You are on page 1of 262

‫الســومريون‬

‫المعلمــون األوائل‬
‫‪Sumerians‬‬ ‫السومريون‬
‫‪Jumah Al.Talabi‬‬ ‫تأليف‪ :‬د‪.‬جمعة الطلبي‬
‫‪first edition 2022‬‬ ‫الطبعة األولى‪2022 :‬‬

‫الرقم الدولي (‪)ISBN‬‬


‫‪978-9922-9107-4-1‬‬

‫جميع حقوق النشــر محفوظة للناشــر‪ .‬وال يحق ألي شــخص أو مؤسســة‬
‫أو جهــة إعــادة إصــدار هــذا الكتــاب‪ .‬أو جــزء منــه‪ .‬أو نقلــه‪ .‬بــأي شــكل أو واســطة‬
‫مــن وســائط نقــل المعلومــات‪ .‬ســواء أكانــت إلكترونيــة أو مكانيكيــة‪ .‬بمــا‬
‫فــي ذلــك النســخ أو التســجيل أو التخزيــن واالســترجاع‪ .‬دون إذن خطــي مــن‬
‫أصحــاب الحقــوق‪.‬‬

‫‪All copyrights reserved to the publisher, and no person, organization or‬‬


‫‪entity may reproduce this book, or any part of it. or transmit it. In any form‬‬
‫‪or by any means of information transmission. whether electronic or mechan-‬‬
‫‪ical, Including copying, recording, storage and retrieval. without the written‬‬
‫‪permission of the rights holders.‬‬
‫د‪ .‬مجعة الطليب‬

‫السومريون‬
‫المعلمون األوائل‬

‫العراق ‪ -‬بغداد‬
‫يناير ‪2022‬‬
‫السومريون‬ ‫‪5‬‬

‫إلى‪ ...‬ذكرى صموئيل نوح كرمير‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪7‬‬

‫تقديم‬

‫يكفــى الســومريون فخـرا ً أنهــم علمــوا البرشيــة ألــف بــاء املعرفــة‪،‬‬


‫فهــم مــن أوجــد أعظــم اخـراع جــادت بــه قريحــة اإلنســان عــى مــر‬
‫الزمــان‪ :‬الكتابــة‪ .‬إذ تعــد الكتابــة مــن أعظــم الوســائل التــي ابتكرهــا‬
‫اإلنســان بهــدف التذكــر أو اإلخبــار أو كليهــا‪ ،‬فقــد عــززت الكتابــة‬
‫ذاكــرة اإلنســان ووســعتها‪ .‬ومــن نافــل القــول أن الكتابة غريت أســلوب‬
‫ونهــج حيــاة النــاس تغيريا ً حاسـاً‪ ،‬وشــكلت البدايــة الحقيقــة للحضارة‬
‫البرشيــة‪ ،‬فهــي الحــد الفاصــل الــذي ميــز التحــر عــن البدائيــة‬
‫والرببريــة‪ ،‬والحــد الــذي ميــز العصــور التأريخيــة عــن ســابقتها مــن‬
‫العصــور القدميــة‪ ،‬وهــي ثــورة يف االتصــاالت أدت إىل نتائــج بعيــدة‬
‫يف املجــاالت الفكريــة واالقتصاديــة‪ ،‬وهــي الواســطة واألداة التــي دون‬
‫بهــا التأريــخ وأحداثــه‪ .‬ويكفــي الســومريون فخــرا ً أنهــم أول مــن‬
‫أنشــأ الحضــارة الفاعــى التــي ســادت منــذ األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ ،‬وهــي‬
‫الحضــارة األم والحضــارة بانيــة العم ـران ومؤسســة املــدن‪ .‬ويكفيهــم‬
‫فخـرا ً أن كل مــا أوجــدوه شــكل معجــزة فريــدة ســابقة عــن نظرياتهــا‬
‫املرصيــة واإلغريقيــة بــل أنهــا أســهمت يف إغنائهــا‪ .‬ويكفيهم فخـرا ً أن‬
‫التأريــخ والحضــارة يبــدأ بهــم ويوصــل إليهــم‪ .‬فقــد أوجــدوا املــدارس‬
‫واملكتبــات‪ ،‬ووضعــوا علــوم الحســاب والعلــوم الفلكيــة والطبيعيــة‬
‫‪8‬‬ ‫السومريون‬

‫والطبيــة‪ ،‬وأنهــم أول مــن وضــع االصالحــات وأقــدم مــن رشع القوانــن‬
‫املعروفــة عــر التأريــخ‪ .‬وهــم أول مــن عمــل إىل تســجيل األحــداث‬
‫التاريخيــة‪ ،‬إذ تناقلــوا أخبــار أســافهم وأهــم األحــداث وحاولــوا‬
‫تفســرها أو عــى األقــل تربيرهــا‪ .‬وكتبــوا اآلداب الخالــدة مــن أســاطري‬
‫ومالحــم‪ ،‬وقدمــوا رؤاهــم الدينيــة والروحيــة بطرائــق شــتى منهــا‬
‫الفنــون املتنوعــة‪ .‬واخرتعــوا العجلــة وهــي أقــى مــا بلغتــه البرشيــة‬
‫يف تطورهــا التقنــي املتواصــل‪ ،‬وهــم أول مــن أوجــد النظــام الســتيني‬
‫الــذي يُعتمــد إىل اآلن يف تقســيم الســاعة والدقيقــة والدائــرة‪ .‬وقــد‬
‫آمنــوا بوجــود نواميــس تحكــم الكــون منــذ بداياتــه وال ت ـزال تســره‬
‫عرفــت عندهــم باســم (مــي= ‪.)Me‬‬
‫ومــع أنهــم عاشــوا يف بيئــة قاســية قليلــة املــوارد إال أنهــم جعلوهــا‬
‫أقــرب إىل الجنــة لدرجــة أنهــا أصبحــت قبلــة لألمــم والشــعوب‪ ،‬فــكان‬
‫موطنهــم محــط أنظــار جريانهــم مــن ســكان الصحــاري والجبــال‪ .‬وقــد‬
‫تنوعــت ابداعاتهــم وتجلــت يف معظــم الجوانــب الحضاريــة‪ ،‬وكانــت‬
‫ابتكاراتهــم قناديــل شــعت عــى البرشيــة وهدتهــم ونقلتهــم مــن ظــام‬
‫عصــور قبــل التأريــخ‪ .‬فقــد مارســوا الزراعــة املنتظمــة التــي ترويهــا‬
‫القنــوات‪ ،‬وعملــوا الســدود لــدرء أخطــار األنهــار العنيفــة‪ ،‬وأصلحــوا‬
‫األهــوار واســتفادوا مــن عطاياهــا مــن طيــور وأســاك‪ ،‬وشــيدوا‬
‫بيوتهــم األوىل مــن قصبهــا‪ ،‬وربــوا املاشــية‪ ،‬ومارســوا التجــارة يف‬
‫مدياتهــا املختلفــة القريبــة والبعيــدة‪ ،‬وتاجــروا مبــا لديهــم مــن بضائــع‬
‫ومنتجــات واســتوردوا مــا يحتاجونــه لصناعتهــم املتقدمــة‪ ،‬وفنونهــم‬
‫السومريون‬ ‫‪9‬‬

‫الجميلــة‪ .‬وكانــوا شــعباً خالقـاً ارتقــى مبختلــف مفاصــل الحيــاة الفكرية‬


‫والجامليــة واالجتامعيــة واالقتصاديــة والسياســية‪ ،‬وأنتــج واحــدة مــن‬
‫أكــر الثقافــات إبداعــاً وإثــارة عرفهــا العــامل عــى اإلطــاق‪ ،‬ونقلــوا‬
‫ضيــاء املدنيــة إىل كثــر مــن بقــاع العــامل وبطرائــق ســلمية مــن دون‬
‫حــرب أو نـزاع‪ ،‬لقــد كانــوا شــعباً جديـرا ً بالتقديــر واالحـرام والخلــود‬
‫عــر الزمــن‪.‬‬
‫د‪ .‬جمعة الطلبي‬
‫بغداد ‪2022 -‬‬
‫السومريون‬ ‫‪11‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حضارة الطين والقصب‬

‫‪ 1-1‬متهيد‬
‫ميتــد الزمــن خالــدا ً مــن حــدود بغــداد حتــى رأس الخليــج يف امتــداد‬
‫رسمــدي يــرح رس وجــود واحــد مــن أعظــم شــعوب األرض وأكرثهــا‬
‫عبقريــة‪ :‬الشــعب الســومري‪ .‬إذ يعــود الفضــل لهــذا الشــعب بأنــه كان‬
‫األصــل األصيــل لــكل الحضــارات البرشيــة يف كرتنــا األرضيــة‪ .‬وتكمــن‬
‫عبقريــة هــذا الشــعب يف املقــام األول يف توظيفــه لبيئــة بأرضيــة ســهلية‬
‫جــرداء متيــزت بظاهــرة تغيــر امليــاه ملجاريهــا باســتمرار‪ ،‬فاألنهــار‬
‫والقنــوات يف هــذه املنطقــة ليســت ثابتــة‪ ،‬األمــر الــذي أثــر يف حركــة‬
‫الســكن واملســتوطنات وتغــر مواضعهــا وأهميتهــا‪ ،‬فكــم مــن قريــة‬
‫ومدينــة كانــت تجــاور النهــر وفقــدت أهميتهــا مــع تغيــر مســاره‪ ،‬لقــد‬
‫كان هــذا عام ـاً حاس ـاً يف تحديــد الهج ـرات وتركــز املــدن حولــه‪.‬‬
‫متتــد منطقــة نفــوذ الســومريني بــن بغــداد وأقــى الجنــوب عنــد‬
‫ســاحل الخليــج‪ ،‬وقــد كانــت قدميـاً وحــدة اقتصاديــة وسياســية ترتــوي‬
‫مــن النهريــن وهــي أرض ســهلية جــرداء ذات ح ـرارة وجفــاف شــكلها‬
‫الطمــى‪ ،‬وبتأثــر الرتســبات والــري أصبحــت منطقــة خصبة(خريطــة‪:‬‬
‫رقــم ‪ .)1‬فقــد كان املــاء عنـرا ً حاسـاً يف هــذه املنطقــة‪ ،‬وقــد أجتمــع‬
‫أهلهــا حــول مــوارد امليــاه‪ ،‬فشــكلت عامــل تقريــب بــن النــاس‪ ،‬وعملــوا‬
‫‪12‬‬ ‫السومريون‬

‫عــى تنظيــم الــري‪ ،‬وتوحــدوا مــن أجــل جلــب مــا تفتقــر إليــه بالدهــم‬
‫مــن مــواد عــى رأســها األحجــار واملعــادن واألخشــاب‪.‬‬
‫وقــد جــرت محــاوالت عــدة لدراســة هــذا املركــز الحضــاري يف‬
‫جوانبــه املتعــددة ومنهــا عامــي البيئــة واملنــاخ ومنــذ مــا يقــرب مــن‬
‫قرنــن مــن الزمــان تقريبــاً‪ ،‬إال أنــه ميكــن القــول أن دراســة هذيــن‬
‫العاملــن ال ميكــن أن تكــون كاملــة ونهائيــة وتحتــاج إىل مزيــد مــن‬
‫الوقــت وكثــر مــن األدلــة‪ ،‬ولكــن مــن األمــور املؤكــدة أن بــاد الرافديــن‬
‫شــكلها نهــري دجلــة والف ـرات‪ .‬فقــد أســهم النه ـران العظيــان دجلــة‬
‫والف ـرات وترســباتهام يف تكويــن وتشــكيل املشــهد الطبيعــي ومــرح‬
‫األحــداث‪ .‬وقــد شــكل التفاعــل بــن اإلنســان والبيئــة املحــرك الرئيــس يف‬
‫التطــور واإلبــداع الــذي حصــل يف كل مفاصــل الحضــارة‪ .‬وتشــر كثري من‬
‫الدالئــل واملعطيــات إىل أنــه مل تحــدث تغـرات مناخيــة مهمــة يف املــدة‬
‫مــن ‪ 4،000-5،500‬ق‪.‬م (عــر العبيــد)‪ ،‬وإن أشــارت بعض الدراســات إىل‬
‫حصــول تغـرات مناخيــة‪ ،‬ولكنهــا كانــت ضئيلــة ومحــدودة يف املنطقــة‬
‫مــع مطلــع عــر الهولســن(‪ 8000‬ق‪.‬م‪ .).‬وقــد أكــد الباحــث روبــرت‬
‫مــاك آدمــز أن‪( :‬منــاخ املنطقــة منــذ عــر البلستوســن كان وملــدة‬
‫مــن الزمــن أكــر مط ـرا ً بحيــث يســمح بزراعــة جافــة طويلــة البقــاء‬
‫وذات أهميــة يف الســهول الغرينيــة)‪ .‬وهــو مــا يشــر ضمنـاً إىل أن املنــاخ‬
‫يف املــايض كان جافــاً مــع بعــض التغــرات التــي تطــرأ عليــه بحيــث‬
‫تصبــح الحالــة الجويــة شــبه رطبــة‪ ،‬ويف أحيــانٍ أخــرى جافــة‪ ،‬وهــو مــا‬
‫يؤثــر بالــرورة عــى الحيــاة العامــة مبفاصلهــا؛ البرشيــة‪ ،‬والحيوانيــة‪،‬‬
‫والنباتيــة‪ .‬لقــد دعــم الــري عمليــة زراعــة كفــؤة‪ ،‬وكان عــاد الحيــاة‬
‫السومريون‬ ‫‪13‬‬

‫يف هــذا الجــزء مــن بــاد الرافديــن مــع األخــذ يف الحســبان أن األمطــار‬
‫يف هــذا الجــزء مــن البــاد قليلــة ومحــدودة لكنهــا مؤثــرة‪ .‬إذ يشــكل‬
‫ســقوطها عــى الجبــال الرتكيــة مــوردا ً أساس ـاً للميــاه ملــا توفــره مــن‬
‫زيــادة يف ميــاه النهريــن (دجلــة والفـرات) كونهــا مصــدر ري منطقــة‬
‫الجنــوب الرافدينــي‪ ،‬وبفضلهــا صلحــت الزراعــة واســتقامت التجــارة‪،‬‬
‫واتصــل الشــال بالجنــوب (الخريطــة‪ :‬رقــم ‪.)2‬‬
‫تقــع منابــع النهريــن يف الجبــال الرتكيــة‪ ،‬فمنابــع نهــر دجلــة مصدرها‬
‫جبــال طــوروس رشقــي تركيــا‪ ،‬ويبلــغ طــول النهــر نحــو ‪2032‬كــم‪ ،‬ومبــا أن‬
‫ميــاه هــذا النهــر تــروي مســاحة كبــرة وواســعة مــن األرايض يف مناطــق‬
‫الجبــال وســفوحها فأنهــا تفقــد عــن طريــق التبخــر كميــات أقــل مــا‬
‫يحــدث مليــاه نهــر الف ـرات الــذي يقطــع رقعــة واســعة مــن الســهوب‬
‫الصحراويــة يف طريقــه نحــو الخليــج‪ .‬وميلــك نهــر دجلــة روافــد عــدة‬
‫يف الع ـراق؛ مــن أبرزهــا الزابــن (الصغــر‪ ،‬والكبــر)‪ ،‬ونهــر ديــاىل‪ ،‬ونهــر‬
‫العظيــم‪ ،‬عــى العكــس مــن نهــر الفــرات الــذي ليــس لــه روافــد يف‬
‫الع ـراق‪ .‬وتعتمــد كميــة امليــاه يف النهريــن بشــكل رئيــس عــى الثلــوج‬
‫يف الجبــال الرتكيــة‪ ،‬وأن زيادتهــا تــؤدي إىل زيــادة يف مناســيبهام‪ ،‬ثــم‬
‫فيضانهــا‪ .‬ونشــر هنــا إىل ظاهــرة فيضــان النهريــن وأثرهــا يف الجوانــب‬
‫املختلفــة يف حضــارة بــاد الرافديــن‪ ،‬إذ متيــزت فيضاناتهــا بالعنــف‬
‫وبعــدم أمكانيــة التنبــؤ بهــا عــى خــاف الغمــر الســنوي لنهــر النيــل‪ .‬إذ‬
‫يفيــض نهـرا دجلــة والفـرات يف شــهري آذار ونيســان وهــو وقــت تكــون‬
‫فيــه املحاصيــل الزراعيــة يف مراحلهــا النهائيــة وقريبــة إىل النضــج فتهلــك‬
‫املحاصيــل ويقــي عــى املوســم عندمــا تفيــض األنهــار‪ ،‬لــذا فإنهــا‬
‫‪14‬‬ ‫السومريون‬

‫تشــكل عامــل رعــب وقلــق للســكان‪ ،‬يف حــن يحصــل العكــس يف مــر‬
‫عــى ســبيل املثــال‪ ،‬إذ يكــون موعــد الفيضــان عــادة يف شــهري ترشيــن‬
‫األول والثــاين‪ ،‬وهــو مــا يــؤدي إىل ترطيــب الرتبــة مــا يســاعد عــى‬
‫موســم زراعــي جيــد‪ .‬وقــد انعكــس هــذا األمــر يف أســطورة الطوفــان‬
‫التــي كتبــت بأشــكال مختلفــة يف بــاد الرافديــن‪ ،‬يف حــن أنهــا مل توجــد‬
‫يف الفكــر املــري بالقــوة نفســها‪ .‬وهنــاك قضيــة أخــرى تتعلــق بتأليــه‬
‫امللــك يف بــاد الرافديــن‪ ،‬وهــي ظاهــرة كانــت محــدودة‪ ،‬يف حــن أن‬
‫امللــك املــري كان إله ـاً يف جميــع األزمــان‪.‬‬
‫وتشــر عمليــة متابعــة مجــرى النهريــن إىل أن انحــدار نهــر دجلــة‬
‫يكــون أكــر مــن الفـرات‪ ،‬ومبــا أنــه يفقــد مــن مياهــه عــن طريــق التبخــر‬
‫كميــات أقــل مــن نظــره الفــرات فــإن ترصيفــه أعظــم مــن ترصيــف‬
‫الفـرات‪ ،‬ولهــذا شــق قاعـاً أعمــق كثـرا ً مــن األخــر‪ ،‬وهــو مــا يجعلــه غــر‬
‫مالئــم للــري بطريقــة الســيح ألن مائــه يجــب أن يرفــع ويخــرج مــن النهــر‬
‫ويجلــب إىل الحقــول‪ .‬ولهــذا الســبب يــرى بعــض الباحثــن أن جنــوب بــاد‬
‫الرافديــن هــو بلــد النهــر الواحــد هــو الفـرات‪ ،‬ولكــن هــذا ال يلغــي دور‬
‫نهــر دجلــة‪ ،‬إذ اعتمــدت بعــض املــدن عــى ميــاه هــذا النهــر‪ ،‬فقــد حفــر‬
‫ملــك لگــش (أنتيمينــا) يف منتصــف األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬قنــاة منــه إىل‬
‫مدينتــه‪ ،‬وأكمــل ملــك الرســا (ســن‪-‬أدينام) يف نحــو ‪1850‬ق‪.‬م مــد هــذه‬
‫القنــاة إىل مدينتــه الرســا‪ ،‬وحــول أهــايل نفــر امليــاه مــن دجلــة ملعالجــة‬
‫النقــص يف ميــاه الف ـرات يف أثنــاء العــر الكــي يف األلــف الثــاين ق‪.‬م‪.‬‬
‫وجــرت مثــل هــذه األعــال والنشــاطات يف العصــور الالحقــة وهــي تــؤرش‬
‫مكانــة نهــر دجلــة عــر التأريــخ كأحــد املــوارد األساســية يف بــاد الرافديــن‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪15‬‬

‫وتقــع منابــع نهــر الف ـرات يف تركيــا أيض ـا ً‪ ،‬ويبلــغ طولــه نحــو‪2720‬‬
‫كــم‪ ،‬وميــر بســوريا قبــل دخولــه العــراق ولــه فيهــا رافــدان؛ هــا‬
‫البليــخ‪ ،‬والخابــور‪ ،‬ويتميــز جريــان هــذا النهــر بالبــطء والهــدوء‪ ،‬وهــو‬
‫يخــرق رقعــة واســعة مــن الســهوب الصحراويــة مــا يؤثــر عــى نســبة‬
‫ميــاه نتيجــة التبخــر يف منطقــة صحراويــة‪ ،‬إن هذيــن النهريــن هــا‬
‫مــن خلــق البيئــة الطبيعيــة الــذي ســكنها إنســان الجنــوب‪ ،‬وعــاش‬
‫فيهــا‪ ،‬ومــات عليهــا‪ ،‬مكون ـاً أدوارا ً حضاريــة متقدمــة شــكلت األســس‬
‫املوضوعيــة للحضــارات اإلنســانية عــى مــر العصــور‪.‬‬
‫وقــد أرشنــا يف أعــاه إىل فضــل النهريــن ومــا يحمالنــه مــن الغريــن‬
‫والطمــى يف تشــكيل البيئــة الفاعــى يف منطقــة الســهل الرســويب‪ ،‬وأنــه‬
‫لــوال مــا حملتــه هــذه األنهــار ورســبته عــر آالف الســنني ملــا وجــدت هــذه‬
‫املنطقــة‪ .‬إذ اســهمت الطبيعــة األساســية لتلــك األرايض الرطبــة يف دعــم‬
‫وتشــكيل املؤسســات االجتامعيــة املعقــدة التــي تقــوم عليهــا عمليــة‬
‫التحــر يف جنــوب بــاد الرافديــن منــذ العصــور املبكــرة‪ .‬وقــد حظيــت‬
‫إدارة النهريــن عــى اهتــام الســلطات العليــا يف كل املراحــل التاريخيــة ألن‬
‫الزراعــة اعتمــدت كليـاً عــى أقنيــة الــري‪ ،‬ولهــذا ال ميكــن فهــم اإلنجــازات‬
‫يف كل املجــاالت؛ الزراعيــة‪ ،‬والحيوانيــة إال بالرجــوع إىل أنظمــة األنهــار‬
‫الخاصــة وحــاالت الرتبــة املتعلقــة بالغريــن كونهــا أمــورا ً أساســية يف وجــود‬
‫ســكان املنطقــة منــذ القــدم‪ ،‬وشــكلت أســاس جهودهــم الخالقــة جميعـاً‪.‬‬
‫لقــد تركــز االســتيطان ومنــذ بدايــة الســكن يف القســم الجنــويب من بالد‬
‫الرافدين(مطلــع عــر العبيــد) عــى ضفــاف األنهــار يف املواقــع املتاخمــة‬
‫لألهــوار واملســتنقعات‪ .‬واســتمر اشــغال العديــد مــن هــذه املواقــع املبكرة‬
‫‪16‬‬ ‫السومريون‬

‫يف العبيــد ‪ 350-4900( 4‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهــو مــا ميثــل نصــف املواقــع املعروفــة يف‬
‫مناطــق مســح مــدن الــوركاء وإريــدو لتلــك املــدة‪ .‬وكانــت أغلــب املواقــع‬
‫التــي اسســت حديث ـاً تقــع عــى األســطح املكشــوفة مــن «الســاحف»‬
‫منــذ أقــدم العصــور‪ .‬و ُدفــن عــدد ال يحــى مــن املواقــع الصغــرة املتناثــرة‬
‫تحــت رواســب عــر الهولوســن‪ .‬وقــد بــرت مســتوطنات عــر العبيــد‬
‫هــذه بانفجــار يف املواقــع املرئيــة التــي تأسســت يف أثنــاء مرحلــة الــوركاء‬
‫املبكــرة عندمــا أصبحــت جميــع (الســاحف) التــي ميكــن تحديدهــا‬
‫تقريب ـاً مأهولــة بالســكان‪ .‬ومــن املعــروف أن االســتقرار يف املراكــز األوىل‬
‫يعتمــد عــى تقلبــات التفاعــل البــري مــع العمليــات الطبيعيــة لتقــدم‬
‫الدلتــا‪ .‬إذ مــن املعــروف أن منطقــة الدلتــا الداخليــة التــي تشــكلت‬
‫فيهــا تلــك القــرى واملســتوطنات ومنــت قــد تحركــت يف البدايــة باتجــاه‬
‫الجنــوب الرشقــي بعــد انخفــاض مســتوى ســطح البحــر‪ .‬عمومــاً كان‬
‫لــدى ســكان الحــر القليــل مــن الخيــارات‪ ،‬إذ ميكنهــم العثــور عــى‬
‫مســتوطنات جديــدة‪ ،‬أبعــد مــن ذلــك‪ ،‬مــن أجــل الحصــول عــى أراض‬
‫رطبــة‪ ،‬أو ميكنهــم االســتثامر يف أنظمــة ري أكــر اتســاعاً مــن أجــل‬
‫محــاكاة إنتاجيــة األرايض الرطبــة؛ أو ميكنهــم ببســاطة املــي قدمـاً‪ .‬لقــد‬
‫كانــت هــذه هــي مجموعــة مــن االختيــارات والعمليــات التــي اســتمرت‬
‫حتــى يومنــا هــذا‪ .‬وقــد كانــت عبقريــة الســومريني ودأبهــم عــى العمــل‬
‫وقواهــم الخالقــة املبدعــة هــي العوامــل الحاســمة التــي جعلــت مــن‬
‫جنــوب بــاد الرافديــن مهــدا ً ألوىل املدنيــات القدميــة وينبوعـاً مــن ينابيــع‬
‫العلــم واملعرفــة يف العــامل القديــم‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪17‬‬

‫‪ 1-2‬تكوين السهل الرسويب‬


‫يتشــكل الســهل الرســويب مــن منطقــة منبســطة حديثــة التكويــن‬
‫مــن الناحيــة الجيولوجيــة‪ .‬وقــد تعــددت اآلراء والنقاشــات التــي‬
‫تناولــت التغيـرات يف نظــام األنهــار والجــداول يف جنــوب العـراق‪ ،‬ســواء‬
‫مــن الناحيــة الطبيعــة أم البرشيــة‪ ،‬كــا أن هــذه النقاشــات تعرضــت‬
‫لقضيــة خلــق بيئــة أرضيــة غرينيــة يف املنطقــة املمتــدة مــن أور إىل‬
‫أقــى الجنــوب عــر آالف الســنني عــن طريــق الرواســب الغرينيــة‪،‬‬
‫وهــو موضــوع يتعلــق بقضيــة مجــاري األنهــار القدميــة يف هــذه‬
‫املنطقــة‪ .‬وكان املــؤرخ الرومــاين بلينــي األكــر(‪79-23‬م) أول مــن ناقــش‬
‫موضــوع رواســب الغريــن يف نهــر الفـرات‪ ،‬وتنــاول بعــد ذلــك الرحالــة‬
‫األوروبيــن هــذه املالحظــات التــي دونهــا املؤلفــون الكالســيكيون‪،‬‬
‫إذ نــر الباحــث (يت‪.‬يس‪.‬بيــك) عــام ‪1835‬م‪ ،‬بحثــاً أشــار فيــه إىل أن‬
‫رأس الخليــج كان يف األصــل عنــد ســامراء وتحــول تدريجيــاً جنوبــاً‬
‫نتيجــة تراكــم الغريــن عــر آالف الســنني‪ .‬وأحصــت الباحثــة األمريكيــة‬
‫(و‪.‬ج‪.‬كارتــر) معــدل الزحــف‪ ،‬وقالــت أنــه كان نحــو(‪ 300‬كــم) يف مــا‬
‫ال يقــل عــن(‪ 340‬ســنة)‪ ،‬وذلــك يســاوي رسعــة ‪ 882،35‬م يف الســنة‬
‫الواحــدة‪ .‬واســتمرت الدراســات عــى هــذا املنــوال حتــى جــاء املهنــدس‬
‫الفرنــي(دي مــورگان)‪ ،‬وهــو آثــاري عمــل يف سوســة اإليرانيــة يف مطلــع‬
‫القــرن العرشيــن وأفــرض أن حــدود الخليــج الشــالية كانــت متتــد يف‬
‫خــط وهمــي ميتــد مــن بلــد عــى دجلــة حتــى هيــت عــى الف ـرات‪.‬‬
‫ويــرى أن كميــات الحــى الهائلــة املرتســبة عــى شــكل طبقــات ســميكة‬
‫بــن بلــد وســامراء إمنــا هــي دليــل عــى الخــط الســاحيل القديــم لــرأس‬
‫‪18‬‬ ‫السومريون‬

‫الخليــج‪ ،‬وبفعــل الرتســبات للنهريــن ونهــر الــگارون وروافدهــا ومــا‬


‫تحملــه الوديــان والعواصــف الرمليــة مــن الجزيــرة العربيــة بــدأت‬
‫اليابســة بالتكــون عــى حســاب انســحاب ميــاه الخليــج‪ ،‬وبلغــت هــذه‬
‫الحالــة صورتهــا يف حــدود األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ ،‬إىل مواقــع أور وأريــدو‪،‬‬
‫ومــن ثــم واصــل انســحابه يف العصــور التاريخيــة الالحقــة‪ .‬وقــد تبنــى‬
‫هــذه النظريــة بعــض اآلثاريــن ومنهــم (ســيتون لويــد) الــذي وضــع‬
‫خارطــة للمنطقــة يف ضــوء هــذه النظريــة‪ ،‬وأعــرض آخــرون وشــككوا‬
‫بالنظريــة مســتندين بذلــك إىل بعــض معــامل االســتيطان القديــم التــي‬
‫اكتشــفت يف أطـراف األهــوار وتحــت مســتوى مياههــا‪ ،‬فاملســح األثــري‬
‫الــذي أجراه(جــورج رو) ملنطقــة هــور الحــار أشــار إىل وجــود خيــط‬
‫مــن التــال ميتــد يف خــط مســتقيم تقريبـاً مــن تــل اللحــم إىل شــايل‬
‫البــرة‪ ،‬وأن وجــوده يشــكل حجــة قويــة ضــد النظريــة التــي تقــول أن‬
‫ميــاه الخليــج كانــت تغطــي هــذه املنطقــة حتــى عصــور متأخــرة‪ ،‬وأن‬
‫وجــود مواقــع مثــل‪ :‬تلــول الكربــايس‪ ،‬واللحــم‪ ،‬والعقــرم‪ ،‬وأبــو الصالبيــخ‬
‫يف منطقــة هــور الحــار الحديثــة يؤكــد حقيقــة أن هــذه املنطقــة كانت‬
‫مأهولــة أوائــل األلــف الثــاين ق‪.‬م‪ ،‬يف الوقــت الــذي كانــت هــورا ً ومل‬
‫تكــن مغمــورة تحــت ميــاه الخليــج‪ ،‬فض ـاً عــن اكتشــاف موقــع (تــل‬
‫الصوان)عــى ضفــاف دجلــة قــرب ســامراء الــذي يعــود تاريخــه إىل‬
‫حــدود األلــف الســادس ق‪.‬م‪ ،‬إذ ينــايف وجــوده مــا قيــل عــن امتــداد‬
‫ميــاه الخليــج حتــى حــدود ســامراء‪.‬‬
‫وتشــر دراســات أخــرى إىل أنــه يف نحــو ‪ 6150‬ق‪.‬م وصــل رأس حــوض‬
‫الخليــج إىل مســتواه الحــايل‪ .‬ويف القــرون الثالثــة الالحقــة بــدأ معــدل‬
‫السومريون‬ ‫‪19‬‬

