You are on page 1of 19

‫*‬

‫التعليمة معرفة علمية خصبة‬


‫أ‪.‬بشير إبرير‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‬
‫جامعة عنابة‬

‫أولا ‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫نبدأ حديثنا بهذه الحكمة التي وردت عن الحكيم الصيني كونفوشيوس إذ‬
‫ق ال‪« :‬إذا أردت أن تؤسس لعام ف&ازرع القمح‪ ،‬وإ ذا أردت أن تؤس&س لجي&ل‬
‫فشجر األرض‪ ،‬وإ ذا أردت أن تؤسس للعمر كله فعلم الناس»‪.‬‬
‫نس تنتج من ه ذه الحكم ة أن التعليم أهم م ا في الحي اة؛ فه و العص ب‬
‫الحس اس في أي مجتم ع من المجتمع ات‪ ،‬وه و الحام ل الناق ل لمف اتيح ال وعي‬
‫في اإلنسان واألمة‪.‬‬
‫وإ ذا كان المثل المتداول بيننا في عصرنا يقول عن الرجل الذي يحقق‬
‫إنج ازات ونت ائج ويبل غ مراك ز مهم ة‪« :‬وراء ك&&ل رج&&ل عظيم ام&&رأة» فإّن ه‬
‫بإمكاننا أن نقول قياسا عليه‪« :‬وراء كل مجتمع راق مدرسة»‪.1‬‬
‫أردت أن أق دم ه ذا الموض وع‪« :‬التعليمي&&ة معرف&&ة علمي&&ة خص&&بة»‬

‫* مداخلة قدمت في ندوة تربوية تكوينية لمعلمي التعليم األساسي‪.‬‬


‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪284‬‬

‫ألن هذا التخصص على أهميته في العملية التربوية‪ ،‬يكاد يكون مجهوال في‬
‫منظومتن ا التربوي ة بم ا في ذل ك الجامع ة الجزائري ة‪ ،‬إذ م ا زال فيه ا يع اني‬
‫كثيرا من العناء والغبن‪.1‬‬
‫وس أحاول في‪-‬البداي ة‪ -‬أن أح دد مفهوم التعليميات؟ ألن مف اتيح العل وم‬
‫مصطلحاتها‪ ،‬وإ ذا أردنا أن نفهم علما ما فعلينا أن نحدد مصطلحاته ونفهمها‪،‬‬
‫ونع رف كي ف نقيم الح دود بينه ا ون بين الف روق بين ه ذا العلم وذاك‪ ،‬انطالق ا‬
‫من مصطلحاته ومفاهيمه‪.‬‬
‫ثم س أحاول البحث عن موض&&&&وع التعليمي&&&&ات‪ ،‬وعالقته&&&&ا بالمع&&&&ارف‬
‫األخرى مثل اللسانيات وعلم النفس وعلم االجتماع والبيداغوجيا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬مفهوم التعليمية‪:‬‬
‫نشير إلى أننا نجد في اللغة العربية عدة مصطلحات مقابل ة للمصطلح‬
‫األجن بي الواح د‪ ،‬ولع ل ذل ك يرج ع إلى تع دد مناه ل الترجم ة‪ ،‬وك ذلك إلى‬
‫ظ اهرة ال ترادف في اللغ ة العربي ة‪ ،‬وح تى في لغ ة المص طلح األص لية؛ ف إذا‬
‫ت رجم إلى لغ ة أخ رى نق ل ال ترادف إليه ا‪ ،‬من ذل ك‪« :‬تع دد المص طلحات‬
‫المس تقاة من اإلنجليزي ة في ش قها البريط اني واألم ريكي‪ 2».‬والش واهد على‬

‫‪ .1‬انظر‪ ،‬عبد المالك مرتاض‪ ،‬مقدمة العدد ‪ 3‬من مجلة اللغة العربية‪ ،‬مجلة فصلية يصدرها المجلس‬
‫األعلى للغة العربية ‪ ،2000‬ص‪.5:‬‬
‫‪ .1‬نقول هذا الكالم تأكيدا للحقيقة وإ قرار بها‪ ،‬فبالرغم من كون التعليمية معرفة علمية ثرية وال بد منها في‬
‫العملية التربوية والتعليمية فإننا ال نجد الجامعة الجزائرية قد خصصت لها شهادة ليسانس خاصة بها‪ ،‬بل‬
‫أكثر من ذلك فإنها كمادة مستقلة ما تزال مهمشة في الجامعة‪ ،‬وال يهتم بها إال قليل من األساتذة والباحثين‪.‬‬

‫‪ .2‬يوسف إلياس‪ ،‬ترجمة النصوص اإلخبارية‪ ،‬المجلة العربية للدراسات اللغوية‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬العدد‬

‫الثاني‪ ،‬رمضان ‪ 1404‬هـ‪/‬يونيو ‪ ،1984‬معهد الخرطوم الدولي للغة العربية‪ ،‬المنظمة العربية للتربية‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪285‬‬

‫هذه الظاهرة كثيرة في العربية‪ ،‬سواء أتعلق األمر باإلنجليزية أم بالفرنسية‪،‬‬


‫باعتبارهم ا اللغ تين الل تين يأخ ذ منهم ا الفك ر الع ربي المعاص ر على تن وع‬
‫خطاباته والمعارف المتعلقة به‪.‬‬
‫ومنها مصطلح «‪ »DIDACTIQUE‬الذي يقابله في العربية عدة ألفاظ‪:‬‬

‫‪Didactique‬‬

‫الديداكتيك‬ ‫تعليمية تعليميات علم التدريس علم التعليم التدريسية‬

‫وتتفاوت هذه المصطلحات من حيث االستعمال؛ ففي الوقت الذي اختار‬


‫بعض الب احثين اس تعمال «دي&&داكتيك» تجنب ا ألي لبس في مفه وم المص طلح‪،‬‬
‫نج د ب احثين آخ رين يس تعملون «علم الت&&دريس» و«علم التعليم»‪ ،‬وب احثين‬
‫آخ رين قالئ ل يس تعملون مص طلح «تعليمي&&&&&&&ات» مث ل لس انيات‬
‫ورياضيات‪...‬الخ‪ .‬وأما مصطلح «تدريسية» فهو استعمال عراقي‪ ،‬لم يشع‬
‫اس تعماله‪ .‬غ ير أّن المص طلح ال ذي ش اع في االس تعمال أك ثر من غ يره ه و‪:‬‬
‫«تعليمي&&ات» ول ذلك اخترت ه مق ابال لـ «‪ »didactique‬ب الرغم من اإلغ راء‬
‫الذي يمارسه كل من مصطلح «علم التدريس» و«علم التعليم»‪.‬‬

