You are on page 1of 14

‫‪H%RLNFRPϊϗϭϣϭέϭί‬‬

‫شروط اإلرث و موانعه‪.‬‬

‫بسم الله الرحمان الرحيم‬

‫والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫وبعد‪ :‬يسرني غاية السرور‪ ،‬وأنا التقي بكم مجددا طالبي األعزاء من‬
‫خالل هذه الدروس ‪-‬عن بعد‪ -‬في مادة قانون المواريث‪.‬‬
‫موضوع حصة اليوم خصصناه للحديث عن" شروط اإلرث وموانعه"‪،‬‬
‫وهو من المواضيع المهمة جدا التي تناولها الفقهاء بالشرح والتحليل ‪،‬‬
‫وذلك لما يطرحه الموضوع من إشكاالت فقهية وعملية‪ ،‬سنحاول أن‬
‫نجيب عنها بطريقة مبسطة وواضحة حتى تعم الفائدة إن شاء الله تعالى‬
‫من إلقاء هذه الدروس‪ ،‬ووضعها رهن إشارة الطلبة عبر المنصة‬
‫اإللكترونية المخصصة لهذا الغرض بموقع كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بتطوان‪.‬‬
‫ومن تم‪ ،‬فإن أول سؤال نطرحه في ديباجة هذه الحصة ما هي شروط‬
‫اإلرث عند الفقهاء؟‪ ،‬ثم ما هي موانعه وفق ما نصت عليه مدونة األسرة‬
‫المغربية؟‪ ،‬وما هي األثار المترتبة عن القتل العمد ‪ ،‬أو القتل الخطأ في‬
‫الميراث؟‪.‬‬
‫هذه األسئلة وغيرها سنناقشها من خالل محورين أساسيين‪:‬‬
‫المحور األول ‪ :‬شروط اإلرث‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬موانع اإلرث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المحور األول‪ :‬شروط اإلرث‬
‫بعد ما عرفنا أسباب اإلرث في الحصة الماضية‪ ،‬اآلن ننتقل للحديث عن‬
‫شروط اإلرث‪ ،‬وفق ما تناوله الفقهاء بالشرح والتحليل‪.‬‬
‫ومن هذه الشروط ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬موت الموروث حقيقة أو حكما‪ :‬و ذلك بأن يثبت موته حقيقة إما‬
‫بمشاهدة الجثة ‪ ،‬أو بشهادة الطبيب‪ ،‬أو بشهادة الشهود‪ ،‬أو إلحاقه‬
‫باألموات حكما كالمفقود الذي انقطع خبره‪ ،‬وحكم بموته بعد التحري‬
‫واألبحاث بمختلف الوسائل المتعارف عليها و لم يحدد جهته‪ ،‬فيحكم‬
‫القاضي بموت المفقود‪ ،‬و يجعله كمن مات حقيقة ‪ ،‬فيرثه ورثته األحياء‪.‬‬
‫ومن مات قبل صدور حكم القاضي في ‪":‬شأن المفقود" اعتبر بأنه مات‬
‫قبل وفاة المفقود‪ ،‬وال ميراث له فيه‪ ،‬فإن حضر المفقود بعد ذلك فإنهم‬
‫يردون إليه ما بقي في يدهم من مال‪.‬‬
‫و إلى ذلك أشارت المادة‪ 623 :‬من قانون األسرة المغربي بما يلي‪:‬‬
‫"المفقود‪ 1‬مستصحب الحياة بالنسبة لماله‪ ،‬فال يورث و ال يقسم بين‬
‫ورثته إال بعد الحكم بتمويته‪ ،‬و محتمل الحياة في حق نفسه‪ ،‬و كذلك‬
‫في حق غيره‪ ،‬فيوقف الحظ المشكوك فيه إلى أن يبت في أمره"‪.‬‬