‫ارتفــاع امليــاه بالبــطء‪ ،‬ويف هــذه املــدة امتــدت املســتنقعات القدميــة إىل‬
‫أقــى الجنــوب الرشقــي حتــى تلّــو (گرســو)‪ ،‬ووضعــت األنهــار رواســب‬
‫يف وادي الفـرات مــن أور إىل الفــاو‪ .‬وعــى مــدى القــرون األربعــة التاليــة‪،‬‬
‫ومــع تباطــؤ ارتفــاع مســتوى ســطح البحــر إىل حــد شــبه توقف‪ ،‬توســعت‬
‫الدلتــا‪ ،‬واســتمرت األهــوار يف التكــ ّون‪ .‬وبعــد هــذا الســكون املؤقــت‪،‬‬
‫وبحلــول عــام ‪ 5450‬ق‪.‬م‪ ،‬اســتؤنفت عمليــة ارتفــاع مســتوى ســطح البحــر‬
‫مبعــدل نصــف مــر يف القــرن (نصــف ســنتيمرت يف الســنة)‪ ،‬واســتمر هــذا‬
‫األمــر عــى مــدى األلفيــة التاليــة‪ .‬ويف مــا تبقــى مــن عــر العبيــد ارتفــع‬
‫البحــر مــن ‪ 4-2‬أمتــار أخــرى‪ ،‬ووصــل إىل ارتفــاع نحــو ‪ 2.5‬مــر فــوق‬
‫املســتوى الحــايل‪ .‬وبحلــول عــام ‪ 4550‬ق‪.‬م‪ ،‬كان البحــر قــد غمــر بالكامــل‬
‫وادي الفــرات واملســتنقعات القدميــة‪ ،‬وامتــد إىل الداخــل حتــى أور‪.‬‬
‫وهكــذا‪ ،‬يف مطلــع عــر الــوركاء توقــف الخليــج عنــد أقــى مســتوى له‪،‬‬
‫وبــدأت األنهــار جولــة أخــرى مــن بنــاء دلتــا املســتنقعات‪ ،‬وامتــدت إىل‬
‫الداخــل عــى األقــل حتــى أســس الــوركاء نفســها‪ .‬وقــد ظلــت مســتويات‬
‫ســطح البحــر مســتقرة يف جميــع أنحــاء الــوركاء وجمــدة نــر‪ ،‬وتراجعت‬
‫قليـاً يف بدايــة عــر الســاالت املبكــرة‪ ،‬ثــم عــادت إىل أعــى مســتوياتها‪.‬‬
‫وكان لهــذا االســتقرار القــوي عــى مــدى ألفــي عــام تقريبـاً آثــار عميقــة‬
‫عــى تلــك املنطقــة التــي أطلــق عليهــا روبــرت مــاك آدامــز «قلــب‬
‫املــدن»‪ ،‬يف دراســته النهائيــة لعــام ‪1981‬م‪ .‬وقبــل آدامــز‪ ،‬كان االف ـراض‬
‫القائــل بــأن املــدن نشــأت عــى الســهل الرســويب لبــاد الرافديــن نتيجــة‬
‫الرباعــة يف تقنيــات الــري ومــا صاحبهــا مــن زيــادات يف إنتــاج الحبــوب‪،‬‬
‫وال ســيام الشــعري‪ .‬لقــد تصــور آدامــز مناطــق نائيــة حرضيــة أكــر تعقيــدا ً‬
‫‪20‬‬ ‫السومريون‬

‫تشــمل زراعــة الحبــوب وتربيــة املاشــية واســتغالل املســتنقعات الخلفية‪،‬‬


‫وكلهــا مهمــة للبقــاء الحــري‪ ،‬ولكــن بهــذا الرتتيــب النســبي‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬
‫فقــد عــارض وجهــات النظــر األكــر تأكيــدا ً ألولئــك الذيــن يعكســون تلــك‬
‫األدوار النســبية‪ ،‬بالنســبة للحالــة الســومرية‪ ،‬ويضعــون الجــزء األهــم مــن‬
‫الدلتــا يف مركــز الســومريني‪ .‬وأدعــى عــامل آخــر هــو األملــاين (مايســر) أن‬
‫رأس الخليــج كان يف املــايض الســحيق يف مــكان مــا يف منطقــة أهــوار‬
‫(الحــار)‪ ،‬ومــع هــذا فقــد أعــرف أنــه مــن غــر املمكــن تعيــن املــكان‬
‫الدقيــق لخــط الســاحل القديــم باســتعامل حســابات غــر أكيدة لرتســبات‬
‫الغريــن الســنوية‪ .‬وقــد ظلــت نظريــة الزحــف للدلتــا ســائدة يف أثنــاء‬
‫النصــف األول مــن القــرن العرشيــن‪ ،‬وأعــاد أشــهر علــاء اآلثــار (گــوردن‬
‫تشــايلد) يف الخمســينيات مــن هــذا القــرن صياغــة نظرية (دي مــورگان)‪،‬‬
‫إىل أن جــاء جيولوجيــان بريطانيــان هــا (ليــس وفالكــون) بنظريــة ثورية‬
‫يف هــذا املجــال بينــا فيهــا أن االنخســاف عــى مــر الزمــان عطــل تأثـرات‬
‫الغريــن‪ ،‬ومل يجــدا بحســب نظريتهــا أي دليــل تاريخــي مقبــول عــى‬
‫أن رأس الخليــج كان يف وقــت مــن األوقــات أبعــد كثـرا ً إىل الشــال عــن‬
‫موضعــه الحــايل‪ .‬وقــد تبنــى كثــر مــن العلــاء واآلثاريــن هــذه النظريــة‪.‬‬
‫وعــاد اآلثاري(هرنيــك الرســن)عام ‪1975‬م إىل أحيــاء نظريــة(دي مــورگان)‬
‫مــرة أخــرى‪ ،‬بالقــول‪ :‬أن الوضــع املورفولوجــي (شــكل بنيــة املــكان) يف‬
‫جنــوب بــاد الرافديــن كان أكــر تعقيــدا ً مــا زعــم أي مــن أســافه‪ ،‬إذ‬
‫نظــر إىل املــدى الواســع مــن التقلبــات يف ارتفــاع مســتوى البحــر الــذي‬
‫بــدأ نحــو ‪ 17،000‬ق‪.‬م‪ ،‬وكان الخليــج فيهــا مجــرد منخفــض طويــل ضيــق‬
‫يحمــل الدفــرق املشــرك لنهــري دجلــة والفـرات يف شــكل نهــر إىل بحــر‬
‫السومريون‬ ‫‪21‬‬

‫العــرب‪ .‬وأن مســتويات امليــاه يف البحــر قــد ارتفعــت بشــكل متقطــع‬


‫مــا بــن ‪ 8،000-12،000‬ق‪ .‬م‪ ،‬وأن االرتفــاع عندمــا وصــل إىل مــا يقــرب‬
‫املســتوى الحــايل أو أعــى منــه أزاح خــط الســاحل داخــل الــر إىل هــور‬
‫الحــار‪ ،‬وأنــه ميكــن تفســر الرتســبات الغرينيــة عــى ســطح بنيــة هــور‬
‫الحــار (مــع مالحظــة أن هــور الحــار تشــكل حديثـاً يف القــرن الســابع‬
‫امليــادي عــى وفــق رأي بعــض الباحثــن)‪ ،‬والجهــة املواجهــة للبحــر مــن‬
‫هــور الحــار بتقــدم الدلتــا باتبــاع مــا بلغــه مســتوى مقــارب لســطح‬
‫البحــر نحــو ‪ 3000 - 4000‬ق‪.‬م‪ ،‬وهــذا يفــرض ‪180-150‬كــم يف األقــل مــن‬
‫زحــف الدلتــا يف أثنــاء ‪ 5000‬ســنة املاضيــة‪ .‬وهكــذا فــأن زحــف الدلتــا‬
‫حــدث بنســبة ‪36–30‬م يف الســنة‪ ،‬ويف رأيــه أن (النصــوص املســارية)‬
‫التــي تربــط مــدن األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬أور وأريــدو بالبحــر يبــدو أنهــا‬
‫أصــح مــا كانــوا يعتقــد ســابقاً‪ .‬وقــد تبنــى فرضيــة الزحــف الحديــث‬
‫هــذه بعــض الباحثــن؛ منهــم (روبــرت آدمــز)‪ ،‬و(هــوت)‪ ،‬و(ســانالفيل)‪.‬‬
‫وبــن الباحــث (هانــز نيســن) أن مســتوى البحــر كان أعــى مــن‬
‫اآلن بنحــو ‪2،75‬م يف عــر العبيــد مــا جعــل كثــر مــن أقســام جنــوب‬
‫بــاد الرافديــن غــر صالحــة للســكنى حتــى حــدث انحســار يف ‪3500‬‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬وأدى إىل إزالــة املــاء عــن هــذه األقســام‪ ،‬وال ســيام الســفىل منهــا‪.‬‬
‫وقــد اعــرض الباحثــان ديفيــد وجــن اوتــس عــى هــذا الــرأي‪ ،‬كــا أنــه‬
‫يناقــض مــا أشــار إليه(ســانالفيل)من أن مســتوى البحــر يف كل عــر‬
‫العبيــد كان أخفــض مــا هــو عليــه اآلن‪ ،‬وأن هــذا الــرأي ال ميكــن‬
‫إي ـراده لتفســر غيــاب االســتيطان‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫السومريون‬

‫مصادر الفصل األول‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد (‪ .)1989‬الخليج العريب يف التاريخ القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1985‬الزراعة والري‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج ‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬أوبنهايــم‪ ،‬ليــو(‪ .)1981‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪4 .‬أوتس‪ ،‬جني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪5 .‬أور جيســون والحمــداين عبــد األمري(‪.)2014‬أمنــاط االســتيطان يف ســومر‬
‫وأكــد‪ .‬مجلــة ســوبارتو‪ ،‬عــد ‪.8‬‬
‫‪6 .‬بوتــس‪ ،‬دانيــال(‪ .)2006‬حضــارة وادي الرافديــن‪ ،‬األســس املاديــة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪7 .‬بوتــرو‪ ،‬جــن وآخــرون(‪. )1986‬الــرق األدىن الحضــارات املبكــرة‪ .‬ترجمــة‬
‫عامــر ســليامن‪ .‬املوصــل‪.‬‬
‫‪8 .‬تشايلد‪ ،‬كوردن (‪ .)1966‬التطور االجتامعي‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي فهيم‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪9 .‬تيومينيــف‪ ،‬س(‪ .)1986‬اقتصــاد الدولــة يف ســومر القدميــة‪ .‬يف‪ .‬الع ـراق القديــم‪،‬‬
‫دراســة تحليليــة ألحوالــه االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســليم طــه‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬الحســني‪ ،‬فاضــل باقــر (‪ .)1978‬تطــور منــاخ العـراق عــر األزمنــة الجيولوجيــة‬
‫والعصــور التاريخيـــة‪ .‬مجلة الجمعيــة الجغرافيــة العراقية ‪ ،‬مج‪.١٠‬‬
‫ ‪11 .‬الخلف‪ ،‬جاسم محمد(‪ .)1965‬جغرافية العراق‪ .‬القاهرة ‪.‬‬
‫ ‪12 .‬دباغ‪ ،‬تقي(‪ .)1985‬البيئة الطبيعية واإلنسان‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪13 .‬سفر‪ ،‬فؤاد(‪ .)1974‬البيئة الطبيعية يف العراق القديم‪ .‬سومر‪ ،‬مج ‪ ،30‬ج ‪1‬و‪.2‬‬
‫ ‪14 .‬سوســة‪ ،‬أحمــد (‪ .)1983‬حضــارة وادي الرافديــن يف ضــوء املشــاريع الزراعيــة‬
‫واملكتشــفات األثريــة واملصــادر التاريخيــة‪.‬ج‪ .1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪15 .‬ســيتون‪ ،‬لويــد(‪ .)1993-1992‬آثــار بــاد الرافديــن مــن العــر الحجــري‬
‫القديــم حتــى الغــزو الفــاريس‪ .‬ترجمــة‪ ،‬محمــد طلــب‪ ،‬دمشــق‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪23‬‬

‫ ‪16 .‬الشيخ‪ ،‬عادل عبدالله(‪ .)1985‬بدء الزراعة وأوىل القرى يف العراق‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪17 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1975‬الطوفان يف املراجع املسامرية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪18 .‬غواليف‪ ،‬ف(‪ .)1989‬املدن األوىل‪ .‬موسكو‪.‬‬
‫ ‪19 .‬الفيــل‪ ،‬محمــد رشــيد (‪ .)1968‬تطــور منــاخ العـراق منــذ بدايــة البليستوســن‬
‫حتــى الوقــت الحــارض‪ .‬مجلــة كليــة اآلداب‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬عــد‪.١١‬‬
‫ ‪20 .‬ليــس‪ ،‬ج‪ .‬م‪ ،‬و فالكــون‪ ،‬ن‪ .‬ل(‪ .)1962‬التأريــخ الجغ ـرايف لســهول بــاد مــا بــن‬
‫النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ ،‬صالــح أحمــد العــي‪ ،‬مجلــة الجمعيــة الجغرافيــة العراقيــة‪ ،‬عــد ‪.1‬‬
‫ ‪21 .‬ماثيــوس‪ ،‬روجــر(‪ .)2015‬آثــار بــاد الرافديــن نظريــات ودراســات‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫محمــد صــري عبــد الرحيــم‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪22 .‬الهاشــمي‪ ،‬رضــا جــواد (‪ .)1981‬الحــدود الطبيعيــة لــرأس الخليــج العــريب‪.‬‬
‫مجلــة الجمعيــة الجغرافيــة العراقيــة‪ ،‬عــد ‪ ،13‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪23 .‬الهاشــمي‪ ،‬رضــا جــواد(‪ .)1983‬دور نهــر الفــرات يف االمتــدادات الحضاريــة‬
‫لبــاد وادي الرافديــن‪ .‬مجلـــة بـــن النهريــن‪ ،‬عــد‪.٤٤‬‬
‫ ‪24 .‬الهاشمي‪ ،‬رضا جواد (‪ .)1981‬املالحة النهرية يف بالد الرافـدين‪ .‬سـومر‪ ،‬مـج ‪.٣٧‬‬
‫ ‪25 .‬هســتيد‪ ،‬كــوردن (‪ .)1948‬األســس الطبيعيــة لجغرافيــة العــراق‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫محمــد جاســم الخلــف‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪26 .‬‬ ‫‪Adams, R. M(1958). Survey of Ancient water courses and Settlements‬‬
‫‪in central Iraq. Sumer,Vol,14.‬‬
‫‪27 .‬‬ ‫‪Adams,R.M and Nissen,H.J(1972). The Countryside. Chicago.‬‬
‫‪28 .‬‬ ‫‪Bagg, A.M (2012). Irrigation. In: Potts DT, ed. A Companion to the‬‬
‫‪Archaeology of the Ancient Near East: Volume1. Oxford: John Wiley & Son.‬‬
‫‪29 .‬‬ ‫‪Baumann, H(1969). The Land Of Ur. Oxford.‬‬
‫‪30 .‬‬ ‫‪Butzer, K . W (2000). Environmental change in the Near East and Human‬‬
‫‪Impact on the Land. (In). Civilization of the Ancient Near East. New York.‬‬
24 ‫السومريون‬

31 . Chadwick,R (2001).First Civilization, Ancient Mesopotamia and


Ancient Egypt. Chicago.
32 . Childe,V.G( 1952). New Light on the most Ancient Near East .London.
33 . Crawford, H(2002). Sumer and the Sumerians. Chicago.
34 . Diakonoff, I . M(1991). Early Antiquity. Chicago .
35 . Flannery,K.V(1967). The Ecology of Early food productions in
Mesopotamia. Science ,Vol, 147.
36 . Gibson,M(1972).The City and area of Kish. Miami,Florida.
37 . Hritz, C.A (2005). Landscape and settlement in Southern
Mesopotamia: a geo-archaeological analysis. PhD Dissertation, University
of Chicago, Chicago.
38 . Helbaek, H (1960). Ecological Effects of Irrigation in Ancient
Mesopotamia .Iraq,Vol, 22.
39 . Herbert, E, Wright,J.R (1960). Climate and Prehistoric Man in the
Eastern Mediterranean. (In). Braidwood,R(ed). Prehistoric Investigations in
Iraqi Kurdistan. London.
40 . Hole, F(1994). Environmental instabilities and urban origins.(In).
Stein,G, Rothman,M. Madison(ed). Chiefdoms and early states in the Near
East: the organizational dynamics of complexity. USA.
41 . Hunt, R.C(1988). Hydraulic management in southern Mesopotamia
in Sumerian times. Bull Sumer Agric.
42 . Jacobsen,Th and Adams,R.M(1958). Salt and Silt in Ancient
Mesopotamian Agriculture. Science,Vol, 128.
43 . Jacobsen, Th(1969). A survey of the Girsu (Telloh) region. Sumer, vol,25.
‫السومريون‬ 25

44 . Jacobsen, Th(1960). The Waters of Ur. Iraq, Vol,22.


45 . Langdon, S(1915). Sumerian Epic of,the Flood and the fall of man.
Philadelphia.
46 . Larsen, C(1975). The Mesopotamian Delta Region: A Reconsideration
of Lees and Falcon. JAOS,Vol, 95.
47 . Larsen, C and Evans, G(1978). The Holocene Geological History of
the Tigris-Euphrates-Karun Delta.(In). Brice,W (ed).The Environmental
History of the Near and Middle East Since the Last Ice Age. London.
48 . Lees,G.M and Falcon, N.L(1952). The Geographical history of
Mesopotamian Plains. Geographical Journal,Vol, 118.
49 . Masry, A. H(1974). Prehistory in Northeastern Arabia: The Problem
of Interregional Interaction. Miami.
50 . Nissen,N.J(1988). The Early History of the Ancient Near East: 9000-
2000 B.C. Chicago.
51 . Nutzel, W(1975). The Formation of the Arabian Gulf from 14000 B.C.
Sumer,Vol, 31.
52 . Nutzel, W(1976). The Climate Changes of Mesopotamia and
Bordering areas 14000 To 2000 B . C . Sumer, Vol, 32.
53 . Oates,J(1973). The Background and Development of the early farming
communities in Mesopotamia and Zagros. Proceeding of the prehistory
society. Vol,39.
54 . Oates,D, Oates,J(1976). Early Irrigation Agriculture in Mesopotamia.
London.
55 . Pournelle, J.R(2013).Physical Geography of the Sumerian world.U.S.A.
26 ‫السومريون‬

56 . Postgate, J . N(1999). Early Mesopotamia. London.


57 . Redman, C. L( 1978). The Rise of Civilization. San Francisco.
58 . Rost,S(2017). Water management in Mesopotamia from the sixth till
the first millennium B.C. WIREs Water,Vol,4.
59 . Rothman,M(2001). The Local and Regional: An Introduction.(In).
Schwars, D.W (ed). Uruk Mesopotamia and its Neighbors .Oxford.
60 . Sanlaville, P(1998). Considérations Sur L’Évolution de la Basse
Mésopotamie au Cours des Derniers Millénaires. J.Paléorient,Vol.15.
61 . Snell, D. C(1997). Life in The Ancient Near East. Chicago.
62 . Stone,E (2005).Mesopotamian Cities and Countryside.(In). Snell,
D(ed) A Companion to the Ancient Near East .Oxford.
63 . Ur, J(2013). CORONA satellite imagery and ancient Near Eastern
landscapes. In: Comer DC, Harrower MJ,eds. Mapping Archaeological
Landscapes from Space.New York: Springer.
64 . Van Buren,E.D(1948). Fish offerings.Iraq,Vol,10,PT,2.
65 . Wright,H.E( 1968). Natural Environment of Early food production
North of Mesopotamia. Journal Science, New Series, Vol, 161.
66 . Zarins,J(1992).The Early Settlement of Southern Mesopotamia: A
Review of Recent Historical, Geological, and Archaeological Research.
Journal of the American Oriental Society, Vol, 112, No,1.
‫السومريون‬ ‫‪27‬‬

‫(‪)2‬‬
‫السومريون ‪ ...‬األصل والموطن‬

‫‪ 2-1‬متهيد‬
‫مل يــرك الســكان األوائــل يف منطقــة جنــوب بــاد الرافديــن كث ـرا ً‬
‫مــن الدالئــل يف الســجل األثــري‪ ،‬كــا أنــه ليــس هنــاك أيــة فكــرة عــن‬
‫مــن أيــن أتــوا؟؛ أو فيــا إذا كانــوا مجموعــة واحــدة مــن الوافديــن‪،‬‬
‫أو مجموعــات عــدة ؟‪ .‬إذ ليــس هنــاك أي دليــل عــن أصــول هــؤالء‬
‫الســكان األوائــل املفرتضــن‪ .‬فــإذا مــا اشــركت مجموعــات عــدة‪ ،‬فرمبــا‬
‫تدفقــوا إىل املنطقــة مــن اتجاهــات عــدة‪ -‬مــن شــال بــاد الرافديــن‪،‬‬
‫عــى ســبيل املثــال؛ مــن ســوريا؛ أو مــن ايــران؛ أو شــواطئ شــبه‬
‫الجزيــرة العربيــة‪ .‬ومــن املمكــن أنهــم انجذبــوا جميع ـاً نحــو الحيــاة‬
‫الربيــة الوفــرة يف هــذه املنطقــة‪.‬‬
‫وقــد كان هنــاك كثــر مــن الجــدل‪ ،‬عــى مــ ّر الســنني‪ ،‬حــول‬
‫متــى وصــل الســومريون إىل بــاد الرافديــن‪ .‬فهنــاك اســتمرارية كبــرة‬
‫يف الثقافــة املاديــة للجنــوب مــن أواخــر األلفيــة الخامســة قبــل‬
‫امليــاد وحتــى نهايــة األلفيــة الرابعــة قبــل امليــاد‪ ،‬ورمبــا تشــر هــذه‬
‫االســتمرارية إىل أن الســومريني كانــوا موجوديــن منــذ زمــن املســتوطنني‬
‫األوائــل‪ ،‬ولكــن بعــض الباحثــن افرتضــوا أن الســومريني كانــوا غربــاء عن‬
‫بــاد الرافديــن‪ ،‬وإن كانــوا قــد أسســوا حضارتــه واخرتعــوا كتابتــه األوىل‪،‬‬
‫‪28‬‬ ‫السومريون‬

‫ولكــن املشــكلة املتعلقــة بهــم هــي املــكان الــذي جــاءوا منــه إىل هــذه‬
‫البــاد‪ ،‬إذ يبقــى هــذا املوطــن األصــي أم ـرا ً غامض ـاً ومجهــوالً لعــدم‬
‫وجــود دليــل لغــوي أو أثــر حاســم بــأي موضــع مــن العــامل القديــم‪.‬‬
‫لقــد كان البابليــون واآلشــوريون مــن الشــعوب املعروفــة لــدى املؤرخــن‬
‫الغربيــن‪ ،‬إذ وردت أســاء عــدد مــن حكّامهــم يف الكتــاب املقــدس؛ التــوراة‬
‫بعهديــه القديــم والجديــد‪ .‬يف حــن أن مســألة الســكان األقــدم يف جنــوب‬
‫بــاد الرافديــن كان قضيــة أخــرى‪ ،‬وإن اإلشــارة إىل أرض(شــنعار) يف أســفار‬
‫التكويــن‪ ،‬واشــعيا‪ ،‬ودانيــال قــد عــدت مطابقــة تقليدي ـاً ﻟ( ســومر)‪ ،‬عــى‬
‫اف ـراض طبيعــي أن بابــل واوروك وأكــد كانــت كــا قيــل يف شنعار(ســفر‬
‫التكويــن ‪ ،)10/10‬كــا كان بــرج بابــل (التكويــن ‪ .) 2/11‬وقــد تبــن حديث ـاً‬
‫أن شــنعار ليســت مشــتقة من(ســومر) بــل من(شــنهارا) االســم الــذي أطلقــه‬
‫الســكان القانطــن غــريب الف ـرات عــى بــاد بابــل يف العــر الكــي(‪-1595‬‬
‫‪1155‬ق‪.‬م)‪ .‬ومل يكــن الســومريني معروفــن معرفــة تامــة تقريب ـاً يف الغــرب‬
‫حتــى جــرت االكتشــافات الكبــرة يف(تلــو)‪ ،‬وهــي جــزء مــن مدينــة (لگــش)‬
‫الشــهرية‪ ،‬وكشــف فيهــا عــن أول األدلــة عــى وجــود الســومريني‪ ،‬إذ احتــوت‬
‫النصــوص عــى لقب ـاً ملكي ـاً هو(ملــك ســومر وأكــد)‪ ،‬مــا جعــل الباحــث‬
‫(جــول أوبــرت) يقــرح عــام ‪1869‬م أن شــعباً قدمي ـاً ســاه (الســومري) ال‬
‫يتكلــم لغــة ســامية عــاش يف جنــوب بــاد الرافديــن‪ .‬ومــا أن أُكتشــف هــذا‬
‫الشــعب حتــى بــدأت عمليــة البحــث عــن أصولــه‪ ،‬ويف أواخــر القــرن التاســع‬
‫عــر أطلــق الباحــث (هلربيخــت) رأيـاً مفــاده أن الســومريني أقــدم ســكان‬
‫بــاد جنــوب الرافديــن مقابــل الســاميني (الغـزاة)‪ ،‬ومــع عــدم واقعيــة هــذا‬
‫الــرأي إال أنــه ألقــى ضــوءا ٌ مهـاً عــى هــذه القضيــة‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪29‬‬

‫عــرف موطــن الســومريني باســم(يك‪ -‬إن‪ -‬گــي= ‪ )KI-EN-GI‬التــي‬


‫تعنــي أرض ســيد القصــب‪ ،‬وإن كان هنــاك مــن الباحثــن مــن يــرى أن‬
‫أصــل االســم جــاء مــن كلمــة (يك= ‪ )KI‬واســم اإللــه (أنــي= ‪)Enki‬‬
‫فتصبــح أرض أو بــاد أنــي‪ ،‬يف حــن يعتقــد باحثــون آخــرون أن مصطلح‬
‫(يك‪ -‬إن‪ -‬گــي=‪ )KI-EN-GI‬رمبــا يكــون اســم قديــم ملدينــة نفــر كونهــا‬
‫مــن أقــدم املــدن الســومرية‪ .‬وأطلــق عــى موطنهــم باللغــة األكديــة‬
‫(مــات شــومرييم= ‪ ،)mat sumerim‬وهــي تســمية تقابــل مصطلــح‬
‫(‪ )KA-LAM‬الســومري الــذي يعنــي بــاد الســومريني‪.‬‬

‫‪ 2-2‬آراء يف أصل السومريني‬


‫كانــت عمليــة متابعــة تاريــخ دخــول الســومريني إىل القســم الجنــويب‬
‫ومســألة كونهــم أو عــدم كونهــم أول ســكان املنطقــة محور اتصــال لتبادل‬
‫اآلراء يف مؤمتــر عقــد عــام ‪1931‬م يف مدينــة ليــدن الهولنديــة‪ .‬وقــد بــدأ‬
‫بحــث اآلثاري(هــري فرانكفــورت) مبراجعــة الحقبــة التاريخيــة املعروفــة‬
‫بعــر الســاالت املبكــرة (‪ 2350 - 2900‬ق‪.‬م‪ ).‬التــي بــدأت فيهــا هيمنــة‬
‫األقــوام الســومرية وانتــرت لغتهــم يف اثناءهــا‪ ،‬وحــن رجــع إىل العــر‬
‫األقــدم جمــدة نــر وجــد أن مالمــح الوجــوه البرشيــة عــى األعــال‬
‫الفنيــة‪ :‬نحــت‪ ،‬وأختــام‪ ،‬ومتاثيــل ال ميكــن متيزهــا عــن الحقبــة الالحقــة‪،‬‬
‫عــر الســاالت املبكــرة‪ ،‬لــذا فهــي ســومرية‪ ،‬كــا أنــه درس النصــوص‬
‫الكتابيــة شــبه الصوريــة مــن جمــدة نــر‪ ،‬ومــن الــدور الثالــث مــن‬
‫الــوركاء ووجدهــا ســومرية كذلــك‪ ،‬وهكــذا حــاول إثبــات حالــة التواصــل‬
‫يف ســكان جنــوب بــاد الرافديــن بــن عــري الســاالت املبكــرة وجمــدة‬
‫‪30‬‬ ‫السومريون‬

‫نــر‪ ،‬وفعــل األمــر ذاتــه مــع أدلــة مــن عــر الــوركاء (‪3100-3800‬ق‪.‬م‪،).‬‬
‫إذ ركــز عــى التامثيــل البرشيــة‪ ،‬وال ســيام الرجاليــة فدهــش للتشــابه‬
‫بــن التنــورات الطويلــة‪ ،‬واللحــى‪ ،‬والشــفاه العليــا‪ ،‬وعقــدة الشــعر خلــف‬
‫الــرأس‪ ،‬والحــظ التواصــل يف اســتعامل األختــام األســطوانية واملنبســطة‪،‬‬
‫ويف عــارة اللــن كذلــك‪ ،‬وأســتنتج أن هــذا التطابــق كان كافيـاً إلثبــات أن‬
‫الســومريني كانــوا يف جنــوب بــاد الرافديــن يف أثنــاء عــر الــوركاء‪ .‬وقــال‬
‫أن وصــول الســومريني إىل بــاد الرافديــن كان يف أواخــر عــر العبيــد أو‬
‫أوائــل عــر الــوركاء‪.‬‬
‫وحــاول الباحــث األملــاين هارمتــوت شــموكل أنتهــاج االســلوب‬
‫األنرثوبولوجــي عــن طريــق عــرض التفاصيــل الجســمية لألقوام الســومرية‬
‫بوســاطة اســتقراء املنحوتــات واملســات واألختــام وغريهــا مــن البقايــا‬
‫الفنيــة‪ ،‬ووصفهــم بأنهــم ‪ (:‬أنــاس ذوي جامجــم صغــرة وعريضــة وأنــوف‬
‫بــارزة‪ ،‬لكنهــا مســتقيمة‪ ،‬وأفــواه صغــرة وشــفاه دقيقــة‪ ،‬وفكــوك ســفىل‬
‫صغــرة وجبهــات ليســت عاليــة وبنيــة متينــة وعريضــة)‪.‬‬
‫ونشــر يف هــذا الســياق إىل رأي األســتاذ طــه باقــر يف مــا يتعلــق‬
‫بنســب صفــات جســانية للســومريني كــا فعــل فرانكفــورت وشــموكل‬
‫اعتــادا ً عــى التامثيــل واملشــاهد الفنيــة‪ ،‬إذ قــال أن مــا يبــدو مــن‬
‫مالمــح عــى التامثيــل اآلدميــة كان أمـرا ً تتحكــم فيــه األســاليب والطــرز‬
‫الفنيــة املتبعــة يف النحــت بالدرجــة األوىل‪ ،‬وأن مــا يظهــر مــن هيئــات‬
‫وســحن عــى تلــك التامثيــل لألفـراد ال ميثــل يف الواقــع فروقـاً أو ميـزات‬
‫قوميــة خاصــة بالســومريني أو األكديــن‪ ،‬وإمنــا هــي أزيــاء خاصــة مبقــام‬
‫الشــخص املمثــل عــى هــذه األعــال الفنيــة‪ .‬ويعــزز هــذا الــرأي أن‬
‫السومريون‬ ‫‪31‬‬

