You are on page 1of 4

‫محاضرة لطلبة السنة الثانية ماستر‬

‫تخصص أدب حديث ومعاصر‬


‫من إعداد األستاذة‪ :‬حويشي‬
‫الكتابة العلمية وخصائصها‬
‫تعد الكتابة من أصعب المهام على اإلطالق‪ ،‬ذلك أنها تفرض مهارات خاصة على‬
‫الكاتب بحسب طبيعة الموضوع المعالج‪ ،‬وكمية المعلومات التي سيقدمها الكاتب‪ ،‬والفئة‬
‫الموجهة إليها‪.‬‬

‫ويرى الباحثون أن لكل من األدب والعلم مجاله في المعرفة اإلنسانية‪ ،‬فالعلم مجاله‬
‫الواقع ينقب فيه عن قوانينه وأدلته‪ ،‬واألدب مجاله عالقتنا بالواقع وإحساسنا به‪ ،‬فالعالم ال يصدر‬
‫في علمه من نفسه وإنما يصدر من الواقع الخارجي ليثبت ما يريد إثباته من القوانين في الطبيعة‬
‫وغير الطبيعة مقيدا بالمنطق العقلي‪ ،‬وأدلته‪ ،‬وبراهينه‪ ،‬وتفاصيله السليمة‪ ،‬ومقدماته السديدة و‬
‫تجاربه‪ .‬أما األدب فال يعبأ بذلك كله إذ أن األدب ذاتي والعلم موضوعي‪ ،‬فالعالم يتناول حقائق‬
‫الواقع محاوال أن يصفها كما هي غير مضيف إليها أي شيء من داخله أومن مشاعره‬
‫وتصوراته‪ .‬أما األديب فال يهمه الواقع وال حقائقه وقوانينه‪ .‬وإنما تهمه نفسه وحقائقها الوجدانية‬
‫و دخائلها الشعورية‪.1‬‬

‫وإذا كان األدب يمجد القيم اإلنسانية ويدعو إلى الحق والخير والجمال‪ ،‬فإن الروح‬
‫العلمية تدفع اإلنسان إلى أن يتحرك بحرية نحو الحقيقة‪ .‬وما دامت الغايات اإلنسانية واحدة لكل‬
‫من العلم واألدب كانت الكتابة العلمية واحدة سواء في ميدان العلم أو األدب‪ ،‬وليس ثمة فرق في‬
‫اللغة العلمية إن في العلم أوفي األدب‪.‬و ما دامت اللغة العربية قادرة على التعبير عن المفاهيم‬
‫الدقيقة في مختلف التخصصات‪ ،‬فما هي الكتابة العلمية وما خصائصها؟ ‪.‬‬

‫إن الكتابة العلمية شكل من أشكال الكتابة ولها مهارات كتابية مصممة لنقل المعلومات‬
‫العلمية إلى اآلخرين‪ ،‬ولها أنواع إما مقالة دورية أو متسلسلة أو بحث أو تقرير‪..‬‬

‫ويعتمد أسلوب كتابتها على الغرض منها والجمهور الموجهة إليه‪ .‬ذلك أن الغرض من الكتابة‬
‫إيجاز أكبر قدر من المعلومات بعبارات قصيرة ومفهومة‪ .‬ولتكون الكتابة فعالة يجب أوال تحديد‬
‫طبيعة الجمهور المستهدف‪ ،‬أهو شخص معين أو منظمة أو مجموعة من األشخاص لهم‬
‫اهتمامات متشابهة أو مختلفة‪.‬وبعد ذلك البد من معرفة مستوى الجمهور المعرفي ومستوى‬
‫تدريبه وخبرته في مجال المادة المكتوبة ثانيا‪ .‬والبد كذلك من معرفة ما يحتاج الجمهور معرفته‬
‫ليقرر الكاتب نوع الكتابة العلمية األنسب لذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬في النقد األدبي‪،‬شوقي ضيف‪.69،‬‬
‫الكتابة العلمية ليست مجرد سرد للمعلومات حتى ولو كانت صحيحة‪ ،‬ألن عملية سرد‬
‫المعلومات لها مساوئ عدة‪.‬أولها أنها ستكون مملة جدا للقارئ‪ ،‬وثانيها بأنها ليست مفيدة بالقدر‬
‫الكافي ألنها لن تثير فضول القارئ ولن تدفعه للتفكير بل تدفعه للحفظ‪ .‬ويؤكد بعض الباحثين أن‬
‫لغة العلم لها خصائص ومميزات ومنها‪:‬‬

‫‪- 1‬الوضوح الذي ال يحمل اللبس‪ ،‬فالغرض األساسي للغة العلم هو تفسير ظاهرة‪ ،‬أو‬
‫شرح طريقة وال يمكن تحقيق ذلك بلغة غير صريحة وواضحة أو بكلمات مبهمة غير محددة‬
‫المعنى‪.‬‬