‫‪-1‬المفقود هو من انقطع خبره و لم تعرف حياته و ال موته ‪ ،‬و يعتبر مستصحب الحياة بالنسبة ألمواله ‪ ،‬فال تقسم بين‬
‫ورثته إال بعد صدور الحكم بتمويته ‪ ،‬كما يعتبر محتمل الحياة في حق نفسه و كذا في حق غيره‪ ،‬فيوقف الحظ المشكوك‬
‫فيه إلى أن يبت في أمره‪.‬‬
‫فإذا كان هو الوارث الوحيد‪ ،‬فيوقف ما يرثه إلى أن يبث في أمره‪ ،‬و إذا كان معه ورثة آخرون فيقدر تارة حيا و تارة‬
‫أخرى ميتا‪ ،‬و يوقف الخط المشكوك إلى أن يبث في أمره‪.‬‬
‫فإن ظهر أنه كان حيا بعد وفاة موروثه‪ ،‬يستحق ما يرث‪ ،‬و إذا تبين أنه كان ميتا قبل وفاة موروثه ‪ ،‬فإنه ال يستحق شيئا‬
‫و يوزع الحظ المشكوك فيه الذي كان موقوفا على الورثة الذي يستحقونه ‪ ،‬و إذا لم تتبين حياته و ال موته إلى أن صدر‬
‫حكم بموته‪ ،‬فإنه ال يستحق شيئا أيضا ‪،‬للمزيد في هذا الصدد‪ ،‬انظر الدليل العملي لمدونة األسرة‪ ،‬مطبعة فضالة المحمدية‪،‬‬
‫السنة ‪،4002‬ص‪.781:‬‬

‫‪2‬‬
‫ثانيا‪ :‬وجود الوارث قبل وفاة المورث حقيقة أو تقديرا‪ :‬كالحمل‬
‫وذلك ألن الوارث يخلف المورث بعد موته‪ ،‬لذلك كان من الضروري‬
‫تحقق حياة الوارث بعد موته‪ ،‬حتى يكون أهال لهذه الخالفة‪.‬‬
‫و هذا ما أشارت إليه المادة‪ 623 :‬من مدونة األسرة بقولها‪:‬‬
‫"يستحق اإلرث بموت الموروث حقيقة أو حكما‪ ،‬و بتحقق حياة وارثه‬
‫بعده"‪.‬‬
‫و بناء على هذه المادة‪ ،‬نستخلص أن استحقاق اإلرث البد من أمرين‪:‬‬
‫‪ -‬األمر األول‪ :‬التحقق من موت الموروث حقيقة أو حكما‪.‬‬
‫‪ -‬األمر الثاني‪ :‬التحقق من حياة وارث المتوفى بعده‪.‬‬
‫و من ثم‪ ،‬فإن حياة الوارث بعد وفاة الهالك شرطا ضروريا في اإلرث‪،‬‬
‫و ذلك بإثبات حياة الوارث حقيقة أو حكما‪ ،‬كالجنين في بطن أمه بتوقف‬
‫إرثه على والدته حيا‪.‬‬
‫إذ‪ ،‬ال خالفة في اإلرث إذا كان الخليفة حيا ‪ ،‬و لو لحظة بعد وفاة الهالك‬
‫‪،‬وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم قال‪" :‬إذا استهل المولود ورث"‪.2‬‬
‫و نصت المادة‪ 663 :‬من مدونة األسرة على ما يلي‪:‬‬
‫"ال يستحق اإلرث‪ ،‬إال إذا ثبتت حياة المولود بصراخ أو رضاع‬
‫ونحوهما"‪.‬‬

