صالة وصدقة
".وصيام وصالة تسمى في مصطلح القرآن الكريم " ملة إبراهيم
وقد كان إبراهيم وهو يرفع القواعد من البيت مع ابنه إسماعيل يدعوان هللا أن يريهما ويعلمهما مناسك الصالة والحج وان
يجعل من ذريتهما امة مسلمة تحافظ على مناسك اإلسالم وان يبعث هللا فيهم رسوال يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهمَ( :و ِإْذ َيْر َفُع
ِإْبَر اِهيُم اْلَق َو اِع َد ِمَن اْلَبْي ِت َو ِإْس َم اِعيُل َر َّب َن ا َت َقَّب ْل ِم َّن ا ِإَّن َك َأنَت الَّس ِميُع اْلَع ِليُم َر َّب َن ا َو اْج َع ْلَن ا ُمْس ِلَمْي ِن َلَك َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتَن ا ُأَّم ًة ُّمْس ِلَم ًة َّلَك
َو َأِر َن ا َم َن اِس َكَن ا َو ُتْب َع َلْي َن ا ِإَّن َك َأنَت الَّت َّو اُب الَّر ِحيُم َر َّب َن ا َو اْبَع ْث ِفيِهْم َر ُس وًال ِّم ْن ُهْم َي ْت ُلو َع َلْي ِهْم آَي اِتَك َو ُيَع ِّلُمُهُم اْلِك َت اَب َو اْلِح ْك َم َة
َو ُيَز ِّك يِهْم ِإَّن َك َأنَت اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم) .البقرة ()-127
والحكمة المذكورة في قوله تعالى" :ويعلمهم الكتاب والحكمة " ليست شيئا خارجا عن الكتاب بل هي آيات التشريع واألحكام
التي بداخل الكتاب ،ولذا تأتى الحكمة مرادفة للكتاب معطوفة عليه عطف بيان أو تأتى بديال عن الكتاب ألنها صفة له ومن أهم
.أساسياته
وأسلوب العطف في القرآن من مظاهر التفصيل والتوضيح .وفى كل كتاب سماوي كانت الحكمة أهم ما يو صف به الكتاب وأهم
ما يتضمنه ،فمثال يقول تعالى يصف اإلنجيل الذي تعلمه عيسىَ" :و ُيَع ِّلُم ُه اْل ِك َت اَب َو اْل ِح ْك َم َة َو الَّت ْو َر اَة َو اِإلنِج يَل " آل عمران )48
فوصف اإلنجيل بالكتاب والحكمة ،واإلنجيل بالطبع مصدق للتوراة .وفى موضع آخر يصف رب العزة اإلنجيل بوصف واحد وهو
)الحكمة " َو َلَّم ا َج اَء ِع يَس ى ِباْلَبِّي َن اِت َقاَل َق ْد ِج ْئُتُك م ِباْلِح ْك َم ِة " الزخرف 63
.والقرآن هو الحكمة حيث "أحكم " هللا تعالى آياته ،أو هو(ِك َت اٌب ُأْح ِك َم ْت آَي اُتُه) .هود )1ألن الذي أنزله هو الحكيم الخبير
وفى سورة اإلسراء جاء تفصيل للتشريع من أول قوله تعالى " َو َقَض ى َر ُّب َك َأَّال َت ْع ُب ُد وْا ِإَّال ِإَّي اُه َو ِباْلَو اِلَد ْي ِن ِإْح َس اًن ا " إلى أن يقول
تعالى " َو َقَض ى َر ُّب َك َأَّال َت ْع ُب ُد وْا ِإَّال ِإَّي اُه َو ِباْلَو اِلَد ْي ِن ِإْح َس اًن ا " االسراء) 39 – 23فالحكمة في داخل القرآن وليست شيئا خارجا
.عنه
والحكمة –كوصف للكتاب اإللهي جاءت وصفا للرسالت السماوية التي تتابعت في ذرية إبراهيم ،فهي –أي الحكمة – وصف
) لملة إبراهيم ،وهنا نقرأ قوله تعالى " َفَق ْد آَت ْي َن ا آَل ِإْبَر اِهيَم اْلِك َت اَب َو اْلِح ْك َم َة "النساء 54
وبإبراهيم وابنه إسماعيل تكون مجتمع جديد يقيم الصالة ويؤدى مناسك الحج إلى بيت هللا الحرام .وحرص إبراهيم على أن 3-
تستمر إقامة شعائر الصالة في ذريته فكان يدعو هللا بذلكَ ":و ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َر ِّب اْج َع ْل َه َذ ا اْلَب َلَد آِم ًن ا َو اْج ُنْب ِني َو َب ِنَّي َأن َّن ْع ُب َد
اَألْص َن اَم " –" َّر َّب َن ا ِإِّن ي َأْس َك نُت ِمن ُذ ِّر َّي ِتي ِبَو اٍد َغ ْي ِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْي ِتَك اْلُمَح َّر ِم َر َّب َن ا ِلُيِقيُم وْا الَّص الَة َفاْج َع ْل َأْف ِئَد ًة ِّم َن الَّن اِس َت ْه ِو ي
)ِإَلْي ِهْم " – " َر ِّب اْج َع ْلِني ُم ِقيَم الَّص الِة َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َر َّب َن ا َو َت َق َّب ْل ُد َع اء " .إبراهيم 40- 35
وحرص إبراهيم ثم األنبياء من ذريته على أن يوصى كل نبي ذريته -وهو على فراش الموت -بالتمسك باإلسالم وبالصالة
َو َو َّص ى ِبَه ا ِإْبَر اِهيُم َب ِنيِه َو َيْع ُقوُب َي ا َب ِنَّي ِإَّن َهَّللا اْص َط َف ى َلُك ُم الِّديَن َفَال َت ُم وُتَّن ِإَّال َو َأنُتم ُّمْس ِلُم وَن َ .أْم ُك نُتْم ُشَه َداء ِإْذ َح َض َر َيْع ُقوَب
اْلَمْو ُت ِإْذ َقاَل ِلَب ِنيِه َم ا َت ْع ُب ُدوَن ِمن َبْع ِدي َقاُلوْا َن ْع ُب ُد ِإَلَه َك َو ِإَلَه آَب اِئَك ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِعيَل َو ِإْس َح اَق ِإَلًه ا َو اِحًد ا َو َن ْح ُن َلُه ُمْس ِلُم وَن )
-البقرة 132
هَّلِل َل َأ َأ
وتلك هي ملة إبراهيم التي نزل القرآن الكريم يأمر خاتم النبيين محمدا باتباعها َو َم ْن ْح َس ُن ِديًن ا ِّمَّم ْن ْس َم َو ْج َه ُه َو ُه َو 4-
ُمْح ِس ٌن َو اَّت َبَع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو اَّتَخ َذ ُهَّللا ِإْبَر اِهيَم َخ ِليًال) النساء ُ ")125قْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب
اْلَع اَلِميَن َ .ال َش ِر يَك َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن .األنعام )162/163وبذلك تحققت دعوة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان
.القواعد من البيت ،فجاء خاتم النبيين متبعا لملة جده إبراهيم في الصالة وليس مخترعا لها
:.األنبياء من ذرية إبراهيم والمحافظة على ملة إبراهيم
أنجب إبراهيم ولدين كالهما صار نبيا هلل تعالى وهما :إسماعيل في مكة واسحق في الشام ،وفرح بهما إبراهيم في 1-
شيخوخته " اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َو َه َب ِلي َع َلى اْلِك َب ِر ِإْس َم اِع يَل َو ِإْس َح اَق ِإَّن َر ِّب ي َلَس ِميُع الُّد َع اء " ودعا هللا تعالى لذريته بأن يهديهم
-إلقامة الصالةَ ":ر ِّب اْج َع ْلِني ُم ِقيَم الَّص الِة َو ِمن ُذ ِّر َّي ِتي َر َّب َن ا َو َت َقَّب ْل ُد َع اء) .إبراهيم 39
وصارت إلسحق ذرية كبرى من ابنه يعقوب.إذ أنجب يعقوب النبي واسمه إسرائيل وأنجب يعقوب أو إسرائيل األسباط وهم اثنا
عشر ذكرا كان يوسف هو النبي منهم ،وتناسل أبناء يعقوب أو أبناء إسرائيل االثنا عشرة فصاروا اثني عشرة قبيلة سكنوا
.مصر بعد أن استقدم يوسف والديه و إخوته من الشام إلى مصر
ثم تكاثر أبناء إسرائيل في مصر أبان حكم الهكسوس ،وبعد أن طرد المصريون الهكسوس تولى الفراعنة الحكم فأسرفوا في
اضطهاد بنى إسرائيل ألنهم كانوا أعوان الهكسوس .فبعث هللا تعالى موسى لينقذ بنى إسرائيل من االضطهاد .وبعد غرق
فرعون موسى يذكر القرآن الكريم انتشار بنى إسرائيل بين مصر والشام والحجاز ( األعراف – 137القصص 48الشعراء 57
– 59/الدخان ) 28 /25ثم ما لبث أن أقاموا لهم ملكا في فلسطين بلغ الذروة في عهد النبيين داود وسليمان عليهما
السالم.وتتابع فيهم الملك والرسالة ( النساء ) 54إلى أن دّم ر بختنصر البابلي ملكهم ،ولكن وجودهم البشرى استمر ومعه
.الرساالت السماوية إلى أن كان زكريا ويحيى وعيسى عليهم السالم آخر النبيين من بنى إسرائيل
وأولئك األنبياء من ذرية اسحق بن إبراهيم حافظوا على الصالة التي تعلموها من ملة إبراهيم وأقاموا هذه الصالة بين العراق
والشام ومصر بمختلف اللهجات واللغات ،وكان كل نبي يوصى بها قومه كما ذكر القرآن عن احتضار إبراهيم ويعقوب
.ووصيتهما عند الموت .على أن الذرية كانت في اغلبها تضيع الصالة بالوقوع في الشرك وفى المعاصي
يقول تعالى عن إبراهيم ولوط واسحق ويعقوب "َو َج َع ْلَن اُه ْم َأِئَّم ًة َيْه ُدوَن ِبَأْم ِر َن ا َو َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي ِهْم ِفْع َل اْلَخ ْيَر اِت َو ِإَقاَم الَّص الِة َو ِإيَت اء
الَّز َك اِة َو َك اُن وا َلَن ا َع اِبِديَن .األنبياء ) 73أي كانوا أئمة للناس في عصرهم يهدون للحق ويقيمون الصالة التي تعلموها من ملة
.إبراهيم ويؤتون الزكاة ويعبدون هللا جل وعال
بل انه حين بدأ الوحي لموسى وهو في طريق عودته إلى مصر قال له ربه جل وعال مؤكدا على عدم تضييع الصالة بالوقوع 2-
في الشركِ ":إَّن ِني َأَن ا ُهَّللا ال ِإَلَه ِإَّال َأَن ا َفاْع ُبْد ِني َو َأِقِم الَّص الَة ِلِذ ْك ِر ي .طة )-14إذ قد يصلى المؤمن هلل تعالى ولكن يذكر في
صالته – على سبيل التعظيم – أسماء مخلوقات من األنبياء وغيرهم ،مخالفا بذلك إخالص العبادة هلل تعالى وحده ،وهذا ما كانت
العرب في الجاهلية تفعل ونزل قوله تعالى لخاتم النبيينِ :إَّن ا َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك اْل ِك َت اَب ِباْل َح ِّق َفاْع ُب ِد َهَّللا ُم ْخ ِلًص ا َّلُه الِّديَن َأال ِهَّلِل الِّديُن
اْلَخ اِلُص َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا ِمن ُدوِنِه َأْو ِلَي اء َم ا َن ْع ُب ُدُه ْم ِإَّال ِلُيَق ِّر ُبوَن ا ِإَلى ِهَّللا ُز ْلَف ى ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َبْي َن ُهْم ِفي َم ا ُه ْم ِفيِه َي ْخ َت ِلُفوَن ِإَّن َهَّللا ال
) َ-يْه ِدي َم ْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر ) (ُقْل ِإِّن ي ُأِم ْر ُت َأْن َأْع ُب َد َهَّللا ُم ْخ ِلًص ا َّلُه الِّديَن َو ُأِم ْر ُت َأِلْن َأُك وَن َأَّو َل اْلُمْس ِلِميَن ) الزمر 11& -2
هنا يكون التضييع للصالة والذي حّذ ر هللا تعالى موسى منه حين أمره أن يقيم الصالة لذكر هللا تعالى وحده .وهذا هو معنى
.افتتاح الصالة ب( هللا أكبر) وطالما تقول إن هللا تعالى هو األكبر في الصالة واألذان فال تذكر معه غيره
َق َق
وحين اشتد أذى فرعون ببني إسرائيل أمرهم موسى عليه السالم بالتوكل على هللا إن كانوا حقا مسلمين "َو اَل ُم وَس ى َي ا ْو ِم
ِإن ُك نُتْم آَم نُتم ِباِهَّلل َفَع َلْي ِه َت َو َّك ُلوْا ِإن ُك نُتم ُّمْس ِلِميَن " وأوحى هللا تعالى لموسى وهارون بأن يقيموا الصالة في بيوت سرية خوفا
من أذى فرعون وبشرهم بقرب الخالصَ" :و َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُم وَس ى َو َأِخيِه َأن َت َبَّو َء ا ِلَق ْو ِم ُك َم ا ِبِم ْص َر ُبُيوًت ا َو اْج َع ُلوْا ُبُيوَتُك ْم ِقْب َلًة
َو َأِقيُم وْا الَّص الَة َو َب ِّش ِر اْلُم ْؤ ِمِنيَن ..يونس 84؛ )87فنظرا الضطهاد فرعون فلن يتمكنوا من صالة الجماعة والجمعة
.علنيا ،فكان ذلك التشريع استثنائيا كصالة الخوف
وبعد أن أنجى هللا بنى إسرائيل اخذ عليهم الميثاق ورفع فوقهم جبل الطور ،وكانت إقامة الصالة أهم شروط الميثاقَ :و َلَق ْد َأَخ َذ
ُهَّللا ِميَث اَق َب ِني ِإْس َر اِئيَل َو َبَع ْث َن ا ِم ْن ُهُم اْث َن ْي َع َش َر َن ِقيًب ا َو َقاَل ُهَّللا ِإِّن ي َمَع ُك ْم َلِئْن َأَقْم ُتُم الَّص الَة َو آَت ْي ُتُم الَّز َك اَة َو آَم نُتم ِبُرُس ِلي
َو َع َّز ْر ُتُم وُه ْم َو َأْق َر ْض ُتُم َهَّللا َقْر ًض ا َح َس ًن ا ُأّلَك ِّف َر َّن َع نُك ْم َسِّي َئ اِتُك ْم َو ُألْد ِخَلَّنُك ْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َفَم ن َك َف َر َبْع َد َذ ِلَك ِمنُك ْم
َ).فَق ْد َض َّل َس َو اء الَّس ِبيِل )المائدة 12
لقد قال هللا تعالى لبنى إسرائيل في عهد نزول القرآنَ " :و اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص الِة َو ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإَّال َع َلى اْلَخ اِش ِعيَن .البقرة
) 45وألنها نفس الصالة التي يصليها المسلمون الذين يقرءون القرآن فأن القرآن يكرر نفس األمر للمسلمين في نفس
السورةَ ":ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص الِة ِإَّن َهَّللا َمَع الَّص اِبِر يَن .البقرة .)153لو كانت الصالة شيئا مختلفا بين
الفريقين لنزل في القرآن ما يفيد ذلك حين توجيهه الحديث لبنى إسرائيل والتباع القرآن الكريم ،ولكن على العكس جاء الخطاب
واحدا يدعو الجميع إلى اتباع ملة إبراهيم حنيفا -أي بدون الوقوع في الشرك والمعاصي-و ملة إبراهيم هي األصل في
.العبادات للجميع
إن الصالة عالقة مستمرة وعهد بين هللا تعالى وبين المؤمن .هي ذكر منظم ومقنن ومحدد وموقن – أي بتوقيت -خمس مرات
كل يوم ،فإذا أقام المؤمنون عهدهم مع هللا تعالى أقام هللا عهده معهم ،أي إذا ذكروه بصالتهم ذكرهم بمغفرته وعونه ورضوانه
وجنته ،وكانت صالتهم هلل تعالى – مع فضيلة الصبر -عونا لهم على شدائد الحياة ،وطريقا يستعينون به في مواجهة الصعاب.
هذا ما نستفيده من قوله تعالى للمؤمنين في عصر الوحيَ :فاْذ ُك ُر وِني َأْذ ُك ْر ُك ْم َو اْشُك ُر وْا ِلي َو َال َتْك ُفُر وِن َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا
) -اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّصْب ِر َو الَّص الِة ِإَّن َهَّللا َمَع الَّص اِبِر يَن ) البقرة 152
ونقض اغلب اليهود الميثاق فحرفوا في الكتاب وأضاعوا الصالة وزعموا إنهم مغفور لهم ،ولكن بقيت أقلية من بنى إسرائيل
تتمسك بالكتاب وتقيم الصالة متبعة ملة أبيهم إبراهيم بال وقوع في شرك أو عصيان .يقول تعالى عنهم" َو َقَّط ْع َن اُه ْم ِفي اَألْر ِض
ُأَمًم ا ِّم ْن ُهُم الَّص اِلُح وَن َو ِم ْن ُهْم ُدوَن َذ ِلَك َو َب َلْو َن اُه ْم ِباْلَح َس َن اِت َو الَّس ِّي َئ اِت َلَع َّلُهْم َيْر ِج ُع وَن ) األعراف )168أي كان منهم الصالحون
.والمفسدون من خلط عمال صالحا وآخر سيئا ،وتعرضوا لالبتالء واالختبار
ُل ْث ْأ َل َف ْغ ُل ُق َأل
تقول اآلية الثالثةَ ":فَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َو ِر ُثوْا اْلِك َت اَب َي ْأُخ ُذ وَن َع َر َض َه ا ا ْد َن ى َو َي و وَن َسُي ُر َن ا َو ِإن َي ِتِهْم َع َر ٌض ِّم ُه
َذ
َي ْأُخ ُذ وُه َأَلْم ُيْؤ َخ ْذ َع َلْي ِه م ِّم يَث اُق اْل ِك َت اِب َأن َّال َي ُقوُلوْا َع َلى ِهَّللا ِإَّال اْلَح َّق َو َد َر ُس وْا َم ا ِفيِه َو الَّداُر اآلِخَر ُة َخ ْيٌر ِّلَّلِذيَن َي َّت ُقوَن َأَفَال َت ْع ِقُلوَن .
األعراف ) - 169أي جاء جيل آخر من بنى إسرائيل معتقدين أن هللا تعالى سيغفر لهم مهما فعلوا من ذنوب وآثام معتمدين
على عروض وهمية من أساطير مزيفة تؤكد لهم دخول الجنة مهما ارتكبوا من خطايا .وان جاءهم عرض جديد بنفس التوجه
واالفتراء تمسكوا به .ونسوا العهد والميثاق الذي أخذه هللا تعالى على أسالفهم حين رفع الطور فوقهم .وقد تمثل هذا العهد في
أال يفتروا على هللا تعالى كذبا .ولكنهم افتروا الكذب على هللا تعالى مع دراستهم للكتاب السماوي .ونسوا أن الدار اآلخرة هي
لمن اتقى .وفى مقابل هذا الضالل واإلضالل كان هناك من بنى إسرائيل من تمسك بالحق المنزل في كتاب هللا تعالى وحافظ على
صالته دون تضييعها ،يقول تعالى فيهمَ :و اَّلِذيَن ُيَمِّس ُك وَن ِباْلِك َت اِب َو َأَقاُم وْا الَّص الَة ِإَّن ا َال ُنِض يُع َأْج َر اْلُمْص ِلِحيَن ) األعراف ) 170
.أي توارثوا الكتاب السماوىفالتمسك بالكتاب وحده وإقامة الصالة أهم مظاهر الصالح في كل زمان ومكان
ويالحظ أننا وقعنا فيما وقع فيه أغلبية بنى إسرائيل من التحريف واالفتراء وتضييع الصالة ،كما ظل فريق منهم ومنا يتبع
الحق ويتمسك بالكتاب وحده ويحافظ على صالته بالتقوى وعدم الوقوع في الشرك بالمولى عز وجل .ولذلك تكرر القصص
القرآني عن بنى إسرائيل لهدايتهم وهدايتنا ،وللتنبيه على انتمائنا لملة واحدة هي ملة إبراهيم ،وتضييع معظمنا لها وثبات
األقلية منا عليها .والغريب أن بعض الضالين يشكك في القرآن متسائال لماذا لم يذكر أوقات الصالة وكيفيتها ليثبت نقص كتاب
.هللا تعالى وليكّذ ب تأكيد هللا تعالى بأنه ما فّر ط في الكتاب من شيء وانه أنزل القرآن تبيانا لكل شيء
نعود إلى حديث رب العزة عن بنى إسرائيل والذي جاء في اآليات السابقة والذي ختمها هللا تعالى باإلشارة إلى العهد والميثاق
الذي أخذه على بنى إسرائيل في عهد موسى حين رفع فوقهم جبل الطور في سيناء المصرية وكانوا ينظرون إليه في رعب
يخشون أن يقع عليهمَ " :و ِإذ َنَت ْق َن ا اْلَج َب َل َفْو َقُهْم َك َأَّن ُه ُظ َّلٌة َو َظ ُّن وْا َأَّن ُه َو اِقٌع ِبِهْم ُخ ُذ وْا َم ا آَت ْي َن اُك م ِبُقَّو ٍة َو اْذ ُك ُر وْا َم ا ِفيِه َلَع َّلُك ْم
) َتَّت ُقوَن ) األعراف 171
وفى سياق القصص القرآني عن بنى إسرائيل أشار القرآن لصالة األنبياء من بنى اسرئيل ،فهناك قصة الخصمين اللذين3-
تسورا المحراب على النبي داود عليه السالم وهو يصلىَ :و َه ْل َأَت اَك َن َب ُأ اْلَخ ْص ِم ِإْذ َت َس َّو ُر وا اْلِم ْح َر اَب ِإْذ َد َخ ُلوا َع َلى َداُو وَد ِز َع
َفَف
ِم ْن ُهْم َقاُلوا ال َتَخ ْف َخ ْص َم اِن َب َغ ى َبْع ُض َن ا َع َلى َبْع ٍض َفاْح ُك م َبْي َنَن ا ِباْلَح ِّق َو ال ُتْش ِط ْط َو اْه ِد َن ا ِإَلى َس َو اء الِّصَر اِط ِإَّن َه َذ ا َأِخي َلُه ِتْس ٌع
َو ِتْس ُع وَن َن ْع َج ًة َو ِلَي َن ْع َج ٌة َو اِحَد ٌة َفَقاَل َأْك ِفْلِنيَه ا َو َع َّز ِني ِفي اْلِخ َط اِب َقاَل َلَق ْد َظ َلَم َك ِبُس َؤ اِل َن ْع َج ِتَك ِإَلى ِنَع اِج ِه َو ِإَّن َك ِثيًر ا ِّم ْن
اْلُخ َلَط اء َلَيْب ِغي َبْع ُضُهْم َع َلى َبْع ٍض ِإَّال اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َو َقِليٌل َّم ا ُه ْم َو َظ َّن َداُو وُد َأَّن َم ا َفَتَّن اُه َفاْس َت ْغ َفَر َر َّب ُه َو َخ َّر َر اِك ًع ا
)َو َأَن اَب ) ص 24-20
ويفهم من ذلك أن المحراب كان المكان المفضل لنبي هللا داود .وإذا تمثلت القصة وجدتها طبيعية تنطبق في عصرنا على أي
مسلم صالح يصلى في المحراب ويقصده الناس ليحكم بينهم في خالفاتهم ،وشأن نبي هللا تعالى داود عليه السالم فانه حين شّك
.في احتمال وقوعه في الخطأ بادر باالستغفار والركوع والصالة في خشوع وإنابة
ِّل َق ُة ْل َف
ومثله زكريا عليه السالم فقد بشرته المالئكة بمولد ابنه يحيى وهو قائم يصلى في المحراب ( َن اَد ْت ُه ا َم الِئَك َو ُه َو اِئٌم ُيَص ي ِفي
اْلِم ْح َر اِب َأَّن َهَّللا ُيَب ِّش ُر َك ِبَيْح َي ى ُمَص ِّد ًقا ِبَك ِلَم ٍة ِّم َن ِهَّللا َو َسِّي ًدا َو َح ُص وًر ا َو َن ِبًّي ا ِّم َن الَّص اِلِحيَن ) أل عمران )39وجاءت تفصيالت
)أخرى في سورة مريم " َفَخ َر َج َع َلى َقْو ِمِه ِمَن اْلِم ْح َر اِب َفَأْو َح ى ِإَلْي ِهْم َأن َسِّبُح وا ُبْك َر ًة َو َع ِش ًّي ا ) مريم 11
وقد كفل زكريا عليه السالم الطفلة النقية مريم بنت عمران فعاشت معه في المسجد ،في بيئة غاية من الطهر ال نجد تعبيرا
أفضل مما حكاه رب العزة في سورتي آل عمران ومريم .في تلك البيئة النقية كانت المالئكة تكلم الطفلة العذراء الطاهرة
المطهرة تنصحها بالصالةَ ":و ِإْذ َقاَلِت اْلَم الِئَك ُة َي ا َمْر َي ُم ِإَّن َهَّللا اْص َطَف اِك َو َط َّهَر ِك َو اْص َطَفاِك َع َلى ِنَس اء اْلَع اَلِميَن َي ا َمْر َي ُم ا ِتي
ُن ْق
ِلَر ِّب ِك َو اْس ُج ِدي َو اْر َك ِعي َمَع الَّر اِكِعيَن )آل عمران )43فاعتادت مريم االعتكاف عن الناس في المحراب َفَت َقَّب َلَه ا َر ُّبَه ا ِبَقُبوٍل َح َس ٍن
َو َأنَب َت َه ا َن َب اًت ا َح َس ًن ا َو َك َّفَلَه ا َز َك ِر َّي ا ُك َّلَم ا َد َخ َل َع َلْيَه ا َز َك ِر َّي ا اْلِم ْح َر اَب َو َج َد ِعنَدَها ِر ْز ًقا َقاَل َي ا َمْر َي ُم َأَّن ى َلِك َه َذ ا َقاَلْت ُه َو ِمْن ِعنِد ِهَّللا
)ِإَّن َهَّللا َيْر ُز ُق َم ن َي َش اء ِبَغ ْي ِر ِح َس اٍب ) آل عمران 37
وحين ولدت العذراء المطهرة عيسى عليه السالم معجزة حية بدون أب نطق المولود عيسى في المهد قائال " َو َج َع َلِني ُمَب اَر ًك ا
)َأْي َن َم ا ُك نُت َو َأْو َص اِني ِبالَّص الِة َو الَّز َك اِة َم ا ُد ْم ُت َح ًّي ا ) مريم 31
وقبل ذلك كان لقمان ينصح ابنه قائال " َي ا ُبَن َّي َأِقِم الَّص الَة َو ْأُمْر ِباْلَمْع ُر وِف َو اْن َه َع ِن اْل ُم نَك ِر َو اْص ِبْر َع َلى َم ا َص اَب َك ِإَّن َذ ِلَك ِمْن
َأ
)َع ْز ِم اُألُم وِر ) لقمان 17
هذا فيما يخص ذرية فرع اسحق بن إبراهيم ،فماذا عن فرع إسماعيل بن إبراهيم الذي جاء فيه خاتم النبيين عليهم سالم هللا
تعالى ؟
رأينا كيف كان أبناء إسماعيل وأحفاده من أنبياء بنى إسرائيل يوصى احدهم أبناءه بالمحافظة على اإلسالم وشرائعه وبذلك1-
ونعود للقرآن في سورة مريم ،فبعد أن تحدث رب العزة جل وعال >""RTLكان لقمان يعظ ابنة يحذره من الشرك يأمره با
عن إبراهيم وذريته اسحق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس قال عنهم " ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن َأْن َع َم ُهَّللا َع َلْي ِه م ِّم َن الَّن ِبِّي يَن
ِمن ُذ ِّر َّي ِة آَد َم َو ِم َّم ْن َح َم ْلَن ا َمَع ُنوٍح َو ِمن ُذ ِّر َّي ِة ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َر اِئيَل َو ِم َّم ْن َهَد ْي َن ا َو اْج َت َبْي َن ا ِإَذ ا ُتْت َلى َع َلْي ِهْم آَي اُت الَّر ْح َم ن َخ ُّر وا ُسَّج ًدا
َو ُبِك ًّي ا " ثم يقول عن الخلف الذين جاءوا من نسل يعقوب أي بنى إسرائيل ومن نسل إسماعيل أي العرب " َفَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم
)َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا) مريم 59-58
مشكلتنا الكبرى هي إضاعة الصالة مع أننا نؤديها .نصلى ولكن ال نحافظ على الصالة .نركع ونسجد ونقوم ونقعد ونسبح ونفعل
كل حركات الصالة ونقرأ الفاتحة ونسبح ولكن أداء تلك الحركات بدون المحافظة على الصالة يصبح كما قال تعالى " مكاء
وتصدية" .باختصار إننا نصلى ولكن ال نقيم الصالة ،فإقامة الصالة شيء آخر غير تأدية الصالة .إن أقامة الصالة أو المحافظة
.على الصالة هي نقيض إضاعة الصالة .ونحن – في األغلب – قد أضعنا الصالة مثلما فعل الخلف
بين إضاعة الصالة وإقامة الصالة
الصالة ليست هدفا في حد ذاتها وكذلك كل العبادات ،فهي جميعا وسائل للتقوى ،يقول تعالى للبشر " َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُد وْا َر َّب ُك ُم
اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّت ُقوَن .البقرة "21فالتقوى هي الهدف وسائر العبادات وسائل لتنمية مشاعر التقوى
.والخوف من هللا
ُق َتَّت ُك َّل َل ُك َق َّل َل ُك َك ُك َل ُك ْا ُن َّل َأ
فالصيام وسيلة إلى التقوى يقول تعالى " َي ا ُّيَه ا ا ِذيَن آَم و ِتَب َع ْي ُم الِّصَي اُم َم ا ِتَب َع ى ا ِذيَن ِمن ْب ِل ْم َع ْم وَن .
)البقرة 183
والصالة أيضا وسيلة للتقوى ،والذي يحافظ على صالته أومن يقيم الصالة هو الذي تنهاه صالته عن الفحشاء والمنكر فيكون
)متقيا هلل تعالى " َو َأِقِم الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ِن اْلَف ْح َش اء َو اْلُم نَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن " العنكبوت 45
أما الذي يضيع صالته فهو ذلك المصلى الذي يقع في المعاصي .قد يكون مؤمنا ولكنه لن يكون مؤمنا من المفلحين أصحاب
الجنة .لقد بدأت سورة "المؤمنون" بتحديد المؤمنين المفلحين ،وجاء التحديد مرتبطا بإقامة الصالة والخشوع فيها ليؤكد إن
بعض المؤمنين وبعض من يصلى منهم لن يكون من أصحاب الجنة ألنه لم يخشع في صالته ولم يقم بالمحافظة عليها بالتزام
"السلوك الحميد .يقول تعالىَ ":ق ْد َأْف َلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن
لم يعط القرآن الكريم صفة الفالح لكل المؤمنين بل توالت اآليات تحدد من هم المفلحون من المؤمنين ،فقالت ":اَّلِذيَن ُه ْم ِفي "
َص الِتِهْم َخ اِش ُع وَن " أي حين يصلى أحدهم ال بد أن يخشع في صالته حين يناجى ربه مبتهال له يدعوه رغبة ورهبة دون أن
يسمعه أحد ،ودون أن يكون هناك وسيط بينه وبين ربه جل وعال .إنها عالقة مباشرة بينه وبين مواله يشكو له جل وعال ما
يالقيه في المحنة ويشكر له عند المنحة والنعمة .بعد الخشوع في الصالة تأتى صفات أخالقية أخرى يتصف بها المؤمن ويلتزم
بها بين صلواته ،هي االعرض عن اللغو ثم التزام الزكاة أي السمو في أفعالهم واالبتعاد عن الزنا ثم مراعاة العهود واألمانات
".وبالتزام تلك األخالق يكون الحفاظ الفعلي على الصالة " َو اَّلِذيَن ُه ْم َع َلى َص َلَو اِتِهْم ُيَح اِفُظ وَن
.هذا هو معنى المحافظة على الصالة .وهو نفس معنى إقامة الصالة
.هو أيضا معنى إيتاء الزكاة
.وهذا يستحق توضيحا
.التطبيق العملي إلقامة الصالة هو الجمع بين الخشوع في الصالة والمحافظة عليها
فالصالة تستلزم أثناء تأديتها خشوعا كما تستلزم تقوى ومحافظة على السلوك القويم فيما بين الصلوات الخمسة .أي أن يوم
المؤمن المصلى ينقسم إلى قسمين :قسم أصغر هو الدقائق التي يؤدى فيها الخمس صلوات الموزعة على أوقات اليقظة في
اليوم .والقسم األكبر هو بقية الوقت الواقع بين تـأدية الصلوات الخمس ،وفى تلك األوقات يجب المحافظة على الصلوات
.بالتقوى وااللتزام الخلقي القويم
وهناك عالقة وثيقة بين الخشوع أثناء تأدية الصالة والمحافظة على الصالة بعد تأديتها بعدم الوقوع في المعاصي بين الصلوات
الخمس .فالخشوع أن ِي ؤكد المؤمن على إخالصه في كل كلمة يناجى بها ربه جل وعال في صالته خصوصا وهو يقول في كل
ركعة في الفاتحة " اهدنا الصراط المستقيم " ،الخشوع هو الصدق في مخاطبة رب العزة واإلخالص التام في دعائه وعبادته.
وال يمكن أن تخشع في صالتك بهذا الشكل وأنت تفعل الفحشاء وترتكب المعاصي بعد الصالة وتصمم عليها أثناء الصالة وبعدها
.و تصلى لربك وتقول له جل وعال :اهدنا الصراط المستقيم .إذا فعلت هذه فإنما ترائي الناس وال تخدع سوى نفسك
إقامة الصالة هو المصطلح القرآني الذي يعنى الخشوع في الصالة والمحافظة عليها معا .وهذا يؤكد أن الصالة مجرد وسيلة
لغاية أسمى هي التقوى ،أو االبتعاد عن الفحشاء والمنكر .على هذا األساس نستطيع أن نقرأ معا اآليات األولى من سورة
المؤمنون في ضوء ما سبق قوله عن الصالة؛ الخشوع فيها والمحافظة عليهاَ (.قْد َأْف َلَح اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن ُه ْم ِفي َص الِتِهْم
َخ اِش ُع وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َع ِن الَّلْغ ِو ُمْع ِر ُض وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم ِللَّز َك اِة َفاِع ُلوَن َو اَّلِذيَن ُه ْم ِلُفُر وِجِهْم َح اِفُظ وَن ِإَّال َع َلى َأْز َو اِجِهْم َأْو َم ا َم َلَك ْت
َأْيَم اُن ُهْم َفِإَّن ُهْم َغ ْيُر َم ُلوِميَن َفَم ِن اْب َت َغ ى َو َر اء َذ ِلَك َفُأوَلِئَك ُه ُم اْل َع اُدوَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َأِلَم اَن اِتِهْم َو َع ْه ِدِه ْم َر اُع وَن َو اَّلِذيَن ُه ْم َع َلى
"َص َلَو اِتِهْم ُيَح اِفُظ وَن )المؤمنون "1إلى 9
وتكرر ذلك المعنى وفى سورة المعارج ()34-22
ومن اجل ذلك تقول اآلية توضح معنى إضاعة الصالة عند الخلف الذي جاء بعد األنبياء "َفَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة
( َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ِإَّال َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا َفُأوَلِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْل َج َّن َة َو ال ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ) مريم60 - 59
هم أضاعوا الصالة حين اتبعوا الشهوات والمعاصي ومن تاب منهم وآمن إيمانا حقيقيا وعمل صالحا أصبح محافظا على
صالته غير مضيع لها واستحق بذلك دخول الجنة .ينطبق هذا على الخلف الماضين كما ينطبق علينا الذين خلفنا الالحقين،
.ولذلك ذكر هللا تعالى لنا هذه الحقائق في آخر رسالة سماوية كي نعتبر ونهتدي
.في اللغة العربية والمصطلح القرآني تجد مفهوم " قام على الشيء" بمعنى حافظ عليه ورعاه
َق ْل ْل َل
هللا تعالى وصف ذاته باسم من أسمائه الحسنى هو " القيوم" الذي ال تدركه سنة وال نومُ ":هَّللا َال ِإ َه ِإَّال ُه َو ا َح ُّي ا ُّي وُم َال
َت ْأُخ ُذ ُه ِس َن ٌة َو َال َن ْو ٌم َّلُه َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض َم ن َذ ا اَّلِذي َي ْش َف ُع ِع نَد ُه ِإَّال ِبِإْذ ِنِه َيْع َلُم َم ا َبْي َن َأْي ِديِهْم َو َم ا َخ ْلَف ُهْم َو َال
) ُيِحيُط وَن ِبَش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْلِمِه ِإَّال ِبَم ا َش اء َو ِس َع ُك ْر ِس ُّي ُه الَّس َم اَو اِت َو اَألْر َض َو َال َي ُؤ وُد ُه ِحْفُظ ُهَم ا َو ُه َو اْلَع ِلُّي اْلَع ِظ يُم) البقرة 255
اآلية الكريمة تشرح معنى القيوم ،أي القائم على كل شيء وال يغفل عن شيء ،ويصف تعالى ذاته كقيوم يحفظ أعمال كل إنسان
وأقواله ليحاسبه عليها يوم القيامةَ " :أَف َم ْن ُه َو َقاِئٌم َع َلى ُك ِّل َن ْف ٍس ِبَم ا َك َسَب ْت ) الرعد )33القيوم هنا بمعنى الذي يحفظ أعمال
كل إنسان ،يتم ذلك عن طريق مالئكة الحفظ (َلُه ُمَع ِّق َب اٌت ِّم ن َبْي ِن َي َد ْي ِه َو ِمْن َخ ْلِفِه َيْح َفُظ وَن ُه ِمْن َأْم ِر ِهَّللا) الرعد َ( ) 11و ِإَّن َع َلْي ُك ْم
َلَح اِفِظ يَن ِك َر اًم ا َك اِتِبيَن َيْع َلُم وَن َم ا َت ْف َع ُلوَن ) االنفطار ( )- 10أيضا سورة ق ) - 16:
َأ
لذلك يأمرنا ربنا جل وعال أن نكون ( قوامين بالقسط ) أي قائمين على رعاية العدل والقسطَ (:ي ا ُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا ُك وُن وْا َق َّو اِميَن
ِ ).باْلِقْس ِط ُشَه َداء ِهَّلِل ) النساء 135
وألن العرب في الجاهلية وقريش في عهد النبوة كانت تصلى وتعرف الصالة ولكن ال تقيم الصالة لذا نزلت األوامر لهم في مكة
بإقامة الصالة ،أي بالمحافظة عليها بعدم الوقوع في الشرك والمعاصي والخشوع أثناء تأديتها .على سبيل المثال جاء األمر
.بإقامة الصالة في الفترة المكية في السور اآلتية ( فاطر ) 29 ، 18الشورى ( )38الروم )31
لم تعلمهم الصالة ألنهم كانوا فعال يعرفونها ويؤدونها .أمرتهم فقط بفعل ما لم يكونوا يفعلون وهو إقامةالصالة بالخشوع فيها
.والمحافظة عليها لكي تقوم الصالة بدورها في سمو السلوك الخلقي وتهذيبه
إيتاء الزكاة هي نفسها إقامة الصالة
.للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة المخالفة لمفاهيم التراث الذي صنعه المسلمون بعد نزول القرآن بعدة قرون
إقامة الصالة في مصطلحات القرآن تعنى الخشوع في أثناء الصالة والتزام التقوى والسمو الخلقي بين الصلوات .لكن إقامة
.الصالة في حياتنا الدينية التراثية تعنى رفع األذان للمصلين في المسجد بأداء الصالة بعد األذان العام للصالة
ويفهم معظم المسلمين – تبعا للفقه التراثي – أن إيتاء الزكاة هو إعطاء الصدقة فقط ،وبذلك يفهمون األمر بإقامة الصالة
وإيتاء الزكاة على انه أمر بشيئين مختلفين هما الصالة وإعطاء الزكاة وهى عندهم ال تعنى سوى شيء واحد فقط هو إعطاء
.الصدقة للفقراء والمستحقين
طبقا لمفاهيم القرآن الكريم ومصطلحاته فان إقامة الصالة هي نفسها إيتاء الزكاة ،أي أنه أمر واحد بشيء واحد هو التطهر
والسمو الخلقي والتقوى .الخالف الوحيد هو أن وسيلة إقامة الصالة تتركز في الخشوع في الصالة أثناء تأديتها -ثم بعد
تأديتها تكون المحافظة عليها بالتزام السلوك القويم .أما الزكاة فهي تزكية النفس وتطهيرها والسمو بها بوسائل كثيرة من
.الصالة والذكر هلل تعالى وإعطاء الصدقات وكل فعل صالح مقصود به وجه هللا تعالى
هناك وسائل للزكاة ،بمعنى إن إيتاء الزكاة يعنى اختيار "أزكى " أو أطهر أو أسمى الخيارات وهى التشريعات القرآنية3- ،
ومنها اإلحسان في التعامل مع الزوجة المطلقة( البقرة ) 232وفى االستئذان وفى غض البصر والعفاف الخلقي ( النور ،28
) 30.وتلك وسائل للوصول إلى " إيتاء الزكاة " أو تزكية النفس التي هي الهدف األعلى للمؤمن
وهناك وسائل أخرى أشار إليها القرآن مثل الصالة وذكر هللا تعالى ،ومعروف أن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر -أو يجب
أن تكون كذلك – وكذلك ذكر هللا تعالى بمعنى تعظيمه وتقواه( .اْت ُل َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمَن اْلِك َت اِب َو َأِقِم الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ِن
اْلَف ْح َش اء َو اْلُم نَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ) العنكبوت )45وكذلك من وسائل التزكية – أو إيتاء الزكاة -الصالة
وذكر هللا تعالى (َق ْد َأْف َلَح َم ن َتَز َّك ى َو َذ َك َر اْس َم َر ِّب ِه َفَص َّلى ) األعلى ) 15-14ومنها خشية هللا تعالى وإقامة الصالة (ِإَّن َم ا ُتنِذ ُر
) اَّلِذيَن َي ْخ َش ْو َن َر َّبُهم ِباْلَغ ْي ِب َو َأَقاُم وا الَّص الَة َو َم ن َتَز َّك ى َفِإَّن َم ا َي َتَز َّك ى ِلَن ْف ِس ِه َو ِإَلى ِهَّللا اْلَم ِص يُُر ) فاطر 18
وأخيرا منها إعطاء الصدقة المالية فالمؤمن المفلح في اآلخرة هو (اَّلِذي ُيْؤ ِتي َم اَلُه َي َتَز َّك ى ) الليل ) 18ولذلك أمر هللا تعالى
) خاتم النبيين بأن يأخذ صدقة من المؤمنين ليتطهروا ويتزكواُ (:خ ْذ ِمْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة ُتَط ِّهُر ُه ْم َو ُتَز ِّك يِه م ِبَه ا) التوبة 103
إذن فإيتاء الصدقة هي مجرد وسيلة من وسائل إيتاء الزكاة ،ألن الزكاة هي التطهر القلبي والسلوكي الذي يجعل المؤمن طاهرا
.مستحقا للجنة
.أكثر من ذلك فان تشريع الصدقة في القرآن لم يرد فيه مطلقا لفظ الزكاة ،وإنما جاء بلفظ اإلنفاق وإيتاء األموال و الصدقات 4-
.وتراث المسلمين الفقهي يخالف ذلك كله
.ليس فقط في اختيارهم لمصطلح الزكاة بمعنى مخالف للقرآن ولكن أيضا في تشريعات الصدقة ذاتها
:ونعطى لمحة سريعة عاجلة
:فعندهم وطبقا لمصطلحاتهم فان الزكاة
.تجب بالحول -أي إخراج الزكاة بعد مرور عام وليس قبل ذلك ،أي على الجائع أن ينتظر عاما ليأخذ حقه )-ا(
الخ.وليس إخراج الزكاة عن كل ما يملك اإلنسان بل على أصناف محددة مثل الذهب والفضة – أي ال زكاة عندهم على بقية
المعادن مثل النحاس والقصدير والبالتين ..الخ .. .وال زكاة عندهم على الجواهر والمعادن الثمينة مثل الماس واللؤلؤ والياقوت
-.وعروض التجارة – وليس على البيوت واإليجارات -والزراع والمواشي – وليس على مزارع الدواجن مثال
.وبشرط أن يبلغ ما يمتلكه اإلنسان حد النصاب )-ج(
.ثم قرروا إخراج الزكاة فيما يزيد عن النصاب – زكاة بنسبة محددة -تتراوح بين ربع العشر ونصف العشر )-د (
فليس في القرآن الكريم مصطلح زكاة بمعنى الصدقة ،بل إيتاء المال أو الصدقة أو اإلنفاق بالمال .وقد حددت تشريعات القرآن
.كل التفاصيل المطلوبة بما يخالف التشريع الفقهي بدون استعمال مصطلح الزكاة
ا -فالصدقة واجبة عليك بمجرد ان يأتيك رزق من هللا – عندها يجب إخراج حق هللا تعالى فيه دون انتظار لمرور عام أو
الحول كما يقول الفقهاء بل بمجرد الحصول عليه ،أو بالتعبير القرآني (َو آُتوْا َح َّق ُه َيْو َم َح َص اِدِه) األنعام ) 141فالحصاد ليس
فقط في الزرع وإنما يشمل مجيء الرزق من مرتب أو مكسب تجارى أو ريع آت من تأجير عقار وغيره .ولقد تكرر في القرآن
كلمة " ومما رزقناهم ينفقون " للتأكيد على ذلك ( البقرة – 3األنفال – 3الحج – 35السجادة – 6القصص 54الشورى
) 38
َّل َل َأ ُق َّل
ب -بل وصف القرآن الكريم المتقين الصالحين باألنفاق باستمرار سرا وعالنية ليال ونهارا (ا ِذيَن ُينِف وَن ْم َو ا ُهم ِبال ْي ِل
َو الَّن َه اِر ِس ًّر ا َو َع الِنَي ًة َفَلُهْم َأْج ُر ُه ْم ِع نَد َر ِّب ِهْم َو َال َخ ْو ٌف َع َلْي ِهْم َو َال ُه ْم َيْح َز ُنوَن ) البقرة ) 274وأنهم ينفقون من أحب ما يملكون
) – هذا من حيث الجودة (َو آَت ى اْلَم اَل َع َلى ُحِّب ِه ) البقرة َ( ) 177و ُيْط ِع ُم وَن الَّط َع اَم َع َلى ُحِّب ِه ِم ْس ِكيًن ا َو َي ِتيًم ا َو َأِس يًر ا) اإلنسان 8
ومن حيث الكمية فهم ينفقون حتى وهم ليملكون الفائض ،أي يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ( .الحشر ) 9
وفى كل األحوال ال ينفقون إال من الكسب الحالل الطاهر الذي لم يدخله سحت أو سرقة أو اختالس أو ظلم أو جور كما هو
السائد في عصرنا .إن هللا تعالى يقول َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َأنِفُقوْا ِمن َط ِّيَب اِت َم ا َك َسْب ُتْم َو ِم َّم ا َأْخ َر ْج َن ا َلُك م ِّم َن اَألْر ِض َو َال َت َيَّمُم وْا
) اْلَخ ِبيَث ِم ْن ُه ُتنِفُقوَن َو َلْس ُت م ِبآِخِذيِه ِإَّال َأن ُتْغ ِم ُض وْا ِفيِه َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َغ ِنٌّي َح ِميٌد ) البقرة 267
وال بد لمن يتصدق أن يبتغى وجه هللا تعالى وحده وأن يعطى الفقير والمستحق ألنه فقير ومستحق بغض النظر عن دينه أو
صالحه أو عصيانه فليس المتصدق مسئوال عن هداية أحد سوى نفسه وعليه إعطاء الصدقة لمستحقها وكفى (َّلْيَس َع َلْي َك
ُهَداُه ْم َو َلِكَّن َهَّللا َيْه ِدي َم ن َي َش اء َو َم ا ُتنِفُقوْا ِمْن َخ ْي ٍر َفألنُفِس ُك ْم َو َم ا ُتنِفُقوَن ِإَّال اْب ِتَغ اء َو ْج ِه ِهَّللا َو َم ا ُتنِفُقوْا ِمْن َخ ْي ٍر ُيَو َّف ِإَلْي ُك ْم
َو َأنُتْم َال ُتْظ َلُم وَن ) البقرة ) 272ثم عليه وهو يعطى أن يتذكر إنما يعطى المحتاج (حقه ) فليس له أن يمتن عليه أو أن يجرح
شعوره ( البقرة ، )264يقول تعالى في التأكيد على حق مستحق الصدقةَ " :فآِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْلِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َذ ِلَك
َخ ْيٌر ِّلَّلِذيَن ُيِر يُدوَن َو ْج َه ِهَّللا) الروم َ( ) 38و آِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْلِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو َال ُتَب ِّذ ْر َت ْب ِذيًر ا)( اإلسراء ) 26
ج -وخالفا لما قاله الفقهاء فان هللا تعالى لم يحدد نسبة معينة إلخراج الصدقة ،ألن األساس فيها هو التنافس في الخير والسعي
لتزكية النفس والتعامل المباشر مع هللا تعالى .فالذي يسارع في الخير هو المتقى الذي ينفق في السراء والضراء ( آل عمران
) 134 -133وكل المتقين مدعون للتنافس في هذا المضمار ن وللقرآن الكريم نداء شديد الوقع يجعل المتصدق كمن يقرض
هللا تعالى قرضا حسنا ،وهللا تعالى سيرد له األجر مضاعفا (.البقرة ( )145الحديد () 11التغابن ( ) 17المرمل )20
ومع ذلك فان هللا تعالى جعل للمؤمن مقياسا يتصرف على أساسه هو االعتدال في اإلنفاق العادي ،واالعتدال في اإلنفاق في
سبيل هللا تعالى بالصدقة ،أي ينفق المؤمن معتدال على حاجاته دون إسراف ،ثم ما يزيد عن حاجته فهو هلل تعالى صدقة.لقد
سألوا النبي محمدا عن المقدار الذي ينبغي أن ينفقوه صدقة فنزل الوحي يقول انه "العفو " .والعفو في مصطلح القرآن هو
الفضل والزائد عن الحاجةَ (.و َيْس َأُلوَن َك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقِل اْلَع ْف َو ) البقرة . ) 219وقبلها في مكة نزل تشريع القرآن يؤكد على ذلك
التوسط في اإلنفاق العادي وفى إخراج الصدقة بحيث ال يقع المؤمن في التبذير أو اإلسراف (َو اَّلِذيَن ِإَذ ا َأنَفُقوا َلْم ُيْس ِر ُفوا َو َلْم
َي ْق ُتُر وا َو َك اَن َبْي َن َذ ِلَك َقَو اًم ا ) الفرقان َ( ) 67و آِت َذ ا اْلُقْر َب ى َح َّق ُه َو اْل ِم ْس ِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو َال ُتَب ِّذ ْر َت ْب ِذيًر ا) (َ----و َال َت ْج َع ْل َي َد َك
) َم ْغ ُلوَلًة ِإَلى ُع ُنِقَك َو َال َت ْبُس ْط َه ا ُك َّل اْلَبْس ِط َفَت ْق ُع َد َم ُلوًم ا َّمْح ُس وًر ا) اإلسراء 29 – 26
وفى كل األحوال فالمؤمن هو الذي يجعل بينه وبين نفسه حقا محددا معلوما لديه للصدقة يلتزم بإخراجه ابتغاء وجه هللا تعالى
عن كل مال يصل إليه ،وهذه صفة من صفات المتقينَ( :و اَّلِذيَن ِفي َأْم َو اِلِهْم َح ٌّق َّمْع ُلوٌم ِّللَّس اِئِل َو اْل َمْح ُر وِم ) المعارج ) 25- 24
) (َو ِفي َأْمَو اِلِهْم َح ٌّق ِّللَّس اِئِل َو اْلَمْح ُر وِم ) الذاريات 19
د -والصدقة لها نوعان من المستحقين تبعا لنوعيتها .هناك صدقة يعطيها المؤمن للدولة ،وهى تقوم بجمع الصدقات وتوزيعها
على مستحقيها المذكورين في قوله تعالىِ (:إَّن َم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اء َو اْل َمَس اِكيِن َو اْل َع اِمِليَن َع َلْيَه ا َو اْلُم َؤ َّلَف ِة ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب
َو اْلَغ اِر ِميَن َو ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو اْب ِن الَّس ِبيِل َفِر يَض ًة ِّم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ) التوبة ) 60الدولة هنا هي التي تحدد وتعين مستوى
الفقير ،والمسكين ،والغارم ،و المؤلفة قلوبهم ،والعاملين عليها وابن السبيل أي األجنبي الغريب السائح الزائر الذي يجب
إكرامه وليس تكفيره وقتله -وعتق الرقيق – أي إذا كان هناك من ال يزالون رقيقا – وال يزال الرق موجودا بصفة غير رسمية
.في بعض دول الخليج برغم إلغائه رسميا من السعودية سنة – 1962أولئك هم مستحقو الصدقة الرسمية من الدولة
وهناك مستحقون للصدقة الفردية ،وهم أقارب المؤمن المتصدق ومن يعرفهم من المحيطين به من اليتامى والمساكين وابن
السبيل المار ببيته ،وقد سئل النبي محمد عليه السالم في هذا الموضوع فلم يفت كعادته وإنما انتظر اإلجابة من الوحي فنزل
قوله تعالى (َيْس َأُلوَن َك َم اَذ ا ُينِفُقوَن ُقْل َم ا َأنَفْق ُتم ِّم ْن َخ ْي ٍر َفِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيِن َو اْب ِن الَّس ِبيِل َو َم ا َت ْف َع ُلوْا ِمْن
) َخ ْي ٍر َفِإَّن َهَّللا ِبِه َع ِليٌم ) البقرة 215
ه -لقد جعل هللا تعالى من صفات المتقين األبرار الصادقين إنهم ليسوا فقط الذين يراءون الناس بالتوجه للصالة صوب المشرق
والمغرب ،ولكنهم الذين يؤمنون أيمانا حقيقيا باهلل تعالى واليوم اآلخر والمالئكة والكتاب والنبيين ،ثم يعطون المال صدقة
لمستحقي الصدقة من األقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل ومن يسأل الناس إحسانا ،ويقومون بإطالق سراح
المستعبدين – إذا كان ثمة استرقاق ال يزال موجودا ،وهم الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة والذين يوفون بالعهد
والصابرين في الشدائد والمصائب وفى الجهاد َّ (.،لْيَس اْلِبَّر َأن ُتَو ُّلوْا ُو ُج وَه ُك ْم ِقَب َل اْلَم ْش ِر ِق َو اْلَم ْغ ِر ِب َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ْن آَم َن ِباِهَّلل
َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو اْلَم الِئَك ِة َو اْل ِك َت اِب َو الَّن ِبِّي يَن َو آَت ى اْل َم اَل َع َلى ُحِّب ِه َذ ِو ي اْلُقْر َب ى َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيَن َو اْب َن الَّس ِبيِل َو الَّس اِئِليَن َو ِفي
الِّر َقاِب َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو اْلُم وُفوَن ِبَعْه ِدِه ْم ِإَذ ا َع اَهُد وْا َو الَّص اِبِر يَن ِفي اْلَب ْأَس اء َو الَّضَّر اء َو ِحيَن اْلَب ْأِس ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن
) َص َد ُقوا َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم َّت ُقوَن ) البقرة 177
المالحظ هنا إن اآلية الكريمة قامت بالفصل بين الصدقة وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة ،إذ تكلمت على إيتاء المال صدقة
للمستحقين بعد صفة األيمان مباشرة ،ثم بعد الصدقة ذكرت إقامة الصالة وإيتاء الزكاة وصفات أخرى كريمة لتجعل فاصال بين
.إيتاء الصدقة ومفهوم إقامة الصالة وإيتاء الزكاة
:وقد تكرر هذا الفصل بين إقامة الصالة وإيتاء الزكاة وبين تشريع الصدقة في موضعين آخرين في القرآن الكريم
ففي الحديث عن الميثاق الذي أخذه رب العزة على بنى إسرائيل في عهد موسى جاء األمر بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة ثم
األيمان بالرسل وتأييدهم ،ثم إعطاء الصدقة ،ولو كانت إعطاء الصدقة هو نفسه الزكاة ما جاء هذا الفصل بينهما (َو َلَق ْد َأَخ َذ
ُهَّللا ِميَث اَق َب ِني ِإْس َر اِئيَل َو َبَع ْث َن ا ِم ْن ُهُم اْث َن ْي َع َش َر َن ِقيًب ا َو َقاَل ُهَّللا ِإِّن ي َمَع ُك ْم َلِئْن َأَقْم ُتُم الَّص الَة َو آَت ْي ُتُم الَّز َك اَة َو آَم نُتم ِبُرُس ِلي
َو َع َّز ْر ُتُم وُه ْم َو َأْق َر ْض ُتُم َهَّللا َقْر ًض ا َح َس ًن ا ُأّلَك ِّف َر َّن َع نُك ْم َسِّي َئ اِتُك ْم َو ُألْد ِخَلَّنُك ْم َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َفَم ن َك َف َر َبْع َد َذ ِلَك ِمنُك ْم
) َفَق ْد َض َّل َس َو اء الَّس ِبيِل ) المائدة 12
وجاء اإلقراض أيضا بمعنى الصدقة تاليا للعبادة وقراءة القرآن وقيام الليل وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة في خطاب للنبي محمد
عليه السالم وأصحابه في بداية أقامتهم في المدينة َ(:فاْق َر ُؤ وا َم ا َت َيَّسَر ِم ْن ُه َو َأِقيُم وا الَّص الَة َو آُت وا الَّز َك اَة َو َأْق ِر ُض وا َهَّللا َقْر ًض ا
َ ).ح َس ًن ا َو َم ا ُتَق ِّد ُم وا َألنُفِس ُك م ِّم ْن َخ ْي ٍر َت ِج ُدوُه ِع نَد ِهَّللا ُه َو َخ ْيًر ا َو َأْع َظ َم َأْج ًر ا) المزمل 20
إقامة الصالة وإيتاء الزكاة بين مفهوم اإلسالم ومفهوم الشرك والكفر
إن المشركين في الجاهلية كانوا يؤدون الصالة ولكن لم يقيموا الصالة ،وكانوا مشهورين بالكرم ولكن دون أن يؤتوا الزكاة
بمعنى التطهر والسمو الخلقي ،لذلك ظلوا يغير بعضهم على بعض ،وينتهكون الحرمات ويسبون ويسلبون ويشربون الخمر
ويرتكبون النسىء اى يستحلون القتال حتى في األشهر الحرم بعد إعالن عدم حرمتها أو تأجيل حرمتها (ِإَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي
اْلُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َف ُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم وَن ُه َع اًم ا ِّلُيَو اِط ُؤ وْا ِع َّد َة َم ا َح َّر َم ُهَّللا َفُيِحُّلوْا َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم
َ ).و ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن ) التوبة 37
ومعناه أنه يمكننا أن نتعرف على من ال يقيم الصالة ويؤتى الزكاة طبقا لسلوكياته وظلمه وفجوره ،فكل من يرتكب علنا كل
.الفجور والفساد ال يمكن أن يكون مؤتيا للزكاة مقيما للصالة حتى لو اشتهر بدخول المساجد وعمارتها
وبعضهم كان يقوم بعمارة المسجد الحرام وخدمة الحجاج ويقرن ذلك بارتكاب المعاصي وعبادة األولياء والقبور المقدسة .وقد
رد عليهم رب العزة جل وعال معتبرا أن ذلك ال شأن له بالتعمير الحقيقي لمساجد هللا تعالى أو لدينه ،وال شأن له بإقامة الصالة
وإيتاء الزكاةَ( :م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن
ِإَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال َهَّللا َفَعَس ى ُأْو َلِئَك َأن َي ُك وُنوْا ِمَن
) اْلُمْه َت ِديَن ) التوبة 18 -17
وفى عصر نزول القرآن في الفترة األخيرة من حياة النبي ظل أئمة الكفر يواصلون االعتداء على المسلمين ونكث العهود التي
كانوا يعطونها للمسلمين -وهى حقائق تاريخية أغفلتها روايات السيرة بينما أشارت إليها سورة التوبة في نصفها األول – لذلك
نزلت سورة براءة بإعالن البراءة منهم وإعطائهم مهلة للتوبة .شرط التوبة الكف عن االعتداء الحربي والمسلح ،والكف عن
الغدر ونقض العهود .كان انتهاء المهلة هو انقضاء األشهر الحرم.واعتبر رب العزة كفهم وتوبتهم عن االعتداء إقامة للصالة
وإيتاء للزكاةِ( :إَّال اَّلِذيَن َع اَه دُّت م ِّم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ُثَّم َلْم َي نُقُص وُك ْم َش ْي ًئ ا َو َلْم ُيَظ اِه ُر وْا َع َلْي ُك ْم َأَح ًدا َفَأِتُّم وْا ِإَلْي ِهْم َع ْه َد ُه ْم ِإَلى ُم َّدِتِهْم ِإَّن
َهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّت ِقيَن َفِإَذ ا انَس َلَخ اَألْش ُهُر اْلُحُر ُم َفاْق ُتُلوْا اْلُم ْش ِر ِكيَن َح ْي ُث َو َج دُّت ُم وُه ْم َو ُخ ُذ وُه ْم َو اْح ُصُر وُه ْم َو اْق ُع ُد وْا َلُهْم ُك َّل َمْر َص ٍد َفِإن
َت اُبوْا َو َأَقاُم وْا الَّص الَة َو آَت ُو ْا الَّز َك اَة َفَخ ُّلوْا َس ِبيَلُهْم ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ) التوبة َ( ..) 5-4ال َيْر ُقُبوَن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإًّال َو َال ِذ َّم ًة َو ُأوَلِئَك
) ُه ُم اْلُمْع َت ُدوَن َفِإن َت اُبوْا َو َأَقاُم وْا الَّص الَة َو آَت ُو ْا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن َو ُنَف ِّص ُل اآلَي اِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ) التوبة 11- 10
إن إقالعهم عن االعتداء والظلم هو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة .وهذا هو المقياس البشرى الذي نستطيع الحكم عليه .فال
نستطيع مثال أن نعرف إن كان هللا تعالى سيقبل صالتهم وصدقاتهم أم ال ،وال نستطيع أن نعرف إذا كانوا يخشعون في صالتهم
أم يراءون الناس .ليس ذلك لنا وال نملكه .الذي نملك الحكم عليه فقط هو سلوكهم الخارجي ،هل هم مسالمون أم معتدون ،هل
هم أبرياء أم مجرمون .فالمسالم الذي ال يظلم أحدا – في رؤيتنا البشرية الظاهرية -هو المقيم للصالة والذي يؤتى الزكاة.
والفاجر الظالم عندنا هو الذي يضيع الصالة مهما كان مصليا .ونفس الحال فى التعرف على المسلم والكافر أو المشرك.
فالمسالم هو المسلم بغض النظر عن عقيدته ،والكافر أو المشرك هو المجرم المعتدى االرهابى بغض النظر عن الدين الذى
.يزعم االنتماء اليه
وفى كل األحوال ،ال شأن إلعطاء الصدقة هنا بإيتاء الزكاة المذكور في اآليتين الكريمتين من سورة التوبة ،فإيتاء الزكاة هو
التطهر والسمو الخلقي .الدليل أن الدولة اإلسالمية ليس لها أن تفرض على الناس تأدية الصلوات الخمس ،وليس لها أن تجمع
الصدقات من الناس بالقوة واإلرغام ،إذ ال إكراه في الدين – أي ال إكراه في دخول الدين أو في الخروج منه ،كما ال إكراه في
تأدية شعائره من صالة وصيام وحج وصدقات وقراءة للقرآن وقيام لليل وتسبيح للمولى عز وجل .كل ذلك هي حقوق هللا تعالى
.علينا ،وعلينا بدافع من التقوى أن نفعلها ابتغاء مرضاة هللا تعالى وليس خوفا من السلطان أو مراءاة للناس
وقد كان المنافقون في عهد النبي عليه السالم يؤدون الصالة وال يقيمونها ،أي يتظاهرون بالصالة رياء ونفاقا ،لذا لم يقبلها
هللا تعالى منهم واعتبرها خداعا ليس هلل تعالى وإنما ألنفسهم (ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن َهَّللا َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وْا ِإَلى الَّص الِة
َ.قاُم وْا ُك َس اَلى ُيَر اُؤ وَن الَّن اَس َو َال َي ْذ ُك ُر وَن َهَّللا ِإَّال َقِليًال ) 142النساء
أولئك المنافقون أيضا كانوا يعطون الصدقات متطوعين لستر حالهم ،ولكن مع حقد شديد ،وألن هللا تعالى يعلم خائنة األعين
وما تخفى الصدور فقد أخبر عن مكنون قلوبهم ومنع النبي أن يأخذ منهم صدقاتهمُ( :قْل َأنِفُقوْا َط ْو ًع ا َأْو َك ْر ًها َّلن ُيَت َقَّب َل ِمنُك ْم
ِإَّنُك ْم ُك نُتْم َقْو ًم ا َفاِس ِقيَن َو َم ا َم َن َع ُهْم َأن ُتْق َب َل ِم ْن ُهْم َن َفَقاُتُهْم ِإَّال َأَّن ُهْم َك َفُر وْا ِباِهَّلل َو ِبَر ُس وِلِه َو َال َي ْأُتوَن الَّص الَة ِإَّال َو ُه ْم ُك َس اَلى َو َال
) ُينِفُقوَن ِإَّال َو ُه ْم َك اِر ُهوَن ) التوبة 54 – 53
في ضوء هذا التوضيح القرآني فان النبي محمدا عليه السالم لم يرغم الناس على إعطاء الصدقات ولم يرغمهم على تأدية
الصلوات وسائر حقوق الرحمن .أما حقوق العباد – أو حقوق اإلنسان – فال بد من حفظها وإلزام الناس باحترامها ،لذا هناك
.عقوبات للقتل والزنا والقذف وقطع الطريق
ولذلك فان المشركين المعتدين حين نقضوا العهود وأغاروا على المسلمين المسالمين أوجب هللا تعالى قتالهم حفظا للحقوق
.البشرية ،وجعل مقياس االسالم الظاهرى هو التزام السالم
:ووفقا لمصطلحات القرآن التي غفل عنها أئمة التراث فان اإلسالم له معنيان
السالم " أو المسالمة ،وهو هنا معنى سلوكي يستطيع أن يحكم عليه البشر حسب الظاهر في التعامل مع الناس ،فكل " 1-
إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته ودينه ،وليس ألحد أن يحكم على عقيدة أحد أو درجة ما في قلبه من إخالص
.أو رياء أو نفاق أو إشراك .مرجع ذلك هلل تعالى وحده يوم القيامة
االستسالم هلل تعالى واالنقياد له وحده :هذا هو اإلسالم في معناه القلبي العقيد في التعامل مع هللا تعالى .انه استسالم هلل جل 2-
وعال في العقيدة فال اله إال هللا ،وفى السلوك بالطاعة المطلقة له تعالى وبتقواه وحده ال شريك له .وهذا ما سيظهر فيه الحكم
.على كل منا يوم القيامة حيث سيحكم علينا الواحد القهار الذي ال يخفى عليه شيء في األرض والسماء
وطبقا لمعنى اإلسالم الظاهري فان الذي يقيم الصالة ويؤتى الزكاة هو كل إنسان مسالم ال يعتدي على أحد وال يظلم أحدا بغض
.النظر عن عقيدته أو صالته .المهم أال يعتدي على أحد أو ال يظلم أحدا
:الشرك أو الكفر معناهما واحد في المصطلح القرآني ( التوبة () 17- 2-1غافر ) 42ولهنا أيضا معنيان
سلوكي ظاهري في التعامل مع البشر ويستطيع أن يحكم عليه البشر ،والكفر والشرك هنا يعنيان االعتداء والظلم للبشر1-- ,
ولذا تأتى من مرادفاتهما في القرآن مصطلحات مماثلة مثل الظلم – الفسق – اإلجرام – االعتداء .كل من يرتكب جرائم القتل
ويظلم الناس ويستحل دماءهم فهو مشرك كافر حسب سلوكه ،وال شأن هنا بعقيدته .وعلى هذا األساس تأتى تشريعات القرآن
الكريم في التعامل الظاهري مع المشركين في الزواج وفى المواالة مثال ،فال تتحدث عن شركهم العقيد وإنما السلوكي الذي
يمكن لنا أن نحكم عليه حسب تصرفاتهم العدوانية (.البقرة ( ) 221الممتحنة ) 13 -1من المكن أن تصف بالكفر والشرك
.أسامة بن الدن ومن هم على شاكلته ممن يقتلون األبرياء ويعتدون على من لم يعتدي عليهم– طالما لم يتوبوا
الشرك بالمعنى العقيد أي اتخاذ أولياء وآلهة مع هللا تعالى وتقديس البشر والشجر والحجر .وهذه عادة سيئة يقع فيها 2-
المسلمون وغيرهم ،مع ادعاء معظمهم باإليمان القويم ،لذلك فان الذي سيحكم على الناس جميعا هو هللا تعالى يوم القيامة ,إذ
أنه ليس لهذا الشرك العقيدي عقوبة في الدنيا اكتفاء بالخلود في النار يوم القيامة .هللا تعالى – وهو األعلم بالقلوب – أكد في
القرآن أن أغلبية البشر يقعون في الشرك العقيدي وإنهم ال يؤمنون باهلل تعالى إال وهم مشركون ( .يوسف ) 106 -103لذا
فان الفصل في هذا الموضوع هو هلل تعالى يوم القيامة ،وذلك ما تردد في عشرات اآليات القرآنية .عندها – يوم القيامة –
.سيدخل الجنة الذين أقاموا الصالة وآتوا الزكاة في سلوكهم السامي الظاهري وفى عقيدتهم الصحيحة معا
:.المشركون العرب وإضاعة الصالة
ضياع الشيء ال يعنى زواله نهائيا ولكن يعنى وجوده الفعلي بعيدا عنك .حين تضيع منك حافظة نقودك فال يعنى هذا أنها قد1- -
اختفت نهائيا من الوجود ولكن المعنى أنها ضاعت منك أنت وضاع عليك االنتفاع منها .وهكذا المعنى في ضياع الصالة أو
.تضييع الجاهليين للصالة ،إنهم أضاعوا ثمرتها ،وأضاعوا الهدف األساسي منها وهو التقوى والسمو الخلقي
معروف أن هللا تعالى يحبط العمل الصالح للمشرك يوم القيامة ،فالمشرك قد يأتي بصالة وصيام وسائر العبادات ولكن هللا تعالى
يحبط عمله الصالح أي يضيع ثمرته فال ينجيه من النار وال يغنى عنه شيئا .وهذا ما حذر منه رب العالمين جل وعال كل
َي وِح ُأ ْد َق األنبياء؛ حذرهم من الوقوع في الشرك الذي يحبط األعمال الصالحة ويضيع أثرها .اقرأ قوله تعالى لخاتم األنبياء َ ":و َل
)ِإَلْي َك َو ِإَلى اَّلِذيَن ِمْن َقْب ِلَك َلِئْن َأْش َر ْك َت َلَيْح َب َط َّن َع َم ُلَك َو َلَتُك وَن َّن ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن ) الزمر65
ينطبق على العرب في الجاهلية من أبناء إسماعيل قوله تعالى " َف َخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص الَة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت )..إذ
.كانوا يؤدون الصالة مجرد حركات شكلية من ركوع وسجود وقيام دون إخالص في العبادة هلل ودون سلوك ملتزم بطاعة هللا
ولذلك لم يأت األمر في القرآن بأن يؤدوا الصالة مجرد تأدية ألنهم كانوا يؤدونها ،ولكن جاء األمر بإقامة الصالة ،وإقامتك
للصالة يعنى محافظتك عليها واهتمامك بها فالمصلى القائم على صالته هو الذي يخشع أثناء الصالة ويتقى هللا في غير أوقات
.الصالة يقيمها في نفسه سلوكه حميدا وتقوى هلل وإخالصا في عبادته هلل وحده دون شريك للمولى عز وجل
وقوله تعالى لهم " أقيموا الصالة" يعنى الصالة المعهودة المعروفة لكم فالالم في كلمة (الصالة ) تسمى" الم العهد" التي تأتى
.لوصف الشيء المعهود المعروف للسامع والذي ال يحتاج إلى إيضاح
العرب في الجاهلية أضاعوا صالتهم حين اكتفوا بتأديتها شكال فقط بينما وقعوا في الشرك والفحشاء .وذكر القرآن أن العرب2-
كانوا يؤمنون بان هللا هو خالق السماوات واألرض ومسخر الشمس والقمر وانه مالك األرض ومن فيها وأن بيده ملكوت كل
شيء وهو يجير وال يجار عليه (المؤمنون 84؛ "89العنكبوت " 61الزمر )38ولكنهم مع ذلك لم يخلصوا هلل تعالى عبادتهم
إذ اتخذوا أولياء أقاموا لهم األنصاب أي األضرحة – كما نفعل اليوم -وحجوا إليهم – كما نفعل نحن في الموالد الصوفية -
وعكفوا على قبورهم المقدسة بزعم أنها تقربهم هلل زلفى – كما نفعل في ضريح الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة واإلمام
الشافعي والمرسى أبى العباس والسيد البدوي وغيرهم -وذلك ينافى اإلخالص في عبادة هللا وحده ،يقول هللا تعالى لهم – ولنا
أيضا َ " -أال ِهَّلِل الِّديُن اْلَخ اِلُص َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا ِمن ُدوِنِه َأْو ِلَي اء َم ا َن ْع ُب ُدُه ْم ِإَّال ِلُيَق ِّر ُبوَن ا ِإَلى ِهَّللا ُز ْلَف ى ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َبْي َن ُهْم ِفي َم ا ُه ْم
)ِفيِه َي ْخ َت ِلُفوَن ِإَّن َهَّللا ال َيْه ِدي َم ْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّفاٌر الزمر 3-2
والمصلي الذي يعبد هللا ويشرك بعبادته مع هللا تقديس ولي أو ضريح جزاؤه عند هللا أن يحبط هللا عمله ( الزمر 3- )-65
وإحباط العمل يعنى تضيع ثوابه ،فذلك المصلى المشرك باهلل أضاع صالته بالشرك وهذا هو السبب األول في إضاعة العرب
.لثواب صالتهم عند هللا
والسبب الثاني وقوعهم في المعاصي وتعودهم عليها بل الفخر بها واعتبارها جزءا من الدين عندهم حتى لقد نسبوها ألمر هلل
تعالى ،وقد احتج رب العزة على هذا التزوير الديني الذي وقعوا فيه فقال تعالى يسجل ذلك عليهمَ ":و ِإَذ ا َفَع ُلوْا َفاِح َش ًة َقاُلوْا
)"َو َج ْد َن ا َع َلْيَه ا آَب اَء َن ا َو ُهَّللا َأَمَر َن ا ِبَه ا ُقْل ِإَّن َهَّللا َال َي ْأُمُر ِباْلَف ْح َش اء َأَت ُقوُلوَن َع َلى ِهَّللا َم ا َال َت ْع َلُم وَن ) .األعراف 28
المخزي أن بعض الصوفية بعد نزول القرآن بعدة قرون جعل للزنا والشذوذ وسائر المعاصي مسوغا دينيا بأن أسندها ألمر هللا
تعالى فيما يعرف عندهم بوحدة الفاعل – أي هللا تعالى – وهو ترديد مخجل ألقاويل الجاهلية تؤكد عظمة اإلعجاز القرآني الذي
سيكون حكما على الجاهليين و على المسلمين الضالين وكالهما أضاع الصالة بالمعاصي والشرك مع قيامه بتأدية حركاتها وفى
مواقيتها .لقد ذكر هللا تعالى أفعال الجاهليين ورد عليها في القرآن في سورة األعراف التي ذكر فيها من قبل أن الشيطان سيظل
يمارس مهمته إلى قيام الساعة (َقاَل ِإَّن َك ِمَن اْلُم نَظ ِر يَن َقاَل َفِبَم ا َأْغ َو ْي َت ِني َألْق ُع َدَّن َلُهْم ِص َر اَط َك اْلُمْس َت ِقيَم ُثَّم آلِتَي َّن ُهم ِّم ن َبْي ِن َأْي ِديِهْم
) َو ِمْن َخ ْلِفِهْم َو َع ْن َأْيَم اِنِهْم َو َع ن َش َم اِئِلِهْم َو َال َت ِج ُد َأْك َث َر ُه ْم َش اِك ِر يَن )األعراف 17 – 15
إن من يقع في الشرك وفى المعصية ومع ذلك يصلى فال عبرة بصالته طالما لم يحافظ عليها بسلوكه وبقلبه ،بمعنى آخر هو قد
غفل وسها عن الهدف الحقيقي للصالة ،فالصالة ليست مجرد حركات بل ال بد أن تثمر تقوى وسموا خلقيا في التعامل مع الناس
يعبر عن إيمان حقيقي .إذا اكتفى بعضهم بمجرد تأدية حركات الصالة واعتبر الصالة هدفا في حد ذاته فقد وقع في تكذيب دين
هللا تعالى ألن صالته ستتحول إلى مسوغ له الرتكاب المعاصي معتقدا أنه طالما قد صلى فقد أصبح مغفورا له مهما فعل ألن
.مجرد صالته ستمحو ذنوبه .هنا تكون الصالة وسيلة للعصيان وليست وسيلة للتقوى ،وهذا هو التكذيب لدين هللا تعالى
وقع في هذا التكذيب لدين هللا تعالى بعض الجاهليين المتدينين الذين كانوا يصلون الصالة في مواعيدها معتبرين إياها هدفا في
حد ذاتها ،ولذا اقترنت صالتهم بارتكاب المعاصي والرياء .نفهم هذا من قوله تعالى في سورة مكيةَ ":أَر َأْي َت اَّلِذي ُيَك ِّذ ُب ِبالِّديِن
َفَذ ِلَك اَّلِذي َي ُد ُّع اْلَي ِتيَم َو ال َيُحُّض َع َلى َط َع اِم اْلِم ْس ِكيِن َفَو ْي ٌل ِّلْلُمَص ِّليَن اَّلِذيَن ُه ْم َع ن َص الِتِهْم َس اُهوَن اَّلِذيَن ُه ْم ُيَر اُؤ وَن َو َيْم َن ُع وَن
)اْلَم اُع وَن ) سورة الماعون
فالخطاب في السورة للرسول بالتعجب من ذلك المشرك الذي يكذب بالدين ويزجر اليتم وال يهتم بطعام المسكين ومع ذلك يؤدى
الصالة وهو ساه عنها وعن معاصيه بل يرائي بهذه الصالة وال خير فيه للناس ،وهكذا كان حال مشركي مكة وهو حال أغلب
محترفي التدين من المسلمين اليوم ،حيث يقترن تدينهم وصالتهم بالغلظة والقسوة والجبروت والرياء والنفاق والتناقض بين
.الظاهر والباطن واستحالل أموال الناس بالباطل ،أو بما تسميه العامة في مصر ( بقلة الدين)
وكانت للعرب المشركين مساجد يؤدون فيها الصالة ولكنهم لوقوعهم في الشرك كانوا يسمون هذه المساجد بأسماء األولياء
الذين يعبدونهم كما نفعل نحن اآلن ،وحين دعا النبي إلى أن تكون هذه المساجد هلل تعالى وحدة تكالبوا عليه يريدون إيذاءه،
واقرأ معنى ذلك في قوله تعالى " َو َأَّن اْلَمَس اِج َد ِهَّلِل َفال َت ْد ُع وا َمَع ِهَّللا َأَح ًدا َو َأَّن ُه َلَّم ا َقاَم َع ْب ُد ِهَّللا َي ْد ُع وُه َك اُدوا َي ُك وُنوَن َع َلْي ِه ِلَب ًدا
).الجن 19-18
وقد أمر هللا تعالى رسوله محمدا أن يوجه خطابا محددا ألولئك العرب الذين يقدسون أضرحة األولياء المدفونة في مساجد هللا
تعالى ،والذين يقرنون أسماء البشر المقدسين مع اسم هللا تعالى في األذان للصالة وفى تأديتهم للصالة .الخطاب المحدد هو
أيضا موجه لنا حيث يذكر المسلمون اسم محمد نفسه مع اسم هللا تعالى في األذان وفى الصالة ويكتبون اسم محمد مع هللا تعالى
بما يعنى تقديسا لمحمد وهو الذي أرسله هللا تعالى لمحو تقديس البشر والحجر والشجر .ولذلك فان هللا تعالى أمر محمدا رسوله
الكريم أن يعلن ويحدد مهمته فى أن يدعو ربه – أي يقدسه – فقط وال يجعل هلل تعالى شريكا في التقديس ،وأنه ال يملك هدايتهم
ألن الهداية مسئولية كل إنسان فمن شاء الهداية هداه هللا تعالى ،ومن شاء الضالل تركه هللا تعالى للشيطان يضله ،فمن اهتدى
فإنما يهتد لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها .أما النبي فال يملك أن يهدى من أحب طالما أن من يحرص النبي على هدايته
يرفض الهداية ،وأنه عليه السالم لن ينجيه من ربه إال تبليغ الرسالة القرآنية ،أي أنه سيحاسبه هللا تعالى على تبليغ الرسالة،
والحساب على قدر المسئولية ،ومن يعرض من الناس عن قبول الحق فان جهنم تنتظرهُ( :قْل ِإَّن َم ا َأْد ُع و َر ِّب ي َو ال ُأْش ِر ُك ِبِه َأَح ًدا
ُقْل ِإِّن ي ال َأْم ِلُك َلُك ْم َض ًّر ا َو ال َر َش ًد ا ُقْل ِإِّن ي َلن ُيِج يَر ِني ِمَن ِهَّللا َأَح ٌد َو َلْن َأِج َد ِمن ُدوِنِه ُم ْلَت َح ًدا ِإَّال َب الًغ ا ِّم َن ِهَّللا َو ِر َس االِتِه َو َم ن
) َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َفِإَّن َلُه َن اَر َج َه َّن َم َخ اِلِديَن ِفيَه ا َأَب ًد ا ) الجن 23- 20
وقد اعتبر القرآن صالة مشركي العرب في المساجد صالة ضائعة غير مقبولة طالما استمروا في شركهم يقول تعالى " َم ا َك اَن
)ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن
أما الذي يقبل هللا صالته فهو المؤمن باهلل مخلصا هلل قلبه وعمله المتقى الذي ال يخشى إال هللا المصلى الذي يقيم الصالة في
قلبه وسلوكه وليس مؤديا لحركات الصالة فقط (َم ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد هَّللا َش اِهِديَن َع َلى َأنُفِس ِهْم ِباْلُك ْف ِر ُأْو َلِئَك
َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن ِ .إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال
) َهَّللا َف َعَس ى ُأْو َلِئَك َأن َي ُك وُن وْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ) التوبة 18 -17
.ومن أسف أن األقلية فقط هي التي تنطبق عليها اآلية سواء في عصرنا الراهن أو في العصر الجاهلي
إذن عرف العرب قبل اإلسالم الصالة في المساجد وان كانوا قد لوثوها بعبادة أولياء مع هللا وكانوا جميعا بعد نزول القرآن
.مشركين ومسلمين يؤدون الصالة في نفس المساجد وبعد أن هاجر المسلمون من مكة
دور قريش
قريش كانت أشهر وأقوى قبيلة عربية بسبب سيطرتها على الكعبة – بيت هللا تعالى الحرام – وسيطرتها على موسم الحج الذي
كان يفد إليه العرب في األشهر الحرم .سيطرت قريش على الحياة الدينية لكل العرب إذ كان لكل قبيلة صنمها الخاص الموضوع
في الحرم المكي ،وتقوم قريش على رعايته .استغلت قريش سلطتها الدينية في تأكيد سلطتها السياسية واالقتصادية فنعمت
باإليالف وهو حصانة قوافلها التجارية – رحلة الشتاء والصيف – من النهب واالعتداء ،و لعبت قريش دور الوسيط في نقل
تجارة الهند اآلتية إلى اليمن فحملتها إلى الشام لتصل إلى أوربا وروما ،وبالعكس حملت تجارة روما إلى اليمن لتسافر بحرا إلى
.الهند وآسيا
وازدادت قريش ثراء وأمنا في الوقت الذي عانت فيه القبائل األخرى من الفقر والتقاتل والسلب والنهب .هذه التجارة بالدين
استلزمت من قريش أن تحافظ على طقوس الشرك الديني والظلم االجتماعي في مجتمعها الرأسمالي القائم على وجود فجوة
هائلة بين المترفين األثرياء والجوعى من الرقيق والفقراء .تم عبور هذه الفجوة وتسويغها بالتدين السطحي الذي يحرص على
.أداء العبادات من صالة وصوم وحج وصدقات ،مع الحفاظ في نفس الوقت على الظلم والبغي والعصيان واالنحالل الخلقي
ابتدع هذا التدين السطحي تبريرات للمعصية تزعم أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا وان هللا تعالى أمرهم بها ( األعراف ،)28كما
استخدم تأدية الصالة ومناسك الحج والصدقة كمكفرات للذنوب ،أي طالما تصلي فال حرج عليك مهما ارتكبت من معاصي،
وطالما تحج فقد تم غفران ذنوبك .أي أصبح أداء العبادات ليس للسمو الخلقي والتقوى ولكن لتبرير المعصية والتشجيع عليها،
والغنى المترف يستطيع بماله أن يشترى الجنة بما ينفقه في عمارة لبيت الحرام ورعاية الحجاج .عالوة على شفاعة األولياء
والتي ساد االعتقاد الراسخ فيها في العصر الجاهلي مما استوجب من القرآن أن يرد عليهم مؤكدا أن هللا تعالى وحده هو الولي
.المقدس وهو الشفيع وهو الناصر يوم القيامة
ومن أسف أن تلك الثقافة القرشية ما لبث أن عادت رويدا رويدا بعد موت النبى محمد عليه السالم .ثم أصبحت سائدة حتى
.عصرنا .وبتلك الثقافة يتميز المتدين فى عصرنا عن الشخص العلمانى
.جاء اإلسالم ليهدد كهنوت قريش وتدينها السطحي الذي أضاع ملة إبراهيم
قريش اعترفت بان ما جاء به القرآن هو الهدى ولكنهم لو اتبعوا ذلك الهدى لفقدوا األمن والثراءَ :و َقاُلوا ِإن َّنَّت ِبِع اْلُهَد ى َمَع َك
) ُنَتَخ َّط ْف ِمْن َأْر ِض َن ا َأَو َلْم ُنَم ِّك ن َّلُهْم َح َر ًم ا آِم ًن ا ُيْج َب ى ِإَلْي ِه َث َمَر اُت ُك ِّل َش ْي ٍء ِر ْز ًقا ِمن َّلُد َّن ا َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم ال َيْع َلُم وَن ) القصص 57
لذلك أعلنها القرآن صريحة :أنهم يكذبون بالقرآن حماية لمصالحهم االقتصادية (َأَفِبَه َذ ا اْلَح ِديِث َأنُتم ُّم ْد ِه ُنوَن َ َو َت ْج َع ُلوَن ِر ْز َقُك ْم
) َأَّنُك ْم ُتَك ِّذ ُبوَن ) الواقعة 82-81
اختارت قريش أن تصلى دون أن تقيم الصالة وتؤتى الزكاة ،ألن إقامة الصالة تعنى تدمير مكانتها التي قامت على الظلم
.والفجور والتدين الفاسد القائم على استغالل الدين في السحت واالحتراف الديني
اضطهدت قريش المسلمين فاضطرت معظمهم إلى الهجرة إلى المدينة ،وبقى بعض المؤمنين في مكة وحاولوا أن يصلوا في
نفس المساجد ولكن المشركين القرشيين المعتدين منعوهم من دخولها فنزلت آية في المدينة تقول " َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد
ِهَّللا َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ى ِفي َخ َر اِبَه ا ُأْو َلِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإَّال َخ اِئِفيَن َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآلِخَر ِة َع َذ اٌب
)َع ِظ يٌم -البقرة 114
َك ْذ َف ُت َأ َأ
وعوضا عن ذلك أقيمت المساجد في المدينة لذكر هللا وحدة مصداقا لقوله تعالى " ِفي ُبُيوٍت ِذَن ُهَّللا ن ْر َع َو ُي َر ِفيَه ا اْس ُم ُه
ُيَسِّبُح َلُه ِفيَه ا ِباْلُغ ُد ِّو َو اآلَص اِل ِر َج اٌل اّل ُتْلِه يِهْم ِتَج اَر ٌة َو ال َبْيٌع َع ن ِذ ْك ِر ِهَّللا َو ِإَقاِم الَّص الِة َو ِإيَت اء الَّز َك اِة َي َخ اُفوَن َيْو ًم ا َتَت َقَّلُب ِفيِه
)-اْلُقُلوُب َو اَألْبَص اُر .النور 36
بل كان من أسباب تشريع القتال للمؤمنين وهم في المدينة أن تكون المساجد هلل تعالى وحده ليذكر فيها اسمه كثيرا دون غيره
وان تقام الصالة كيفية وسلوكا وتقوى دليال على تمكن المسلمين في أرضهم يقول تعالى " ُأِذَن ِلَّلِذيَن ُيَقاَت ُلوَن ِبَأَّن ُهْم ُظ ِلُم وا َو ِإَّن
َهَّللا َع َلى َن ْص ِر ِه ْم َلَق ِديٌر اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِه ْم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإَّال َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا ُهَّللا َو َلْو ال َد ْف ُع ِهَّللا الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت
َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم ِهَّللا َك ِثيًر ا َو َلَي نُصَر َّن ُهَّللا َم ن َي نُصُرُه ِإَّن َهَّللا َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز اَّلِذيَن ِإن َّم َّكَّن اُه ْم ِفي
اَألْر ِض َأَقاُم وا الَّص الَة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َو َأَمُر وا ِباْلَمْع ُر وِف َو َن َهْو ا َع ِن اْل ُم نَك ِر َو ِهَّلِل َع اِقَب ُة اُألُم وِر " .الحج41-39
إن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة تعنى التفاعل بالخير والمعروف مع المجتمع ،أو بالتعبير القرآني " :األمر بالمعروف والنهى عن
المنكر" والمعروف هي القيم العليا المتعارف عليها من الصدق واإلحسان والعدل واألمانة واإلخاء والسالم والشجاعة والمروءة
والمحبة والكرم والتسامح..الخ .والنهى عن المنكر يعن النهى عن كل الخصائص المذمومة من الظلم والبغي والبخل واألنانية
والعصيان .وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة تثمر مجتمعا تسود فيه هذه الفضائل ،وهذا ما كان عليه – في األغلب – مجتمع المدينة
.في عهد النبي محمد عليه السالم حين كانت إقامة الصالة تظهر واضحة في تعامل الناس فيما بينهم
نقول في األغلب ألن ضمان اإلسالم للحرية المطلقة في العقيدة والسلوك السلمي اتاح للمنافقين حرية الحركة في الدعوة
للمنكر والنهى عن المعروف بمثل ما كان المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .ولذلك انتشرت في
المدينة حركتان متناقضتان في جو من الحرية الدينية ال مثيل له حتى في عصرنا .المنافقون والمنافقات يأمرون بالمنكر
وينهون عن المعروف – عالنية – بينما المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر –عالنية – يقول تعالى:
اْلُم َن اِفُقوَن َو اْلُم َن اِفَقاُت َبْع ُضُهم ِّم ن َبْع ٍض َي ْأُمُر وَن ِباْلُم نَك ِر َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلَمْع ُر وِف َو َي ْق ِبُض وَن َأْي ِد َيُهْم َن ُس وْا َهَّللا َفَن ِس َيُهْم ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن
) ُه ُم اْلَفاِس ُقوَن ) التوبة 67
َأ ْل ْل
أي كانوا يقبضون أيديهم بخال ويقترفون المعاصي فسقا في المقابل يقول تعالى (َو ا ُم ْؤ ِم ُنوَن َو ا ُم ْؤ ِم َن اُت َبْع ُضُهْم ْو ِلَي اء َبْع ٍض
َي ْأُمُر وَن ِباْلَمْع ُر وِف َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلُم نَك ِر َو ُيِقيُم وَن الَّص الَة َو ُيْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو ُيِط يُع وَن َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُأْو َلِئَك َسَيْر َح ُمُهُم ُهَّللا ِإَّن َهَّللا َع ِز يٌز
َح ِكيٌم) التوبة )71جاء هنا األمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع طاعة هللا تعالى ورسوله – أي طاعة القرآن – توضيحا
إلقامة الصالة وإيتاء الزكاة .وقد سبق القول بان المنافقين كانوا يفعلون حركات الصالة خداعا ومراءاة للناس ( النساء )142
أي أن المشكلة لدى المشركين والمنافقين لم تكن على اإلطالق هو أداء حركات الصالة في مواقيتها ولكن إقامتها بالحفاظ عليها
.والخشوع فيها
وإذا كان للمشركين مساجد في مكة يؤدون فيها الصالة فان المنافقين في المدينة أيضا حين أرادوا إنشاء مركز في المدينة
لمقاومة اإلسالم أسرعوا بإقامة مسجد يكرر سيرة المشركين ومساجدهم الشركية وقال تعالى فيهم َو اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وْا َمْس ِج ًدا ِض َر اًر ا
َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب َهَّللا َو َر ُس وَلُه ِمن َقْب ُل َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإَّال اْلُحْس َن ى َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن )
" التوبة " 107أي اتخذوا المسجد حربا للمسلمين في عقر دارهم ،وكان المسلمون العاديين يأتون للمسجد للصالة فيه غير
مدركين لما يجرى فيه من تآمر ،بل المستفاد من اآلية التالية أن النبي محمدا عليه السالم كان مخدوعا في هذا المسجد وكان
يأتي أيضا للصالة فيه إلى أن نزل الوحي يخبر بحقيقة المسجد وينهى النبي عن اإلقامة فيه (َال َت ُقْم ِفيِه َأَب ًدا َّلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى
الَّت ْق َو ى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأن َي َت َط َّهُر وْا َو ُهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن )
ثم يقول تعالى يقارن بين مساجد المؤمنين ومساجد المشركين (َأَفَم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى َت ْق َو ى ِمَن ِهَّللا َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس
)ُبْن َي اَن ُه َع َلَى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر َج َه َّن َم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِمينَ) التوبة – 109
فالمساجد موجودة للصالة في العصر الجاهلي وبعد ظهور اإلسالم .والصالة يؤديها المسلمون والمشركون والمنافقون بنفس
الكيفية وفى نفس المواقيت ،وليست هناك مشكلة في عدد الركعات وكيفية الصلوات ومواعيدها ،ولو كان هناك خالف في هذا
لجعل منه المشركون والمنافقون قضية كبرى يتهمون فيها محمدا باالبتداع في الدين وهجر الصالة المتوارثة بكيفيتها
.ومواعيدها وهيئاتها منذ عهد إبراهيم
لم تكن حركات الصالة وأعدادها ومواقيتها مشكلة على اإلطالق .المشكلة كانت – وال تزال – هي تضييع الصالة بالشرك العقيد
والعصيان والفجور .المشكلة كانت – وال تزال – في إقامة الصالة وإيتاء الزكاة – بمعنى أن تثمر الصالة زكاة وتطهيرا للنفس
.وسموا في الخلق ،وليس أن تصبح رياء ووسيلة لخداع الناس واإلسراف في العصيان
وهكذا لم تستفد المشركون من صالتهم في هذه المساجد إال الضياع والخسران ،بل إن القرآن سخر من تأديتهم للصالة 5-
بمجرد الركوع والسجود وهم على ما هم عليه من تكذيب للقرآن واستمرار على العصيان فوصف هذه الصالة بحركات اللعب
واللهو التي تبعث على السخرية واالستهزاء ،وهو وصف دقيق لمن يصلى قائما راكعا ساجدا بمجرد حركات دون وعى ودون
)معنى ،يقول تعالى " َو َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِعنَد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوْا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن ) .االنفال 35
وقبل هذه اآلية الكريمة أوضح القرآن أنهم كانوا يستغفرون هللا وأن هللا تعالى سينجيهم بهذا االستغفار من الهالك في الدنيا
طالما لم يخرجوا النبي من مكة " َو َم ا َك اَن ُهَّللا ِلُيَع ِّذ َبُهْم َو َأنَت ِفيِهْم َو َم ا َك اَن ُهَّللا ُمَع ِّذ َبُهْم َو ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن ) .األنفال )33ولكن
العذاب ينتظرهم في اآلخرة مهما صلوا ودعوا هللا تعالى طالما ال يقيمون الصالة وال يؤتون الزكاة وال يتقون هللا تعالى" ُقْل َم ا
)َيْع َب ُأ ِبُك ْم َر ِّب ي َلْو ال ُد َع اُؤ ُك ْم َفَق ْد َك َّذ ْب ُتْم َفَس ْو َف َي ُك وُن ِلَز اًم ا ) ..الفرقان 77
وهكذا ضاعت صالتهم كما ضاع دعاؤهم هلل تعالى واستغفارهم إياه بسبب عصيانهم وتمسكهم بعبادة األولياء واألنصاب
.وعصيانهم وتكذبيهم للقرآن
مؤمنو أهل الكتاب ومؤمنو العرب المتمسكون بأصول ملة إبراهيم الحقيقية
وصراعهم مع المشركين الذين لم يقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة
وفى وسط هذه الظلمة الحالكة كان بصيص نور من اإليمان عند بعض أهل الكتاب ومن بقى متمسكا بالحنفية ملة إبراهيم من
.العرب
يقول تعالى عن أهل الكتاب " َلْيُس وْا َس َو اء " أي أنهم جميعا ليسوا في التدين مثل بعضهم وان كانوا جميعا أتباع دين واحد1-
هو الكتاب المقدس الحق الذي نزل القرآن الكريم يؤيده ويصدقه .لكنهم في التدين أو تطبيق الدين لم يكونوا سواء ،وتطبيق
الدين بصدق يعنى التقوى أو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة ،وهنا يختلف الناس حسب اإليمان والسلوك برغم الشعارات المرفوعة؛
بعضهم سابق في الخير وبعضهم توسط ،وبعضهم ضل وفسد ،وتتحدث اآلية عن الصنف المفلح من أهل الكتاب فتقول عنهم
بصيغة الجملة االسمية التي تفيد الثبوت والدوام في كل عصر وأوانِّ( :م ْن َأْه ِل اْلِك َت اِب ُأَّم ٌة َقاِئَم ٌة َي ْت ُلوَن آَي اِت ِهَّللا آَن اء الَّلْي ِل َو ْم
ُه
َيْس ُج ُدوَن ) أي قائمة بالدين إيمانا وشعائر وسلوكا أو بمعنى آخر هي أمة تقيم الصالة وتؤتى الزكاة ،ولذلك فإنهم كما قال تعالى:
" ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َي ْأُمُر وَن ِباْلَمْع ُر وِف َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلُم نَك ِر َو ُيَس اِر ُع وَن ِفي اْلَخ ْيَر اِت َو ُأوَلِئَك ِمَن الَّص اِلِحيَن ) ولذلك فان
هللا تعالى لن يضيع أجرهم ،فالمتقون هم أصحاب الجنةَ( :و َم ا َي ْف َع ُلوْا ِمْن َخ ْي ٍر َفَلن ُيْك َفُر وُه َو ُهَّللا َع ِليٌم ِباْلُم َّت ِقيَن ) آل عمران
)115-113
وأكد القرآن الكريم على إقامتهم الصالة وإيتاء الزكاة بالمفهوم القرآني أي بإخالص العقيدة هلل تعالى وحده وسمو السلوك2-
وتطهر القلب والجوارح ،فبعد أن ذكر هللا تعالى الصنف السيئ منهم وذكر بعض سيئاتهم ومنهاَ( :و َأْخ ِذِه ُم الِّر َب ا َو َق ْد ُنُهوْا َع ْن ُه
َ".و َأْك ِلِهْم َأْم َو اَل الَّن اِس ِباْلَب اِط ِل َو َأْع َت ْد َن ا ِلْلَك اِفِر يَن ِم ْن ُهْم َع َذ اًب ا َأِليًم ا) النساء " 161
قال مستدركا يصف الصنف المفلح السامي منهم َّ( :لِك ِن الَّر اِس ُخ وَن ِفي اْلِع ْلِم ِم ْن ُهْم َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبَم ا ُأنِز َل ِإَلْي َك َو َم ا ُأنِز َل
ِمن َقْب ِلَك َو اْلُم ِقيِميَن الَّص الَة َو اْلُم ْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر ُأْو َلِئَك َس ُنْؤ ِتيِهْم َأْج ًر ا َع ِظ يًم ا )"النساء "162
وصفهم بإقامة الصالة وليس مجرد التأدية الشكلية للصالة وهى تفيد تزكية النفس أو إيتاء الزكاة وتؤكد إيمانهم الصحيح باهلل
تعالى وحده إلها ال شريك له ،واإليمان الصحيح باليوم اآلخر الذي ال مجال فيه لشفاعة بشر أو حجر .هذا اإليمان الصحيح باهلل
تعالى واليوم اآلخر يعتبر أيمانا بكل الكتب السماوية ،لذا فهم مؤمنون بالقرآن الذي يصدق بما سبقه من كتاب سماوي .وبعدها
َأ َأ
يتحدث القرآن عن وحدة الوحي الذي نزل على محمد وعلى األنبياء السابقين فيقول تعالى " ِإَّن ا ْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا ْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح
َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه َو َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َم اِع يَل َو ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب َو اَألْس َب اِط َو ِع يَس ى َو َأُّي وَب َو ُيوُنَس َو َهاُر وَن َو ُس َلْيَم اَن َو آَت ْي َن ا
َداُو وَد َز ُبوًر ا " النساء )-163والحظ أن اآلية تفصل بين نوح ومن بعده من األنبياء الذين دمر هللا أقوامهم فلم تعد لهم باقية -
وبين إبراهيم وذريته التي استمرت وجاء منها األنبياء إسماعيل واسحق ويعقوب واألسباط وغيرهم إلى خاتم النبيين محمد
عليهم جميعا السالم ..أن الوحي واحد للجميع والصالة أيضا ،كما أن موقف الجميع واحد في تدينه ،منهم من أقام الصالة وآتى
.الزكاة بالمفهوم الذي عرفناه ،ومنهم من أضاع صالته وسقط في حضيض الكفر والعصيان
هذا ما حدث من األكثرية من الخلف في عدم إخالص القلب والعبادة هلل وحده مع أن ذلك ما جاء به الوحي لكل نبي .وبسبب
العصيان وعدم إقامة الصالة وإيتاء الزكاة تفرقوا من بعد ما جاءهم الوحي اإلله بالبينة " َو َم ا َت َفَّر َق اَّلِذيَن ُأوُت وا اْلِك َت اَب ِإَّال ِمن
َبْع ِد َم ا َج اَء ْت ُهُم اْلَبِّي َن ُة َو َم ا ُأِم ُر وا ِإَّال ِلَيْع ُب ُدوا َهَّللا ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ُح َن َف اء َو ُيِقيُم وا الَّص الَة َو ُيْؤ ُت وا الَّز َك اَة َو َذ ِلَك ِديُن اْلَق ِّيَم ِة ) .
البينة )- 4رفضوا ملة إبراهيم الحنفية فلم يخلصوا العقيدة واكتفوا بمجرد تأدية حركات الصالة إذا صلوا -دون إقامة حقيقية
.لها في القلب والحواس والسلوك
على أن هناك من العرب من ظل متمسكا بالحنفية مقيما للصالة مؤتيا للزكاة تاركا الظلم والعصيان وعبادة األصنام وهم3-
الحنفاء ،ذكر منهم تاريخ العرب شخصيات كثيرة منهم مثل زيد بن عمر بن نفيل وقس بن ساعدة االيادى وورقة بن نوفل،
وأولئك اخلصوا هلل تعالى صالتهم فقاموا بالصالة وفق ما أمر هللا وكانت لهم مع قومهم صرا عات دارت حول المساجد التي
حولها المشركون إلى معابد يذكر فيها اسم هللا تعالى ويذكرون معه األولياء وقبورهم المقدسة بمثل ما نفعل اليوم .يقول هللا
تعالى " اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِه ْم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإَّال َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا ُهَّللا َو َلْو ال َد ْف ُع ِهَّللا الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع
" َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم ِهَّللا َك ِثيًر ا َو َلَي نُصَر َّن ُهَّللا َم ن َي نُصُرُه ِإَّن َهَّللا َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز .الحج 40
وهذه القاعدة التاريخية االجتماعية تنطبق على تاريخ الصراع الديني في التاريخ اإلنساني ومنه تاريخ العرب قبل وأثناء ظهور
اإلسالم ونزول القرآن .نفهم من هذه القاعدة التاريخية االجتماعية إن أماكن العبادة للعرب وأهل الكتاب مثل الصوامع والبيع
والمساجد شهدت صراعات شتى بين أتباع الحق وأتباع الباطل ليس حول كيفية الصالة ،وإنما حول االستخدام السيئ لبيوت
العبادة في التجارة بالدين واالسترزاق منها .وذكر القرآن).الكريم طرفا من ذلك في قصة أهل الكهف وكيف أن السادة أقاموا
.على جثثهم مسجدا للتبرك بهم (.الكهف ) 21
إن العادة أن أصحاب السلطة والنفوذ هم الذين يسيطرون على المساجد لنهم هم الذين يشيدونها تكفيرا عن مالهم السحت
وامتصاصهم عرق الضعفاء ،وقد يؤدون الصالة إال أنهم ال يقيمونها ،بل يستخدمون سلطتهم على المساجد في منع الضعفاء
ممن يخالفهم في الرأي والتدين ،حتى لو كان أولئك الضعفاء متمسكين بالحق العقيدي والصالحات من األعمال .وهكذا فعلت
َل ْظ َأ
قريش بمن بقى في مكة من المسلمين بعد هجرة أغلب المسلمين إلى المدينة فمنعهم المشركون من دخول المساجد " َو َم ْن ُم
ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد ِهَّللا َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ى ِفي َخ َر اِبَه ا ُأْو َلِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإَّال َخ اِئِفيَن َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخ ْز ٌي َو َلُهْم
)ِفي اآلِخ َر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم )البقرة 114
َأ َأ
وذلك ما حدث مع النبي محمد نفسه حين منعوه من الصالة في البيت طالما يكفر باألصنام " َر ْي َت اَّلِذي َي ْن َه ى َعْب ًدا ِإَذ ا َص َّلى)
ويبين هللا تعالى أن ذلك الكافر أضاع نفسه بالمعاصي والضاللَ (:أَر َأْي َت ِإن َك اَن َع َلى اْلُهَدى َأْو َأَمَر ِبالَّت ْق َو ى ) إلى أن يقول تعالى
)لرسوله الكريمَ( :كَّال ال ُتِط ْع ُه َو اْس ُج ْد َو اْق َت ِر ْب ) العلق 9؛ 19
فقد تزعمت قريش حزب الشرك ،وبما لها من سيطرة على الكعبة أحاطتها باألصنام واألنصاب ليكون ألولئك األولياء نصيب في
الصالة التي تؤدى هلل في بيت هللا الحرام ،ومن ال يستحب لذلك كانوا يمنعونه من دخول الحرم ومن الصالة فيه ،فقال رب العزة
يتوعدهم َو َم ا َلُهْم َأَّال ُيَع ِّذ َبُهُم ُهَّللا َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْل َح َر اِم َو َم ا َك اُنوْا َأْو ِلَي اءُه ِإْن َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإَّال اْلُم َّت ُقوَن َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم َال
َ.يْع َلُم وَن ) األنفال 34
أي أن المتقين فقط هم األحق بوالية بيت هللا تعالى الحرام .فالمتقون هم الذين كانوا في ذلك الوقت يقيمون الصالة ويؤتون
الزكاة في قلوبهم وحواسهم وسلوكهم ،أما أولئك الذين يؤدون حركات الصالة من سجود وركوع دون خشوع ودون تقوى -بل
وصد عن سبيل هللا -فصالتهم لهو ولعب يستحقون عليها العذاب ،ولذلك تقول اآلية التالية تسخر من صالتهم – وهى مجرد
حركات عجلى بدون خشوع أو تقوىَ( :و َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِع نَد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوْا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن ) االنفال -
) 35.أي لم تردهم تلك الصالة إال عذابا يوم القيامة
خاتم النبيين (محمد ) متبع لملة إبراهيم حنيفا وليس بدعا من الرسل وليس منشئا لدين جديد
من األخطاء الكبرى أن يعتقد المسلمون إن محمدا خاتم النبيين قد جاء بدين جديد أو كان بدعا بين الرسل .لقد أمره ربه جل 1-
وعال أن يعلن أنه ليس متميزا عن الرسل السابقين وانه حتى ال يعلم الغيب مثل بعض الرسل السابقين – نقصد رسل هللا تعالى
بالطبع .اقرأ قوله تعالىُ( :قْل َم ا ُك نُت ِبْد ًع ا ِّم ْن الُّر ُس ِل َو َم ا َأْد ِر ي َم ا ُيْف َع ُل ِبي َو ال ِبُك ْم ِإْن َأَّت ِبُع ِإَّال َم ا ُيوَح ى ِإَلَّي َو َم ا َأَن ا ِإَّال َن ِذيٌر
) ُّم ِبيٌن ) األحقاف 9
وأمره ربه جل وعال أن يقتد بالهدى الذي جاء به من سبقه من األنبياء عليهم جميعا السالم .أقرأ قوله تعالى للنبي محمد بعد أن
قص هللا تعالى قصة هداية إبراهيم وذريتهُ ( :أْو َلِئَك اَّلِذيَن َهَدى ُهَّللا َفِبُهَداُه ُم اْق َت ِد ْه ُقل َّال َأْس َأُلُك ْم َع َلْي ِه َأْج ًر ا ِإْن ُه َو ِإَّال ِذ ْك َر ى
) ِلْلَع اَلِميَن ) األنعام 90
وأهم الهدى هو ما تعلق بطريقة العبادة أو ما يعرف بالملة .وإذا كانت األمم السابقة في المنطقة قد فنيت ولم يعد لها بقاء 2-
فقد بقيت أمم أخرى تكاثرت وانتشرت في كل أنحاء العالم ،منها في الشرق األوسط ذرية إبراهيم وهو أبو األنبياء وأبو شعبين
.هما ينو إسرائيل والعرب المستعربة ،وفيهما توارثت الذرية ملة إبراهيم من صالة وصوم وصدقة وحج وتالوة للكتاب اإللهي
ولكن تمسك أغلب الخلف بالحركات والتدين السطحي الظاهري المنافق المرائي دون إخالص الدين هلل تعالى فتحولت الطاعة
إلى عصيان ،ولهذا تعاقب األنبياء في بنى إسرائيل كلهم يدعو إلى العودة إلى األصل المضيء لملة إبراهيم ،أو " ملة إبراهيم
.الحنيفية" التي تعنى إخالص العقيدة هلل تعالى وحده وطهارة السلوك ،أو بمعنى آخر هو إقامة الصالة وإيتاء الزكاة
ثم جاء خاتم األنبياء جميعا من ذرية إسماعيل بن إبراهيم رسوال للبشر جميعا إلى قيام الساعة ينادى بنفس المهمة وهى اتباع
ملة إبراهيم حنيفا .أي باختصار هي دعوة إلصالح الدين األصلي – اإلسالم – الذي جاء به جده األكبر أبو األنبياء إبراهيم عليه
.السالم
نزل الوحي عليه يأمره بالتباع ملة أبيه إبراهيم في إن تكون صالته بل وحياته ومماته هلل وحده ال شريك له ،وأمره ربه أن
يعلن ذلك لقومه وللعالم ُ ":قْل ِإَّن ِني َهَداِني َر ِّب ي ِإَلى ِص َر اٍط ُّمْس َت ِقيٍم ِديًن ا ِقَيًم ا ِّم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) وفى
كلمات موجزة بليغة تشرح اآليتان التاليتان معنى اإلسالم وإخالص العقيدة في ملة إبراهيم (ُقْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َمْح َي اَي
َو َمَم اِتي ِهَّلِل َر ِّب اْل َع اَلِميَن َ .ال َش ِر يَك َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنْا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِميَن ) .االنعام )- 162/163إذن أصبح خاتم النبيين إماما
للمسلمين في التباع ملة أبيه إبراهيم الحنيف ،وداعية للعالم كله إلى التباع ملة إبراهيم الحقيقيةَ( :و َم ْن َأْح َس ُن ِديًن ا ِّمَّم ْن َأْس َلَم
) َو ْج َه ُه هَّلِل َو ُه َو ُمْح ِس ٌن َو اَّت َبَع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو اَّتَخ َذ ُهَّللا ِإْبَر اِهيَم َخ ِليًال ) النساء 125
ودائما تقترن كلمة (ملة إبراهيم )بوصف (حنيفا) أي حال كونه مخلصا في عبادة هللا وحده ال شريك له ،ذلك أن العرب كانوا
يدعون التمسك بملة إبراهيموهم مقيمون على الشرك ،وكما قلنا فان الملة هي طريقة العبادة وقد تمسك العرب بطريقة الصالة
المتوارثة من ركوع وسجود ومواقيت ولكن وقعوا في الشرك وأدمنوا البغي والعصيان ،وظنوا كما نظن اآلن أن مجرد الشكل
.يكفى ،وتناسوا – كما نتناسى نحن اآلن أيضا – معنى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة الذي أضاعوه وأضعناه
.لقد مدح رب العزة في القرآن إبراهيم عليه السالم وقال فيه ما لم يقله في أي نبي آخر 3-
فهو النبي الوحيد الذي عندما عاتبه ربه قرن العتاب بالمدح ،فعندما جاءت المالئكة لتبشر إبراهيم بابنه اسحق ثم يعقوب،
وتخبره بأنها ستدمر قوم لوط – أخذ إبراهيم يجادل ويدافع عن قوم لوط خوفا على المسلمين في داخل القرية ،دون أن يعرف
أن األمر اإللهي قد صدر فعال وأن هللا تعالى ال يبدل القول .اقرأ قوله تعالىَ( :فَلَّم ا َذ َه َب َع ْن ِإْبَر اِهيَم الَّر ْو ُع َو َج اَء ْت ُه اْلُبْش َر ى
) ُيَج اِد ُلَن ا ِفي َقْو ِم ُلوٍط ) وجاء تعليق رب العزة يمدح إبراهيم عليه السالم قائالِ( :إَّن ِإْبَر اِهيَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب ) هود 75 – 74
وإبراهيم هو النبي الوحيد الموصوف بأنه ( وّف ى ) أي أوفى ونجح في كل االختبارات التي امتحنه هللا تعالى بها َ {:و ِإْبَر اِهيَم
اَّلِذي َو َّف ى) النجم .) 37جاءه االختبار كلمات تقول له اذبح ابنك الوحيد ،اتركه غريبا في صحراء الحجاز عند البيت
الحرام..الخ وأتم إبراهيم تنفيذ كل تلك الكلمات فقال تعالى عنهَ (:و ِإِذ اْب َت َلى ِإْبَر اِهيَم َر ُّب ُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَت َّمُهَّن َقاَل ِإِّن ي َج اِع ُلَك ِللَّن اِس
ِإَم اًم ا) البقرة ) 124أي جعله هللا تعالى إماما لكل المتقين إلى قيام الساعة سواء كان أولئك المتقون من ذريته أو لم يكونوا.
وفى كل عصر وفى كل مكان بعد إبراهيم فان من يرفض ملة إبراهيم فقد ضل سواء السبيل ،يقول تعالى عنهَ (:و َم ن َيْر َغ ُب َع ن
ِّم َّلِة ِإْبَر اِهيَم ِإَّال َم ن َس ِفَه َن ْف َس ُه َو َلَق ِد اْص َط َفْي َن اُه ِفي الُّد ْن َي ا َو ِإَّن ُه ِفي اآلِخَر ِة َلِمَن الَّص اِلِحيََن ِإْذ َقاَل َلُه َر ُّب ُه َأْس ِلْم َقاَل َأْس َلْم ُت ِلَر ِّب
) اْلَع اَلِميَن ) البقرة 131 -130
وهو النبي الوحيد الذي تتالت اآليات تمدحه بما لم تقله في نبي آخر ،ثم تختتم بتقرير إن خاتم النبيين تابع له متبع لملته
ومأمور بذلك ،يقول تعالى عنهِ( :إَّن ِإْبَر اِهيَم َك اَن ُأَّم ًة َقاِنًت ا ِهَّلِل َح ِنيًفا َو َلْم َي ُك ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) أي كان وحده يعادل "أمة "أو
مجتمعا من الخير ،وكان يداوم العبادة مخلصا لربه ولم يقع في الشركَ (.ش اِك ًر ا َأِّلْن ُع ِمِه اْج َت َب اُه َو َهَداُه ِإَلى ِص َر اٍط ُّمْس َت ِقيٍم )( َو آَت ْي َن اُه
ِفي الُّد ْن َي ا َح َس َن ًة َو ِإَّن ُه ِفي اآلِخَر ِة َلِمَن الَّص اِلِحيَن ) إلى أن يقول تعالى لخاتم النبيينُ( :ثَّم َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َأِن اَّت ِبْع ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا
َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) النحل )123-120وهذا اإلصرار على وصف ملة إبراهيم بالحنفية التي تعنى عدم الوقوع في الشرك
يعنى الرد على أولئك الذين زعموا من العرب أن ملة إبراهيم عندهم هي مجرد التمسك بكيفية الصالة المتوارثة عن جدهم
.إبراهيم دون التمسك باإلخالص في العبادة هلل وحده وإسالم الرجة هلل تعالى وحده
وهو نفس الرد على أهل أبناء عم العرب ومن نسل إبراهيم الذين اعتقدوا أن اليهودية أو النصرانية هي استمرار لملة 4-
إبراهيم فقال لهم المولى عز وجل " َو َقاُلوْا ُك وُنوْا ُهوًدا َأْو َن َص اَر ى َت ْه َت ُد وْا ُقْل َب ْل ِم َّلَة ِإْبَر اِهيَم َح ِنيًفا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيََن .
.البقرة )135أي يدعوهم إلى الرجوع لملة إبراهيم الحنيفية
ًّي
وكان بعض أهل الكتاب في المدينة يعتقدون أنهم على الحق فى اتباع ملة إبراهيم ورد القرآن عليهم " َم ا َك اَن ِإْبَر اِهيُم َيُهوِد ا
َو َال َن ْص َر اِنًّي ا َو َلِكن َك اَن َح ِنيًفا ُّمْس ِلًم ا َو َم ا َك اَن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ِ .إَّن َأْو َلى الَّن اِس ِبِإْبَر اِهيَم َلَّلِذيَن اَّت َبُع وُه َو َه َذ ا الَّن ِبُّي َو اَّلِذيَن آَم ُنوْا َو ُهَّللا
َو ِلُّي اْلُم ْؤ ِمِنيَن )آل عمران ) 68-67أي أحق الناس بملة إبراهيم هو خاتم النبيين والذين اتبعوا هذه الملة من المؤمنين في كل
زمان ومكان .أي أن األمر ليس شعارا يرفع وإنما هو إتباع صادق للدين الحنيف الذي جاء به أبو األنبياء وأبو
المسلمين:إبراهيم عليه السالم ،لذا قال تعالى للمؤمنين " َو َج اِهُدوا ِفي ِهَّللا َح َّق ِج َه اِدِه ُه َو اْج َت َب اُك ْم َو َم ا َج َع َل َع َلْي ُك ْم ِفي الِّديِن ِمْن
)َ -ح َر ٍج ِّم َّلَة َأِبيُك ْم ِإْبَر اِهيَم ُه َو َس َّم اُك ُم اْلُمْس ِلِميَن ِمن َقْب ُل َو ِفي َه َذ ا ) الحج78
فملة إبراهيم هي إقامة الصالة هلل وحده والجهاد في سبيله تعالى وعبادته وحده دون ولي أو شريك...وقد تتالت األوامر
والنواهي على النبي بإخالص العبادة هلل وحده وعدم اتخاذ أولياء مع هللا الستعادة نقاء ملة إبراهيم .قال له ربهَ" :و َأْن ِقْم
َأ
َو ْج َه َك ِللِّديِن َح ِنيًفا َو َال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) .يونس . )105أي كانت دعوة محمد خاتم النبيين تتركز في إتباع ملة إبراهيم
.حنيفا بإخالص العبادة والصالة هلل وحده وفق ما كان إبراهيم يفعل في عبادته وفى صالته
قام الكهنوت القرشي على أساس اإلكراه في الدين ،واستعملوا نفس األسلوب مع خاتم النبيين ،لم يقبلوا أن يصلى هلل تعالى1-
دون أن يصلى لألولياء فأمروه بأن يجعل من صالته جزءا لألولياء وأمره هللا تعالى بالرفض تاركا لهم حرية الخيار في عبادة
غير هللا تعالى حيث ال إكراه في اإلسالم اقرأ هذا المعنى في قوله تعالى" ُقْل ِإِّن ي َأَخ اُف ِإْن َع َصْي ُت َر ِّب ي َع َذ اَب َيْو ٍم َع ِظ يٍم ُقِل َهَّللا
)َأْع ُب ُد ُم ْخ ِلًص ا َّلُه ِديِني َفاْع ُب ُدوا َم ا ِش ْئُتم ِّم ن ُدوِنِه "ُ " -قْل َأَف َغ ْيَر ِهَّللا َت ْأُمُر وِّن ي َأْع ُب ُد َأُّيَه ا اْلَج اِه ُلوَن ) .الزمر 13؛14؛15؛64؛
لقد امتن هللا تعالى على خاتم النبيين بأنه هداه إلى الحق بعد أن كان يعيش في نفس الضالل الذي عاشته قريش ،يقول تعالى2-
) له في أوائل ما نزل في القرآن الكريمَ( :و َو َج َد َك َض ااًّل َف َه َد ى ) الفجر 7
هداه هللا تعالى إلى الحق بالحق القرآني ،وما كان قبله يدرى ما الكتاب وال األيمانَ (:و َك َذ ِلَك َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك ُر وًح ا ِّم ْن َأْم ِر َن ا َم ا ُك نَت
َت ْد ِر ي َم ا اْلِك َت اُب َو ال اِإليَم اُن ) الشورى ) 52بالوحي القرآني ترك محمد عبادة األولياء واألنصاب وأخلص هلل تعالى عقيدته
.وفقا لملة أبيه إبراهيم ،فاشتد الضغط عليه من قريش ليعود إلى ما كان عليه من الشرك فى العقيدة
ومع كثرة ضغطهم عليه بأن يعود إلى ما كان عليه قبل النبوة والهداية أمره ربه أن يعلن أن هللا نهاه عن ذلك ،وأنه تعالى أمره
في القرآن بعدم العودة إلى الشرك الذى كان فيه قبل الوحي ُ ":قْل ِإِّن ي ُنِه يُت َأْن َأْع ُبَد اَّلِذيَن َت ْد ُع وَن ِمن ُدوِن ِهَّللا َلَّم ا َج اَء ِنَي
اْلَبِّي َن اُت ِمن َّر ِّب ي َو ُأِم ْر ُت َأْن ُأْس ِلَم ِلَر ِّب اْلَع اَلِميَن ) غافر )66أي أمره ربه جل وعال أن يعلن لهم أنه جل وعال قد نهاه عن عبادة
.غير هللا تعالى ،فقد جاءه الهدى في القرآن ،وأمره ربه جل وعال أن يسلم وجهه هلل تعالى وفق ملة إبراهيم
ِن ُدو ِمن وَن ُع ْد َت ِذيَن وتكرر الضغط القرشي عليه بالعودة لعبادة األوثان واألضرحة فتكرر نفس الرد( ُقْل ِإِّن ي ُنِه يُت َأْن َأْع ُب َد اَّل
ِ).هَّللا ُقل َّال َأَّت ِبُع َأْه َو اءُك ْم َق ْد َض َلْلُت ِإًذ ا َو َم ا َأَنْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ) األنعام 56
وتكرر نفس الموقف وجاءت آيات القرآن تحث النبي على التمسك بإخالص عقيدته لربه وأال يكون من المشركين مناصرا
للكافرين (َو َم ا ُك نَت َت ْر ُج و َأن ُيْلَق ى ِإَلْي َك اْل ِك َت اُب ِإَّال َر ْح َم ًة ِّم ن َّر ِّب َك َفال َتُك وَن َّن َظ ِه يًر ا ِّلْلَك اِفِر يَن َو ال َيُص ُّد َّن َك َع ْن آَي اِت ِهَّللا َبْع َد ِإْذ
ُأنِز َلْت ِإَلْي َك َو اْد ُع ِإَلى َر ِّب َك َو ال َتُك وَن َّن ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن َو ال َت ْد ُع َم "> عرفنا أن ذرية إبراهيم من العرب وأهل الكتاب توارثوا كيفية
الصالة ومواقيتها ضمن ما توارثوه من ملة إبراهيم ولكنهم اكتفوا بالشكل الذي يؤدون به الصالة وتركوا القلب والجسد مرتعا
.يحيله الشيطان كفرا ومعصية
ونزل القرآن يدعو لإلتباع الصحيح لملة إبراهيم ويحذر من الشرك والمعاصي ويأمر بالمحافظة على الصالة وليس مجرد تأدية
الشكل دون المضمون.ويلفت النظر أن األوامر الخاصة بالصالة كانت بلفظ " أقيموا الصالة " أي أقيموها في قلوبكم خشوعا
وفى جوارحكم طاعة وتقوى.واأللف والالم في "الصالة " تفيد العهد أي الصالة المعهودة المعروفة لديكم أقيموها وحافظوا
.عليها
َل ْا ُظ
وقد تكرر األمر بإقامة الصالة في أكثر من أربعين موضعا باإلضافة إلى أوصاف أخرى تفيد نفس المعنى مثل " َح اِف و َع ى
الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وْا ِهَّلِل َقاِنِتيَن ....البقرة )238واالستعانة على كل شيء بالصالة والصبر (َو اْس َت ِعيُنوْا ِبالَّص ْب ِر
)َو الَّص الِة) ...البقرة 45
ْل
وأولئك الذين كانوا يؤدون الصالة دون إقامتها والمحافظة عليها كالمنافقين وصف القرآن طريقتهمِ :إَّن ا ُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن َهَّللا
َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وْا ِإَلى الَّص الِة َقاُم وْا ُك َس اَلى ُيَر اُؤ وَن الَّن اَس َو َال َي ْذ ُك ُر وَن َهَّللا ِإَّال َقِليًال) النساء " 142فهم لم يقيموا الصالة
وإنما يتكاسلون في أدائها في الظاهر ويراءون الناس بينما ال يذكرون هللا تعالى في قلوبهم وفى سلوكهم ولو فعلوا لكانوا متقين
مقيمي الصالة .وهللا تعالى لن يقبل منهم هذه الصالة التي يؤدونها رياء وهم كسالىَ( :و َال َي ْأُتوَن الَّص الَة ِإَّال َو ُه ْم ُك َس اَلى .التوبة
)54.فلن تغنى عنهم شيئا فهم في الدرك األسفل من النار مهما ركعوا وسجدوا
إن فريضة الصالة صلة متجددة بين المسلم وربه ،ولذلك تتوزع طيلة النهار منذ بداية اليقظة في الفجر حتى بداية النوم في
العشاء ،وفيما بين أوقات الصالة يظل المؤمن محافظا على صلت بربه إذا أقدم على معصية بعد فريضة الظهر أدرك انه سيصلى
العصر هلل تعالى فكيف يخشع في صالته وهللا اعلم بإصراره على المعصية ؟ إذن فالصالة الحقيقية التي يحافظ عليها صاحبها أو
.التي يقيمها صاحبها هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر
وهذا هو جوهر الحنيفية التي تعلمها الناس من إمامهم إبراهيم ولكن ما لبث الشيطان أن أغرقهم في الشكل والحركات وعبث
بالقلب والجوارح فأحدث فجوة بين الصالة والسلوك .وهكذا كان العرب حين نزل القرآن يعرفون حركات الصالة ومواقيتها
ويؤدونها مجرد تأدية ولكن ال يقيمونها في سلوكهم وال في قلوبهم فنزل القرآن يصحح الوضع لتكون الصالة صلة متجددة
بالمولى عز وجل ووسيلة لتقواه وإخالص الدين له تعالى وحده.لو كان هناك تقصير آخر أو جهل بمواقيت الصالة وحركاتها
وكيفية تأديتها ألوضحه رب العزة ولكن كان حال العرب في الجاهلية كالمثل الذي نقوله اآلن " هذه نقرة وهذه نقرة" .وهذا
مثل شعبي مصري عن االنفصال بين الصالة والسلوك السيئ ،إذ أن الشيطان فعل بنا مثلما فعل مع السابقين ،فالشيطان لم يقدم
.استقالته
أخيرا نقول إن محمدا عليه السالم كان متبعا لملة إبراهيم ،ونزل عليه القرآن بالدعوة إلصالحها في تشريعاتها ،ولم يكن مبعوثا
بدين جديد ال يعرفه العرب .ومن هنا فانه ليس منتظرا منه اإلتيان بصالة جديدة أو تشريعات جديدة بالكامل وإنما نزل القرآن
ليتعامل مع مجتمع تم فيه تحريف ملة إبراهيم فجاء القرآن لتصحيح ما تم تحريفه وإقرار ما لم يتم تحريفه ،أما التشريعات
.الجديدة في سياق ملة إبراهيم فقد نزل القرآن يفصل ويشرح بنودها
.هذا ما نتوقف معه بالشرح في الفصل التالي
لو كان العرب حين نزل القرآن يجهلون صالة المغرب وعدد ركعاتها وصالة الجمعة وكيفيتها لجاءت تفصيالت القرآن تعلم 1-
الناس ما يجهلون من عدد ركعات الصالة وكيفيتها ومواقيتها وكل شيء عنها .ولكن العرب توارثوا حركات الصالة جيال بعد
جيل مثلنا اآلن ،وكانوا يؤدون الصالة دون أن يقيموها أو يحافظوا عليها -مثلنا اآلن أيضا -فجاء القرآن يخاطبهم -ويخاطبنا
.أيضا -بعالج هذا الخلل الخطير في القلب وفى السلوك
وللناس عادة سيئة مع آيات هللا فال يحاولون التدبر فيها بل يقرأون القرآن باللسان فقط ،وبالتعود تفقد األلفاظ مدلولها وتصبح
..اآليات مجرد كلمات منظومة يتغنى بها المنشدون في حفالت السمر ومناسبات العزاء
يقول تعالىَّ (:م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ) األنعام " 38فلكل شيء اصل في القرآن ،وإذا لم يكن له تداخل في إحدى 2-
قواعد القرآن فله صله في إحدى تفصيالت القرآن ،إذ ال تفريط في كتاب هللا .ومعنى أن القرآن ما فّر ط في شيء أنه لم يترك
شيئا ـ يحتاج الناس لتوضيحه ويكون تركه تفريطا ـ إال أوضحه وأبانه .أما من يتهم كتاب هللا تعالى بالتفريط والنقصان
واالحتياج للبشر فانه يخلق مسائل ومشاكل ويتوجه بها لكتاب هللا تعالى معاجزا يبحث عن إجابة لما اخترعه من مشاكل
ومسائل ليثبت لنفسه واآلخرين نقصان كتاب هللا تعالى وتفريطه ،وليثبت أن كتاب هللا تعالى قد فّر ط في شيء وأشياء ،وليتهم
".رب العزة بالكذب حين قال " َّم ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء
العجيب أنه مع اختالف المسلمين طوال تاريخهم في كل شيء فقد اتفقوا على عدد الصلوات وكيفيتها ولم تكن لهم بشأنها
مشكلة على اإلطالق ،إال حين ظهرت الدعوة لالكتفاء بالقرآن وحده فتكاثرت االتهامات للقرآن الكريم والتكذيب له ومحاولة
معاجزته بأسئلة عن عدد ركعات الصالة وكيفياتها ومواقيتها ،وطالما لم تكن موجودة في القرآن فاهلل تعالى يكون عندهم كاذبا
في قولهَّ( :م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ) .تناسوا أن المجال متاح لمن يكّذ ب بالقرآن ولمن يتهم رب العزة بالكذب بدال من أن
يقول "صدق هللا العظيم " ،بل تناسوا أن هللا تعالى قد أنبأ سلفا في القرآن بأنهم سيفعلون ذلك .وهاهم يحققون فيهم أعجاز
.القرآن الكريم
إن تفصيالت القرآن ال تغطى كل ما ال داعي له ،واال تكاثرت آيات القرآن بحيث ال تكفيها البحار مدادا وال األشجار أقالما3- ،
وهذا وجه من أوجه اإلعجاز في تفصيالت القرآن ،فليست تفصيالت القرآن ثرثرة -حاش هلل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا -ولكن
تفصيالت القرآن جاءت بإحكام دقيق " ِك َت اٌب ُأْح ِك َم ْت آَي اُتُه ُثَّم ُفِّص َلْت ِمن َّلُدْن َح ِكيٍم َخ ِبيٍر ) هود "2أي جاءت من لدن الحكيم
الخبير جل وعال ،فتعالى هللا تعالى أن تكون تطويال ال فائدة منه ،بل جاءت على أساس منهجية علمية دقيقة " َو َلَق ْد ِجْئَن اُهم
ِبِك َت اٍب َفَّص ْلَن اُه َع َلى ِع ْلٍم ُهًدى َو َر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن ) ..األعراف "52أي أن الذي يفهم األسس العلمية للتفصيالت القرآنية ليس
...كل الناس وإنما هم فقط أولئك الذين يؤمنون به ،ولذا تكون لهم هدى ورحمة
ويسيء الناس فهم البيان القرآني حين يسعون في آيات هللا معاجزين يطالبون بتوضيح كل تفصيالت الحياة ومفرداتها4- .