‫‪-2‬سالمة البنيان اللغوي واإليجاز‪ ،‬ولتحقيق اإليجاز يتم اللجوء إلى‪:‬‬

‫* الرموز‪ :‬وهي عادة من حروف الهجاء تستخدم للتعبير عن أشياء متعارف عليها كرموز‬
‫العناصر الكيمياوية‪ ،‬ووحدات القياس‪ ،‬وما إلى ذلك ‪.‬‬

‫* المعادالت الرياضية‪:‬وهي صيغ رمزية للتعبير عن عالمة معينة‪ ،‬أو قانون ‪.‬‬

‫*الرسوم‪ :‬وهي رسوم تخطيطية توضح بنية معينة‪ ،‬كالدوائر الكهربائية‪ ،‬أو االنشاءات‬
‫المعمارية‪ ،‬أو التصميمات الهندسية‪ ،‬أو االتحادات الكيمياوية‪ ،‬كما تستخدم لتوضح عمليات‬
‫معينة‪.‬‬

‫‪.3‬المصطلحات ‪ :‬والمصطلح العلمي كلمة أو أكثر يتم االتفاق على تخصيصها لتعني مفهوما‬
‫‪2‬‬
‫محددا‪.‬‬

‫وتتميز الكتابة العلمية بجملة من الخصائص‪،‬لعل أهمها‪: 3‬‬

‫‪ /1‬األمانة العلمية في االقتباس والشواهد‪ :‬الكتابة العلمية ال تستعمل االقتباسات المباشرة‪ ،‬فعند‬
‫االقتباس من كاتب يجب أن يكون االقتباس ضروريا إلثبات دليل على الموضوع‪ ،‬أو إلثبات‬
‫االقتباس وشرحه‪ .‬ويعد االقتباس نادرا في الكتابة العلمية‪ ،‬ألن األفكار هي األكثر أهمية‪.‬‬

‫‪/2‬عدم اإلسراف في النقل‪ :‬من المتعارف عليه في أصول الكتابة العلمية أن االستشهاد بأقوال‬
‫الباحثين اآلخرين يحب أال يتجاوز األسطر القليلة‪ ،‬وال يمكن أن يتجاوز نصف الصفحة‪ ،‬فإذا‬
‫تجاوز دلك فيحب أن يوضع في مالحق مستقلة في نهاية المقال أو البحث‪ .‬وبدال من إيراد‬
‫النصوص نفسها يستطيع الباحث أن يلخصها ويذكر النقاط ذات العالقة بالبحث‪.‬‬

‫‪/3‬الدقة والوضوح‪ :‬يجب على الكاتب أن يكون واضحا في عباراته مدركا لما فيها من الغموض‬
‫قبل استعمالها‪ .‬وأن تتسم المصطلحات التي يستخدمها بالبساطة‪ ،‬والوضوح‪ ،‬واإليجاز‪،‬‬
‫واالختصار‪ ،‬وأن يكون المصطلح المستخدم موضوعيا في داللته‪ ،‬وأال يتعدد للمفهوم العلمي‬
‫الواحد في المضمون الواحد في الحقل العلمي الواحد‪.4‬‬

‫‪ -‬لغة العلم‪ ،‬رمضان هدارة‪ ،‬ص‪.130‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -‬خصائص الكتابة العلمية‪،‬محمود أحمد السيد‪،‬ص ‪.16‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬اللغة العربية واالصطالح العلمي‪،‬وليد سراج الدين‪،‬ص‪.20‬‬
‫وكلما كانت الفكرة واضحة ودقيقة في ذهن الكاتب وبعيدة عن التناقض ومنطقية أمكنه‬
‫التعبير عنها بوضوح‪ .‬وكلما كان التركيز على تحديد السبب‪ ،‬والنتيجة‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واالستنتاج‬
‫والمقارنة‪ ،‬والحرص على التتابع‪ ،‬وقوة البرهان منطقية كانت الكتابة العلمية واضحة صحيحة‪.‬‬

‫‪/4‬البعد عن التعميم‪.‬‬

‫‪/5‬البعد عن التقرير والتأكيد‪ :‬تتسم الكتابة العلمية بالبعد عن التقرير في أسلوبها والتأكيد في‬
‫أدواتها‪ ،‬إال أن بعض الباحثين يكثرون من استعمالها‪ ،‬ويسرفون في ذلك‪ .‬وهذا ما يجعل كتابتهم‬
‫تنأى عن العلمية‪.‬‬

‫‪/6‬البعد عن المبالغة في إسباغ الصفات على األشخاص‪ ،‬مثل‪:‬الجليل‪ ،‬الفاضل‪ ،‬العالمة‪،‬‬