‫‪ -2‬رواه أبوداود وغيره من األئمة والمحدثين‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فهذه المادة‪ ،‬بينت أن استحقاق اإلرث يتطلب حياة المولود حيا‪ ،‬و يكون‬
‫ذلك إما بصراخ ‪ ،‬أو تنفس أو حركة و نحوهما‪ ،‬فإذا ثبتت حياة المولود‬
‫بهذه األمور ورث‪ ،‬و إال فال يستحق اإلرث‪.‬‬
‫و لكن السؤال المطروح ماذا لو مات اثنان فأكثر من الورثة في وقت‬
‫واحد‪ ،‬و لم يعرف أيهما سبق اآلخر بالموت؟‪.‬‬
‫فهذه الحالة تحدث عنها الفقهاء‪ ،‬وأسهبوا الشرح فيها كثيرا‪.‬‬
‫وسنقتصر على صورة منها‪ ،‬كأن يموت عدد من أفراد األسرة فيها أبناء‬
‫وإخوة في حادثة سير‪ ،‬و لم يعرف أيهما مات قبل اآلخر‪.‬‬
‫ففي مثل هذه الحالة ال يمكن نقل ملكية أحدهما إلى اآلخر باعتباره وارثا‬
‫‪،‬ألنه ال يمكن تحقق حياة أحدهما عند موت اآلخر‪ ،‬لذلك فإنه ال توارث‬
‫بينهما بل تكون تركة كل منهما للورثة األحياء‪.‬‬
‫وهذا هو المقصود بقول الفقهاء‪ ":‬ال توارث بين الغرقى و الحرقى‬
‫والهدمى"‪.‬‬
‫و قد نصت أيضا مدونة األسرة على هذه الحالة في المادة‪ 623 :‬بقولها‪:‬‬
‫"إذا مات عدة أفراد‪ ،‬و كان بعضهم يرث بعضا ‪ ،‬و لم يتم التوصل إلى‬
‫معرفة السابق منهم‪ ،‬فال استحقاق ألحدهم في تركة اآلخر سواء كانت‬
‫الوفاة في حادث واحد أم ال"‪.‬‬
‫ثالث‪ :‬العلم بجهة اإلرث من زوجية أو قرابة‪ :‬و هذا الشرط ضروري‬
‫لمعرفة المستحق للميراث من غير المستحق‪ ،‬ومقدار استحقاقه من‬
‫التركة‪ .‬وعلى هذا األساس سارت مدونة األسرة المغربية‪ ،‬ونصت في‬

‫‪4‬‬
‫المادة ‪ 663:‬على ما يلي‪" :‬يشترط في استحقاق اإلرث ما يلي‪:‬‬
‫‪ -7‬تحقق موت الموروث حقيقة أو حكما‪.‬‬
‫‪ -4‬وجود وارثه عند موته حقيقة أو حكما‪.‬‬
‫‪ -3‬العلم بجهة اإلرث"‪.‬‬
‫فهذه المادة نصت على شروط‪ ،‬فإذا توفرت جميعها في الشخص استحق‬
‫اإلرث في تركة الهالك و هي‪:‬‬
‫‪ -‬تحقق موت الموروث حقيقة أو حكما‪ ،‬إذ ال توارث بين األحياء‪.‬‬
‫‪ -‬وجود وارثه عند موته حقيقة أو حكما كما في الحمل‪.‬‬
‫‪ -‬العلم بجهة اإلرث لمعرفة السبب الذي به يستحق الوارث حق‬
‫الميراث‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬موانع اإلرث‬
‫قد تحقق في الوارث أسباب اإلرث من قرابة أو زوجية‪ ،‬وأيضا قد تتوفر‬
‫فيه شروط اإلرث‪ ،‬إال أنه و مع ذلك ال يستحق اإلرث لوجود مانع يمنعه‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫و موانع اإلرث سبعة ‪ ،‬حيث جمعها الفقهاء في قولهم‪" :‬عش لك رزق"‬
‫و هي كاآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم استهالل المولود‪ :‬و هو عدم صراخ الصبي حين والدته‪،‬‬
‫والصراخ دليل على حياة المولود‪ ،‬فإذا لم يستهل المولود صارخا حين‬
‫والدته‪ ،‬ثم مات من غير سماع بكاء منه‪ ،‬ال يصلى عليه‪ ،‬و ال يرث وال‬
‫يورث‪ ،‬ألن عدم استهالله صارخا من عالمات موته‪.‬‬
‫و قد أشارت مدونة األسرة المغربية إلى هذا المانع في المادة‪663 :‬‬
‫بقولها‪" :‬ال يستحق اإلرث‪ ،‬إال إذا ثبتت حياة المولود بصراخ أو رضاع‬
‫أو نحوهما"‪.‬‬
‫فانطالقا من المادة‪ 663 :‬المشار إليه أعاله‪ ،‬أنه إذا ثبت حياة المولود‬
‫بصراخ أو رضاع و نحوها فإنه يرث‪ ،‬وإذا لم يثبت ذلك فال ميراث له‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشك‪ :‬والشك هو التردد بين النقيضين بال ترجيح ألحدهما على‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫و للشك صور كثيرة منها‪ :‬الشك في مانع اإلرث في كون القتل عمدا‪،‬‬
‫أو خطأ‪.‬‬
‫و كذلك الشك في المتقدم بالموت من المتأخر كأخوين ماتا في حادثة‬
‫سير‪ ،‬ولم يعلم السابق في الموت من المتأخر‪ ،‬فال توارث بينهما لعدم‬