فالبيان ال يكون إال للغامض الذي يتطلب التبيين والتوضيح .يقول تعالىَ :و َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء َو ُهًدى َو َر ْح َم ًة
"َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِميَن ) .النحل 89
فبيان القرآن الكريم – مثل تفصيالت القرآن – هي أيضا هدى ورحمة لمن يستحقها وهم المسلمون الحقيقيون وليس أولئك
.الذين يسعون في آيات هللا تعالى معاجزين
أولئك المكذبون للقرآن يشترطون لإليمان بالقرآن وأنه نزل تبيانا لكل شيء أن ترد فيه تفصيالت الصالة وعدد ركعاتها
ومواقيتها وهيئاتها .هم ال يفهمون أن البيان إنما يكون فقط للغامض المستحق التوضيح ،أما الواضح الظاهر البائن بنفسه فال
يتطلب توضيحا واال كان إهانة للقارىء واتهاما له بالغباء والجنون ،عالوة على أنها ثرثرة ال تليق بكتاب بشرى عادى فكيف
بكتاب هللا تعالى الذي نزلت تفصيالته على علم وحكمة .وإذا كان العرب يؤدون صالة المغرب ثالث ركعات فان من العبث ومن
.السخرية بهم أن يأمرهم القرآن بان يصلوا المغرب ثالث ركعات
َل ْل ْل ْط َف
المؤمن بالقرآن الكريم ال يسارع باتهام هللا تعالى بالكذب حين قالَّ( :م ا َّر َن ا ِفي ا ِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء ) وحين يؤكدَ( :و َنَّز َن ا َع ْي َك
اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) وال يقول معاجزا لرب العزة فأين كذا وكذا في القرآن متحديا ربه جل وعال ،بل يقول :صدق هللا العظيم،
ويسجد مؤمنا بقوله تعالى ،ثم يبحث متدبرا في القرآن متفهما لمصطلحاته طالبا من ربه جل وعال الهداية بإخالص .عندها
سيكرمه ربه جل وعال بالهداية ويفتح له من كنوز القرآن ما لم يكن يتخيل ،وعندها يعرف أن تفاصيل القرآن قد جاءت فعال عن
.علم ،وأنها هدى ورحمة لمن يستحقها
.حينئذ يعرف أن للقرآن منهجا في تفصيالتة التشريعية
على أن الشيطان لم يقدم استقالته وسيظل له أتباع من أكثرية البشر وبين من ينتسب لإلسالم .وأولئك لن يكفوا عن التكذيب
بالقرآن واتهامه بالتفريط وحاجته للبشر كي يكملوه ويوضحوه ،وفى سبيل ذلك سيظلون يسعون في آيات هللا تعالى معاجزين،
.وستظل تلكك مهمتهم ومهنتهم إلى قيام الساعة
:هذا ما أشار إليه رب العزة في القرآن الكريم نفسه
:اقرأ قوله تعالى يخبر عن ذلك سلفا
َأ ُأ
الحج َ)51و اَّلِذيَن َس َعْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ْو َلِئَك ْص َح اُب اْلَج ِحيِم (
َو اَّلِذيَن َس َعْو ا ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك َلُهْم َع َذ اٌب ِّم ن ِّر ْج ٍز َأِليٌمَ .و َيَر ى ا ِذيَن وُتوا ا ِع َم ا ِذي نِز َل ِإ ْي َك ِمن َّر ِّب َك ُه َو ا َح َّق (
ْل َل ُأ َّل ْل ْل ُأ َّل
سبأ َ) ) 5و َيْه ِدي ِإَلى ِص َر اِط اْلَع ِز يِز اْلَح ِميِد
)سبأ 5؛6؛َ) 38و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن (
ولسنا هنا في معرض الرد عليهم وإنما إلنصاف القرآن الكريم من اتهاماتهم ،وذلك بالتعرف علي منهج القرآن الكريم في
تفصيالته التشريعية حتى ال ينخدع بعض السطحيين باتهاماتهم ويبادر باتهام هللا تعالى بأنه فرط في كتابه حين لم يذكر عدد
.ركعات الصالة وبأنه ما فصل في القرآن كيفية الصالة أو أنه ما أبان في القرآن فرائض الصالة من الفجر للعشاء
وحتى بدون الحاجة إلى التعرف على هذا المنهج يمكن ألحدهم إذا كان سليم النية أن يسأل نفسه بصدق :هل قرأ في صغره كتب
.الحديث والفقه وتعلم منها كيفية الصالة وركعاتها ؟ أم قد تعلم ذلك من الصغر بالتوراث والمشاهدة ؟
لم يقرأ أي واحد منهم كتب البخارى ومسلم وابن حنبل وغيرهم وتعلم منها الصالة .ولو كانت تلك الكتب مرجعية للصالة فكيف
كان الناس قبل أولئك األئمة بقرنين من الزمان يؤدون الصالة ؟
.منهج القرآن الكريم في تفصيالت التشريع
يلفت النظر أن معظم تشريعات القرآن لم تأت في سياق موضوعي واحد ،أو في سياق زماني واحد ،وإنما تناثرت بين السور في
.إيجاز أحيانا وفى تفصيل أحيانا أخرى
لو كان القرآن قد نزل بشريعة جديدة ليست معروفة من قبل لكان منتظرا أن تأتى التشريعات منتظمة متتابعة متتالية في سياق
موضوعي وزمني واحد .إال أن القرآن نزل على قوم يؤدون الصالة والصدقة والحج والصيام ،ولكن طال عليهم األمد فقست
قلوبهم فبدلوا وحرفوا فاختلطت حياتهم الدينية بأصول حقيقية من ملة إبراهيم مع تحريفات قديمة وأخرى حديثة ،اختلط
التطبيق الصحيح بالتطبيق الفاسد ،فنزل القرآن الكريم يعالج ما تم تحريفه قديما وما استجد تحريفه وما تم نسيانه وما يساء
.تطبيقه
.وهناك ما هو أهم
أن الوحي القرآني لم ينزل في فراغ بل في بيئة متحركة حية تطبق ملة إبراهيم وتحريفاتها في نفس الوقت ،ولهذه التحريفات
أنصار ،وقد نشأت عليها مصالح تتمثل في قريش وحمايتها لألنصاب واألصنام والظلم واالستغالل .ودفع المسلمون الثمن
اضطهادا وتعذيبا ،ثم هجرة وحروبا فرضها المشركون المعتدون عليهم .وكان ال بد أن ينعكس هذا الصراع على الوحي فكان
يأتي مستجيبا أحيانا لألحداث بالتعليق والتصحيح وبالحوار ،لذا كان يتكرر التشريع الواحد يفصل ما سبق إيجازه ويشرح ما
سبق اإلشارة إليه ،ويؤكد ما سبق قوله ،وانعكس هذا على ما يخص العبادات أي ملة إبراهيم والتدين السائد بما فيه من صحيح
.وتحريف .فنزل الوحي يصحح ويعلق ويجيب األسئلة
نزل القرآن على قوم يزعمون التمسك بملة إبراهيم ومنهم من كان يقرأ صحف إبراهيم وتوراة موسى حتى لقد اتخذ القرآن من
صحف إبراهيم وموسى الموجودة عندهم حجة عليهم يقول عن بعضهم " َأْم َلْم ُيَن َّب ْأ ِبَم ا ِفي ُصُح ِف ُم وَس ى َو ِإْبَر اِهيَم اَّلِذي َو َّفى)
النجم ) 37- 36وكان منهم علماء تخصصوا في السفسطة والجدال في آيات هللا تعالى فنهى هللا تعالى عن جدالهم ( األنعام
( ) 121غافر 4ـ 35ـ ( ) 56الشورى 16ـ ) 35وقال عنهم في إحدى مجادالتهم (َم ا َض َر ُبوُه َلَك ِإَّال َج َدال َب ْل ُه ْم َقْو ٌم
) َخ ِص ُم وَن ) الزخرف 58
وقد كان في حياتهم الدينية الصحيح والفاسد ،كان منها ما بقى من ملة إبراهيم دون تغير وما ادخلوه من تخريف وتحريف،
ونزل القرآن بتفصيالته التشريعية ال يتعرض لتوضيح التشريع الواضح الذي ال تغيير فيه ـ مثل هيئة الصالة ومواقيتها ـ بل
.تركزت تفصيالته على عالج التحريف الحادث ،ثم إذا جاء تشريع جديد نزل مفصال واضحا
:وهذا هو منهج التفصيل في تشريعات القرآن
.الواضح الذي لم يلحقه تغيير ال يحتاج بيانا
.أما التحريف في القديم والتشريع الجديد فالبد لهما من التفصيل الذي يعالج التحريف ويفصل في التشريع الجيد
.ونعطى أمثلة
:في تشريع جديد جاء ألول مرة
)الميراث (
من العادات السيئة للبشر ـ حتى في داخل األسرة الواحدة ـ أن يستأثر األكبر بكل ما يستطيع من ثروة العائلة آكال حقوق أهله
وأقرب الناس إليه .والمرأة هي األكثر تضررا إذا كانت أختا أو بنتا أو عمة أو أّم ا .تستوي في ذلك المجتمعات الصحراوية
والمجتمعات الزراعية .إال أن الظلم الذي يقع على المرأة في المجتمعات الزراعية أخف وطأة ،بسبب الدور الذي تلعبه الدولة
والمرأة في البيئة الزراعية المستقرة بما يخفف من مسئولية الرجل وسطوته أيضا .ومع ذلك يظل ظلم المرأة قائما ،وتظل
.مساواتها بالعدل مع الرجل قضية تستحق النضال ،هكذا كانت وال تزال في الغرب والشرق على السواء
.يتجلى هذا في قضية الميراث بالذات
أنصف اإلسالم المرأة ولكن تدين المسلمين ما لبث أن ظلم المرأة ومنعها حقوقها .حتى اآلن فمن النادر أن تأخذ المرأة
المصرية ميراثها كامال من األرض الزراعية أو من العقارات .وهى في األغلب ترضى بهذا الظلم خصوصا في الريف والصعيد.
أما في البيئة الصحراوية فالمشكلة أعقد ،نلمحه من تردى وضع المرأة السعودية في عصرنا الحالي ،وهى تعانى من نير الثقافة
.الصحراوية ونار الفقه السلفي المتزمت الذي أعاد ظلم وظالم الرؤية الصحراوية للمرأة وجعلها تشريعا سنّي ا وهابيا
في البيئة الزراعية تقوم الدولة بمعظم األعباء المفروضة على الرجل ،يقوم جيشها بحماية الوطن من العدو الخارجي وتقوم
شرطتها بحماية األسرة من الخطر الداخلي ،كما تقوم على أمور الري والصرف والسماد وتيسير ومساعدة الفالح في عمله .فى
البيئة الصحراوية التقليدية القديمة انعدم دور الدولة ووقع على كاهل رجال القبيلة أن يكونوا الجيش والشرطة فأصبح رجل
األسرة هو المكلف بكل األعباء من حماية األسرة وحراستها ورعايتها والسعي وراء الكأل باإلبل واإلغارة على اآلخرين ليقوم
بواجب كفالة األسرة .المرأة هنا أصبحت ضمن المتاع المملوك للرجل سواء كانت ابنته أو زوجته .وتنتقل ملكيتها لألقوى الذي
يغير على القبيلة ويهزم رجالها وينهب متاعها ( الصامت والناطق ) من نساء وأطفال وابل ومال .والمرأة تستسلم لألقوى
المغير و ليست ملومة على ذلك ،إنما يقع اللوم على الذي فّر ط في حريمه ومتاعه .طبقا لهذه الثقافة كان إعطاء المهر في
الزواج إنما يكون لألب أو ولى أمر المرأة وليس للمرأة .وكان يحدث توارث المرأة في الزواج فاالبن األكبر يرث زوجة أبيه
وتؤل إليه ،وهذا ما حّر مه القرآن الكريم ( النساء )22ويرث األخ أرملة أخيه ويتم إكراهها على الزواج منه ،وقد حّر م هللا
تعالى هذا اإلكراه في الزواج ،وان كان زواج األخ بأرملة أخيه صحيحا في حد ذاته إال أن اإلكراه حرام ،يقول تعالى وقد جعلها
قضية عامةَ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال َي ِح ُّل َلُك ْم َأن َت ِر ُثوْا الِّن َس اء َك ْر ًها َو َال َت ْع ُض ُلوُهَّن ِلَت ْذ َه ُبوْا ِبَبْع ِض َم ا آَت ْي ُتُم وُهَّن ) ..النساء ) 19
والعضل هو منع النساء من الزواج اذ كان أخو الزوج المتوفى يمارس حق وراثة أرملة أخيه فيمنعها من الزواج إال بعد أن
تدفع له ماال قد يكون هو المهر الذي ستحصل عليه من العريس القادم .بعد نزول القرآن اخترعت البيئة الصحراوية والفقه
السني نوعا آخر من الزواج أعاد ثقافة استعباد المرأة تحت اسم " زواج الشغار" ،وبه يتفق رجل مع رجل آخر أن يتزوج كل
منهما ابنة اآلخر بدون صداق ،أو بأن يتبادال الصداق ليأخذه كل منهما بدال من العروس ،ويستمتع كل منهما بابنة اآلخر
.وشبابها بدون دفع صداق حقيقي
تلك لمحة عن الظروف التي نزل فيها ألول مرة تشريع الميراث في بيئة صحراوية قوية التأثير إلى درجة أنها أعادت إنتاج
نفس الثقافة المضادة لإلسالم بعد اإلسالم ونسبتها لإلسالم تحت اسم السنة .نزل القرآن الكريم في تلك البيئة الظالمة ،وفى أشد
العصور الوسطى ظالما وإظالما ،أي ظلمة الزمان وظلمة المكان ،ومع ذلك جاء بأروع التشريعات وأكثرها تقدمية وعدال ،لوال
.ما فعله به أتباعه المسلمون السنيون وغيرهم
.ونتوقف اآلن مع منهج القرآن في تشريع الميراث باعتباره تشريعا نزل ألول مرة
:هنا نالحظ اآلتي
إن التشريع جاءت تفصيالته متتابعة في سياق واحد ،ألنه تشريع جديد ينزل ألول مرة ،بدأ باآلية السابعة من سورة النساء
.واستمر إلى اآلية الرابعة عشر من نفس السورة
ْقَأل ْل َت َن ِّل ّن
بدأ هذا السياق المتتابع بتمهيد يلخص تشريع الميراث بحسم وحزم يقرر أ ه ( لِّر َج اِل ِص يٌب ِّمَّم ا َر َك ا َو اِلَداِن َو ا َر ُبوَن
َو ِللِّن َس اء َن ِص يٌب ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ِم َّم ا َقَّل ِم ْن ُه َأْو َك ُثَر َن ِص يًب ا َّم ْف ُر وًض ا) النساء " ."7اآلية تؤكد من البداية العدل بين
الرجال والنساء فيما يرثونه من تركة الوالدين واألقربين .تأكيد العدل جاء واضحا بقول نفس العبارة للرجال (ِّللِّر َج اِل َن ِص يٌب
ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ) ثم تكرارها بنفس األلفاظ للنساء َو ِللِّن َس اء َن ِص يٌب ِّمَّم ا َت َر َك اْلَو اِلَداِن َو اَألْق َر ُبوَن ) ثم التأكيد على أن
ذلك يسرى على كل التركة بغض النظر عن قيمتها قليلة فقيرة ،أو ثمينة غزيرة(ِم َّم ا َقَّل ِم ْن ُه َأْو َك ُثَر َن ِص يًب ا َّم ْف ُر وًض ا ) .إذن هو
.عدل على مستوى الورثة وعدل على مستوى التركة ،أو قل على المستوى األشخاص والموضوع معا
حرصا على االلتزام بتطبيق تشريع الميراث جاء في سياق التشريع جاءت نصيحتان ،األولى لكل إنسان يتوقع الموت بأنه إذا
كان قلقا على ذريته من الصغار والضعاف من بعده فعليه بتقوى هللا تعالى والتزام الحقَ( :و ْلَي ْخ َش اَّلِذيَن َلْو َت َر ُك وْا ِمْن َخ ْلِفِهْم
ُذ ِّر َّي ًة ِض َع اًفا َخ اُفوْا َع َلْي ِهْم َفْلَي َّت ُقوا َهَّللا َو ْلَي ُقوُلوْا َق ْو ًال َس ِديًدا
يعنى إذا خاف على مستقبل ذريته من بعده فليتق هللا تعالى وليقل الحق وحينئذ سيتكفل بهم الرحمن الرحيم جل وعال .وقد ).
ذكر القرآن في موضع آخر قصة الغالمين اليتيمين في المدينة ،وقد كان أبوهما صالحا ،وقد ترك لهما كنزا ،وقد عاشا في
رعاية هللا تعالى وكنفه بسبب صالح أبيهما المتوفى ( الكهف .) 82اآلية التالية جاءت تحذيرا شديدا لمن يأكل أموال اليتامى أو
ميراثهم ،إذ سيتحول هذا المال الحرام إلى نار في بطونهم وهم يذوقون عذاب السعيرِ( .إَّن اَّلِذيَن َي ْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَي َت اَم ى ُظ ْلًم ا ِإَّن َم ا
َي ْأُك ُلوَن ِفي ُبُط وِنِهْم َن اًر ا َو َسَيْص َلْو َن َس ِعيًر ا )
بعد التمهيد الذي يؤكد على العدل ،وبعد النصح والتحذير حتى يكون التطبيق على أكمل مستوى جاءت تفاصيل تشريع الميراث
في آيتين (النساء )12 ،11
بعد إيراد تفصيالت تشريع الميراث في اآليتين المشار اليهما جاء تحذير آخر صارم لمن يبغى على حدود هللا تعالى .مصطلح
الحدود في القرآن الكريم ال يعنى العقوبة وإنما يعنى الحق والشرع االلهى .وتشريع الميراث أحد حدود هللا تعالى ومن ينتهك
هذه الحدود ويتعداها عاصيا هلل تعالى فجزاؤه الخلود في النار يتجرع فيها العذاب المهين .ومن يطع هللا تعالى ورسوله ـ
الرسول هنا فى مصطلح القرآن يعنى الرسالة أي القرآن ـ فجزاؤه الخلود في الجنة .وذلك هو الفوز العظيمِ( .تْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َو َم ن
ُيِط ِع َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُيْد ِخْلُه َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا َو َذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يمَ .و َم ن َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َو َي َت َع َّد ُح ُدوَد ُه
ُي ْد ِخْلُه َن اًر ا َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َلُه َع َذ اٌب ُّم ِه يٌن ُ ) أي تخيل انك حرمت أخاك أو أختك من بعض ارثه ،وكان هذا الميراث قليال تافها ال
يتعدى بعض المواشي أو بعض النقود ،فان مصيرك إلى النار مهما عملت من طاعات ،هذا هو منطق اآلية ،و ال نجاة لك إال إذا
.أديت الحق ألصحابه قبل موتك وتبت توبة نصوحا عن انتهاكك لحدود هللا تعالى
بعد تشريع الميراث وردت للنبي محمد أسئلة تتعلق بمواضع لم يرد ذكرها بالتحديد .وألن النبي محمدا عليه السالم ليس مفوضا
باإلجابة وال يملك إعطاء الفتوى حتى لو كان قادرا على الفتيا وعالما باإلجابة ،فانه عليه السالم انتظر أن تأتى اإلجابة من هللا
تعالى وحيا قرآنيا .وهكذا استفتوا النبي محمدا فانتظر الفتوى من الوحيَ( :يْس َت ْف ُتوَن َك ُقِل ُهَّللا ُيْف ِتيُك ْم ِفي اْلَك الَلِة ِإِن اْمُر ٌؤ َه َلَك
َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَه ا ِنْص ُف َم ا َت َر َك َو ُه َو َي ِر ُثَه ا ِإن َّلْم َي ُك ن َّلَه ا َو َلٌد َفِإن َك اَنَت ا اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَم ا الُّث ُلَث اِن ِم َّم ا َت َر َك َو ِإن َك اُنوْا ِإْخ َو ًة
) ِّر َج اًال َو ِنَس اء َفِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ اُألنَث َيْي ِن ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم َأن َت ِض ُّلوْا َو ُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌمٌ ) النساء 176
:بهذا اكتمل تشريع الميراث في القرآن الكريم ،ومن السهل بعدها استخالص خطوات توزيع الميراث كاآلتي
:أوال
:قبل البدء بقسمة الميراث يجب اآلتي
ـ إذا حضر القسمة األقارب ـ غير الورثة ـ واليتامى والمساكين فيجب إعطاؤهم بعضا منه مع اإلحسان لهم في القولَ( .و ِإَذ ا 1
َح َض َر اْلِقْس َم َة ُأْو ُلوْا اْلُقْر َب ى َو اْلَي َت اَم ى َو اْلَمَس اِكيُن َفاْر ُز ُقوُهم ِّم ْن ُه َو ُقوُلوْا َلُهْم َقْو ًال َّمْع ُر وًفا)
:ـ وال بد من تنفيذ الوصية وسداد الديون 2
:عن الوصية نقول
تفصيالت تشريع الميراث في سورة النساء ( ) 12 ،11تردد فيها تنفيذ الوصية وسداد الديون قبل القسمةِ( :من َبْع ِد َو ِص َّي ٍة
ُيوِص ي ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) (ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) ْ( ِّم ن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُتوُص وَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ) (ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوَص ى ِبَه ا َأْو
َد ْي ٍن َغ ْيَر ُمَض اٍّر )
معنى ذلك إن تفصيالت الميراث في هذه السورة تحيل إلى تشريع الوصية الوارد في سورة البقرة ،والذي يجعل الوصية واجبة
على كل مسلم يترك ميراثا وال بد أن يترك وصية قبل موته .والوصية تكون تحت رعاية ومسئولية المجتمع في إقرارها وفى
.تطبيقها حتى ترتبط بالعدل وال يلحق ظلم في إقرارها أو في تنفيذها
ْل ْقَأل
تشريع الوصية في سورة البقرة يقولً ُ:كِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َضَر َأَح َد ُك ُم ا َمْو ُت ِإن َر َك ْيًر ا ا َو ِص َّي ِل َو اِلَد ْي ِن َو ا َر ِبيَن ِبا َمْع ُر وِف
ْل ُة ْل َخ َت ْل
َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن َ ،فَم ن َب َّد َلُه َبْع َد َم ا َس ِم َع ُه َفِإَّن َم ا ِإْث ُم ُه َع َلى اَّلِذيَن ُيَب ِّد ُلوَن ُه ِإَّن َهَّللا َس ِميٌع َع ِليٌمَ ،خ اَف ِمن ُّموٍص َج َن ًفا َأْو ِإْث ًم ا َفَأْص َلَح
) َبْي َن ُهْم َفَال ِإْث َم َع َلْي ِه ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم) البقرة 180ـ 182
المالحظ أن الفقه السني قام بإلغاء هذا التشريع القرآني الكريم بحديث كاذب هو في األصل قاعدة فقهية تقول" :ال وصية
لوارث" .وقد جعلوا تلك الفتوى تصادر التشريع القرآني الذي يأمر بالوصية لبعض الورثة ويجعل ذلك فرضًا على اإلنسان حين
يشرف على الموت .إن هللا تعالى يقول ﴿ُك ِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َضَر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإن َت َر َك َخ ْيًر ا اْلَو ِص َّي ُة ِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن ِباْلَمْع ُر وِف
َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن ﴾ (البقرة .) 180فاآلية تفرض الوصية عند الموت للوالدين إذا كانا معا أو أحدهما على قيد الحياة ،وتفرض
الوصية لألقربين ،وهم الورثة .ومعروف أن للوالدين نصيبًا مفروضًا في الميراث إلى جانب الوصية ،يقول تعالى عن حق
ِإن َف ُلُث الوالدين في الميراث ﴿ َو َألَبَو ْي ِه ِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس ِم َّم ا َت َر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌد َفِإن َّلْم َي ُك ن َّلُه َو َلٌد َو َو ِر َث ُه َأَبَو اُه َفُألِّم ِه الُّث
َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُألِّم ِه الُّس ُد ُس ﴾ (النساء .)11إذن للوالدين نصيب مفروض في الميراث ولهما أيضًا نًص يب مفروض في الوصية،
ولكن ذلك كله لم يغن شيئًا أمام حديث منسوب زورًا للنبي يقول "ال وصية لوارث" ،فأسرعوا بإلغاء الحكم في قوله تعالى
ُ ﴿ ﴾.ك ِتَب َع َلْي ُك ْم ِإَذ ا َح َض َر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإن َت َر َك َخ ْيًر ا اْلَو ِص َّي ُة ِلْلَو اِلَد ْي ِن َو اَألْق َر ِبيَن ِباْلَمْع ُر وِف َح ًّقا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن
لقد فرضوا تشريعا مناقضا لتشريع اإلسالم تحت اسم السنة ،وتناسوا ما في اآلية من عبارات اإللزام والتأكيد مثل " ُك ِتَب َع َلْي ُك ْم
" " َح ًّق ا َع َلى اْلُم َّت ِقيَن " .وتناسوا التفصيل القرآني الحكيم الذي جاء بشأن الوصية أن من يبدل وصية الموت عقابه شديد عند
هللا ﴿ َفَم ن َب َّد َلُه َبْع َد َم ا َس ِم َع ُه َفِإَّن َم ا ِإْث ُم ُه َع َلى اَّلِذيَن ُيَب ِّد ُلوَن ُه ِإَّن َهَّللا َس ِميٌع َع ِليٌم ﴾ .وتأتى اآلية التالية لتبيح التدخل في إصالح
الوصية إن كان فيها ظلم ليستقيم العدل ،يقول تعالى ﴿ َف َم ْن َخ اَف ِمن ُّموٍص َج َن ًفا َأْو ِإْث ًم ا َفَأْص َلَح َبْي َن ُهْم َفَال ِإْث َم َع َلْي ِه ِإَّن َهَّللا وٌر
ُف َغ
َّر ِحيٌم ﴾ .وتناسوا أن آيات الميراث في القرآن جعلت تنفيذ الوصية وسداد الديون قبل توزيع الميراث .وتناسوا أن كالم القرآن
عن الوصية جاء بصيغة مطلقة تدل على حق اإلنسان في أن يوصى بوارث أو غير وارث فتقول آية الميراث ﴿ ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة
ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن ﴾ ..وتناسوا حكمة التشريع القرآني في الميراث والوصية ،فقواعد الميراث تقوم على أنصبة محددة ال مجال
فيها للتعديل أو التبديل ،وفيها يتم توزيع التركة بالنصف وبالربع وبالثمن والسدس والثلث هكذا بالتحديد ،ومصير من يتعدى
تلك الحدود أن يكون خالدًا في النار ﴿ ِتْلَك ُح ُدوُد ِهَّللا َو َم ن ُيِط ِع َهَّللا َو َر ُس وَلُه ُي ْد ِخْلُه َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمن َت ْح ِتَه ا اَألْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا
َو َذ ِلَك اْلَف ْو ُز اْلَع ِظ يُمَ .و َم ن َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َو َي َت َع َّد ُح ُدوَد ُه ُي ْد ِخْلُه َن اًر ا َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َلُه َع َذ اٌب ُّم ِه يٌن ﴾ (النساء .)13،14ولكن
الوصية يمكن أن يراعى بها اإلنسان الظروف االستثنائية والحقوق الطارئة ،يمكن بها إعطاء ابنته المحتاجة بالوصية ما يجعلها
تعادل أو تفوق أخاها ألنه وجد العدل يحبذ ذلك ،ومن الممكن طبعا أن يستخدم الوصية ليظلم ويوصى لمن ال يستحق ،وهنا
.يتدخل المجتمع القرارالحق
:ثانيا :توزيع التركة
ُأل َأ
وهذا يتم طبقا لما جاء في آيات سورة النساء (ُيوِص يُك ُم ُهَّللا ِفي ْو الِد ُك ْم ِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ ا نَث َيْي ِن َفِإن ُك َّن ِنَس اء َفْو َق اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَّن
ُثُلَث ا َم ا َت َر َك َو ِإن َك اَن ْت َو اِحَد ًة َفَلَه ا الِّن ْص ُف َو َألَبَو ْي ِه ِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس ِم َّم ا َت َر َك ِإن َك اَن َلُه َو َلٌد َفِإن َّلْم َي ُك ن َّلُه َو َلٌد َو َو ِر َث ُه
َأَبَو اُه َفُألِّم ِه الُّث ُلُث َفِإن َك اَن َلُه ِإْخ َو ٌة َفُألِّم ِه الُّس ُد ُس ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص ي ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن آَب اُؤ ُك ْم َو َأْب َن اُؤ ُك ْم َال َت ْد ُر وَن َأُّيُهْم َأْق َر ُب َلُك ْم َن ْف ًع ا
َفِر يَض ًة ِّم َن ِهَّللا ِإَّن َهَّللا َك اَن َع ِليًم ا َح ِكيًم اَ .و َلُك ْم ِنْص ُف َم ا َت َر َك َأْز َو اُج ُك ْم ِإن َّلْم َي ُك ن َّلُهَّن َو َلٌد َفِإن َك اَن َلُهَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع ِم َّم ا َت َر ْك َن
ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوِص يَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َو َلُهَّن الُّر ُبُع ِم َّم ا َت َر ْكُتْم ِإن َّلْم َي ُك ن َّلُك ْم َو َلٌد َفِإن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُهَّن الُّث ُم ُن ِم َّم ا َت َر ْكُتم ِّم ن َبْع ِد
َو ِص َّي ٍة ُتوُص وَن ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َو ِإن َك اَن َر ُج ٌل ُيوَر ُث َك الَلًة َأو اْمَر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخ ٌت َفِلُك ِّل َو اِحٍد ِّم ْن ُهَم ا الُّس ُد ُس َفِإن َك اُنوْا َأْك َث َر ِمن َذ ِلَك
َفُهْم ُشَر َك اء ِفي الُّث ُلِث ِمن َبْع ِد َو ِص َّي ٍة ُيوَص ى ِبَه ا َأْو َد ْي ٍن َغ ْيَر ُمَض اٍّر َو ِص َّي ًة ِّم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِليٌم)( النساء ).11،12
َيْس َت ْف ُتوَن َك ُقِل ُهَّللا ُيْف ِتيُك ْم ِفي اْلَك الَلِة ِإِن اْمُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخ ٌت َفَلَه ا ِنْص ُف َم ا َت َر َك َو ُه َو َي ِر ُثَه ا ِإن َّلْم َي ُك ن َّلَه ا َو َلٌد َفِإن (:
َك اَنَت ا اْث َنَت ْي ِن َفَلُهَم ا الُّث ُلَث اِن ِم َّم ا َت َر َك َو ِإن َك اُنوْا ِإْخ َو ًة ِّر َج اًال َو ِنَس اء َفِللَّذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّظ اُألنَث َيْي ِن ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم َأن َت ِض ُّلوْا َو ُهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء
) النساء َ ) 176ع ِليٌم
وهنا نالحظ اآلتي أن قاعدة "للذكر مثل حظ األنثيين" تسرى فقط على األبناء وبعض األخوة والزوج دون الوالدين وإخوة
الزوج المتوفى في ميراث الكاللة ،فلكل من الوالدين نصيب مساو لآلخر هو ثلث التركة إذا لم يكن للمتوفى ذرية أو أخوة ،ولكل
واحد منهما السدس إذا كان للمتوفى ولد أو أخ .كما أن لألقارب غير المذكورين نصيب غير محدد ليس فقط في إطار الوصية
.ولكن أيضا إذا حضروا القسمة
لسنا في موضع التفصيل لتشريع الميراث وما أحدثه الفقه من اختالفات عن تفصيالت القرآن هنا ،ولكن جئنا بتشريع القرآن في
.الميراث في وقفة سريعة تتناوله من حيث المنهج القرآني في بيان تشريع يأتي ألول مرة
لم يتعرض القرآن لكيفية عقد الزواج ألنهم قبل اإلسالم كانوا يتزوجون بنكاح صحيح فوالدا رسول هللا (عبد هللا وآمنة ) تزوجا
بنكاح صحيح ،والشاب محمد بن عبد هللا قبل أن يكون نبيا تزوج خديجة بنكاح صحيح بنفس التراث الذي كان سائدا في عقد
.الزواج .وألنه تراث صحيح فال حاجة لتوضيحه فهو معروف في كل زمان ومكان
ولم يذكر القرآن الكريم وجوب وجود شاهدين في عقد الزواج ألن ذلك كان وال يزال عرفا يميز الزواج عن العالقات السرية
غير المشروعة ،لكن التحريف في تشريع الطالق وجعله كلمة ينطق بها الزوج ويطرد بها الزوجة من بيته ومن حياته جعلت
تفصيالت القرآن تترى في موضوع الطالق ومنها اشهاد شاهدي عدل .ومن أسف أن تحريفات الجاهلية في تشريع الطالق
.أعادها الفقه السني ،وال زلنا نطبقها حتى اآلن مع وضوح التشريعات القرآنية
عرف الزواج الجاهلي بعض التحريف مثل نكاح زوجة األب أو الجمع بين األختين ونزل القرآن بتفصيالت واضحة في
المحرمات في الزواج فيها التوصيف الكامل وفيها االستثناءات الواضحة مثل قوله تعالى " َو َال َت نِك ُح وْا َم ا َنَك َح آَب اُؤ ُك م ِّم َن الِّن َس اء
ِإَّال َم ا َق ْد َس َلَف ) (َو َأن َت ْج َمُع وْا َبْي َن اُألْخ َت ْي ِن ِإَّال َم ا َق ْد َس َلَف ) (َو َر َب اِئُبُك ُم اَّلالِتي ِفي ُحُج وِر ُك م ِّم ن ِّن َس اِئُك ُم اَّلالِتي َد َخ ْلُتم ِبِه َّن َفِإن َّلْم
)َ-تُك وُنوْا َد َخ ْلُتم ِبِه َّن َفَال ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم ) (َو َح الِئُل َأْب َن اِئُك ُم اَّلِذيَن ِمْن َأْص الِبُك ْم ) " النساء 22
وتجاهلت الجاهلية عدة المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها فأنزل هللا تعالى تفصيالت لكل حالة {:البقرة } 234 228
{الطالق {}4األحزاب }49وجعل عدة المرأة مرحلة هامة هامة في الطالق والزواج منعا الختالط األنساب .ومنع عضل النساء
أي منع المرأة من الزواج أو أن يتزوج الرجل أمرأة أخيه دون رضاها "النساء ." 19وكان الطالق مجاال خصبا لرجال
الجاهلية في ظلم المرأة فدخل فيه كثير من الزيف فجاء القرآن بتفصيالته توضح كل شيء :البقرة ( )226:241الطالق -1
.)7).النساء 34؛ 35؛ 138؛ 139؛140
.وهكذا يعالج تشريع القرآن الخلل في الزواج والطالق ويسكت عن التراث الصحيح المتعارف عليه
في الحج *
ـ الحج أبرز معالم ملة إبراهيم.ولم ينزل القرآن يشرح مناسك الحج من البداية للنهاية ألن العرب كانت تحج وتؤدى المناسك 1
منذ الجيل األول من ذرية إبراهيم وإسماعيل ،ولكن حديث القرآن الكريم عن الحج والبيت الحرام جاء مزيجا من التاريخ القديم
إلبراهيم وإسماعيل ،وتعليقا على الصراع الحربي بين قريش والمسلمين وانعكاس ذلك على منع المسلمين من الحج والقتال في
.البيت الحرام أو في األشهر الحرم ،وما استجد من أمور احتاجت إلى تصحيح أو تشريع جديد في فريضة الحج
:.ونعطى بعض التفاصيل
واضح هنا أن ـ البيت الحرام بيت هللا تعالى ـ عام لكل الناس باعتبارهم عباد هللا تعالى،وليس مقصورا على المسلمين وحدهم .
وإن إبراهيم وإسماعيل عندما كانا يرفعان قواعده كانا يدعوان هللا تعالى بأن يمّن بالخير والبركة على سكان مكة باعتبارهم أهل
البلد القائم على رعاية البيت ورعاية ضيوف الرحمن جل وعال .وقد دعوا هللا تعالى بان يهديهما وذريتهما للتمسك باإلسالم
فاإلسالم هو دين هللا تعالى لكل البشر مهما اختلفت اللغات والرساالت واألقوام والزمان والمكان ،وهو باختصار إسالم الوجه
.والقلب هلل تعالى وحده ومسالمة الناس
أما كيفية العبادة فقد دعى إبراهيم وإسماعيل أن يمن هللا تعالى عليهما بأن يريهما مناسكها ،وتلك المناسك شملت الحج وغيره
وأطلق عليها "ملة إبراهيم " .ودعا إبراهيم وإسماعيل هللا تعالى أن يبعث من ذرية إسماعيل نبيا يقوم على تعليمهم وتزكيتهم
".وإرجاعهم إلى حقيقة ملة إبراهيم التي قال تعالى عنها في نفس السياقَ . " :و َم ن َيْر َغ ُب َع ن ِّم َّلِة ِإْبَر اِهيَم ِإَّال َم ن َس ِفَه َن ْف َس ُه
وجاء محمد خاتما للنبيين ليجد قومه قد توارثوا ملة إبراهيم وحرفوا فيها وخلطوا الصحيح بالفاسد فنزل القرآن الكريم يعالج
.الوضع ويأتي ببعض الجديد من التشريعات ويرد على بعض التساؤالت
قريش توارثت الحج من ملة إبراهيم وأفسدته
الكفر هو نفسه الشرك ،ويجمعهما معنى الظلم .فالكفرالعقيدى باهلل تعالى والشرك به ظلم له تعالى ،والكفر أو الشرك في السلوك
هو االعتداء على الناس والبغي عليهم في حق الحياة والمال والعرض .وقد مارست قريش الكفر العقيدي باتخاذ أولياء وإقامة
أوثان وأنصاب وأصنام لها حتى داخل الحرم ،ومارست الكفر السلوكي بالظلم للبشر واالعتداء عليهم بالقتل واالسترقاق حتى
في األشهر الحرم .وكانوا يفخرون بالكفر السلوكي والكفر العقدي معا ،كما كانوا يفخرون برعايتهم لبيت هللا الحرام والقيام
على رعاية الحجيج وعمارته وتعميره .ورد هللا تعالى عليهم بأن ما يقدمونه من عمل صالح سيضيع وسيحبطه هللا تعالى ألنه
.صدر من عقيدة ظالمة كافرة واقترن بكفر سلوكي معتد أثيم
ُل َأ َط َل ُأ ْف ْل ُف َأ
َش اِهِديَن َع ى ن ِس ِهْم ِبا ُك ِر ْو ِئَك َح ِب ْت ْع َم ا ُهْم َو ِفي َل هَّللا يقول تعالى في قاعدة عامةَ { :م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وْا َمَس اِج َد
الَّن اِر ُه ْم َخ اِلُدوَن ِ .إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخ ِر َو َأَقاَم الَّص الَة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإَّال َهَّللا َف َعَس ى ُأْو َلِئَك َأن
َي ُك وُنوْا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن } ثم يقول لهم موبخاَ { :أَج َع ْلُتْم ِس َق اَي َة اْلَح اِّج َو ِع َم اَر َة اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َك َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َج اَهَد
} ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َال َيْس َت ُو وَن ِعنَد ِهَّللا َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن } التوبة17ـ 19
:الصد عن البيت الحرام عند قريش وغيرها
بهذا الكفر العقيدي والسلوكي واجهت قريش النبي محمدا وأصحابه المسالمين المستضعفين.وبسبب االضطهاد والتعذيب هاجر
بعض المسلمين مرتين للحبشة ثم هاجروا إلى المدينة ومعهم خاتم النبيين عليه وعليهم السالم .تابعت قريش المسلمين في
المدينة بالقتال واالعتداء بعد هجرتهم ومنعت المسلمين من الحج إلى البيت الحرام وهم أحق الناس ببيت هللا الحرام ،مما
استوجب تهديد هللا تعالى للقرشيين بالعذاب ،فقالَ{ :و َم ا َلُهْم َأَّال ُيَع ِّذ َبُهُم ُهَّللا َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو َم ا َك اُنوْا َأْو َي ُه
اء ِل
}ِإْن َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإَّال اْلُم َّت ُقوَن َو َلِكَّن َأْك َث َر ُه ْم َال َيْع َلُم وَن } األنفال 34
ويؤكد رب العزة على حقيقة هامة أغفلتها قريش وتغفلها اآلن المملكة السعودية وهى أن بيت هللا تعالى والحج إليه حق لكل
الناس يستوي في ذلك أهل مكة والقادمون إليها من كل بنى البشر ،ال فرق بين هؤالء وهؤالء في استحقاق الحجِ {:إَّن اَّلِذيَن
َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه ِللَّن اِس َس َو اء اْل َع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِد َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُن ِذ ْق ُه ِمْن
) َع َذ اٍب َأِليٍم } الحج 25
أى بغض النظر عن الدين والمذهب والمعتقد والجنس واللون والغنى والفقر طالما كان القادم للحج مسالما ال يحمل سالحا .هو
مسلم حسب سلوكه وال شأن لنا بعقيدته ،وليس لنا أن نقيم محاكم تفتيش واختبارات فى عقيدة كل قادم للحج ،وليس لنا أن
.نشق على قلب كل حاج لنعرف اخالصه أو تقواه أو سريرته .المطلوب فقط أن يكون مسالما حسب الظاهر ليكون مسلما
المشركون باعتدائهم وتسلطهم على اآلمنين هم ما نعرفهم اليوم باسم االرهابيين ،وهم الذين ال يتورعون عن تفجير بيوت
العبادة ،وفى مقدمتها المساجد ،وال يتورعون عن قتل المارة و األبرياء والنساء واألطفال ،وفى مقدمة ضحاياهم المسلمون
فى مصر والجزائر والعراق وباكستان وتركيا وافغانستان وغيرها من بالد تعيش فيها أكثرية مسلمة .هم الذين احتلوا المسجد
الحرام فى حركة جهيمان العتيبى فى مطلع عام 1400سنة .1997هؤالء الوهابيون المعتدون هم فقط الممنوعون من الحج
للبيت الحرام الذى جعله هللا تعالى مثابة للناس وأمنا ،وجعل من تشريعه أن كل من دخله كان آمنا .ومن أسف أنهم هم الذين
!!.يسيبطرون على المسجد الحرام ،وما كانوا أولياءه ،إن أولياءه إال المتقون
إنها نفس قصة قريش الطاغية تتكرر .قصة الصد عن بيت هللا الحرام العتبارات سياسية ودنيوية ،وقصة استغالل االسالم مطية
.للحكم ،إما للوصول اليه أو لالحتفاظ به
وبعد فتح مكة لم يخضع أئمة الكفر من قريش فاستأنفوا اعتداءهم ،فأعطاهم هللا تعالى مهلة للتوبة ،ومنعهم من دخول البيت
الحرام أو االقتراب منه ( التوبة .) 28وظلوا كذلك الى أن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة وفق ما حدده رب العزة فى سورة
.التوبة التى حفلت باشارات تاريخية غفل عن التعقيب عليها رواة السيرة
وقبل فتح مكة رأى النبي محمد عليه السالم مناما أنه يحج البيت ،فبادر بالذهاب مع عدة آالف من أصحابه للحج مسالمين
بدون نية حرب ولكن قريشا منعتهم من الدخول .وبعد ومفاوضات تم عقد صلح الحديبية ،ونزلت في هذا الموضوع سورة
الفتح وفيها يقول تعالى عن المشركين القرشيين (ُه ُم اَّلِذيَن َك َفُر وا َو َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو اْلَه ْد َي َمْع ُك وًفا َأن َيْب ُلَغ َم ِح ُه
َّل
) ويقول عن النبي محمد عليه السالم َ " :لَق ْد َص َد َق ُهَّللا َر ُس وَلُه الُّر ْؤ َي ا ِباْلَح ِّق َلَت ْد ُخ ُلَّن اْلَمْس ِج َد اْلَح َر اَم ِإن َش اء ُهَّللا آِمِنيَن ُمَح ِّلِقيَن
ُ }.ر ُؤ وَس ُك ْم َو ُم َقِّص ِر يَن ال َتَخ اُفوَن } الفتح 25ـ 27
تشريع االحصار فى الحج
هذه مالمح قرآنية تدخل في تاريخ العالقات بين المسلمين األوائل وقريش ،إال أن ذلك الصد عن بيت هللا تعالى ومنع المسلمين
من الحج أوجد وضعا جديدا في تشريع الحج الذي توارثته قريش والعرب ضمن معالم ملة إبراهيم .هذا الوضع الجديد كان
.يستلزم تشريعا جديدا يعطى الفتوى اإللهية فيمن يريد الحج واستعد له ولكن حاصرته ظروف تمنعه من الحج ،فماذا يفعل
هنا جاء التشريع القرآني الجديد ليعالج بالتفصيل هذه الحالة وهى "االحصار :فقال تعالى في تشريع جديد هناَ { :و َأِتُّم وْا اْلَح َّج
َو اْل ُعْمَر َة ِهَّلِل َفِإْن ُأْح ِص ْر ُتْم َفَم ا اْس َت ْيَسَر ِمَن اْلَه ْد ِي َو َال َت ْح ِلُقوْا ُر ُؤ وَس ُك ْم َح َّت ى َيْب ُلَغ اْل َه ْد ُي َم ِحَّلُه َفَم ن َك اَن ِمنُك م َّم ِر يًض ا َأْو ِبِه َأًذ ى ِّم ن
َّر ْأِس ِه َفِفْد َي ٌة ِّم ن ِص َي اٍم َأْو َص َد َقٍة َأْو ُنُس ٍك َفِإَذ ا َأِمنُتْم َفَم ن َت َم َّت َع ِباْلُعْمَر ِة ِإَلى اْلَح ِّج َفَم ا اْس َت ْيَسَر ِمَن اْلَه ْد ِي َفَم ن َّلْم َي ِج ْد َفِص َي اُم َث الَث ِة
َأَّي اٍم ِفي اْل َح ِّج َو َس ْبَع ٍة ِإَذ ا َر َج ْع ُتْم ِتْلَك َع َش َر ٌة َك اِم َلٌة َذ ِلَك ِلَم ن َّلْم َي ُك ْن َأْه ُلُه َح اِض ِر ي اْل َمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو اَّت ُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َش ِديُد
) اْلِع َقاِب } البقرة 196
تشريع القتال في البيت الحرام وفى األشهر الحرم
واستلزم االعتداء القرشي على المسلمين في المدينة نزول اإلذن للمسلمين بالقتال ،ثم تطورت المعارك لتتشابك مع نوعين من
الحرمات :الحرمة الزمانية وهى األشهر الحرم ،والحرمة المكانية وهى البيت الحرام ،وثارت أسئلة عن القتال الدفاعي
.للمسلمين :هل يجوز في األشهر الحرم ؟ وهل يجوز في البيت الحرام ؟ ونزلت اإلجابة في الوحي القرآني بالتفصيل
نزلت القاعدة األساسية وهى أن يكون القتال دفاعيا فقط وليس هجوميا معتدياَ {:و َقاِتُلوْا ِفي َس ِبيِل ِهَّللا اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو َال َت ْع َت ُد وْا
ِ.إَّن َهَّللا َال ُيِحِّب اْلُمْع َت ِديَن } وعليه فالمعتدون ال يحبهم هللا تعالى لهم
وهذا ينطبق على ما يسمى بالفتوحات االسالمية التى كانت اعتداء على شعوب وأمم لم تعتد على العرب المسلمين .كانت احتالال
واستعبادا لبالد لم يسبق لها ان رأت الجزيرة العربية .وتلك الجريمة الكبرى فى حق االسالم والتى ارتكبها الخلفاء الراشدون ثم
الخلفاء األمويون كانت استمرارا لقصة الطغيان القرشى قبل وبعد نزول القرآن الكريم .وهذا الطغيان هو الذى أضاع الصالة
.قبل وبعد نزول القرآن الكريم
وعن القتال عند المسجد الحرام قال تعالى َِ(:و َال ُتَق اِتُلوُه ْم ِعنَد اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َح َّت ى ُيَقاِتُلوُك ْم ِفيِه َفِإن َقاَت ُلوُك ْم َفاْق ُتُلوُه ْم َك َذ ِلَك َج َز اء
.اْلَك اِفِر يَن } أي هو قتال دفاعي فقط إذا هاجمهم العدو داخل المسجد الحرام
وهو نفس الفتوى اإللهية في القتال في الشهر الحرام ،أي رد االعتداء إذا حدث في األشهر الحرم { :الَّش ْهُر اْل َح َر اُم ِبالَّش ْه ِر
اْلَح َر اِم َو اْلُحُرَم اُت ِقَص اٌص َفَم ِن اْع َت َدى َع َلْي ُك ْم َفاْع َت ُد وْا َع َلْي ِه ِبِم ْث ِل َم ا اْع َت َدى َع َلْي ُك ْم َو اَّت ُقوْا َهَّللا َو اْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َمَع اْل ُم َّت ِقيَن }
ولم يكتف بعضهم بهذا التوضيح فسأل النبي محمدا عليه السالم نفس السؤال ،وألنه عليه السالم ال يملك أن يفتى في الدين
طالما ينزل الوحي فقد انتظر اإلجابة من هللا تعالى ،وهذه إحدى معالم التشريع القرآني اإلسالمي:أن النبي ال يملك اإلفتاء وإنما
ينتظر مجيء الفتوى من هللا تعالى ،حتى لو كان السؤال قد سبقت اإلجابة عليه ،وحينئذ ينزل قوله تعالى ( يسألونك عن ) كذا (
.قل ) كذا .وهذا ما حدث هنا
بعد نزول اآلية السابقة قاعدة عامة تؤكد أن الشهر الحرام بالشهر الحرام وأن الحرمات قصاص لم يقتنع بعض الصحابة وسأل
نفس السؤال عن القتال في األشهر الحرم ،وانتظر النبي اإلجابة ،وكان يمكنه أن يحيله إلى اآلية السابقة ،لكنه ال يملك حتى
اإلحالة إلى ما نزل من القرآن ،ونزل قوله تعالى بالتوضيح والتحليل والتعليلَ ( :يْس َأُلوَن َك َع ِن الَّش ْه ِر اْلَح َر اِم ِقَت اٍل ِفيِه ُقْل ِقَت اٌل
ِفيِه َك ِبيٌر َو َص ٌّد َع ن َس ِبيِل ِهَّللا َو ُك ْف ٌر ِبِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو ِإْخ َر اُج َأْه ِلِه ِم ْن ُه َأْك َبُر ِعنَد ِهَّللا َو اْلِفْتَن ُة َأْك َبُر ِمَن اْلَقْت ِل َو َال َي َز اُلوَن
ُيَقاِتُلوَنُك ْم َح َّت َى َيُر ُّدوُك ْم َع ن ِديِنُك ْم ِإِن اْس َت َط اُع وْا َو َم ن َيْر َت ِدْد ِمنُك ْم َع ن ِديِنِه َفَيُم ْت َو ُه َو َك اِفٌر َفُأوَلِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا
َو اآلِخ َر ِة َو ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّن اِر ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُدوَن )
وفى كل األحوال فإذا كفوا عن االعتداء فال مجال للحربَ {:فِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم }
} َو َقاِتُلوُه ْم َح َّت ى َال َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ِهَّلِل َفِإِن انَت َهْو ا َفَال ُع ْد َو اَن ِإَّال َع َلى الَّظ اِلِميَن {
) البقرة 190ـ ( 217 & 194
ـ كان النسيء من معالم التحريف في ملة إبراهيم ،ويعنى استحالل القتال في بعض األشهر الحرم وتأجيل التحريم إلى شهر 1
:آخر أو عام آخر .وقد اعتبره رب العزة جل وعال زيادة في الكفر ،فقال
ِإَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي اْل ُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َف ُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم و ُه َع اًم ا ُيَو اِط ُؤ و ِع َّد َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُيِح و َم ا َح َّر َم ُهَّللا(
ْا ُّل َف َة ْا ِّل َن
} ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن } التوبة ـ37
قبل هذه اآلية الكريمة أوضح هللا تعالى عدة أشهر العام وأن منها أربعة حرم يحرم فيها الظلم { ِإَّن ِع َّد َة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْث َن ا
}َع َش َر َش ْهًر ا ِفي ِك َت اِب ِهَّللا َيْو َم َخ َلَق الَّس َم اَو ات َو اَألْر َض ِم ْن َه ا َأْر َبَع ٌة ُحُر ٌم َذ ِلَك الِّديُن اْلَقِّي ُم َفَال َت ْظ ِلُم وْا ِفيِه َّن َأنُفَس ُك ْم } التوبة 36
ـ وكان من االعتداء وانتهاك حرمة البيت الحرام قتل الصيد أثناء اإلحرام واستحالل الشعائر والمشاعر الحرام وقطع الطريق 2
على قوافل الحجاج ونهبهم وقتلهم ونهب الهدى من اإلبل واألنعام التي تساق لتنحر هديا إلطعام ضيوف البيت الحرام.
واالستمرار على ذلك أنسى العرب أن ذلك انتهاك لحرمة الكعبة ومناسك اإلحرام .بعد فتح مكة كان ال بد من منع هذه
االنتهاكات وتأكيد التشريع الذي يخصها والذي نسيه العرب في حمأة عصيانهم وضاللهم ،فنزلت سورة المائدة ـ وهى أواخر ما
نزل من القرآن ـ بافتتاحية تقول للمؤمنين مباشرةَ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َأْو ُفوْا ِباْل ُع ُقوِد ُأِحَّلْت َلُك م َب ِه يَم ُة اَألْن َع اِم ِإَّال َم ا ُيْت َلى َع َلْي ُك ْم
َغ ْيَر ُم ِحِّلي الَّصْي ِد َو َأنُتْم ُحُر ٌم ِإَّن َهَّللا َيْح ُك ُم َم ا ُيِر يُدَ .ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال ُتِحُّلوْا َش َع اِئَر ِهَّللا َو َال الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو َال اْلَه ْد َي َو َال اْلَقالِئَد
َو ال آِّم يَن اْلَبْي َت اْلَح َر اَم َيْب َت ُغ وَن َفْض ًال ِّم ن َّر ِّب ِهْم َو ِر ْض َو اًن ا َو ِإَذ ا َح َلْلُتْم َفاْص َط اُد وْا َو َال َيْج ِر َم َّنُك ْم َشَن آُن َقْو ٍم َأن َص ُّدوُك ْم َع ِن اْلَمْس ِج ِد
} اْلَح َر اِم َأن َت ْع َت ُد وْا َو َت َع اَو ُنوْا َع َلى اْلَبِّر َو الَّت ْق َو ى َو َال َت َع اَو ُنوْا َع َلى اِإلْث ِم َو اْلُع ْد َو اِن َو اَّت ُقوْا َهَّللا } المائدة 1ـ 2
إال انه كان اختبارا عسيرا ـ فيما يبدو ـ أن يكف الناس عن الصيد في الحرم وهم في اإلحرام ،فأنزل هللا تعالى لهم هذه اآلية
تحذيرا وإنذارا يؤكد لهم انه سيجعل حيوان الصيد ( من غزال ووعول وظباء) يدخل الحرم ليكون في متناول أيدي الناس
ورماحهم ،فهل سيقتلونه وهو في ضيافة الرحمن أم ال ؟ وهنا اختبار شخصي للتقوى ،يقول تعالىَ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َلَيْب ُلَو َّنُك ُم
ُهَّللا ِبَش ْي ٍء ِّم َن الَّص ْي ِد َتَن اُلُه َأْي ِديُك ْم َو ِر َم اُح ُك ْم ِلَيْع َلَم ُهَّللا َم ن َي َخ اُفُه ِباْلَغ ْي ِب َف َم ِن اْع َت َد ى َبْع َد َذ ِلَك َفَلُه َع َذ اٌب َأِليٌم)
ثم جعل هللا تعالى عقوبة فدية على من يقتل الصيد وهو في حالة إحرام .وجعل تنفيذ الفدية مرتبطا بضمير الحاج نفسه ،يقول
تعالىَ (:ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا َال َت ْق ُتُلوْا الَّصْي َد َو َأنُتْم ُحُر ٌم َو َم ن َقَت َلُه ِمنُك م ُّم َت َعِّم ًدا َفَج َز اء ِّم ْث ُل َم ا َقَت َل ِمَن الَّن َع ِم َيْح ُك ُم ِبِه َذ َو ا َع ْد ٍل ِّم ْم
ُك ن
َهْد ًي ا َب اِلَغ اْلَك ْع َب ِة َأْو َك َّف اَر ٌة َط َع اُم َمَس اِكيَن َأو َع ْد ُل َذ ِلَك ِص َي اًم ا ِّلَي ُذ وَق َو َب اَل َأْم ِر ِه َع َفا ُهَّللا َع َّم ا َس َلف َو َم ْن َع اَد َفَي نَت ِقُم ُهَّللا ِم ْن ُه َو ُهَّللا
َع ِز يٌز ُذ و انِتَقاٍم ) ..و كلمة (ُّم َت َع ِّم ًد ا) في اآلية الكريمة تجعل األمر موكوال إلى نية الحاج وضميره ،فهو وحده الذي يحكم هل
.قتل الصيد متعمدا قاصدا أم ناسيا ساهيا
ُك
َّل ْمَل ِح ُأ ( تعالى يقول فقط، اإلحرام حالة في البر صيد يحرم بينما حالل، البحر لحم كل ثم تؤكد اآلية التالية بإيجاز وإعجاز أن
َص ْي ُد اْلَبْح ِر َو َط َع اُم ُه َم َت اًع ا َّلُك ْم َو ِللَّسَّي اَر ِة َو ُحِّر َم َع َلْي ُك ْم َص ْي ُد اْلَبِّر َم ا ُد ْم ُتْم ُحُرًم ا َو اَّت ُقوْا َهَّللا اَّلِذ َي ِإَلْي ِه ُتْح َش ُر وَن ) وفى النهاية يقول
رب العزة عن الكعبة بيت هللا تعالى الحرام َ( :ج َع َل ُهَّللا اْلَك ْع َب َة اْلَبْي َت اْلَح َر اَم ِقَي اًم ا ِّللَّن اِس َو الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو اْلَه ْد َي َو اْلَقالِئَد َذ ِلَك
} ِلَت ْع َلُم وْا َأَّن َهَّللا َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض َو َأَّن َهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم } المائدة 94ـ 97
الرد على األسئلة واالستفسار
ـ كانت قريش تجعل لنفسها أفضلية في تأدية مناسك الحج فيما يعرف ب ( الحمس ) فكانوا عند اإلحرام ال يدخلون بيوتهم من 3
أبوابها ولكن من ظهورها ،ويجعلون ذلك من التقوى في أداء المناسك ،فقال تعالى لهمَ( :و َلْيَس اْلِبُّر ِبَأْن َت ْأُتْو ا اْلُبُيوَت ِمن
} ُظ ُهوِر َها َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ِن اَّت َق ى َو ْأُتوْا اْلُبُيوَت ِمْن َأْبَو اِبَه ا َو اَّت ُقوْا َهَّللا َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن
وأباح لهم التجارة وتبادل المنافع مع التركيز على عدم تميزهم في طواف اإلفاضة على بقية الناس ،فال بد أن يفيضوا من حيث
أفاض الناس {َلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأن َت ْب َت ُغ وْا َفْض ًال ِّم ن َّر ِّب ُك ْم َفِإَذ ا َأَفْض ُتم ِّم ْن َع َر َفاٍت َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا ِع نَد اْل َم ْش َع ِر اْلَح َر اِم َو اْذ ُك ُر وُه َك َم ا
َهَداُك ْم َو ِإن ُك نُتم ِّم ن َقْب ِلِه َلِمَن الَّض اِّليَن }{ُثَّم َأِفيُض وْا ِمْن َح ْي ُث َأَفاَض الَّن اُس َو اْس َت ْغ ِفُر وْا َهَّللا ِإَّن َهَّللا َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم}
ـ واعتاد العرب الفخر بالشعر في أسواق عكاظ وغيرها وامتد ذلك إلى اجتماعهم في الحج الذي هو في األصل لتعظيم هللا 4
تعالى وحده وليس للفخر باألسالف وتمجيد اآلباء ،لذا أرشدهم هللا تعالى إلى ما هو أفضل؛ الدعاء هلل تعالى بأفضل صيغة
للدعاء في الحرم وخارجهَ{ :فِإَذ ا َقَض ْي ُتم َّم َن اِس َكُك ْم َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا َك ِذ ْك ِر ُك ْم آَب اَء ُك ْم َأْو َأَش َّد ِذ ْك ًر ا َف ِمَن الَّن اِس َم ن َي ُقوُل َر َّب َن ا آِتَن ا ِفي الُّد ْن َي ا
َو َم ا َلُه ِفي اآلِخَر ِة ِمْن َخ الٍق َ .و ِم ْن ُهم َّم ن َي ُقوُل َر َّب َن ا آِتَن ا ِفي الُّد ْن َي ا َح َس َن ًة َو ِفي اآلِخَر ِة َح َس َن ًة َو ِقَن ا َع َذ اَب الَّن اِر ُ .أْو َلِئَك َلُهْم َن ِص يٌب
} ِّمَّم ا َك َسُبوْا َو ُهَّللا َس ِر يُع اْلِح َس اِب } البقرة 189ـ202
ـ وسأل بعضهم عن وجوب الطواف بين الصفا والمروة فنزلت اإلجابة اإللهية بأنه مباح و ال حرج فيهِ{ :إَّن الَّص َف ا َو اْل َمْر َو َة 5
}ِمن َش َع اِئِر ِهَّللا َف َم ْن َح َّج اْلَبْي َت َأِو اْع َت َمَر َفَال ُج َن اَح َع َلْي ِه َأن َي َّط َّو َف ِبِه َم ا َو َم ن َت َط َّو َع َخ ْيًر ا َفِإَّن َهَّللا َش اِك ٌر َع ِليٌم } البقرة 158
هذه لمحات قرآنية توضح منهج القرآن الكريم التصحيح في تشريع العبادات المتوارثة من ملة إبراهيم ،ومنها الحج.. .فماذا
عن الصيام ؟
في الصيام
.ـ ونزل تشريع الصيام على العرب الذين كانوا يصومون شهر رمضان 1
نزل في المدينة .وكان شهر رمضان معروفا للمسلمين بأنه شهر القرآن فهو الذي نزل فيه القرآن مرة واحدة على قلب النبي
.محمد حين كان في مكة
أول آية في تشريع الصوم قالت َ ":ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا ُك ِتَب َع َلْي ُك ُم الِّصَي اُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم ) لم تشرح أآلية األولى
في تشريع الصوم معنى الصوم وأنه االمتناع عن الطعام والشراب واللقاء الجنسي بالزوجة – كما تفعل كتب الفقه .والسبب
بسيط هو أن العرب كانوا يصومون رمضان ،بل وكانوا يتخذون منه عادة اجتماعية للهو واللعب بدون مراعاة للتقوى كما نفعل
نحن اآلن .لذا تخبر اآلية األولى في التشريع القاعدة األولى وهى تأدية الصوم كما اعتادوه بنفس ما كان في ملة إبراهيم (َك َم ا
ُك ِتَب َع َلى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم ) من االمتناع عن األكل والشرب واللقاء الجنسي ،وهوالذى كانوا يفعلونه أنفسهم في مكة قبل أن ينزل
.التشريع القرآني بهذا التصحيح والتنقيح
َّل َل
ثم تختم آية التشريع األولى بتقرير أقامة الصوم في سلوك المؤمن عقيدة وسلوكا أي أن يكون هدف الصوم هو التقوىَ ( .ع ُك ْم
َ.تَّت ُقوَن )
ـ بعد تقرير أن الصوم عبادة متوارثة وال بد من مراعاة التقوى فيها تأتى اآليتان التاليتان بتشريع جديد لم يكن موجودا من 2
قبل وهو عن األعذار المبيحة للفطر في رمضان ،وألنه تشريع جديد فقد جاءت تفصيالته واضحة ،بل وتكررت في آيتين
متتاليتين توضحان بالتفصيل السماح للمريض والمسافر وعدم القادر على الصوم باإلفطار ومجال دفع الفدية أو قضاء الصوم
(.البقرة )185 -183
ـ وكان الصوم المعروف المتوارث وقتها قبل نزول التشريع القرآني الجديد يبدأ بعد العشاء ويستمر طيلة الليل والنهار حتى 3
مغرب اليوم التالي ليكون اإلفطار مرحلة قصيرة هي ما بين المغرب والعشاء فقط .وكانت هذه الفترة القصيرة ال تكفى إال للطعام
فحسب ،ويأتي الليل فيضطر أحدهم لمباشرة زوجته في وقت يجب أن يكون فيه صائما .ونزل التخفيف تشريعا جديدا مفصال في
قوله تعالى " ُأِح َّل َلُك ْم َلْي َلَة الِّصَي اِم الَّر َفُث ِإَلى ِنَس اِئُك ْم ُهَّن ِلَب اٌس َّلُك ْم َو َأنُتْم ِلَب اٌس َّلُهَّن ) أي جاء التشريح الجديد بأن مباشرة
الزوجة مباح في ليلة الصيام (َع ِلَم ُهَّللا َأَّنُك ْم ُك نُتْم َتْخ َت اُنوَن َأنُفَس ُك ْم َفَت اَب َع َلْي ُك ْم َو َع َف ا َع نُك ْم ) وهنا يخبر هللا تعالى عن وقوع
بعضهم في مباشرة الزوجة في ليلة الصيام حين كان واجبا الصوم فيه ،ويبشر هللا تعالى بأنه عفا عنهم وتاب عليهم ،وأنزل هذا
التخفيف عليهم ،لذا جاء التشريع الجديد يقول للمؤمنين (َفاآلَن َب اِش ُر وُهَّن َو اْب َت ُغ وْا َم ا َكَت َب ُهَّللا َلُك ْم َو ُك ُلوْا َو اْش َر ُبوْا َح َّت ى َي َت َبَّي َن
َلُك ُم اْلَخ ْي ُط اَألْبَيُض ِمَن اْلَخ ْي ِط اَألْس َو ِد ِمَن اْلَف ْج ِر ُثَّم َأِتُّم وْا الِّصَي اَم ِإَلى الَّلْي ِل ) يأتي هنا تفصيل التشريع الجديد لوقت اإلفطار في
رمضان حيث يباح األكل والشرب واللقاء الجنسي بالزوجة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر ،وظهور أول تباشير الضوء
حين تتمكن العين المجردة من تمييز الخيط األبيض من الخيط األسود .توضيح مفصل في تشريع جديد يعقبه تشريع جديد آخر
يتضمن تصحيحا لتشريع قديم هو االعتكاف في ليالي رمضان في المساجد (َو َال ُتَب اِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِك ُفوَن ِفي اْلَمَس اِج ِد ِتْلَك ُح ُدوُد
ِهَّللا َفَال َت ْق َر ُبوَها َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا آَي اِتِه ِللَّن اِس َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن ) ...البقرة )-187كانوا يعتكفون في المساجد رجاال ونساء ،وكان
الزوج يعتكف مع زوجته في المسجد في ليالي رمضان ،وكان يحدث لقاء جنسي بينهما وقت االعتكاف ،لذا نزل التشريع الجديد
.يحرم ذلك اللقاء الجنسي بالزوجة أثناء االعتكاف الرمضاني في المسجد
ـ ذلكم هو بيان القرآن لما يحتاج فعال إلى بيان من تشريع جديد يعرفه الناس ألول مرة أو يوضح وجه الحق في تحريف 4
أدخله الناس في تشريع سائد .لذا اختتمت اآلية بتقرير أن ذلك هو بيان القرآن للناس لعلهم يتقونَ( :ك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا آَي اِتِه ِلل اِس
َّن
] َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن
وبالفعل فان بيان القرآن الكريم في تلك اآليات احتوى على كل ما يلزم المؤمن في تشريعات الصوم .وما أحدثه الفقهاء بعدها
من ثرثرة وفتاوى وأحكام فقهية كلها هراء ال طائل من ورائه ،لذا اختلفوا فيه وانشغلوا بهذا االختالف قرونا وكتبوا فيه آالف
.الصفحات عبثا
وبنفس المنهج القرآني جاءت تفصيالت القرآن عن فريضة الصالة التي أثبتنا أن العرب كانوا يعرفونها شكال ويؤدونها ركعات
.وفرائض ولكن دون خشوع وإيمان وإخالص في القلب ودون تقوى وطاعة في الجوارح
كما كان عقد الزواج تراثا معروفا ال اختالف حوله فلم يتعرض له القرآن وهكذا كان معنى الصوم معروفا ومتوارثا ،و كانت1-
مناسك الحج وترتيبها تراثا معروفا فلم يتعرض القرآن لتوضيح الواضح الشائع .وكذلك كانت ـ وال تزال ـ ركعات الصالة
ومواقيتها تراثا معروفا واضحا فليس لها نصيب في تبيين القرآن ،فالشيء المبين ال يحتاج إلى بيان إال كان إعجاز القرآن عبثا
)وتعالى هللا عن العبث والهزل .يقول تعالى عن القرآن الكريم ِ( :إَّن ُه َلَق ْو ٌل َفْص ٌل َو َم ا ُه َو ِباْلَه ْز ِل ) الطارق 13؛14
كان الخلل في صالة المشركين متمثال ليس في الشكل ولكن في المضمون ،أي عدم إقامة الصالة ،لذا تركز حديث القرآن 2-
حول إقامة الصالة والمحافظة عليها بالتقوى والتحذير من الشك والعصيان وذلك في التشريع المكي خصوصا ،وفيها يأمرهم هللا
تعالى بالمحافظة على الصالة وإقامتها ،ذاكرا "الصالة " باأللف والالم ( أل) التي تفيد العهد ،أي الصالة المعهودة لديكم ،بما
يؤكد أن الصالة معروفة لديهم.يقول تعالى يوجب إقامة الصالة طالما ظل اإلنسان مستيقظا غير نائمَ( :و َأِقِم الَّص الَة َط َر َفِي الَّن َه ِر
ا
َو ُز َلًفا ِّم َن الَّلْي ِل ِإَّن اْلَح َس َن اِت ُي ْذ ِه ْب َن الَّس ِّي َئ اِت َذ ِلَك ِذ ْك َر ى ِللَّذ اِك ِر يَن ) هود ) 114طرفا النهار وبعض الليل يشمل كل وقت اليقظة
لإلنسان ،وعليه في هذا الوقت أن يؤدى الصالة في مواقيتها وأن يحافظ على صالته بالتقوى فيما بين أوقات الصالة طالما ظل
يقظا ،فإذا نام فال مسئولية عليه ،وبهذا يكون قد أقام الصالة كل يومه .ويقول تعالى في سورة مكية أخرىَ( :أِقِم الَّص الَة ِلُد ُلوِك
الَّش ْم ِس ِإَلى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًداَ .و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َعَس ى َأن َيْبَع َث َك َر ُّب َك َم َق اًم ا
َّمْح ُم وًد ا ) اإلسراء 78ـ ) 79هنا أمر آخر للنبي وللمؤمنين بإقامة الصالة طيلة وقت اليقظة ،مع إضافة قيام الليل وقرآن الفجر
لمن أراد أن يكون من السابقين المقربين يوم القيامة .المقام المحمود هنا هو الجنة وليس الشفاعة كما يعتقد المكذبون للقرآن
الكريم .اقرأ قوله تعالى عن السابقين ممن ورثوا القرآن وعملوا بمقتضاه (ُث َّم َأْو َر ْث َن ا اْلِك َت اَب اَّلِذيَن اْص َطَفْي َن ا ِمْن ِع َب اِد َن ا َف ِم ْن ُهْم
َظ اِلٌم ِّلَن ْف ِس ِه َو ِم ْن ُهم ُّم ْق َت ِص ٌد َو ِم ْن ُهْم َس اِبٌق ِباْل َخ ْيَر اِت ِبِإْذ ِن ِهَّللا َذ ِلَك ُه َو اْلَف ْض ُل اْلَك ِبيُر َ .ج َّن اُت َع ْد ٍن َي ْد ُخ ُلوَن َه ا ُيَح َّلْو َن ِفيَه ا ِمْن َأَس اِو َر
ِمن َذ َهٍب َو ُلْؤ ُلًؤ ا َو ِلَب اُسُهْم ِفيَه ا َح ِر يٌر َو َقاُلوا اْل َح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َأْذ َه َب َع َّن ا اْلَح َز َن ِإَّن َر َّب َن ا َلَغ ُفوٌر َشُك وٌر .اَّلِذي َأَح َّلَن ا َداَر اْل ُم َقاَم ِة ِمن
َ.فْض ِلِه ال َيَمُّس َن ا ِفيَه ا َن َص ٌب َو ال َيَمُّس َن ا ِفيَه ا ُلُغ وٌب ) فاطر 32ـ ) فمن أوصاف الجنة هنا أنها المقام المحمود
وقد نزلت آيات تعالج نواحي الخلل ويظهر من أسلوب القرآن فيها أنه يكلم أناسا يعرفون الصالة ويمارسونها قبل نزول 3-
.اآليات ولكن حدث خلل من ناحية ما فجاءت اآليات تنبه على الخلل وال تشرع شيئا جديدا بالنسبة للصالة
فاآلذان للصالة كان معروفا وحدث أن المشركين كانوا يستهزئون ويتالعبون وقت اآلذان فنزل قوله تعالى " َو ِإَذ ا َن اَد ْي ُتْم ِإَلى *
الَّص الِة اَّتَخ ُذ وَها ُه ُز ًو ا َو َلِع ًب ا َذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َقْو ٌم َّال َيْع ِقُلوَن ) المائدة )58فليس هنا تشريع لآلذان عند الصالة وإنما احتجاج على خلل
.أحدثه المشركين عند اآلذان
ومنذ عهد إسماعيل وأبيه إبراهيم عرف العرب يوم الجمعة الذي يجتمعون فيه ألداء صالة جماعية أسبوعية ،ومنها اشتق *
اسم يوم الجمعة .وكان اهتمام المشركين قبيل صالة الجمعة ينصب على البيع والتجارة .وبعد الهجرة لم يتخلص بعض
المسلمين من هذه العادة السيئة ،وحدث إن أقبلت قافلة تجارية للمدينة في يوم الجمعة أثناء وقوف النبي للخطبة ،وكان وقتا
عصيبا فسارع بعضهم للخروج من المسجد وترك النبي قائما يخطب الجمعة ،فنزل قوله تعالى " َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِدي
ِللَّص الِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َعْو ا ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن َ .فِإَذ ا ُقِض َي ِت الَّص الُة َفانَت ِش ُر وا ِفي اَألْر ِض
َو اْب َت ُغ وا ِمن َفْض ِل ِهَّللا َو اْذ ُك ُر وا َهَّللا َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن َو ِإَذ ا َر َأْو ا ِتَج اَر ًة َأْو َلْهًو ا انَفُّض وا ِإَلْيَه ا َو َت َر ُك وَك َقاِئًم ا ُقْل َم ا ِعنَد ِهَّللا َخ ْيٌر ِّم َن
)-الَّلْه ِو َو ِمَن الِّت َج اَر ِة َو ُهَّللا َخ ْيُر الَّر اِز ِقيَن ) .الجمعة 9
لم تنزل هذه اآليات الكريمة لتشريع صالة جديدة هي صالة الجمعة ،وإنما لتنبه على خلل وقع فيها وال يزال يقع ،إذ ينبغي أن
يبادر المسلم للذهاب إلى المسجد حين يؤدى صالة الجمعة وأن يترك البيع ثم إذا انتهت الصالة يعود إلى بيعه وتجارته كالمعتاد
في بقية أيام األسبوع فليس يوم الجمعة أجازة من العمل ،المهم أال يفتر المسلم عن ذكر هللا .ثم يأتي اللوم ألولئك الذين انفصلوا
.عن الرسول وتركوه في المسجد قائما يخطب
وبمناسبة ذكر القرآن ليوم الجمعة نقول ألولئك الذين ال يفهمون معنى تبيين القرآن أن أيام األسبوع من الجمعة للسبت 4-
معروفة ولم يحدث أن اختلف الناس في يوم ما هل هو يوم األربعاء أم الخميس ،وألن أيام األسبوع شيء بين واضح فلم يأت
عدد أيام األسبوع في القرآن الن تبيين القرآن يكون لما يستلزم التبيين من األشياء الغامضة ،وتخيل جدال -ونستغفر هللا -لو
.جاءت أيام األسبوع في القرآن لكان األمر مدعاة لالستهزاء بآيات هللا تعالى وكتابه ،ونستغفر هللا العظيم
وهكذا كان العرب يعرفون أيام األسبوع ويعرفون عدد ركعات الصالة ومواقيتها فلم يأت ذكر لبعض الفرائض إال في سياق
...الحديث عن خلل ما أو في سياق تشريع أخر
لم يأت ذكر أليام األسبوع إال يوم الجمعة في مناسبة خلل حدث في صالة الجمعة ،وذكر القرآن الكريم يوم السبت بمناسبة الخلل
الذي أحدثه اليهود في يوم السبت يقول تعالىِ( :إَّن َم ا ُج ِع َل الَّسْب ُت َع َلى اَّلِذيَن اْخ َت َلُفوْا ِفيِه) النحل َ( )124و ُقْلَن ا َلُهْم َال َت ْع ُد وْا ِفي
الَّس ْب ِت) (َأْو َن ْلَع َن ُهْم َك َم ا َلَع َّن ا َأْص َح اَب الَّسْب ِت)النساء 154؛ . )47لم يذكر القرآن من أيام األسبوع إال يوم الجمعة والسبت فهل
معنى ذلك أن نلغى باقي األيام ؟ أو نجعل األسبوع يومين فقط .أو أن نتهم هللا تعالى بالكذب والتفريط ألنه لم يعرفنا أيام
األسبوع ؟
ـ ونفس الحال بالنسبة لألشهر وعدتها في السنة .لم يذكر القرآن الحكيم ذلك إال بمناسبة النسيء الذي كان يرتكبه العرب5
الجاهليون ({ِإَّن ِع َّد َة الُّش ُهوِر ِع نَد ِهَّللا اْث َن ا َع َش َر َش ْهًر ا ِفي ِك َت اِب ِهَّللا َيْو َم َخ َلَق الَّس َم اَو ات َو اَألْر َض ِم ْن َه ا َأْر َبَع ٌة ُحُر ٌم َذ ِلَك الِّديُن ا ِّي ُم
َق ْل
َفَال َت ْظ ِلُم وْا ِفيِه َّن َأنُفَس ُك ْم ِ (}..إَّن َم ا الَّن ِس يُء ِز َي اَد ٌة ِفي اْلُك ْف ِر ُيَض ُّل ِبِه اَّلِذيَن َك َفُر وْا ُيِحُّلوَن ُه َع اًم ا َو ُيَح ِّر ُم وَن ُه َع اًم ا ِّلُيَو اِط ُؤ وْا ِع َّد َة َم ا
} َح َّر َم ُهَّللا َفُيِحُّلوْا َم ا َح َّر َم ُهَّللا ُز ِّي َن َلُهْم ُس وُء َأْع َم اِلِهْم َو ُهَّللا َال َيْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن } التوبة 36ـ37
وذكر القرآن الكريم شهر رمضان الرتباطه بتشريع الصيام ،فهل معناه أن بقية األشهر غير معروفة أو غير معترف بها ؟ أو
يدور خالف هائل حولها أو حول ترتيبها ؟
لقد سئل خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السالم عن سؤال يعرف إجابته يقينا ،وكالعادة لم يرد بما يعرف وانتظر اإلجابة من
الوحي ونزل الوحي يقول " (َيْس َأُلوَن َك َع ِن األِه َّلِة ُقْل ِه َي َمَو اِقيُت ِللَّن اِس َو اْلَح ِّج ) البقرة .) 189أي كانوا يعرفون األهلة ( جمع
هالل ) ويتخذون منها تقويما قمريا للحج ولبقية األغراض التي يحتاجها الناس .واإلجابة القرآنية لم تأت بجديد ال يعرفه العرب،
ولكن الجديد فيها لنا هو أن نعرف ونؤمن بأن النبي محمدا لم يكن له أن يفتى في الدين حتى فيما كان يعرفه ،وأن نؤمن أن
تفصيالت القرآن لم تترك شيئا يحتاج إلى تبيين بدون توضيح ،وأن كل سؤال وّج هه الناس للنبي جاءت إجابته في القرآن
الكريم ،حتى األسئلة المكررة جاءت اإلجابات القرآنية عليها مكررة ولكن تحمل نفس المعنى وبتفصيالت أخرى في نفس
".الموضوع .وللمزيد لمن يريد :ارجع إلى المصحف المفهرس وراجع كلمة " َيْس َأُلوَن َك " َو " َيْس َت ْف ُتوَن َك
وألن فرائض الصالة وركعاتها معروفة للعرب مثل معرفتهم أليام األسبوع فإن القرآن يذكر بعض الفرائض مثل الفجر 6-
والظهر والعشاء ليس لتشريع جديد يفرض صالة الفجر والعشاء ولكن في سياق حديثه عن تشريع أخر هو تشريع االستئذان،
يقول تعالىَ ":ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِلَيْس َت ْأِذنُك ُم اَّلِذيَن َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم َو اَّلِذيَن َلْم َيْب ُلُغ وا اْلُح ُلَم ِمنُك ْم َث الَث َمَّر اٍت ِمن َقْب ِل َص الِة اْلَف ْج ِر
َو ِحيَن َت َض ُع وَن ِثَي اَب ُك م ِّم َن الَّظ ِه يَر ِة َو ِمن َبْع ِد َص الِة اْلِع َش اء َث الُث َع ْو َر اٍت َّلُك ْم َلْيَس َع َلْي ُك ْم َو ال َع َلْي ِهْم ُج َن اٌح َبْع َدُهَّن َط َّو اُفوَن َع َلْي ُك م
)َبْع ُض ُك ْم َع َلى َبْع ٍض َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ُم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم) .النور 58
لم يخترع المسلمون ساعة زمنية يعرفون بها الوقت ،وألنهم يقيمون الصالة في أوقاتها ويحافظون عليها في غير أوقاتها فإن
مواعيد الصالة كانت مقياس الوقت لديهم ،ال يقولون الساعة الثالثة مثال وإنما يقومون قبل صالة الظهر أو بعد صالة العصر،
وهذه لغة خاصة بمن يقيم الصالة في قلبه وجوارحه وحياته .وهذه اللغة ال تزال حتى اآلن بين المحافظين على الصالة في
.مواعيدها
لذا يتحدث القرآن إليهم بلغتهم هذه حين يشرع آداب االستئذان ،وعليه فاألطفال والموالى عليهم االستئذان عند الدخول على
البالغين في أوقات الراحة بعد صالة العشاء وقبل صالة الفجر ،إذ أن عادة المسلمين هي الراحة بعد صالة العشاء ثم االستيقاظ
لصالة الفجر ،والقيلولة بعد صالة الظهر ،وهذا التشريع ليوجب استئذان األطفال والخدم عند الدخول على اآلباء واألمهات
والكبار في أوقات الراحة والنوم .أما الكبار البالغون فعليهم االستئذان في كل وقت وفقا لما جاء في اآلية التاليةَ( :و ِإَذ ا َب َلَغ
) اَألْط َفاُل ِمنُك ُم اْلُح ُلَم َفْلَيْس َت ْأِذ ُنوا َك َم ا اْس َت ْأَذ َن اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم آَي اِتِه َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ) النور 59
هذا بيان هللا تعالى الستئذان الصغار والكبار ،وقد جاء بالتفصيل ،وهو مسألة اجتماعية ليست في منزلة الصالة ،فهل يا ترى
يهمل هللا تعالى كيفية الصالة ومواقيتها بينما يشرح "آداب االستئذان" داخل البيوت ؟ القضية أن العرب كانوا ال يعرفون هذه
اآلداب الراقية الحضارية فنزل تعليمهم لها بالتفصيل في سورة النور وغيرها .أما الصالة فقد كانوا يعرفونها ويؤدونها بنفس
.الكيفية والعدد ،لذا كان عبثا توضيح ما هو واضح لهم
إن اآلية لم تنزل لتشريع صالة الفجر أو صالة العشاء وإنما لتشريع االستئذان قبل صالة الفجر وبعد صالة العشاء وبعد صالة
الظهر ،ومعناه الواضح أن المسلمين قبل نزول اآلية كانوا يعرفون صالة الفجر وصالة العشاء ،بل كانوا يضبطون إيقاع الحياة
على أوقات الصالة .وألن معرفة أوقات الصالة وركعاتها من البديهيات لم يتعرض لها بيان القرآن ،ويكفى أن اآلية ختمت بقوله
تعالى " َك َذ ِلَك ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ُم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم) .النور . )58فهذا تبيين هللا العليم الحكيم لما ينبغي تبيينه وتوضيحه ،أما
الواضح المبين البّي ن فال يوضحه أو يبينه القرآن الكريم .وهذا ما ينبغي أن نفهمه قبل أن نبادر باتهام المولى عز وجل بأنه فرط
.في كتابه
ولم يأت التشريع القرآني بجديد خاص بالصالة في مكة وإنما جاء في المدينة وحين نزل ذلك التشريع الجديد نزل مفصال 7-
.يوضح كل شيء في هذا التشريع الجديد
وأول تشريع جديد في الصالة هو الخاص بالقبلة ،وكان في حقيقته اختبارا في الطاعة ،فالعرب كانوا يتوجهون في الصالة *
إلى الكعبة ،وبتوالي القرون بعد أبيهم إسماعيل ترسب فيهم الشعور بتقديس بناء الكعبة ،وزاد ذلك وقوعهم في الشرك وعبادة
األضرحة واألنصاب واألصنام وزرعها حول الكعبة ،فإذا كانوا يقدسون حجارة القبور واألنصاب واألوثان واألضرحة واألصنام
فحجارة الكعبة أولى بالتقديس .وبمجيء النبي محمد خاتما للنبيين ورجوع كثيرين إلى الحنيفية اإلبراهيمية الحقيقية تم تنظيف
قلوبهم من االعتقاد في األوثان واألنصاب واألصنام والقبور المقدسة .لكن ال يزال هناك تقديس في داخلهم لبناء الكعبة خصوصا
وهم يتجهون إليها في صالتهم اليومية .وازداد األمر بعد هجرتهم من مكة إلى المدينة إذ اختلط لديهم الحنين للوطن ( مكة )
وبيت هللا تعالى الحرام بمشاعر التقديس للكعبة .وكان ال بد لهم من مواجهة مع النفس بامتحان يتضح لهم فيه أن التوجه للكعبة
ال يعنى تقديسا لها على اإلطالق وإنما هو طاعة لآلمر رب العزة جل وعال .تماما مثلما أمر هللا تعالى المالئكة بالسجود آلدم ،
فلم يكن تقديسا ألدم ،بل كان اختبارا للطاعة .نفس الحال هنا؛ امتحنهم هللا تعالى بأن أمرهم بالتوجه إلى مكان آخر .وأطاع
النبي والمؤمنون معه وصبروا على أقاويل السفهاء بتغيير القبلة ،وبعد أن نجح النبي والمؤمنون في االختبار نزل الوحي يجيب
.رجاء الرسول هلل بالعودة إلى التوجه للبيت الحرام ،فقد تعلموا الدرس
وتفصيالت الموضوع جاءت في سورة البقرة(142؛)150
َأ
ثم نزل تشريع الوضوء والطهارة والغسل والتيمم ،ولم يكن معروفا من قبل ،وجاء بيانه في آيتين في المدينة " َي ا ُّيَه ا اَّلِذيَن *
آَم ُنوْا َال َت ْق َر ُبوْا الَّص الَة َو َأنُتْم ُس َك اَر ى َح َّت َى َت ْع َلُم وْا َم ا َت ُقوُلوَن َو َال ُج ُنًب ا ِإَّال َع اِبِر ي َس ِبيٍل َح َّت َى َت ْغ َت ِس ُلوْا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ى َأْو َع َلى
َس َف ٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم ن اْلَغ اِئِط َأْو الَمْس ُتُم الِّن َس اء َفَلْم َت ِج ُد وْا َم اء َفَت َيَّمُم وْا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا َفاْمَس ُح وْا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك ْم } .النساء
)43ومع هذا البيان المحكم المفصل فقد تكرر في سورة المائدة وبتفصيالت جديدة عن الوضوء يقول تعالى َ " .ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن
آَم ُنوْا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص الِة َفاْغ ِس ُلوْا ُو ُج وَه ُك ْم َو َأْي ِد َي ُك ْم ِإَلى اْلَمَر اِفِق َو اْمَس ُح وْا ِبُر ُؤ وِس ُك ْم َو َأْر ُج َلُك ْم ِإَلى اْلَك ْع َبْي ِن َو ِإن ُك نُتْم ُج ُنًب ا
َفاَّط َّهُر وْا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ى َأْو َع َلى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو الَمْس ُتُم الِّن َس اء َفَلْم َت ِج ُد وْا َم اء َفَت َيَّمُم وْا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا
َفاْمَس ُح وْا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك م ِّم ْن ُه َم ا ُيِر يُد ُهَّللا ِلَيْج َع َل َع َلْي ُك م ِّم ْن َح َر ٍج َو َلِكن ُيِر يُد ِلُيَط ِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم ِنْع َم َت ُه َع َلْي ُك ْم َلَع َّلُك ْم .المائدة )6
وتأمل كلمة الصالة في " َال َت ْق َر ُبوْا الَّص الَة " " ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص الِة " أي الصالة المعروفة لديكم وعليكم قبل أن تقومون لها أن
تتطهروا لها ،أو بالمصطلح الفقهي "الوضوء " فالصالة معروفه أما الغسل والطهارة قبل الصالة فهو شيء جديد نزل تشريعه
.ألول مرة
.وفرض هللا تعالى القتال على المؤمنين في المدينة بعد الهجرة *
والهجرة نفسها نوع من الجهاد ،إذ أنه سفر فيه مطاردة وضرب في األرض شديد ،والمؤمن في حال الهجرة والقتال مطالب
بالصالة ألن الصالة كانت على المؤمنين ـ قديما وحديثا ت كتابا موقوتا أي فرضا يؤدى بتوقيته كل يوم .وعليه كان البد أن
.ينزل تشريع خاص للصالة في وقت الخوف أثناء الهجرة والقتال
وحين نزل تشريع صالة الخوف نزل مفصال يتحدث ألناس يعرفون الصالة معرفة اليقين ،وجاء الحديث عن صالة الخوف في
سورة النساء (100؛ )103ويبدأ بالهجرة وما فيها من مشاق وإمكانية الموت أثناءها { َو َم ن ُيَه اِجْر ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َي ِج ْد ِفي
اَألْر ِض ُمَر اَغ ًم ا َك ِثيًر ا َو َس َع ًة َو َم ن َي ْخ ُرْج ِمن َبْي ِتِه ُمَه اِجًر ا ِإَلى ِهَّللا َو َر ُس وِلِه ُثَّم ُي ْد ِر ْك ُه اْلَمْو ُت َفَق ْد َو َقَع َأْج ُر ُه َع َلى ِهَّللا َو َك اَن ُهَّللا
َ.غ ُفوًر ا َّر ِحيًم ا }
ثم يتحدث المولى تعالى عن نوعية السفر التي تستلزم قصر الصالة { َو ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي اَألْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأن َت ْق ُصُر وْا
ِمَن الَّص الِة ِإْن ِخْف ُتْم َأن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وْا ِإَّن اْل َك اِفِر يَن َك اُنوْا َلُك ْم َع ُد ًّو ا ُّم ِبيًن ا) ثم توضح اآليات التالية طريقة الصالة في الركعة
الواحدة والتعديل الذي يالزم ظروف المواجهة مع العدو حين الصالة " َو ِإَذ ا ُك نَت ِفيِهْم َفَأَقْم َت َلُهُم الَّص الَة َفْلَت ُقْم َط اِئَف ٌة ِّم ْن ُهم َّمَع َك
َو ْلَي ْأُخ ُذ وْا َأْس ِلَح َت ُهْم َفِإَذ ا َس َج ُد وْا َفْلَي ُك وُنوْا ِمن َو َر اِئُك ْم َو ْلَت ْأِت َط اِئَف ٌة ُأْخ َر ى َلْم ُيَص ُّلوْا َفْلُيَص ُّلوْا َمَع َك َو ْلَي ْأُخ ُذ وْا ِح ْذ َر ُه ْم َو َأْس ِلَح َت ُهْم َو َّد
اَّلِذيَن َك َفُر وْا َلْو َت ْغ ُفُلوَن َع ْن َأْس ِلَح ِتُك ْم َو َأْم ِتَع ِتُك ْم َفَي ِميُلوَن َع َلْي ُك م َّمْي َلًة َو اِحَد ًة َو َال ُج َن اَح َع َلْي ُك ْم ِإن َك اَن ِبُك ْم َأًذ ى ِّم ن َّم َط ٍر َأْو ُك نُتم
َّمْر َض ى َأن َت َض ُع وْا َأْس ِلَح َتُك ْم َو ُخ ُذ وْا ِح ْذ َر ُك ْم ِإَّن َهَّللا َأَع َّد ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اًب ا ُّم ِه يًن ا َفِإَذ ا َقَضْي ُتُم الَّص الَة َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا ِقَي اًم ا َو ُقُع وًدا َو َع َلى
ُ.ج ُنوِبُك ْم َفِإَذ ا اْط َم ْأَن نُت ْم َفَأِقيُم وْا الَّص الَة ِإَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى اْل ُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت اًب ا َّمْو ُقوًت ا " النساء 102 ،103 ،101 ،100
واضح في اآليات أن قصر الصالة يكون فقط في حالة السفر المرتبط بالخوف " ِإْن ِخْف ُتْم َأن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وْا " وان القصر
من الصالة الكاملة المعتادة المعروفة ،وأن مقدار الركعات التي تقصر من الصالة متروك حسب ظروف المواجهة .والتفصيالت
كافية هنا في توضيح ذلك التشريع الجديد بحيث ال يحتاج إلى إضافة أو استفهام ،فمثال ال بد من كتبية حراسة تحمل السالح
وتحمى الفريق الذي يصلى خصوصا عند السجود ،وبعد أن تنهى صالة القصر يتبادلون المواقع فيصلى الحراس ويقوم
اآلخرون بالحراسة ،والبد من التمسك بالسالح إال في حالة الضرورة في المطر أو المرض .وبعد انتهاء صالة القصر هذه ينبغي
أن يعوض القصر فيها باالستمرار في ذكر هللا قياما وقعودا ونياما ،ثم إذا زالت حالة الخوف تقام الصالة الكاملة في أوقاتها
.المعروفة
ثم تأتى آية أخرى في سورة البقرة تضيف تفصيال آخر لصالة الخوف " َح اِفُظ وْا َع َلى الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وْا ِهَّلِل
)َقاِنِتيَن َفِإْن ِخْف ُتْم َفِر َج اًال َأْو ُر ْك َب اًن ا َفِإَذ ا َأِمنُتْم َفاْذ ُك ُر وْا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك م َّم ا َلْم َتُك وُنوْا َت ْع َلُم وَن } البقرة 238
ففي حالة الخوف من العدو أو الخوف من ضياع وقت الصالة أو عندما تتعذر الصالة بالطريقة المعتادة وأنت راكب على بعير أو
طائرة أو سيارة ـ يأتي تشريع جديد آخر بالتفصيل ،فتصلى كيفما اتفق مترجال أو راكبا ،فإذا ذهب الخوف فالبد من ذكر هللا
.قياما وقعوا ونياما وإقامة الصالة لذكره تعالى فاهلل تعالى هو الذي علمهم ذلك التشريع الجديد الذي لم يكونوا يعلمونه
ـ لقد شملت تفصيالت القرآن كل شيء يحتاجه المؤمن في حياته حتى من اآلداب الراقية الحضارية أو ما يعرف اآلن 8
.باالتيكيت.من آداب الكالم و التحية والسالم إلى آداب المشي أو السير والطعام
في آداب الطعام
َأ َأل
قال تعالى َ( :لْيَس َع َلى ا ْع َم ى َح َر ٌج َو ال َع َلى ا ْع َر ِج َح َر ٌج َو ال َع َلى اْلَم ِر يِض َح َر ٌج َو ال َع َلى نُفِس ُك"> وحتى في رفع الصوت َأل
:أو خفوته تأتى التفصيالت في العبادة والدعاء
ًّي َخ َن ْذ
فال بد أن يكون الدعاء خفيا بدون صوت مسموع مثلما فعل زكريا عليه السالمِ( :إ اَدى َر َّب ُه ِنَداء ِف ا) مريم ) 3أما نحن فال
يقنصر األمر على الصياح بالدعاء بل يتعداه الى السخرية باهلل تعالى فبدال من أن يكون الدعاء بكاءا وتضرعا نجعله غناء
ورقصا ،أي نتعدى على جالل هللا تعالى بتحويل عبادة الدعاء إلى لهو ولعب متناسين قوله تعالى في تشريع الدعاء( :اْد ُع وْا
َر َّب ُك ْم َت َض ُّر ًع ا َو ُخ ْف َي ًة ِإَّن ُه َال ُيِحُّب اْلُمْع َت ِديَن ) وفى تشريع ذكر هللا تعالى (َو اْذ ُك ر َّر َّب َك ِفي َن ْف ِس َك َت َض ُّر ًع ا َو ِخيَف ًة َو ُدوَن اْلَج ْه ِر ِمَن
اْلَق ْو ِل ِباْلُغ ُد ِّو َو اآلَص اِل َو َال َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن ) األعراف ) 205 & 55أما الصالة فال مجال فيها للجهر كما نفعل باستخدام
) الميكروفونات ،يقول تعالى َ( :و َال َت ْج َهْر ِبَص الِتَك َو َال ُتَخ اِفْت ِبَه ا َو اْب َت ِغ َبْي َن َذ ِلَك َس ِبيًال ) اإلسراء 110
) وحتى في الحديث العادي ال يصح أن ترفع صوتكَ( :و اْغ ُضْض ِمن َص ْو ِتَك ِإَّن َأنَك َر اَألْص َو اِت َلَص ْو ُت اْلَح ِميِر ) لقمان 19
:وفى المشي والسير هناك آداب قرآنية
فال يصح التعاظم والسير بخيالء ،ومصطلح المرح يعنى تلك النوعية من االستكبار في السير والغرور في الحركة كان يقول
تعالىَ( :و َال َت ْم ِش ِفي اَألْر ِض َمَر ًح ا ِإَّن َك َلن َتْخ ِر َق اَألْر َض َو َلن َت ْب ُلَغ اْلِجَب اَل ُط وًال) اإلسراء ) 37وقال تعالى عن بعض
المستكبرين من مدعى العلمَ( :ث اِنَي ِع ْط ِفِه) الحج ) 9وهو وصف حركي يصور الذي يتحدث مع الناس متعاليا عليهم .ونحوها
) قوله تعالىَ( :و ال ُتَص ِّعْر َخ َّد َك ِللَّن اِس َو ال َت ْم ِش ِفي اَألْر ِض َمَر ًح ا ِإَّن َهَّللا ال ُيِحُّب ُك َّل ُم ْخ َت اٍل َفُخ وٍر ) لقمان 18
أما شان المؤمن فهو السير على األرض هونا معرضا عن الجاهلين محسنا لهم ما استطاع َ( :و ِع َب اُد الَّر ْح َم ِن اَّلِذيَن َيْم ُشوَن َع َلى
اَألْر ِض َه ْو ًن ا َو ِإَذ ا َخ اَط َبُهُم اْلَج اِه ُلوَن َقاُلوا َس الًم ا ) الفرقان ) 63او أن يمشى بقصد أي باعتدال عارفا أين يذهب محتسبا خطاه
) في سبيل مواله جل وعال َ( :و اْق ِص ْد ِفي َم ْش ِيَك) لقمان 19
آداب التحية
ال تقتصر على المحسن من الناس بل تشمل أيضا الرد على صاحب اللغو بإلقاء كلمة السالم وهى تحية اإلسالم .على أنه إذا
حياك احد بأي لغة أو أي مصطلح فالواجب عليك رد التحية بأحسن منها سواء كان الذي حياك مسلما أم غير مسلم ،تعرفه أو ال
) تعرفهَ( : .و ِإَذ ا ُحِّي يُتم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وْا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها ِإَّن َهَّللا َك اَن َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِس يًب ا ) النساء 86
والتحية ليست فقط من القادم الواقف على الجالس القاعد بل هي أيضا يقولها الجالس للقادم عليه ن وهذا أمر وجهه هللا تعالى
للنبي محمد عليه السالم في تعامله مع المؤمنينَ( :و ِإَذ ا َج اَء َك اَّلِذيَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِبآَي اِتَن ا َفُقْل َس الٌم َع َلْي ُك ْم َكَت َب َر ُّب ُك ْم َع َلى َن ْف ِس ِه
) الَّر ْح َم َة َأَّن ُه َم ن َع ِم َل ِمنُك ْم ُس وًء ا ِبَج َه اَلٍة ُثَّم َت اَب ِمن َبْع ِدِه َو َأْص َلَح َفَأَّن ُه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم) األنعام 54
ـ ما سبق هو مجرد أمثلة لتفصيالت القرآن الكريم في اآلداب العامة في الحياة االجتماعية ،لم يكن للعرب معرفة بها فجاءت 9
تفصيالتها واضحة ،والصالة أعظم فريضة إسالمية ،يكفى في بيان قدرها أن يقال عن الخاسر يوم القيامةَ( :فال َص َّد َق َو ال
َ.ص َّلى) القيامة ) 31فالتصديق هو اإليمان ،أما العمل الصالح فقد جاء التعبير عنه بالصالة
إذا كانت الصالة بهذه األهمية فهل تتناساها تفصيالت القرآن وتذكر اآلداب االجتماعية في السير والحديث والتحية
واالستئذان ؟
وهكذا تأتى تفصيالت القرآن تشرح التشريع الجديد وتنبه على ما يحدث من خلل في أداء الصالة .أما ما هو واضح من ركعات
الصالة وأوقاتها فمن الهزل تشريعه لمن يعرفونه ويؤدونه .أما أولئك الذين يحاولون تكذيب المولى عز وجل في قوله تعالى َّم ا
َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء " فلن تنفع معهم حجة وال برهان ألنهم يسعون في آيات هللا معاجزين وموعدنا معهم أمام هللا تعالى
) .يوم القيامةَ ":و اَّلِذيَن َيْس َع ْو َن ِفي آَي اِتَن ا ُمَع اِجِز يَن ُأْو َلِئَك ِفي اْلَع َذ اِب ُمْح َض ُر وَن ...سبأ 38
الباب الثانى ( :الخلفاء الفاسقون وصالتهم الشيطانية ) ج١
المشكلة المنهجية فى بحث التراث ـ منهج البحث فى هذا الكتاب ـ الخلفية التاريخية للمصادر التراثية ـ لمحة عن الكتابات(
) التاريخية والطبقات الكبرى البن سعد ــ التسجيل التاريخى للصالة عند المسلمين ـ لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية
ـ أهم مشكلة منهجية فى الدراسات االسالمية هى التعامل مع المصادر .أغلبية الباحثين يخلط بين الحقائق القرآنية المطلقة 1
وبين روايات التراث وأحاديثه التى كانت تسميتها األصلية :أخبار وروايات .هذه التسمية ( :أخبار وروايات )هى فصل الخطاب
.فى موضوعنا
ــ فى عصر االزدهار العلمى لحضارة المسلمين كان علماء الحديث يطلقون على تلك األحاديث مصطلح ( الخبر) والخبر 2
عندهم هو الذى يحتمل الصدق والكذب ،وألن األصل فيه الشك وليس اليقين فقد كانوا يجعلون له اسنادا عبر أجيال من الرواة
ليحاول أن يؤكد صحته .وهذا االسناد ال يعطى ذلك الحديث صفة اليقين ألن هناك مطاعن ضد الرواة واختالفات فى مدى
صدقيتهم وحفظهم وأمانتهم فى النقل .وال يوجد اتفاق عام على توثيق راو أو تضعيف راو آخر حسبما قال االمام الذهبى فى
كتابه ( ميزان االعتدال ) .ولذلك كان علماء الحديث يقولون ان تلك األحاديث تفيد الظّن وال تفيد اليقين .أى مجرد أخبار تحتمل
الصدق والكذب ،وبالتالى ليست جزءا من الدين ألن الدين ال بد أن يكون يقينيا من عند هللا تعالى ،وهذا ال يتأتى اال فى القرآن
فقط .وقد قالوا ايضا ان العقائد أوالسمعيات ال تؤخذ اال من القرآن ألنها تدخل ضمن االيمان وال بد لاليمان أن يكون مصدره
.يقينيا
ـ وفى عصر االزدهار الفكرى بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر ـ اى فى العصر العباسى األول ـ عاش أئمة الحديث والفقه3 .
لم يكونوا يقولون مباشرة ( قال رسول هللا ) وانما يقولون ( روى فالن عن فالن عن ..ان رسول هللا قال ) ..أى يؤكدون انها
رواية بشرية وليست قوال مباشرا مؤكدا قاله النبى بنفسه لمن كتب ذلك الحديث .وبعضهم كان يختصر فيقول بطريقة المبنى
للمجهول ( روى أن رسول هللا قال )..هو يؤكد نفس المعنى من أنها مجرد رواية متناقلة عبر رواة متعددين مختلفين فى
.الزمان والمكان
ـ وفى عصر التقليد والجمود بدءا من القرن السابع الهجرى عكف الالحقون على كتب السابقين يشرحونها ويلخصون الشرح 4
ويجعلونه مختصرا موجزا ثم يحولون المختصر الى متن ثم يعيدون شرح المتن .وبذلك تقهقرت الحركة العلمية من تقليد الى
جمود الى تأخر ،وذلك من بداية العصر المملوكى الى أواخرالعصر العثمانى .وبالتالى تحولت كتب العلماء السابقين الى أسفار
مقدسة ـ مع اختالفها والشقاق بين مؤلفيها ـ وتحول أولئك األئمة الى أنصاف آلهة ال يجوز االعتراض عليهم أو مناقشة آرائهم.
واألهم من ذلك أن روايات األخبار عن النبى أصبحت بالتقليد األعمى وغيبة العقل والنقد جزءا أساسا من الدين .وأصبح ال يقال
( روى فالن عن فالن عن أن رسول هللا قال ) بل يقال على وجه التأكيد ومباشرة ( قال رسول هللا ) او يقال ( :روى البخارى
أن رسول هللا قال) كما لو أن البخارى كان صاحبا مالزما للنبى محمد عليه السالم وسمع منه مباشرة .والبخارى اكتسب قدسية
.مرعبة ترهب من يفكر فى مناقشة أحاديثه
ــ ثم جاء عصر الصحوة التى بدأها االمام محمد عبده وحملها فى رحالته الى تونس والجزائر وغيرها ،واقترنت هذه 5
الصحوة الدينية بتوجهات سياسية وفكرية ليبرالية فى مصر وغيرها ،وكان مأموال أن تثمر هذه الحركة نهضة اصالحية تعيد
االسالم الى المسلمين وتعيد المسلمين الى االسالم لوال ظهور الدولة السعودية بفكرها الوهابى الذى استرجع أردأ انواع الفكر
السلفى وأشده تعصبا وتخلفا وجمودا وظالمية .وقام قطار النفط بنشر الوهابية على أنها االسالم ،وأيدته ظروف محلية
واقليمية ودولية فانتشر وساد ،واسفر فى النهاية عن اتهام االسالم باالرهاب والتخلف والجمود .وهذا ما نعانيه اآلن وما
.يستوجب االصالح
ـ ومن مالمح هذا التخلف الوهابى المسيطر أنه أعاد منهج العصر العثمانى فى التفكير ،وهو العصر الذى عاش فيه محمد بن 5
عبد الوهاب ،فلم يعد يقال :روى فالن عن فالن عن أن رسول هللا قال ،بل أصبح أحدهم يقول بجرأة :قال رسول هللا ،كما لو
كان جالسا مع النبى للتو واللحظة ..ولم يعد يقال انها " اخبار " أو انه (خبر ) عن النبى ،بل أصبح يعرف بأنه حديث تحدث
.به النبى على وجه اليقين فأصبح جزءا من الدين
:ـ بناء على هذه البلوى فاننا نعانى 6
من خلط مستمر فى المنهج بين حقائق القرآن وأقاويل التراث المنسوبة للنبى .فالعلماء التقليديون ومن سار على 6 / 1 :
نهجهم من محترفى الكتابة فى الدين ـ بدون علم وال هدى وال كتاب منير ـ يخلطون بين حقائق القرآن وأكاذيب التراث وأقاويله،
يخلطون بين الحقيقة القرآنية المطلقة وأخبار التراث البشرية التى ـ ان صدقت ـ فالصدق فيها احتمال كما أن الكذب فيها احتمال
.آخر ،وكالهما وارد
وزاد الطين بلة ـ كما يقولون ـ أنهم ألحقوا التاريخ باألحاديث ،مع أن كل دارس للتاريخ ال بد ان يبدأ بمنهجية األحكام 6 / 2 :
النسبية لكل روايات التاريخ ووقائعه ،سواء كانت اقواال أو كانت أحداثا بسيطة أو مركبة ،وسواء كان الراوى أو المؤرخ
.معاصرا للحدث ناقال عنه من واقع المشاهدة والرؤية العيانية أو كان ناقال عن السابقين من المؤرخين
تتضح البلوى أكثر لدى من يكتب فى االسالميات بدون علم ،أو بمجرد الهواية والجرأة الهائلة على االبحار فى هذا6 / 3 :
المحيط دون استعداد عقلى وثقافة ومعرفة وعلم بالمناهج البحثية .ترى أحدهم ال يكتفى بالكتابة فيما ال يعرف وفيما ال يفقه بل
ويتصدى لنا مناطحا صائحا ويجد خلفه األتباع وسقط المتاع يؤيدونه ويزايدون على جهله جهال .وأساس الجهل عندهم هو ذلك
الخلط بين حقائق القرآن المطلقة وأخبار التراث ،ورفعهم أخبار التراث الى مستوى حقائق االسالم القرآنية .قد أكتب بحثا
أستشهد فيه بآيات القرآن الكريم وببعض أخبار التراث وأحداث التاريخ فترى هؤالء وقد تراءى لهم اننى وقعت فى مأزق
فيتساءلون :اذا كان ينكر األحاديث فلماذا يستشهد بها ؟ أواذا كان ينكر التراث فلماذا يستشهد بأحداثه ؟
ـ أننى انكر نسبة تلك األحاديث للنبى محمد عليه السالم .انكرها ايمانيا كمسلم يكتفى باهلل تعالى ربا وبالقرآن كتابا ،ومعى 7
أدّلتى من القرآن الكريم ،وقد فّص لت القول فى ذلك فى كتاب ( القرآن وكفى ) ،وانكر نسبة هذه األحاديث للنبى محمد كباحث
متخصص فى التراث وفى البحث التاريخى .وقد فّص لت نقد االسناد ( أى اسناد الحديث للنبى محمد ) فى بحث منشور عن
االسناد .انكارى نسبة تلك األحاديث للنبى محمد يعنى أنها ليست جزءا من االسالم الذى اكتمل بالقرآن .ومعنى انكارى نسبتها
للنبى محمد اننى أراها معبرة فقط عن ثقافة المسلمين فى العصر الذى تمت كتابتها فيه ،وأراها معبرة عن ثقافة مؤلفها ،
فصحيح البخارى يعبر عن عقلية البخارى بمثل ما يعبر كتابى هذا عن ثقافتى وعصرى وعقليتى .وفى النهاية فهو جهد بشرى
.يؤخذ منه ويرّد عليه
ـ وهذا األخذ والرد والقبول والرفض ليس عشوائيا أو انتقائيا أو بمجرد الهوى او بدافع التحامل أو الجهل .بل له منهج 8
علمى فى البحث ،وقد شرحته بالتفصيل فى كتبى التى كانت مقررة فى جامعة األزهر قسم التاريخ والحضارة االسالمية ،ومنها
كتب (:البحث فى مصادر التاريخ الدينى :دراسة عملية) ( اسس البحث التاريخى ) ،و(التاريخ والمؤرخون :دراسة فى تاريخ
.علم التاريخ) ( والتاريخ والمؤرخون :دراسة فى المادة التاريخية )
هناك منهج يستطيع به الباحث قبول رواية تاريخية ورفض أخرى ،يستطيع به فحص الروايات اذا كانت متشابهة أو متعارضة
أو متداخلة ،ومنهج يستطيع به فحص الرواة والمؤرخين ومدى مصداقية أحدهم اذا كان ناقال عن الغير أو ناقال بنفسه عن
عصره ..والحديث يطول فى منهجية البحث التاريخى وطبيعة المادة التاريخية ومناهج المؤرخين السابقين ومصطلحاتهم ..وفى
النهاية فان مصداقية الباحث التاريخى والتراثى ترتبط بمدى كفاءته العلمية ومدى حياده ونزاهته وتقواه .وفى النهاية أيضا فان
ما يتوصل اليه الباحث من بحثه التاريخى ( فى تلك األخبار التراثية والتاريخية التى تحتمل الصدق والكذب ) ليس سوى وجهة
.نظر شخصية ،وليس أبدا حقائق مطلقة ،ألن الحقائق المطلقة ال توجد اال فى القرآن الحكيم وحده
ـ ما نستنبطه من القرآن الكريم وما نختاره من ( اخبار ) التراث والتاريخ هو عمل بشرى غير معصوم من الخطأ ،تكون 9
جودته بقدر ما فيه من جهد عقلى وابداع بحثى واستدالل علمى .وألنه عمل بشرى فانه يحمل اسم المؤلف ،سواء كان المؤلف
هو البخارى او أى فالن من الناس .أما القرآن العظيم فليس له مؤلف من الناس .أنه كتاب رب العالمين جل وعال ،لذا فال
.يصح مساواته بكتب البشر
ـ هذا عن المناهج عامة ،فكيف بتطبيقها فى هذا الكتاب عن الصالة بين القرآن الكريم والمسلمين ؟ 10
ثانيا :منهج البحث فى هذا الكتاب
ـ بدأ الكتاب فى بابه األول ببحث الصالة فى القرآن الكريم أساسا ،أى ال بد أن يكون القرآن الكريم هو مرجعيته حين نبحث 1
عن مالمح الصالة فى القرآن الكريم .ولهذا البحث عن الصالة فى القرآن منهجية ،أذ أن للقرآن الكريم منهجه الخاص فى ايراد
القصص وفى االشارات العلمية وفى الدعوة وفى الحوار ،وله منهجه الخاص فى التشريع عموما ،و فى تشريع ملة ابراهيم
.خصوصا ،وهذا ما أوضحناه فيما سبق فى هذا الكتاب
ـ بعده هذا المبحث الذى يتتبع الصالة فى تراث المسلمين وفى تاريخهم بعد نزول القرآن الكريم .هنا ال بد من االعتماد على 2
المصادر البشرية من كتب الفقه والحديث ،وكتب التاريخ التى أّر خت للقرنين األول والثانى بعد الهجرة .وكلها موجودة
ومنشورة ومشهورة .بالطبع ليست سوى روايات وأخبار وأحداث وآراء بشرية ألفراد تحتمل الصدق والكذب .بعضها قالها
أصحابها بأنفسهم أو نسبوها كذبا للنبى محمد عبر االسناد الذى نرفضه دينا وعلما ،ونرى ان تلك األحاديث انما هى آراء
.ألصحابها حملت اسم النبى بعد موته بقرن وأكثر زورا وبهتانا
ـ هذه المصادر الفقهية والحديثية والتاريخية نحتكم فيها للقرآن الكريم ،ومروياتها تخضع للمنهجية العلمية الصارمة ،فهى 3
روايات ورؤى بشرية تحتمل الخطأ والصواب والصدق والكذب وهى مقطوعة الصلة باالسالم ألنها جهد لمؤلفيها من المسلمين
ومعبرة عنهم وليس عن االسالم العظيم الذى اكتمل بالقرآن الكريم .وما نصل اليه من آراء واجتهادات ليست هى األخرى
.معصومة من الخطأ ،مهما تعاظم المبذول فيها من الجهد
ثالثا :الخلفية التاريخية للمصادر التراثية
ـ الفتوحات أو الغزو العربى وتكوين امبراطورية عربية تحمل اسم االسالم ،هو المفتاح لفهم الخلفية التاريخية لتراث 1
.المسلمين
ـ انشغل العرب بالفتوحات والنزاع السياسى والعسكري خالل فترتى الراشدين واألمويين ،ولم يكونوا فى األصل أصحاب 2
حضارة سابقة أو من األمم ذات الشهرة فى الكتابة والتدوين .كانت األمم المفتوحة ذات ارث حضارى متصل ومكتوب ،وقد
تعامل العرب معهم ـ خصوصا فى الدولة األموية ـ على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ،فكان لقبهم السائد ( موالى ) أى
.األتباع والخدم والعبيد ،سواء منهم من كان رقيقا أو كان حرا فى بالده ،اذ كان يدفع الجزية حتى لو أسلم
ـ فى وقت انشغال العرب بالفتوحات والفتن والحروب األهلية والفتن والمكائد السياسية نشأ جيل جديد من الموالى خدم كبار 3
الصحابة ونقل حكاياتهم ،وكانت لهم خلفية علمية لم تكن موجودة لدى العرب ،وكان العلم سبيلهم فى التميز االجتماعى فى
مواجهة أسيادهم العرب كما كانت المبالغة فى التدين باالسالم وترك الدنيا بدعوى الزهد طريقة بعضهم فى المزايدة الدينية
.على العرب المسلمين الذين تنازعوا وسفكوا فى سبيل حطام الدنيا الدماء البريئة التى حرمها هللا تعالى
ـ أولئك الموالى وأبناؤهم كانوا قادة الحركة العلمية فى العصر األموى ،خصوصا بعد موت المتأخرين من الصحابة مثل خادم 4
النبى الصحابى أنس بن مالك الذى توفى بالبصرة سنة 92عن عمر يناهز 99عاما،وهو آخر من توفى من الصحابة
بالبصرة ،وعبد هللا بن أوفى ت 86وعبد هللا بن الزبير 73وابن عمرو 65وابن عمر 74وابن عباس . 68جاء بعدهم من
خدمهم من الموالى مثل سالم مولى عبد هللا بن عمر ،106و عكرمة مولى ابن عباس الذى اخترع حديث ( :من بّد ل دينه
.فاقتلوه ) والتفاصيل فى كتابنا ( :حد الردة )
ـ ينقل إبن الجوزى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قوله ) لما مات العبادلة " عبد هللا بن عمر وعبدهللا بن عمرو و عبد 5
هللا بن عباس وعبد هللا بن الزبير" صار الفقه فى جميع البالد الى الموالى ،فكان فقيه أهل مكة عطاء بن رباح ،وفقيه أهل
اليمن طاووس ،وفقيه أهل اليمامة يحيى ابن كثير ،وفقيه أهل البصرة الحسن البصرى ،وفقيه أهل الشام مكحول ،وفقيه أهل
خراسان عطاء الخراسانى ،إال المدينة فان هللا تعالى خصها بقرشى فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع )
( :تاريخ المنتظم 319 : 6ـ .) 320ونقول تعليقا على هذه الرواية
هذه الرواية تجاهلت مشاهير الفقهاء من الموالى مثل سعيد بن جبير ت 95والشعبى ت 104و مجاهد بن جبر 5 / 1 :
104وابن سيرين 110ومالك بن دينار 130وكلهم من العراق ،كما أنها تجاهلت مصر تماما ،و قد قاد الحركة الفقهية
فيها بعد سالم ( مولى ابن عبد هللا ابن عمرو بن العاص ) فقيه مشهور من الموالى هو الليث بن سعد المتوفى 175وكان
مولى لخالد الفهمى ،وكان الليث معاصرا ألبى حنيفة وأستاذا لمالك بن أنس فى المدينة .وعن مدرسة المدينة فقد كان فقيهها
سعيد بن المسيب الذى ولد بعد سنتين من مقتل عمر ابن الخطاب ،ثم عاش ليدرك الدولة األموية معارضا سلميا لها الى أن
مات فى خالفة الوليد بن عبد الملك سنة ، 94وكان من أشهر تالمذته الزهرى ت 124الذى كان أستاذا لمالك ابن أنس ت
.179كما أن مالك بن أنس كان أستاذه فى المدينة مولى ،وكان أعرف بالفقه والعلم منه ،إذ جمع بين الرأى والحديث إنه
فروخ ،أو ربيعة الرأى المتوفى سنة . 136إال أن العصبية العربية أشهرت مالك وتجاهلت فروخ ،أو ربيعة الرأى الذى كان
.أستاذا أيضا ألبى حنيفة فى مدرسة الرأى واالجتهاد
ابن الجوزى نقل الرواية السابقة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة ، 182أى كان معاصرا ألولئك األعالم 5 / 2 :
.الذين تجاهلهم .وقد يكون هذا التجاهل مبعثه اختالف الرأى أو الحسد ،إذ لم تبلغ شهرة إبن أسلم أو علمه مبلغ أولئك األعالم
ـ جاء العباسيون للحكم بسيوف الفرس المسلمين من أتباع أبى مسلم الخراسانى ومساعدة من قبائل العرب القحطانية 6 ،
فتحولت الكفة الراجحة للموالى فتطرف بعضهم الى درجة الشعوبية وانتقاص العرب بل والطعن فى االسالم واصطناع االلحاد
والزندقة التى أصبحت ( موضة ) المثقفين وكتبة الدواوين العباسية ،وال بأس بها لدى الخالفة العباسية طالما يظل والء
الزنديق للدولة العباسية ،فاذا كان متهما فى والئه عوجل بتهمة الزندقة وقتلته الدولة بحد الردة الذى اخترعوه لقتل خصوم
.الدولة باسم الشرع ،على نحو ما أوضحنا فى كتب ( حد الردة ) و( الحسبة ) وغيرها
ـ واذا كان العصر األموى قد شهد بداية الحركة العلمية فى بساطتها وسذاجتها و شفهيتها فان العصر العباسى األول هو الذى 7
شهد ازدهارها وتدوينها وتشعبها وتنوعها وتعقيدها من العمومية الى التخصص .وبدا واضحا أن الحضارات السابقة فى
الرافدين والنيل قد تم بعثها وتلقيحها برؤي مستمدة من االسالم وناطقة بالعربية .وكان لهذا التطور تأثيره فى الجزيرة العربية
.الموطن األول للرسالة االسالمية الخاتمة
ـ لقد تعقدت الحياة فى العصر العباسى خصوصا فى بيئات األنهار مثل العراق والشام ومصر ،بل ان دخول أبناء األمم 8
المفتوحة ـ أو الموالى ـ فى االسالم ومعيشة بعضهم فى الجزيرة العربية جعل الحياة الصحراوية البسيطة فى مكة والمدينة
أكثر تطورا .والبيئات الصحراوية بالذات منغلقة رتيبة الحركة تعيش على التقليد وتنأى عن التطور ،والمدينة ومكة كانتا معا
.أهم الحواضر فى صحراء الجزيرة العربية
ــ وبينما ظلت أهمية مكة سارية بالمسجد الحرام وظلت عالقتها بالتطور متجددة بالحج والعمرة فان المدينة لم تعد عاصمة 9
المسلمين بعد مقتل عثمان ،اذ تحولت العاصمة الى الكوفة ثم دمشق ،ثم بغداد ،وأنحسرت عن المدينة األضواء وتحول المال
والقوة واالهتمام الى العراق والشام ومصر .ولم يعد للمدينة اال أن تعيش على ماضيها حين كانت عاصمة النبى محمد ومركز
القوة والسيطرة فى عهد الخلفاء ( الراشدين ) وكبار الصحابة .من هنا تخصصت المدينة فى (حكى ) أو رواية تاريخ النبوة ،اذ
.هو تاريخ اآلباء واألجداد لمن عاش من ذرية الصحابة فى المدينة فى العصر العباسى
ـ وألنها بيئة ماضوية تعيش على الماضى المجيد وتنسب نفسها للنبى محمد وعصره فقد واجهتها مشكلة التأقلم مع 10
التطورات الجديدة اآلتية من البيئات النهرية ذات الحضارة القديمة من مصر والعراق وفارس والشام .لم يكن متاحا االجتهاد
العقلى الصريح ألن البيئة تنكره وتنتصر للتقليد واالحتكام للماضى .كان المتاح هو تغطية ذلك االجتهاد بنسبته للنبى محمد عليه
السالم ،أو لكبار الصحابة ،او لما كان يعرف بعمل أهل المدينة .أى يقول أحدهم رأيا فال يجرؤ على نسبته لنفسه ،خشية
.السخط عليه فيسارع بنسبته للنبى أو ألحد كبار الصحابة
ـ هذا هو منهج االمام مالك الذى منع (أن يقول أحد فى االسالم برأيه ) ،وتلك مدرسة الحديث الحجازية التى واجهت مدرسة 11
الرأى فى العراق التى أنشأها أبوحنيفة .ثم ما لبثت مدرسة الحديث أن انتقلت الى العراق ومصر بالتطور الذى أحدثه فيها
.الشافعى
رابعا :لمحة عن الكتابات التاريخية والطبقات الكبرى البن سعد
ـ لسنا هنا فى معرض التحليل والشرح ،لكن نقرر بسرعة أن الكتابات التاريخية األساسية وهى (الحوليات) ـ التى تسجل 1
األحداث بالحول أو بالسنة ـ رّك زت اهتمامها على الصراع السياسى دون اهتمام كاف بالتطورات االجتماعية والدينية والتى
تشمل أخبارا عن كيفية تأدية العبادات ومنها الصالة .اال أن هذا النقص تداركته ـ نسبيا ـ كتب ( الطبقات ) وهى التى تترجم أو
تؤرخ أساسا للعلماء والفقهاء والمشاهير .وبدأ الفقيه المؤرخ محمد بن سعد ( ت ) 222ـ المعروف بكاتب الواقدى ـ هذا الفن
التاريخى بكتابه األشهر ( الطبقات الكبرى ) وهو عمدة هذا الفن وأقدم تاريخ متخصص ومفّص ل لطبقات الصحابة والتابعين
وتابعيهم .ثم تنوعت بعده كتب الطبقات للفقهاء عموما ولفقهاء المذاهب ولألدباء والنحويين و المغنيين والشعراء
والمفسرين ...الخ .واذا كان تاريخ الطبرى هو أهم كتب الحوليات على االطالق فان طبقات ابن سعد قد سبق الطبرى نفسه
بنحو قرن من الزمان ،وعنه أخذ الطبرى ( ت ) 310ثم ابن الجوزى ( ت ) 597نظام العنعنة فى اسناد الروايات
التاريخية .وقد اعتمدنا أساسا على طبقات ابن سعد فيما جاء من اشاراته عن الصالة كما اعتمدنا على كتب الفقه النظرى وكتب
.الحديث فى اعطاء لمحة عن الصالة فى تاريخ المسلمين بعد عصر النبوة الى صدر العصر العباسى
ـ وتاريخ ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) مؤسس وفق تنظيم زمنى ( طبقى ) ،يبدأ بالطبقة األولى من الصحابة المهاجرين ثم 2
األنصار حسب أسبقية الدخول فى األسالم ،ثم يتتبع تواجدهم فى األمصار من الكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط ثم من جاء
.بعدهم من التابعين وتابعيهم حسب ترتيب الرواة فى الحديث المنسوب للنبى محمد عليه السالم
ـ وكالعادة اتبع محمد بن سعد تسجيل الروايت التاريخية بالسند والعنعنة وفق منهج المحدثين حتى فى تأريخه ألشخاص من 3
التابعين وتابعيهم .وابن سعد هو المصدر األصلى واألساسى لمعظم من جاء بعده من المؤرخين الذين كتبوا فى نفس الفترة من
..عصر النبوة الى مطلع العصر العباسى
ـ وقد عاش ابن سعد فى خالفة المأمون ،وكان من زعماء الفقهاء والمحدثين الذين رفضوا رأى المعتزلة بأن القرآن مخلوق 4
وكان ضمن المضطهدين فى هذه الفتنة ،واضطر الى التراجع بينما ثبت على رأيه ابن حنبل وابن نوح .ومع أنه كان فقيها
محدثا صاحب رأى وموقف إال أنه كان ــ فى األغلب ــ منصفا فيما يكتب ،خصوصا وأنه لم يتعرض فى طبقاته للتركيز على
.موضوع خلق القرآن
ـ وقد دون ابن سعد الروايات المتداولة فى عهده – فى خالفة المأمون العباسى ـ عن أجيال الصحابة والتابعين الذين ماتوا فى 5
عصر النبوة والخلفاء الراشدبن واألمويين والعباسيين حتى عصره .وبعض هذه الروايات تشير إلى بعض انشطة الذين يؤرخ
لهمم وأقوالهم واألقاويل التى قيلت عنهم .وخالل هذه الروايات يرد بين السطور إشارات عن الصالة والزكاة والحج والثياب
.واللحى وتخضيبها وتنتهى بموت وجنازة من يؤرخ له
ـ وبعض اإلشارات التى ذكرها ابن سعد ( وغيره ) عن الصالة هى تصوير للواقع التاريخى لتأدية الصالة من حيث الشكل 6
ومن خاللها نفهم كيف تم استغالل الصالة سياسيا لصالح الحكم األموى .وكيف كانت صالة القوم وسيلة فى العصيان والبغى
والعدوان ،وجمعت بين المعاصى األخالقية من إنحالل خلقى و التطرف فى العبادة السطحية المظهرية .أى كانت ( صالة
شيطانية ) .الصالة إسالمية هى وسيلة للتقوى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ،أما الصالة الشيطانية فهى تبرير وتشجيع
مقدما على العصيان والظلم وسفك الدماء ،وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ثم إتبعهم األمويون
.ثم العباسيون والفاطميون والمماليك
ـ وبعض الروايات األخرى عن الصالة وغيرها كانت انعكاسا الختالفات فقهية ،فحاول كل فريق تأييد رأيه وتدعيمه بإسناده 7
للنبى محمد أو أحد كبار الصحابة ،خصوصا عمر وعلى ،أو بعض التابعين مثل الحسن البصرى ومكحول وعمر بن عبد
.العزيز
خامسا :التسجيل التاريخى للصالة عند المسلمين
ـ ودائما تتناقض كتب الحديث و التاريخ والفقه فيما بينها .وحتى فى داخل الكتاب الواحد وربما فى الصفحة الواحدة ،ومثال 1
فإن ابن سعد فى طبقاته الكبري يقول :عن عبد هللا ابن عمر انه كان يصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد ،ثم يروى رواية
اخرى تقول ان ابن عمر اعتاد فى منزله الوضوء لكل صالة والمصحف بينهما ( الطبقات الكبرى . )125 ،119 – 4ومهمة
الباحث أن يرجح الرواية الصحيحة بين الروايات المتناقضة بنقد المتن و السند ،وبالنظر الى روايات اخرى فى نفس
.الموضوع ،وفى النهاية فإن كل ما يصل اليه الباحث هو مجرد وجهة نظر،والعلم الحقيقى بهذا الغيب عند هللا تعالى وحده
ـ ومن الطبيعى أن التسجيل التاريخى للصالة يختلف عن الكتابة الفقهية عن الصالة وغيرها .الكتابه الفقهية تكتب فى الفراغ 2
نظريا وتضع أحكاما ألحداث تفترض وقوعها على نسق من فعل كذا فهو واجب أو مكروه أو حرام .أما الكتابه التاريخية عن
.الصالة وغيرها فهى فى األغلب تسجيل ما كان يحدث وكتابة ما كان يقال دون إعطاء حكم فقهى له
ـ وفى هذا البحث التاريخى عن الصالة فإن المادة التاريخية التى جمعناها هى التى تحدد مسار البحث ألن الباحث التاريخى ال 3
يفرض أمنياته على البحث وال يؤلف روايات من خياله وال ينتقى من الروايات ما يحلو له ،بل هو يدخل إلى الموضوع المراد
بحثه فى العصر التاريخى دون حكم مسبق ودون هوى أو غرض ،ليبحث كل الروايات الخاصة بموضوعه ،والقريبة منه
والتى تعطى خلفية لألحداث والقضايا األساسية فى بحثه ،ويقرن ذلك بفهم عميق لكل نواحى العصر التاريخى الذى يأخذه مجاال
لبحث تلك الجزئية .وعموما فالروايات تتحدث عما هو كائن بالفعل وبالتالى فليس على الباحث سوى أن يجمع ما اتصل منها
فى موضوعه ثم يقوم بنقده وتحليله ،وإذا إستلزم عرضه على القرآن الكريم فال بد أن يفعل طالما هو يؤرخ لشعيرة دينية هى
.الصالة
سادسا :لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية
بعد تلك اللمحة التاريخية نعطى القارىء فكرة سريعة على أنواع الكتابات الفقهية وصلتها بالواقع التاريخى الذى عاشه
.المسلمون لنتمكن من أن نتتبع ـ تاريخيا ـ كيف أّد ى المسلمون فريضة الصالة بعد انتهاء عصر النبوة
الفقه النظرى والشافعى
".الكتابات الفقهية الكالسيكية تأثرت بمنهج الشافعى ت 204فى كتابه الضخم (األم ) وبالقواعد التى وضعها فى " الرسالة
منهج الشافعى فى كتاباته الفقهية ( الفقه النظرى )
كان يبدأ بفكرة مسبقة ويحاول االستدالل عليها بإنتقاء اآليات القرآنية وتحريف معناها وبصناعة أحاديث تعضدها ،وبالرد
:مقدما على خصومه المخالفين لرأيه .ونعطى بعض التفصيل
ـ االعتماد على تأليف األحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السالم ،وجعلها تحمل الرأى الذى يريده دون الحاجة الى 1
.استدالل عقلى
ـ ظهرت الكتابة الفقهية الجدلية على يد الشافعى ،ويبدو فيها كأنه فى مناظرة أو مناقشة مع خصم له ،مثل قوله :فإن قلت 2
كذا فالجواب كذا .ومع أنه بهذا جمع منهج أهل الحديث مع منهج أصحاب الرأى إال إن الشافعى قد قام بتطويع الرأى للحديث.