‫املالمــح والســات التــي درج الباحثــون عزوهــا إىل متاثيــل الســومريني‬


‫ظاهــرة أيضــاً يف متاثيــل األشــخاص يف مناطــق بعيــدة عــن املنطقــة‬
‫املفرتضــة للســومريني مثــل؛ ماري(تــل الحريــري يف ســورية)‪ .‬ونجــد‪،‬‬
‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬أن التامثيــل املنســوبة إىل الســومريني مــن عــر‬
‫الســاالت املبكــرة تختلــف يف أشــكالها عــن التامثيــل الشــهرية لألمــر‬
‫گوديــا الســومري الــذي عــاش يف املــدة (‪ 2122-2141‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫واعتمــد هــري فرانكفــورت عــى مطابقــات الباحث املعــاري (والرت‬
‫اندريــه) الــذي أورد تشــابهات بــن أقــدم مبــاين العبيــد يف أور وعنــارص‬
‫مــن الـراث العــاري الســومري والبابــي املتأخــر‪ .‬وكتــب فرانكفــورت‪:‬‬
‫(مبــا أننــا وجدنــا أنهــم ســومريون يف عــر الســاالت املبكــرة فيجــب‬
‫أن نعدهــم ســومريني يف الحقــب األســبق أيضــاً)‪ .‬ثــم ختــم دراســته‬
‫بالقــول‪( :‬إن الســومريني مل يكونــوا فقــط املؤسســن الرئيســيني لحضــارة‬
‫الرافديــن لكنهــم أيضـاً مــن أقــدم القاطنــن فيــه)‪.‬‬
‫وقــد طــور الباحــث (بينــو الندزبريكــر) فرضيــة زميلــه الباحــث (إي‬
‫– ســبايزر) الــذي قــال أن بعــض أقــدم املســتوطنات يف جنــوب بــاد‬
‫الرافديــن التــي تشــهد عليهــا املصــادر املســارية تحمــل أســاءا ً غــر‬
‫ســومرية‪ .‬وبنــى فرضيتــه عــى أســاس تحليــل لغــوي وأســتنتج أن وجــود‬
‫األســاء غــر الســومرية التــي ســبق أن أرش بعضهــا زميلــه ســبايزر‬
‫دليــل عــى إقامــة نــاس غــر ســومريني يف الســهل الرســويب‪ ،‬وأنهــم‬
‫كانــوا يســبقون تاريخي ـاً دخــول الســومريني يف املنطقــة‪ .‬فتبنــى (بينــو‬
‫الندزبريكــر) هــذه الفرضيــة يف تشــخيص كثــر مــن أســاء املســتوطنات‬
‫املهمــة يف جنــوب بــاد الرافديــن؛ ومنهــا أور‪ ،‬وأريــدو‪ ،‬واوروك‪ ،‬وكُالب‪،‬‬
‫‪32‬‬ ‫السومريون‬

‫والرســا‪ ،‬وأدب‪ ،‬ونفر(نيــرو)‪ ،‬ورشوبــاك‪ ،‬ولگــش‪ ،‬وگرســو‪ ،‬و َمرد‪ ،‬وإيســن‪،‬‬


‫وكيــش‪ ،‬ولــرك‪ ،‬وأشــنونا‪ ،‬كــوىث‪ ،‬وأكشــاك‪ ،‬وتوتــب‪ ،‬وأكــد‪ ،‬وســبار‪ ،‬وبابل‪،‬‬
‫عــى أنهــا أســاء غــر ســومرية‪ .‬وذهــب إىل أبعــد مــن ذلــك وادعــى أن‬
‫كثـرا ً مــن املصطلحــات الثقافية الشــائعة وكلــات ذات دالالت حضارية‬
‫مهمــة منهــا املهــن والصناعــات؛ مثــل فــاح (إينــگار=‪ ،)engar‬وراعــي‬
‫(اودول=‪ ،)udul‬و(نــگار=‪ ، )ngar‬ونحــاس (تبــرا=‪ ،)Tibira‬وحــداد‬
‫(ســيموگ=‪ ،)Simug‬وفخار(بخــار=‪ ،)Pakhar‬واســمي نهــري دجلــة‬
‫والف ـرات‪ ،‬فض ـاً عــن مفــردات أخــرى عديــدة كانــت غــر ســومرية‪،‬‬
‫وأطلــق عــى املتكلمــن بهــذه اللغــة األساســية االفرتاضيــة التــي تنتمــي‬
‫إليهــا هــذه الكلــات اســم الفراتيــن األوائــل(‪.)Proto-Euphrateas‬‬
‫وقــد أقــر هــذا الباحــث أن هنــاك أقوام ـاً ســبقت الســومريني يف بــاد‬
‫الرافديــن‪ ،‬وأنهــم أنشــئوا حضــارة متقدمــة‪ ،‬إال أنهــا توقفــت لســبب‬
‫غــر معــروف‪ ،‬فجــاء بعدهــم الســومريون‪ ،‬واســتأنفوا مســرة الحضــارة‬
‫عــى وفــق رؤيتهــم ومــن منطلــق إبداعاتهــم‪ .‬ويعتقــد أن عــر‬
‫ال ُعــــبيد‪ ،‬أول األدوار الحضاريــة يف الســهل الرســويب‪ ،‬يقــرن بشــعب‬
‫ال ميــت بصلــة إىل الســومريني‪ .‬ويعتقــد الســيد گليــب أن هنــاك فــرة‬
‫انقطــاع حضــاري ســبقت دخــول الســومريني‪ ،‬وقــد أشــار إىل مجموعــة‬
‫مــن املــدن التــي أعتقــد أنهــا ال تحمــل أســاء ســومرية لكنهــا دخلــت‬
‫يف اللغــة الســومرية نتيجــة للتغيـرات الصوتيــة الجذريــة التــي طــرأت‬
‫عــى تلــك األســاء مبــرور الزمــن‪.‬‬
‫وعلــق األســتاذ فاضــل عبــد الواحــد عــي عــى رأي الندزبريكــر‬
‫بالقــول أن األدلــة اللغويــة تشــكل صعوبــة كبــرة يف البحــث‪ ،‬إذ أن اللغــة‬
‫السومريون‬ ‫‪33‬‬

‫الســومرية لغــة صعبــة ومعقــدة وتشــكل لغـرا ً يعصــب حــل طالســمه‪،‬‬


‫وفيــا يتعلــق بأســاء الحــرف واملهــن التــي حددهــا الباحــث فإنــه مل‬
‫يكــن دقيقـاً يف بعــض قـراءة األســاء مثــل‪ :‬راعــي‪ ،‬وتاجــر‪ ،‬وصيــاد‪ ،‬والتي‬
‫أتضــح فيــا بعــد أنهــا كلــات ســومرية خالصــة‪ .‬وينطبــق األمــر ذاتــه‬
‫عــى أســاء املــدن التــي أعتقــد الندزبريكــر أنهــا ليســت ســومرية‪ ،‬إذ ال‬
‫يوجــد مــا يؤيــد ويدعــم هــذا الــرأي‪ ،‬إذ رمبــا كانــت اللغــة الســومرية‬
‫لغــة محكيــة ومتداولــة قبــل زمــن تدوينهــا بحــدود ‪ 3500‬ق‪.‬م‪ ،‬لــذا‬
‫رمبــا اســتعارت بعــض أســاء هــذه املــدن مــن لغــات أخــرى بحكــم‬
‫الجــوار والعالقــات التجاريــة والثقافيــة‪ ،‬فمثـاً قــد ظهــرت أســاء بعــض‬
‫األشــجار والنباتــات الجبليــة غــر املوجــودة يف بــاد ســومر‪ ،‬لــذا يحتمــل‬
‫أنهــا قــد أُســتعريت مــن مناطقهــا األصليــة‪.‬‬
‫وأقــر الباحــث (أنطــون مورتــكات) عــام ‪ 1945‬بوجــود فجــوة بــن‬
‫عــري العبيــد والــوركاء يف نشــاط الســومريني غــر أنــه كان شــديد‬
‫الحــذر يف مالحظــة هــل كانــوا آنــذاك موجوديــن يف حقبــة الــوركاء‪،‬‬
‫أم أنهــم جــاءوا مــن الخــارج ؟‪ .‬ســؤال مل يكــن ممكنــاً اإلجابــة عنــه‬
‫عــى أســاس األدلــة املتاحــة آنــذاك‪ .‬وقــد تحاىش(أنطــون مورتــكات)‬
‫الســر عــى خطــى (فرانكفــورت وشــموكل) ألن الدليــل االنرثبولوجــي‬
‫بحســب رأيــه غــر قابــل لالســتعامل‪ ،‬إذ صنــف االنرثوبولوجــن جامجــم‬
‫الســومريني عــى أنهــا مــن النــوع مســتطيل الــرأس‪ ،‬يف حــن أن هــذا‬
‫يناقــض بشــدة النمــط املعــروف يف النحــت الســومري‪ ،‬لــذا ال ميكــن‬
‫ألحــد أن يتأكــد أن كانــت الهيــاكل املدروســة هــي لســومريني حقيقيــن‬
‫أم لســكان ثانويــن أســبق يف املنطقــة‪ .‬وأســتنتج أن البحــث عــن أصــول‬
‫‪34‬‬ ‫السومريون‬

‫وتاريــخ أقــدم الســكان الســومريني ذا أهميــة عظمــى بطبيعيــة الحــال‬


‫إال أنــه مــن غــر املحتمــل حــل هــذه املشــكلة‪.‬‬
‫وأدىل يف ســتينيات القــرن املــايض اللغــوي الكبــر(آدم فلنكنشــتاين)‬
‫بدلــوه يف هــذا املوضــوع‪ ،‬ومــع أنــه تجنــب مســألة زمــان ومــكان ظهــور‬
‫الســومريني أال أنــه أكــد أنهــم مل يكونــوا أول شــعب ســكن املنطقــة‬
‫مــع تأكيــده عــى أنهــم خالقــي أول حضــارة يف املنطقــة‪ .‬ويتفــق معــه‬
‫عــامل الســومريات الشــهري األمريــي (صاموئيــل نــوح كرميــر) بالقــول‪:‬‬
‫(مــن املؤكــد أن أوائــل املســتوطنني يف ســومر مل يكونــوا ســومريني)‪ ،‬كــا‬
‫أنــه عــن بقــوة هويــة الفراتيــن األوائــل لدى(الندزبريكــر) عــى أنهــا‬
‫مطابقــة لســكان بــاد جنــوب بــاد الرافديــن يف عــر العبيــد‪ ،‬وأعتقــد‬
‫أن الســومريني وصلــوا يف وقــت مــا يف النصــف الثــاين مــن األلــف الرابــع‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬أي يف أواخــر عــر الــوركاء مــن نحــو ‪ 3100 - 3400‬ق‪.‬م‪ ،‬حــن‬
‫ظهــرت الكتابــة ألول مــرة‪.‬‬

‫‪ 2-3‬املوطن األصيل للسومريني‬


‫اختلــف الباحثــون حــول املوطــن األصــي للســومريني أو الطريــق‬
‫الــذي ســلكوه‪ ،‬إذ ال توجــد دالئــل ثابتــة حتــى اآلن‪ ،‬فمنهــم مــن يقــول‬
‫أن الســومريني وفــدوا مــن الجنــوب مــن إيـران‪ ،‬أو بالقــرب مــن شــال‬
‫إفريقيــا عــر فلســطني وســوريا‪ ،‬أو مــن مناطــق القوقــاز وأرمينيــا يف‬
‫الشــال مخرتقــن أرض الجزيــرة التــي يحيــط بهــا النهـران‪ ،‬ومنهــم مــن‬
‫يقــول أنهــم وفــدوا مــن موطنهــم األصــي يف جنــوب الهنــد‪ .‬وتجاهــل‬
‫بعــض الباحثــن هــذه القضيــة وأشــاروا إىل أنهــم أقــوام هاجــرت إىل‬
‫السومريون‬ ‫‪35‬‬

‫بــاد الرافديــن مــن عصــور قبــل التاريــخ‪ ،‬وهــو نــوع مــن إقـرار منهــم‬
‫بصعوبــة املهمــة‪ ،‬وأن األدلــة األثريــة قليلــة وناقصــة‪.‬‬
‫فقــد أعتقــد كرميــر أن موطــن الســومريني يجــب البحــث عنــه يف‬
‫مــكان مــا يف قــرب بحــر قزويــن‪ ،‬إذ يــرى أنهــم مــن بــدو هــذه املنطقــة‬
‫الذيــن هاجــروا إىل مناطــق غــرب إيـران يف عــر العبيــد‪ ،‬أو أوائــل عــر‬
‫الــوركاء‪ ،‬وتبنــوا حضــارة النهريــن التــي يعتقــد أنهــا كانــت تتجــاوز يف‬
‫انتشــارها حــدود إيـران‪ .‬فوظفــوا مــا حصلــوا عليــه مــن هــذه الحضــارة‬
‫مــع مــا اتصفــوا بــه مــن رشــاقة بدويــة‪ ،‬وحــدث كل هــذا يف الربــع األخــر‬
‫مــن األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ ،‬عندمــا تســللوا واحتلــوا مــدن الجنــوب الرافديني‬
‫بالتتابــع يف عــر الــوركاء‪ ،‬وعملــوا عــى توحيــد الــرؤى واملفاهيــم‬
‫الحضاريــة يف مطلــع العــر املعــروف بعــر الســاالت املبكــرة (‪2900‬‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬وهــو العــر املعــروف بعــر البطولــة والفروســية الســومرية‬
‫الــذي متثــل بظهــور القــادة األبطــال ممــن حاولــوا تبنــي نهــج الزعامــات‬
‫املنفــردة‪ ،‬وال ســيام وأنهــم كانــوا يف مواجهــة الهجـرات والزحوف الســامية‬
‫القادمــة مــن أطـراف البــاد‪ .‬وقــد اســتقر وأنصهــر الســومريون بحضــارة‬
‫وثقافــة مــن ســبقهم يف هــذه البقعــة الخالــدة ونتــج عــن هــذا االنصهــار‬
‫العــر الســومري الذهبــي‪ .‬ورمبــا أعتمــد يف رأيــه هــذا عــى مــا ورد يف‬
‫األدب امللحمــي عــن صلتهــم مبدينــة أرتّــا‪ ،‬وهــي مدينــة تقــع يف غــرب‬
‫إيــران‪ ،‬وإن كان موقعهــا غــر معــروف إىل اآلن‪ ،‬فضــاً عــن أن لغتهــم‬
‫املقطعيــة رمبــا تــؤرش صلــة مبناطــق بحــر قزويــن‪.‬‬
‫وال تنســب اللغــة الســومرية إىل اللغــات املعروفــة؛ الســامية‪،‬‬
‫والحاميــة‪ ،‬والهندو‪-‬أوربيــة‪ ،‬كــا أنهــا ال تتصــل بأيــة لغــة أخــرى‬
‫‪36‬‬ ‫السومريون‬

‫معروفــة مثــل‪ :‬الصينيــة‪ ،‬والتبتيــة‪ ،‬واملجريــة‪ ،‬والدرافيديــة‪ ،‬واللغــات‬


‫األفريقيــة‪ ،‬واألمريكيــة‪ .‬وقــد أثبــت الباحــث جــول أوبــرت يف البدايــة‬
‫أن هــذه اللغــة ليســت مــن اللغــات الســامية‪ ،‬وإن كان عاج ـزا ً وليــس‬
‫لديــه مــا يقولــه عــن أصــل هــذه اللغــة‪ ،‬وهــو موضــوع يرتبــط بأصــول‬
‫الســومريني الــذي يشــكل أكــر األحاجــي للباحثــن والدارســن يف هــذا‬
‫الشــأن‪ .‬وكان أوبــرت قــد ســاوره الشــك يف البدايــة فيــا يتعلــق بالخــط‬
‫املســاري البابــي مــن ناحيــة الشــكل وطريقــة الكتابــة‪ ،‬وكان يــرى‬
‫أنهــا ال متثــل بدايــة التطــور‪ ،‬وميكــن عــد هــذه الكتابــة املســارية‬
‫نتيجــة نهائيــة وليســت دلي ـاً عــى بدايــة ملموســة‪ .‬لــذا عمــل عــى‬
‫إيجــاد حلقــة الوصــل التــي تكــون بــن أصحــاب هــذا الخــط املســاري‬
‫واألقــوام التــي ســبقتهم وليــس لديهــم كتابــة‪ .‬ومــع أنــه مل ميتلــك دليـاً‬
‫إال أنــه حفــز البحــث والنقــاش العلمــي يف هــذا املوضــوع الدقيــق‪.‬‬
‫وقدمــت الكتابــات التــي عــر عليهــا يف أثنــاء التنقيبــات يف مدينــة لگــش‬
‫الدليــل إىل أوبــرت ليتحــدث عــن اللغــة الســومرية والشــعب الســومري‪.‬‬
‫وقــد متيــزت اللغة الســومرية أنهــا لغــة التصاقيــة(‪،)agglutinative‬‬
‫مقطعيــة رمزيــة وليســت مترصفــة (‪)inflected‬مثــل‪ :‬اللغــات الســامية‪،‬‬
‫والهند‪-‬أوربيــة‪ ،‬وتشــبه يف الرتكيــب اللغــة الرتكيــة ومجموعــة اللغــات‬
‫الفنلندية‪-‬األوجرية(نســبة إىل جبــال األورال والتــاي)‪ ،‬وبعــض اللغــات‬
‫القوقازيــة‪ ،‬إال أنهــا كانــت لغــة مســتقلة مــن ناحيــة املفــردات والنحــو‬
‫وال يبــدو أنهــا تتصــل بأيــة لغــة أخــرى حيــة أم ميتــة‪ .‬فهــي ليســت لغــة‬
‫اشــتقاقية مثــل اللغــات الســامية مث ـاً‪ ،‬وتقــوم الكلــات فيهــا بدمــج‬
‫مفردتــن أو أكــر لينتجــا كلمــة واحــدة‪ ،‬كــا هــو الحــال مــع كلمــة‬
‫السومريون‬ ‫‪37‬‬

‫ملك(لــوگال) التــي ترتكــب مــن مفردتــن هــا‪( :‬لــو) وتعنــي رجــل‪،‬‬


‫و(گال) وتعنــي العظيــم‪.‬‬
‫ويعتقــد عــدد مــن العلــاء أن املفــردات الســومرية تتكــون مــن‬
‫طبقتــن مختلفتــن؛ الســومرية نفســها مــع عــدد مــن الكلــات الداخليــة‬
‫املقرتضــة مــن لغــة أخــرى مل تحــدد بعــد‪ ،‬ويفــرض أنهــا لغــة شــعب‬
‫محــي ســبق الســومريني(الفراتيون األوائــل) كــا أرشنــا‪ .‬ويعتقــد أن‬
‫األلــواح الكتابيــة القدميــة مــن عــر الــوركاء الرابــع تعــود إىل هــذه‬
‫اللغــة‪ ،‬وعليــه فــإن الســومريني رمبــا اقتبســوا لغتهــم ونظامهــم الكتــايب‬
‫مــن مجموعــة لغويــة أخــرى‪ .‬وتقــول الباحثــة (جــن اوتــس) وبتقييــم‬
‫حــذر‪ :‬مــع أننــا نفــرض عــى نحــو معقــول أن ســكان بــاد الرافديــن‬
‫يف عصــور قبــل التاريــخ كانــوا مــن عنــارص مختلفــة إال أنــه ال توجــد‬
‫لحــد اآلن أدلــة قاطعــه تثبــت وجــود طبقــة لغويــة ســبقت الســومريني‬
‫نظريـاً‪ ،‬وتســتمر بالحديــث أن مصطلــح (ســومري) يســتعمل يف الحديث‬
‫عــن العصــور التاريخيــة مبعنــى حضــاري لوصــف ســكان ذوي عنــارص‬
‫لغويــة مختلطــة‪ .‬أن اســتحالة تحديــد االنتــاء اللغــوي تحديــدا ً قاطعـاً‬
‫أليــة مجموعــة مــن عصــور قبــل التاريــخ أم ـرا ً بديهي ـاً‪ ،‬وإن كان هنــاك‬
‫ســبب يــزداد قبــوالً لالعتقــاد أن الســومريني كانــوا جــزءا ً مــن الســكان‬
‫األصليــن عــى األقــل‪ .‬وتشــر البيانــات األثريــة إىل درجــة واضحــة مــن‬
‫االســتمرارية منــذ أقــدم املســتوطنات الزراعيــة يف ســومر إىل ذلــك العرص‬
‫الــذي ميكــن فيــه تحديــد اللغــة املدونــة بوصفهــا ســومرية‪ ،‬وهكــذا‬
‫يصبــح مــن املؤكــد وجــود شــعب كبــر ناطــق باللغــة الســومرية‪ .‬وال‬
‫توجــد يف أيــة حقبــة زمنيــة أدلــة مقنعــة بحــدوث (غــزو) مــن شــعب‬
‫‪38‬‬ ‫السومريون‬

‫جديــد‪ ،‬كــا أنــه ال ميكــن أن نحــدد وطــن افـرايض قــدم منه الســومريني‬
‫بلغتهــم وحضارتهــم الفريدتــن‪ ،‬وتعــد هــذه حجــة أقــوى‪ .‬يف حــن يفتقر‬
‫رأي علــاء اللغــة القائــل أن الشــعب العبيــدي ليــس ســومرياً إىل الصحــة‬
‫ألن انتشــار ســات حضاريــة جديــدة ال يتطلــب هجــرة جديــدة للنــاس‪،‬‬
‫وعــاوة عــى ذلــك تبــن املعلومــات األثريــة مــن دون أي شــك أن موطن‬
‫شــعب العبيــد كان يف ســومر عــى وجــه الدقــة يف املنطقــة التــي ارتبطت‬
‫ارتباطـاً وثيقـاً بالســومريني‪ ،‬يف حــن أظهــرت التنقيبــات يف شــال ســوريا‬
‫مؤخـرا ً أن الحضــارة الســومرية انتــرت مثــل الحضــارة العبيديــة شــاالً‬
‫إىل معظــم الشــعوب املعــارصة نحــو الشــال والجنــوب والــرق‪ ،‬ورمبــا‬
‫كان ســكان ســومر يف نحــو ‪ 5000‬ق‪.‬م‪ ،‬متنوعــن لغويــاً‪ ،‬وإن يبقــى‬
‫االف ـراض القــوي أن اللغــة الســومرية كانــت هــي الغالبــة‪.‬‬
‫ويخلــص هــاري ســاكز مؤلــف كتــاب عظمــة بابــل إىل القــول‪:‬‬
‫(أنــه مهــا كان املــكان الــذي جــاءوا منــه أوالً‪ ،‬فإنــه مل يكــن بــاد‬
‫ســومر)‪ .‬وتحــدى بعــض الباحثــن هــذا االفــراض إال أنهــم مل يقدمــوا‬
‫أدلــة مقنعــة ملــا أدعــوا‪.‬‬
‫وفيــا يتعلــق باالتجــاه الــذي جــاءوا منــه فهنــاك مــن يقــول أنهــم‬
‫جــاءوا مــن الخليــج‪ ،‬وهــو مــا يتفــق مــع بعــض األفــكار الســومرية؛ ومنهــا‬
‫أن اإللــه أنــي الســومري كان إلــه ميــاه وهــو الــه محــي يف مدينــة أريــدو‬
‫التــي تقــع عــى ضفــاف خــور متفــرع عــن الخليــج‪ ،‬وقــد ذكــرت عــى أنها‬
‫واحــدة مــن أقــدم مواطــن االســتيطان يف الجنــوب‪ .‬وهنــاك مــن يــرى أن‬
‫دملــون‪ ،‬رمبــا جزيــرة البحريــن‪ ،‬متثــل أقــدم مســتوطن لهــم يســبق أريــدو‪،‬‬
‫وهــذا يــدل عــى أنهــم دخلــوا عــن طريــق الخليــج‪ .‬وهنــاك رأي آخــر‬
‫السومريون‬ ‫‪39‬‬

‫مفــاده أن الســومريني جــاءوا إىل جنــوب بــاد الرافديــن مــن الــرق أو‬
‫الشــال الرشقــي وقــد مــروا بأرمينيــا وإيـران‪ .‬بقــدر تعلــق األمــر بأرمينــا‬
‫فيبــدو األمــر مســتبعدا ً‪ ،‬إذ مــن غــر املعقــول والواقعــي أن يتجــاوزوا بيئــة‬
‫مالمئــة يف شــال العـراق وميضــوا بعيــدا ً إىل الجنوب ويســكنوا بيئة قاســية‬
‫جــرداء تتطلــب عمليــة اإلقامــة فيهــا جهــودا ً خارقــة للعــادة‪ .‬يف حــن أن‬
‫الصلــة مــع بــاد عيــام‪ ،‬رمبــا تتعــزز عــن طريــق املآثــر األدبيــة القدميــة‪،‬‬
‫وال ســيام املالحــم التــي تؤكــد العالقــات الثقافيــة بــن ســومر وعيــام يف‬
‫أواخــر عصــور قبــل التاريــخ‪ ،‬ومــن ثــم يف العصــور التاريخيــة كــا أوردنــا‬
‫ذلــك حــن عــرض رأي الباحــث كرميــر‪ .‬لــذا أُفــرض بعــض الباحثــن أن‬
‫عيــام هــي املوطــن األول لهــم‪ ،‬ورأوا أن الزقــورة يف الديانــة الســومرية‬
‫دليـاً عــى أن املوطــن األول للســومريني كان يف منطقــة جبليــة‪ ،‬وال ســيام‬
‫أنهــم يســتعملون يف لغتهــم لفظــة (كـــــور= ‪ )kur‬مبعنــى جبــل أو بــاد؛‬
‫وأن الجبــل مــن املظاهــر الطبيعيــة غــر املتوفــرة يف بيئــة الســومريني يف‬
‫جنــوب بــاد الرافديــن‪ .‬ولكــن هــذا األســلوب يف املناقشــة مشــكوك فيــه‬
‫ألن الزقــورة التــي متثــل الجبــل الكــوين مل تكــن مرتبطــة مبنطقــة معينــة‬
‫بــل بعلــم الكونيــات الــذي كان موجــودا ً يف العــامل القديــم مــع اختالفــات‬
‫متباينــة مــن مــر إىل الصــن‪.‬‬
‫وهنــاك مــن حــاول ربــط املوطــن األصــي للســومريني ببــاد وادي‬
‫الســند يف جنــوب بلوجســتان‪ ،‬ومــن املحتمــل أن تكــون هنــاك عالقــة بــن‬
‫حضــارة أقــوام وادي الســند (خرابــا) الذيــن مل تحــل رمــوز كتاباتهــم وبــن‬
‫األقــوام الســابقة لألقــوام الدرافيديــة‪ ،‬والهندو‪-‬أوربيــة املوجــودة حاليـاً يف‬
‫جنــوب الهنــد‪ .‬وتعــد النظريــة التــي تقــول بوجــود عالقــة عرقيــة حقيقية‬
‫‪40‬‬ ‫السومريون‬

‫بــن الســومريني وبــن أقــوام (خرابــا) ذات جاذبيــة خاصــة ألولئــك الذيــن‬
‫يحاولــون أن يجــدوا صلــة لغويــة بــن الســومرية واللغــة الدرافيديــة‪.‬‬
‫ومــع وجــود دالئــل قويــة عــى شــكل طــرز فنيــة وأشــياء ماديــة خاصــة‬
‫بإحــدى الحضــارات وجــدت يف مواقــع األخــرى‪ ،‬والعالقــات التجاريــة يف‬
‫األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬بــن الســومريني وأقــوام وادي الســند أو بلوجســتان‪،‬‬
‫فضــاً عــن ذلــك فقــد وجــد متثيــل مناظــر طقوســية تتضمــن الثــور‬
‫الهنــدي ذا الحدبــة يف كلٍ مــن أور وسوســة‪ .‬ووجــدت نظريــة تقــول‬
‫بالعالقــة بــن الســومريني والدرافيديــن عــن طريــق أدلــة مــن األلــف‬
‫الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬وأنهــا ترجــع إىل عــر الــوركاء وأن االرتبــاط كان لغويــاً‬
‫وعرقي ـاً لكــن مــا ينقــص هــذه النظريــة هــو اإلثبــات‪.‬‬
‫وتجمــع نظريــة أخــرى بــن األخبــار املتوافــرة واألدلــة األثريــة‬
‫لتقديــم نظريــة واحــدة تفــرض وجــود موجتــن مــن الســومريني جاءتــا‬
‫مــن الــرق؛ ســلكت األوىل البحــر إىل الخليــج‪ ،‬وجــاءت األخــرى عــن‬
‫الطريــق الــري عــر إي ـران مــع مجموعــة أخــرى مــن األقــوام نفســها‬
‫هاجــرت بعــد ذلــك إىل وادي الســند‪ .‬ويشــر رأي مقــارب أنهــم قدمــوا‬
‫مــن بــاد متتــد مــن شــال الهنــد وأفغانســتان وبلوجســتان وأقامــوا يف‬
‫غــرب إي ـران مــدة مــن الزمــن‪ ،‬ومــن ثــم ارتحلــوا إىل الخليــج وجــزره‬
‫ليســتقروا يف جنــوب بــاد الرافديــن‪ .‬وقــد أعتمــد مــن تبنــى هــذه‬
‫الفرضيــة عــى التشــابه بــن طــرز الفخــار الســومرية القدمية ومــا حملته‬
‫مــن زخــارف التــي امتــدت جنوب ـاً فوصلــت خرابــا وموهنجــادارو يف‬
‫وادي الســند‪ .‬وهــو مــا يوحــي بالعالقــات العرقيــة والثقافيــة األوىل بــن‬
‫ســكان تلــك املناطــق الذيــن تقدمــوا األجنــاس الهندو‪-‬أوربيــة‪ .‬ورمبــا‬
‫السومريون‬ ‫‪41‬‬

‫تؤيــد األســاطري الســومرية وتعــزز هــذه الرؤيــة‪ ،‬إذ أنهــا تشــر إىل أن‬
‫أصحابهــا فارقــوا الجنــوب وجــاءوا إىل البحــر لينتقلــوا منــه إىل دملــون‬
‫الجنــة املفرتضــة التــي يرجــح بعــض الباحثــن أنهــا جزيــرة البحريــن‬
‫كــا ذكرنــا‪ ،‬ومنهــا ذهبــوا إىل جنــوب العــراق‪ ،‬وإن مل توضــح هــذه‬
‫األســاطري الدوافــع والبواعــث لهــذه الهجــرة املفرتضــة‪.‬‬
‫ومــن املســتحيل القــول بشــكل قاطــع أنــه ال ميكــن أن تكــون هنــاك‬
‫حــركات عرقيــة مــن هــذه االتجاهــات‪ ،‬مــع أنــه ليــس هنــاك دليــل يف‬
‫الوقــت الحــارض إلثبــات حدوثهــا‪ ،‬ولكــن ميكــن تفســر العالقــات األوىل‬
‫مــع الهنــد كتلــك التــي كانــت مــع مــر عــى أنهــا نتيجــة عالقــات‬
‫تجاريــة وال تــدل بالــرورة عــى تحــركات عرقيــة واســعة‪ ،‬يف حــن أن‬
‫األصــل العــام للدرافيديــن والســومريني أو حتــى العالقــات الوثيقــة‬
‫بينهــم ال ميكــن أن يقــال عنهــا أنهــا جــاءت مــن ال يشء‪ .‬وأكــر مــا ميكــن‬
‫أن يســتنتج باطمئنــان يف الوقــت الحــارض هــو أن الســومريني جــاءوا‬
‫مــن مــكان مــا مــن رشق بــاد الرافديــن‪.‬‬
‫ونــود أن نشــر هنــا إىل رأي الباحــث العراقــي الدكتــور نائــل حنــون‬
‫الــذي عرضــه يف كتابــه‪( :‬حقيقــة الســومريني ودراســات أخــرى يف علــم‬
‫اآلثــار والنصــوص املســارية)‪ ،‬وقــد بــدأ بعــرض اكتشــاف اللغــة الســومرية‬
‫واإلشــارة آلراء بعــض الباحثــن مــن أمثــال‪ :‬هنكــس‪ ،‬وكرميــر‪ ،‬وياكوبســن‪،‬‬
‫وگليــب‪ ،‬وهــم مــن أشــهر مــن عمــل يف هــذا املجــال‪ ،‬وحــاول تفنيــد‬
‫آرائهــم وفرضياتهــم حــول وجــود الســومريني يف جنــوب بــاد الرافديــن‬
‫يف األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬واخرتاعهــم للكتابــة املســارية يف عــر الــوركاء‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫السومريون‬

‫وأخـرا ً يخلــص إىل القــول‪( :‬إن االفـراض بوجــود شــعب ســومري‪ ،‬يســتدل‬
‫عــى وجــوده مــن وجــود اللغــة التــي أطلــق عليهــا اســم اللغــة الســومرية‪،‬‬
‫ومــن أســاء األعــام املصاغــة بهــذه اللغــة‪ ،‬يثــر مــن األســئلة أكــر مــا‬
‫يجيــب عليــه‪ .‬ويتضــح أيضـاً أنــه ال توجــد أدلــة‪ ،‬ســوى اللغــة‪ ،‬عــى وجــود‬
‫الســومريني كونهــم قومــاً عاشــوا مــع األكديــن‪ ،‬أو ســبقوهم عــى أرض‬
‫جنــوب بــاد الرافديــن‪ .).‬ثــم يســتنتج أن املفــردات واملقاطــع التــي كان‬
‫يعتقــد أنهــا ســومرية قــد وضعــت مــن األكديــن‪ ،‬وهــو بهــذا ينفــي وجــود‬
‫الشــعب والحضــارة الســومرية‪ ،‬وإن مــن أنجــز حضــارة الع ـراق القديــم‬
‫هــم الســاميون‪ ،‬ولكنــه مل يوضــح الدوافــع التــي جعلتهــم يكتبــون هــذه‬
‫املقاطــع واملفــردات يف قوائــم وقواميــس‪ ،‬ويضعــون قواعــد كتابيــة لتتحكم‬
‫بصياغتهــا وهــم ليســوا بحاجــة إليهــا ولديهــم لغــة خاصــة بهــم‪ -‬ونشــر‬
‫هنــا إىل أن الباحــث األملــاين فرانتــس دليتــش يف مطلــع القــرن العرشيــن‬
‫هــو الــذي كان قــد أرجــع املفــردات الســومرية إىل أصــول ســامية‪ -‬وهــو‬
‫بهــذا يلتقــي مــع بعــض الباحثــن العــرب واألجانــب الذيــن حاولــوا عبثـاً‬
‫املســاس بالحضــارة الســومرية وإســناد املنج ـزات الحضاريــة إىل أقــوام أو‬
‫بقــاع مجــاورة أو بعيــدة عــن بــاد الرافديــن‪ ،‬كــا هــي محاولــة أصحــاب‬
‫الــرأي الالحــق‪ ،‬وهــو مــن اآلراء الحديثــة التــي تشــر إىل أن منطقــة البحــر‬
‫األســود ميكــن أن تكــون موطــن الســومريني األول‪ ،‬إذ أنهــم يشــروا إىل‬
‫التغيـرات املناخيــة التــي حصلــت مــع مطلــع الهولوســن منــذ عــرة آالف‬
‫ســنة قبــل امليــاد‪ ،‬وأثرهــا يف تحــركات األقــوام حــول البحــر األســود‪ ،‬ومنهــا‬
‫الفيضــان األعظــم بحــدود ســنة ‪ 5600‬ق‪.‬م‪ ،‬واندفــاع امليــاه مــن البحــر‬
‫املتوســط عــر وادي البســفور نحــو البحــر األســود‪ .‬فهربــوا وبرفقتهــم‬
‫السومريون‬ ‫‪43‬‬

‫مفــردات مــن لغــات أخــرى وأفــكار جديــدة وتقنيــات جديــدة جمعــت‬


‫مــن حــول البحــرة‪ .‬هــرب قســم مــن هــؤالء نحــو أوربــا‪ ،‬ورمبــا كانــوا‬
‫الشــعوب التــي تتحــدث اللغــة املعروفــة بالهنــدو‪ -‬أوربيــة‪ ،‬يف حــن هــرب‬
‫آخــرون (متحدثــو اللغــات الســامية) نحــو الجنــوب عابريــن هضبــة‬
‫األناضــول ليتبعــروا بعدهــا بشــكل واســع بســبب تلــك املجموعــة الوعــرة‬
‫مــن الوديــان العميقــة‪ ،‬والجبــال‪ .‬فظهــر بعضهــم (شــعب حلــف) مبــوازاة‬
‫الحافــات الشــالية لبــاد الرافديــن النهريــة‪ ،‬وجازفــوا بالتوجــه جنوبـاً نحو‬
‫وديانهــا الجافــة وصــوالً ألماكــن بعيــدة مل يتجــرأ أي مــن املزارعــن قبلهــم‬
‫أن يفعلــوا ذلــك‪ ،‬يقصــد بهــؤالء الســومريني ســكان الجنــوب األوائــل‪.‬‬
‫ويــرى علــاء آخــرون إن املوطــن املحتمــل للســومريني هــو بــاد‬
‫الرافديــن نفســها‪ ،‬وأنهــم قــد انتقلــوا مــن الشــال‪ ،‬إذ قامــت ومنــذ أقدم‬
‫العصــور حضــارة متقدمــة إىل الجنــوب الرشقــي مــن حــوض د�يــإىل‪،‬‬
‫وهــي منطقــة متيــزت بطبيعتهــا الجبليــة املليئــة بالحجــارة واملعــادن‪.‬‬
‫إن وجــود النحــاس بكــرة يف هــذه املنطقــة عــزز رأي أصحــاب هــذه‬
‫الفرضيــة الذيــن أدعــوا أن الســومريني قدمــوا منهــا‪ ،‬وال ســيام أنهــم‬
‫كانــوا عارفــن بالتعديــن وهــذا مــا تأكــد عــن طريــق املوجــودات مــن‬
‫أدوات معدنيــة مــن أبرزهــا النحــاس مــن مراحــل قبــل اكتشــاف الكتابة‪.‬‬
‫ولكــن هنــاك مــن يعــرض ويعتقــد أنــه مــن غــر املنطقــي تــرك منطقــة‬
‫تزخــر بالحجــارة والنحــاس والقــدوم إىل أخــرى تفتقــر إىل مثــل هــذه‬
‫املــواد ويصعــب العيــش فيهــا‪ .‬كــا أن األقــوام التــي تعيــش هنــاك ويف‬
‫مناطــق الهــال الخصيــب هــم مــن األقــوام الســامية الذيــن يختلفــون يف‬
‫اللغــة والشــكل واملحيــا عــن نظرائهــم مــن الســومريني‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫السومريون‬

‫ومنيــل إىل هــذه الفرضيــة ونعتقــد أن أســباباً دميوغرافيــة تتعلــق‬


‫بزيــادة أعــداد الســكان وحــدة املنافســة وشــدتها دفعــت مجاميــع مــن‬
‫ســكان القــرى الزراعيــة التــي قامــت هنــاك منــذ العــر الحجــري‬
‫الحديــث إىل الزحــف نحــو الجنــوب حيــث األرض البكــر التــي أصبحــت‬
‫مهــد املدنيــة والحضــارة ذات القــوام الزراعــي املعتمــد عــى الــري‪ .‬ومــا‬
‫يدعــم هــذا الــرأي أن مبــادئ وأصــول الحضــارة الســومرية تعــود إىل‬
‫عــر العبيــد‪ ،‬أول أدوار الســكن يف القســم الجنــويب مــن بــاد الرافديــن‪،‬‬
‫إذ نعــر عــى معابــد الســومريني وقراهــم‪ ،‬وإن كنــا نجهــل اللغــة التــي‬
‫تكلــم بهــا ســكان العبيــد‪ ،‬كــا أرشنــا أعــاه‪.‬‬
‫عمومـاً إن جهــل املــكان األصــي للســومريني وعــدم معرفــة طبيعــة‬
‫ثقافتهــم التــي انتقلــوا بهــا إىل جنــوب بــاد الرافديــن ال يلغــي حقيقــة‬
‫أنهــم تواصلــوا مــع ســكان الجنــوب األصليــن وارتقــوا بالحضــارة‬
‫اإلنســانية إىل العــى‪ ،‬واتــوا باملخرتعــات واملبتكـرات الرائــدة يف الجوانب‬
‫االقتصاديــة واالجتامعيــة والسياســية‪ ،‬فطــوروا أســلوب الكتابــة‪ ،‬وســموا‬
‫بالفنــون والصنائــع‪ ،‬وبحثــوا يف الديــن واألخــاق‪ ،‬والقــوا بظاللهــم عــى‬
‫األســاطري واملالحــم واألناشــيد‪ ،‬وأسســوا التعليــم الرســمي‪.‬‬
‫ميثــل كل مــا عرضنــاه نظريــات‪ ،‬وفرضيــات‪ ،‬وآراء‪ ،‬واســتنتاجات مل‬
‫تصــل يف أقــى مدياتهــا إىل حــد الجــزم بــل هــي مثــار تعليــق ونقــاش‪،‬‬
‫ويف انتظــار مزيــد مــن الدعــم أو التفنيــد‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪45‬‬

‫مصادر الفصل الثاني‬

‫‪ 1 .‬أبو الصوف‪ ،‬بهنام (‪ .)2008‬قراءآت يف اآلثار والحضارات القدمية‪ .‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬آدمــز‪ ،‬روبــرت(‪ .)1984‬أطــراف بغــداد‪ .‬تأريــخ االســتيطان يف ســهول د�يــإىل‪.‬‬
‫ترجمــة‪ ،‬أحمــد صالــح العــي‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪3 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1990‬السومريون وتراثهم الحضاري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪4 .‬أوبنهايــم‪ ،‬ليــو(‪ .)1986‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪5 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد وجني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة لطفي الخوري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪6 .‬اوتس‪ ،‬جني(‪ .)1990‬بابل تاريخ مصور‪ .‬ترجمة سمري عبد الحليم‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪7 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات‪.‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬
‫‪8 .‬بوتــرو‪ ،‬جــن وآخــرون (‪ .)1986‬الــرق االدىن الحضــارات املبكــرة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫عامــر ســليامن‪ ،‬املوصــل‪.‬‬
‫‪9 .‬تشايلد‪ ،‬كوردن(‪ .)1966‬التطور االجتامعي‪ .‬ترجمة لطفي فطيم‪ ،‬القاهرة‬
‫ ‪10 .‬الخلــف‪ ،‬جاســم محمد(‪.)1959‬محــارضات يف جغرافيــة العــراق الطبيعيــة‬
‫واالقتصاديــة والبرشيــة‪ .‬القاهــرة‪.‬‬
‫ ‪11 .‬ديالبورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪12 .‬رو‪ ،‬جورج (‪ .)1984‬العراق القديم‪ .‬ترجمة‪ ،‬حسني علوان حسني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪13 .‬ساكز‪ ،‬هاري (‪ .)2008‬عظمة بابل ‪ .‬ترجمة‪ ،‬خالد اسعد ‪.‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪14 .‬الســاكني‪ ،‬جعفــر(‪ .)1993‬نافــذة جديــدة عــى تاريــخ الفراتيــن يف ضــوء‬
‫الدالئــل الجيولوجيــة واملكتشــفات اآلثاريــة‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪15 .‬ســليامن‪ ،‬توفيــق(‪ .)1985‬دراســات يف حضــارات غــرب آســيا القدميــة‪ ،‬مــن‬
‫أقــدم العصــور إىل عــام ‪ 1190‬ق‪.‬م‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫السومريون‬

‫ ‪16 .‬سليامن‪ ،‬توفيق(‪ .)1982‬نقد النظرية السامية‪ .‬دمشق‪.‬‬


‫ ‪17 .‬رشيــف‪ ،‬إبراهيــم(ب‪.‬ت)‪ .‬املوقــع الجغ ـرايف للع ـراق وأثــره يف تاريخــه العــام‬
‫حتــى الفتــح االســامي‪.‬ج‪ ،1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪18 .‬الطعان‪ ،‬عبد الرضا(‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬عبــد الكريــم‪ ،‬عبــد اللــه (‪ .)1974‬مالمــح الوجــود الســامي يف جنــويب العـراق‬
‫قبــل تأســيس الدولــة األكديــة‪ .‬ســومر‪ ،‬مــج ‪ ،30‬عــد ‪. 2، 1‬‬
‫ ‪20 .‬عيل‪ ،‬جواد(‪ .)1968‬املفصل يف تاريخ العرب قبل االسالم ‪ .‬ج ‪ .1‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪21 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1987‬من ألواح سومر إىل التوراة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪22 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد (‪ .)1975‬الطوفان يف املراجع املسامرية ‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪23 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪24 .‬فــون زودن‪ ،‬ف(‪ .)2003‬مدخــل إىل حضــارات الــرق القديــم‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫فــاروق إســاعيل‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪25 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)1973‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫وخصائصهــم‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬الكويــت‪.‬‬
‫ ‪26 .‬كرمير‪ ،‬صموئيل نوح (‪ .)1975‬من ألواح سومر‪ .‬ترجمة‪ ،‬طه باقر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪27 .‬الندزبريكــر‪ ،‬بينــو(‪ .)1979‬بدايــات الحضــارة يف بــاد وادي الرافديــن‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫صالــح حســن الرويــح‪ ،‬مجلــة كليــة الرتبيــة‪ ،‬جامعــة البــرة‪ ،‬عــد ‪.1‬‬
‫ ‪28 .‬لويد‪ ،‬سيتون (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ .‬سامي سعيد األحمد‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪ 29 .‬مالــوان‪ ،‬ماكــس(‪ .)2001‬حضــارة عــر فجــر الســاالت يف الع ـراق‪ .‬ترجمــة‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪30 .‬محمد‪ ،‬محمد عبد القادر(‪ .)1968‬الساميون يف العصور القدمية‪ .‬القاهرة‬
‫السومريون‬ 47

‫ ترجمــة وتعليــق‬.‫ الحضــارات الســامية القدميــة‬.)1957(‫ ســبتينو‬،‫ موســكايت‬31 .


.‫ لنــدن‬.‫الســيد يعقــوب بكــر‬
‫ توفيــق‬.‫ ترجمــة‬.‫ تاريــخ الــرق االدىن القديــم‬.)1967(‫ أنطــوان‬،‫ مورتــكات‬32 .
.‫ دمشــق‬،‫ســليامن وآخــرون‬
‫ عيــى ســلامن‬،‫ ترجمــة‬.‫ الفــن يف العـراق القديــم‬.)1975(‫ انطــوان‬،‫مورتــكات‬33 .
. ‫ بغــداد‬،‫وســليم طــه التكريتــي‬
‫ ترجمــة أحمــد عبــد‬.‫ وادي الرافديــن مهــد الحضــارة‬.)1948(‫ ليونــارد‬،‫وويل‬34 .
. ‫ بغــداد‬.‫الباقــي‬
35 . Crawford, H (2015). Ur The City of the Moon God. London.
36 . Fox, R. G and Zagarell, A(1982). The Political Economy of
Mesopotamian and South Indian Temples: The Formation and
Reproduction of Urban Society. Comparative Urban Research.
Chicago.
37 . Frankfort,H(1948).Kingship and the Gods. Chicago.
38 . Frankfort, H(1958). The Art and the architecture of the ancient
orient .London.
39 . Gleb, L(1960). Sumerians and Akkadians in their etnno –
linguistic relationship in aspects du cntact sumero – Akkadian.
Geneve.
40 . Gibson,M(1972).The City and area of Kish. Miami,Florida
41 . Green, M. W(1975). Eridu in Sumerian Literature. Chicago.
42 . Jacobsen, Th(1939). The Assumed Conflict between the
48 ‫السومريون‬

Sumerians and Semites in Early Mesopotamian History. JAOS,Vol, 59.


43 . Jacobsen, Th (1970).Early political Development in Mesopotamia.
(In). Toward the Image of Tammuz. Cambridge.
44 . Jacobsen, Th(1943).Primitive Democracy in Ancient
Mesopotamia. TNES.Vol,2.
45 . Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.
46 . Lloyd, S(1978). The Archaeology of Mesopotamia. London.
47 . Mackay, d (1952). Sumerian connection with ancient India.
London.
48 . Nissen, H,J(1988).The early history of the near east 90002000-
B.C. Chicago& London.
49 . Oppenheim,A.L (1964). Ancient Mesopotamia: portrait of a
dead Civilization. Chicago.
50 . Redman,C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers
to Urban Society in the Ancient Near East. USA.
51 . Rothman,M.S (2001). The Local and Regional: An Introduction.
(In). Schwarts,D.W (ed). Uruk Mesopotamia and its Neighbors.
Oxford.
52 . Roaf, M(1984). Ubaid Houses and Temples. Sumer,Vol,43.
53 . Pournelle, J.R(2013).Physical Geography of the Sumerian
world.U.S.A.
54 . Saggs, H. W. F(1995). People of the past Babylonians. London.
‫السومريون‬ 49

55 . Speiser,E.A(1930). Mesopotamian Origins.Philadelphia.


56 . Woolley, C.L(1929). The Sumerians. Oxford.
57 . Zarins,J ( 1992). The Early Settlement of Southern Mesopotamia:
A Review of Recent Historical,Geological, and Archaeological
Research. Journal of the American Oriental society,Vol,112.
‫‪50‬‬ ‫السومريون‬

‫(‪)3‬‬
‫السومريون ‪ ...‬عصر االنطالق‬
‫العبيد‪ ،‬الوركاء‪ ،‬جمدة نصر‬

‫‪ 3-1‬متهيد‬
‫ميكــن القــول أن الحضــارة الســومرية اســتمرت ألكــر مــن ألفي ســنة‪،‬‬
‫وهــي املــدة التــي متتــد مــن األلــف الرابــع ق‪.‬م إىل نهايــة األلــف الثــاين‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬أو يف ضــوء األطــر التاريخيــة مــن عــر الــوركاء إىل نهايــة عــر‬
‫أور الثالثــة‪ ،‬إذ كانــت الســالة الثالثــة يف مدينــة أور آخــر كيــان ســيايس‬
‫ســومري بالكامــل‪ .‬لكــن وكــا نعــرف فإن االســتيطان يف الســهل الرســويب‬
‫الجنــويب مــن بــاد الرافديــن بــدأ بحــدود ‪ 5،500‬ق‪.‬م فيــا يعــرف بعــر‬
‫العبيــد‪ ،‬وينســب هــذا الــدور الحضــاري إىل موقــع العبيــد‪ ،‬وهــو موقــع‬
‫صغــر يقــع عــى بعــد نحــو ‪ 6‬كــم شــال غــرب مدينــة أور الشــهرية‪.‬‬
‫وكان عـرا ً طويـاً وحيويـاً‪ ،‬ويشــكل أقــدم مراحــل االســتيطان املســتقر‬
‫يف الســهل الرســويب‪ .‬وقــد حلــت حضــارة هــذا العــر محــل حضــارة‬
‫عرص(حلــف) الشــالية (الخريطــة‪ :‬رقــم ‪.)3‬‬
‫وكانــت املجتمعــات يف مطلــع هــذا العــر عبــارة عــن تجمعــات‬
‫فالحيــة تعيــش داخــل قــرى صغــرة‪ .‬ويقــع القســم األكــر مــن‬
‫املســتوطنات يف النصــف الجنــويب مــن الســهل الرســويب‪ ،‬إذ تركــزت‬
‫القــرى املبكــرة املرئيــة مــن الناحيــة األثريــة يف جنــوب بــاد الرافديــن‬
‫السومريون‬ ‫‪51‬‬

‫يف هــذا العــر عــى حواجــز األنهــار يف املواقــع املتاخمــة للمســتنقعات‬


‫واألهــوار‪ .‬ومــن الصعــب‪ ،‬إن مل يكــن مــن املســتحيل‪ ،‬ايجــاد آثــار عــن‬
‫اســتغالل الســكان األوائــل االحتياطيــات الغنيــة مــن األســاك والطرائــد‬
‫يف هــذه املنطقــة‪ ،‬إذ مل ينجــح أحــد حتــى اآلن‪ ،‬وعملي ـاً قــد ال يفعــل‬
‫أحــد ذلــك أبــدا ً‪ ،‬ألنــه عــى مــدى آالف الســنني غطــى طمــي األنهــار‬
‫الخصــب الســطح األصــي للســهل بعمــق أمتــار عــدة‪ ،‬فضـاً عــن ذلــك‬
‫ارتفــع مســتوى امليــاه‪ ،‬ثــم غمــرت الرتســبات األقــدم‪ .‬وكذلــك هنــاك‬
‫تعقيــد آخــر‪ ،‬وهــو أن األهــوار يف أقــى جنــوب البــاد توســعت‬
‫وانكمشــت مبــرور الوقــت مضيفــة مزيــدا ً مــن األمــاح مام جعــل عملية‬
‫املســح األثــري للمنطقــة شــبه مســتحيلة‪ ،‬لــذا فهنــاك بعــض التخمينــات‬
‫عــن الســكان األوائــل الذيــن قدمــوا الســتثامر الصيــد الوفــر‪ ،‬وصيــد‬
‫األســاك يف األهــوار وحولهــا‪ ،‬وتركــوا «أثـرا ً» ضئيـاً للغايــة عــى البيئــة‪.‬‬
‫ويبــدو أنهــم قــد بنــوا أكواخ ـاً مــن القصــب‪ ،‬وكان لديهــم قليــل مــن‬
‫املمتلــكات الشــخصية‪ ،‬وكانــوا يتحركــون عــى نحــو منتظــم مــن مــكان‬
‫إىل آخــر بحثـاً عــن الطعــام‪ .‬ومــا يؤســف لــه أنهــم مل يرتكــوا عــن هــذه‬
‫املامرســات كث ـرا ً مــن الدالئــل يف الســجل األثــري‪.‬‬
‫وقــد كان عــدد املســتوطنات صغــر نســبياً بعضهــا كان أكــر بكثــر‬
‫مــن مواقــع أخــرى مــع أدلــة عــى عــارة ضخمــة نوع ـاً مــا ودرجــة‬
‫معينــة مــن تخطيــط املوقــع كــا يف تــل العقــر‪ .‬ومل يتعــدى حجــم‬
‫أكربهــا عــر هكتــارات كــا هــو الحــال يف مواقــع أريــدو‪ ،‬وأور‬
‫والعقــر‪ ،‬إذ كانتــا بحجــم يقــارب ‪ 12-10‬هكتــار مــع مجموعــة مــن‬
‫القــرى والضواحــي تحيــط بــكل مســتوطن‪ ،‬يف حــن كانــت مســاحة‬
‫‪52‬‬ ‫السومريون‬

‫بعــض املســتوطنات الصغــرة نحــو هكتــار واحــد‪ ،‬ويف الغالــب أقــل مــن‬
‫أربعــة هكتــارات‪ .‬ولعــل أهــم مــا يــؤرش يف حضــارة العبيــد أنــه كان‬
‫هنــاك نظــام عظيــم مســتقر اســتمر ملــدة تقــرب مــن (‪ )1500‬ســنة مــع‬
‫تغيـرات قليلــة يف نظــام االســتيطان ومــوارد العيــش والحضــارة املاديــة‪.‬‬
‫ومل يقــدم الســجل األثــري أي أدلــة عــن الحــروب والرصاعــات‪ ،‬إذ تظهــر‬
‫األختــام مــن أواخــر عــر العبيــد غيــاب واضــح ملشــاهد األســلحة‬
‫واألرسى وكذلــك مشــاهد القتــال‪ .‬كذلــك فإنــه ليــس هنــاك مــا يشــر‬
‫للعنــف أو التحطيــم يف أطــال املواقــع العبيديــة‪.‬‬
‫إن مــا يــؤرش يف الجانــب االقتصــادي يف مســتوطنات هــذا العــر أن‬
‫ســكانها كــا يقــرح الباحــث روبــرت آدمــز مل يعتمــدوا كليـاً عــى زراعة‬
‫الــري‪ ،‬إذ ال يـزال قسـاً كبـرا ً منهــم شــبه بــدوي وكانــت مهنــة الرعــي‬
‫مــن املهــن األساســية‪ .‬وكانــت التجــارة هــي رشيــان الحيــاة لالقتصــاد‪،‬‬
‫ورمبــا كانــت عامــاً حاســاً يف تطويــر الحيــاة الحرضيــة يف املنطقــة‬
‫لــذا منــت يف هــذه املســتوطنات عمليــات تبــادل البضائــع والخامــات‬
‫مــع املناطــق املجــاورة؛ االوبســيدين مــن هضبــة األناضــول‪ ،‬والســيلكون‬
‫مــن ســوريا‪ ،‬والخشــب‪ ،‬وأصنــاف الحجــر الصلبــة مــن جبــال زاگــروس‪،‬‬
‫والــازورد مــن أفغانســتان‪ ،‬وغريهــا‪.‬‬
‫شــكل هــذا العــر نقطــة البــدء واالنطــاق يف بــدء حضــارة الســهل‬
‫الرســويب يف جنــوب بــاد الرافديــن‪ ،‬ومــع أن الســومريني مل يكونــوا أوائــل‬
‫الســكان يف الــدور الحضــاري عــى وفــق بعــض املعطيــات والدالئــل‬
‫األثريــة والكتابيــة إال أن دورهــم وحضورهــم مــؤرش وواضــح عــى وفــق‬
‫كثــر مــن الباحثــن والدارســن‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪53‬‬

‫‪ 2-3‬عرص الوركاء(‪ 3100-3800‬ق‪.‬م)‬


‫ميثــل عــر الــوركاء (‪ 3100-3800‬ق‪.‬م) عــر االنطــاق والبدايــة‬
‫الحقيقيــة للوجــود الحضــاري الســومري‪ .‬ويشــغل معظــم األلــف الرابــع‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬الــذي يعــد فاص ـاً زمني ـاً حاس ـاً يف تاريــخ البرشيــة عــى وجــه‬
‫العمــوم‪ .‬تقــع مدينــة الــوركاء‪( ،‬ا ُرك) يف التــوراة التــي ســمي هــذا‬
‫العــر نســبة إليهــا عــى بعــد ‪ 30‬كــم جنــوب رشق مدينــة الســاوة‪.‬‬
‫ويعــد هــذا العــر األكــر أهميــة وابتــكارا ً يف تاريــخ بــاد الرافديــن‪،‬‬
‫وأمتــد تأثــره إىل مناطــق البحــر املتوســط وهضبــة األناضــول‪.‬‬
‫وظهــرت يف هــذا العــر جملــة مــن العمليــات الحضاريــة‪ ،‬فض ـاً‬
‫عــن مجموعــة مــن االبتــكارات والتطــورات؛ إذ نشــأت املــدن‪ ،‬مــع‬
‫ظهــور املفهــوم الســيايس لدولــة املدينــة ألول مــرة‪ ،‬كــا ظهرت األشــكال‬
‫األقــدم مــن الكتابــة الصوريــة‪ ،‬وميكــن تلمــس اإلبداعــات الفنيــة‬
‫مجســدة بالنحــت بأنواعــه املختلفــة‪ ،‬فض ـاً عــن األختــام األســطوانية‪،‬‬
‫وظهــرت عمليــات الصــب املتطــورة يف علــم املعــادن ألول مــرة‪ ،‬وأنتــج‬
‫الفخــار بكميــات كبــرة باســتخدام الــدوالب الفخــاري‪ ،‬وهــذه مــؤرشات‬
‫واضحــة عــن ظهــور الحرفيــن واالختصاصيــن يف كثــر مــن املجــاالت‪،‬‬
‫وظهــر البانثيــون (‪ )Pantheon‬أي مجمــع اآللهــة بشــكله الواضــح ‪.‬‬
‫وتكشــف الســات التــي أرشنــا إليهــا إىل وجــود مجتمــع معقــد نظــم‬
‫بواســطة طبقــة كهنوتيــة شــكلت ســلطة دينيــة (‪ ،)Theocracy‬وكان‬
‫للتخصــص يف العمــل دورا ً مه ـاً يف هــذه التطــورات‪.‬‬
‫وانتــرت حضــارة الــوركاء يف القســم الجنــويب مــن الســهل‬
‫‪54‬‬ ‫السومريون‬

‫الرســويب‪ ،‬ولكــن يبــدو أنهــا تفاعلــت مــع مناطــق خــارج بــاد الرافديــن‬
‫(الخريطــة‪ :‬رقــم ‪ .)4‬إذ مــن املؤكــد أن هــذه الحضــارة مل تحــدث يف‬
‫الفــراغ‪ .‬فقــد فرضــت التناقضــات الجغرافيــة والبيئيــة واالقتصاديــة‬
‫والثقافيــة بــن األرايض املنخفضــة والســهول واملرتفعــات املحيطــة بهــا‬
‫عــددا ً مــن القيــود الدامئــة عــى تنميــة املجتمعــات يف كل مــن هــذه‬
‫املناطــق‪ .‬وكان الطمــى هــو أحــد األمــور الحاســمة‪ ،‬إذ كانــت املنطقــة‬
‫عبــارة عــن أرض خاليــة مــن املــوارد بخــاف املــوارد األساســية التــي‬
‫توفرهــا الزراعــة وتربيــة الحيوانــات‪ ،‬فــكان البــد مــن اســترياد نســبة‬
‫كبــرة مــن املتطلبــات املاديــة الالزمــة للحفــاظ عــى النظــم االجتامعيــة‬
‫الطبقيــة للغايــة‪ .‬وقــد عــر عــى املــوارد الالزمــة إىل حــد كبــر يف مناطق‬
‫املرتفعــات البعيــدة التــي تســكنها مجتمعــات ميكــن وصفهــا بأنهــا أقــل‬
‫تطــورا ً‪ ،‬إذا جــاز الحكــم مــن األدلــة التاريخيــة واألثريــة املوجــودة عــى‬
‫األقــل قبــل األلفيــة الثالثــة قبــل امليــاد‪ .‬وقــد نجحــت املجتمعــات‬
‫املتكاملــة للغايــة يف هــذا العــر يف إنشــاء نظــام للتفاعــل بــن وطنهــم‬
‫الــذي يفتقــر إىل املــوارد واملناطــق األخــرى الغنيــة باملــوارد‪ .‬ويبــدو مــن‬
‫الواضــح أن امتــداد حضــارة الــوركاء إىل الخــارج كان أمـرا ً محتومـاً‪ .‬إذ أن‬
‫املجتمــع املعقــد واملركــب مييــل إىل التوســع واالمتــداد وتطويــق جريانــه‬
‫لحاجــة املجتمــع ونخبــه للســيطرة عــى املــوارد واملصــادر التــي تســهم‬
‫يف تطويــر اقتصــاد (الدولــة) لغــرض تحقيــق النمــو والنجــاح واالزدهــار‪.‬‬
‫ومــن املعــروف أن هــذه املــوارد أو املــواد الرضوريــة متاحــة فقــط يف‬
‫مناطــق األطـراف املجــاورة‪ .‬إن توســع مجتمعــات أوروك يحمــل بعــض‬
‫التشــابه مــع التوســع االســتعامري للمجتمعــات األوروبيــة إىل املناطــق‬
‫السومريون‬ ‫‪55‬‬

‫األقــل تطــورا ً يف العــامل الثالــث‪ .‬وميكــن وصــف ظاهــرة أوروك بأنها مثال‬
‫مبكــر عــى «إمرباطوريــة غــر رســمية» أو «نظــام عاملــي» قائــم عــى‬
‫التبــادل غــر املتكافــئ وتقســيم دويل للعمــل منظــم هرميـاً يختلــف عن‬
‫األمثلــة الحديثــة فقــط يف الدرجــة‪.‬‬
‫ويبــدو أن جــزءا ً مــن مشــكلة هــذا العــر أننــا ال نعــرف الكثــر عــن‬
‫بداياتــه أو مراحلــه األوىل‪ ،‬وإن كان هنــاك مــن يعتقــد أن أدوار الــوركاء‬
‫األوىل الشــالية رمبــا تعــود إىل املــدة مــن ‪ 4100-4200‬ق‪.‬م‪ .‬ويشــر‬
‫الباحــث (هــاري ســاكز) إىل أن املعبــد يف الطبقــة الخامســة يف مدينــة‬
‫الــوركاء ميثــل ابتــكارا ً مه ـاً ألنــه شــيد عــى أســس مــن قطــع الحجــر‬
‫مشــيدة عــى مصطبــة مــن الطــن املضغــوط (َ‪ ،)Pise‬وعدهــا إشــارة إىل‬
‫وجــود أقــوام جبليــة لهــا خــرة بفــن اســتعامل الحجــر‪ ،‬وهنــاك إشــارة‬
‫أخــرى يســتدل منهــا عــى تغلغــل أقــوام أجنبيــة‪ ،‬إذ أن دور الــوركاء‪،‬‬
‫(وليــس الطبقــة الخامســة فقــط) قــدم عــددا ً مــن االبتــكارات مبــا فيهــا‬
‫مــن أشــكال جديــدة مــن األواين الفخاريــة‪ ،‬ودوالب الفخــار‪ ،‬واســتخدام‬
‫القــوس‪ .‬ومــع أن اســتعامل املعــادن كان معروفـاً لــدى الســكان مــن دور‬
‫حلــف ومواقــع انتشــار ثقافــة دور العبيــد شــاالً ‪ -‬لكــن ليــس يف املواقــع‬
‫األصليــة يف الجنــوب‪ -‬فإنــه مل يســتعمل عــى نطــاق واســع إال يف دور أو‬
‫عــر الــوركاء‪ ،‬إذ عــر عــى بعــض اآلالت النحاســية يف الطبقــة الحاديــة‬
‫ـوام‬
‫عــرة ومــا يليهــا‪ .‬فــإذا كانــت هــذه التغي ـرات نتيجــة لتغلغــل أقـ ٍ‬
‫أجنبيــة فــإن األدلــة تشــر إىل وجــود عنرصيــن مــن األقــوام الجديــدة‬
‫عــى األقــل‪ ،‬أعطــى العنــر الرئيــس الطابــع العــام املميــز لحضــارة عــر‬
‫الــوركاء وعنــر ثانــوي مــن األقــوام األجنبيــة تشــر لوصولــه معابــد‬
‫‪56‬‬ ‫السومريون‬