‫‪6‬‬
‫المورث‬
‫توفر أحد شروط اإلرث‪ ،‬وهو ثبوت حياة الوارث عند موت ّ‬
‫وقد نصت مدونة األسرة عن مانع الشك في المادة‪ 623 :‬بقولها‪:‬‬
‫"إذا مات عدة أفراد‪ ،‬و كان بعضهم يرث بعضا ‪ ،‬و لم يتم التوصل إلى‬
‫معرفة السابق منهم‪ ،‬فال استحقاق ألحدهم في تركة اآلخر سواء كانت‬
‫الوفاة في حادث واحد أم ال"‪.‬‬
‫فانطالقا من المادة المشار إليها أعاله‪ ،‬يتبن لنا أنه إذا مات عدة أفراد‬
‫من الناس‪ ،‬و كان بعضهم يرث بعضا‪ ،‬بسبب هدم أو غرق‪ ،‬أو حادثة‬
‫سير أو غير ذلك ‪،‬و لم يعرف السابق منهم موتا حقيقيا‪ ،‬فال توارث بينهم‬
‫لوجود مانع الشك سواء كانت الوفاة في حادث واحد أم ال‪.‬‬
‫و إلى ذلك أشار أيضا ابن عاصم رحمه الله في التحفة بقوله‪:‬‬
‫يمتنع اإلرث لجهل من سبق‬ ‫وبين من مات بهدم أو غرق‬
‫ثالثا‪ :‬اللعان‪ :‬و هو ما يقع بين الزوجين بسبب نفي حمل أو دعوى رؤية‬
‫الزنا فيتحالفان‪ ،‬و يتأبد تحريمها عليه و ال يتوارثان‪.‬‬
‫عنَة‪ ،‬فيرث من أمه و ترثه و توأماه شقيقان‪.‬‬
‫و أما ما تلد المرأة المال َ‬
‫و قد ذكر الله عز و جل هذا المانع في القرآن الكريم حين قال‪:‬‬
‫"و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشهادة‬
‫أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله‬
‫عليه إن كان من الكاذبين و يدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات‬
‫بالله إنه لمن الكاذبين و الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من‬
‫‪3‬‬
‫الصادقين"‪.‬‬

‫‪-3‬سورة النور‪،‬اآليات‪3:‬و‪7‬و‪3‬و‪.9‬‬

‫‪7‬‬
‫و قد أشارت مدونة األسرة إلى هذا المانع (أي اللعان) في المادة‪662 :‬‬
‫بقولها‪:‬‬
‫"ال توارث بين مسلم و غير المسلم‪ ،‬و ال بين ما نفى الشرع نسبه"‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الكفر أو اختالف الدين‪ :‬فالمقرر شرعا هو عدم جواز التوارث‬
‫بين المسلم والكافر سواء كان كفره أصليا‪ ،‬أو كان كفره عارضا‪ ،‬وسواء‬
‫كان كتابيا أو غير كتابي مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫"ال يرث المسلم الكافر و ال الكافر المسلم"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وقوله صلى الله عليه و سلم أيضا‪" :‬ال يتوارث أهل ملّتين"‪.‬‬
‫و العلة في انتفاء اإلرث بين المسلم و الكافر هي انتفاء الموالة الشرعية‬
‫بينهما‪.‬‬
‫و ذهب جمهور العلماء إلى القول‪ :‬بمنع التوريث بين المسلم وغير المسلم‬
‫عمال باألحاديث المذكورة أعاله‪.‬‬
‫فاختالف الدين عند جمهور العلماء إذن مانع من موانع اإلرث ‪.‬‬
‫وقد أشارت مدونة األسرة المغربية إلى هذا المانع أيضا في المادة‪662 :‬‬
‫بقولها‪ ":‬ال توارث بين مسلم و غير المسلم‪."...‬‬
‫و من ثم‪ ،‬فالمقرر شرعا هو عدم جواز التوارث بين المسلم و الكافر‪.‬‬
‫لكن يبقى السؤال مطروحا‪ ،‬و نحن بصدد الحديث عن اختالف الدين‬
‫ما حكم ميراث المرتد؟‪.‬‬
‫المرتد‪ :‬هو من خرج من ملة اإلسالم بإرادته و اختياره‪ ،‬وقد أجمع‬
‫العلماء على أن المرتد ال يرث غيره من المسلمين‪ ،‬أما في توريث‬