.ونفس الحال قام بتطويع المنهج الصورى للحديث
ـ ظهر أبو حنيفة ( ت ) 150زعيما لمدرسة الرأى فى العراق فكان ( مالك بن أنس ) خصما لهذه المدرسة بإفتراء 3
األحاديث .إنحاز الشافعى لشيخه ( مالك ) فى ( المدينة ) ( ت ) 179وقام بتقعيد مدرسة ( الحديث ) فى رسالته المشهورة .
وفى هجرته للعراق تعلم من البيئة العراقية غرامها بالمنهج الصورى ( التصورى ) االستقرائى فجاء كتابه (األم ) مزيجا من
.الحديث المخترع المنسوب للنبى محمد عليه السالم والفقه التصورى النظرى
:لمحة عن المنهج الصورى ( التصورى ) الذى بدأه الشافعى فى الكتابة الفقهية
:أن ( يتصور الفقيه فى خياله ) 1 :
رأيا مخالفا لرأيه فيرد عليه .والشافعى هو الذى بدأ هذا المنهج الصورى فى كتاباته التى يغلب عليها طابع الجدل 1 / 1 :
.والمناظرة ،خصوصا وأنه واجه من ينكر األحاديث فى عهده ،فقام بالرد عليهم مقدما دون أن يستفيض فى ذكر أدّلتهم
.حدثا ثم يضع له حكما فقهيا ،مثل قوله :أن فعل كذا فالحكم فيه كذا 1 / 2 :
ـ هذا المنهج التصورى نشأ وتطور فى الحضارة السريانية قبل الغزو العربى ،ثم عاد للظهور فى العراق فى العصر العباسى 2
.مع النهضة الفكرية وقتها
وهذا المنهج الصورى أو التصورى له بالطبع أصل نسبى فى الواقع الذى عاشه الفقيه .فالفقيه كان تتأثر أفكاره بمعطيات 2 :
.عصره
ـ اال أن الفقه الّس نى بالغ وأوغل فى التنظير والتصورات مبتعدا عن ذلك الواقع .ثم انتقل من التنظير الى االستقراء أى 3
محاولة تعميم الحكم بالبناء عليه والتوسع فيه الى درجة تغطية كل الصور العقلية الممكنة التى يفترضها افتراضا .وأقرب مثل
لهذا المنهج بعد الشافعى وكتابه ( األم ) هو الفقيه الحنفى عالء الدين أبو بكر القاشانى المتوفى سنة 587فى كتابه الضخم ( :
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع )
كان هذا مقبوال نوعا ما فى عصر االزدهار العلمى والنضج العقلى فى العصر العباسى األول .اال أنه تحول الى بلوى فى 4 :
العصور الالحقة التى سيطر فيها التصوف وانتشرت فيها خرافات الكرامات والمنامات وانقطع االجتهاد وحل محله الجمود
والتقليد والتأخر والتخلف بالتدريج .التنظير الفقهى فى هذا العصر وصل الى افتراضات مضحكة بذيئة كقولهم ( من اضطر الى
أكل لحم نبى هل يجوز له ) ( من حمل قربة ُف ساء هل ينتقض وضوؤه ) ( من كان لذكره فرعان ونكح زوجته فى قبلها ودبرها
هل يجب عليه غسل واحد أو غسالن ) ( من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة عامدا ماذا عليه من االثم ) .وقد كان
ابتالؤنا فظيعا بهذا الفقه فى التعليم األزهرى .وهو مع خياالته المريضة البعيدة عن الواقع فقد كان انعكاسا أمينا للذهنية الفقهية
ومستواها الهابط الى الحضيض .وال يزال هذا الفقه فى مناهج األزهر ،وبدأنا اإلنكار عليه من ربع قرن وطالبنا بمحوه
.بإجتهاد جديد يستنبط األحكام الشرعية من القرآن الكريم ،وتعرضنا لإلضطهاد كالعادة
:بين الفقه النظرى والواقع الُم عاش
.ـ يتكون الفقه النظرى من ( أحاديث ) مصنوعة ،ومن ( تصورات ) بالمنهج الصورى المشار اليه 1
ـ وقلنا إن هذا الفقه النظرى الصورى أو التصورى لم يكن ـ فى أغلبيته العظمى ـ شديد االلتصاق بحركة المجتمع ولم يكن 2
..قوى التأثير فيها ،وان كان نابعا منها ومن خياالت الفقيه وتصوراته ومعبرا عن مستواه الثقافى والعقلى
ـ ونفس الحال مع األحاديث التى إفتراها مالك والشافعى ومن جاء بعدهما من أعمدة الحديث الُّس ّن ى مثل ابن حنبل والبخارى 3
ومسلم .والذين راعوا األبواب الفقهية فى كتبهم ( الحديثية ) .معظم األحاديث الفقهية فى الفقه النظرى كان انعكاسا لبعض
المظاهر الحياتية وقتها .فقد كانت تلك األحاديث رد فعل للمتطلبات الحياتية وانعكاسا للتطور السائد حتى فى البيئة المحافظة
التقليدية كالمدينة .وكان األمر أكثر وضوحا فى البيئات النهرية خصوصا فى العراق حيث التنوع الثقافى والعنصرى والجنسى
واالختالفات السياسية والمذهبية والدينية ،وتحولها الى أحزاب متصارعة بالبنان واللسان والسنان .وكان اختراع األحاديث أهم
.سالح فى الخالفات الفقهية والمذهبية والسياسية والحزبية والطائفية والقبلية ( نسبة للقبيلة ) والقطرية( نسبة للقطر)
فقه الحيل
ـ أنتج العراق هذا النوع الفقهى الذى يريد االلتفاف على الفرائض الشرعية بأنواع من الحيل متناسيا أن تلك األوامر 1
.التشريعية هى مجرد وسائل للتقوى ،واذا كنا نتحايل على شرع هللا تعالى فال مجال للتقوى فى القلوب
ـ فقه الحيل كان تعبيرا أمينا على التلون الذى ساد العصر العباسى ،فقد أعطى فقه الحيل مشروعية زائفة للجمع بين 2
المظهر الدينى واالنحالل الخلقى والعقيدى .كان النتاج الطبيعى للتدين المظهرى السطحى الشكلى الذى أعادته الى حياتنا
المعاصرة الحركة الوهابية فى الصحراء العربية وربطته باالسالم زورا وبهتانا .كان المجون على أشده فى القصور العباسية
والحانات الشعبية ،وكان على الجانب اآلخر حركات دينية فاعلة ومساجد مأهولة وثقافة دينية يختلط فيها الصحيح بالفاسد مع
ظلم اجتماعى وقهر سياسى وخالفة كهنوتية تنتسب للنبى عليه السالم وتشجع الرواية عنه وعن ابن عمه ابن عباس وهو جد
الخلفاء العباسيين .وظهر (فقه الحيل ) يعقد الصلح شكليا بين الواقع الُم شين والتدين السطحى المظهرى ،فيعطى ُح جة زائفة
.للمعاصى أن تستمر وتعلو برأسها متمتعة بدليل من فقه الحيل ( أو التحايل ) على شرع الرحمن جل وعال
ـ بدأ فقه الحيل داخل مدرسة الرأى التى تزعمها الفقيه الثائر ابو حنيفة (ت ،)150وهذا فيما يروونه عنه ،ألن أبا حنيفة 3
.ظهر مبكرا قبل عصر التدوين ولم يؤلف كتبا
ـ تطور فقه الحيل فى العصر العباسى الثانى ليصبح منهجا متكامال يتطرف فى استعمال الحيل بذكاء فى مقابل مدرسة الحديث 4
الفقهية المحافظة التى تطورت بعد الشافعى بظهور ابن حنبل الذى جعل كتاباته الفقهية أحاديث خالصة فيما يعرف ب(مسند
.أحمد )
ـ واستمر فقه الحيل حتى صدر العصر المملوكى ،فكتب ابن القيم الجوزية ( ) 751 : 691يرد عليه فى كتابه (إغاثة 5
.اللهفان من مكايد الشيطان )
الفقه الوعظى
ـ واذا كان فقه الحيل استجابة طبيعية للبيئة العباسية ومعبرا عنها بصورة غير مباشرة فان الفقه الوعظى ــ الذى بدأ فى 1
.العصر العباسى الثانى ــ كان األكثر تعبيرا عن عصره واألكثر قربا من علم التاريخ
تعليقا بالنقد واالنكار على بعض 2 ـ (الفقه الوعظى ) هو تعبير من إختراعنا ،ونعنى به الكتابة الفقهية التى تتوخى الوعظ
.ما يقع فيه الناس من أخطاء ،والحكم عليها فقهيا بالحرام أو المكروه
ـ واذا كان الفقه النظرى يتخيل مسبقا حدوث فعل ثم يعطيه حكما فقهيا كقولهم ( ان فعل كذا فهو حرام أو حالل او مندوب أو 3
مكروه) فان الفقه الوعظى يحكى الواقعة الحقيقية التى تحدث أو اعتاد الناس فعلها ثم يعلق عليها باالنكار معطيا ما يراه حكما
.فقهيا لها
ـ هنا يتحول الفقيه ـ دون أن يدرى ـ الى مؤرخ .بل ومؤرخ موثوق به ألنه ـ دون أن يدرى ايضا ـ قد ذكر مالمح تاريخية 4
اجتماعية ثمينة بدون تهويل أو تضخيم .والعادة أن المؤرخ المعاصر للحدث ال يهتم بالتفصيالت االجتماعية الحياتية العادية،
.ويركز على األحوال السياسية ويلون األحداث برؤيته الشخصية
ـ ميزة الفقه الوعظى من الناحية الفقهية أنه يصاحب تطور المجتمع بالنقد والتعليق ،يجرى معه وخلفه يطلب االصالح من 5
.وجهة نظر الفقيه المؤلف بالطبع
ـ نشأ هذا الفقه الوعظى مع ابى حامد الغزالى ( ت ) 505بين ثنايا كتابه ( احياء علوم الدين) .ثم أفرد له الفقيه المؤرخ 6
الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ( ت ) 597كتابا خاصا هو ( تلبيس ابليس ) .ثم سار على أثره ابن القيم الجوزية الحنبلى
751فى كتابه ( اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ،والفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى ( ت ) 737فى كتابه
( المدخل ) .ثم جاء الشعرانى 973فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ليكتب كثيرا من المؤلفات فى الفقه
الوعظى منها ( تنبيه المغترين ) و ( لطائف المنن ) و( المنن الصغرى ) ( األنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية )
( أألنوار فى صحبة األخيار ) ( آ داب العبودية ) ( البحر المورود فى المواثيق والعهود ) ( لواقح األنوار ) .وقد مزج
.الشعرانى فقهه الوعظى بالحديث عن كراماته وكرامات أشياخه المزعومة
:أخيرا
بعد هذه اللمحة التاريخية والفقهية ندخل فى موضوعنا عن الصالة ،وكيف أضاعها ( المسلمون ) فى تاريخهم وفى تشريعاتهم
.
:الباب الثانى
الفصل األول :بين الصالة االسالمية والصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين
ـ تحدثنا فى الباب األول عن إقامة الصالة االسالمية وتضييعها لدى العرب والقرشيين الذين أهملوا ملة ابراهيم ،ونزل 1
القرآن الكريم باالصالح وفق ملة ابراهيم الحقيقية بإخالص الدين والعبادة والدعاء لرب العالمين وحده .ننصح بالرجوع الى
.الباب األول منعا للتكرار
:ـ ولكن نعيد التأكيد والتركيز على النقاط اآلتية 2
أوال :القيام للصالة غير إقامة الصالة
ـ القيام للصالة يعنى االستعداد لتأديتها بالطهارة ( المائدة ) 6كما جاء فى قوله جل وعال 1
.ـ باالستعداد لتأديتها فى ظروف الخوف ( النساء 2 ) 102
ـ وكان المنافقون يؤدونها كسالى ز ( النساء 3 ) 142
:ثانيا :إقامة الصالة باالسالم الحقيقى
االسالم الحقيقى هو (السالم ) مع الناس و( التسليم ) للخالق جل وعال .أى أن يكون االنسان مسالما فى تعامله مع الناس وأن
ُي سلم قلبه ودينه وعبادته للخالق جل وعال .أى يجمع بين االسالم الظاهرى السلوكى بالسالم وبين االسالم القلبى بااليمان
الخالص والعمل الصالح واالبتعاد عن الظلم والفسوق والبغى والعدوان ،أى تكون إقامته للصالة فى هذا اإلطار من السالم مع
.الناس واإلخالص فى عبادة هللا جل وعال وعمل الصالحات
:فى هذا المعنى جاءت آيات القرآن الكريم عن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة بمعنى التزكى والتطهر
فى الخطاب العام للبشر ( :المؤمنون ( ) 11 : 1المعارج ( ) 35: 19النور ( ) 37الحج ( ) 35 : 34ابراهيم 1 : ) 31
( فاطر () 30 : 29الشورى () 39 : 36الرعد () 25 : 19البقرة ( ) 3 : 2النمل ( ) 3 : 1لقمان ( ) 5 : 2االعراف
( ) 170البقرة ( ) 277االنعام ( ) 92االنفال ( ) 3 : 2الحج ) 41 : 40
فى ملة ابراهيم ( :ابراهيم ( ) 40 : 35األنبياء ( ) 73الحج 2 : ) 78
فى أهل الكتاب ( :طه () 14يونس ( ) 87البقرة ( ) 83 ، 43النساء () 162المائدة ( ) 12البينة ( ) 5 : 4البقرة 3 :
) 45
:اهل القرآن 4 :
نزل للمؤمنين فى مكة األمر ليس بتأدية الصالة ألنها معروفة ولكن بإقامة الصالة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر 4 / 1 : :
( العنكبوت ( ) 45الروم () 32 : 30هود ( ) 114االسراء ( ) 79 : 78فاطر ( ) 18االنعام ) 72 : 71
ونزل فى المدينة ( :النور ( ) 56البقرة ( ) 238 ، 177 ، 153النساء ( ) 77المجادلة ( ) 13 : 12األحزاب4 / 2 :
( ) 33.المائدة ( ) 55التوبة ) 71
:ثالثا :إقامة الصالة باالسالم السلوكى الظاهرى ،بالسالم
.ـ كل مسالم هو إنسان مسلم بغض النظر عن عقيدته 1
ـ ومن الصحابة من كان مسلما من حيث إختيار السالم ومؤمنا من حيث إختيار األمن واألمان .دخلوا فى صحبة النبى 2
وهاجروا معه ،ونزلت آيات فى السور المدنية تدعوهم الى أن يعززوا إيمانهم السلوكى ( بمعنى األمن واألمان ) بإيمان قلبى
:بأنه ( ال إله إال هللا ) .جاء هذا فى قوله جل وعال لهم
َي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا آِم ُنوا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو اْلِك َت اِب اَّلِذي َنَّز َل َع َلٰى َر ُس وِلِه َو اْلِك َت اِب اَّلِذي َأنَز َل ِمن َقْب ُل ۚ َو َم ن َي ْك ُفْر ِبالَّلـِه ( 2 / 1 :
) َو َم اَل ِئَك ِتِه َو ُكُتِبِه َو ُرُس ِلِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َفَق ْد َض َّل َض اَل اًل َب ِعيًدا ﴿ ﴾١٣٦النساء
آِم ُن وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو َأنِفُقوا ِم َّم ا َج َع َلُك م ُّمْس َتْخ َلِفيَن ِفيِه ۖ َفاَّلِذيَن آَم ُنوا ِمنُك ْم َو َأنَفُقوا َلُهْم َأْج ٌر َك ِبيٌر ﴿َ ﴾٧و َم ا َلُك ْم اَل (2 / 2 :
ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلـِه ۙ َو الَّر ُس وُل َي ْد ُع وُك ْم ِلُتْؤ ِم ُن وا ِبَر ِّب ُك ْم َو َق ْد َأَخ َذ ِميَث اَقُك ْم ِإن ُك نُت م ُّم ْؤ ِمِنيَن ﴿ُ ﴾٨ه َو اَّلِذي ُيَنِّز ُل َع َلٰى َع ْب ِدِه آَي اٍت َبِّي َن اٍت
) ِّلُيْخ ِر َج ُك م ِّم َن الُّظ ُلَم اِت ِإَلى الُّن وِر َۚو ِإَّن الَّلـَه ِبُك ْم َلَر ُء وٌف َّر ِحيٌم ﴿﴾٩الحديد
كانوا عاكفين على عبادة األوثان متمتعين بالحرية المطلقة فى الدين فى دولة النبى محمد االسالمية ،والتى تمتع فيها 3 /
المنافقون أيضا بحريتهم الدينية والسياسية ( السلمية ) نزلت آيات مدنية تدعوهم لنبذ الرجس من األوثان ،قال لهم جل وعال
:
) َفاْج َت ِنُبوا الِّر ْج َس ِمَن اَأْلْو َث اِن َو اْج َت ِنُبوا َقْو َل الُّز وِر ﴿ ﴾٣٠الحج ( 3 / 1 :
لم يستجيبوا ،وظل هذا ساريا ،فكان من أواخر ما نزل فى المدينة قوله جل وعال لهم َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَّن َم ا 3 / 2 :
اْلَخ ْمُر َو اْل َمْي ِس ُر َو اَأْلنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم ِر ْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الَّش ْي َط اِن َفاْج َت ِنُبوُه َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ﴿ِ ﴾٩٠إَّن َم ا ُيِر يُد الَّش ْي َط اُن َأن ُيوِقَع َبْي َنُك ُم
اْلَع َداَو َة َو اْلَب ْغ َض اَء ِفي اْل َخ ْم ِر َو اْلَمْي ِس ِر َو َيُص َّد ُك ْم َع ن ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َع ِن الَّص اَل ِة ۖ َفَه ْل َأنُتم ُّم نَت ُهوَن ﴿َ ﴾٩١و َأِط يُع وا الَّلـَه َو َأِط يُع وا
الَّر ُس وَل َو اْح َذ ُر وا ۚ َفِإن َت َو َّلْي ُتْم َفاْع َلُم وا َأَّن َم ا َع َلٰى َر ُس وِلَن ا اْلَب اَل ُغ اْلُم ِبيُن ﴿ ﴾٩٢المائدة )
ـ إذا كان هذا هو حال بعض الصحابة فى المدينة فالحال خارجها أكبر .بمعنى أن االستجابة لالسالم القلبى فى الجزيرة العربية 4
لم تكن هائلة .هذا بينما كانت االستجابة لالسالم السلوكى عامة ،إذ دخل فى االسالم السلوكى بمعنى السالم واألمن واألمان
العرب أفواجا .قال جل وعال فى أواخر ما نزل من القرآن عن النصر والفتح ِ( :إَذ ا َج اَء َن ْص ُر الَّلـِه َو اْلَفْت ُح ﴿َ ﴾١و َر َأْي َت الَّن اَس
َي ْد ُخ ُلوَن ِفي ِديِن الَّلـِه َأْف َو اًج ا ﴿ ﴾٢النصر ) .النبى محمد لم ير قلوب الذين دخلوا فى دين هللا جل وعال أفواجا ،فهو لم يكن يعلم
الغيب وخصوصا غيب ما تخفيه األنفس ،فقد كان من أصحابه من مرد على النفاق ،ولم يكن يعلمهم ئئئئز قال جل وعال :
( َو ِم َّم ْن َح ْو َلُك م ِّم َن اَأْلْع َر اِب ُم َن اِفُقوَن ۖ َو ِمْن َأْه ِل اْلَم ِديَن ِة ۖ َمَر ُدوا َع َلى الِّن َف اِق اَل َت ْع َلُمُهْم ۖ َن ْح ُن َن ْع َلُمُهْم ۚ َس ُنَع ِّذ ُبُهم َّمَّر َت ْي ِن ُثَّم ُيَر ُّدوَن
ِإَلٰى َع َذ اٍب َع ِظ يٍم ﴿ ﴾١٠١التوبة ) ؟ لم ير النبى محمد االسالم القلبى ولكن رأى االسالم الظاهرى السلوكى .رآهم يدخلون
.أفواجا فى االسالم بمعنى السالم .آثروا العيش فى سالم ونبذ الغارات والحروب القبلية ( نسبة للقبيلة )
ـ دخولهم فى السالم ( دين هللا جل وعال السلوكى ) جعلهم متمتعين بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة السلوكية .فهناك (إقامة 5
للصالة وإيتاء للزكاة قلبيا وسلوكيا ) وتعرضنا لها سابقا ،وهنا إقامة للصالة وإيتاء للزكاة سلوكيا وظاهريا بإختيار السالم
.واألمن وعدم اإلعتداء
ـ بعد أن دخل العرب فى دين هللا جل وعال أفواجا وعقدوا العهود والمواثيق على إلتزام السالم نكث العهد متطرفون من قريش 6
،إعتدوا على المؤمنين فى مكة وهُّم وا بإخراج النبى والمؤمنين ،وهذا ضمن المسكوت عن تفصيالته فى أول كتاب للسيرة
وضعه محمد بن إسحاق تقربا لبنى العباس ،بما يوحى أن من الناكثين للعهد من كانت ذريته صاحبة سلطان وقت تأليف ابن
إسحاق لسيرته التى مألها بأكاذيب جعل فيها شخصية للنبى تخالف القرآن وتتشابه مع شخصية أبى جعفر المنصور المشهور
.بالغدر واالسراف فى سفك الدماء
جاءت تفصيالت نكث العهد هذا فى صدر سورة براءة ،وكما يدل إسم السورة فقد بدأت ببراءة هللا جل وعال ورسوله فى لهجة
شديدة ،قال فيها جل وعال َ ( :بَر اَء ٌة ِّم َن الَّلـِه َو َر ُس وِلِه ِإَلى اَّلِذيَن َع اَه دُّت م ِّم َن اْل ُم ْش ِر ِكيَن ﴿َ﴾١فِس يُح وا ِفي اَأْلْر ِض َأْر َبَع َة َأْش ُهٍر
َو اْع َلُم وا َأَّنُك ْم َغ ْيُر ُمْع ِجِز ي الَّلـِه ۙ َو َأَّن الَّلـَه ُم ْخ ِز ي اْلَك اِفِر يَن ﴿َ ﴾٢و َأَذ اٌن ِّم َن الَّلـِه َو َر ُس وِلِه ِإَلى الَّن اِس َيْو َم اْلَح ِّج اَأْلْك َب ِر َأَّن الَّلـَه
َب ِر يٌء ِّم َن اْل ُم ْش ِر ِكيَن ۙ َو َر ُس وُلُه َۚفِإن ُتْب ُتْم َفُهَو َخ ْيٌر َّلُك ْم ۖ َو ِإن َت َو َّلْي ُتْم َفاْع َلُم وا َأَّنُك ْم َغ ْيُر ُمْع ِجِز ي الَّلـِه ۗ َو َب ِّش ِر اَّلِذيَن َك َفُر وا ِبَع َذ اٍب
َأِليٍم ﴿ ﴾ ٣التوبة ) .لم تبدأ السورة بالبسملة التى توحى بالرحمة بل بإنذار وإعطائهم مهلة األشهر األالربع الحرم األربعة
يتوبون فيها ،فإن لم يتوبوا بعد األشهر الحرم فيجب على النبى والمؤمنين قتالهم بكل ما يستطيعون ،قال جل وعال َ( :فِإَذ ا
انَس َلَخ اَأْلْش ُهُر اْلُحُر ُم َفاْق ُتُلوا اْلُم ْش ِر ِكيَن َح ْي ُث َو َج دُّت ُم وُه ْم َو ُخ ُذ وُه ْم َو اْح ُصُر وُه ْم َو اْق ُع ُدوا َلُهْم ُك َّل َمْر َص ٍد ۚ َفِإن َت اُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة
َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َف َخ ُّلوا َس ِبيَلُهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿ ﴾٥التوبة ) .وكان نكثهم للعهد ذا أثر هائل أغاظ المؤمنين المسالمين ،لذا قال
َأ
جل وعال فى تحريض المؤمنين على قتالهم َ ( :قاِتُلوُه ْم ُيَع ِّذ ْبُهُم الَّلـُه ِب ْي ِديُك ْم َو ُيْخ ِز ِه ْم َو َي نُصْر ُك ْم َع َلْي ِهْم َو َي ْش ِف ُص ُدوَر َقْو ٍم
ُّ .م ْؤ ِمِنيَن ﴿َ ﴾١٤و ُي ْذ ِه ْب َغ ْي َظ ُقُلوِبِهْم ۗ َو َي ُتوُب الَّلـُه َع َلٰى َم ن َي َش اُء ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم َح ِكيٌم ﴿ ﴾١٥التوبة )
:ـ ومع هذا 7
فإن الجندى المعتدى منهم إذا إستجار فيجب على المؤمنين إجارته وضمان سالمته ،وإسماعه القرآن الكريم ثم 7 / 1 :
إلرجاعه الى مأمنه َ ( .و ِإْن َأَح ٌد ِّم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن اْس َت َج اَر َك َفَأِجْر ُه َح َّتٰى َيْس َمَع َك اَل َم الَّلـِه ُثَّم َأْب ِلْغ ُه َم ْأَم َن ُه ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َقْو ٌم اَّل َيْع َلُم وَن ﴿
﴾٦التوبة )
إن تابوا ورجعوا الى السالم أو االسالم السلوكى فقد عادوا الى دين هللا الذى دخل فيه الناس أفواجا ،ويكونون بهذا قد 7 / 2 :
حققوا ( ظاهريا وسلوكيا ) إقامة الصالة وإيتاء الزكاة ويجب تخلية سبيلهم ،قال جل وعال َ ( :فِإن َت اُب وا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا
َأ
الَّز َك اَة َفَخ ُّلوا َس ِبيَلُهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿َ ()﴾٥فِإن َت اُبوا َو َقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن ۗ َو ُنَفِّص ُل اآْل َي اِت ِلَق ْو ٍم
َ.يْع َلُم وَن ﴿ ﴾١١التوبة )
رابعا :الحكم للبشر فى إقامة الصالة وإيتاء الزكاة سلوكيا
.ـ عرفنا إن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة سلوكيا تعنى اإللتزام بالسالم ونبذ االعتداء على الغير 1
ـ ليس للبشر الحكم على إقامة الصالة قلبيا فذلك مرجعه هلل جل وعال يوم الدين وهو الذى يحكم على البشر بهذا الخصوص 2 .
ولكن للبشر الحكم على االسالم الظاهرى السلوكى طبقا للتصرفات .فالذى يبغى ويقتل ويقاتل معتديا يكون كافرا بسلوكه
وبغيه .فإذا تاب عن البغى والعدوان وعاد الى طريق السالم فقد أصبح أخا فى دين هللا بمعنى السالم .ولهذا نزلت التشريعات
.االسالمية صالحة للتطبيق حسب تصرفات البشرية الظاهرة
ـ ينطبق هذا على أولئك المعتدين الذين نزلت فيهم آيات تشريع بخصوصهم فى سورة التوبة ،قال جل وعال عنهم ( :اَل 3
اًّل
َيْر ُقُبوَن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإ َو اَل ِذ َّم ًة ۚ َو ُأوَلٰـ ِئَك ُه ُم اْلُمْع َت ُدوَن ﴿َ ﴾١٠فِإن َت اُبوا َو َأَقاُم وا الَّص اَل َة َو آَت ُو ا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن ۗ َو ُنَفِّص ُل
اآْل َي اِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ﴿ ﴾ ١١التوبة ) .هم المعتدون أى الكافرون سلوكيا والمشركون سلوكيا .وهذا وصفهم فى اآليات الثالث
األولى من السورة .ولكن إذا تابوا عن اإلعتداء أصبحوا أخوة فى االسالم السلوكى الذى به تتأسس المواطنة فى الدولة
االسالمية ،ويتمتع فيها المواطنون بالحرية الدينية المطلقة والحرية السياسية المطلقة تحت مظلة السالم ،وهو االسالم
السلوكى .وبهذا االسالم السلوكى الظاهر يكون المعتدى حربيا على المواطنين المسالمين فى الداخل محاربا هلل جل وعال
ورسوله ،ونزلت فيهم عقوبة الحرابة ( ِإَّن َم ا َج َز اُء اَّلِذيَن ُيَح اِر ُبوَن الَّلـَه َو َر ُس وَلُه َو َيْس َعْو َن ِفي اَأْلْر ِض َفَس اًدا َأن ُيَقَّت ُلوا َأْو
ُيَص َّلُب وا َأْو ُتَقَّط َع َأْي ِديِهْم َو َأْر ُج ُلُهم ِّم ْن ِخاَل ٍف َأْو ُينَف ْو ا ِمَن اَأْلْر ِض ۚ َٰذ ِلَك َلُهْم ِخْز ٌي ِفي الُّد ْن َي ا ۖ َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم﴿ِ ﴾٣٣إاَّل
اَّلِذيَن َت اُب وا ِمن َقْب ِل َأن َت ْق ِد ُر وا َع َلْي ِهْم ۖ َفاْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿ ﴾٣٤المائدة ) .أما الذى يعتدى على الدولة من الخارج
.فيجب على المؤمنين القتال الدفاعى ردا على هذا المعتدى
خامسا :تشريعات القتال الدفاعى فى االسالم
ـ دولة االسالم مؤسسة على االسالم بمعنى السالم ،والدعوة فيها أن يدخل الناس فى السلم كافة َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا 1
اْد ُخ ُلوا ِفي الِّس ْلِم َك اَّفًة َو اَل َتَّت ِبُع وا ُخ ُط َو اِت الَّش ْي َط اِن ۚ ِإَّن ُه َلُك ْم َع ُد ٌّو ُّم ِبيٌن ﴿ ﴾٢٠٨البقرة )
:ـ وقد عرضنا كثيرا لتشريعات االسالم الدفاعية ،ومنها 2
أن القتال فى سبيل هللا هو الدفاعى فقط ،ألن هللا جل وعال ال يحب المعتدين ،قال جل وعال َ ( :و َقاِتُلوا ِفي َس ِبيِل الَّلـِه 2 / 1 :
.اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو اَل َت ْع َت ُدوا ۚ ِإَّن الَّلـَه اَل ُيِح ُّب اْلُمْع َت ِديَن ﴿ ﴾١٩٠البقرة )
وأن المؤمنين المسالمين حين يتعرضون لهجوم باغ معتد عليهم أن يدعو هللا جل وعال أن ينصرهم على المعتدين 2 / 2 :
الكافرين قائلين َ ( :أنَت َمْو اَل َن ا َفانُصْر َن ا َع َلى اْلَق ْو ِم اْلَك اِفِر يَن ﴿ ﴾٢٨٦البقرة ) .فالكافرون سلوكيا هم الذين يشُّن ون حربا
.هجومية على قوم مسالمين لم يبدأوهم باالعتداء
رُّد االعتداء على هذا الهجوم يتوقف بتوقف الهجوم َ( :فِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َّر ِحيٌم ﴿َ ﴾١٩٢و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن 2 / 3 :
ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ِلَّلـِه ۖ َفِإِن انَت َهْو ا َفاَل ُع ْد َو اَن ِإاَّل َع َلى الَّظ اِلِميَن ﴿ ﴾١٩٣البقرة ) .بل يمنح هللا جل وعال المغفرة للكافرين
المعتدين إذا تابوا عن إعتدائهم زكفوا عنه ،قال جل وعال ( :اُقل ِّلَّلِذيَن َك َفُر وا ِإن َي نَت ُهوا ُيْغ َفْر َلُهم َّم ا َق ْد َس َلَف َو ِإن َيُع وُدوا َفَق ْد
َمَض ْت ُس َّن ُت اَأْلَّو ِليَن ﴿َ ﴾٣٨و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ُك ُّلُه ِلَّلـِه ۚ َفِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن الَّلـَه ِبَم ا َيْع َم ُلوَن َب ِص يٌر ﴿ ﴾٣٩ألنفال
.) .هذا مع القوم المعتدين المهاجمين
أما الدولة التى لم تشُّن على المسلمين حربا ولم تخرجهم من ديارهم ولم تظاهر وتؤيد إخراجهم من ديارهم فيجب على 2 / 4 :
المؤمنين التعامل معهم بالبر وبالقسط .قال جل وعال ( :اَّل َي ْن َه اُك ُم الَّلـُه َع ِن اَّلِذيَن َلْم ُيَقاِتُلوُك ْم ِفي الِّديِن َو َلْم ُيْخ ِر ُج وُك م ِّم ن
ِد َي اِر ُك ْم َأن َت َبُّر وُه ْم َو ُتْق ِس ُط وا ِإَلْي ِهْم ۚ ِإَّن الَّلـَه ُيِحُّب اْلُم ْق ِس ِط يَن ﴿ ﴾٨الممتحنة )
.ـ وفى هذا كله يكون قتل االنسان الُم سالم جريمة فظيعة 3
إذ ال يمكن التصور إسالميا أن يقتل مسلم مسالما إنسانا ُم سالما إال عن طريق الخطا .وإذا حدث فعليه دية مغّلظة ،قال 3 / 1 :
) جل وعال َ ( :و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َأن َي ْق ُتَل ُم ْؤ ِم ًن ا ِإاَّل َخ َط ًأ ) ﴿ ﴾٩٢النساء
أما الذى يتعمد قتل مؤمن مسالم فمصيره الخلود فى النار مع اللعنة والغضب االلهى والعذاب العظيم ،قال جل وعال فى 3 / 2 :
أالية التالية َ ( :و َم ن َي ْق ُتْل ُم ْؤ ِم ًن ا ُّم َت َع ِّم ًدا َفَج َز اُؤ ُه َج َه َّن ُم َخ اِلًدا ِفيَه ا َو َغ ِض َب الَّلـُه َع َلْي ِه َو َلَع َن ُه َو َأَع َّد َلُه َع َذ اًب ا َع ِظ يًم ا ﴿﴾٩٣
النساء )
يسرى هذا على الجندى فى جيش معتد وفى أرض المعركة ،إذا ألقى هذا الجندى السالم ( شعار االسالم السلوكى ) 3 / 3 :
عندها يجب حقن دمه ،قال جل وعال فى اآلية التالية ينهى ويحّذ ر َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا َضَر ْب ُتْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َفَت َبَّي ُن وا َو اَل
َٰذ
َت ُقوُلوا ِلَم ْن َأْلَق ٰى ِإَلْي ُك ُم الَّس اَل َم َلْس َت ُم ْؤ ِم ًن ا َت ْب َت ُغ وَن َع َر َض اْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا َفِعنَد الَّلـِه َم َغ اِنُم َك ِثيَر ٌة ۚ َك ِلَك ُك نُتم ِّم ن َقْب ُل َفَم َّن الَّلـُه َع َلْي ُك ْم
َ.فَت َبَّي ُن وا ۚ ِإَّن الَّلـَه َك اَن ِبَم ا َت ْع َم ُلوَن َخ ِبيًر ا﴿ ﴾٩٤النساء )
:سادسا :بالتالى
ـ دولة االسالم السلمية تطبق هذا فى تعاملها مع غيرها .تتعامل بالبر والقسط من لم يعتد عليها .وال يمكن أن تعتدى على 1
دولة أخرى ،وفى داخلها ال يمكن السماح بقتل إنسان مؤمن مسالم .ومن يخرج على هذه الدولة من داخلها فجزاؤه ما نزل فى
.سورة المائدة ( آية ) 34 : 33
.ـ بالتالى فالدولة الكافرة هى التى تشُّن هجوما باغيا على دولة أخرى لم تقم تلك الدولة باالعتداء عليها 2
:ـ تلك الدولة الكافرة نوعان 3
دولة علمانية تهاجم دوال أخرى بال شعار دينى ،وهذا ما كانت قبائل العرب تفعل فى غاراتها على بعضها بال شعارت 3 / 1 :
.دينية .وهذا ما فعله سفاكو الدماء فى تاريخ العالم من جنكيزخان الى هتلر وستالين ..الخ ..هنا ظلم للناس فقط
دولة ترفع إسم هللا ودينه االسالمى وهى تعتدى على دول أخرى تقتل المدافعين عنها وتسبى نساءهم وأطفالهم وتنهب 3 / 2 :
كنوزهم وتستبقى الفالحين والعوام لتسترقهم فى العمل وترغمهم على دفع الجزية والخراج .وتحتل بالدهم ،ثم بسبب
.االختالف على المسروقات يتقاتلون فيما بينهم ،وينشرون فى كل ما يفعلون الفساد فى األرض
وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) .فى إستغاللهم لإلسالم العظيم لم يظلموا فقط مئات 3 / 3 :
! .الماليين بل ظلموا رب العالمين .وسار على سنتهم الالحقون .وال يزالون !.الخلفاء الفاسقون أشُر من هتلر وستالين
:سابعا :صلة موضوع الصالة بتشريعات القتال االسالمية
ـ هناك الصالة االسالمية التى هى ضمن العبادات االسالمية وسيلة للتقوى ،قال جل وعال َ ( :ي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُدوا َر َّب ُك ُم 1
.اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّت ُقوَن ﴿ ﴾٢١البقرة )
ـ إقامة هذه الصالة االسالمية تعنى أن يجتنب المؤمن الفحشاء والمنكر َ( :و َأِقِم الَّص اَل َة ۖ ِإَّن الَّص اَل َة َتْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء 2
َ.و اْل ُم نَك ِر ۗ َو َلِذ ْك ُر الَّلـِه َأْك َبُر ۗ َو الَّلـُه َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ﴿ ﴾٤٥العنكبوت )
ـ صالة الخلفاء الفاسقين كانت تحثهم على الفحشاء والمنكر ،وتجعلهم يهتفون ( هللا أكبر ) وهم يرتكبون البغى والعدوان 3
ويسبون النساء وينهبون األموال .وهم لم يتذكروا قول هللا جل وعال ( :إَّن الَّلـَه َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ٰى
َو َي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْل ُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي ۚ َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ﴿ ﴾٩٠النحل ) .وعظهم هللا جل وعال لعلهم يتذكرون ،فلم يتذكروا .
! .ليس هذا مجرد تضييع للصالة ،هو أفظع
:ثامنا :هناك أنواع من تضييع الصالة
هناك من وصفهم رب العزة بالمكذبين بالدين الذين يسيئون معاملة اليتيم وال يحضون على طعام المسكين ،وهم بذلك عن 1 :
الصالة التى يصلونها ساهون ،اضاعوها بهذا بل وكانوا يؤدون الصالة رياءا .لذا توعدهم رب العزة جل وعال بالويل .قال جل
وعال َ ( :أَر َأْي َت اَّلِذي ُيَك ِّذ ُب ِبالِّديِن ﴿َ ﴾١ف َٰذ ِلَك اَّلِذي َي ُد ُّع اْلَي ِتيَم ﴿َ﴾٢و اَل َيُحُّض َع َلٰى َط َع اِم اْلِم ْس ِكيِن ﴿َ ﴾٣فَو ْي ٌل ِّلْلُمَص ِّليَن ﴿ ﴾٤اَّلِذيَن
ُ.ه ْم َع ن َص اَل ِتِهْم َس اُهوَن ﴿ ﴾٥اَّلِذيَن ُه ْم ُيَر اُء وَن ﴿َ ﴾٦و َيْم َن ُع وَن اْل َم اُع وَن ﴿ ﴾٧الماعون )
هناك من العرب القرشيين من كان يُص ُّد عن المسجد الحرام ومع هذا يؤدون الصالة ،وصفها رب العزة بالُم كاء 2 :
والتصدية ،قال جل وعال يتوعدهم بالعذاب َ ( :و َم ا َلُهْم َأاَّل ُيَع ِّذ َبُهُم الَّلـُه َو ُه ْم َيُص ُّدوَن َع ِن اْل َمْس ِج ِد اْل َح َر اِم َو َم ا َك اُنوا َأْو ِلَي اَء ُه ۚ ِإْن
َأْو ِلَي اُؤ ُه ِإاَّل اْلُم َّت ُقوَن َو َلٰـ ِكَّن َأْك َث َر ُه ْم اَل َيْع َلُم وَن ﴿َ ﴾٣٤و َم ا َك اَن َص اَل ُتُهْم ِع نَد اْلَبْي ِت ِإاَّل ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة ۚ َفُذ وُقوا اْلَع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم
َتْك ُفُر وَن ﴿ ﴾٣٥االنفال )
هناك من اضاع صالته بالمعاصى وإتباع الشهوات وتوعدهم هللا جل وعال بالعذاب إن لم يتوبوا ،قال جل وعال عن األجيال 3 :
الالحقة َ ( :فَخ َلَف ِمن َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص اَل َة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت ۖ َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ﴿ِ ﴾٥٩إاَّل َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا
َفُأوَلٰـ ِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْلَج َّن َة َو اَل ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ﴿ ﴾٦٠مريم )
ـ نحن هنا أمام وضع فريد فى جنون العصيان أّس سه الخلفاء الفاسقون :إنها ما نسميه بالصالة الشيطانية ،وهى أن تتعبد 4
بالصالة وتتدّي ن مستغال دين هللا جل وعال وإسم هللا جل وعال فى البغى والعدوان بقتل الماليين ونهب الشعوب وإحتالل البالد
والسبى واإلسترقاق للصغار والكبار .نتذكر أن قتل مؤمن مسالم واحد يعنى الخلود فى النار مع غضب هللا جل ولعنته فكيف بقتل
الماليين ؟ ،ثم كيف بقتلهم بشعار االسالم إفتراءا على هللا جل وعال ورسوله ؟ كل المطلوب أن تتهم الغير بالكفر وتستحل
دماءهم وأموالهم وأعراضهم وتجعل ذلك دين هللا جل وعال !.ترتكب كل هذا الفجور وأنت تصلى الصلوات الخمس وأنت تهتف (
.هللا أكبر )
ـ المعبود األكبر لهم ليس رب العزة جل وعال بل هو المال الذى تأتى بالحرب وسفك الدماء ،وفى سبيل معبودهم األكبر 5
يؤدون الصالة .من حيث الشكل هى الصالة االسالمية ( فى األغلب بسبب وجود تحريفات الحقة ) ومن حيث المضمون هى
.وسيلة ليس للتقوى ولكن للحث على البغى والعدوان والفساد والظلم
أخيرا :فى الفصول القادمة نتتبع الصالة تاريخ الخلفاء بإستغاللها فى اإلثم والعدوان مع تأديتها بنفس المعهود من توقيتها
.وكيفيتها
الفصل الرابع :الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين فى سبيل المال ــ إالههم األعظم
مقدمة
ـ الصالة االسالمية ليست مجرد حركات قيام وركوع وسجود وكلمات ُت قال ،فهكذا كانت تفعل قريش فى تأديتها السطحية 1
للصالة .وهى بهذا الشكل أقرب ما تكون الى اللهو واللعب ،وهذا وصف رب العزة جل وعال لصالتهم عند البيت الحرام ،قال
جل وعال يهددهم بعذاب اآلخرة َ( :و َم ا َك اَن َص الُتُهْم ِع ْن َد اْلَبْي ِت ِإَّال ُم َك اًء َو َت ْص ِد َي ًة َفُذ وُقوا اْل َع َذ اَب ِبَم ا ُك نُتْم َتْك ُفُر وَن ( )35االنفال )
.حافظت قريش هلى تأدية صالة سطحية تؤدى نفس الصالة االبراهيمية التى نعرفها اآلن ،ولكن بال خشوع وبال تقوى .
الصالة االسالمية هى أن تخشع لربك وانت تصلى له ،ثم أن تنهاك صالتك عن الفحشاء والمنكر ،قال جل وعال يأمر ويحّذ ر (:
اْت ُل َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمَن اْلِك َت اِب َو َأِقِم الَّص اَل َة ۖ ِإَّن الَّص اَل َة َتْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر ۗ َو َلِذ ْك ُر الَّلـِه َأْك َبُر ۗ َو الَّلـُه َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ﴿
﴾٤٥ .العنكبوت ) .بدون ذلك تصبح الصالة وسيلة للفسوق والعصيان ،أى فطالما ُتصّلى فال عليك مهما فعلت
ـ بدخول قريش ظاهريا فى االسالم مالبث أن تولت قيادة المسلمين عبر حواسيسها الذين مردوا على النفاق ثم اصبحوا 2
الخلفاء الفاسقين ،وبهم كان غزو وإحتالل إمتد من أواسط آسيا الى شمال إفريقيا ( من خالفة أبى بكر الى خالفة عثمان ) .فى
هذا الغزو إحتاج الغزاة للمبالغة فى ( تأدية ) هذه الصالة السطحية .أقنعت قريش األعراب إن الغزو االحتالل والبغى والسلب
والسبى لمن ليس منهم هو فريضة اسالمية ،لذا كان ال بد أن يصاحب جهادهم هذا تأدية لصالة سطحية تؤكد لهم إقتناعهم
بأنهم على الحق .وهنا يبدو التناقض هائال بين المؤمن الخاشع الذى يصلى ويخاطب ربه فى الصالة قائال ( إهدنا الصراط
المستقيم ) 17مرة يوميا ،ثم إذا عرضت له معصية بين الصلوات تذكر دعاءه لربه جل وعال وقوله ( إهدنا الصراط
المستقيم ) فيخجل من نفسه إذ كيف يعصى ثم كيف له فى الصالة التالية يقول لربه جل وعال ( إهدنا الصراط المستقيم ) .
.فكانوا يؤدون الصالة لتساعدهم على ارتكاب أفظع الظلم ،وجعلوها وسيلة تقربهم الى الحصول على إالههم العظم ( المال )
ـ من الُح مق االعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة ) 110 : 107كان 3
مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر .مسجد الضرار هو الذى ُي ستخدم فى االضرار بالناس ،بالتناقض مع دور المسجد الذى
يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى واالخالص فى العبادة لرب العزة وحده ال شريك له .مسجد الضرار يجمع بين الكفر االعتقادى
بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها ( :الجن ) 23 : 18وفى الكفر السلوكى باالعتداء والظلم ،وهذا
أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد هللا جل وعال ( البقرة . ) 114وجمعت قريش بين
النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة ، ) 18 : 17ثم أعادت قريش فى خالفة الفاسقين مسيرة مساجد الضرار ،
. .فنشروها فى البالد إحتلوها ،وما لبث أن اصبحت فيما بعد مراكز لإلقتتال األهلى ،وال تزال تؤدى نفس الدور
ـ الصالة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخالص القلب 4
لرب العزة جل وعال ،بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى ( َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اْع ُب ُدوا َر َّب ُك ُم اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم
َتَّت ُقوَن ﴿ ﴾٢١البقرة ) ،والتقوى تنعكس فى السالم والعدل واالبتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ،وعدم تقديس المخلوقات .
قريش حافظت على شكل الصالة وارتكبت فظائع فى إستغالل البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ،وإضطهاد النبى
والمؤمنين ،وبهذا أضاعوا ثمرة صالتهم كما حدث للسلف السىء قبلهم والذين قال عنهم رب العزة جل وعال َ ( :فَخ َلَف ِمن
َبْع ِدِه ْم َخ ْل ٌف َأَض اُع وا الَّص اَل َة َو اَّت َبُع وا الَّش َهَو اِت ۖ َفَس ْو َف َي ْلَق ْو َن َغ ًّي ا ﴿ِ ﴾٥٩إاَّل َم ن َت اَب َو آَم َن َو َع ِم َل َص اِلًح ا َفُأوَلٰـ ِئَك َي ْد ُخ ُلوَن اْل َج َّن َة
َو اَل ُيْظ َلُم وَن َش ْي ًئ ا ﴿ ﴾٦٠مريم )
ـ المنافقون فى عصر النبى محمد عليه السالم كانوا يؤدون صالة سطحية بال تقوى يراءون فيها الناس ،قال عنهم جل وعال 5
ِ ( :إَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن الَّلـَه َو ُه َو َخ اِد ُعُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وا ِإَلى الَّص اَل ِة َقاُم وا ُك َس اَلٰى ُيَر اُء وَن الَّن اَس َو اَل َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِإاَّل َقِلياًل ﴿
﴾١٤٢النساء )( َو َم ا َم َن َع ُهْم َأن ُتْق َب َل ِم ْن ُهْم َن َفَقاُتُهْم ِإاَّل َأَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو ِبَر ُس وِلِه َو اَل َي ْأُتوَن الَّص اَل َة ِإاَّل َو ُه ْم ُك َس اَلٰى َو اَل ُينِفُقوَن
ِإاَّل َو ُه ْم َك اِر ُهوَن ﴿ ﴾ ٥٤التوبة ) .لذا لم تنههم صالتهم عن الفحشاء والمنكر ،بل كانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن
المعروف،قال جل وعال عنهم ( :اْلُم َن اِفُقوَن َو اْل ُم َن اِفَق اُت َبْع ُضُهم ِّم ن َبْع ٍض ۚ َي ْأُمُر وَن ِباْلُم نَك ِر َو َي ْن َهْو َن َع ِن اْلَمْع ُر وِف َو َي ْق ِبُض وَن
َأْي ِد َيُهْم َن ُس وا الَّلـَه َفَن ِس َيُهْم ۗ ِإَّن اْلُم َن اِفِقيَن ُه ُم اْلَفاِس ُقوَن ﴿ ﴾٦٧التوبة ) وقال جل وعال عن العذاب الذى ينتظرهم َ ( :و َع َد الَّلـُه
اْلُم َن اِفِقيَن َو اْل ُم َن اِفَق اِت َو اْلُك َّفاَر َن اَر َج َه َّن َم َخ اِلِديَن ِفيَه ا ۚ ِه َي َح ْس ُبُهْم ۚ َو َلَع َن ُهُم الَّلـُه ۖ َو َلُهْم َع َذ اٌب ُّم ِقيٌم ﴿ ﴾٦٨التوبة ) .األسوا منهم هم
الذين مردوا على النفاق وأصبحوا الخلفاء الفاسقين بعد موت خاتم النبيين .المنافقون الُّص رحاء لم يرفعوا سالحا ولم يسلبوا
أموال الناس ولم يسبوا األحرار .الخلفاء الفاسقون إرتكبوا هذا كله وهم يؤدون صالتهم الشيطانية .لم يعد هناك وحى قرآنى
يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السالم فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتالل
وسبى وسلب تعززه صالة مظهرية شيطانية ،حافظوا على تأديتها حتى وقت المعارك ،سواء كانت غزوا لآلخرين أو حربا
.أهلية
ــ االنغماس فى الظلم والبغى مع ( تأدية ) الصالة تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصالة الى صالة شيطانية أى وسيلة تبرر 6
.الظلم وتؤكده وتساعد عليه ،أى بدال من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة لإلثم والعدوان
.ـ ونعرض لتأديتهم الصالة فى غزوهم 7
أوال :التحريض على القتال الباغى بالصالة الشيطانية
ـ ( :ذكر غزوة فارس من البحرين ... :فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا عليه 1
فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن هللا إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه وإن
هؤالء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن واألرض لمن غلب فاستعينوا
بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتاال شديدا في موضع من
األرض يدعى طاوس ) .الحظ ( :واألرض لمن غلب ) هذا تشريع كافر ظالم .ويستعينون على تنفيذه بالصالة وبالصبر :
( فاستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين ) لذا إستجابوا له ( :فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم
فاقتتلوا قتاال شديدا )
ـ ( وخطب الناس يومئٍذ ،وهو يوم االثنين من المحرم سنة أربع عشرة ،وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم هللا من فتح 2
البالد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس ،وكذلك فعل أمير كل قوم ... ،وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد،
وهي األنفال ،فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها .فلما فرغ القراء منها قال سعد :الزموا
مواقفكم حتى تصلوا الظهر ،فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا ،فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم .ثم إذا
كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ،فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعًا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا ال حول وال قوة إال
باهلل .فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال ... ..ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم
واستقبلوا الليل استقباًال بعد ما صلوا العشاء ،وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح ،وأفرغ هللا الصبر
عليهم إفراغًا ،وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ،ورأى العرب والعجم أمرًا لم يروا مثله قط ،وانقطعت األخبار واألصوات عن سعد
ورستم ،وأقبل سعد على الدعاء ،فلما كان عند الصبح انتمى الناس فاستدل بذلك على أنهم األعلون ) ،الحظ ( :الزموا مواقفكم
حتى تصلوا الظهر ،فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا ،فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم .ثم إذا كبرت
الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس .. ( )..ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقباًال
بعد ما صلوا العشاء ،وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح)،
:ثانيا :تأدية الصالة الشيطانية حتى وقت إشتداد القتال
ـ ( فى معركة جلوالء .... :فاقتتلوا قتاال شديدا لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن حتى أنفدوا النبل وحتى 1
أنفدوا النشاب وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصالة
صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها ) .الحظ( :ولما حضرت الصالة صلى
الناس إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها )
ـ ( وعطف عليهم النعمان فضرب عسكره ثم عبى كتائبه وخطب الناس فقال إن اصبت فعليكم حذيفة بن اليمان وإن أصيب 2
فعليكم جرير بن عبدهللا وإن أصيب جرير بن عبدهللا فعليكم قيس بن مكشوح ..فقال النعمان نصلي إن شاء هللا ثم نلقى عدونا
دبر الصالة فلما تصافوا قال النعمان للناس إني مكبر ثالثا فإذا كبرت األولى فشد رجل شسعه وأصلح من شأنه فإذا كبرت الثانية
فشد رجل إزاره وتهيأ لوجه حملته فإذا كبرت الثالثة فاحملوا عليهم فإني حامل . ) ..الحظ ( :نصلي إن شاء هللا ثم نلقى عدونا
دبر الصالة )
ـ ( وخرج عبدهللا بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدا ونزل أبرشهر وبلغ نزوله أبرشهر سعيدا فنزل سعيد 3
قومس وهي صلح صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من طبرستان
جرجان وهي مدينة على ساحل البحر وهي في تخوم جرجان فقاتله أهلها حتى صلى صالة الخوف فقال لحذيفة كيف صلى
رسول هللا فأخبره فصلى بها سعيد صالة الخوف وهم يقتتلون . ) .الحظ (فقاتله أهلها حتى صلى صالة الخوف فقال لحذيفة
كيف صلى رسول هللا فأخبره فصلى بها سعيد صالة الخوف وهم يقتتلون .) .عبد هللا عامر عبد هللا بن عامر بن كريز بن
ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ـ ابن عم األمويين ،ومولود فى مكة بعد ثالث سنوات من هجرة النبى محمد الى المدينة .ثم دخل
فى االسالم بعد فتح مكة ،ومالبث أن صار من قادة البغى المسمى بالفتوحات ولصيقا باألمويين حتى لقد زوجه معاوية ابنته.
.كان ال يعرف صالة الخوف ألنها من التشريعات الجديدة فى الصالة والتى نزلت فى المدينة
:ثالثا :الصالة الشيطانية إحتفاال بعد إنتصار البغى
ـ ( فتح المدائن عام .... : 16واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل.. .ولما دخل سعد اإليوان 1
قرأ ( :كم تركوا من جناٍت وعيوٍن وزروٍع ) إلى قوله( :قومًا آخرين)؛ وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال
يصلي جماعة ،وأتم الصالة ألنه نوى اإلقامة ،وكانت أول جمعة بالعراق ،وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة . ).هنا
إبتداع فى صالتهم الشيطانية هى صالة الفتح (وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال يصلي جماعة ،وأتم
الصالة ألنه نوى اإلقامة ،وكانت أول جمعة بالعراق ،وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة )
ـ ( وكان فتح المدائن في صفر سنة ست عشرة قالوا ولما دخل سعد المدائن أتم الصالة وصام وأمر الناس بإيوان كسرى 2
فجعل مسجدا لألعياد ونصب فيه منبرا فكان يصلي فيه وفيه التماثيل ويجمع فيه فلما كان الفطر قيل ابرزوا فإن السنة في
العيدين البراز فقال سعد صلوا فيه قال فصلي فيه .) .تحول ايوان كسرى الى مسجد ،وتركوا ما فيه من ( تماثيل ) أى
( أصنام ) .فكان سعد بن أبى وقاص يصلى فيه ويجمع فيه الناس فى الصالة وصالة العيد .ضمن طقوس االحتفاالت بإنتصارهم
.الباغى
:أخيرا :إغتيال عمر وهو يصلى صالته الشيطانية
ـ إغتاله أحد ضحاياه ،وهو أبو لؤلؤة المجوسى .وقد كان طفال من أطفال السبى عاش معاناتهم ،وجىء به للمدينة فرأى 1
معسكرات ألطفال السبى وهم فيها يبكون ،فكان يبكى لبكائهم .وصصم على إغتيال عمر ،فقتله وهو يصلى صالته
الشيطانية ،ثم إنتحر أبو لؤلؤة المجوسى .تقول الرواية ( فلما أصبح خرج عمر إلى الصالة وكان يوكل بالصفوف رجاًال فإذا
استوت كبر ،ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه ،فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته
وهي التي قتلته ،وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه ،وقتل جماعة غيره ( )...ولما احتضر ورأسه في حجر ولده
:عبد هللا قال
).ظلوٌم لنفسي غير أني مسلٌم ** أصلي الصالة كلها وأصوم
.ـ عليه وعليهم لعنة هللا جال وعال والمالئكة والناس أجمعين 2
..ـ ال أقصد أبا لؤلؤة المجوسى بالطبع 3
الفصل الخامس :فى دينهم الشيطانى :الخلفاء الفاسقون إستخدموا رب العزة جل وعال للقتال فى سبيل المال إالههم األعظم
:مقدمة
ـ نضطر الى القول بأن الخلفاء الفاسقين ( أبو بكر وعمر وعثمان) إستخدموا رب العزة جل وعال فى إستحالل الدماء 1
واألموال واألعراض ،أى جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة للحصول على المال إالههم األعظم .هناك أكابر المجرمين من
الغزاة والمحتلين الذين رفعوا شعارات دنيوية شتى ،ولكن هؤالء الخلفاء الفاسقين جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة للحصول
.على المال إالههم األعظم
ـ فارق هائل بينهم وبين المؤمنين الموصوفين فى قوله جل وعال ِ( :إَّن َم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم 2
) ﴾٢األنفال ) (َو َب ِّش ِر اْل ُم ْخ ِبِتيَن ﴿ ﴾٣٤اَّلِذيَن ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ِجَلْت ُقُلوُبُهْم ) ) 35الحج) .هؤالء الكفرة الفجرة كانوا يذكرون إسم
هللا جل وعال فى أفظع عصيان هلل جل وعال ،بل يعتبرون هذا دينا وعبادة .هو فعال دين ولكنه دين شيطانى ،وهى فعال عبادة
.ولكنها عبادة شيطانية ،ولكن يزينونها زورا وبهتانا بإسم هللا العظيم
:ـ تالعب الشيطان بالعرب والقرشيين وقت نزول القرآن الكريم ،فجعلهم 3
ينسبون وقوعهم فى الفاحشة الى أوامر رب العزة جل وعال .ذكر هذا رب العزة ورّد عليه .قال جل وعال ِ( :إَّن ا َج َع ْلَن ا 3 / 1 :
الَّش َي اِط يَن َأْو ِلَي اَء ِلَّلِذيَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ﴿َ ﴾٢٧و ِإَذ ا َف َع ُلوا َفاِح َش ًة َقاُلوا َو َج ْد َن ا َع َلْيَه ا آَب اَء َن ا َو الَّلـُه َأَمَر َن ا ِبَه ا ُقْل ِإَّن الَّلـَه اَل َي ْأُمُر
ِباْلَف ْح َش اِء َأَت ُقوُلوَن َع َلى الَّلـِه َم ا اَل َت ْع َلُم وَن ﴿ُ ﴾٢٨قْل َأَمَر َر ِّب ي ِباْلِقْس ِط َو َأِقيُم وا ُو ُج وَه ُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه
) الِّديَن ) ﴿ ﴾٢٩االعراف
ينسبون عبادتهم للمالئكة الى مشيئة الرحمن جل وعال ،قال جل وعال عنهم َ ( :و َقاُلوا َلْو َش اَء الَّر ْح َم ٰـ ُن َم ا َع َب ْد َن اُهم ۗ َّم ا 3 / 2 :
َلُهم ِبَٰذ ِلَك ِمْن ِع ْلٍم ۖ ِإْن ُه ْم ِإاَّل َي ْخ ُرُص وَن ﴿ ﴾٢٠الزخرف )
ينسبون وقوعهم فى الشرك وتحريم الحالل الى مشيئة الرحمن ،قال جل وعال َ ( :و َقاَل اَّلِذيَن َأْش َر ُك وا َلْو َش اَء الَّلـُه َم ا 3 / 3 :
َع َب ْد َن ا ِمن ُدوِنِه ِمن َش ْي ٍء َّن ْح ُن َو اَل آَب اُؤ َن ا َو اَل َح َّر ْم َن ا ِمن ُدوِنِه ِمن َش ْي ٍء ۚ َك َٰذ ِلَك َفَع َل اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم ) ﴿ ﴾٣٥النحل ) .أى هى عادة
سيئة فعلها الذين كفروا من قبلها ،وسيفعلها الذين كفروا من بعدهم سيقولون نفس اإلفك ،لذا قال جل وعال بصيغة المستقبل :
َٰذ
( َسَي ُقوُل اَّلِذيَن َأْش َر ُك وا َلْو َش اَء الَّلـُه َم ا َأْش َر ْكَن ا َو اَل آَب اُؤ َن ا َو اَل َح َّر ْم َن ا ِمن َش ْي ٍء ۚ َك ِلَك َك َّذ َب اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِهْم َح َّتٰى َذ اُقوا َب ْأَس َن ا ۗ ُقْل
َه ْل ِعنَد ُك م ِّم ْن ِع ْلٍم َفُتْخ ِر ُج وُه َلَن ا ۖ ِإن َتَّت ِبُع وَن ِإاَّل الَّظ َّن َو ِإْن َأنُت ْم ِإاَّل َتْخ ُرُص وَن ﴿ ﴾١٤٨االنعام ) .قالتها قريش وقالها من سبقهم
وسيقولها من سيأتى بعدهم ألنهم أولياء الشيطان ،يشاءون الوقوع فى الشرك والكفر ثم ينسبون هذا الى مشيئة الرحمن جل
وعال .هذا مع إنه تكرر فى القرآن الكريم أن االنسان هو الذى يختار الهدى أو يختار الضالل (االسراء ( )107الكهف ) 29
،وهللا جل وعال يزيد الضال ضالال ويزيد المهتدى هدى ( ،مريم ( )76 : 75محمد ()17البقرة ()10العنكبوت ) 69 : 68
.وهذا بمجرد أن يشاء فتأتى مشيئة هللا تؤكد ما شاءه االنسان لنفسه ( :االنسان ( ) 30 : 29التكوير 26ـ )
ـ الشيطان جعل الخلفاء الفاسقين الُغ زاة الُب غاة ينسبون هذا البغى الى رب العزة جل وعال الذى حّر م الظلم والعدوان والبغى 4
وأمر بالعدل والقسط .قال جل وعال ِ( :إَّن الَّلـَه َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإْلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ٰى َو َي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر
َو اْلَب ْغ ِي ۚ َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ﴾ النحل ) .وعظهم رب العزة لعلهم يتذكرون ،فلم يتذكروا بل فى تطرف فى الكفر إستخدموا إسم
هللا جل وعال فى بغيهم وعدوانهم وظلمهم .أى جعلوا رب العزة جل وعال وسيلة لتحقيق مطامعهم فى المال :إالههم األكبر.
.عليهم لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين
:ـ ونستشهد ببعض ما جاء فى الروايات التاريخية عن إستخدامهم رب العزة جل وعال فى بغيهم وعدوانهم 5
أوال :البغى بإسم هللا ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا )
ـ ( كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميرًا من أهل العلم والفقه ،فاجتمع إليه جيش من المسلمين1 ،
فبعث عليهم سلمة بن قيس األشجعي .فقال :سر باسم هللا ،قاتل في سبيل هللا من كفر باهلل ( .) ،الحظ :سر باسم هللا ،قاتل في
!.سبيل هللا من كفر باهلل) .
ـ القسم بإسم هللا على قتل الجميع :فى وقعة أليس ..على الفرات ..( :واقتتلوا قتاًال شديدًا والمشركون يزيدهم ثبوتًا 2
توقعهم قدوم بهمن جاذويه ،فصابروا المسلمين ،فقال خالد :اللهم إن هزمتهم فعلي أن ال أستبقي منهم من أقدر عليه حتى
.أجري من دمائهم نهرهم ) .نذر هلل إن إنتصر على المدافعين عن وطنهم أن يقتلهم جميعأ
ثانيا :النصر الباغى على ضحاياهم ينسبونه الى هللا جل وعال
ـ ( فجمع عمر الناس واستشارهم ،وقال لهم :هذا يوم له ما بعده ،وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل 1
منزًال وسطًا بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءًا حتى يفتح هللا عليهم ويقضي ما أحب ،فإن فتح هللا عليهم
!.صبيتهم في بلدانهم ( ).الحظ :حتى يفتح هللا عليهم ويقضي ما أحب ،فإن فتح هللا عليهم صبيتهم في بلدانهم )
ـ فى مصر ( :فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا ...فنادى عمرو بأصحاب النبي ،صلى هللا عليه وسلم2 ،
فأجابوه ،فقال :تقدموا فبكم ينصر هللا المسلمين ) ،الحظ (فبكم ينصر هللا المسلمين )
ـ ( ثم مضى حتى قدم جلوالء فحاصرهم في خنادقهم وأحاط بهم ..وأمد سعد المسلمين ،وخرجت الفرس ..فاقتتلوا ،فأرسل 3
هللا عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البالد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق ) ..الحظ ( :فأرسل هللا عليهم الريح )
ـ ( وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين...وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم ،وعلى المشركين شهرك4 ،
فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا ) ..الحظ ( :ففتح هللا على المسلمين )
ـ ( فخرج عمر من الغد يتوقع األخبار .قال :فأتيته فقال :ما وراءك؟ فقلت :خيرًا يا أمير المؤمنين .فتح هللا عليك وأعظم 5
الفتح( )،فتح هللا عليك وأعظم الفتح)
ـ سعد بن أبى وقاص كان مريضا فلم يشارك فى قتال القادسية بنفسه فقال شاعر يهجوه ( :نقاتل حتى أنزل هللا نصره ** 6
وسعٌد بباب القادسية معصم ) الحظ ( :أنزل هللا نصره )
:ـ بزعمهم :هللا جل وعال هو الذى يهزم الضحايا الُم عتدى عليهم 7
)..فتقدموا وفيهم أبو بردة وأبو برزة وتبعهم الناس ،وفتح هللا على المسلمين وظفروا وهزموا المشركين ( 7 / 1 :
وكان عمر يسأل الركبان من حين يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية ثم يرجع إلى أهله ومنزله ،قال :فلما ( 7 / 2 :
).لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره ،قال :يا عبد هللا حدثني .قال :هزم هللا المشركين
) .ذكر فتح كرمان.. :فاقتتلوا في أداني أرضهم ،ففض هللا تعالى المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق ( 7 / 3 :
ذكر خبر بيروذ من األهواز .. :وعزم أبو موسى على الناس فأفطروا ،وتقدم المهاجر فقاتل قتاًال شديدًا حتى قتل7 / 4 :( .
) ووهن هللا المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة
فتح البصرة ..وألقى هللا الرعب في قلوب الفرس فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء وأخلوا المدينة (7 / 5 :
)،ودخلها المسلمون فأصابوا متاعًا وسالحًا وسبيًا فاقتسموه وأخرج الخمس منه
)،ثم قاتلوهم ،فهزمهم هللا وأصاب المسلمون مغانمهم ،وأصابوا في الغنائم سفطًا فيه جوهر ( 7 / 6 :
احدهم يقسم على هللا أن يهزم الُم عتدى عليهم ... ( :فحاصروهم أشهرًا وأكثروا فيهم القتل ... ،واشتد القتال قال 7 / 7 :
المسلمون :يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا .قال :اللهم اهزمهم لنا ...وكان مجاب الدعوة ،فهزموهم حتى أدخلوهم
خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ثم دخلوا مدينتهم وأحاط بها المسلمون).
) فالتقى النعمان والهرمزان بأربك فاقتتلوا قتاًال شديدًا ،ثم إن هللا ،عز وجل ،هزم الهرمزان7/ 8 :(..
قال أحدهم عن قتل النعمان بن مقرن أحد قادة البغى ( :فلما انهزم المشركون أتيته ،ومعي إداوة فيها ماء ،فغسلت عن 7 / 9 :
وجهه التراب فقال :ما فعل الناس؟ فقلت :فتح هللا عليهم .قال :الحمد هلل! ومات).
ثالثا :القاتل المجرم ( النعمان بن مقرن ) جعلوه شهيدا
وقال لهم :إني مكبر ثالثًا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا ،وإن قتلت فاألمير بعدي حذيفة ،فإن قتل ففالن ،حتى عد (
سبعة آخرهم المغيرة .ثم قال :اللهم أعزز دينك ،وانصر عبادك ،واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر
عبادك.وقيل :بل قال :اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز اإلسالم واقبضني شهيدًا .فبكى الناس .. .فلما أقر
ودخل ( )...هللا عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيدًا ،زلق به فرسه فصرع .وقيل :بل رمي بسهم في خاصرته فقتله
المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها .فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم ،ولما تم الظفر
للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن ،فقال لهم أخوه معقل :هذا أميركم قد أقر هللا عينه بالفتح وختم له
).بالشهادة فاتبعوا حذيفة
رابعا :يسلبون وينهبون باسم الرحمن
إسالميا :الفىء هو ما يفىء الى بيت المال بغير قتال ( .الحشر . ) 6أما عند الخلفاء الفاسقين فالفىء هو ما يسلبون وما
:ينهبون وما يسبون من النساء والذرية .وينسبون هذا لرب العزة جل وعال .ونستشهد ببعض األمثلة
ـ ( .ذكر فتح الري ..:فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها ،وأفاء هللا على المسلمين بالري نحوًا مما في المدائن ) 1
ـ ( فأوثقوه واقتسموا ما أفاء هللا عليهم ،فكان سهم الفارس ثالثة آالف ،وسهم الراجل ألفًا2 ) .
خامسا :الحث على البغى والعدوان باسم الرحمن جل وعال
ـ بالدعاء (:وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ،ورأى العرب والعجم أمرًا لم يروا مثله قط ،وانقطعت األخبار واألصوات عن 1
سعد ورستم ،وأقبل سعد على الدعاء) ،
ـ بالوعظ ( :وأعلم الناس أنه قد استخلف خالدًا وإنما يأمرهم خالد ،فسمعوا وأطاعوا ،وخطب الناس يومئٍذ ،وهو يوم االثنين 2
من المحرم سنة أربع عشرة ،وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم هللا من فتح البالد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من
الفرس ،وكذلك فعل أمير كل قوم) ،
ـ بقراءة القرآن .. ( :وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد ،وهي األنفال ،فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا 3
السكينة مع قراءتها) .
سادسا :الحث على البغى والعدوان بالتكبير ( هللا أكبر )
يقولها المؤمن فى صالته خشوعا ،بينما قالها ويقولها الكافرون البغاة وهم يرتكبون مجازرهم .بدأ هذا بالخلفاء ) هللا أكبر (
.الفاسقين وال يزال مستمرا
ـ ( .ذكر يوم عماس ... :فحين رآهم كبر وكبر المسلمون وتقدموا وتكتبت الكتائب واختلفوا الضرب والطعن والمدد متتابع1 ،
فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم فأخبر بما صنع القعقاع ،فعبى أصحابه سبعين سبعين ،وكان فيهم قيس بن
هبيرة ابن عبد يغوث المعروف بقيس بن المكشوح المرادي ،ولم يكن من أهل األيام إنما كان باليرموك..... ،فانتدب مع هاشم
حتى إذا خالط القلب كبر وكبر المسلمون ) ( وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة من أصحابه كبر وكبر المسلمون ويحمل
ويحملون) ،
ـ ( فدخلوا في السرب والناس من خارج .فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت األبواب فاجتلدوا 2
فيها ) ..
:ـ فى موقعة القادسية 3
فلما فرغ القراء منها قال سعد :الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر ،فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا ،فإذا( 3 / 1
سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم .ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ،فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعًا حتى
تخالطوا عدوكم وقولوا ال حول وال قوة إال باهلل .فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال ...،والمسلمون ينتظرون
التكبيرة الرابعة من سعد ،فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم ،وكبر سعد الرابعة وزحف إليهم
).المسلمون
ـ ( ولما اشتد القتال ،وكان أبو محجن قد حبس وقيد فهو في القصر فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله فزبره 3 / 2
ورده فنزل ،فأتى فقال لسلمى زوج سعد :هل لك أن تخلي عني وتعيريني البلقاء؟ فلله علي إن سلمني هللا أن أرجع إليك حتى
أضع رجلي في قيدي ..فرقت له سلمى وأطلقته وأعطته البلقاء فرس سعد ،فركبها حتى إذا كان بحيال الميمنة كّب ر ثم حمل على
ميسرة الفرس ..وتعجب الناس منه وهم ال يعرفونه )
ـ فى فتح حمص ... ( :فناهدهم المسلمون فكبروا تكبيرة فانهدم كثير من دور حمص وزلزلت حيطانهم فتصدعت ،فكبروا 4
ثانية فأصابهم أعظم من ذلك) ،
ـ ( فأدخلهم الزينبي المدينة وال يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتًا فشغلهم عن مدينتهم ،فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير 5
من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها) .
خامسا :المرتدون عماد جيوش البغى
ـ إرتدوا رفضا لجمع ابى بكر المال .ثم أجبرتهم قريش على العودة ،مقابل أن تتوجه قوتهم الحربية للغزو الخارجى فى سبيل 1
إالههم األعظم ،وهو المال .وكان قادة المرتدين ضمن قادة الغزو .ونستشهد بهذه الرواية ( :وسار هاشم من المدائن بعد
قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفًا ،منهم وجوه المهاجرين واألنصار وأعالم العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد)... ،
ـ طليحة بن عبيد هللا كان من زعمار حركة الردة وزعم النبوة ،ثم دخل فى طاعة قريش . ،وكان عمرو بن معد يكرب 2
:فارس المرتدين ،وكذا كان األشعث بن قيس .وترددت إسماؤهم فى روايات الغزو ،منها
ومضى طليحة وعمرو ابن معد يكرب .فلما كان آخر الليل رجع عمرو ،فقالوا :ما رجعك؟ قال :سرنا يومًا وليلًة ولم 2 : 1 : ( .
نر شيئًا وخفت أن يؤخذ علينا الطريق فرجعت .ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند .وبين موضع المسلمين
الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخًا .فقال الناس :ارتد طليحة الثانية .فعلم كالم القوم ورجع .فلما رأوه كبروا .فقال :ما
) .شأنكم؟ فأعلموه بالذي خافوا عليه
) ..ذكر ليلة الهرير وقتل رستم.. :وأخذ طليحة وراء العسكر وكبر ثالث تكبيرات ثم ذهب وقد ارتاع أهل فارس2 / 2 :( .
فأرسل إليهم عبد هللا :إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق فخذوا األبواب التي تلي دجلة وكبروا 2 / 3 :( ...
)،واقتلوا من قدرتم عليه.وخرج إلى طليحة عظيم منهم ،فقتله طليحة
ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع ،وتقدم حنظلة بن الربيع وأمراء األعشار وطليحة وغالب وحمال2 / 4 :( ..
) وأهل النجدات ،ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم
وخرج فارسي فطلب البراز ،فبرز إليه عمرو بن معدي كرب ،فأخذه وجلد به األرض ،فذبحه وأخذ سواريه2 / 5 :(..
) .ومنطقته
وحملت الفيلة عليهم ففرقت بين الكتائب ،فنفرت الخيل ،وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيًال ،فنفرت خيل ( 2 / 6
بجيلة ،فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها ،وأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس.
فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك في كتائبهما فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها .وخرج إلى طليحة عظيم منهم ،فقتله
) ،طليحة
وقام األشعث بن قيس في كندة حين استصرخهم سعد فقال :يا معشر كندة هلل در بني أسد أي فري يفرون واي هٍّذ (2 / 7 :
) .يهذون عن موقفهم ،أغنى كل قوم ما يليهم ،وأنتم تنتظرون من يكفيكم ،أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من العرب
وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال :ناهدهم وكابرهم وال تخفهم.. ،وقال طليحة :أرى أن نبعث خيًال لينشبوا القتال فإذا 2 / 8 : ( ..
اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادًا فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم ،فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا فقاتلناهم حتى يقضي
).هللا فيهم وفينا ما أحب
:سادسا :كل شىء فى بغيهم ينسبونه هلل جل وعال ،ومنه
ـ االسراف فى القتل الباغى يجعلونه بمشيئة هللا جل وعال عن ذلك علوا كبيرا ...( :وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا 1
ما شاء هللا).. ،
:ـ إحتمال النصر أو الهزيمة2
ذكر فتح قزوين وزنجان:لما سير المغيرة جريرًا إلى همذان ففتحها سير البراء بن عازب في جيش إلى قزوين وأمره ( 2 / 1 :
) أن يسير إليها فإن فتحها هللا على يده غزا الديلم منها
كتب عمر الى سعد بن أبى وقاص .. ( :وإن هزم هللا الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل ،وليكن الجند اثني 2 / 2 :
عشر ألفًا) .
ـ استمرار القتال بمشيئة هللا ( :وأنشب النعمان القتال بعد حط األثقال ،فاقتتلوا يوم األربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم 3
سجاٌل وإنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة ،وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء هللا)..
ـ فى الحصار . ( :ذكر فتح فسا ودارابجرد :وقصد سارية بن زنيم الدئلي فسا ودار ابجرد حتى انتهى إلى عسكرهم فنزل 4
عليهم وحاصرهم ما شاء هللا)..
ـ وحتى صبرهم فى القتال الباغى ( :وأفرغ هللا الصبر عليهم إفراغًا 5 ) ..
ـ وحتى الرأى الحربى يجعلونه وحيا إالهيا ( :وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديدًا ،العرب والعجم فيه سواء ،وال 6
تكون بينهم نقطة إال أبلغوها يزدجر باألصوات ،فيبعث إليهم أهل النجدات ممن عنده ،فلوال أن هللا ألهم القعقاع ما فعل في
.اليومين وإال كسر ذلك المسلمين).
:أخيرا
تطور هذا فى العصر األموى ،إذ آمن األمويون بأن هللا جل وعال هو الذى يقوم بالبغى والعدوان .وبرروا بهذا كل فظائعهم .
.يرتكبون البغى ويقولون هذه مشيئة هللا .وعرضنا لهذا بالتقصيل فى بحث عن فلسفة الجبرية فى الدولة األموية
الفصل السادس :الخلفاء الفاسقون هم األكثر وحشية فى التاريخ ألنهم جعلوا القتل دينا
:مقدمة
:ـ عاشت البشرية كارثتى حربين عالميتين 1
الحرب العالمية األولى إستمرت أربع سنوات فقط ( 28يوليو 11 : 1914نوفمبر ) 1918وخلفت ( مليون قتيل 1 / 1 :
.وحوالى 21مليون جريح )
الحرب العالمية الثانية إستمرت ست سنوات (:سبتمبر : 1939سبتمبر ) 1945شارك فيها أكثر من 100مليون 1 / 2
شخص و 30دولة .وصل عدد القتلى من المدنيين والعسكرين ما بين 50الى 85مليون شخص .هذا بسبب المذابح وقصف
.المدن واستعمال األسلحة الدمار الشامل ومنها القنبلة الذرية
:ـ نرى أن الحرب التى أشعلها الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفظع من الحربين العالميتين لألسباب التالية 2
هى حرب عالمية ولكن من طرف واحد معتد هاجم اآلخرين شرقا وغربا ،اسقط االمبراطورية الفارسية وتعّداها شرقا 2 / 1 : ،
.وهزم االمبراطورية البيزنطية وتوسع على حسابها من الشام الى شمال أفريقيا
استمرت الحربان العالميتان عشر سنوات فقط ،بينما إستمرت حرب الخلفاء الفاسقين 22عاما .بدأها أبوبكر فى شهر 2 / 2 :
.محرم عام 12واستمرت هادرة تقيم حمامات دم بال توقف حتى قبيل مقتل عثمان بعامين
كان ضحايا الحربين العالميتين عشرات الماليين من القتلى والجرحى ،أضعاف أضعاف القتلى فى حرب الخلفاء 2 / 3 :
:الفاسقين ،ولكن هذا ال يمنع من كون الخلفاء الفاسقين هم األكثر وحشية ،ألن
نوعية السالح المستخدم :كان فرديا فى عصر الخلفاء الفاسقين (سيف يقابله سيف ورمح يقابله رمح ) .أما 2 / 3 / 1 :
.السالح الحديث فهو يقتل اآلالف فى أقل وقت ممكن
حرب الخلفاء الفاسقين لم تعرف الجرحى ،بل كان يتم ( التزفيف ) عليهم أى قتلهم أو تركهم يموتون ،ولم تكن 2 / 3 / 2 :
تعرف األسر ،فالقاعدة عندهم قتل كل ( المقاتلة ) وسبى نسائهم وأوالدهم وبناتهم ،مع حقن دماء الفالحين ومن يجمع منهم
الخراج أو الضرائب .لم تصل وحشية الحربين العالميتين الى هذا المستوى فى التعامل مع الجرحى واألسرى والنساء
.واألطفال
لم تتأّس س الحربان العالميتان على دين أرضى ،بل كانت تنافسا (علمانيا ) على ُح طام الدنيا بال أى خلفية دينية 2 / 3 / 3 : .
لذا كان سهال الشعور بالذنب ومحاولة االصالح بعد الحرب العالمية األولى بتأسيس ُع صبة األمم ،ثم بعد الحرب العالمية تم
تأسيس األمم المتحدة ومؤسساتها لمنع تكرار الحروب العالمية .أما حرب الخلفاء الفاسقين فهى ظاهرة لم تنته بموت ُط غاتها .
توقفت فقط عندما إختلفوا على الغنائم وتحاربوا ،ثم بعدها تأسس حكم األمويين فإستأنفوا الغزو حتى وصلوا الى مشارف
الصين شرقا وأسوار القسطنطينية شماال وجنوب فرنسا غربا مع إستمرار األمويين فى حرب أهلية مع خصومهم الخوارج
والشيعة وغيرهم .األسوأ أن تلك الحروب المسلحة الدينية تأّس س عليها دينا الُّس ّن ة والتشيع ،والطغاة من أولئك الخلفاء
الفاسقين أصبحوا آلهة معصومة من الخطأ .لذا إستمرت الحروب الدينية مع الخارج والحروب األهلية فى الداخل .وتتبعناها
.فى سلسلة مقاالت منشورة عن ( مسلسل الدماء ) وفيما كتبنا عن الوهابية والسعودية وداعش
نتخيل أن الخلفاء الفاسقين كان لديهم اسلحة عصرية ،وهم يعتبرون قتل اآلخر عبادة وجهادا فكم سيكون عدد القتلى ؟ 2 / 4 :
هنا نتذكر قوله جل وعال لخاتم النبيين عليهم السالم َ ( :و َم ا َأْر َس ْلَن اَك ِإَّال َر ْح َم ًة ِّلْلَع اَلِميَن ) األنبياء . ) 107أرسل هللا جل 3 :
وعال رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين .فأرسل الشيطان الخلفاء الفاسقين لقتل من يستطيعون من العالمين .وال يزال
.خلفاؤهم على ُس ّن ة الشيطان سائرين
:ـ نعطى نماذج من وحشيتهم فى القتال فيما بين سطور تفصيالت الغزو 4
أوال :إحصاءات لعدد القتلى من األبطال المدافعين عن أوطانهم وأهاليهم
ـ ( وقعة البويب:عام . 13لما بلغ عمر خبر وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى ..وكتب إلى أهل الردة فلم يأته أحد 1
إال رمى به المثنى ،وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم ....حتى هزموا الفرس ،وسبقهم
المثنى إلى الجسر وأخذ طريق األعاجم ،فافترقوا مصعدين ومنحدرين ،وأخذتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم وجعلوهم جثًا .فما
كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها ،بقيت عظام القتلى دهرًا طويًال ،وكانوا يحرزون القتلى مائة ألف ،وسمي ذلك
اليوم األعشار ،أحصي مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة ...وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات وتبعهم
المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل .وكان قد أصاب المسلمون غنمًا ودقيقًا وبقرًا فبعثوا به إلى عيال من قدم من المدينة
وهم بالقوادس .. .فأغاروا حتى بلغوا ساباط ،وتحصن أهله منهم واستباحوا القرى ) .شارك فيها المرتدون السابقون ،أرسلهم
عمر بن الخطاب مددا للمثنى فجاءوا اليه فى ( جمع عظيم ) .بلغ عدد القتلى 100ألف ،وجثث القتلى من الفرس مألت
.المكان ،وبعدها طارد الُب غاة من أفلت من القتل ،وإستباحوا القرى قتال وسلبا ونهبا وسبيا وإسترقاقا .عليهم اللعنة
:ـ ( ذكر وقعة جلوالء وفتح حلوان 2
وخرجت الفرس وقد احتفلوا ،فاقتتلوا ،فأرسل هللا عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البالد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في 2 / 1 (...
الخندق ... ،فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك ،فعقرت دوابهم وعادوا رجالة واتبعهم
المسلمون فلم يفلت منهم إال من ال يعد ،وقتل يومئٍذ منهم مائة ألف ،فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت
. ).جلوالء بما جللها من قتالهم ،فهي جلوالء الوقيعة
وفى رواية أخرى ( :وقد أخذ به وأخذ المشركون في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم فهلكوا فيما 2 / 2 :
أعدوا للمسلمين فعقرت دوابهم وعادوا رجالة وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إال من ال يعد .وقتل هللا منهم يومئذ مائة ألف
فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلوالء بما جللها من قتالهم فهي جلوالء الوقيعة ) فى الروايتين :القتلى
100.ألف
:نهاوند عام 3 / 21
فاقتتلوا .فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا 3 / 1 : (...
نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه ،فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد
100الف ).فيقتلون جميعًا ،وجعل يعقرهم حسك الحديد ،فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة
!.حرقا بالنار سوى من ُقتل فى المعركة
وفى رواية أخرى ( :ورجع إلى موقفه فكبر ثالثًا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال ،وحمل النعمان والناس3 / 2 :
معه وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة ،فاقتتلوا قتاًال شديدًا لم يسمع السامعون بوقعة
كانت أشد منها ،وما كان يسمع إال وقع الحديد ،وصبر لهم المسلمون صبرًا عظيمًا ،وانهزم األعاجم وقتل منهم ما بين الزوال
واإلعتام ما طبق أرض المعركة دمًا يزلق الناس والدواب.وقيل :قتل في اللهب ثمانون ألفًا وفي المعركة ثالثون ألفًا سوى من
قتل في الطلب ،ولم يفلت إال الشريد) ،
ـ ( وقعة الثني ...:وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثالثين ألفًا سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم4 ) ...
! .لوال الماء إلزداد عدد القتلى
ـ (وقعة أليس ..على الفرات ..... :وبلغ عدد القتلى سبعين ألفًا5 ) ...
ذكر فتح قيسارية وحصر غزة .. :فسار معاوية إليها فحصر أهلها ،فجعلوا يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم6 : ( .
) ،ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين ،وبلغت قتالهم في المعركة ثمانين ألفًا وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها
ثانيا :تقديرات للقتلى األبطال بدون حساب
ـ أغار المثنى على األسواق التى يتجمع فيها الباعة والمشترون .نقتطف من الرواية ( :وجاء إلى المثنى رجالن أحدهما 1
أنباري فدله على سوق الخنافس ،والثاني حيري دله على بغداذ قال المثنى :أيتهما قبل صاحبتها .فقال :بينهما مسيرة أيام .قال:
أيهما أعجل؟ قاال :سوق الخنافس يجتمع بها تجار مدائن كسرى والسواد وربيعة وقضاعة يخفرونهم .فركب المثنى وأغار على
الخنافس يوم سوقها وبها خيالن من ربيعة وقضاعة ،وعلى قضاعة رومانس بن وبرة ،وعلى ربيعة السليل بن قيس وهم
الخفراء ،فانتسف السوق وما فيها وسلب الخفراء .ثم رجع فأتى األنبار فتحصن أهلها منه ،فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوا
باألعالف والزاد ،وأخذ منهم األدالء على سوق بغداذ وأظهر لدهقان األنبار أنه يريد المدائن ،وسار منها إلى بغداذ ليًال وعبر
إليهم وصبحهم في أسواقهم فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء .وقال المثنى :ال تأخذوا إال الذهب والفضة والحر من كل شيء ...
ثم سار بهم إلى األنبار ،وكان من خلفه من المسلمين يمخرون السواد ويشنون الغارات ما بين أسفل كسكر وأسفل الفرات.. ،
ولما رجع المثنى من بغداذ إلى األنبار بعث المضارب العجلي في جمع إلى الكباث وعليه فارس العناب التغلبي ،ثم لحقهم المثنى
فسار معهم ،فوجدوا الكباث قد سار من كان به عنه ومعهم فارس العناب ،فسار المسلمون خلفه فلحقوه وقد رحل من الكباث،
فقتلوا في أخريات أصحابه وأكثروا القتل ) .
ـ ( وكان خليد قد أمر أصحابه أن يقاتلوا رجالًة فقتلوا من أهل فارس مقتلة عظيمة ... ،وكان أهل إصطخر حيث أخذوا 2
الطريق على المسلمين ،فجمعوا أهل فارس عليهم فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاووس وقد توافت إلى
المسلمين أمدادهم ،وعلى المشركين شهرك ،فاقتتلوا ففتح هللا على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما
شاؤوا) ،
ـ ذكر فتح رامهرمز وتستر وأسر الهرمزان (:وسار النعمان أيضًا وسار حرقوص وسلمى وحرملة وجزء فاجتمعوا على 3
تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال واألهواز في الخنادق ،وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة،
وعلى الجميع أبو سبر ،فحاصروهم أشهرًا وأكثروا فيهم القتل) ،
ـ ( ذكر فتح همذان ثانيًا .. :فاجتمعوا وتحصن منهم أمراء المسالح وبعثوا إلى نعيم بالخبر ،فاستخلف يزيد بن قيس 4
الهمذاني وخرج إليهم ،فاقتتلوا بواج روذ قتاًال شديدًا ،وكانت وقعة عظيمة تعدل بنهاوند ،فانهزم الفرس هزيمة قبيحة وقتل
منهم مقتلة كبيرة ال يحصون) ،
ـ ( وقام الجالينوس على الردم ونادى الفرس إلى العبور ،وأما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق ،فوخزهم 5
المسلمون برماحهم فما أفلت منهم مخبر ،وهم ثالثون ألفًا ... ،وقتلوا في المعركة عشرة آالف سوى من قتلوا في األيام قبله،
)
ـ هذه رواية تستحق التأمل .. ( :وأمر القعقاع وشرحبيل باتباعهم حتى بلغا مقدار الخرارة من القادسية ،وخرج زهرة بن 6
الحوية التميمي في آثارهم في ثالثمائة فارس ،ثم أدركه الناس فلحق المنهزمين والجالينوس يجمعهم ،فقتله زهرة وأخذ سلبه،
وقتلوا ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف ،وعادوا من أثر المنهزمين ومعهم األسرى ،فرؤي شاب من النخع وهو يسوق
ثمانين رجًال أسرى من الفرس .. .ولما اتبع المسلمون الفرس كان الرجل يشير إلى الفارسي فيأتيه فيقتله ،وربما أخذ سالحه
.فقتله به ،وربما أمر رجلين فيقتل أحدهما صاحبه).
ـ ( ...فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا 7
عليه ..فاقتتل القوم فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها قبلها )
ـ(وقعة الولجة ... :فانهزمت األعاجم ،وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقًا كثيرًا8 ) ..
ـ ( ذكر فتح شهرزور والصامغان :لما استعمل عمر عزرة بن قيس على حلوان حاول فتح شهرزور ،فلم يقدر عليها ،فغزاها 9
عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال .. ..وقتل خلقًا كثيرًا من األكراد .وكتب إلى عمر :إن فتوحي قد بلغت أذربيجان .فواله إياها )
ـ ( ثم إن عمرًا سار إلى اإلسكندرية ،وكان من بين اإلسكندرية والفسطاط من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا :نغزوه قبل 10
أن يغزونا ويروم اإلسكندرية .فالتقوا واقتتلوا ،فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة) ،
ــ ذكر فتح الري .. ( ..فأدخلهم الزينبي المدينة وال يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتًا فشغلهم عن مدينتهم ،فاقتتلوا وصبروا له 11
حتى سمعوا التكبير من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها) ،
ـ ( ذكر الخبر عن فتح توج ... :فقصد مجاشع بن مسعود لسابور وأردشير خرة ،فالتقى هو والفرس بتوج فاقتتلوا ما شاء 12
هللا ،ثم انهزم الفرس وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا كل قتلة وغنموا ما في عسكرهم وحصروا توج فافتتحوها وقتلوا منهم خلقًا
كثيرًا وغنموا ما فيها) ،
ـ ( ذكر فتح إصطخر وجور وغيرهما.. :وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي إلصطخر فالتقى هو وأهل إصطخر بجور 13
فاقتتلوا وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ما شاء هللا ،ثم فر منهم من فر) ،
:ثالثا :قتلهم األبطال غدرا
وخرج عبدهللا بن عامر من البصرة يريد خراسان ..وضرب يومئذ سعيد رجال من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف (
) من تحت مرفقه وحاصرهم فسألوا األمان فأعطاهم على أال يقتل منهم رجال واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إال رجال واحدا
:رابعا :قتل جميع األسرى
ـ هنا رواية تستحق التأمل ( :وقعة أليس ..على الفرات .. :واقتتلوا قتاًال شديدًا والمشركون يزيدهم ثبوتًا توقعهم قدوم 1
بهمن جاذويه ،فصابروا المسلمين ،فقال خالد :اللهم إن هزمتهم فعلي أن ال أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم
نهرهم .فانهزمت فارس فنادى منادي خالد :األسراء األسراء إال من امتنع فاقتلوه .فأقبل لهم المسلمون أسراء ووكل بهم من
يضرب أعناقهم يومًا وليلًة .فقال له القعقاع وغيره :لو قتلت أهل األرض لم تجر دماؤهم ،فأرسل عليها الماء تبر يمينك؛ ففعل،
وسمي نهر الدم )...
ـ (عين التمر ... :وسار عقة إلى خالد فالتقوا ،فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه ،فاحتضنه وأخذه أسيرًا 2 ،
وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم..فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن ،فلما انتهى المنهزمون إليه
.تحصنوا به ،فنازلهم خالد ،فطلبوا منه األمان ،فأبى ،فنزلوا على حكمه ،فأخذهم أسرى وقتل عقة ،ثم قتلهم أجمعين )..
.ـلمجرد التذكرة :قلنا من قبل أنه يحرم قتل األسير فى االسالم .األسير هنا هو فى جيش معتدى 3
خامسا :قتل الجميع
ـ ( فساروا حتى لقوا عدوًا من األكراد المشركين ..فقاتلوهم فهزموهم ،وقتلوا المقاتلة ،وسبوا الذرية فقسمه بينهم1 ) ..
ـ ( ذكر فتح تكريت والموصل ... :فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت األبواب فاجتلدوا فيها 2
!.فأناموا كل مقاتل .).أناموا أى قتلوا
ـ ( ولحق سلمان بن ربيعة الباهلي وعبد الرحمن بن ربيعة بطائفة منهم قد نصبوا راية وقالوا :ال نبرح حتى نموت ،فقتلهم 3
.سلمان ومن معه .) .هؤالء أبطال رفضوا الهرب وصمموا على الصمود فكان مصيرهم القتل
:أخيرا
.ـ هتلر نفسه لو قرأ هذا لشعر بالخجل 1
أوال :مقتطفات من روايات الطبرى >" "rightـ حتى ال ننسى :صالتهم 2
عام 98
ـ ( وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح اآلخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ..ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان 1
قصد لجرجان فأعطى هللا عهدا لئن ظفر بهم أال يقلع عنهم واليرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك الطحين
ويأكل منه .. .وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها وحولها غياض ( أى غابات ) يعرف لها إال طريق واحد ،فأقام
بذلك سبعة أشهر ال يقدر منهم على شيء وال يعرف لهم مأتى إال من وجه واحد فكانوا يخرجون في األيام فيقاتلونه ويرجعون
إلى حصنهم ..فخرج رجل من عسكره من طيىء يتصيد فأبصر ( وعال ) ( أى غزال جبلى ) يرقي في الجبل ،فاتبعه ،وقال
لمن معه " :قفوا مكانكم " .ووقل في الجبل يقتص األثر فما شعر بشيء حتى هجم على عسكرهم فرجع يريد أصحابه ..فانطلق
به ابنا زحر حتى أدخاله على يزيد فأعلمه ..فأمر له بأربعة آالف ،وندب الناس فانتدب ألف وأربعمائة ،فقال " :الطريق ال
يحمل هذه الجماعة اللتفاف الغياض ( أى الغابات ) ،فاختار منهم ثالثمائة ،فوجههم واستعمل عليهم جهم بن زحر .. .وقال
يزيد للرجل الذي ندب الناس معه " :متى تصل إليهم ؟ " قال " :عند العصر فيما بين الصالتين " قال " :امضوا على
بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر . " .فساروا فلما قارب انتصاف النهار من غد أمر يزيد الناس أن
يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم ،فصيره آكاما فأضرموه نارا ،فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره
أمثال الجبال من النيران .ونظر العدو إلى النار فهالهم ما رأوا من كثرتها ،فخرجوا إليهم .وأمر يزيد الناس حين زالت
الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين ،ثم زحفوا إليهم ،فاقتتلوا ،وسار اآلخرون بقية يومهم والغد فهجموا على عسكر الترك
قبيل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه ،ويزيد يقاتل من هذا الوجه ،فما شعروا إال بالتكبير من ورائهم ،فانقطعوا جميعا إلى
حصنهم ،وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ،ونزلوا على حكم يزيد ،فسبى ذراريهم ،وقتل مقاتلتهم ،وصلبهم فرسخين عن
يمين الطريق ويساره ،وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى األندرهز وادي جرجان وقال من طلبهم بثأر فليقتل فكان الرجل من
المسلمين يقتل األربعة والخمسة في الوادي ،وأجرى الماء في الوادي على الدم ،وعليه أرحاء ( رحى للطحن ) ليطحن
.بدمائهم ،ولتبر يمينه ،فطحن واختبز ( .أى عمل منه خبزا )
ـ رواية أخرى ( :دعا يزيد جهم بن زحر فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد 2
فقال إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا حتى إذا كان في السحر فكبروا ثم انطلقوا نحو باب المدينة فإنكم تجدوني وقد نهضت
بجميع الناس إلى بابها فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى إذا كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه
فأخذ ال يستقبل من أحراسهم أحدا إال قتله وكبر ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم مثله قط فيما مضى فلم يرعهم إال والمسلمون
معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا فألقى هللا في قلوبهم الرعب وأقبلوا ال يدرون أين يتوجهون غير أن عصابة منهم ليسوا
بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر فقاتلوا ساعة فدقت يد جهم وصبر لهم هو وأصحابه فلم يلبثوهم أن قتلوهم إال قليال وسمع
يزيد بن المهلب التكبير فوثب في الناس إلى الباب فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب فلم يجد عليه من يمنعه وال من
يدفع عنه كبير دفع ففتح الباب ودخلها من ساعته فأخرج من كان فيها من المقاتلة فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين
الطريق ويساره فصلبهم أربعة فراسخ وسبى أهلها وأصاب ما كان فيها )
وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك " :أما بعد فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ،وصنع للمسلمين أحسن ( 3
الصنع ،فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ،أظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ،وقد أعيا ذلك سابور ذا
األكتاف وكسرى بن قباذ وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء هللا ،حتى
فتح هللا ذلك ألمير المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه .وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد
.إنتهى ) .أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا
:ثانيا :فى ( الكامل ) البن األثير
ذكر فتح جرجان الفتح الثاني :قد ذكرنا فتح جرجان وقهستان وغدر أهل جرجان ،فلما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان سار إلى (
جرجان ،وعاهد هللا تعالى لئن ظفر بهم ال يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين .فأتاها وحصر أهلها
بحصن ..فحصرهم يزيد فيها سبعة أشهر وهم يخرجون إليه في األيام فيقاتلونه ويرجعون.بينا هم على ذلك إذ خرج رجل من
عجم خراسان يتصيد ،وقيل :رجل من طيء ،فأبصر ( وعًال ) في الجبل ،ولم يشعر حتى هجم على عسكرهم ..فأتى يزيد
فأخبره ،فضمن له يزيد دية إن دلهم على الحصن ،فانتخب معه ثالثمائة رجل واستعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد وقال له :إن
غلبت على الحياة فال تغلبن على الموت ،وإياك أن أراك عندي مهزومًا .وضم إليه جهم بن زحر ،وقال للرجل :متى تصلون؟
قال :غدًا العصر .قال يزيد سأجهد على مناهضتهم عند الظهر ...فساروا فلما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب كان
عندهم ،فصار مثل الجبال من النيران ،فنظر العدو إلى النيران فهالهم ذلك فخرجوا إليهم ،وتقدم يزيد إليهم فاقتتلوا ،وهجم
أصحاب يزيد الذين ساروا على عسكر الترك قبل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه ،ويزيد يقاتلهم من هذا الوجه ،فما شعروا إال
بالتكبير من ورائهم ،فانقطعوا جميعًا إلى حصنهم ،وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكم يزيد ،فسبى ذراريهم
وقتل مقاتلهم وصلبهم فرسخين إلى يمين الطريق ويساره وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى وادي جرجان وقال :من طلبهم بثأر
فليقتل .فكان الرجل من المسلمين يقتل األربعة والخمسة ،وأجرى الماء على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم ليبر يمينه،
فطحن وخبز وأكل ،وقيل :قتل منهم أربعين ألفًا .... .وقيل :بل قال يزيد ألصحابه لما ساروا :إذا وصلتم إلى المدينة انتظروا
فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه .فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى كانت الساعة
التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر ،ففزع أهل الحصن ،وكان أصحاب يزيد ال يلقون أحدًا إال قتلوه ،ودهش الترك فبقوا ال
يدرون أين يتوجهون ،وسمع يزيد التكبير فسار في الناس إلى الباب فلم يجد عنده أحدأ يمنعه وهم مشغولون بالمسلمين ،فدخل
الحصن من ساعته وأخرج من فيه وصلبهم فرسخين من يمين الطريق ويساره ،فصلبهم أربعة فراسخ ،وسبى أهلها وغنم ما
) ..فيها ،وكتب إلى سليمان بالفتح يعظمه ويخبره أنه قد حصل عنده الخمس ستمائة ألف ألف
:ثالثا :تاريخ ( المنتظم ) البن الجوزى ) حوادث عام 98هجرية
وفيها :غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان فى مائة الف مقاتل سوى الموالى والمتطوعين .وجاء فنزل بدهستان(
فحاصرها ومنع عنهم المواد فبعث إليه ملكهم :إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي وأدفع إليك
المدينة وما فيها وأهلها.فصالحه ووفى له ودخل المدينة ،وأخذ ما كان فيها من األموال والكنوز ومن السبي ما ال يحصى ،
وقتل أربع عشر ألف تركي صبًر ا ،وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك .ثم خرج حتى أتى جرجان و قد كانو يصالحون أهل
الكوفة على مائة ألف ومائتي ألف وثالثمائة ألف وقد كانوا صالحوا سعيد بن العاص ثم امتنعوا وكفروا ،فلم يأت بعد سعيد إليهم
أحد ،ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إال على وجل وخوف منهم .فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح فاستخلف رجال .......ثم
إنهم غدروا بجنده فقتلوا منهم ،ونقضوا العهد ،فأعطى هللا عهًد ا لئن ظفر بهم ال يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم
ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ،فنزل عليها سبعة أشهر ال يقدر منهم على شيء وال يعرف لها مأتى إال من وجه واحد ،فكانوا
يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم ،فدله رجل على طريق آخر يشرف عليهم ،فبعث معه جنًد ا ،ونهض هو لقتالهم ،
فركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ،ونزلوا على حكمه ،فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق
ويساره .وقاد منهم اثني عشر ألًف ا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز
وأكل .....وكتب يزيد إلى سليمان :بسم هللا الرحمن الرحيم.أما بعد فإن هللا تعالى ذكره قد فتح ألمير المؤمنين فتًح ا عظيًم اوصنع
للمسلمين أحسن الصنع فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه واظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان وقد أعيا ذلك
سابور ذا األكتاف وكسرى بن قباد وكسرى بنهزمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وذا النورين ومن بعدهما حتى فتح هللا
سبحانه ذلك ألمير المؤمنين كرامة هللا عز وجل له وزيادة في نعمه عليه وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا عز وجل على
) المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة سبعة آالف ألف وأنا حامل هذا ألمير المؤمنين إن شاء هللا.
رابعا :التعليق
ـ هذه روايات تختلف فى بعض التفاصيل ،ولكن األساس فيها واحد ،وهو عن إعادة ( فتح ) جرجان فى خالفة سليمان بن 1
عبد الملك ،وهى اآلن جورجيا وما حولها .سكان هذه البالد لم يعتدوا على المسلمين ـ بل إن الخلفاء الفاسقين هم الذين
.واصلوا الغزو و االستيالء على تلك البالد والهجوم عليهم فى عقر دارهم باالثم والعدوان
ـ القائد هنا هو يزيد بن المهلب بن أبى صفرة ،وهو الذى حاصر دولة دهستان ومنع عنها الطعام فاضطر الملك الى 2
االستسالم والنجاة بنفسه فدخل يزيد بن المهلب المدينة واستولى على ما فيها من أموال وكنوز واسترق ما ال يحصى من
أهلها ،وقتل منهم 14الف انسان ( صبرا ) أى يلقيه فى سجن محكم بال طعام وال شراب الى ان يموت بعد ما نتخيله من ألم
يعجز الصبر عن تحمله ،وهى من الطرق الوحشية فى القتل ،حيث أن أرحم طرق القتل هو أسرعها وليس أبطأها..وكتب
..القائد ( المظفر ) الى الخليفة يفتخر بما فعل
ـ وهاجم يزيد جرجان أو ما يعرف االن بجورجيا ،وقد كانت خاضعة لألمويين من قبل ولكنهم ثاروا على االحتالل طالبين 3
الحرية ،أو بتعبير الراوى ( إمتنعوا وكفروا ) فذهب يزيد الخضاعهم بجيشه فاستقبلوه بالصلح ،فلما ولى عنهم بمعظم جيشه
عادوا للثورة أو بتعبير الراوى ( غدروا بجنده فقتلوا منهم ونقضوا العهد ) فاقسم يزيد بن بن المهلب بعهد هللا تعالى (عهًدا لئن
ظفر بهم ال يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ) فحاصرهم سبعة اشهر الى أن اقتحم المدينة
وفعل باهلها شنائع بربرية ،أو بتعبير الراوى (فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره
وقاد منهم اثني عشر ألًف ا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز وأكل) أى
!! ..شرب دماءهم
ـ كل هذه الوحشية يغلفها الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين ،والذى يتمسح زورا وبهتانا برب العالمين .ونستشهد بما جاء 4
:فى الروايات
:إستعمال إسم هللا جل وعال فى إرتكاب هذه الشنائع 4 / 1 :
وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح اآلخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ..ثم إن يزيد لما صالح أهل ( 4 / 1 / 1 :
طبرستان قصد لجرجان فأعطى هللا عهدا لئن ظفر بهم أال يقلع عنهم واليرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك
أى يعاهد . ) .وعاهد هللا تعالى لئن ظفر بهم ال يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين ( ) الطحين ويأكل منه
.هللا على أن يفعل بهم هذا .هو يعاهد الشيطان .وليس رب العزة أرحم الراحمين والذى من ضمن أسمائه الحسنى ( السالم )
)قال " :امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر ( 4 / 1 / 2 :
.هنا إستخدام حقير السم رب العزة جل وعال ) فألقى هللا في قلوبهم الرعب ( 4 / 1 / 3 :
على أن خطاب يزيد بن المهلب الى سليمان بن عبد الملك فى رواية الطبرى يستحق وقفة ( :وكتب يزيد إلى 4 / 1 / 4 :
سليمان بن عبد الملك " :أما بعد فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ،وصنع للمسلمين أحسن الصنع ،فلربنا الحمد
على نعمه وإحسانه ،أظهر في خالفة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ،وقد أعيا ذلك سابور ذا األكتاف وكسرى بن قباذ
وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء هللا ،حتى فتح هللا ذلك ألمير
المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه .وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي
:حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا . ) .نالحظ هنا أنه
ينسب الفتح لرب العزة جل وعال ( :فإن هللا قد فتح ألمير المؤمنين فتحا عظيما ،وصنع للمسلمين أحسن 4 / 1 / 4 / 1 :
الصنع ،فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ) ( حتى فتح هللا ذلك ألمير المؤمنين كرامة من هللا له وزيادة في نعمه عليه )
يجعل الخلفاء الفاسقين ( خلفاء هللا ) ( :وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من 4 / 1 / 4 / 2 :
.خلفاء هللا ) ،
يجعل المال الُّس حت الحرام من رب العزة جل وعال ( :وقد صار عندي من خمس ما أفاء هللا على المسلمين بعد 4 / 1 / 4 / 3 :
أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آالف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء هللا )
:الصالة الشيطانية :كانت فى تفصيالت البغى اآلثم 4 / 2 :
وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه " :متى تصل إليهم ؟ " قال " :عند العصر فيما بين الصالتين " ( 4 / 2 / 1 :
. " .قال " :امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر
) ..وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين 4 / 2 / 2 : ( ...
:التكبير 4 / 3 :
قال لهم ( :فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه .فلما دخل ابن زحر المدينة 4 / 3 / 1 :
أمهل حتى كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر ،ففزع أهل الحصن) ..
وكان أصحاب يزيد ال يلقون أحدًا إال قتلوه ،ودهش الترك ،فبقوا ال يدرون أين يتوجهون ،وسمع يزيد التكبير ( 4 / 3 / 2 :
).فسار في الناس
:أخيرا
قال جل وعال ِ ( :إَّن اَّلِذيَن اْر َت ُّدوا َع َلٰى َأْد َب اِر ِهم ِّم ن َبْع ِد َم ا َت َبَّي َن َلُهُم اْلُهَدى ۙالَّش ْي َط اُن َس َّو َل َلُهْم َو َأْم َلٰى َلُهْم ﴿ ﴾٢٥محمد )
.ـ الشيطان أنساهم أن الجهاد فى االسالم لرد االعتداء و الدفاع فقط وليس للهجوم على من ال يعتدى عليك 1
ـ الشيطان أنساهم أن هللا تعالى ال يحب المعتدين .قال جل وعال َ( :و َقاِتُلوْا ِفي َس ِبيِل ِهّللا اَّلِذيَن ُيَقاِتُلوَنُك ْم َو َال َت ْع َت ُد وْا ِإَّن َهّللا َال 2
ُيِحِّب اْلُمْع َت ِديَن ) ( البقرة ) 190
ـ الشيطان زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا .قال جل وعال َ( :أَفَم ن ُز ِّي َن َلُه ُس وُء َع َم ِلِه َفَر آُه َح َس ًن ا َفِإَّن َهَّللا ُيِض ُّل َم ن َي َش اء 3
ُ ) َو َيْه ِدي َم ن َي َش اء َفاَل َت ْذ َه ْب َن ْف ُس َك َع َلْي ِهْم َح َسَر اٍت ِإَّن َهَّللا َع ِليٌم ِبَم ا َيْص َن ُع وَن ) فاطر 8
.ـ الشيطان أضلهم أكثر فأقنعهم أن ينسبوا جرائمهم لرب العزة هللا جل وعال 4
:ـ تخيل 5
.هذا يحدث لبلدك فاذا قمت بثورة على الطغيان ــ وهو ما يجب عليك ــ اعتبر االخرون ذلك كفرا و غدرا 5 / 1 :
أن يعتبر االخرون اغتصاب نسائك واسترقاق أهلك وقتلهم وشرب دمائهم جهادا ،وهم يعتبرون دفاعك عن شرفك 5 / 2 :
.وكرامتك كفرا و غدرا
ـ الى هذا الحد ينقلب الحق باطال و الباطل حقا .والى هذا الحد ننسب جرائمنا هلل تعالى ـ ونظلم رب الناس بعد أن ظلمنا الناس 6
.وقتلنا الناس وشربنا دماء الناس
ـ واذا كتبنا هنا النصاف االسالم من المسلمين فان بعضهم يحتج ألنه ال يطيق أن ينتقد أحد السلف الصالح ( المجاهد ) مع 7
.أننا نستشهد بواقع تاريخنا المكتوب الذى يعد إقرارا صريحا
.ـ ومن عادتنا السيئة أننا نكيل بمكيالين .نهاجم االستعمار واالمبريالية ونقدس ونؤله الخلفاء الفاسقين المحتلين 8
ـ بل و نفعل ذلك مع هللا سبحانه وتعالى .ندافع عن الذين ظلموا رب العزة و نسبوا له جرائمهم .واذا كتب باحث يحاول 9
! .إنصاف رب العزة واالسالم مما فعله المسلمون أصبح متهما بالخروج عن االسالم.. .الى هذا الحد شّو هوا االسالم
.ـ بسيطة ..يوم الدين آت ..وال مفر منه وال مهرب 10
الفصل الثانى عشر :الصالة الشيطانية بين الحجاج بن يوسف وشبيب الخارجى
عن الحجاج ) (1
:مقدمة
ـ الحجاج بن يوسف الثقفى ( ) 95 : 40أشهر والى أموى ،فى بدايته كان معلما للقرآن ،ثم عمل شرطيا لدى عبد الملك 1
بن مروان ،ولفت االنتباه بهمته وحزمه فأصبح رئيس الشرطة ،ثم كان الذى قضى على ابن الزبير ،وصار واليا على العراق
وما يتبعه ،فأنقذ الدولة األموية فى هذا الجزء الذى تأتى منه الفتن .أما شبيب الخارجى فهو ( :شبيب بن َي زيد بن نعيم بن
قيس الشيباني ( ) 77 : 26أشهر قادة الخوارج وأشجعهم .وقد تحارب الحجاج وشبيب ،وتشاركا فى أداء الصالة ،وكان
للمسجد منزلة فى هذا الصراع الحربى 2 .ـ وتشارك األمويون والخوارج الحرص على الصالة حتى فى اإلقتتال بينهما .وفى
عام 43وفى الصراع بين معاوية والخوارج كان قتل (المستورد بن علفة ) الخارحى ،ونقتطف بعض ما جاء فى هذا تحت
عنوان ( :ذكر مقتل المستورد الخارجي.. (:فجعلت الخوارج كلما حملت عليهم انحازوا عنهم ،فإذا عاد الخوراج رجع أبو
الرواغ في آثارهم ،فلم يزالوا كذلك إلى وقت الظهر ،فنزل الطائفتان يصلون ثم أقاموا إلى العصر .. ،فتقدم حتى وقف مقابل
الخوارج ولحقهم معقل ،فلما دنا منهم غربت الشمس فصلى بأصحابه وصلى أبو الرواغ بأصحابه وصلى الخوارج أيضًا. ) ..
.فيما نكتب ال تعنينا التفصيالت ،بل ما جاء بين سطورها إشارة الى الصالة أو المسجد
:ـ وننتاول طائفة من أخبار الحجاج تجمع بين صالته وإسرافه فى الدماء 3
أوال :الحجاج بين االسراف فى القتل والصالة
ـ عن تولية الحجاج واليا ( للصالة ) على العراق عام ، 75تقول الرواية عن دخوله الكوفة ( :فبدأ الحجاج بالمسجد 1 ،
فصعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء فقال :علي بالناس ) أى بدأ بالمسجد ليلقى منه بيانه األول للناس ،فالمسجد لم يعد
بيت هللا جل وعال يعمره من يخشى هللا جل وعال ،بل هو بيت الشيطان ومسجد ضرار .وإجتمع الناس فظل ساكتا ملثم الوجه ،
فإستخف به بعضهم وكانوا قد تعودوا االستهزاء بالوالة .تقول الرواية عن الحجاج .. ( :وهو ساكت قد أطال السكوت ،فتناول
محمد بن عمير حصباء وأراد أن يحصبه بها وقال " :قاتله هللا ما أغباه وأذمة! ) "...وخطب الحجاج خطبة خطيرة على مثال
خطبة زياد ابن أبيه من قبل ،فإرتعب ذلك الرجل إبن عمير ،تقول الرواية ( :فلما تكلم الحجاج جعلت الحصباء تنتثر من يده
وهو ال يعقل به) ،
:ـ وعن خطبة الحجاج تقول الرواية ( :قال :ثم كشف الحجاج عن وجهه وقال 2
أنا ابن جال وطالع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني
إّن ى ألرى رؤوسًا قد أينعت وقد حان قطافها ،إني ألنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها تشميرًا ..إني ..