‫والثقافة والعلوم‪ ،‬ص‪.38 :‬‬


‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪286‬‬

‫وق د ع رّف ج ان كل ود غ اينون (‪ )J.C.Gagnon‬في دراس ة ل ه أص درها‬


‫سنة ‪ 1973‬بعنوان‪« :‬ديداكتيك مادة» (‪،)La didactique d’une discipline‬‬
‫التعليمية كما يلي‪:‬‬
‫«إشكالية إجمالية ودينامية‪ ،‬تتضمن‪:‬‬
‫‪ -‬تأمال وتفكيرا في طبيعة المادة الدراسية وكذا في طبيعة وغايات تدريسها‪.‬‬
‫‪ -‬إع دادا لفرض ياتها الخصوص ية‪ ،‬انطالق ا من المعطي ات المتج ددة‬
‫والمتنوعة باستمرار لعلم النفس والبيداغوجية وعلم االجتماع‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬دراسة نظرية وتطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريسها‪».‬‬
‫ونس تنتج من ه ذا التعري ف أن التعليمي ة علم مس تقل بنفس ه ول ه عالق ة‬
‫وطي دة بعل وم أخ رى وه و ي درس التعليم من حيث محتويات ه ونظريات ه‬
‫وطرائق ه دراس ة علمي ة‪ .‬وه و في مي دان تعليم اللغ ة يبحث في س ؤالين‬
‫مترابطين ببعضهما هما‪ ،‬ماذا ندرس ؟ وكيف ندرس ؟‪.‬‬
‫ويتعل ق الس ؤال األول بالم ادة الدراس ية من حيث كمه ا وكيفه ا ب النظر‬
‫إلى معجمها وداللتها ونحوها وأصواتها‪ ،‬وبجرد األبنية أو األشكال اللغوية‬
‫والمف اهيم ال تي تتماش ى م ع احتياج ات المتعلمين‪ ،‬وتجيب عن ه ذا الس ؤال‬
‫اللسانيات التطبيقية‪ ،‬وهو تخصص يتداخل كثيرا مع التعليمية‪.‬‬
‫أم ا الس ؤال الث اني فيتعلق بتحديد نوعي ة المتعلمين وحاجاتهم وميولهم‪،‬‬
‫ثم تحوي ل أو ترجم ة ه ذه الحاج ات والمي ول إلى ق والب لغوي ة ومف اهيم‪ ،‬ثم‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬رش يد بن اني‪ ،‬من الدي داكتيك إلى البي داغوجيا‪ ،‬الح وار األك اديمي والج امعي‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬ذ ‪، 1‬‬
‫‪ ،1991‬ص‪.39 :‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪287‬‬

‫تكييفه ا بم ا يس تجيب للمتعلمين واأله داف والوس ائل التعليمي ة المت وفرة‪،‬‬
‫ويجيب عن ه ذا الس ؤال علم منهج ت دريس اللغ ات ‪méthodologie de‬‬
‫‪ l’enseignement des langues‬وك ذلك تخصص ات أخ رى له ا ص لة وثيق ة‬
‫بالتعليمية مثل‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم التربية‪ ،‬ونظريات التعليم‪،‬‬
‫وعلم االختبارات والتقويم ‪ ،La docimologie‬وتكنولوجيا التربية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬موضوع التعليمية‪:‬‬
‫تط رح موض وعات عدي دة على بس اط البحث في التعليمي ة‪ ،‬إذ يمكن أن‬
‫يهتم المتخصص فيها بعدة اهتمامات ال تنحصر في المادة وحدها‪ ،‬وإ نما تمت د‬
‫لتش مل ك ل م ا يتعل ق بالعملي ة التعليمي ة في مختل ف أبعاده ا ومس اراتها‪ ،‬في‬
‫ترابط وتناسق وانسجام بين مختل ف عناص رها المكّو ن ة لنظام التعلم والتعليم‬
‫الذي يمكن تفصيله كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬معرف&&&&ة عين&&&&ة المتعلمين‪ ،‬من هم؟ أص غارًا أم كب ارًا؟ وم ا ه و‬
‫مس تواهم المع رفي‪ ،‬ومع رفتهم الس ابقة بم واد التخص ص ال ذي يدرس ونه‪،‬‬
‫وبالم ادة ال تي سيدرس ونها مج ددا؟ وم ا هي خصوص ياتهم النفس ية‬
‫واالجتماعي ة‪ ،‬وخصائص هم كجماع ة من المتعلمين يض مهم قس م واح د؟‬
‫والخصائص المميزة لهم كأفراد؟‪.‬‬
‫فاإلجابة عن هذه األسئلة تمكن الباحث في التعليمية‪ 1‬من تحديد حوافز‬
‫المتعلم ودوافع ه المختلف ة نح و التعلم وموقف ه من الم ادة وعالقت ه بالمحي ط‬

‫‪ .1‬استعملت "الباحث في التعليمات" مقابال للمصطلح األجنبي "‪ ،"Didacticien‬الدي داكتيكي أو التعليمي أو‬
‫التعليماتي أو الخبير في التعليم‪.‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪288‬‬