‫‪-4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪" :‬كتاب الفرائض"‪.‬‬


‫‪-5‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب هل يرث المسلم الكافر؟‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المسلمين منه‪ ،‬فيرى جمهور العلماء أن المسلم ال يرث المرتد‪ ،‬ألنه ال‬
‫توارث بين المسلم والكافر‪ ،‬وأما ماله في هذه الحالة يكون غنيمة‬
‫للمسلمين‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫و يرى األحناف أن مال المرتد يكون لورثته من المسلمين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الزنا‪ :‬فال توارث بين الزاني و ابنه من الزنا ‪ ،‬إذ ال نسب شرعي‬
‫بينهما‪ ،‬وأما أمه فترثه و يرثها‪.‬‬
‫والمالحظ بخصوص هذا المانع أن مدونة األحوال الشخصية الملغاة‬
‫كانت تنص على هذا المانع بصريح العبارة في المادة‪ 223 :‬بقولها‪...":‬‬
‫و ال بين ولد الزنا و الزاني" ‪ ،‬إال أن مدونة األسرة الحالية أشارت‬
‫أيضا إلى هذا المانع من خالل المادة‪ 662 :‬بقولها‪" :‬وال بين من نفى‬
‫الشرع نسبه"‪.‬‬
‫فالمقرر إذن ‪،‬هو عدم جواز التوارث بين ما نفى الشرع نسبه‪ ،‬و بين‬
‫من نفاه عنه‪ ،‬حيث ال توارث أحدهما في اآلخر‪ ،‬و هذا هو رأي جمهور‬
‫الفقهاء في المسألة‪ ،‬فالنسب نعمة والزنا جريمة‪ ،‬فال يصح أن تكون سببا‬
‫لنعمة ثبوت النسب‪ ،‬وهو نفس التوجه الذي سارت مدونة األسرة‬
‫المغربية في المادة‪ ،662 :‬حيث نصت على ما يلي‪ " :‬ال توارث بين‬
‫مسلم وغير مسلم‪ ،‬وال بين من نفى الشرع نسبه"‪.‬‬

‫‪-6‬انظر‪ :‬مصطفى عاشور‪ "،‬علم الميراث"‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.39:‬‬

‫‪9‬‬
‫سادسا‪ :‬القتل العمد‪ :‬من مقاصد الشريعة اإلسالمية أنه من استعجل‬
‫الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪ ،‬لذلك فإن اإلسالم عاقب القاتل الذي‬
‫مورثه بحرمانه من الميراث‪.‬‬
‫يقوم بقتل ّ‬
‫فاألصل إذن في القتل العمد أنه مانع من موانع اإلرث عند الفقهاء‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫مصداقا لقول رسول الله (ص)‪":‬القاتل ال يرث"‪.‬‬
‫و في رواية أخرى يقول صلى الله عليه و سلم‪" :‬ليس للقاتل من الميراث‬
‫‪8‬‬
‫شيء"‪.‬‬
‫لمورثه ال يرثه أصال ‪ ،‬ال من المال الذي كان يملكه قبل‬
‫ّ‬ ‫فالقاتل عمدا‬
‫القتل و ال من الدية‪ ،‬و هي المال الذي يدفعه القاتل في مقابلة العفو عن‬
‫القصاص منه لورثة القتيل‪ ،‬وإن أتى القتيل بشبهة تدرأ عنه الحد مثل‬
‫األب الذي يضرب ابنه قصد تأديبه ‪ ،‬و لم يقصد قتله‪ ،‬فيموت الولد‬
‫متأثرا بذلك الضرب‪ ،‬فهذه شبهة تدرأ الحد عنه فقط‪ ،‬و لكنه ال يرث منه‬
‫شيئا‪.‬‬
‫و على رغم اتفاق العلماء قاطبة على أن القتل مانع لإلرث‪ ،‬إال أنهم‬
‫فرقوا بين القتل العمد‪ ،‬و القتل الخطأ‪.‬‬
‫ّ‬
‫و سوف نعرض أقوال الفقهاء في المسألة بإيجاز فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ذهب األحناف إلى أن القتل الذي يمنع من اإلرث هو القتل العمد‬
‫وشبه العمد‪ ،‬و الخطأ‪ ،‬والجاري مجرى الخطأ‪.‬‬