‫الحجــر يف الطبقــة الخامســة واكتشــاف الكتابــة يف الطبقــة ‪ 4‬أ‪ ،‬أو ‪ 4‬ب‪،‬‬


‫عموم ـاً هنــاك آراء مختلفــة حــول هــذا املوضــوع‪.‬‬
‫وتشــكل منطقــة جنــوب العـراق عــى رأس الخليــج املركــز الجغـرايف‬
‫للتطــورات التــي حدثــت يف هــذا العــر‪ .‬وقــد ازداد عــدد وحجــم‬
‫املســتوطنات بشــكلٍ واســع مــع بدايــة األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ ،‬أي مــع بداية‬
‫عــر الــوركاء‪ ،‬ولكــن القســم الجنــويب مــن الســهل الرســويب‪ ،‬ونعنــي‬
‫بــاد ســومر ضــم موقعــن فقــط تزيــد مســاحتهام عــن ‪ 20‬هكتــارا ً‬
‫أحدهــا بالطبــع موقــع الــوركاء نفســه الــذي كانــت مســاحته بحــدود‬
‫‪ 70‬هكتــار‪ ،‬وأريــدو التــي تراوحــت مســاحتها مــا بــن ‪ 45-40‬هكتــار‪ ،‬يف‬
‫حــن مل تحــدد مســاحة مســتوطن أور بشــكل واضــح‪ ،‬وهــو مســتوطن‬
‫كبــر أيض ـاً مــن هــذه املرحلــة‪ .‬ولكــن هنــاك عــدد كبــر مــن املواقــع‬
‫بحجــم مــن ‪ 10-5‬هكتــار تظهــر مي ـاً للتجمــع حــول البــؤر األكــر إال‬
‫أنــه مــا يؤســف لــه أن هــذه املواقــع ليــس فيهــا بقايــا عامريــة وهــي‬
‫يف الغالــب تحــت األنقــاض وبقاياهــا غامضــة‪.‬‬
‫تغــرت صــورة االســتيطان إىل حــد كبــر يف النصــف الثــاين مــن األلــف‬
‫الرابــع ق‪.‬م حتــى أنــه ميكــن وصــف عــدد مــن املســتوطنات يف بالد ســومر‬
‫أنهــا حرضيــة ليــس فقــط مبعنــى الحجــم بــل كذلــك مبعنــى الوظيفــة‪.‬‬
‫وتجــاوزت املســاحة املزروعــة يف القســم الجنــويب تلك املوجودة يف القســم‬
‫الشــايل مبــا يقــرب مــن ‪ 600‬كــم‪ .2‬لكــن يبــدو أن عــدد الســكان كان‬
‫متســاوياً يف املنطقتــن كلتيهــا‪ ،‬وإن عــاش الســكان يف املنطقــة يف ثالثــة‬
‫مراكــز بحجــم يقــرب مــن ‪ 50-30‬هكتــارا ً‪ ،‬يف حــن بلغــت مســاحة مدينــة‬
‫الــوركاء عــى ســبيل املثــال نحــو ‪ 100‬هكتــارا ً يف الجنــوب‪ .‬واســتمرت‬
‫السومريون‬ ‫‪57‬‬

‫عمليــة منــو املســتوطنات واملــدن يف أواخــر عــر الــوركاء مــع اختــاف‬


‫بــن املركــز (الــوركاء) وجنــوب بابــل‪ ،‬ففــي املنطقــة األخــرة كانــت الزيادة‬
‫يف األرايض املســكونة ثانويــة‪ ،‬وميكــن أن يفــر األمــر بأنــه نتيجــة للنمــو‬
‫الطبيعــي‪ ،‬أمــا يف الجنــوب وتحديــدا ً حــول مدينــة الــوركاء فــكان هنــاك‬
‫تصاعــدا ً كب ـرا ً يف املســاحة املســكونة عــن طريــق املســتوطنات الدامئيــة‪،‬‬
‫إذ أن حجــم مدينــة الــوركاء الســائد يف املنطقــة فــاق بشــكل كبــر مــا كان‬
‫مــن حجــم املســتوطنات األخــرى مــا يشــر إىل أنــه كان مركـزا ً للمنطقــة‪،‬‬
‫ومدينــة حقيقــة‪ ،‬ومــن ثــم فأنهــا ميكــن أن تعــد أقــدم وأول مدينــة يف‬
‫التاريــخ اإلنســاين‪ ،‬وكانــت محاطــة مبســتوطنات ثانويــة‪ ،‬وتوســعت مــن‬
‫‪100‬هكتــار إىل ‪ 210‬هكتــار‪ .‬وقــد أســهمت القــوى الطبيعيــة بشــكل مهــم‬
‫يف فعاليــات مســتوطنة الــوركاء كــا يقــول آدمــز‪.‬‬
‫وقــد قامــت املســتوطنات يف جنــوب بــاد الرافديــن عــى أســاس‬
‫زراعــي وعملــت أعــداد كبــرة مــن الســكان يف مهنــة الزراعــة حتــى تلك‬
‫التــي تعيــش يف املدينــة نفســها‪ .‬كــا أســهمت التطــورات التقنيــة يف‬
‫جعــل التخصــص أم ـرا ً أكــر جاذبيــة‪ ،‬فاالخرتاعــات يف أدوات ومعــدات‬
‫عمليــة البــذار مثـاً قــد جعلــت العمــل الزراعــي يقتــي توفــر الخــرة‬
‫يف مــن ميارســه كذلــك فــأن الفائــض الزراعــي أصبــح رضوريـاً مــن أجــل‬
‫إعالــة املختصــن مــن ذوي الحــرف واملهــن الذيــن ال يعملــون يف الزراعة‪.‬‬
‫إذ أن جــزءا ً صغــرا ً مــن ســكان املســتوطنات يعملــون ويتخصصــون‬
‫يف وظائــف أو واجبــات غــر زراعيــة‪ .‬وكان املعبــد مؤسســة مركزيــة‬
‫مــن أجــل عمــل وتأســيس النظــام وهــو بيــت اإللــه ومركــز العبــادة‪.‬‬
‫وأصبحــت املعابــد يف عــر الــوركاء بنايــات أساســية ومهمــة‪ ،‬وكانــت‬
‫‪58‬‬ ‫السومريون‬

‫تكاليــف بنائهــا مــؤرش عــى غنــى املجتمــع وتعاظمــه‪ .‬فقــد وجــدت‬


‫املعابــد املركبــة؛ ومنهــا معبــد (أينانــا)‪ ،‬وكذلــك زقــورة (آن) يف مدينــة‬
‫الــوركاء‪ .‬وقــد أعيــد بنــاء معبــد (أينانــا) أكــر مــن مــرة يف عــر الــوركاء‬
‫ضمــن منطقــة محاطــة بســياج مــن األبنيــة الضخمــة‪.‬‬
‫لقــد قــادت عمليــة التخصــص يف العمــل إىل الحاجــة إىل ســلطة‬
‫لتنظيــم تبــادل الســلع ألن عائــات مســتقلة مل تكــن قــادرة عــى إعالــة‬
‫نفســها لوحدهــا‪ .‬فــأدى التخصــص بــدوره إىل مجتمــع ذي طبقــات‬
‫أكــر مــع توزيــع غــر متكافــئ للــروة واملكانــة‪ .‬ويتطلــب وجــود هــذه‬
‫الســلطة أســس ايديولوجيــة يشــرك فيهــا التابعــون لهــذا النظــام مــن‬
‫أجــل قبولهــا وتبنيهــا مــن الجميــع واملشــاركة يف جــزء مــن إنتاجهــم‬
‫ليعــود عليهــم ببعــض الفائــدة يف املســتقبل‪.‬‬

‫‪ 3-3‬عرص جمدة نرص (‪ 2900-3200‬ق‪.‬م)‬


‫يــأيت مبــارشة بعــد عــر الــوركاء طــور أو عــر أو حضــارة جمــدة‬
‫نــر الــذي يشــغل الفاصــل الزمنــي مــن نحــو ‪ 3000-3200‬ق‪.‬م‪ ،‬أو ‪-3100‬‬
‫‪ 2900‬ق‪.‬م‪ ،‬وســمي بهــذا االســم نســبة إىل موقــع صغــر يقــع عــى بعــد‬
‫نحــو ‪ 26‬كــم شــال رشق مدينــة (كيــش) تــل األُحيمــر الشــهرية‪.‬‬
‫يشــغل عــر جمــدة نــر مــدة زمنيــة قصــرة‪ ،‬ويبــدو أنــه مل تعــد‬
‫هنــاك التطــورات الهائلــة التــي ظهــرت يف عــر الــوركاء لكــن يف جانــب‬
‫االســتيطان بقيــت املســتوطنات كــا كانــت يف عــر الــوركاء‪ ،‬وإن‬
‫هجــرت بعــض املواقــع يف منطقــة الســهل الجنــويب‪ ،‬إذ تقلــص اإلنفــاق‬
‫السومريون‬ ‫‪59‬‬

‫يف بــاد الرافديــن؛ فقــد دمــرت وهجــرت املســتعمرات الرئيســة للــوركاء‪،‬‬


‫عــى ســبيل املثــال‪ .‬ويجــب أن يكــون هــذا قــد عطــل تدفــق املــواد إىل‬
‫مســتوطنات الجنــوب وق ّيــد رخاءهــا‪ .‬ويبــدو أن جميــع منطقــة أي‪-‬أنّا يف‬
‫الــوركاء كانــت قــد عملــت بوصفهــا مصطبــة جديــدة‪ .‬ولــن نعــرف أبــدا ً‪،‬‬
‫فيــا إذا كانــت مبــانٍ الــوركاء املتأخــرة قــد حطمــت بنشــاط عــدواين‬
‫أو متــت تســويتها فقــط إلنشــاء مبــاين جديــدة أكــر تفصيــاً‪ .‬ومــع‬
‫هــذا أســس ســكان العــر عــددا ً مــن املســتوطنات الجديــدة‪ ،‬والتــي‬
‫اســتمرت يف االســتعامل حتــى نهايــة عــر الســاالت املبكــرة‪.‬‬
‫يقابــل عــر جمــدة نــر الطبقــات ‪ 2-3‬يف موقــع الــوركاء‪ ،‬وقــد كان‬
‫عــر انتشــار حضــاري‪ ،‬وكــا أرشنــا فقــد بــدأ منــو القــرى وتطورهــا إىل‬
‫مــدن منــذ عــر العبيــد‪ ،‬وأصبــح أكــر وضوحـاً يف عــر الــوركاء الســابق‪.‬‬
‫ومــع هــذا يبــدو أن مدينــة الــوركاء نفســها حتــى عــر الــوركاء الطبقــة‬
‫الرابعــة‪ ،‬أي أواخــر عــر الــوركاء متثــل الحــدود الشــالية لهــذا التطــور‪،‬‬
‫وأمــا يف وســط وشــال بــاد بابــل فقــد اســتمرت املجتمعــات (مــع بعــض‬
‫االســتثناءات القليلــة) تعيــش يف قــرى صغــرة‪ .‬وتغــر الوضــع يف عــر‬
‫جمــدة نــر‪ ،‬ورمبــا نتــج هــذا عــن بعــض التحســينات يف أســاليب الــري‪،‬‬
‫وبــدأت املــدن تنمــو كذلــك يف وســط وشــال بابــل‪ ،‬ومــن األمثلــة عــى‬
‫ذلــك مــدن نفر(نيبــور)‪ ،‬وكيــش‪ ،‬وأشــنونا (تــل أســمر) عــى نهــر ديــاىل‪.‬‬
‫كــا كشــف عــن معبــد مــن طــراز جمــدة نــر يف تــل (براك)عــى‬
‫الحــدود الســورية عــى نهــر الخابــور (الخريطــة‪ :‬رقــم ‪.)5‬‬
‫ويالحــظ ومنــذ نهايــة عــر الــوركاء‪ ،‬ومطلــع هــذا العــر انخفــاض‬
‫دراماتيــي يف مــؤرش العالقــات الخارجيــة والتجاريــة مــع كل مــن‬
‫‪60‬‬ ‫السومريون‬

‫مناطــق بــاد الشــام وإيـران‪ .‬ويــؤرش يف هــذا العــر انخفــاض يف أعــداد‬


‫الســكان يف القســم الشــايل مــن الســهل الرســويب‪ ،‬وقــد يكــون الســبب‬
‫يف ذلــك توجــه أعــداد كبــرة مــن الســكان إىل القســم الجنــويب‪ ،‬إذ تشــر‬
‫التقدي ـرات إىل وجــود زيــادة يف عــدد الســكان‪ .‬كــا توســعت مدينــة‬
‫الــوركاء نفســها حتــى بلغــت مســاحتها نحــو ‪ 400‬هكتــار‪.‬‬
‫كــا ظهــرت مجموعــة جديــدة من املســتوطنات يف القســم الشــايل‬
‫الرشقــي‪ ،‬وهــي مســتوطنات متوســطة الحجــم تقــع عــى مجــرى نهــر‬
‫الفـرات القديــم أو عــى قنــوات مائيــة كبــرة‪ .‬وظهرت يف وســط الســهل‬
‫الرســويب وبعيــدا ً عــن تأثــر مدينــة الــوركاء مســتوطنات ســوف تصبــح‬
‫مــدن ذات أهميــة كبــرة يف عــر الســاالت املبكــرة والعصــور الالحقــة‬
‫مثــل‪ :‬أدب‪ ،‬وشــوروباك‪ ،‬ونيبــور‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪61‬‬

‫مصادر الفصل الثالث‬

‫‪ 1 .‬أبــو الصــوف ‪ ،‬بهنــام (‪ .)1968‬التنقيــب يف تــل الصوان(املوســم الرابــع)‪.‬‬


‫ســومر‪ ،‬مــج ‪.4‬‬
‫‪2 .‬آدمــز‪ ،‬روبــرت مــاك(‪ .)1984‬أطــراف بغــداد‪ ،‬تاريــخ االســتيطان يف ســهول‬
‫د�يــإىل‪ .‬ترجمــة‪ ،‬صالــح أحمــد العــي وآخــرون‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪3 .‬أور جيســون والحمــداين عبــد األمــر (‪ .)2014‬أمنــاط االســتيطان يف ســومر‬
‫واكــد‪ .‬مجلــة ســوبارتو‪ ،‬ع ‪.8‬‬
‫‪4 .‬اوبنهايــم ‪ ،‬ليــو(‪ .)1981‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ ،‬بغــداد‬
‫‪5 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد و جني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪ 6 .‬بصمجي‪ ،‬فرج ( ‪ .)1955‬الوركاء‪ .‬سومر‪ ،‬مج ‪ ،11‬ج‪1.‬‬
‫‪7 .‬بوتــس‪ ،‬دانيــال(‪ .)2006‬حضــارة وادي الرافديــن‪ ،‬األســس املاديــة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪8 .‬الخطــايب‪ ،‬عــي ســامل عبداللــه(‪ .)2011‬خصائــص املعبــد العامريــة مــن عــر‬
‫فجــر الســاالت إىل نهايــة العــر البابــي القديــم‪ .‬املوصــل‪.‬‬
‫‪ 9 .‬ســعيد‪ ،‬مؤيــد(‪ .)1988‬املــدن الدينيــة واملعابــد‪ .‬يف‪ .‬املدينــة والحيــاة املدنيــة‪.‬‬
‫ج‪ ،1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬سفر‪ ،‬فؤاد ولويد‪ ،‬سيتون( ‪ .)1945‬حفريات تل العقري‪ .‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪.1‬‬
‫ ‪11 .‬سفر‪ ،‬فؤاد(‪ .)1947‬حفريات مديرية اآلثار العامة يف أريدو‪ .‬سومر‪ ،‬مج ‪.3‬‬
‫ ‪12 .‬الشيخ‪ ،‬عادل عبد الله(‪ .)1985‬بدء الزراعة وأوىل القرى يف العراق‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪ 13 .‬الشــيخ‪ ،‬عــادل عبــد اللــه (‪ .)1995‬عــارة العــراق يف العرصيــن الحجــري‬
‫الحديــث والحجــري املعــدين حتــى نهايــة طــور العبيــد‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪14 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الشـــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‪.‬‬
62 ‫السومريون‬

‫أنــا يف عــر الطبقــة الرابعــة‬-‫ العــارة يف منطقــة أي‬.)1989(‫ هانريــش‬،‫لنــزن‬15 .


.46 ‫ مــج‬،‫ مجلــة ســومر‬،‫ عبــد الــرزاق كامــل‬،‫ ترجمــة‬.‫ملدينــة الــوركاء‬
،‫ ترجمــة‬.‫ نظريــات ودراســات‬.‫ آثــار بــاد الرافديــن‬.)2015(‫ روجــر‬،‫ماثيــوس‬16 .
.‫ بغــداد‬،‫محمــد صــري عبــد الرحيــم‬
‫ عيــى ســلامن‬،‫ ترجمــة‬.‫ الفــن يف العـراق القديــم‬.)1975 (‫ أنطــون‬،‫مورتــكات‬17 .
.‫ بغداد‬،‫وســليم التكريتــي‬
‫ اقتصــاد القــرى الزراعيــة خــال العرصيــن‬.)2006(‫ حســن يوســف‬،‫النجــم‬18 .
.‫ املوصــل‬.‫الحجريــن الحديــث واملعــدين يف الع ـراق‬

19 . Adams، R.M(1958).Survey of ancient water courses and Settlement in


central Iraq.Sumer،Vol،14،No،2.
20 . Adams، R.M(1965). Land behind Baghdad. A history of settlement on
the Diyala plains. Chicago & London.
21 . Adams،R.M(1966).The Evolution of Urban Society: Early Mesopotamia
and prehistoric in Mexico. Chicago.
22 . Adams،R،M & Nissen،H.J(1972). Uruk countryside. The Natural
setting of Urban Societies. Chicago & London.
23 . Algaze، G (1963).The Uruk world system، the dynamics of expansion
of early Mesopotamian civilizations. Chicago.
24 . Algaze،G(2001). Initial social complexity in Southwestern Asia .The
Mesopotamia advantage. Current Anthropology،Vol،42.
25 . Buringh،P(1957). Living conditions in the lower Mesopotamia Plain
in Ancient Times.Sumer،Vol،13
‫السومريون‬ 63

26 . Calvet، Y (19851986-). The new deep sounding X 36 at tell El Oueili.


Sumer ،Vol.44،No.1.
27 . Childe، G(1935). New light on the most ancient East .London.
28 . Crawford، H(2015). Ur The City of the Moon God. London.
29 . Diakonoff، I . M(1991). Early Antiquity. Chicago
30 . Finegan، J (1959). light from the ancient past. London.
31 . Green،M.W(1975). Eridu in Sumerian Literature. Chicago.
32 . Huot، J.L(2000). Ubaidian Villages of lower Mesopotamia. Chicago
33 . Jacobsen،Th(1958).The Diyala Basin Archaeological Project
.Sumer،Vol،14،No،2.
34 . Jasim،S(1989). Structure and Function in an Ubaid Village.(In).
Henrickson،E.F and Thuesen،I.(ed). Upon this Foundation the Ubaid
reconsidered. Copenhagen.
35 . Jasim، S(1983). Excavations at tell Abada، Preliminary report.
IRAQ،Vol،45، p،2
36 . Kubba،S(1990). The Ubaid period: Evidence of Architectural planning
and the use of a standard unit of measurement (the Ubaid Cubit) in
Mesopotamia. Paleorint،Vol،16،No،1.
37 . LIoyed،S & Safar،F(1943). Tell Uqair: Excavations by the Iraq
Government Directorate of Antiquates in 19401941-. J.N.E.S،Vol،2.
38 . LIoyed ،S(1960). Ur-al ‹Ubaid، ‹Uqair and Eridu. An Interpretation of
Some Evidence from the Flood-Pit. Iraq ،Vol، 22.
64 ‫السومريون‬

39 . Matthews، R(2000). The Early Prehistory of Mesopotamia.500،000 to


4،500 B.C. Berpols، Turnhout.
40 . Nissen،H.J(1972).The City wall of Uruk.(In). Ucko،P.J.(ed). Man،
Settlement and urbanism. London.
41 . Nissen، H،J(1988).The early history of the near east 90002000- B.C.
Chicago& London.
42 . Nissen،H.J(1989).The Ubaid period in the context of the Early
history of the Near East.(In). Henrickson،E.F and Thuesen،I.(ed). Upon this
Foundation the Ubaid reconsidered. Copenhagen.
43 . Oates،J(1993).Trade and Power in fifth and fourth Millennia B.C: New
evidence from Northern Mesopotamia. World Archaeology ،Vol، 24.
44 . Redman ،C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers to
Urban Society in the Ancient Near East. USA.
45 . Roaf،M(1984). Ubaid Houses and Temples.Sumer،Vol،43.
46 . Roaf،M (1984). Social Organization and Social Activities at Tell
Madhhur.(In). Henrickson،E.F(ed).Upon this foundation-the Ubaid
reconsidered .Copenhagen.
47 . Pournelle، J.R(2013).Physical Geography of the Sumerian world.U.S.A.
48 . Safar، F & Mustafa، M & Lloyed، S (1981). Eridu. Baghdad.
49 . Stein،G(1994). Economy، Ritual، and power in Ubaid Mesopotamia.
(In).Stein،G and Rothman،M.S(ed).Chiefdoms and early states in the Near
East .The Organizational Dynamics of complexity . Madison.
‫السومريون‬ 65

50 . Sjoberg،G(1960).The preindustrial City: Past and present . New York.


51 . Stronach،D(1961). Excavations at Ras al ‹Amiya. Iraq،Vol، 23،No،2.
52 . Zarins ،J ( 1992). The Early Settlement of Southern Mesopotamia:
A Review of Recent Historical ،Geological، and Archaeological Research.
Journal of the American Oriental society،Vol،112.
‫‪66‬‬ ‫السومريون‬

‫(‪)4‬‬
‫السومريون‪ ...‬العصر الذهبي‬
‫عصر السالالت المبكرة‬

‫‪ 4-1‬التسمية‬
‫يشــكل عــر الســاالت املبكــرة بــأدواره الثالثــة عـرا ً ذهبيـاً لألقــوام‬
‫الســومرية‪ ،‬وهــو يشــغل املــدة مــن ‪ 2350 - 2900‬ق‪.‬م‪ .‬وســمي عــر‬
‫الســاالت املبكــرة نتيجــة ظهــور حـكّام مســتقلني أداروا شــؤون دويــات‬
‫املــدن يف بــاد الرافديــن‪ ،‬وتــؤرش هــذه التســمية الجانــب الســيايس‪،‬‬
‫وأطلــق عليــه عــر دويــات املــدن (‪ ،)City-State‬كون الســمة األساســية‬
‫يف التنظيــات السياســية كانــت دولــة املدينــة‪ ،‬وهــي مؤسســة سياســية‬
‫غــر معروفــة يف الزمــن املبكــر‪ ،‬وكانــت كل دويلــة تضــم مدينــة‪ ،‬وأحيانـاً‬
‫مــدن عــدة مــع األرايض التــي تحيــط بهــا‪ ،‬ومنهــا املــدن والقــرى التابعــة‪،‬‬
‫وتــؤرش هــذه التســمية نوعيــة الحكــم‪.‬‬

‫‪ .4-2‬االستيطان يف عرص السالالت املبكرة‬


‫شــهدت املســتوطنات يف هــذا العــر منــوا ً جوهريــاً مــن ناحيــة‬
‫الحجــم والعــدد لكنهــا ظلــت إىل حــد كبــر ضمــن املنطقــة التــي تــم‬
‫اســتيطانها يف العصــور الســابقة‪ ،‬أي أن حــدود مناطق االســتيطان الرئيســة‬
‫يف الجنــوب ظلــت كــا هــي مــن دون أن تتغــر إال قلي ـاً عــن املراحــل‬
‫السومريون‬ ‫‪67‬‬

‫األقــدم (الخريطــة‪ :‬رقــم ‪ .) 6‬وقــد زادت مســاحة املســتوطن بشــكل كبــر‬


‫يف وســط بــاد الرافديــن إىل الشــال مــن مدينــة الــوركاء طــوال عــر‬
‫الســاالت املبكــرة حتــى مــع انخفــاض عــدد املســتوطنات‪ .‬وميكــن أن‬
‫يفــر هــذا امليــل نحــو قلــة عــدد املســتوطنات‪ ،‬مــع كــر حجمهــا‪ ،‬عــى‬
‫أنــه ليــس فقــط ظاهــرة جــذب الســكان مــن األرايض الرطبــة املجــاورة‬
‫مبــارشة‪ ،‬ولكــن ألن الجــزء املــريئ مــن املواقــع البــارزة يف هــذه املنطقــة‬
‫أصبــح غــر مــريئ تقريبـاً‪ ،‬إذ دفــن تحــت الرواســب غــر املمســوحة عــى‬
‫طــول شــط الغـراف‪ .‬يف حــن ث ُبــت حجــم بعــض املــدن املســتقرة يف أثنــاء‬
‫مــدة االنخفــاض يف عــدد الســكان الــذي لوحــظ يف الســهل الشــايل كــا‬
‫هــو الحــال مــع مدينــة نيبــور التــي ظــل حجمهــا مســتقرا ً إىل حــد مــا‪،‬‬
‫ورمبــا يعــود هــذا األمــر إىل وظيفــة املدينــة الخاصــة كمركــز دينــي؛ فقــد‬
‫كانــت مســاحتها بحلــول نهايــة عــر الســاالت املبكــرة تقــدر بنحــو‪50‬‬
‫هكتــار‪ ،‬يف حــن كانــت مســتوطنة أبــو الصالبيــخ يف الشــال الغــريب‬
‫مبســاحة تقــدر بنحــو ‪ 25‬هكتــار‪.‬‬
‫تقــع أغلــب املســتوطنات يف عــر الســاالت املبكــرة املتأخــر عــى‬
‫الطــرق الرئيســة مــا يؤكــد األهميــة البالغــة للوصــول إىل امليــاه ألغـراض‬
‫الــري‪ ،‬ويبــدو أن القنــوات املتفرعــة مــن نهــر الفــرات هــي األكــر‬
‫اكتظاظـاً باملســتوطنات والســكان كــا يف مــدن أو ّمــا وأدب‪ .‬ويالحــظ أن‬
‫مدينــة الــوركاء فقــدت تفوقهــا الســابق‪ ،‬وظهــرت مــدن رئيســة أخــرى‬
‫مثــل‪ :‬الرســا‪ ،‬وبادتبـرا يف الطــرف الجنــويب مــن الســهل الرســويب‪ .‬ويقــدر‬
‫آدمــز مــا نســبته ‪ 78‬باملائــة مــن الســكان يف هــذا العــر كانــوا يعيشــون‬
‫يف مســتوطنات تزيــد مســاحتها عــن ‪ 10‬هكتــار‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫السومريون‬

‫كانــت املــدن الرئيســة يف أواخــر عــر الســاالت املبكــرة كبــرة‬


‫ومأهولــة بالســكان‪ .‬ورمبــا كانــت لگــش هــي األكــر بــن املــدن‪ ،‬إذ‬
‫بلغــت مســاحة االســتيطان فيهــا بحــدود ‪ 500‬هكتــار‪ ،‬يف حــن بلغــت‬
‫مســاحة منافســتها أو ّمــا نحــو ‪ 200-175‬هكتــارا ً‪ .‬وكانــت معظــم املراكــز‬
‫الحرضيــة صغــرة‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن رشوبــاك كانــت بحــدود ‪ 100‬هكتار‪.‬‬
‫ومــع الــروة املميــزة لعائلتهــا امللكيــة إال أن مســاحة أور مل تتجــاوز‬
‫‪ 50‬هكتــارا ً‪ .‬ويبــدو أن هنــاك عالقــة عكســية بــن النــزاع املســتمر‬
‫واالســتقرار لذلــك فــإن مــا ندعــوه عــر دويــات املــدن كان مرحلــة‬
‫غــر مســتقرة الن نســبة قليلــة مــن الســكان شــعرت باألمــن مبــا مكنهــا‬
‫مــن االســتقرار يف األريــاف خــارج أســوار املــدن‪.‬‬

‫‪ .4-3‬الحالة االقتصادية يف عرص السالالت املبكرة‬


‫شــكلت الزراعــة املصــدر الرئيــس للمعيشــة لســكان الجنــوب‬
‫الرافدينــي‪ ،‬فقــد مارســها عــدد كبــر مــن ســكان املســتوطنات‪ ،‬فضـاً عــن‬
‫الفالحــن يف القــرى اإلنتــاج الزراعــي‪ .‬واعتمــدت الزراعــة إىل حــد كب ـرا ً‬
‫عــى الــري‪ ،‬وهــو مــا شــكل مرتك ـزا ً حاس ـاً يف تحديــد أمنــاط االســتيطان‬
‫واســتعامل األرايض‪ .‬فقــد حفــر عــدد كبــر مــن القنــوات الجديــدة لدعــم‬
‫املســتوطنات الجديــدة‪ ،‬وزرعــت أر ٍاض جديــدة عــى نحــو كثيــف‪.‬‬
‫وبقــي الرعــي أحــد املــوارد االقتصاديــة املهمــة يف هــذه املنطقــة‪،‬‬
‫وال ســيام املــوايش واألغنــام واملاعــز‪ ،‬وقــد احتفظــت املعابــد بأعــداد‬
‫كبــرة منهــا‪ ،‬فضـاً عــن امتــاك الفالحــن واملزارعــن أعــداد أقــل منهــا‪.‬‬
‫وأمتلــك البــدو الرحــل وشــبه الذيــن يقيمــون عــى أطـراف املــدن أعــداد‬
‫السومريون‬ ‫‪69‬‬

‫مــن املاشــية اســتعملت ألغـراض متنوعــة‪ .‬وشــكل الصيــد الــري واملــايئ‬


‫مصــدرا ً آخــرا ً لســكان املســتوطنات‪ ،‬ومارســوا الصناعــات والحــرف‬
‫التــي ترتبــط بالزراعــة وتربيــة الحيوانــات مثــل‪ :‬املنســوجات‪ ،‬والجلــود‪،‬‬
‫وصناعــة األلبــان‪ .‬وقــد شــكلت صناعــة املنســوجات أهــم الصــادرات‬
‫عــى وفــق مــا جــاء يف النصــوص الكتابيــة‪ ،‬وقــد عــر عــى ورش صناعتها‬
‫يف املعابــد والقصــور‪ .‬ومــارس ســكان املســتوطنات التجــارة بنوعيهــا‬
‫الداخليــة والخارجيــة‪ ،‬إذ حفلــت النصــوص الكتابيــة بإشــارات كثــرة عــن‬
‫مزاولــة الســكان عمليــة تبــادل الســلع واملنتجــات‪.‬‬