‫‪1‬‬
‫واستعماله للغة‬
‫‪ .2‬المعلم‪ :‬في هويت ه وتكوين ه وخصائص ه النفس ية والمعرفي ة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وعالقته بالتوجهات العامة للتعليم‪ ،‬وأساليب ممارسته وطرائق‬
‫تبليغه وأدائه‪.‬‬
‫‪ .3‬المحتوى‪ :‬ويتمثل في كل ما يمكن تعليمه وتعلمه‪ ،‬وجملة المع ارف‬
‫العلمية والفنية المكّو نة لمحتوى البرنامج المقرر؛ فيمكن الباحث في التعليمي ة‬
‫أن ي درس المحت وى التعليمي دراس ة وص فية أو تحليلي ة‪ ،‬أو مقارن ة أو من‬
‫منظور اللسانيات االجتماعية ‪ Socio-linguistique‬أو من منظور اللسانيات‬
‫النفس ية‪ ،Psycho-linguistique 2‬من أج ل تحدي د مق اييس انتق اء الم ادة بدق ة‪،‬‬
‫ففي تعليمية اللغة مثال‪ ،‬توجد عدة مبادئ الختيار المادة اللغوية‪ ،‬فليس كل ما‬
‫في اللغة ضروريا للمتعلم؛ إذ « يقتص ر المتعلم في تعب يره الش فوي والكت ابي‬
‫على بعض العناصر اللغوية دون غيرها‪ ،‬فال يستعمل كل ما في اللغة مهما‬
‫كانت درجة ثقافته وسعة ثروته اللغوية‪ ،‬وهذا القدر المشترك في االستعمال‬
‫بين الن اس جميع ا لتأدي ة األغ راض التبليغي ة الض رورية ه و ال ذي يحتاج ه‬
‫‪3‬‬
‫المتعلم‪».‬‬
‫يق ول ال دكتور عب د الرحم ان الح اج ص الح في ه ذا المق ام‪ « :‬ال يحت اج‬
‫المتعلم إلى كل ما هو ثابت في اللغة للتعبير عن أغراضه‪ ،‬بل تكفيه األلفاظ‬

‫‪ .1‬عبد اللطيف الفاربي‪ ،‬مدخل إلى ديداكتيكا اللغات حقول ومج االت اش تغال الدي داكتيكي‪ ،‬مجل ة دي داكتيكا‪،‬‬
‫العدد (‪ ،)1‬ص‪7‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ .2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.7 :‬‬
‫‪ .3‬عبد المجيد سالمي‪ ،‬مدخل إلى علم تعليم اللغات‪ ،‬مجلة اللغة واألدب‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬معهد اللغة‬
‫العربية وآدابها‪ ،‬عدد ‪ ،1995 ،5‬ص ‪.140‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪289‬‬

‫التي تدل على المفاهيم العادية وبعض المفاهيم العلمية والفنية أو الحضارية‬
‫مما تقتضيه الحياة العصرية‪ ،‬أما اللغة التقنية التي سيحتاج إليها بعد اختياره‬
‫لمهنة معينة ثم الثروة اللغوية الواسعة‪ ،‬فهذا سيكون من مكتسباته الشخصية‪،‬‬
‫يتحصل عليها على ممر األيام في مسيرته الثقافية وفي تلقيه لشتى الدروس‬
‫غير دروس اللغة‪ ،1».‬وليس كل ما في اللغة يناسب الطفل أو المراهق من‬
‫حيث األلفاظ والتراكيب في مرحلة معينة من مراحل نمو الطفل وارتقائه‪.2‬‬
‫وبإمكان الباحث في تعليمية اللغات أن يقوم بإحصاء المستوى اإلفرادي‬
‫للغ ة‪ ،‬من أج ل تحدي د عناص رها الالزم ة للتعليم‪ ،‬وذل ك تس هيال لعم ل‬
‫المتخصص في تعليم اللغات؛ ألن اإلحصاءات وسيلة فعالة تمكن الباحث من‬
‫إج راء تحليالت ه ومقارنات ه بين الطرائ ق المختلف ة‪ ،‬ليع رف م واطن الض عف‬
‫فيها‪ ،‬ويقترح لها الحلول المناسبة‪.3‬‬

‫وباإلض افة إلى الف رق بين المنط وق والمكت وب وأس بقية المش افهة على‬
‫التحري ر‪ ،‬فهن اك اختالف من حيث الكم والن وع بين العناص ر اللغوي ة في‬
‫الخطابات الشفوية والمكتوبة‪ ،‬وهو ما يجب مراعاته في وضع طرائ ق لتعليم‬
‫لغتنا‪ ،‬إذا أردنا أن نجعلها ذات استعمال عفوي متداول‪.4‬‬
‫‪ .4‬مؤسسة التعليم‪ :‬أين تقع ؟ في بيئة اجتماعية مدنية أم ريفية؟ وهل‬

‫‪ .1‬عبد الرحمان الحاج صالح‪ ،‬أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية‪ ،‬مجلة اللسانيات‪،‬‬
‫عدد ‪ ،1974 ،4‬ص ‪.44‬‬
‫‪ .2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪..44‬‬
‫‪ .3‬عبد المجيد سالمي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141-140‬‬
‫‪ .4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪290‬‬

‫هي قادرة على توفير وسائل العمل الالزمة؟ وما هي القوانين التي تسيرها؟‬
‫‪ .5‬معرفة األهداف‪ :‬ما نوعها؟ أهي عامة أم خاصة أم إجرائية؟ وهل‬
‫تتعلق بمهارات عامة أم بمعارف معينة؟ ومن يختارها ويحددها؟؛ فقد جلبت‬
‫أنظ ار االختصاص يين في التعليمي ة أهمي ة األه داف في نظ ام التعليم‪ ،‬بغي ة‬
‫الوص ول إلى الطريق ة المثلى ال تي توض ح لن ا كي ف نؤس س تعليمي ة م ا على‬
‫أه داف تربوي ة تعليمي ة مدروس ة بدق ة‪ ،‬وبإمكانه ا أن تجيب عن التس اؤالت‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫ه ل يه دف التعليم أساس ا إلى إكس اب المتعلم معلوم ات أو مه ارات أو‬
‫سلوكا أو اتجاها فكريا محددا مثل النقد أو اإلبداع أو االستظهار‪ ،‬وهل يهدف‬
‫التعليم إلى إكس اب المتعلم إش كاليات حقيقي ة وإ طالع ا معمق ا على المف اهيم‪،‬‬
‫وتحكما فيها والربط بين عالقاتها المختلفة‪.1‬‬
‫‪ .6‬األنش& &&طة‪ :‬أي م ا هي األنش طة ال تي يق وم به ا المعلم في تبليغ ه‬
‫لمعلوماته‪ ،‬والتي تتعلق بمهارات السمع والكالم والقراءة والتصحيح؟ فهناك‬
‫أنش طة ش فوية وأخ رى كتابي ة‪ ،‬وال يمكن االهتم ام أو االكتف اء بج انب واح د‬
‫منهما‪ ،‬وإ نما بينهما انسجام وتكامل‪ ،‬ثم إن هذه األنشطة منها ما يتعلق بالمعلم‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلق بالمتعلم ولذلك تسمى األنشطة التعليمية ‪ -‬التعلمية؛ فمن ذلك‬
‫مثال إتاحة فرص الحديث للمتعلم عن موضوعات ضمن سياقات مختلفة مع‬
‫بقي ة المتعلمين داخ ل القس م‪ ،‬وم ا يتطلب ه ذل ك من تب ادل لألدوار بينهم وإ نم اء‬
‫لملكتهم التبليغية‪ ،‬كما يمكن تشجيع المتعلمين على اإلنصات الجيد‪ ،‬مع التحلي‬
‫بالص مت في ح االت االس تماع المختلف ة واالس تعداد لل رد الس ريع ش فويا‪،‬‬
‫‪ .1‬إدريس موالي شابو‪ ،‬ما هي التعليمية‪ ،‬مجلة المبرز‪ ،‬العدد ‪ 5‬جانفي جوان ‪ ،1995‬ص‪.33:‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪291‬‬