وهللا يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين ،وال يقعقع لي بالشنان ،ولقد فررت عن ذكاء ،وجريت إلى الغاية القصوى .ثم
قرأ( :وضرب هللا مثًال قرية كانت آمنة مطمئنًة بأتيها رزقها رغدًا من كل مكاٍن فكفرت بأنعم هللا فأذاقها هللا لباس الجوع
والخوف بما كانوا يصنعون) النحل .)) 112) :وواصل التهديد ،ومنه قوله لهم ( :وهللا لتستقيمن على الحق أو ألضربنكم
بالسيف ضربًا يدع النساء أيامى ،والولدان يتامى ) ،وعن تثاقلهم عن االنضمام لعسكر المهلب بن أبى صفرة المتجه لحرب
الخوارج هددهم قائال ( :وقد بلغني رفضكم المهلب ..وإني أقسم باهلل ال أجد أحدًا من عسكره بعد ثالثة إال ضربت عنقه
.وأنهبت داره! ) .بعدها أمر ( العرفاء ) بجمع الناس لحرب المهلب وإخباره عّم ن يتخلف
ـ حاولوا تهديده بالتكبير ( هللا أكبر ) فخطبهم مهددا .تقول الرواية ( :فلما كان اليوم الثالث سمع تكبيرًا في السوق ،فخرج 3
حتى جلس على المنبر فقال " :يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ األخالق! إني سمعت تكبيرًا ليس بالتكبير الذي
يراد به وجه هللا ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب ،وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قصف ،يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء
األيامى أال يربع رجل منكم على ظلعة ،ويحسن حقن دمه ،ويعرف موضع قدمه! فأقسم باهلل ألوشك أن أوقع بكم وقعة تكون
نكاًال لما قبلها وأدبًا لما بعدها . ).هنا يصف تكبيرهم أنه ليس لوجه هللا ،كما لو كان التكبير الذى يستعمله األمويون لوجه هللا
.جل وعال .هو إستخدام سياسى للتكبير ،وكل فريق يزعم إحتكار رب العزة ( جل وعال ) لنفسه .تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا
ـ وأمر بقتل شيخ طاعن فى الّس ن هو( عمير بن ضابىء التيمى ) ونهب داره ،عقابا على انه كان ممن إشترك فى قتل عثمان4 .
وأمر مناديا ينادى " ( :أال إن عمير بن ضابئ أتى بعد ثالثة وكان سمع النداء فأمرنا بقتله ،أال إن ذمة هللا بريئة ممن لم يأت
الليلة من جند المهلب ) ".هنا يجعل الذمة ( ذمة هللا ) هو أيضا إحتكار لرب العزة ،كما لو أن رب العزة جل وعال أعطاه
.تفويضا بالقتل .تعالى هللا جل وعال عن ذلك علوا كبيرا
ـ بعدها ذهب الى البصرة ،تقول الرواية ( خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن 5
شعبة ،فلما قدم البصرة خطبهم بمثل خطبته بالكوفة وتوعد من رآه منهم بعد ثالثة ولم يلحق بالمهلب ،فأتاه شريك بن عمرو
اليشكري ،وكان به فتق ،وكان أعور يضع على عينه قطعًة ..فقال :أصلح هللا األمير ،إن بي فتقًا وقد رآه بشر بن مروان
فعذرني ،وهذا عطائي مردود في بيت المال ،فأمر به فضربت عنقه ،فلم يبق بالبصرة أحد من عسكر المهلب إال لحق به ) .أى
كان لديه ُع ذر للتخلف عن القتال ،وعرض أال يأخذ عطاءه أو مرتبه مقابل اإلعفاء من القتال ،ولكن قتله الحجاج .وبهذا
.االرهاب تكامل جيش المهلب
ـ كان الحجاج أول من عاقب بقتل من يتخلف عن االشتراك فى ( الجهاد األموى ) فى الغزو الخارجى او الحروب ضد 6
الخوارج .إذ كان العرب يتقاضون عطاءا مقابل تجنيدهم فى الحرب ،وبعضهم كان يتخلف فيلحقه العقاب .كان العقاب فى عهد
عمر وعثمان وعلى التشهير ،ثم أضاف مصعب بن الزبير عقوبة حلق الرءوس واللحى ،ثم أضاف بشر بن مروان بن الحكم
والى الصالة فى العراق عقوبة التسمير .وجاء الحجاج فجعل عقوبة القتل .قال الشعبى أشهر رواة العصر األموى ( :كان
الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلي نزعت عمامته وُيقام للناس وُي شهر أمره ،فلما ولي مصعب قال:
ما هذا بشيء ،وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى ،فلما ولي بشر بن مروان زاد فيه فصار يرفع الرجل عن األرض ويسمر في
يديه مسماران في حائط ،فربما مات وربما خرق المسمار كفه فسلم.. ،فلما كان الحجاج قال :هذا لعب ،أضرب عنق من يخل
.مكانه من الثغر).
ـ بدأ الحجاج مدينة واسط بين الكوفة والبصرة ،فى عام توليه العراق ( عام ،) 75وجعلها عاصمة له .وحرص فى7
تخطيطها على أن يتوسطها المسجد ،تقول الرواية ( ..فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين فبنى القصر والمسجد
والسورين وحفر الخندق في ثالث سنين وفرغ في هذه السنة ) اى عام . 78وتقول الرواية ( :ثم نقل إليها من وجوه أهل
الكوفة وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ،ونقل من وجوه أهل البصرة وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ،وأمر من
كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة . ) .إبتدع معاوية بناء ( المقصورة ) فى المسجد بعد أن تعرض
لمحاولة إغتيال من الخوارج ،وصار عادة أن يبنى والى الصالة مقصورة فى مسجده للحماية إذ صار المسجد موقعا حربيا .
وهذا ما فعله الحجاج فى مسجد واسط .بنى المقصورة ثم حّد د مكانا لصالة أتباعه من الكوفة وآخر لصالة للبصريين وثالثا
.لصالة أتباعه من الشام .ولم ينس أن يبنى فى واسط سجنا يقتل فيه الناس األبرياء صبرا
ـ إشتهر الحجاج بالفصاحة ،وكان يحلو له أن يطيل فى خطبة الجمعة والتى جعلها األمويون دعاية سياسية ،وأثار تطويله 8
فى خطبة الجمعة إعتراض عبد هللا بن عمر من قبل فإحتج ودفع ابن عمر ثمن إحتجاجه بأن قتله الحجاج غيلة .ومارس
الحجاج تطويل خطبة الجمعة فإعترض عليه الحسن البصرى أشهر الٌّز هاد فى البصرة ،تقول الرواية عن الحسن ( البصرى ) :
( أقام الحسن حتى صلى الجمعة خلف الحجاج فرقي الحجاج المنبر فأطال الخطبة حتى دخل في وقت العصر فقال الحسن :أما
من رجل يقول :الصالة جامعة فقال رجل من تالمذة الحسن :يا أبا سعيد أتأمرنا أن نتكلم واإلمام يخطب فقال :إنما أمرنا أن
ننصت لهم إذا أخذوا في أمر ديننا فإذا أخذوا في أمر دنياهم أخذنا في أمر ديننا قوموا الصالة جامعة ثم التفت إلى جلسائه فقال:
بعث إليكم أخيفش أعيمش ملعون معذب قوموا الصالة جامعة فقام الحسن وقام الناس لقيام الحسن فقطع الحجاج الخطبة ونزل
.فصلى بهم وطلب الحجاج الحسن فلم يقدر عليه) .
ـ وألن الحجاج كان يعّلم الصبية القرآن فقد إشتهر أيضا بُح سن قراءته للقرآن .. ( .وقال ابن عوف :كنت إذا سمعت الحجاج 9
يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن. ) .ولم يغير هذا شيئا فى إسرافه فى الدماء .قال أحدهم ( :سمعت الحجاج يقول .. :وهللا
.لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم؟ ) ،أى إستحل القتل ألى مخالفة ألمره
ـ بعد إنتصاره على الخارجين عليه فى معركة دير الجماجم أسرف الحجاج فى قتل األسرى .فإشترط عليهم أن يبايعوه وال 10
بد لمن يبايعه أن يشهد على نفسه بالكفر .أى إنه كفر حين (خرج ) على دين األمويين .تقول الرواية .. ( :وأخذ الحجاج يبايع
الناس ،وكان ال يبايع أحدًا إال قال له :اشهد أنك كفرت ،فإن قال :نعم ،بايعه ،وإال قتله ،فأتاه رجل من خثعم كان معتزًال للناس
جميعًا فسأله عن حاله فأخبره باعتزاله ،فقال له :أنت متربص ،أتشهد أنك كافر؟ قال :بئس الرجل! أنا أعبد هللا ثمانين سنة ثم
أشهد على نفسي بالكفر! قال :إذًا أقتلك .قال :وإن قتلتني فوهللا ما بقي من عمري إال ظمء حمار .فقتله ..وأتي بآخر من بعده،
فقال له الحجاج :أرى رجًال ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر .فقال له الرجال :أتخادعني عن نفسي؟ أنا أكفر أهل األرض وأكفر
من فرعون .فضحك منه وخلي سبيله).
ـ وكان يسجن الناس بمجرد الُّش بهة .تقول الرواية فى تاريخ المنتظم البن الجوزى (ُو جد في سجن الحجاج ثالثة وثالثون 11
ألفا ما يجب على أحد منهم قطع وال قتل وال صلب ) .أى أبرياء ال يستحقون العقاب .وكان سجنهم يعنى تركهم حتى الموت ،
أو بتعبير عصرهم ( الموت صبرا ) ،تقول الرواية ُ ( :أحصي من قتله الحجاج صبرًا فكانوا مائة ألف وعشرين ألفًا ) .وقيل فى
وصف سجن الحجاج فى عاصمته ( مدينة واسط ) ( :كان سجن الحجاج بواسط إنما هو حائط محوط ليس فيه مآل وال ظل وال
بيت ،فإذا آوى المسجونون إلى الجدران يستظلون بها رمتهم الحرس بالحجارة .وكان يطعمهم خبز الشعير مخلوًط ا به الملح
والرماد ،فكان ال يلبث الرجل فيه إال يسيًر ا حتى يسود فيصير كأنه زنجي .فحبس فيه مرة غالم فجاءته أمه تتعرف خبره ،
فصيح به لها ،فلما رأته أنكرته ،قالت " :ليس هذا ابني كان ابني أشقر أحمر وهذا زنجي " !.فقال لها " :أنا وهللا يا أماه
ابنك ،أنا فالن وأختي فالنة وأبي فالن " .فلما عرفته شهقت فماتت).
ـ وبهذا نشر الحجاج االرهاب فى العراق .ونأخذ مثال على ذلك مما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة فقيه 12
الكوفة في عهد الحجاج وهو " إبراهيم ألنخعي " الذي عاش حياته في رعب من الحجاج حتى مات دون الخسمين بعد وفاة
الحجاج ببضعة اشهر سنة 96هجرية ،لقد أرسل الحجاج شرطيا للقبض على إبراهيم النخعى ،وكان عنده في البيت رفيقه
إبراهيم التيمي فجاء الشرطي للبيت يقول " :أريد إبراهيم " ،فأسرع إبراهيم التيمي يقول " :أنا إبراهيم " .وسار مع الشرطي
للحجاج وهو يعلم أن المطلوب هو إبراهيم النخعى ،ولكن لم يرد أن يدل عليه ،وجيء به للحجاج فأمر بحبسه بدون تهمة ،
يقول ابن سعد " ولم يكن لهم ظل من الشمس وال كن من البرد ،وكان كل اثنين في السلسلة فتغير إبراهيم فجاءته أمه في
" .الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ،فمات في السجن
وأثرت تلك الحادثة على سلوك الفقيه الشاب إبراهيم ألنخعي فسيطر عليه الرعب من الحجاج ما بقي الحجاج حيا .وظل حينا
من الدهر مستخفيا في بيت صديقه أبي معشر تطارده وساوسه ومخاوفه من إرهاب الحجاج .وكان في لقاءاته السرية مع
أصحابه يستحل لعن الحجاج مستدال بقوله تعالي " أال لعنة هللا علي الظالمين " ويتشجع أحيانا فيسب الحجاج .وإذا كان يجلس
مع غرباء فإنه يأخذ جانب الحذر والتوجس مخافة أن يكون بينهم أعوان للحجاج ،وهو يتذكر وصية قالها له أحد أصدقائه :
( تذهب إلي المسجد األعظم فيجلس إليكم العريف والشرطي ؟ ) ،ويكون إبراهيم ألنخعي أكثر حصافة فيقول لهم ( :نجلس في
المسجد فيجلس إلينا العريف والشرطي أحب من أن نعتزل فيرمينا الناس برأي بهوي .)..أي كان يخاف من االنزواء ،ويخاف
أيضا من إظهار آرائه ،لذلك كان يظهر امام الناس انتقاده للمرجئة ويقول لبعض الشيعة علي مسمع الجالسين ( :أما إن عليا
لو سمع كالمك ألوجع ظهرك ،وإذا كنتم تجالسوننا بهذا فال تجالسوننا .).ولم يتخلص إبراهيم النخعي من شبح الحجاج إال
عندما بشره صديقه حماد بموت الحجاج يقول حماد ( :بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد ،وما كنت أري أن أحدا يبكي من
الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكى من الفرح .).ومات إبراهيم النخعي بعد موت الحجاج ببضعة أشهر ،وقد اضطر أصحابه إلي
.دفنه ليال وهم خائفون .ألن االرهاب األموى كان سياسة دولة يقوم به ( والى الصالة )
ـ وعدا هؤالء قتل الحجاج آالفا مؤلفة بمجرد الّظ ن .تقول الرواية ( :وقال الحجاج ليزيد بن أبي مسلم :كم قد قتلنا في 13
الظنة قال :ثمانين ألًفا) .
ـ ويقول ابن الجوزى فى المنتظم ( ،وهو عراقى ) ( :وبقي الحجاج في إمرته على العراق تمام عشرين سنة وكان مقدًم ا 14
على القتل والظلم ) .. ( .ولما حضرته الوفاة استخلف على الصالة ابنه عبد هللا بن الحجاج ،واستخلف على حرب الكوفة
والبصرة يزيد بن أبي كبشة ،وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم ،فأقرهما الوليد بعد موته ولم يغير أحدًا من عمال الحجاج).
ـ هذا عن الحجاج ،فماذا عن غريمه ( شبيب ) ؟ وماذا عن حروبهما ؟ 15
بين الحجاج وشبيب الخارجى :لمحة عن ( شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانى ) وزوجته غزالة ) (2
ـ قيل إن أباه ( يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان 1
بن عفان إياه بذلك مدًد ا ألهل الشام إلى أرض الروم ،فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع ،فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء ال
شهالء وال زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين فابتاعها ،وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة .فلما أدخلها الكوفة قال" :
أسلمي " فأبت ،فضربها ،فلم تزدد إال عصياًن ا ،فأمر بها فأصلحت له ثم أدخلت عليه فلما تغشاها حملت ،فولدت له شبيًب ا في
ذي الحجة يوم النحر ،وكان يوم السبت ،وأسلمت قبل أن تلده ) .أى إشترك يزيد بن نعيم فى حملة فى غزو الروم فى خالفة
عثمان ،ورجعوا بالسبى من النساء ،وعرضوا نساء السبى للبيع فى المزاد على العادة .فرأى يزيد فتاة أعجبته فإشتراها ،
.وحملت بشبيب
وعاش شبيب مع قومه ربيعة الناقمين على قريش ،وسرعان ما أصبح أشهر قواد الخوارج فى العصر األموى .تزّع م شبيب
.فرقة الحرورية من الخوارج ،وهزم عشرين جيشا للحجاج وخمسة من قواده فى مدة سنتين فقط
ـ زوجته غزالة مولودة فى الموصل .وشاركت زوجها شبيب فى حروبه ضد األمويين .كانت غزالة قد نذرت هلل جل وعال أن 2
تصلى فى مسجد الكوفة ،فصاحبت زوجها حين دخل الكوفة غازيا للمرة الثانية ،وكان مع غزالة مائتان من نساء الخوارج
مسلحات ،ووصلوا الى المسجد الجامع فقتلوا الحراس ومن يصلى فى المسجد ،وخطبت غزالة على المنبر ،هذا بينما هرب
.منها الحجاج متحصنا فى قصره
ـ سجل هذا الشعراء ،ومنهم عمران بن حطان ( ت ) 84وهو من الخوارج الشراة ،من شيبان بن بكر بن وائل .كان الحجاج 3
ربداء تجفل من صفير الصافر يطارد هذا الشاعر الخارجى ،فقال الشاعر يعّي ره :أسد علّى وفى الحروب نعامة
بل كان قلبك فى جناحى طائر هال برزت الى غزالة فى الوغى
تركت منابذه كأمس الدابر صدعت غزالة قلبه بفوارس
.وصار قوله ( أسد علّى وفى الحروب نعامة ) مثال
ونعطى بعض التفصيل ،وفيها ال نهتم بتحركات القتال فى المعارك بين الحجاج وشبيب .نختار فقط السطور التى جاءت فيها
.إشارة للصالة والمسجد وما يتصل بجعل الصراع بينهما دينيا ؛ دين األمويين ودين الخوارج
:أوال :الصالة والمسجد فى صراع الحجاج وشبيب
ـ ( دخل شبيب الكوفة ..... :وذلك أنه لما قتل صالح كان قتله يوم الثالثاء لثالث عشرة ليلة بقين من جمادى اآلخرة ،فقال 1
شبيب ألصحابه :بايعوني أو بايعوا من شئتم فبايعوه ،فخرج فقتل من قدر عليه .وبعث الحجاج جنًد ا في طلبه فهزمهم فبعث
إليهم سورة بن األبجر فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ،ثم خرج فأتى النهروان ،فتوضأ هو وأصحابه
وصلوا ،وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا إلخوانهم وتبرأوا من علي وأصحابه ،وبكوا فأطالوا
البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ثم التقوا فهزموا سورة . ) ..شبيب قتل ( من قدر عليه )
وقتل من ( ظهر له ) ثم ذهب يُحُّج وأصحابه الى النهروان حيث كانت معركة النهروان التى قتل فيها (على ) معظم الخارجين
. .عليه ،فتوضأ هو واصحابه وصُّلوا ،وبكوا علي أسالفهم قتلى النهروان واستغفروا لهم
ثم جاء شبيب حتى دخل الكوفة ومعه زوجته غزالة ،وكانت نذرت أن تصلي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة2 : ( ...
وآل عمران ،واتخذ في عسكره اخصاصًا ،فجمع الحجاج ليًال بعد أن لقي من شبيب الناس ما لقوا فاستشارهم في أمر شبيب،
أن غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران فدخل بها شبيب ، ) (..فأطرقوا
أى هو تمام التحدى للحالج ،أن تصلى فى جامع الحجاج واألمويين فى الكوفة ( وهو رمز دينى لحكمه . ).الكوفة فوفت بنذرها
! ،) .وأن تقرأ فيهما سورتى البقرة وآل عمران .أى كانت تحفظ أطول سورتين فى القرآن
ذكر قدوم شبيب الكوفة وانهزامه عنها ..:وجاء شبيب فعسكر بناحية الكوفة وأقام ثالثًا ،فلم يكن في اليوم األول غير 3 : ( ..
قتل الحارث ،فلما كان اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك ،وجاء شبيب فنزل السبخة وابتنى بها مسجدًا
وفى رواية أخرى .. ( :ثم أقبل إلى الكوفة وبعث الحجاج إليه جيًش ا فهزمهم وجاء شبيب حتى ابتنى مسجًدا في أقصى .. ).
.السبخة ) فى خضم معاركه شبيب يبنى مسجدأ
وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه ،فوثبوا في وجهه ،وما زالوا يطاعنونه ويضاربونه قدما ويدفعونه وأصحابه حتى 4 : ( ..
أجازوهم مكانهم ،وأمر شبيب أصحابه بالنزول ،فنزل نصفهم ،وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب ثم قال " :يا أهل
الشام هذا أول الفتح " ،وصعد المسجد ومعه جماعة معهم النبل ليرموهم إن دنوا منه ،فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال رآه
الحجاج إستولى على ( مسجد شبيب ) وإعتبر هذا أول الفتح ألن المسجد مركزا حربيا ،وإعتلى المسجد ومعه فريق )...الناس
. .من الُّر ماة ليرموا جيش شبيب إن إقتربوا من المسجد الذى إبتناه شبيب .المسجد هنا مركز حربى
فخرج الناس يلعنون عنبسة بن سعيد ألنه هو الذي كلم الحجاج فيه حتى جعله من صحابته ،وصلى الحجاج من الغد 5 : ( ..
الحجاج يصلى الصبح ويجتمع اليه الناس فى المسجد !.الصالة الشيطانية يؤدونها ــ كالعادة ـ فى ...) .الصبح واجتمع الناس
.معاركهم .ألنها أحد طقوس دينهم الشيطانى
ـ عندما إقترب شبيب من جيش الحجاج فى األنبار لم ينس أن يصلى المغرب .تقول الرواية ( :فخرج في أثره حتى نزل 6
األنبار ،وكان الحجاج قد نادى عند انهزامهم :من جاءنا منكم فهو آمن .فتفرق عن شبيب ناس كثير من أصحابه .فلما نزل
.حبيب األنبار أتاهم شبيب ،فلما دنا منهم نزل فصلى المغرب )..
ـ وفى رواية أخرى عن شبيب ( :فلما بلغ عتاب سوق حكمة أتاه شبيب ،وكان أصحابه بالمدائن ألف رجل ،فحثهم على 7
القتال ،وسار بهم ،فتخلف عنه بعضهم ،ثم صلى الظهر بساباط وصلى العصر وسار حتى أشرف على عتاب وعسكره ،فلما
رآهم نزل فصلى المغرب).. ،
التوقيت التوقيت بوقت الصلوات 8 :
وخرج الحجاج نحو الكوفة فبادره شبيب إليها ،فنزل الحجاج الكوفة صالة العصر ونزل شبيب السبخة صالة 8 / 1 : ( ..
التوقيت هنا بمواقيت الصالة :الحجاج يصل وقت صالة العصر فى الكوفة ،وشبيب يصل وقت صالة المغرب فى ) .المغرب
.موضع آخر
) ..ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء اآلخرة حين أضاء القمر 8 / 2 : ( ..
ثانيا :التكبير وإستعمال لفظ الجاللة
ـ (ثم إن خالد بن عتاب قال للحجاج :ائذن لي في قتالهم فإني موتور ،فأذن له ،فخرج ومعه جماعة من أهل الكوفة وقصد 1
عسكرهم من ورائهم فقتل مصادًا أخا شبيب وقتل إمرأته غزالة وحرق في عسكره .وأتى الخبر الحجاج وشبيبًا ،فكبر الحجاج
وأصحابه ،وأما شبيب فركب هو وأصحابه ،وقال الحجاج ألهل الشام :احملوا عليهم فإنهم قد أتاهم ما أرعبهم .فشدوا عليهم
فهزموهم ،وتخلف شبيب في حامية الناس .فبعث الحجاج إلى خيله :أن دعوه ،فتركوه ورجعوا ،ودخل الحجاج إلى الكوفة فصعد
المنبر ثم قال :وهللا ما قوتل شبيب قبلها ،ولى وهللا هاربًا وترك امرأته يكسر في استها القصب .).خالد بن عتاب قتل أخ شبيب
وقتل غزالة فى هذه المعركة .وعندما عرف الحجاج صاح وأصحابه ( :هللا أكبر ) .ثم دخل الحجاج الكوفة وصعد منبر المسجد
فيها وقال كلمة بذيئة فى حق غزالة (..وترك امرأته يكسر في استها القصب . ) !.نسى الحجاج أنه هرب منها متحصنا
!.بقصره
ـ وعندما جاء الخبر بغرق شبيب فى نهر دجيل صاح سفيان قائد جيش الحجاج بالتكبير هو وجنوده ( :وكان أهل الشام 2
يريدون االنصراف ،فاتاهم صاحب الجسر فقال لسفيان :إن رجًال منهم وقع في الماء ،فنادوا بينهم :غرق أمير المؤمنين! ثم
إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد ،فكّب ر سفيان وكّب ر أصحابه) ،
ـ ( ثم دعا حبيب بن عبد الرحمن الحكمي فبعثه في ثالثة آالف فارس من أهل الشام في أثر شبيب ،وقال له" :احذر بياته 3
وحيث لقيته فانزل له ،فإن هللا تعالى قد فل حده وقصم نابه" .)...الحجاج ينسب إنتصاره على شبيب الى رب العزة جل وعال
.بقوله ( :فإن هللا تعالى قد فل حده وقصم نابه )
ـ ( ..وحمل شبيب على خالد بن عتاب ومن معه وهو على ميسرة الحجاج فبلغ بهم الرحبة ،وحمل على مطر بن ناجية 4
وهو على ميمنة الحجاج فكشفه ،فنزل عند ذلك الحجاج ونزل أصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد ،فإنهم على
ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب وقال :ما تقول في صالح .فقال له مصقلة :برئ هللا منك ،وفارقه إال أربعين
فارسًا .فقال الحجاج :قد اختلفوا . )،مصقلة الضبى من أتباع شبيب ،وإختلف معه فقال لشبيب ( :برىء هللا منك ) .أى طالما
!.تبرأ من شبيب فقد تبرأ هللا من شبيب
ــ ( فاقتتلوا قتااًل شديًد ا ،ثم حمل شبيب بجميع أصحابه ،ونادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون 5
ويضربون ،فنادى شبيب " :يا أولياء هللا فى األرض " ،ثم نزل وأمر أصحابه فنزل بعضهم . ) ..شبيب يجعل أصحابه
(.اولياء هللا )
6ـ ( ..وبلغ شبيب أن عبد الرحمن باألنبار ،فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء ألنهم قد احترزوا ،وجرت مقتلة
وسقطت أيد وفقئت أعين ،فقتل من أصحاب شبيب نحو من ثالثين ،ومن اآلخرين نحو من مائة .فمّل الفريقان بعضهم بعًض ا
من طول القتال ،ثم انصرف عنهم شبيب وهو يقول ألصحابه " :ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا ،وما أيسر هذا
.في جانب ثواب هللا عز وجل ) !".شبيب يرى أن قتله الناس وقتاله الناس من أجل ثواب هللا جل وعال
ـ ( وقام إليه زهرة بن حوية ،وهو شيخ كبير ال يستتم قائمًا حتى يؤخذ بيده ،فقال له :أصلح هللا األمير أنك إنما تبعث إليهم 7
الناس منقطعين ،فاستنفر الناس إليهم كافة وابعث إليهم رجًال شجاعًا مجربًا ممن يرى الفرار هضمًا وعارًا ،والصبر مجدًا
وكرمًا .فقال الحجاج :فأنت ذلك الرجل فاخرج .فقال زهرة :أصلح هللا األمير ،إنما يصلح الرجل يحمل الدرع والرمح ويهز
السيف ويثبت على متن الفرس ،وأنا ال أطيق من هذا شيئًا ،وقد ضعف بصري وضعفت ،ولكن أخرجني مع األمير في الناس
فأكون معه وأشير عليه برأيي .فقال الحجاج :جزاك هللا خيرًا عن اإلسالم وأهله في أول أمرك وآخره ،فقد نصحت .) .. .رجل
!!. ".نصح الحجاج فقال له الحجاج " :جزاك هللا خيرًا عن اإلسالم وأهله
ـ عن شبيب ووصوله الى قصر الحجاج ( ثم دخل الكوفة وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ثم خرج من الكوفة ،فنادى 8
. .الحجاج وهو فوق القصر :يا خيل هللا اركبي .) .الحجاج يجعل خيوله ( خيل هللا ) !!.تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا
:ثالثا :دين شبيب ضد دين الحجاج
يتشاركان فى الصالة الشيطانية ،وفى القتال ،وفى التكبير ،وكالهما يزعم أن هللا جل وعال فى جانبه .يتشاركان فى عبادة
الشيطان الذى أضّل هم وجعلهم يحسبون أنهم مهتدين ،وهما دينان مختلفان متصارعان ،ولكن تأديتهما الصالة شكال تجعل كال
:منهم يعتقد أنه على الحق .ونعطى أمثلة
ـ ( شبيب ) كان لقبه ( امير المؤمنين ) وكان يطلب من الناس أن يبايعوه ،وإال قتلهم .وعندما قتل القائد األموى عّت اب منع 1
قتل األسرى حتى يبايعوه خليفة ،فبايعوه خوف القتل ثم هربوا منه ليال.تقول الرواية ...( :وتمكن شبيب من العسكر وحوى ما
فيه فقال " :ارفعوا عنهم السيف" ثم دعا إلى البيعة ،فبايعه الناس من ساعتهم ،وهربوا تحت الليل) .
ـ وصيغة البيعة له هى شهادة ( :الحكم إال هللا ) .تقول الرواية ..( :فرجع إليه ثمانية نفر فقاتلوه حتى بلغوا به الرحبة2 ،
وأتي شبيب بخوط بن عمير السدوسي فقال :يا خوط ال حكم إال هللا .فقال :إن خوطًا من أصحابكم ولكنه كان يخاف ،فأطلقه؛
وأتي بعمير بن القعقاع فقال :يا عمير ال حكم إال هللا .فقال :في سبيل هللا شبابي ،فردد عليه شبيب :ال حكم إال هللا ،فلم يفقه ما
!.يريد ،فقتله .).شبيب يعرض دينه على عمير ( ال حكم إال هلل ) ينتظر منه أن يردد نفس الشهادة بعده .لم يفعل فقتله
ـ وكان الخوارج يقاتلون أهلهم الذين هم على دين األمويين ،يعتبرونهم كفارا .وبعض أتباع شبيب من قبيلة (تيم ) وقد رأوا 3
منه تهاونا فى قتال عشيرته الشيبانيين مع انهم يقتلون ويقتلون عشائرهم من بنى (تيم ) ،فهجموا على عشيرة شبيب
يقتلونهم بدون إذن شبيب ،فقال شبيب لقائدهم ( :ما حملك على قتلهم بغير أمري؟ فال :له :قتلت كفار قومي فقتلت كفار
قومك ،ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا ،وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك ،وما يحل لك يا أمير المؤمنين
أن تجد على قتل الكافرين .قال :ال أجد ) ( .تجد ) من الوجد ،وهو التعاطف .يتهمه بالتعاطف حزنا على قتل قومه ،وشبيب
.ينفى هذا
ـ شبيب يحزن أن بعض قومه من ربيعة فى جيش الحجاج وهو يراهم كفارا ،ويعلن شعار دينه .. ( :ومضى هو في مائتين 4
إلى الميمنة بين المغرب والعشاء اآلخرة حين أضاء القمر ،فناداهم :لمن هذه الرايات؟ فقالوا :رايات لربيعة .قال :طالما نصرت
الحق وطالما نصرت الباطل ،وهللا ألجاهدنكم محتبسًا ،أنا شبيب ،ال حكم إال هللا ،للحكم ،اثبتوا إن شئتم! ثم حمل عليهم
ففضهم ) ،وحزن على قائدهم القتيل .. ( :ثم وقف عليه وقال :ويحك لو ثبت على إسالمك األول سعدت! )
ـ وقبيل قتل ( عّت اب ) القائد للجيش األموى قال له صاحبه زهرة بن حوية ( :أحسنت يا عتاب ،فعلت فعًال ال يفعله مثلك5 .
.أبشر ،فإني أرجو أن يكون هللا ،جل ثناؤه ،قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا )..يعتبر مقتله شهادة عند هللا جل وعال
ـ وبعد مقتل زهير بن حوية وقف عليه شبيب حزينا .. ( :فانتهى إليه شبيب فرآه صريعًا فعرفه فقال :هذا زهرة بن حوية6 ،
أما وهللا لئن كنت قتلت على ضاللة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بالؤك وعظم فيه غناؤك! ولرب خيل للمشركين
هزمتها وقرية من قراهم جم أهلها قد افتتحتها! ثم كان في علم هللا أنك تقتل ناصرًا للظالمين .وتوجع له .فقال له رجل من
أصحابه :إنك لتتوجع لرجل كافر .فقال إنك لست أعرف بضاللتهم مني ،ولكني أعرف من قديم أمرهم ما ال تعرف ،ما لو ثبتوا
عليه لكانوا إخواننا ) .شبيب يتحسر على صديقه زهير أنه مات كافرا بدين الخوارج ،مات على دين األمويين مناصرا
.للظالمين
ـ بلغ األمويين الذروة فى الظلم ،وظلمهم جعل كثيرين يعتنقون دين الخوارج .بل جعل مطرف بن المغيرة بن شعبة ينضم 7
للخوارج .أبوه المغيرة بن شعبة من أبرز قواد معاوية ،وهو من ثقيف الُم ضرية ،والى ثقيف ينتمى الحجاج بن يوسف (الثقفى
) ،لذا إهتم الحجاج بأبناء المغيرة فجعل عروة بن المغيرة واليا على الكوفة وجعل مطرف بن المغيرة واليا على المدائن ،وولى
حمزة بن المغيرة على همدان .ومع هذا إنضم مطرف بن المغيرة الى شبيب خارجا على الحجاج .وكان هذا عام .75تقول
الرواية ( :في هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع عبد الملك بن مروان ولحق بالجبل فقتل.)...
الذى يعنينا هنا أنه كان خروجا على ( دين األمويين ) أى كان إقتناعا بدين الخوارج .نفهم هذا حين إقترب شبيب من المدائن
التى يحكمها مطرف ،وقبيل الحرب بعث مطرف الى شبيب يطلب منه وفدا من عنده يدارسهم القرآن ،تقول الرواية .. ( :
وبعث إلى شبيب " :ابعث رجااًل من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه ... "..وبعثوا إليه رجااًل )..
وترددوا اليه فإقتنع ( ..وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج ...فخرج وجمع رؤوس أصحابه
وقال لهم " :إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء فإني ال أحب أن
.يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور.). ".وبعث الحجاج بجيش هزمه وقتله
وكان إحراجا للحجاج أن يخرج عليه أحد قواده وهو أيضا من أعيان قومه ثقيف وأبن للمغيرة بن أبى شعبه الذى مات على دين
معاوية .لذا كان الحجاج يقول ( :إن مطرفًا ليس بولد للمغيرة بن شعبة إنما هو ولد مصقلة بن سبرة الشيباني ،وكان مصقلة
والمغيرة يدعيانه ) ..يقول صاحب الرواية معلقا ( :قال الحجاج ذلك ألن كثيرًا من ربيعة كانوا من الخوارج ولم يكن منهم أحد
.من قيس عيالن .) .أى نسب مطرفا الى رجل من شيبان قوم شبيب وليس الى المغيرة بن أبى شعبة
والواقع أن الصحابى ( الجليل ) المغيرة بن أبى شعبة كان زانيا محترفا مدمنا على الزنا مع كثرة نسائه وجواريه .وقد عزله
عمر بن الخطاب بسبب إتهامه بالزنا .والحجاج يعتمد على الثقافة العربية المتوارثة .إذ كان متعارفا عليه أن العاهرة حين تلد
طفال تنسبه الى من تشاء من عشاقها .وهذا ما حدث مع الصحابى ( الجليل ) عمرو بن العاص ،إذ كانت أمه من البغايا
العاهرات إسمها ( النابغة ) وحين ولدت (عمرا ) تنازعه كثيرون فإختارت أن تنسبه الى العاص من بينهم .وحافظ المغيرة
.وعمرو بن العاص ومعاوية وغيرهم على الصالة الشيطانية
الفصل الخامس عشر :صالة الخلفاء الفاسقين العباسيين :صالة أبى العباس السفاح
مقدمة
ـ الخلفاء العباسيون كانوا أكثر ُج رأة من سابقيهم فى سفك الدماء األساس ،ألنهم فى دعوتهم قبل تأسيس دولتهم منحوا 1
دعوتهم شعار ( الرضا من آل محمد ) ونشروا دعايتهم بأنهم األئمة المنتظرون الذين يقيمون العدل بدال من جور األمويين ،
.ودعموا هذا باألحاديث التى إفتروها
ـ وقبل تأسيس دولتهم كان قائدهم أبو مسلم الخراسانى يقتل بما يقال عنه التفويض االلهى .يستحل دم شخص برىء بمجرد 2
أن يفترى حديثا .تقول الرواية ( :وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبرًا ).أى حبسهم فى سجون وتركهم حتى
الموت .وتقول عنه الرواية ( :وكان أبو مسلم قد سمع الحديث من عكرمة ،وأبي الزبير المكي ،وثابت الناتي ،ومحمد بن علي
بن عبد هللا بن عباس ،والسدير؛ وروى عنه إبراهيم ابن ميمون الصائغ ،وعبد هللا بن المبارك ،وغيرهما ).أى تلقفه أساطين
الدعوة العباسية السرية فأعدوه أيدلوجيا بأحاديثهم المفتراة ،وبها كان سهال عليه أن يسفك الدماء .تقول الرواية ( :خطب
يومًا فقام إليه رجل فقال :ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ فقال :حدثني أبو البير عن جبابر بن عبد هللا أن النبي ،صلى هللا عليه
وسلم ،دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء ،وهذه وثياب الدولة ،يا غالم اضرب عنقه .).سأله رجل سؤاال بريئا عن
.شعار السواد الذى إتخذه العباسيون فرد عليه بحديث ثم أمر بضرب عنقه
ـ ومن األساطير التى نشروها أن النبى محمدا قد بّش ر العباس بأن ولده سيكونون الخلفاء ،ومع أنه عليه السالم لم يكن يعلم 3
الغيب وليس له أن يتكلم فيه فقد حظيت هذه األكاذيب الغيبية بالتصديق ،ورواها المؤرخون معتقدين صدقها ،منها قولهم :
( وكان بدء ذلك وأوله أن رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخالفة تؤول إلى ولده ،فلم يزل
ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم ).وشاعت أحاديث تؤكد أن ُم لك بنى العباس سيستمر الى قيام الساعة وحتى يسلمونه
الى المسيح عندما ينزل بزعمهم ،وأحاديث أخرى تبشر بأسماء الخلفاء الباسيين وتشيد بهم ،وقد ذكر السيوطى هذه األحاديث
.عن العباسيين بعد سقوط دولتهم ببضعة قرون فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) مما يدل على أن األحاديث المصنوعة أقوى تاثيرا
ـ وبهذا بدأ الكهنوت العباسى أى المستبد الفرعونى الذى يملك الدين والسياسة ،وهذا ما لم يجرؤ األمويون على زعمه 4 ،
وربما ألنهم كانوا علمانيين مثل أسالفهم الذين عملوا بالتجارة خالفا للهاشميين الذين قاموا على سقاية الحاج ورعاية البيت
.الحرام
ـ وعليه لم تعد الصالة وحدها من شعائر عبادة اإلله األعظم ( وهو المال ) بل أضاف لها العباسيون الخطاب الدينى الصريح 5
وتلقيب الخليفة بلقب ينسبه الى هللا جل وعال .وهذه األلقاب بدأت بأول خليفة ،وقد أعطى نفسه لقبا ُم رعبا ( السفاح ) الذى
يقتل بالتفويض االلهى ،ثم تاله أخوه فلّق ب نفسه بالمنصور ،ثم تلقب إبنه بالمهدى ،وبعده ( الهادى ) والرشيد ،ثم أصبح
..اللقب للخليفة أكثر ُج رأة فتلقب الالحقون بالمعتصم باهلل الى المستعصم باهلل
ـ وخالل هذا الدجل الدينى حاز العباسيون على كنوز الدنيا وسفكوا دماء الماليين .منهم حوالى مليون قتيل فى تأسيس 6
.دولتهم .ونعطى بعض التفصيالت فى خالفة السفاح
:أوال :الصالة والخطبة
ـ تقول الرواية عن الخليفة العباسى األول ( أبو العباس السفاح :عبد هللا بن محمد بن علي بن عبد هللا بن عباس ) ( :ولما 1
ولي الخالفة خرج يوم الجمعة فصلى بالناس ثم قال في خطبته " :الحمد هلل الذي اصطفى اإلسالم لنفسه وكرمه وشرفه وعظمة
واختاره لنا وأيده وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذأبين عنه والناصرين له وخصنا برحم رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعته وأنزل بذلك كتاًب ا فقال فيه :قل ال أسألكم عليه أجًر ا إال المودة في القربى " فلما
قبض هللا رسوله قام بذلك األمر أصحابه وأمرهم شورى بينهم فعدلوا وخرجوا خماًص ا ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها
وتداولوها فاستأثروا بها وظلموا أهلها فأملى هللا لهم حيًن ا فلما أسفوه أنتقم هللا منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وأنا السفاح المبيح
الثائر المبير .) .السفاح هنا يصلى ويخطب بالناس ويجعل نفسه السفاح المبير مستبيح الدماء باسم هللا ( تعالى عن ذلك علوا
.كبيرا . ).أى له تفويض االهى بالقتل والتسلط على الناس ونهب أموالى على هامش القتل
ـ وفى نفس الخطبة قال ( :إنا وهللا ما خرجنا لنكثر لجيًن ا وال عقياًن ا وال نحفر نهًر ا وإنما أخرجتنا األنفة من ابتزازهم لحقنا 2
ولقد كانت أموركم ترمضنا لكم ذمة هللا عز وجل وذمة رسوله صلى هللا عليه وسلم وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل هللا
ونعمل بكتاب هللا ونسير فيكم بسيرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم واعلموا أن هذا األمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى
.عيسى ابن مريم ).هنا يكذب بملء فمه .وعد بالعدل وأخلف الوعد ،وزعم أن الخالفة ستظل فيهم الى نهاية العالم ،وكذب
ـ كان هذا هو ( خطاب العرش ) تقول الرواية ( :ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر فأجلس أبا جعفر وأخذ 3
البيعة على الناس في المسجد ) .وفى رواية أخرى ( :ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه
أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد ،فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب وجنهم الليل
.فدخل ) .هنا الصالة والخطبة ..والمسجد !.كان هذا فى شهر ربيع األول عام 132
ـ وإذا كان الخلفاء الفاسقون األوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفهموا األعراب أن غزوهم وقتلهم وسلبهم ونهبهم األمم 4
األخرى هو جهاد إسالمى فإن الخلفاء الفاسقين العباسيين سفكوا دماء األمويين بإتهامهم بالكفر .كان األمويون فى نهاية
عصرهم مثقلين باالتهامات بالظلم فأرسوا اساسا لبنى العباس تمكنوا به من إستحالل دمائهم وأموالهم ،وصار قتالهم األمويين
جهادا دينيا .فى معركة ( الزاب ) التى إنهزم فيها مروان بن محمد كان القائد العباسى عبد هللا بن على ( عم الخليفة السفاح )
يقاتل وهى يقول ( :يار رب حتى متى نقتل فيك؟ ، ) !.وتثاقل العرب من جنود مروان بن محمد عن القتال ،فإذا دعا قبيلة
طلبت أن يدعو غيرها ،فأمر رئيس الشرطة بالتقدم فرفض ،فتوعده مروان فتحداه قائال ( وددت أن تفعل ذلك ) فاضطر الى أن
يعطى جنوده األموال ،نقول الرواية ( :فأمر باألموال فأخرجت ،وقال للناس :اصبروا وقاتلوا فهذه األموال لكم .فجعل ناس من
الناس يصيبون من ذلك ،فقيل له :إن الناس قد مالوا على هذا المال وال نأمنهم أن يذهبوا به .فأرسل إلى ابنه عبد هللا :أن سر
في أصحابك إلى قوم عسكرك فاقتل من أخذ من المال وامنعهم . ).إنهزم مروان وإستولى عبد هللا بن على العباسى على
معسكره ،وحاز ما فيه من أموال ( والمال هو غاية الُم راد ) تقول الرواية .. ( :وكتب يومئذ عبد هللا بن علي إلى السفاح
بالفتح ،وحوى عسكر مروان بما فيه فوجد سالحًا كثيرًا وأمواًال ( ) ..فلما أتى الكتاب السفاح صلى ركعتين وأمر لمن شهد
الوقعة بخمسمائة خمسمائة دينار ،ورفع أرزاقهم إلى ثمانين ).هنا صالة شكر على النصر وعلى المال ،ومكافأة للمقاتلين
المرتزقة برفع أجورهم .تقول الرواية ( وكانت هزيمة مروان بالزاب يوم السبت إلحدى عشرة ليلة خلت من جمادى اآلخرة )..
ـ هرب مروان فطارده العباسيون حتى مصر .وقاد مطاردته فى صعيد مصر صالح بن على العباسى ،وأرسل فرقة يقودها 5
الحسن بن قحطبة .تقول الرواية ( ..ومضى صالح ومن معه في طلبه إلى الصعيد ...وساروا حتى أدركوه بقريه من قرى
الصعيد تسمى بوصير في أخر الليل ،وقد نزل الكنيسة ومعه حرمه وولده وثقله )..ودارت معركة إنتهت بقتل مروان ،تقول
الرواية ..( :وأثخنته الجراح وحمل عليه رجل فقتله واحتّز رأسه رجل من أهل البصرة كان يبيع الرمان ) وأمر الحسن بن
قحطبة القائد وقتها بإحضار بنت مروان الكبرى ،فوضع رأس أبيها فى حجرها ،تقول الرواية .. ( :فأجلسها ووضع الرأس
في حجرها فصرخت واضطربت فقيل له :ماحملك على هذا فقال " :كفعلهم بزيد بن علي حين قتلوه فإنهم جعلوا رأسه في حجر
زينب بنت علي) .
بعث القائد ابن قحطبة برأس ).وبعث برأس مروان إلى صالح بن علي فنصب على باب مسجد دمشق ،وبعث به إلى السفاح (
مروان الى قائده األعلى ( صالح بن على ) فبعث بها صالح الى الخليفة السفاح فى الكوفة ،وفى الطريق علقوها فى مسجد
دمشق ( المسجد األموى ) إعالنا بنهاية الحكم األموى .ولم ينسوا إرسال الغنائم من األموال والسالح والسبى ( :ورجع صالح
إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السالح واألموال والرقيق .).وتقول الرواية عن وصول رأس مروان الى السفاح : :
( ولما وصل الرأس إلى السفاح كان بالكوفة ،فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال :الحمد هللا الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم
.يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين! ) .أى هو قتال دينى ،يبتغى وجه الشيطان
:ثانيا :اإلٌقتتال بالدين يعنى المبالغة فى القتل أو القتل إستئصاال
إستأصل العباسيون من قدروا على قتله من األمويين .وكانوا يعطونهم األمان ثم ينكثون بالعهد .ومن الحوادث المشهورة 1 :
أن عبد هللا بن على الذى تولى الشام إستأمن اليه من كان فى دمشق من األمويين ،فدعا تسعين رجال منهم الى طعام وقتلهم ،
تحت عنوان ( :ذكر من قتل من بني أمية ):تقول الرواية ( :ودخل شبل بن عبد هللا مولى بني هاشم على عبد هللا بن علي
وعنده من بني أمية نحو تسعين رجًال على الطعام ) ..إستنكر هذا الرجل إستضافة أولئك األمويين فقال شعرا أثار عبد هللا بن
على فأمر عبد هللا بن على بضربهم بأعمدة الحديد حتى ماتوا ( :فأمر بها عبد هللا فضربوا بالعمد حتى قتلوا ،وبسط عليهم
األنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جيمعًا) .
ـ .وقيل عن عبد هللا بن على ( :وتتبع بني امية من أوالد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ،ولم يفلت منهم إال رضيع أو من هرب 2
إلى األندلس وقتل سليمان بن علي بن عبد هللا بن عباس بالبصرة أيضًا جماعًة من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة
وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكالب ) !..كان هذا عام 132
ـ فى عام ( 133قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة ،ولما أراد قتلهم قال له عبد هللا بن الحسن بن 3
الحسن :يا أخي إذا قتلت هؤالء فمن تباهي بملكه؟ أما يكفيك أن يروك غاديًا ورائحًا فيما يذلهم ويسؤهم؟ فلم يقبل منه وقتلهم).
ـ أكثر من هذا أن عبد هللا بن على هذا إنتقم من الخلفاء األمويين الموتى فى قبورهم ،تقول الرواية .. ( :وأمر عبد هللا ابن 4
علي بنبش قبور بني أمية بدمشق ،فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان ،فلم يجدوا فيه إال خيطًا مثل الهباء ،ونبش قبر يزيد بن
معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطامًا كأنه الرماد ،ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحًا لم يبل منه إال أرنبة أنفه ،فضربه
.بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح )
:ـ ووصل اإلسراف فى القتل الى الحروب الخارجية 5
فى عام : 133حارب أبو مسلم ملك فرغانة المتحالف مع ملك الصين " ( فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون 5 / 1 :
وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفًا وأسروا نحو عشرين ألفًا وهرب الباقون إلى الصين).
فى العام التالى ( :ذكر غزوة كش :وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل االخريد ملكها ،وهو 5 / 2 :
سامع مطيع ،وقتل أصحابه وأخذ منهم من األواني الصينية المنقوشة المذهبة ما لم ير مثلها ،ومن السروج ومتاع الصين كله
من الديباج والطرف شيئًا كثيرًا فحمله إلى أبي مسلم وهو بسمرقند ،وقتل عدة من دهاقينهم .) ،هذا ملك سامع مطيع ،ولكن
.جريمته الكبرى أن لديه نفائس يطمع فيها أبو مسلم .والمال هو معبودهم األكبر
ثالثا :اإلٌقتتال بالدين يعنى نكث العهود والمواثيق
ـ قتل السفاح إثنين من الذين قاموا بالدعوة وساعدوا فى إرساء ُم لك العباسيين ،وهما أبو سلمة الخالل وسليمان بن كثير 1 ،
.بل وقتلوا الوالة الذين عينهم أبو سلمة الخالل فى فارس
وفى عام : 133قتل سليمان بن على العباسى ( عم السفاح ) زعيم بنى المهلب فى الموصل .أعطاه أمانا ثم قتله .تقول 2 :
الرواية ( :وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل ،قتله سليمان الذي يقال له األسود بأمان كتبه له).
ـ أما الفاجعة الكبرى فهى ما فعله أخ الخليفة السفاح وإسمه ( يحيى ) بأهل الموصل .تقول الرواية ( :وفي هذه السنة 3
استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل عوض محمد بن صول.وكان سبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة
محمد بن صول ،وقالوا :يلي علينا مولى الخثعم ،وأخرجوه عنهم .فكتب إلى السفاح بذلك واستعمل عليهم أخاه يحيى بن محمد
وسيره إليها في اثني عشر ألف رجل ،فنزل قصر اإلمارة بجانب مسجد الجامع ،ولم يظهر ألهل الموصل شيئًا ينكرونه ولم
يعترض فيما يفعلونه ،ثم دعاهم فقتل منهم أثني عشر رجًال ،فنفر أهل البلد وحملوا السالح ،فأعطاهم األمان ،وأمر فنودي :من
دخل الجامع فهو آمن؛ فأتاه الناس يهرعون إليه ،فأقام يحيى الرجال على أبواب الجمع ،فقتلوا الناس قتًال ذريعًا أسرفوا فيه،
فقيل :إنه قتل فيه أحد عشر ألفًا ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقًا كثيرًا .فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء الالتي قتل
رجالهن ،فسأل عن ذلك الصوت فأخبر به ،فقال :إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان .ففعلوا ذلك ،وقتل منهم ثالثة أيام ،وكان
في عسكره قائد معه أربعة آالف زنجي ،فأخذوا النساء قهرًا .فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل في اليوم الثالث ركب اليوم
الرابع وبين يديه الحراب والسيوف المسلولة ،فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته ،فأراد أصحابه قتلها فنهاهم عن ذلك،
فقالت :له :ألست من بني هشام؟ ألست ابن عم رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن
الزنج؟ فأمسك عن جوابها وسير معها من يبلغها مأمنها ،وقد عمل كالمها فيه .فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء ،فاجتمعوا،
فأمر بهم فُقتلوا عن آخرهم .) .يضيق الصدر عن تحليل هذا .ففيه التطرف فى القتل ونكث العهد وأن يكون المسجد مركز هذه
.الفواجع ..هتلر لو قرأ هذا سينفطر قلبه ُح زنا
.رابعا :اإلٌقتتال بالدين يعنى قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس
فى عام : 133نقم ( شريك بن شيخ المهري ) ببخارى على أبي مسلم معترضا على اإلسراف فى القتل .تقول الرواية :
( ونقم عليه وقال " :ما على هذا اتبعنا آل محمد ،أن نسفك الدماء وأن يعمل بغير الحق! " وتبعه على رأيه أكثر من ثالثين
.ألفًا ،فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله ،وقتله زياد) .
أخيرا :مات السفاح عام ، 136وتولى بعده أخوه أبوجعفر المنصور الذى قام بتوطيد الدولة العباسية بالحديد والنار وبالدجل
الدينى والكهنوت الدينى .وكان مشهورا بجمع المال أو بعبادة المال حتى كان لقبه ( أبو الدوانيق ) .والدانق هو مثل المليم أو
.السنت
الفصل السابع عشر :من إجرام والة الصالة الشيطانية فى مصر العباسية
)(1
هو موضوع مؤلم وطويل ،نكتفى منه بموجز مما كتبه المقريزى ،وقد كان متعصبا ،وننتظر أن يتجاهل الكثير من الوقائع .
:ولكنه المصدر التاريخى الهام المعتمد لنا .ونعطى هنا بعض لمحات من التاريخ المجهول للمصريين
:أوال :المقريزى فى تأريخه لوالة الصالة يلمح الى بعض مظالمهم
فى المقال السابق ركزنا عن والة مصر العباسية بوصفهم بوالة الصالة .وكان المقريزة يذكر بعض المشهور من ظلمهم .
:ونعطى أمثلة .قال
ـ ( فولي :موسى بن علي بن رباح باستخالف محمد بن خديج ،فأقره أبو جعفر على الصالة .وخرج القبط بهبيب في سنة 1
ست وخمسين ،فبعث إليهم وهزمهم .وكان يروح إلى المسجد ماشًي ا وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة وإذا أقام صاحب
الشرطة الحدود يقول له :ارحم أهل البالد فيقول :أيها األمير ما يصلح الناس إال ما يفعل بهم .)!!..هذا فى خالفة المنصور
العباسى .ثار األقباط بسبب العسف وكثرة الضرائب .فهزمهم ( والى الصالة ) .وكان يرفض صاحب الشرطة برحمة الناس ،
ألنه يرى أن هذا هو األصلح للناس ،وهم له مستحقون .الناس هنا هم المظلومون ،وإاّل ما أشفق عليهم صاحب الشرطة .
والحدود التى يذكرها المقريزى ال عالقة بتشريعات االسالم ،ولكنها تشريع العباسيين ووالى الصالة الذى كان ُم طلق اليد فى
.قتل من يشاء وعقاب من يشاء دون رقيب أو مؤاخذة
ـ ( ثم ولي :يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصالة والخراج فقدم في ذي الحجة وكان أبوه 2
تركًي ا وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة .. ...وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره قال :هو
رجل يخافني وال يخاف هللا فولي إلى المحرم سنة أربع وستين .).الخليفة المنصور كان من جبابرة الخلفاء أجمعين .و كان من
أتباعه ( يحيى بن داود ) وقد وصفه المنصور بأنه ال يخشى هللا ولكن يخشى المنصور ،ولذلك قام الخليفة المهدى ابن الخليفة
المنصور بتعيينه واليا على الصالة والخراج فى مصر .لذا كان بمصر كما قال المقريزى ( :وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة
.وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة ) .وال نعرف عدد وال أسماء ضحاياه ..هذا الوالى للصالة الشيطانية
ـ ( ثم ولي :موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصالة والخراج من قبل المهدي ،فقدم لسبع خلون من ذي 3
الحجة المذكور ،فرد إبراهيم وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ،ثم سيره إلى بغداد ،وشدد موسى في استخراج
الخراج ،وزاد على كل فدان ضعف ما يقبل به ،وارتشى في األحكام ،وجعل خرًج ا على أهل األسواق وعلى الدواب ....وكان
ظالًم ا غاشًم ا .)..هنا يصادر شخصا ،ويتشدد فى سلب المصريين بزعم الخراج ،الى درجة مضاعفة الضريبة على الزراعة
.وفرض ضرائب على االسواق والبهائم ،مع أخذه الرشوة
ـ ( فولي :إسحاق بن سليمان ..من قبل الرشيد على الصالة والخراج ،مستهل رجب ،فكشف أمر الخراج ،وزاد على 4
المزارعين زيادة أجحفت بهم فخرج عليه أهل الحوف فحاربهم فقتل كثير من أصحابه ،فكتب إلى الرشيد بذلك فعقد لهرثمة بن
أعين في جيش عظيم وبعث به فنزل الحوف فتلقاه أهله بالطاعة وأذعنوا فقبل منهم واستخرج الخراج كله ،فكان صرف
.إسحاق في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة .).اسحاق هذا زاد فى الخراج فأشعل ثورة األعراب ضده
ـ ( فولي :الليث بن الفضل البيوردي من أهل بيورد على الصالة والخراج وقدم لخمس خلون من شوال ثم خرج إلى الرشيد 5
لسبع بقين من رمضان سنة ثالث وثمانين ومائة بالمال والهدايا ،واستخلف أخاه الفضل بن علي ،ثم عاد في آخر السنة
وخرج ثانًي ا بالمال لتسع بقين من رمضان سنة خمس وثمانين واستخلف هاشم بن عبد هللا بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج
وقدم ألربع عشرة خلت من المحرم سنة ست وثمانين ،فكان كلما غلق خراج سنة وفرغ من حسابها خرج بالمال إلى أمير
المؤمنين هارون الرشيد ومعه الحساب ،ثم خرج عليه أهل الحوف وساروا إلى الفسطاط فخرج إليهم في أربعة آالف ليومين
بقيا من شعبان سنة ست وثمانين ومائة واستخلف عبد الرحمن بن موسى بن علي بن رباح على الجند والخراج فواقع أهل
الحوف وانهزم عنه الجند فبقي في نحو المائتين فحمل بهم وهزم القوم من أرض الجب إلى غيفة وبعث إلى الفسطاط بثمانين
رأًس ا وقدم فرجع أهل الحوف ومنعوا الخراج فخرج ليث إلى الرشيد وسأله أن يبعث معه بالجيوش فإنه ال يقدر على استخراج
الخراج من أهل األحواف إال بجيش ،فرفع محفوظ بن سليمان أنه يضمن خراج مصر عن آخره بغير سوط وال عصا ،فواله
الرشيد الخراج وصرف ليًث ا عن الصالة والخراج ،وبعث أحمد بن إسحاق على الصالة مع محفوظ .وكانت والية ليث أربع
سنين وسبعة أشهر ) .هذا الوالى على الصالة ( الليث ) عرف كيف يرضى الرشيد ،فاإلله األعظم لديهم هو المال ،لذا حرص
على توصيله للرشيد عاما بعام ،ولكن ثار عليه األعراب فى شرق الدلتا ( الحوف ) ،وكان واضحا أن التطرف فى جمع
.األموال يؤدى الى ثورة األعراب ،وإقترح محفوظ أنه يضمن دفع الخراج وبدون ثورة ،فكان عزل الليث
ـ ( وولي :الحسين بن جميل من قبل الرشيد على الصالة وقدم لعشر خلون من رمضان ،ثم جمع له الخراج مع الصالة في 6
رجب سنة إحدى وتسعين ،وخرج أهل الحوف وامتنعوا من أداء الخراج ...وسار جيش الرشيد إلى بلبيس في شوال سنة
إحدى وتسعين ومائة فأذعن أهل الحوف بالخراج .وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع اآلخر سنة اثنتين وتسعين
.ومائة .).كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب
ـ ـ ( فولي :مالك بن دلهم بن عمير الكلبي على الصالة والخراج وقدم لسبع بقين من ربيع اآلخر ،وفرغ يحيى بن معاذ أمير 7
جيش الرشيد من أمر الحوف ،وقدم الفسطاط لعشر بقين من جمادى اآلخرة فكتب إلى أهل األحواف أن اقدموا حتى أوصي بك
مالك بن دلهم فدخل الرؤساء من اليمانية والقيسية فأخذت عليهم األبواب وقيدوا وسار بهم للنصف من رجب وصرف مالك
.ألربع خلت من صفر سنة ثالث وتسعين ومائة .).كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب
ـ ( فولي العباس بن موسى .من قبل المأمون على الصالة والخراج ...وتحامل على الرعية وعسفها وتهدد الجميع فثاروا )8 .
.كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب
ـ ( وأعيد السري بن الحكم ثانًي ا من قبل المأمون على الصالة والخراج فذمت واليته ) 9
ـ ( ثم ولي عيسى بن يزيد الجلودي باستخالف ابن طاهر على صالتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثالث عشرة فصرف 10
ابن طاهر وولي األمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر فأقر عيسى على الصالة فقط وجعل على الخراج :صالح بن شيرازاد
،فظلم الناس وزاد عليهم في خراجهم فانتفض أهل أسفل األرض وعسكروا ،فبعث عيسى بابنه محمد في جيش فحاربوه
.فانهزم وقتل أصحابه في صفر سنة أربع عشرة .).كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب
ـ ( فولي عيسى الجلودي ثانًي ا ألبي إسحاق على الصالة فحارب أهل الحوف بمنية مطر ثم انهزم في رجب فأقبل أبو إسحاق 11
إلى مصر في أربعة آالف من أتراكه فقاتل أهل الحوف في شعبان ودخل إلى مدينة الفسطاط لثمان بقين منه وقتل أكابر
.الحوف ) .كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة األعراب
ـ ( ..وولي على مصر عبدويه بن جبلة من األبناء على الصالة فخرج ناس بالحوف في شعبان فبعث إليهم وحاربهم حتى 12
ظفر بهم ،ثم قدم اإلفشين حيدر بن كاوس الصفدي إلى مصر لثالث خلون من ذي الحجة ومعه علي بن عبد العزيز الجروي
ألخذ ماله فلم يدفع إليه شيًئ ا فقتله ،وصرف وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعي فولي من قبل أبي إسحاق
أول سنة ست عشرة على الصالة ،فانتقضت أسفل األرض عربها وقبطها في جمادى األولى ،وأخرجوا العمال لسوء سيرتهم
وخلعوا الطاعة ،فقدم اإلفشين من برقة للنصف من جمادى اآلخرة ثم خرج هو وعيسى في شوال فأوقعا بالقوم وأسرا منهم
وقتال .ومضى اإلفشين ورجع عيسى فسار اإلفشين إلى الحوف وقتل جماعتهم .وكانت حروب إلى أن قدم أمير المؤمنين عبد
هللا المأمون لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين ،فسخط على عيسى وحل لواءه فأخذه بلباس البياض ،ونسب
الحدث إليه وإلى عماله وسير الجيوش وأوقع بأهل الفساد وسبى القبط وقتل مقاتلتهم ثم رحل لثمان عشرة خلت من صفر بعد
تسعة وأربعين يوًم ا .).هنا إشارة الى سبب مجىء الخليفة المأمون بنفسه الى مصر يحارب أهلها من األعراب واألقباط معا ،
وهذا بعد تكرار الثورات الى درجة خلع الطاعة ،وتحالف األعراب مع األقباط ضد ظلم والة الصالة الشيطانية العباسية.
.وسنتعرض لهذا بالتفصيل الحقا
ـ ( فولي مزاحم بن خاقان .لثالث خلون من ربيع األول سنة ثالث وخمسين ومائتين على الصالة من قبل المعتز وخرج 13
إلى الحوف فأوقع بأهله وعاد ثم خرج إلى الجيزة فسار إلى تروجة فأوقع بأهلها وأسر عدة من أهل البالد وقتل كثيًر ا وسار إلى
.الفيوم فطاش سيفه وكثر إيقاعه بسكان النواحي وعاد .) .هنا تكرار الثورات الحروب بسبب الظلم فى فرض الضرائب
ـ ( وولي منهم خمسة أمراء أولهم :أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صالتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين 14
من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ..وورد كتاب المعتمد يستحثه في حمل األموال فكتب إليه لست أطيق ذلك
والخراج بيد غيري فأنفذ المعتمد نفيًس ا الخادم بتقليد أحمد بن طولون الخراج وبواليته على الثغور الشامية فأقر أبا أيوب أحمد
بن محمد بن شجاع على الخراج خليفة له عليه .)..تخلص أحمد بن طولون والى الصالة من والى الخراج ( إبن المدبر )
منتهزا فرصة جشع الخليفة المعتز وطلبه المزيد من المال ،فجعله المعتز والى الخراج أيضا .وبهذا تهيأ ابن طولون ألن يستقل
.بمصر ،ونشبت حروب بينه وبين الدولة العباسية
ـ وتولى بعده ابنه خمارويه فاتفق خمارويه مع الخليفة المعتضد على أن يدفع للمعتضد ما طلب من المال مقابل ...يقول 15
المقريزى ( :وقدم من الشام لست خلون من ربيع األول سنة ثمانين فورد كتاب المعتضد بوالية خمارويه على مصر هو
وولده ثالثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصالة والخراج والقضاء وجميع األعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف
.دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل .)..المال هو إالههم األعظم
ـ وتولى المقتدر بن المعتضد ( .ثم ولي :هالل بن بدر من قبل المقتدر على الصالة فدخل لست خلون من ربيع اآلخر وخرج 16
مونس لثمان عشرة خلت منه ومعه ابن حمل فشغب الجند على هالل وخرجوا إلى منية األصبغ ومعهم محمد بن طاهر صاحب
الشرط فكثر النهب والقتل والفساد بمصر إلى أن صرف عنها في ربيع اآلخر سنة إحدى عشرة وثلثمائة وخرج في نفر من
.أصحابه .).هنا يذكر المقريزى إضطراب األحوال وشغب الجنود وكثرة السلب والنهب والقتل والفساد بمصر
ـ ـ ( فولي :أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصالة وقدم ابنه أبو العباس خليفة له أول جمادى األولى ،ثم قدم ومعه 17
محمد بن الحسين بن عبد الوهاب المادراني على الخراج في رجب فأحضرا الجند ووضعا العطاء وأسقطا كثيًر ا من الرجالة
وكان ذلك بمنية األصبغ فثار الرجالة به ففر إلى فاقوس وأدخل المادراني إلى المدينة لثمان خلون من شوال وأقام ابن كيغلغ
.بفاقوس إلى أن صرف بقدوم رسول تكين في ثالث ذي القعدة .) .إستمرار لإلضطراب وما يعنيه من فساد
ـ ـ ( فولي :تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصالة وخلفه ابن منجور إلى أن قدم يوم عاشوراء سنة اثنتي عشرة 18
وثلثمائة فأسقط كثيًر ا من الرجالة وكانوا أهل الشر والنهب ونادى ببراءة الذمة ممن أقام منهم بالفسطاط وصلى الجمعة في دار
اإلمارة بالعسكر وترك حضور الجمعة في مسجد العسكر والمسجد الجامع العتيق في سنة سبع عشرة ولم يصل قبله أحد من
.األمراء في دار اإلمارة الجمعة . ) ..يقول المقريزى عن أتباع والة الصالة انهم أهل الّش ر والنهب .والناس على دين ملوكهم
ثانيا :بالمناسبة :لمحة عن هذا الخليفة المقتدر
ـ تولى الخالفة طفال عام 295هجرية .وهو مولود عام ، 282وهذا بنفوذ أمه جارية اسمها ( شغب ) وهى الجارية التى 1
.سيطرت على الخالفة العباسية .وقد عرضنا لها فى مقال بحثى منشور فى باب دراسات تاريخية
ـ عن الخليقة المقتدر يقول ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) ( :ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات وما زال يرفع 2
صوته بالدعاء واالستخارة ،فبويع ولقب المقتدر باهلل وهو ابن ثالث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يوًم ا ولم يكن ولي
.الخالفة قبله أحد أصغر منه ) .الحظ صالته الشيطانية
ـ وعن أمواله وممتلكاته الخاصة يقول ابن الجوزى .. ( :وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت 3
مال العامة ستمائة ألف دينار ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار ومن الفرش واآللة والجوهر ما يزيد قيمته على
.الكل ) ..
ـ وإنفرد هذا الخليفة الصبى بصفة فريدة هى االستهتار بالمال الذى يجمعه والة الصالة الشيطانية بالقتل والعسف .إذ بعثر 4
الكنوز التى آلت للخلفاء العباسيين مّم ن سبقهم .األمويون آلت اليهم جواهر األكاسرة وغيرهم ،ثم ورثها العباسيون ،وظل
الخلفاء العباسيون يزيدون رصيدهم من الجواهر بإعتبارها ( ُع دة الخالفة ) ،يشترون الجواهر من المال الُّس حت الذى يجمعه
والة الصالة الشيطانية .تولى المقتدر فصار يوزع الجواهر على أتباعه مما أثار رءوس ( الدولة العميقة ) العباسية .يقول ابن
الجوزى ( :كان جواهر األكاسر وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ،ثم صارت إلى السفاح ثم إلى المنصور واشترى
المهدي الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار ،واشترى الرشيد جوهره بألف ألف دينار ،ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك
إلى أن آلت الخالفة إلى المقتدر ،وهناك ما لم ير مثله ،وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثالثة مثاقيل ،فبسط فيه المقتدر يده ،ووهب
بعضه لصافي الحرمي ،ووجه منه إلى وزيره العباس فرده ،وقال " :هذا الجوهر عدة الخالفة وال يصلح أن يفرق " .وكانت
زيدان القهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها ،وكان يضرب بها المثل فيقال :سبحة زيدان ،فلما وزر علي بن
عيسى قال للمقتدر " :ما فعلت سبحة جوهر قيمتها ثالثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ " فقال " :في الخزانة " .
فقالُ " :ت طلب" .فُط لبت ،فلم توجد ،فأخرجه من كمه وقال " :إذا كانت خزانة الجوهر ال تحفظ فما الذي يحفظ ؟ " وقال" :
ُع رضت علي فاشتريتها " .فاشتد ذلك على المقتدر ،ثم امتدت يد الخزانة في أيام القاهر والراضي إلى خزائن الجوهر فلم يبق
.منه شيء ).
أخيرا :األكاسرة والقياصرة والخلفاء الفاسقون وأعوانهم من والة الصالة جمعوا األموال وإكتنزوها ثم ماتوا وتركوها.
.وسيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم ،منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وكل المستبدين
الفصل الثامن عشر :الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا
الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ) 1
مقدمة
ـ إستولى جوهر الصقلى على مصر بسهولة واسس مدينة القاهرة والجامع األزهر عام 358هجرية 972ميالدية 1 ،
.وإستمرت الدولة الفاطمية حتى أسقطها صالح الدين األيوبى بسهولة أيضا عام 567هجرية 1171 /ميالدية
ـ فيما يخص موضوعنا عن الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين الفاطميين نكتفى بالتركيز على ( الحاكم بأمر هللا ) .ال نراه 2
مجنونا كما يتهمه المؤرخون ،ولكن نراه خليفة فاطميا صريحا ال يؤمن بالتقية الشيعية ،بل يمارس ما يراه حقا له ،كخليفة
شيعى له أن يقتل من يشاء وأن يصدر من التشريعات ما يهوى حتى لو إستغرب الناس ،ثم هو الذى كشف المستور ،وهو
تأليه االمام الشيعى فأعلن األلوهية .فى كل هذا أظهر خفايا دينه الشيعى وهتك أستاره .ساعدته ظروفه على هذا ،إذ تشّر ب
الحاكم هذا من بيئته الفاطمية ،وتولى الحكم صغيرا ،وتحت رعاية أخته الكبرى ست الملك .ثم تمرد عليها وإنطلق يتصرف
.بال تقية يطبق شريعته بهواه يقتل ويصدر التشريعات المضحكة ،وأحّس ت أخته ست الملك بالخطر فقتلته غيلة
:ـ ونبدأ ببعض التفصيالت 3
:أوال
الحاكم بأمر اللهوأخته ست الملك
ـ حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر هللا مصر والشام وأجزاء من العراق مع الحجاز وشمال أفريقيا في المدة ما بين (386ـ 1
)411هـ الموافق ( 996ـ 1020م) .كان الحاكم في الحادية عشرة من عمره حين تولى الخالفة في يوم الثالثاء الثامن
والعشرين من رمضان سنة 386هـ .وقع الحاكم تحت سيطرة ابن عمار ،ولم تتحمل ست الملك ذلك الوضع فتآمرت مع أخيها
الصغير ( الحاكم ) على عزل ابن عمار .وكانت ست الملك تشارك أخاها سعادته ظنًا منها أن خادمهم برجوان سيكون أفضل
من ابن عمار .وأهدت ست الملك أخاها الخليفة ثالثين فرسًا مرصعة بالذهب والبللور وعشرين بغلة وخمسين خادمًا ومائة تخت
ثياب وتاجًا مرصعًا وأدوات ثمينة وتحفة فنية عبارة عن بستان من فضة مليء باألشجار ،وذلك ابتهاجًا بالنصر .ولكن أفراح
الحاكم وأخته لم تطل ،إذ ما لبث أن استبد برجوان الخادم باألمر بعد أن كون لنفسه حرسًا خاصًا وعقد صلحًا مع خصومه
السابقين ومنهم ابن عمار في مقابل اعترافهم بسلطانه ،وبعد أن تمكن له األمر أصبح برجوان الخادم السابق يستخّف بالخليفة
ويسيء معاملته وينهب األموال حتى بلغت ثروته أكثر من مائتي مليون دينار وخمسين أردبًا من الدراهم والفضة واثني عشر
صندوقًا من الجواهر باإلضافة إلى الممتلكات العينية .وفي غمرة فساده وطغيانه نسي برجوان أن الخليفة الصبي أصبح شابًا
وأن أخته ست الملك معه تخطط له ،وفي النهاية نجح التخطيط فاستدعى الخليفة خادمه برجوان وقتله .وال تزال إحدى حارات
.القاهرة تحمل اسم برجوان
ـ بعد التخلص من برجوان إنفرد الحاكم باألمر ،وبالتالى بدأت الجفوة بينه وبين أخته .ولسنا فى مجال التفصيل ،فقد كتبنا 2
فى هذا فى مقاال بعنوان ( لغز الحاكم بأمر هللا وست الملك ) فى ( دراسات تاريخية ) .إنتهى الصراع بأن خططت ست الملك
إلغتيال أخيها وبعد قتله عينت إبنه الظاهر خليفة .وتمت البيعة للخليفة الظاهر الفاطمي إبن الخليفة الحاكم في يوم األضحى
سنة 411هــ ،وكان عمره وقتها ست عشرة سنة وثالثة أشهر ،وعمته ( ست الملك ) هي التي ألبسته تاج الخالفة المرصع
بالجواهر وجعلت على رأسه مظلة مرصعة وأركبته فرسًا رائعًا بمركب ذهب مرصع بالجواهر ،وأخرجت بين يديه الوزير
وكبار الدولة ،فلما تقدم الموكب هتف الوزير في الناس :يا عبيد الدولة موالتنا ست الملك تقول لكم هذا موالكم أمير المؤمنين
فسلموا عليه ،فارتمى ابن دَّو اس بين يديه يقبل األرض وتتابع بعده القواد والزعماء يعطونه العهد والميثاق ،وهمس أحد
الغلمان قائًال :ال أبايع حتى أعرف خبر موالي الحاكم ،فأخذوه لوقته وغرقوه في النيل ،فارتعب الجميع ،وتم األمر لست
..الملك والخليفة الصغير الذي ليس له من األمر شيء
ثانيا :أخذ الحالكم عن أسالفه الصالة الشيطانية
ـ ونعنى بها كما سبق ـ تادية الصالة وسيلة للظلم وسفك الدماء والسلب والنهب والفساد واالستبداد .وأهم مظهر لهذا هو 1
المسجد ،وتأدية الصالة .وقد كان المسجد والخطبة فيه تعنى االعتراف بالخليفة .لذا قيل عن الحاكم (ُخ طب له على منابر
مصر والشام وإفريقية .).أنشأ جوهر الصقلى القاهرة والجامع األزهر ليكون القاعدة الدينية للخالفة الفاطمية .وجاء الحاكم فزاد
.أو زايد على جده بإنشاء ( جامع الحاكم ) و ( جامع راشدة )
ـ كان المؤرخون يذكرون خطبة الخليفة الفاطمى كأحد أنشطته السياسية الرسمية ،ونتعرف على رسوم وطقوس الصالة 2
والخطبة للخليفة الفاطمى فى صالة الجمعة والعيدين مما كتبه المقريزى فى تاريخه (:إتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين
:الخلفاء )
عن الخليفة المعز لدين هللا الفاطمى ثالث الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر قال المقريزى ( :وفي 2 / 1 :
يوم عيد الفطر ركب المعز وصلى بالناس على رسمه وخطب( ).على رسمه :أى طبقا للنظم الرسمية للدولة ) .وتكرر هذا :
( وصلى المعز صالة العيد وخطب على الرسم الذي تقدم ذكره وانصرف إلى القصر فأطعم على الناس).
وعن ابنه الخليفة العزيز باهلل قال ( :عام 378وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ركب العزيز إلى جامع القاهرة 2 / 2
بالمظلة فخطب وصلى ).أى كان يسير بمظلة ( شمسية ) فوقه ،ضمن شعائر الصالة والخطبة .وجامع القاهرة هو الجامع
.األزهر
ـ وذكر المؤرخ ابن زوالق أنه صلى الجمعة خلف الخليفة المعز لدين هللا الفاطمى ،قال ( :أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي 3
كل سجدة نيفًا وثالثين تسبيحة ،وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير .وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى
،ثم كبر أيضًا بعد القراءة ،وهي صالة جده علي بن أبي طالب ،وأطال أيضًا في الثانية الركوع والسجود .وأنا سبحت خلفه
نيفا وثالثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة ،وجهر ببسم هللا الرحمن الرحيم في كل ،فلما فرغ من الصالة صعد المنبر
وسلم على الناس يمينا وشماال ،ثم نشر البندين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما ،وكان في أعلى درجة من المنبر
وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين ،واستفتح الخطبة ببسم هللا الرحمن الرحيم .وكان معه على المنبر جوهر وعمار
بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال :هللا أكبر هللا أكبر استفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبته بخضوع
وخشوع .فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أوالده األربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين
يديه بالفيلين . ).هنا طقوس فى الخطبة وهو على المنبر ،وهناك القائم بالمظلة أو الشمسية ،واسمه شفيع .وموكب فى
دخوله الجامع األزهر وموكب فى رجوعه القصر ( قصر الذهب ) .ومع أن الحاكم تولى الخالفة صبيا فقد كان يحرص على
.الصالة والخطبة بنفسه ،كما سيأتى
:ثالثا
.جذور زعمه األلوهية فى تاريخ اسالفه
ـ المعز الفاطمي هو الذي مدحه الشاعر ابن هانيء االندلسي بقصيدة أولها 1
فاحكم فأنت الواحد القــهار ما شئت ال ما شاءت األقدار
:ويقول فيه
عاينت تحت ركابه جبريال وإذا تمثل راكبا في موكب
هذا ما ذكره السيوطى فى تأريخه للقاهرة فى الجزء األول من كتابه ( ُح سن المحاضرة )
وهو ما قاله ُدعاة تأليه الحاكم .تقول الرواية ( :وكان دعاته إذا ركب يقولون :السالم عليك يا واحد يا أحد " ،ويغلونفيه
الغُلو المفرط) .
ـ وكان على رأس الدعاة لتأليه الحاكم بأمر هللا حمزة والدرزي وخوتكين .وقد ثار الكثيرون على دعوة تأليه الحاكم فقتلوا 2
خوتكين وبعض أتباعه ,فهرب الدرزي وحمزة إلى بالد الشام حيث نشرا هذه العقائد بين قبائل كلب وأوجدا فرقة الدروز في
.سورية ولبنان وشمال فلسطين
تقول الروايات عن الحاكم ( :وكان له سعي في إظهار كلمته فبعث دعاته إلى خراسان ،وأقامفيها مذهب الشيعة 2 / 1 :
واستجاب له عالم .وكان أبو عبد هللا أنوشتكين النجري الدرزي أول رجل تكلم بدعوته ،وأمر برفع ما جاء به الشرع ،وسير
مذهبه إلى بالد الشام والساحل ،ولهم مذهب في كتمان السر ال يطلعون عليه من ليس منهم .وكان الدرزي يبيح البنات
واألمهات واألخوات .فقام الناس عليه بمصر وقتلوه ،فقتل الحاكم به سبعين رجال .وأنفذ الدرزي إلى الحجر األسود برجل
ضربه وكسره ،وادعى الربوبية .وقدم رجل يقال له يحيى اللباد ويعرف بالزوزني األخرم فساعده على ذلك ونشط جماعة على
الخروج عن الشريعة .وركب يوما ..في خمسين رجال من أصحابه إلى مصر ،ودخل الجامع بدابته ،وأصحابه كذلك ،فسلم
إلى القاضي رقعة فيها :باسم الحاكم الرحمن الرحيم ،فأنكر القاضي ذلك ،وثار الناس بهم وقتلوهم وشاع هذا في الناس
فلعنوه) .
وتقول رواية أخرى عن الحاكم ( :خرج يوما وعليه قباء أطلس وفي وسطه سيف فخلع القباءوقال :هذا الظاهر قد 2 / 2 :
خلعته ثم جرد السيف وقال :هذا الباطن قد سللته .) .فى دين التشيع يوجد ظاهر و باطن .الظاهر هو التمسك الظاهرى باالسالم
أو على حد قولهم ( ظاهر الشرع ) ،اما الباطن فهو تأليه األئمة والعقائد الشيعية .والحاكم فى هذه الرواية ينكر الظاهر ويعلن
.الباطن المستور
وتقول رواية أخرى عنه .. ( :فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفا إعظاما 2 / 3 :
لذكره ..فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين ..ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية فصار قوم
.من الجمال إذا رأوه يقولون :يا واحد يا أحد يا محي يا مميت)
.أى إن الحاكم ال يأتى بجديد
:ما قاله ابن هانيء االندلسي فى جده المعز لدين هللا
فاحكم فأنت الواحد القــهار ما شئت ال ما شاءت األقدار
.قاله الحاكم عن نفسه وأمر الناس بقوله
.الفارق هو فى ( الظاهر المنافق ) والباطن المستور .والحاكم أعلن ما كان يستره أسالفه من الخلفاء الفاطميين الفاسقين
.ـ حتى رد الفعل المستنكر من المصريين كان واحدا ،وبما هو معروف عنهم من سخرية ظريفة يواجهون بها ما ال يحبون 3
فى مواجهة زعم المعز الفاطمى ثم إبنه العزيز علم الغيب صعد العزيز المنبر ليخطب كالعادة فوجد فيها ( بطاقة ) أى 3 / 1 :
:ورقة مكتوبا فيها
بالظلم و الجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة
فقل لنا كاتب البطاقة أن كنت قد أعطيت علم غيب
وكانت السخرية بالحكم أدهى وأمر وعلى رءوس األشهاد فى موضوع علم الغيب بالذات ،وقد أتعبوه بسخريتهم 3 / 2 :
وتندرهم به في أوراق كانت تكتب له في صورة قصص أى شكاوى ،يقول السيوطى ( :حتى عملوا صورة امرأة من ورق
بخفها وإزارها في يدها قصة (أي عريضة شكوى ) فيها من الشتم شيء كثير ،فلما رآها ظنها امرأة فذهب من ناحيتها ،وأخذ
القصة من يدها ،فلما رأي ما فيها غضب وأمر بقتلها ،فلما تحققها من ورق أزداد غضبا إلى غضبه ،وأمر العبيد من
.!.السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من األموال والحريم ،ففعلوا وقاتلهم أهل مصر قتاال عظيما ثالثة أيام )
:رابعا
الحاكم أفرط فى سفك الدماء تعبيرا عن حق اإلمام الشيعى فى قتل من يشاء
ـ تحّب ب جده المعز وابوه العزيز الى المصريين واألقباط ليستعينوا بهم ضد العرب والسنيين فى مصر من أتباع العباسيين 1 .
لذا دخل المصريون أفواجا فى الدين الشيعى ،فرأى الحاكم أن الوقت قد حان ليطبق التشريع الشيعى علنا وصراحة ،فأفرط فى
سفك الدماء ،فلم يسلم منه القادة أو غيرهم .ونرى أن إفراطه فى سفك الدماء ال ينفصل عن لقبه ( الحاكم بأمر هللا ) وال عن
.دينه الشيعى الذى يؤله األئمة ،وان لهم حق قتل من يشاءون بال تبرير وبال سبب
ـ قالوا عن الحاكم ( :وكانالحاكم شديد السطوة عظيم الهيبة جريئا على سفك الدماء ( ) ...وكان مهابًا عند أهل مملكته2 ) ...
(ووقف رجل للحاكم فصاح عليه فمات لوقته) .
ـ إفراطه فى عموم القتل للجميع جاءت به الروايات ،ومنها ( :وعّم بالقتل بين وزير وكاتب وقاض وطبيب وشاعر ونحوي 3
ومغن ومختاروصاحب ستر وحمامي وطباخ وابن عم وصاحب حرب وصاحب خبر ويهودي ونصراني ،وقطع حتى
أيدي الجواري في قصره .وكان في مدته القتل والغيلة حتى على الوزراء وأعيان الدولة يخرج عليهم من يقتلهم ويجرحهم.
وخطفت العمائم جهارًا بالنهار وكان لعبيد الشراء في مدته مصائب وخطوب في الناس .وكان المقتول ربما ُجّر في األسواق
) .!.
.ـ وكان يمارس القتل بنفسه وبال سبب ،تطبيقا لحّق ه الشرعى فى دينه الشيعى 4
تقول الرواية عنه ( :وقتل الحاكم ركابيا له بحربة في يده على باب جامع عمرو بن العاص وشقبطنه بيده4 / 1 : ).
وتأتى رواية أخرى بالتفصيل ( :وفي يوم استدعى الحاكم أحد الركابية السودان المصطنعة ليحضر إلىحانوت ابن 4 / 2 :
األزرق الشواء ،فوقفه بين اثنين ،ورماه برمح ثم أضجعه ،واستدعى سكينا فذبحه بيده ،ثم استدعى شاطورا ففرق بين
رأسه وجسده ،ثم استدعى ماء فغسل يده بأشنان ثم ركب .وحمل المقتول إلى الشرطة فأقام ليلة ثم دفن بالصحراء .ثم بعث
المؤتمن بعد ثالثة أيام فنبشه وغسله وأنفذ إليه أكفانا كفن بها ثم أمر قاضي القضاة بالصالة عليه وأمر أال يتخلف أحد فحضر
الشهود وأهل السوق وصلى عليه قاضي القضاة ودفن بالقرافة وواراه قاضي القضاة وجعل التراب تحت خده وأمر ببناء قبره
وتبيضه في وقته ففعل ذلك ) .أى قتله بيده ومّث ل بجثته ثم أقام له حفل تكريم بعدها..هتلر لو قرأ هذا كان سيغنى ألم كلثوم ( يا
ظالمنى ) !.
:ـ وارتبط سفكه للدماء بكرمه وجوده ،تقول الروايات 5
)..وكان جوادا بالمال سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من أماثل دولتهوغيرهم صبرا وكانت سيرته من أعجب السير5 / 1 : ( .
( : 3 / 5وفي السنة ) .كان الحاكم أجود الخلفاء بماله وبه تفشت حاله فيماسفكه من الدماء التي ال يحصيها إال هللا5 / 2 :( .
التي قتل فيها الحاكم أشاع أنه يريد أن ينزل في أول رمضان إلى الجامع ومعه الطعام فمن أبى األكل قتله) .
ـ والدين الشيعى أعطى لإلمام الشيعى حق التشريع .وقد طبق هذا الخليفة الحاكم فى أوامره ونواهيه الغريبة فى التحريم 6 ،
مثل تحريم الملوخية وسمك القراميط ،وسنعرض لها الحقا ،ولكن منها ما كان مضحكا الى درجة البكاء .منها أن كان يمارس
( الحسبة ) بنفسه راكبا حمار يطوف به األسواق ليتحرى عن الموازين والمكاييل والغش واألسعار .ولم تخطر هذه العقوبة
العلنية التى شرعها الحاكم على بال هتلر نفسه .روى السيوطى ..( :وكان يعمل الحسبة بنفسه يدور في األسواق على حمار له
،وكان ال يركب إال حمارا ،فمن وجده قد غش في معيشته أمر عبدا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة
.العظمي ) ..من حق الشيعة أن يحمدوا هللا جل وعال أنهم لم يعيشوا عصر الحاكم بأمر هللا
:ـ والمصريون المشهورون بالصبر والسخرية إتسع لهم الوقت للسخرية من الحاكم .يروى السيوطى 7
وتتبع من يبيع العنب واشتد األمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفقأن شيخا حمل خمرا له على حمار وهرب 7 / 1 :( ،
فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له :من أين أقبلت ؟ قال " من أرض هللا الضيقة ".فقال " :يا شيخ أرض
) هللا ضيقة؟ " فقال " :لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر . ".فضحك منه وتركه.
وكان أمر أال ُيكشف ُم غّط ى ،فسكر رجل ونام في قارعة الطريق وغطى نفسهبمنديل ،فصار الناس يمرون به وال ( 7 / 2 :
يقدر أحد أن يكشف عنه .فمر به الحاكم وهو كذلك فوقف عليه وقال له " :ما أنت ؟ " فقال " :أنا مغطى وقد أمر أمير
).المؤمنين أال يكشف مغطى ، " .فضحك وطرح عنده ماال وقال :استعن بهذا على ستر أمرك.
الصالة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ( ) 2
:مقدمة
ـ لم يكن الخليفة الفاطمى ( الحاكم بأمر هللا ) مجنونا ،بل كان صريحا واضحا معبرا عن دين التشيع ونظرته فى ( حاكمية 1
اإلمام ) أو الخليفة الذى يكون معصوما متمتعا بالتأليه وصاحب الشرع االلهى فى دينهم األرضى .هذا هو ( الباطن ) المستور
الذى كان يغلفه أساطين التشيع بالتقية أو ( الظاهر ) تظاهرا باالسالم وشريعته .هتك الخليفة الحاكم هذا الستر الباطنى
.وأوضحه بأعمال خارجة عن المألوف
ـ ولم ينتبه أحد الى مدلول لقبه وهو ( الحاكم بأمر هللا ) .كانت ألقاب أسالفه من الخلفاء كاآلتى ( :عبيد هللا المهدى ،القائم 2
بأمر هللا ،المنصور بنصر هللا ،المعز لدين هللا ،العزيز باهلل ) ثم ألقاب من جاء بعده ( الظاهر إلعزاز دين هللا ،المستنصر باهلل
،المستعلى باهلل ،الحافظ لدين هللا ،اآلمر بأحكام هللا ،الظافر بأمر هللا ،الفائز بنصر هللا ،العاضد لدين هللا ) .كلهم إحتكر اسم
رب العزة جل وعال لنفسه شأن الدولة الدينية ( وهو ما حدث فى خلفاء العصر العباسى الثانى ) .ولكن تميز ( الحاكم بأمر هللا )
فى أن لقبه يعنى أنه يحكم بأمر هللا ،أى مايقوم به من أحكام إنما هى أوامر هللا ،وما يقترفه من كبائر ليست سوى شرع هللا.
لذا تصرف حسب هواه ـ وتقلب وتناقض مؤمنا أن ما يقوم به هو تجسيد لكونه ( الحاكم بأمر هللا ) .وتأكيدا لهذا لم يكتف
باألزهر مسجدا ،فأقام مسجدا حمل إسمه ( مسجد الحاكم بأمر هللا ) وكان يخطب ويؤم فيه الصالة وفق المراسيم الدينية
.للخالفة الفاطمية
ـ فى المقال السابق نقلنا عن السيوطى ( ) 911 : 849فى كتابه ( ُح سن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة ) ،وقد نقل 3
السيوطى أخبار الدولة الفاطمية عن مؤرخى العصر الفاطمى باالضافة الى ما ذكره المقريزى فى ( خطط المقريزى ) .
.السيوطى كان متعصبا للعباسيين وصديقا للخليفة العباسى فى القاهرة ،وقد أّر خ لهم محتفال بهم فى كتابه ( تاريخ الخلفاء)
ــ كان المقريزى ( ) 845 : 764متعاطفا مع الفاطميين متأثرا بشيخه ابن خلدون .قام المقريزى بتجميع تاريخ الفاطميين 4
فى الخطط المقريزىة وفى كتابه ( إتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين الخلفاء ) .والعنوان يوضح إحتفاءه بالفاطميين .وقد
نقل المقريزى عن المسبحى وابن زوالق .وبسبب تعصبه فقد تجاهل الكثير مما ُي شين الخلفاء الفاطميين ،وخصوصا خالل
ربع قرن هى فترة خالفة الحاكم بأمر هللا 411 : 386 (:هجرية 1020 : 996 :ميالدية ) .وكرر بعض هذا فى (الخطط )
.ـ ننقل منهما بعض ما أورده المقريزى مما يعبر عن ُح كم الخليفة الحاكم بأمر هللا وصالته الشيطانية 5
:أوال :عام 386
.وهو العام الذى تولى فيه الخالفة صبيا فى الحادية عشر من عمره
ـ قال عنه المقريزى ( :أبو علي منصور بن العزيز باهلل نزار بن المعز لدين هللا أبي تميم معد .ولد بالقصر من القاهرة 1
المعزية ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع األول سنة خمس وسبعين وثالثمائة في الساعة التاسعة والطالع من برج
السرطان سبع وعشرون درجة .وُس ّلم عليه بالخالفة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثالثاء عشري شهر رمضان سنة
.ست وثمانين وثالثمائة .ودخل القصر قبل صالة المغرب ) .الحظ دقة التوقيت ،وإتخاذ مواقيت الصالة دليال زمنيا
ـ عن طقوس دفن والده العزيز باهلل قال ( :وسار إلى قصره في يوم األربعاء بسائر أهل الدولة ،والعزيز في قبة علىناقة بين 2
يديه ،وعلى الحاكم دراعة مصمتة وعمامة فيها الجوهر ،وبيده رمح وقد تقلد السيف فوصل إلى القصر ولم يفقد من جميع ما
كان مع العساكر شيء .ودخله قبل صالة المغرب ).الطفل الذى سيتم تنصيبه خليفة يرتدى عمامة فيها الجوهر يحضر جنازة
.والده ،ثم يدخل القصر ( قبل صالة المغرب) .هنا التوقيت بموعد الصالة
ـ تنصيبه خليفة قال ( :ثم بكر( أى ذهب باكرا ) سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس ،وقد نصب للحاكم سريرمن ذهب 3
عليه مرتبة مذهبة في اإليوان الكبير .وخرج من قصره راكبًا وعليه معممة الجوهر ،فوقف الناس بصحن اإليوان ،وقبلوا
األرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير ،فوقف من مهمته الوقوف وجلس من له عادة الجلوس .فسلم عليه الجماعة
باإلمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمر هللا .وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام . ).عمامة
مزينة بالجوهر وسرير من الذهب ومرتبة من الذهب ،وسجودهم أمامه يقبلون األرض ..هل هذا من االسالم ؟ ثم هو طفل فى
!.الحادية عشر من عمره ،وقد أصبح إالها عندهم وحاكما بأمر هللا .!!.سبحانك هذا بهتان عظيم
ـ للمسجد دور حتى لو كان مسجدا صغيرا ،أو ( مصالة ) .بعضهم إعترض على تولية الحاكم ،وهم من شيوخ قبيلة ُك تامة 3
( األمازيغية ) وهم عسكر الفاطميين .وأعلنوا عن موقفهم بالتجمع فى ( المصّلى ) .قال المقريزى ( :وكان جماعة من شيوخ
كتامة تخلفوا عن الحضور وتجمعوا نحو المصلى ).وتمت ترضيتهم بالمال ،وهو إالههم األعظم .يقول ( :وفي ثاني ذي القعدة
.تجمع الكتاميون عند المصلى فأنفذ إليهم واستحضرهم وتقرر أمرهم على النفقة فيهم فأنفق عليهم) .
ـ وتم تعيين أبن عمار فى وظيفة الوساطة بين الخليفة المؤّله و( الرعية ) .ويأتى هنا دور الجامع ،إذ تّم فيه االعالن عن 4
تعيين ابن عمار .يقول ( :وقرىء سجل قرأه القاضي بالجامع ،يتضمنوالية ابن عمار الوساطة ،وتلقيبه بأمين الدولة وأمر
.الناس كلهم أن يترجلوا البن عمار فترجلوا بأسرهم له) .
ثانيا :عام ( ) 387
ـ ( في المحرم ورد سابق الحاج فأخبر بتمام الحج والدعاء للحاكم فيالحرمين .) .كان الحجاز تابعا للفاطميين .وهذا ملمح آخر 1
.من إستغالل الدين عند الفاطميين
.ـ ( وفيه ضربت رقبة عيسى بن نسطورس2 ).
ثالثا :عام 389
ـ ( وقتل األستاذ برجوان ألربع بقين من ربيع اآلخر سنة تسع وثمانين وثالثمائة وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير 1
يوم واحد )
أى لوقال )،ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبة بسيدنا وموالنا إال أمير المؤمنين وحده وأبيح دم من خالف ذلك ( 2
.أحدهم لشخص ما :سيدنا وموالنا فهو حالل الدم .ألنه الخليفة الصغير هو وحده سيدهم وموالهم
.أى فى هذا العام تخلص الحاكم من برجوان وابن عمار .وهذا بتدبير أخته ست الملك . ) .وفي شوال قتل ابن عمار ( 3 :
رابعا :عام ( ) 391
:ــ الحاكم يقتل كبار الموظفين 1
ـ ( سنة إحدى وتسعين وثلثمائة :في المحرم :قتل الحاكم ابن أبي نجدة ،وكان بقاال ،فترقت أحواله حتى ولى الحسبة 1 / 1 ،
ودخل فيما ال يليق به وأساء في معاملة الناس ،فاعتقل ،ثم قطعت يده ولسانه ،وشهر على جمل ،وضربت عنقه . ) .هذا
بقال أثرى وبالرشوة صار المحتسب ،وصار له نفوذ متخيال أنه ال بأس بهذا فى دولة هذا الخليفة الصبى .فعوقب باالعتقال ثم
بقطع يده ولسانه والتشهير على جمل ثم باالعدام بقطع الرأس ،ليكون عظة لمن تسّو ل له نفسه من أرباب الوظائف أن يعلو
.صوته
ـ ( ثم وفيها قتل الحاكم مؤدبه أبا القاسم سعيد بن سعيد الفارقي يومالسبت لثمان بقين من جمادى األولى ،وهو يسايره 1 / 2
بأن أشار إلى األتراك بعينيه بعد أن بيت معهم قتله ،فأخذته السيوف ،وكان قد داخل الحاكم في أمور الدولة وقرأ عليه
الرقاع واستأذنه في األمور كهيئة الوزراء .) .هذا الطفل كان له معلم يعلمه ،وظل هذا المعلم يعلمه بعد أن صار خليفة ،ولكن
أصبح المعلم يتدخل قيما ال يعنيه ،فكان قتله وهو يصاحب تلميذه الخليفة .هذا الخليفة لم يعش فى عصر أمير الشعراء (أحمد
! ).شوقى ) القائل ُ :قم للمعلم وّف ه التبجيال ..كاد المعلم أن يكون رسوال
ـ قتل الحاكم من ( فهد بن ابراهيم ) أحد الرؤساء ( :وفي ثامن جمادى اآلخرة ضربت رقبة فهد بن إبراهيم ،وله منذ 1 / 3
نظر في الرئاسةخمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما .).وجاء أبو غالب بثروة أخيه القتيل الى قصر الخليفة ،وهى نصف
مليون دينار ،فرفض الحاكم أخذها وأمر بتوزيعها على ورثة القتيل .ثم جاءت وشاية الى الخليفة أن أبا غالب تكلم كلمة فى
حق الخليفة فأمر الخليفة بقتله وإحراقه دون أن يتثبت فى األمر .يقول المقريزى ( :فحمل أخوه أبو غالب إلى سقيفة القصر
من مال أخيه فهد جرايات فيها خمسمائة ألف دينار .فلما خرج الحاكم سأل عنها فعرف خبرها فأعرض عنا وبقيت هناك مدة
ثم أمر بها فردت إلى أوالد فهد وقال إنا لم نقتله على مال فحملت إليهم ثم رفع أصحاب األخبار عن أبي غالب كلمة تكلم بها
فقتل وأحرق بالنار) .
ـ ( وفي خامس عشر من شهر رجب ضرب عنق أبي طاهر محمود بن النحويالناظر في أعمال الشام لكثرة تجبره 1 / 4
وعسفه بالناس) .
.ـ فى هذه السنة بدأ تناقض الحاكم بين الخروج واالنعزال فى القصر و ،وبداية حظره التجول 2
الخليفة الطفل أراد اللهو فصار يتنزه ليال فى شوارع القاهرة ،وأمر الناس بإشعال المصابيح ،فوجدها الناس فرصة 2 / 1 :
لّل هو واللعب ،وصارت فرصة لإلنحالل الخلقى فمنع الخليفة الصغير خروج النساء فى الليل ومنع الرجال من الجلوس فى
الحوانيت .قال المقريزى ( :وفي سنة إحدى وتسعين :واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة ،فكان يشق الشوارع واألزقة
وبالغ الناس في الوقود والزينة وانفقوا األموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو ،وكثر تفرجهم على ذلك حتى
خرجوا فيه عن الحد ،فمنع النساء من الخروج في الليل ،ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت ( ) .سنة إحدى وتسعين
وثلثمائة :في المحرم واصل الحاكم الركوب في الليل في كل ليلة وكان يركب إلىموضع موضع وإلى شارع شارع وإلى زقاق
زقاق .وأمر الناس بالوقيد فتزايدوا فيه بالشوارع واألزقة وزينت األسواق والقياسر بأنواع الزينة وباعوا واشتروا وأوقدوا
الشموع الكبيرة طول الليل وأنفقوا األموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو .ومنع الرجال المشاة بين يدي الحاكم
أن يقرب أحد من الناس الحاكم فزجرهم وقال ال تمنعوا أحدًا فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له .وزينت الصناعة وخرج
سائر الناس بالليل للتفرج وغلب النساء الرجال على الخروج في الليل وتزايد الزحام في الشوارع والطرقات وتجاهروا بكثير
من المسكرات وأفرط األمر من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الرابع والعشرين فلما خرج الناس عن الحد أمر الحاكم أال تخرج
امرأة من العشاء فإن ظهرت نكل بها .ومنع الناس من الجلوس في الحوانيت) .
) وفي ربيع األول قرئ سجل برفع المنكرات وإبطالها ،وبمنع ذلك ،فختم علىعدة مواضع فيها المسكرات لتراق2 / 2 ( .
.وفى شهر رجب ..( :وقطع الحاكم الركوب في الليل..) .أى فرض على نفسه حظر التجول 2 / 3 .
ـ هذا العام شهد بداية قتل الحاكم لعوام الناس ( .وقبض على رجل شامي قال :ال أعرف علي بن أبي طالب وأقول إن 3
النبيصلى هللا عليه وسلم مرسل غير أني ال أعرف علي بن أبي طالب .فحبس وروجع ،فأصر على أنه ال يعرف عليا ،فرفق به
.القائد حسين فلم يعترف بمعرفة علي رضي هللا عنه ،فخرج األمر بقتله فضرب عنقه وصلب ) .
ــ وفى هذا العام بدأ الحاكم إضطهاده لألقباط 3
إعتقال الموظفين األقباط ومصادرة أموالهم ( :وقبضت أموال من قبض عليه من النصارى الكتاب3 / 1 : ).
بهدم كنيسة وإقامة جامع مكانها بإسم ( جامع راشدة ) وأقيمت فيه صالة الجمعة .قال المقريزى ( :وابتدئ في عمارة 3 / 2 :
جامع راشدة ،وكان مكانه كنيسة فبنى جامعًا ،وأقيمتفيه الجمعة )( ..وأمر بإتمام بناء الجامع الذي ابتدأ بعمارته العزيز على
يد وزيره يعقوب بن كلس .وفيه كانت صالة الجمعة فى أول شعبان ( :وفي غرة شعبان جمع في الجامع الجديد بظاهر باب
.الفتوح) .
:مقدمة
ـ كان مستغربا أن يحكم المماليك ( وهم رقيق سابقا) مصر ويمتد ملكهم الى حدود العراق وجنوب آسيا الصغرى مع الحجاز 1 .
المعارضة الكبرى بدأت من مصر ضد عز الدين أيبك أول سلطان مملوكى .لم يرض المصريون أن يحكمهم مماليك األيوبيين .
يقول المؤرخ المملوكى جمال الدين أبو المحاسن ( إبن تغرى بردى ) فى تاريخه ( النجوم الزاهرة ) ( :أن أهل مصر لم
يرضوا بسلطان مسه الرق ,وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب في الطرقات )
ولذا اشتد هذا السلطان فى فرض هيبته على المصريين .يقول المقريزى في حوادث سنة 648هـ التى شهدت قيام الدولة
المملوكية البحرية ( :وفيها كثر ضرر المماليك البحرية بمصر ،ومالوا على الناس ،وقتلوا ونهبوا األموال وسبوا الحريم ،
وبالغوا في الفساد حتى لو حكم الفرنج ما فعلوا فعلهم) ،أى لو حكم الصليبيون مصر فإنهم -فى رأي المقريزى -لن يظلموا
المصريين بالقدر الذى فعله بهم المماليك المسلمون.ويقول المقريزى في ترجمة للسلطان أيبك أول سلطان مملوكى (وكان ملكًا
حازمًا شجاعًا سفاكًا للدماء ،قتل خلقًا كثيرًا ،وشنق عالمًا من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته ،وأحدث مظالم
ومصادرات عمل بها من بعده) .أى أن السلطان أيبك استن سنة سيئة عمل بها خلفاؤه المماليك هى القسوة المتناهية فى قهر
.المصريين حتى ال يثوروا
ـ تصدى المماليك للمغول وهزموهم فى معركة عين جالوت ، 658وتصدووا للصليبيين حتى إستأصلوا شافتهم باستيالء 2
االشرف خليل بن قالوون على عكا ثم صور وبيروت وانطرطوس وعثيلت وارواد ،وأنهي المماليك بذلك الحروب الصليبية
.التي بدأت قبلهم بنحو قرن ونصف القرن وخلصت لهم سيطرتهم على الشام
ـ وقع على كاهل السلطان الظاهر بيبرس عبء توطيد الدولة المملوكية ،وهو الذى أرهق الصليبيين بغاراته وارهق أيضا 3
المغول حكام العراق .ولكنه فيما يخص موضوعنا أّس س الشرعية الدينية للدولة المملوكية بنقل الخالفة العباسية الى القاهرة
ليكون الخليفة العباسى هو الذى يعقد شرعية السلطان المملوكى حين يتولى السلطة ،وبتأسيس المذاهب األربعة وقضاتها
:السنيين ،وبناء المساجد .ونتوقف ببعض التفصيل
:أوال :إقامة الخالفة العباسية فى القاهرة بعد إحتالل المغول بغداد والعراق
ـ لم ينس المماليك أن آخر خليفة عباسى فى بغداد إعترض على تولية شجرة الدر السلطنة بعد موت السلطان الصالح أيوب 1
وهزيمة الحملة الفرنسية التى قادها لويس التاسع .لم يشفع عند الخليفة العباسى أسر لويس التاسع وإبادة جيشه بقيادة شجرة
الدر والمماليك الذين إختاروها سلطانة فبعث يتندر إن كانت مصر قد خلت من الرجال .وتحاشيا إلغضابه والرأي العام معه فقد
.تم حل المشكلة بأن تتزوج من أيبك الداودار ،وتقاسما السلطة وصارت شجرة الدار تحكم ولكن من وراء ستار
ـ دعا الظاهر بيبرس أحد أقارب الخليفة العباسي الذى قتله المغول عام 658ونصبه خليفة في القاهرة .إال أن بيبرس 2
تخوف من الخليفة الجديد فحجر عليه ثم قرر أن يتخلص منه فبعثه بجيش صغير ليحارب المغول فهزم وقتل ،وعين آخر محله
.
واقتصر دور الخليفة على مبايعة كل سلطان ،أى مجرد ( مأذون شرعى ) يقوم بعقد الشرعية السنية على السلطان المملوكى.
بل كان الخليفة العباسى يعطى مشروعية دينية للحكام خارج الدولة المملوكية ،فقد جاء سفير ملك الهند يطلب من الخليفة
العباسى بالقاهرة ومن السلطان قايتباى تقليدًا له بالحكم ،وفق ما ذكره المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر فى أنباء
.العصر )
كان الخليفة العباسى األول فى الترتيب الرسمى قبل السلطان نفسه ،ومع ذلك لم يكن للخلفاء العباسيين فى دولة المماليك 3 :
نفوذ .والسيوطي عاصر السلطان قايتباى وكان صديقا للخليفة العباسى فى القاهرة ،وفى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) أفرد جزءا
للتأريخ للخلفاء العباسيين فى القاهرة .وفي حديثه عن علو شأن الخالفة العباسية في بغداد حتى مع ضعف سلطة الخليفة فى
العصر العباسى الثانى قال السيوطى يتحّس ر عن حال الخلفاء العباسيين في القاهرة (:وقد صار األمر في زماننا إلى أن الخليفة
يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر ،فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معًا خارج المرتبة ،ثم يقوم
الخليفة يذهب كأحد الناس ،ويجلس السلطان في دست مملكته .وقد ُح ّد ثت أن السلطان األشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال
العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكبًا أمامه ،يحجبه (،أى يعمل حاجبًا أمامه) ،والهيبة والعظمة للسلطان ،والخليفة كأحد
.األمراء الذين في خدمة السلطان).
ويتفق معه المؤرخ ابن الصيرفى الذى يقول عن الخليفة العباسى فى عهده وهو ( المستنجد ) ( :ليس له في الخالفة إال
اإلسم.،).كان مجرد رمز تكتمل به مالمح الدولة الدينية للنظام المملوكي .أما السلطان المملوكى فهو الحاكم الفعلي الذى يقود
.الجيش ويمثل السلطة الزمنية السياسية ويحيط عنقه بقالدات السلطة الدينية
ـ وبها أصبحت الرموز الدينية للدين األرضى السائد خدما للسلطان .ونستشهد بالمؤرخ ابن الصيرفى الذى كان معاصرا لما 4
يسجله من أحداث فى تاريخه (إنباء الهصر ) يقول عن أحداث يوم السبت أول ربيع الثاني ( :877صعد فيه قضاة القضاة
لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وكان يتقدمهم أمير المؤمنين المتوكل على هللا أبو العز عبد العزيز دام شرفه ،فهنأه بالشهر،
ثم دخل القضاة بعد أن جلسوا طويًال بجامع الناصر ابن قالوون ينتظرون األذن ،فإن السلطان نصره هللا كان يلعب بالكرة هو
واألمراء المتقدمون ،فلما فرغوا جلس بالحوض السلطانى تحت الدكة ،وكنت معهم ،فهّن وا ودعوا وانصرفوا ،ولم يتكلم أحد
منه ببنت شفة" . ) .الخليفة العباسى ( يصعد ) الى السلطان ليهنئه بأول الشهر العربى ( كالعادة ) .ومعه الُقضاة وضمنهم
.المؤرخ القاضى ابن الصيرفى
ثانيا :تأسيس النظام القضائى الُس ّن ة بالمذاهب األربعة
ـ يقول المقريزى عن السلطان الظاهر بيبرس .. ( :فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقدارّي ولي بمصر والقاهرة 1
أربعة قضاة وهم شافعّي ومالكّي وحنفّي وحنبلّي ) .وصار هذه ُس ّن ة متبعة ٌت ام لها دور العبادة بأنواعها من مساجد ومؤسسات
صوفية كالخوانق والزوايا واألربطة ،ومن يخرج عن هذا يتعرض للعداء كخارج عن الدين .يقول المقريزى ( :فاستمّر ذلك
من سنة خمس وستين وستمائة حتى لم يبق في مجموع أمصار اإلسالم مذهب يعرف من مذاهب أهل اإلسالم سوى هذه
المذاهب األربعة وعقيدة األشعرّي ،وُع ملت ألهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك اإلسالم ،وُع ودي من
تمذهب بغيرها وأنكر عليه ،ولم يوّل قاض وال قبلت شهادة أحد وال قّد م للخطابة واإلمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلًداألحد
هذه المذاهب ،وأفتى فقهاء هذه األمصار في طول هذه المّد ة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى
.اليوم ).هذا ما قاله المقريزى ،وهو الحال حتى اليوم
ـ كان القضاء في العصر المملوكي نوعين :قضاء شرعى وقضاء سياسي .والقضاء الشرعى يرأسه القاضى الشافعي الذى 2
يعين نوابا عنه في األقاليم المصرية يقوم كل منهم بوظيفة القاضى في بلد ،ويقوم القضاة األحناف والمالكية والحنابلة بتعيين
نواب عنهم أيضًا ولكن يقف القاضى الشافعي في المقدمة على رأس الهيئة القضائية الشرعية ،ويختص إلى جانب ذلك بالنظر
في أمر األيتام واألوقاف وبيت المال ،ثم هو خطيب الجامع األعظم بالقلعة.وعدد نواب القضاة في األقاليم أكثر من مائتى نائب أو
قاض للحكم فى منطقته المحلية ،وكل قاض منهم لقبه نائب أى ينوب عن قاضى القضاء في المنطقة التى بها المحكمة
الشرعية .كان القضاء جزءا من الدولة المملوكية ،وكانوا يصعدون مع الخليفة العباسى الى السلطان يهنئونه بمقدم الشهر
.العربى .كما سبقت اإلشارة اليه .وهم بهذا يمثلون خضوع الدين السنى للسلطان المملوكى
ــ وكان السلطان المملوكى العسكرى مؤلها ،فقد كان من الطقوس الدينية ،أو من المراسيم المملوكية وقواعد البروتوكول أن 3
يسجد الناس أمام السلطان المملوكي أو أن يقبلوا األرض بين يديه .كان الجميع يفعلون ذلك من الخليفة العباسى إلى القضاة
األربعة وسائر األمراء .وكان التعبير المعتاد أن يقال أن فالنًا "صعد" إلى القلعة وقّب ل األرض بين يدى السلطان .وكلمة
"صعد" كانت تتكرر في وصف أى زيارة يقوم بها أى شخص للسلطان لتوحي بتقديس السلطان وتأليهه ،يقول ابن الصيرفي
عن األتابك أزبك قائد الجيش (:وصعد القلعة بعد عصر يومه المذكور ،فقّب ل األرض،).ويتكرر مع وصف السلطان بعبارات دينية
مثل(المواقف الشريفة شّر فها هللا وعّظ مها )،ففي وم (األحد أول رجب )873ووصل سفير األمير حسن بك سلطان ديار بكر
يقول ابن الصيرفي (:فصعد بين يدى المواقف الشريفة شّر فها هللا وعّظ مها ،وّق بل األرض .).وقايتباى حين كان أميرا فى
سلطنة السلطان المنصور عثمان بن جقمق كان يسجد له أيضا.وحتى في الرسائل الموجهة للسلطان يقال له (:وبعد تقبيل
األرض والدعاء للسلطان ،) .وهذا ما كتبه األتابك أزبك في رسالته .وحين يتعطف السلطان على أحدهم ويرفعه فوق مرتبته
يسمح له بأن يقبل يده ،وفي أحداث يوم االثنين 5جمادى الثانية 876يقول ابن الصيرفى ( :صعد القاضى عبد البر بن
.الشحنة إلى السلطان وقّب ل يده فأكرمه).
ـ بهذا يمكن القول بأن الدولة المملوكية دولة عسكرية دينية إذا نظرنا الى مؤسساتها الدينية ووجود الخالفة العباسية فى 4
القاهرة بما تمثله هذه الخالفة من كهنوت دينى ،وبما يتمتع السلطان المملوكى من تأليه ،وهو الذى يطبق الشريعة الّس نية
بأعوانه من العلماء ورجال الدين ،ومنشآت العصر كلها مدارس وخوانق ومساجد وجوامع لتدريس العلوم الدينية الشريفة،
والخليفة العباسى يسجدون له ومعه قضاة ( الشرع الشريف ) .وهم أعوانه فى الظلم حيث إرتبط طقوس العبادة بأشد أنواع
.الظلم المملوكى،ومعها المساجد الشيطانية المملوكية
ثالثا :تأسيس وإنتشار المساجد ( الشيطانية )
ـ المساجد قبل الظاهر بيبرس كانت معدودة ،اشهرها (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ،فى مدينة الفسطاط التى بناها 1
عمرو .ثم بنى العباسيون مدينة العسكر ،وبنى فيها الوالى العباسى السرى بن الحكم مسجد العسكر .وبنى أحمد بن طولون
مدينة القطائع وبنى فيها مسجده ( أحمد بن طولون ) .ثم بنى جوهر الصقلى مدينة القاهرة والجامع األزهر ،ثم بنى العزيز
باهلل الفاطمى عام 380جامعا أتّم ه ابنه الحاكم فحمل إسم ( جامع الحاكم ) وبنى الحاكم مسجد راشدة وجامع المقس .ثم بنى
صالح الدين األيوبى للصوفية خانقاه سعيد السعداء ليحارب بالتصوف السنى الدين الشيعى .واتصلت مبانى الفسطاط بالعسكر
بالقطائع بالقاهرة ،واصبح فى العصر المملوكى يطلق عليها ( مصر والقاهرة ) .قال المقريزى فى ( الخطط ) ( :فلما كانت
الدولة التركية ( المملوكية ) حدث بالقاهرة والقرافة ومصر وما بين ذلك عدة جوامع أقيمت فيها الجمعة وما برح األمر يزداد
حتى بلغ عدد المواضع التي تقام بها الجمعة فيما بين مسجد تبر خارج القاهرة من بحريها إلى دير الطين قبلي مدينة مصر
زيادة على مائة موضع .. ( )...وقد بلغت عدة المساجد التي تقام بها الجمعة مائة وثالثين مسجًد ا ،) .أى إمتألت القاهرة
بحوالى مائة مسجد أو جامع كبير ُت قام فيه صالة الجمعة ،هذا عدا المؤسسات الصوفية من زوايا وأضرحة وخوانق وُر بط
( .جمع رباط )
ـ كانت البداية فى سلطنة الظاهر بيبرس .كان صالح الدين األيوبى قد أغلق الجامع األزهر الذى كان مركز الدين الشيعى 2 .
وظل معطال مائة عام حتى جاء الظاهر بيبرس فقام بترميم الجامع األزهر ،واوقف عليه األوقاف ،وأعاد فيه صالة الجمعة
ليكون معبرا عن دين التصوف السنى السائد فى الدولة المملوكية ،قال المقريزى فى (الخطط ) عن الجامع األزهر ( :ثم أنه
جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس ..لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع األول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت
الجمعة بالجامع األزهر بالقاهرة ) .وقام الظاهر بيبرس بتجديد جامع عمرو بن العاص ،كما إنه هو أول من أنشأ خانقاة فى
العصر المملوكى .وقد أنشأها وهو أمير لم يكن قد تولى السلطنة .وقد وصفها المقريزى فقال ( :هذه الخانقاه من جملة دار
الوزارة الكبرى التي تقّد م ذكرها عند ذكر القصر من هذا الكتاب وهي أجّل خانقاه بالقاهرة بنياًن ا وأوسعها مقداًر ا وأتقنها صنعة
بناها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورّي قبل أن يلي السلطنة وهو أمير .فبدأ في بنائها في سنة ست
وسبعمائة وبنى بجانبها رباًط ا كبيًر ا يتوصل إليه من داخلها . ).ثم إنتشرت المؤسسات الصوفية بمساجدها وخوانقها وزواياها
وأربطتها ،يقيم فيها صوفية يتخصصون فى الدعاء للسلطان والذى بنى هذه المؤسسة وجعل لها األوقاف .وقد حرص
المماليك في وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية على إلزام الصوفية المعينين فيها بالدعاء لهم واالستغفار من أجلهم
ليمارسوا الظلم وهم آمنون من غضب هللا حسبما يعتقدون .وتمتعوا مع ذلك برضا أعوانهم من أولياء التصوف وحمايتهم في
الدنيا واآلخرة بزعمهم .ومن الطبيعي أن يهتم الواقف على المؤسسة الصوفية بإلزام الصوفية فيها بالدعاء له للتكفير عن
ظلمه وفي اعتقاده أن ذلك كفيل بالغفران له مهما ظلم .وقد ورد في وثيقة وقف الغوري (ويتولى شيخهم الدعاء فيحمد هللا
سبحانه وتعالى ثم يصلي كثيرًا على نبيه ويهدي ثواب القراءة إلى حضرته الشريفة ثم في صحيفة موالنا السلطان ..ثم في
.صحيفة نجله وصحيفة كريمته المرحومة خوند الصغرى)
رابعا :إقتران الظلم بالصالة الشيطانية
ـ المماليك جىء بهم الى مصر من آسيا وأوربا ،وتعلموا فى هذا المناخ إرتباط الدين بالظلم دون تعارض بينهما .فكان 1
أكثرهم تدينا هو األكثر ظلما ،فلم يعد غريبًا أن نقرأ في ترجمة األمير تمراز أنه كان (يظهر التدين ويقرأ القرآن وبه بطش
وظلم وجبروت وكان يعاقب العقوبة الشديدة المؤلمة على الذنب الصغير) .أما يلبغا السالمي فكان يضرب المظلوم (..ثم يصلي
.ثمان ركعات مع إطالة ركوعها وسجودها ،وال يجسر أحد أن يترك الضرب دون فراغه)
:ويصور الشاعر الحراتي هذه الحالة الفريدة في أبياته فيقول
قد بلينا بأمير فجاء بحمد هللا غير موفق>"&"RTL بنى جامعًا هلل من غير حله
فليتلِك ال تزني وال تتصدقي كمطعمة األيتام من كد فرجها
وهو نفس التعليق الذي أورده أبو المحاسن على زين الدين االستادار الذي (استولى على معاش الفقراء وأرباب التكسب
وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف أضعافها ،حتى جمع من هذا المبلغ الخبيث أمواال كثيرة وعمر منها الجوامع والمساجد
:والسبل) ويقول فيه أبو المحاسن :فهو كما قال الشاعر
بنى جامعا هلل من غير ماله
فكان بحمد هللا غير موفق
كمطعمة األيتام من كد فرجها
لِك الويل ال تزني وال تتصدق
ـ ويذكر أن زين الدين االستادار هذا اشتهر باالثنين معًا :الظلم وكثرة العمائر الدينية ،يقول فيه أبو المحاسن أنه (حَس ن 3
للسلطان أخذ جميع الرزق ( أى األوقاف الخيرية ) التي على وجوه البر والصدقة .وبضواحي القاهرة ،وبتأثيره على السلطان
عم البالء غالب المسلمين حتى الجوامع والمساجد والفقهاء والفقراء وغير ذلك .ولما أثرى وكثر ماله من هذه األنواع أخذ في
عمارة األربطة والجوامع والمساجد ،فعّم ر جامعه بالقرب من داره بين الصورين عند باب سعادة ،ثم جامعه الذي بخط بوالق
على النيل ،ثم جامعه الذي يخط الحبانية على بركة الفيل ،وفي غير القاهرة عدة أمالك وسبل ومساجد تفوت على الحصر ,كل
.ذلك وهو مستمر على ما هو عليه وزيادة إلى أن كانت نكبته )
ـ وقد بنى األمير أقبغا المدرسة األقبغاوية وجعل فيها صوفية .يقول فيها المقريزي ( وهى مدرسة مظلمة ليس عليها من 4
بهجة المساجد وال أنس بيوت العبادة شيء البتة) وذلك ألن أقبغا ـ حسبما يصفه المقريزي ـ ( كان من الظلم والطمع والتعاظم
على جانب كبير) .وقد سخر في عمارة مدرسته كل صانع بالقاهرة ومصر ( :وأقام بها أعوانًا لم ُير أظلم منهم ،كانوا
يضربون العمال ،وحمل لها األصناف من الناس ،فكانت بين غصب وسرقة .ومع ذلك فإنه ما نزلها قط إال وضرب فيها من
الصناع عدة ضربًا مؤلمًا ,ويعبر ذلك الضرب زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شاهدًا بها ...فلما تمت جمع بها
القضاة والفقراء ـ يعني الصوفية)
وقاسى العمال الفقراء من السخرة والضرب في بناء تلك المنشئات الدينية كما نلمح من النص السابق ،حتى أن شدة األمير
قان بردى األشرف في تسخيرهم دفعت المؤرخ المملوكي االرستقراطى أبا المحاسن إلى االحتجاج الذي نحسه من النص
التالي ( :ابتدأ األمير سيف الدين قان بردى األشرف في عمارة تربة عظيمة عند الريدانية (العباسية ) وشرع في ذلك أيام
يسيرة ،ومع هذا ظلم في تلك األيام الظلم الزائد وعسف الصناع وأبادهم بالضرب وباستعمالهم بغير أجرة ،فما عّف وال كّف ،
.إلى أن أخذه هللا أخذ عزيز مقتدر )
واقترنت سيئات أخرى بالظلم ،مثل الرشوى فوصف يونس الداودارى بأنه ( كان يحب المال ،ويأخذ الرشوة ،وعّم ر 5-
.مدرسة وخانقاه ورباطًا وزاوية وتربة وأحواض سبيل بالديار المصرية والشامية )
ـ وبعضها إقترن بالشذوذ الجنسى الذى كان منتشرًا بفعل الصوفية ،وأدمنه بعض أرباب الدولة ،ومنهم السلطان الناصر 6
محمد بن قالوون ،حتى يقال في حوادث سنة ( 735وفيها كثر شغف السلطان (الناصر محمد) بمملوكه الطنبغا الماردينى
شغفًا زائدًا فأحب أن ينشئ له جامعًا) ..وهكذا ارتبط الشذوذ الجنسى بإنشاء جامع الماردينى المشهور ،وارتبط بالطبع بالظلم
.فقد وصف المقريزي أصناف الظلم التي واكبت إنشاء ذلك الجامع
ـ وأسهم الظلم بطريق غير مباشر في ازدهار العمائر الدينية والوقف عليها ..ذلك أن المصادرات كانت أبرز سمات االنتقام 7
من المهزوم أو الحصول على األموال من األغنياء والمباشرين فتحايل المماليك ـ سالطين وأمراء ـ على تحصين أموالهم من
المصادرة بعد وفاتهم بالبناء والوقف عليها وجعل ورثتهم متمتعين بعائد الوقف مشاركين فيه ،فكان أن استشرى الوقف على
األراضي الزراعية المصرية وأقيمت مؤسسات دينية تتعيش من ذلك الوقف .ومع ذلك فقد احتال الغالب على سلب أوقاف عدوه
.المغلوب بتشجيع القضاة المتصوفة ،إذ كان يتم استبدال الوقف ـ على الورق ،أو يّغ ير كتاب الوقف على المؤسسة الدينية
الفصل العشرون :الصالة الشيطانية للسلطان قايتباى أكثر السالطين المماليك ورعا
) (1
لمحة عن السلطان قايتباى
ـ السلطان قايتباى حكم من ، 901 : 872قال عنه المؤرخ ابن الصيرفى أنه ( سلطان عظيم شجاع فارس معدود من 1
الفرسان ،ديِّن عفيف الفرج ال يلوط وال يزني وال يسكر وله ورد في الليل من صالة وقيام ( .).وفي الواقع فسلطان مصر
الملك األشرف أبو النصر قايتباى -نصره هللا -سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان ،ديِّن عفيف الفرج ال يلوط وال
يزني وال يسكر وله ورد في الليل من صالة وقيام".).أى تميز السلطان قايتباى عن غيره من السالطين واألمراء المماليك بأنه
ال يقع فى الزنا وال فى الشذوذ الجنسى الذى كان سائدا وقتها فى ظل حماية الشريعة السنية و سكوتها عنه .بل إنه يقوم الليل
.يصّلى ويقرأ األوراد الصوفية على المعتاد وقتها
ـ وهو صاحب أكبر عدد من المنشئات الدينية من جوامع ومدارس وقباب ومساجد وُسُب ل ( جمع سبيل لرعاية األيتام 2
وتعليمهم ) ،ومنها :جامع تمراز ،جامع أزبك بن تتش ، ،مدرسة ومقبرة قايتباى ،مدرسة قايتباى في المدينة ،سبيل
قايتباى ،قبة قايتباى ،قصر ومدرسة الروضة ،جامع جانم ،مدرسة أبوبكر بن مزهر ،جامع قجماس ،مدرسة أزبك اليوسفى ،
ومسجد قايتباى بمدينة الفيوم ومدرسه بقلعة الكبش . ) .والطريف أن مسجد قايتباى مطبوع على الجنيه المصرى ،كما أن
.صورته محفوظة فى أوربا
ـ وقد قام المؤرخ ابن الصيرفى بتسجيل تاريخ السلطان قايتباى باليوم والشهر والعام فى تاريخه ( إنباء الهصر بأبناء العصر 3
) .قمنا بتحليله فى بحث لنا منشور هنا عن المجتمع الصمرى تحت تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى .ومنه نعطى معلومات
.عن الصالة الشيطانية للسلطان قايتباى التى كانت ويلة للظلم
لمحة عن المؤرخ ابن الصيرفى (على بن داود بن إبراهيم الخطيب الجوهرى الصيرفى ()900-819
ـ هذا المؤرخ كتب تاريخه شاهدا على عصر قايتباى .عمل قاضيا يرى السلطان فى مطلع كل شهر ،وكان وثيق الصلة بابن 1
مزهر األنصارى كاتب الّس ر للسلطان ،أى كاتم أسرار السلطان وسكرتيره الخاص والذى يقوم عنه بكتابة المراسالت للخارج
والداخل .أى إن عمله كقاضى يجعله متفاعال مع الشارع والناس ،مع صلته بالبالط المملوكى .فهو مؤرخ ينقل أخبار عصره
من مصادرها األصلية ،خصوصا مجتمع الفقهاء والقضاة والمماليك بل والطبقات الشعبية التى كان يحتّك بها بطبيعة عمله .
