You are on page 1of 4

‫د‪ .

‬عبد الحميد كرومي‬ ‫المحاضرة الرابعة‪:‬‬

‫طرق إثبات الجريمة‬

‫مر معنا أنواع الجرائم وتنوعها باعتبارات مختلفة‪ ،‬وهنا ال بد من التعريج على‬
‫ما يثبت الجريمة؛ إذ ليس كل عمل إجراما إال بضوابط وشروط وتحقق الوقوع‪ ،‬فما‬
‫هي هذه الطرق؟‬

‫أوالً ـ اإلقرار‪:‬‬

‫اإلقرار‪ :‬هو إخبار عن ثبوت حق للغير على النفس(‪ ،)1‬وهو حجة قاصرة‬
‫على المقر ال يتعدى أثره إلى غيره‪ ،‬لقصور والية اإلقرار عن غيره‪ ،‬فيقتصر أثر‬
‫اإلقرار على المقر نفسه‪ .‬ويؤخذ بمقتضى اإلقرار؛ ألن اإلنسان غير متهم على‬
‫نفسه‪.‬‬

‫وال خالف في جواز االعتماد على ٍ‬


‫اإلقرار في العبادات والمعامالت واألحوال‬
‫الشخصية والجرائم أو الجنايات والحدود‪ ،‬فقد أجمعت األمة على صحة اإلقرار‬
‫مطلقاً‪ ،‬وحجته في مختلف العصور‪ ،‬إذا توفرت شرائطه‪.‬‬

‫واتفق العلماء على صحة اإلقرار من الحر البالغ العاقل المختار غير المتهم‬
‫في إق ارره(‪.)2‬‬

‫(‪-) 1‬الدر المختار‪.7/764 :‬‬

‫(‪-) 2‬البدائع‪ ،4/222 :‬تكملة الفتح‪ ،6/282 :‬تبيين الحقائق‪ ،5/3 :‬الشرح الكبير للدردير‪:‬‬
‫‪ 3/394‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،2/373 :‬مغني المحتاج‪ ،2/238 :‬المغني‪.5/238 :‬‬
‫ويشترط في اإلقرار بالجناية أو الجريمة الموجبة لحد أو قصاص أو تعزير‪:‬‬
‫أن يكون واضحاً مفصالً‪ ،‬قاطعاً في االعتراف بارتكاب الجرم‪ ،‬عمداً أو خطأ أو شبه‬
‫عمد؛ فال يصح اإلقرار المجمل الغام ض أو المشتمل على شبهة‪ ،‬حتى يتحدد نوع‬
‫العقاب‪ ،‬إذ ال عقاب مثالً على القتل دفاعاً عن النفس أو المال‪ ،‬أو استعماالً لحق‪،‬‬
‫أو تنفيذاً لقصاص‪.‬‬

‫وال يصح إقرار المتهم في إق ارره لمالطفة صديق ونحوه؛ ألن التهمة تخل‬
‫برجحان جانب الصدق على الكذب في إق ارره‪.‬‬

‫وال يصح إقرار عديم العقل كالمجنون‪ ،‬وغير المميز‪ .‬ويصح عند الحنفية‪-‬‬
‫خالفاً لبقية األئمة‪ -‬إقرار الصبي المميز بالديون واألعيان؛ ألنه من ضرورات‬
‫التجارة‪ .‬وال يصح إقرار المستكره أو المتهم الذي يضرب ليقر في األموال والجنايات‬
‫الموجبة لحد أو قصاص‪ ،‬ويلغى‪ ،‬وال يترتب عليه أي أثر‪ ،‬إال أن المالكية يقولون‪ :‬ال‬
‫يلزم إقرار المستكره‪ ،‬بمعنى أنه يخير بعد زوال اإلكراه بين إجازة اإلقرار أو إلغائه أو‬
‫إبطاله(‪.)1‬‬

‫وال يصح إقرار زائل العقل بنوم أو إغماء أو دواء‪ .‬أما السكران المتعدي‬
‫بسكره (وهو من تعاطى مسك اًر متعمداً)(‪)2‬؛ فيصح إق ارره في كل تصرفاته وجناياته‬
‫عند الشافعية‪ .‬ويصح إق ارره عند الحنفية في األموال واألحوال الشخصية وفي القتل‬
‫والجناية على ما دون النفس وعلى الجنين؛ألنها حقوق شخصية للعباد‪ ،‬وال يصح‬

‫(‪-) 1‬انظر البدائع‪ 4/289 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،4/265 :‬تبيين الحقائق‪ ،5/282 :‬الدر‬
‫المختار‪ ،5/89 :‬الدردير‪ ،3/394 :‬المغني‪.8/296 :‬‬

‫(‪ -) 2‬انظر الدر المختار‪ ،7/789 :‬رد المحتار والدر المختار‪ 3/281 :‬وما بعدها‪ ،‬الدردير‪:‬‬
‫‪ ،3/394‬حاشية الباجوري‪ ،2/7 :‬المغني‪.5/238 :‬‬
‫إق ارره في الحدود الخالصة هلل تعالى كحد الزنا والسرقة‪ ،‬لوجود الشبهة‪ ،‬وهي تد أر‬
‫بالشبهات‪ ،‬لكن يضمن السكران الشيء المسروق وان كان ال يحد‪.‬وال يصح إقرار‬
‫السكران بحق أو جناية أو غيرهما عند المالكية والحنابلة؛ ألنه غير عاقل‪.‬‬