‫‪ .4-4‬الحالة السياسية يف عرص السالالت املبكرة‬


‫كانــت القســم الجنــويب مــن بــاد الرافديــن بحلــول منتصــف األلفيــة‬
‫الثالثــة قبــل امليــاد موطنـاً لعــدد مــن دويــات املــدن املتناحــرة إىل حــد‬
‫مــا‪ ،‬وقــد ارتبــط ســكان هــذه املــدن ارتباط ـاً وثيق ـاً بثقافتهــم املاديــة‬
‫املشــركة وجوارهــم‪ ،‬وإن متتعــوا باســتقالليتهم السياســية‪ .‬وغالب ـاً مــا‬
‫كان يوصــف حــكّام هــذه الــدول اليــوم بأنهــم ملــوك‪ ،‬ولكــن هنــاك‬
‫عــددا ً مــن األلقــاب يف الســومرية‪ ،‬مثــل‪« :‬أيــن» و«أنــي» و«باتيــي»‬
‫و«ســانكا» و «لــوگال»‪ ،‬والتــي ال تعــرف داللتهــا عــى وجــه الدقــة‪.‬‬
‫ويظهــر لقــب واحــد يبــدو أن لــه أهميــة خاصــة‪ .‬ويبــدو أن لقــب ملــك‬
‫كيــش قــد احتفــظ بــه الحـكّام الذيــن متكنــوا ملــدة وجيــزة مــن إخضــاع‬
‫مدينــة واحــدة أو أكــر مــن جريانهــم‪ ،‬وهــو يلمــح إىل نــوع مــن ســيادة‬
‫أوســع‪ .‬فقــد حمــل (ميســكاالمدوگ)‪ ،‬أحــد ملــوك أور هــذا اللقــب‪،‬‬
‫فضــاً عــن لقــب ملــك أور‪ ،‬ولكــن بعــد وفاتــه يبــدو أن أور فقــدت‬
‫‪70‬‬ ‫السومريون‬

‫أهميتهــا السياســية ومل يعــد خلفــاؤه املبارشيــن يدعــون بهــذا اللقــب‬


‫األوســع‪ .‬لقــد ســاد نظــام (دويالت‪-‬املــدن) يف معظــم عــر الســاالت‬
‫املبكــرة‪ ،‬وهــو عبــارة عــن وحــدات وأنظمــة سياســية تتمتــع بحكــم ذايت‬
‫قائــم حــول مدينــة رئيســة واحــدة‪ .‬ويبــدو أن أول املحــاوالت لتشــكيل‬
‫هــذا النــوع مــن الدويــات جــاءت نتيجــة تحطيــم نظــام العشــائر‪،‬‬
‫إذ قســم أفــراد كل عشــرة إىل طبقــات‪ ،‬منهــا طبقــة ذات امتيــازات‬
‫وأخــرى أقــل منهــا‪ ،‬وقســمت الطبقــة األخــرة إىل طبقتــن مهنيتــن‪ ،‬وقــد‬
‫أســهم هــذا التقســيم إىل ايجــاد حالــة مــن النـزاع والـراع بينهــا‪ .‬لقــد‬
‫شــكل القضــاء عــى اســتقاللية العشــرة كأســاس للنظــام االجتامعــي يف‬
‫املجتمــع وعــى وحدتهــا ومتاســكها املنطلــق لتكويــن هــذا النظــام‪ .‬إن‬
‫إحــدى املهــام الرئيســة لهــذا النظــام الســيايس هــو القــدرة الواضحــة‬
‫عــى مامرســة التجــارة الخارجيــة‪ ،‬إذ مل تســتطع املجموعــات الصغــرة‬
‫توفــر الحاميــة للطــرق التجاريــة‪ .‬لــذا قامــت هــذه املؤسســة الجديــدة‬
‫بهــذا الــدور‪ ،‬فهــي املهيمنــة عــى طــرق املواصــات النهريــة والربيــة‪،‬‬
‫وهــي مالكــة وســائط النقــل بأنواعهــا املختلفــة‪ .‬وأدت أطــاع هــذا‬
‫النظــام إىل قيــام النزاعــات والحــرب كــا سنشــر يف مواضــع أُخــر‪.‬‬
‫ويســتعمل مصطلــح (دويلــة املدينــة) عــى نحــو كثــر للداللــة عــى‬
‫وحــدة سياســية تتألــف مــن مدينــة مركزيــة تحيــط بهــا مناطــق ريفيــة‬
‫قريبــة قوامهــا حقــول زراعيــة ومراعــي‪ ،‬ورمبــا عــدد قليــل مــن القــرى‬
‫التابعــة‪ ،‬وتشــبه يف كثــر مــن األحيــان منــوذج دويــات املــدن اليونانيــة‪.‬‬
‫وتكشــف أمنــاط االســتيطان والوثائــق املدونــة أن دويلــة املدينــة‬
‫كانــت واحــدة مــن عــدد مــن أشــكال التنظيــم الســيايس املمكنــة‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪71‬‬

‫فقــد كانــت دويلــة لگــش مث ـاً كيان ـاً سياســياً مؤلف ـاً مــن ثــاث مــدن‬
‫وبعــض املســتوطنات املرتبطــة بهــا‪ ،‬إذ أنهــا تضــم فض ـاً عــن مدينــة‬
‫لگــش مــدن گريســو ونينــا‪ ،‬وهــا مدينتــان كبريتــان يف حــد ذاتهــا‪،‬‬
‫فقــد بلغــت مســاحة األوىل نحــو ‪ 370‬هكتــار‪ ،‬والثانيــة نحــو ‪ 67‬هكتــار‬
‫عــى وفــق صــور األقــار الصناعيــة‪ .‬وكان الكيــان الســيايس يف كيــش‬
‫يتمتــع بســيطرة سياســية شــملت أنحــاء ســومر إىل درجــة أنهــا كانــت‬
‫تقــوم بتعيــن وتثبيــت الحــدود بــن دويلتــي أو ّمــا ولگــش كــا سنشــر‬
‫يف موضــع آخــر إىل تفاصيــل هــذا النــزاع‪ .‬وإذا مــا أُتيحــت الفرصــة‬
‫لح ـكّام دويــات املــدن فإنهــم كانــوا يفرضــون حكمهــم عــى املــدن‬
‫املســتقلة عنهــم‪ .‬وقــد اســتمر اثنــان مــن هــذه األنظمــة السياســية يف‬
‫نهايــة األلــف الثالــث ق‪.‬م واحــد يف أكــد (الســالة األكديــة)‪ ،‬وآخــر يف‬
‫أور (ســالة أور الثالثــة) ألجيــال عــدة‪.‬‬
‫ويبــدو أن دويــات املــدن يف عــر الســاالت املبكــرة كانــت محكومة‬
‫مــن محافظــن أو أم ـراء رمبــا مبســاعدة نــوع مــن التجمــع للمواطنــن‪.‬‬
‫وكان للحاكــم واجبــات عســكرية وقضائيــة ودينيــة‪ ،‬ويبــدو أن ســلطة‬
‫املعبــد أقــل مــا كانــت عليــه يف عــر الــوركاء الســابق‪ ،‬مــع أن املعبــد‬
‫اســتمر يف كونــه مالــكاً رئيسـاً لــأرايض وجــزءا ً حيويـاً مــن االقتصــاد‪ ،‬حتــى‬
‫أن بعــض الباحثــن أطلــق عــى هــذه املؤسســة اســم دولــة املعبــد‪ .‬ويبــدو‬
‫أن الجوانــب الدنيويــة والدينيــة للدولــة كانــت يف نــوع مــن التــوازن‪.‬‬
‫وكان النظــام الســيايس يف هــذه املرحلــة نظامــاً متطــورا ً وليــس‬
‫بدائي ـاً‪ ،‬وتخضــع ترصفــات امللــك أو الحاكــم أحيان ـاً عــى األقــل لــرأي‬
‫مجلــس مــن الشــيوخ والكبــار يف املجتمــع‪ ،‬أو حتــى ملجموعــة مــن‬
‫‪72‬‬ ‫السومريون‬

‫الرجــال األح ـرار‪ .‬وقــد ارتبطــت امللكيــة بشــكل مبــارش باإللــه الرئيــس‬
‫لــكل مدينــة‪ .‬إذ مــن املعــروف أن اآللهــة خلقــت اإلنســان بهيئــة‬
‫بدائيــة‪ ،‬وعملــت عــى منحــه الحكمــة والعلــم ليصبــح قــادرا ً عــى‬
‫تســنم املنصــب اإللهــي املهــم وهــو امللكيــة‪ .‬إذ متتلــك اآللهــة شــارات‬
‫امللكيــة ومتنــح لــرا ٍع مــن البــر‪ .‬وكانــت اآللهــة تحكــم مــدن بــاد‬
‫الرافديــن قبــل الطوفــان‪ ،‬وتذكــر أســطورة الطوفــان الســومرية رصاحــة‬
‫إن اإللــه أنــي وآلهــة أخــرى كانــوا يحكمــون مــدن أريــدو‪ ،‬وبادتب ـرا‪،‬‬
‫والراك‪ ،‬وســبار‪ ،‬ورشوبــاك عــى التعاقــب‪.‬‬
‫ومبــا أن معلوماتنــا عــن العالقــات السياســية مســتمدة بالدرجــة‬
‫األســاس مــن النصــوص الكتابيــة لذلــك فأنهــا محــددة بتاريــخ أقــدم‬
‫املدونــات‪ ،‬أي نحــو ‪ 2600‬ق‪.‬م‪ ،‬إذ ظهــرت الكتابــة عــى نطــاق واســع‪.‬‬
‫ومتيــز عــر الســاالت املبكــرة بالــراع بــن دويــات املــدن‪ ،‬وقــد‬
‫انتهــى هــذا الـراع يف بعــض األحيــان بتدمــر مــدن األعــداء والســيطرة‬
‫عليهــا‪ .‬ومل يقتــر الـراع عــى مــدن بــاد الرافديــن بــل شــمل كذلــك‬
‫دويــات املــدن األخــرى؛ مثــل بــاد عيــام لعــدم وجــود حواجــز طبيعية‬
‫وسياســية‪ ،‬أو رمبــا أنتــج الـراع بــن دويــات املــدن يف الســهل الرســويب‬
‫عــى فــرض الســيادة والهيمنــة عــى هــذه املنطقــة حالــة ضعــف كبــرة‬
‫أدت بالــرورة إىل نقــل امللكيــة إىل مــدن خــارج منطقــة الســهل‬
‫الرســويب كــا يف حالــة دويلــة آوان‪.‬‬
‫وقــد جــرت محــاوالت عــدة يف هــذا العــر لتوحيــد دويــات املــدن‬
‫يف كيــان ســيايس واحــد‪ ،‬فقــد ســعى امللــك لوگال‪-‬آنيمونــدو أحــد ملــوك‬
‫مدينــة أدب أن يلــم شــمل دويــات املــدن هــذه يف دولــة واحــدة‪،‬‬
‫السومريون‬ ‫‪73‬‬

‫وقــد حكــم مــا يقــرب مــن التســعني ســنة وامتــدت دولتــه إىل مــدن‬
‫إيـران رشقـاً وإىل البحــر املتوســط غربـاً‪ ،‬ومــن جبــال طوروس شــاالً إىل‬
‫الخليــج جنوبـاً‪ ،‬ولقــب نفســه (ملــك الجهــات األربــع للعــامل)‪ ،‬وذكــرت‬
‫جــداول امللــوك الســومرية أنــه‪( :‬جعــل البلــدان األجنبيــة تدفــع لــه‬
‫جزيــة دامئــة)‪ ،‬وعمــل عــى أن يعيــد إىل بــاد ســومر(مجدها القديــم)‪.‬‬
‫وحــاول مســيليم ملــك كيــش الســر عــى نهجــه يف الســيطرة والتوســع‪،‬‬
‫ومــع أنــه لقــب نفســه بلقــب (ملــك كيــش)‪ ،‬ولكــن يبــدو أنــه مل‬
‫يســيطر عــى أغلــب مــدن الجنــوب الرافدينــي‪ .‬فقــد كانــت دويــات‬
‫املــدن الســومرية هــذه كانــت تتميــز بشــخصيتها الفرديــة ومقاومتهــا‬
‫الشــديدة أي شــكل مــن الســيطرة السياســية املركزيــة‪.‬‬
‫ويعــد ثبــت امللــوك أو مــا يعــرف بجــداول امللــوك الســومريني‬
‫مــن أهــم الوثائــق التــي ميكــن أن نســتقرأ منهــا الوضــع الســيايس يف‬
‫هــذه املرحلــة‪ .‬وقــد كتبــت هــذه الجــداول باللغــة الســومرية والخــط‬
‫املســاري‪ ،‬وتحتــوي عــى معلومــات مختــرة عــن بعــض الحـكّام مثــل‬
‫مــدد حكمهــم وأســاء آبائهــم‪ .‬لســوء الحــظ‪ ،‬فــأن تأريخيتهــا غــر‬
‫مؤكــدة‪ ،‬وهنــاك مــن يذهــب بعيــدا ً ويــرى أنهــا محــض خيــال‪ .‬وقــد‬
‫كُتبــت بعــد أكــر مــن ألــف عــام مــن األحــداث األقــدم التــي ســجلتها‪،‬‬
‫وإن عــددا ً مــن امللــوك األوائــل الذيــن حكمــوا قبــل الطوفــان‪ ،‬وقليــل‬
‫مــن الذيــن جــاءوا بعــده‪ ،‬كانــوا قــد أعطــوا مــددا ً طويلــة مبــا يبعث عىل‬
‫الســخرية‪ ،‬ومــن ثــم تــرز عالمــات اســتفهام مبــارشة يف أذهاننــا‪ .‬ويبــدو‬
‫أنهــا كتبــت كقطعــة دعايــة لســالة إيســن الحاكمــة التــي اغتصبــت‬
‫عــرش تلــك املدينــة يف أوائــل األلــف الثــاين ق‪.‬م‪ ،‬وكانــت تحــاول إثبــات‬
‫‪74‬‬ ‫السومريون‬

‫رشعيتهــا عــن طريــق وضــع نفســها يف تقليــد موقــر لقامئــة امللــوك‪.‬‬


‫وقــد كان مثــل هــذا االســتعامل الصــارخ للدعايــة ســبباً آخــر للحــذر‪،‬‬
‫فضـاً عــن حقيقــة أن بعــض الحـكّام املعروفــن مــن كتابتهــم مل يذكــروا‬
‫يف القامئــة‪ ،‬وهــو مــا يشــكل صعوبــة أخــرى‪ .‬فقــد اســتبعدت ســالة‬
‫أور‪ -‬نانشــة يف لگــش التــي أثبتــت كتاباتهــم أنهــم حكمــوا تلــك املدينــة‬
‫لتســعة أجيــال مــن منتصــف األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪.‬‬
‫ويبــدو أن التفســر األكــر ترجيحـاً لهــذا اإلغفــال‪ ،‬أن أيســن‪ ،‬حــن كُتبت‬
‫القامئــة‪ ،‬كانــت متورطــة يف نـزاع مــع لگــش‪ ،‬وترغــب يف تشــويه ادعــاء‬
‫األخــرة بأنهــا حكمــت بنجــاح‪ .‬وهنــاك مشــكلة أخــرى تتعلــق بحـكّام‬
‫املــدن املختلفــة الذيــن نعــرف مــن كتاباتهــم أنهــم كانــوا متعارصيــن‪،‬‬
‫وكانــوا يظهــرون عــى نحــو متعاقــب يف قامئــة امللــوك‪ .‬وبحلــول منتصف‬
‫األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬أكــد التقليــد عــى أن امللكيــة– عــى وفــق القامئــة‪،‬‬
‫نزلــت مــن الســاء كهديــة للبرشيــة مــن اآللهــة‪ -‬ال ميكــن أن تحتفــظ‬
‫بهــا ســوى مدينــة واحــدة يف كل مــرة‪ .‬وهــذا يعنــي أن مدينــة واحــدة‬
‫فقــط ميكــن أن تحكــم بــاد ســومر يف هــذه املــرة‪ .‬وبســبب هــذا‬
‫االعتقــاد‪ ،‬كان البــد مــن إظهــار الح ـكّام املعارصيــن لدويــات املــدن‬
‫يف الســهل عــى أنهــم يتبعــون بعضهــم بعضـاً ليتــم التوافــق مــع هــذا‬
‫التقليــد‪ .‬كــا فرضــت اآللهــة بأنــه ال ميكــن ألي مدينــة أن تحكــم‬
‫إىل األبــد‪ ،‬وكذلــك ال ميكــن ألي ســالة أن تحكــم إىل األبــد أيض ـاً‪ ،‬وأن‬
‫امللوكيــة يجــب أن متــرر عــى نحــو حتمــي مــن مدينــة إىل أخــرى‪ .‬ويتــم‬
‫تســجيل نهايــة كل ســالة يف قامئــة امللــوك بالصيغــة اآلتيــة‪ :‬املدينــة (‪)X‬‬
‫رضبــت باألســلحة‪ ،‬وتــم نقــل امللكيــة إىل املدينــة (‪.)Y‬‬
‫السومريون‬ ‫‪75‬‬

‫وتذكــر هــذه الجــداول أســاء ومــدد حكــم امللــوك الذيــن حكمــوا‬


‫القســم الجنــويب منــذ أقــدم االزمنــة وحتــى زمــن كتابتهــا‪ ،‬وقــد عــدت‬
‫حادثــة الطوفــان حــدا ً فاص ـاً بــن ســاالت قبــل الطوفــان ومــا بعــده‪.‬‬
‫وتشــر هــذه الوثيقــة إىل أن امللوكيــة قــد نزلــت مــن الســاء بعــد‬
‫الطوفــان يف مدينــة كيــش (تــل األُحيمــر)‪ .‬وتقــع هــذه املدينــة عــى‬
‫نهــر الفـرات يف محافظــة بابــل‪ ،‬أي يف الطــرف الشــايل مــن أرض ســومر‪،‬‬
‫وأشــارت إىل أن هــذه املدينــة حكــم فيهــا أكــر مــن عرشيــن ملــكاً‬
‫حكمــوا ملــدد طويلــة مبالــغ فيهــا‪ .‬لقــد كانــت هــذه املدينــة هــي‬
‫مقــر امللكيــة‪ ،‬القيــادة الزمنيــة‪ .‬ويعــد امللــك مســيليم (مــن نحــو ‪2600‬‬
‫ق‪.‬م) مــن أقــدم امللــوك الســومريني الذيــن نعــرف أخبارهــم‪ ،‬وإن مل‬
‫يــرد اســمه يف جــداول امللــوك الســومرية‪ ،‬وقــد حمــل صولجــان مصنــوع‬
‫مــن حجــر الكلــس األبيــض بارتفــاع يقــرب مــن ‪ 20‬ســم عــر عليــه يف‬
‫مدينــة لگــش‪ ،‬وقــد زيــن برســوم أُســود عــدة‪ ،‬مــع ذكــر اســمه مــع‬
‫لقــب ملــي‪ ،‬كــا عــر يف املدينــة نفســها عــى رأس رمــح ألحــد ملــوك‬
‫كيــش نقــش عليــه فقــط لقــب (لــوگال) (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)1‬‬
‫وكان امللــك أيتانــا مــن أبــرز ملــوك هــذه الســالة‪ ،‬والــذي حكــم‬
‫بحســب إثبــات امللــوك الســومريني نحــو ‪ 2750‬ق‪.‬م‪ ،‬وهــو رابــع ملــوك مــا‬
‫بعــد الطوفــان يف مدينــة كيــش‪ ،‬وقــد حكــم مــدة ‪ 635‬ســنة‪ .‬وأشــار ثبــت‬
‫امللــوك لــه بعبــارة‪( :‬هــو الــذي رســخ حكــم كل البلــدان) التــي رمبــا تعنــي‬
‫ضمنيـاً أنــه حــاول فــرض ســلطته عــى كل مــدن الجنــوب الرافدينــي‪ ،‬ورمبا‬
‫يســجل لــه أنــه مؤســس أول إمرباطوريــة يف التاريــخ كــا يذكــر الســيد‬
‫صاموئيــل كرميــر‪ .‬وتذكــر قصــة أســطورية وردت يف هــذه الجــداول أنه كان‪:‬‬
‫‪76‬‬ ‫السومريون‬

‫(رجـاً صعــد إىل الســاء) (الشــكل‪ :‬رقــم ‪ .)2‬وتشــر نصــوص كتابيــة متأخرة‬
‫أنــه كان تقيـاً ورعـاً لكنــه شــارف عــى الشــيخوخة وزوجــه ال تلــد فعمــل‬
‫عــى نيــل عطــف اآللهــة لتمنحــه وريث ـاً للعــرش‪ ،‬وكان يصــي يف كل يــوم‬
‫ويقــدم قرابينــه إىل اآللهــة مــن أحســن مواشــيه لتنظــر إليــه بعــن العطــف‬
‫وترفــع عنــه العقــم‪ ،‬ويبلغــه نبــأ عــن نبتــة مزروعــة يف الســاء تُشـ ِفي مــن‬
‫العقــم‪ ،‬فيدعــو اإللــه أوتو(شــمش) أن يجعــل هــذه النبتــة يف متنــاول يــده‪.‬‬
‫فيســتجيب لــه اإللــه ويدلــه عــى مــكان نــر حبيــس ومريــض‪ ،‬ويقــوم‬
‫بتحريــره واشــفاءه وتدريبــه مــن جديــد عــى الط ـران لقــاء أن يطــر بــه‬
‫إىل الســاء (الرابعــة) حيــث نبتــة اإلخصــاب التــي تتعهدهــا اإللهــة أينانــا‬
‫(عشــتار) ســيدة الحــب والــوالدة بالرعايــة والســقاية ومنهــا إىل آن يف‬
‫الســاء (الســابعة) يك مينحــه اإلذن والربكــة والخلــود‪.‬‬
‫وتنتهــي األســطورة التــي تحمــل هــذه التفاصيــل التــي أوردناهــا‬
‫أعــاه بوصــول أيتانــا إىل الســاء الســابعة‪ ،‬إذ يلــج فيهــا عــر بوابــة‬
‫أنليــل وأيّــا وليســجد بــن يــدي كبــر مجمــع االلهــة آن الــذي يقــرر‬
‫منحــه عشــبة الحيــاة التــي منحــت زوجــه املقــدرة عــى انجــاب وريــث‬
‫لــه (ويدعــى بحســب قامئــة امللــوك الســومريني بليــخ)‪.‬‬
‫ونعــرف مــن تفاصيــل كتابيــة الحقــة أنــه مل يســتقر يف الســاء بــل‬
‫ســكن يف العــامل الســفيل كــا يــرد ذلــك يف اللــوح الســابع مــن ملحمــة‬
‫گلگامــش‪ ،‬وهــو املــكان الــذي يجــب أن ينــزل إليــه يف النهايــة كل‬
‫اللذيــن مصريهــم املــوت مهــا عظمــت انجازاتهــم‪.‬‬
‫ويبــدو أن حكــم آخــر ملــك لســالة كيــش وهــو امللــك (آكا أو آگا)‬
‫السومريون‬ ‫‪77‬‬

‫يتعــارص مــع ظهــور ســالة الــوركاء األوىل التــي كان گلگامــش خامــس‬
‫ملوكهــا‪ ،‬والــذي دخــل يف الحــرب مــع ســالة كيــش وملكهــا (آكا)‪ ،‬كــا‬
‫سنشــر إىل هــذا املوضــوع عنــد الحديــث عــن البطــل الســومري گلگامــش‪.‬‬
‫وتظهــر يف هــذه الحقبــة بعــد ســالة الــوركاء األوىل ســالة جديــدة‬
‫هــي ســالة أور األوىل يف مدينــة أور‪ ،‬و ُحكمــت مــن أربعــة ملــوك حكمــوا‬
‫مــا يقــرب مــن ‪ 177‬ســنة‪ .‬ويبــدو أن مؤسســها امللــك (ميــس‪ -‬انيبــادا) كان‬
‫معــارصا ً مللــك الــوركاء گلگامــش وملــك كيــش آكا‪ ،‬ورمبــا يكــون هــو مــن‬
‫وضــع نهايــة ســالة كيــش وحاكمهــا آكا‪ ،‬وترجــع إىل زمــن هــذه الســالة‬
‫املقــرة امللكيــة الشــهرية التــي عــر عليهــا يف مدينــة أور كــا سنشــر عنــد‬
‫الحديــث عــن هــذه املدينــة الشــهرية‪ .‬إذ عــر عــى اســم امللــك املؤســس‬
‫وابنــه (أنيبــادا) عــى األختــام وطبعــات األختــام مــن طبقــة تغطــي بقايــا‬
‫املقــرة امللكيــة‪ .‬وأطلــق امللــك (ميــس‪ -‬انيبــادا) املؤســس الرســمي للســالة‬
‫األوىل يف أور عــى نفســه أيضـاً اســم ملــك كيــش‪ -‬وهــو لقــب يوحــي عــى‬
‫مــا يبــدو إىل أن نفــوذه امتــد إىل مــا بعــد أور نفســها‪.‬‬
‫ورمبــا حصــل مؤســس هــذه الســالة عــى التخويــل الديني عــن طريق‬
‫الســيطرة عــى مدينــة نفــر املقدســة‪ ،‬إذ يذكــر أنــه شــيد بنايــة يف محيــط‬
‫معبــد اإللــه أنليــل يف أواخــر حكمــه‪ ،‬وعمــل أبنــه وخليفتــه (انيبــادا) عــى‬
‫إعــادة بنــاء معبــد «تُ ّــال» الخاصــة باإللهــة األم ننليــل قرينــة اإللــه أنليــل‪.‬‬
‫ونالــت دويلــة مدينــة لگــش بقيــادة ملكهــا اريشــكيگال االســتقالل‬
‫عــن هيمنــة كيــش‪ ،‬ولكــن حكمــه مل يــدم طويـاً‪ ،‬إذ أن ســالة جديــدة‬
‫ظهــرت يف املدينــة ذاتهــا‪ ،‬وأغتصــب ملكهــا املدعــو أور‪-‬نانــي الحكــم‬
‫‪78‬‬ ‫السومريون‬

‫ونصــب نفســه ملــكاً لهــذه الدويلــة مــن نحــو ‪ 2494‬ق‪.‬م‪ .‬وتعــد هــذه‬
‫الســالة التــي تعــرف بســالة لگــش األوىل مــن أهــم الســاالت التــي‬
‫حكمــت يف بــاد الرافديــن يف عــر الســاالت املبكــرة‪ .‬وأســقطت هــذه‬
‫الســالة مــن قامئــة امللــوك‪ ،‬ولكــن مــن املمكــن إعــادة تشــكيلها مــن‬
‫كتابــات الحــكّام أنفســهم‪ .‬فقــد كان الحاكــم الثالــث لهــذه الســالة‬
‫(أياناتــم) محارب ـاً ناجح ـاً‪ ،‬وهــو الــذي هــزم أومــا جــارة لگــش‪ ،‬إذ كان‬
‫هنــاك عــداء طويــل األمــد عــى امتــداد منطقــة متنــازع عليهــا‪ .‬وقــد‬
‫وثــق هــذا النــر عــى نــص كتــايب‪ ،‬وصــور عــى مسـلّة النســور الشــهرية‬
‫كــا سنشــر يف الصفحــات القادمــة‪ .‬وكان مــن بــن أبــرز حكامهــا‪:‬‬
‫اين‪ -‬خني‪ -‬كَال‪ ،‬كورسار‪.‬‬
‫أور‪-‬نانشة‪.‬‬
‫آكور‪-‬گال‪.‬‬
‫أياناتم‪.‬‬
‫أيناناتم األول‪.‬‬
‫أنتمينا‪.‬‬
‫أيناناتم الثاين‪.‬‬
‫أيتنارزي‪.‬‬
‫لوكَالندا‪.‬‬
‫أوركاجينا‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪79‬‬

‫ويعــد امللــك أوركاجينــا آخــر حــكام هــذه الســالة‪ ،‬ويكتــب اســمه‬


‫أحيان ـاً (أوروامنكَينــا)‪ .‬وقــد حمــل هــؤالء الحــكام لقــب أنــي الــذي‬
‫يعنــي الحاكــم أو األمــر أو حاكــم املدينــة املســتقلة‪ .‬ويعتقــد أن نســب‬
‫هــذه الســالة يعــود إىل شــخصية تعــرف ﺑ «گونيــدو» جــاء ذكرهــا يف‬
‫نصــوص امللــك أور‪-‬نانشــة‪ .‬وتعــارص هــذه الســالة عــدد مــن الســاالت‬
‫امللكيــة يف الســهل الرســويب مثــل‪ :‬الــوركاء‪ ،‬وكيــش‪ ،‬وأو ّمــا‪.‬‬
‫وال يعــرف الكثــر عــن أصــل امللــك األول أور‪-‬نانشــة املؤســس‪ ،‬ويبــدو‬
‫أنــه مل يكــن مــن عائلــة ملكيــة‪ ،‬إذ يذكــر أن اإللهــة (نانشــة) هــي مــن‬
‫اختارتــه للملوكيــة‪ ،‬ويذكــر يف أحــد النصــوص أنــه مــن أصــل جــزري مــن‬
‫املنطقــة الواقعــة إىل الغــرب مــن بــاد ســومر‪ .‬وحكــم مــن نحــو (‪2494‬‬
‫‪ 2465 -‬ق‪.‬م)‪ ،‬ومــع أنــه يذكــر يف كتاباتــه اســم والــده (گونيــدو)‪ ،‬وجــده‬
‫(كورســار)‪ ،‬ولكنــه مل يــر إىل أنهــا حكــا قبلــه‪ ،‬إال أن نصوص ـاً أخــرى‬
‫تذكــر أن هنــاك ملــوكاً آخريــن ســبقوه يف الحكــم‪ ،‬إذ عــر عــى نــص‬
‫مــدون يعــود يف تاريخــه تدوينــه إىل زمــن امللــك (مســيليم) حاكــم مدينة‬
‫(كيــش) ورد فيــه اســم (أيــن‪ -‬خــن‪ -‬گال) عــى أنــه ملــك ســالة (لگــش)‪،‬‬
‫كــا أن املعاهــدة ترجــع زمــن النـزاع بــن دويلتــي (أو ّما ولگــش) إىل زمن‬
‫امللــك (مســيليم) الــذي كان الحكــم يف ذلــك النـزاع‪ ،‬وتاريــخ حكــم هــذا‬
‫امللــك يســبق تاريــخ حكــم (أور نانشــة) بجيلــن عــى األقــل‪ .‬ويبــدو أن‬
‫املدينــة كانــت مدمــرة قبــل حكــم امللــك أور‪ -‬نانشــة فعمــل عــى إعــادة‬
‫بنائهــا‪ ،‬إذ جــاء يف النصــوص أنــه بنــى معابــد لآللهــة‪( :‬نانشــة‪ ،‬وننگرســو‪،‬‬
‫وأنــي‪ ،‬وننــار)‪ .‬ويبــدو أنــه قــام ببعــض األعــال الحربيــة فيذكــر يف‬
‫نصوصــه أنــه ســيطر عــى عــدد مــن البلــدان األجنبيــة التــي تقــع وراء‬
‫‪80‬‬ ‫السومريون‬