وقد غّط ي كتاب (الهصر) عصر السلطان قايتباى ،خصوصا السنوات الخيرة منه ،حيث كان يؤرخ لهذه السنوات باليوم
والشهر،ويورد كل التفصيالت من موقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة والتفاعل مع األحداث والمشاركة فيها ،فقد كان ابن
الصيرفي مصريًا صميمًا اختلط الناس وعايشهم ومارس التجارة وعاش في األسواق ثم اندرج في سلك الفقهاء والقضاة وخالط
أرباب الحكم والجاه ومن موقعه بين الحكام والمحكومين سجل ما رآه وما عايشه فجاء تاريخه وثيقة حية لفترة غامضة من
.تاريخ المجتمع المصري في العصر الوسيط
ـ ونستقى معلوماتنا عن الصالة مما ذكره ابن الصيرفى فى تاريخه .وليست الصالة عنوانا رئيسا فيما كتبه ابن الصيرفى فى 2
التأريخ لقايتباى وعصره .جاءت إشارات عرضية عنها فى سياق عناوين أخرى تحوى تفصيالت كثيرة ،لذا نضطر الى ذكر
.تلك التفصيالت فى ذكر الصالة والمساجد .وألن السياقات تلك تحفل بالظلم فمن العدل أن نقول إنها صالة شيطانية
:ـ ونضع تلك المقتطفات تحت عناوين كاآلتى 3
أوال :صالة السلطان قايتباى اليومية
ـ يقول ابن الصيرفى ( وفي يوم الخميس 19صفر 875تشاجر الشيخ القاضى أبو بكر األبشيهي مع القاضى شهاب الدين 1
الصوفي بسبب وظيفة الخطابة في مدرسة المغلبية طاز .وانتهى الصراع بينهما بالوقوف أمام السلطان ،وتدخلت أطراف في
ذلك النزاع ،يقول ابن الصيرفي ( :والمؤّلب على األبشيهي -كما بّلغني الشيخ اإلمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره
هللا ) !.أى كان الشيخ برهان الدين الكركي إمام مسجد القلعة والذى يصلى إمامًا بالسلطان منضمًا للشيخ شهاب الدين الصوفي
ضد الشيخ أبى بكر األبشيهي ،وربما كان الشيخ برهان الدين الكركي هو الذى أوصل القضية إلى السلطان قايتباى .وألن
مؤرخنا ابن الصيرفي من محبي الشيخ برهان الدين الكركي كما يبدو من سطور تاريخه ( -كما بّلغني الشيخ اإلمام البرهان
الكركي إمام المقام الشريف نصره هللا .) !.ونفهم أنه كان للسلطان قايتياى شيخ يؤمه فى الصالة اليومية ،واألغلب أن ال
.يحضر هذه الصلوات اليومية خاصة بالسلطان ال يحضرها آخرون ،أى يؤديها السلطان خلف إمامه الخاص
:ثانيا ـ صالة السلطان الجمعة
ـ ويفترق الوضع مع صالة الجمعة التى كانت ضمن الطقوس الدينية السياسية ،توارثها العصر المملوكى عن العصور 1
.السابقة خصوصا العصر الفاطمى
ـ كان هناك نوعان من القضاء :القضاء الخاص باألحوال الشخصية ،ويتواله ُقضاة الشرع ( الُس ّن ى ) ،ثم هناك القضاء 2
السياسي الذى ال عالقة له باألحوال الشخصية ،ويختص القضاء بالجنايات مثل االعتداء أوالظلم والضرب والقتل وشئون
الدواوين ،ويتولى السلطان واألمراء مباشرة القضاء السياسي يعاونهم بعض القضاة ،وكانوا يجلسون باإلسطبل السلطانى
بالقلعة في أيام السبت والثالثاء أول النهار ويوم الجمعة بعد الصالة ،وسار قايتباى على هذا الترتيب ،وكان يذهب إليه في
موكب يعرف بموكب اإلسطبل .وفى عصر قايتباى ( المتدين الورع ) تمّي ز وقت ما بعد صالة الجمعة بجلوس السلطان للقضاء
.السياسى
ـ ولم يكن قايتباى يتخلف عن صالة الجمعة إال عند المرض .يقول ابن الصيرفى ( :ولم يحضر السلطان صالة الجمعة 3 16
محرم .وصعد األمراء اليه فى القلعة ،ودخلوا بين يديه فسلموا عليه وسقاهم المشروب وعادوا لمنازلهم .ولم يطع أهل المدينة
األوامر فقاموا بهدم الزينة التى كانوا قد أعّد وها لإلحتفال باستقبال السلطان ) .وبعد شفاء السلطان عقدوا له إحتفاال بعد صالة
الجمعة والتى حضرها السلطان ،وكان هذا يوم الجمعة 28صفر يقول مؤرخنا .. ( :وركب السلطان من القلعة إلى الجامع
.وصلى الجمعة ( .. ) .وفرشت له الشقق المخمل من باب الحريم إلى باب الجامع ).
ثالثا :خطبة الجمعة وخطبة العيد
من المعتقدات السائدة في العصر المملوكي الخوف على السلطان إذا كان العيد يوم جمعة وخطب فيها خطبتان ،خطبة صالة
العيد وخطبة صالة الجمعة ،ومنشأ ذلك إلى ما تعود الخطباء من الدعوة للسلطان القائم ،ومجيء خطبتين في يوم واحد يشير
إلى احتمال قيام سلطانين ،أى قيام فتنة وذهاب السلطان القائم واالتيان بسلطان آخر .وفي عصر عرف الصراعات السياسية
المسلح كالعصر المملوكي التى كانت تعنى حروبا وفتنا وفوضى وسلبا ونهبا للبيوت والمتاجر كان ال بد أن يفتقد الناس فيه
األمن ،وكان أرباب السلطان هم أكثر الناس خوفا وقلقا وافتقادًا لألمن .من هنا كانت حساسية منصب السلطنة وما يتصل بها
على المستوى الرسمى والشعبى ،مما سّب ب رواج االعتقاد فى خوف السلطان وآله من حدوث خطبتين فى يوم واحد .لذا كان
القضاة يجتهدون في إخفاء رؤية الهالل إذا ترتب عليها مجيء عيد الفطر أو عيد األضحى يوم الجمعة .ونعطى مثلين مما ذكره
:ابن الصيرفى
ـ ـ في ليلة الثالثين من شهر رمضان 875توجه القضاة إلى مدرسة المنصور قالوون لرؤية هالل شهر شوال وتحديد أول 1
أيام عيد الفطر ،واتفقوا على أنهم لم يروا الهالل حتى ال تكون خطبتان يوم الجمعة ،يقول مؤرخنا في ذلك ( :ولم ُير الهالل ،
وهو المقصود األعظم ،لئال تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور .فال قوة إال باهلل .)!!.وعلى
.ذلك جعلوا هالل شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت ،وتالعبوا بالصيام وشوال تقربًا للسلطان
ـ وفي عيد األضحى 885تكرر نفس العمل ،وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم األربعاء ،ولكنهم لم 2
يفعلوا ذلك حتى ال يكون عيد األضحى يوم الجمعة ،يقول صاحبنا ( :وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله األربعاء ،وعلى
.هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب فيه بخطبتين .).وذلك ما لم يحدث بالطبع
رابعا :التوقيت بالصالة
.تبعا للسابق كان التوقيت لألحداث بأوقات الصلوات
ـ يقول مؤرخنا ( :وفي يوم الجمعة 7محرم 875بعد صالة الجمعة وصل المبشر من الحجاز المسمى قانصوه الجمالى وهو 1
عريان وليس معه أحد سوى هّج ان واحد وذكر أن األعراب فى صحراء الجزيرة العربية سلبوه وعّر وه .) ،ويذكر مؤرخنا أنهم
( رجعوا به إلى خيبر وأرادوا قتله ،فنهضت امرأة منهم وأظهرت أبزازها ) فأنقذته منهم ( وحضر بهذه الحالة .).الشاهد هنا
.تسجيل وصولهم فى يوم كذا بعد صالة الجمعة
ـ ـ ويذكر ابن الصيرفي بعض التفصيالت عن خروج محمل الحجاج يوم الخميس 20شوال 875الى بركة الحاج حيث كانت 2
محطة التجمع للحجاج ،وحدث بعض التأخير ،سجله ابن الصيرفى ،ويقول ضمن التفصيالت .. ( :وأقام األول (أى الركب
األول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصالة ،فرحل إلى البويب ،ورحل بعده المحمل صبيحة يوم السبت ثانى عشر،
وحصل على الحجاج تشويش كبير برحيله ،فإن العادة إذا رحل األول بعد صالة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر،
فرحل هذا من الصبح األكبر .فال قوة إال باهلل .).يهمنا قوله ( :وأقام األول (أى الركب األول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى
عشر بعد الصالة .) ،هذا عن صالة الجمعة فى طريقهم .وقوله ( :فإن العادة إذا رحل األول بعد صالة الصبح يرحل المحمل غد
تاريخه بعد الظهر ،فرحل هذا من الصبح األكبر ) .هنا إشارة الى صالة الصبح .والمعنى أنهم فى سفرهم الى الحج كان التوقيت
.بالصلوات
ـ يقول ابن الصيرفى عن إبن المقسى ،وهو أحد الشيوخ اللصوص ( :غير أنهم أيضًا ذكروًا أنه سيئ المعاملة جدَا3 ،
ومعلوم أن المعاملة هى الدين ،وأنه إذا ابتاع شيئًا اليقول في نفسه إال أنه ملكه،وال يدفع ثمنه إال لمن له جاه أو صولة أو
شوكة أما الضعفاء والفقراء ..فنهاية ما عنده لهم كتابة الوصوالت ،ويكتب بخطه بالصرف على كل وصل ،أى وصل نحو
العشر مرات وال يصرف لهم شيئًا وغالبهم يضيع وصوله وغالبهم يتعب وغالبهم يترك والنادر من يتجوه -أى يبحث عن جاه-
بأحد حتى يصل إلى بعض شيئ .).إذن نحن هنا أمام نصاب محترف يتقوى بنفوذه على أكل مال الضعفاء ويعطيهم "وصوالت"
غير قابلة لدفع ،أو بتعبير عصرنا "شيك بال رصيد" .ومن خالل هذه المظالم أصبح ابن المقسي من كبار األثرياء ،ويقول عنه
القاضى ابن الصيرفي ( :وسمعت أن جامع المقسي الذى هو متحدث عليه قطع غالب معاليم قومته ( ،أى مرتبات موظفيه) ،
وأبطل ملء فسقيته وغير ذلك ،فدعوا عليه عشاء وضحى وعصرًا ومغربًا .والدعاء من المظلوم في األسحار ال يخطئ .).أى
إن ابن المقسي كما كان نهما في أكل أموال الضعفاء وقطع أرزاق الموظفين في المسجد الذى يقوم برعايته كان على العكس
من ذلك كريمَا في تعامله مع ندمائه وجلسائه .يهمنا ما جاء بين السطور عن الصالة فى قوله ( :فدعوا عليه عشاء وضحى
.وعصرًا ومغربًا ) ،أى كان المقيمون فى ذلك الجامع كانوا يدعون عليه فى صلوات العشاء والضحى والعصر والمغرب
ـ وال ننسى أن المقيمين فى بيوت العبادة كانوا موظفين وظيفتهم الصلوات الخمس وصالة الجمعة والدعاء للسلطان وصاحب 4
.الوقف على ذلك المسجد أو الرباط أو الجامع أو الُقّب ة أو الخانقاه
خامسا :اللباس الرسمى للسلطان للشتاء والصيف مرتبط بيوم الجمعة وصالة الجمعة
ـ ويقول مؤرخنا عن يوم االثنين 26شوال ( : 873لبس السلطان الملك األشرف نصره هللا القماش األبيض المعد لبسه 1
للصيف على العادة في كل سنة ،من غير موكب ،وهذا بخالف عادات الملوك ،فإن العادة ال يلبس السلطان ذلك إال في يوم
.الجمعة عند دخوله إلى الصالة بموكب عظيم) . ،
ـ وفي يوم الجمعة 12جمادى األولى 874يقول ( :لبس السلطان القماش والصوف الملون المعد لبسه للشتاء في كل سنة 2
.عند دخوله لصالة الجمعة .وتأخر عن العادة أكثر من عشرة أيام)،
ـ وفي يوم الجمعة 29جمادى األولى 875يقول ( :لبس السلطان الصوف الملون ،وألبسه األمراء األلوف بعد صالة 3
الجمعة .وتأخر لبسه عن العادة القديمة بعشرين يومًا ،أعنى عن عادة الملوك المتقدمين مثل األشرف برسباى وقبله ،وعن
.السنة الماضية بعشرة أيام).
ـ وفي يوم الجمعة 15ذى القعدة ( 876لبس السلطان نصره هللا القماش البعلبكي المعد لبسه للصيف قبل عادته بثمانية 4
.أيام ،وقيل بثمانية عشر يومًا) .
ـ وفي يوم الجمعة 27صفر 886الموافق 8بشنس ( :لبس السلطان نصره هللا القماش األبيض المعد لبسه للصيف قبل 5
.صالة الجمعة وسبق العادة بخمسة أيام ،وما قارب الشيء يعطي حكمه).
سادسا :الصالة فى السجون المملوكية
حتى السجون كانت فيها صالة فى أوقاتها اليومية .يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره ( إن ما يحدث فيها ال
يجوز عند أحد من المسلمين ،وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق ،فال يتمكنون من الوضوء والصالة ،
وقد يروى بعضهم عورة بعض ،ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء ،وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر وال جريمة له
ويكون أصل حبسه على ضمان ) ،أى يكون مسجونًا ألنه ضامن للغير فى ديون ،أى مسجون بال جريمة ومع ذلك يظل في
.السجن وقد ال يحس به أحد إلى أن يموت
سابعا :العقوبة بسبب إهمال الصالة فى المساجد
ـ أوائل ذى القعدة علم السلطان قايتباى أن الشيخ صالح الدين المكينى قاضى القضاة الشافعية جعل أحد الشهود قاضيًا1 ،
واسمه أبو الخير الفيومي الذى كان متزوجًا بإحدى الجواري المعتوقات ،وكان متورطًا في قضية سلب وفي إلحدى األوقاف
ضمن مجموعة من الشيوخ ،وقد استدعاهم السلطان وعرف أنهم يأكلون إيراد الوقف وال يعطون المستحقين شيئًا ،بل وال
حتى يقيمون في شعائر الصالة .وحّق ق معهم السلطان بنفسه ،ولم يستطيعوا الدفاع عنه أنفسهم أمام السلطان .فأمر السلطان
القضاة األربعة بأن يعين كل منهم نائبًا عنه للجلوس بالجامع الذى فيه الوقف وفحص مستنداته وموارده ومصروفاته ويعلمون
.السلطان بذلك
ـ وفي أول شهر ربيع اآلخر يروى إبن الصيرفى أن ( صعد القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وصحبهم شخص 2
اشتكي للسلطان القاضى الشافعي بسبب خان السبيل الذى تحت نظره ،وأخبر بأن بالخان مسجدًا ،وأن الجّم الين جعلوه مخزنًا
لمتاع الجمال وخياطة الزرابيل ،وأنه حاول منعهم فتغلب عليه أعوان القاضى الشافعي ) .أى إن أعوان القاضى الشافعى جعلوا
المسجد مزبلة للجمال والجّم الين مع أنهم القائمون على رعاية المسجد واالنفاق عليه من األوقاف الخاصة به .أى أكلوا أوقاف
المسجد وجعلوا المسجد مزبلة بأجر .وعن طريق شيوخ آخرين منافسين لقاضى القضاة الشافعى تمكن هذا الرجل من الوصول
.للسلطان والشكوى اليه .أى أن التنافس بين الشيوخ ودسائسهم فى بعضهم كانت من عوامل فضحهم أمام السلطان
ثامنا :العقوبة على ترك الصالة
القاضى علم الدين إبن الهصيم ،يقول عنه مؤرخنا ابن الصيرفي "كان عربًا عن اإلسالم كثير الميل إلى دين النصرانية مدمنًا
على السكر ال يكاد يوجد صاحيًا لحظة ،ولما تولى البباوى الوزر -أى الوزارة ـــ طلبه وضربه ثالث علقات في مجلس واحد
بسبب أنه لم يشهد صالة الجمعة ) .وقد مات يوم األحد 7ربيع الثانى 874ودفن يوم 10من نفس الشهر ،وصلوا عليه بباب
النصر ،ويقول عنه ابن الصيرفي ( :ودفن بمقابر المسلمين ،وهللا أعلم بما هو عليه .)! .هنا عقوبة للقاضى ألنه لم يشهد
.صالة الجمعة
:أخيرا
هذا السلطان الورع الذى يقوم الليل يقرأ األوراد ويحرص على تأدية الصلوات الخمس بإمام خاص يؤمه فيها ،والذى أقام
مساجد وبيوتا للعبادة ..هل كان عادال يقيم القسط بين الناس أم كان ظالما ؟ هل كان بصالته يؤمن باهلل جل وعال وحده أم كان
بصالته عبادته يؤمن بالمال إالها أعظم ؟
) (3
التعذيب هو صالة السلطان الورع قايتباى للحصول على المال ( إالههم األعظم )
مقدمة
ـ يمكن إعتبار التعذيب نوعا من الصالة الشيطانية للحاكم المستبد المتدين ،يستخلص بها أموال الناس ،والمال هو إالههم 1
:العظم ،والتعذيب هى صالتهم الشيطانية فى ( التقرب ) لهذا اإلله الشيطانى !.ونعطى بعض التفاصيل
:أوال :أنواع التعذيب :تفنن المماليك في التعذيب
:التعذيب بالضرب
ـ كان الضرب هو الوسيلة المثلى للتفاهم مع المتهم في أى جناية حتى لو كان بريئًا مظلومًا ،ففي يوم السبت 21صفر 1 886
ضربوا الشريف األكفاني المتهم بقتل زوجته ضربًا مبرحًا نحو خمسمائة مقرعة وعصيًا ..ثم أمر قايتباى بحبسه في سجن
.المقشرة .ولم تثبت عليه التهمة .وال يزال هذا ساريا فى مصر وغيرها
ـ وكان الضرب أحيانًا يفيد ،ففي يوم االثنين 20صفر 877شكوا تاجرًا إلى الداودار الكبير يشبك من مهدي أنه أخذ من 2
التجار بضائع إلى أجل ،وحين جاء األجل رفض أن يدفع ما عليه بسبب ما عليه من ديون ،فأمر الداودار بضربه ،ولما ذاق
الضرب المملوكي ( صار يصرخ ويقول :ادفع الحق )..فأمر الداودار أن يعمل أجيرا في الحفير ويدفعوا أجرته لمن له في ذمته
.شيء
..ـ لم يكن الضرب هو العقوبة الوحيدة ،فالتكنولوجيا المملوكية في التعذيب كانت رهيبة 3
:عقوبة الشي بالنار
ثانى أمير فى سلطنة قايتباى كان الداودار يشبك من مهدي .وهو صاحب القبة التى ال تزال حتى اآلن تتوسط ما يسمى بميدان
القبة .و ( القبة ) تعنى مسجدا مشهورا بالقبة التى تعلوه .هذا األمير جمع بين التدين والقسوة المفرطة .وقد ظفر بأحد
مشايخ األعراب من بنى عدي فضربه بالمقارع وأمر بأن يشوى بين يديه بالنار وهو حى فصار يستغيث وال يغاث ،وأخر األمر
.أطلقه ،بعد أن قيل لألمير الداودار( :ال يعذب بالنار إلى خالقها . ).وحدث ذلك يوم الخميس 14ربيع األول 874
:عقوبة السلخ والتشهير
.ــ أى سلخ جلد الضحية وهو حّى .!!.وكان الضحايا من زعماء األعراب الثائرين على الدولة 1
ـ في يوم األربعاء 18ذى الحجة 873أمر السلطان قايتباى بسلخ ابن سعدان أحد مشايخ األعراب من مدينة فّو ة .وفي يوم 2
الخميس 5جمادى اآلخر 875قبض الداودار الكبير يشبك من مهدى على ( عيسى ابن بقر) أحد مشايخ األعراب وأمر بسلخه،
ثم أمر السلطان بالتشفع فيه إذا دفع عشرة آالف دينار ،وجاء البشير إلى الضحية وهم يسلخونه فوجده قد قطعوا من رأسه
.قطعة فقال :أنا أوزن -أى أدفع الدنانير وأنقذ نفسه
ـ وأحيانًا كان السلخ مرتبطًا بالتشهير ،أى يطاف بالمسلوخين المساكين في شوارع القاهرة ليتفرج عليهم الناس وينادى 3
عليهم المشاعلى هذا جزاء من يفعل كذا ،وفي النهاية يتم صلبهم حتى يموتوا أمام أعين الناس .وربما جاء تخويف األطفال
المصريين من ( ابو رجل مسلوخة ) من مشهد أولئك المسلوخين وهم يطاف بهم على أعين الناس الذين كانوا يصحبون
أطفالهم .وفي يوم السبت 29ذى الحجة 876طافوا في شوارع القاهرة بثالثة مسلوخين من أكابر أعراب بنى حرام ،كان قد
قبض عليهم األمير قنصوه من جوار غيط الشيخ إبراهيم المتبولى فسلخهم وجهزهم -على حد قول مؤرخنا -وبعد أن طيف بهم
.في القاهرة أرسلوا إلى خارجها ليصلبوا أيامًا ويرتدع المفسدون من قطاع الطرق من األعراب
ـ وتفنن المماليك في جريمة السلخ ،فأحيانا كانوا يسلخون الضحية المسكين ثم يحشدون جلده تبنًا أو قطنًا يطوفون به في 4
الشوارع جنبا الى جنب مع الضحية المسلوخ .ففى أواخر جمادى األول 875وصل ابن زوين كاشف الغربية وصحبته رجل
من العريان يسمى عبد القادر حمزة مسلوخًا وقد حشي جلده قطنًا ومعه عدة رؤوس آدميين مقطوعة ،وصار يشهرهم فى
شوارع القاهرة ،إلى أن وصل به إلى بيت الداودار الكبير ،وتصادف أن األمير تمراز الشمسي رأى الضحية المسلوخ عبد
القادر حمزة فعرفه ،وكان تمراز كاشفًا للغربية قبل ابن زوين ،وكان يحمى عبد القادر حمزة وصديقا له ،فعندما رآه في ذلك
الحال هجم على ابن زوين
.وضربه
:ثانيا :التعذيب أرهب الموظفين من مقابلة قايتباى
ـ لذا كان خوف موظفي السلطان عظيمًا حين يستدعيهم للحساب ،وكان خوفهم أعظم حين يعزلهم عن الوظيفة،وما يعنيه 1
العزل من إحتمال السجن والمصادرة والتعذيب حسب الّس نة السائدة .وقد هرب القاضى تاج الدين بن المقسى ناظر األمالك
السلطانية (ناظر الخاص) والسبب أن السلطان عزله ،فبادر بالهرب خوفًا من المصادرة والتعذيب ،وعّي ن السلطان بدًال منه ابن
.الكويز في يوم الخميس 12شعبان 874
ـ وفي يوم االثنين 9ربيع اآلخر في نفس العام 874مات القاضى المشهور فى عصره :عبد الرحيم ابن البارزي ،مات خوفًا 2
من السلطان.فقد جاء من الشام لمصر ،وأرسل هدية للسلطان فردها السلطان عليه غاضبًا ،وبلغه أن السلطان توعده قائًال :
("عند من يهرب منى ؟ هذا هو وقع في القفص ) .هلع المسكين مما سمع ،يقول ابن الصيرفى (:واشتد مرضه بالصرع
!! .فمات.).مات خوفًاورعبا من السلطان الورع قايتباى
ـ وعلينا أن نعذر الشيخ عبد الرحيم ابن البارزي حين مات خوفا ،فالشيخ عبد الرحيم يعى تمامًا تفنن المماليك في التعذيب 3
والعقوبات.ولعل الشيخ عبد الرحيم في أيامه األخيرة كان يتذكر وهو يرتجف كلمة السلطان "عند من يهرب منى؟ هذا هو وقع
في القفص" ولعل الشيخ عبد الرحيم كان له فهمه الخاص لعبارة السلطان "هذا هو وقع في القفص" وربما أدى تفكره في هذه
العبارة إلى أن قضى نحبه .هذا ألن الشيخ عبد الرحيم شهد ما حدث للوزير األهناسي في ربيع األول 873بعد أن صادره
السلطان ( وأجرى عليه العقوبة) على حّد قول مؤرخنا ابن الصيرفى الذى أورد وصفا لما حدث لهذا الوزير ،إذ عّلقه السلطان
في شباك أو قفص حديد ( بأصابع يديه ،فما تحمل وأذعن ،ودفع للسلطان ألفى دينار" ،).وال ريب أن الشيخ عبد الرحيم ابن
البازري حين قدم القاهرة عرف أن يحيي بن عبد الرازق صادره السلطان للمرة الثانية وظل يعذبه حتى طار لحم جسده ومات
في 18ربيع األول 874وكان تذكره لمأساة يحيي بن عبد الرازق مما عجل به إلى الموت في الشهر التالى يوم 9ربيع اآلخر
" 874أى أن الشيخ عبد الرحيم "أخذها من قصيرها ومات
ثالثا :تفنن المماليك فى القتل
:القتل بالتوسيط
ـ والجبروت المملوكى إستخدم التعذيب حتى فى تنفيذ عقوبة القتل ،فلم يكتف في القتل بقطع الرقبة وإنما ابتدع التوسيط 1
وهو قطع الضحية نصفين .وتلك إحدى منجزات الشريعة السنية فى العصر المملوكى .وهى تعبر عن رغبة المماليك فى أن
ينفردوا وحدهم بالسلب والنهب ،لذا إستعملوا أفظع طريقة فى القتل الرهاب قّط اع الطرق من األعراب وغيرهم ألنهم ينافسون
.المماليك فى نهب الناس
ـ وشريعة التوسيط لها طقوسها :أن يعرى المحكوم عليه باإلعدام من الثياب ثم يثبتون أطرافه بالمسامير فى خشبتين على 2
شكل صليب ويطرح مصلوبا عليها ،ويوضع على ظهر جمل .وتسمى هذه العملية بالتسمير .وربما يطاف به في شوارع
القاهرة على هذا الحال وهذا هو التشهير .ثم يأتى السياف فيضرب المحكوم عليه بقوة تحت السرة فيقسم الجسم قسمين من
.وسطه فتنهار أمعاؤه إلى األرض
ـ في يوم السبت 13ذى القعدة 875أمر السلطان بتسمير ستة أشخاص من قطاع الطرق وأن يتم توسيطهم بقليوب3 ،
فأشهروهم على الجمال تحت قيادة األمير يشبك بن حيدر صاحب الشرطة ،وطبقا لما أورده ابن الصيرفى فقد ذكر صاحب
الشرطة عنهم "أنهم قتلوا رجًال بقليوب وأخذ ماله وحرقوه بمستوقد .وأمثال ذلك من التهجم والقتل وقطع الطرق" ويستطرد
مؤرخنا قائًال "وذاك ذنب عقابه فيه ،ووسطوا بقليوب أو قربها وعلقت جثثهم ليرتدع أمثالهم عن هذه األفعال المنكرة ) .ويختم
مؤرخنا بقوله ( ..رب سّلم !!).
ـ وفي اليوم التالى وهو 14من ذى القعدة 876أمر السلطان بتسمير أربعة من العربان والمفسدين على الجمال ،اثنان 4
بالجيزة واثنان من غيرها ،وأشهروهم بالبلد ،ووّس طوا منهم اثنين بباب النصر بالقاهرة لقربهم من أعراب بنى حرام ووسطوا
.اثنين بمصر لقربهم من الجيزة
ـ وحيكت أساطير عن موضوع التوسيط ،يقول مؤرخنا "وبلغني أن شخصًا من العريان يسمى ابن زعازع قبض عليه الداودار 5
الكبير لما بلغه من الجرائم والمفاسد ،وأمر بتوسيطه ،فضربه المشاعلى بين يديه نحو سبع عشرة مرة ،فلم يقطع فيه السيف
.بل ينقلب" وزعموا أنه معه حرزا يحميه من التوسيط
.ـ وحمل التاريخ المملوكي بعض المآسي الدرامية للمحكوم عليهم باإلعدام 6
قبل عصرنا بقرنين ،أى في شهر جمادى األول 680هـ يروى المقريزى أنهم قبضوا على قاطع طريق مشهور اسمه الكريدى،
فسّم روه على جمل ،وأقاموا عليه أيامًا يطوفون به في أسواق مصر والقاهرة ،وتعاطف معه الحارس الموكل به فقطع عنه
الطعام والشراب ،فلما جاع وطلب الطعام(قال له الحارس :إنما أردت أن أهون عليك لتموت سريعًا حتى تستريح مما أنت فيه،
فقال له :ال تقل كذا فإن شر الحياة خير من الموت!! فناوله الطعام والشراب ،فأتفق أنه شفعوا فيه ،فأطلقوه وسجنوه فعاش
.أيامًا في السجن ثم مات) .وأغلب الظن أنه مات بعد أن تسممت جراحه
:القتل بقطع الخصيتين
ـ وتفنن المماليك في التعذيب وإيقاع العقوبة ووصل إلى مناطق ال تخطر على البال.في سنة 879أمر قايتباى بقطع خصيتى 1
مملوك يقال له شاهين ،كان خازندار األمير اينال األشقر ،الرتكابه جريمة خلقية ،وصادفت هذه العقوبة وجود شخص يهودي
.خبير باإلخصاء بمصر العتيقة
ـ واألتراك -ومنهم كان أكثرية المماليك -كانت لهم معرفة بهذه النوعية العجيبة من القتل والتعذيب ،وبدأ ذلك قبل عصرنا 2
بستة قرون .إذ يذكر الطبرى أن األتراك المتغلبين على الخالفة العباسية ثاروا على الخليفة المهتدي وقتلوه ،ويحكي الطبرى
كيفية قتله فيقول" أمروا من عصر خصيته حتى مات" وذلك سنة 3 256.3ـ وأحيت الدولة المملوكية ذلك التقليد العجيب في
الصالة الشيطانية والسجون المملوكية>""RTLالقتل فمات بهذه الطريقة أول سلطان مملو
:مقدمة
ـ لم يرد ذكر السجن فى القرآن الكريم تشريعيا ضمن العقوبات ،وجاء ذكره فقط عن مصر فى قصة يوسف وفرعون ،ومنه 1
:نأخذ المالمح اآلتية المعبرة عن النظام الفرعونى المصرى والذى ال يزال سائدا مع الديكتاتورية المصرية العتيقة العتيدة
ـ السجن وسيلة عقابية للمجرمين فى الدول الديمقراطية وطبقا لقانون عقوبات صاغته مجالس تشريعية وحكم به نظام1 / 1
قضائى يتحرى العدل .فى دولة الفرعون المستبد يكون العقاب بالسجن لمن يغضب عليهم المستبد وأصحاب النفوذ .لذا هددت
إمرأة العزيز يوسف بالسجن إن لم يفعل بها الفحشاء ( يوسف ، ) 32وهدد فرعون موسى نبى هللا موسى بالسجن إن إتخذ
إالها غيره ( الشعراء . ) 29أى إن المستبد وأعوانه يهددون بالسجن من ال يستجيب الى رغباتهم الدنيئة .كان هذا ـ وال يزال
.ـ سائدا وساريا
ـ ال يوجد تعذيب فى سجون الدول المتقدمة ،ألن السجن فيها الصالح المجرمين وليس لإلنتقام منهم .يختلف الوضع 1 / 2
فى دولة المستبد ،فهو ال يكتفى بالزّج باألبرياء فى السجون بل يعذبهم جسديا .لذا إرتبط السجن المصرى بالتعذيب األليم فى
.قول إمرأة العزيز لزوجها عن يوسف ( يوسف ) 25
ـ والمتهم يتمتع باالحترام ويتم بهذا خطابه رسميا حتى بعد إدانته وهو فى السجن .ولمست هذا بنفسى حين زرت سجنا 1 / 3
أمريكيا .أما فى السجن المصرى فاألبرياء فيه يالقون اإلهانة واإلذالل ،تعذيبا نفسيا مضافا للتعذيب الجسدى ،وهما مقترنان ،
.فالسجين يسمع اللعنات ويتلقى اللكمات .ونرى إرتباط السجن المصرى باإلذالل فى قصة يوسف ( يوسف ) 32
ـ السجن المصرى الحالى يتشابه فى كثير مع السجن المملوكى من حيث الظلم المقترن بالصالة الشيطانية ،وفى توقيع أكبر 2
إيالم جسدى ونفسى بالضحايا .ولكن السجن المصرى الحالى يستعمل أحدث تكنولوجيا التعذيب التى لم تكن معروفة من قبل .
.ولكن كانت للسجن المملوكى إبداعاته أيضا .نتعرف عليها هنا
:أوال :لمحة سريعة
ـ بلهجة الفقهاء يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره ( إن ما يحدث فيها ال يجوز عند أحد من المسلمين1 ،
وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق ،فال يتمكنون من الوضوء والصالة ،وقد يروى بعضهم عورة
بعض ،ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء ،وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر وال جريمة له ويكون أصل حبسه على
ضمان ) ،أى يكون مسجونًا ألنه ضامن للغير فى ديون ،أى مسجون بال جريمة ومع ذلك يظل في السجن وقد ال يحس به أحد
.إلى أن يموت
ـ و فزع بعض المماليك من قسوة الحياة في السجن وخصوصا سجن الجب بالقلعة .وقبل أن يتولى السلطنة كان األمير 2
المملوكى شيخ المحمودى نزيال فى سجن شمايل ،وقاسى مما فيه ،فنذر إن نجا منه وأصبح سلطانا ليهدمنه .وعندما تولى
السلطنة بلقب المؤيد شيخ أوفى بنذره فهدم سجن الجب فى القلعة وسجن شمائل ،ولكن قامت السجون األخرى مثل أبراج
القلعة والمقشرة بنفس الدور وأشنع .فالمستبد يحتاج الى الكثير من القصور ليتنّع م ويحتاج الى الكثير من السجون ليأمن على
.حياته وليرهب شعبه .والتعذيب ـــ وليس العدل ـــ هو أساس الُم لك المستبد
ـ وفي عصر قايتباى ذكر ابن الصيرفي إشارات للسجون المعروفة في مصر وقتها والتى كانت مبنية قبل عصر قايتباى مثل 3
.سجن اإلسكندرية وسجن الجرائم وسجن الديلم وسجن الشرع وسجن المقشرة ،وهذا باإلضافة إلى سجن البرج بالقلعة
:ثانيا :أشهر المساجين وأشهر السجون
ـ وكان نزالء السجون من األمراء المماليك ،كنتيجة للصراع فيما بينهم ،ووقوع بعضهم ضحايا لهذا الصراع والفتن 1
والمؤامرات .وقد يصبح سجين سابق من األمراء المماليك سلطانا فيما بعد ،وحدث هذا قبل عصر قايتباى ،كما حدث فى
عصره ،فالملك الظاهر يلباى كان مسجونًا في عصر قايتباى في سجن اإلسكندرية ومات فيه بالطاعون في ليلة االثنين أول
.ربيع األول 873
ـ وفي سجن الجرائم أودع السلطان قايتباى جماعة من األعراب المفسدين من الشرقية وذلك يوم السبت 5محرم 2 .874
وهرب من هذا السجن أحد المجرمين المشهورين يوم الجمعة 17ربيع األول ،875وقد تمكن المماليك من القبض عليه وأمر
السلطان بكحل عينيه -أى بوضع الحديد المحمى بالنار على عينيه حتى عمى .واستطاع شيخ األعراب ابن زامل من الهروب من
ذلك السجن يوم الجمعة ربيع الثاني .876وفي يوم الثالثاء 17شعبان 876أطلق السلطان سراح حوالى أربعين مسجونًا من
.سجن الجرائم وسجن الشرع .كان هناك نوعان من السجون ،احدهما للمجرمين العاديين واآلخر لمن يغضب عليهم السلطان
:ثالثا :أشهر السجون السياسية
مخصصًا لمن يغضب عليه السلطان من أرباب الوظائف فقد سجن فيه السلطان القاضى ابن العيسي ) سجن الديلم كان ( 1 :
.وسجن فيه الوزير قاسم جغيته
سجن ( برج القلعة ) الذى اعتقل فيه ابن العيني إلى أن أذعن ودفع للسلطان ما أراد ،وكان ذلك في 19 :17من جمادى 2 :
الثانية .873وفي نفس البرج حبس السلطان موسى بن كاتب غريب في شعبان ،873ثم اعتقل السلطان زين الدين االستادار
في رمضان من نفس العام ،وصار موسي محبوسًا في برج القلعة وغريمة زين الدين االستادار محبوسًا في برج أخر يقول
مؤرخنا ابن الصيرفي ،وفي رمضان 874أمر السلطان بسجن أسرى شاه سوار في برج القلعة .والعسكر الذى يحكم مصر من
.عام 1952إستخدم نفس السجن ( سجن القلعة ) وال جديد تحت الشمس فى مصر
رابعا :سجن المقشرة :أشهر سجون العصر المملوكى للمجرمين العاديين
ـ وكانت المقشرة أشهر سجن في عصر قايتباى وفي عصر المقريزي أيضًا .والمقريزي يحدد موقع سجن القشرة بأنه بجوار 1
.باب الفتوح فيما بينه وبين الجامع الحاكمى (أى المنطقة المجاورة لباب زويلة اآلن)
ـ وأصل تسميتها بالمقشرة أنه كان فيها القمح ،وكان موضعها سجنا مشهورًا يسمى خزانة شمايل ،وقد تم هدمه وأقيم مكان 2
سجن المقشرة .وهذا السجن يضم برجًا في السور وموضع المقشرة وأضيف له الدورة المجاورة التى هدمت ،وأصبحت بذلك
.المقشرة سجنًا ألرباب الجرائم
ـ ويقول عنه المقريزي" وهو من أشنع السجون وأضيقها يقاسى منه المسجونون من الغم والكرب ،ال يوصف ،عافانا هللا من 3
.!!.جميع بالئه
:ـ وذكر ابن الصيرفي إشارات لما حدث في عصره في سجن المقشرة .وتحديد ( اإلجرام ) يخضع لمزاج السلطان 4
.فقد أودع فيه السلطان أسرى الفرنج الذين أسرهم أهل ادكو 4 / 1 :
والفالحون الغالبة يكونون مجرمين إذا عجزوا عن دفع الضرائب ،إذ أنهم ( كفروا بالمال :اإلله األعظم للسلطان 4 / 2 :
الورع قايتباى) .يقول ابن الصيرف إنه كان فى هذا السجن ( سجن المقشرة ) جمع من الفالحين ممن ( إنكسر عليهم مال
للسلطان) ،أى سجنهم لعجزهم عن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان من الكاشف ومن هم
دونه. .وألنهم مظاليم فقد تجرأ بعضهم وإشتكى للسلطان مخدوعا بورعه وتقواه و أمال فى عدله وإقتناعا بوضوح قضيتهم ،
وكانت النتيجة فظيعة ،إذ أمر قايتباى بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين فسلخوا ،وأرسلوا إلى البالد فاشهروا بها ( ليرتدع
بها أمثالهم ) ،على حد قول مؤرخنا ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه المأساة قائًال عن السلطان " فنصره هللا نصرًا عزيزًا".
أى يدعو له بالنصر .لم يعرف الفالحون الغالبة أنهم بشكواهم قد إزدادوا كفر بالمال ،وهو اإلله األعظم لقايتباى وغيره من
.الخلفاء الفاسقين
:خامسا :المساجين يملكهم السجانون :إجبار المساجين على التسول لصالح السّج انين
ـ السجانون ــ كانوا على دين ملوكهم ــ يؤمنون أيضا باإلله العظم ( المال ) ،لذا كان لهم الحق فى إجبار المساجين على 1
.التسول لصالحهم ،والويل للمساجين إن لم يجمعوا لهم المال المطلوب
ـ ووصف المقريزي أحوال المساجين باختصار فقال أنه ( :ال يوصف ما يحل بأهلها من البالء وأنه اشتهر أمرهم أنهم 2
يخرجونهم في الحديد حتى يشحذوا وهو يصرخون في الطرقات قائلين :الجوع ..فما يصلهم من الصدقات يأخذ معظمه السجان
!.وأعوان الوالى ،ومن لم يحصل من المساجين على صدقات يبالغ السجان وزبانيته في عقوبته).
ـ وقبل ذلك كانت خزانة شمايل أبشع السجون ،وقد هدمها السلطان شيخ المحمودى يوم األحد 10ربيع األول ،818وكان 3
والى القاهرة يفرض على السجان فيها مقدارًا يوميًا من المال يحمله إليه ،ويحصل السجان على هذا المال من شحاذة
.المسجونين.واستمر ذلك في عصر السلطان قايتباى باستمرار الظلم المملوكي
ـ في يوم األحد 11صفر 875أمر السلطان الورع قايتباى ( بتوسيط سجين ( أى قتله بقطعه نصفين ) بعد أن أشهره على 4
الجمال مسمرا ُي طاف به فى الشوارع ،وعرضه الموكلون به أمام السلطان ،والسبب في توسيطه وتسميره وتشهيره أنه كان
مسجونًا بالمقشرة من سنين وقد قرر عليه السجان قدرًا معلومًا كل يوم فكان يخرج في الحديد ويستعطى ويحضر ما عليه
للسجان كل يوم ،وحدث أنه لم يحصل في ذلك اليوم على ما يوفي بالمقرر عليه فأراد الهروب خوفًا من الضرب والعصر ) ،أى
عصر قدميه بآالت التعذيب وآالت العقاب .يقول ابن الصيرفى ( :فحصل بينه وبين الجمدار مشاجرة وضربا بعضهما فأصاب
الجندار ضربة فمات فقتلوا هذا به .)."...أى حسبما يذكر المؤرخ ابن الصيرفي أن المسجون كان إذا لم يتسول للسجان قدرًا
.كافيًا يرضى نهمه فإنه يتعرض للضرب وعصر قدميه بآالت العذاب
ـ وفي يوم األحد 6ذى الحجة 875انتحر مسجون من سجن المقشرة ألنه خاف من العقوبة التى سينالها ألن ما حصل عليه 5
من التسول كان أقل من المقرر عليه ،يقول ابن الصيرفي (:ضرب شخص من الذين هم في سجن المقشرة ويسألون في الحديد
صحبة الجندار،نفسه بسكين ،فخرجت مصارينه في وسط السوق ،وسبب ذلك أن هذا الذى قتل نفسه كان عليه مقرر في كل يوم
للسجان ثالثة أنصاف وللذى معه قدر أخر ،فإن لم ينهض فيعاقب عقوبة شديدة ويجعلون رجليه في الخشب ،وطال ذلك عليه
!!..فقتل نفسه ،وحسابه على هللا".).كان هذا هو ما ناله المسكين من عبارات التعزية من مؤرخنا القاضى ابن الصيرفى
ـ وربما أدى انتحار ذلك المسجون المسكين إلى صحوة مؤقتة للضمير ..فقد أصدر قايتباى مرسومًا بأال يأخذ السجان من 6
المسجون وال من أقاربه شيئًا وأخذ عليهم التعهدات أال يفعلوا ذلك ،.وأاّل يأخذ نواب القضاء والعاملين معهم شيئا من
السّج انين ،إذ كان أعوان الوالى ــ وهو القائم بالقبض على المجرمين وتنفيذ أوامر الشرع السنى المملوكى ــ هم المتحكمين فى
السّج انين يأخذون منهم األموال ،والسجانون يرغمون المساجين على التسول لهم والعوان الوالى .وصدر ذلك المرسوم يوم
الخميس 15محرم ،876يقول مؤرخنا ( :أشهر النداء بالقاهرة أمام الوالى حسب المرسوم الشريف أن أحدًا من النقباء
والرؤوس النوب ال يأخذ من السجان على السجون الذى يودعه عنده شيئًا ،وأن سجانًا ال يأخذ من أحد يزور السجون شيئًا ،
وأن زوجة السجان ال تأخذ شيئًا في كل ليلة جمعة كما كانت عادتها ،وأن يكتب عليهم قسائم بأن ال يعودا لذلك فكثرت األدعية
.للسلطان. ).أى كان السجان وزوجته يستغلون المساجين وزوجاتهم وأهليهم
ـ ومع صدور هذا المرسوم فإن األمور عادت إلى ما كانت عليه ،وعاد السجان يرغم المسجون على التسول لحسابه وإال 7
..فأمامه العذاب الشديد
ـ وكان بعض المساجين يثور على الوضع فيقتل الجندار أو الحارس كما حدث من قبل .في يوم السبت 16من ذى القعدة 8
( 876أمر السلطان بتوسيط لص مسجون" خرج يستعطي كعادته فقتل الجمدار المرسم عليه ،قيل أنه عصر بيضه فمات،
.فرسم بتوسيطه" .).أى إّن هذا المسجون البائس قد تم قطعه نصفين
:سادسا :الهروب من السجن
ـ ويبدو أن المساجين في السجن مقامات حتى في العصر المملوكى .فالسجين الثرى من مشايخ األعراب كانت له امتيازات ال 1
تتاح لغيره من الفقراء المساجين الذين عليهم أن يتسولوا ليرضوا جشع السجان والحراس ،إذ كانوا يغدقون المال على
.الحراس ،هو المال إالههم األعظم
ـ وقد استغل بعض المساجين األثرياء تلك التسهيالت ــــ التى اشتراها بماله ــــ استغلها في الهروب ،حدث ذلك يوم الجمعة 2
18ربيع ثان .876كان ابن زامل أحد مشايخ األعراب محكومًا عليه باإلعدام ومسجونًا على ذمة الحكم في سجن الجرائم،
وكان السلطان يؤجل تنفيذ إعدامه حتى يوّف ي ابن زامل ما عليه من ديون لديوان السلطنة ،ثم نقلوه من سجن الجرائم ،
وأودعوه بقاعة المسجونين بين الصورين ،بالقرب من بيت األتابك أزبك قائد الجيش المملوكي (،وهو الذى تحمل حديقة
األزبكية بالقاهرة إسمه حتى اآلن ) واألتابك أزبك هو الذى قبض عليه .وقد وثق ابن زامل عالقته بالقائمين على حراسته في
قاعة السجن ،وصار الحراس يخرجون به كل ليلة والحديد في عنقه لزيارة بعض أصحابه بالقاهرة حيث يأخذ منهم األموال
ويأكل أجود الطعام ثم يعطى حراسه المائة درهم والمائتي درهم .واستمر على ذلك إلى يوم هروبه ،حيث خرج كعادته وكان
معه اثنان من الحراس أحدهما حارس السجن ،وقد قال لحارس السجن أنت أولى بأن تأخذ كل الدراهم ،وأغراه بأن يصحبه
وحده ويترك زميله ،وتوجه معه وهو في الحديد إلى الباطلية ،وهناك في المكان الذى أراد الدخول فيه كان هناك كمين ينتظر،
فضربوا الحارس حتى أغمي عليه ،وفكوا وثاق ابن زامل وأركبوه فرسًا وهربوا به ،واستمر الحارس ملقى على الطريق إلى أن
.أدركوه
ـ وفى نظرة سريعة إلى التدين العملى للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظا من لدن 4
هللا تعالى بكتابته وقراءته والذى يقف ضد محاوالت االلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية ( المتواترة ايضا ) ،ونجد تواترا
فى آداء الصالة تبلغ صحته فوق التسعين فى المائة ،ونجد مالمح أخرى من التواتر الصحيح فى جوانب أخرى تراثية ،كما
.نجد أخطاء فادحة وابتداعات فى الدين ال سبيل إلى حصرها
ـ وألن وظيفة المصلح هو تتبع الخطأ الصالحه فان معظم عملنا يتركز على إصالح التواتر الفاسد بالقرآن الكريم ،ولكن 5
بعض المنتسبين للقرآنيين يتطرفون فى نفى كل التواتر فيقعون فى نفس التطرف السنى فى تكذيب القرآن الكريم ولكن باسلوب
.آخر
.لذا نعطى توضيحا سريعا لهذا الموضوع الشائك المعقد
.أوال - :التواتر اإللهى والتواتر البشرى
ــ هناك تواتر إلهى فى الرساالت السماوية من ( عقائد وتشريعات وعبادات ) وفى اللغة البشرية وفى الزمن .وال يلبث الحق 1
اإللهى المتواتر فى الدين والزمن أن يلحقه التحريف البشرى ،وال يلبث التحريف البشرى أن يتحول إلى تواتر بمرور الزمن ،
مما يستلزم التصحيح بارسال رسول برسالة سماوية أخرى ،ثم بعدها يعود التحريف ويتحول إلى تواتر ،ويرسل هللا تعالى
رسوال آخر ،وهكذا إلى أن نزلت الرسالة القرآنية الخاتمة محفوظة إلى قيام الساعة لتكون مرجعية حاكمة على كل تبديل يطرأ
..بعدها أو كل تواتر صحيحا كان أم باطال
ــ هنا نتذكر ونتأمل قوله تعالى فى قصة نوح (َك َّذ َب ْت َق ْو ُم ُنوٍح اْلُمْر َس ِليَن :الشعراء ، ) 105الواقع أن قوم نوح لم يعرفوا 2
رسوال سوى نوح أقدم الرسل المعروفين ،وقد جاءت البشرية كلها من نسل نوح عليه السالم (َو َج َع ْلَن ا ُذ ِّر َّي َت ُه ُه ْم اْلَب اِقيَن :
الصافات ، ) 77ولكن الواقع أن نوحا كان يقول لقومه نفس ما قاله األنبياء بعده (َو َم ا َأْر َس ْلَن ا ِمن َقْب ِلَك ِمن َّر ُس وٍل ِإاَّل ُنوِحي
ِإَلْي ِه َأَّن ُه اَل ِإَلَه ِإاَّل َأَن ا َفاْع ُب ُدوِن :األنبياء . ) 25أى أن قوم نوح عندما كذبوا رسالة نوح فقد كذبوا بكل الرساالت السماوية التى
.تواترت بعده
ونتذكر أيضا قول النبى هود لقومه عاد يذّك رهم بماحدث لقوم نوح من قبلهم (َو اذُك ُر وْا ِإْذ َج َع َلُك ْم ُخ َلَف اء ِمن َبْع ِد َقْو ِم ُنوٍح )
( األعراف ) 69ثم قول النبى صالح لقومه ثمود يذّك رهم بما حدث لقوم عاد من قبلهم (َو اْذ ُك ُر وْا ِإْذ َج َع َلُك ْم ُخ َلَف اء ِمن َبْع ِد َع اٍد ) (
.األعراف )74
:ـ هنا نجد نوعين من التواتر فيما يخص الرساالت السماوية و تكذيب المأل المتحكم لها 3
التواتر اإللهى فى الرساالت السماوية (ِإَّن ا َأْو َح ْي َن ا ِإَلْي َك َك َم ا َأْو َح ْي َن ا ِإَلى ُنوٍح َو الَّن ِبِّي يَن ِمن َبْع ِدِه :النساء ،) 163وايضا 3 / 1 :
(الشورى )13
.التواتر البشرى فى تكذيب القوم للرسل فى كل زمان ومكان 3 / 2 :
وفى إعجاز وإيجاز يعبر رب العزة عن ذلك فيقول لخاتم الرسل محمد عليه السالم ( َم ا ُيَق اُل َلَك ِإاَّل َم ا َق ْد ِقيَل ِللُّر ُس ِل ِمن َقْب ِلَك:
فصلت ، ) 43أى ما يقال لك من وحى قرآنى وما يقال لك من تكذيب قد قيل لكل الرسل من قبلك ،أى هو تواتر االهى حق ،
.وتواتر بشرى معاند كافر
وحتى إتهامهم له بأنه كاذب أو ساحر أو مجنون أصبح متواترا ،وقد عبر عنه رب العزة فى صورة ساخرة رائعة ،يقول تعالى
(َك َذ ِلَك َم ا َأَت ى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه م ِّم ن َّر ُس وٍل ِإاَّل َقاُلوا َس اِحٌر َأْو َمْج ُنوٌن َ .أَت َو اَص ْو ا ِبِه ؟ :الذاريات . ) 52:53أى كأنما تواصى كفار
قريش ومن سبقهم على قول نفس الكالم .وفى تعبير آخر للقرآن الكريم كأنما تشابهت قلوبهم مع إختالف الزمان والمكان :
( َو َقاَل اَّلِذيَن َال َيْع َلُم وَن َلْو َال ُيَك ِّلُم َن ا ُهّللا َأْو َت ْأِتيَن ا آَي ٌة َك َذ ِلَك َقاَل اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه م ِّم ْث َل َق ْو ِلِهْم َتَش اَبَه ْت ُقُلوُبُهْم :البقرة .) 118ويوم
القيامة يقال عن هذا التواتر المهلك الذى أوردهم الجحيم (ِإَّن ُهْم َأْلَف ْو ا آَب اءُه ْم َض اِّليَن َفُهْم َع َلى آَث اِر ِه ْم ُ يْهَر ُع وَن :الصافات : 69
)70
ــ والرساالت السماوية لها جوانب ثالثة :عقيدة وأخالق وعبادات .والتواتر اإللهى يتركز فى إقامة هذا الهيكل الثالثى 4
.للرساالت السماوية
ومثال فإن هللا تعالى يأمر بكل ما هو خير فى األخالق وينهى عن كل ما هو شر ( ِإَّن َهّللا َي ْأُمُر ِباْلَع ْد ِل َو اِإلْح َس اِن َو ِإيَت اء ِذي
اْلُقْر َب ى َو َي ْن َه ى َع ِن اْلَف ْح َش اء َو اْل ُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن :النحل ، ) 90وهذا كله ما جاءت به كل الرساالت السماوية
فى تواترها ،ولكن تذكر ذلك والعمل به ال يتأتى إال لمن يطلب الهداية ،وبالتالى فإن للتواتر اإللهى جذورا داخل كل نفس
بشرية ،بغض النظر على ما يبدو على السطح من عناد واستنكار ومحاوالت للتسويغ واإلعتذار ،يقول تعالى ( َب ِل اِإْلنَس اُن
َع َلى َن ْف ِس ِه َب ِص يَر ٌة َو َلْو َأْلَق ى َمَع اِذيَر ُه :القيامة ) 15 : 14بل أن هللا تعالى احتكم إلى طاقة الخير هذه – أو الضمير األنسانى –
حين خاطب مشركى مكة المعاندين ،إذا طلب منهم أن يراجعوا أنفسهم فى لحظة صفاء إبتغاء مرضاة هللا تعالى ُ( :قْل ِإَّن َم ا
َأِع ُظ ُك م ِبَو اِحَد ٍة َأن َت ُقوُم وا ِهَّلِل َم ْث َن ى َو ُفَر اَد ى ُثَّم َتَت َف َّك ُر وا َم ا ِبَص اِحِبُك م ِّم ن ِجَّن ٍة ِإْن ُه َو ِإاَّل َن ِذيٌر َّلُك م َبْي َن َي َد ْي َع َذ اٍب َش ِديٍد .سبأ
. )46.وهذا دليل على وجود حقيقى للتواتر اإللهى داخل النفس البشرية مع طغيان التواتر البشرى أو التحريف البشرى
واألمر بالمعروف و النهى عن المنكر تواتر فى كل الرساالت السماوية ،ولكن يلحقه التأويل الفاسد الذى ال يزال موجودا حتى
االن فى حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره ) ..وفيما يطبقه المطوعة فى السعودية ،وما كانت تفعله جماعات االرهاب فى
.مصر فى تسعينيات القرن الماضى
ثانيا -:ملة إبراهيم بين التواتر اإللهى والتواتر البشرى
ـ أم المشاكل لدى المسلمين تتجلى أنهم فى تقديسهم للنبى محمد ورفعه فوق األنبياء فقد ترسب لديهم إيمان خاطىء بأنه جاء 1
برسالة جديدة ،وأنه – وحده – رسول اإلسالم .وتناسوا أن اإلسالم – وبكل األلسنة السابقة على العربية – هو دين هللا جل
وعال الذى نزلت به كل الرساالت السابقة بمعنى اإلستسالم هلل تعالى وحده والسالم مع البشر .وتناسوا ما كرره القرآن الكريم
.من أوامر للنبى محمد عليه السالم ولنا وألهل الكتاب فى أن نتبع ملة إبراهيم حنيفا
ـ ورث العرب وأهل الكتاب ملة إبراهيم فى أنه ال إله إال هللا ،وإخالص العباد هلل تعالى وحده ،وورثوا العبادات وكيفياتها من 2
صالة وصدقات وحج وصوم ،ولكنهم أضاعوا الصالة بالوقوع فى الشرك وفى اإلنحالل الخلقى والعصيان ،ونزل القرآن الكريم
.إلصالح ملة إبراهيم وفق منهج محدد فى التعامل مع نوعى التواتر ؛ االلهى منه و البشرى
فى التعامل مع التواتر االلهى فى الكتب السماوية السابقة فقد نزل القرآن مصدقا لها ومهيمنا عليها ( َو َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك 2 / 1 :
اْلِك َت اَب ِباْلَح ِّق ُمَص ِّد ًقا ِّلَم ا َبْي َن َي َد ْي ِه ِمَن اْلِك َت اِب َو ُمَهْي ِم ًن ا َع َلْي ِه :المائدة َ( ، ) 48نَّز َل َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِباْلَح ِّق ُمَص ِّدقًا ِّلَم ا َبْي َن َي َد ْي ِه :آل
عمران ) 3لذا يقول تعالى ألهل الكتاب َ ( :و آِم ُنوْا ِبَم ا َأنَز ْلُت ُمَص ِّدقًا ِّلَم ا َمَع ُك ْم ِ :البقرة . ) 41أى كان القرآن الكريم مصدقا لما
.سبقه وحكما عليه أو مهيمنا عليه
وفى التواتر البشرى لملة ابراهيم المطلوب اتباعها والتى تعرضت للتحريف فقد أمر هللا جل وعال بعرض تواترها على 2 / 2 :
القرآن لتوضيح الحق فيه من الباطل ،لذا تكرر فى القرآن الكريم دعوتهم إلى اإلحتكام إلى القرآن الكريم فيما وجدوا عليه
آبائهم ،وكان مترفو العرب يرفضون االنصياع للقرآن الكريم تمسكا منهم بذلك التواتر .قال عنهم رب العزة جل وعال َ( :و ِإَذ ا
ِقيَل َلُهُم اَّت ِبُع وا َم ا َأنَز َل ُهّللا َقاُلوْا َب ْل َنَّت ِبُع َم ا َأْلَفْي َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا :البقرة َ( ، ) 170و ِإَذ ا ِقيَل َلُهْم َت َع اَلْو ْا ِإَلى َم ا َأنَز َل ُهّللا َو ِإَلى
الَّر ُس وِل َقاُلوْا َح ْس ُبَن ا َم ا َو َج ْد َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا :المائدة َ ( )104و ِإَذ ا ِقيَل َلُهُم اَّت ِبُع وا َم ا َأنَز َل ُهَّللا َقاُلوا َب ْل َنَّت ِبُع َم ا َو َج ْد َن ا َع َلْي ِه آَب اءَن ا:
لقمان َ () 21ب ْل َقاُلوا ِإَّن ا َو َج ْد َن ا آَب اءَن ا َع َلى ُأَّم ٍة َو ِإَّن ا َع َلى آَث اِر ِهم ُّمْه َت ُدوَن :الزخرف .) 22المصالح اإلقتصادية هى أساس
تمسك قريش بالتواتر ،حيث عبادة األصنام وإقامة صنم لكل قبيلة فى الحرم المكى لضمان عدم إغارة أى قبيلة على رحلتى
الشتاء والصيف لقريش ،وبذلك تمتعت قريش وحدها باألمن والثراء فى وقت عانت فيه القبائل العربية من الفقر والغارات
المستمرة ،ولذلك يقول هللا جل وعال عن السبب اإلقتصادى فى التمسك بالتواتر الكاذب ( َو َت ْج َع ُلوَن ِر ْز َقُك ْم َأَّنُك ْم ُتَك ِّذ ُبوَن :الواقعة
)82 .
ـ وسبق القول بتأدية العرب الصلوات الخمس بالفاتحة فى مساجدهم (كما نفعل اآلن) ،ولكن مع التمسك بتقديس قبوراألولياء 3
( كما نفعل اآلن) ،لذا قال سبحانه وتعالى لخاتم المرسلين محمد عليه السالم فى عدم اإلعتداد هذا التواتر الفاسد َ ( :فَال َت ُك ِفي
ِم ْر َي ٍة ِّمَّم ا َيْع ُب ُد َهـُؤ الء َم ا َيْع ُبُدوَن ِإَّال َك َم ا َيْع ُبُد آَب اُؤ ُهم ِّم ن َقْب ُل :هود ، ) 109وجاء هذا بعد أن قص هللا جل وعال قصص األنبياء
.السابقين الذى يحوى على التواتر اإللهى الصحيح ،وتواترالعناد من المشركين
ـ وتكرار األمر فى مكة للمشركين بأن يقيموا الصالة ( َو َأْن َأِقيُم وْا الَّص الَة :األنعام َ( ) 72و َأِقيُم وا الَّص اَل َة :الروم ) 31يعنى 4
أنهم كانوا يعرفون الصالة ،فاهلل تعالى يأمرهم بإقامة ( الصالة ) المعروفة لديهم ،وإقامتها ليس مجرد تأديتها ،وهم كانوا
يؤدونها بنفس الشكل وفى نفس األوقات ،ولكن كانوا يقعون فى الشرك والمعاصى واالعتداء والظلم ،وبذلك يضيعون الصالة
وال يقيمونها ،وقد أوضح رب العزة معنى إقامة الصالة وأن الهدف منها ومن كل العبادات هو التقوى ،ولم تتوفر لديهم
التقوى ،وهو نفس الحال فى حياتنا الدينية االن حيث تجد أكثر الناس صالة أكثرهم غلظة وتعصبا وتطرفا وتمسكا بثقافة
االرهاب .فالعرب المشركون عرفوا الصالة و الصوم و الحج وايتاء الصدقات ،وكلها من شعائر ملة ابراهيم ،ولكنهم لم يقيموا
.الصالة بل أضاعوها بالوقوع فى ظلم هللا تعالى و ظلم البشر
أما الخبل العقلى الذى يزعم أن الصالة قد شرعها هللا تعالى فى اسطورة المعراج فان نفس االسطورة تنفيها ،حيث تزعم أن
محمدا صلى إماما باألنبياء قبل المعراج المزعوم ،فكيف يصلى وهو ال يعرف الصالة و لم تكن قد وجبت عليه بعد؟ .أما حديث
!!(.صلوا كما رأيتمونى أصلى ) فهو يريح كل مسلم من أداء الصالة ألنه لم ير الرسول يصلى ،وبالتالى فال يشمله األمر
ـ إن أساس تلك الخرافات هو االعتقاد بأن محمدا عليه السالم جاء بدين جديد وشرع جديد وصالة جديدة .وهذا كله إفك 5
يناقض القرآن .وأصحاب الديانات األرضية من المسلمين ـ والذين يتفقون معا فى تقديس محمد وتأليهه ـ يشتد بهم الغضب حين
تؤكد لهم من القرآن الكريم أن محمدا عليه السالم تابع لملة ابراهيم مأمور باتباعها .لذا هم ال يفهمون منهج القرآن الكريم فى
التعامل مع تشريع العبادات المتواترة .لو أخلصوا هلل سبحانه وتعالى قلوبهم لعرفوا أن منهج القرآن هنا هو التأكيد على إخالص
الدين والعقيدة هلل تعالى وحده فقط ،وترك التواتر الصحيح كما هو ،مثل معنى الصوم وكيفية الصالة ومواقيتها ،ولكن عندما
.يأتى تصحيح للتواتر الفاسد أو حينما يأتى تشريع جديد يأتى بيان القرآن الكريم بالتفصيل
.ثالثا - :التواتر اإللهى والبشرى بعد نزول القرآن الكريم
ـ يتجلى التواتر اإللهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم برغم ما اخترعته أديان المسلمين األرضية من حرب للقرآن الكريم 1
بالنسخ التراثى واختراع األحاديث والقراءات والتأويل والتفسير والتغنى بالقرآن مع محاوالت ال تنتهى من اإللحاد فى الكتاب
العزيز .ويتجلى التواتر اإللهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم ولغة القرآن الكريم الفريدة والمختلفة فى كتابتها – بعض الشىء
– عن الكتابة العربية ،والمختلفة بعض الشىء عن القواعد النحوية التى توسع فيها علماء النحو فى العصر العباسى بعد نزول
.القرآن الكريم بقرنين أو أكثر
والمستفاد أن هناك تواتر إلهى فى حفظ القرآن الكريم ،ويسير معه بالتوازى تواتر بشرى بعضه صحيح فى السير على كتابة
المصحف بنفس الطريقة التى كتبه بها خاتم الرسل محمد عليه السالم الذى قام بكتابة القرآن بنفسه ( إقرأ بحثنا عن النبى كان
يقرأ ويكتب ) .ثم هناك تواتر بشرى خاطىء أقام ما يعرف بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن الكريم باإلضافة إلى ما يعرف
.بالتأويل والتفسير والحديث ....إلخ
ـ وحتى اللسان العربي ،فهناك تواتر حافظ عليه ،وتواتر أخر باعد بينها وبين لسان القرآن الكريم وهى اللسان العربى 2
األصيل الذى كان ينطق به النبى محمد وقومه من العرب ،والمطلوب هنا تأمل معنى قوله تعالى (َفِإَّن َم ا َيَّسْر َن اُه ِبِلَس اِنَك ِلُتَب ِّش َر ِبِه
اْلُم َّت ِقيَن َو ُتنِذ َر ِبِه َقْو ًم ا ُّلًّد ا :مريم َ ( ، ) 97فِإَّن َم ا َيَّسْر َن اُه ِبِلَس اِنَك َلَع َّلُهْم َي َت َذ َّك ُر وَن :الدخان ِ ( ، ) 58بِلَس اٍن َع َر ِبٍّي ُّم ِبيٍن :
.الشعراء ، ) 195فالقرآن الكريم ذكر (اللسان ) ولم يذكر (اللغة ) وهذا موضوع شرحناه فى مقاالت منشورة هنا
ـ وفى كيفية الصالة ومواقيتها تجد التواتر صحيحا ماعدا شيئين :قصر الصالة فى السفر ـ ألن قصرالصالة هو فى الجهاد 3
والمطاردة عند الهجرة فقط ـ والتأثر بأسطورة المعراج بوضع (التحيات ) بديال عن التشهد القرآنى َ (:ش ِه َد ُهّللا َأَّن ُه َال ِإَلـَه ِإَّال
ُ.ه َو َو اْلَم َالِئَك ُة َو ُأْو ُلوْا اْلِع ْلِم َق آِئَم ًا ِباْلِقْس ِط َال ِإَلـَه ِإَّال ُه َو اْل َع ِز يُز اْل َح ِكيُم :آل عمران )18
ـ أما فى العقائد فالتواتر المزيف هو األغلب واألبشع وهو الذى أضاع ثمرة الصالة وثمرة الحج ،حيث تكاثرت األضرحة 4
المقدسة المقصودة بالحج والزيارة وحيث تؤدى فيها الصالة هلل سبحانه وتعالى و للولى المدفون بالتوسل وقراءة الفاتحة و
الركوع و السجود والوقوف القانت الخاشع أمام الضريح .وأقيمت تلك األضرحة لألئمة والفقهاء وآل البيت واألولياء الصوفية
وللنبى محمد نفسه .كما نسج التواتر الزائف شخصية إلهية للنبى محمد تخالف حقيقته فى القرآن ،ولكن أصبح اإلعتراض
عليها يعنى األتهام بالكفر ،ونشأت أديان أرضية على أساس الشرك باهلل سبحانه وتعالى .وهم يسمونها ( ثوابت ) ،وكان
.العرب الكافرون يقولون عليها ( ماوجدنا عليه آباءنا )
:ــ ومن أالعيب الشيطان 5
أنه فعل بالمسلمين مثلما فعل بالعرب قبل نزول القرآن ،تركهم يتمسكون بالشكل الظاهرى للصالة فى مواقيتها ،ولكنه 5 / 1
جعلهم يضيعونها بتقديسهم البشر والحجر واإلنهماك فى العصيان بزعم وجود الشفاعات وأن الصالة هى الهدف فى حد ذاتها
وليست وسيلة للتقوى ،فإذا صليت فال عليك بعدها مهما عصيت ،أى بعد أن كانت الصالة وسيلة للتقوى أصبحت وسيلة
!.للعصيان
إنه تالعب الشيطان ببعض المساكين أنه جعلهم يقفزون للناحية األخرى وهى إنكار التواتر نهائيا ،وإعتباره صنما 5 / 2 : ،
وبالتالى يعتمدون على أنفسهم فى إبتكار دين جديد وعبادات جديدة حسب علمهم المتواضع،وينتهى بهم األمر إلى أن يجعلوا
.أنفسهم شركاء هلل تعالى فى التشريع
:-رابعا التواتر والزمن
.والتواتر ألصق بالزمن .ألنه أفعال البشر المتراكمة عبر الزمن
والحديث عن عالقة التواتر بالزمن يطول ،ونختصره فيما يخص األسالم على النحو التالى
ــ فاهلل سبحانه وتعالى أشار إلى الحساب القمرى والشمسى ،أو السنة القمرية والشمسية فى الحديث عن الشمس والقمر 1
(الرحمن () 5األنعام ) 96واشار الى الفرق بين السنة الشمسية والقمرية فى حساب المدة التى قضاها أهل الكهف ( الكهف
)25 .
ــ وهلل جل وعال حرم مكانى هو الكعبة ،وصلته بالزمن أنه أول بيت وضعه هللا تعالى للناس فى هذا الكوكب ( آل عمران 2
) 96واسماه البيت العتيق ( الحج ، ) 29وإلى جانب هذا الحرم المكانى هناك الحرم الزمانى الذى حدده رب العزة يوم خلق
السماوات واألرض ،وفى الحج يجتمع الحرم المكانى بالحرم الزمانى حيث يحج الناس الى البيت الحرام فى األشهر الحرام ـ من
.ذى الحجة الى ربيع األول ،وهى األشهر األربعة الحرم خالل األثنى عشر شهرا فى كل عام ( التوبة )36
ــ إال إن هذا التواتر اإللهى فى الزمن ما لبث أن لحقه التحريف بالنسىء فى األشهر الحرم ،وتبديل موعد تلك األشهر 3
واستحالل القتال فى بعضها (التوبة ، ) 37وهذا التحريف فى النسىء صار متواترا يخالف التواتر اإللهى مما استدعى
التصحيح القرآنى .وارتبط هذا التحريف فى النسىء ( الزمن ) بتحريف أيضا صار متواترا فى شعائر الحج إلى الحرم المكانى
فى الكعبة ،فقد ابتدعت قريش لنفسها حج (الحمس) نوعا من التدين السطحى الذى يزعم البر والتقوى المظهرية لتتميز عن
بقية العرب ،وأصبح ذلك التحريف متواترا قبل نزول القرآن استوجب أن ينفيه القرآن الكريم (َو َلْيَس اْلِبُّر ِبَأْن َت ْأُتْو ْا اْلُبُيوَت ِمن
ُظ ُهوِر َها َو َلـِكَّن اْلِبَّر َم ِن اَّت َق ى َو ْأُتوْا اْلُبُيوَت ِمْن َأْبَو اِبَه ا َو اَّت ُقوْا َهّللا َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن :البقرة )،189وجعلت قريش التقوى مظهرا
سطحيا عبر تأدية مظهرية للعبادات فى احتفاالت موسم الحج ـ كما يحدث االن فى السعودية ـ فنفى هللا جل وعال أن تكون
التقوى والبر هى تلك المظاهر السطحية ،وشرح معنى البر و التقوى ( البقرة ، ) 177وقد جعلت قريش من قيامها على
خدمة البيت مظهرا من مظاهر التدين السطحى والسيادة الدينية ـ كما يحدث فى السعودية اآلن ـ فجاء الرد عليهم َ(:أَج َع ْلُتْم
ِس َق اَي َة اْلَح اِّج َو ِع َم اَر َة اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َك َم ْن آَم َن ِباِهّلل َو اْلَيْو ِم اآلِخِر َو َج اَهَد ِفي َس ِبيِل ِهّللا ؟ التوبة . )19أى أن التواتر البشرى
القائم على التحريف قبل نزول القرآن الكريم ،والذى صححه القرآن الكريم ـ مالبث أن عاد تحريفا أخذ طريقه للتواتر ،ففى
فريضة الحج ـ التى يرتبط بها تواتر الزمان بتواتر المكان فى الحج للكعبة خالل األشهر الحرم ـ ترى المسلمين وقد نسوا
األشهر الحرم الحقيقية كما نسوا جواز الحج فى خالل األشهر األربعة ،ألنه تواتر عندهم حصر الحج خالل إفتتاح موسم الحج
.فى األيام العشرة األولى من شهر ذى الحجة (.راجع مقالنا عن :الحج أشهر معلومات )
ــ والتاريخ الميالدى المرتبط بميالد المسيح عليه السالم تعرض للتغيير الجزئى فى عهد األمبراطور أغسطس ،وعندما قامت 4
الثورة الفرنسية اخترعت توقيتا جديدا وأشهرا جديدة ،ثم ما لبثوا أن ألغوها ،واألخ معمر القذافى إخترع تقويما جديدا وأشهر
جديدة مخالفا للتقويم الهجرى واخترع تقويما موازيا للتقويم الميالدى وسمى فيه األشهر أسماءا جديدة من نوعية النار
والسحاب والريح ...الخ ..أى أن التواتر الزمنى فى األشهر األثنى عشر من كل عام ما لبث أن لحقه الزيف الذى قد يصبح
.متواترا أيضا ،ويقف القرآن الكريم حكما على ذلك التواتر الزمنى البشرى القائم على التحريف
ــ ولم يذكر القرآن الكريم أن األسبوع يتكون من 7أيام ولم يذكر أيام األسبوع ،وحتى لم يذكر عدد األشهر فى العام الواحد إال 5
فى سياق الحديث عن إستحالل األشهر الحرام بالنسىء ،ولم يذكر من أيام األسبوع سوى يومين فى سياق إستحالل " السبت "
عند بنى إسرائيل والتهاون فى صالة الجمعة لدى الصحابة ،ولوال ذلك السياق ما ذكر القرآن الكريم أشياء هى معلومة
!!.بالتواتر .فهل ننكر أيام األسبوع األخرى التى لم ترد فى القرآن ألنها لم ترد فى القرآن ؟
خامسا :التواتر فى منهج القرآن الكريم فى التشريع
ـ نزل القرآن فى بيئة تراكمت فيها الموروثات من ملة إبراهيم ومن الثقافة العربية المحلية والوافدة ،وتعامل القرآن مع هذه 1
...الثقافة وعالج المتوارث – أو المتواتر – من ملة إبراهيم بالتصحيح
ـ لو أنكر القرآن الكريم كل التواتر لكان مطلوبا منه أن يبدأ من الصفر ليوضح كل شيىء من البديهيات واألولويات من 2
المعارف والثقافة إلى أن ينتهى لما فيه إشارات علمية معجزة وبالغة فى البيان وإعجاز فى القصص والتشريع .ومعنى أن يبدأ
القرآن الكريم من الصفر إلى النهاية أن تتكاثر سور القرآن الكريم لتصبح ماليين السور ومئات الماليين من اآليات ،فهل يتفق
ذلك مع كونه ميزانا يحتكم اليه الناس؟ وهل يتفق ذلك مع قيام الدين االلهى على التيسير والتخفيف ،وترك حرية البشر فى
االجتهاد ؟ .إن القرآن الكريم نزل يبنى على تواتر سابق فى ملة إبراهيم وفى ثقافة البشر وحضارتهم ولذلك تراه مع التكرار
والشرح والتفصيل جاء محددا فى عدد السور واآليات ،وأكد على أنه ما فرط فى شىء ( من الدين ) يكون تركه تفريطا ،وأنه
نزل تبيانا لكل شىء (فى الدين يحتاج إلى بيان) وأنه فصل كل شىء (فى الدين) ،وجاء تفصيله على علم وهدى وليس عن
.ثرثرة ولغو
ـ ومن هنا فإن إنكار التواتر جملة وتفصيال يعتبر جهال قد يؤدى بصاحبه إلى الخروج عن ملة اإلسالم .إن منكر التواتر قد 3
:يكون واحدا من إثنين
أن يكفر بقوله تعالى (َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء :النحل َّ ( ، ) 89م ا َفَّر ْط َن ا ِفي الِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء :األنعام * ) 38
(َو ُك َّل َش ْي ٍء َفَّص ْلَن اُه َت ْف ِص يًال ) ( االسراء َ( )12و َلَق ْد ِجْئَن اُهم ِبِك َت اٍب َفَّص ْلَن اُه َع َلى ِع ْلٍم ُهًدى َو َر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُيْؤ ِم ُنوَن ) ( األعراف 52
) ،ويرى أنه البد أن يذكر القرآن كل شيىء معلوما كان أم مجهوال ،من البديهيات أم من خفايا العلم ،وحيث ال يوجد ذلك فى
.القرآن فالبد أن يكذب بتلك األيات
وإما أن يتعسف تأويل أيات القرآن الكريم ليثبت أن فى القرآن كل شىء ،فيتفنن فى التأويل بما يجعله يخرج عن العبادات *
.وعن العقل وعن اإلسالم
سادسا :التواتر والهداية والتدبر القرآنى
ـ هناك هداية ايمانية يجدها كل باحث عن الهداية فى القرآن الكريم ،الذى ترى فيه المستوى الميّس ر للذكر .يكفيه أن يأتى1
ربه يوم القيامة بقلب سليم ،ليس فيه تقديس لبشر أو حجر ،مع عمل صالح وعبادة خالصة لوجه هللا جل وعال .إن أخطأ فال
عليه شىء طالما لم يتعمد الخطأ ( َو َلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح ِفيَم ا َأْخ َط ْأُتم ِبِه َو َلِكن َّم ا َت َع َّم َد ْت ُقُلوُبُك ْم َو َك اَن ُهَّللا َغ ُفوًر ا َّر ِحيًم ا :األحزاب
.) 5.ليس مطالبا بالبحث فى القرآن والتعمق فى فهم مستوياته الخاصة بالعلماء الراسخين
ـ هذه هى وظيفة الراسخين فى العلم الذين أمضوا رحيق العمر فى معايشة القرآن وفهم دقائق اللغة العربية وتاريخ المسلمين 2
وتراثهم الفكرى والتشريعى ومللهم ونحلهم وفرقهم وطوائفهم وتلك الغابة المتشابكة من مصطلحاتهم ،مع فهم لمجريات
.عصرنا و ثقافاته .من هنا يكون الراسخ فى العلم مؤهال للحكم على المتواتر البشرى بالرجوع الى القرآن الكريم
ـ إن حضارتنا األنسانية الحالية هى حصيلة تراكم وتواتر معرفى متصل ،بدأ بحضارة مصر والرافدين والهند والصين 3 ،
وأسهم الدين الحق وما قام على أشالئه من أديان أرضية وملل ونحل ومذاهب فى إثراء وتطور هذا التراكم أو التواتر
الحضارى ،وحين نزل وحى القرآن كانت البشرية قد دخلت فى طور التعقل فكانت رسالة اإلسالم األخيرة كتابا عقليا وليس
مجرد آيه حسية وقتية محلية كما كان يحدث مع األنبياء السابقين ،وتعامل القرآن مع التواتر الموجود فى عصره باإلصالح ،
وال يزال يتعامل مع التواتر الذى يطفوا فى كل عصر بمنهج اإلصالح أيضا ،وسيظل هكذا إلى قيام الساعة ،ألن الذى أنزل
.الكتاب هو الذى أحاط بكل شىء علما ،يعلم ما سيحدث للبشر إلى قيام الساعة
ـ والواقع أن عناصر الهداية واحدة ومتواترة فى كل عصر ألن مصدرها دين هللا تعالى الحق ،كما أن عناصر الغواية متواترة4
أيضا ألن مصدرها واحد هو إبليس ،أى أن هناك تواترا فى الخير وتواترا فى الشر ،حدث هذا قبل وبعد نزول القرآن وال يزال
يحدث ،وسيظل يحدث الى آخر يوم فى هذه الدنيا .ويوم القيامة سيقول هللا سبحانه وتعالى ألغلبية البشر أن الشيطان أضلهم
جيال بعد جيل دون أن يتعقل جيل بما حدث لسابقيه َ( :و َلَق ْد َأَض َّل ِمنُك ْم ِجِباًّل َك ِثيًر ا َأَفَلْم َتُك وُنوا َت ْع ِقُلوَن ه؟ :يس ـ ،) 63أى
.سيظل تواتر الخير وتواتر الشر مستمرا إلى قيام الساعة
ـ مقابل هذا التواتر البشرى الذى يختلط فيه الحق و الباطل يقف القرآن الكريم حكما ،فهو الميزان الذى أنزله هللا تعالى قبيل 5
قيام الساعة ( ُهَّللا اَّلِذي َأنَز َل اْل ِك َت اَب ِباْل َح ِّق َو اْل ِميَز اَن َو َم ا ُي ْد ِر يَك َلَع َّل الَّس اَع َة َقِر يٌب :الشورى ) 17وإلى هذا الميزان اإللهى
يحتكم الراسخون فى العلم فى معرفة التواتر الصحيح والتواتر الباطل ( َأَفَغ ْيَر ِهّللا َأْب َت ِغي َح َك ًم ا َو ُه َو اَّلِذي َأَنَز َل ِإَلْي ُك ُم اْلِك َت اَب
ُ .م َفَّص ًال :األنعام ) 114ونالحظ أن رقم األية هنا 114وهى إشارة إلى عدد سور القرآن الكريم
ـ إن من إعجاز القرآن الكريم فيما يخص التواتر أن محور اإلرتكاز فى دعوة القرآن الكريم هى فى تصحيح العقيدة ،حيث6
تركز التواتر اإللهى على أنه ال إله إال هللا بينما دار التواتر البشرى على تقديس غير هللا مع هللا ،ومشكلة البشر قبل وبعد نزول
القرآن أنهم دائما يتخذون الهوى إلها مع هللا تعالى ،قد يكون ذلك الهوى تقديسا لنبى أو لولى أو إمام او للمال أو للشهوات أو
لمجرد حيوان أو حجر ،يقول تعالى ( َأَر َأْي َت َم ِن اَّتَخ َذ ِإَلَه ُه َه َو اُه َأَفَأنَت َتُك وُن َع َلْي ِه َو ِك ياًل َأْم َت ْح َسُب َأَّن َأْك َث َر ُه ْم َيْس َمُع وَن َأْو
َ.يْع ِقُلوَن ِإْن ُه ْم ِإاَّل َك اَأْلْن َع اِم َب ْل ُه ْم َأَض ُّل َس ِبياًل :الفرقان )44 : 43
ـ وفى تركيز القرآن الكريم على مشكلة تصحيح العقيدة ـ التى ال تزال مشكلة حتى األن ـ فإنه لم يذكر كيفية الصالة 7
ومواقيتها ،ألنها لم تكن مشكلة قبل نزول القرآن ولم تكن مشكلة بعد نزول القرآن .المشكلة فى عبادة الهوى ،وبعض الناس
أفلت من عبادة البشر والحجر ولكن أوقعه الشيطان فى عبادة هواه ،فانطلق يؤول آيات القرآن الكريم ليقوم بتشريع صالة
.وحج وصيام ما أنزل هللا به من سلطان ،فجعل نفسه إالها من حيث ال يدرى ،وهو بذلك أسوأ ممن يتخذ آلهة مع هللا
الفصل الثانى :التواتر التاريخى للصالة :محافظة العرب على أوقات الصلوات حتى فى الحروب والفتن
مقدمة
نقتبس بعض سطور من مقاالت الصالة الشيطانية للخلفاء الفاسقين تتجلى فيها محافظتهم على الصلوات الخمس فى مواقيتها
.حتى فى الحروب والفتن .وننصح بمراجعة هذه المقاالت لمعرفة سياقاتها التاريخية
أوال :فى الحروب الهجومية
ـ ( فتح المدائن عام .... : 16واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل.. .ولما دخل سعد اإليوان 1
قرأ ( :كم تركوا من جناٍت وعيوٍن وزروٍع ) إلى قوله( :قومًا آخرين)؛ وصلى فيه صالة الفتح ثماني ركعات ال يفصل بينهن وال
يصلي جماعة ،وأتم الصالة ألنه نوى اإلقامة ،وكانت أول جمعة بالعراق ،وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة . ).هنا
.صالة الجمعة .وكانت أول جمعة بالعراق
ـ (ذكر غزوة فارس من البحرين ...:فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن هللا إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه 2
وإن هؤالء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن واألرض لمن غلب فاستعينوا
بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتاال شديدا في موضع من
.األرض يدعى طاوس ) .هنا صالة الظهر
ـ ( ..ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضًا وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقباًال بعد ما صلوا العشاء ) ..هنا صالة 3
.العشاء
ـ ( فى معركة جلوالء .... :فاقتتلوا قتاال شديدا ..فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصالة صلى الناس 4
.إيماء حتى إذا كان بين الصالتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها ) .هنا صالة الخوف صالة الظهر
ـ (فلما فرغ القراء منها قال سعد :الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر ،فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا ) ،هنا 5
صالة الظهر
ـ ( .. ..وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه " :متى تصل إليهم ؟ " قال " :عند العصر فيما بين الصالتين " قال 6 " :
.امضوا على بركة هللا فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صالة الظهر . ) .. .هنا صالة الظهر
.ـ ( ...وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصالتين ، )..اى صالتى الظهر والعصر 7
ثانيا :فى الفتن
ـ فى إغتيال عمر بن الخطاب فى صالة الفجر على يد أبى لؤلؤة المجوسى ( :فلما أصبح خرج عمر إلى الصالة ( صالة 1
الفجر ) وكان يوكل بالصفوف رجاًال فإذا استوت كبر ،ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه،
فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته ،وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه ،وقتل جماعة
غيره)...
ـ فى إغتيال على فى صالة الفجر ( الغداة ) ( :وأتى ابن ملجم رجًال من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له :هل لك في 2
شرف الدنيا واآلخرة؟ قال :وماذا؟ قال :قتل علي .قال شبيب :ثكلتك أمك! لقد جئت شيئًا إدًا! كيف تقدر على قتله؟ قال :أكمن له
في المسجد فإذا خرج إلى صالة الغداة شددنا عليه فقتلناه ،فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا ،وإن قتلنا فما عند هللا خير من الدنيا وما
فيها .. .فلما كان ليلة الجمعة .. ،أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصالة ،فلما خرج
علي نادى :أيها الناس الصالة الصالة .فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب ،وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف،
وقال :الحكم هلل ال لك يا علي وال ألصحابك! ) ..
ـ فى روايات محاصرة عثمان تقول الرواية ( :ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة ،خرج عثمان فصلى بالناس 3
ثم قام على المنبر فقال :يا هؤالء ،هللا هللا! فوهللا إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد ،صلى هللا عليه وسلم،
.فامحوا الخطأ بالصواب .) .هنا صالة الجمعة
ـ قبيل معركة الجمل وصل جيش عائشة والزبير وطلحة الى البصرة فقاتلوا واليها عثمان ابن حنيف واليها من قبل (على ) 4 ،
تقول الرواية .. ( :فاقتتلوا بدار الرزق قتاًال شديدًا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في
الفريقين....فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صالة العشاء ،وكانوا
يؤخرونها ،فأبطأ عثمان ،فقدما عبد الرحمن بن عتاب ،فشهر الزط والسيابجة السالح ثم وضعوه فيهم ،فأقبلوا عليهم فاقتتلوا
في المسجد فقتلوا ،وهم أربعون رجًال ،فأدخال الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما .فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في
.وجهه شعرة )... ،هنا صالة العشاء
):ـ فى معركة صفين بين (على ) ومعاوية 5
فتناهض الناس يوم األربعاء فاقتتلوا قتاًال شديدًا نهارهم كله ،ثم انصرفوا عند المساء وكٌّل غير غالب ،فلما كان يوم 5 / 1 ( ..
هنا إشارة لصالة (على ) فى الغلس .. ) .الخميس صلى "علي " بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وزحفوا معه
.أى فى الفجر عند إختالط ضوء الفجر بظالم الليل
عن بأس (األشتر النخعى ) قائد جيش على تقول الرواية ( :وقاتلهم األشتر قتاًال شديدًا .. ،فما زال هو ومن رجع إليه 5 / 2 :
يقاتلون حتى كشف أهل الشام وألحقهم بمعاوية والصف الذي معه بين صالة العصر والمغرب ) ،هنا ذكر لصالتى العصر
.والمغرب
بعد فشل التحكيم :تقول الرواية ..( :ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخالفة ... ،وكان علي 5 / 3 :
إذا صلى الغداة يقنت فيقول :اللهم العن معاوية وعمرًا وأبا األعور وحبيبًا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد!
.فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت سب عليًا وابن عباس والحسن والحسين واألشتر . ).هنا صالة الغداة أى الفجر
ـ فى خالفة معاوية جعل زياد بن أبيه واليا على العراق 6
كان العراق مركز المعارضة لألمويين ،ويتركز فيه الشيعة فإبتدع سياسة األحكام العرفية وأعلنها فى خطبته 6 / 1 :
( البتراء ) .وقام زياد بتطبيق سياسته هذه ،تقول عنه الرواية ( :واستعمل زياد على شرطته عبد هللا بن حصن ... ،فكان
يؤخر العشاء اآلخرة ثم يصلي ،فيأمر رجًال أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتل القرآن ،فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانًا
.يبلغ أقصى البصرة ،ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج ،فيخرج فال يرى إنسانًا إال قتله .)...هنا صالة العشاء
وتقول الرواية فى سبب قتل حجر بن عدى الكندى ( :أن زيادًا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصالة ،فقال له 6 / 2 :
حجر بين عدي :الصالة .فمضى في خطبته .فقال له :الصالة .فمضى في خطبته .فلما خشي حجر بن عدي فوت الصالة ضرب
.بيده إلى كف من حصى وقام إلى الصالة وقام الناس معه .فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس .)..هنا صالة الجمعة
:ـ فى مذبحة كربالء فى خالفة يزيد بن معاوية 7
ـ بعث الحسين بإبن عمه مسلم بن عقيل للكوفة لتجميع الشيعة ،فتحرك والى الكوفة عبيد هللا بن زياد ،تقول الرواية 7 / 1:
( ..وأما ابن زياد ..فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس أصحابه حول المنبر وأمر فنودي :أال برئت الذمة من رجل من
الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إال في المسجد .فامتأل المسجد ،فصلى بالناس .) .هنا المسجد و تجميع الناس
.لصالة العتمة ( العشاء )
وأرسل ابن زياد جيشا يقودة الُحُّر التميمى ليمنع الحسين من االتجاه نحو الكوفة وتالقى جيش الُحُّر مع جماعة 7 / 2 :
الحسين .تقول الرواية ( :وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي ،فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه
في نحر الظهيرة ...فلم يزل مواقفًا الحسين حتى حضرت صالة الظهر ،فأمر الحسين مؤذنه باألذان ،فأذن ..فسكتوا ،وقالوا
للمؤذن :أقم ،فأقام ،وقال الحسين للحر :أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال :بل صل أنت ونصلي بصالتك .فصلى بهم الحسين،
ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه ،ثم صلى بهم الحسين ...فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤوا
.للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم .)..هنا ذكر صالتى الظهر والعصر
عن جيش األمويين بقيادة عمر بن سعد .. ( :فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم 7 / 3 :
الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ) هنا صالة الغداة اى الفجر
ثم إن عمر بن سعد نادى " :يا خيل هللا اركبي وأبشري " ،فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صالة العصر وحسين (7 / 4
.هنا صالة العصر ) ..جالس أمام بيته محتبيا بسيفه
هنا صالة )، ...وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صالة الغداة ،وكان معه اثنان وثالثون فارسًا ،وأربعون راجًال ( 7 / 5 :
الغداة :الفجر .ونكمل الراوية ( :ولما حضر وقت الصالة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين :نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤالء
قد اقتربوا منك ،وهللا ال تقتل حتى أقتل دونك ،وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصالة! فرفع الحسين رأسه وقال :ذكرت
الصالة جعلك هللا من المصلين الذاكرين ،نعم هذا أول وقتها ،ثم قال :سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي .ففعلوا ،فقال لهم
الحصين :إنها ال تقبل .فقال له حبيب بن مطهر :زعمت ال تقبل الصالة من آل رسول هللا ،صلى هللا عليه وسلم ،وتقبل منك يا
حمار! فحمل عليه الحصين ،وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه ).
هنا صالة الظهر وقت ) ...ثم صلوا الظهر ،صلى بهم الحسين صالة الخوف ،ثم اقتتلوا بعد الظهر ،فاشتد قتالهم ( 7 / 6 :
.اإللتحام الحربى .صلوها صالة خوف
هنا قيام الليل فى الصالة ..).فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ( 7 / 7 :
.والدعاء
ـ بعد موت يزيد بن معاوية وتنازل معاوية بن يزيد عن الخالفة بدأ إنشقاق الضحاك بن قيش الفهرى بإمتناعه عن عادته 8
صالة الفجر فى مسجد دمشق ،تقول الرواية ( :وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه
فقام إليه شاب من كلب بعصا معه فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد
فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل
الضحاك دار اإلمارة وأصبح الناس فلم يخرج إلى صالة الفجر وكان من األجناد ناس يهوون هوى بني أمية وناس يهوون هوى
.ابن الزبير ) .هنا ذكر صالة الفجر
:ـ ظهر المختار الثقفى فسيطر على العراق وانتقم من قتلة الحسين .وفى فترة االضطراب هذه فى العراق جاء ذكر الصلوات 9
عن المختار وهو يقوم بتجميع الناس مسنعمال الصالة معهم فى المساجد ( :ومّر على حلقة من همدان فقال :قد قدمت 9 / 1 :
عليكم بما تحبون ...ثم أتى المسجد واستشرف له الناس ،فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصالة ،وصلى مع
.الناس ،ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره .) ،هنا صالة الجمعة ثم العصر
تجمع معه جيش صلى بهم الفجر ( :فلحقوا بالمختار ،فتوافى إلى المختار ثالثة آالف وثمانمائة من اثني عشر ألفًا كانوا 9 / 2 :
بايعوه ،فاجتمعوا له قبل الفجر ،فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس).
وبعث ابن مطيع ( شبث بن ربعي ) في نحو ثالثة آالف لحرب المختار ،وكان شبث بن ربعى ممن شارك فى جيش 9 / 3 :
األمويين فى كربالء (.فسار شبث إلى المختار ،فبلغه خبره وقد فرغ من صالة الصبح ) ..هنا صالة الصبح ( الفجر ) أو
.يسمونها صالة الغداة أو الغلس
وانتصر المختار فدخل قصر االمارة والمسجد الرسمى ( :ودخل المختارالقصر فبات فيه ،وأصبح أشراف الناس في 9 / 4 :
المسجد وعلى باب القصر ،وخرج المختار فصعد المنبر فحمد هللا وأثنى عليه فقال " :الحمد هلل الذي وعد وليه النصر ،وعدوه
.الخسر،وجعله فيه إلى آخر الدهر ،وعدًا مفعوًال وقضاء مقضيًا ،وقد خاب من افترى )" ..هنا صالة الصبح
أعطى عبد الملك األمان البن عمه عمرو بن سعيد ،ثم نكث عهده وقتله .فى روايات القتل يتكرر ذكر الصالة ،ومنها أنه 10 :
ترك ابن عمه مقيدا وخرج ( يصلى العصر) وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان ( والد عمر بن عبد العزيز ) أن يقتل إبن عمهما
عمرو بن سعيد .تقول الرواية .. ( :وأذن المؤذن العصر فخرج عبدالملك يصلي بالناس وأمر عبدالعزيز بن مروان أن يقتله
فقام إليه عبدالعزيز بالسيف فقال له عمرو " :أذّك رك هللا والرحم أن تلي أنت قتلي وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك " .فألقى
.عبدالعزيز السيف وجلس ،وصلى عبدالملك صالة خفيفة ودخل وغلقت األبواب .) ...هنا صالة العصر
ـ ودارت موقعة ( دير الجماجم ) التى إنتصر فيها الحجاج .وفى ثنايا المعركة نلمح إشارات لصالتهم الشيطانية .تقول 11
الرواية عن قائد جيش الحجاج .. ( :فانطلق القائد بعد صالة العصر والتقى عسكر الحجاج وعسكر ابن األشعث حين فصل
.القائد بمن معه وذلك مع صالة العصر فاقتتلوا إلى الليل . ) ..هنا صالة العصر
:مالحظات
ـ لم يقصد المؤرخون تسجيل الصالة بفروضها الخمس ،ولكن أتى ذكر الصلوات ضمن تفصيالت المعارك والمواقف .أى 1
كانت تأدية الصلوات الخمس إلتزاما لم يتخلوا عنه فى المعارك ،حتى كانوا يصلون صالة الخوف دون ترك الصالة .هذا فى
.أوقات الشدة ،وبالتالى فأوقات السالم كانوا يحافظون على مواقيتها
ـ حين نضع هذا األحداث فى سياقها الزمنى ال نتصور أنهم تعلموا الصالة ألول مرة من النبى محمد عليه السالم .بل 2
مارسوها طبقا لتواتر سابق لنزول القرآن الكريم ،ثم أضاف القرآن الكريم صالة الخوف فقاموا بها .هذا جيل دخل فى االسالم
بمعنى السالم ،وكانوا قبلها يتحاربون فى غارات وال يتركون فيها الصالة فى تواترها عبر القرون .ثم بعد دخولهم االسالم
بالمعنى السلوكى حافظوا على تأدية الصالة حتى مع معتقداتهم الجاهلية فى تقديس البشر والحجر .ثم بتولى الخلفاء الفاسقين (
.أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ) إستمروا فى تأدية صالتهم بالتواتر حتى فى قتالهم الباغى وفى حروبهم األهلية
ـ هذا عن العرب الذين توارثوا ملة ابراهيم ومنها تواتر الصالة .أما األمم المفتوحة الى خضعت ألمبراطوريتى الفرس والروم 3
..فقد كان للتواتر فى الصالة شأن آخر
:أوال
ـ سبق أن الوالى صاحب النفوذ األكبر كان يحمل لقب ( والى الصالة ) وأن إقامة المسجد فى البالد المفتوحة كان من 1
األولويات .وبالتالى فإن من كان يدخل فى دين العرب المحتلين من مواطنى البالد المفتوحة كان يذهب الى المسجد يعلن
( إسالمه ) ويتعلم الصالة .ومنه يتعلم أوالده وأحفاده بالتواتر .هذا هو تواتر الصالة فى األمم التى حكمها وإحتلها العرب .ومن
الطبيعى أنهم تعلموا مع الصالة اللغة العربية والقرآن الكريم .وسبق قول المقريزى أنه لما افتتح عمر البلدان كتب ابى موسى
وهو على البصرة ان يتخذ مسجدا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد فإذا كان يوم الجمعة انضموا الى مسجد الجماعة .وكتب عمر
الى سعد بن ابى وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ،وكتب الى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك ،وكتب إلى أمراء
االجناد بالشام( ان يتخذوا فى كل مدينة مسجدا ) ،ويذكر المقريزى أن عمرو أنشأ بمصر جامع الفسطاط أوالجامع العتيق سنة
12 .هجرية أى بعد فتح مصر بعام واحد ،أى قبل ان يولد البخارى وغيره بأكثر من مائتى عام
ـ وحسبما يذكر مؤرخو الحياة الدستورية واألحكام السلطانية مثل الماوردى وابن خلدون فإن إقامة الصالة كانت من أهم 2
شعائر الخليفة يقول ابن خلدون عن المقصورة التى اتخذها الخليفة للصالة وعن الدعاء فى خطبة الجمعة للخليفة " هما من
األمور الخالفيه -اى المرتبطة برسوم الخالفة -ومن شارات الملك اإلسالمى ولم يعرف فى غير دول االسالم " وكان الخليفة
يتولى اإلمامة فى الصالة بنفسه ؛ ويذكر أن عمرو بن العاص أول من اتخذ منبرا فى مسجد الفسطاط وأن الخليفة عمر وبخة
على ذلك وامره بكسر المنبر ...ويقرر ابن خلدون أن االمور الدينية الشرعية من الصالة والفتيا والقضاء والجهاد والحسبة
كلها مندرجة تحت اإلمامة الكبرى أى الخالفة ؛ وأن أمامة الصالة هى أرفع هذه األمور بل أرفع من السلطة السياسية للخليفة ،
ويستدل على ذلك بأن الصحابه عرفوا قدر أبو بكر حين استخلفه الرسول للصالة حين مرض النبى مرض الموت ففهموا
استحقاقه للخالفة بعد النبى وقالوا ارتضاة رسول هللا لديننا افال نرتضيه لدنيانا" (الخطط المقريزية 3؛107؛ 104ط دار
الشعب ) .وألن الصالة هى الوظيفة األسمى للخليفة فإن الخليفة هو الذى يعين بنفسه االئمة الذين يؤمون الناس فى المساجد
العظيمة فى األمصار " وذلك ما نقله ابن خلدون عن الماوردى صاحب كتاب " االحكام السلطانية " الذى يذكر فيه أن السلطان
له وحده حق تعيين إمام الصالة فى المساجد العظيمة وإذا قلد السلطان إماما كان أحق بامامة من غيره ؛وذكراختالف الفقهاء
.فى األحق باإلمامة فى المساجد فيرى بعضهم أنه االمير الوالى وقال اخرون انه القاضى
ـ وفى بداية الفتوحات كان الوالى على أحد األمصار يقوم بإمامة الناس فى الصالة ويفصل فى النزاع ويقود الجيش ويجمع 3
الجزية ؛ أى كانت إمارة عامة .ثم بعد استقرار األحوال قيد الخليفة عمر سلطة الوالى ،فعمرو بن العاص كان اميرا للصالة
والجيش والقضاء والجزية فما لبث عمر بن الخطاب أن عين عبد هللا بن أبى السرح للخراج ثم عين قاضيا لمصر ،ولم يعد
.لعمرو الوالى االصلى إال الصالة وقيادة الجيش
وقتها لم يكن كتاب مدون إال القرآن ولم يكن يتلى إال القرآن الكريم ؛ ومعروف تدوين األحاديث بدأ فى العصر العباسى مع موطأ
مالك ،بالتالى فمن الخبل أن يقال أن الناس تعلموا الصالة من كتب األحاديث .والمهم ان تأدية الصالة توارثناها فى مصر عبر
اسالفنا المصريين الذين أسلموا وتعلموا دين العرب واللغة العربية على أيدى الفاتحين العرب سنة 20هجرية وقبل أن يولد
البخارى وغيره ،أكثر من ذلك ال يوجد حديث واحد فى البخارى وغيره يفصل كل شىء عن كيفيةالصالة ومواقيتها وكل ما
يتعلق بها من بدايتها الى نهايتها من الصبح الى العشاء .بل أكاد اقطع بالقول بأن أحدا من المصلين لم يفتح كتاب البخارى
.ليتعلم منه الصالة ؛ ولو فعل لخرج قراءته بالشك فى الصالة ؛ وذلك هوالدور الحقيقى االذى تقوم به كتب االحاديث المشهورة
ثانيا :تواتر الصالة بدأ بدخول غير العرب دين العرب
وهذا يحتاج الى بحث مستقل عن دخول ابناء األمم المفتوحة الى دين العرب
:ونكتفى هنا بلمحة عن دخول المصريين الى دين العرب .ونضع بعض المالحظات .
ـ الكتابات التاريخية األولى تصف المصريين بالقبط أو األقباط .ظل هذا سائدا حتى العصر العباسى الثانى .وربما الى عهد 1
احمد بن طولون كما يبدو من سيرة أحمد بن طولون للمؤرخ البلوى الذى عاصر ابن طولون .هذا مع ان أولئك المؤرخين كانوا
يطلقون على األعراب الذين وفدوا وعاشوا فى مصر ( المصريين ) ،ويبدو هذا خصوصا فى التأريخ للثورة على الخليفة
عثمان ،جاء وصف الثوار القادمين من مصر بالمصريين ـ بينما كان أصحاب البلد مصر ( أقباطا ) .ومن هذا الخلط أصبح إسم
.مصر فى الغرب ( إيجيبت) من (جبت ) أو قبط
ـ المرحلة األولى من دخول المصريين ( األقباط ) دين العرب وتركهم المسيحية اإلرثوذكسية بدأت مع االضطهاد األموى 2
.والعباسي .وقد عرضنا لهذا من قبل
ـ وقد كان انتشار دين العرب محدودا خالل الدولة األموية .إال أن الضغط القاسي الذي مارسه األمويون على األقباط جعل 3
الكثيرين يحاولون النجاة منه بدخولهم دين األمويين هربا من الجزية وأمال في وضع أفضل وقد فطن األمويون إلى هدفهم هذا
فألزموهم بدفع الجزية .وقد أنكر عمر بن عبد العزيز على والى مصر ذلك الصنيع وكتب إليه (أن هللا بعث محمدا هاديا ولم
يبعثه جابيا) وتم رفع الجزية مؤقتا إال أن األمور عادت إلى ما كانت عليه وفرضت عليهم الجزية بعد عهد ( عمر بن عبد
.العزيز) القصير الذي لم يتجاوز ثالث سنوات
ـ ارتبطت حوادث االضطهاد في العصر األموي باعتناق الكثيرين من األقباط لدين المحتلين العرب ،خصوصا من الفقراء 4
الذين طمعوا في وضع أفضل .بينما تمسكت أغلبية األقباط بدينهم المتوارث ،وكان األساقفة والرهبان يفرون عند االضطهاد
إلى األديرة في الصحاري تمسكا منهم بعقيدتهم .وحرص كبار المسيحية على الثبات إلى درجة شراء األسرى الرومان حتى ال
يرغموا على دخول دين الغزاة المحتلين .ومع ذلك فإن اضطهاد األمويين لألقباط جعل بعضهم يدخلون في دين األمويين .
وأخمد األمويون والعباسيون ثورات األقباط بكل قسوة ،وأدرك األقباط عجزهم عن المقاومة المسلحة فاضطر لدخول دين
المحتل ،وطوي القلب على حقد دفين عبر المقريزي عنه بقوله( فرجعوا من المحاربة للمكايدة واستعمال المكر والحيلة
.ومكايدة المسلمين)
وفى العصر المملوكى وصل بعضهم باعتناق دين الحاكم الى أرفع المناصب فاستخدموا نفوذهم في االنتقام من ( المسلمين ) .
يقول عنهم المقريزي (فصار الذليل منهم بإظهار اإلسالم عزيزا يبدي من اذالل المسلمين التسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه
:نصرانيته من إظهاره ,وما هو إال ما كتب به بعضهم إلى األمير بيدرا النائب
وإذا ما خلوا فهم مجرمونا اسلم الكافرون بالسيف قهرا
فهم ساللون ال مسلمونا سلموا من رواح مال وروح
ـ كما أن الدولة العميقة فى مصر إضطرت الى أن تتعلم العربية عندما فرض الوليد بن عبد الملك تعريب الدواوين فى كل 5
الواليات ومنها مصر والتى كان األقباط يكتبون حساباتهم وتقاريهم بالقبطية .الدولة العميقة فى مصر هى التى كانت تمسك
باإلدارة الداخلية ،وأهمها حسابات الضرائب وتوزيعات األراضى وعدد المواليد .ولقد تعاقب على مصر إحتالالت شتى بعد
زوال حكمها الفرعونى ،وأولئك المحتلون األجانب تركوا موظفى الدولة العميقة يديرون مصر وركزوا على إستنزافها من
خاللهم .أحتل مصر الفرس والبطالمة والروم .جاء العرب ،وهم ال سابقة لهم بإدارة الدول الزراعية فكان منتظرا أن يستبقوا
الموظفين المصريين يمارسون عملهم .فلما أمر الوليد بن عبد الملك بتعريب الدواوين حاولوا التملص فلم يستطيعوا فتعلموا
العربية حفاظا على وظائفهم ونفوذهم .بهذا بدأ إنحسار اللسان المصرى ( اللغة المصرية القبطية ) ،وقد ظلت مستعملة حتى
عصر احمد بن طولون كما يظهر فى سيرته المشار اليها .ثم واصلت إنحسارها حتى إذا جاء عصر المقريزى وصل تراجعها
الى الصعيد واألديرة المسيحية والنوبة والقرى المنقطعة .وبطغيان ( اللغة العربية ) إضطر األساقفة المصريون األقباط الى
.تعلمها وترجمة نصوصهم الدينية اليها
:ـ اعتنق أغلب المصريين ما كان معروفا باالسالم فى الدولة الفاطمية على الطريقة الشيعية .ولهذا أسباب 6
الدولة الفاطمية حولت الحياة الدينية الى طقوس وإحتفاالت ( دينية إجتماعية ) ،وكان هذا يشمل الصالة ،خصوصا 6 / 1 :
صالة الجمعة .وإشتهر تسامح الفاطميين مع األقباط الى درجة إحتفاالتهم باألعياد المسيحية والقبطية ( ذات األصل الفرعونى )
.جنبا الى جنب مع األعياد الشيعية واألعياد المتوارثة كالعيدين
تشابه الحياة الدينية لالقباط مع الدين الشيعى فى العقيدة و الطقوس ،ومن التشابه بين العقائد منذ العصر الفاطمي كان 6 / 2 :
من السهل أن يغير الناس عقائدهم فالتغيير منصب على اإلشكال واألسماء أما المضمون فهو واحد في كل حاله ،فاالسماعيلية
..عقيدة الدولة الفاطمية تأخذ من كل النحل واألهواء في سبيل أن تنتشر دعوتها وأن يتمتع أئمتها بتقديس الناس
وهناك عامل سياسى ،إذ تقرب الفاطميون الى األقباط المصريين ألن الفاطميين الشيعة كانوا أقلية فى مواجهة أكثرية 6 / 3 :
من السنيين فى مصر ،وبسبب طول بقائهم فى مصر أصبحت لهم فيها جذور ونفوذ وتداخل فى الدول العميقة فى مصر ،أى
كانوا خطرا على الفاطميين ،لذا كان تشجيع األقباط للدخول فى ( التشيع ) على أنه االسالم .وبهذا التحق األقباط المتحولون
بالمساجد وانغمسوا فى االحتفاالت الدينية المتنوعة ،بل ال تزال العادات الدينية للمصريين المسلمين متأثرة بالطقوس الفاطمية
فى شهر رمضان والعيدين واألصناف الخاصة باألطعمة .ولم يخل العصر الفاطمى من إضطهاد لألقباط ،وأشهره ما حدث فى
.خالفة الحاكم بأمر هللا ،ولكن عانى الجميع من حمق هذا الخليفة حتى أقرب الناس اليه
ـ وأسس صالح الدين األيوبى دولته األيوبية على أنقاض الدولة الفاطمية ودينها الشيعى وبادر بحرب التشيع بتشجيع 7
التصوف السنى فأنشأ خانقاة سعيد السعداء ،وكانت لها رسومها فى تأدية صالة الجمعة فأثارت إعجاب المصريين ،وبدا
التحول الى التصوف السنى الذى ما لبث أن تسيد فى العصر المملوكى .ومع إضطهاد األقباط فى العصر المملوكى فقد كان جملة
إعتراضية فى تاريخ إستمر قرونا ،وتغلب عليه أساطين األقباط بإعتناق الدين المملوكى ،وهذا الدين المملوكى ( التصوف
السنى ) فى أغلبه تسامح ،وفى أغلبه تشابه مع دين األقباط ،من حيث تقديس البشر والحجر وااليمان بكرامات األولياء
ومعجزات القديسين .بل كانت بعض حاالت اإلضطهاد مبعثها التنافس بين بعض األولياء وبعض القساوسة .وفى العصر
المملوكى صار األغلبية الساحقة من المصريين على الدين المملوكى السائد ( التصوف السنى ) وتركوا دينهم القبطى وصاروا
.يقيمون الصالة ( الشيطانية ) التى كانت وسيلة للفساد األخالقى وقتها .والتفاصيل فى موسوعة التصوف فى مصر المملوكية
:أخيرا
ـ ومن خالل هذه العصور إستمر التواتر فى الصالة الشيطانية وفى الصيام السطحى وفى الحج للبيت الحرام والقبر الرجسى 1
.المنسوب للنبى محمد وقبور األولياء وآل البيت ..إستمر التواتر فى العبادات مختلطا بتزوير وفساد وتقديس للبشر والحجر
.ـ والقرآن الكريم هو الحكم على هذا الزيف 2
:مقدمة
قريش حّر فت تواتر ملة ابراهيم بالتجارة بالدين والّص ّد عن المسجد الحرام وعبادة األولياء والقبور المقدسة وإلحاقها بالمساجد
.نزل القرآن بالتصحيح ،ولكن ما لبث أن عاد التحريف أشّد بموت النبى وتحكم الخلفاء الفاسقين القرشيين .الخلفاء الفاسقون
األوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) كان تحريفهم العملى فى الصالة بأن جعلوها صالة شيطانية تحض على الغزو االحتالل
والسلب والسبى واالسترقاق .ثم جاء األمويون فحكموا حكما إستبداديا وراثيا فأضافوا نوعيات أخرى من التحريف فى الصالة
وفى دور المساجد ،إستهدفت االستغالل السياسى لدعم الحكم األموى االستبدادى الوراثى والذى إبتدعه األمويون مختلفين
عّم ن سبقهم من الخلفاء السابقين .هذا االبتداع والتحريف ـ الذى إنصّب على الصالة وملحقاتها ودور المسجد ـ أّدى الى رّد
.فعل لدى المعارضة السياسية لألمويين كما أنه تطور بعد العصر األموى فى عصور الخلفاء الالحقين والسالطين
هذا موضوع نزعم أنه ألول مرة يتم بحثه ،ولذا سيكون كالعادة مجرد تمهيد نرجو أن يبنى عليه الباحثون الجاُّدون .ونعطى
.بعض التفصيالت
الفصل السادس :لمحة عن إستمرار وتطور التهاون فى الصالة بعد العصر األموى
ـ سبقت االشارة الى بعض خلفاء بنى أمية الذين أهملوا الصالة .والواضح ان التهاون فى الصالة كان يتزايد بمرور الزمن 1
خالل العصر العباسي حيث تحول الخليفة الى رمز كهنوتي .وكانت الصالة ضمن هذا الكهنوت .ومن عادة الكتابات التاريخية
التركيز على المشاهير من الحكام والقادة و العلماء ،دون العوام والجماهير .ومن النادر ان تشير فى تاريخها للمشاهير مدى
اهتمامهم بالصالة المفروضة إال اذا كان الشخص المشهور "مشهورا" باهماله الصالة .فمثال يقول المسعودي فى (مروج
.الذهب) فى قصة طويلة عن الشعر العباسي المشهور "ابى تمام" انه كان ال يصلي ( .مروج الذهب )2/377
ـ ولقد جمع المؤرخ صالح الدين بن ايبك الصفدى تراجم لكل المشاهير من بداية الصحابة الى عصره فى القرن الثامن 2
الهجرى ،وذلك فى موسوعته "الوافى بالوفيات" التى تربو على 23جزءا .وقد راجعناها كلها ،وجئنا بهذه النماذج التى
".اشتهرت باهمال الصالة المفروضة
.يقول عن نجم الدين بن على الشافعي ت ( 699كان ُيخُّل بالصلوات ويتكلم فى الصحابة )( الوافي 2 / 1 : )7/305
:ويقول عن االفريقي المتيم ـ وكان معاصرا للصفدى المؤرخ ــ انه قال فى شعره 2 / 2 :
فقلت اغربي عن ناظرى انت طالق تلوم على ترك الصالة حليلتى
)الوافي (8/157
وكان عالء الدين الدواعي ( )716 – 640صديقا البن ايبك الصفدي وقد وصفه أيضا بأنه كان "يخل بالصلوات" ( 2 / 3
)200 : 2/199.
أما الشاغورى النحوي ت 773وكان من تالمذه ابن مالك ومعاصرا ايضا البن الصفدي فقد كان يدع الناس يصلون 2 / 4 :
.بالجامع األموي بدمشق ،ويتمشى ليرى الناس انه غير مكترث بالصالة (الوافي )10/267
ومن غير الطريف ان احدهم (كان قبيح الوجه وقد نظر يوما فى المرآة ،فقال :يارب لقد صورتني فشوهت بي 2 / 5 : ،
وخلقتني فقبحت صورتي وما أعلم شيئا أكافئك به إال ترك الصالة ،وأنا أدعها وال أصليها ) ( الوافى )647 / 17
..ونستغفر هللا العظيم الضطرارنا الى كتابة هذا الكالم ،وناقل الكفر ليس بكافر
ومن غير اللطيف ايضا ان بعض القضاة كان يهمل الصالة ،ومنهم فى القرن الرابع الهجرى الحافظ الحجارى قاضى 2 / 6 :
الموصل المتوفى 350هـ قال صاحب له (أنه كان نائما فكتب على رجله ،فكنت أراه ثالثة أيام لم يمسه الماء) (الوافى
)4/240.
ـ هذا باالضافة الى خلط الصالة باالنحالل الخلقى ،وفى العصر العباسي ألمح اليها الجاحظ فى سخرية رائعة فى كتابه 3
"المحاسن واألضداد" حين حكي ان خمسة من الفتيان أتوا قرية (فنزلوا على باب خان ،فقام أحدهم يصلى والباقون جلوس.
فمرت بهم أمرأة نبطية ،فقالوا :دلينا على قحبة ،فقالت :نعم كم انتم ؟ قالوا :نحن أربعة .فأومأ الذى يصلى بيديه :سبحان
هللا :أنا الخامس) (المحاسن واألضداد .ط 1332 1ص ) 92
وكان معروفا فى العصر العباسي انتشار البغاء علنا فى الخانات وغيرها من بيوت األثرياء ،وكان يصاحبه الشذوذ العادى
.وبأجر ..ومشهور فى هذا المجال الشاذ ابو نواس والخليفة محمد األمين بن هارون الرشيد
وفى الجزء ( )16ص 47من موسوعة (المنتظم) فى التاريخ يروي ابن الجوزي فى أحداث سنة 454انه "عطلت المواخير
"وغلقت ابوابها ونودي بازالتها وكان السبب انه كثر فساد وشرب الخمر ،وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن
ـ وعن اجتماع الظلم مع الصالة نقرأ فى موسوعة تاريخ الصفدي ان السلطان االيوبي شيريكوه بن محمد بن شيريكوه 5
صاحب حمص المتوفى سنة 638هـ (كان مشهورا بالظلم والتعذيب واالعتقال اال انه ال يشرب الخمر ابدا ويالزم الصالة فى
أوقاتها ،وكانت بالده طاهرة من الخمر و المكوس ،ومنع أهل حمص من تهريب الخمر بسبب عسفه وجوره ) (الوافى
بالوفيات .)216 / 16وشهرته بعدم شرب الخمر ومنعها فى بالده يفيد أن الخمر كانت شائعة خارج مملكته .ويقول الصفدي
عن الشاعر ابن عينين الذى تولى الوزارة للسلطان المعظم األيوبي انه اشتهر آخر عمره بالعسف والظلم وترك الصالة وسب
.األنبياء وادمان الخمر وقد عاش ابن عينين فيما بين ()630- 549
التصوف السنى جعل التهاون فى الصالة دينا فى العصر المملوكى
ـ تسيد دين التصوف السنى العصر المملوكى بما أسموه ( الحقيقة والشريعة ) ،فالحقيقة هى عقائد التصوف وتقديس 1
.األولياء الصوفية ،أما الشريعة فهى هامش أداء العبادات ومنها الصالة والتقاضى بالشريعة السنية وقضاتها األربعة
ـ وأئمة التصوف أسقطوا التكاليف (العبادات) اإلسالمية ،فالصوفية إّدعوا اُأللوهية فال تتفق بأى حال عبادة هللا وهم يزعمون 2
االتحاد به وحلوله فيهم حسبما يزعمون .والتفاصيل فى كتابنا عن العبادات فى مصر المملوكية بين االسالم والتصوف .وننقل
.منه تأثر الناس بهذا فى تهاونهم فى الصالة
ـ فقد أثار ترك الصوفية للصالة المكتوبة إعجاب المعتقدين فيهم من العوام والعلماء المعبرين عن فكرالعامة .وقد عاش 3
الفقيه المغربى ابن الحاج العبدرى فى مصر فى القرن الثامن ،وكتب فى الفقه الوعظى كتاب ( المدخل ) يذكر فيه أحوال
المجتمع المصرى الذى أرهقه التصوف السنى بإنحالله وخرافاته ،وهو يعظ على طريقة الفقهاء .يقول عن الذين يؤمنون
بالمجاذيب ــ وقد إنتشروا فى العصر المملوكى ــ وكان يحج اليهم متوسال العلماء الفقهاء ،استنكر ابن الحاج ذلك المسلك من:
( بعض من ينسب إلى العلم،يقعد بين يدى بعض من يدعى الفقر (أى التصوف) والوالية وهو مكشوف العورة،وقد تذهب عليه
أوقات الصالة وهو لم يصل ،ويعتذرون عنه )]1[.
بل شارك فى ذلك اإلعجاب بعض من عرف بالصالح – أى الصالح بالمفهوم الصوفى وهو االيمان باألولياء الصوفية ،وقد رأى
ابن الحاج بعضهم يرحل إلى زيارة شخص (من هذا الجنس وبقى نحو ثالثة أيام أو أربعة حتى اجتمع به وهو عريان ليس عليه
شْى يستره ،وبين يديه بعض قضاة البلد ورؤسائها،وهذا أمر شنيع فى الدين وقلة حياء من عمل الذنوب وارتكاب مخالفة السنة
.وترك الفرائض)[]2
ـ والعامة مغرمة بالتقليد ،السيما إذا تعلق التقليد بأمور تريح من آداء التكاليف وتجلب الكسل والدعة ،فالعامة تجسيد 4
لألكثرية فى كل مجتمع ،وقد وصف القرآن الكريم األكثرية بأنها ال تعلم وال تعقل والتفقه والتؤمن .وهكذا فإن دين الصوفية فى
التهاون فى الصالة وافق هوى العامة .وقد بدأ ذلك منذ عصر الغزالى فى القرن الخامس فيما يخص ترك الصالة بالذات ،يقول
الغزالى يصف العامة فى عصره ( :أكثر الناس جاهلون بالشرع فى شروط الصالة فى البالد ،فكيف فى القرى والبوادى ومنهم
األعراب واألكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق)[. ]3أى أن أهل المدن أقرب إلى التحضر واإللتزام ،ويتالشى ذلك اإللتزام
كلما بعدنا عن العمران والحضارة وتوغلنا فى الريف .وقد تحولت شعيرة الصالة ــ خصوصا الجمعة ـ الى وظيفة رسمية يتم
بها التعبير عن الوالء للسلطان ،ولم يكن هذا مرعيا فى الريف واألحياء الشعبية الفقيرة ،وزادهم التصوف جهال على جهل .
ومن أسف فإن إهمال تاريخ العامة وشئونها يكاد يكون قاسمًا مشتركًا فى الكتابات التاريخية لمؤرخى العصر المملوكى وما
سبقه ،إذ استحوذ على المؤرخين تتبع حركات الحكام وسكناتهم ومن خاللها نظروا للعامة فى شذرات متفرقة ال تسمن وال تغنى
..من جوع ..ومن هذه الشذرات القليلة نستخلص موقف العامة من الصالة
ـ يقول المؤرخ ابن الفرات فى حوادث (790رتب القاضى نجم الدين الطبندى محتسب القاهرة جماعة من الفقهاء ،فى كل 5
سوق من أسواق القاهرة وظواهرها فقيه يعلم التجار واصحاب الصنايع والمتعيشين سورة الفاتحة وغيرها من السور ليقرأوا
بذلك ،وجعل لكل فقيه على كل من يعلمه فليس جرد ،وهذا ترتيب حسن ال بأس به) [.]4أى أن العامة نسيت الفاتحة واستلزم
األمرإيفاد بعض الفقهاء لتعليم التجار والصناع سورة الفاتحة ..وهذا فى المدينة العاصمة .فكيف بالحال فى القرى والنجوع ؟!