‫‪-7‬أخرجه الترمذي في سننه‪.‬‬


‫‪-8‬السنن الكبرى‪ ،‬أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي‪ ،‬إعداد‪ :‬يوسف عبد الرحمان المرعشلي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬
‫الجزء‪،3:‬ص‪.223:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ ‬و ذهب الشافعية إلى أن القتل بجميع صوره يمنع من اإلرث حتى ولو‬
‫المورث‬
‫ّ‬ ‫كان عن طريق الشهادة ‪ ،‬أو تزكية الشهود‪ ،‬فإذا شهد على قريبه‬
‫بأنه زنى‪ ،‬و كان محصنا‪ ،‬فيرجم بناء على هذه الشهادة أو زكى الشهود‪،‬‬
‫ُمنع من اإلرث‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ ‬و ذهب المالكية إلى أن القتل العمد فقط هو الذي يمنع من اإلرث‪،‬‬
‫وهو نفس التوجه الذي سارت عليه مدونة األسرة المغربية ‪ ،‬حيث‬
‫نصت على ذلك في المادة‪ 333 :‬بقولها‪" :‬من قتل مورثه عمدا‪ ،‬وإن أتى‬
‫بشبهة ال يرث من ماله‪ ،‬و ال ديته‪ ،‬و ال يحجب وارثا‪.‬‬
‫و من قتل موروثه خطأ‪ ،‬ورث من المال دون الدية و حجب"‪.‬‬
‫فانطالقا من المادة ‪ 666:‬المشار إليها أعاله‪ ،‬أن مدونة األسرة فرقت‬
‫بين القتل العمد‪ ،‬و القتل الخطأ‪.‬‬
‫فالقاتل عمدا ال يرث من تركة المقتول شيئا‪ ،‬و ال في ديته و ال يحجب‬
‫وارثا ‪ ،‬و لو أتى بشبهة كما بيّنا في المثال أعاله‪ ،‬في عرض حديثنا عن‬
‫األب الذي يضرب ابنه بشيء قصد تأديبه‪ ،‬فيموت االبن متأثرا بذلك‬
‫الضرب‪ ،‬فاألب في هذه الحالة ال يرث‪ ،‬ألنه قد يكون بهذا الفعل يستعجل‬
‫موت ابنه ليأخذ ماله‪.‬‬
‫و لهذا السبب‪ ،‬يمنع من الميراث طبعا للقاعدة الفقهية المعمول بها عند‬
‫الفقهاء‪" :‬من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"‪.‬‬