‫ومعرف ة م تى يك ون ذل ك‪ ،‬وم تى يلتمس الكلم ة والتمي يز بين أن واع الخطاب ات‬


‫ال تي توج ه إلي ه‪ ،‬وأغراض ها المختلف ة وم ا إذا ك انت بغ رض اإلقن اع أو‬
‫التوضيح أو التأثير أو لفت االنتباه إلى أمر ما أو االستدالل والمحاجة‪ ،‬والتكلم‬
‫بجرأة ووضوح باستعمال جمل مفيدة‪ ،‬وعدم االقتصار في اإلجابة على كلمة‬
‫واحدة‪ ،‬وتمرينهم أيضا على آداب الحديث والمناقش ة وما تتطلبه من قدرات‬
‫مختلف ة مث ل‪ :‬التكي ف م ع أح وال الخط اب المختلف ة‪ ،‬ومعرف ة الف روق بين‬
‫مخاطب ة الص غير ومخاطب ة الكب ير‪ ،‬ومن هم في منزل ة اجتماعي ة يقتض ي‬
‫مقامه ا الحرم ة‪ ،‬ومن هم في منزل ة أدنى واختي ار الخط اب المناس ب‪ ،‬وم ا‬
‫يقتض يه من كلم ات وت راكيب‪ ،‬فال يكتفي المعلم بتبلي غ محتوي ات معلومات ه‪،‬‬
‫وإ نم ا يمكن ه أن يعم ل على إكس اب المتعلمين المه ارات المختلف ة ال تي ت دعم‬
‫ملكة التبليغ مشافهة وتحريرا‪.1‬‬

‫والب د من التأكي د على األنش طة الكتابي ة أيض ا‪ ،‬ألهميته ا في إكس اب‬


‫المتعلم ملك ة التفك ير الناف ذ‪ ،‬فكتاب ة الموض وعات والتعلي ق عليه ا وتلخيص ها‬
‫ووض عها في رؤوس أقالم من ش أنها أن تط ور اس تراتيجيات متقدم ة في‬
‫التفك ير؛ «فاألعم ال الكتابي ة ذات طبيع ة خالق ة‪ ،‬حيث ت دفع إلى التفك ير‬
‫المتعم ق وإ عم ال ال ذهن وتوجيه ه نح و اكتش اف المع اني واألفك ار‬
‫والعالقات‪.2»...‬‬
‫‪ .1‬بشير إبرير‪ ،‬توظيف النظرية التبليغية في تدريس النصوص بالمدارس الثانوية الجزائرية‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه دولة‪ ،‬قسم اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة عنابة ‪ ،2000‬ص‪.249-248 :‬‬
‫‪ .2‬حمدان علي نصر‪ ،‬أثر استخدام نشاطات كتابية وكالمية مصاحبة على تنمية بعض مهارات القراءة‬
‫الناقدة‪ ،‬دراسة تجريبية‪ ،‬المجلة العربية للبحوث التربوية‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬المجلد‬
‫‪ ،16‬العدد ‪ ،1996 ،1‬ص‪.226 :‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪292‬‬

‫ونشير ‪ -‬في كل هذا ‪ -‬إلى أن دور المعلم يكمن في تدخالته المنهجية‬


‫وتوجيهات ه الض رورية فق ط‪ ،‬ويمكن أن يبقى جانب ا في بعض الح االت‬
‫الالزمة‪ ،‬فال يتدخل في كل صغيرة أو كبيرة‪ ،‬ليدع المجال للتالميذ يعبرون‬
‫بأنفس هم عن أنفس هم ويتخ اطبون‪ ،‬ف ذلك ي ؤدي إلى روح التن افس المثم ر‪،‬‬
‫وتقوية دوافع التالميذ نحو التعلم‪.1‬‬
‫‪ .7‬الوسائل‪ :‬التي يمكن استعمالها في أداء العملية مثال‪:‬‬
‫هل قسم أم مخبر؟ هل كتاب أم مطبوعة أم صور أم أشرطة ؟‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪ .8‬النتائج التي تم تحقيقها فعال‪ ،‬وهل تم تحقيق األهداف المحددة ؟ وما‬
‫نسبة ذلك التحقيق أو النجاح ؟ وهل بإمكان المتعلمين أن يشاركوا في تقويم‬
‫النت ائج المتوص ل إليه ا؟‪ 2‬وم ا هي الثغ رات ال تي ظه رت ومن الالزم س دها؟‬
‫وما هي الصعوبات التي تواج ه المعلمين والمتعلمين مع ا في التعليم والتعلم ؟‬
‫وه ل يتعل ق ذل ك بالطريق ة أم ب المتعلم؟ أم ب المحتوى أم بالوس ائل أم ب المعلم؟‬
‫باعتباره العنصر األول في العملية التعليمية ؟ وكيف يتم تصحيح كل ذلك ؟‬
‫أم بعملية التقويم في حّد ذاتها؟‬
‫إن ما يمكن أن يبحثه المتخصص في التعليمية يمكن أن نلخصه كما يلي‪:‬‬
‫« متعلمون في عالقة مع‪:‬‬
‫‪ -‬معلم لكي يتعلموا‬