‫الموسوعي‪ ،‬العالم‪ ،‬الفذ‪...‬‬

‫‪ /7‬احترام الرأي اآلخر‪ :‬تتسم الكتابة العلمية باحترام الرأي اآلخر وعدم تسفيهه‪ .‬وإنما تناقش‬
‫الحجة بالحجة‪ ،‬والدليل بالدليل‪ ،‬والبرهان بالبرهان في منأى عن التحيز والتعصب‪.‬‬

‫‪ /8‬العناية بالشكل إلى جانب المضمون‪:‬تبنى الكتابة على بعدين متالزمين اليمكن الفصل بينهما‪:‬‬

‫‪-‬الشكل‪ :‬أو ما يسمى بالبعد اللفظي ويقصد به األلفاظ‪ ،‬والتراكيب‪ ،‬واألساليب‪ ،‬والقوالب‬
‫اللغوية التي يختارها الكاتب بما يتفق مع العرف اللغوي‪.‬‬

‫‪ -‬المضمون‪ :‬أوما يسمى بالبعد المعنى المعرفي ويقصد به المعلومات‪ ،‬والحقائق‪ ،‬واألفكار‬
‫‪5‬‬
‫والمعاني‪ ،‬والخبرات التي يحصل عليها اإلنسان عن طريق قراءاته الواعية‬

‫‪/9‬اعتماد اللغة المباشرة والبعد عن التوظيف البالغي‪ ،‬ولغة المشاعر واألحاسيس‪ .‬والتركيز‬
‫على الحقائق‪ ،‬واألرقام‪ ،‬واإلحصائيات‪. 6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ /10‬الموضوعية والبعد عن الذاتية‪.‬‬

‫‪ /11‬سالمة البنيان اللغوي‪ :‬ويشمل أسلوب الكتابة جانبين هما التعبير وسالمة اللغة‪ ،‬وجانب أعم‬
‫وأشمل وهو عرض البحث وفق أسلوب يبرز فيه الكاتب حقائق بحثه بصورة علمية ودقة دون‬
‫تشويه أوتحريف أوتحيز متبعا في ذلك مخططا واضحا يخرج هيكل البحث سليما غير‬
‫منقوص‪..8‬‬

‫‪ /12‬األسلوب العلمي والمنهجي في الصياغة‪:‬ويجب على الباحث اعتماد أسلوب علمي يتضمن‬

‫‪-‬اإليجاز والتركيز الدال المفيد‪.‬‬ ‫‪-‬سالمة اللغة ووضوحها‪.‬‬

‫‪ -‬القدرة على تنظيم المعلومات واألفكار و عرضها بطريقة منطقية‪.‬‬

‫‪-‬مهارة الكتابة ونماذج تعليمها‪،‬إبراهيم علي ربابعة‪،‬ص‪.5‬‬


‫‪5‬‬

‫‪ -‬الكتابة العلمية وتوثيق المراجع‪،‬منى سليمان الوهبي‪،‬ص‪.4‬‬


‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-‬خصائص الكتابة العلمية‪،‬محمود أحمد السيد‪،‬ص ‪.17‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬البحث العلمي أساسياته النظرية وممارساته العملية‪،‬رجاء وحيد دويدري‪،‬ص‪.444‬‬
‫‪-‬دعم األفكار بأكثر األدلة مناسبة‪.‬‬ ‫‪-‬عدم التكرار‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬قوة وجودة الربط في عملية االنتقال‬

‫وخالصة القول إن الكتابة العلمية هي إحدى المهارات اللغوية يقوم الكاتب من‬
‫خاللها بتوليد أفكار وصياغتها بأسلوب علمي وال بد في ذلك من التواضع‪ ،‬وتقبل‬
‫النقد‪،‬واالعتراف بالحقيقة‪ ،‬والموضوعية في الطرح‪ ،‬واألمانة العلمية والحكم في منأى عن‬
‫التحيز والتعصب‪ ،‬واعتماد اللغة المباشرة‪ ،‬والبعد كل البعد عن لغة المشاعر واألحاسيس‪،‬‬
‫وتوظيف العقل والمنطق قدر اإلمكان‪ ،‬واالستعانة بلغة األرقام و االحصاءات والجداول دون‬
‫أن ننسى سالمة البنيان واإليجاز والدقة في عرض المعلومات‪ ،‬وتجنب التكرار‪ ،‬واستخدام‬
‫تقنيات الشرح‪ ،‬والتفسير والتعليل والتحليل واالستقراء واالستنتاج إن اقتضت الضرورة ذلك ‪.‬‬

‫‪-‬منهجية البحث العلمي‪،‬ريما ماجد‪،‬ص‪.53‬‬


‫‪9‬‬

You might also like