..وكان ذلك فى القرن الثامن ،فكيف الحال فى القرون التالية وقد اشتدت سيطرة التصوف ؟؟
ـ لقد وصل األمر فى القرن التاسع إلى درجة أن الجهل بالفاتحه والصالة وصل إلى األمراء والسالطين ،فكان األمير أحمد بن 6
نوروز ُ (852يرمى بترك الصالة ) []5
بل كان السلطان األشرف اينال( :ال ُي حسن قراءة الفاحة وال غيرها من القرآن ،وكانت صالته للمكتوبات صالة عجيبه،نقرات
ينقر بها ال يعبأ بها هللا ،وكان ال يحب إطالة الدعاء بعد الصالة ،بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء) [ .]6فاألشرف اينال
طولب بالصالة طبقا للبروتوكول فكان يصلى صالته المضحكة وهو جاهل بالفاتحة ،وكان يؤدى تلك النقرات بضيق حتى إذا ما
..انتهت أضرب عن الدعاء بعدها
ـ وفى القرن العاشر الهجرى تكاثر األولياء وانتشروا فى ربوع مصر ومدنها وقراها . .وأغلبهم من العامة األميين فكانوا 7
يسترون تركهم الصالة بمزاعم الكرامات واالنتقال من مكان الى آخر بخطوة واحد ( من أهل الخطوة ) ،فكانوا يزعمون الصالة
فى اماكن بعيدة مثل الرملة واللد فى فلسطين ،وبعضها وهمى وخرافى مثل جبل قاف وسد اسكندر ..وهم ما تعودوا الصالة قبل
..المشيخة فالبد أن يفكروا فى حل صوفى يبرر عدم صالتهم
ـ وقد ترسب فى الضمير الشعبى ما يعبر عن اهمال الصالة أو السخرية منها حسب الرؤية الذاتية للشعب المصرى الذى 8
..يغلف نظرته لألموربالسخرية والتندروالفكاهة
فعن الجهل بالفاتحة يقول المثل (سورتك إيه سورتك إياك) والمراد(بإياك) سورةالفاتحة (ويضرب المثل لبقاءالشخص 8 / 1 :
على نمط واحد كأنه يقرأ الفاتحة كل يوم ال يتعداها)[ .]7والفاتحة أصبحت فى عرفهم مجرد (إياك) ،ويوصف المصلى بأنه يبقى
على نمط واحد يردد كل يوم دون وعى أو فقه بما يقول .ويشبهون بالمصلى كل من توقف على أسلوب واحد ال يسأم من
.ترديده
وعن الجهل بالفاتحة أيضًا يقول المثل الشعبى(إذا نسيت الحمد تصلى بأيه) [8 / 2 : 8.]8
وقد يقصد الشخص الجامع متكاسًال متأففًا فيجد أبوابه موصدة وحينئذ يشعر بسرور يعبر عنه المثل الشعبى (بركة 8 / 3 :
.ياجامع اللى جت منك ما جت منى)[]9
وكانت المآذن تردد بعد آذان الفجر قولهم :أن الصالة خير من النوم ..وهذه مقولة ال توافق عليها العامة التى تؤثر 8 / 4 :
الكسل ،فلم تترك هذا القول دون تندر فيقول المثل الشعبي (الصالة خير من النوم ،قال جربنا ده وجربنا ده) أى أنهم من واقع
السخرية عرفوا أن النوم خير من االستيقظ لصاله الفجر ..فهذا المثل( يضرب فى تفضيل شىء على شىء دلت التجربه على
خالفه)[]10
أخيرا
.ما سبق يدل على تواتر الصالة فى توقيتاتها وحركاتها الشكلية .لو لم تكن موجودة ما قرأنا هذا الكالم
ـ وإحتل عمر بن عبدالعزيز مكانة هامة فنسب محمد بن إسحاق هذا الخبر عّم ن اسماه ( محمد بن عمارة ) روى إنه قال 5 :
( كنا نؤذن عمر بن عبدالعزيز فى داره للصالة ،فنقول السالم عليك يا أيها األمير ورحمة هللا وبركاته ،حى على الصالة ،حى
على الفالح ،الصالة رحمك هللا " وفى الناس الفقهاء ال ينكرون ذلك " ( ابن سعد . ) 246 ، 5المهم قوله أن الفقهاء ال
ينكرون ذلك .وهذا للرد على أى معترض فى العصر العباسى .وفى رواية أخرى يقول ابن سعد أن مؤذن الخليفة عمر بن
عبدالعزيز يسلم على بابه :السالم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة هللا ،حى على الصالة يرحمك هللا ( ) .ابن سعد ) 264 ، 5
ـ على أن المقريزى ينقل خبرا يناقض هذا وهو أن األذان فى مصر فى والية عمرو بن العاص كان ( ال إله إال هللا ) فقط 6 .
ينقل اآلتى ( :قال أبو الخير :حدثني أبو مسلم وكان مؤذًن ا لعمرو بن العاص أناألذان كان أوله الإله إال هللا وآخره الإله إال هللا،
وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ) .إنتهى هذا فى الدولة العباسية ،واصبحت شهادة االسالم شهادتين وتأسس تقديس
النبى محمد وجعلوه إالها وشريكا لرب العزة جل وعال فى الشهادة وفى الصالة ( التحيات ) وصالة الُّس ّن ة وفى األذان وفى الحج
.الى الى المسجد الرجسى المنسوب له ظلما وعدوانا
ثالثا :الفاطميون والصراع الشيعى السنى
ـ ثم حدث أول تغيير مشهور فى األذان فى الدولة الفاطمية الشيعية التى أنشأت القاهرة و الجامع األزهر ،يقول المقريزى 1
عن االبتداع الشيعى الفاطمى ( :إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين هللا وبني القاهرة ،فلما كان في يوم الجمعة الثامن
من جمادي األولى سنة تسع وخمسين وثالثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ..وأذن المؤذن " :حي
.على خير العمل " ،وهو أول ما أذن به بمصر ...فلم يزل األمر على ذلك طول مدةالخلفاء الفاطميين) .
ـ ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا المشهور بتقلبه و حماقاته وإّد عائه االلوهية تالعب أيضا باألذان ،ينقل المقريزى 2
( ..إال أن الحاكم بأمر هللا سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصروسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي
وقرأ أبو العباسي سجاًل فيهاألمر بترك حي على خير العمل في األذان ،وأن يقال في صالة الصبح "الصالة خير من النوم"،وأن
يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم :السالم على أمير المؤمنين ورحمة هللا ،فامتثل لذلك ).أى أن قولهم ( الصالة خير من
النوم فى أذان الفجر من اختراعات الحاكم بأمر هللا الفاطمى .!.ثم عاد الحاكم األذان الشيعى لما كان عليه سنة ، 401ينقل
المقريزى ( :ثم عاد المؤذنون إلى قول "حي على خير العمل " في ربيع اآلخر سنة إحدى وأربعمائة . ).ثم استحدث الحاكم
تغييرات وزيادات أخرى عام ، 405يقول المقريزى (:ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر
من قولهم بعد األذان " :السالم على أمير المؤمنين " ،وأمرهم أن يقولوا بعد األذان " الصالة رحمك هللا . )!." .والمفهوم من
.هذا أن السلطان هو صاحب التشريع ،ال فارق بين خليفة سنى أو شيعى
ـ وإمتد الصراع الشيعى السنى خارج مصر فوصل بغداد ،ونال األذان منه نصيب ،ففى سنة 448انتصر السنة على 3
الشيعة فى بغداد وتحكموا فى أحياء الشيعة فيها وفى مقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ ،فأقيم األذان بشعار السنة "
الصالة خير من النوم " وأزيل ما كان الشيعة يقولونه فى األذان من " حى على خير العمل " وقلعوا جميع ما كان على أبواب
.الدور من " محمد وعلى خير البشر " .هذا ما ذكره ابن الجوزى فى تاريخ ( المنتظم ) 8: 7 / 16
ـ وجاء فى الدولة الحمدانية فى حلب ابتداع جديد فى األذان ،يقول المقريزى (وأول من قال في األذان بالليل " :محمد4
وعلي خير البشر" ....ابن شكنبة ويقال أشكنبة وهو اسم أعجمي معناه الكرش ،وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن
الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ،وكان أول تأذينة بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع
وأربعين وثالثمائة.قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ،ولم يزل األذان بحلب يزاد فيه " :حي على خير العمل" ،و"
محمد وعلي خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود .فلما فتح ( أى السلطان نورالدين زنكى ) المدرسة الكبيرة المعروفة
بالحالوية استدعى أبا الحسن عليبن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ،فجاء ،ومعه جماعة من الفقهاء ،وألقي بها
الدروس ،فلما سمع األذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت األذان وقال لهم مروهم يؤذنون األذان المشروع ومن امتنع كبوه
على رأسه ،فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ،واستمر األمرعلى ذلك .) .أى استطاع الشيعة تغيير األذان فى الدولة الحمدانية ،
وهى دولة عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان هواها مع الشيعة ،فلما تغلب محمود نور الدين زنكى على حلب تحت شعار
مواجهة الصليبيين وارساء المذهب الّس نى وحربه للتشيع أقام مدرسة الحالوية الّس نية واستقدم لها الفقهاء السنيين الذين
.أبطلوا األذان الشيعى .أى أصبح األذان للصالة ميدانا للصراع السياسى بين الشيعة والّس نة
ـ واسقط صالح الدين األيوبى الدولة الفاطمية وعاد بمصر الى معسكر السنة أو ( التصوف السنى ) .يقول المقريزى 5 :
( وأما مصر فلم يزل األذان بها على مذهب القوم ( الفاطميين ) إلى أن استبد السلطانصالح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار
مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة ،وكان ينتحل مذهب اإلمام الشافعي رضي هللا عنه وعقيدة الشيخ
أبي الحسن األشعري رحمه هللا ،فأبطل من األذان قول حي على خير العمل ،وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان
! .أهل مكة ،وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ) .اى جعل الشهادة شهادتين
:رابعا :فى العصر المملوكى
ـ واستمر هذا طيلة الدولة األيوبية ،ثم الى الدولة المملوكية التى عاش فيها المقريزى القائل ( :فاستمر األمر على ذلك إلى1
أن بنت األتراك (أى المماليك من سالطين وأمراء ) المدارس بديار مصر ،وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي هللا عنه في مصر ،
فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصالة أيًض اعلى رأيهم ،وما عدا ذلك فعلى ما قلنا ) .أى
.حدث اختالف فى األذان الّس نى بين أذان مكة وأذان الكوفة
ـ ثم جّد ابتداع جديد فى األذان فى العصر المملوكى بعدعام ، 760أخترعه المحتسب صالح الدين البرلسى ،يقول عنه 2
المقريزى ( :إال أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وهو شىء
أحدثه محتسب القاهرة صالح الدين عبد هللا بن عبد هللا البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة ).أى أضاف هذا المحتسب الصالة
.على النبى بعد الفراغ من األذان ،وجعل ذلك فى ليالى الجمعة فقط
ـ ثم تم تعميم هذا ليشمل كل أذان وليكون فى صلب األذان وليس خاتمة له .وتم هذا عبر اكذوبة المنامات التى برع فيها 3
شيوخ التصوف ،وكان للتصوف سطوته فى العصر المملوكى ،وكان أولياؤه يتمتعون باعتقاد الناس فى خوارقهم وكراماتهم
وعلمهم اللدنى ومناماتهم ،وكل األكاذيب التى ينسبونها ألنفسهم وألوليائهم .نستكمل ما قاله المقريزى .( :وهو شىء أحدثه
محتسب القاهرة صالح الدين عبد هللا بن عبد هللا البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .....فسمع بعض الفقراء ( أى الصوفية )
الخالطين ( مهاجرون لمصر من بلدة خالط ) سالم المؤذنين على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في ليلة جمعة ،وقد استحسن
ذلك طائفة من إخوانه ،فقال لهم :أتحبون أن يكون هذا السالم في كل أذان ؟ قالوا :نعم .فبات تلك الليلة وأصبح متواجًدا
( أى أخذه الوجد والحال والجذب بزعمهم ) يزعم أنه رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في منامه ،وأنه ( أى النبى ) أمره
أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسالم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في كل أذان .فمضى ( ذلك
الولى الصوفى أو الفقير الصوفى ) إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ ( نجم الدين محمد الطنبدي ) .ويصف المقريزى هذا
المحتسب نجم الدين الطنبدى بأسوأ الصفات ،يقول عنه ( :وكان شيًخ ا جهواًل ،وبلهاًن ا مهواًل ،سيءالسيرة في الحسبة
والقضاء ،متهافًت ا على الدرهم ولو قاده إلى البالء ،اليحتشم من أخذ البراطيل والرشوة ،وال يراعي في مؤمن إاّل وال ذمة ،
قد ضرى على اآلثام ،وتجسد ( أى تضخم جسده ) من أكل الحرام ،يرى أن العلم إرخاء العذبة ،ولبس الجبة ،ويحسب أن
رضي هللا سبحانه في ضرب العباد بالدرة ووالية الحسبة ،لم تحمد الناس قط أياديه ،وال شكرت أبًد ا مساعيه ،بل جهاالته
شائعة ،وقبائح أفعاله ذائعة ،أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم ( أى حوكم كثيرا أمام مجلس المظالم ) وأوقف مع من
أوقف للمحكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ،حقق فيها شكاته عليه القوادح ،وما زال في السيرة مذموًم ا ،ومن
العامة ملوًم ا .) !.وبعد هذا الهجاء المسجوع يذكر المقريزى أن ذلك الشيخ الصوفى ذهب للمحتسب وحكى له المنام قائال ان
النبى ( يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " :الصالة والسالم عليك يا رسول هللا " ،كما يفعل في
ليالي الجمع . ) ،ويقول المقريزى معلقا بعقيدته السنية ( :فأعجب الجاهل ( أى المحتسب ) هذا القول ،وجهل أن رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ال يأمر بعد وفاته إالبما يوافق ما شرعه هللا على لسانه في حياته . ).واستمر هذا بعدئذ ،يقول
المقريزى ( :فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا فيجميع ديار مصر وبالد
الشام ،وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة األذان الذي اليحل تركه )
ـ ثم زادوا فى األذان التسليم على األولياء الصوفية الذين يؤمن بهم الناس ،قال المقريزى ( :وأدى ذلك إلى أن زاد بعض 4
أهل اإللحاد في األذان ببعض القرى السالمبعد األذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا .فال حول وال قوة إال باهلل .وإنا
.هلل وأن إليه راجعون .) .وإنتشر هذا فى الريف المصرى وغيره منذ العصر المملوكى وحتى اآلن
مقدمة
يوم الجمعة أهم أيام األسبوع عند العرب قبل نزول القرآن وبعد نزولة وبه ارتبطت صالة الجمعة وعندما انفض بعض المؤمنين
من حول الرسول وهو يخطب خطبة الجمعة ،نزل القرآن ليعاتبهم وليس ليشرع صالة جديدة .ونبدأ بتتبع المكتوب فى الطبقات
.الكبرى البن سعد عما كانوا يفعلونه فى صالة الجمعة
أوال :لمحات من الطبقات الكبرى البن سعد
عن القدوم لصالة الجمعة
يذكر ابن سعد أن " عسيب " مولى النبى محمد – أى خادمه – كان يقول :من كان منكم صحيحا يقدر على المشى إلى الجمعة
فال يدعها ،فإنها فريضة كفريضة الحج " ( ابن سعد ، ) 42 ، 7وكان كبار الصحابة يحرصون على حضور صالة الجمعة
مبكرا وفى أخر جمعة شهدها الخليفة األموى سليمان بن عبدالملك لبس ثيابا خضرا من حرير ونظر فى المرآة ،فقال :أنا وهللا
.الملك الشاب ،فخرج الى الصالة ليصلى بالناس الجمعة ،فلم يرجع حتى أصابه المرض ومات (ابن سعد )5/247
:وقت صالة الجمعة
عبد هللا السلمي صلى خلف النبي محمد الجمعة ،فكانت خطبة النبي وصالة قبل نصف النهار وصلى خلف عمر فكانت خطبته
وصالته قبل نصف النهار وصلى خلف عثمان ،فكانت خطبته وصالته قبل الزوال (ابن سعد )7/2/150أى أن عثمان بن عفان
– .طبقا لهذه الرواية -بدأ بتأخير صالة الجمعة ،وهو ما سار عليه أقاربه األمويون فى دولتهم
على اى حال فقد كان اهل الورع – او القّر اء فى مصطلح العصر األول -يبكرون الى الصالة الجمعة اذا طلعت الشمس (ابن سعد
)5/135.وكان منهم ابن نوفل الهاشمى مغيره من قراء قريش
:هيئة صالة الجمعة
قيل عن األخنف بن قيس زعيم بنى تميم انه كان يكره ان يتخطى رقاب الناس قبل خروج االمام يوم الجمعة (ابن سعد )7/67
ومعناه ان صفوف المصلين فى المسجد كانت تتكاثر فى وقت مبكر بحيث ان زعيم قبائل بني تميم ال يستطيع الوصول الى
.الصف األول الذى يليق بمقامه اال اذا تخطى الصفوف ،وهو ما يكره ان يفعله
والخليفة الورع عمرو بن عبد العزيز اشتهر باصطحاب عصا معه فى صالة الجمعة ،حيث كان يخطب ويقوم الناس "وكان اذا
قعد للتشهد فى صالة الجمعة وعرض تلك العصا على فخذه حتى يسلم" (ابن سعد )5/266وكان اذا صلى الجمعة أمر بعض
الحرس أن يقوموا على ابوب المسجد ،وال يمر عليهم رجل قد صفف شعره اال جزوه له (ابن سعد )5/282اى كان يعتبر
.تصفيف شهر الرجال مكروها
:عن خطبة الجمعة
ـ التزم عمار ابن ياسر بقراءة القرآن فى خطبة الجمعة ،قال ابن سعد أنه كان اذا خطب الجمعة قرأ سورة (ياسين) على 1
المنبر .وقد كان عمار واليا على الكوفة فى خالفة عمر بن الخطاب (ابن سعد .)3/1/182وألن الخطبة بمجرد قراءة الحدى
السور فقد كان وقت صالة الجمعة قليال ،وقد قال عمار بن ياسر "نهانا رسول هللا ان نطيل الخطب فى الجمعة" (ابن سعد
)6/149.
ـ وهناك رواية متكاملة عن عمر بن عبد العزيز فى خطبته للجمعة ،يقول ابن المهاجر " :رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب 2
يوم الجمعة خطبتين ويجلس ويسكت فيها ثالثة ،يخطب األولى جالسا وبيده عصا وقد عرضها على فخذيه ،يزعمون انها
عصا رسول هللا ،فإذا فرغ من خطبته األولى وسكت سكتة قام فخطب الثانية ،يتوكأ عليها ..فإذا دخل فى الصالة وضعها الى
.جانبه " (ابن سعد )5/266وواضح هنا التركيز على العصا ،ولكن نفهم انه كان يخطب خطبتين قبل الصالة
االنصات للخطيب
ـ ومن الواجب شرعا االنصات للخطبة طالما انها مجرد قراءة ألحدى سور القرآن .فاهلل تعالى يقول "َو ِإَذ ا ُقِر َئ اْلُقْر آُن 1
َفاْس َت ِم ُع وا َلُه َو َأنِص ُتوا َلَع َّلُك ْم ُتْر َح ُم وَن ﴿ ﴾٢٠٤االعراف ) ،ولكن عندما تحولت الخطبة الى دعاية سياسية او منشور سياسي
لخدمة الحاكم األموي وغيره كان البد من تشاغل بعض الناس عن سماع ما يكرهون ،وهكذا كانت همسات التبرم وعبارات
االحتجاج تنتشر .لذا روى ابن سعد ان عبد الرحمن بن ابي ليلى قال لبعضهم :اسكت فى الجمعة ،يعني واالمام يخطب (تاريخ
ابن سعد . )6/75وفيما بعد صنعوا حديثا يقول "اذا قلت لصاحبك واالمام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت " وقالوا " :
ومن لغا فال جمعة له " يعني البد من االنتباه واالنصات للمنشور السياسي الذى يقوله خطيب الحكومة ،واال فال جمعة له .وهذا
.إلزام باالستماع واالنصات الى المنشور السياسى فيما يسمى بخطبة الجمعة
ثانيا :تمام السيطرة على صالة الجمعة من العصر العباسى
ـ لم يقتصر هذا على الشأن السياسى فقط بل خضعت صالة الجمعة لمزاج الخليفة وأهوائه حتى إرادة التالعب والمجون1 .
الخليفة المأمون العباسى المشهور بعقليته المتفّت حة وثقافته وزعمه أنه حليم أراد ان يتسلى بصديقه المؤرخ الواقدي ،وكان
محمد بن سعد يعمل كاتبا للواقدى ..صمم المأمون على ان يؤم الواقدي الناس فى الجمعة وأن يخطب فيهم ،وصمم الواقدي
على الرفض ألنه ال يحفظ سورة الجمعة ،وكان من العادة قراءتها فى الصالة ..فحاولوا معه ان يحفظ سورة الجمعة فما
.استطاع حفظها (المنتظم )10/171
ـ وفى العصر العباسي المتأخر اشتهر احمد بن محمد حفيد الخليفة العباسي المهتدي باهلل بأنه خطيب فى أكبر جامع فى بغداد 2
وهو جامع المنصور .وقد ظل يخطب فيه خطبة واحدة ال يغيرها من سنة 386الى ان مات سنة . 418الظريف انها خطبة
.واحدة ال تتغير ،ولكن كان الناس اذا سمعوها يضجون بالبكاء ويخشعون لصوته (المنتظم )185/ 15
ـ ولخضوعها للسياسة فقد صارت خطبة الجمعة وظيفة ،وصارت كتابة خطب الجمعة من أبواب االرتزاق ،وبعضهم كان 3
يكتب خطبة الجمعة لنفسه او لغيره ،ومنهم المسند الصايغ المقري ( )725 -636وبعد االنتهاء من صالة الجمعة كان بعضهم
يستمر فى الصالة الى ان يحل وقت العصر وكان منهم ابو بكر بن عباس ( )269/ 6الذى كان يصلي يوم الجمعة من حين يسلم
.االمام الى العصر وكان كذلك اربعين عاما
ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ،وكان لها دور فى 4
االقتتال الطائفى بينهما .وحاليا عادت المساجد الى نفس الدور ،بل أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ،يتم
تفجيرها .أى ليس فقط تمجيد وتقديس السلطان فى خطبة الجمعة ،وليس فقط رواية أكاذيب ( أحاديث ) مفتراة تنشر اإلفك
.على أنه إسالم ُت ضل الناس ،بل أيضا مشاركة قائدة ورائدة فى االقتتال وسفك الدماء ،ينتج عنها تفجيرات يقع ضحايا أبرياء
ثالثا :االستخدام السياسى لصالة الجمعة
أصبحت وظيفة المسجد خدمة السلطان القائم ،فالوليد بن عبد الملك أّس س ( المسجد األموى ) وعمرو بن العاص 1 :
أّس س فى الفسطاط مسجده ،وحين دخلت مصر فى حكم بنى العباس اسسوا مدينة العسكر ومسجدها ،وحين تولى احمد بن
طولون مصر وخّط ط لإلستقالل بها اسس مدينة القطائع ومسجدها ( مسجد أحمد بن طولون ) ،وأسس الفاطميون جامع األزهر
ثم جامع الحاكم وجامع راشدة ،والظاهر بيبرس الذى قام بتوطيد حكم المماليك أسس جامع ( الظاهر بيبرس ) وكان السالطين
واألمراء المماليك مغرمين بإنشاء المساجد والمؤسسات الدينية الصوفية ألغراض سياسية وغيرها ،وحتى عندما إنفرد
(.محمد على ) بحكم مصر أسس جامع ( محمد على )
ـ أهمية المسجد هنا بسبب صالة الجمعة التى أصبحت خطبة الجمعة فيها مناسبة اسبوعية لتجديد الوالء للخليفة أو السلطان 2
القائم .واصبح من المتواتر أن يقال عن الخليفة أو السلطان انه (ُخ طب له فى بالد كذا وكذا ) أى خطبوا الجمعة له وبإسمه أى
خضعوا له ودخلوا تحت حكمه .وأصبح من المعالم السياسية فى العصور الوسطى مدح وتبجيل خطبة الجمعة للسلطان القائم
كنوع من البيعة االسبوعية له .وهذا خبر طريف يرويه المقريزى فى ( الخطط ) أن ابن طولون أنشأ مسجده المشهور مع
إنشائه عاصمته (القطائع ) بجوار الفسطاط والعسكر .وحدث فى خطبة الجمعة أن الخطيب أبا يعقوب البلخى دعا فى خطبته
للخليفة العباسى المعتمد وابنه ونسى أن يدعو البن طولون ،ونزل من على المنبر ،فأشار ابن طولون الى قائده نسيم أن
يضرب الخطيب خمسمائة سوط ،ولكن تذكر الخطيب سهوه فعاد الى المنبر وقال ( الحمد هلل وصلى هللا على محمد " :ولقد
عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما " ،اللهم وأصلح األمير أبا العباس أحمد بن طولون ..وزاد فى الشكر والدعاء له
بقدر الخطبة ..فنظر ابن طولون الى نسيم وقال :اجهلها له دنانير " .وأصبح قطع الدعاء لحكم ما دليال على الثورة عليه
والتمرد على سلطته ،فطالما يبجلونه فى خطبة الجمعة فهم له خاضعون .وبتوالى القرون على هذا التقليد ساد فى العصر
المملوكى التشاؤم من مجىء عيد الفطر أو عيد األضحى يوم جمعة ،ألن هذا يعنى وجود خطبتين فى يوم واحد ،إحداهما فى
صالة العيد واألخرى فى صالة الجمعة مما تكون نذير شؤم على السلطان تشير الى قرب عزله ومجىء سلطان آخر .لذا كان
.يحدث كثيرا عدم اعتراف فقهاء السلطان بهالل شوال أو هالل ذى الحجة لو أدى ذلك الى مجىء العيد فى يوم جمعة
ـ وتألق االستخدام السياسى لصالة الجمعة فى العصر الفاطمى .ربما تختلف الدولة الفاطمية عن غيرها من الدول في ارتباط 2
ضعفها وقوتها بالعقيدة الشيعية التي قامت على أساسها الدولة ,فالعقيدة الشيعية اإلسماعيلية تبتعد باإلمام أوالخليفة الفاطمي
عن صفات البشر بقدر ما تقترب من صفات اإلله .والخليفة الفاطمي يطالب رعاياه بأكثر مما يطالبهم به الحاكم العادي،
فالمستبد العادي ال يطلب من رعاياه أكثر من السمع والطاعة أما الخليفة الفاطمي فيطالب مع الوالء أن يعتبره الناس إماما
معصوما ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ,وذلك مجرد مظهر من مظاهر اإلمام الشيعي في العقيدة اإلسماعيلية
ومطلوب من الرعية أن تؤمن بهذا ,ولتحقيق هذا الهدف كانت للدولة الفاطمية مؤسساتها العلنية في نشر الدعوة الشيعية
كاألزهر وجهاز للدعاية الشيعية يقوم على رأسه (داعي الدعاة) يعاونه جيش من الدعاة العلنيين والسريين موزعين توزيعا
دقيقا في داخل الدولة الفاطمية وخارجها وسبل االتصال بينهم مستمرة ومستقرة .وقد تحدث (المقريزى) عن وظيفة (داعي
الدعاة ) في الدولة الفاطمية في كتابه الخطط فذكر أسلوب الداعية في التأثير على الناس من خالل تدرج يصل بهم إلى اعتناق
الدعوة وتأليه الخليفة الفاطمى .إال إن الدولة الفاطمية حين ضعفت وانفض عنها الكثير من المصريين بسبب الكوارث
االقتصادية وضعف الخلفاء أمام الوزراء – لجأت الدولة إلى التالعب بأهواء المصريين فجددت مقبرة السيدة نفيسة ،بل
وأقامت ضريحا لإلمام الشافعي وهو يخالفهم في المذهب والعقيدة – ولكن تقربا منهم للمصريين وهم محبون للشافعي متبعون
لمذهبه،و قد سبق أنهم اشترطوا على جوهر الصقلي ضرورة احترامه للمذهب السني الشافعي .وقد وقع على عبء (األفضل) ـ
الوزير الفاطمي القوى المسيطر على الخالفة الفاطمية ـ مهمة بعث الحياة في الدولة الفاطمية الضعيفة أمام الخطر الصليبي
القادم من الشرق مع خطر األتراك السالجقة السنيين المتحكمين فى الدولة العباسية ،وكان السالجقة معروفين بتعصبهم للسنة
وكراهيتهم للتشيع ،هذا مع اهتزاز ثقة المصريين في الخالفة الفاطمية بعد المجاعة أو الشدة العظمي التي واجهتها مصر في
عهد المستنصر .كان الوزير األفضل يواجه كل هذه التحديات فى الداخل و الخارج ،وبعضها عسكرى ،واآلخر دعوي
واقتصادى .وكان ال بد من حل ينقذ به الدولة والخالفة الفاطمية اآليلة للسقوط.وإثناء خروج األفضل من الشام عثر على قبر
منسوب للحسين في عسقالن تنتشر إشاعات تقول أن فيه رأس الحسين ،مع إنه ال عالقة مطلقا بين رأس الحسين وعسقالن ،
ولكنها أوحت للوزير الفاطمى األفضل بفكرة إقامة ضريح للحسين أو(رأس الحسين ) فى مصر تكون ( أفضل) فرصة الستمالة
المصريين .وإذا كان أبوه (بدر الجمالي) قد أقام مقبرة السيدة نفيسة فليكن األفضل منشئ قبر الحسين في القاهرة .وهكذا عاد
األفضل من عسقالن تسبقه الدعاية الفاطمية بالعثور على رأس الحسين ،وتتواتر الدعاية بالكرامات التي أحاطت بالرأس ،ثم
حولوا مشهد الحسين إلى نصب مقدس تنحر عليه الذبائح بمثل ما كان الجاهليون يفعلون ،يقول المقريزي عن طقوسهم عنده
( فكان كل من يدخل الخدمة يقبل األرض أمام القبر ,وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر اإلبل والبقر والغنم ويكثرون
النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين ,ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم) .وزالت الدولة الفاطمية وبقي ضريح الحسين
حتى اليوم دليال على عمق التأثر بالبدع التي أدخلتها تلك الدولة في عقائد المصريين ،واستخدمت فيها المساجد الضرار ،وهى
كثيرة ،ولكن أهمها االجامع األزهر ومسجد الحسين ،وهما معا محور الحياة الدينية للمصريين .فالجامع األزهرهذا الجامع أول
مسجد أسس بالقاهرة ،انشأه جوهر الصقلي خادم المعز لدين هللا لما اختط القاهرة وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت
لست بقين من جمادى األولى سنة 359وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة ، 361وأول جمعة جمعت فيه في شهر
رمضان فى نفس العام .وعينت الدولة الفاطمية فيه 35من الفقهاء وأجرت عليهم المرتبات وأوقفت عليهم األوقاف .كل ذلك
.لنشر الدعوة الشيعية بين المصريين
ـ وقضى صالح الدين األيوبى على الدولة الفاطمية ،وحاول ما أمكنه مطاردة الدين الشيعى ،وبنفس الطريقة ،فقطع الخطبة 3
من الجامع األزهر ،وظل األزهر معطاًل من إقامة الجمعة فيه مائة عام الى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهربيبرس فى
العصر المملوكى .وبديال عن األزهر جعل صالح الدين األيوبى من الخانكاه الصالحية دار سعيد السعداء مركزا للدعوة السنية ،
واستقدم لها صوفية وجعل لهم أوقافا ومرتبات عام ، 569ورتب للصوفية في كّل يوم طعاًم ا ولحًم ا وخبًز ا وبنى لهم حّم اًم ا
بجوارهم فكانت أّو ل خانكاه ُع ملت بديار مصر.وجعل لهم موكبا الجتذاب المصريين ،يقول ابن على القّص ار ( :أنه أدرك الناس
فييوم الجمعة يأتون من مصر إلى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عندما يتوجهون منها إلى صالة الجمعة
بالجامع الحاكمّي ،كي تحصل لهم البركة والخير بمشاهدتهم ،وكان لهم في يوم الجمعة هيئة فاضلة ؛ وذلك أنه يخرج شيخ
الخانقاه منها وبين يديه خّد ام الربعة الشريفة ( المصاحف ) قد حملت على رأس أكبرهم ،والصوفية ُم شاة بسكون وخفر( أى
حياء ) ..ويستطرد فى شرح طقوسهم بما يدل على ترتيب سياسى دعائى الحالل التصوف الّس نى مكان الدعوة الشيعية فى
..مصر .ونجح هذا الترتيب ،خصوصا مع سيطرة التصوف على مصر وغيرها مع العصرين المملوكى والعثمانى
ـ وورث االيوبيون ملكية صالة الجمعة للسلطان األيوبى .يروى المقريزى فى الخطط ( :وكانت العادة أن ال يحضر كتاب 4
اإلنشاء الديوان يوم الجمعة فُع رض للملك الصالح في بعض أيام الجمع شغل مهم فطلب بعض الموقعين فلم يجد أحًد ا منهم فقيل
له أنهم ال يحضرون يوم الجمعة فقال :استخدموا في الديوان كاتًب ا نصرانًي ا يقعد يوم الجمعة لمهم يطرأ فاستخدم األمجد بن
.العسال كاتب الدرج لهذا المعنى .) .والمعنى أن حضورهم صالة الجمعة يعنى خضوعهم للسلطان ،أى وظيفة رسمية
ـ وورث المماليك عن األيوبيين رعاية التصوف الّس نى بديال للتشيع بل ومطاردة التشيع أو مذهب الرافضة كما كان يقال ـ وال 5
يزال .وأدخل دين التصوف شعائر جديدة ومصطلحات دينية جديدة وأسماء جديدة لبيوت العبادة مثل الخوانق والرباط والزاوية
والضريح والتربة والمدرسة .وتكاثرت تلك المؤسسات منها ما يقيمه السالطين واألمراء والعيان ،ومنها ماينشئه الصوفية
أنفسهم وخصوصا القادمين منهم الى مصر ،واشتركت جميعها فى كونها دورا يقيم فيها الصوفية وطالب العلم وتوقف عليها
األوقاف وتصرف على العاملين والمقيمين فيها المرتبات ،وينشغلون فيها ظاهريا بالصالة والعبادة والدعاء للسلطان أو األمير
او غيره صاحب المؤسسة والذى ينفق عليها ويعطىهم المرتبات والجراية من خبز ولحم وكسوة ..وفى الحقيقة كانت تلك
المؤسسات مساجد ضرار من نوعية فريدة ،ال يكتفى القائمون فيها بأكل الّس حت من الظالمين الذين ينشئون تلك البيوت الدينية
من المال الحرام بل اشتهر العاكفون فى تلك المؤسسات بادمان اللواط .والتفاصيل فى موسوعة التصوف المنشورة هنا .ولكن
نكتفى بذكر مثلين ذكرهما المقريزى فى الخطط .األول عن إقامة تلك المؤسسات بالظلم والمال الحرام ،واآلخر عن االنحالل
الخلقى فى تلك المؤسسات الدينية .يقول المقريزى عن مسجد الذخيرة تحت قلعة الجبل بأّو ل الرميلة تجاه شبابيك مدرسة
السلطان حسن ،أنشأه ابن الصيرفى عام ، 516يقول المقريزى (واستخدم فى إنشائه العسف والسخرة حتى أطلق الناس على
هذا المسجد ( مسجد ال باهلل ) ألنه كان يقبض الناس من الطريق ويعسفهم فيحلفونه ويقولون له ال باهِّلل ،فيقيدهم ويستعملهم
فيه بغير أجرة ،ولم يعمل فيه منذ أنشأه إّال صانع مكره أو فاعل مقيد وُك تبت عليه هذه األبيات المشهورة:
وكاَن بحمِد ِهَّللا غيَر موفِق . بنى مسجًد هّللا من غيِر حِلِه
) َك ُم طِع َم ِة األيتام ِمن كِّد فرِج ها لِك الويُل ال تزني والتتصّد قي.
أما عن االنحالل الخلقى داخل هذه المؤسسات فنقرأ شهادة المقريزى فى الخطط عن صوفية عصره ،وننقلها بالّن ص والحرف
مع االعتذار للقارىء الكريم .يقول المقريزى (:ذهب وهللا ما هنالك ،وصارت الصوفية كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن
محمد بن سيد الناس اليعمري:
ماشروُط الصوفي في عصرنا اليو َم سوى ستة بغيِر زياَد ْه .
وهي نيُك العلوُق والُس كِر والسطلِة والرقِص والغنا والقيادْه .
وحلواًل من جهِلِه أو إعادْه . وإذا ما هذى وأبدى اتحاًد ا
وأتى المنكراِت عقاًل وشرًع ا فهو شيُخ الشيوُخ ذو السَّج اَد ْه .
.).ثم تالشى اآلن حال الصوفية ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع الينسبون إلى علم وال ديانة وإلى هللا المشتكى
:مقدمة
فى كتابه ( الخطط ) عقد المقريزى فصال عن المساجد فى القاهرة ومصر ،أو ما يعنى اآلن ( القاهرة الكبرى ) إعتمد فيه على
تاريخ ( المسبحى ت ) 420وابن الطوير ت ، 617والقضاعى ت ، 454تتبع فيها اشهر المساجد واألنشطة الدعوية
والدينية والتعليمية فيها واألوقاف أو ( األحباس ) التى يأتى منها الدخل لإلنفاق على هذه المساجد ،ومنها مرتب خطيب
الجمعة .ونبدأ بلمحة عن أهم المساجد الجامعة أو الجوامع التى كانت ُت قام فيها صالة الجمعة وخطبتها ،ثم لمحة عن طقوس
صالة الجمعة والتى تم توظيفها لتقديس السلطان الدولة الفاطمية ذات الشهرة بالمواكب واالحتفاالت ،والتى أصبحت فيها صالة
الجمعة حفل تكريم وتقديس للخليفة الفاطمي .وهذا التواتر الشيطانى ال يزال دينا نراه فى صالة الجمعة بمصر وغيرها بدرجات
.مختلفة
:أوال :لمحة عن أشهر الجوامع التى تقام فيها صالة الجمعة
ـ يقول المقريزى عن جامع عمرو بن العاص (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ( :فأما المسجد الجامع العتيق بمصر فكان يلي 1
إمامته في الصلوات الخمس والخطابة فيه يوم الجمعة والصالة بالناس صالة الجمعة أمير البلد فتارة ُي جمع لألمير بين الصالة
والخراج وتارة ُيفرد الخراج عن األمير فيكون األمير إليه أمر الصالة بالناس والحرب واآلخر أمر الخراج وهو دون مرتبة أمير
الصالة والحرب ) .أى يتولى اإلمامة والخطبة فى صالة الجمعة والى الصالة كما سبق بيانه .فإذا غاب حل محله قائد الشرطة :
( وكان األمير يستخلف عنه في الصالة صاحب الشرطة إذا شغله أمر ) .بعدها مع خفوت هيبة جامع عمرو بن العاص صار
كما يقول المقريزى ( :يصلى بالناس رجل يرزق من بيت المال وكذلك المؤذنون ونحوهم ) .أما فى مساجد األرياف فقد سيطر
عليها فقهاء األرياف بما يتمتعون به من جهل ،قال المقريزى ( :وأكثرها بأيدي أناس من فقهاء األرياف ال يدرون الفقه يسمون
.أنفسهم الخطباء وال يعرفون كيف يخطبون وال يقرؤن القرآن)
2ـ إنتقلت الشهرة الى مساجد أخرى ،مسجد العسكر العباسى ثم مسجد أحمد بن طولون ومساجد أخرى منها (جامع محمود
بالقرافة ،هذا المسجد قديم والخطبة فيه متجّد دة .وينسب لمحمود بن سالم بن مالك الطويل من أجناد السرّي بن الحكم أمير
مصر بعد سنة مائتين من الهجرة ).إشتهر هذا المسجد بسبب ما قيل عن مؤسسه محمود ( :المسجد المعروف بمحمود ُ ،يقال
أن محموًد ا هذا كان رجاًل جندًي ا من جند السرّي بن الحكم أمير مصر وأنه هو الذي بنى هذا المسجد .وذلك أّن السرّي بن الحكم
ركب يوًم ا فعارضه رجل في طريقه فكلمه ووعظه بما غاظه ،فالتفت عن يمينه ،فرأى محموًد ا فأمره بضرب عنق الرجل ففعل.
فلما رجع محمود إلى منزله تفكر وندم وقال :رجل يتكلم بموعظة بحق فيقتل بيدي وأنا طائع غير مكره على ذلك فهال امتنعت!.
وكثر أسفه وبكاؤه وآلى على نفسه أن يخرج من الجندية وال يعود فيها ،ولم ينم ليلته من الغّم والندم .فلما أصبح غدا إلى
السرّي فقال له " :إني لم أنم في هذه الليلة على قتل الرجل وأنا أشهد هللا عز وجّل وأشهدك أني ال أعود في الجندية فأسقط
اسمي منهم وإن أردت نعمتي فهي بين يديك" .ـ وخرج من بين يديه وحسنت توبته وأقبل على العبادة واتخذ المسجد المعروف
بمسجد محمود وأقام فيه).
ـ وأقام صالح الدين األيوبى جامعا بجوار تربة الشافعّي بالقرافة .ثم أصبحت فيه مدرسة وتمت توسعته فى عهد الملك الكامل 3
محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ( ،ونصب به منبًر ا وخطب فيه وصليت الجمعة به في سنة سبع وستمائة).
4ـ وهناك ( :المسجد الجامع المشهور بسفح المقطم .هذا الجامع من مساجد الخطبة ) أى تقام فيه خطبة الجمعة ( .وهو
بسفح الجبل المقطم بالقرافة الصغرى .وأّو ل من خطب فيه السيد الشريف شهاب الدين الحسين بن محمد قاضي العسكر
والمدّر س بالمدرسة الناصرية الصالحية بجوار جامع عمرو .وتوفي في شّو ال سنة خمس وخمسين وستمائة وكان أيًض ا نقيب
األشراف).
ـ الجامع األزهر :قال عنه المقريزى ( :هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة ،والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي 5
مولى اإلمام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين هللا لما اختط القاهرة .وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت
لست بقين من جمادى األولى سنة تسع وخمسين وثالثمائة ،وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين
وثالثمائة ..وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة إحدى وستين وثالثمائة ).وعّي ن الخليفة الفاطمى
العزيز باهلل لهذا الجامع جماعة من الفقهاء وأجرى عليهم األرزاق ،وبنى لهم بيوتا بجوار الجامع األزهر ( :فإذا كان يوم
الجمعة حضروا إلى الجامع ،وتحلقوا فيه بعد الصالة إلى أن تصلى العصر ...وكانت عدتهم خمسة وثالثين رجاًل ....وانقطعت
الخطبة من األزهر لما استبد السلطان صالح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة ...فلم يزل الجامع األزهر معطاًل من إقامة الجمعة
فيه مائة عام من حين استولى السلطان صالح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس ).قام
السلطان الملوكى الظاهر بيبرس بتجديد الجامع األزهر .. ( :ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس ..لما كانت يوم الجمعة
الثامن عشر من ربيع األول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع األزهر بالقاهرة ...ولما تكمل تجديده تحدث في
إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيًب ا وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور ،وحضر
األتابك فارس الدين والصاحب بها الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من األمراء والكبراء وأصناف
العالم على اختالفهم وكان يوم جمعة مشهوًد ا .ولما فرغ من الجمعة جلس األمير عز الدين الحلي واألتابك والصاحب وقرئ
القرآن ودعى للسلطان .. .وأقيمت صالة الجمعة به واستمرت ،ووجد الناس به رفًق ا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من
الجامع الحاكمي) .
6ـ جامع الحاكم :قال عنه (:هذا الجامع بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة ،وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز
باهلل نزار بن المعز لدين هللا معد ،وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة .ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر هللا ..ويقال له الجامع األنور.
وقال في حوادث سنة ثالث وتسعين و ثالثمائة :وأمر الحاكم بأمر هللا أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كلس بدأ
في بنيانه عند باب الفتوح ،وعلق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له وعلق فيه تنانير فضة عدتها أرببع و كثير من
قناديل فضة وفرش جميعة بالحصر التي عملت له ونصب فيه المنبر وتكامل فرشه وتعليقه وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر
رمضان سنة ثالث وأربعمائة لمن بات في الجامع األزهر أن يمضوا إليه فمضوا وصار الناس ليلتهم يمشون من كل واحد من
الجامعين إلى اآلخر بغير مانع لهم وال اعتراض من أحد من عسس القصر وال أصحاب الطوف إلى الصبح وصلى فيه الحاكم
بأمر هللا بالناس صالة الجمعة وهي أول صالة أقيمت فيه بعد فراغه).
ـ جامع راشدة :بدأ بناؤه عام 393فى خالفة الحاكم بأمر هللا الفاطمى ( :وابتدئ بناء جامع راشدة في سابع عشر ربيع 7
اآلخر ،وكان مكانه كنيسة حولها مقابر لليهود والنصارى ،فبني بالطوب ثم هدم وزيد فيه وبنى بالحجر .وأقيمت به الجمعة ..
و في سنة خمس وتسعين وثالثمائة وفيه يعني شهر رمضان فرش جامع راشدة وتكامل فرشه وتعليق قناديله وما يحتاج إليه،
وركب الحاكم بأمر هللا عشية يوم الجمعة الخامس عشر منه وأشرف عليه .وفى سنة ثمان وتسعين وثالثمائة وفيه يعني شهر
رمضان صلى الحاكم بجامعه الذي أنشأه براشدة صالة الجمعة وخطب( ) .وفي شهر رمضان سنة ثالث وأربعمائة صلى الحاكم
في جامع راشدة صالة الجمعة وعليه عمامة بغير جوهر وسيف محلى بفضة بيضاء دقيقة ،والناس يمشون بركابه من غير أن
يمنع أحد منه ،وكان يأخذ قصصهم ( شكاويهم ) ويقف وقوًفا طوياًل لكل منهم ) .
ـ جامع عين بالروضة( .غين ) احد قادة الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر هللا ،وأشهر ضحاياه ،قاسى منه بالء ال يوصف 8 .
يقول عنه المقريزى ( :غين أحد خّد ام الخليفة الحاكم بأمر هّللا ،خلع عليه في تاسع ربيع اآلخر سنة اثنتين وأربعمائة ،وقلده
سيًفا وأعطاه سجاًل قرىء فإذا فيه أنه لقب بقائد القّو اد ،وأمر أن ُيكتب بذلك وُي كاتب به ،وركب وبين يديه عشرة أفراس
بسروجها ولجمها .وفي ذي القعدة من السنة المذكورة أنفذ إليه الحاكم خمسة آلف دينار وخمسة وعشرين فرًس ا بسروجها
ولجمها ،وقلده الشرطتين والحسبة بالقاهرة ومصر والجيزة والنظر في أمور الجميع وأموالهم وأحوالهم كلها ،وكتب له سجاًل
بذلك قرىء بالجامع العتيق ،فنزل إلى الجامع ومعه سائر العسكر والخلع عليه ،وُح مل على فرسين ،وكان في سجله مراعاة
أمر النبيذ وغيره من المسكرات وتتُبع ذلك والتشديد فيه وفي المنع من عمل الفقاع وبيعه ومن كل الملوخيا والسمك الذي ال
قشر له والمنع من المالهي كلها والتقّد م بمنع النساء من حضور الجنائز والمنع من بيع العسل وأن ال يتجاوز في بيعه أكثر من
ثالثة أرطال لمن ال يسبق إليه ظنه أن يتخذ منه مسكًر ا فاستمّر ذلك إلى غّر ة صفر سنة أربع وأربعمائة فُص رف عن الشرطتين
والحسبة بمظفر الصقلّي .فلما كان يوم اإلثنين ثامن عشر ربيع اآلخر منها أمر بقطع يدي كاتبه أبي القاسم علّي بن أحمد
الجرجانّي فقطعتا جميًع ا ،وذلك أنه كان يكتب عند السيدة الشريفة أخت الحاكم فانتقل من خدمتها إلى خدمة غين خوًفا على
نفسه من خدمتها ،فسخطت لذلك فبعث إليها يستعطفها ويذكر في رقعته شيًئ ا وقفت عليه فارتابت منه ،فظنت أن ذلك حيلة
عليها ،وأنفذت الرقعة في طّي رقعتها إلى الحاكم ،فلما وقف عليها اشتّد غضبه وأمر بقطع يديه جميًع ا ،فقطعتا ...ثم بعد قطع
يديه بخمسة عشر يوًم ا في ثالث جمادى األولى قطعت يد غين األخرى ،وكان قد أمر بقطع يده قبل ذلك بثالث سنين وشهر ،
فصار مقطوع اليدين مًع ا .ولما قطعت يده حملت في طبق إلى الحاكم فبعث إليه باألطباء ووصله بألوف من الذهب وعّد ة من
أسفاط ثياب وعاده جميع أهل الدولة .فلما كان ثالث عشره أمر بقطع لسانه فقطع وحمل إلى الحاكم فسّي ر إليه األطباء ومات بعد
ذلك . ) .نعيد التذكير بهذه المآسى لنعرف طبيعة الحكم الذى يؤسس المساجد الشيطانية وبصالة شيطانية .ونعود الى مسجد
المسكين (غين ) .فى مسجد غين كانت فيه الخطبة الى ان اقام الحاكم جامع المقياس ( :ولم تزل الخطبة قائمة فيه إلى أن
عمر جامع المقياس فبطلت الخطبة منه ولم تزل الخطبة بطالة منه إلى الدولة الظاهرية ) .أى تم تجديده فى عصر الظاهر
بيبرس , ،اصبحت فيه خطبة الجمعة باالضافة الى مثيلتها فى جامع القلعة ( :ورسم بإقامة الخطبة فيه مع بقاء الخطبة
بجامع القلعة..فأقيمت الخطبة به في سنة ستين وستمائة ،وولي خطابته أقضى القضاة جمال الدين بن الغفارّي )..
ـ جامع المقس ( :هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر هللا على شاطئ النيل بالمقس ) أى مقياس النيل .وكان الى جانبه ( منظرة ) 9
أى حديقة الستمتاع الخليفة ويشاهد منها االسطول فى النيل .ثم أنشأ صالح الدين األيوبى برجا حربيا ( قلعة المقس ) ضمن
سور القاهرة ،مكان منظرة الخلفاء الفاطميين .يقول المقريزى ( :فلما أمر السلطان صالح الدين بإدارة السور على مصر
والقاهرة تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس وبنى فيه برًج ا يشرف على النيل وبنى
مسجده جامًع ا واتصلت العمارة منه إلى البلد وصار تقام فيه الجمع والجماعات ) .وتم تجديد جامع المقس عام 770فى العصر
المملوكى :يقول المقريزى ( :جدد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد هللا المقسي ...،وجعل عليه أوقاًفا
لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك) .
ـ ونختم بهذا الخبر الطريف ( :وقال جامع السيرة الصالحية :وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار وهناك مسجد يتبرك به 10
األبرار وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيالء الصحابة رضي هللا عنهم على مصر ) .أى فى المكان الذى كان فيه
الصحابة يوزعون المسروقات والمال الُّس ح والسلب والنهب أقيم عليه مسجد وصار مسجدا مباركا .هذا فى الدين الشيطانى
.وتواتره وصالته
ثانيا :طقوس صالة الجمعة الفاطمية () 2
:تحت عنوان ( :هيئة صالة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين) أورد المقريزى معلومات ننقل منها
ـ أّس س الخليفة العزيز باهلل جامع الحاكم ،وفى أول خطبة فيه جلب اليه الفقهاء المعينين فى الجامع األزهر ،وسار للجامع 1
الجديد فى موكب ( :وركب لصالة الجمعة في رمضان سنة ثمانين وثالثمائة إلى جامعه ،ومعه ابنه منصور ،فجعلت المظلة
على منصور ،وسار العزيز بغير مظلة .).وكان فى موكبه خمسة آالف شخص ( :وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين
وثالثمائة ركب العزيز باهلل إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة ،وبين يديه نحو خمسة آالف ماش ،وبيده القضيب وعليه
الطيلسان والسيف .فخطب وصلى صالة الجمعة وانصرف ،فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق .وكان يوًم ا
عظيًم ا ذكرته الشعراء ).وفى العام التالى كانت حول موكبه مظاهرة من ثالثة آالف ( :وخطب فيه سنة إحدى وثمانين و
ثالثمائة ألربع خلون من شهر رمضان ..وكان في مسيرة بين يديه أكثر من ثالثة آالف وعليه طيسان وبيده القضب وفي رجله
.الحذاء) ..
هل كان النبى محمد عليه السالم يسير الى صالة الجمعة فى موكب ؟ وهل كانوا يلتزمون بالبقاء معه حتى إنتهاء الصالة ؟ وهل
يجرؤون على ترك الخليفة وهو يخطب كما فعلوا مع النبى محمد عليه السالم ؟ .هنا ملمح من الفوارق بين صالة الجمعة
.االسالمية وصالة الجمعة الشيطانية
ـ المؤرخ إبن الطوير ( عبد السالم القيسرانى ) عاش فى العصر الفاطمي وأدرك العصر األيوبى ومات عام 617وقد جاوز 2
92عاما ،وله فى تاريخ الدولتين كتاب (نزهة المقلتين فى اخبار الدولتين ) ،وقد ذكر طقوس صالة الجمعة الفاطمية من واقع
المشاهدة والمعاينة والمعاصرة .وقد نقل عنه المؤرخ المسبحى الذى كان من قواد الخليفة الحاكم الفاطمى ،وكتب عدة
مؤلفات منها التاريخ الكبير الذى قام المقريزى بتلخيصه فى كتاب (إّت عاظ الحنفاء ) ، .ونقل المقريزى عنهما فيما أسماه (هيئة
.صالة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين )
:ـ قال المقريزى 3
قال المسبحي :قال ابن الطوير :إذا انقضى ركوب أول شهر رمضان استراح في أول جمعة فإذا كانت الثانية ركب ( 3 / 1 :
الخليفة إلى الجامع األنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدم ذكره من اآلالت ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيًر ا
الخليفة يستريح فى الجمعة األولى فى رمضان ألنه يكون قد أقام . ).للصالة من الذهب والمنديل والطيلسان المقور الشعري
موكبا بمناسبة أول رمضان .و هذا الموكب يتحلى بالذهب ( توقيرا للصالة ) التى ليست لرب العزة ألن رب العزة يتوعد الذين
يكنزون الذهب والفضة بالعذاب األليم ( التوبة ) 35 : 34
فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدمه في أوائل النهار صاحب بيت المال وهو المقدم ذكره في األستذين ( 3 / 2 :
وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم وهو محمول بأيديي الفراشين المميزين وهو ملفوف في
العراضي الديبيقية فيفرش في المحراب ثالث طراحات أما سامان أو ديبيقي أبيض أحسن ما يكون من صنفها كل منهما منقوش
بالحمرة .فتجعل الطراحات متطابقات ويعلق ستران يمنة ويسرة وفي الستر األيمن كتابة مرقومة بالحرير األحمر واضحة
منقوطة أولها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر األيسر مثل ذلك وسورة " إذا جاءك المنافقون " قد أسبال وفرشا
في التعليق بجانبي المحراب الصقين بجسمه .ثم يصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه
صاحب بيت المال فيها جمرات ويجعل فيها ند مثلث ال يشم مثله إال هناك ،فيجز الذروة التي عليها الغشاء كالقبة لجلوس
قبل دخول الخليفة والوزير معه الى مسجد الحاكم ( األنور ) من الباب الخاص . ) .الخليفة للخطابة ،ويكرر ذلك ثالث دفعات
بالخطابة يكون قد سبقهما ـــ ومن أول النهار ــ صاحب بيت المال ومعه الفراشون يحملون الفراش المختص بالخليفة فيفرشونه
فى المحراب ،أى يقومون بعمل ديكورات من األقمشة والستائر الحريرية والذهبية والمزخرفة بالبسملة والفاتحة وسورة
( المنافقون ) .بعد إستكمال الديكورات يصعد قاضى القضاة الى المنبر ومعه مدخنة ( مبخرة ) بعطر أّخ اذ مخصوص لهذا
!.الموقف ،ويقوم قاضى القضاة بتبخير المنبر ثالث مرات لتجهيزه بالرائحة الطيبة ( فى سبيل الخليفة )
فيأتي الخليفة في هيئة موقرة من الطبل والبوق وحوالي ركابه خارج أصحاب الركاب القراء وهم قراء الحضرة من (3 / 3 :
الجانبين يطربون بالقراءة نوبة بعد نوبة يستفتحون بذلك من ركوبه من الكرسي على ما تقدم طول طريقة إلى قاعة الخطابة
من الجامع ثم تحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسالر العساكر ومن داخلها إلى آخرها صبيان الخاص
وغيرهم ممن يجري مجراهم ومن داخلها من باب خروجه إلى المنبر واحد فواحد فيجلس في القاعة وإن احتاج إلى تجديد
فى طريقه الى الجامع يكون حول الخليفة فى موكبه من الجانبين ( الّق ّر اء ) اى الذين . ) .وضوء فعل والوزير في مكان آخر
ينشدون ويتغٌّن ون بالقرآن الكريم نوبة بعد نوبة ،يجعلونه لهوا ولعبا فى (سبيل الخليفة وإبتغاء مرضاته ) ،وحول الُقّر اء
العساكر الراكبون ( أصحاب الركاب ) .ويصل الموكب الى الجامع ،حيث يكون الحراس والعسكر يحفظون المقصورة بالمنبر .
.ويجرى تنظيمهم داخل المسجد .يدخل الخليفة ويجلس فى القاعة بينما يجلس الوزير فى مكان آخر
فإذا أذن بالجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال له :السالم على أمير المؤمنين الشريف القاضي ورحمة هللا وبركاته ( 3 / 4 :
الصالة يرحمك هللا .فيخرج ماشًي ا وحواليه األستذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الخواص وبأيديهم األسلحة من
صبيان الخاص وهم أمراء وعليهم هذا اإلسم فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة فإذا استوى جالًس ا
والوزير على باب المنبر ووجهه إليه فيشير إليه بالصعود إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه
تلك القبة ألنها كالهودج ثم ينزل مستقباًل فيقف ضابًط ا لباب المنبر فإن لم يكن ثم وزير صاحب سيف زر عليه قاضي القضاة
يقدم الوزير طقوس التقديس للخليفة وهو يدعوه لصعود المنبر ليخطب ،فيسير .).كذلك ووقف صاحب الباب ضابًط ا للمنبر
.الخليفة ماشيا الى المنبر ومعه قواد عسكره ،ويقدم الوزير طقوسا أخرى فى تقديس الخليفة وهو على المنبر يراها الناس
فيخطب خطبة قصيرة من مسطورة يحضر إليه من ديوان اإلنشاء يقرأ فيها آية من القرآن الكريم ولقد سمعته مرة في ( 3 / 5
خطابته بالجامع األزهر وقد قرأ في خطبته " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي علي وعلى والدي " اآلية ،ثم يصلي على أبيه
وجده يعني بهما محمًدا صلى هللا عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه ،ويعظ الناس وعًظ ا بليًغ ا قليل اللفظ .وتشتمل
الخطبة على ألفاظ جزلة ،ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فقالـ ــ وأنا أسمعه " :اللهم وأنا عبدك وابن عبدك
الأملك لنفسي ضًر ا وال نفًع ا " .ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله ،ويدعو للوزير إن كان وللجيوش بالنصر والتأليف
يخطب الخليفة من ورقة )".وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين والمخالفين بالهالك والقهر ثم يختم بقوله " إذكروا هللا يذكركم
يصلى على أبيه وجده ( النبى محمد بزعمهم ) ويقوم بتقديس أسالفه ونفسه ويدعو لنفسه وجنده بالنصر ،ويدعو على أعدائه
بالهزيمة .وابن الطوير الراوى لهذه الطقوس كان حاضرا ،وهو يقول ( :فقال وأنا أسمعه " :اللهم وأنا عبدك وابن عبدك
الأملك لنفسي ضًر ا وال نفًع ا " .ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله) ..
فيطلع إليه من زّر عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى .وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور ال كعادة ( 3 / 6 :
الخطباء ،فينزل الخليفة ويصير على تلك الطراحات الثالث في المحراب وحده إماًم ا ويقف الوزير وقاضي القضاة صًفا ومن
ورائهما األستاذون المحنكون واألمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف واألقالم والمؤذنون وقوف ،وظهورهم
إلى المقصورة لحفظه .فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس ،هذا والجامع
أى هناك طقوس أخرى تقوم بها الحاشية عندما ينتهى الخليفة من الخطبة وينزل من المنبر ) .مشحون بالعالم للصالة وراء
.للصالة ،وهذا إلبهار الناس
فيقرأ ما هو مكتوب في الستر األيمن في الركعة األولى وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر األيسر ،وذلك ( 3 / 7 :
فى الصالة يؤم الخليفة الناس فيقرأ اآليات المكتوبة عن يمينه فى الركعة األولى والمكتوبة )على طريق التذكار خيفة اإلرتجاج
.عن يساره فى الركعة الثانية
ثم . ) .فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أواًل فأواًل وعاد طالًب ا القصر والوزير وراءه وضربت البوقات والطبول في العود ( 3 / 8 :
هناك طقوس وتنظيم فى خروج الناس من الجامع بعد صالة الجمعة .ويعود الخليفة الى قصره فى موكب تدق فيه الطبول
.واألبواق
أى ) .فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع األزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه ( 3 / 9 :
.يتكرر هذا فى الجمعة الثانية من رمضان
فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر في جامعها ،فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن (3 / 10 :
طولون ،ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر ،يرتب ذلك والي مصر كل أهل معيشة في مكان ،فيظهر
المختار من اآلالت والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثالثة أيام ولياليهن والوالي مار وعائد بينهم وقد ندب من يحفظ الناس
فى الجمعة الثالثة ُت قام الزينة فى ( مصر ) أى الفسطاط والعسكر والقطائع ،من مسجد عمرو بن العاص الى . ).ومتاعهم
.مسجد ابن طولون ،ويشرف الوالى على الزينة وحشد الناس ويستغرق هذا االستعداد ثالثة أيام تحت مراعاة الوالى
فيركب يوم الجمعة المذكور شاًقا لذلك كله على الشارع األعظم إلى مسجد عبد هللا الخراب اليوم إلى دار األنماط إلى ( 3 / 11 :
الجامع بمصر ،فيدخل إليه من المعونة ،ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بالزي الذي تقدم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة
وعلى ترتيبهما .فإذا قضى الصالة عاد من طريقه بعينها شاًق ا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر ،ويعطى أرباب المساجد التي يمر
هنا طريق محدد لسير موكب الخليفة وأبواب محددة لدخوله ،وبنفس الزى ونفس الموكب .ويعطى . ) .عليها كل واحد ديناًر ا
.أرباب المساجد التى يمر عليها بموكبه دينارا ـ للتبرك
أخيرا :هل يجرؤ أحد أن يقول إن صالة الجمعة هنا هى لوجه هللا جل وعال؟ وهل يجرؤ أحد أن يقول إنه ينطبق عليها قوله جل
) وعال َ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه ) ﴿ ﴾٩الجمعة
الفصل الثانى عشر :أخيرا :تحريم صالة الجمعة فى مساجد الضرار
:مقدمة
ـ مسجد الضرار هو الذى يتم إستغالله سياسيا لتمجيد سلطان قائم أو للثورة عليه ،والذى ُت قال فيه أحاديث شيطانية يحرم 1
.على المؤمن اإلستماع اليها وحضور مجالسها
.ـ كان هناك مسجد ضرار أقامه منافقو المدينة ،وامر هللا جل وعال النبى محمدا أال يحضر فيه 2
ـ مساجد الضرار التى تاّس ست بعد الفتوحات الشيطانية هى األشد ضرارا من مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة 3
فى حياة النبى محمد عليه السالم .لذا فالتحريم أشد فى حضور صالة الجمعة فى هذه المساجد الشيطانية .يمكن للمؤمن المسلم
أن يصلى فيها منفردا الصلوات الخمس معتزال القائمين على هذا المسجد حين يخشى أن يفوته وقت الصالة ،أما الذهاب الى
هذه المساجد واالستماع الى اإلفك والبهتان األحاديث الشيطانية التى صنعها المجرمون فهذا عداء ُم علن لرب العزة ،وقد قال
جل وعال فى أظلم البشر َ( :ف َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ۚ ِإَّن ُه اَل ُيْف ِلُح اْلُمْج ِر ُم وَن ﴿ ﴾١٧يونس ) (َو َم ْن
َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ۗ ِإَّن ُه اَل ُيْف ِلُح الَّظ اِلُم وَن ﴿ ﴾٢١االنعام ) (َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا ِّلُيِض َّل
الَّن اَس ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم ۗ ِإَّن الَّلـَه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿ ﴾١٤٤االنعام ) (َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِبآَي اِتِه ) ) 37
االعراف ) (َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه َك ِذ ًب ا َأْو َك َّذ َب ِباْل َح ِّق َلَّم ا َج اَء ُه ۚ َأَلْيَس ِفي َج َه َّن َم َم ْث ًو ى ِّلْلَك اِفِر يَن ﴿ ﴾٦٨العنكبوت ) (
َو َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ِن اْف َت َر ٰى َع َلى الَّلـِه اْلَك ِذ َب َو ُه َو ُي ْد َع ٰى ِإَلى اِإْلْس اَل ِم َۚو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿ ﴾٧الصف ) ( َفَم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن
َ :ك َذ َب َع َلى الَّلـِه َو َك َّذ َب ِبالِّص ْد ِق ِإْذ َج اَء ُه َۚأَلْيَس ِفي َج َه َّن َم َم ْث ًو ى ِّلْلَك اِفِر يَن ﴿ ﴾٣٢الزمر ) .ونعطى بعض التفصيل
:أوال
خطبة الجمعة االسالمية
ـ الذى يدخل المسجد لصالة الجمعة مفترض أن يسمع ذكر هللا جل وعال وعال وحده ،هذا أذا نودى للصالة من يوم الجمعة 1
وسمع هذا النداء .قال جل وعال َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذ ا ُن وِدي ِللَّص الِة ِمْن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلى ِذ ْك ِر ِهَّللا َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َذ ِلُك ْم
َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ( )9الجمعة ) .لكنه يسمع خطبة للجمعة تتناقض مع ذكر هللا جل وعال وحده وتعظيمه جل وعال وحده
.
ـ خطبة الجمعة فى عهد النبى محمد عليه السالم كانت ذكرا للرحمن جل وعال بتالوة النبى للقرآن وهو يخطب .لهذا فلم تكن 2
له خطبة بالمعنى المألوف ،ولهذا أيضا ال توجد خطبة للجمعة منسوبة له عليه السالم ،مع أنه صلى الجمعة أكثر من خمسمائة
.مرة
ـ الملفت للنظر انه مع كثرة األحاديث المنسوبة للنبي محمد فى العصر العباسي والمملوكي فإن النادر نسبة خطيب جمعة له 3 ،
ومشهور انه عليه السالم خطب فى مناسبات مختلفة جاءت فى السيرة ،إال أنه خطب الجمعة أكثر من عشر سنوات اى اكثر
من خمسمائة خطبة دون ان تسجل له المصادر التاريخية القديمة ايا من هذه الخطب .والسبب انه عليه السالم كان يخطب فى
صالة الجمعة بقراء القرآن .أى يقرأ فى الخطبة سورة من سور القرآن .وطالما أن القرآن موجود فال داعى لتسجيل تلك
.الخطب
:ثانيا
خطبة الجمعة الشيطانية فى المساجد الشيطانية
ـ :تحولت خطبة الجمعة الى منشور سياسى فى العصر األموى ،إستخدمها األمويون مناسبة اسبوعية فى لعن ( أبى 1
تراب ) ( على بن ابى طالب ) .وإستمر إستغالل خطبة الجمعة فى الدعاية العباسية ،ثم فى الدعاية الفاطمية ،وتوارث
( المسلمون ) خطبة للجمعة فيها تقديس السلطان والدعاء على الكافرين وأن ينصر هللا عساكر السلطان وأن يهزم الكفار وأن
! .يسبى المسلمون نساءهم ويغنموا أموالهم
ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ،وكان لها دور فى 2
االقتتال الطائفى بينهما .وحاليا أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ،يتم تفجيرها ُ .ي ضاف الى هذا رواية أكاذيب
( .! .أحاديث ) مفتراة تنشر اإلفك على أنه إسالم ُتضل الناس على أن ذلك هو االسالم
ـ هذه المساجد فى عصرنا أكثر ضررا .ألن الضرر هنا ال يلحق فقط بتشويه االسالم ونشر اإلفك على أنه االسالم ،وال 3
.يلحق فقط بتقديس البشر حربا لإلسالم وتقديسا للمستبد ( ولى األمر ) بل يتعداه الى سفك الدماء
:ثالثا
:الفارق بين مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى عصر النبى ومساجد الضرار فى عصرنا
قال جل وعال عن مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى المدينة َ ( :و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج دًا ِض َر ارًا َو ُك ْف رًا َو َت ْف ِر يقًا َبْي َن
اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص ادًا ِلَم ْن َح اَر َب َهَّللا َو َر ُس وَلُه ِمْن َقْب ُل َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإَّال اْلُحْس َن ى َو ُهَّللا َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن ( )107ال َت ُقْم ِفيِه َأَب دًا
َلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأْن َت ُقوَم ِفيِه ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأْن َي َت َط َّهُر وا َو ُهَّللا ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن (َ )108أَفَم ْن َأَّس َس
ُبْن َي اَن ُه َع َلى َت ْق َو ى ِمْن ِهَّللا َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأْم َم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر َج َه َّن َم َو ُهَّللا ال َيْه ِدي اْلَق ْو َم
:الَّظ اِلِميَن ( )109ال َي َز اُل ُبْن َي اُنُهْم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَّال َأْن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ()110التوبة) .هنا نالحظ
مسجد الضرار فى المدينة إقتصر على التآمر خفية ،وظل فى الظاهر محافظا على توجهه االسالمى الى درجة أن النبى كان 1 :
يذهب اليه يصلى فيه ويقوم فيه .أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى ترفع الصوت بالفتنة واإلثم والعدوان ،وتجمع األموال
.الُّس حت
لم ينتج عن مسجد الضرار فى المدينة إسالة دماء ،أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى مسئولة عن حمامات دم .وحتى 2 :
.من تظاهر منها باالعتدال فهو ينشر إفك األحاديث التى تدعو لإلرهاب وقتل غير المسلم وقتل ما يجعلونه مرتدا وزنديقا
المنافقون ( الصحابة ) كانوا يقسمون كذبا على أنهم ما فعلوا ،وهللا جل وعال شهد بأنهم كاذبون .أى هم يعرفون أن ما 3 :
.يفعلون هو خطأ ومخالف لإلسالم .أما ائمة مساجد الضرار فى عصرنا فكل منهم يعتقد أن ما يفعله هو صحيح االسالم
هللا جل وعال نهى النبى محمدا عليه السالم وقال له ( :ال َت ُقْم ِفيِه َأَب دًا ) .هذا عن مسجد هو أقل ضررا من مساجد الفتنة 4 :
والضرار فى عصرنا .فماذا عّن ا ؟ هل نذهب الى تلك المساجد وخطب الجمعة فيها وندواتها ؟
:رابعا
ال يجوز إسالميا أن ( نسمع ) خطبا دينية تحوى منكرا من القول وزورا
الذى ال يعرفه معظم الناس أننا يوم القيامة سنكون مسئولين عما نسمع ،وليس فقط عما ننطق وعما نفعل .قال جل وعال :
(ِإَّن الَّس ْم َع َو اْلَبَص َر َو اْلُفَؤ اَد ُك ُّل ُأْو َلِئَك َك اَن َع ْن ُه َمْس ُئوًال ( )36االسراء ) والتطبيق العملى لآلية الكريمة جاء تشريعا مسكوتا
:عنه فى عصرنا .نعطى أمثلة له
ـ كان مشركو قريش يعقدون مجالس للخوض فى آيات هللا وكتابه الكريم فتكرر النهى مرتين للنبى محمد أال يحضر مجالسهم 1
.قال له ربه جل وعال َ ( :فَذ ْر ُه ْم َي ُخ وُض وا َو َي ْلَعُبوا َح َّت ى ُيالُقوا َيْو َمُهْم اَّلِذي ُي وَع ُدوَن ( )83الزخرف ) (َفَذ ْر ُه ْم َي ُخ وُض وا َو َي ْلَعُب وا
َ.ح َّت ى ُيالُقوا َيْو َمُهْم اَّلِذي ُيوَع ُدوَن ( )42المعارج )
ونسى عليه السالم فتكرر النهى مصحوبا بلمحة تأنيب ،قال له جل وعال َ ( :و ِإَذ ا َر َأْي َت اَّلِذيَن َي ُخ وُض وَن ِفي آَي اِتَن ا َفَأْع ِر ْض َع ْن ُهْم
َح َّت ى َي ُخ وُض وا ِفي َح ِديٍث َغ ْي ِر ِه َو ِإَّم ا ُينِس َي َّن َك الَّش ْي َط اُن َفال َت ْق ُع ْد َبْع َد الِّذ ْك َر ى َمَع اْلَق ْو ِم الَّظ اِلِميَن (َ )68و َم ا َع َلى اَّلِذيَن َي َّت ُقوَن ِمْن
ِح َس اِبِهْم ِمْن َش ْي ٍء َو َلِكْن ِذ ْك َر ى َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن ( )69االنعام ) وجاء األمر له فى اآلية التالية باالعراض عنهم َ (:و َذ ِر اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا
ِديَن ُهْم َلِعبًا َو َلْه وًا َو َغ َّر ْت ُهْم اْلَح َي اُة الُّد ْن َي ا َو َذ ِّك ْر ِبِه َأْن ُتْبَس َل َن ْف ٌس ِبَم ا َك َسَب ْت َلْيَس َلَه ا ِمْن ُدوِن ِهَّللا َو ِلٌّي َو ال َش ِفيٌع َو ِإْن َت ْع ِد ْل ُك َّل َع ْد ٍل
ال ُيْؤ َخ ْذ ِم ْن َه ا ُأْو َلِئَك اَّلِذيَن ُأْب ِس ُلوا ِبَم ا َك َسُب وا َلُهْم َش َر اٌب ِمْن َح ِميٍم َو َع َذ اٌب َأِليٌم ِبَم ا َك اُنوا َي ْك ُفُر وَن ( )70االنعام ) .أى هو نهى
.وأمر بأال يحضر مجالس اللغو والخوض فى القرآن الكريم ألن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئوال
وإمتثل النبى محمد عليه السالم وأطاع .ولكن فريقا من المؤمنين إعتاد أن يحضر مجالس المنافقين التى تخوض فى آيات هللا
جل وعال وكتابه الكريم ،فنزل التأنيب لهم مغلظا مصحوبا بالتهديد ويذّك رهم بما نزل قبل ذلك ،قال جل وعال لهم فى خطاب
مباشر َ (:و َق ْد َنَّز َل َع َلْي ُك ْم ِفي اْلِك َت اِب َأْن ِإَذ ا َس ِم ْع ُتْم آَي اِت ِهَّللا ُيْك َفُر ِبَه ا َو ُيْس َت ْه َز ُأ ِبَه ا َفال َت ْق ُع ُدوا َمَعُهْم َح َّت ى َي ُخ وُض وا ِفي َح ِديٍث
َغ ْي ِر ِه ِإَّنُك ْم ِإذًا ِم ْث ُلُهْم ِإَّن َهَّللا َج اِم ُع اْلُم َن اِفِقيَن َو اْلَك اِفِر يَن ِفي َج َه َّن َم َج ِميعًا ( )140النساء ) .هذا ألن هللا جل وعال قال ِ( :إَّن الَّس ْم َع
َو اْلَبَص َر َو اْلُفَؤ اَد ُك ُّل ُأْو َلِئَك َك اَن َع ْن ُه َمْس ُئوًال ( )36االسراء )
ـ ال شأن لعائشة بحادث اإلفك كما شرحنا فى كتاب ( :القرآن وكفى ) المنشور هنا .هو يخص مجتمع المدينة فى أول 2
عهده حيث إزدحمت المدينة بالمهاجرين والمهاجرات ،ووقع على األنصار رجاال ونساءا عبء مساعدة المهاجرين الفقراء
والمهاجرات الفقيرات ،فأشاع المنافقون مزاعم تتهم المؤمنات بالزنا .فنرل قوله جل وعال ِ ( :إَّن اَّلِذيَن َج اُء وا ِباِإلْف ِك ُعْص َب ٌة
ِم ْنُك ْم ال َت ْح َسُبوُه َش ّر ًا َلُك ْم َب ْل ُه َو َخ ْيٌر َلُك ْم ِلُك ِّل اْم ِر ٍئ ِم ْن ُهْم َم ا اْكَت َسَب ِمْن اِإلْث ِم َو اَّلِذي َت َو َّلى ِك ْبَر ُه ِم ْن ُهْم َلُه َع َذ اٌب َع ِظ يٌم (َ )11لْو ال
ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه َظ َّن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َن اُت ِبَأنُفِس ِهْم َخ ْي رًا َو َقاُلوا َه َذ ا ِإْف ٌك ُم ِبيٌن (َ )12لْو ال َج اُء وا َع َلْي ِه ِبَأْر َبَع ِة ُشَه َداَء َفِإْذ َلْم َي ْأُت وا
ِبالُّش َهَداِء َفُأْو َلِئَك ِع ْن َد ِهَّللا ُه ْم اْلَك اِذ ُبوَن (َ )13و َلْو ال َفْض ُل ِهَّللا َع َلْي ُك ْم َو َر ْح َم ُتُه ِفي الُّد ْن َي ا َو اآلِخَر ِة َلَمَّس ُك ْم ِفي َم ا َأَفْض ُتْم ِفيِه َع َذ اٌب
َع ِظ يٌم (ِ )14إْذ َت َلَّق ْو َن ُه ِبَأْلِس َن ِتُك ْم َو َت ُقوُلوَن ِبَأْف َو اِه ُك ْم َم ا َلْيَس َلُك ْم ِبِه ِع ْلٌم َو َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم (َ )15و َلْو ال ِإْذ
َس ِم ْع ُتُم وُه ُقْلُتْم َم ا َي ُك وُن َلَن ا َأْن َنَتَك َّلَم ِبَه َذ ا ُسْبَح اَن َك َه َذ ا ُبْه َت اٌن َع ِظ يٌم (َ )16ي ِع ُظ ُك ْم ُهَّللا َأْن َت ُع وُدوا ِلِم ْث ِلِه َأَب دًا ِإْن ُك نُتْم ُم ْؤ ِمِنيَن ()17
َ :و ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم اآلَي اِت َو ُهَّللا َع ِليٌم َح ِكيٌم ( )18النور ) .نالحظ فيما يخص موضوعنا عن مسئولية السمع
االستماع الى مثل هذا الحديث يوجب مسئولية على السامع ،يجب عليه أن ينكر ما سمعه ،قال جل وعال يلومهم 2 / 1 : :
(َلْو ال ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه َظ َّن اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َن اُت ِبَأنُفِس ِهْم َخ ْي رًا َو َقاُلوا َه َذ ا ِإْف ٌك ُم ِبيٌن ( )12النور) (َو َلْو ال ِإْذ َس ِم ْع ُتُم وُه ُقْلُتْم َم ا َي ُك وُن
َلَن ا َأْن َنَتَك َّلَم ِبَه َذ ا ُسْبَح اَن َك َه َذ ا ُبْه َت اٌن َع ِظ يٌم ( )16النور )
بدون ذلك وبتداول هذا المسموع من الشائعات يكون السامع مشاركا فى اإلثم ،وهو إثم عظيم.قال جل وعالِ(:إْذ َت َلَّق ْو َن ُه 2 / 2 :
ِبَأْلِس َن ِتُك ْم َو َت ُقوُلوَن ِبَأْف َو اِه ُك ْم َم ا َلْيَس َلُك ْم ِبِه ِع ْلٌم َو َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم ( )15النور ) .مأروع قوله جل وعال :
!َ(.و َت ْح َسُبوَن ُه َه ِّي نًا َو ُه َو ِع ْن َد ِهَّللا َع ِظ يٌم )
ثم يأتى التحذير فى قوله جل وعال َ ( :ي ِع ُظ ُك ْم ُهَّللا َأْن َت ُع وُدوا ِلِم ْث ِلِه َأَب دًا ِإْن ُك نُتْم ُم ْؤ ِمِنيَن (َ )17و ُيَبِّي ُن ُهَّللا َلُك ْم اآلَي اِت َو ُهَّللا 2 / 3 :
!َع ِليٌم َح ِكيٌم ( ) 18النور ) .هذا فى االفتراء على بعض المؤمنات ،فكيف باإلفتراء على الواحد القهار جل وعال ؟
ـ الذين يسمعون خطبة الجمعة وما فيها من أفتراء على هللا جل وعال ورسوله ،هل يستطيع أحدهم أن يقف محتّج ا على 2 / 4
ما يسمع ؟ لقد تحسبوا لذلك مقدما بتأليف حديث يقول ( :إذا قلت لصاحبك واالمام يخطب يوم الجمعة :أنصت فقد لغوت .ومن
لغا فال صالة له ) .خطبة الجمعة فى هذه المساجد لغو غليظ ،ولكنهم أوجبوا سماع هذا اللغو ،وأوجبوا على المستمعين عدم
.النطق
ـ أتذكر أنه بعد اإلفراج عنا من اإلعتقال فى مصر عام 1987عاد بعض أهل القرآن الى الخطبة فى المساجد ،وإلتزم أال 3
يهاجم األحاديث حتى ال يعود للسجن ،وإقتصر فى خطبة الجمعة على الهدى القرآنى ،فرفضوه ،وفرضوا عليه أن يخطب
.باألحاديث
األحاديث الشيطانية هى دينهم ،وهى البضاعة التى يتقيؤها الخطيب فى صالة الجمعة وغيرها .وقد قال جل وعال 3 / 1 :
عنهم يجعلهم أعداء النبى َ ( :و َك َذ ِلَك َج َع ْلَن ا ِلُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ّو ًا َش َي اِط يَن اِإلنِس َو اْلِجِّن ُيوِحي َبْع ُضُهْم ِإَلى َبْع ٍض ُزْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغ ُر ورًا
َو َلْو َش اَء َر ُّب َك َم ا َفَع ُلوُه َفَذ ْر ُه ْم َو َم ا َي ْف َت ُر وَن (َ )112و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن ال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َض ْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوا َم ا ُه ْم
ُ.م ْق َت ِر ُفوَن ( ) 113االنعام )
فى موضوعنا عن السمع ُننّب ه على قوله جل وعال َ( :و ِلَت ْص َغ ى ِإَلْي ِه َأْف ِئَد ُة اَّلِذيَن ال ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآلِخَر ِة َو ِلَيْر َض ْو ُه َو ِلَي ْق َت ِر ُفوا 3 / 2 :
َم ا ُه ْم ُم ْق َت ِر ُفوَن ( ) 113االنعام ) .اى يسمعون لهذه األحاديث بكل إصغاء ،تصغى اليها ليس فقط أسماعهم بل أفئدتهم ،ثم
على أساسها يقترفون الكبائر .من القتل والتفجيرات ،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ،وأن الحور العين تنتظرهم .
والعاصى العادى المسالم يجد التشجيع على المعصية بأحاديث الشفاعة والخروج من النار ،أى أن النتيجة أنهم يتشجعون على
.إقتراف الكبائر بتلك األحاديث التى يلقيها خطيب الجمعة
ولهذا تجد مجتمعات المحمدين متخمة بالفساد وسفك الدماء ،مع حضور هائل ومكثف للمساجد وخطب الجمعة ،بل 3 / 3 :
أصبح الدعاة والخطباء ينافسون الراقصات ونجوم الفّن فى الشهرة .يتألقون شهرة وتتضخم أرصدتهم باألموال الُّس حت ،
.وبنفس القدر يهوى المحمديون من الحضيض الى اسفل سافلين
ـ ويتكرر فى القرآن المجيد وصف الضالين الفاسقين بأنهم ( سًم اعون للكذب ) ،قال جل وعال عن بعضهم فى عهد النبى 4
محمد عليه السالم َ ( :ي ا َأُّيَه ا الَّر ُس وُل ال َيْح ُزْن َك اَّلِذيَن ُيَس اِر ُع وَن ِفي اْلُك ْف ِر ِمْن اَّلِذيَن َقاُلوا آَم َّن ا ِبَأْف َو اِه ِهْم َو َلْم ُتْؤ ِمْن ُقُلوُبُهْم َو ِمْن
اَّلِذيَن َهاُدوا َس َّم اُع وَن ِلْلَك ِذِب ) ( ) 41المائدة ) ( َس َّم اُع وَن ِلْلَك ِذِب َأَّك اُلوَن ِللُّسْح ِت ) ( )42المائدة ) ( .سّم اع ) صيغة مبالغة
.من إسم الفاعل ( سامع ) .فالكافر ُم دمن لسماع الكذب
ـ منافقو المدينة فى عهد النبى كان لهم ( سّم اعين ) من المؤمنين ،قال جل وعال ( َلْو َخ َر ُج وا ِفيُك ْم َم ا َز اُدوُك ْم ِإَّال َخ َب اًال 5
َو َألْو َض ُع وا ِخالَلُك ْم َيْب ُغ وَنُك ْم اْلِفْتَن َة َو ِفيُك ْم َس َّم اُع وَن َلُهْم َو ُهَّللا َع ِليٌم ِبالَّظ اِلِميَن ( )47التوبة ) .يهمنا هنا أن قوله جل وعال َ ( :و ُهَّللا
َ .ع ِليٌم ِبالَّظ اِلِميَن ) يشمل القائل والسامع
.ـ وتوالت األوامر باإلعراض عن أصحاب الخوض 6
قال جل وعال للنبى محمد عن الخائضين من أهل الكتاب ُ ( :قْل ُهَّللا ُثَّم َذ ْر ُه ْم ِفي َخ ْو ِض ِهْم َي ْلَعُبوَن ( )91االنعام ) 6 / 1 :
وقال له جل وعال فى اإلعراض عن المشركين ( :اَّت ِبْع َم ا ُأوِح َي ِإَلْي َك ِمْن َر ِّب َك ال ِإَلَه ِإَّال ُه َو َو َأْع ِر ْض َع ْن اْلُم ْش ِر ِكيَن ( 6 / 2 :
)106االنعام ) ( ُخ ْذ اْلَع ْف َو َو ْأُمْر ِباْلُعْر ِف َو َأْع ِر ْض َع ْن اْلَج اِهِليَن ( )199االعراف )( َفاْص َد ْع ِبَم ا ُتْؤ َمُر َو َأْع ِر ْض َع ْن اْل ُم ْش ِر ِكيَن
( )94الحجر ) ( َفَأْع ِر ْض َع ْن ُهْم َو اْنَت ِظ ْر ِإَّن ُهْم ُم نَت ِظ ُر وَن ( )30السجدة ) (َفَأْع ِر ْض َع ْن َم ْن َت َو َّلى َع ْن ِذ ْك ِر َن ا َو َلْم ُيِر ْد ِإَّال اْلَح َي اَة
.الُّد ْن َي ا ( )29النجم ) .اإلعراض عنهم يوجب عدم االستماع اليهم وعدم حضور مجالسهم ،ومساجدهم وخطبهم وندواتهم
:وما جاء فى هذا أمرا ونهيا للنبى هو لنا أيضا .ومع هذا فقد جاء للمؤمنين ايضا 6 / 3 :
جعل رب العزة جل وعال من أولى صفات المؤمنين المفلحين أنهم َ ( :و اَّلِذيَن ُه ْم َع ْن الَّلْغ ِو ُمْع ِر ُض وَن ( )3المؤمنون 6 / 3 / 1 :
).
ومن صفات عباد الرحمن َ( :و اَّلِذيَن ال َي ْش َه ُدوَن الُّز وَر َو ِإَذ ا َمُّر وا ِبالَّلْغ ِو َمُّر وا ِك َر امًا ( )72الفرقان ) ( .ال 6 / 3 / 2 : ،
يشهدون الزور ) أى ال يحضرون مجالس يقال فيها زور وبهتان .وافظع البهتان هو األحاديث الشيطانية .وحضور خطب
.الجمعة فى مساجد الضرار هو حضور وشهود للزور
وقال جل وعال َ ( :و ِإَذ ا َس ِم ُع وا الَّلْغ َو َأْع َر ُض وا َع ْن ُه َو َقاُلوا َلَن ا َأْع َم اُلَن ا َو َلُك ْم َأْع َم اُلُك ْم َس الٌم َع َلْي ُك ْم ال َن ْب َت ِغي اْلَج اِهِليَن ( 6 / 3 / 3 :
)55 .القصص ) .أى هى قطيعة مرتبطة بقول السالم وتبتعد عن الجهل والجهالء
ـ فهل بعد هذا نحضر خطب الجمعة لنسمع منكرا من القول وزورا وإفتراءا على هللا جل وعال ورسوله ؟ هى حرية االيمان 7
والكفر .لك أن تقاطع هذه المساجد ،ولك أن تحضرها .ولكن يجب أن تعرف أنك إذا حضرت فستكون مشاركا فيما يقال من إثم
. .ولغو وأفتراء وزور يمتلىء ظلما لرب العالمين جل وعال
مقدمة
بإستغالل المسجد والصالة فيه سياسيا تأسست وظيفة (القصص ) فى الدعاية للسلطان القائم ،أو ضده ،نوعا من الحرب
الفكرية ،باالضافة الى تحول المسجد أحيانا الى مركز للقتال أو التخطيط للقتال .وهذا تواتر جديد شيطانى حافظ عليه األمويون
ثم العباسيون .وانتهى فى العصر المملوكى وحّل محّله (ميعاد البخارى ) .وظيفة القصص كانت تعدل فى أهميتها وظيفة
:القضاء ،اى وظيفة دينية ولكن تتبع المسجد .ونعطى تفصيال
أوال :قبل العصر األموى
ـ بدأت فى عصر عمر بن الخطاب ،فيقال أن أبا عاصم ( عبدهللا بن عمير ) كان أول قاص فى عصر عمر بن الخطاب 1 " .
( .ابن سعد )342 :341 ،5
ـ والسمة الرئيسة التى تجمع كل القصاص هو صناعتهم لألحاديث ،ومثال يقال عن سلمان بن األغر ( مولى جهينة ) كان 2
قاصا ،وروى عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة ( ابن سعد )210 /5ويقال عن بى األحوص (كان يحدث فى المسجد ،وكان
.ثقة وله أحاديث) (ابن سعد )6/126
ـ وهناك خالف فى بداية القصص .قال المؤرخ القضاعي أنه لم يقص في زمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال أبي بكر 3
وال عمر وال عثمان ،وإنما كان القصص في زمن معاوية .وذكر بعضهم أن القصص جاء في خالفة عثمان بن عفان .وهناك
خالف فى أول من قام بالقصص ،قيل هو تميم الداري .وقيل إن علًي ا رضي هللا عنه قنت فى صالته فدعا على قوم من أهل
حربه فبلغ ذلك معاوية فأمر رجاًل يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له وألهل الشام ،وكان ذلك أول القصص.
ثانيا :فى العصر األموى
ــ جعل الليث بن سعد نوعين من القصص :قصص العامة وقصص الخاصة " ،فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه 1
النفر من الناس يعظهم ويذكرهم ..وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ولى رجاًل على القصص ،فإذا سلم من صالة
الصبح جلس وذكر هللا عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبي صلى هللا عليه وسلم ودعا للخليفة وألهل واليته ولحشمه
.وجنوده ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة ." .والمستفاد من هذا أن معاوية هو الذى جعل القصص وظيفة رسمية
ـ إستغل األمويون خطبة الجمعة فى الدعاية لهم ،ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا إلى جانب وظيفة الوالى والقاضى وصاحب 2
الخراج وقائد العسكر وظيفة أخرى فى كل الواليات هى القصص .وكان أحيانا يتولى القصص والقضاء شخص واحد مما يدل
على أهمية وظيفة القصص فى ذلك الوقت .وكان القاّص يجلس فى المسجد بعد الصالة يقّص على الناس أخبار السابقين
ويعظهم ويخلط كالمه بأحاديث مخترعة وروايات مختلفة ومن خالل السيطرة على السامعين يدعو للسلطة األموية ،وال ينسى
أن يختم حديثه بلعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) .وكانت الروايات فى معظمها يخترعها الراوى نفسه .ولكى يجذب
القاص إهتمام العامة كان يكثر من الخرافات وينسب قصصه للنبى محمد عليه السالم واألنبياء السابقين .وألن العصر األموى
هو عصر الروايات الشفهية فقد تم تداول هذ القصص عبر األجيال ونما وتكاثر إلى أن أتيح له التدوين فى العصر العباسى على
أنه أحاديث نبوية أو قصص األنبياء وعليه قام ما يسمى علوم الحديث والتفسير .ودعاة تنقية التراث فى عصرنا يطلقون على
بعض هذه القصص إسم إسرائيليات نظرا ألنهم اكتشفوا أخيرا تشابها بين تلك الروايات وما جاء فى المصادر التراثية السابقة
.ألهل الكتاب
ـ ومن مشاهير القصاصين فى العصر األموى أبوهريرة وهو أيضا أشهر من إخترع األحاديث ،وقد إنضم الى األمويين وكان 3
واليا لهم على المدينة .ومن تالمذته عبد الرحمن ابن حجيزة (ت )83وقد اجتمعت له فى مصر فى الدولة األموية ثالث
وظائف هى القضاء و القصص و بيت المال ،وكان يأخذ رزقه من القضاء مائتي دينار ،وعطاؤه مائتا دينار ،وجائزته مائتا
.دينار ..الخ ( تاريخ المنتظم البن الجوزي )254 : 6/253
ـ وقد قابل المعارضون للدولة األموية قصصها الرسمي بقصص أخر ،وبذلك تحول القصص الى حرب فكرية اسلحتها 4
الروايات و الحكايات واألحاديث .وأشهر معارضى الدولة األموية سعيد بن جبير ـ والذى قتله الحجاج سنة 94ــ كان من أشهر
القصاص وأشهر الفقهاء أيضا .كان يقّص كل يوم ألصحابه فى المسجد مرتين .بعد صالة الفجر ،وبعد صالة العصر (ابن سعد
)180 /6ورفيقه ابراهيم التيمي كان أيضا من ضحايا الحجاج ،وكان من القصاص أيضا .قيل فيه ":إنى أحسبه يطلب
.بقصصه وجه هللا" ،وحين بدأ ابراهيم التيمي بالقصص أخرجه ابوه من المنزل خوفا من الحجاج (ابن سعد )6/200
واشتهر المرجئة كطائفة سياسية وفكرية فى العصر األموي ،توسطوا بين الشيعة واألمويين ،وكان منهم من احترف
القصص ،مثل ذر بن عبد هللا ،قيل عنه "من أبلغ الناس فى القصص ،وكان مرجئا ،وخرج مع القراء ( الفقهاء) مع ابن
األشعث فى الثورة على الحجاج .وشارك فى هذه الثورة سعيد بن جبير ،وهناك ايضا عمرو بن ذر وكان قاصا مرجئا أيضا
(.ابن سعد )252 ، 6/205
ـ وبسبب االختالفات المذهبية والسياسية فقد تنوعت المواقف من القصص و القصاص .فيقال فى مدح صالح المرى أنه 5
(كان اذا قص فى المسجد ازدحم الناس للصالة والجلوس اليه)( ابن سعد .)7/2/39بينما كان سالم مولى عمر بن الخطاب
(اليشهد قاّص جماعة وال غيره ( )..ابن سعد )5/148هذا فى الوقت الذى استمع فيه عبد هللا بن عمر الى أحد القصاص وهو
عبيد بن عمير فدمعت عيناه ( ابن سعد .)124 ،4/119وبعضهم كان ينصح بمجالسة القصاص غير ابي األحوص ،وال
.تجلسوا شقيقا ،وليس بأبي وائل وال سعد بن عبيدة) وقد مات السلمى فى خالفة عبد الملك بن مروان (ابن سعد )6/120
ثالثا :قصاصون عاشوا العصرين األموى والعباسى
ـ وبعض القصاصين أدرك الدولتين األموية و العباسية مثل الجعفى الذى كان امام مسجد جعفى مدة ستين عاما .واحترف 1
.القصص فيه ،ومات فى خالفة ابي جعفر المنصور ( ابن سعد .)6/254على أن اشهرهم األوزاعى واألعمش
ـ األوزاعى ( ) 157 : 88كان مقربا من األمويين ونجح بدهائه فى أن يحظى فى عهد العباسيين حين إخترع لهم حديث 2
.الردة ليبرر قتلهم األمويين ،والتفاصيل فى كتابنا عن ( حد الردة )
إشتهر األوزاعى فقيها وقّص اصا بسبب جرأته الفائقة فى الكذب ،والعوام تصغى الى زخرف القول أو المزخرف 2 / 1 :
،بالمبالغات ( أألنعام ـ ) 113
وإشتهر من قصص األوزاعى ما رواه ابن الجوزى فى المنتظم عن قول األوزاعى 2 / 2
رأيت رب العزة في المنام فقال لي :يا عبد الرحمن أنت الذي تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر ؟ قلت :بفضلك يا (2 / 2 / 1 :
)رب .فقلت :يا رب أمتني على اإلسالم فقال :وعلى السنة .
األوزاعي قال :أردت بيت المقدس فرافقت يهودًي ا فلما صرنا إلى طبرية نزل فاستخرج ضفدًع ا فشد في عنقه 2 / 2 / 2 :( ..
خيًط ا فصار خنزيًر ا فقال :حتى أذهب فأبيعه من هؤالء النصارى فذهب فباعه وجاء بطعام ثم ركبنا فما سرنا غير بعيد حتى جاء
القوم في الطلب فقال لي :أحسبه صار في أيديهم ضفدًع ا .قال :فحانت مني التفاتة فإذا بدنه بناحية ورأسه بناحية فوقفت وجاء
القوم فلما نظروا إليه فزعوا ورجعوا عنه .قال :فقال لي الرأس :رجعوا ؟ قلت :نعم قال :فالتأم الرأس إلى البدن وركب وركبنا
) ..فقلت :ال أرافقك أبًدا
ـ األعمش ( سليمان بن مهران ) 148 : 61 :كان أخطر الدعاة للعباسيين يؤلف لهم األحاديث وينشرها فى مجالس قصصه 3
ضمن خرافات شّي قة عن السابقين ،صارت أساسا فى كتب الحديث والتفسير والتاريخ لألنبياء والسيرة ،وهى أحاديث كاذبة
تنسب علم الغيب للنبى محمد عليه السالم بالتناقض مع القرآن الكريم .ونعطى نماذج منها نقال عن تاريخ المنتظم البن الجوزى
:
:فى الدعاية للعباسيين 3 / 1 :
عناألعمش عن عطية عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :يخرج منا رجل انقطاع من3 / 1 / 1 : ( ...
.هذا عن السفاح اول الخلفاء العباسيين ) الزمن وظهور من الفتن يسمى السفاح يكون عطاؤه للمال حثًي ا.
عناألعمش عن الضحاك بن مزاحم عن عبد هللا بن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم انه قال":منا 3 / 1 / 2 : ( ..
) السفاح والمنصور والمهدي".
خرافات األعمش عن خلق الشمس والقمر والنجوم ( :حدثنااألعمش ..عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :لما ابرم 3 / 2 :
هّللا عز وجل خلقه فلم يبق غيرادم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان في سابق علمه ان يطمسها ويحولها قمًر ا فانه
خلقها دون الشمس في الضوء ولوتركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ولكان الصائم ال يدري الى متى يصوم فارسل جبريل
فامر جناحه على وجه القمر ثالث مرات فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور وخلق للشمس عجلة لها ثلثمائة وستون عروة ووكل
بها ثالثمائة وستين ملًك ا قد يعلق كل ملك بعروة واذا اراد ان يري العباد اية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد
الشمس تحت العرش بمقدار الليل ثم تؤمر بالطلوع فاذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم
يعود الى ما خلق هّللا ") .
:خرافات األعمش عن قصص السابقين 4 :
عن إبنى آدم ( حدثنااألعمش : ..قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :ال تقتل نفس ظلًم ا اال كان على ابن ادم األول 4 / 1 :
كفل من دمها " النه كان اول من سن القتل ) .قال ابن الجوزى عن هذا الحديث الكاذب ( :اخرجاه في الصحيحين ) .فماذا عن
!قاعدة ( أاّل تزر وازرة وزر أخرى ) ؟
عن يونس والحوت .. ( :حدثنا األعمش ..لما التقم الحوت يونس نبذة الى قرار األرضين فسمع تسبيح الحصى في 4 / 2 :
الحماة فذلك الذي نابه) .
عن قارون وكنوزه ( :وروى األعمش ..قال :كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل اإلصبع كل مفتاح 4 / 3 :
على خزانة على حدة فاذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغاًل ).
عن الكفل ( :اخبرنااألعمش ...قال :لقد سمعت عن رسول هللا صلى هللا علية وسلم ..كان الكفل من بني اسرائيل ال 4 / 4 :
يتورع من ذنب فاتته امراة فاعطاها ستين دينارا على ان يطاها فلما قعد منها مقعد الرجل من امراته ارعدت وبكت فمال:
ما يبكيك اكرهتك .قالت :ال ولكن هذا عمل لم اعمله قط وانما حملني على ذلك الحاجة قال :فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ثم نزل
فقال :اذهبي والدنانير لك ثم قال :واللة ال يعصي اللة الكفل ابًد ا فمات من ليلته فاصبح مكتوًب ا على بابه قد غفر هّللا للكفل ")
حظيت خرافات األعمش بالتقدير والتقديس ،ومأل الطبرى بها مقدمة تاريخه ،وكذلك فعل ابن الجوزى ،وتأسست بها 5 :
أساطير الدين الُّس ّن ى .يروى ابن الجوزى فى تاريخ المنتظم / 8عام 170أن الخليفة الرشيد ( وكان الرشيد معظًم ا للسنة
شديد النفور من البدع ).ويؤكد هذا بقصة أن أحدهم كان يقرأ حديث األعمش فى مجلس للرشيد .. ( :قال محمدبن حازم :كنت
اقرا حديث األعمش ..على امير المؤمنين هارون فكلما قلت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :صلى هللا على سيدي
وموالي ،حتى ذكرت التقاء ادم وموسى ،فقال عمه :يا محمد اين التقيا؟ فغضب هارون الرشيد وقال :من طرح اليك هذا ،
وأمر به فحبس ) ،أى ألنه تساءل :أين التقى موسى بآدم حبسه الرشيد .هذا ألن القصص كان وظيفة دينية مرتبطة بالصالة
.وبالمسجد
الفصل الرابع عشر :من القصاص الى ميعاد البخارى
مقدمة
ـ من مجالس القصص تأسست معالم الدين الُّس ّن ى بالذات ،األقاصيص كانت ٌت نسب أحاديث للنبى محمد بعد موته ،وتم 1
تدوينها على أنها دين ووحى إالهى ،وتفرعت الى تفسير وحديث وعلوم قرآن وتشريعات وقصص عن األنبياء السابقين واألمم
السابقة ،وما جاء فى القرآن الكريم عن خلق السماوات واألرض وقصص السابقين علقوا عليه بخرافات القصاصين .كان هذا
فى العصر العباسى .فى العصر المملوكى إنتهى دور القصاصين وتوقف دور القصاصين الدعائى والسياسى .وتوقف االبتكار
فى تأسيس األديان األرضية بعد أن إستقرت دعائمها فى العصر العباسى ،لم يعد أمام فقهاء العصر المملوكى سوى الرقص
على ما قاله السابقون .لذا تحول الفقهاء العباسيون الى إئمة مقدسين فى العصر المملوكى من ائمة الحديث والفقه ( ابو حنيفة
ومالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم ..الخ ) وترسخت المذاهب الفقهية األربعة وتأسس القضاء بين الناس على
المذاهب األربعة ،والويل لمن ينتقد أو يعترض على األئمة .وحظى البخارى بالذات بتقديس أعظم .وتحولت مجالس القصص
.فى المسجد الى ما يعرف بميعاد البخارى
:ـ ونعطى تفصيال 2
:أوال :قيمة البخارى في العصر المملوكى
ـ ( صحيح البخارى ) كان ــ وال يزال ــــ الكتاب المقدس للشريعة السنية للعصر المملوكى ( ،صحيح البخارى ) هو 1
مجّر د( صنم فكرى ) فى عالقته بتطبيق الشريعة الّس نية فى العصر المملوكى الذى كان يتم بقضاة القضاة األربعة ،والذين لم
يتقّي دوا بنصوص البخارى ،بل حتى لم يتقّي دوا بنصوص مذاهبهم فالحكم كان بالهوى وبالرشوة وبالفساد وبرضا السلطان
وأهوائه .والقاضى يقوم بدورين :التشريع ،أى يصيغ الحكم ،والقضاء أى يقضى به .وليس للبخارى شأن فيما يحكم به .
وحتى لو أرادوا التقيد بما فى البخارى فهو فى نهاية األمر يعّب ر عن ظروف عصره فى الدولة العباسية فى القرن الثالث
الهجرى ،وهى ليست نفس ظروف العصر المملوكى وسالطينه وثقافته ومفاهيمه .و( صحيح البخارى ) هو أيضا مجّر د صنم
فكرى بالنسبة للدراسات التى أقيمت حوله فى العصر المملوكى أو عصرنا البائس .فالذين يهيمون فى البخارى تقديسا من
.العوام وفقهاء العوام ال يفقهون شيئا فى كتاب البخارى ،هو مجرد تقديس دون علم أو عقل شأن المعتاد لدى المشركين
ــ لم تكن لكتاب البخارى كل هذه القدسية فى العصر العباسى فقد تعّر ض البخارى للنقد واالستدراك عليه ،وتابع أئمة الحديث 2
التأليف بعده مخالفين له فى إثبات حديث أو نفيه .ولو كان البخارى هو القول الفصل فى الدين الّس نى لما جرؤ أحد على التأليف
.بعده ،ولكن تكاثرت مؤلفات العصر العباسى فى الحديث منفصلة عن البخارى مستقلة عنه
ــ إختلف الوضع فى العصرين المملوكى والعثمانى ،حيث تكاثر( المريدون ) حول صنم البخارى يطوفون حوله تقديسا 3
وتمجيدا وشرحا وتفسيرا وترتيال ،و تمت إضافة صنم البخارى الى أصنام صوفية أخرى حجرية من القبور المقدسة ،أو
بتعبير آخر كان هناك ( صحيح البخارى أو ضريح البخارى ) جنبا الى جنب مع آالف األضرحة والقبور المقدسة ،وحول ضريح
البخارى واألضرحة األخرى يطوف المجاذيب والمريدون تقديسا وتبركا بطرق مختلفة ،ولكن تتفق كلها فى غياب العقل وعداء
.هللا جّل وعال ورسوله عليه السالم
ـ تضاءل فى العصر المملوكى الفارق بين ( العالم المحّق ق ) مثل إبن حجر العسقالنى والعينى و السخاوى وبين أوباش 4
ومجاذيب الصوفية فيما يخص تقديس البشر؛ هذا يقّد س كتابا ( صحيح البخارى ) وذاك يقّد س وليا صوفيا حّي ا أو مقبورا ،
والفريقان معا فقدا العقل وااليمان باالسالم وحتى بكرامة االنسان التى تجعله أفضل من الحيوان .السبب أّن سيطرة التصوف
بدءا من القرن السابع الهجرى الثالث عشر الميالدى هبطت بمستوى الفقهاء السنيين الى مرتبة التقليد ،وجعلت الّس نة تابعة
للتصوف ،وفق هذا المزيج المشّو ة المسمى بالتصوف السنى ،والذى يحصر الّس ّن ة فى العبادات والتطبيق المظهرى األحوال
الشخصية للقضاة المذاهب األربعة وتقديس أئمة الحديث ( خصوصا البخارى ) وأئمة المذاهب ،مقابل التسليم للتصوف
وكراماته وأوليائه وخرافاته .هذا التسليم أوالتقليد قام بتحويل (تقدير) أئمة الحديث والفقه الى (تقديس) ،برعاية التصوف ،
الذى خّص البخارى بالذات ألن كتابه تضمن بعض األحاديث التى تعلى وتقّد س األولياء الصوفية مثل حديث ( من عادى لى وليا
فقد آذنته بالحرب ) وهو الحديث الذى يسّو غ عقيدة االتحاد الصوفية ( كنت يده التى يبطش بها ..الخ ) .وإذا كان مألوفا فى هذا
العصر تقديس البشر والحجر وتأليه المجانين ( المجاذيب ) فمن األسهل تقديس األئمة السابقين ،حيث غاب العقل فى أجازة
.مفتوحة مفسحا الطريق ألن تتحول الخرافات الى كرامات
ــ ومن الطبيعى بعدئذ أن يقام إحتفال يستمر شهر رمضان ـ ليس لتالوة القرآن الذى نزل فى رمضان ،ولكن لترتيل البخارى 5
والتبارى فى حفظ واستظهار ما فيه من أحاديث بمتونها وسندها .ومثل تعاملهم مع القرآن بالتفسير فقد وضعوا فى العصر
المملوكى شروحا وتفاسير للبخارى إزدادت بمرور الزمن ،حيث دارت الحركة ( العلمية ) حول صحيح أو ضريح البخارى.،
:ويطول بنا إستعراض المؤلفات فى هذا المضمار ،ولكن نعطى أمثلة سريعة
فالمؤرخ المحّد ث الفقيه الحافظ قاضى القضاة شهاب الدين إبن حجر ( ) 852 : 773كتب ( فتح البارى فى شرح 5 / 1 :
.صحيح البخارى) فى 15جزءا ،وقد ظّل يؤلفه 20عاما ،وله أيضا ( تغليق التعليق فى وصل معلقات البخارى).
ومثله القاضى بدر الدين العينى ( :) 855 :762كتب ( عمدة القارى فى شرح صحيح البخارى ) وأيضا استغرق 5 / 2 :
.العيني في تأليفه عشرين سنة
شهاب الدين القسطالنى الذى شهد عصر قايتباى ومات بعد عامين من سقوط الدولة المملوكية ( ) 923 : 851له .5 / 3 :
.كتاب (:إرشاد السارى فى شرح صحيح البخارى )
والمؤرخ المحّدث الحافظ شمس الدين الّس خاوى ( ت 902هـ) ،وله فى ميعاد البخارى كتاب (:تحفة السامع والقاري 5 / 4 :
.بختم صحيح الجامع )
وكتاب السخاوي هذا يعتبر من أهّم المصنفات المعروفة بكتب الختم فى موضوعنا عن (:ميعاد البخارى) ،ومنها5 / 5 :
العناوين اآلتية (:مجالس في ختم صحيح البخاري)( كتاب تحفة القارئ عند ختم صحيح البخاري)( بداية القارئ في ختم
.صحيح البخاري ) و( شرح ختم صحيح البخاري)
.أّم ا بقية الكتب التى عكفت على صحيح البخارى نفسه فى العصر المملوكى فهى كارثة مؤلمة يطول حصر عددها5 / 6 :
ولكّن الذى ننّب ه له هنا أن كل هذا التأليف ال يعدو أن يكون تهريجا وتهجيصا ،فقد تغافل الجميع فى رقصهم المحموم 5 / 7 :
حول صنم البخارى عّم ا جاء فيه من طعن فى رب العزة والرسول عليه السالم والقرآن ودين االسالم .وبعض(المحققين) كانت
سقطته أكبر من بقية (المغفلين) ،فأولئك ( المحققون) بذلوا جهدهم فى التأويل والتلفيق والتعليل والّلف والدوران سترا
.لعورات البخارى وتعصبا له ضد رب العزة والرسول عليه السالم
ـ والطريف أننا حين بدأنا فضح البخارى فى ندواتنا ومؤلفاتنا بعد قراءة متعمقة له فوجئنا بأن أكثر الناس تعصبا للبخارى فى 6
( األزهر ) وخارجه ال يعرفون عنه شيئا ،بل المضحك أنهم أيضا فوجئوا بما نستشهد به من أحاديث البخارى التى تطعن فى
االسالم ورب العّز ة جل وعال ورسول االسالم عليه السالم،وكان تعبيرهم عن هذه المفاجأة إضطهادا وسّب ا وشتما ال يزال ينهال
علينا .ومن يشاهد برنامجنا ( فضح السلفية ) الذى يستعرض فضائح وآثام البخارى يتأّك د من هذا ،ويستغرب كيف لم يلتفت
الى هذه الفضائح البخارية أولئك الذين أنفقوا أعمارهم فى العصرين المملوكى عاكفين حول البخارى تقديسا وترتيال وتأليفا.
وهذا يؤّك د أن تقديس البشر والحجر يضع حجابا على العقل فيجعل االنسان يفقد التمييز ،بل يجعله فى مرتبة أقّل من الحيوان .
وصدق هللا جل وعال َ( :أَر َأْي َت َم ْن اَّتَخ َذ ِإَلَه ُه َه َو اُه َأَفَأْن َت َتُك وُن َع َلْي ِه َو ِكيًال (َ )43أْم َت ْح َسُب َأَّن َأْك َث َر ُه ْم َيْس َمُع وَن َأْو َيْع ِقُلوَن ِإْن ُه ْم
ِإَّال َك اَألْن َع اِم َب ْل ُه ْم َأَض ُّل َس ِبيًال ( ( )44الفرقان )
.ــ هذه مقدمة لملمح هام من مالمح عصر قايتباى ،وهو ( ميعاد البخارى ) 7
ميعاد البخارى فى عصر قايتباى كما جاء فى ( إنباء الهصر ) البن الصيرفى
ــ كان ميعاد البخارى أحد المناسبات الدينية في أيام قايتباى وفي المقابل لم يكن هناك ميعاد لقراءة القرآن الكريم أو احتفال 1
بأى كيفية بختمة كما كانوا يفعلون عند ختم البخارى .ولم يكن االهتمام بتالوة البخارى وختمه مقصورًا على السلطة المملوكية
بل تعداه إلى العلماء ،وأولئك العلماء كان منهم أصحاب سلطة ونفوذ مثل الشيخ كمال الدين النويرى ت 873الذى كان يعقد
ختمًا للبخاري على حسابه الخاص ،يقول عنه ابن الصيرفي ( :قرئ عليه صحيح البخارى في األشهر الحرم ،وكان يختم
البخارى باألزهر ،ويصنع يوم الختم أمورًا كثيرة من الخلع واإلحسان للطلبة خارجًا عن المأكل والمشرب ،وكذلك كان يفعل
.بمكة).
ــ واآلخرون من العلماء كان لهم ارتباط آخر بالبخارى ،وكان إرتباطا نفعيا ماديا يمثل لهم موردًا اقتصاديًا ثابتًا يتمثل في 2
(ُصّر ة البخارى) أو المنحة التى يأخذونها كل عام بسبب حضورهم ميعاد البخارى وختم البخاري ،فالشيخ برهان الدين الحلبي
ت ( 875رّت بوا له ( أى جعلوا له راتبا ) في الميعاد البخارى ُصّر ة بألف درهم في كل سنة ،وكان السلطان يحسن إليه بالذهب
وبإهدائه الكتب مثل كتاب البخارى) .وحين مات ابن التنسي في شوال 875توارث العلماء مناصبه وكان منها (ُصّر ته في
البخارى )،يقول مؤرخنا (:فأخذ ُصّر ته في البخارى عمر بن موسى اللقانى ،وقيل أن ابن اللقاني أخذ الجوالى أى المرتبات
والشيخ عباس المغربي المالكي أخذ ُصّر ة البخارى .).لذلك كان يقول ابن الصيرفي يعبر عن حزن العلماء في شعبان : 875
(.كان القصر بطاًال من الخدمة ولم ُي قرأ البخارى ) ،أى تعطل ميعاد البخارى وقتها فأصبح القصر السلطانى بطاًال
ــ وبعض مشاهير القرن التاسع كان له ( منصب ورزق وصرة في البخارى .).فابن الحفار الواعظ ت 876أشهر القراء 3
والمنشدين في عصره ( كان مرصدًا إلنشاد المديح في ختم البخاري عند شيخ اإلسالم ابن حجر) العسقالنى .والبقاعي أحد
علماء الحديث وخصم الصوفية اللدود قال عنه مؤرخنا أن القاضى ابن حجر العسقالنى رّقاه حتى جعله قارئ البخارى في
.القصر بقلعة الجبل بحضور السلطان في دولة الظاهر جقمق وكان يثني على قراءته وفصاحته
:بداية االحتفال بميعاد البخارى
ــ وقد بدأ االحتفال بميعاد البخاري ألول مرة في سلطنة األشرف شعبان ،وذلك يوم االثنين أول رمضان ، 775ويقول 1
المقريزي في تاريخ ذلك اليوم ( :وفيه استجد السلطان عنده بالقصر من قلعة الجبل قراءة كتاب صحيح البخارى في كل يوم
من أيام شهر رمضان بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم تبركًا بقراءته لما نزل بالناس من الغالء ،فاستمر ذلك وتناول
.قراءته شهاب الدين أحمد إبن العرياني وزين الدين عبد الرحيم العراقي لمعرفتهما علم الحديث ،فكان كل واحد يقرأ يومًا).
ـ ثم حدث تطور في طقوس ميعاد البخارى ،شرحها المقريزي في أحداث شهر شعبان 827هـ يقول ( :وفيه ابتدئ بقراءة 2
صحيح البخارى بين يدى السلطان ،وحضر القضاة ومشايخ العلم ).إلى أن يقول ( :وكانت العادة من أيام األشرف شعبان أن
يبدأ بقراءة البخارى أول يوم شهر رمضان ..ويختم في سابع عشرينه ويخلع على قاضى القضاة ويركب بغلة رائعة تخرج له
من االسطبل السلطانى)،
:خناقات في ميعاد البخاري
ـ نستكمل ما قاله المقريزى ... ( :ولم يزل األمر على هذا حتى تسلطن المؤيد شيخ فابتدأ القراءة من أول شهر شعبان إلى 1
سابع عشرين من شهر رمضان ،وطلب قضاة القضاة األربع ومشايخ العلم وتحرر عدة من الطلبة يحضرون أيضَا فكانت تحدث
بينهم بحوث يسيء بعضهم فيها إساءات منكرة ،فجرى السلطان األشرف برسباى على هذا واستجد حضور المباشرين وكثر
الجمع وصار المجلس جميعه صياحًا ومخاصمات يسخر منها األمراء وأتباعهم . ).أى تحّو ل الحفل الى تهريج وتهجيص يعّب ر
عن مضمون البخارى ،ثم ما لبث التهريج والتهجيص فى عصر األشرف برسباى أن تحول فى عصر قايتباى الى خصام
.وخناقات بين ( الشيوخ والفقهاء و العلماء )
ـ وإنتقد شيخ المؤرخين المصريين المقريزي فى تاريخ (السلوك) ما كان يحدث في ختم البخارى فيقول عن أحداث األربعاء 2
23رمضان (: 841ختمت قراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل ،وقد حضر قضاة القضاة األربع وعدة من
مشايخ العلم وجماعة من الطلبة كما جرت العادة من أيام المؤيد شيخ )،ويقول المقريزي منتقدا ما كان يحدث (:وهو منكر في
صورة معروف ،ومعصية في زى طاعة ،وذلك أنه يتصدى للقراءة من ال عهد له بممارسة العلم ،لكنه يصّح ح ما يقرأه ،
فيكثر لحنه وتصحيفه وخطؤه وتحريفه ،هذا ومن حضر ال ينصتون لسماعه ،بل دأبهم دائمًا أن يأخذوا في البحث عن مسألة
يطول صياحهم فيها حتى يفضى بهم الحال إلى اإلساءات التى تؤول إلى أشد العداوات وربما كّف ر بعضهم بعضًا ،وصاروا
.ضحكة لمن عساه يحضرهم من األمراء والمماليك).
ــ إزداد األمر سوءا فى عصر قايتباى ولكّن مؤرخنا ابن الصيرفي لم يكن على مستوى المقريزي في ثقافته وال في نقده 3
وجرأته ،لذا كان يشير إلى بعض المساوئ من طرف خفي ،فإذا كان المقريزي قد وصف ما كان يحدث من خصومات بين
المشايخ أثناء قراءة البخاري فإن مؤرخنا يشير إلى أحداث مماثلة ولكن بصورة عرضية كأن يقول عن قاضى قضاة الحنفية
إبراهيم الديري ت ، 876أّن ه بعد عزله كان يحضر مجلس البخارى بالقلعة بصفته شيخ الخانقاه المؤيديه ويجلس تحت قاضى
الحنابلة ،وأّن ه بحث مرة في مجلس البخاري بالقلعة بحضور السلطان الظاهر خشقدم مسألة مع شيخ اإلسالم الكافيجي فقطعه
الكافيجي أى غلبه ( وقهره بحضور الجمع الغفير .).فهنا إشارة الى مشاجرة بين شيخين كبيرين ( الديرى والكافيجى ) ،ولكن
.تم التعمية علي تفصيالتها وما دار فيها من شجار وتنابز باأللقاب حرصا من إبن الصيرفى على مكانة شيخه الكافيجى
:مراسيم ميعاد البخاري في عصر قايتباى
ــ كانت العادة أن يجتمع بالقلعة طائفة من القّر اء والفقهاء لقراءة وترتيل البخارى كل ليلة الى أن يتم ختم البخارى ،فيقام له 1
حفل الختم في رمضان .ويبدأ برجب أو شعبان ،وفي حفل الختام يخلع السلطان على القضاة والمشايخ والفقهاء والقراء ،وكانت
.العادة أن تبدأ القراءة بالقلعة ثم يكون حفل الختم بالقصر الكبير
ــ ونورد بعض ما جاء بتاريخ الهصر :في يوم األربعاء 3رجب 875يقول مؤرخنا ( :كان ابتداء قراءة البخاري بقلعة 2
الجبل عند السلطان بالقصر ،وصعد قضاة القضاة والمشايخ على العادة . ).وفي يوم األربعاء 4شعبان 876يقول ( :كانت
الخدمة بالقصر السلطانى بقلعة الجبل وابتدئ بقراءة البخاري به.).وفي يوم األربعاء 28رمضان 876قال ( :ختم البخاري
بقلعة الجبل بالقصر الكبير على العادة وحضره القضاة .).وقبل ذلك بعام بالضبط :األربعاء 28رمضان 875يقول ( :ختم
البخارى بقلعة الجبل بحضور السلطان وكان مجلسًا حافًال بالقضاة األربعة ،خال الحنفي لضعفه ،والعلماء والفضالء والطلبة
واألمراء والرؤوس والنواب والخاصكية وأصحاب والوظائف).
ــ ونعود إلى حفل ختم البخاري يوم األربعاء 28رمضان ،876حيث أورد ابن الصيرفي بعض التفصيالت الهامة في ذلك 3
المجلس ،ذلك أن ختم البخارى 876شهد تعيين الشيخ سعدى قاضيَا ،وأعلن ذلك إبن مزهر كاتب السر بعد أن شاور السلطان
في ذلك الحفل ،يقول ابن الصيرفي في أنه تشاور ابن مزهر مع السلطان في عاشر شعبان على الشيخ بدر الدين السعدي أن
يكون حاكمًا إلى أن يحضر ابن مفلح قاضى دمشق ،ثم جاء أول ختم البخارى في 28رمضان فأعلن السلطان ذلك التعيين في
حضور الجميع.يقول مؤرخنا (:ولما حضروا الختم ،وفرقت أجزاء البخاري ،وحضر السلطان ،وقرأ القارئ الذى هو اإلمام
البرهان الكركي وحضره والده فجلس فوق الشيخ قاسم الحنفي تحت الشيخ تقي الدين الحصنى ،والحصنى تحت الحنفي )،وهذا
يعنى الترتيب الرسمى للجلوس حسب منازل القوم(،وحضر السعدي فلم يجد له مكانًا يجلس فيه من الزحمة فجلس خلف
.الحلقة.).وانتهى الختم بإعالن تولى السعدى لهذه الوظيفة،وكانت مفاجأة للسعدى نفسه
ــ والمهم أن ختم البخارى كان مناسبة لقضاة الشرع في اجتماعهم بالسلطان ،وفيه أحيانا كانت تصدر قرارات التعيين ألن 4
.البخاري هو ( ُقدس األقداس ) لذلك العهد الفاسد البائس
الهوامش
.الهصر508 ،464 ،243 ،277 ،195 ،102 :
.السلوك المقريزي1032 :4/2/1031 ،4/2/667 ،3/1/223 :
.الهصر415 :414 ،264 :263 ،413 ،400 ،240 ،448 :
مقدمة :سال ابنى الحبيب د عثمان محمد على المشرف على موقع أهل القرآن أن أكتب مقاال عن ماهية المسجد االسالمى .