‫‪-9‬للمزيد من االطالع على أقوال الفقهاء في المسألة راجع مصطفى عاشور‪ ،‬علم الميراث‪ ،‬المرجع السابق‪،‬ص‪ 33:‬و ما يليها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫و أما القتل الخطأ ‪ ،‬فال يعد مانعا من اإلرث في مال المقتول‪ ،‬غير أن‬
‫القاتل عن طريق الخطأ يحرم من الدية‪ ،‬ولكنه يبقى حاجبا لغيره في‬
‫الميراث‪ ،‬كما بينت المادة‪ 666 :‬المشار إليها سابقا‪.‬‬
‫و تجدر اإلشارة هنا‪ ،‬أن الحكم الذي تبنته مدونة األسرة في حرمان‬
‫القاتل عمدا من الميراث‪ ،‬هو نفس الموقف الذي تبنته التشريعات العربية‬
‫في هذا الصدد‪.10‬‬
‫إال أنه يبقى السؤال مطروحا فيما يتعلق بالمحاولة فما هو الجزاء‬
‫المترتب على ذلك في القانون المغربي؟ ‪ ،‬و هل يؤثر هذا الوضع في‬
‫الورثة اآلخرين أم ال؟‪.‬‬
‫المالحظ أن المادة‪ 666 :‬من مدونة األسرة‪ ،‬نصت على كل من توفر‬
‫فيه القصد الجنائي‪ ،‬وبالتالي فهي تشمل الفاعل األصلي للجريمة‪،‬‬
‫والمساهم والمشارك في ارتكابها‪ ،‬وإذا وقع شك في القتل‪ ،‬فيجب على‬
‫القضاء أن يميز هل كان القتل خطأ أم عمدا؟‪ ،‬فإذا كان القتل عمدا‪،‬‬
‫فالحاصل أن القاتل عمدا يمنع من اإلرث و الدية‪ ،‬و ال يحجب وارثا‪.‬‬
‫ولو أتى بشبهة كما في رأينا في المثال أعاله‪ ،‬كمن ضرب ولده قصد‬
‫تأديبه فمات الولد‪ ،‬فاألب هنا يمنع من إرثه‪ ،‬طبعا للقاعدة الفقهية المعمول‬
‫بها عند الفقهاء‪" :‬من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"‪.‬‬

‫‪ -10‬انظر‪ :‬كل من‪:‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ -‬المادة الخامسة من ق‪ .‬ح‪ .‬ش‪ .‬المصري ‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل‪ 361 :‬من ق‪ .‬ح‪ .‬ش‪ .‬الجزائري‬

‫‪12‬‬
‫وأما إذا كان القتل خطأ ‪ ،‬فال مانع من اإلرث في مال المقتول ‪ ،‬غير أنه‬
‫يمنع فقط من اإلرث في ديته ‪ ،‬و يبقى القاتل حاجبا لغيره في الميراث‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الرق‪ :‬و هذا مانع تناوله الفقهاء قديما‪ ،‬واعتبروه من موانع‬
‫الميراث‪ ،‬لكن مدونة األسرة لم تدرجه باعتباره انقرض في زمننا هذا‪،‬‬
‫ولم يعد له أي وجود‪ ،‬وبالتالي فال داعي للحديث عنه‪.‬‬
‫و معناه باختصار شديد‪ "،‬أن العبد ومن فيه شائبة رق ال يرث و ال‬
‫يورث‪ ،‬إلن اإلرث يقتضي التمليك ‪ ،‬والرقيق ال يملك ألنه و ما يكسبه‬
‫لسيده"‪.11‬‬
‫و تسهيال على طلبة العلم وضع الفقهاء رمزا ذات داللة فقهية‪ ،‬كما تمت‬
‫اإلشارة إلى ذلك سابقا‪ ،‬قصد تسهيل حفظ هذه الموانع‪ ،‬وجمعوها في‬
‫قولهم "عش لك رزق"‪.‬‬
‫و إلى هذه الموانع أشار إليها أيضا العالمة الرسموكي بقوله‪:‬‬
‫كفر ذي اعتزال‬
‫شك لعان ُ‬ ‫يَمنَع اإلرث عدم استهالل‬
‫َ‪12‬‬ ‫س َجالَ‬
‫إال الوالء عن معتق قد قتال‬ ‫رق زنا و قتل ظلم ُم ْ‬
‫وبهذا نكون قد انتهينا من حصة اليوم‪ ،‬والحمد لله أوال وأخيرا وصلى الله‬
‫على سيدنا ونبينا وموالنا محمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه الطاهرين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪ -11‬عبد الكريم بن محمد الالحم ‪" ،‬تسيير فقه المواريث"‪ ،‬دار الشبيلة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪3326‬هــ ‪ ،2332‬ص‪.39‬‬
‫‪-12‬انظر‪" :‬إيضاح األسرار المصونة" ‪ ،‬ص‪.33:‬‬

‫‪13‬‬
14

You might also like