‫‪ .1‬بشير إبرير‪ ،‬المرجع المذكور سابقا‪ ،‬ص‪250-249:‬‬


‫‪ .2‬يوجد كثير من الجامعات في العالم يقوم فيها المتعلمون‪ -‬في نهاية كل سنة‪ -‬بملء استمارة تقويم عن‬
‫األستاذ‪ ،‬وهذا ال وجود له على اإلطالق في بالدنا‪ ،‬بل حتى ذهنيا هو غير مقبول لعوامل عديدة ليس هذا‬
‫مجال ذكرها‪.‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪293‬‬

‫‪ -‬محتويات داخل إطار‬


‫‪ -‬مؤسسة من أجل تحقيق‬
‫‪ -‬أهداف عن طريق‬
‫‪ -‬أنشطة وبمساعدة‬
‫‪ -‬وسائل تمكن من بلوغ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬نتائج‪».‬‬
‫وإن أهم الموض وعات ال تي يمكن أن تك ون الانش غاالت األساس ية‬
‫للتعليمية‪ ،‬وعلى المتخصص في هذا الميدان أن يبحثها تتمثل ‪ -‬حسب كلود‬
‫بيجين ‪ CLOUDE BEGIN‬في مقالة له عنوانها‪:‬‬
‫‪ 2La didactique et ses principales préoccupations‬في‪ :‬تحس يس‬
‫المدرس ين بمش اكل التعليم المختلف ة‪ ،‬وجعلهم يعرف ون بعض أه داف التعليم‬
‫وبعض وسائل بلوغها وتيسير التعليم‪ ،‬وتنمية المهارات العقلية (مثال مهارة‬
‫الحس اب ال ذهني‪ ،‬ح ل بعض المش اكل‪ ،‬التفك ير االس تداللي‪ ،)...‬والبحث عن‬
‫الحد األدنى من التعليم‪ ،‬فماذا يتبقى منه‪ ،‬إذ هناك معارف مهمة كثيرة يطالها‬
‫النسيان‪.‬‬
‫وإ ث راء الوس ط ال تربوي بالتص دي للمعرف ة وفهمه ا‪ ،‬خصوص ا أن ه ذا‬
‫العص ر ال ذي نعيش ه ه و عص ر المعرف ة‪ ،‬وال مك ان في ه لمن ال معرف ة ل ه‪،‬‬
‫وك ذلك تحف يز التالمي ذ نح و الم واد الدراس ية وتش ويقهم للتعليم‪ ،‬وبي ان أهمي ة‬

‫‪ .‬عبد اللطيف الفاربي وعبد العزيز الغرضاف‪ ،‬كيف تدرس بواسطة األهداف‪ ،‬الدار لبيضاء‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1989‬ص‪.17 :‬‬
‫‪ .2‬رشيد بناني‪ ،‬المرجع المذكور سابق‪ ،‬ص‪ 72 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪294‬‬

‫الم واد الدراس ية ووظائفه ا في المجتم ع‪ ،‬وك ذلك تك وين المعلمين وتحس ين‬
‫أدائهم البي داغوجي‪ ،‬والقي ام ب البحث في الم واد التعليمي ة‪ ،‬وفي تنظيم عملي ة‬
‫التعليم والتعلم والبحث ‪ -‬أيض ا ‪ -‬في بن اء المن اهج وتط وير ال برامج‬
‫التعليمي ة‪ ،‬دون أن ننس ى في ك ل ه ذا البحث التق ويم وأس اليبه وأنواع ه‪،‬‬
‫وأهميته في العملية التعليمية‪.‬‬
‫رابعا‪ .‬عالقة التعليمية بالمعارف العلمية األخرى‪:‬‬
‫تتداخل التعليمية مع عدة تخصصات علمي ة أخرى إلى درج ة يصعب‬
‫التفري ق بينه ا في بعض األحي ان‪ ،‬فهي في إيطالي ا ت رادف علم النفس اللغ وي‬
‫وعلم النفس التربوي‪ ،‬ويتداخل مفهومها إلى حد االلتباس في ‪ -‬بلجيكا ‪ -‬مع‬
‫البي داغوجيا‪ ،‬بينم ا يرتب ط في فرنس ا باللس انيات التطبيقي ة‪ ،‬دون أن ننس ى‬
‫اللس انيات العام ة والص وتيات وعلم النفس‪ ،‬الع ام وخصوص ا م ا تعل ق من ه‬
‫بنظري ات التعلم‪ ،‬وعل وم أخ رى اهتمت بالمج ال االجتم اعي الثق افي‪ ،‬مث ل‬
‫االقتصاد والتاريخ والجغرافيا وعلوم عريقة مثل األدب والفلسفة‪...‬‬
‫ويفسر ماري ‪« Mariet‬هذا الحضور المكثف لمختلف الفروع والعلوم‬
‫ب الموقع االقتص ادي اله ام لتعليمي ة اللغ ات‪ ،‬فق د ك انت بحكم التط ور ال ذي‬
‫عرفته موردا هاما للعمل‪ ،‬ووجدت فيها بقية العلوم األخرى ضالتها بما أنها‬
‫تدرس المادة ‪ -‬والمتعلم ‪ -‬والطرائق‪.1».‬‬
‫وله ذا‪ ..‬ف إن الب احث في التعليمي ة يج د نفس ه مض طرا للبحث في عل وم‬
‫أخرى‪ ،‬ذات عالقة ومنافع متبادلة بينها وبين التعليمية‪ ،2‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬اللسانيات‪ :‬فقد استفادت تعليمية اللغات من اللسانيات استفادة كبيرة‬