‫الخليــج‪( :‬إن ســفن دملــون جلبــت خشــباً كإتــاوة مــن بلــدان أجنبيــة)‪.‬‬
‫ويبــدو أنــه قــام بأعــال واســعة منــذ بدايــة تســلمه الحكــم‪ ،‬فقــد عمــل‬
‫عــى بنــاء وتقويــة أســوار املدينــة‪ ،‬وحفــر الجــداول وشــق القنــوات‪ ،‬وبناء‬
‫وتجديــد بعــض املعابــد مثــل معبــد ننگرســو‪:‬‬
‫(أور نانشة أمري لگش‪،‬‬
‫ابن كورسار‪،‬‬
‫بنى معبد اإلله ننگرسو‪،‬‬
‫ومعبد لإللهة نانشة)‪....‬‬
‫وأمــر بصنــع متاثيــل عــدة ملختلــف اآللهــة‪ .‬وصــور عــى بعــض‬
‫األعــال الفنيــة منهــا اللــوح املعــروف باســمه‪ ،‬ويظهــر فيــه امللــك وقــد‬
‫نقــش بحجــم كبــر‪ ،‬وهــو واقــف بالجانــب األيــر مــن اللوحــة‪ ،‬وخلفــه‬
‫خادمــه الــذي يحمــل عــى رأســه سـلّة تســتعمل يف البنــاء لحمــل املواد‪،‬‬
‫وأمامــه زوجتــه وأبنائــه‪ ،‬ويرمــز املشــهد بشــكل عــام إىل إســهام امللــك‬
‫يف بنــاء املعبــد الــذي يكرســه لإللــه ننگرســو‪ .‬ويظهــر امللــك نفســه يف‬
‫املشــهد الثــاين مــن اللــوح نفســه وهــو جالــس وبيــده كأس لالحتفــال‬
‫ببنــاء املعبــد ومعــه أرستــه تشــاركه االحتفــال‪ ،‬وهــو حليــق الشــعر‪،‬‬
‫واللحيــة‪ ،‬ويرتــدي وزرة‪ ،‬وتذكــر الكتابــة املســارية اســمه‪ ،‬وأفــراد‬
‫أرستــه (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)3‬‬
‫وتــوىل الحكــم بعــده ابنــه آكــور‪-‬گال الــذي يبــدو أنــه واجــه يف بدايــة‬
‫عهــده صعوبــات جمــة منهــا ال ـراع مــع الجــارة أو ّمــا مثــرة املشــاكل‬
‫ملدينــة لگــش كــا أرشنــا يف مواضــع ســابقة‪ .‬ويعــد امللــك أياناتــم (‪-2454‬‬
‫السومريون‬ ‫‪81‬‬

‫‪ 2425‬ق‪.‬م) مــن أشــهر ملــوك ســالة لگــش األوىل‪ ،‬ولقــب نفســه بلقــب‬
‫(ملــك كيــش) الــذي يشــر إىل الســيادة عــى بــاد ســومر‪ .‬ومتكــن يف‬
‫مــدة حكمــه مــن أن يحقــق النــر عــى مدينــة (أو ّمــا)‪ ،‬الجــارة والعــدو‬
‫اللــدود‪ ،‬والتــي متكنــت يف زمــن ملكهــا (أوش) مــن الســيطرة عــى ســهل‬
‫(گو‪-‬أيدانــا)‪ ،‬ونقــض املعاهــدة وإزالــة النصــب التــي أقامهــا املـــــــــــلك‬
‫مســيليم ملــك كيــش عــى الحــدود بــن املدينتــن‪.‬‬
‫وكانــت قصــة الــراع بــن مدينــي أو ّمــا ولگــش أبــرز مــا ميــز‬
‫هــذه الحقبــة‪ ،‬وقــد تــم توثيقهــا يف إحــدى الوثائــق مــن عهــد امللــك‬
‫أنتمينــا (‪ 2400-2405‬ق‪.‬م)‪ .‬تبــدأ هــذه الوثيقــة بوصــف عمليــة إعــادة‬
‫حفر(خنــدق) الحــدود بــن أُو ّمــا ولگــش الــذي كان قــد دمــر يف أثنــاء‬
‫الــراع بــن املدينتــن‪( :‬بكلمــة أنليــل الثابتــة‪ ،‬ملــك البلــدان‪ ،‬أبــو‬
‫اآللهــة‪ ،‬وضــع ننگرســو وشــارا حــدودا ً ألراضيهــم‪ .‬وقــد نصــب مســيليم‪،‬‬
‫ملــك كيــش‪ ،‬بأمــر مــن إلهــه القــايض‪[ ،‬عالمــة حدوديــة] يف مزرعــة ذلك‬
‫الحقــل‪ .‬أوش‪ ،‬حاكــم أو ّمــا‪ ،‬وضــع خطــة لهــا‪ .‬وقــرر تحطيمهــا إىل قطــع‪،‬‬
‫وتقــدم يف ســهل لگــش‪ .‬وشــن ننگرســو‪ ،‬البطــل «أو» بأمــره العــادل‪،‬‬
‫الحــرب عــى أو ّمــا‪ .‬بأمــر مــن إنليــل ‪ ،‬أوقعتهــم شــبكته العظيمــة يف‬
‫رشك‪ .‬وأقــام تلــة دفنهــم يف الســهل يف ذلــك املــكان)‪.‬‬
‫وميكــن أن تــدرج هــذه الوثيقــة املهمــة تحــت مســمى الحوليــات‬
‫امللكيــة (‪ )Annals‬أي ذكــر األحــداث عــام بعــد عــام عنــد تدويــن‬
‫أخبــار امللــوك‪ ،‬إذ اســتعرض أنتمينــا يف نصــه هــذا املعــارك التــي دارت‬
‫بــن دولتــي لگــش وأُو ّمــا‪ .‬فيصــف فيهــا أحــداث ســبقت عهــده مبــا ال‬
‫يقــل عــن أربعــة أجيــال‪ .‬وقــد احتــوى النــص عــى مقدمــة شــملت‬
‫‪82‬‬ ‫السومريون‬

‫تاريــخ ال ـراع والحــوادث التــي وقعــت بــن املدينتــن منــذ األزمــان‬


‫التــي اســتطاعت أن تصــل إىل حوادثهــا الســجالت املتيــرة لــه‪ ،‬أي منــذ‬
‫عهــد مســيليم حاكــم كيــش (‪ 2550‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫تقــع املدينــة األخــرى (أٌومــا) إىل الشــال مــن لگــش عــى الجانــب‬
‫الثــاين مــن قنــاة (لُام‪-‬گرينُــم)‪ .‬ومبــا أن جريــان شــط الحــي مــن الشــال‬
‫إىل الجنــوب فقــد تحكمــت هــذه املدينــة يف الســيطرة عــى مجــرى املاء‪،‬‬
‫ومــن ثــم متكنــت مــن التدخــل يف تجهيــز مدينــة لگــش بامليــاه‪ ،‬ورمبــا‬
‫يكــون هــذا الســبب الرئيــس لقيــام الـراع بــن املدينتــن يف مناســبات‬
‫عــدة‪ .‬وقــد زودتنــا النصــوص التــي ســجلت ظــروف تلــك األحــداث بــأول‬
‫املدونــات التاريخيــة املهمــة‪ .‬وقبــل عــرض تفاصيــل هــذه الوثيقــة نشــر‬
‫إىل أن امللــك أياناتــم (‪ 2425-2454‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهــو حفيــد امللــك أور‪ -‬نانشــة‪،‬‬
‫وعــم امللــك (أنتمينــا) دون أحــد نصوصــه عــى منحوتــة حجريــة عرفــت‬
‫باســم مســلة النســور أو العقبــان التــي خلــد فيهــا انتصــاره عــى مدينــة‬
‫(أومــا)‪ .‬وســميت بهــذا االســم لوجــود صــور لطيــور جارحــة مــن نســور‬
‫وعقبــان تنهــش جثــث القتــى مــن األعــداء الذيــن تركــوا يف أرض املعركــة‬
‫(الشــكل‪ :‬رقــم‪ .)4‬وتــروي املســلة التاريــخ الكامــل للنــزاع بالكلــات‬
‫وتصــور النــر النهــايئ الــذي وهبــه اإللــه بالصــور‪ .‬وتقــدم لنــا املس ـلّة‬
‫صــورة عــن كيفيــة االســتعامل الفعــي لألســلحة التــي وجــدت يف املقــرة‬
‫امللكيــة‪ .‬وقــد عمــل النحــت مــن حجــر الكلــس ويبلــغ طولــه نحــو ‪180‬‬
‫ســم (‪ 70،9‬بوصــة)‪ ،‬وعرضــه ‪ 139‬ســم (‪ 51،2‬بوصــة)‪ .‬وقســم كل جانــب‬
‫إىل حقــول‪ :‬أربعــة عــى جانــب‪ ،‬واثنــان عــى الجانــب اآلخــر‪ .‬ورمبــا‬
‫أقيــم يف مــكان عــام مثــل ســاحة املعبــد ليــدرك الجميــع قــوة (أياناتــم)‪،‬‬
‫السومريون‬ ‫‪83‬‬

‫وحقيقــة أنــه كان املفضــل لــدى اإللــه (ننگرســو)‪ ،‬إلــه املعركــة وحامــي‬
‫لگــش‪ .‬ويظهــر (ننگرســو) نفســه يف الحقــل العلــوي عــى الجانــب ذي‬
‫الحقلــن فقــط‪ ،‬ويبــدو أكــر بكثــر مــن أي شــخص آخــر مــن أجــل‬
‫التأكيــد عــى مكانتــه‪ .‬كــا شــوهد هــذا التقليــد‪ ،‬عــى مــا يســمى برايــة‬
‫أور‪ .‬اذ ميســك (ننگرســو) شــبكة املعركــة املفزعــة يف يــده اليــرى‪ ،‬يف‬
‫حــن تــرز رؤوس الرجــال املهزومــن مــن خيــوط الشــبكة‪ .‬ويــرب أحــد‬
‫هــذه الــرؤوس البــارزة بصولجــان ميســكه بيــده اليمنــى‪ .‬ولســوء الحــظ‪،‬‬
‫فــإن بقيــة املسـلّة غــر مكتملــة‪ ،‬ولكــن يبــدو أن (ننگرســو) يتبعــه إلــه‬
‫آخــر‪ ،‬والرايــة تحمــل صــورة نــر بــرأس أســد (رمــزه)‪ .‬وميســك النــر‬
‫بشــبكة إلــه املعركــة مبخلبيــه كليهــا‪ .‬وقــد تعــرض الحقــل الســفيل‬
‫ألرضار بالغــة‪ ،‬إذ ميكــن رؤيــة حلقــة اللجــام ملركبــة املعركــة فقــط‪ ،‬وقــد‬
‫زينــت بأســد يســبق بــرأس متــوج إللــه آخــر‪ .‬وميكــن رؤيــة حكايــة‬
‫اإلنســان عــى الوجــه اآلخــر مــن املسـلّة‪ ،‬ورمبــا كان قــد قصــد أن تُقــرأ‬
‫القصــة مــن أعــى إىل أســفل‪ .‬ويُظهــر الحقــل العلــوي (أياناتــم) يقــود‬
‫جنــود مشــاة مدججــن بســاح ثقيــل إىل املعركــة‪ .‬وميكــن مطابقــة‬
‫أســلحتهم وتلــك التــي عنــد امللــك يف املقــرة امللكيــة يف أور متامــاً‪.‬‬
‫فقــد كانــت خــوذة امللــك تصويــر طبــق األصــل للخــوذة الذهبيــة التــي‬
‫وجــدت يف قــر (ميســكاالمدوگ)‪ .‬وهنــاك كومــة مــن رؤوس الجنــود‬
‫القتــى مــن األعــداء أمــام امللــك التــي تخطفهــا النســور‪ .‬وكان الحقــل‬
‫الثــاين متشــظياً عــى نحــو أكــر‪ ،‬ولكنــه يظهــر امللــك يف عربتــه مســلحاً‬
‫برمــح طويــل ويقــود مجموعــة مــن الجنــود الذيــن يحملــون رماحــاً‬
‫طويلــة أيضـاً‪ .‬وترينــا الكــرة الثالثــة عــى مــا يبــدو مخلفــات مــا بعــد‬
‫‪84‬‬ ‫السومريون‬

‫املعركــة‪ ،‬ركام مــن جثــث رتبــت بعنايــة‪ ،‬وغطيــت بالــراب‪ ،‬يف حــن‬
‫قدمــت القرابــن بواســطة شــخص كبــر مل يبــق منــه ســوى قــدم واحــدة‪،‬‬
‫وقليــل مــن التنــورة‪ .‬يفــرض أنــه (أناناتــم) نفســه‪ .‬ورمبــا عنــد موتــه‬
‫قــد دفــن هنــا‪ ،‬يف حــن تبــدو جثــث األعــداء التــي تظهــر يف أعــى هــذا‬
‫الحقــل وقــد تركــت لرحمــة جامعــي القاممــة‪ .‬وكان الحقــل األســفل هــو‬
‫األســوء حفظ ـاً مــن بــن الجميــع‪ ،‬وال يتــاح للرؤيــة ســوى رمــح طويــل‬
‫مصــوب مبــارشة إىل عــن يف رأس اإلنســان‪ .‬ومل يكتــف (أياناتــم) بإخضــاع‬
‫أو ّمــا فحســب‪ ،‬بــل اســتمر يف ادعــاء النــر عــى عــدد مــن دويــات‬
‫املــدن األخــرى‪ ،‬مبــا يف ذلــك أور والــوركاء‪ ،‬وأحــد ج ـران أور‪.‬‬
‫وتحمــل الكتابــة قســم ملــك (أو ّمــا) مــن أجــل التزامــه باملعاهــدة‪،‬‬
‫ومــع ادعــاء هــذا امللــك أنــه حقــق انتصــارا ً باه ـرا ً عــى ملــك (أو ّمــا)‬
‫إال أنــه مل ميــض جيــل واحــد حتــى اســتعرت الحــرب مــن جديــد بــن‬
‫املدينتــن‪ ،‬إذ رفــض (أور‪ -‬لو ّمــا) ملــك مدينــة (أو ّمــا) هــذه املعاهــدة‬
‫املشــينة وقــام بتدمــر وتحطيــم مســلة (مســيليم) ملــك كيــش الوســيط‬
‫ومنظــم املعاهــدة‪ ،‬وحطــم األبنيــة املقامــة عــى الخنــدق الواقــع بــن‬
‫املدينتــن‪ ،‬وجفــف امليــاه مــن أجــل العبــور والدخــول يف أرايض لگــش‪:‬‬
‫(قــام أور‪-‬لومــا‪ ،‬حاكــم أو ّمــا‪ ،‬بتجفيــف قنــاة ننگرســو املحــاذي لقنــاة‬
‫نينــا‪ ،‬ورمــى املســات يف النــار‪ ،‬وحطمهــا إىل قطــع‪ ،‬ودمــر االمــاكان‬
‫املقدســة‪ ،‬مســاكن اآللهــة‪ ،‬واألرضحــة الحاميــة‪ ،‬واألبنيــة التــي كانــت‬
‫بــارزة كالجبــال‪ ،‬وعــر قنــاة ننگرســو الحدوديــة‪.).....‬‬
‫إن اإلشــارة إىل (مســيليم) ملــك كيــش رمبــا تــدل عــى أنــه كان ســيدا ً‬
‫السومريون‬ ‫‪85‬‬

‫عــى بــاد ســومر عــى األقل مــن الناحيــة اإلســمية‪ ،‬ويــرى الباحــث هاري‬
‫ســاكز‪( :‬أنــه مل يكــن ملــكاً عــى كيــش يف مرحلــة محاولتهــا الســيطرة‬
‫عــى بــاد ســومر بحســب التسلســل التاريخــي‪ ،‬ولعــدم وجــود اســمه‬
‫يف الجــداول امللكيــة الســومرية فمــن املحتمــل أنــه كان ملــكاً لدويلــة‬
‫متكنــت مــن الســيطرة عــى بــاد أكــد‪ ،‬ومــن ثــم منحهــا «أنليــل» إلــه‬
‫نفــر اللقــب املقــدس «ملــك كيــش»)‪.‬‬
‫وتشــر النصــوص الكتابيــة إىل أن امللــك أياناتــم األول صــد هجــوم مــن‬
‫مدينــة عيــام‪ ،‬ومــن ثــم أخضــع بعــض مدنهــم الحدوديــة وغنــم منهــا‬
‫ثــروة كبــرة ك ّرســها إلعــادة بنــاء أســوار مدينــة لگــش وترميـــم معبــد‬
‫«نينـــا = ‪ »Nina‬وتوســيعه‪ .‬وعمــل ملــك عيــام إىل ايجــاد تحالــف مــع‬
‫مــدن كيــش وأكشــاك ومــاري‪ ،‬ولكــن امللــك الســومري متكــن مــن دحــر‬
‫هــذا الحلــف‪ ،‬ولقــب نفســه‪( :‬مخضــع كافــة البلــدان لإللــه ننگرســو)‪.‬‬
‫وكان الخليفــة الثــاين ﻟ(إياناتــم)‪ ،‬هــو امللــك (أمييتينــا) أو(أنتيمينــا)‪،‬‬
‫وهــو ملــك محــارب ايض ـاً‪ ،‬وقــد تــرك عــددا ً مــن اآلثــار التــي توضــح‬
‫بالتفصيــل غزواتــه‪ .‬فقــد عــر يف أور عــى واحــد مــن آثــاره األقــل‬
‫قتاليــة‪ ،‬وهــو متثــال مــن دون رأس يف الوقــت الحــايل‪ ،‬ويبــدو أنــه قــد‬
‫نصــب عنــد بوابــة منطقــة املعبــد يف القــرن الســابع ق‪.‬م‪ ،‬حينــا أصبــح‬
‫بالفعــل أث ـرا ً قدمي ـاً‪ .‬ومــن املحتمــل أنــه كان قامئ ـاً يف األصــل يف معبــد‬
‫إلــه القمــر‪ .‬ومــن املثــر أن هــذا التمثــال عمــل مــن الديوريــت‪ ،‬وهــو‬
‫حجــر أســود المــع صلــب مــن املحتمــل أن يكــون قــد جلــب مــن إيـران‬
‫أو الجزيــرة العربيــة‪ .‬وقــد أصبــح مفض ـاً للتامثيــل امللكيــة يف ســالة‬
‫أكــد الالحقــة‪ .‬ويحتــوي التمثــال عــى كتابــة عــى كتفــه تفصــل مــا‬
‫‪86‬‬ ‫السومريون‬

‫ميكــن أن يكــون منحــة أرض ملعبــد‪ ،‬ولكنــه ال يذكــر أور عــى وجــه‬
‫التحديــد‪ .‬وقــد نهــب التمثــال مــن متحــف العــراق بعــد أحــداث‬
‫عــام ‪ ،2003‬ولكــن لحســن الحــظ اســتعاده األمريكيــون يف النهايــة مــن‬
‫مســتودع يف بروكلــن وأعــادوه إىل الع ـراق‪.‬‬
‫وبالعــودة إىل نــص هــذا امللــك (أنتمينــا) الــذي ينتقــل إىل مرحلــة‬
‫الــراع بــن املدينتــن يف مــدة الحــدث‪ ،‬إذ يــرد أن (أور‪-‬لومــا) ابــن‬
‫امللــك (إينــاگايل)‪ ،‬واألخــر كان قــد هــزم مــن (أياناتــم)‪ ،‬يــرد أن االبــن‬
‫قــد تنكــر للمعاهــدة وحطــم املســات وأزال األنصــاب مــن الحــدود‬
‫عــى وفــق تعبــر نــص (أنتمينــا)‪ ،‬كــا أرشنــا‪ ،‬وقــد دخــل يف منطقــة‬
‫(گو‪-‬أدينــا= ‪ ،)Gu-Edina‬وهــي كلمــة ســومرية رمبــا تعنــي (األرض‬
‫املحايــدة)‪ ،‬وعــر الحــدود وغــزا لگــش إال أن جيوشــها تصــدت لــه‬
‫بقيــادة (أنتمينــا) ألن أبيــه امللــك كان طاعنـاً يف الســن‪ .‬وفجــأة يختفــي‬
‫(أور‪ -‬لومــا) مــن مــرح األحــداث‪ ،‬ورمبــا يكــون قــد قــي عليــه‬
‫مــن (أنتمينــا) يف هــذه الحــرب‪ .‬وظهــر أحــد األشــخاص‪ ،‬وهــو كاهــن‬
‫يدعــى إيــل(‪ )iL‬الــذي رمبــا كان رئيــس معبــد يف مدينــة مجــاورة هــي‬
‫(زبالتــوم) التــي يعتقــد أنهــا هــي مدينــة «إبزيــخ» عــى وفــق مــا‬
‫جــاء يف إحــدى اآلجـرات املختومــة باســم املدينــة مــن زمــن حمــورايب‪،‬‬
‫ورمبــا يكــون هــذا الشــخص عــى وفــق روايــة أخــرى ابــن أخ (أنتمينــا)‪،‬‬
‫وقــد نصبــه عــى مدينــة (أو ّمــا)‪ ،‬أو أنــه شــخص مــن مدينــة أخــرى‬
‫كان يراقــب األحــداث وأســتغل فرصــة الحــرب والـراع ونصــب نفســه‬
‫عــى املدينــة‪ .‬ويبــدو أنــه قــام باإلعــال ذاتهــا التــي قــام بهــا أســافه‬
‫مــن تجفيــف لقنــاة ننگرســو‪ ،‬وأغـراق الحقــول الزراعيــة‪ ،‬ولكــن امللــك‬
‫السومريون‬ ‫‪87‬‬

‫(أنتمينــا)‪ ،‬تصــدى لــه‪ ،‬ثــم أبرمــا معاهــدة أعيــدت مبوجبهــا حقــوق‬


‫لگــش‪ ،‬وثبــت الحــدود القدميــة بــن املدينتــن املتنازعتــن‪ .‬وكان‬
‫(أنتمينــا) آخــر ملــك قــوي مــن ســالة لگــش أعقبــه ثالثــة ح ـكّام مل‬
‫يســتمروا طويــاً؛ هــا أيناناتــم الثــاين (‪ 2365-2375‬ق‪.‬م‪ ،).‬وإنتــارزي‬
‫(‪2359-2364‬ق‪.‬م‪ ،).‬الــذي صــد هجــوم مــن مجموعــة مــن رجــال عيــام‬
‫كــا جــاء يف أحــد الرســائل‪( :‬إىل «اينتــارزي»‪« ،‬ســانكا» كاهــن اإللــه‬
‫«ننگرســو» قــل‪ :‬هـــذا مــا يقولــه‪« :‬لوإينــا» [ســانكا] قاتــل ســتامئة‬
‫عيالمــي كانــوا يقومــون بنقــل إتــاوة (بضائــع منقولــة) مــن لگــش إىل‬
‫عيــام‪ .‬لقــد دحــر العيالميــن وأرس منهــم نحــو ‪ 520‬عيالميــاً)‪ .‬وجــاء‬
‫مــن بعــده لوگالنــدا (‪2352-2358‬ق‪.‬م‪ ،).‬ويحتمــل أن يكــون الحاكــان‬
‫األخــران مــن الكهنــة‪ ،‬وقــد مثــا مصالــح الطبقــة الكهنوتيــة التــي‬
‫ينتميــان إليهــا‪ ،‬وهــي طبقــة املتنفذيــن واألغنيــاء‪ ،‬وتــزوج األخــر مــن‬
‫ابنــة أحــد مــاك األرايض اســمها (بارانــا متّــارا)‪ ،‬ويعتقــد أنهــا تدخلــت‬
‫وحاشــيتها يف شــؤون الحكــم‪ ،‬ويبــدو أن الســلطة امللكيــة املمثلــة لإللــه‬
‫واملعبــد قــد انحلــت كمؤسســة اعتباريــة‪ .‬وفقــد النــاس كثــر مــن‬
‫مكتســباتهم املشــركة وظهــر التفــاوت الطبقــي بأوضــح أشــكاله وســاد‬
‫الفســاد اإلداري وتفســخت املنظومــة االجتامعيــة‪ ،‬إذ تخــى النــاس عــن‬
‫معتقداتهــم الدينيــة وتقاليدهــم االجتامعيــة فعمــت الفــوىض‪ ،‬وأصبــح‬
‫النــاس غربــاء يف مدينتهــم التــي أصابهــا الوهــن والضعــف‪ .‬لقــد تفــكك‬
‫بنيــان الدولــة وأنهــار اقتصادهــا‪ ،‬ثــم‪ ،‬وعــن طريــق انقــاب عســكري‬
‫تــوىل مقاليــد الحكــم يف لگــش امللــك أوركاجينــا (‪2342-2351‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫وقــد كان ينتمــي لطبقــة الكهنــة أيضــاً‪ ،‬وقــام بإصالحــات اجتامعيــة‬
‫‪88‬‬ ‫السومريون‬

‫واقتصاديــة كــا سنشــر عنــد الحديــث عــن هــذا العاهــل املصلــح‪،‬‬


‫ومل يــدم حكمــه طوي ـاً‪ ،‬إذ حكــم مثانيــة أعــوام فقــط‪ ،‬وقــي عليــه‬
‫مــن حاكــم (أو ّمــا) لــوگال زاگيــزي (‪2334-2342‬ق‪.‬م)‪ .‬وكان األخــر ملــكاً‬
‫طموحــاً‪ ،‬ويحمــل أبــوه اســاً ســامياً‪ ،‬وكان كاهنــاً لإللهــة (نيســابا)‬
‫يف مدينــة (أو ّمــا) لكنــه كان ذا نزعــة عســكرية واتبــع سياســة الغــزو‬
‫العســكري التــي كان مــن نتائجهــا كــا ادعــى أنــه أخضــع معظــم البــاد‬
‫األجنبيــة لســيطرته‪ ،‬وأنــه حكــم يف ســام وازدهــار مــن البحــر الســفيل‬
‫وعــى طــول نهــري دجلــة والفـرات إىل البحــر العلــوي‪ ،‬أي مــن الخليــج‬
‫إىل البحــر املتوســط‪ .‬ورمبــا كان هــذا الغــزو املزعــوم يف طبيعتــه غــارة‬
‫مصحوبــة ببعــض النهــب وتدمــر املمتلــكات؛ إذ مــن املشــكوك فيــه أن‬
‫يكــون لديــه املــوارد البرشيــة إلخضــاع مثــل هــذه املســاحة الواســعة‪.‬‬
‫وقــد بــدأ حياتــه بالســيطرة عــى الــوركاء‪ ،‬ولقــب نفســه (ملك الــوركاء)‪،‬‬
‫وجعلهــا عاصمــة لــه‪ ،‬وحمــل لقــب (ملــك كيــش) أيضـاً‪ ،‬وضــم املدينــة‬
‫لســلطته‪ ،‬وكذلــك مدينــة (نيبــور) ذات املكانــة الدينيــة العاليــة‪ ،‬فهــي‬
‫مقــر كبــر اآللهــة الســومرية (أنليــل)‪ .‬وادعــى أن جميــع حـكّام ســومر‬
‫وحـكّام البــاد املســتقلة انحنــوا لتحكيمــه يف الــوركاء‪ ،‬وال يعــرف مــدى‬
‫صحــة هــذه االدعــاءات‪ ،‬أو أنهــا ميكــن أن تكــون نــوع مــن املثاليــة‬
‫والطمــوح‪ .‬وقــد أشــار الباحثــان جــن وديفيد أوتــس إىل أن االكتشــافات‬
‫األثريــة يف الســنوات األخــرة تدعــم مــا ادعــاه عــى نحــو متزايــد‪ .‬إال أن‬
‫حكمــه مل يــدم طويـاً‪ ،‬وهــزم يف القتــال مــن رجـاً ســيكون لــه الســبق‬
‫يف إنشــاء أول إمرباطوريــة يف التاريــخ؛ أنــه رسجــون األكــدي‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪89‬‬

‫مصادر الفصل الرابع‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1985‬نظام الحكم واإلدارة‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ .2‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬إسامعيل‪ ،‬بهيجة خليل(‪.)1985‬الكتابة ‪ ،.‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪.1‬بغداد‪.‬‬
‫‪4 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد وجني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪5 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪6 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪7 .‬برستيد‪ ،‬هرني جيمس(‪ .)2010‬انتصار الحضارة‪ .‬ترجمة أحمد فخري‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫‪8 .‬بوتــس‪ ،‬دانيــال(‪ .)2006‬حضــارة وادي الرافديــن‪ ،‬األســس املاديــة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪ 9 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان وآخــرون( ‪ .)1989‬الــرق االدىن الحضــارات املبكــرة‪ ،.‬ترجمــة‬
‫عامــر ســليامن‪ .‬املوصــل‪.‬‬
‫ ‪10 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان(‪ .)1990‬بــاد الرافدين(الكتابــة‪ -‬العقل‪،‬اآللهــة)‪ .‬ترجمــة البــر‬
‫أبونــا‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪ 11 .‬تيومينيــف‪ .)1986(،‬اقتصــاد الدولــة يف ســومر القدميــة‪ .‬يف‪ .‬العـراق القديــم‪،‬‬
‫دراســة تحليليــة ألحوالــه االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ .‬ترجمــة ســليم طــه‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪12 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪13 .‬رو‪ ،‬جــورج(‪ .)1998‬لغــز مقــرة أور الكبــر‪ .‬ترجمــة‪ ،‬مــازن اكــرم فاضــل‪ ،‬آفــاق‬
‫عربية‪ ،‬عد‪.12-11‬‬
‫ ‪14 .‬ساكز‪ ،‬هاري(‪ .)1979‬عظمة بابل‪ .‬ترجمة‪ ،‬عامر سليامن‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪15 .‬ســعيد‪ ،‬مؤيــد (‪ .)1985‬املدينــة يف عــر فجــر الســاالت حتــى نهايــة العــر‬
‫البابــي الحديــث‪ .‬حضــارة العـراق‪ ،‬ج‪ ،3‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪16 .‬ســعيد‪ ،‬مؤيــد (‪ .)1985‬العــارة مــن عــر فجــر الســاالت إىل نهايــة العــر‬
‫البابــي الحديــث‪ .‬حضــارة العـراق‪ ،‬ج‪ ،3‬بــروت‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫السومريون‬

‫ ‪17 .‬خليــل‪ ،‬غيــث حبيــب(‪ .)2012‬وادي الرافديــن يف عــر فجــر الســاالت‪.‬‬


‫رســالة ماجســتري غــر منشــورة جامعــة بغــداد ‪ ،‬كليــة اآلداب‪.‬‬
‫ ‪ 18 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫وخصائصهــم ‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬كرمير‪ ،‬صمؤيل نوح(‪ .)1956‬من ألواح سومر‪ .‬ترجمة‪ ،‬طه باقر‪ ،‬بغداد‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪20 .‬كيريا ‪ ،‬ادوارد (‪ .)1964‬كتبوا عىل الطني ‪ .‬ترجمة‪ ،‬محمود االمني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪21 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1974‬أقــدم حــرب تحريــر عرفهــا التاريــخ‪.‬‬
‫مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪. 30‬‬
‫ ‪22 .‬المربت‪ ،‬موريس(‪ .)1952‬ما قبل رسجون‪ .‬سومر ‪ ،‬مج ‪ ،8‬ج‪.1‬‬
‫ ‪23 .‬لويد‪ ،‬سيتني (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ ،‬سامي سعيد األحمد‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬الطحان(‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬ج ‪ .1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪25 .‬مالــوان‪ ،‬ماكــس(‪ :.)2001‬حضــارة عــر فجــر الســاالت يف الع ـراق‪ .‬ترجمــة‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪26 .‬مارغــرون‪ ،‬جــان كلــود( ‪ .)1999‬الســكان القدمــاء لبــاد مــا بــن النهريــن‬
‫وســوريا الشــالية‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســامل ســليامن العيــى‪ ،‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪27 .‬املاجدي‪ ،‬خزعل(‪ .)1988‬متون سومر‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪28 .‬مهدي‪ ،‬عيل محمد(‪ .)1975‬دور املعبد يف املجتمع العراقي القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪29 .‬الهاشمي‪ ،‬رضا جواد (‪ .)1985‬التجارة‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ ،٢‬بغداد‪.‬‬
‫‪30 .‬‬ ‫‪Admas,R,M(1960).Early Civilizations, Subsistance and Environment‬‬
‫‪.USA.‬‬
‫‪31 .‬‬ ‫‪Adams,R,M(1966).The Evolution of Urban Society: Early Mesopotamia‬‬
‫‪and prehistoric in Mexico. USA.‬‬
‫‪32 .‬‬ ‫‪Algaze,G(2001). Initial social complexity in southwestern Asia.‬‬
‫‪Journal Current‬‬ ‫‪Anthropology,Vol,42,№,2.‬‬
‫السومريون‬ 91

33 . Bowen, R.L (1958). Ancient Trade Routes in South Arabia. London.