‫واتفق الفقهاء(‪)1‬على أنه يجوز للمقر الرجوع عن إق ارره في حقوق اهلل تعالى‬
‫كالردة والزنا وشرب خمر وسرقة وقطع طريق من أجل إسقاط الحد‪ ،‬ال إسقاط المال؛‬
‫ألنها تد أر بالشبهات‪.‬‬

‫الج ْرح أو قطع طرف‪ ،‬أو إسقاط جنين‪،‬‬


‫أما حقوق اآلدميين كاإلقرار بالقتل أو ُ‬
‫فال يجوز للمقر الرجوع عن إق ارره بها‪ ،‬لتعلقها بحقوق الناس الشخصية‪ ،‬ولو أن‬
‫ٍ‬
‫مقتض‪.‬‬ ‫القصاص مما يد أر بالشبهات؛ ألن األصل أال يجوز إلغاء كالم المكلف بال‬
‫وال يشترط تعدد اإلقرار‪ ،‬ويكفي مرة واحدة إال في اإلقرار بالزنا عند الحنفية والحنابلة‪،‬‬
‫ال بواقعة إقرار ماعز‬
‫فإنه يطلب كونه أربع مرات‪ ،‬طلباً للتثبت في إقامة الحد‪ ،‬وعم ً‬
‫بن مالك أمام الرسول صلّى اهلل عليه وسلم أربع مرات‪.‬‬

‫الرجوع عن اإلقرار‪ :‬إذا أقر شخص ما بذنب أو بحق للغير على نفسه ثم رجع عن‬
‫ذلك‪ ،‬فهل يقبل منه ذلك؛ في ذلك خالف‪ ،‬يبرز في اختالف العلماء في هذه المسألة‬
‫على أقوال‪:‬‬

‫ٍ‬
‫مقبول في الحدود مطلقاً‪،‬‬ ‫الم ِقِّر عن إق ارره غير‬ ‫(‪)1‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن رجوع ُ‬
‫بناء على إق ارره األول‪ ،‬وهذا هو المروي عن ابن أبي ليلى‪ ،‬وسعيد‬ ‫ويقام عليه ُّ‬
‫الحد ً‬
‫بن جبير‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬وهو قو ٌل لإلمام أحمد‪.‬‬

‫(‪ -) 1‬انظر ‪ :‬بداية المجتهد‪ ،2/731 :‬الدردير‪ ،7/328 :‬مغني المحتاج‪ ،7/251 :‬المغني‪:‬‬
‫‪.8/294‬‬
‫واختار هذا القول‪ :‬داود بن علي‪ ،‬وابن ٍ‬
‫حزم‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتلميذه ابن القيم‪.‬‬

‫وهو المنقول عن شريح القاضي؛ فقد روي أن رجال أقر عنده بأمر‪ ،‬ثم أنكره‪،‬‬
‫فقضى عليه بإق ارره‪ ،‬فاعترض المحكوم عليه قائال‪ ":‬أتقضي علي بغير بيتة؟" فأجابه‪:‬‬
‫" شهد عليك ابن أخت خالتك"‪...‬أي أنك أررت على نفسك(‪.)3‬‬

‫القول الثاني(‪َّ :)4‬‬


‫أن رجوع المقر عن إق ارره في الحدود مقبو ٌل مطلقاً سواء قبل‬
‫الحكم أو بعده أو عند تنفيذه ‪ ،‬وهذا هو قول الحنفية‪ ،‬والمالكية في المشهور عنهم‪،‬‬
‫والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪.‬‬

‫القول الثالث(‪ :)5‬أن رجوع المقر عن إق ارره في الحدود إذا كان لِ ُش ْبهَ ٍة قُبِ َل‬
‫اية‪ ،‬واختاره بعض‬ ‫مالك في رو ٍ‬
‫رجوعه‪ ،‬واذا كان لغير شبهة لم يقبل‪ ،‬وهذا هو قول ٍ‬

‫المالكية‪ ،‬وذكره بعض الشافعية‪.‬‬

‫(‪-) 1‬انظر المجتهدون في لبقضاء‪ ،‬محمصاني‪.74:‬‬

‫(‪-) 2‬انظر إعالم الموقعين‪61/2 :‬؛ الصارم المسلول‪.979/3 :‬‬

‫(‪-) 3‬انظر عمدة القاري‪279/27 :‬؛ أخبار القضاة‪.281/2 :‬‬

‫(‪-) 4‬انظر الفواكه الدواني‪228/2 :‬؛ المغني‪229/9 :‬؛ المهذب للشيرازي‪.376/2 :‬‬

‫(‪-) 5‬انظر إعالم الموقعين‪61/2 :‬؛ الصارم المسلول‪.979/3 :‬‬

You might also like