‫‪ .1‬عبد اللطيف الفاربي‪ ،‬مدخل إلى ديداكتيكا اللغات‪ ،‬ص‪.8 :‬‬


‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪295‬‬

‫على تعاقب مدارسها ونظرياتها‪ ،‬فقد قدمت المدارس اللسانية ونظرياتها التي‬
‫انبثقت عنه ا للتعليمي ة إمكاني ة التفك ير والتأم ل في الم ادة اللغوي ة‪ ،‬وبنياته ا‬
‫والمن اهج ال تي تحكمه ا‪ ،‬وذل ك انطالق ا مم ا قدم ه سوس ير ‪ F.Saussure‬في‬
‫المدرس ة البنيوي ة "‪ ،"Le structuralisme‬وبلومفيل د ‪ L.Bloomfield‬في‬
‫المدرس ة التوزيعي ة ‪ ،L’école distributionnelle‬ومدرس ة شومس كي‬
‫‪L`école‬‬ ‫ة ‪générative‬‬ ‫ة التحويلي‬ ‫التوليدي‬ ‫‪N.Chomsky‬‬
‫‪ ،transformationnelle‬وم ا قدمت ه المدرس ة اإلنجليزي ة م ع ف يرث ‪FURTH‬‬
‫ثم تط ورت بفض ل تلمي ذه مايك ل هالي داي ‪ M.Halliday‬ودي ل ه ايمس ‪Dell‬‬
‫‪ ، Hymes‬وقد نتج عن كل هذه المدارس عدة مفاهيم‪ ،‬كان لها بالغ األثر في‬
‫تعليمية اللغات‪ ،‬ومن أهم تلك المفاهيم مفهوم النظام عند سوسير؛ ففي رأيه‬
‫أن اللغ ة نظ ام محكم يتك ون من مس تويات للتحلي ل هي‪ :‬المس توى الص وتي‬
‫والص رفي والنح وي والمعجمي وال داللي‪« ،‬ومن ثم ة ف إن تحدي د تل ك األبني ة‬
‫ووحداتها وما يربط بينها من عالئق متنوعة من شأنه أن يعين على معالجة‬
‫المواد اللغوية المدّر سة‪ ،‬معالجة بيداغوجية مخصوصة يراعى فيها التدرج‬
‫من البسيط إلى المعقد‪ ،‬واالنتقال من الشبيه إلى الشبيه به أو المقابل له‪ ،‬وهو‬
‫م ا يس اعد على ترس يخ المعلوم ات المقدم ة في أذه ان المتعلمين‪ ،‬وتيس ير‬
‫عملية استحضارها من قبلهم كلما شعروا بالحاجة إلى ذلك‪ .1»...‬إن الرؤية‬
‫الوص فية للغ ة ال تي ترس خت في منهج مس تقل به ا عن د سوس ير لم يتوق ف‬

‫‪ .2‬تتبادل التعليمية المنافع مع كثير من العلوم ومنها اللسانيات‪ ،‬ألن تعليمية اللغات تستفيد من اللسانيات والعكس‬
‫كذلك‪ ،‬إذ تستفيد اللسانيات من التعليمية فتصير موضوعا من موضوعاتها في إطار العملية التربوية‪.‬‬
‫‪ .1‬محمد صالح بن عمر‪ ،‬كيف نعلم العربية لغة حية؟ بحث في إشكاليات المنهج‪ ،‬دار الخدمات العامة‬
‫للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،1‬ص‪.16 :‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪296‬‬

‫تأثيره ا في التعليمي ة فحس ب‪ ،‬وإ نم ا امت د ليط ال من اهج تحلي ل النص وص‬
‫األدبية‪.‬‬
‫ولع ل أحس ن اس تثمار لمفه وم البني ة في تعليمي ة اللغ ات يتمث ل في‬
‫التم ارين البنوي ة ‪ exercices structuraux‬ال تي تعتم د على مف اهيم التقاب ل‬
‫‪ ،l’opposition‬والتشابه ‪ ،l’analogie‬واالختالف ‪ ،le contraste‬في فهم اللغة‬
‫وإ دراك مدلوالتها‪.‬‬
‫ومن بين مظ اهر الت أثير أيض ا أن أعي د االعتب ار للغ ة المنطوق ة‪،‬‬
‫فأصبحت لها أهميتها في الوصف والدراسة‪ ،‬وهي نظرة جديدة‪ ،‬لم تكن من‬
‫قبل عندما كانت تسود الدراسات التاريخية والمقارنة التي كانت تركز على‬
‫النص وص المكتوب ة لكب ار األدب اء‪ ،‬إن اللغ ة المنطوق ة تتم يز بالنش اط‬
‫والحيوية‪ ،‬من ذلك أن الطفل ال يشرع في تعلم اللغة المكتوبة إال بعد أن يتعلم‬
‫اللغة المنطوقة‪.‬‬
‫وقد استفادت تعليمية اللغات أيضا من اللسانيات في جانبها الصوتي في‬
‫تصحيح النطق لدى المتعلمين‪ ،‬خصوصا في تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى أن معظم الم دارس اللس انية ق د اتخ ذت من الجمل ة وح دتها األساس ية في‬
‫دراس ة اللغ ة‪ ،‬باإلض افة إلى تك وين األرص دة اللغوي ة األساس ية ال تي يحتاجه ا‬
‫المتكلمون باللغة في أغلب شؤون حياتهم‪ ،‬وقضاء حوائجهم‪.1‬‬
‫ومن بين أهم المفاهيم اللسانية التي كان لها تأثير واسع في تعليمية اللغة‬
‫مفه وم "الملك&&ة اللغوي&&ة" ‪ ،2La compétence linguistique‬ويقابله ا مفه وم‬

‫‪ .1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 17 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪297‬‬