.واستجيب لطلبه بهذا المقال ،وأجعله فى صيغة سؤال وجواب
س 1ـ هل هناك فى االسالم ( جامع ) بمعنى مسجد ؟
مصطلح ( جامع ) جاء وصفا لرب العزة جل وعال الذى سيجمع الناس يوم القيامة أو يوم الجمع ،قال جل وعال ِ( :إَّن الَّلـَه
َج اِم ُع اْلُم َن اِفِقيَن َو اْل َك اِفِر يَن ِفي َج َه َّن َم َج ِميًع ا ﴿﴾١٤٠النساء ) ويقول المؤمنون َ ( :ر َّب َن ا ِإَّن َك َج اِم ُع الَّن اِس ِلَيْو ٍم اَّل َر ْيَب ِفيِه ۚ ِإَّن الَّلـَه
.اَل ُيْخ ِلُف اْلِميَع اَد ﴿ ﴾٩آل عمران )
! .س 2ـ ولكن كلمة ( جامع) جاءت أيضا فى سورة النور
نعم .قال جل وعال فى موشوع الشورى أو الديمقراطية المباشرة ( ِإَّن َم ا اْل ُم ْؤ ِم ُنوَن اَّلِذيَن آَم ُنوا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو ِإَذ ا َك اُنوا َمَع ُه
َ .ع َلٰى َأْم ٍر َج اِم ٍع َّلْم َي ْذ َه ُب وا َح َّتٰى َيْس َت ْأِذ ُنوُه ) ( ﴾٦٤النور) ،أى لم يرد وصف الجامع للمسجد ،هو وصف إلجتماع جامع
س : 3ما السبب فى تسمية المسجد بالجامع ؟
تكاثر إنشاء المساجد ألغراض سياسية ومذهبية ودينية .المسجد الكبير الذى يصلون فيه صالة الجمعة والذى يجتمع فيه كثرة
.كاثرة من الناس أطلقوا عليه اسم ( الجامع )
! .س 4ـ ولكن مذكور فى القرآن الكريم اسماء لبيوت العبادة من صوامع وبيع فى اآلية 40من سورة الحج
قال جل وعال ( :اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِهم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإاَّل َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا الَّلـُه ۗ َو َلْو اَل َد ْف ُع الَّلـِه الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت
َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم الَّلـِه َك ِثيًر ا ۗ َو َلَي نُصَر َّن الَّلـُه َم ن َي نُصُر ُه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿ ﴾٤٠الحج ) .هذه
اآلية الكريمة عن حصانة بيوت العبادة للناس بغض النظر عن دينهم إن كان إسالما صحيحا أو كفرا .فى تشريع االسالم التأكيد
على حرية الدين وعدم اإلكراه فى الدين ألن للدين يوما هو يوم الدين أو الحساب .والمقصد التشريعى للقتال فى االسالم هو أن
يكون الدين كله هلل جل وعال أى مؤجال الحكم فيه الى يوم الدين ،قال جل وعال َ( :و َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن
ِلَّلـِه ۖ َفِإِن انَت َهْو ا َفاَل ُع ْد َو اَن ِإاَّل َع َلى الَّظ اِلِميَن ﴿﴾١٩٣البقرة ) (َو َقاِتُلوُه ْم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِفْتَن ٌة َو َي ُك وَن الِّديُن ُك ُّلُه ِلَّلـِه ۚ َفِإِن انَت َهْو ا َفِإَّن
).الَّلـَه ِبَم ا َيْع َم ُلوَن َب ِص يٌر ﴿ )﴾٣٩االنفال
س 5ـ هناك ايضا بيوت هللا جل وعال .ما هو الفارق بين بيوت العبادة هلل جل وعال والمساجد ؟
تأتى البيوت بمعنى المساجد االسالمية فى قوله جل وعال َ ( :و َأْو َح ْي َن ا ِإَلٰى ُم وَس ٰى َو َأِخيِه َأن َت َبَّو آ ِلَق ْو ِم ُك َم ا ِبِم ْص َر ُبُيوًت ا َو اْج َع ُلوا
ُبُيوَتُك ْم ِقْب َلًة َو َأِقيُم وا الَّص اَل َة ) ﴿ ﴾٨٧يونس ) .هذه البيوت التى ُأقيمت فيها الصالة خوف فرعون كانت مساجد .وهللا جل وعال
وصف المساجد االسالمية فى أى زمان ومكان فى قوله جل وعال ِ ( :في ُبُيوٍت َأِذَن الَّلـُه َأن ُتْر َفَع َو ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه ُيَسِّبُح َلُه
ِفيَه ا ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل ﴿ِ ﴾٣٦ر َج اٌل اَّل ُتْلِه يِهْم ِتَج اَر ٌة َو اَل َبْيٌع َع ن ِذ ْك ِر الَّلـِه َو ِإَقاِم الَّص اَل ِة َو ِإيَت اِء الَّز َك اِة ۙ َي َخ اُفوَن َيْو ًم ا َتَت َقَّلُب ِفيِه
.اْلُقُلوُب َو اَأْلْبَص اُر ﴿ِ﴾٣٧لَيْج ِز َيُهُم الَّلـُه َأْح َس َن َم ا َع ِم ُلوا َو َي ِز يَدُهم ِّم ن َفْض ِلِه ۗ َو الَّلـُه َيْر ُز ُق َم ن َي َش اُء ِبَغ ْي ِر ِح َس اٍب ﴿ ﴾٣٨النور )
س : 6المفهوم هنا أن رّو اد هذه المساجد هم رجال .فأين النساء فى التعبد فى المساجد ؟
كلمة ( رجال ) هنا تعنى مترجلين ،مثل قوله جل وعال عن من يقصد الحج من الذكور واإلناث َ ( :و َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج
َ.ي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿ ﴾٢٧الحج )
س : 7هذا عن المساجد العادية بيوت العبادة .فماذا عن المسجد الحرام ؟
يطلق عليه وحده المسجد الحرام ،قال جل وعال ِ ( :إَّن اَّلِذيَن َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل الَّلـِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه
ِللَّن اِس َس َو اًء اْلَع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِد ۚ َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُّن ِذ ْق ُه ِمْن َع َذ اٍب َأِليٍم ﴿ ﴾٢٥الحج ) ،وأيضا (البيت الحرام ) ( ِإَّن الَّص َف ا
َو اْل َمْر َو َة ِمن َش َع اِئِر الَّلـِه ۖ َفَم ْن َح َّج اْلَبْي َت َأِو اْع َت َمَر َفاَل ُج َن اَح َع َلْي ِه َأن َي َّط َّو َف ِبِه َم ا ۚ َو َم ن َت َط َّو َع َخ ْيًر ا َفِإَّن الَّلـَه َش اِك ٌر َع ِليٌم ﴿﴾١٥٨
البقرة ) ( ِإَّن َأَّو َل َبْي ٍت ُو ِض َع ِللَّن اِس َلَّلِذي ِبَب َّك َة ُمَب اَر ًك ا َو ُهًدى ِّلْلَع اَلِميَن ﴿ِ ﴾٩٦فيِه آَي اٌت َبِّي َن اٌت َّم َق اُم ِإْبَر اِهيَم َو َم ن َد َخ َلُه َك اَن
آِم ًن ا َۗو ِلَّلـِه َع َلى الَّن اِس ِح ُّج اْلَبْي ِت َم ِن اْس َت َط اَع ِإَلْي ِه َس ِبياًل ۚ َو َم ن َك َفَر َفِإَّن الَّلـَه َغ ِنٌّي َع ِن اْلَع اَلِميَن ﴿ ﴾٩٧آل عمران) ( َج َع َل الَّلـُه
اْلَك ْع َب َة اْلَبْي َت اْلَح َر اَم ِقَي اًم ا ِّللَّن اِس َو الَّش ْهَر اْلَح َر اَم َو اْلَه ْد َي َو اْلَق اَل ِئَد َٰذ ِلَك ِلَت ْع َلُم وا َأَّن الَّلـَه َيْع َلُم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو َأَّن
ًّل
الَّلـَه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم﴿ ﴾٩٧المائدة )( َو ِإْذ َج َع ْلَن ا اْلَبْي َت َم َث اَب ًة ِّللَّن اِس َو َأْم ًن ا َو اَّت ِخ ُذ وا ِمن َّم َقاِم ِإْبَر اِهيَم ُمَص ى ۖ َو َع ِه ْد َن ا ِإَلٰى ِإْبَر اِهيَم
َ.و ِإْس َم اِعيَل َأن َط ِّهَر ا َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَع اِكِفيَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد ﴿ ﴾١٢٥البقرة)
س ( : 8المسجد ) بالمفرد يكون عن البيت الحرام أو المسجد الحرام و ( مساجد ) بالجمع عن المساجد األخرى .هل هناك
فوارق أخرى ؟
بالمفرد ُت طلق أيضا على غير المسجد الحرام ،يعنى إن كان مسجدا للضالل مسجد ضرار أو مسجدا لإلسالم مؤسسا ) مسجد (
على التقوى ،قال جل وعال َ ( :و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج ًدا ِض َر اًر ا َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب الَّلـَه َو َر ُس وَلُه
َأ ُأ َأ َأ
ِمن َقْب ُل ۚ َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َر ْد َن ا ِإاَّل اْلُحْس َنٰى ۖ َو الَّلـُه َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم َلَك اِذ ُبوَن ﴿ ﴾١٠٧اَل َت ُقْم ِفيِه َب ًدا َّۚلَمْس ِج ٌد ِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ٰى ِمْن َّو ِل َيْو ٍم
َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ۚ ) ﴿ ﴾١٠٨التوبة ) .ولكن المسجد الحرم تأتى أوصافه المتفردة من الحج اليه ،قال جل وعال ِ ( :إَّن اَّلِذيَن
َك َفُر وا َو َيُص ُّدوَن َع ن َس ِبيِل الَّلـِه َو اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم اَّلِذي َج َع ْلَن اُه ِللَّن اِس َس َو اًء اْلَع اِك ُف ِفيِه َو اْلَب اِۚد َو َم ن ُيِر ْد ِفيِه ِبِإْلَح اٍد ِبُظ ْلٍم ُّن ِذ ْق ُه ِمْن
َع َذ اٍب َأِليٍم ﴿َ ﴾٢٥و ِإْذ َبَّو ْأَن ا ِإِلْبَر اِهيَم َم َك اَن اْلَبْي ِت َأن اَّل ُتْش ِر ْك ِبي َش ْي ًئ ا َو َط ِّهْر َبْي ِتَي ِللَّط اِئِفيَن َو اْلَقاِئِميَن َو الُّر َّك ِع الُّسُج وِد ﴿َ ﴾٢٦و َأِّذ ن
ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿ ﴾٢٧الحج ) ،واالتجاه اليه فى الصالة ،قال جل وعال :
َ ().و ِمْن َح ْي ُث َخ َر ْج َت َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْط َر اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم ۚ َو َح ْي ُث َم ا ُك نُتْم َفَو ُّلوا ُو ُج وَه ُك ْم َش ْط َر ُه ) ﴿ ﴾١٥٠البقرة
س : 8مفهوم أن الكفر والشرك فى العبادة وفى القلب يعنى االيمان باهلل جل وعال وااليمان بأولياء وآلهة معه ،وعبادة هللا جل
وعال وتقديس وعبادة أولياء وآلهة معه .وهذا يتجّس د فى المساجد .فيها مساجد يعبد فيها الناس هللا جل وعال ويعبدون غيره ،
يذكرون فيها هللا جل وعال ويذكرون غيره ،يدعون هللا فيها جل وعال ويتوسلون بغيره.هذه المساجد (المختلطة ) كيف تكلم
عنها رب العزة جل وعال فى القرآن الكريم ؟
َٰذ
فى قصة أهل الكهف وعند العثور عليهم قرر المأل أن يقيموا فوقهم مسجدا للتبرك بهم ،قال جل وعال َ ( :و َك ِلَك َأْع َث ْر َن ا َع َلْي ِهْم
ِلَيْع َلُم وا َأَّن َو ْع َد الَّلـِه َح ٌّق َو َأَّن الَّس اَع َة اَل َر ْيَب ِفيَه ا ِإْذ َي َتَن اَز ُع وَن َبْي َن ُهْم َأْمَر ُه ْم ۖ َفَق اُلوا اْب ُن وا َع َلْي ِه م ُبْن َي اًن ا َّۖر ُّبُهْم َأْع َلُم ِبِهْم ۚ َقاَل اَّلِذيَن
َغ َلُبوا َع َلٰى َأْم ِر ِه ْم َلَنَّت ِخ َذ َّن َع َلْي ِه م َّمْس ِج ًدا ﴿ ﴾٢١الكهف ) .وفى هذه المساجد يذكرون هللا جل وعال ويذكرون غيره ،ويرفضون
ذكر هللا جل وعال وحده ،وحين بدأ النبى محمد عليه السالم يدعوهم الى أن تكون المساجد فى مكة هلل جل وعال وحده ثاروا
عليه وكادوا يفتكون به ،جاء هذا فى قوله جل وعال َ ( :و َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿َ ﴾١٨و َأَّن ُه َلَّم ا َقاَم َعْب ُد الَّلـِه
َي ْد ُع وُه َك اُدوا َي ُك وُنوَن َع َلْي ِه ِلَب ًدا ﴿ُ ﴾١٩قْل ِإَّن َم ا َأْد ُع و َر ِّب ي َو اَل ُأْش ِر ُك ِبِه َأَح ًدا ﴿ ﴾٢٠الجن )
س : 9هل هناك فوارق أخرى بين مساجد االسالم ومساجد الشرك والكفر ؟
نعم ،قال جل وعال َ ( :م ا َك اَن ِلْلُم ْش ِر ِكيَن َأن َيْع ُمُر وا َمَس اِج َد الَّلـِه َش اِهِديَن َع َلٰى َأنُفِس ِه م ِباْل ُك ْف ِر ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َح ِبَط ْت َأْع َم اُلُهْم َو ِفي الَّن اِر
ُه ْم َخ اِلُدوَن ﴿ِ ﴾١٧إَّن َم ا َيْع ُمُر َمَس اِج َد الَّلـِه َم ْن آَم َن ِبالَّلـِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخِر َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَت ى الَّز َك اَة َو َلْم َي ْخ َش ِإاَّل الَّلـَه ۖ َفَعَس ٰى ُأوَلٰـ ِئَك
َأن َي ُك وُن وا ِمَن اْلُمْه َت ِديَن ﴿﴾ ١٨التوبة ) .المشركون يتصورون عمارة المسجد بالزخرفة وبالبناء الفخم يتقربون بهذا هللا والى
آلهتهم ويتصورون أن هللا جل وعال يرضى هذا .هذا التعمير المادى أو العمارة المادية ال أهمية لها عند رب العزة جل وعال.
.الذى يرضيه جل وعال تعمير القلوب بالتقوى
س : 10هذا عن الكفر فى العبادة وفى القلب .فماذا عن المسجد لدى الكافرين بالسلوك ،باالعتداء واإلكراه فى الدين وإّت خاذ
المسجد للتآمر ،وهذا هو حال المساجد فى عصرنا ؟
:ذكرها رب العزة جل وعال ،وهى نوعان
ـ نوع يعبر عن الكفر المتعدى الصريح ،ومنه إرهاب المؤمنين ومنعهم من دخول المساجد إال إذا ذكروا فيها غير هللا جل 1
وعال ،أى يمنعون أن تكون المساجد لذكر هللا جل وعال وحده ،وهذا ما جاء فى قوله جل وعال َ ( :و َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد
الَّلـِه َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ٰى ِفي َخ َر اِبَه ا ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإاَّل َخ اِئِفيَن ۚ َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة
َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿ ﴾١١٤البقرة ) .وقد عانيت مع أهل القرآن من هذا فى مصر .ومنه أيضا ما فعلته قريش حين أخرجت المؤمنين
من ديارهم ،وهذا ما جاءت االشارة اليه فى قوله جل وعال فى تشريع القتال الدفاعى ( :اَّلِذيَن ُأْخ ِر ُج وا ِمن ِد َي اِر ِهم ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ِإاَّل
َأن َي ُقوُلوا َر ُّب َن ا الَّلـُه ۗ َو َلْو اَل َد ْف ُع الَّلـِه الَّن اَس َبْع َض ُهم ِبَبْع ٍض َّلُهِّد َم ْت َص َو اِم ُع َو ِبَيٌع َو َص َلَو اٌت َو َمَس اِج ُد ُي ْذ َك ُر ِفيَه ا اْس ُم الَّلـِه
َ.ك ِثيًر ا ۗ َو َلَي نُصَر َّن الَّلـُه َم ن َي نُصُر ُه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿ ﴾٤٠الحج )
ـ النوع الثانى :هو الذى يقوم به المنافقون حين يستخدمون المساجد فى التآمر ،قال جل وعال َ ( :و اَّلِذيَن اَّتَخ ُذ وا َمْس ِج ًدا 2
ِض َر اًر ا َو ُك ْف ًر ا َو َت ْف ِر يًقا َبْي َن اْلُم ْؤ ِمِنيَن َو ِإْر َص اًدا ِّلَم ْن َح اَر َب الَّلـَه َو َر ُس وَلُه ِمن َقْب ُل ۚ َو َلَيْح ِلُفَّن ِإْن َأَر ْد َن ا ِإاَّل اْلُحْس َنٰى ۖ َو الَّلـُه َي ْش َه ُد ِإَّن ُهْم
َلَك اِذ ُبوَن ﴿ ﴾١٠٧اَل َت ُقْم ِفيِه َأَب ًدا َّۚلَمْس ِج ٌد ُأِّس َس َع َلى الَّت ْق َو ٰى ِمْن َأَّو ِل َيْو ٍم َأَح ُّق َأن َت ُقوَم ِفيِه ۚ ِفيِه ِر َج اٌل ُيِحُّب وَن َأن َي َت َط َّهُر وا ۚ َو الَّلـُه
ُيِحُّب اْلُم َّط ِّه ِر يَن ﴿َ ﴾١٠٨أَف َم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َت ْق َو ٰى ِمَن الَّلـِه َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه
ِفي َن اِر َج َه َّن َم ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿ ﴾١٠٩اَل َي َز اُل ُبْن َي اُنُهُم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة ِفي ُقُلوِبِهْم ِإاَّل َأن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم
َ.ح ِكيٌم ﴿ ﴾١١٠التوبة )
س : 11ولكن هذا النوع إنتهى واصبح تاريخا ماضيا ،ألنه حدث فى عهد النبى محمد عليه السالم ،ونهاه هللا جل وعال أن
.يعود اليه ويقوم فيه
فى نفس السياق إشارة بإستعمال الفعل المضارع عن تكرار نفس العمل ،قى قوله جل وعال ( :اَل َي َز اُل ُبْن َي اُنُهُم اَّلِذي َب َن ْو ا ِر يَب ًة
ِفي ُقُلوِبِهْم ِإاَّل َأن َت َقَّط َع ُقُلوُبُهْم ۗ َو الَّلـُه َع ِليٌم َح ِكيٌم ﴿ ﴾١١٠التوبة ) .وقبلها مقارنة بين المسجد االسالمى ومسجد الضرار فى
قوله جل وعال َ( :أَفَم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َت ْق َو ٰى ِمَن الَّلـِه َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأم َّم ْن َأَّس َس ُبْن َي اَن ُه َع َلٰى َش َفا ُجُر ٍف َهاٍر َفاْن َه اَر ِبِه ِفي َن اِر
َج َه َّن َم ۗ َو الَّلـُه اَل َيْه ِدي اْلَق ْو َم الَّظ اِلِميَن ﴿ ﴾١٠٩التوبة ) .هذه قاعدة سارية فى الفارق بين مسجد االسالم ومسجد الضرار .
وأعتبره آية ( إعجازا ) تاريخيا ألن األغلبية الساحقة من مساجد اليوم هى مساجد ضرار ،يدعون فيها غير هللا جل وعال ،
.ويقدسون فيها غير هللا جل وعال وينشرون فيها أحاديث شيطانية تنشر الكفر والتفريق والفتن
! .س : 12نصل الى األهم :مواصفات المسجد االسالمى
هى واضحة من اآليات السابقة .أن يكون المسجد لذكر هللا جل وعال وحده ،األذان بالصالة يكون بإسمه جل وعال وحده دون
ذكر النبى محمد أو أى بشر ،وفيه شهادة االسالم الواحدة ( ال إله إال هللا ) ثم تكون فيه الصالة هلل جل وعال وحده بذكره فيها
وحده تطبيقا لقوله جل وعال ِ ( :إَّن ِني َأَن ا الَّلـُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل َأَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص اَل َة ِلِذ ْك ِر ي ﴿ ﴾١٤طه ) ،وان يكون فيها التوسل
باهلل جل وعال وحده والدعاء اليه وحده ،قال جل وعال َ ( :و َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلـِه َفاَل َت ْد ُع وا َمَع الَّلـِه َأَح ًدا ﴿ ﴾١٨الجن ) .بإختصار
أن يكون المسجد خالصا لرب العزة جل وعال يكون فيه إخالص الدين هلل جل وعال وحده ،قال جل وعال َ (:و َأِقيُم وا ُو ُج وَه ُك ْم
ِ.ع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد َو اْد ُع وُه ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن )( ﴾٢٩االعراف )
س : 12ماذا عن النساء ؟
صالة الجمعة فرض على الرجال والنساء ،لو كانت مقصورة على الرجال ما خاطب هللا جل وعال بها عموم المؤمنين ،قال جل
وعال َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِد َي ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْلُجُمَع ِة َفاْس َع ْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َذ ُر وا اْلَبْيَع ۚ َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿
﴾ ٩الجمعة ) الصالة اليومية فرض على عموم المؤمنين .واالعتكاف فى المساجد ليال ونهارا هو للمؤمنين والمؤمنات ،ولكن
يحرم على الزوجين المباشرة الجنسية وقت االعتكاف فى المسجد ،قال جل وعال َ ( :و اَل ُتَب اِش ُر وُهَّن َو َأنُتْم َع اِك ُفوَن ِفي
اْلَمَس اِج ِد ۗ ِتْلَك ُح ُدوُد الَّلـِه َفاَل َت ْق َر ُبوَها ۗ َك َٰذ ِلَك ُيَبِّي ُن الَّلـُه آَي اِتِه ِللَّن اِس َلَع َّلُهْم َي َّت ُقوَن ﴿ ﴾١٨٧البقرة ) .ويجب على الرجال والنساء
) التزين عند الذهاب الى المسجد ،قال جل وعال َ ( :ي ا َب ِني آَد َم ُخ ُذ وا ِز يَنَتُك ْم ِع نَد ُك ِّل َمْس ِج ٍد ) ﴿ ﴾٣١االعراف
س : 13هل يجوز تسمية المسجد فى االسالم بأسماء أشخاص أو بأسماء مدن ؟
المسجد فى االسالم ال يجوز تسميته بإسم مخلوق من البشر ،ال تقول مسجد فالن .لك أن تقول مدرسة فالن أو شارع فالن .
أو مستشفى فالن ..لكن بيت هللا جل وعال يكون منسوبا اليه جل وعال أو إلسم من أسمائه الحسنى ( مسجد الرحمن ،مسجد
..الرحيم ،مسجد الصمد مسجد الفاطر ) أو لكتابه الكريم ( مسجد الفرقان ،مسجد القرآن )
س : 14هل يجوز أن تكون للمسجد مهام أخرى مثل التعليم والتداوى ،ألن المساجد اليوم أصبحت مؤسسات فيها دروس
خصوصية وفيها مستشفيات ودور للرعاية االجتماعية ؟
المساجد هى لعبادة هللا جل وعال دون أى عمل إقتصادى أو نفعى .لنتذكر قوله جل وعال َ ( :ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُنوِد َي
ِللَّص اَل ِة ِمن َيْو ِم اْل ُجُمَع ِة َفاْس َعْو ا ِإَلٰى ِذ ْك ِر الَّلـِه َو َذ ُر وا اْلَبْيَع َٰذ ِلُك ْم َخ ْيٌر َّلُك ْم ِإن ُك نُتْم َت ْع َلُم وَن ﴿َ ﴾٩فِإَذ ا ُقِض َي ِت الَّص اَل ُة َفانَت ِش ُر وا ِفي
اَأْلْر ِض َو اْب َت ُغ وا ِمن َفْض ِل الَّلـِه َو اْذ ُك ُر وا الَّلـَه َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ﴿َ ﴾١٠و ِإَذ ا َر َأْو ا ِتَج اَر ًة َأْو َلْهًو ا انَفُّض وا ِإَلْيَه ا َو َت َر ُك وَك َقاِئًم ا ُقْل
َم ا ِع نَد الَّلـِه َخ ْيٌر ِّم َن الَّلـْه ِو َو ِمَن الِّت َج اَر ِة َو الَّلـُه َخ ْيُر الَّر اِز ِقيَن ﴿ ﴾١١الجمعة ) .هذا فصل تام بين دور المسجد التعبدى وما فى
.الدنيا من تجارة أو لهو .ولنتذكر أن مساجد الضالل والضرار يتخذونها لممارسة اللغو واللهو واللعب والتغنى بالقرآن الكريم
س : 15ماذا عن إقامة عمل خيرى داخل المسجد ؟
هذا يشغل الناس عن التعبد فى المسجد بذكر هللا جل وعال .يمكن أن تكون لهذه األنشطة الخيرية مؤسساتها المنفصلة
.والمستقلة
س : 16ماذا عن تحفيظ القرآن الكريم فى المسجد ودراسته وتدبره ؟
.تدخل ضمن أنواع الذكر فى المسجد .ال تنس أن من أسماء القرآن ( :الذكر ) وأن التدبر ودراسة القرآن عبادة
س : 17ولكن التجارة وتبادل المنافع جائزة فى الحج عند المسجد الحرام
البيت الحرام فى واد ليس فيه زرع ،قال جل وعال َّ( :ر َّب َن ا ِإِّن ي َأْس َك نُت ِمن ُذ ِّر َّي ِتي ِبَو اٍد َغ ْي ِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْي ِتَك اْلُمَح َّر ِم َر َّب َن ا
ِلُيِقيُم وا الَّص اَل َة َفاْج َع ْل َأْف ِئَد ًة ِّم َن الَّن اِس َت ْه ِو ي ِإَلْي ِهْم َو اْر ُز ْق ُهم ِّم َن الَّث َمَر اِت َلَع َّلُهْم َي ْشُك ُر وَن ﴿ ﴾٣٧ابراهيم ) وُي جبى اليه ثمرات كل
شىء ،وهذا مما إمتّن هللا به جل وعال على قريش ،قال جل وعال َ( :أَو َلْم ُنَم ِّك ن َّلُهْم َح َر ًم ا آِم ًن ا ُيْج َب ٰى ِإَلْي ِه َث َمَر اُت ُك ِّل َش ْي ٍء ِّر ْز ًقا
ِّم ن َّلُد َّن ا ) ﴿ ﴾ ٥٧القصص ) .أى يأتى الناس باألنعام وغيرها لتباع فى مكة ،ومن ضمنها حيوانات الهدى التى يتقرب الحجاج
بذبحها .هللا جل وعال قال عن األنعام َ ( :و اَأْلْن َع اَم َخ َلَق َه ا ۗ َلُك ْم ِفيَه ا ِد ْف ٌء َو َم َن اِفُع َو ِم ْن َه ا َت ْأُك ُلوَن ﴿ ﴾٥النحل ) .ومن منافعها فى
الحج الى البيت الحرام قوله جل وعال َ ( :و َأِّذ ن ِفي الَّن اِس ِباْلَح ِّج َي ْأُتوَك ِر َج ااًل َو َع َلٰى ُك ِّل َض اِم ٍر َي ْأِتيَن ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِميٍق ﴿
ِّ ﴾٢٧لَي ْش َه ُدوا َم َن اِفَع َلُهْم َو َي ْذ ُك ُر وا اْس َم الَّلـِه ِفي َأَّي اٍم َّمْع ُلوَم اٍت َع َلٰى َم ا َر َز َقُهم ِّم ن َب ِه يَم ِة اَأْلْن َع اِم ۖ َفُك ُلوا ِم ْن َه ا َو َأْط ِع ُم وا اْلَب اِئَس
.اْلَف ِقيَر ﴿َ ( ، ) ﴾٢٨لُك ْم ِفيَه ا َم َن اِفُع ِإَلٰى َأَج ٍل ُّمَس ًّم ى ُثَّم َم ِحُّلَه ا ِإَلى اْلَبْي ِت اْلَع ِتيِق ﴿ ﴾٣٣الحج ) .هذا خاص بالحج للبيت الحرام
الفصل السادس عشر :من التواتر الشيطانى :إبتداع وإستمرار صالة العيدين
:مقدمة
مصطلح ( عيد ) لم يأت عن الصالة مطلقا .حين طلب الحواريون من عيسى عليه السالم مائدة من السماء دعا ربه جل وعال
فقال َ( :قاَل ِع يَس ى اْب ُن َمْر َي َم الَّلـُهَّم َر َّب َن ا َأنِز ْل َع َلْي َن ا َم اِئَد ًة ِّم َن الَّس َماِء َتُك وُن َلَن ا ِع يًدا َأِّلَّو ِلَن ا َو آِخِر َن ا َو آَي ًة ِّم نَك ۖ َو اْر ُز ْق َن ا َو َأنَت َخ ْيُر
الَّر اِز ِقيَن ﴿ ﴾ ١١٤المائدة ) .ومع انها آية ( معجزة ) هائلة فلم تتحول الى مناسبة دينية ،أى لم تصبح عيدا يحتفل الحواريون
.بذكراه شكرا لرب العزة جل وعال ،بل تم تناسيه
ليس فى دين هللا جل وعال أعياد .األعياد توجد فى حياة البشر االجتماعية ،وال بأس فى هذا .ولكن أن تصبح األعياد دينا فهذا
ملمح من مالمح األديان األرضية القائمة على اللهو واللعب ،وتتكاثر فيها أعياد لآللهة وغيرها .العبادات االسالمية تقوم على
الخشوع والتضرع واإلخبات .ولكن تحكم الخلفاء والسالطين فى الحياة الدينية والمساجد والصالة ،أعطاهم الفرصة لتحويل
الدين الى لهو ولعب وإحتفاالت بمثل ما كان سائدا فى البيئات النهرية من قبل .لذا أضافوا الى صالتهم الشيطانية صلوات فى
مناسبات ،أهمها صالة العيدين وما تبعها من من ( المولد النبوى ) تقليدا لعيد الميالد المجيد وموالد األولياء متابعة ألعياد
.القديسين ..الخ . ..ونعطى عن صالة العيد لمحة تاريخية
البداية
ـ إخترعوا حديثا رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى يزعم ( :أن بالل كان "يحمل العنزة بين يدي رسول هللا يوم العيد 1
واالستسقاء( "..ابن سعد .)7/2/112ومع هذا فلم ترد فى الطبقات الكبرى البن سعد تفصيالت عن كيفية صالة العيد فى عهد
.النبوة ،وان تكاثرت األخبار عنها فى الكتب الفقهية تحمل الكثير من التنظير
ـ الذى جاء فى المصادر التاريخية يفيد بأن األمويين هم الذين احتفلوا بصالة العيد وجعلوا لها آذانا وخطبة مثل صالة الجمعة 2
،وكان الغرض سياسيا ،بالطبع ،خاصة وهم الذين كانوا يتهاونون فى الصالة المفروضة الواجبة ،وال يهتمون فى صالة
الجمعة اال بالتطويل فى الخطبة التى حولوها الى منشور سياسي دعائي .تقول الروايات ان زياد بن ابيه حاكم العراق فى عهد
معاوية هو أول من جلس على المنبر فى العيدين وجعل لهما آذانا (الوافي بالوفيات ، )13/ 15وهناك رواية أخرى تقول ان
بشر بن مروان – أخ عبد الملك بن مروان – حاكم العراق هو أول من أحدث اآلذان للعيد فى الكوفة " :فأكبر الناس ذلك
وأعظموه " أى احتجوا عليه ،وقد توفى بشر بن مروان سنة 75هـ ( الوافى بالوفيات ، )10/153يعزز ذلك رأى ابن ابي
شيبة الذى يقول :أول من أحدث اآلذان في عيدي الفطر واألضحى بنو مروان ،عبد الملك أو أحد من أوالده (السيوطي تاريخ
.الخلفاء )248
وهناك آراء أخرى تقول انه معاوية اول من أحدث اآلذان فى العيد وينسب هذا الرأى لسعيد بن المسيب ،ورأى آخر منسوب
للزهري يقول :أول من أحدث الخطبة فى صالة العيد هو معاوية " (السيوطي ك نفس المرجع . )317فى كل األحوال فإنهم
.إخترعوا العيد وصالة العيد وجعلوها صالة عامة فى المسجد وجعلوها كصالة الجمعة فى اآلذان وفى الخطبة
ـ واشتهر عمر بن عبد العزيز بطقوس خاصة فى صالة العيد .فكان فى عيد الفطر يدعو أصحابه صباحا ليفطر معهم بتمر 3
من "صدقة رسول هللا" أو "كان يأكل شيئا قبل ان يغدوا الى صالة العيد" وكان يمشى الى المصلى ثم يصعد الى المنبر فيكبر
سبع تكبيرات تترى ،ثم يخطب خطبة خفيفة ،ثم يكبر فى الثانية خمسا ،ثم يخطب خطبة أخف من األخرى ،يقول الرواي :
رأيته أتي بكبش فى المصالة .فذبحه بيده ،ثم أمر بقسمته و لم يحمل الى منزله منه شيئ " ويقول آخر " سمعت عمر بن عبد
العزيز يجهر بالتكبير حتي يسمع آخر الناس ،مع األولى سبعا ثم يقرأ ،وفى اآلخرة خمسا ثم يقرأ فى األولى ( ق و القرآن
المجيد) ،وفى الثانية "اقتربت الساعة وانشق القمر ) ،وكان يدعو من كل تكبيرتين بحمد هللا ويكبر وصلي على النبي (ابن
.سعد )5/267
.ـ وبمجيء الدولة العباسية قامت بتغيير جزئي فيما ابتدعته األمويون فى صالة العيد 4
فى موسوعة "نهاية األرب" فى الجزء الثاني والعشرين وفى الحديث عن ظهور الدعوة العباسية فى خراسان سنة 129يذكر
النويري انه بعد تجمع أنصار الدعوة العباسية وحلول عبد الفطر أمر أبو مسم الخراساني (قائد الجيش الذى دمر فيما بعد
الدولة األموية) سليمان إبن كثير رئيس الدعاة السريين ان يصلي به وبالشيعة (ومصطلح الشيعة فى ذلك الوقت كان يعني
اتباع الدعوة للرضى من آل محمد ،وكان مفهوما انه من ذرية على ابن ابي طالب ،ولم يكن يعرف احد من الشيعة ان األمر قد
تحول لذرية ابن عباس) ،وأمره أن يبدأ بالصالة قبل الخطبة بغير آذان وال إقامة .وأمره ايضا ان يكبر ست تكبيرات تباعا .ثم
يقرأ ويركع بالسابعة .ويكبر فى الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا ،ثم يقرأ ويركع بالسادسة ،ويفتتح الخطبة بالتكبير
ويختمها بالقرآن /وكان بنوا أمية يكبرون وفى األولى أربع تكبيرات وفى الثانية ثالثا( .نهاية األرب .)22/20المفهوم من هذه
الرواية ان كبير الدعاة :سليمان ابن كثير تلقى أوامر من القائد العسكري والسياسي للحركة العباسية بكيفية صالة العيد وعدد
التكبيرات وموقع الخطبة ،بما يخالف "السنة األموية" .و "السنة األموية" نفسها اختلفت مع نفسها ،اذ كان عمر بن عبد
العزيز يكبر ( اي يقول هللا اكبر) سبع مرات فى الركعة األولى ،وخمس تكبيرات فى الثانية ،ثم نزل التخفيض بعده فأصبحت
.أربع تكبيرات فى األولى وثالثا فى الثانية
ـ وحين تولى الخليفة المعتضد العباسي سنة 240صلي بالناس صالة عيد األضحى فكبر فى األولى ستا وفى الثانية واحدة 5 .
ولم تسمع منه الخطبة (تاريخ الخلفاء للسيوطي )590
ونرجع للسيوطي فى تاريخه ( تاريخ الخلفاء) لنراه يسجل ان صالة العيد أقيمت ألول مرة فى جامع مصر (الفسطاط) سنة 302
ولم يكن يصلي فيها العيد قبلها ،وحدث ان خطب العيد الشيخ على بن شيخه ،وفى هذه الخطبة األولى للعيد فى مصر حدث خطأ
هائل ألن الخطيب قرأ قوله تعالى "اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن اال وانتم مسلمون" فقال " وال تموتن اال وانتم مشركون"
(تاريخ الخلفاء .) 607اى ان مصر بعد الفتح لم تعرف صالة العيد فى عصر الخلفاء الراشدين او االمويين او العصر العباسي
.األول
ــ ويصف ابن الصيرفى بعض مظاهر االحتفال الرسمي بعيد الفطر ،876يقول عنه ( :أهّل بيوم األربعاء ،ويوافقه من أيام 1
الشهور القبطية خمس عشر برمهات ،وهذا أول يوم من الربيع .فيه صعد قضاة القضاة إلى السلطان فصلوا صالة العيد باإليوان
الذى جّد ده بالقرب من باب القصر .وكنت في خدمة قاضى القضاة الحنفي .ودخلت القصر ،فحضر السلطان ،وكان له موكب
عظيم ،الجاويشية تزعق واألوزان تضرب ،والنشابه السلطانية والصنوج وأمثال ذلك ،والعسكر واألمراء األكابر خلفه ،وهم
األمير جانبك قلقسيز أمير سالح واألمير الجين أمير مجلس واألمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير أخور واألمير تمر حاجب
الحجاب ،واألمراء أزدمر الطويل واألمير قراجا الطويل واألمير قانصوه المحمودى واألمير سودون ،وبقية العسكر .واألمراء
يقبلون يد السلطان ،وأمير جندار وأمير داودار ثانى يمسكانهم حتى يقبلوا يد السلطان .ودخل قضاة القضاة بعد لبس خلعهم
وهّن وه فقام لهم ،ولم يقم ألحد من الترك (المماليك) في هذا المجلس سوى لألمير جانبك اإلينالى الشرفي الشهير بقلقسيز نصف
.قومة .ودخل المباشرون وبقية العسكر فهّن وه وقّب لوا األرض وباسوا يده ،وانصرفوا على ذلك .وهللا مالك الممالك).
وواضح مما سبق أن السلطان جعل لعيد الفطر احتفاًال موسيقيًا عسكريًا ،وإن لم يخل من تقديس فرضته الطقوس المملوكية
وباركته الشريعة الّس نية في تقبيل األرض بين يدى السلطان ،أى كانوا يسجدون سجودَا كامًال أمام السلطان ،وقد كان ذلك يحدث
دائمًا وفي أثناء المناسبات الدينية وبعد أن سجدوا هلل تعالى في صالة العيد ،جاءوا ليسجدوا للسلطان ويقبلوا األرض بين يديه،
وأحيط ذلك بطقوس مملوكية حربية من دق الصاجات والطبول وصراخ الجاويشية لترتجف القلوب وهى تدخل ذلك اإليوان
.الجديد الذى بناه السلطان
ـــ وكان ذلك يحدث بالطبع في صالة عيد األضحى ،إال أن عيد األضحى تميز بأنه عيد األضحية ،حيث يقوم السلطان بذبح 2
األضاحي وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة ،وكان الرؤساء واألمراء يقلدون السلطان في ذلك .وفي عيد
األضحى 873كان السلطان في فارسكور ،فلم يتم توزيع األضاحي في القاهرة بسبب غياب السلطان ،وكان ذلك من أسباب
الهم والغم في القاهرة ،يقول مؤرخنا يعبر عن حزنه وحزن اآلخرين ( :هذا والناس بالقاهرة في أمر مريج وقلق عظيم لعظم
الغالء ومخافة السبل والطرقات ،والمصيبة العظمي حزنهم على من مات لهم بالطاعون قبل تاريخه ،والزيادة على ذلك قطع
( أى منع ) أضاحى الناس لسفر السلطان ألن المباشرون قطعوا ( منعوا ) غالب األضحية ،ولم يفرق أحد في هذه السنة من
الرؤساء واألمراء شيئًا من األضاحي اقتداءًا بغيبة لسلطان نصره هللا ،وكان هذا العيد أشبه شيء بالمأتم لما طرق الخلق من
الحزن والكآبة وقبض الخاطر ،وافتقر بسبب هذا الغالء خالئق من األعيان وغيرهم لطول مكثه .) .أى ألّن السلطان بالديار
.المصرية أى باألقاليم فلم يجد ابن الصيرفي في العيد إال مأتمًا ألن السلطان غائب وأضحياته ضاعت فضاعت بهجة العيد
ـ وفي عيد األضحى 875فّر ق السلطان األضحية على المستحقين من أرباب الوظائف ،وخلع السلطان على ناظر الخاص 3
الذى قام بتفرقة األضحية ( ،وشكر الناس ودعوا للسلطان بسبب ذلك .).وفي عيد األضحى 875سافر األمير قانصوه الخسيف
من القاهرة ،ويعلق مؤرخنا على ذلك فيقول ( :كأنه هرب من تفرقة األضحية ،وفرق السلطان نصره هللا ،األضحية على
المماليك السلطانية وغيرهم ،فجزاه هللا خيرًا .).وفي عيد األضحى 885فّر ق السلطان األضاحي ،يقول مؤرخنا ( :وذبح فيه
السلطان .ونحر ذبائح عظيمة وفّر ق فيه من قبله أضاحي من أول هذا الشهر بجمل من األموال ،ولم يعط المباشرون فيه ألحد
عادته كما رسم لهم ،) .أى أن السلطان كان يوكل للمباشرين تفرقة األضاحى ،ويقوم المباشرون باختالس األضحية وحرمان
.المستحقين .وهى عادة مصرية سيئة
الدعم ال يصل إلى مستحقيه :ويقول مؤرخنا يعطي تفصيالت أكثر (:وُفّر قت أضحية السلطان ــ نصره هللا ـــ في هذه السنة
بحضوره في الحوش السلطانى على الخاص والعام ،من أمير المؤمنين ( الخليفة العباسى الذى كان يقيم فى القاهرة ) دام
شرفه ،وقضاة القضاة ،حتى إلى اليتيم واألرملة والضعيف والفقير والفقية والعاجز والمسكين .وذلك بوصية السلطان في
ذلك .) .وهذا كالم جميل يطمئننا على أن الفقراء أكلوا لحمًا فى ذلك العيد ،ولكن ال يلبث مؤرخنا أن يناقض نفسه فيقول :
( غير أن الفقهاء والفقراء يقاسون من ديوان الخاص من الشدائد والتعب أمرًا عظيمًا ،وذاك أن المتكلم في هذه السنة في
وظيفة الخاص وكيل السلطان عالء الدين إبن الصابوني رسم له السلطان أن ال يعّو ق أحدًا ،فصاروا يأخذون الوصول،ثم
يأخذون خط ابن الصابوني ثم يتوجهون إلى الصيرفي فال يعطيهم إال فلوسًا .وأما أصحاب الجاه األقوياء فيأخذون ذهبًا وفضة
وغنمَا ،بل ويرسلون إلى بيتهم من غير مطالبة .) .كانوا يصرفون الدعم في وصل أو بطاقة يتسلمها أحدهم وعليها توقيع
وكيل السلطان ابن الصابوني ،ويذهب بالوصل إلى الموظف المختص بالصرف ،فإذا كان صاحب الوصل فقيرًا صرف له قليًال
من الفلوس ،أما إذا كان من أصحاب الجاه وذوى النفوذ أخذ بذلك الوصل الذهب والفضة والغنم ،بل أرسلوه إلى بيته بدون أن
يحضر إلى الصّر اف.إّن ها (الدولة العميقة) فى مصر!.العميقة العريقة فى فسادها وتسّلطها وتحكم كبار موظفيها فى الشعب
.المسكين .ومن سّن تها أن يذهب الدعم إلى غير مستحقيه
أخيرا
ومع ذلك فإن هذه البدعة ( صالة العيد ) ال تزال فريضة مرعية الجانب لصلتها باالستغالل السياسي ..ويحرص الفرعون
المصري على حضور صالة العيدين ،وفى المقابل فإن أتباع التيار الديني الوهابي السياسي ( االخوان المسلمين) يحرصون من
جانبهم على تأدية صالة العيد ،وألنهم خارج السلطة فإنهم يحرصون على تأدية صالة العيد فى الخالء ،الستعراض القوة
..ولجذب االنتباه ،ونشر النفوذ وكسب المزيد من االتباع
:أوال
.ـ من العادات البشرية ما يعرف بتأبين الميت قبل دفنه 1
وإسالميا فالصالة على الميت هى مجرد الوقوف على قبرة والدعاء له .الصالة ( على ) الميت هى دعاء له بعد الدفن قبره2 : ،
وليست لها كيفية معينة .مجرد الوقوف بخشوع ثم الدعاء للميت أن يرحمه هللا جل وعال.هذا الدعاء ال يفيد الميت ألن منزلته
.قد تحددت فعال وتم تبشيره بالجنة أو النار حسب عمله وإيمانه .هذه الصالة يكتسب ثوابها من يصليها فى دعائه هلل جل وعال
ـ وكان النبى محمد عليه السالم يدعو لكل من مات فى عهده من أهل المدينة ،ونهاه هللا تعالى عن أن يقوم داعيا مصليا على 3
بعض المنافقين المعروفين لديه والذين قال هللا تعالى أنه لن يغفر لهم ،ألنهم سيظلون على كفرهم إلى الموت .ونتتبع
.موضوعهم قرآنيا
قال جل وعال عن أولئك المنافقين بالذات ( :اَّلِذيَن َي ْلِم ُز وَن اْلُم َّط ِّو ِع يَن ِمَن اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِفي الَّص َد َقاِت َو اَّلِذيَن اَل َي ِج ُدوَن ِإاَّل 3 / 1 :
ُجْه َدُه ْم َفَيْس َخ ُر وَن ِم ْن ُهْم ۙ َس ِخَر الَّلـُه ِم ْن ُهْم َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم﴿ ﴾٧٩التوبة ) أى لم يقتصروا فقط على االمتناع عن االنفاق التطوعى
.فى سبيل الجهاد بل كانوا يسخرون من المتبرعين المؤمنين سواء كانوا فقراء أو أغنياء
اْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َأْو اَل َت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم ِإن َت ْس َت ْغ ِفْر َلُهْم َس ْب ِعيَن َمَّر ًة َفَلن َي ْغ ِفَر الَّلـُه َلُهْم ۚ َٰذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َك َف ُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه ۗ َو الَّلـُه اَل ( 3 / 2 :
أى ال فائدة من أن يستغفر لهم النبى محمد عليه السالم ألنهم كفروا وسيظلون على َ ) .يْه ِدي اْلَق ْو َم اْلَفاِس ِقيَن ﴿ ﴾٨٠التوبة
.كفرهم حتى موتهم ،هكذا اخبر عالم الغيب جل وعال
َفِر َح اْلُم َخ َّلُفوَن ِبَم ْق َع ِدِه ْم ِخاَل َف َر ُس وِل الَّلـِه َو َك ِر ُهوا َأن ُيَج اِهُدوا ِبَأْم َو اِلِهْم َو َأنُفِس ِهْم ِفي َس ِبيِل الَّلـِه َو َقاُلوا اَل َت نِفُر وا ِفي ( 3 / 3 :
اْلَح ِّر ۗ ُقْل َن اُر َج َه َّن َم َأَش ُّد َح ًّر ا ۚ َّلْو َك اُنوا َي ْفَق ُهوَن ﴿َ ﴾٨١فْلَيْض َح ُك وا َقِلياًل َو ْلَيْب ُك وا َك ِثيًر ا َج َز اًء ِبَم ا َك اُن وا َي ْك ِس ُبوَن ﴿َ ﴾٨٢فِإن َّر َج َع َك
الَّلـُه ِإَلٰى َط اِئَف ٍة ِّم ْن ُهْم َفاْس َت ْأَذ ُنوَك ِلْلُخ ُر وِج َفُقل َّلن َتْخ ُرُج وا َم ِع َي َأَب ًد ا َو َلن ُتَقاِتُلوا َم ِع َي َع ُد ًّو ا ِۖإَّنُك ْم َر ِض يُتم ِباْلُقُع وِد َأَّو َل َمَّر ٍة َفاْق ُع ُدوا
هم فرحوا بتخلفهم عن القتال الدفاعى فكان جزاؤهم منعهم من االشتراك مستقبال فى العمل الدفاعى َ ).مَع اْلَخ اِلِفيَن ﴿ ﴾٨٣التوبة
،ثم الجزاء اآلخر هو منع النبى من أن يقوم على قبر أحدهم داعيا مستغفرا له ،قال جل وعال َ (:و اَل ُتَص ِّل َع َلٰى َأَح ٍد ِّم ْن ُهم َّم اَت
َأَب ًدا َو اَل َت ُقْم َع َلٰى َقْب ِر ِه ۖ ِإَّن ُهْم َك َفُر وا ِبالَّلـِه َو َر ُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن ﴿ ﴾٨٤التوبة )
:ثانيا
ـ الطقوس فيما يعرف بصالة الجنازة وطقوس الجنازة نفسها هى عادات اجتماعية متوارثة متواترة فى األديان األرضية بما 1
فيها كلمات التلقين ،وهم يفترضون ان الميت حُّى فى قبره يسمعهم ويتعلم منهم ،وهم يلقنونه أو ( يغششونه ) فى االمتحان
عندما يأتى المتحانه االستاذ (منكر) واألخ ( نكير ) ،وبعدها يكون القبر بزعمهم حفرة من حفر النار او روضة من رياض
الجنة .وال عزاء لمن يسقط فى البحر غريقا ُ (..طّظ ) فيه .طقوس الجنازة تختلف فى طرافتها وخرافاتها لدى كل الشعوب
والثقافات واألديان األرضية ،ولكنها أكثر إضحاكا عند المحمديين واألقباط المصريين ،ألنها متوارثة لديهم من عصر االعتقاد
.فى ايزيس واوزوريس .وانتشرت من مصر الفرعونية الى ما حولها
ـ فى تاريخ المسلمين صنعوا حديثا نسبوه للنبى محمد عليه السالم أنه قال فى جنازة حبيب بن معلمه النهرى " صلوا على 2
أخيكم واجتهدوا فى الدعاء له ،وليكن من دعائكم له :اللهم اغفرلهذه النفس الحنيفية المسلمة واجعلها من الذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقها عذاب الجحيم " ( ابن سعد . ) 155 ، 2 ، 7وقالوا أن سورة ( يـــس ) إذا قرئت عند المريض ى احتضاره خفف
هللا بها عنه ( ابن سعد .) 154 ، 2 ، 7هذا كله تشريع يتبع دينا ارضيا يحول الموروثات االجتماعية الى دين .وينضح
.بالكذب واالفتراء
ـ ولهذا تحتضن الكنائس ومساجد المحمديين صالة الجنازة ،ويكون عقاب المغضوب عليه فى الكنيسة حرمانه عند موته من 3
خدمات الجنازة فى الكنيسة , ،اذكر إن القس ابراهيم عبد السيد كان أكبر معارض للبابا شنودة ،وحين مات حرمه البابا شنودة
من خدمات الكنيسة ،وحضرت هذه الماساة بنفسى متعجبا كيف يسمحون لشخص أن يتحكم فى أتباعه فى حياته وفى موته !!.
.وهو نفس الشىء تقريبا فى كهنوت المحمديين فى حرمان من يخرج عن دينهم من الدفن فى ( مقابر المسلمين ) .كل هذا
هجص فى هجص فى هجص .فالنفس عند الموت تعود الى برزخها الذى أتت منه ،ويبقى الجسد الميت جيفة نتنة يجب دفنها
.وتغيبها فى جوف األرض لتحلل بعيدا عن الناس إكراما لمن كان صاحب هذه الجثة
:ثالثا :لمحة عن طقوس الجنازة فى مصر العصر المملوكى
المؤرخ ابن الصيرفى سجل أحداث عصره فىة سلطنة قايتباى فى كتابه (إنباء الهصر بأبناء العصر ) ونقتطف منه ما سجله
:عن مشاهداته فى بعض الجنازات نضعه تحت عناوين
الجنازة الحافلة والجنازة ب ( الفقيرى )
:ـ إذا كان من األعيان كانت جنازته حافلة يحضرها قضاة القضاة وأعيان الموظفين واألمراء وربما السلطان نفسه 1
يقول مؤرخنا يصف جنازة القاضى برهان الدين (في 9محرم ( )876كانت له جنازة حافلة حضرها قضاة القضاة 1 / 1 :
ومشايخ اإلسالم وأعيان الرؤساء والمباشرون ،ومشى غالبهم في الجنازة من المؤيدية (أى الخانقاة المؤيدية وكان شيخًا لها)
إلى سبيل المؤمني ،وركب السطان ونزل إليه حتى صلى عليه ،وتقدم للصالة عليه قاضى القضاة ولى الدين أحمد األسيوطى
.الشافعي) .
وفي جنازة األمير سيف الدين يشبك ( : 876حضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصلى عليه هو واألمراء الموجودون 1 / 2 :
.واألكابر واألعيان والقضاة ومشايخ اإلسالم).
وحدث نفس الشيء في وفاة خوند مغل وخوند فاطمة بنت الظاهر ططر ،بل حتى في وفاة ابن األتابكي أزبك ،وهو طفل 1 / 3 :
عمره سنتان ،فقد كان من الحاضرين القضاة والمشايخ واألمراء واألعيان ،يقول مؤرخنا (:وكانت له جنازة حافلة) ،وكيف ال؟
وأبوه األتابك قائد الجيش المملوكى وجده ألمه الظاهر جقمق .أى ( إبن أكابر) ،أو بتعبير العصر المملوكى وعصرنا (:إبن
.ناس )
وقد يكون المتوفى سيء الحظ مغضوبًا عليه قبل وفاته مثل ابن الكويز الذى كان له جنازة بالفقيرى على حد قول ابن 2 :
.الصيرفي.أى مغموسة بالفقر ..والفقير ُم هان فى حياته وفى جنازته
خطبة نفاق وأكاذيب فى تأبين الميت
ـ وبعد الصالة على المتوفي يتطوع أحدهم ويرتجل خطبة يثني فيها على المتوفي ويشيد بمحاسنه حتى لو كان من أفجر 1
.الناس ،وغالبًا ما يكون أرباب المناصب كذلك ،ولكنهم في العادة يريدون االستحواذ على اآلخرة كما استحوذوا على الدنيا
ـ في جنازة القاضى (الفاسد ) برهان الدين ،وقف كاتب السر بعد الصالة عليه وأثني عليه خيرًا ،يقول مؤرخنًا يصف ما 2
حدث ( :وشكر رئيس الدنيا ابن مزهر األنصاري كاتب السر حفظه هللا على المسلمين بين يدى السلطان ،وأثنى عليه بحضور
السلطان وقضاة القضاة ومشايخ اإلسالم ووصفه بالعفة والديانة والنظر السديد في األمور .).مع أن هذا القاضى المتوفى كان
نموذجًا فريدًا للغدر والنذالة ،فقد غدر بأخيه قاضى القضاة سعد الديرى الحنفي حين كان كاتب السر للسلطان خشقدم ،ولكن
صاحبنا نسى أفضال أخيه عليه وصعد للسلطان يخبره بأن أخاه ذهل وعجز عن القضاء ،ووعد بدفع رشوة قدرها ثمانية آالف
دينار عّج ل منها بخمسة ليعزل السلطان أخاه ويوليه مكانه ،وتم له ما أراد ،يقول مؤرخنا ابن الصيرفى (:فحصل ألخيه منه
حصر زائد .).وبعد أن مات ذلك القاضى النذل تناسوا أفعاله الذميمة ووصفوه في جنازته بالعفة والديانة والنظر السديد.
والمضحك أن كاتب السر كان يعرف نذالته وفساده وكان يتحدث عنه بهذه الشهادة الزور أمام أولئك الذين يعرفونه ،ومنهم
مؤرخنا ابن الصيرفي الذى نستقي منه تلك المعلومات .فتلك سنتهم القائمة على الكذب والتزوير مع معرفتهم بأنه كذب
وتزوير .يتطوعون بالشهادات الزور أمام رب العزة عند موت أحدهم فيكذبون فى وصفه طبقا للّس نة الكاذبة التى تزعم
أحاديثها أن الثناء على الميت من أسباب دخول الجنة مهما فعل .والمثل الشعبي في العصر المملوكي يعكس هذه الثقافة حين
كان يقول ساخرا ( :بعد ما راح المقبرة بقي في حنكه سكرة ) .ولعل ذلك المثل البليغ قد صيغ ليعبر عن ذلك النفاق الدينى
.االجتماعى
:ــ وأصبحت عبارة ( :وأثنوا عليه خيرا ) تأتى مرادفة لتفصيالت وقائع الجنازة 3
ففي وصف جنازة األمير سيف الدين يشبك ،يقول مؤرخنا ( :فحضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصّلى عليه هو 3 / 1 :
.واألمراء الموجودون واألكابر واألعيان والخاصكية وقضاة القضاة ومشايخ اإلسالم ،وأثنوا عليه خيرًا) .
ويقول عن جنازة الشيخ أحمد بن مظفر ( 876وممن حضر جنازته ودفنه شيخنا الشيخ أمين الدين األقصرائي وأثنوا3 / 2 :
.عليه خيرًا).
ويقول عن ابن إمام الكاملية ت ( : 876كانت له جنازة حافلة وأثنوا عليه خيرًا ) ،وعن ابن الميقاتي( :كان له مشهد 3 / 3 :
.عظيم وأثنوا عليه ثناءًا حسنًا).
.وعن ابن قمر ( :وكانت له جنازة شهدها الفضالء والطلبة وأثنوا عليه خيرًا 3 / 4، ).
وعن شمس الدين األمشاطي ( :وكانت جنازة حافلة مشهودة حضرها الفضالء والعلماء والمشايخ واألعيان وكثر الثناء 3 / 5 :
.عليه )
وعن الشيخ سراج الدين العبادي شيخ الشافعية"( :كان له جنازة عظيمة حضرها قضاة القضاة ومشايخ العلماء 3 / 6 :
.والطلبة والفقهاء والمباشرون واألعيان وبعض األمراء ،وكثر الثناء عليه والترحم والذكر الجميل).
ـ ولو صّد قنا أّن كل أولئك كانوا يستحّق ون الثناء الجميل لكان علينا أن نرفض معظم ما قاله ابن الصيرفى فى أحداث عصره 4
وأفعال أهل عصره التى جمعت كل الجرائم والموبقات والفساد .ومن الواضح أن المتخّص صين فى التزوير من علماء الدين
والقضاة كانوا هم الذين يقومون بمهمة قول الثناء الحسن وذكر محاسن الموتي ،أى يبدأ أحدهم حياته بالنفاق والزور ،ثم
.تشيعه فى دفنه عبارات النفاق والزور
:أماكن الصالة على الميت فى القاهرة المملوكية
وكان يتم الصالة على الميت في سبيل المؤمني أو في مصلى باب النصر ،ويتم دفن الميت في تربة أسالفه .ولكن فى ظروف
:الوباء وتزايد الموتى تتكاثر أماكن الصالة على الموتى .حتى تصل الى 17مصلى .وننقل من ابن الصيرفى
ـ فى شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة .وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع اإلحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من الطاعون1 .
في يوم األربعاء 18رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفرًا ..ثم وصل يوم الجمعة 20رجب إلى
مائة نفر ،ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر أّن من تمت
.صالة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفرًا
ـ وبمرور أيام شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة .وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع اإلحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من 2
الطاعون .في يوم األربعاء 18رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفرًا ..ثم وصل يوم الجمعة
20رجب إلى مائة نفر ،ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر
أّن من تمت صالة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفرًا ( ،فما بالك ببقية المصالت التى بالقاهرة فإن عدتها سبع
عشرة مصالة وبهذا المقتضى ال نعتمد على ضبطهم .) .وهذه لفتة تضاف إلى رصيد الدقة والتحرى من جانب ابن الصيرفي.
.وكان ابن الصيرفي يأخذ إحصاءاته الرسمية من ديوان المواريث الحشرية،ويرى أنه ال ينبئ عن العدد الحقيقي لألموات
:ـ ثم هّل شهر شعبان وقد فشا الطاعون بالقاهرة ومصر وبوالق ..وقد ذكر مؤرخنا بعض اإلحصاءات 3
ففي أحداث الجمعة 5شعبان ( :وصل عدد األموات بمصلي باب النصر والبياطرة إلى مائتى نفر بباب النصر مائة 3 / 1 :
.وثالثون ،والبياطرة سبعون ،وقس على هذا ما بقي من المصالت بالقاهرة وهى خمس عشرة مصالة).
وفي يوم الثالثاء 19شعبان مات جماعة من العسكر المملوكي المسافر لحرب شاه سوار ،ماتوا بالطاعون قبل السفر3 / 2 : ،
ووصل عدد األموات بمصلى باب النصر أكثر من ،230وبمصلى البياطرة أكثر من ،130يقول مؤرخنا ( :وقس على ذلك
.باقى المصالت).
وفي يوم األحد 21شعبان بلغ عدد الموتى الذين صلوا عليهم بمصلى باب النصر ،441يقول مؤرخنا ( :وقس على 3 / 3 :
هذا بقية المصالت التى بالقاهرة وظواهرها ،والناس يقطعون ويجزمون بأن من يصلى عليه بمصلى باب النصر من األموات
يكون أكثر عشر من يموت بالقاهرة ،فعلى هذا يكون عدد من يموت بالقاهرة وظواهرها في كل يوم أربعة آالف إنسان
وأربعمائة إنسان ،ومعظم الطاعون األن بأسفل مصر من جهة الحسينية وغيرها إلى بين القصرين ،ومن جامع باب زويلة
.الطاعون أخف مما تتقدم).
وفي يوم السبت 27شعبان أول فصل الربيع بلغ عدد الموتى الذين صلى عليهم بمصلى باب النصر ،407وفي مصلى 3 / 4 :
.البياطرة ،215ومصلى المؤمني185
وفي يوم االثنين 29شعبان توفي بالطاعون طفل للسلطان السابق خشقدم وكان في السادسة من عمره ،.ذكروه ألنه 3 / 5 :
.ابن السلطان ..أما الباقون فهم مجرد أعداد بال أوصاف وأسماء
الفصل التاسع عشر :التواتر الشيطانى فى :إبتداع صالة السنن بديال عن النوافل
:-أوال :صالة النوافل االسالمية
ـ النافلة تعنى الزيادة .وقد وهب هللا جل وعال البراهيم ابنه البكرى إسماعيل ثم وهب له زيادة أو نافلة ابنه اآلخر اسحاق ثم 1
عاش ابراهيم حتى رأى حفيده يعقوب .قال جل وعال َ ( :و َو َه ْب َن ا َلُه ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب َن اِفَلًة َۖو ُك اًّل َج َع ْلَن ا َص اِلِحيَن ﴿ ) ﴾٧٢األنبياء
).
الزيادة فى العبادة أى فى العبادة المفروضة تأتى بمعنى النافلة ،وجاء فى سياق قيام الليل فى سورة اإلسراء ( َأِقِم الَّص اَل َة
ِلُد ُلوِك الَّش ْم ِس ِإَلٰى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ۖ ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًدا﴿َ ﴾٧٨و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َع َس ٰى َأن َيْبَع َث َك
َ.ر ُّب َك َم َقاًم ا َّمْح ُم وًدا ﴿)﴾٧٩
أنواع عبادة النوافل
ـ تالوة القرآن وتأويله فى بداية ما نزل من القرآن الكريم َ( :ي ا َأُّيَه ا اْلُم َّز ِّم ُل ﴿ُ ﴾١قِم الَّلْي َل ِإاَّل َقِلياًل ﴿ِّ ﴾٢ن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه 1
َقِلياًل ﴿َ ﴾٣أْو ِز ْد َع َلْي ِه َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن َت ْر ِتياًل ﴿ ﴾٤المزمل )
ـ :االستغفار َ ( :ك اُن وا َقِلياًل ِّم َن الَّلْي ِل َم ا َيْهَج ُع وَن ﴿َ ﴾١٧و ِباَأْلْس َح اِر ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن ﴿ ﴾١٨الذاريات ) 2
التسبيح َ ( :و َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل اْلُغ ُر وِب﴿َ ﴾٣٩و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو َأْد َب اَر الُّسُج وِد ﴿ ﴾٤٠ق ) (َو َسِّبْح 3:
ِبَح ْم ِد َر ِّب َك ِحيَن َت ُقوُم ﴿َ ﴾٤٨و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو ِإْد َب اَر الُّن ُج وِم ﴿ ﴾٤٩الطور ) (َفاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع
الَّش ْم ِس َو َقْب َل ُغ ُر وِبَه ا ۖ َو ِمْن آَن اِء الَّلْي ِل َفَس ِّبْح َو َأْط َر اَف الَّن َه اِر َلَع َّلَك َت ْر َض ٰى ﴿ ﴾١٣٠طه )
الدعاء َ( :تَت َج اَفٰى ُج ُنوُبُهْم َع ِن اْلَمَض اِج ِع َي ْد ُع وَن َر َّبُهْم َخ ْو ًفا َو َط َمًع ا ) (﴾١٦السجدة ) 4 :
) الصالة َ( :أَّم ْن ُه َو َقاِنٌت آَن اَء الَّلْي ِل َس اِج ًدا َو َقاِئًم ا َيْح َذ ُر اآْل ِخ َر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّب ِه ِ) ﴿ ﴾٩الزمر 5 :
التفكر فى عظمة الخالق جل وعال والتوسل اليه بالدعاء ِ ( :إَّن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اْخ ِتاَل ِف الَّلْي ِل َو الَّن َه اِر آَل َي اٍت 6 :
ُأِّلوِلي اَأْلْلَب اِب ﴿ ﴾١٩٠اَّلِذيَن َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِقَي اًم ا َو ُقُع وًد ا َو َع َلٰى ُج ُنوِبِهْم َو َي َت َف َّك ُر وَن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َر َّب َن ا َم ا َخ َلْق َت َه ٰـ َذ ا
َ .ب اِط اًل ُسْبَح اَن َك َفِقَن ا َع َذ اَب الَّن اِر ﴿ ﴾١٩١آل عمران )
توقيت عبادة النوافل
هى تختلف عن الصلوات الخمس المفروضة المحددة بالتوقيت .عبادة النوافل فيها االختيار للمتعبد حسب ظروفه .يتضح هذا
فى قوله جل وعال َ ( :فاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل اْلُغ ُر وِب﴿َ ﴾٣٩و ِمَن الَّلْي ِل َفَسِّبْح ُه َو َأْد َب اَر
الُّسُج وِد ﴿ ﴾٤٠ق ) (َو َسِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك ِحيَن َت ُقوُم ﴿َ ﴾٤٨و ِمَن الَّلْي ِل َف َسِّبْح ُه َو ِإْد َب اَر الُّن ُج وِم ﴿ ﴾٤٩الطور ) (َفاْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن
َو َس ِّبْح ِبَح ْم ِد َر ِّب َك َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس َو َقْب َل ُغ ُر وِبَه ا ۖ َو ِمْن آَن اِء الَّلْي ِل َفَس ِّبْح َو َأْط َر اَف الَّن َه اِر َلَع َّلَك َت ْر َض ٰى ﴿ ﴾١٣٠طه ) ( َأِقِم الَّص اَل َة
ِلُد ُلوِك الَّش ْم ِس ِإَلٰى َغ َس ِق الَّلْي ِل َو ُقْر آَن اْلَف ْج ِر ۖ ِإَّن ُقْر آَن اْلَف ْج ِر َك اَن َم ْش ُهوًدا﴿َ ﴾٧٨و ِمَن الَّلْي ِل َفَت َهَّج ْد ِبِه َن اِفَلًة َّلَك َع َس ٰى َأن َيْبَع َث َك
َ.ر ُّب َك َم َقاًم ا َّمْح ُم وًدا ﴿ ﴾٧٩االسراء)
:من حيث الشكل والكيفية
فى أى وضع ،قال جل وعال (:اَّلِذيَن َي ْذ ُك ُر وَن الَّلـَه ِقَي اًم ا َو ُقُع وًدا َو َع َلٰى ُج ُنوِبِهْم َو َي َت َف َّك ُر وَن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ) ﴿
) ﴾١٩١آل عمران
:من حيث المدة واالستطاعة
األكثر َ ( :ك اُن وا َقِلياًل ِّم َن الَّلْي ِل َم ا َيْهَج ُع وَن ﴿َ ﴾١٧و ِباَأْلْس َح اِر ُه ْم َيْس َت ْغ ِفُر وَن ﴿ ﴾١٨الذاريات ) (َأَّم ْن ُه َو َقاِنٌت آَن اَء الَّلْي ِل 1 :
َس اِج ًد ا َو َقاِئًم ا َيْح َذ ُر اآْل ِخَر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّب ِه ) ﴿ ﴾٩الزمر )(َي ا َأُّيَه ا اْلُم َّز ِّم ُل ﴿ُ ﴾١قِم الَّلْي َل ِإاَّل َقِلياًل ﴿ِّ ﴾٢ن ْص َف ُه َأِو انُقْص ِم ْن ُه
َقِلياًل ﴿َ ﴾٣أْو ِز ْد َع َلْي ِه َو َر ِّت ِل اْلُقْر آَن َت ْر ِتياًل ﴿ ﴾٤المزمل )
ـ التوسط والتيسير ِ ( :إَّن َر َّب َك َيْع َلُم َأَّن َك َت ُقوُم َأْد َنٰى ِمن ُثُلَث ِي الَّلْي ِل َو ِنْص َف ُه َو ُثُلَث ُه َو َط اِئَف ٌة ِّم َن اَّلِذيَن َمَع َك ۚ َو الَّلـُه ُيَق ِّد ُر الَّلْي َل 2
َو الَّن َه اَر ۚ َع ِلَم َأن َّلن ُتْح ُص وُه َفَت اَب َع َلْي ُك ْم ۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِمَن اْلُقْر آِن ۚ َع ِلَم َأن َسَي ُك وُن ِمنُك م َّمْر َض ٰى ۙ َو آَخ ُر وَن َيْض ِر ُبوَن ِفي
اَأْلْر ِض َيْب َت ُغ وَن ِمن َفْض ِل الَّلـِه ۙ َو آَخ ُر وَن ُيَقاِتُلوَن ِفي َس ِبيِل الَّلـِه ۖ َفاْق َر ُء وا َم ا َت َيَّسَر ِم ْن ُه )﴿ ﴾٢٠المزمل ) ( َتَت َج اَفٰى ُج ُنوُبُهْم َع ِن
) .اْلَمَض اِج ِع َي ْد ُع وَن َر َّبُهْم َخ ْو ًفا َو َط َمًع ا ) ﴿﴾١٦السجدة
ثانيا :قيام الليل وصالة النوافل بين التواتر االسالمى والتواتر الشيطانى
ـ ذكر هللا جل وعال السابقين إيمانا وعمال من الصحابة ،ونعتقد أنهم كانوا يقومون الليل عبادة وخشوعا لرب العزة جل وعال 1
وبالتالى فلم يكن لديهم وقت لإلنغماس فى الحروب والفتن والصراع السياسى .النعزالهم عن المجال العام الذى شغله الخلفاء
.الفاسقون وأتباعهم وخصومهم فقد أهمل التاريخ ذكر أولئك الصحابة السابقين األبرار
ـ وفى تاريخ الصحابة والتابعين منهم من كان يقضى ليله يقرأ القرآن ويصلى ثم يتفانى فى قتل األبرياء ،وقد تخصص 2
الخوارج فى هذا .كانوا معروفين بلقب ( الّقّر اء ) وبسمات السجود فى وجوهمم كما كانوا معروفين أيضا بتطرفهم ووحشيتهم
فى قتل األبرياء .جعلوا من تطرفهم فى العبادة وسيلة لتطرفهم فى القتال .أى إستمر التواتر وقتها من حيث الشكل مع إختالف
.الثمرة والنتيجة
ـ وفيما بعد تحول الكفر السلوكى الذى وقع فيه الصحابة والتابعون ( من الغزو والحروب األهلية ) الى كفر قلبى تمثل فى 3
تقديس وعبادة النبى محمد ومن اسموهم بالخلفاء الراشدين ثم األئمة واألولياء .وبهذا تحولت عبادة قيام الليل الى ما أسمون
بصالة الُس ّن ة ،ثم جاء دين التصوف باالنحالل الخلقى فجعل من قيام الليل مناسبة للفجور ،كما جعل مواسم دينية وأماكن دينية
:للفجور فى الموالد .ونعطى لمحة تاريخية
ثالثا :صالة السنن فى الدين الُّس ّن ى فى لمحة تاريخية
ـ تعبيرا عن عبادتهم للنبى محمد أقحموا إسمه فيما يسمى بالتحيات فى الصالة ،وفى األذان ،ثم إخترعوا صالة زائدة له 1
سُّم ها صالة ( الُّس ّن ة ) أو ( صالة الُّس نن ) .وتوارث المحمديون حتى اليوم تلك الصالة الزائدة ،فأنت تصلى الظهر وتصلى قبله
ركعتين " سنة " وتصلى بعده ركعتين " سنة " ،وهناك صالة لتحية المسجد كما لو كان المسجد فى حّد ذاته إالها تجب تحيته
.والصالة له .ويعتبر المحمديون أن صالة الفرض هى هلل جل وعال أما صالة السنة فهى للنبى وفق عبادتهم للنبى محمد
ـ على أنهم فى البداية أطلقوا على الصالة الزائدة مصطلح النافلة ،وصنعوا فى ذلك حديثا ذكره ابن سعد فى الطبقات 2
الكبرى ،نسبوها لصحابى اسموه ( يزيد بن األسود ) يزعم أنه " صلينا مع النبى الفجر فى مسجد منى فى حجة الوداع ،فلما
قضى الصالة التفت فإذا هو برجلين لم يصليا ،فسألهما :ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قاال :يا رسول هللا صلينا فى رحالنا ،
.قال :إذا جئتم واألمام يصلى فصّلوا معه فإنها لكم نافلة " ( ابن سعد ) 378 / 5
ـ ثم جاءت روايات أخرى عن الصالة الزائدة بدون تحديد مسمى لها ،روى ابن سعد عن عبدالرحمن بن زيد " لقد خرجنا 3
مع على وهو يريد مسكن فصلى ركعتين بين الجسر والقنطرة " ( ابن سعد . ) 159 ، 6ورواية تقول ( :وكان أبو المليح
.يداوم على الصالة بين المغرب والعشاء بجانب المنبر وقد توفى سنة ( 181ابن سعد ) 182 ، 2 ، 7
ـ وبدأت مبكرا روايات مصنوعة فى مناقب المشاهير من الصحابة والتابعين تضّخ م من صالتهم وعباداتهم ،وبالتالى تكون 4
زائدة على الصلوات الخمس المفروضة ،وعهدنا بأولئك الصحابة والتابعين المشهورين الذين إحتفى بهم التاريخ أنهم إنشغلوا
بالفتوحات والفتن واالنغماس فى السياسة ،لكن العصر العباسى كافأهم بهذه الروايات التى تشيد بمناقبهم ،هذا فى الوقت الذى
ال نعرف شيئا عن السابقين من الصحابة الذين لم يلتفت اليهم التاريخ بينما اشاد بهم رب العزة جل وعال فى سور الحشر
:واألحزاب والتوبة .ونعطى أمثلة
يروى ابن سعد أن األحنف بن قيس زعيم بنى تميم وأحد رءوس الفتنة فى بداية العصر األموى ( :كان يقضى الليل 4 / 1 :
فى الصالة أو " كانت عامة صالة األحنف فى الليل " ( ابن سعد ) 67 ، 7
.أما عن ابن عون فقد( كان له سبع من القرآن يقرأه كل ليلة فإذالم يقرأ بالليل أتمه بالنهار ) ( ابن سعد 4 / 2 : ) 28 ، 2 ، 7
وأن أبا صخر األيلى كان يجمع بين الصالة والبكاء ليال ( :كان يصلى الليل أجمع ويبكى ) ( .ابن سعد 4 / 3 : ، 2 ، 7
) 206 .
وأن عمار بن ياسر ( كان يوتر من أول الليل ثم ينام فإذا استيقظ صلى ركعتين إلى ما شاء هللا ( ابن سعد 4 / 4 : : 108 ، 7
) 109 .وقالوا مبالغات أخرى عن عبد هللا بن الزبير وهو من الشخصيات الوضيعة فى عصره
وبعضهم كان يحلو له المبيت فى المسجد ،وفى مسجد الكوفة المليئة بالنفاق والمؤامرات إمتأل مسجدها بمن سموأ 4 / 5 :
انفسهم متهجدين بالليل ،وقد دخل شبيب الخارجى إلى مسجد الكوفة حين أغار على الكوفة ليال فقتل المتهدجين ،فترك الناس
التهدج فى المسجد من ليلتئذ ( .ابن سعد .) 243 ، 6ماذا عليهم لو تهجدوا فى بيوتهم ؟
ثم ظهر فى العصر العباسى متعبدون متطرفون هم ( البكاءون ) قيلت فيهم أعاجيب كاذبة مختلطة بأساطير المنامات 4 / 6 :
والمعجزات ( الكرامات ) ،ومأل ابن الجوزى تاريخه ( المنتظم ) بهؤالء المرائين ،وقد عرضنا لهم فى بحث منشور فى موقعنا
.فى قسم الدراسات التاريخية
:رابعا :أشهر صالة الُّس نن
:صالة الضحى
ـ فى مقابل إماتة األمويين الصالة وتأخيرها زايد عليهم المعارضون بالصالة فى مواقيتها بل والتزم بعضهم بتأدية صالة 1
جديدة ابتدعوها وهى صالة الضحى .ولم يرحب األمويون بهذه الصالة الجديدة ،فقد روى أن سويد بن غفلة كان يؤذن
بالهاجرة فسمعه الحجاج وهو بالدير فقال أتونى بهذا المؤذن .فجىء به فقال له :ما حملك على الصالة بالهاجرة ؟ فقال
صليتها مع أبى بكر وعمر ،فقال :ال تؤذن لقومك وال تؤمهم (.ابن سعد ) 46 : 45 ،
.والواضح أنه نسب صالة الضحى ألبى بكر وعمر ليتخلص من بطش الحجاج
وقد صيغت روايات عن صالة الضحى فى عهد عمر للرد على إحتجاج األمويون .روى ابن سعد أن عمر قال :عباد هللا أضحوا
لصالة الضحى " ( ابن سعد .) 108 ، 6ورفعوا حديثا مصنوعا للنبى محمد عليه السالم ،زعموا أن أبا عسيب مولى النبى
محمد كان يصلى الضحى قائما فحجز مكان يصلى فيه قاعدا ( ابن سعد . ) 42 ، 7والواضح أنها محاولة لنسبة صالة الضحى
إلى شخص قريب جدا من النبى ولكن الرواية تثير تساؤال إذا كان هذا الرجل يصلى الضحى قاعدا بعد عجزه فكيف بالصلوات
األخرى ؟ هل كان يصليها أيضا قاعدا بعد عجزه ؟ وعلى كل حال فإن هذاه الرواية لم تفلح فى خلق إجماع على تأدية هذه
الصالة فقد كان علقمة بن قيس ( ال يغتسل فى السفر يوم الجمعة وال يصلى الضحى ) " ابن سعد 58 ، 6
:صالة التراويح
ـ زعموا أها بدأت فى خالفة عمر ،يقول ابن إياس الهذلى :كنا نقوم فى عهد عمر بن الخطاب فرقا فى المسجد فى رمضان 1
من هنا وهناك فكان الناس يميلون إلى أحسنهم صوتا ،فقال عمر :أراهم قد اتخذوا القرآن أغانى ،أما وهللا لئن إستطعتم
ألغيرن هذا فلم يمكث إال ثالث ليا حتى أمر أبى كعب فصلى بهم ثم قام فى أخر الصفوف فقال :لئن كانت هذه بدعة فنعم البدعة
هى ( ابن سعد . ) 42 ، 5وزعموا أنه فى خالفة على بن أبى طالب ،أمر شريحا أن يصلى بالناس فى رمضان ،يعنى قيام
.الليل ( ابن سعد ) 95 ، 6
ـ وأطلقوا عليها صالة التراويح .ومصطلح التراويح يفيد الراحة بين كل صالة وصالة .فيروى عن عبدالرحمن بن األسود 2
الذى شهد حياة السيدة عائشة أنه كان يصلى بقومه فى رمضان أثنتى عشرة ترويحة ،ويصلى لنفسه بين كل ترويحتين إثنى
.عشر ركعة ،ويقرأ بهم ثلث القرآن ،وكان يقوم بهم ليلة الفطر ،ويقول أنها ليلة عبد ( ابن سعد ) 203 ، 6
ـ واستمرت صالة التراويح فى المساجد حتى اآلن .وال يزال يتم فى الريف قيام الليل بإستئجار قارىء للقرآن يقوم بختم 3
.القرآن طيلة ليالى رمضان يهب الثواب لمن مات من أهل المنزل الذى يستأجره ...بزعمهم
صالة ليلة النصف من شعبان
ـ نشر التصوف االنحالل الخلقى فى العصر المملوكى ،وعززه بأحاديث ،ومنها ما أضفاه المتصوفة من أفضال كثيرة على 1
ليلة النصف من شعبان ( .:ابن أجا :تاريخ يشبك ) 235وقد جعلوا لها صالة خاصة يقرأ فيها (قل هو هللا أحد) ألف مرة
ألنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ،يقول أبو شامة فى كتابه ( الباعث فى االنكار على الحوادث ( :وهى صالة طويلة
مستثقلة لم يأت فيها خبر وال أثر إال ضعيف موضوع) .وذكر األحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن
الوضاعين من الصوفية (وكلفوا عباد هللا باألحاديث الموضوعة فوق طاقتهم) .وفي الوقت الذى تقاعس فيه العوام عن الصالة
المفروضة هرعوا إلى صالة النصف من شعبان استجابة لألشياخ الصوفية ودعايتهم وعبادة منهم للتشريع الصوفي الذى
.يكلفهم فوق ما يطيقون
ـ يقول أبو شامة عن تلك الصالة ( وللعوام بها افتنان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد (اإلضاءة) في جميع مساجد البالد التى 2
تصلي فيها ،ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختالط الرجال بالنساء) ( .الباعث فى اإلنكار على الحوادث :
) 29 ، 24 ،9
ـ أى هو قيام الليل لممارسة الفسوق فى المساجد .وإذا عرف السبب بطل العجب فالعامة تسمع وتطيع لمن ييسر لها سبل 3
..اإلنحراف
هب أن كل تلك الكتب ـ التى ال نهاية لصفحاتها وال نهاية الختالفاتها وتناقضاتها ـ كانت جزءا من الدين ونحن مأمورون
بقراءتها وتالوتها ودراستها كالقرآن الكريم ،من يستطيع اداء هذا الواجب الدينى وتلك الفريضة؟
ـ الرحمةااللهية اقتضت أن يكون لك كتاب إلهى واحد ميسر للذكر مفصل كامل تام حتى ال تضيع بين اسفار البشر الكاذبه 2
المختلفة المتناقضة .وألنه ال إله اال هللا الواحد فليس اال كتاب واحد هو القرآن ،اذا اتخذت معه كتبا أخرى فقد جعلت مؤلفى
هذه الكتب آلهة مع هللا ،وجعلت شخصياتهم فوق النقد وفوق الخطأ ،وتناسيت انهم بشر سيتعرضون للحساب مثلى ومثلك
.أمام الواحد القهار جل وعال
ـ لقد ظل خاتم النبيين متمسكا بكتاب هللا وحده متبعا لوحى هللا وحده ،ثم دخل المسلمون عصر الفتنة ولم يخرجوا منه حتى 3
األن ؛ والبد للفتنة من دستور ينشر الخالف والتفرق فاخترعت أحاديث منسوبه للنبى راجت فى عصر الفتنة الكبرى ،ثم ازداد
إنتشارها بمرور الزمن إلى أن تم تدوينها منذ القرن الثالث الهجرى وأصبحت الدستور الحقيقى الذى يتمسك به المحمديون
حتى اآلن ،بل على أساسه يتهمون القرآن بأنه ناقص مجمل وال يكفى وحده فى بيان الدين .والحجة المفضله لديهم هى أن
.القرآن ليس فيه عدد ركعات الصالة ومواقيتها ...وأن االحاديث هى التى ذكرت ذلك كله
ـ وهذة الحجة المضحكة يقولها الكثيرون من الجهلة محترفى العلم ومن محترفى التدين بل يقولها من لم تعرف قدماه مسجدا 4
للصال"> 1ـ وفى صفحة واحدة يقول البخاري "كان النبي يتوضأ عند كل صالة" وبعدها مباشرة حديث يناقضه "إن النبي
.صلى المغرب ولم يتوضأ" (البخاري :الجزء األول ص )62
ـ وتأتى أحاديث كثيرة تحض على سرعة التبكير بالذهاب لصالة الجمعة ،وتمأل هذه األحاديث صفحات من البخاري ثم يتبعها 2
حديث ينقضها جميعًا يقول "إذا ُأقيمت الصالة فال تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فأتموا"( ..البخاري :الجزء الثاني ص )9 ،8 ،4 ،3
ـ وروايات متناقضة في صالة الكسوف تمأل صفحات وقد يخرج منها القارئ بتصميم على أال يصلى الكسوف أبدًا (البخاري3 :
الجزء الثاني ص )50 :42
ـ وأحاديث تحذر من المرور بين يدى المصلى وتأمر المصلى أن يخرج من صالته ليقاتل ذلك المسلم الذى مر أمامه ألنه 4
شيطان "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "لو يعلم المار
بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه" .وفى نفس الصفحة أحاديث تبيح ذلك منسوبة
لعائشة "لقد رأيت النبي يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير" "كنت أنام بين يدى رسول هللا ورجالي في
قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" ثم حديث ابن عباس "أقبلت راكبًا على حمار أتان وأنا يومئذ قد
ناهزت االحتالم ورسول هللا يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت األتان ترتع فدخلت في الصف فلم
ينكر ذلك علّى أحد" وأحاديث أخرى تجعل الحمير والخراف والنساء تمر أمام النبي وهو يصلى ،فأيهما نصدق؟ (البخاري:
.الجزء األول ص ،129 :128الجزء األول ص ،29ص )126
ـ وهناك أحاديث تأمر المرأة بأن تصلى وهى حائض وأحاديث أخرى تنهى عن ذلك (البخاري :الجزء األول ص 5 ،84 ،81
)86 ،85.
.ـ وأحاديث تأمر بالصالة بعد الصبح وبعد العصر وأحاديث تنهى عن ذلك (البخاري :الجزء األول ص 6 )145 :143
ـ وأحاديث تثبت أن النبي كان يصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين في غير السفر وفى غير الخوف منها" :خرج علينا 7
رسول هللا بالهاجرة فأتى بوضوء فجعل الناس يأخذون منه فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي الظهر ركعتين والعصر
ركعتين وبين يديه عنزة" "أن النبي صلى بهم البطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة
.والحمار" (البخاري :الجزء األول ص ،57ص )126
ـ وأحاديث أخرى تقول أن النبي كان يصلى الصبح أربع ركعات "أن رسول هللا رأى رجًال وقد أقيمت الصالة يصلى ركعتين 8
فلما انصرف رسول هللا الث به الناس وقال له رسول هللا :الصبح أربعًا الصبح أربعًا" (البخاري :الجزء األول ص :159
)160.
ـ من يؤمن بالبخارى ويجعله مصدرا للصالة سيخرج من قراءة البخارى بالشك العظيم فى الصالة ،بل ربما فى الشك فى 9
.االسالم نفسه
ومع هذا يجعلون البخاري وكتب االحاديث مصدرا للمعرفة بالصالة وكيفيتها ،ولم يتساءل احدهم كيف كان المسلمون يصلون
قبل مولد البخاري ؟
.ونكتفى بذلك حرصا على صحة بعض الناس
:ثالثا
:.الفقهاء والتشكيك فى الصالة
ـ الفاتحة كانت بداية الصالة التى تعلمها إبراهيم واسماعيل ونزلت فى القرآن كما نزلت فى سائر الوحى لجميع االنبياء بكل 1
اللغات .و الفاتحة عند االسرائيليين بنفس المعنى والتشابه بين االلفاظ العربية والعبرية واضح فيها .وبعد الفتوحات العربية
تعلمت البالد المفتوحة الصالة وقراءة الفاتحة باللغة العربية .ثم كانت روايات األحاديث الضالة التى تشكك فى الصالة وعلى
.أساسها دارعلم الفقه واختالفاته حول الصالة التى لم تعرف إختالفا قبل ظهور اولئك الفقهاء
.ـ واختالفات الفقهاء حول الصالة كثيره إال إننا نكتفى منها ببعضها -حرصا منا كالعادة على صحة بعض الناس 2
ينقل ابن كثير فى تفسيره للفاتحة إختالف الفقهاء فى قراءة الفاتحة فى الصالة هل يجب قراءتها ام ال يقول " فعند ابى 2 / 1 :
حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها ال تتعين بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه فى الصالة " " والقول الثانى انه تتعين
" ......قراءة الفاتحة ففى الصالة وال تجزىء الصالة بدونها وهو قول بقية االئمة
ثم اختلفوا فى قراءتها فى كل ركعة " فذهب الشافعى وجماعة من أهل العلم أنه يجب قراءتها فى كل ركعة وقال أخرون 2 / 2 :
أنه تجب قراءتها فى معظم الركعات وقال الحسن واكثر البصريين :انه تجب قراءتها فى ركعة واحدة من الصلوات " وقال ابو
"حنيفة واصحابه والثورى واألوزاعى :ال تتعين قراءتها بل لو قرا بغيرها أجزأه
ثم اختلفوا فى "هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم فى صالة الجماعة ؟ فقال بعضهم أنه تجب على المأموم قراءة 2 / 3 :
الفاتحة كما يجب على اإلمام .وقال بعضهم ال يجب على المأموم قرأءة الفاتحة او غيرها .وقال أخرون بوجوب قراءة المأموم
.فى السرية وال يجب عليه الجهر .ولكل فريق فى اآلراء السابقة إحتجاج بأحاديث متعارضة
ـ ومن حسن الحظ أن هذه اآلراء بقيت فى بطون الكتب بعيدا عن أغلبية الناس .فظلت مجرد آراء للفقهاء نصبوا من أنفسهم 3
مشرعين فى دين هللا جل وعال .ولكن بعض األحاديث انتشرت بين الناس جميعا ألنه كان يرويها القّص اص الذين كانت تعينهم
الدولة أو كانوا يتطوعون بهذا العمل لنشر ايدلوجية ما أو عقيدة ما .كانت تلك األقاصيص والحكايات تقال للناس فى المساجد
بعد الصالة فاستهوت عواطفهم واستولت على مشاعرهم ،وألن لبعضها دخال بالصالة فقد أصاب الصالة منها تحريف ال يزال
.مع شديد األسف ساريا حتى االن ،ونقصد بذلك أحاديث المعراج وصيغة التحيات
الفصل األول :مالك بن أنس ( 1>" 93ـ :هذا يعنى أنه كان يكتب ويتكلم من دماغه ،وال ينقل من كتاب سابق أو كتب
سابقة .وبالتالى :كيف يمكنه بالذاكرة تجميع أكثر من ألف إسناد مختلف ،كل واحد منها لحديث من تلك األحاديث التى فاقت
األلف حديث ؟ كيف له أن يملى من ذاكرته أكثر من ألف إسناد مختلف يقول فى كل واحد منها ( أخبرنا فالن عن فالن عن
فالن ) أو ( حدثنى فالن عن فالن عن فالن ) مع إختالفات فى تلك اإلسنادات ؟ ال يمكن أن يحفظ فى ذاكرته كل هذه العنعنات .
أى مستحيل أن تكون تلك العنعنات صحيحة ،بل هى بالقطع مصنوعة .يؤكد هذا أنه فى وقته كان يتكلم عن رواة ماتوا من قبل
،ماتوا دون أن يعرف أحدهم ما أسنده اليه مالك من أحاديث .أى زعم مالك بعد موت هؤالء الناس جيال بعد جيل أن فالنا قال
لفالن الذى قال لفالن الذى قال لفالن الذى قال أن النبى أو الصحابى قال كذا .وهؤالء األشخاص كلهم ماتوا جيال بعد جيل دون
.أن يعلم أحدهم شيئا عن مستقبل سيأتى فيه مالك ويزعم أقواال ينسبها اليه
ـ يؤكد هذا قولهم ان مالك جمع الموطأ فى اربعين عاما ،وأنه فى البداية كان يحوى تسعة آالف حديث ،ثم لم يزل ينتقى 2
منه حتى رجع الى سبعمائة .هذا مع أن أشهر ُن سختين للموطا في كل منها يوجد أكثر من ألف حديث وليس . 700الموطأ
رواية يحيى بن يحيى فيها 1861حديثا ،آخرها اآلتى َ - 1861 ( :ح َّد َث ِني َم اِلٌكَ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن ُجَبْي ِر ْب ِن
ُم ْط ِع ٍم َ ،أَّن الَّن ِبَّي صلى هللا عليه وسلم َقاَل " ِلي َخ ْمَس ُة َأْس َماٍء َأَن ا ُمَح َّم ٌد َو َأَن ا َأْح َم ُد َو َأَن ا اْلَم اِحي اَّلِذي َيْم ُح و ُهَّللا ِبَي اْلُك ْف َر َو َأَن ا
.اْلَح اِش ُر اَّلِذي ُيْح َش ُر الَّن اُس َع َلى َق َد ِمي َو َأَن ا اْلَع اِقُب " ).
أما الموطأ رواية محمد بن الحسن الشيبانى فيحوى 1008حديثا ،آخرها هو ( أخبرنا مالك ،حدثنا عبد هللا بن دينار ،أن عبد
هللا بن عمر أخبره أن رسول هللا (ص ) قال :إنما أجلكم فيما خال من األمم كما بين صالة العصر الى مغرب الشمس ،وإنما
مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل إستعمل عامال فقال ..الخ ) ( :موطأ مالك :رواية محمد بن الحسن الشيبانى ( 132
.) 189ط ، 2تحقيق :د عبد الوهاب عبد اللطيف .المكتبة العلمية )
.ـ وننصح من يريد بالرجوع الى موطأ مالك ليراجع األسانيد المختلفة لكل األحاديث 3
ـ نعيد الـتأكيد على أن مالك أملى أسانيد الموطا كلها من دماغه ،صنعها بنفسه ،إذ يستحيل على الذاكرة البشرية أن تعى 4
.هذا كله وتحفظه
ثانيا :هناك أكثر من 20نسخة مختلفة من الموطأ
ـ مالك أملى الموطأ على أكثر من عشرين شخصا فى أوقات مختلفة وكل منهم كتب نسخة من الموطأ مختلفة عن غيره ،وكل 1
منهم كتب ما قال إنه سمعه من مالك ،وبعضهم أملى ما سمعه من مالك على غيره ،مثل يحيى بن يحيى ،فجزء من الموطأ
المنسوب اليه رواه عن آخر عن مالك وجزء نقله من مالك .ولهذا توجد نسخ مختلفة من الموطا فى عدد األحاديث وفى االسناد
وفى متن الحديث .أى أننا أمام رجل يتكلم من ذاكرته لكل واحد من تالميذه ،ويتكلم من ذاكرته بأسانيد مختلفة ،وبمتون
.احاديث مختلفة وفى أوقات مختلفة .هذا على فرض أن كل واحد ممن كتب الموطأ كان صادقا فى نقله عن مالك
:ـ واشهر نسخ الموطأ 2
الموطأ :رواية محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ أبى حنيفة ،والذى تنكب طريق أبى حنيفة فعمل قاضيا فى الدولة 2 / 1 :
.العباسية ،وكان يروى أحاديث مالك فى الموطأ ويقول رأيه هو ،وأحيانا ينسب أحاديث لشيخه أبى حنيفة
الموطأ رواية يحيى بن يحيى بن كثير بن وسالس بن شملل المصمودى األمازيغى ( توفى عام ، ) 234وقد روى 2 / 2 :
يحيى الموطأ عن بعض الرواة ،ثم إرتحل بنفسه الى المدينة فلقى مالك قبيل موت مالك عام ، 179فسمع من مالك معظم
.الموطأ .وإشتهرت رواية يحيى للموطأ ألنه هو الذى نشر مذهب مالك فى االندلس وشمال أفريقيا
وهناك روايات أخرى للموطأ أقل شهرة ،منها موطأ ( :ابن وهب الفهرى ت ( ) 197ابن القاسم ت ( ) 191معن 2 / 3 :
بن عيسى ( ) 198القعنبى ت ( ) 221التنيسى ت 218يحيى بن بكير المصرى ت ( ) 231سعيد بن عفير ت
.. ) 226 ..الخ
:ثالثا :مالك يزعم كذبا أنه لقى ابن شهاب الزهرى وروى عنه الحديث
ـ ابن شهاب الزهرى أشهر المصادر المذكورة فى الموطأ .ومالك يزعم فى الموطأ انه روى عنه وأنه كان يسأله ويأخذ عنه 1
األحكام .وهذا كذب فاضح .ألن الزهرى :مولود عام ، 58ثم رحل لدمشق فى حدود عام ، 80ومات عام . 124بينما ( مالك
:مولود عام ) 93بعد أن غادر ابن شهاب الزهرى المدينة بثالثة عشر عاما ،ولم يفارق مالك المدينة ومات بها عام ، 179
ولم يأت ابن شهاب الزهرى المدينة مطلقا بعد أن غادرها ألنه تفرغ لتربية أبناء وأحفاد الخليفة األموى عبد الملك بن مروان .
أى أنه وقت مولد مالك فى المدينة عام 93كان الزهرى قد ترك المدينة تماما ،وعاش معتكفا فى قصر الخالفة األموية بدمشق
يخدم الخليفة عبد الملك وأوالده وأحفاده ،وإنه أثناء انشغال الزهرى بخدمة األمويين فى دمشق كانت والدة مالك فى المدينة
عام 93وحياته فيها بعيدا عن الزهرى الى أن مات الزهرى عام . 124فأين التقيا ؟
ـ كان مالك يكذب فى كل رواياته التى كتبها فى العصر العباسى بعد موت الزهرى فى العصر األموى زاعما بالكذب أنه سمعها 2
.من الزهرى وغيره
رابعا :مالك يزعم كذبا أن ابن شهاب الزهرى روى عن النبى عليه السالم
ـ من السهل مالحظة كثرة األحاديث التى زعم مالك أنه رواها وسمعها من ابن شهاب الزهرى ،ولكن هناك مالحظة أخرى 1
دقيقة وخطيرة ،وهى أن مالك يزعم كذبا أن ابن شهاب الزهرى روى الحديث عن النبى مباشرة ،بما يعنى أن ابن شهاب
الزهرى عاش مع النبى وروى عنه ،هذا مع أن ابن شهاب الزهرى مولود فى العصر األموى فى عام ، 58فكيف عاش مع
.النبى عليه السالم
ـ ونستشهد بحديثين فى موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى َ - 433 ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا 2
صلى هللا عليه وسلم َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َو َيْو َم اَألْض َح ى َقْب َل اْلُخ ْط َب ِة َ - 1506 ( ) .ح َّد َث ِني َم اِلٌكَ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،أَّن ُه َأْخ َبَر ُه .
َأَّن َر ُج ًال اْع َت َر َف َع َلى َن ْف ِس ِه ِبالِّز َن ا َع َلى َع ْه ِد َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َو َش ِه َد َع َلى َن ْف ِس ِه َأْر َبَع َمَّر اٍت َفَأَمَر ِبِه َر ُس وُل ِهَّللا
.صلى هللا عليه وسلم َفُر ِجَم َ .قاَل اْب ُن ِش َه اٍب َفِمْن َأْج ِل َذ ِلَك ُيْؤ َخ ُذ الَّر ُج ُل ِباْع ِتَر اِفِه َع َلى َن ْف ِس ِه ) .
والحديث األخير فى أكذوبة ( حد الرجم ) ورد أيضا فى الموطأ برواية الشيبانى تحت رقم ( : 692اخبرنا مالك ،اخبرنا ابن
شهاب ان رجال اعترف علي نفسه بالزنا علي عهد رسول هللا ( ص) وشهد علي نفسه اربع شهادات ،فأمر به فحد .قال ابن
شهاب :فمن اجل ذلك يؤخذ المرء باعترافه علي نفسه ؟ ) .ناقشنا من قبل ( ُأكذوبة الرجم فى األحاديث ) وكيف إخترعها مالك
وهو أول من إفترى هذه األكذوبة القاتلة ،وسار على سّن ته الشافعى وابن حنبل والبخارى وبقية أئمة الدين الُّس ّن ى .وبسبهم
.كان ـ وال يزال تنفيذ الرجم ظلما وعدوانا .ويتحمل االمام مالك مسئولية هذا اإلفك
أخيرا
وألن دين الُّس ّن ة ـ مثل غيره من األديان األرضية ـ مؤسس على الكذب ،فقد تباروا فى تقديس الموطأ .قال الشافعى ( :ما
ظهر على األرض كتاب بعد كتاب هللا ،أصح من كتاب مالك" .وقال البخاري عن الموطأ" :من أصح األسانيد مالك عن نافع عن
ابن عمر" . ) .وإذا كان هذا صحيحا فلماذا لم يكتفوا بالموطأ ؟ لماذا كتبوا بعده مؤلفاتهم يختلفون فيها مع موطأ مالك ؟
ــــ َ :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َعْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَقاِس ِم َ ،ع ْن َأِبيِهَ ،ع ْن َع اِئَش َة َ ،ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َه ا َك اَن ْت 205
َت ُقوُل ِإَذ ا َتَش َّه َدِت الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو َأَّن ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه .
الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه .الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم .
:مالحظة
مالك يزعم هنا أنه يروى عن عبد الرحمن بن القاسم حفيد أبى بكر ،وفى الحديث التالى يزعم أنه روى عن يحيى عن القاسم
والد عبد الرحمن .إذا كان يروى عن ابن القاسم ــ وهو األصل فى الرواية عن أبيه ــ فال حاجة ألن يروى عن آخر ( يحيى بن
:سعيد األنصارى ) يزعم هذا اآلخر أنه سمع من القاسم .ولكن هذا ما حدث فى الحديث التالى
ـــ َ :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍد اَألْن َص اِر ِّي َ ،ع ِن اْلَق اِس ِم ْب ِن ُمَح َّم ٍدَ ،أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن َع اِئَش َة َز ْو َج الَّن ِبِّي صلى هللا 206
عليه وسلم َك اَن ْت َت ُقوُل ِإَذ ا َتَش َّه َدِت الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو َأْش َه ُد َأَّن
ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ِهَّللا َو َر ُس وُلُه الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم .
ـــ َ :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َس َأَل اْب َن ِش َه اٍب َو َن اِفًع ا َمْو َلى اْب ِن ُعَمَر َع ْن َر ُج ٍل َ ،د َخ َل َمَع اِإلَم اِم ِفي الَّص َالِة َو َق ْد َس َب َق ُه اِإلَم اُم 207
) ِبَر ْك َع ٍة َأَي َتَش َّه ُد َمَع ُه ِفي الَّر ْك َع َت ْي ِن َو اَألْر َب ِع َو ِإْن َك اَن َذ ِلَك َلُه ِو ْت ًر ا َفَقاَال ِلَي َتَش َّه ْد َمَع ُه َ .قاَل َم اِلٌك َو ُه َو اَألْمُر ِع ْن َد َن ا .
مالحظة
.مالك يزعم انه سأل ابن شهاب ونافعا ( معا ) .أى إن مالك هنا كّذ اب أّفاك
:ثانيا
تحليل عام لهجص مالك فى ( التشهد ) .فى رواية الموطأ ( يحيى بن يحيى )
ـــ من حيث االسناد :ـ روى حديثين عن ابن شهاب الزهرى ونافع ولم يرهما ولم يقابلهما أصال .كما أنه روى حديثا منسوبا 1
لعائشة بنفس الصيغة مع إختالف الرواة .وقد أشرنا من قبل الى إستحالة أن تعى الذاكرة البشرية مئات العنعنات وتحفظها بال
.نسيان .وهذا يؤكد أنه مجرد إفتراء وإنتحال وكذب وتزوير
ـ من حيث المتن :فقد روى صيغا مختلفة للتحيات ،نسبها للصحابة ،بما يعنى أنها لم تكن معروفة فى عصر النبوة ،وأن 2
كل من أراد أن يخترع تشريعا للتحيات فال بأس .حتى أن عمر كان يعلم الناس التحيات ومع ذلك فإن ابن عمر لم يأبه بصيغة
.التحيات التى إخترعها أبوه
:ثالثا
هجص مالك فى ( التشهد ) .فى رواية الموطأ ( محمد بن الحسن الشيبانى )
ـ :أخبرنا مالك ،حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة َأَّن َه ا َك اَن ْت تشهد فتقول :الَّت ِحَّي اُت الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل 145
َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو ْح َد ُه َال َش ِر يَك َلُه َو اشهد َأَّن ُمَح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه .الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه .الَّس َالُم
َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم .
ــ َ :أخبرنا مالك عن ابن ِش َه اٍب الزهرى َ ،ع ْن ُعْر َو َة ْب ِن الُّز َبْي ِر َ ،ع ْن َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َعْب ٍد اْلَقاِر ِّي َ ،أَّن ُه َس ِم َع ُعَمَر ْب َن 146
اْلَخ َّط اِبَ ،و ُه َو َع َلى اْلِم ْن َب ِر ُيَع ِّلُم الَّن اَس الَّتَش ُّه َد َي ُقوُل ُقوُلوا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل الَّط ِّيَب اُت الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّس َالُم َع َلْي َك َأُّيَه ا الَّن ِبُّي
َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َأْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َو َأْش َه ُد َأَّن ُمَح َّم ًدا َعْب ُد ُه َو َر ُس وُلُه .
ــ :أخبرنا َم اِلٍك ،أخبرنا َن اِفٍع ،عن اْب َن ُعَمَر ،أنه َك اَن َي َتَش َّه ُد َفَي ُقوُل ِباْس ِم ِهَّللا الَّت ِحَّي اُت ِهَّلِل الَّص َلَو اُت ِهَّلِل الَّز اِك َي اُت ِهَّلِل الَّس َالُم 147
َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد ِهَّللا الَّص اِلِحيَن َش ِه ْد ُت َأْن َال ِإَلَه ِإَّال ُهَّللا َش ِه ْد ُت َأَّن ُمَح َّم ًد ا َر ُس وُل ِهَّللا .
َي ُقوُل َه َذ ا ِفي الَّر ْك َع َت ْي ِن اُألوَلَيْي ِن َو َي ْد ُع و ِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َج َلَس ِفي آِخِر َص َالِتِه َتَش َّه َد َك َذ ِلَك َأْيًض ا ِإَّال َأَّن ُه ُيَق ِّد ُم
الَّتَش ُّه َد ُثَّم َي ْد ُع و ِبَم ا َب َدا َلُه َفِإَذ ا َقَض ى َتَش ُّه َد ُه َو َأَر اَد َأْن ُيَس ِّلَم َقاَل الَّس َالُم َع َلى الَّن ِبِّي َو َر ْح َم ُة ِهَّللا َو َبَر َك اُتُه .الَّس َالُم َع َلْي َن ا َو َع َلى ِع َب اِد
ِهَّللا الَّص اِلِحيَن الَّس َالُم َع َلْي ُك ْم َع ْن َي ِميِنِه ُثَّم َيُر ُّد َع َلى اِإلَم اِم َفِإْن َس َّلَم َع َلْي ِه َأَح ٌد َع ْن َيَس اِر ِه َر َّد َع َلْي ِه .
قال محمد :التشهد الذى ذكر كله حسن ،وليس يشبه تشهد عبد هللا بن مسعود .وعندنا تشهده ألنه رواه عن رسول هللا (ص )
، .وعليه العامة عندنا
أخبرنا محل بن محرز الضبى عن شقيق بن سلمة بن وائل األسدى ،عن عبد هللا بن مسعود قال :كنا إذا صلينا خلف 148 :
رسول هللا ( ص ) قلنا :السالم على هللا .فقضى رسول هللا ( ص ) صالته ذات يوم ثم أقبل علينا فقال :ال تقولوا السالم على
هللا ،فإن هللا عز وجل هو السالم ،ولكن قولوا :التحيات هلل والصلوات الطيبات ،السالم عليك ايها النبى ورحمة هللا وبركاته ،
السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين ،أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .قال محمد :وكان عبد هللا بن
) .مسعود يكره ان ُي زاد فيه حرف أو ينقص منه حرف
:رابعا
تحليل هجص مالك فى ( التشهد ) .فى رواية الموطأ ( محمد بن الحسن الشيبانى )
ـ إتفق محمد بن الحسن الشيبانى مع رواية يحيى فى ثالثة أحاديث فقط ( ،عمر وابن عمر وعائشة ) وقال أنها أحاديث 1
حسنة ( :قال محمد :التشهد الذى ذكر كله حسن ) ،والحظ انها كلها غير منسوبة للنبى ،فتطوع هو بصناعة حديث عن
الصحابى عبد هللا بن مسعود عن النبى محمد عليه السالم .وبهذا رفع الشيبانى حديثه المفترى فوق إفتراء شيخه مالك ،وعّز ز
ذلك بقوله ( :وكان عبد هللا بن مسعود يكره ان ُي زاد فيه حرف أو ينقص منه حرف ).أى إعتبره قرآنا ،!!.وهو ال يختلف عن
.هجص مالك ،بل هو أرذل من هجص مالك
ـ وهجص الشيبانى فى حديثه مرذول ساقط ،ألنه ينسب للنبى هذا الهجص وليس للصحابة ،وألنه يزعم أن النبى علمهم أن 2
يقولوا له فى صالتهم ( :السالم عليك ايها النبى ورحمة هللا وبركاته ) ،ثم يجعل هذا الهجص المرذول المكذوب مقدسا ال يقبل
الزيادة أو النقص ألن ابن مسعود كان يكره أن ُي زاد فيه حرف أو ُي نقص منه حرف .فهل قال له ابن مسعود هذا ؟ توفى ابن
! ..مسعود عام ، 32أما الشيبانى الكذاب فهو مولود بعدها بمائة عام فقط ،أى عام 132
:أخيرا
هل يؤخذ دين هللا جل وعال من هؤالء األّف اكين الكذابين المختلفين مع بعضهم البعض ؟
التواتر الشيطانى فى تبديل التشهد بالتحيات ( ) 3إختالفات صيغ التحيات الشيطانية فى العصر العباسى
مقدمة
فى العصر العباسى عصر العلم الباغى واإلختالفات فى الدين انتشرت صيغ مختلفة للتحيات الشيطانية تم تدوينها منسوبة 1 :
إلى أعالم الصحابه الذين ماتوا من قبل دون أن يدروا شيئا عما فعله المفترون من رواة العصر العباسى .وهى إفتراءات
شيطانية ألصقوها بدين هللا تعالى تخالف التشهد االسالمى فى الصالة الذى ذكره رب العزة جل وعال َ( :ش ِه َد الَّلـُه َأَّن ُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل
ُه َو َو اْلَم اَل ِئَك ُة َو ُأوُلو اْل ِع ْلِم َقاِئًم ا ِباْلِقْس ِط ۚ اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُه َو اْلَع ِز يُز اْلَح ِكيُم ﴿ِ ﴾١٨إَّن الِّديَن ِع نَد الَّلـِه اِإْلْس اَل ُم ۗ ) لذلك فال بد أن يلحقها
االختالف المشار اليه فى اآلية الكريمة َ ( :و َم ا اْخ َت َلَف اَّلِذيَن ُأوُتوا اْلِك َت اَب ِإاَّل ِمن َبْع ِد َم ا َج اَء ُه ُم اْل ِع ْلُم َب ْغ ًي ا َبْي َن ُهْم ۗ َو َم ن َي ْك ُفْر
ِبآَي اِت الَّلـِه َفِإَّن الَّلـَه َس ِر يُع اْلِح َس اِب ﴿ ﴾١٩آل عمران )
:أوال
:اختالفات صيغ التحيات الشيطانية من واقع كتب االحاديث
ـ تشهد ابن مسعود :التحيات هلل والصلوات والطيبات ،السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،السالم علينا وعلى عباد 1
.هللا الصالحين ،واشهد أن ال إله إال هللا واشهد إن محمد عبده ورسوله
ـ تشهد ابن عباس :التحيات المباركات الصلوات الطيبات هلل ،السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،السالم علينا 2
.وعلى عباد هللا الصالحين ،اشهد أن ال إله إال هللا واشهد أن محمدا رسول هللا
.ـ تشهد عمر بن الخطاب :التحيات الزكيات هلل الطيبات ،الصلوات هلل 3
ـ تشهد أبى سعيد الخدرى .:التحيات الصلوات الطيبات ،السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،السالم علينا وعلى 4
عباد هللا الصالحين ،أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا رسول هللا
.ـ تشهد جابر .:باسم هللا وباهلل التحيات الصلوات .....الخ 5
.ـ تشهد عائشة .:التحيات الطيبات الزكيات هلل ........الخ 6
ـ تشهد أبى موسى االشعرى .:التحيات الطيبات الصلوات هلل وحده ال شريك له .....الخ 7
.تشهد سمرة بن جندب .:التحيات الطيبات والصلوات والملك له ....الخ
:ثانيا
الصالة على النبى فى تحياتهم الشيطانية
ـ صيغة الصالة على النبى وآله إنما وضعت للرد على ما أحدثة األمويون فى سب على وآل البيت فى صالة الجمعة ؛ حين 1
.جعلوا لعن على وآل البيت من شعائر خطبة الجمعة كما سبق بيانه
ـ وإذا كان األمويون يلعنون عليا وآله تحقيرا فقد إستبدل العصر العباسى هذا بالتحيات الشيطانية التى تقّد س محمدا وآله 2
.وتجعل هذا فى داخل الصالة نفسها
ـ إذ أنهم يفهمون الصالة على النبى ليس بالمعنى القرآنى وهو التمسك بالقرآن الكريم الذى هو الصلة الباقية بين المؤمن 3
وخاتم النبيين ـ عليهم السالم ـ بعد موته ،ولكنهم يفهمون الصالة على النبى على أنها تقديس له وذكر له يقولونه فى الصالة
بطريقة التحيات الشيطانية ،وهم بذلك يكفرون بقوله جل وعال عن ذكره جل وعال وحده فى الصالةِ( : :إَّن ِني َأَن ا الَّلـُه اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل
َ .أَن ا َفاْع ُب ْد ِني َو َأِقِم الَّص اَل َة ِلِذ ْك ِر ي ﴿ ﴾١٤طه )
:ثالثا
إختالفهم فى وجوب الصالة على النبى فى تحياتهم الشيطانية
وكالعادة فى كل مالمح الدين األرضى إختلفوا .اختلف أئمة الفقه فى وجوب الصالة على النبى فى التحيات الشيطانية .وهذه
اإلختالفات فى صيغ التحيات الشيطانية عندهم يجعلونها تحت عنوان التشهد ،وهم الذين اضاعوا التشهد االسالمى بتحياتهم
.الشيطانية
:ونعرض لبعض إختالفاتهم فى الصالة على النبى
.ـ ابو حنيفة وأصحابه ال يوجبونها وأما الشافعى فقد جعلها شرطا [1 ]1
.ـ وبعدهم بنحو ثالثة قرون اختراع النووى صيغة للصالة على النبى لتقال فى التشهد أوردها فى كتابه المنشورات[2 ]2
ـ وجاء فى سبل السالم للصنعانى أنه قيل للشافعى " كيف صرت إلى حديث ابن عباس فى التشهد قال :لما رايته واسعا 3
وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندى أجمع وأكثر لفظا من غيره فأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح "[]3
وبين الشافعى وابن عباس ما يقترب من قرن ونصف القرن فكيف سمعه عنه صحيحا ؟ وما هو معيار الّص حة عند الشافعى
.وهو كّذ اب عريق ؟
ـ وورد أن النسائى روى حديثا ينسبه إلى ابن مسعود يزعم أن ابن مسعود قال" :كنا نقول قبل ان يفرض علينا التشهد 4 :
السالم على هللا السالم على جبريل وميكائيل فقال رسول هللا ال تقولوا هذا ولكن قولوا التحيات ........الخ " .النسائى األعجمى
التركمستانى المتوفى عام 303هجرية ما هى عالقته بالصحابة ؟ بل هو يكتشف ما لم يعرفه األئمة السنيون قبله من مالك الى
..الشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم
.ـ وقالوا ان الحنفية والنخعى وطاووس يرون أنه ال يدعو فى الصالة إال بما يوجد فى القرآن فقط 5
ـ وجاء فى ( بلوغ المرام ) البن حجر العسقالنى حديث ( متفق عليه ) على حد قولهم يقول ":اذا تشهد احدكم فليستعذ باهلل 6
.من أربع فيقول اللهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال "[]4
ونسأل :متى وكيف حدث االتفاق على هذا الحديث ؟ وإذا إتفقوا عليه فلماذا تكاثرت األحاديث األخرى المخالفة له ؟
ـ وكالعادة يختلفون دون محاولة لترجيح صيغة على أخرى .وبدأ بهذا إمامهم مالك بن أنس رائد اإلفتراء واإلفك .فالذى كتب 7
موطأ مالك يذكر األحاديث المختلفة فى التحيات الشيطانية دون أدنى محاولة لترجيح صيغة على أخرى او تفصيل رواية على
رواية ؛
يقول فى باب التشهد فى الصالة أن عائشة كانت تتشهد فتقول " التحيات الطيبات الصلوات الزكيات هلل اشهد أن ال إله إال هللا
وحده ال شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاتة والسالم علينا وعلى عبادنا
الصالحين السالم عليكم " وبعده يذكر ان عمر كان يعلم الناس التشهد على المنبر -أى تشريع جديد فى الصالة فى خالفة عمر
فيقول لهم " قولوا التحيات هلل الزكيات هلل الطيبات الصلوات هلل ،السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،السالم علينا
....وعلى عباد هللا الصالحين ،أشهد أن ال إله إال هللا واشهد ان محمدا عبده ورسوله
وفى الحديث التالى يذكراالمام مالك أن عبد هللا بن عمر لم يلتزم بالصيغة التى قالها ابوه فيروى مالك أن ابن عمر كان يتشهد
فيقول :بسم هللا ،التحيات هلل ،الصلوات هلل ،الزكيات هلل ،السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،السالم علينا وعلى عباد
) .هللا الصالحين ،شهدت أن ال إله إال هللا وشهدت أن محمدا رسول هللا
ثم يروى تشهد عبد هللا بن مسعود " التحيات هلل والصلوات الطيبات ،السالم عليك أيها النبى .......الخ"[]5
:مقدمة
ـ دخل الموظف الصغير على رئيسه فى العمل أراد أن يحييه فقال له " :مساء الُفّل " .رئيسه فى العمل إعتبر هذه التحية 1
إساءة فعاقبه .تخيل لو دخل جندى على قائد المعسكر وحّي اه قائال ( :يا ميت مسا على الناس الكويسة ) ؟ تخيل لو دخل
شخص على ( جاللة الملك ) وحياه قائال " :صباح الورد " .تتنوع التحيات بين البشر ،ولكنها تخضع لتقاليد إجتماعية
وسياسية وبروتوكولية ،فالتحيات من األدنى األعلى تختلف عن التحيات من األدنى الى األعلى .هذا مع أن البشر كلهم
.متساوون من حيث أنهم مخلوقات الخالق جل وعال
ـ (التحيات ) التى يقولها المحمديون فى الصالة خطابا لرب العزة جل وعال هى كفر هائل وإهانة للعزيز الجبار سبحانه وتعالى 2
،ألن المؤمن حين يخاطب ربه جل وعال ال يخاطبه بالتحية التى يقولها البشر فيما بينهم ولكن يخاطب ربه جل وعال بالتسبيح
.والحمد ،خصوصا إذا كان فى صالته
ـ التحيات يقولها البشر للبشر وتقولها المالئكة للبشر .وهم جميعا مخلوقات خلقها الخالق جل وعال .أيضا فاهلل جل وعال 3
وهو ( األعلى ) يخطب البشر بالتحيات .أى التحيات يقولها (األعلى ) جل وعال للمخلوقات ،وتقولها المخلوقات الناطقة
لبعضها البعض ،ولكن يكون كفرا أن تخاطب المخلوقات ربها بالتحيات .فكل المخلوقات تسبح بحمد الرحمن جل وعال وإن كنا
.ال نفقه تسبيحهم
:ونعطى بعض التفصيالت
:أوال :فى الدنيا
:التحيات والسالمات ال تقال فى خطاب رب العزة سبحانه وتعالى ،بل ُت قال بين المخلوقات فى الدنيا
فالواجب القاء التحية ،يقولها المؤمنون لبعضهم البعض .يقول جل وعال َ ( :فِإَذ ا َد َخ ْلُتْم ُبُيوًت ا َفَس ِّلُم وا َع َلى َأْن ُفِس ُك ْم َت ِحَّي ًة 1 :
ِ .مْن ِع ْن ِد ِهَّللا ُمَب اَر َك ًة َط ِّيَب ًة ) .النور ، )61فالتحية يقولها القادمون على أصحاب البيت
والرّد علي التحية بالمثل أو بما هو أفضل منها .يقول جل وعال َ ( :و ِإَذ ا ُحِّي يُتْم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها )2 : .
النساء . ) 86المعنى هنا أن أى تحية تقال للمؤمن فعليه أن يرد عليها بمثلها أو بأحسن منها ،أفضل التحية هى بالسالم ،
والسالم هو االسالم السلوكى فى التعامل بين الناس .ولكن يمكن أن ُت قال أى تحية بأى صيغة وبأى لسان أو باإلشارة ،ويجب
.على المؤمن ردها بمثلها أو بأحسن منها
وامر هللا جل وعال النبى محمدا عليه السالم أن يحيى المؤمنين بالسالم إذا جاءوه ،قال جل وعال َ ( :و ِإَذ ا َج اَء َك اَّلِذيَن 3 :
ُ .يْؤ ِم ُنوَن ِبآَي اِتَن ا َفُقْل َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ) ﴿ ﴾٥٤االنعام ) ،فالتحية يقولها صاحب البيت للقادمين عليه
والمالئكة التى تجسدت فى هيئة بشر ودخلوا على ابراهيم عليه السالم ،ألقوا عليه التحية بالسالم فرد عليهم التحية 4 :
بأحسن منها ،قال جل وعال َ ( :و َلَق ْد َج اَء ْت ُرُس ُلَن ا ِإْبَر اِهيَم ِباْلُبْش َر ٰى َقاُلوا َس اَل ًم ا ۖ َقاَل َس اَل ٌم ۖ َفَم ا َلِبَث َأن َج اَء ِبِع ْج ٍل َح ِنيٍذ ﴿﴾٦٩
هود ) .قالوا له ( سالما ) أى ( نسلم سالما ) كلمة ( سالما ) هنا مفعول به لفعل محذوف هو ( نسّلم ) .والفعل موقوت بزمنه
ماضيا أو حاضرا أو مستقبال .وجاء الرد من ابراهيم ( سالم ) ،اى جملة إسمية من مبتدأ هو ( سالم ) وخبر محذوف هو
( عليكم ) .والجملة االسمية تفيد الثبوت والدوام .هنا رد عليهم السالم بأحسن منه !.هذا من أسرار اإلعجاز القرآنى فى
.الفصاحة والبالغة
بل إن المؤمن الُم سلم الُم سالم يقول التحية بالسالم فى مواجهة الكافرين .قال جل وعال فى التعامل مع الكافرين المعاندين 5 :
:
﴾٨٩الزخرف ) .الصفح عنهم مرتبط بالسالم﴿) َو ِقيِلِه َي ا َر ِّب ِإَّن َه ٰـ ُؤ اَل ِء َق ْو ٌم اَّل ُي ْؤ ِم ُنوَن ﴿َ ﴾٨٨فاْص َف ْح َع ْن ُهْم َو ُقْل َس اَل ٌم( 5 / 1 :
.عليهم
يردون على الجاهلين ﴾٥٥ ) .القصص( ) َو ِإَذ ا َس ِم ُع وا الَّلْغ َو َأْع َر ُض وا َع ْن ُه َو َقاُلوا َلَن ا َأْع َم اُلَن ا َو َلُك ْم َأْع َم اُلُك ْم َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ( 5 / 2
.اصحاب اللغو بالسالم عليهم
يقول جل وعال عن عباد الرحمن َ( :و ِع َب اُد الَّر ْح َم ٰـ ِن اَّلِذيَن َيْم ُشوَن َع َلى اَأْلْر ِض َه ْو ًن ا َو ِإَذ ا َخ اَط َبُهُم اْلَج اِه ُلوَن َقاُلوا 5 / 3 :
َ .س اَل ًم ا﴿ ﴾٦٣الفرقان ) يردون على الجاهلين اصحاب اللغو بالسالم عليهم
وابراهيم عليه السالم حين إعتزل أباه الكافر حياه بالسالم َ ( :قاَل َس اَل ٌم َع َلْي َك ) ﴿ ﴾٤٧مريم ) .يرد على أبيه الكافر 5 / 4 :
.بالسالم عليه
:ثانيا :فى الجنة
التحيات والسالمات ال تقال فى خطاب رب العزة سبحانه وتعالى ،بل ُت قال بين المخلوقات ،فى اآلخرة تحية بالسالم ألهل
.الجنة ،فهى دار السالم للمتقين
:ـ قال عنها جل وعال 1
) ﴾٢٥يونس﴿ ) َو الَّلـُه َي ْد ُع و ِإَلٰى َداِر الَّس اَل ِم ( 1 / 1 :
﴾١٢٧ ).االنعام﴿ ) َلُهْم َداُر الَّس اَل ِم ِع نَد َر ِّب ِهْم ( 1 / 2 :
والذىن يموتون متقين تبشرهم مالئكة الموت بالتحية بالسالم وتبشرهم بالجنة دار السالم ،قال جل وعال ( :اَّلِذيَن 2 :
َتَت َو َّفاُه ُم اْلَم اَل ِئَك ُة َط ِّي ِبيَن ۙ َي ُقوُلوَن َس اَل ٌم َع َلْي ُك ُم اْد ُخ ُلوا اْل َج َّن َة ِبَم ا ُك نُتْم َت ْع َم ُلوَن ﴿ ﴾٣٢النحل )
:وهناك مالئكة فى إستقبالهم عند دخول الجنة تحييهم بالسالم .قال جل وعال 3 :
َو ِس يَق اَّلِذيَن اَّت َق ْو ا َر َّبُهْم ِإَلى اْلَج َّن ِة ُز َمًر ا ۖ َح َّتٰى ِإَذ ا َج اُء وَها َو ُفِتَح ْت َأْبَو اُبَه ا َو َقاَل َلُهْم َخ َز َنُتَه ا َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ِط ْب ُتْم َفاْد ُخ ُلوَها ( 3 / 1
)َخ اِلِديَن ﴿ ﴾٧٣الزمر
) ِإَّن اْلُم َّت ِقيَن ِفي َج َّن اٍت َو ُعُيوٍن ﴿ ﴾٤٥اْد ُخ ُلوَها ِبَس اَل ٍم آِمِنيَن ﴿ ﴾٤٦الحجر ( 3 / 2 :
) اْد ُخ ُلوَها ِبَس اَل ٍم ۖ َٰذ ِلَك َيْو ُم اْلُخ ُلوِد﴿ ﴾٣٤ق ( 3 / 3 :
ومالئكة الجنة يحّي ون المؤمنين داخل الجنة بالتحية والسالم ،يقول جل وعال َ ( :ج َّن اُت َع ْد ٍن َي ْد ُخ ُلوَن َه ا َو َم ْن َص َلَح ِمْن آَب اِئِهْم 4 :
َ-).و َأْز َو اِجِهْم َو ُذ ِّر َّي اِتِهْم َو اْلَم اَل ِئَك ُة َي ْد ُخ ُلوَن َع َلْي ِهْم ِمْن ُك ِّل َب اٍب َس اَل ٌم َع َلْي ُك ْم ِبَم ا َص َبْر ُتْم َفِنْع َم ُع ْق َب ى الَّداِر ).الرعد 23
:وعموما ال يسمع أهل الجنة فيها إال التحية والسالم .يقول جل وعال 5 :
) الواقعة ) 26 ، 25اَل َيْس َمُع وَن ِفيَه ا َلْغ ًو ا َو اَل َت ْأِثيًم ا ِإاَّل ِقياًل َس اَل ًم ا َس اَل ًم ا( 5 / 1 :
) ﴾٦٢مريم﴿ )ۖ اَّل َيْس َمُع وَن ِفيَه ا َلْغ ًو ا ِإاَّل َس اَل ًم ا ( 5 / 2 :
) َو ُأْد ِخ َل اَّلِذيَن آَم ُن وا َو َع ِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َج َّن اٍت َت ْج ِر ي ِمْن َت ْح ِتَه ا اَأْلْن َه اُر َخ اِلِديَن ِفيَه ا ِبِإْذ ِن َر ِّب ِهْم َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم ( 5 / 3 :
" ) .إبراهيم23
).الفرقان ُ )75أوَلِئَك ُيْج َز ْو َن اْلُغ ْر َفَة ِبَم ا َص َبُر وا َو ُيَلَّق ْو َن ِفيَه ا َت ِحَّي ًة َو َس اَل ًم ا( 5 / 4 :
:ثالثا :تحية هللا ألهل الجنة
التحية من هللا جل وعال األعلى لألدنى وليس العكس مطلقا ،فاهلل تعالى ـ وهو األعلى ـ يحّي ى المؤمنين ويسلم عليهم وهم فى
:الجنة .يقول جل وعال
يس ُ ) ) 58 : 56ه ْم َو َأْز َو اُجُهْم ِفي ِظ اَل ٍل َع َلى اَأْلَر اِئِك ُم َّت ِك ُئوَن َلُهْم ِفيَه ا َفاِك َه ٌة َو َلُهْم َم ا َي َّد ُع وَن َس اَل ٌم َقْو اًل ِمْن َر ٍّب َر ِحيٍم ( 1 :
.أى يلقى السالم عليهم رب العزة جل وعال
وأيضا بمجرد ان يلقوا هللا تعالى يتلقون تحيته .يقول جل وعال َ ( :ت ِح َّي ُتُهْم َيْو َم َي ْلَق ْو َن ُه َس اَل ٌم َو َأَع َّد َلُهْم َأْج ًر ا َك ِر يًم ا) .االحزاب 2 :
44" ).
:رابعا
:هذا بينما يكون خطابهم هلل فى الجنة بالحمد والتسبيح وليس بالتحية والسالم ،يقول جل وعال عن أهل الجنة
).ـ ( َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلُهَّم َو َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِهَّلِل َر ِّب اْلَع اَلِميَن ) .يونس1 10
ـ هذه اآلية الكريمة هى فصل الخطاب فى الموضوع ،فهم حين يخاطبون هللا يقولون سبحانك اللهم والحمد رب العالمين 2
ويكون الخطاب لرب العزة جل وعال دعاء للمولى عز وجل مقترنا بالتسبيح والحمد ؛ أما حديثهم مع بعضهم أو مع المالئكة
.فهو التحية والسالم
:خامسا
.إن مناجاة هللا جل وعال ال تكون اال بالتسبيح والتحميد والتمجيد
فالمالئكة خاطبت رب العزة سبحانه وتعالى َ ( :قاُلوا ُسْبَح اَن َك اَل ِع ْلَم َلَن ا ِإاَّل َم ا َع َّلْم َتَن ا ِإَّن َك َأْن َت اْلَع ِليُم اْلَح ِكيُم .البقرة 1 :
) 23 .