‫"األداء أو اإلنج& &&از" "‪ ،1"La performance‬وهم ا مفهوم ان أساس يان في‬
‫المدرس ة التوليدي ة التحويلي ة‪ ،‬فالملك ة اللغوي ة تمث ل جمل ة الق درات‬
‫واالستعدادات التي تمكن الفرد من إنجاز اللغة بعد ذلك‪ ،‬بمعنى أن اإلنجاز‬
‫هو استثمار للملكة‪.‬‬
‫وإن ما جاء به شومسكي في هذا اإلطار على قدر كبير جدا من األهمية‬
‫في تعليمي ة اللغ ات‪ ،‬غ ير أن ه يظ ل غ ير ك اف في نظ ر أص حاب المدرس ة‬
‫اإلنجليزية التي تسمي بالفيرثية الجديدة نسبة إلى "فيرث ‪ "FURTH‬صاحب‬
‫نظري ة س ياق الح ال في بداي ة األربعين ات‪ .‬وله ذا أض اف "دي ل ه ايمس"‬
‫‪la compétence‬‬ ‫مص طلحا آخ ر ه و‪ :‬الملك&&ة التبليغي&&ة‪/‬التواص&&لية‬
‫‪.2communicative‬‬
‫إذ تشكل موضوعا للبحث على درجة كبيرة من األهمية في الدراسات‬
‫العربي ة والغربي ة على ح د س واء‪ ،‬وق د ألفت في ذل ك كتب كث يرة ورس ائل‬
‫جامعية متعددة‪.‬‬
‫تع ني الملك ة التبليغي ة «الق درة على اس تعمال اللغ ة في مختل ف األح وال‬

‫‪ .2‬تحدث عن الملكة اللغوية العالمة عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المقدمة بقرون طويلة قبل‬
‫تشومسكي؟ وتعادل الملكة عند الفارابي وغيره من علماء العرب القدامى "الموجود بالقوة"‪ ،‬غير أن هذا ال‬
‫يعني إلغاء الجهود العظيمة لتشومسكي وغيره من علماء الغرب وإ ضافاتهم العظيمة للفكر اإلنساني‬
‫خصوصا من حيث الضبط المنهجي والتأسيس النظري‪.‬‬
‫‪ .1‬يعادل عند العرب القدماء "الموجود بالفعل"‬
‫‪ .2‬الحديث عن الملكة التبليغية في عصرنا ال يخرج عما تحدث عنه علماء اللسان والبالغة العرب والبحث‬
‫عن جذور النظرية التبليغية في التراث العربي على قدر كبير من األهمية‪ ،‬انطالقا من سيبويه في القرن‬
‫الثاني‪ ،‬وصوال إلى ابن خلدون في القرن الثامن الهجري‪.‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪298‬‬

‫الخطابي ة لش تى األغ راض‪ 1».‬وهي به ذا تتع دى الملك ة اللغوي ة ال تي تع ني‬


‫القدرة على التركيب السليم للنماذج الصوتية‪ ،‬والمعجمية والنحوية والنصية‬
‫لنظام اللغة‪.‬‬
‫إن الملكة التبليغية ال تعني معرفة النظام الصوتي والصرفي والنحوي‬
‫فقط؛ وإ نما تتعدى ذلك إلى معرفة معايير وقواعد التوظيف‪ ،‬وقدرة المتكلمين‬
‫في ذل ك‪ ،‬فال تتض من العناص ر والبني ات اللس انية وح دها‪ ،‬ب ل تش مل أيض ا‬
‫قواعدها االجتماعية‪ ،‬ومعرفة سياقاتها وكيفيات استعمالها حسب مقتضيات‬
‫أحوالها‪.2‬‬

‫وهك ذا تش كل اللس انيات للب احث في التعليمي ة مي دانا لدراس ة الظ واهر‬
‫ال تي يالحظه ا في أبحاث ه ويفس رها‪ ،‬ومج اال لتق ديم تص ورات أو خط ط‬
‫وإ جراءات منهجية‪ ،‬بغية تعليم اللغات وتعلمها وذلك على مستويين؛ مستوى‬
‫مفهومي أو نظري‪ ،‬ومستوى منهجي أو تطبيقي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .2‬علم النفس بأنواعه‪:‬‬
‫يشكل علم النفس بأنواعه خلفية نظرية للكثير من النظريات والمقاربات‬
‫‪ les approches‬ال تي تش كل مج اال الهتمام ات الب احث في تعليمي ة اللغ ات؛‬
‫فالنظري ات ال تي تعم ل على تنمي ة آلي ات االس تعمال اللغ وي تس تند إلى خلفي ة‬
‫معرفي ة‪ ،‬تتعل ق بعلم نفس الس لوك ال ذي يع د مظ اهر الس لوك المالحظ ة في‬

‫‪ .1‬عبد الرحمن الحاج صالح‪ ،‬علم تدريس اللغات والبحث اللغوي في منهجية الدرس اللغوي‪ ،‬ص‪10 :‬‬
‫‪ .2‬انظر ‪.Dell Hymes, Vers la compétence de communication, Paris, 1984, p:124‬‬
‫‪ .3‬نقول‪ :‬علم النفس بأنواعه؛ ألن التعليمية تستفيد من علم النفس العام وعلم النفس التربوي وعلم النفس‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪299‬‬

‫الكالم منطلق ا لدراس اته‪ ،‬واالس تجابات نح و المث يرات المختلف ة‪ ،‬وتتأس س‬
‫المقارب ات التواص لية على النظري ات النفس ية البنائي ة أو علم النفس التكوي ني‬
‫أو المعرفي كم ا يس مى أحيان ا‪ ،‬باعتبارها تعد التعلم عملي ة تفاعل بين الذات‬
‫العارف ة وموض وع المعرف ة‪ ،‬إن علم النفس يجيب عن كث ير من التس اؤالت‬
‫المتعلقة بالحياة التعليمية التعلمية ويقدم معلومات ثمينة عن الحاجات اللغوية‪،‬‬
‫والدوافع نحو التعلم واستراتيجياته‪ ،‬ويحاول أن يجيب عن أسئلة مثل‪ :‬كيف‬
‫يتلقى التلميذ خطابا؟ وما هي أهم الصعوبات والعقبات التي تواجهه؟ وما هي‬
‫مجم ل العالق ات بين تعلم لغ ة من اللغ ات‪ ،‬وبين عناص ر مث ل‪ :‬الشخص ية‬
‫‪1‬‬
‫والذاكرة واإلدراك والفهم‬
‫‪2‬‬
‫‪ .3‬علم االجتماع بأنواعه‬
‫إذا ك انت التعليمي ات ق د اس تفادت من حص اد علم النفس‪ ،‬فإنه ا ق د‬
‫اس تفادت أيض ا من حص اد آخ ر ال يق ل أهمي ة عن األول‪ ،‬وه و حص اد علم‬
‫االجتم اع؛ ألن اللغ ة ظ اهرة اجتماعي ة أوال وقب ل ك ل ش يء‪ ،‬تلعب دورا‬
‫حاسما في التواصل بين األفراد والمؤسسات االجتماعية المختلفة‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫علم االجتم اع يجيب عن العدي د من األس ئلة المتعلق ة بالتعليمي ة من مث ل‬
‫االس تعماالت اللغوي ة المختلف ة‪ ،‬من يس تعملها وم ع من يس تعملها؟ وكي ف‬
‫يس تعملها؟ وعّم يس تعملها؟ وم ا هي جمل ة القواع د االجتماعي ة المتحكم ة في‬
‫ذلك؟ وما هي االستعماالت اللغوية الممكن استثمارها في المؤسسة التعليمية؟‬
‫وم ا هي األوض اع اللغوي ة وغ ير اللغوي ة وأنم اط التواص ل الش فوي‬