وعيسى حين سيقول له ربه جل وعال َ ( :أَأْن َت ُقْلَت ِللَّن اِس اَّت ِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْي ِن ِمْن ُدوِن ِهَّللا ) يبادر بالقول َ ( :قاَل 2 :
"ُسْبَح اَن َك َم ا َي ُك وُن ِلي َأْن َأُقوَل َم ا َلْيَس ِلي ِبَح ٍّق ) .المائدة 116
:ــ إن ما عدا هللا سبحانه وتعالى ملتزم بصيغة واحدة فى خطاب هللا هى التسبيح والتحميد والتمجيد 3
فكل ما عدا هللا يسبح هلل سبحانه وتعالى .يقول جل وعال ُ ( :سْبَح اَن ُه َو َت َع اَلى َع َّم ا َي ُقوُلوَن ُع ُلًّو ا َك ِبيًر اُتَسِّبُح َلُه الَّس َم اَو اُت 3 / 1 :
)-الَّس ْبُع َو اَأْلْر ُض َو َم ْن ِفيِه َّن َو ِإْن ِمْن َش ْي ٍء ِإاَّل ُيَس ِّبُح ِبَح ْم ِدِه َو َلِكْن اَل َت ْفَق ُهوَن َت ْس ِبيَح ُهْم ِإَّن ُه َك اَن َح ِليًم ا َغ ُفوًر ا ) .اإلسراء 43
:وقد ابتدأت سور قرآنية باألمر بالتسبيح أو االخبار عنه 3 / 2 :
فى سورة الحديد (َسَّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو ُه َو اْل َع ِز يُز اْل َح ِكيُم ) وسورة الحشر (َسَّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي 3 / 2 / 1 :
.الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو ُه َو اْل َع ِز يُز اْلَح ِكيُم )
وسورة الّص ف (َس َّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َو ُه َو اْلَع ِز يز"> 4ـ هذا ملمح من كفر المحمديين الذين لم3 / 2 / 2 :
:يقدروا هللا جل وعال حق قدره .قال جل وعال
َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس ُض ِر َب َم َث ٌل َفاْس َت ِم ُع وا َلُه ۚ ِإَّن اَّلِذيَن َت ْد ُع وَن ِمن ُدوِن الَّلـِه َلن َي ْخ ُلُقوا ُذ َب اًب ا َو َلِو اْج َت َمُع وا َلُه ۖ َو ِإن َيْس ُلْبُهُم( 4 / 1 :
) الُّذ َب اُب َش ْي ًئ ا اَّل َيْس َت نِقُذ وُه ِم ْن ُه ۚ َض ُعَف الَّط اِلُب َو اْلَم ْط ُلوُب ﴿َ ﴾٧٣م ا َق َد ُر وا الَّلـَه َح َّق َق ْد ِر ِه ۗ ِإَّن الَّلـَه َلَق ِو ٌّي َع ِز يٌز ﴿ ﴾٧٤الحج
َو َم ا َق َد ُر وا الَّلـَه َح َّق َق ْد ِر ِه َو اَأْلْر ُض َج ِميًع ا َقْبَض ُتُه َيْو َم اْلِقَي اَم ِة َو الَّس َم اَو اُت َم ْط ِو َّي اٌت ِبَي ِميِنِه ۚ ُسْبَح اَن ُه َو َت َع اَلٰى َع َّم ا( 4 / 2 :
) ُيْش ِر ُك وَن ﴿ ﴾٦٧الزمر
أخيرا
المحمديون بالتحيات الشيطانية متمسكون ،وال يزالون عن كيفية الصالة من القرآن يتساءلون ،وهم برب العزة وبكتابه
.كافرون .وهم عن التذكرة القرآنية معرضون
:أحسن الحديث
.قال جل وعال َ ( :ف َم ا َلُهْم َع ِن الَّت ْذ ِك َر ِة ُمْع ِر ِض يَن ﴿َ ﴾٤٩ك َأَّن ُهْم ُحُمٌر ُّمْس َت نِفَر ٌة ﴿َ ﴾٥٠فَّر ْت ِمن َقْس َو َر ٍة﴿ ﴾٥١المدثر )
!!.ودائما :صدق هللا العظيم
الفصل الرابع :تعقيبات وردود على مقال (كافر باهلل جل وعال من يقول التحيات الشيطانية فى صالته )
تعقيبات وردود على مقال (كافر باهلل جل وعال من يقول التحيات الشيطانية فى صالته )
:نذكر التعقيبات ونرد عليها
:مراد الخولى
دايما كان عندى لخبطة من التشهد الن النبى غير محتاج لدعائى النه سيدخل الجنة .ونفس ( ) :لم أهضم التشهد بسهولة (
الشيء مع أل ابراهيم كنت أقول لنفسى وانا مالى بهم .انا اللى محتاج المغفرة لو كان فى أي أمل فى دخول الجنة! هذا الكالم
.).عندما كنت سنيا .ثم عندما عرض علي االفكار القرءانية وبالذات "اقم الصالة لذكرى" أصبحت التشهد فى خبر كان
:أقول
كنُت متمسكا بها .أذكر أننى سمعت مصليا ال يقرؤها فألححت عليه أن يقولها ،وإستأُت منه .ثم بعدها تذكرت أننا تعلمنا فى
الثانوى األزهرى أنه يمكن االستعاضة عن التحيات ببعض آيات القرآن .ثم بعدها الحظت الفارق بين كلمة التشهد و التحيات.
.وبدأ فى قلبى الّش ك .بالمناسبة ال بد أن تجعل كلمة التحيات فى تعليقك بدال من كلمة التشهد
سعيد على ( :سمع هللا لمن حمده ! ) ( :الصالة هي ذكر هلل جل و عال من دخولها و حتى اإلنتهاء منها من ( هللا أكبر ) إلى
( السالم ) و بداية كل حركة فيها بـ ( هللا أكبر ) .و ال يستريح قلبي لعبارة ( سمع هللا لمن حمده ) !! فهل استبدلها بـ ( هللا
.أكبر ) ؟ .ال سيما و أن قصة ( سمع هللا لمن حمده ) ال يمكن أن أصدقها و أؤمن بها !!!)
:أقول
القاعدة أن التواتر المرفوض هو ما يخالف القرآن الكريم ألن القرآن الكريم حكُّم على ما توارثناه وعلى التواتر( .سمع هللا لمن
حمده ) متسقة مع الصالة ،ألن الصالة تبدأ بالفاتحة وحمد هللا جل وعال رب العالمين .ويتوالى فيها تسبيح الرحمن وحمده .
.وكل ذلك ذكر للرحمن جل وعال وحده
:بن ليفانت
:السالم عليكم .عندي تساؤالت عما جاء في مقالكم ( ) :تساؤالت حول التحية (
أوال اآلية (َو ِإَذ ا ُحِّي يُتم ِبَت ِحَّي ٍة َفَح ُّي وا ِبَأْح َس َن ِم ْن َه ا َأْو ُر ُّدوَها ِإَّن الَّلـَه َك اَن َع َلٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِس يًب ا ﴿النساء )﴾٨٦ :توجه الكالم بشكل
.عمومي على الناس (الذين يقرؤون هذه اآلية) وال تحدد مصدرا للتحية ،بمعنا أّي ا كان المصدر
ثانيا اآليات (ِإَّن َأْص َح اَب اْلَج َّن ِة اْلَيْو َم ِفي ُشُغ ٍل َفاِك ُهوَن ﴿ُ ﴾٥٥ه ْم َو َأْز َو اُجُهْم ِفي ِظ اَل ٍل َع َلى اَأْلَر اِئِك ُم َّت ِك ُئوَن ﴿َ ﴾٥٦لُهْم ِفيَه ا َفاِك َه ٌة
َو َلُهم َّم ا َي َّد ُع وَن ﴿َ ﴾٥٧س اَل ٌم َقْو اًل ِّم ن َّر ٍّب َّر ِحيٍم ﴿يسن )﴾٥٨تعني وكما ذكرتم أن التحية من هللا ألهل الجنة .فلماذا ال يكون الرد
على هذه التحية بمثلها بناء على ما جاء في آية النساء ،86وهي ،كما ذكرت ،عامة؟
ثالثا اآلية (َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلـُهَّم َو َت ِحَّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِلَّلـِه َر ِّب اْلَع اَلِميَن ﴿يونس )﴾١٠ :تتكلم عن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،وهم أصحاب الجنة ،وعن دعواهم وتحيتهم هناك .اآلية تنقسم إلى ثالث فقرات ،جميعها تحتوي
(لغويا) على الفاعل أو المتكلم (صاحب الجنة) ،والفعل (التحية والدعوى) والمفول به أو الموجه له الكالم ،وهو في الفقرة
االولى والثالثة واضح بالنص (هللا تعالى) ،فلماذا ال تكون الفقرة الثانية ،التي تحتوي على التحية بالسالم ،موجهة أيضا إلى هللا
).رب العالمين؟
:وأقول
:أوال وثانيا
ـ البشر يتعاملون مع الرحمن بالعبادة ،وهذا ينفى المساواة بين العابد والمعبود .ويسرى هذا حتى على الضمائر ،فى ضمير 1
الملكية تقول :بيتى قلمى أى أنت تملك بيتك وقلمك .ولكن عندما تقول ( ربى ) فإن ربك جل وعال هو الذى يملكك وأنت مملوك
له جل وعال . .وحين تقول لشخص :إعطنى كذا يكون هذا أمرا أو طلبا .ولكن حين تقول لربك جل وعال ( :إعطنى ) فهذا
.يكون عبادة ( دعاء ) بتضرع ورجاء وتذلل
ـ اآلية ( ) 86من سورة النساء فيها تشريع ُم لزم برد التحية بمثلها أو بأحسن منها .هى تشريع للبشر وليست تعامال بين 2
.الناس ورب الناس
.ـ التشريع الُم لزم للبشر هو تسبيح هللا جل وعال وحمده .وليس التحية .وقد أوضحنا هذا 3
ثالثا :اآلية (َد ْع َو اُه ْم ِفيَه ا ُسْبَح اَن َك الَّلـُهَّم َو َت ِح َّي ُتُهْم ِفيَه ا َس اَل ٌم َو آِخُر َد ْع َو اُه ْم َأِن اْلَح ْم ُد ِلَّلـِه َر ِّب اْلَع اَلِميَن ﴿يونس )﴾١٠ :تنقسم
قسمين فقط من حيث الموضوع :الدعاء :سبحانك اللهم ،والحمد هلل رب العالمين .القسم اآلخر :تحيتهم بالسالم .وقد تتبعنا
.التحية بالسالم ومراحلها
:احمد المئذنى
مقال خطير جدا من حيث الجدية والتساؤل في الكم الهائل من التراث المحمدي ( ) ...عندي بعض التساؤالت هنا لو تكرمت (
:ولدى قرائتي اتتني بعض االسئلة لو تكرمت علينا في اجابتها
ـ انا مقتنع تماما ان الصالة المحمدية هي بال معنى نهائي وحشو وحتى شرك باهلل ...الخ 1
هناك بعض الباحثين الذين يقولون ان السالم الى اليمين واليسار على المالئكة لختام الصالة ليس له داعي ؟؟ فما هو 2-
رايك ؟؟ وهو موضوع مهم ؟
ـ -الحظت ان هللا تعالى يأمرنا في قوله { قل } اي امر ان نذكر آية محددة في الصالة معه فهل يمكن وضعها هنا في ختام 3
الصالة بعد السجود االخير َ ( -:و ُقِل اْلَح ْم ُد ِهَّلِل اَّلِذي َلْم َي َّت ِخ ْذ َو َلًدا َو َلْم َي ُك ن َّلُه َش ِر يٌك ِفي اْلُم ْلِك َو َلْم َي ُك ن َّلُه َو ِلٌّي ِّم َن الُّذ ِّل َو َك ِّبْر ُه
َتْك ِبيًر ا)
ـ -ان السالم على الملكين هو ايضا اشراك الحد مع هللا نعالى في ذكر غيره كما في الصالة االبراهيمية او التشهد كما في 4
.سؤالي اعاله
ـ ان عدد الركعات او السجدات هل هو محصور كما قرره الحديث ام يمكن للمصلي السجود حسب التقرب الذي يراه 5
مناسبا ؟؟ ما رايك في هذا
ـ ال شك ان فاتحة الكتاب هي من السور المتكاملة التي فيها دعاء هلل وحمد له 6
ـ في موضوع آخر ايضا هام واعذرني اذا تطرقت الى امور متعلقة يالصالة وليست بالتشهد حتى نثري البحث ككل ان 7
المؤمنين ممكن ان يقوموا باكثر من صالة على وضوء واحد بينما القرآن ينص على ان كل اقامة لصالة يجب عليها اداء
الوضوء ( :يا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُن وا ِإَذ ا ُقْم ُتْم ِإَلى الَّص اَل ِة َفاْغ ِس ُلوا ُو ُج وَه ُك ْم َو َأْي ِد َي ُك ْم ِإَلى اْلَمَر اِفِق َو اْمَس ُح وا ِبُرُء وِس ُك ْم َو َأْر ُج َلُك ْم ِإَلى
اْلَك ْع َبْي ِن َو ِإن ُك نُتْم ُج ُنًب ا َفاَّط َّهُر وا َو ِإن ُك نُتم َّمْر َض ٰى َأْو َع َلٰى َس َفٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِّم نُك م ِّم َن اْلَغ اِئِط َأْو اَل َمْس ُتُم الِّن َس اَء َفَلْم َت ِج ُدوا َم اًء
َٰل
َفَت َيَّمُم وا َص ِعيًدا َط ِّيًب ا َفاْمَس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْي ِديُك م ِّم ْن ُه َم ا ُيِر يُد ُهَّللا ِلَيْج َع َل َع َلْي ُك م ِّم ْن َح َر ٍج َو ِكن ُيِر يُد ِلُيَط ِّهَر ُك ْم َو ِلُيِتَّم ِنْع َم َت ُه َع َلْي ُك ْم
َلَع َّلُك ْم َتْشُك ُر وَن ) اي اذا قمتم باي حال عليكم الوضوء ام ال ...؟
ـ -اخيرا هل يجب على المصلي التوقف بعد اداء 2ركعة لالستراحة والتشهد طالمتا نتكلم هنا عن عدم صلتها بذكر هللا 8
اساسا ؟؟؟ وبالتالي تكون القضية ذكر صافي هلل بعدد يقدره المصلي حسب راحته ؟؟ طبعا النقول العشرات ولكن الشيء
المنطقي الذي يصبغ القنوت والخشوع الذي ضاع من اكثر المصلين اثناء الصالة ؟؟؟ .واشكركم مرة اخرى التاحة الفرصة لنا
) بالتواصل معكم في هذا االمر الهام
:وأقول
ـ موضوع السالم فى نهاية الصالة كتبنا فيه مقاال يؤكد انه ال يتعارض مع القرآن الكريم 3 .ـ للمؤمن فى صالته أن 2 ، 4
يسبح هللا جل وعال ويحمده بما جاء فى القرآن الكريم .المهم الخشوع .و باالضافة الى الفاتحة أنا أختار بدايات سور األنعام
والكهف وسبأ وفاطر .وبدايات سور ( الملك ) و (الفرقان ) .وأقرأ مع التشهد ( أالية 18من سورة آل عمران ) آية
.الكرسى ( البقرة )255وأواخر سورة الحشر ( 22ـ ) هنا يكون االجتهاد داخل الصالة وليس بالهوى والتغيير والتبديل
ـ الركعات والركوع والسجود محدد .نحن ال نصلى كما يحلو لنا وحسب هوانا بل طاعة للرحمن وشرعه جل وعال .وهناك 5
.النوافل لمن يريد الزيادة
.قلنا إن الوضوء ليس لكل صالة بدليل ذكر نواقض الوضوء 7 :
.ـ نكرر أن المؤمن يعبد هللا جل وعال بما أمر وليس بما يهوى 8
اسامة قفيشة ( :هل الذكر المقصود هو مجرد لفظ األسماء !) ( إن كان كذلك فحين نقول ( ُّمَح َّم ٌد َّر ُس وُل ِهَّللا َو اَّلِذيَن َمَع ُه َأِش َّداء
َع َلى اْلُك َّفاِر ) هو ذكٌر لمحمد ,و قولنا ( َت َّب ْت َي َدا َأِبي َلَه ٍب َو َت َّب ) فهو ذكٌر ألبي لهب ,أنا أرى بأن إنكار التشهد بالتحيات ليس
لمجرد ذكر محمد باسمه عليه السالم ,و لكن ألن صيغة تلك التحيات لم ترد في ذكر هللا جل وعال الذي أمرنا سبحانه و تعالى
بأن نقيم الصالة به حين أمرنا سبحانه في قوله ( أقم الصالة لذكري ) ,مع التنويه هنا بأن ( أقم الصالة لذكري ) جاءت لموسى
.عليه السالم ,أي أنها جاءت من خالل القصص القرآني الذي ال يعتبر تشريعًا ) .
:وأقول
.ـ ( ذكر هللا ) جل وعال يعنى تعظيمه وحده ،ودون ذكر لمخلوق معه على سبيل التعظيم والتقديس 1
:ـ ذكر غير هللا جل وعال مع هللا يعنى 1
منع ذكر إسمه جل وعال .قال جل وعال َ( :و َم ْن َأْظ َلُم ِم َّم ن َّم َن َع َمَس اِج َد الَّلـِه َأن ُي ْذ َك َر ِفيَه ا اْس ُم ُه َو َس َع ٰى ِفي 1 / 1 :
َخ َر اِبَه ا ۚ ُأوَلٰـ ِئَك َم ا َك اَن َلُهْم َأن َي ْد ُخ ُلوَها ِإاَّل َخ اِئِفيَن ۚ َلُهْم ِفي الُّد ْن َي ا ِخ ْز ٌي َو َلُهْم ِفي اآْل ِخَر ِة َع َذ اٌب َع ِظ يٌم ﴿ )١١٤البقرة) .هذه
مساجد هللا جل وعال ويجب أن تكون لذكر هللا جل وعال وحده .المشركون يذكرون اسم هللا ويذكرون غيره معه .هذا منع لذكر
.هللا ،إذا ال ُي ذكر معه غيره
:شأن المشركين رفض ذكر إسم هللا جل وعال وحده .قال جل وعال 1 / 2 :
) َو ِإَذ ا َذ َك ْر َت َر َّب َك ِفي اْلُقْر آِن َو ْح َد ُه َو َّلْو ا َع َلٰى َأْد َب اِر ِه ْم ُنُفوًر ا ﴿ ﴾٤٦لالسراء( 1 / 2 / 1 :
َو ِإَذ ا ُذ ِك َر الَّلـُه َو ْح َد ُه اْش َم َأَّز ْت ُقُلوُب اَّلِذيَن اَل ُيْؤ ِم ُنوَن ِباآْل ِخَر ِة ۖ َو ِإَذ ا ُذ ِك َر اَّلِذيَن ِمن ُدوِنِه ِإَذ ا ُه ْم َيْس َت ْب ِش ُر وَن ﴿1 / 2 / 2 : (﴾٤٥
).الزمر
:ـ هللا جل وعال أورد ذكر بعض البشر بأسمائهم 2
منهم متقون مدحهم رب العزة جل وعال .قال جل وعال :قال جل وعال َ ( :و اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب َمْر َي َم ِإِذ انَت َب َذ ْت ِمْن َأْه ِلَه ا 2 / 1 :
َم َك اًن ا َش ْر ِقًّي ا﴿ ﴾١٦مريم (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ِإْبَر اِهيَم ۚ ِإَّن ُه َك اَن ِص ِّديًقا َّن ِبًّي ا ﴿ ﴾٤١مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ُم وَس ٰى ۚ ِإَّن ُه َك اَن ُم ْخ َلًص ا
َو َك اَن َر ُس واًل َّن ِبًّي ا ﴿ ﴾٥١مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي اْلِك َت اِب ِإْس َم اِع يَل ِۚإَّن ُه َك اَن َص اِدَق اْلَو ْع ِد َو َك اَن َر ُس واًل َّن ِبًّي ا ﴿ ﴾٥٤مريم ) (َو اْذ ُك ْر ِفي
اْلِك َت اِب ِإْد ِر يَس ۚ ِإَّن ُه َك اَن ِص ِّديًقا َّن ِبًّي ا ﴿َ ﴾٥٦و َر َفْع َن اُه َم َك اًن ا َع ِلًّي ا ﴿ ﴾٥٧مريم ) (اْص ِبْر َع َلٰى َم ا َي ُقوُلوَن َو اْذ ُك ْر َع ْب َد َن ا َداُو وَد َذ ا
اَأْلْي ِد ۖ ِإَّن ُه َأَّو اٌب ﴿ ﴾١٧ص ) (َو اْذ ُك ْر َع ْب َد َن ا َأُّي وَب ِإْذ َن اَد ٰى َر َّب ُه َأِّن ي َمَّس ِنَي الَّش ْي َط اُن ِبُنْص ٍب َو َع َذ اٍب ﴿ ﴾٤١ص ) ( َو اْذ ُك ْر ِع َب اَد َن ا
ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َح اَق َو َيْع ُقوَب ُأوِلي اَأْلْي ِدي َو اَأْلْبَص اِر ﴿ ﴾٤٥ص ) ( َو اْذ ُك ْر ِإْس َم اِعيَل َو اْلَيَس َع َو َذ ا اْلِك ْف ِل ۖ َو ُك ٌّل ِّم َن اَأْلْخ َي اِر ﴿ ﴾٤٨ص )
هنا ذكرهم بمدحهم وليس تقديسهم .ألن ذكر هللا جل وعال يكون بعبادته ،قال جل وعال َ( :و اْذ ُك ُر وا الَّلـَه َك ِثيًر ا َّلَع َّلُك ْم 2 / 2 :
ُتْف ِلُح وَن ﴿ ﴾١٠الجمعة ) (َو اْذ ُك ِر اْس َم َر ِّب َك َو َت َب َّت ْل ِإَلْي ِه َت ْب ِتياًل ﴿َّ ﴾٨ر ُّب اْلَم ْش ِر ِق َو اْلَم ْغ ِر ِب اَل ِإَلٰـ َه ِإاَّل ُه َو َفاَّت ِخ ْذ ُه َو ِك ياًل ﴿ ﴾٩المزمل )
(َو اْذ ُك ِر اْس َم َر ِّب َك ُبْك َر ًة َو َأِص ياًل ﴿ ﴾٢٥االنسان ) (َو اْذ ُك ر َّر َّب َك ِفي َن ْف ِس َك َت َض ُّر ًع ا َو ِخيَف ًة َو ُدوَن اْلَج ْه ِر ِمَن اْلَق ْو ِل ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل
َو اَل َتُك ن ِّم َن اْلَغ اِفِليَن ﴿ ﴾٢٠٥االعراف )
وهناك بشر كافرون مذكورون باالسم ،مثل والد ابراهيم آزر َ ( :و ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َأِلِبيِه آَز َر َأَتَّت ِخ ُذ َأْص َن اًم ا آِلَه ًة ۖ ِإِّن ي 2 / 3 :
َأَر اَك َو َق ْو َم َك ِفي َض اَل ٍل ُّم ِبيٍن ﴿ ﴾٧٤االنعام ) ،ومثل الطغاة فى هذه اآلية الكريمة َ( :و َلَق ْد َأْر َس ْلَن ا ُم وَس ٰى ِبآَي اِتَن ا َو ُس ْلَط اٍن ُّم ِبيٍن ﴿
ِ ﴾٢٣.إَلٰى ِفْر َع ْو َن َو َهاَم اَن َو َقاُر وَن َفَق اُلوا َس اِحٌر َك َّذ اٌب ﴿ )٢٤غافر ) .هنا ذكرهم ليس بالمدح بل بالذم
بالنسبة للعرب قوم النبى محمد عليه السالم فقد قال جل وعال يخاطبهم َ ( :لَق ْد َأنَز ْلَن ا ِإَلْي ُك ْم ِك َت اًب ا ِفيِه ِذ ْك ُر ُك ْم َۖأَفاَل 2 / 4 :
َت ْع ِقُلوَن ﴿ ﴾١٠االنبياء ) .يعنى جاء فى القرآن الكريم ذكرهم .وتكرر وصفهم بالكفر والشرك واالجرام .ومن أوصافهم قوله جل
وعال عنهم فى الدنيا َ ( :و َك َّذ َب ِبِه َقْو ُم َك َو ُه َو اْلَح ُّق ۚ ُقل َّلْس ُت َع َلْي ُك م ِبَو ِكيٍل ﴿ِّ ﴾٦٦لُك ِّل َن َب ٍإ ُّمْس َت َق ٌّر ۚ َو َس ْو َف َت ْع َلُم وَن ﴿﴾٦٧
االنعام ) ،وعن اآلخرة سيتبرأ منهم الرسول َ( :و َقاَل الَّر ُس وُل َي ا َر ِّب ِإَّن َقْو ِمي اَّتَخ ُذ وا َه ٰـ َذ ا اْلُقْر آَن َمْهُج وًر ا ﴿َ ﴾٣٠و َك َٰذ ِلَك َج َع ْلَن ا
ِ.لُك ِّل َن ِبٍّي َع ُد ًّو ا ِّم َن اْلُمْج ِر ِميَن ۗ َو َك َف ٰى ِبَر ِّب َك َهاِد ًي ا َو َن ِص يًر ا ﴿ ﴾٣١الفرقان ) .هنا ذكرهم ليس بالمدح بل بالذم
ـ أى إن معنى الذكر يختلف حسب السياق .يكون عبادة وتضرعا وتقديسا للرحمن جل وعال .ويكون مدحا منه جل وعال 3
.للمتقين ،ويكون ذما وتحقيرا للضالين .وإستشهدنا بأشخاص بأسمائهم
ـ الصالة هى ذكر هلل جل وعال وحده ،وهى ذكر منّظ م بالركعات والقيام والركوع والسجود والتشهد ،وبهذا الذكر تتجدد صلة 4
المؤمن بربه جل وعال ،وهو حين ( يذكر )ربه جل وعال خاشعا (يتذكره ) ربه جل وعال برحمته ،لذا فالمؤمن يستعين ( على
كل شىء ) بالصبر والصالة ،قال جل وعال يربط بين الصالة والذكر ( ذكره جل وعال وحده ) َ ( :فاْذ ُك ُر وِني َأْذ ُك ْر ُك ْم َو اْشُك ُر وا ِلي
َ .و اَل َتْك ُفُر وِن ﴿َ﴾١٥٢ي ا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اْس َت ِعيُنوا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص اَل ِة ۚ ِإَّن الَّلـَه َمَع الَّص اِبِر يَن ﴿ ﴾١٥٣البقرة )
وهو نفس ما جاء لبنى اسرائيل .قال لهم جل وعال َ ( :و َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة َو اْر َك ُع وا َمَع الَّر اِكِعيَن ﴿َ ﴾٤٣أَت ْأُمُر وَن
الَّن اَس ِباْلِبِّر َو َت نَس ْو َن َأنُفَس ُك ْم َو َأنُتْم َتْت ُلوَن اْلِك َت اَب ۚ َأَفاَل َت ْع ِقُلوَن ﴿َ ﴾٤٤و اْس َت ِعيُن وا ِبالَّص ْب ِر َو الَّص اَل ِة ۚ َو ِإَّن َه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإاَّل َع َلى
اْلَخ اِش ِعيَن ﴿ ﴾٤٥البقرة )
مقدمة
ـ عام 1984حين كنت ضمن قادة جماعة دعوة الحق االسالمية مصلحا فى الدين السنى أعلنت أنه ال قصر فى الصالة فى 1
السفر العادى .وحدث أن جاء أحد كبار الدعاة المخضرمين الى المركز العام للجماعة فى مسجدها بالدقى ،وهو من طنطا ،
وقام يؤم الناس فى صالة الظهر ،فصّلى الظهر ركعتين ثم توقف على عادة السنيين وقال لمن خلفه على عادة السنيين " :
أتُّم وا صالتكم فإّن ا على سفر" .فقاطعه بواب المسجد وقال له ( :الدكتور أحمد صبحى منصور قال " إنه ال قصر إال فى صالة
الخوف .) ".وكانت مشكلة 2!!.ـ ال يزال السنيون يصلون صالة الُّس نن بزعمهم عبادة وتقديسا اللههم المصنوع الذى سموه
محمدا ،ثم يقصرون فى صلوات الفرض .وحتى لو كانت صالة الُس ّن ة عندهم من ( الكماليات ) أو ليست فرضا ،فكيف
يحافظون عليها ويقصرون فى صالة الفرض ؟ كيف يصلى أحدهم ُس ّن ة الظهر ثم يقصر فى صالة الظهر بزعم أنه على سفر.
أليس هذا نوعا فريدا من الخبل العقلى ؟
.ـ نتوقف فى لمحة عن هذا الخبل العقلى المناقض لالسالم 3
أوال :التواتر االسالمى هو قصر الصالة فى الخوف فقط ،وال جمع بين الصلوات 1:ـ القصر فى الصالة ال يكون إال فى حالة
الخوف واحتمال الموت .قال جل وعال َ ( :و َم ْن ُيَه اِجْر ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َي ِج ْد ِفي اَأْلْر ِض ُمَر اَغ ًم ا َك ِثيًر ا َو َس َع ًة َو َم ْن َي ْخ ُرْج ِمْن َبْي ِتِه
ُمَه اِجًر ا ِإَلى ِهَّللا َو َر ُس وِلِه ُث َّم ُي ْد ِر ْك ُه اْل َمْو ُت َفَق ْد َو َقَع َأْج ُرُه َع َلى ِهَّللا َو َك اَن ُهَّللا َغ ُفوًر ا َر ِحيًم ا َ ،و ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي اَأْلْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم
ُج َن اٌح َأْن َت ْق ُصُر وا ِمَن الَّص اَل ِة ِإْن ِخْف ُتْم َأْن َي ْف ِتَنُك ُم اَّلِذيَن َك َفُر وا ِإَّن اْلَك اِفِر يَن َك اُن وا َلُك ْم َع ُد ًّو ا ُم ِبيًن ا ) .النساء 100؛ ."101ومعناه
أن المهاجر أو المجاهد يكون عليه جناح ومؤاخذة إذا قصر من الصالة إن لم يكن فى حالة خوف من الفتنة تستوجب أن يصلى
صالة الخوف ،ومعناه بالتالى أن المسافر سفرا عاديا ال شأن له على اإلطالق بقصر الصالة .ومفهوم أن تشريع صالة الخوف
ـ فى القتال والمطاردة ـ نزل مفصال لقوم يعرفون الصالة المتوارثة من ملة ابراهيم ،ولكن ظروف الهجرة والحرب والمطاردة
إستلزمت تشريعا جديدا فى قصر الصالة ،ويكفى أنه بعد توضيح هذا التشريع الجديد قال جل وعال عن حالة القتال والمطاردة
بعدها َ( :و ال َت ِه ُنوا ِفي اْب ِتَغ اِء اْلَق ْو ِم ِإْن َتُك وُنوا َت ْأَلُم وَن َفِإَّن ُهْم َي ْأَلُم وَن َك َم ا َت ْأَلُم وَن َو َت ْر ُج وَن ِمْن ِهَّللا َم ا ال َيْر ُج وَن َو َك اَن ُهَّللا َع ِليمًا
َ.ح ِكيمًا ( )104النساء )
ـ ليس هناك قصر للصالة فى السفر ،ولكن قد تستجد ظروف ال تمكن المؤمن من أداء الصالة بكيفيتها من ركوع وسجود 2 ،
وهو يخاف أن يضيع وقت الصالة ،كمن يركب سيارة أو طائرة ويتعذر عليه الوقوف والركوع والسجود ،أو يكون فى طابور
انتظار طويل يقضى مصلحة له ،أو فى حالة حرب من حركة وكّر وفّر ،وتستمر حالته هذه بحيث يضيع منه وقت صالة الظهر
او العصر مثال .هنا يمكن أن يصلى كيفما اتفق ،راجال مترجال أو راكبا أو جالسا حتى ال يضيع منه وقت الصالة .وفى هذا
يقول جل وعال َ (:ح اِفُظ وا َع َلى الَّص َلَو اِت َو الَّص الِة اْلُو ْس َط ى َو ُقوُم وا ِهَّلِل َقاِنِتيَن (َ )238فِإْن ِخْف ُتْم َفِر َج اًال َأْو ُر ْك َب انًا َفِإَذ ا َأِمنُتْم
َ.فاْذ ُك ُر وا َهَّللا َك َم ا َع َّلَم ُك ْم َم ا َلْم َتُك وُنوا َت ْع َلُم وَن ( )239البقرة )
ـ ال وجود فى االسالم للجمع بين الصالتين .إن الصالة علينا مفروضة فى أوقاتها الخمس المعروفة ِ( :إَّن الَّص الَة َك اَن ْت َع َلى 3
اْلُم ْؤ ِمِنيَن ِك َت ابًا َمْو ُقوتًا ( )103النساء ) ،وطبقا للمقصد االسالمى التشريعى فى التخفيف ورفع الحرج يمكن للمؤمن أن يصلى
فى كل حال ،يصلى وقت الصالة المفروضة قائما أو ماشيا أو نائما ،ولو بلسانه وعينيه عند المرض بشرط إستحضار الخشوع
.ما أمكن ،وعليه ،فال حاجة للجمع بين الظهر والعصر مثال
ـ األساس هو ( الخشوع فى الصالة ) و ( المحافظة عليها) بمعنى (إقامة الصالة ) قلبيا وسلوكيا بأن تتقى هللا جل وعال فال 4
تقع فى فحشاء وال منكر وال ظلم بين أوقات الصالة ،ألن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر (ِإَّن الَّص الَة َتْن َه ى َع ْن اْلَف ْح َش اِء
َو اْلُم ْنَك ِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْع َلُم َم ا َت ْص َن ُع وَن ( )45العنكبوت ) وألن المؤمن يجب أن يطيع قول ربه جل وعال ِ ( :إَّن َهَّللا َي ْأُمُر
ِباْلَع ْد ِل َو اِإلْح َس اِن َو ِإيَت اِء ِذي اْلُقْر َب ى َو َي ْن َه ى َع ْن اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر َو اْلَب ْغ ِي َي ِع ُظ ُك ْم َلَع َّلُك ْم َت َذ َّك ُر وَن ( )90النحل ) .أى أن مدار
فريضة الصالة أن تخشع وقت الصالة ،وأن تتقى هللا جل وعال فيما بين الصلوات .وقد جاء هذان معا فى أوائل سورة
.المؤمنون عن صفات المؤمنين المفلحين أصحاب النعيم
ثانيا :البداية التاريخية للتواتر الشيطانى فى القصر والجمع
ـ سبق أن خلفاء بنى أمية فى تهاونهم فى الصالة كانوا يؤخرونها أو بالتعبير السائد عنهم أنهم ( قد أماتوها بالتأخير ) 1
(السيوطى :تاريخ الخلفاء .) 395وقد مدحوا الخليفة سليمان بن عبد الملك أنه أقلع عن هذا فى خالفته القصيرة وتبعه عمر
.بن عبد العزيز ،ثم عاد بنو أمية الى تأخير الصالة ،وإشتهر بهذا الحجاج فى تأخيره صالة الجمعة بسبب تطويله الخطبة
ـ وال يقال بأن تأخير األمويين فى الصالة وإماتتهم لها – بالتعبير التراثى – قد انتقلت إلى متحف التاريخ مع الدولة األموية إذ 2
أن العصر العباسى ــ وهو عصر التقعيد والتشريع للدين األرضى السائد ـ مالبث أن جعل تلك السنة األموية السيئة شريعة سنية
.تحمل إسما أخر هو قصر الصالة وجمعها وتأخيرها
ـ وكالعادة اختلفوا ،بعضهم إخترع لهذه الفرية الكثير من األحاديث والروايات ولم يقتنع األخرون بهذه المقوله فواجهوهم 3
.بأحاديث أخرى .ونقل المؤرخ ابن سعد فى الطبقات الكبرى هذا وذاك
يروى ابن سعد عن بعضهم قوله " صليت مع عمر بن الخطاب فكان يجمع المغرب ثالثا والعشاء ركعتين " الطبقات 3 / 1 :
.الكبرى ، 107 ،6أى يصلى ويقصر أى يستعمل قصر الصالة مع الجمع والتأخير
ويروى عن أخر أن عمر بن عبدالعزيز فى خالفته كان إذا أتم الصالة جمع بالناس وإذا صلى ركعتين لم يجمع 3 / 2 : ،5 ( .
) 261أى إذا كان قصر بالصالة لم يجمع ،وإذا جمع بين الصلوات فإنه يقصرها .أى يصليها قصرا .أى أنه ال يجمع بين
القصر فى الصالة وجمع الصالة وتأخيرها فإذا استعمل أحدهما ال يستعمل األخرى .وهنا تعارض بين ما كان يفعله عمر بن
.الخطاب وما فعله عمر بن عبدالعزيز
وهناك روايات أخرى عن صحابه وتابعين كانوا يقصرون الصالة فى السفر .يروى ابن سعد أن عمر بن الخطاب خرج 3 / 3 :
.إلى الجباية فى الشام فى صفر 16هــ فأقام بهاعشرين ليلة يقصر الصالة ( ابن سعد ) 203 ، 3
ورواية أخرى تزعم أن عليا بن أبى طالب قصر صالة الجمعة .وال يعرف أحدهم كيف يقصر صالة الجمعة وهى مجرد 3 / 4 :
ركعتين ،تقول الرواية لصاحبها الحارث بن توب " صلى بنا علُّى الجمعة فلما سلم قام فقال :عباد هللا أتموا الصالة ُ،ثم قام
.فدخل )( الطبقات الكبرى ) 168 ، 6
وروى ابن سعد أن عبدهللا بن عمر أقام باذربيجان ستة أشهر حبسه فيها الثلج فكان يقصر الصالة ( الطبقات الكبرى 3 / 5 :
) 119 ،4كما يروى ان الشعبى – من كبار التابعين – مكث فى خرسان عشرة أشهر ال يزيد عن ركعتين أى يقصر كل صالة
.رباعية ( الطبقات ) 173 ،6
وفى مواجهة تلك الروايات يذكر ابن سعد فى نفس الكتاب رواية واحدة تهدمها جميعا ،يقول " هبط الكوفة ثالثمائه من 3 / 6 :
.أمن أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر ،النعلم أحد منهم قصر " الطبقات الكبرى 6،4
ـ وفى الجمع بين الصالتين – كالجمع بين الظهر والعصر أو الجمع بين المغرب والعشاء أو تأخيرهما تأتى روايات متعارضة 4
.
تقول رواية ان على بن الحسين ( زين العابدين ) كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فى السفر 4 / 1 :
.ويقول :كان رسول هللا يفعل ذلك وهو غير عجل وال خائف ( الطبقات ) 163 ،5
ثم فى رواية أخرى مناقضة يقول فيها أبو إسحاق السبيعى " كنا فى زمن معاوية بخرسان ال نجمع " ( الطبقات الكبرى 4 / 2 :
) 6،219 .
ـ هذه الروايات المتناقضة ليست سوى مجرد جدل فقهى يناقض القرآن الكريم .هجروا القرآن الكريم وإفتروا أحاديث 5
.وإختلفوا ـ كالعادة ـ فيها ،واستندوها إلى صحابه وتابعين ماتوا من قبل العصر العباسى
ـ مالك بن أنس هو رائد كل هذا اإلفتراء والهجص ،وتابعه أخرون أهمهم الشافعى والبخارى .والموضوع طويل نكتفى بلمحة 6
.عنه
:ثالثا :نماذج من إختالفات موطأ مالك
ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،ع ِن اْب ِن ُعَمَر َ ،أَّن ُه َك اَن ُيَس اِفُر ِإَلى َخ ْيَبَر َفَي ْق ُصُر الَّص َالَةَ ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن 1
ِش َه اٍبَ ،ع ْن َس اِلِم ْب ِن َع ْب ِد ِهَّللاَ ،أَّن َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن َي ْق ُصُر الَّص َالَة ِفي َم ِس يِر ِه اْلَيْو َم الَّت اَّم .) .هو نفس الشخص ( ابن
عمر ) مع إختالف فى مسافة القصر فى السفر .ـ ( ــ َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن َع َّب اٍس َ ،ك اَن َي ْق ُصُر الَّص َالَة ِفي
ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو الَّط اِئِف َو ِفي ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو ُعْس َفاَن َو ِفي ِم ْث ِل َم ا َبْي َن َم َّك َة َو ُج َّد َة َ .قاَل َم اِلٌك َو َذ ِلَك َأْر َبَع ُة ُبُر ٍد َو َذ ِلَك َأَح ُّب َم ا
ُتْق َص ُر ِإَلَّى ِفيِه الَّص َالُة َ .قاَل َم اِلٌك َال َي ْق ُصُر اَّلِذي ُيِر يُد الَّس َف َر الَّص َالَة َح َّت ى َي ْخ ُرَج ِمْن ُبُيوِت اْلَقْر َي ِة َو َال ُيِتُّم َح َّت ى َي ْد ُخ َل َأَّو َل ُبُيوِت
.اْلَق ْر َي ِة َأْو ُيَق اِر ُب َذ ِلَك ) .تقدير آخر مختلف فى مسافة القصر
ابن عمر يقصر هناك وال يقصر هنا
!!.ابن عمر ال يقصر أصال َ ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن ُه َك اَن ُيَس اِفُر َمَع اْب ِن ُعَمَر اْلَب ِر يَد َفَال َي ْق ُصُر الَّص َالَة ( .
!! :القصر فى الصبح فقط
ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن َال َي ِز يُد َع َلى اِإلَقاَم ِة ِفي الَّس َف ِر ِإَّال ِفي الُّصْب ِح َفِإَّن ُه َك اَن ُيَن اِدي ِفيَه ا
َ .و ُيِقيُم َو َك اَن َي ُقوُل ِإَّن َم ا اَألَذ اُن ِلِإل َم اِم اَّلِذي َيْج َت ِم ُع الَّن اُس ِإَلْي ِه ) فى الجميع حتى فى األذان
ـ ( َو َح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َةَ ،أَّن َأَب اُهَ ،قاَل َلُه ِإَذ ا ُكْن َت ِفي َس َف ٍر َفِإْن ِش ْئ َت َأْن ُتَؤ ِّذ َن َو ُتِقيَم َفَع ْلَت َو ِإْن ِش ْئ َت
َ.فَأِقْم َو َال ُتَؤ ِّذ ْن َ .قاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ُقوُل َال َب ْأَس َأْن ُيَؤ ِّذ َن الَّر ُج ُل َو ُه َو َر اِك ٌب ) .
نالحظ أن مالك بن أنس أسند دور البطولة فى فيلم قصر الصالة وجمعها البن عمر .ويزعم مالك أنه سمع هذا من نافع مولى
ابن عمر .وقلنا من قبل أنه لم ير ولم يسمع ولم يقابل نافع مولى عبد هللا بن عمر .مالك ال يرفع هذه األحاديث للنبى ،وأنه
.يقتصر على ابن عمر الذى كان طفال حين مات النبى عليه السالم ،أى إن مالك اعجوبة فى الكذب
ولكن من جاء بعده تفوق عليه ،إذ قاموا بإختراع أحاديث لم يقلها مالك وصنعوا لها أسانيد جديدة ،ورفعوا بعضها للنبى
:محمد .وهذا ما فعله الشافعى والبخارى وغيرهما .نعطى لمحة عن أكاذيب البخارى فى قصر الصالة وجمعها
رابعا :تناقضات البخارى
ـ جعل النبى يقصر تسعة عشر يوما ( :حدثنا أبو موسى بن إسماعيل قال :حدثنا أبو عونة ،عن عاصم وحصين ،عن 1
عكرنة ،عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :أقام النبي صلى هللا عليه وسلم تسعة عشر يقصر ،فنحن إذا سافرنا تسعة عشر
قصرنا ،وإن زدنا أتممنا).
:ـ ثم حديث آخر يجعل النبى يقصر عشرة أيام فقط 2
حدثنا أبو معمر قال :حدثنا عبد الوارث قال :حدثنا يحيى بن أبي إسحق قال :سمعت أنسا يقول :خرجنا مع النبي النبي صلى هللا
عليه وسلم من المدينة إلى مكة ،فكان يصلي ركعتين ركعتين ،حتى رجعنا إلى المدينة .قلت :أقمتم بمكة شيئا؟ قال :أقمنا بها
.عشرا
ـ ثم حديث يجعله يوما وليلة فقط :وسمى النبي النبي صلى هللا عليه وسلم يوما وليلة سفرا .وكان ابن عمر وابن عباس 3
.رضي هللا عنهم يقصران ويفطران في أربع برد ،وهي ستة عشر فرسخا
:ـ ثم إختالفات فى القصر فى الحج فى ( منى ) 4
حدثنا مسدد قال :حدثنا يحيى ،عن عبيد هللا قال :أخبرني نافع ،عن عبد هللا رضي هللا عنه قال :صليت مع النبي النبي 4 / 1 :
.صلى هللا عليه وسلم بمنى ركعتين ،وأبي بكر وعمر ،ومع عثمان صدرا من إمارته ،ثم أتمها
حدثنا أبو الوليد قال :حدثنا شعبة :أنبأنا أبو إسحق قال :سمعت حارثة بن وهب قال :صلى بنا النبي صلى هللا عليه 4 / 2 :
.وسلم ،آمن ما كان ،بمنى ركعتين
حدثنا قتيبة قال :حدثنا عبد الواحد ،عن األعمش قال :حدثنا إبراهيم قال :سمعت عبد الرحمن بن يزييد يقول :صلى بنا 4 / 3 :
عثمان بن عفان رضي هللا عنه بمنى أربع ركعات ،فقيل لعبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه فاسترجع ،ثم قال :صليت مع رسول
هللا النبي صلى هللا عليه وسلم بمنى ركعتين ،وصليت مع أبي بكر رضي هللا عنه بمنى ركعتين ،وصليت مع عمر بن الظاب
.رضي هللا عنه بمنى ركعتين ،فليت حظي من أربع ركعات متقبلتان
حدثنا أبو نعيم قال :حدثنا سفيان ،عن محمد بن المننكدر وإبراهيم بن ميسرة ،عن أنس رضي هللا عنه قال :صليت 4 / 4 :
.الظهر مع النبي صلى هللا عليه وسلم بالمدينة أربعا ،والعصر بذي الحليفة ركعتين
:ـ ثم أحاديث أخرى مختلفة عن عبد هللا بن عمر 5
.رأيت رسول هللا النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر ،يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء 5 / 1 :
.قال سالم :وكان عبد هللا ( ابن عمر ) يفعله إذا أعجله السير 5 / 2 :
وزاد الليث قال :حدثني يونس ،عن ابن شهاب( الزهرى ) ،قال سالم :كان ابن عمر رضي هللا عنهما يجمع بين 5 / 3 :
المغرب والعشاءبالمزدلفة .قال :سالم :وأخر ابن عمر المغرب ،وكان استصرخ على إمرأته صفية بنت أبي عبيد ،فقلت له:
الصالة ،فقال :سر ،فقلت :الصالة ،فقال :سر ،حتى سار ميلين أو ثالثة ،ثم نزل فصلى ،ثم قال :هكذا رأيت النبي صلى هللا عليه
.وسلم يصلي إذا أعجله السير
وقال عبد هللا (ابن عمر ) :رأيت النبي النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أعجله السير يؤخر المغرب فيصليها ثالثا ،ثم 5 / 4 :
.يسلم ،ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء ،فيصليها ركعتين ،ثم يسلم ،وال يسبح بعد العشاء ،حتى يقوم من جوف الليل
:ــ ثم هذا الحديث المضحك الذى إخترعه البخارى 6
حدثنا عبد هللا بن محمد قال :حدثنا سفيان ،عن الزهري ،عن عروة ،عن عائشة رضي هللا عنها قالت :الصالة أول ما فرضت
.ركعتين ،فأقرت صالة السفر ،وأتمت صالة الحضر .قال الزهري :فقلت لعروة :ما بال عائشة تتم؟ قال :تأولت ما تأول عثمان
ومعناه أن الصالة فرضت ناقصة مثنى مثنى وكان المسلمون وقتها فى حال ترحال وسفر ثم إذا استقروا فى الحضر زادت فى
.الحضر وبقيت مثنى مثنى على المسافر كما كانت أوال
والواقع التاريخى يقول أن المسلمين كانوا مستقرين فى مكة ثم فى المدينة .لم يكونوا فى حالة ترحال مستمر فى تيه الصحراء
ثم استقروا فى النهاية كما يوحى بذلك الحديث السابق .االستثناء فى حالة االستقرار هذه حدثت فى الهجرة .ولذا نزل تشريع
قصر الصالة ليعالج هذه الحالة االستثنائية الطارئة فى السفر للهجرة أو الجهاد .والواقع القرآنى يقول " َو ِإَذ ا َض َر ْب ُتْم ِفي
اَأْلْر ِض َفَلْيَس َع َلْي ُك ْم ُج َن اٌح َأْن َت ْق ُصُر وا ِمَن الَّص اَل ِة ) أى من الصالة المعروفة الكامله يكون القصر ،فاألصل أن الصالة كامله
..كما أن االصل هو اإلستقرار فى الحضر وليس الترحال والسفر
أخيرا
.فى كل هذا الهجص واإلفتراء ال تستطيع أن تخرج بتشريع واحد متفق عليه فى زعمهم قصر الصالة فى السفر وجمعها
الفصل السادس :التواتر الشيطانى فى إختراع صالة العيدين :أوال :مالك بن أنس ،الرائد الشيطانى
:أوال
ليس فى االسالم فريضة االحتفال باألعياد
ـ (المسلم ) العادى ال يصلى الفرائض الخمس يوميا ـ فى األغلب ـ ولكنه قلما تفوته صالة العيد ألن صالة العيد أضحت عادة 1
إجتماعية الزمة .هوايضا يصوم رمضان مع كونه اليصلى غالبا ،ألن الصوم فى رمضان قد تحول الى عادة إجتماعية مرتبطة
بذكريات لها عبق خاص ،فهو يصوم بحكم العادة ،وبعد الصيام يصلى العيد فرحا بحكم العادة ايضا .ولقد تحول الحج الى
مناسبة يعقبها صالة عيد بحكم العادة ،وفيه الناس يذبحون ( الهدى ) فى بيوتهم كما لو كانوا فى االحرام فى البيت الحرام .بل
.وفى صالة العيدين يكبرون تكبيرات االحرام كما لو كانوا فى مناسك الحج
ـ أغلب (العبادات ) فى بالد ( المسلمين ) اصبحت (عادات) إجتماعية ،يؤدونها ( جماعيا ) كما وجدوا عليها آباءهم ،وغالبا 2
بال تقوى .غاب الخشوع والتقوى فى صومهم رمضان ،فتحول رمضان الى شهر االمتالء والسهر حتى الصباح وتمضية وقت
الصيام فى كسل وفى قرف ( .العادة ) تقتل االخالص فى ( العبادة ) ،وتجعل أداءها روتينيا بال إحساس بالتقوى .هذا مع
العبادات التى فرضها رب العزة جل وعال كالصالة والصوم .ولكن عندما يبتدعون عبادة ترتبط بمواسم إجتماعية تراهم
يمارسونها ( جماعيا ) بشغف وإهتمام .هذا هو الفارق بين التكاسل والتهاون فى أداء الصلوات الخمس والشغف فى صالة
.!!.العيد ،وهو نفس الفارق بين الصوم فى رمضان ( المفروض ) وصوم عاشوراء و صوم (الستة البيض ) المحببة للنساء
:ثانيا
جعل العيد دينا هو وقوع فى الشرك والكفر
ـ لك أن تصلى نافلة ولكن دون أن تجعل هذا شعائر دينية تخترع لها أحاديث .لك أن تصلى نافلة الوتر وغير الوتر ،وأن 1
تصلى بقدر ما تستطيع ،ولك أن تصوم أى يوم فى غير رمضان ( ،حتى أيام األعياد وما ُي عرف بيوم الوقفة )،ولكن ال بد أن
.تضع فى ُح سبانك أنها نوافل ( تتقرب ) بها لرب العزة لتكون يوم القيامة من ( السابقين المقربين )
.ـ المشكلة فى أن االبتداع فى الدين يوقع فى الشرك والكفر العقيدى .وهذا يستلزم توضيحا 2
من ( المباح ) أن تحتفل بأى عيد شئت ؛عيد ميالدك وعيد ميالد خالتك وعيد الثورة وعيد الربيع وعيد االستقالل ..الخ .لكن
يتحول هذا ( المباح ) الى وقوع فى الشرك إذا جعلته دينا تعتقد أنك بذلك تتقرب به الى هللا جل وعال زلفى .أنت بهذا تقع تحت
طائلة قول رب العزة جل وعال َ ( :أْم َلُهْم ُشَر َك اُء َش َر ُع وا َلُهْم ِمْن الِّديِن َم ا َلْم َي ْأَذ ْن ِبِه ُهَّللا َو َلْو ال َك ِلَم ُة اْلَفْص ِل َلُقِض َي َبْي َن ُهْم َو ِإَّن
الَّظ اِلِميَن َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم ( )21الشورى ) .هذا هو الشرك العلمى بإتباع أحاديث شيطانية تبتدع فى دين هللا جل وعال عبادات ما
أنزل هللا جل وعال بها من سلطان .ثم ،إذا أقمت ( عيدأ ) أى إحتفاال دينيا على ذكرى ( ولّى ) أو على قبر مقدس ( كالموالد )
فقد وقعت فى الشرك العملى ،وهو عادة سيئة للبشر ،وقد تحولت الموالد واالحتفاالت الدينية حول األوثان والقبور المقدسة
الى مناسبات إجتماعية يكون فيها التعارف وتكون فيها المودة .ولقد قالها ابراهيم عليه السالم لقومه من آالف األعوام َ( :و َقاَل
ِإَّن َم ا اَّتَخ ْذ ُتْم ِمْن ُدوِن ِهَّللا َأْو َث انًا َمَو َّد َة َبْي ِنُك ْم ِفي اْلَح َي اِة الُّد ْن َي ا ُثَّم َيْو َم اْلِقَي اَم ِة َي ْك ُفُر َبْع ُض ُك ْم ِبَبْع ٍض َو َي ْلَع ُن َبْع ُض ُك ْم َبْع ضًا َو َم ْأَو اُك ْم الَّن اُر
َ .و َم ا َلُك ْم ِمْن َن اِص ِر يَن ()25العنكبوت )
ـ هناك إرتباط إجتماعى شديد بصالة العيد ،يؤكده ذكريات صالة العيد من الطفولة،وتغلغلها فى الحياة االجتماعية الى درجة 3
أن أصبحت متاحة لإلستغالل السياسى وأن تتحول الى مظاهرة سياسية ومظهر للتسلط وإظهار القوة كما يفعل السلفيون
الوهابيون اآلن .ولكن هذا كله ال يجعلها فريضة دينية ،وال يستطيع أى فقيه من فقهاء األديان األرضية أن يقول إنها
فريضة .غاية ما يستطيع أن يقول أنها ٍ( ُس ّن ة مؤكدة ) ،وهذا مصطلح فقهى إخترعه أرباب الدين الُّس ّن ى لتأكيد بعض
.تشريعاتهم األرضية ومنحها ُص دقية
ـ إن مصطلح العيد قد جاء مرة وحيدة فى القرآن الكريم َ ( :قاَل ِع يَس ى اْب ُن َمْر َي َم الَّلُهَّم َر َّب َن ا َأنِز ْل َع َلْي َن ا َم اِئَد ًة ِمْن الَّس َماِء َتُك وُن 4
َلَن ا ِع يدًا َألَّو ِلَن ا َو آِخِر َن ا َو آَي ًة ِم ْن َك َو اْر ُز ْق َن ا َو َأْن َت َخ يُر الَّر اِز ِقيَن (َ )114قاَل ُهَّللا ِإِّن ي ُم َنِّز ُلَه ا َع َلْي ُك ْم َفَم ْن َي ْك ُفْر َبْع ُد ِم ْنُك ْم َفِإِّن ي ُأَع ِّذ ُبُه
َع َذ ابًا ال ُأَع ِّذ ُبُه َأَح دًا ِمْن اْل َع اَلِميَن ( ) 115المائدة ) .لو كان (العيد ) شرعة إسالمية لنزل هذا فى القرآن فريضة يجب أداؤها .
ولكن المرة الوحيدة الى ذكر فيها رب العزة مصطلح العيد كان فى قصص عيسى عليه السالم ،نفهم منها أن كلمة العيد ال شأن
لها بالصالة أو التعبد ،بل مجرد إحتفال بمائدة طعام تنزل من السماء إستجابة لدعوة نبى ،ومشروطة بعذاب أليم لو عصوا
.بعدها
:ثالثا
لمحة عن تاريخ (األعياد )
ـ ولقد تكاثرت األعياد الدينية فى األديان المسيحية األرضية .وبدأ األمر لدى (المسلمين) بعيدى الفطر واألضحى فيما قرره 1
مالك فى المدينة ،حيث كانت الحياة بسيطة ،ثم عرفوا الترف فى العصر العباسى الثانى الذى شهد ظهور أئمة الدين الُّس ّن ى من
البخارى ومسلم ،وشهد أيضا تسيد األديان األرضية من ُس ّن ة وتشيع وظهور التصوف ،فتكاثرت األعياد الدينية ولم تعد قاصرة
على عيدى الفطر واألضحى .وتفنن الشيعة ــ بالذات ــ فى إختراع صنوف من األعياد ،تسلل بعضها الى السنيين مثل
.االحتفال بعاشوراء ( 10محرم )
ـ وفى مصر أحدثت الدولة الفاطمية بدعة الموالد واألعياد وشاركت فيها رسميا وجعلتها عنصرا أساسيا في الحياة الدينية 2
ضمن سياستها في الدعاية لعقيدتها الشيعية وتقربا للمصريين من مسلمين وأقباط .وتنوعت األعياد الفاطمية بين أعياد شيعية
مثل عيد الغدير وعاشوراء وليالي الوقود في رجب وشعبان وأعياد قبطية مثل ميالد المسيح والغطاس وخميس العهد والنوروز
وأعياد مصرية مثل فتح الخليج واحتفاالت بمناسبات (إسالمية) مثل غرة رمضان والسحور ,واحتفاالت سياسة مثل عيد النصر
الذي عمله الخليفة الحافظ بمناسبة خروجه من محبسه باإلضافة إلى موالد الخلفاء واألئمة ومولد النبي .وقد أسهب المقريزي
في وصف احتفاالتهم بهذه األعياد .وال ننسى أن المصريين دخلوا أفواجا فيما حسبوه إسالما فى العصر الفاطمى .وال تزال
.الشعائر الدينية االحتفالية المصرية تحمل وزر هذا التشيع حتى اآلن
ـ وانتهى دين التشيع فى مصر وحّل محله دين التصوف الُّس ّن ى ،وبرزت إحتفاالت دينية وضعية أخرى ،منها عيد 27رجب 3
بزعم أنه وقت االسراء والمعراج .وهذا نفيناه فى بحث منشور هنا عن أن ليلة االسراء هى ليلة القدر .ومنها االحتفال بعيد
النصف من شعبان ،وكان مشهورا فى العصر المملوكى ،وفيه ارتبط (االنتحال باالنحالل ) .يتجمع الناس للصلوات رجاال
ونساءا فى ضوء المصابيح ،وبين الظالل وفى الزحام ينتشر الزنا والشذوذ الجنسى .وقد عرضنا لإلنحالل الخلقى فى العصر
المملوكى بتأثير التصوف فى مقاالت كتاب منشور هنا ،وكانت تزدهر فى الموالد وفى المؤسسات الدينية .يهمنا هنا جانب
االنتحال ،فقد أضفى المتصوفة مناقب كثيرة على ليلة النصف من شعبان ،وجعلوا لها صالة خاصة يقرأ فيها (قل هو هللا أحد)
ألف مرة ألنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ،يقول أبو شامة فى كتابه ( الباعث ) (وهى صالة طويلة مستثقلة لم يأت
فيها خبر وال أثر إال ضعيف موضوع) .وذكر األحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضاعين من الصوفية
(.وكلفوا عباد هللا باألحاديث الموضوعة فوق طاقتهم)
.ـ كل هذا الهجص بدأه مالك فى الموطأ ،ثم تابعه البخارى ومسلم 7
:رابعا
:فى موطأ مالك ( رواية يحيى )
:أحاديث تنفى صالة العيد وأخرى تثبتها
ـ ( َ -ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َس ِم َع َغ ْيَر َ ،و اِحٍدِ ،مْن ُع َلَم اِئِهْم َي ُقوُل َلْم َي ُك ْن ِفي ِع يِد اْلِفْط ِر َو َال ِفي اَألْض َح ى ِنَداٌء َو َال ِإَقاَم ٌة 1
ُ .م ْن ُذ َز َم اِن َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ِإَلى اْلَيْو ِم َ .قاَل َم اِلٌك َو ِتْلَك الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا ) .
مالك ( سمع ) من السابقين ( أى هو دين يقوم على السماع ) أنه لم تكن فى العيدين أذان وال إقامة للصالة .ويقول أنها هى
الُّس ّن ة التى ال إختالف فيها عندهم .مالك هنا لم يذكر صراحة كلمة الصالة فى العيدين ،مكتفيا بأنه لم تكن فيها أذان وال إقامة .
واالقامة للصالة فى المصطلح الُّس ّن ى تعنى أداء الصالة ،وهذا ما يقوله المؤذن عندهم قبيل الصالة (أقم الصالة ) .هنا ينفى
.!.مالك صالة العيدين ،ويقول َ (:و ِتْلَك الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا .) .وعليه فليس فى العيدين صالة
ثم يناقض مالك نفسه فيثبت صالة العيد فى موضع آخر فيقول َ ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ى َقاَل َم اِلٌك َمَض ِت الُّس َّن ُة اَّلِتي َال اْخ ِتَالَف ِفيَه ا ِع ْن َد َن ا
ِفي َو ْق ِت اْلِفْط ِر َو اَألْض َح ى َأَّن اِإلَم اَم َي ْخ ُرُج ِمْن َم ْن ِز ِلِه َق ْد َر َم ا َيْب ُلُغ ُمَص َّالُه َو َق ْد َح َّلِت الَّص َالُة َ .قاَل َيْح َي ى َو ُس ِئَل َم اِلٌك َع ْن َر ُج ٍل َص َّلى
َمَع اِإلَم اِم َه ْل َلُه َأْن َي ْن َص ِر َف َقْب َل َأْن َيْس َمَع اْلُخ ْط َب َة َفَق اَل َال َي ْن َص ِر ُف َح َّت ى َي ْن َص ِر َف اِإلَم اُم ) .
ـ حديث البن عمر أنه لم يكن يصلى العيد َ ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،لْم َي ُك ْن ُيَص ِّلي َيْو َم 2
اْلِفْط ِر َقْب َل الَّص َالِة َو َال َبْع َدَه ا . ) .وحديث آخر البن عمر نفسه أنه كان يصلى العيد َ (:و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َعْب َد ِهَّللا
ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن َي ْغ َت ِس ُل َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو ِإَلى اْل ُمَص َّلى .) .وقلنا إن مالك لم يلق ولم ير ولم يسمع (نافع ) مولى ابن عمر.
!!(.مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة القرف
ـ وأحاديث تزعم أن النبى كان يصلى العيدين بالناس َ - ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا 3
عليه وسلم َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َو َيْو َم اَألْض َح ى َقْب َل اْل ُخ ْط َب ِة ، ) .وأن الخلفاء بعده كانوا يصلونها ( َ-و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه
َب َلَغ ُه َأَّن َأَب ا َب ْك ٍر َ ،و ُعَمَر َ ،ك اَن ا َي ْف َع َالِن َذ ِلَك َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،ع ْن َأِبي ُعَبْي ٍدَ ،مْو َلى اْب ِن َأْز َه َر َقاَل َش ِه ْد ُت
اْلِعيَد َمَع ُعَمَر ْب ِن اْلَخ َّط اِب َفَص َّلى ُثَّم اْن َص َر َف َفَخ َط َب الَّن اَس َفَقاَل ِإَّن َه َذ ْي ِن َيْو َم اِن َن َه ى َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َع ْن
ِص َي اِم ِه َم ا َيْو ُم ِفْط ِر ُك ْم ِمْن ِص َي اِم ُك ْم َو اآلَخ ُر َيْو ٌم َت ْأُك ُلوَن ِفيِه ِمْن ُنُس ِك ُك ْم َ .قاَل َأُبو ُعَبْي ٍد ُث َّم َش ِه ْد ُت اْلِعيَد َمَع ُع ْث َم اَن ْب ِن َع َّفاَن َفَج اَء
َفَص َّلى ُثَّم اْن َصَر َف َفَخ َط َب َو َقاَل ِإَّن ُه َق ِد اْج َت َمَع َلُك ْم ِفي َيْو ِم ُك ْم َه َذ ا ِع يَداِن َف َم ْن َأَح َّب ِمْن َأْه ِل اْلَع اِلَي ِة َأْن َي ْنَت ِظ َر اْلُجُمَع َة َفْلَي ْنَت ِظ ْر َها
َو َم ْن َأَح َّب َأْن َيْر ِج َع َفَق ْد َأِذ ْن ُت َلُه َ .قاَل َأُب و ُعَبْي ٍد ُثَّم َش ِه ْد ُت اْلِعيَد َمَع َع ِلِّي ْب ِن َأِبي َط اِلٍب َ -و ُع ْث َم اُن َمْح ُص وٌر َ -فَج اَء َفَص َّلى ُثَّم
اْن َص َر َف َف َخ َط َب . ) .وقلنا إن مالك لم يلق ولم ير ولم يسمع إبن شهاب الزهرى( .مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة
!!.القرف
وحديث آخر أن عمر بن الخطاب لم يكن يعرف ما كان النبى يقرأ به فى صالة العيدين ،فسأل رجال عن ذلك َ- ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ى،
َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َض ْمَر َة ْب ِن َس ِعيٍد اْلَم اِز ِنِّي َ ،ع ْن ُعَبْي ِد ِهَّللا ْب ِن َعْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُع ْت َب َة ْب ِن َمْس ُع وٍدَ ،أَّن ُعَمَر ْب َن اْلَخ َّط اِبَ ،س َأَل َأَب ا َو اِقٍد الَّلْي ِثَّي
َم ا َك اَن َي ْق َر ُأ ِبِه َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ِفي اَألْض َح ى َو اْلِفْط ِر َفَقاَل َك اَن َي ْق َر ُأ ِبـ {ق َو اْلُقْر آِن اْلَم ِجيِد } َو {اْق َت َر َب ِت الَّس اَع ُة
َو اْنَش َّق اْلَق َمُر } .) .فكيف كان عمر يصلى العيد مع النبى سنينا ثم ال يعرف بما كان يقرأ فى الصالة ؟( .مالك ) كّذ اب بتقدير
!!.إمتياز مع مرتبة القرف
:خامسا
أحاديث ( مالكية ) فى تشريع صالة العيدين منسوبة للصحابة والتابعين
مالك يجعل عمل أهل المدينة من الصحابة والتابعين مصدرا تشريعيا .وهذا منتظر من ( مالك ) الذى هو (مالك ) الدين المالكى
:المتعصب لموطنه المدينة .وهو يضيف رأيه أحيانا بإعتباره (مالك ) هذا الدين األرضى .ونستشهد بما قاله
ـ ( َح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َةَ ،ع ْن َأِبيِهَ ،أَّن ُه َك اَن َي ْأُك ُل َيْو َم ِع يِد اْلِفْط ِر َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو ) .هل عروة بن الزبير 1
.مصدر تشريعى ؟
ـ( َ -و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،ع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِبَ ،أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن الَّن اَس َك اُن وا ُيْؤ َمُر وَن ِباَألْك ِل َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل 2
اْلُغ ُد ِّو َ .قاَل َم اِلٌك َو َال َأَر ى َذ ِلَك َع َلى الَّن اِس ِفي اَألْض َح ى .) .إختالف فى األكل قبل الذهاب لصالة عيد الفطر .وقلنا إن مالك لم
!!.يلق ولم ير ولم يسمع إبن شهاب الزهرى( .مالك ) كّذ اب بتقدير إمتياز مع مرتبة القرف
ـ ( َ -و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،مْو َلى َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُعَمَر َأَّن ُه َقاَل َش ِه ْد ُت اَألْض َح ى َو اْلِفْط َر َمَع َأِبي ُه َر ْيَر َة َف َك َّبَر ِفي الَّر ْك َع ِة 3
اُألوَلى َس ْبَع َتْك ِبيَر اٍت َقْب َل اْلِقَر اَء ِة َو ِفي اآلِخَر ِة َخ ْم َس َتْك ِبيَر اٍت َقْب َل اْلِقَر اَء ِة َ .قاَل َم اِلٌك َو ُه َو اَألْمُر ِع ْن َد َن ا َ .قاَل َم اِلٌك ِفي َر ُج ٍل َو َج َد
الَّن اَس َق ِد اْن َصَر ُفوا ِمَن الَّص َالِة َيْو َم اْل ِعيِد ِإَّن ُه َال َيَر ى َع َلْي ِه َص َالًة ِفي اْلُمَص َّلى َو َال ِفي َبْي ِتِه َو ِإَّن ُه ِإْن َص َّلى ِفي اْل ُمَص َّلى َأْو ِفي َبْي ِتِه َلْم
َأَر ِبَذ ِلَك َب ْأًس ا َو ُيَك ِّبُر َسْبًع ا ِفي اُألوَلى َقْب َل اْلِقَر اَء ِة َو َخ ْمًس ا ِفي الَّث اِنَي ِة َقْب َل اْلِقَر اَء ِة .).هل أبو هريرة مصدر تشريعى ؟ .ثم هنا
.إختالف فى صالة العيد فى البيت أو فى المنزل
ـ (َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َس ِعيَد ْب َن اْلُمَس َّي ِبَ ،ك اَن َي ْغ ُدو ِإَلى اْلُمَص َّلى َبْع َد َأْن ُيَص ِّلَي الُّصْبَح َقْب َل ُط ُلوِع الَّش ْم ِس .) .من 4
أبلغ مالك أن سعيد بن المسيب قال هذا ؟ وهل سعيد بن المسيب مصدر تشريعى ؟
ـ ( َح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َعْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَقاِس ِم َ ،أَّن َأَب اُه اْلَقاِس َم َ ،ك اَن ُيَص ِّلي َقْب َل َأْن َي ْغ ُد َو ِ ،إَلى اْلُمَص َّلى َأْر َبَع َر َك َع اٍت 5 .
) .هل هذا القاسم مصدر تشريعى ؟
ـ ( َو َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َةَ ،ع ْن َأِبيِهَ ،أَّن ُه َك اَن ُيَص ِّلي َيْو َم اْلِفْط ِر َقْب َل الَّص َالِة ِفي اْلَمْس ِج ِد) .هل عروة بن 6
.الزبير مصدر تشريعى ؟
الفصل السابع :التواتر الشيطانى فى تشريع صالة العيدين بعد مالك بن أنس :هجص صالة العيدين فى البخارى ومسلم
:مقدمة
بدأ مالك التشريع لصالة العيدين ،وبعده بقرن تقريبا تكاثرت التشريعات فى طقوس صالة العيدين ،وذكرها البخارى ومسلم .
:ونضع لها عناوين توجز موضوعها
:أوال
التجمل للعيد
حدثنا أبو اليمان قال :أخبرنا شعيب ،عن الزهري قال :أخبرني سالم بن عبد هللا :أن عبد هللا بن عمر قال :أخذ عمر جبة (-
من إستبرق تباع في السوق ،فأخذها فأتى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :يا رسول هللا ،اتبع هذه تجمل بها للعيد
والوفود ،فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :إنما هذه لباس من ال خالق له) .فلبث عمر ما شاء هللا أن يلبث ،ثم أرسل
إليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بجبة ديباج ،فأقبل بها عمر ،فأتى بها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فقال :يا رسول هللا،
إنك قلت( :إنما هذه لباس من الخالق له) .وأرسلت إلي بهذه الجبة ،فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :تبيعها ،أو تصيب
.بها حاجتك .).يهمنا أن هذا الحديث يزعم أن عمر إشترى ُجّب ة من حرير ليتزين بها النبى فى العيد وعند إستقبال الوفود
:ثانيا
:جدل حول خطبة العيد :هل هى قبل صالة العيد أم بعدها
ـ يبدو أن جدال شّب بين ُص ّن اع الدين الُّس ّن ى حول خطبة العيد هل تسبق الصالة كما فى خطبة الجمعة التى تسبق صالة 1
الجمعة ،أم على العكس من ذلك ،وقد حرص البخارى على أن تتأخر الخطبة بعد الصالة ،بمعنى أن يبدأوا بالصالة ثم يخطب
:االمام .يروى البخارى
حدثنا سعيد بن أبي مريم قال :حدثنا محمد بن جعفر قال :أخبرني زيد ،عن عياض بن عبد هللا بن أبي سرح ،عن أبي سعيد (
الخدري قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى ،فأول شييء يبدأ به الصالة ،ثم
ينصرف ،فيقوم مقابل الناس ،والناس جلوس على صفوفهم ،فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم :فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه ،أو
يأمر بشيء أمر به ،ثم ينصرف.قال أبو سعيد :فلم يزال الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ،وهو أمير المدينة ،في أضحى
أو الفطر ،فلما أتينا المصلى ،إذا منبر بناه كثير بن الصلت ،فإذا مروان يريد أن يرقيه فبل أن يصلي ،فجبذت بثوبه ،فجبذني،
فارتفع فخطب قبل الصالة ،فقلت له :غيرتم وهللا ،فقال :أبا سعيد ،قد ذهب ما تعلم ،فقلت :ما أعلم وهللا خير مما ال أعلم ،فقال:
ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين .فى هذا ).إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصالة ،فجعلتها قبل الصالة
الحديث الزعم بأن النبى كان يأتى يوم العيد فيصلى صالة العيد أوال ،ثم يقوم خطيبا فى الناس .ثم ينصرف .وفى الجزء اآلخر
من الحديث يذكر أبو سعيد الخدرى أن مروان بن الحكم ( فى خالفة معاوية وحين كان واليا على المدينة ) قام بتغيير ذلك
.فخطب قبل الصالة ،فأنكر عليه أبو سعيد الخدرى
:ـ وحرص البخارى فى احاديث مختلفة على أن يضع بين السطور عبارة تفيد أن صالة العيد تسبق خطبة العيد .منها 2
ـ ( وعن جابر بن عبد هللا قال :سمعته يقول :إن النبي صلى هللا عليه وسلم قام فبدأ بالصالة ،ثم خطب الناس بعد 2/ 1 ) ...
ـ ( -حدثنا مسدد قال :حدثنا يحيى ،عن سفيان قال :حدثني عبد الرحمن بن عابس قال :سمعت ابن عباس قيل له2 / 2 :
أشهدت العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال :نعم ،ولوال مكاني من الصغر ما شهدته ،حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن
الصلت ،فصلى ،ثم خطب) ،
ـ ( -حدثنا إبراهيم بن المنذر قال :حدثنا أني ،عن عبيد هللا ،عن نافع ،عن عبد هللا بن عمر :أن رسول هللا صلى هللا 2 / 3
.عليه وسلم كان يصلي في األضحى والفطر ،ثم يخطب بعد الصالة . ).ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين
ـ (حدثنا إبراهيم بن موسى قال :أخبرنا هشام :أن ابن جريج أخبرهم قال :أخبرني عطاء ،عن جابر بن عبد هللا قال2 / 4 :
سمعته يقول :إن النبي صلى هللا عليه وسلم خرج يوم الفطر ،فبدأ بالصالة قبل الخطبة .).ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة
.العيدين
ـ ( حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال :حدثنا أسامة قال :حدثنا عبيد هللا ،عن نافع ،عن ابن عمر قال :كان رسول هللا صلى هللا 2 / 5
عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي هللا عنهما ،يصلون العيدين قبل الخطبة).
ــ ( -قال ابن جريج :وأخبرني الحسن بن مسلم ،عن طاوس ،عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :شهدت الفطر مع 2 / 6
النبي صلى هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم ،يصلونها قبل الخطبة ،ثم يخطب بعد ( .)..ابن جريج :هو
أصبح ابن جريج ( تصغير جورج ) من ُص ّن اع الدين الُّس ّن ى .زبإسناد . ( George ) .مولى أبوه نصرانى اسمه :جورج
مختلف وبعض االختالفات فى المتن أورد البخارى نفس الحديث عن ابن جورج الصغير ( جريج ) فى ( :باب :الخطبة بعد
العيد ( ) .حدثنا أبو عاصم قال :أخبرنا ابن جريج قال :أخبرني الحسن بن مسلم ،عن طاوس ،عن ابن عباس قال :شهدت العيد
مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم ،فكاهم كانوا يصلون قبل الخطبة).
:ثالثا
:عدم األذان وعدم االقامة
وأخبرني عطاء :أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير ،في أول ما بويع له :إنه لم يكن يؤذن بالصالة يوم الفطر ،إنما الخطبة (
) .بعد الصالة - ..وأخبرني عطاء ،عن ابن عباس ،وعن جابر بن عبد هللا قاال :لم يكن يؤذن يوم الفطر وال يوم األضحى
:رابعا
االمام المسلح فى العيد
حدثنا محمد بن بشار قال :حدثنا عبد الوهاب قال :حدثنا عبيد هللا ،عن نافع ،عن ابن ( ).باب :الصالة إلى الحربة يوم العيد(-
باب :حمل العنزة أو الحربة بين ( ).عمر :أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان تركز الحربة قدامه ،يوم الفطر والنحر ،ثم يصلي
يدي اإلمام يوم العيد - .حدثنا إبراهيم بن المنذر قال :حدثنا الوليد قال :حدثنا أبو عمرو قال :أخبرني نافع ،عن ابن عمر
.) .قال :كان النبي صلى هللا عليه وسلم يغدو إلى المصلى ،والعنزة بين يديه تحمل ،وتنصب بالمصلى بين يديه ،فيصلي إليها
.جعلوا النبى يضع السالح أمامه فى المحراب وهو يصلى العيدين
:خامسا
بعد الصالة :السير فى طريق مخالف
حدثنا محمد قال :أخبرنا أبو تميلة ،يحيى بن واضح ،عن فليح بن سلمان ،عن ( ).باب :من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد (
لماذا ..يا هذا ؟؟ .) .سعيد بن الحارث ،عن جابر قال :كان النبي صلى هللا عليه وسلم ،إذا كان يوم عيد ،خالف الطريق
:سادسا
قضاء صالة العيد
باب :إذا فاته العيد يصلي ركعتين ،وكذلك النساء ،ومن كان في البيوت والقرى-.لقول النبي صلى هللا عليه وسلم( :هذا -( -
عيدنا أهل اإلسالم ) ( وأمر أنس بن مالك موالهم ابن أبي عتبة بالزاوية ،فجمع أهله وبنيه ،وصلى كصالة أهل المصر
وتكبيرهم .وقال عكرمة :أهل السواد يجتمعون في العيد ،يصلون ركعتين ،كما يصنع اإلمام .وقال عطاء :إذا فاته العيد صلى
ركعتين) .المشرعون هنا بعض الصحابة ( أنس بن مالك ) وبعض التابعين ( عكرمة )
:سابعا
ال صالة قبل صالة العيد وال بعدها
ـ (باب :الصالة قبل العيد وبعدها - ( ).وقال أبو المعلى :سمعت سعيدا ،عن ابن عباس :كره الصالة قبل العيد ( ).حدثنا أبو 1
الوليد قال :حدثنا شعبة قال :حدثني عدي بن ثابت قال :سمعت سعيد بن جبير ،عن ابن عباس :أن النبي صلى هللا عليه وسلم
خرج يوم الفطر ،فصلى ركعتين ،لم يصل قبلها وال بعدها ،ومعه بالل).
ـ وفى اسناد آخر ومتن مختلف يزعم البخارى (:حدثنا سلمان بن حرب قال :حدثنا شعبة ،عن عدي بن ثابت ،عن سعيد بن 2
جبير ،عن ابن عباس :أن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين ،لم يصل قبلها وال بعدها ،ثم أتى النساء ومعه
بالل ،فأمرهن بالصدقة ،فجعلهن يلقين ،تلقي المرأة خرصها وسخابها).
:ثامنا
فى صالة العيد فى غير المسجد
حدثنا مسدد قال :حدثنا يحيى ،عن سفيان قال :حدثني عبد الرحمن بن عابس قال :سمعت ابن .) ( -باب :العلم الذي بالمصلى(
عباس قيل له :أشهدت العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال :نعم ،ولوال مكاني من الصغر ما شهدته ،حتى أتى العلم الذي
.. ).عند دار كثير بن الصلت ،فصلى ،ثم خطب
:تاسعا
مشاركة النساء فى صالة العيد
:تحت عنوان ( :باب :شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ،ويعتزلن المصلى ).يفترى البخارى-
حدثنا محمد ،هو ابن سالم ،قال :أخبرنا عبد الوهاب ،عن أيوب ،عن حفصة قالت :كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين( ،
فقدمت امرأة ،فنزلت قصر بني خلف ،فحدثت عن أختها ،وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى هللا عليه وسلم ثنتي عشرة،
وكانت أختي معه في ست ،قالت :كنا نداوي الكلمى ،ونقوم على المرضى ،فسألت أختي النبي صلى هللا عليه وسلم :أعلى إحدانا
بأس ،إذا لم يكن لها جلباب ،أن ال نخرج؟ قال( :لتلبسها صاحبتها من جلبابها ،ولتشهد الخير ،ودعوة المسلمين) .فلما قدمت أم
عطية ،سألتها :أسمعت النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قالت :بأبي ،نعم ،وكانت ال تذكره إال قالت بأبي ،سمعت يقول( :يخرج
العواتق ،وذوات الخدور ،أو العواتق ذوات الخدور ،والحيض ،وليشهدن الخير ،ودعوة المؤمنين ،ويعتزل الحيض المصلى).
ذكره ( مسلم ) في العيدين ،باب :ذكر إباحة خروج النساء .).قالت حفصة :فقلت :الحيض؟ فقالت :أليس تشهد عرفة ،كذا وكذا
في العيدين إلى المصلى .هنا حفصة أم المؤمنين تسأل أم عطية عن حديث للنبى !!.أى إن الست أم عطية هى األعلم من أم
.المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب
ـ وكرر البخارى هذا الحديث بأسناد آخر وباختالف فى المتن وتحت عنوان آخر ( :باب :إذا لم يكن لها جلباب في العيد2 ).
حدثنا أبو معمر قال :حدثنا عبد الوارث قال :حدثنا أيوب ،عن حفصة بنت سيرين قالت :كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم (
العيد ،فجاءت امرأة ،فنزلت قصر بني خلف ،فأتيتها ،فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى هللا عليه وسلم اثنتي عشرة
غزوة ،فكانت أختها معه في ست غزوات ،فقالت :فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى ،فقالت :يا رسول هللا ،على إحدانا
بأس إذا لم يكن لها جلبات أن التخرج؟ فقال( :لتلبسها صاحبيها من جلبابها ،فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) .قالت حفصة:
فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها :أسمعت في كذا وكذا؟ قالت :نعم بأبي ،وقلما ذكرت النبي صلى هللا عليه وسلم إال قالت بأبي،
قال( :ليخرجن العواتق ذوات الخدور ،أو قال :العواتق وذوات الخدور -شك أيوب -والحيض ،ويعتزل الحيض المصلى،
وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) .قالت :فقلت لها :آلحيض؟ قالت :نعم ،أليس الحائض تشهد عرفات ،وتشهد كذا وتشهد
.).كذا
ـ وكرره البخارى بإيجاز ودون ذكر لحفصة ( :حدثنا موسى بن إسماعيل قال :حدثنا يزيد بن إبراهيم ،عن محمد ،عن أم 3
عطية قالت :أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين ،وذوات الخدور ،فيشهدان جماعة المسلمين ودعوتهم ،ويعتزل الحيض عن
مصالهن ،قالت امرأة :يا رسول هللا ،إحدانا ليس لها جلباب؟ قال( :لتلبسها صاحبتها من جلبابها) (حدثنا محمد :حدثنا عمر بن
حفص قال :حدثنا أبي ،عن عاصم ،عن حفصة ،عن أم عطية قالت :كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد ،حتى نخرج البكر من خدرها،
حتى تخرج الحيض ،فيكن خلف الناس ،فيكبرن بتكبيرهم ،ويدعون بدعائهم ،يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته).
:عاشرا
الغناء فى العيد
حدثنا أحمد قال :حدثنا ابن وهب قال :أخبرنا عمرو :أن محمد بن عبد الرحمن األسدي حدثه ،عن عروة ،عن عائشة(
قالت :دخل علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعندي جاريتان ،تغنيان بغناء بعاث :فاضطجع على الفراش وحول وجهه،
ودخل أبو بكر فانتهزني ،وقال :مزمارة الشيطان عند النبي صلى هللا عليه وسلم ،فأقبل عليه رسول هللا عليه السالم فقال:
(دعهما) .فلما غفل غمزتهما فخرجتا .وكان يوم عيد ،يلعب السودان بالدرق والحراب ،فإما سألت النبي صلى هللا عليه وسلم،
وإما قال( :تشتهين تنظرين) .فقلت :نعم ،فأقامني وراءه ،خدي على خده ،وهو يقول( :دونكم يا بني أرفدة) .حتى إذا مللت،
ذكره ( مسلم ) في العيدين ،باب :الرخصة في اللعب الذي ال معصية فيه .) .).قال( :حسبك) .قلت :نعم ،قال( :فاذهبي)
(حدثنا عبيد بن اسماعيل قال :حدثنا أبو أسامة ،عن هشام ،عن أبيه ،عن عائشة رضي هللا عنها قالت :دخل أبو بكر ،وعندي
جاريتين من جواري األنصار ،تغنيان بما تقاولت األنصار يوم بعاث ،قالت :وليستا بمغنيتين ،فقال أبو بكر :أمزامير الشيطان في
بيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :يا أبا بكر ،إن لكل قوم عيدا،
.وهذا عيدنا . ) .حديث سخيف مع شهرته
:الحادى عشر
التسول فى العيد
كرر البخارى حديثا بروايات مختلفة وأسانيد مختلفة يزعم فيها أن النبى عليه السالم كان يستجدى الصدقة من النساء يوم العيد
،وهذا مع مخالفته لتشريع الزكاة المالية فى القرآن الكريم فإنه ال يليق بالنبى محمد عليه السالم .ولكنه (البخارى ، ) !..
:يزعم
ـ ( حدثنا عمرو بن عباس قال :حدثنا عبد الرحمن :حدثنا سفيان ،عن عبد الرحمن قال :سمعت ابن عباس قال:خرجت مع 1
النبي صلى هللا عليه وسلم يوم الفطر أو أضحى ،فصلى ثم خطب ،ثم أتى النساء ،فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة).
ـ ( وعن جابر بن عبد هللا قال :سمعته يقول :إن النبي صلى هللا عليه وسلم قام فبدأ بالصالة ،ثم خطب الناس بعد ،فلما فرغ 2
نبي هللا صلى هللا عليه وسلم نزل ،فأتى النساء فذكرهن ،وهو يتوكأ على يد بالل ،وبالل باسط ثوبه ،يلقي فيه النساء صدقة.
قلت لعطاء :أترى حقا على اإلمام اآلن أن يأتي النساء فيذكرهن حين يفرغ؟ قال :إن ذلك لحق عليهم ،وما لهم أن ال تفعلوا.).
.ذكره ( مسلم ) في أوائل كتاب صالة العيدين
ـ ( -حدثنا مسدد قال :حدثنا يحيى ،عن سفيان قال :حدثني عبد الرحمن بن عابس قال :سمعت ابن عباس قيل له :أشهدت 3
العيد مع النبي صلى هللا عليه وسلم؟ قال :نعم ،ولوال مكاني من الصغر ما شهدته ،حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت،
فصلى ،ثم خطب ،ثم أتى النساء ،ومعه بالل ،فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة ،فرأيتهن يهوين بأيديهن ،يقذفنه في ثوب
بالل ،ثم انطلق هو وبالل إلى بيته).
ـ ( حدثني إسحق بن إبراهيم بن نصر قال :حدثنا عبد الرزاق قال :حدثنا ابن جريج قال :أخبرني عطاء ،عن جابر بن عبد 4
هللا قال :سمعته يقول :قام النبي صلى هللا عليه وسلم يوم الفطر فصلى ،فبدأ بالصالة ،ثم خطب ،فلما فرغ نزل فأتى النساء،
فذكرهن ،وهو يتوكأ على يد بالل ،وبالل باسط ثوبه ،يلقي فيه النساء الصدقة.قلت لعطاء :زكاة يوم الفطر؟ قال :ال ،ولكن صدقة
يتصدقن حينئذ ،تلقي فتخها ،ويلقين .قلت :أترى حقا على اإلمام ذلك يأتهن ويذكرهن؟ قال :إنه لحق عليهم ،وما لهم ال
يفعلونه؟ )
قال ابن جريج :وأخبرني الحسن بن مسلم ،عن طاوس ،عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :شهدت الفطر مع النبي صلى ( -
هللا عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم ،يصلونها قبل الخطبة ،ثم يخطب بعد ،خرج النبي صلى هللا عليه وسلم،
كأني أنظر إليه حين يجلس بيده ،ثم أقبل يشقهم ،حتى جاء النساء معه بالل ،فقال{ :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك} اآلية ،ثم قال حين فرغ منها( :آنتن على ذلك) .قالت امرأة واحدة منهن ،لم يجبه غيرها :نعم .ال يدري حسن من هي،
ذكره ( مسلم ) .).قال( :فتصدقن) .فبسط بالل ثوبه ،ثم قال( :هلم ،لكن فداء أبي وأمي) .فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بالل
.في أول كتاب الصالة العيدين
ثانى عشر
:هجص متناقض وغير مفهوم فى تشريع صالة العيد
قال أبو عبد هللا :قال إسحق :وإن كان ناقصا فهو تمام .وقال محمد :ال يجتمعان كالهما.) ( -باب :شهرا عيد ال ينقصان (-
).ناقص
حدثنا مسدد :حدثنا معتمر قال :سمعت إسحق ،عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ،عن أبيه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم( .
وحدثني مسدد :حدثنا معتمر ،عن خالد الحذاء قال :أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ،عن أبيه رضي هللا عنه ،عن النبي صلى
هللا عليه وسلم قال( :شهران ال ينقصان ،شهرا عيد :رمضان وذو الحجة ).ذكره (مسلم ) في الصيام ،باب :معنى قوله صلى
-هللا عليه وسلم :شهرا عيد ال ينقصان ( - ،باب :قول النبي صلى هللا عليه وسلم( :ال نكتب وال نحسب ).
حدثنا آدم :حدثنا شعبة :حدثنا األسود بن قيس :حدثنا سعيد بن عمرو :أنه سمع ابن عمر رضي هللا عنهما ،عن النبي صلى (
).هللا عليه وسلم أنه قال( :إنا أمة أمية ،ال نكتب وال نحسب ،الشهر هكذا هكذا) .يعني مرة تسعة وعشرين ،ومرة ثالثين
الفصل الثامن :التواتر الشيطانى فى تشريع صالة الجنازة :هجص ( موطأ مالك ) نموذجا
:مقدمة
ـ قبل نزول القرآن وفى كل المجتمعات البشرية ،وبعد نزول القرآن وفى كل المجتمعات البشرية يقوم الناس بتشييع الجنازات 1
وتالوة عبارات دينية وممارسة طقوس دينية .هى تقاليد وعادات ،ولكن أئمة الهجص فى كل كهنوت دينى يجعلون هذا دينا ،
ليجعلوا لنفسهم وظيفة ومكانة ،ثم يقومون بتعقيد مراسيم الجنازات وطقوسها ،ثم إذا إشتد تحكمهم فى الحياة الدينية للمجتمع
فرضوا ألنفسهم الوصاية ليس فقط على األحياء بل على األموات .فإذا كان الفرد مغضوبا عليه من الكهنوت حكموا عليه
بالحرمان من الطقوس التى يعملونها على جثته ،وحكموا عليه بعدم الدفن فى مقابرهم ،وبالتالى ـ طبقا لخرافاتهم المقدسة أو
.هجصهم المقدس ـ يكون المغضوب عليه محروما من دخول الملكوت أو من دخول الجنة
ـ لم يكن الكهنوت الُّس ّن ى فى عنفوانه فى عصر ( مالك ) .بل كان فى بدايته ،وهو المؤسس ،والذى سار على ُس ّن ته 2
الالحقون من الشافعى الى البخارى ..الخ .وكان ( مالك ) يعتبر ( عمل أهل المدينة ) المصدر األساس عنده فى التشريع .لذا
كان يفترى األحاديث وال ينسبها فقط للنبى بعد موت النبى بثالثة اجيال ،بل ينسب بعضها أيضا الى بعض الصحابة ( أبو هريرة
مثال ) والى التابعين ( سعيد بن المسيب مثال ) والى تابعى التابعين ( ابن شهاب الزهرى) ،وقلنا من قبل إنه نسب معظم
.مروياته الى ابن شهاب الزهرى مع إنه لم يلق ولم ير الزهرى طيلة حياته ،وهو يروى عن نافع ،ولم ير نافع ولم يلقه
ـ وقلنا ـ ونقول ـ أن مالك بن أنس كان كذابا فى نسبة ما قاله للنبى والصحابة والتابعين وتابعى التابعين .ولكنه كان صادقا 3
فى التعبير عن دينه األرضى الذى يملكه أصحابه ويقولون فيه بأهوائهم كيف شاءوا .وهو أيضا صادق فى التعبير عن ثقافة
.عصره ،لهذا تقبل الناس أكاذيبه بقبول حسن ،وبنوا عليها ألنها تعبر بصدق عن ثقافتهم الُم ناقضة لالسالم العظيم
ـ ونستكمل عرض بعض هجص مالك فى الجنازة 3
:أوال :تشييع الجنازة
ـ يأتى مالك بأحاديث تؤكد أن النبى وكبار أصحابه كانوا يقومون بتشييع الجنازات .وفى ( باب اْلَم ْش ِى َأَم اَم اْل َج َن اَز ِة ) يقول 1 :
( َ -ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َو َأَب ا َب ْك ٍر َو ُعَمَر َك اُنوا َيْم ُشوَن َأَم اَم اْل َج َن اَز ِة
َو اْل ُخ َلَفاُء َه ُلَّم َج ًّر ا َو َع ْب ُد ِهَّللا ْب ُن ُعَمَر َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن اْلُم ْنَك ِد ِر َ ،ع ْن ِر ِبيَع َة ْب ِن َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن اْلَه ِديِر َ ،أَّن ُه
َأْخ َبَر ُه َأَّن ُهَ ،ر َأى ُعَمَر ْب َن اْلَخ َّط اِب َي ْق ُد ُم الَّن اَس َأَم اَم اْلَج َن اَز ِة ِفي َج َن اَز ِة َز ْي َن َب ِبْن ِت َج ْح ٍش َ - ( ).و َح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن
ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َةَ ،قاَل َم ا َر َأْي ُت َأِبي َقُّط ِفي َج َن اَز ٍة ِإَّال َأَم اَمَه ا َ -قاَل ُ -ثَّم َي ْأِتي اْلَب ِقيَع َفَيْج ِلُس َح َّت ى َيُمُّر وا َع َلْي ِه .) .ثم يفترى مالك
أن ابن شهاب الزهرى أفتى بأن من الخطأ المشى خلف الجنازة َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،أَّن ُه َقاَل اْلَم ْش ُى َخ ْل َف
اْلَج َن اَز ِة ِمْن َخ َط ِإ الُّس َّن ِة ، ) .أى ُس ّن ة خاطئة المشى خلف الجنازة .ثم يأتى فى ( -باب اْلُو ُقوِف ِلْلَج َن اِئِز َو اْلُج ُلوِس َع َلى
اْلَم َق اِبِر ) بأحاديث َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن َع ِلَّي ْب َن َأِبي َط اِلٍبَ ،ك اَن َي َت َو َّس ُد اْلُقُبوَر َو َيْض َط ِج ُع َع َلْيَه ا َ .قاَل َم اِلٌك
َو ِإَّن َم ا ُنِه َي َع ِن اْلُقُع وِد َع َلى اْلُقُبوِر ِفيَم ا ُنَر ى ِلْلَم َذ اِهِب َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َأِبي َب ْك ِر ْب ِن ُع ْث َم اَن ْب ِن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍفَ ،أَّن ُه
َ .س ِم َع َأَب ا ُأَم اَم َة ْب َن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍفَ ،ي ُقوُل ُكَّن ا َنْش َه ُد اْلَج َن اِئَز َفَم ا َيْج ِلُس آِخُر الَّن اِس َح َّت ى ُيْؤ َذ ُنوا ) .
ويبدو أن قد ظهرت عادة هى تشييع الجنازة بإشعال النيران أو إيقاد المصابيح ،وتصدى مالك لهذه الظاهرة ،فروى تحت :
( -باب الَّن ْه ِى َع ْن َأْن ُتْت َبَع اْلَج َن اَز ُة ِبَن اٍر َ - ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ِه َش اِم ْب ِن ُعْر َو َةَ ،ع ْن َأْس َم اَء ِبْن ِت َأِبي َب ْك ٍر َ ،أَّن َه ا َقاَلْت
َألْه ِلَه ا َأْج ِم ُر وا ِثَي اِبي ِإَذ ا ِمُّت ُثَّم َح ِّن ُط وِني َو َال َت ُذ ُّر وا َع َلى َك َفِني ِحَن اًط ا َو َال َتْت َبُع وِني ِبَن اٍر َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َس ِعيِد ْب ِن
َأِبي َس ِعيٍد اْلَم ْق ُبِر ِّي َ ،ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َةَ ،أَّن ُه َن َه ى َأْن ُيْت َبَع َ ،بْع َد َمْو ِتِه ِبَن اٍر َ .قاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ْك َر ُه َذ ِلَك ) .
.والمستفاد مما سبق وجوب تشييع الجنازة على الجميع
ـ ولكن يأتى مالك بأحاديث أخرى نفهم منها أن النبى كانت تمر عليه الجنازة فيتكلم معلقا دون المشاركة فيها ،يقول 2 :
( َ -و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َع ْم ِر و ْب ِن َح ْلَح َلَة الِّديِلِّي َ ،ع ْن َمْع َب ِد ْب ِن َك ْع ِب ْب ِن َم اِلٍك َ ،ع ْن َأِبي َقَت اَد َة ْب ِن ِر ْب ِع ٍّي َ ،أَّن ُه َك اَن
ُيَح ِّد ُث َ :أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ُمَّر َع َلْي ِه ِبَج َن اَز ٍة َفَق اَل ُ " :مْس َت ِر يٌح َو ُمْس َت َر اٌح ِم ْن ُه " َ .قاُلوا َ :ي ا َر ُس وَل ِهَّللا َم ا
اْلُمْس َت ِر يُح َو اْلُمْس َت َر اُح ِم ْن ُه َقاَل " :اْل َعْب ُد اْل ُم ْؤ ِمُن َيْس َت ِر يُح ِمْن َن َص ِب الُّد ْن َي ا َو َأَذ اَها ِإَلى َر ْح َم ِة ِهَّللاَ ،و اْلَعْب ُد اْلَفاِجُر َيْس َت ِر يُح ِم ْن ُه اْل ِع َب اُد
َو اْلِبَالُد َو الَّش َج ُر َو الَّد َو اُّب " َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َأِبي الَّن ْض ِر َ ،مْو َلى ُعَمَر ْب ِن ُعَبْي ِد ِهَّللا َأَّن ُه َقاَل َ :قاَل َر ُس وُل ِهَّللا صلى
هللا عليه وسلم َلَّم ا َم اَت ُع ْث َم اُن ْب ُن َم ْظ ُع وٍن َو ُمَّر ِبَج َن اَز ِتِه َ " :ذ َه ْب َت َو َلْم َت َلَّبْس ِم ْن َه ا ِبَش ْى ٍء " ) .
ـ ثم يتصدى أبو هريرة بتشريع طريف ظريف ـ وأبو هريرة كان خفيف الدم ظريفا يهزأ به الناس ـ وتشريع أبى هريرة هو 3
االسراع بالجنازة والتعليل فى داخل الحديث َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َأَب ا ُه َر ْيَر َةَ ،قاَل َ :أْس ِر ُع وا ِبَج َن اِئِز ُك ْم َ ،فِإَّن َم ا
ُه َو َخ ْيٌر ُتَق ِّد ُم وَن ُه ِإَلْي ِه َأْو َش ٌّر َت َض ُع وَن ُه َع ْن ِر َقاِبُك ْم ) .
ثانيا :الصالة على الميت فى االسالم
ـ فى االسالم :الصالة ( على ) الميت تعنى الدعاء له بالرحمة ،يستوى إن كان هذا الدعاء على قبره ـ فى أو قت بعد دفنه أو 1
عند دفنه ،أو كان الدعاء له بالرحمة فى أى مكان .ولقد نهى هللا جل وعال النبى عن الصالة على من مات من بعض المنافقين
،ول أن يقوم على قبر أحدهم داعيا له بالرحمة ،قال جل وعال َ ( :و ال ُتَص ِّل َع َلى َأَح ٍد ِم ْن ُهْم َم اَت َأَب دًا َو ال َت ُقْم َع َلى َقْب ِر ِه ِإَّن ُهْم
َك َفُر وا ِباِهَّلل َو َر ُس وِلِه َو َم اُتوا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن ( )84التوبة ) .ويشبه هذا موقف النبى صالح من كفار قومه ثمود الذين أهلكتهم
الصيحة فلم يصل عليهم داعيا بالرحمة ،بل عّب ر عن أسفه وهو يقف أمام جثثهم َ ( :فَأَخ َذ ْت ُهْم الَّر ْج َف ُة َفَأْص َبُح وا ِفي َداِر ِه ْم
َج اِثِميَن (َ )78فَت َو َّلى َع ْن ُهْم َو َقاَل َي ا َقْو ِم َلَق ْد َأْب َلْغ ُتُك ْم ِر َس اَلَة َر ِّب ي َو َن َص ْح ُت َلُك ْم َو َلِكْن ال ُتِحُّب وَن الَّن اِص ِحيَن ( )79االعراف ) ،وحدث
نفس الحال فيما بعد مع النبى شعيب وقومه ( مدين ) ( :اَّلِذيَن َك َّذ ُب وا ُشَعْي بًا َك َأْن َلْم َي ْغ َن ْو ا ِفيَه ا اَّلِذيَن َك َّذ ُبوا ُشَعْي بًا َك اُنوا ُه ْم
اْلَخ اِس ِر يَن (َ )92فَت َو َّلى َع ْن ُهْم َو َقاَل َي ا َق ْو ِم َلَق ْد َأْب َلْغ ُتُك ْم ِر َس االِت َر ِّب ي َو َن َص ْح ُت َلُك ْم َفَك ْيَف آَس ى َع َلى َق ْو ٍم َك اِفِر يَن ( )93االعراف )
.
ـ وفى كل األحوال فإن الدعاء للميت هو مجرد تكريم له ،مثل المعتاد فى تأبين الموتى .ولكن هذا الدعاء ال يفيد الميت 2
بشىء ،ألنه قد تم قفل كتاب أعماله ،فليس له أو عليه إال سعيه حين كان حيا يسعى فى األرض ،ثم هذا العمل سيكون مرئيا
للجميع َ ( :و َأْن َلْيَس ِلِإل نَس اِن ِإَّال َم ا َس َع ى (َ )39و َأَّن َس ْع َي ُه َس ْو َف ُيَر ى ( )40النجم ) .سعينا ونحن احياء يتم تسجيله أوال
بأول ،ويأتى كل منا يحمله فى كتاب أعماله (َو ُك َّل ِإنَس اٍن َأْلَز ْم َن اُه َط اِئَر ُه ِفي ُع ُنِقِه َو ُنْخ ِر ُج َلُه َيْو َم اْلِقَي اَم ِة ِك َت ابًا َي ْلَقاُه َم نُشورًا (
)13اْق َر ْأ ِك َت اَب َك َك َف ى ِبَن ْف ِس َك اْلَيْو َم َع َلْي َك َح ِس يبًا ( )14االسراء ) .ال ينفع الميت أى دعاء .الدعاء ينفع الداعى فقط .حين تدعو
لوالديك بعد وفاتهما فهذا الدعاء يفيدك أنت ،وال يفيدهما .يفيدك أنت ألنك مأمور بالدعاء لك ولغيرك .وحين تدعو فأنت تنفذ
.أوامر هللا جل وعال .وهو جل وعال يستجيب لدعائك بمعرفته جل وعال
ثالثا :الصالة على الميت فى دين ( مالك )
:قام ( مالك) بتحويل هذا الدعاء العادى الى تشريع مختلف فيه ،نوجزه فى اآلتى
:المكان
ـ يروى مالك - ( :باب َج اِم ِع الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز َ - :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َب َلَغ ُه َأَّن ُع ْث َم اَن ْب َن َع َّف اَن َ ،و َعْب َد ِهَّللا ْب َن 1
ُعَمَر َ ،و َأَب اُ ،ه َر ْيَر َة َك اُن وا ُيَص ُّلوَن َع َلى اْلَج َن اِئِز ِباْلَم ِديَن ِة الِّر َج اِل َو الِّن َساِء َفَيْج َع ُلوَن الِّر َج اَل ِم َّم ا َي ِلي اِإلَم اَم َو الِّن َس اَء ِم َّم ا َي ِلي اْلِقْب َلَة
. ) ..المكان هنا فى ( المدينة) ،لم يقل ( المسجد ) ولم يقل ( البقيع أو المقبرة)
ـ ثم تأتى أحاديث بالصالة على الميت فى المسجد َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،ع ْن َع ْب ِد ِهَّللا ْب ِن ُعَمَر َ ،أَّن ُه َقاَل ُص ِّلَي 2
َع َلى ُعَمَر ْب ِن اْلَخ َّط اِب ِفي اْلَمْس ِج ِد ، ) .والمصالة ( -باب الَّتْك ِبيِر َع َلى اْل َج َن اِئِز َ - :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍب،
َع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِبَ ،ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َةَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َن َع ى الَّن َج اِش َّي ِللَّن اِس ِفي اْلَيْو ِم اَّلِذي َم اَت ِفيِه َو َخ َر َج
ِبِهْم ِإَلى اْلُمَص َّلى َفَص َّف ِبِهْم َو َك َّبَر َأْر َبَع َتْك ِبيَر اٍت -( ) .باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز ِفي اْلَمْس ِج ِد َ - ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن
َأِبي الَّن ْض ِر َ ،مْو َلى ُعَمَر ْب ِن ُعَبْي ِد ِهَّللا َع ْن َع اِئَش َة َ ،ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َه ا َأَمَر ْت َأْن ُيَمَّر َع َلْيَه ا ِبَس ْع ِد ْب ِن َأِبي َو َّقاٍص
ِفي اْلَمْس ِج ِد ِحيَن َم اَت ِلَت ْد ُعَو َلُه َفَأْنَك َر َذ ِلَك الَّن اُس َع َلْيَه ا َفَقاَلْت َع اِئَش ُة َم ا َأْس َر َع الَّن اَس َم ا َص َّلى َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم
َع َلى ُسَهْي ِل اْب ِن َبْيَض اَء ِإَّال ِفي اْلَمْس ِج ِد ) .
ـ ثم أحاديث أخرى فى الصالة على الميت فى المقبرة ( البقيع ) - ( :باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز َبْع َد الُّصْب ِح ِإَلى اِإلْس َفاِر َو َبْع َد 3
اْلَعْص ِر ِإَلى اِالْص ِفَر اِر َ - :و َح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َح ْر َم َلَة َ ،مْو َلى َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َأِبي ُس ْف َي اَن ْب ِن ُحَو ْي ِط ٍب َأَّن
َز ْي َن َب ِبْن َت َأِبي َس َلَم َة ُ ،تُو ِّفَي ْت َ -و َط اِر ٌق َأِميُر اْلَم ِديَن ِة َ -فُأِتَي ِبَج َن اَز ِتَه ا َبْع َد َص َالِة الُّصْب ِح َفُو ِض َع ْت ِباْلَب ِقيِع َ .قاَل َو َك اَن َط اِر ٌق ُيَغِّلُس
ِبالُّصْب ِح َ .قاَل اْب ُن َأِبي َح ْر َم َلَة َفَس ِم ْع ُت َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َي ُقوُل َألْه ِلَه ا ِإَّم ا َأْن ُتَص ُّلوا َع َلى َج َن اَز ِتُك ُم اآلَن َو ِإَّم ا َأْن َتْت ُر ُك وَها َح َّت ى
َت ْر َت ِفَع الَّش ْم ُس َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َم اِلٌكَ ،ع ْن َع ْلَق َم َة ْب ِن َأِبي َع ْلَق َم َة َ ،ع ْن ُأِّم ِهَ ،أَّن َه ا َقاَلْت َس ِم ْع ُت َع اِئَش َة َ ،ز ْو َج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه
وسلم َت ُقوُل َ :قاَم َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َذ اَت َلْي َلٍة َفَلِبَس ِثَي اَب ُه ُثَّم َخ َر َج َ -قاَلْت َ -فَأَمْر ُت َج اِر َي ِتي َب ِر يَر َة َتْت َبُع ُهَ ،فَت ِبَع ْت ُه
َح َّت ى َج اَء اْلَب ِقيَع َ ،فَو َق َف ِفي َأْد َن اُه َم ا َش اَء ُهَّللا َأْن َي ِقَف ُ ،ثَّم اْن َص َر َف َف َسَب َقْت ُه َب ِر يَر ُة َفَأْخ َبَر ْت ِنيَ ،فَلْم َأْذ ُك ْر َلُه َش ْي ًئ ا َح َّت ى َأْص َبَح ُثَّم
َذ َك ْر ُت َذ ِلَك َلُه َفَقاَل ِ " :إِّن ي ُبِع ْث ُت ِإَلى َأْه ِل اْلَب ِقيِع ُألَص ِّلَي َع َلْي ِهْم " . ) .وبالصالة على قبر الميت َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ِن
اْب ِن ِش َه اٍبَ ،ع ْن َأِبي ُأَم اَم َة ْب ِن َس ْه ِل ْب ِن ُح َن ْي ٍفَ ،أَّن ُه َأْخ َبَر ُه َأَّن ِم ْس ِكيَن ًة َم ِر َض ْت َفُأْخ ِبَر َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ِ -بَمَر ِض َه ا
َو َك اَن َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َيُع وُد اْلَمَس اِكيَن َو َيْس َأُل َع ْن ُهْم َ -فَقاَل َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم " ِإَذ ا َم اَت ْت َف آِذ ُنوِني
ِبَه ا " َ .فُخ ِر َج ِبَج َن اَز ِتَه ا َلْي ًال َف َك ِر ُهوا َأْن ُيوِقُظ وا َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َفَلَّم ا َأْص َبَح َر ُس وُل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم ُأْخ ِبَر
ِباَّلِذي َك اَن ِمْن َش ْأِنَه ا َفَق اَل " َأَلْم آُمْر ُك ْم َأْن ُتْؤ ِذ ُنوِني ِبَه ا " َ .فَقاُلوا َي ا َر ُس وَل ِهَّللا َك ِر ْه َن ا َأْن ُنْخ ِر َج َك َلْي ًال َو ُنوِقَظ َك َ .فَخ َر َج َر ُس وُل
ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َح َّت ى َص َّف ِبالَّن اِس َع َلى َقْب ِر َها َو َك َّبَر َأْر َبَع َتْك ِبيَر اٍت ) .
التوقيت
إختالف يظهر فى هذين الحديثين - ( :باب الَّص َالِة َع َلى اْلَج َن اِئِز َبْع َد الُّصْب ِح ِإَلى اِإلْس َفاِر َو َبْع َد اْل َعْص ِر ِإَلى اِالْص ِفَر اِر َ - :و َح َّد َث ِني
َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َح ْر َم َلَة َ ،مْو َلى َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن َأِبي ُس ْف َي اَن ْب ِن ُحَو ْي ِط ٍب َأَّن َز ْي َن َب ِبْن َت َأِبي َس َلَم َة ُ ،تُو ِّفَي ْت -
َو َط اِر ٌق َأِميُر اْلَم ِديَن ِة َ -فُأِتَي ِبَج َن اَز ِتَه ا َبْع َد َص َالِة الُّصْب َف ُو ِض َع ْت ِباْلَب ِقي َ .قاَل َو َك اَن َط اِر ٌق ُيَغِّلُس ِبالُّصْب َ .قاَل اْب ُن َأِبي َح ْر َم َلَة
ِح ِع ِح
َفَس ِم ْع ُت َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َي ُقوُل َألْه ِلَه ا ِإَّم ا َأْن ُتَص ُّلوا َع َلى َج َن اَز ِتُك ُم اآلَن َو ِإَّم ا ْن َتْت ُر ُك وَها َح َّت ى َت ْر َت ِفَع الَّش ْم ُس َ - ( ) .و َح َّد َث ِني
َأ
َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،قاَل ُيَص َّلى َع َلى اْلَج َن اَز ِة َبْع َد اْلَعْص ِر َو َبْع َد الُّصْب ِح ِإَذ ا ُص ِّلَي َت ا ِلَو ْق ِتِه َم ا ) .
الكيفية
ـ فى التسليم ( َ -و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن ِإَذ ا َص َّلى َع َلى اْلَج َن اِئِز ُيَس ِّلُم َح َّت ى ُيْس ِم َع َم ْن َي ِليِه 1 .) .
هذا عن ابن عمر فماذا عن اآلخرين ؟
ـ فى الطهارة َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َع ْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن َي ُقوُل َال ُيَص ِّلي الَّر ُج ُل َع َلى اْل َج َن اَز ِة ِإَّال َو ُه َو َط اِه ٌر 2 .
) هذا عن ابن عمر فماذا عن اآلخرين ؟
ـ فى التكبير ( َ -و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َس َأَل اْب َن ِش َه اٍب َع ِن الَّر ُج ِل ُ ،ي ْد ِر ُك َبْع َض الَّتْك ِبيِر َع َلى اْلَج َن اَز ِة َو َي ُفوُتُه َبْع ُض ُه َفَق اَل 3
َي ْق ِض ي َم ا َفاَت ُه ِمْن َذ ِلَك . ) .لم يقل عدد التكبيرات .تركها مفتوحة يثشّر ع فيها الالحقون حسب الهوى .وهذا تشريع ابن
.شهاب الزهرى ،ينسبه اليه مالك زاعما أنه سأله .ومالك لم يلق ابن شهاب الزهرى أصال
ـ فى كيفية الدعاء :هذا تشريع أبى هريرة - ( :باب َم ا َي ُقوُل اْلُمَص ِّلي َع َلى اْلَج َن اَز ِة َ - ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َس ِعيِد 4
ْب ِن َأِبي َس ِعيٍد اْلَم ْق ُبِر ِّي َ ،ع ْن َأِبيِهَ ،أَّن ُه َس َأَل َأَب ا ُه َر ْيَر َة َك ْيَف ُتَص ِّلي َع َلى اْلَج َن اَز ِة َفَقاَل َأُبو ُه َر ْيَر َة َأَن ا َلَع ْمُر ِهَّللاُ ،أْخ ِبُر َك َأَّت ِبُعَه اِ ،مْن
َأْه ِلَه ا َفِإَذ ا ُو ِض َع ْت َك َّبْر ُت َو َح ِمْد ُت َهَّللا َو َص َّلْي ُت َع َلى َن ِبِّي ِه ُثَّم َأُقوُل الَّلُهَّم ِإَّن ُه َع ْب ُد َك َو اْب ُن َعْب ِدَك َو اْب ُن َأَم ِتَك َك اَن َي ْش َه ُد َأْن َال ِإَلَه ِإَّال
َأْن َت َو َأَّن ُمَح َّم ًدا َع ْب ُد َك َو َر ُس وُلَك َو َأْن َت َأْع َلُم ِبِه الَّلُهَّم ِإْن َك اَن ُمْح ِس ًن ا َفِز ْد ِفي ِإْح َس اِنِه َو ِإْن َك اَن ُم ِس يًئ ا َفَت َج اَو ْز َع ْن َسِّي َئ اِتِه الَّلُهَّم َال
َت ْح ِر ْم َن ا َأْج َر ُه َو َال َت ْف ِتَّن ا َبْع َد ُه . ) .ثم هذا تشريع آخر مختلف ألبى هريرة َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍدَ ،أَّن ُه َقاَل
َس ِم ْع ُت َس ِعيَد ْب َن اْلُمَسَّي ِبَ ،ي ُقوُل َص َّلْي ُت َو َر اَء َأِبي ُه َر ْيَر َة َع َلى َص ِبٍّي َلْم َيْع َم ْل َخ ِط يَئ ًة َقُّط َف َس ِم ْع ُتُه َي ُقوُل الَّلُهَّم َأِع ْذ ُه ِمْن َع َذ اِب اْلَقْب ِر
).
ـ عن قراءة القرآن .هنا تشريع ابن عمر َ - (:و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َن اِفٍع َ ،أَّن َعْب َد ِهَّللا ْب َن ُعَمَر َ ،ك اَن َال َي ْق َر ُأ ِفي الَّص َالِة 5
َع َلى اْلَج َن اَز ِة . ) .فماذا عن اآلخرين ؟
ـ وقد أصبح الزنا ظاهرة فاشية بسبب خروج الرجال للغزو والفتوحات ،وتكاثر الُلقطاء وأبناء الزنا ،وتمتعوا باالحتقار 6 ،
وفى التشريع الُّس ّن ى عوقب ابن الزنا بجريمة أبويه ـ مع أن التشريع االسالم يؤكد على أنه ال تزر وازرة وزر أخرى .ويبدو أنه
ثار جدل فى عصر مالك حول الصالة على الميت إذا كان ابن زنا أو على والدته الزانية ،فوضع مالك رأيه فى هذا الحديث :
( َقاَل َيْح َي ى َس ِم ْع ُت َم اِلًك ا َي ُقوُل َلْم َأَر َأَح ًدا ِمْن َأْه ِل اْلِع ْلِم َي ْك َر ُه َأْن ُيَص َّلى َع َلى َو َلِد الِّز َن ا َو ُأِّم ِه ) .
:رابعا :العزاء
ـ مزاعم مفتراة بالغفران مقدما ألهل الميت مهما إرتكبوا من كبائر - ( :باب اْلِح ْس َب ِة ِفي اْلُم ِص يَب ِة َ - ( :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن 1
َم اِلٍك َ ،ع ِن اْب ِن ِش َه اٍبَ ،ع ْن َس ِعيِد ْب ِن اْلُمَسَّي ِبَ ،ع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َةَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َال َيُم وُت َألَح ٍد ِمَن
اْلُمْس ِلِميَن َث َالَث ٌة ِمَن اْل َو َلِد َفَت َمَّس ُه الَّن اُر ِإَّال َت ِحَّلَة اْلَق َس ِم " َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َب ْك ِر ْب ِن َع ْم ِر و ْب ِن َح ْز ٍم ،
َع ْن َأِبيِهَ ،ع ْن َأِبي الَّن ْض ِر الَّس َلِم ِّي َ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َال َيُم وُت َألَح ٍد ِمَن اْلُمْس ِلِميَن َث َالَث ٌة ِمَن اْل َو َلِد
َفَيْح َت ِس ُبُهْم ِإَّال َك اُنوا ُج َّن ًة ِمَن الَّن اِر " َ .فَقاَلِت اْمَر َأٌة ِع ْن َد َر ُس وِل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َي ا َر ُس وَل ِهَّللا َأِو اْث َن اِن َقاَل " َأِو اْث َن اِن "
َ - ( ) .و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،أَّن ُه َب َلَغ ُه َع ْن َأِبي اْل ُحَب اِبَ ،س ِعيِد ْب ِن َيَس اٍر َع ْن َأِبي ُه َر ْيَر َةَ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل "
َم ا َي َز اُل اْلُم ْؤ ِمُن ُيَص اُب ِفي َو َلِدِه َو َح اَّم ِتِه َح َّت ى َي ْلَق ى َهَّللا َو َلْيَس ْت َلُه َخ ِط يَئ ٌة ") 2 .ـ ومنها أن النبى نفسه مات أوالده - (:باب
َج اِم ِع اْلِح ْس َب ِة ِفي اْلُم ِص يَب ِة َ - :ح َّد َث ِني َيْح َي ىَ ،ع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن ْب ِن اْلَق اِس ِم ْب ِن ُمَح َّم ِد ْب ِن َأِبي َب ْك ٍر َ ،أَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى
هللا عليه وسلم َقاَل " ِلُيَع ِّز اْل ُمْس ِلِميَن ِفي َمَص اِئِبِهُم اْل ُم ِص يَب ُة ِبي ") .
ـ ثم مكافأة مضحكة لمن مات عنها زوجها ،أن تقول بعض العبارات فتتزوج بعده َ - (:و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َر ِبيَع َة ْب ِن َأِبي 3
َع ْب ِد الَّر ْح َم ِن َ ،ع ْن ُأِّم َس َلَم َة َ ،ز ْو ِج الَّن ِبِّي صلى هللا عليه وسلم َأَّن َر ُس وَل ِهَّللا صلى هللا عليه وسلم َقاَل " َم ْن َأَص اَب ْت ُه ُم ِص يَب ٌة َفَق اَل
َك َم ا َأَمَر ُهَّللا ِإَّن ا ِهَّلِل َو ِإَّن ا ِإَلْي ِه َر اِج ُع وَن الَّلُهَّم ْأُجْر ِني ِفي ُم ِص يَب ِتي َو َأْع ِقْب ِني َخ ْيًر ا ِم ْن َه ا ِإَّال َف َع َل ُهَّللا َذ ِلَك ِبِه " َ .قاَلْت ُأُّم َس َلَم َة َفَلَّم ا
ُ.تُو ِّفَي َأُبو َس َلَم َة ُقْلُت َذ ِلَك ُثَّم ُقْلُت َو َم ْن َخ ْيٌر ِمْن َأِبي َس َلَم َة َفَأْع َقَبَه ا ُهَّللا َر ُس وَلُه صلى هللا عليه وسلم َفَتَز َّو َج َه ا ) .
ـ ثم قصة درامية فى التعزية عن إمرأة إسرائيلية وعابد إسرائيلى َ - ( :و َح َّد َث ِني َع ْن َم اِلٍك َ ،ع ْن َيْح َي ى ْب ِن َس ِعيٍدَ ،ع ِن اْلَقاِس ِم 4
ْب ِن ُمَح َّم ٍدَ ،أَّن ُه َقاَل َه َلَك ِت اْمَر َأٌة ِلي َفَأَت اِني ُمَح َّم ُد ْب ُن َك ْع ٍب اْلُقَر ِظ ُّي ُيَع ِّز يِني ِبَه ا َفَقاَل ِإَّن ُه َك اَن ِفي َب ِني ِإْس َر اِئيَل َر ُج ٌل َفِقيٌه َع اِلٌم َع اِبٌد
ُمْج َت ِه ٌد َو َك اَن ْت َلُه اْمَر َأٌة َ -و َك اَن ِبَه ا ُمْع َج ًب ا َو َلَه ا ُم ِحًّب ا َ -فَم اَت ْت َفَو َج َد َع َلْيَه ا َو ْج ًدا َش ِديًدا َو َلِقَي َع َلْيَه ا َأَس ًفا َح َّت ى َخ َال ِفي َبْي ٍت َو َغ َّلَق
َع َلى َن ْف ِس ِه َو اْح َت َج َب ِمَن الَّن اِس َفَلْم َي ُك ْن َي ْد ُخ ُل َع َلْي ِه َأَح ٌد َو ِإَّن اْمَر َأًة َس ِم َع ْت ِبِه َف َج اَء ْت ُه َفَقاَلْت ِإَّن ِلي ِإَلْي ِه َح اَج ًة َأْس َت ْف ِتيِه ِفيَه ا َلْيَس
ُيْج ِز يِني ِفيَه ا ِإَّال ُم َش اَفَه ُتُه َفَذ َه َب الَّن اُس َو َلِز َم ْت َب اَب ُه َو َقاَلْت َم ا ِلي ِم ْن ُه ُبٌّد َ .فَق اَل َلُه َقاِئٌل ِإَّن َها ُه َن ا اْمَر َأًة َأَر اَد ْت َأْن َت ْس َت ْف ِتَي َك َو َقاَلْت
ِإْن َأَر ْد ُت ِإَّال ُم َش اَفَه َت ُه َو َق ْد َذ َه َب الَّن اُس َو ِه َي َال ُتَفاِر ُق اْلَب اَب َ .فَقاَل اْئ َذ ُنوا َلَه ا َ .ف َد َخ َلْت َع َلْي ِه َفَقاَلْت ِإِّن ي ِج ْئُتَك َأْس َت ْف ِتيَك ِفي َأْم ٍر .
َقاَل َو َم ا ُه َو َقاَلْت ِإِّن ي اْس َت َعْر ُت ِمْن َج اَر ٍة ِلي َح ْلًي ا َفُكْن ُت َأْلَبُس ُه َو ُأِع يُرُه َز َم اًن ا ُثَّم ِإَّن ُهْم َأْر َس ُلوا ِإَلَّى ِفيِه َأَفُأَؤ ِّديِه ِإَلْي ِهْم َفَقاَل َن َع ْم َو ِهَّللا .
َفَق اَلْت ِإَّن ُه َق ْد َم َك َث ِع ْن ِدي َز َم اًن ا َ .فَق اَل َذ ِلَك َأَح ُّق ِلَر ِّدِك ِإَّي اُه ِإَلْي ِهْم ِحيَن َأَع اُر وِكيِه َز َم اًن ا َ .فَقاَلْت َأْى َيْر َح ُم َك ُهَّللا َأَفَت ْأَس ُف َع َلى َم ا
َأَع اَر َك ُهَّللا ُثَّم َأَخ َذ ُه ِم ْن َك َو ُه َو َأَح ُّق ِبِه ِم ْن َك َفَأْبَص َر َم ا َك اَن ِفيِه َو َن َف َع ُه ُهَّللا ِبَق ْو ِلَه ا ) .
الخاتمة
:أوال
ـ داعشى ُيصّل ى ثم يذبح األبرياء ويغتصب النساء .تقرأ له قوله جل وعال َّ ( :م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء )﴿ ﴾٣٨االنعام ) 1
( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) ﴿ ﴾٨٩النحل ) .يرد مكذبا رب العزة جل وعال :وأين نجد ركعات الصالة ومواقيتها ؟
ـ شيخ ُيصّلى ثم ُي فتى بجواز جهاد المناكحة ويتحدث عن لّذ ة المجاهدين فى ذبح األبرياء .تقرأ له قوله جل وعال َّ ( :م ا 2
َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن َش ْي ٍء )﴿ ﴾٣٨االنعام ) ( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء ) ﴿ ﴾٨٩النحل ) .يرد مكذبا رب العزة جل
وعال :وأين نجد ركعات الصالة ومواقيتها ؟
ـ شيخ من الكهنوت ُيصّلى وهو يعبد الحاكم المتأّله المستبد (:ولى األمر ) ُي فتى لولى األمر بما يهوى ،ويتناقض فى فتاويه 3
حسب تناقض ولى األمر فى هواه .يبيح لولى األمر القتل والنهب والفساد .تقرأ له قوله جل وعال َّ ( :م ا َفَّر ْط َن ا ِفي اْلِك َت اِب ِمن
َش ْي ٍء )﴿ ﴾٣٨االنعام ) ( َو َنَّز ْلَن ا َع َلْي َك اْلِك َت اَب ِتْبَي اًن ا ِّلُك ِّل َش ْي ٍء )﴿ ﴾٨٩النحل ) .يرد مكذبا رب العزة جل وعال :وأين نجد ركعات
الصالة ومواقيتها ؟
:ثانيا
ـ هم ال يعرفون أن الصالة التى توارثناها اليوم هى نفس الصالة المتواترة من حيث الشكل وعدد الركعات والمواقيت ،ما عدا 1
:استبدال التشهد بالتحيات وأن يكون قصر الصالة فى السفر فقط .أما األفظع فأنها أصبحت
.صالة شيطانية تأمر بالفحشاء والمنكر من القتل والسلب والنهب واالغتصاب 1 / 1 :
مطية لإلستغالل السياسى من تقديس الحاكم فى صالة وخطبة الجمعة الى إستخدامها وسيلة للوصول الى السلطة 1 / 2 :
.والخروج على الحاكم
أبرز ملمح فى تقديس البشر والوقوع فى الشرك وتقديس النبى محمد وغيره ،مما أعاد الثقافة القرشية التى سادت قبل 1 / 3 :
.نزول القرآن ،ثم عادت وسادت بعده أيضا
:ـ وهنا يصبح التساؤل المعاند عن عدد ركعات الصالة وكيفيتها 2
مبنيا على جهل وعلى تكذيب لرب العزة الذى أّك د كمال القرآن فى بيانه لما يحتاج الى بيان وفى عدم تفريطه لما يكون 2 / 1 :
.تركه تفريطا
.مؤكدا على إعجاز القرآن فى الحديث عن الكافرين الذين يسعون فى آيات هللا جل وعال معاندين 2 / 2 :
منطبقا اآلن على المحمديين ،وتعبيرا عن أزمة عقيدية لديهم ،وتعبيرا حيا على تناقضهم مع القرآن الكريم فى حياتهم 2 / 3 :
الدينية .فالشيطان خدعهم وأضل منهم اجياال وأجياال فأضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات .جعلهم يؤدون الصالة شكليا دون أن
يقيموها فى قلوبهم وفى جوارحهم تقوى وعمال صالحا تبتعد بهم عن المعاصى .بل إن صالتهم الشكلية تحّر ضهم على
التطرف فى العصيان .وهو ما يتجلى اآلن ،حيث يقترن التدين المظهرى السطحى وإمتالء المساجد بالناس مع التطرف فى
.الفساد واالنحالل