‫‪ .1‬انظر عبد اللطيف الفاربي‪ ،‬مدخل إلى ديداكتيكا اللغات‪ ،‬ص‪.9 :‬‬
‫‪ .2‬نقول‪ :‬علم االجتماع بأنواعه؛ ألن التعليمية تستفيد من علم االجتماع العام وعلم االجتماع التربوي وعلم‬
‫االجتماع اللغوي وعلم االجتماع الثقافي‪.‬‬
‫مجلة اللغة العربية ‪-‬العدد العاشر‬ ‫‪300‬‬

‫والمكت وب‪ ،‬وم ا تؤدي ه الحرك ات واإليم اءات وأنظم ة التبلي غ غ ير اللغ وي‪،‬‬
‫وعالقة ذلك بطرائق التعليم‪ ،‬وما هي المظاهر الثقافية والحضارية لمجتمع‬
‫لغ وي معين مث ل االزدواجي ة اللغوي ة‪ ،‬والتعددي ة‪ ،...‬وأنس اق القيم والع ادات‬
‫والتقالي د واألع راف المع بر عنه ا في محت وى لغ وي مق رر على التالمي ذ في‬
‫مرحلة دراسة معينة‪.‬‬
‫‪ .4‬البيداغوجيا‪:‬‬
‫تش ترك التعليمي ات والبي داغوجيا في مس ارات اكتس اب المع ارف‬
‫وتبليغها‪ ،‬لكن التعليميات تع الج محتويات المعرف ة بص فة خاص ة‪ ،‬بينما تهتم‬
‫البي داغوجيا بالعالق ات بين المتعلمين والمعلمين‪ 1‬ونس جل وج ود ت داخل كب ير‬
‫بين البي داغوجيا والتعليمي ة‪ ،‬ح تى أن ه يص عب التفري ق بينهم ا ورس م الح دود‬
‫التي تميز هذا عن ذاك‪ ،‬فهنالك من يرى بأن تعليمية اللغات هي عبارة عن‬
‫امتداد للبيداغوجيا ومنتوج ووليد جديد لها‪.2‬‬
‫إن المهم في ك ل ه ذا ه و أن تعليمي ات اللغ ات والبي داغوجيا تتب ادالن‬
‫المن افع‪ ،‬ش أنهما ش أن اللس انيات وعل وم النفس واالجتم اع كم ا س بق أن رأين ا‬
‫وم ا يمكن التأكي د علي ه أن األس ئلة ال تي تجيب عنه ا البي داغوجيا تتمث ل في‪:‬‬
‫العالق ات بين المعلم والمتعلم‪ ،‬واس تعمال الطرائ ق والتقني ات التربوي ة‪،‬‬
‫واس تعمال الوس ائل المختلف ة في العملي ة التعليمي ة‪ ،‬وأس اليب تق ويم التعليم‬
‫والتعلم‪...‬الخ‪.‬‬
‫خامسا‪ .‬خالصة‪:‬‬

‫‪ .1‬انظر ميشال دوهالي‪ ،‬التعليمية والبيداغوجبا‪ ،‬جملة معامل‪ ،‬العدد ‪ ،1997 ،1‬دار مارينور للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.181 :‬‬
‫‪ .2‬انظر رشيد بناين‪ ،‬من الديداكتيك إىل البيداغوجيا‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫التعليمية معرفة علمية خصبة ‪301‬‬

‫ومحصول الحديث من كل هذا هو أن التعليمية تعد تخصصا علميا بالغ‬


‫األهمي ة‪ ،‬نظ را للمع ارف الخص بة ال تي يق دمها ألع وان العملي ة التربوي ة‬
‫والتعليمي ة في آن واح د‪ ،‬وال تي يمكن اس تثمارها في اكتس اب المع ارف‬
‫وتبليغه ا‪ ،‬ومعالج ة المحتوي ات الدراس ية وبنائه ا البن اء المنهجي المناس ب‬
‫حسب ما يقتضيه نظام التعلم والتعليم‪.‬‬
‫كم ا أن التعليمي ة تتب ادل المن افع م ع كث ير من العلوم األخرى مث ل‪ :‬علم‬
‫النفس ال تربوي‪ ،‬وعلم النفس الع ام‪ ،‬وعلم النفس اللغ وي‪ ،‬وعل وم التربي ة‬
‫واللسانيات بفروعها‪ ،‬وعلوم عريقة أخرى مثل الفلسفة واألدب والتاريخ‪...‬‬
‫فك ل ه ذه العل وم توظفه ا التعليمي ة وتس تفيد منه ا في بن اء مص طلحاتها‬
‫ومفاهيمه ا ومعارفه ا ورس م ح دودها الفارق ة ال تي تميزه ا عن غيره ا من‬
‫التخصص ات العلمي ة األخ رى‪ ،‬ثم إن ه ذه العل وم تس تحيل ب دورها إلى‬
‫موض وعات للدراس ة في مي دان التعليمي ة فنق ول‪ :‬تعليمي ة األدب واللغ ة أو‬
‫الفلسفة أو اللسانيات أو التاريخ‪...‬الخ‪.‬‬

You might also like