34 . Chavalas,M(2005). The Age of Empires (3100900- BCE).(In).
Snell,D(ed). A Companion to the Ancient Near East. Oxford.
35 . Cooper,J.S(1983). Reconstruction history from Ancient inscriptions:
The Lagash –Umma border conflict. Sources from the ancient Near East.
malibu, California.
36 . Crawford, H.(2002). Sumer and Sumerians. Cambridge.
37 . Davies,K(1995).The Origin and Growth of Urbanization in the world.
The American Journal of Sociology,Vol,60.
38 . Frankfort,H(1956). The birth of Civilization in the Near East. New
York.
39 . Gibson,M(1972).The City and area of Kish. Miami,Florida.
40 . Jacobcen,Th(1943). Primitive Democracy in Ancient Mesopotamia.
J.N.E.S, vol,11.
41 . Jacobsen,Th(1957). Early political Development in Mesopotamia. ZA,
Vol,18.Berlin and New York.
42 . Jacobsen,Th (1995). Searching for Sumer and Akkad .New York.
43 . Larsen, M.T(1979). The tradition of empire in Mesopotamia
.Copenhagen.
44 . Mieroop, Van. D (2000).History of Ancient Near East (3000323- Bc).
Oxford.
45 . Mieroop, Van, D (2003). The Origins and Character of the
Mesopotamia city. Chicago.
46 . Nissen, H. J (1988). The Early History of the Ancient Near East, 9000-
92 ‫السومريون‬

2000 Be. Chicago.


47 . Oates, D and Oates, J. (1976). The Rise of Civilization. Oxford.
48 . Postgate, J.N (1986). The transition from Uruk to Early Dynastic:
Continuities and Discontinuities in the record of Settlement. Wiesbaden.
49 . Redman,C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers to
Urban Society in the Ancient Near East. USA.
50 . Rothman, M. S. (2000). The commoditization of goods and the rise
of the state in Mesopotamia.(In). Haugerud, A., Stone, P., and Little, P. (ed).
Commodities and Globalization. University Press of America, Lanham.
51 . Snell,D(1997). Life in the Ancient Near East,3100332- B.C.E. London.
52 . Stone, E(1995). The Development of Cities in Ancient Mesopotamia.
Civilization of the Ancient Near East. Vol,1, New York.
53 . Stone,E(1997). City-States and their Centers: The Mesopotamia
Example.(In). Nichols,D.L, Charlton,T.H.Washington (ed).The Archaeology
of city-States : Cross-Cultural Approaches.
54 . Ur, Jason (2012). Southern Mesopotamia.(In). Potts,D.T(ed) A
Companion to the Archaeology of the Ancient Near East. Blackwell,USA .
55 . Ucko,P.J, Tringham,R and Dimbleby,G.W(1972). Man, Settlement and
Urbanism .London.
56 . Wright, H.T(1977). Recent Research on the Origin of the State.
Annual Review of Anthropology,Vol, 6.
57 . Yoffee, N. (1995). Political economy in early Mesopotamian states.
Annual Review of Anthropology,Vol,24.
‫السومريون‬ ‫‪93‬‬

‫(‪)5‬‬
‫السومريون ‪ ...‬حرب التحرير‬
‫ساللة َ‬
‫لكش الثانية (‪ 2112-2162‬ق‪.‬م)‬

‫‪ 5 - 1‬متهيد‬
‫بعــد مــدة انقطــاع اســتمرت ألكــر مــن مئتــي عــام ســاد يف اثناءهــا‬
‫الحكــم الســامي عــن طريــق قيــام اإلمرباطوريــة األكديــة جــاءت حقبــة‬
‫ســومرية خالــدة بــدأت مــن عهــد حكــم ســالة لگــش الثانيــة‪ ،‬والتــي كان‬
‫گوديــا أبــرز ملوكهــا‪ ،‬ومــن ثــم يف عــر أور الثالثــة مــن نحــو ‪ 2112‬إىل‬
‫‪ 2004‬ق‪.‬م‪ ،‬وقــد شــكلت هــذه املــدة آخــر عــر ذهبــي للســومريني‪.‬‬
‫فقــد عمــت الفــوىض يف بــاد الرافديــن بعــد ســقوط اإلمرباطوريــة‬
‫األكديــة‪ ،‬وأوردت الكتابــات املســارية العبــارة الشــهرية‪( :‬تــرى مــن كان‬
‫ملــكاً؟‪ ،‬ومــن مل يكــن ملــكاً؟!) التــي تعــر بدقــة متناهيــة عــن حالــة‬
‫االضط ـراب والتدهــور‪ ،‬ويبــدو مــن الوقائــع أن لألقــوام الگوتيــة اليــد‬
‫الطــوىل يف ســقوط اإلمرباطوريــة األكديــة‪ ،‬وكانــوا الســبب املبــارش يف‬
‫النهايــة املأســاوية لهــذه اإلمرباطوريــة املرتاميــة األطــراف‪ .‬إذ جــاء يف‬
‫رســالة آلخــر امللــوك األقويــاء يف هــذه الدولــة (شــار‪-‬كايل‪-‬رشي) أن‬
‫الگوتيــن كانــوا يخربــون املــدن وينهبــون ثرواتهــا‪ ،‬وأنهــم اســتولوا عــى‬
‫ممتلــكات النــاس ونهبــوا ماشــيتهم‪ ،‬كــا أنهــم دنســوا حرمــة املعابــد؛‬
‫ومنهــا معبــد عشــتار يف آشــور‪ ،‬ومل يســلم مــن أذاهــم يشء‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫السومريون‬

‫‪ 5 - 2‬الگوتيون‬
‫مــا يعــرف عــن هــذه األقــوام كان قليـاً جــدا ً‪ ،‬ويبــدو أن هــذه القبائــل‬
‫الغازيــة الرببريــة كانــت تعيــش يف جبــال زاگــروس يف القســم الشــايل‬
‫الرشقــي مــن بــاد الرافديــن‪ ،‬وقــد كانــت منطقــة جبال(گوتيــم) يف جنــوب‬
‫غــرب إيــران الجــزء املزعــج لإلمرباطوريــة األكديــة‪ .‬ويســجل يف أســاء‬
‫الســنني آلخــر امللــوك األكديــن حملــة ضــد منطقتهــم هــذه‪ .‬وقــد انتهــزت‬
‫هــذه املجموعــات املقاتلــة حالــة الوهــن والضعــف التــي دبــت يف أوصــال‬
‫اإلمرباطوريــة األكديــة فاكتســحت بــاد أكــد ومــن ضمنهــا العاصمــة أكــد‪،‬‬
‫وأسســوا ســالة حاكمــة شــغلت فاصـاً زمنيـاً يقــدر بنحــو قــرن مــن الزمــان‬
‫ميتــد مــن ‪ 2120 - 2220‬ق‪.‬م‪ ،‬أو أكــر قلي ـاً (نحــو ‪ 125‬ســنة)‪.‬‬
‫وتذكــر جــداول امللــوك الســومرية مــدد حكــم وأســاء (‪ )21‬ملــكاً‬
‫لهــم‪ .‬ونظـرا ً لقــر مــدة حكمهــم‪ ،‬إذ أن واحــدا ً منهــم فقــط زادت مــدة‬
‫حكمــه عــن ســبع ســنني‪ ،‬يف حــن كانــت مــدة حكــم نصفهــم ال تزيــد‬
‫عــن ثــاث ســنني‪ ،‬أو أقــل‪ ،‬لــذا مــن املرجــح أن أغلبهــم كانــوا عبــارة عــن‬
‫رؤســاء يعينــون ملــدة معينــة‪ .‬ويبــدو أن أحدهــم قــد اتخــذ لقــب (ملــك‬
‫الجهــات األربــع) أي ملــك العــامل‪ ،‬وهــو اللقــب الــذي اســتعمله امللــوك‬
‫األكديــن فيــا ســبق‪ ،‬فضـاً عــن لقبــه املعــروف (ملــك الگوتيــن)‪ ،‬وهــو‬
‫امللــك أريــدو‪ -‬بيـزار الــذي وضــع متثالــه يف معبــد اإللــه أنليــل يف مدينــة‬
‫(نفــر) ملجــاراة وتقليــد مــا كان يفعلــه امللــوك األكديــن‪ .‬ورمبــا كان‬
‫امللــك الوحيــد الــذي أحتــل وحكــم بعــض مناطــق الجنــوب‪ ،‬وأحتفــظ‬
‫بهــا لبعــض الوقــت‪ ،‬وتــرك نصـاً طويـاً يف مدينــة نفــر‪ .‬ويبــدو أن هــؤالء‬
‫السومريون‬ ‫‪95‬‬

‫القــوم كانــوا أقــل شــأناً مــن الناحيــة الحضاريــة بــل يصفهــم كثــر مــن‬
‫الباحثــن عــى وفــق املعطيــات األثريــة والنصيــة أنهــم أقوام ـاً بربريــة‬
‫لــذا فأنهــم مل يبنــوا ومل يرتكــوا ومل يجلبــوا أي يشء خــاص بهــم‪ ،‬أو أي‬
‫يشء جديــد إىل بــاد الرافديــن‪ .‬فقــد عمــدوا إىل تبنــي املفاهيــم واألســس‬
‫التــي كانــت ســائدة يف اإلمرباطوريــة األكديــة‪ .‬واتخــذوا يف الجانــب‬
‫الســيايس األلقــاب امللكيــة األكديــة‪ ،‬وال ســيام أنهــم كانــوا يجهلــون عــى‬
‫مــا يبــدو النظــام امللــي كونــه شــكالً متقدمـاً مــن أشــكال الحكــم‪ ،‬ورمبــا‬
‫كانــوا يتبنــون نظــام األُرس‪ ،‬أو النظــام القبــي يف مواطنهــم األصليــة‪.‬‬
‫ويحتمــل أنهــم اقتبســوا يف الجانــب الدينــي بعــض اآللهــة األكديــة‬
‫وطابقوهــا مــع آلهتهــم‪ .‬وتوضــح النصــوص التكريســية والنذريــة أنهــم‬
‫تبنــوا الديانــة الرافدينيــة‪ ،‬إذ ال مــؤرشات عــن ديانــة خاصــة بهــم‪ .‬ويبــدو‬
‫أنهــم مل يخلفــوا اإلمرباطوريــة األكديــة بشــكل كامــل‪ ،‬إذ أن عــدد مــن‬
‫ح ـكّام املــدن قــد وجــدوا عــى نحــو مســتقل عــن حكمهــم‪ ،‬والظاهــر‬
‫أن تواجدهــم انحــر أو تركــز عــى القســم الشــايل مــن بــاد بابــل‬
‫(بــاد أكــد)‪ ،‬ورمبــا نتــج هــذا مــن قربــه مــن مواقعهــم األصليــة‪ .‬وحتــى‬
‫يف هــذا الجــزء مــن البــاد كان احتاللهــم ضعيفـاً وبقطعــات قليلــة هنــا‪،‬‬
‫أو هنــاك أو حاميــات عســكرية يف النقــاط االس ـراتيجية‪.‬‬
‫اســتغل الگوتيــون تدهــور األوضــاع السياســية يف العاصمــة أكــد‬
‫فهاجمــوا بشــكل عنيــف املــدن األكديــة واكتســحوها‪ .‬وال يعــرف لحــد اآلن‬
‫أيــة معلومــات عــن املالبســات والظــروف التــي أحاطــت بالجيــش األكــدي‬
‫وال عــن حجــم املقاومــة التــي أبداهــا ضــد القبائــل الغازيــة‪ .‬إالّ أنــه مــن‬
‫الواضــح أن الصدمــة التــي نتجــت عــن الغــزو الگــويت كانــت عنيفــة‪ ،‬وال‬
‫‪96‬‬ ‫السومريون‬

‫ســيام يف مراحلهـــا األوىل والتــي أدت إىل تدمــر العاصمــة أكــد تدمـرا ً كامالً‬
‫ويف احتــال املــدن الرئيســة‪ .‬ورمبــا متتعــت األقســام الجنوبيــة مــن بــاد‬
‫بابل(بــاد ســومر) ببعــض االســتقاللية تجســدت بقيــام ســالة حاكمــة ذات‬
‫قــوة ونفــوذ وتأثــر حضــاري واضــح‪ ،‬وهــذا مــا حصــل يف ظــل الســالة‬
‫الثانيــة يف مدينــة لگــش‪ ،‬فقــد أُعيــد بنــاء هــذه املدينــة وارتفــع شــأنها‬
‫بعــد أن دمرهــا امللــك (لوگال‪-‬زاگيــزي) حاكــم أُو ّمــا املعاديــة كــا أرشنــا‪،‬‬
‫ويبــدو أنهــا اســتعادت أهميتهــا ومكانتهــا كمينــاء نهــري مهــم‪ ،‬وال ســيام‬
‫بعــد تدمــر العاصمــة أكــد وزوالهــا كونهــا املنافــس الرئيــس لهــا‪.‬‬

‫‪ . 5-3‬ساللة لكَش الثانية(‪ 2112-2162‬ق‪.‬م)‬


‫قامــت يف مدينــة لگــش ســالة بــارزة رمبــا اســتغلت عــدم وجــود‬
‫حكومــة مركزيــة قويــة فتمكــن حكّامهــا مــن توســيع نفوذهــم‬
‫وســلطانهم إىل خــارج بــاد الرافديــن مــع وجــود الگوتيــن‪ ،‬علــاً أن‬
‫جــداول امللــوك الســومرية أغفلــت ذكــر هــذه الســالة ومل تذكــر شــيئاً‬
‫عنهــا‪ ،‬إال أن مجمــل املعلومــات عنهــا جــاءت مــن النصــوص الكتابيــة‬
‫التــي خلفتهــا هــذه الســالة‪ .‬فقــد أوردت الكتابــات املســارية أســاء‬
‫ســتة ملــوك حكمــوا يف هــذه الســالة‪ ،‬ويعــد أور– بــاو أو أور‪ -‬بابــا‬
‫(‪ 2142-2162‬ق‪.‬م‪ ).‬مؤســس هــذه الســالة(((*‪ ،‬وكانت(گرســو) عاصمــة‬
‫لگــش يف هــذه املــدة‪ ،‬وليس(تــل الهبــة)‪ ،‬وقــد امتــدت ســلطته عــى‬
‫أجـزاء كبــرة مــن بــاد سومر(القســم الجنــويب) مــن بــاد الرافديــن‪ ،‬إال‬
‫أنــه عــى مــا يبــدو مل يســتطع أن يســيطر عــى مدينــة أور القريبــة رمبــا‬
‫((( * ‪ -‬هنــاك مــن يعتقــد أن أور‪ -‬ننگرســو األول هــو أول حـكّام هــذه الســالة‪ ،‬وأنــه‬
‫حكــم نحــو أربــع ســنوات‪ ،‬وقــام ببعــض األعــال العمرانيــة‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪97‬‬

‫لوجــود حاكــم قــوي فيهــا‪ ،‬والدليــل عــى عــدم ســيطرته أنــه مل يســتطع‬
‫أن ينصــب ابنتــه (أينانيبــادا) كاهنــة عليــا يف معبــد (أي‪-‬أنّــا) يف مدينــة‬
‫أور كــا فعــل رسجــون وأســافه‪ .‬ومــن أشــهر حــكّام هــذه الســالة‬
‫الحاكــم گوديــا (‪ 2122-2141‬ق‪.‬م‪ ).‬الــذي رمبــا كان ابنـاً ﻟ(أور– بــاو)‪ ،‬أو‬
‫حفيــدا ً لــه مــن ابنتــه‪ ،‬الــذي سنشــر إليــه بالتفصيــل يف موضــع آخــر‪.‬‬
‫يبــدو أن امللــك املؤســس أور‪-‬بــاو كان مثقف ـاً‪ ،‬وقــد جــاء بعــد مــدة‬
‫قصــر ســقوط امللــك األكــدي شــار‪-‬كايل‪-‬رشي ‪ ،‬حتــى أنــه أعتمــد قوالــب‬
‫اللــن الضخمــة نفســها التــي كانــت تســتعمل يف عهــد امللــك نـرام‪ -‬ســن‪.‬‬
‫ورشع بالقيــام ببعــض األعــال العمرانيــة منهــا بنــاء أو إعــادة بنــاء املعبــد‬
‫العظيــم لإللهــة ننگرســو عــى الرشفــة الواقعــة شــال گرســو يف لگــش‪،‬‬
‫وقــد زيــن هــذا املعبــد بالتامثيــل الجميلــة لهــذا امللــك وكذلــك متاثيــل‬
‫امللــك گوديــا‪ .‬وقــد كشــف عــن متثــال صنــع مــن حجــر الديوريــت لهــذا‬
‫العاهــل‪ ،‬وهــو مقطــوع الــرأس‪ ،‬ويبــدو الجســم بوضعيــة القرفصــاء عــى‬
‫نحــو غــر طبيعــي وضخــم‪ ،‬وتنفيــذه أقــل جــودة مــن متاثيــل نظــره‬
‫گوديــا مــن دون أدىن شــك‪ .‬وقــد بنــى معبــدا ً لإللهــة بــاو إلهــة الشــفاء‬
‫وقرينــة اإللــه ننگرســو يف املدينــة املجــاورة أور‪-‬كوگ(املدينــة املقدســة)‪.‬‬
‫وحظــي هــذا امللــك بشــهرة واســعة تجــاوزت نطــاق مدينتــه‬
‫وزمانــه‪ ،‬ففــي زمــن سينســو‪ -‬إيلونــا (مــن القــرن الحــادي والعرشيــن‬
‫(ق‪.‬م) ســمي شــارع يف الــوركاء باســمه‪ .‬وهــو أول مــن ذكــرت نقوشــه‬
‫نينــاگال‪ ،‬وهــي أحــد األشــكال املختلفــة لنينيــگال املشــتقة مــن شــكل‬
‫أريشــكيگال‪ ،‬إلهــة العــامل الســفيل؛ ويدعــي أنــه كان ابنهــا‪ .‬وأصبــح‬
‫‪98‬‬ ‫السومريون‬

‫زوجــا ابنتــه حاكمــن مــن بعــده‪ ،‬وعاشــوا يف حقبــة مل تكــن فيهــا ســلطة‬
‫قويــة مركزيــة‪ ،‬ألنهــم اســتخدما تواريــخ ســنني بأســائهام‪ ،‬وهــو أمــر‬
‫نعــرف أنــه غــر ممكــن يف ظــل وجــود دولــة قويــة كــا هــو الحالــة‬
‫يف العــر األكــدي عــى ســبيل املثــال‪ .‬ويبــدو أن نامخــاين زوج أبنتــه‬
‫نينگانــدو كان حاك ـاً مه ـاً‪ ،‬ويبــدو أنــه كان حفيــد الحاكــم كا‪-‬أزاگ‪،‬‬
‫والــذي رمبــا ســبق أور‪-‬بــاو‪ .‬ويالحــظ أن نامخــاين اســتخدم قوالــب طــن‬
‫صغــرة تشــه مــا اســتخدمه گوديــا فيــا بعــد‪ ،‬والبنــاة العظــام مــن‬
‫حــكام ســالة أور الثالثــة يف مدينــة أور‪ ،‬وعليــه ميكــن القــول أن أور‪-‬‬
‫بــاو عــاش بعــد مــدة قصــرة مــن ســقوط شــار‪-‬كايل‪-‬رشي‪ ،‬وأن گوديــا مل‬
‫يعــش يف حقبــة بعيــدة عــن أور‪-‬بــاو‪ .‬ويــدل هــذا يف حــد ذاتــه عــى‬
‫اســتحالة ادخــال مــدة طويلــة بــن ســالة أور‪-‬أنگــور واإلمرباطوريــة‬
‫األكديــة‪.‬‬
‫وجلبــت هــذه الســالة‪ ،‬وال ســيام يف ظــل امللكــن أور‪ -‬بــاو وگوديــا‬
‫الرفاهيــة والســام ملدينتهــا ولــكل بــاد ســومر‪ .‬إال أنهــا بــدأت بالضعــف‬
‫تدريجي ـا ً وفقــدت أهميتهــا بعــد أور‪ -‬ننگرســو ابــن گوديــا (‪2117 - 2121‬‬
‫ق‪.‬م‪ ،).‬وبرييگمــي (‪2115 - 2116‬ق‪.‬م‪ .).‬ويبــدو أن هــذه الســالة مل تكــن‬
‫لديهــا القــدرة والقـــوة لطــرد الگوتيــن ومقارعتهــم‪ ،‬ومل تســتطع توحيــد‬
‫البــاد مــع وجــود اإلمكانــات التــي أظهرهــا بعـــض أمـراء هــذه الســالة‪ ،‬وال‬
‫ســيام األميـــر گوديــا يف امليـــدان الحضــاري والتجــاري وحتــى العســكري كام‬
‫سنشــر إىل هــذا عنــد الحديــث عــن هــذا العاهــل‪ .‬ورمبــا يكــون لظهــور‬
‫ســالة أخــرى قويــة يف الجــوار األثــر يف تضــاؤل أهميــة هــذه املدينــة‪ .‬إذ‬
‫تجــددت قــوة مدينــة الــوركاء‪ ،‬وال ســيام مــع ظهــور امللــك القــوي يف تلــك‬
‫السومريون‬ ‫‪99‬‬

‫املدينــة هــو القائــد العســكري أوتــو‪ -‬حيــگال(‪ 2113 - 2123‬ق‪.‬م‪ ).‬الــذي‬


‫حكــم يف مدينــة الــوركاء‪ ،‬واســتطاع القضــاء نهائيـاً عــى الوجــود الگــويت يف‬
‫بــاد الرافديــن‪ ،‬إذ انتــر عــى آخــر ملوكهم(تريــگان)‪.‬‬
‫ونشــر هنــا أنــه ألول مــرة ظهــرت كلمــة ســومر كمصطلــح عــام‬
‫لــكل األرض الجنوبيــة‪ .‬فقــد حصلــت ســومر‪ ،‬االســم القديــم ملقاطعــة‬
‫نيبــور‪ ،‬عــى هــذا التمييــز األوســع ألن أنليــل أصبــح أكــر مــن أي وقــت‬
‫مــى إلهــاً وطنيــاً ينســب إليــه حتــى امللــوك األجانــب هبــة القــوة‬
‫اإلمرباطوريــة‪ .‬وكانــت عمليــة اإلحيــاء العظيــم للســلطة السياســية‬
‫الســومرية يف متنــاول اليــد اآلن‪ ،‬فقــد طــرد أوتو‪-‬حيــگال‪ ،‬زعيــم‬
‫الــوركاء‪ ،‬الربابــرة الشــاليني مــن ســومر وأكــد‪ .‬ويحمــل آخــر ملوكهــم‪،‬‬
‫ترييــگان‪ ،‬أو ترييخــان‪ ،‬اس ـاً مثــل العديــد مــن األســاء األخــرى لهــذا‬
‫الشــعب قــد يكــون ذا صلــة بالحثيــة‪ .‬وقــد أعلــن أوتو‪-‬حيــگال لشــعبه‬
‫أن اإللــه أنليــل أرســله لتدمــر الگوتيــن الذيــن مــأوا ســومر بالحــزن‪،‬‬
‫والذيــن فرقــوا الــزوج مــن الزوجــة واآلبــاء عــن األطفــال‪ .‬وقــد جــاءت‬
‫تفاصيــل هــذا االنتصــار يف وثيقــة ســومرية هــي تأليــف أديب مــن بدايــة‬
‫األلــف الثــاين ق‪.‬م تظهــر انتصــار هــذا امللــك وفـرار نظــره مــن املعركــة‬
‫ولجوئــه إىل مدينــة تدعــى (دبــروم)‪ ،‬رمبــا هــي تــل جــدر شــال رشق‬
‫أو ّمــا‪ ،‬وقــام أهــل هــذه املدينــة بتســليم امللــك الهــارب مــع عائلتــه‬
‫إىل أوتو‪-‬حيــگال‪ .‬فقــد ذكــرت هــذه الوثيقــة التــي تعــد أقــدم وثيقــة‬
‫معروفــة تــدون حــرب تحريــر مــن قــوى أجنبيــة‪( :‬أنليــل‪ ،‬ملــك البــاد‬
‫كلهــا‪ ،‬كلــف «أوتو‪-‬حيــگال» الرجــل القــوي‪ ،‬ملــك «الــوركاء» ملــك‬
‫جهــات «العــامل» األربــع‪ ،‬امللــك الــذي ليــس بوســع أحــد أن يخالــف‬
‫‪100‬‬ ‫السومريون‬

‫أمــره‪ ،‬بتحطيــم «ملــك ؟» [گــويت] ثعبــان وعقــرب الجبــل‪ ،‬الــذي حمــل‬


‫ســاحه ضــد اآللهــة‪ ،‬والــذي نقــل ملكيــة بــاد ســومر إىل بــاد «أجنبية»‪،‬‬
‫والــذي مــأ ســومر بالعــداوة‪ ،‬والــذي فصــل الزوجــة ممــن كان لــه‬
‫زوجــه‪ ،‬والــذي ســلب الطفــل ممــن كان لــه طفــل‪ ،‬وأوجــد العــداوة‬
‫والعصيــان يف البــاد‪.).......‬‬
‫ومــن الواضــح أن شــعب الــوركاء هــب للدفــاع مــن مدينتــه‪ ،‬ووقفــوا‬
‫وراء بطلهــم وقفــة رجــل واحــد‪ .‬وقــد جــرت الرتتيبــات للمعركــة‪ .‬ومــع‬
‫أن ملــك العــدو أرســل رســالة مــن اثنــن مــن تابعيــه‪ :‬أور‪ -‬نينــازو ‪،‬‬
‫الســومري‪ ،‬ونبــي أنليــل‪ ،‬وهــو ســامي‪ .‬ويبــدو أن هــذا االختيــار‬
‫لشــخصني ميثــان العرقــن العظيمــن لســومر وأكاد رمبــا يظهــر السياســة‬
‫التصالحيــة التــي ارادهــا الگوتيــن‪ .‬ويبــدو أن إرادة البطــل الســومري‬
‫وقوتــه وضعــف عــدوه حتمــت عليــه الرفــض ومهاجمــة العــدو‪ .‬إذ‬
‫تســتمر الوثيقــة يف اإلشــارة إىل أن اإللــه أنليــل وآلهــة أخــرى أعطــوا‬
‫القائــد أوتوحيــگال «گــويت»‪ ،‬وجــاء فيهــا‪ ( :‬يف ذلــك املــكان جمعــت‬
‫«بــاد» [گــويت] قواتهــا[؟] وأرســلت الجيــوش ضــده‪ .‬إال أن أوتــو‬
‫حيــگال الرجــل القــوي‪ ،‬أوقــع بهــم الهزميــة وأرس «شــكاناك» هــم‪« ،‬أي‬
‫قائدهــم»)‪ .‬وتفصــل الوثيقــة هــذا الحــدث وتشــر إىل هــروب ملــك‬
‫الگوتيــن‪( :‬ثــم هــرب «تريــگان» ملــك گــويت وحــده وعــاد «إىل بــاد‬
‫گــويت»‪ .‬ويف «دوبــروم» حيــث لجــأ‪ ،‬عومــل برفــق [؟] ولكــن ملــا كان‬
‫رجــال دوبــروم يعرفــون بــأن أوتوحيــگال كان هــو امللــك وهبــه أنليــل‬
‫القــوة ومل يطلقــوا رساح «تريــگان»‪ .‬وأرس رســول أوتوحيــگال «تريــگان»‬
‫مــع عائلتــه يف «دوبــروم» وقيــد يديــه ﺑ«أطــواق» مــن الخشــب‪ .‬ووضــع‬
‫السومريون‬ ‫‪101‬‬

‫عصابــة عــى عينيــه[؟]‪ .‬ثــم جلــب «تريــگان» [بعــد ذلــك] إىل حــرة‬
‫أوتوحيــگال‪ ،‬وألقــى بنفســه عــى قدميــه‪ ،‬فــداس أوتوحيــگال بقدمــه‬
‫عــى رقبتــه‪ .‬ثــم تــرع [؟] اﻟـ«گــويت» عقــرب وثعبــان الجبــل ونقــل [؟]‬
‫اﻟ‪ ...‬مــن [؟ ] منطقتهــا‪[ ،‬وهكــذا] عــادت امللكيــة إىل ســومر‪.‬‬
‫ورمبــا عمــل هــذا امللــك عــى اســتعادة الســلطة املركزيــة التــي‬
‫كانــت ســائدة يف ظــل اإلمرباطوريــة األكديــة‪ ،‬وقــد يكــون راوده حلــم‬
‫بنــاء إمرباطوريــة عــى غ ـرار اإلمرباطوريــة الســابقة‪ ،‬وال ســيام بعــد أن‬
‫أصبحــت البــاد تحكــم عــن طريــق دويــات املــدن املســتقلة التــي‬
‫اعرتفــت بســلطانه‪ ،‬وحظــي برضــا واعـراف مدينــة (نفــر)‪ ،‬ولقــب نفســه‬
‫ملــك الجهــات األربــع يف محاولــة منــه محــاكاة أســافه األكديــن‪ .‬ومــن‬
‫املعــروف أن األرسة الخامســة يف الــوركاء‪ ،‬والتــي أسســها أوتو‪-‬حيــگال‬
‫ضمــت ثالثــة ملــوك‪ ،‬ورمبــا حكمــوا نحــو خمســن ســنة‪ .‬عمومــاً أن‬
‫تاريــخ ســومر غــر معــروف متامــاً يف املــدة التــي تلــت أوتو‪-‬حيــگال‪،‬‬
‫وحتــى ظهــور أور‪ -‬انگــور وتأســيس ســالة أور األخــرة‪ .‬ومل يســتمر األمــر‬
‫طوي ـاً‪ ،‬فقــد ظهــر حاك ـاً محلي ـاً جديــدا ً كان أكــر قــوة وبأس ـاً مــن‬
‫ســابقه هــو (أور‪ -‬منــو) الــذي قــام أســس إمرباطوريــة حقيقيــة كانــت‬
‫مدينــة أور عاصمتهــا‪ ،‬وعرفــت بــن املؤرخــن باســم ســالة أور الثالثــة‪.‬‬
‫‪102‬‬ ‫السومريون‬

‫مصادر الفصل الخامس‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1985‬نظام الحكم واإلدارة‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ .2‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1990‬السومريون وتراثهم الحضاري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪4 .‬أدزارد‪ ،‬أوتــو(‪ .)1986‬عــر فجــر الســاالت‪ .‬يف الــرق االدىن الحضــارات‬
‫املبكــرة‪ .‬ترجمــة‪ ،‬عامــر ســليامن‪ ،‬املوصــل‪.‬‬
‫‪5 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد وجني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪6 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪7 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪8 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان وآخــرون( ‪ .)1989‬الــرق االدىن الحضــارات املبكــرة‪ ،.‬ترجمــة‬
‫عامــر ســليامن‪ .‬املوصــل‪.‬‬
‫‪9 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة>‬
‫ ‪ -10 .‬رشيد‪ ،‬فوزي (‪ .)1990‬األمري كوديا‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪11 .‬رو‪ ،‬جورج (‪ .)1984‬العراق القديم‪ .‬ترجمة‪ ،‬حسني علوان حسني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪12 .‬سكر‪ ،‬عزمي(‪ .)1999‬السومريون يف التأريخ‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪13 .‬ســليامن‪ ،‬توفيــق(‪ .)1985‬دراســات يف حضــارات غــرب آســيا القدميــة‪ ،‬مــن‬
‫أقــدم العصــور إىل عــام ‪ 1190‬ق‪.‬م‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪14 .‬ساكز‪ ،‬هاري(‪ .)1979‬عظمة بابل‪ .‬ترجمة‪ ،‬عامر سليامن‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪15 .‬خليــل‪ ،‬غيــث حبيــب(‪ .)2012‬وادي الرافديــن يف عــر فجــر الســاالت‪.‬‬
‫رســالة ماجســتري غــر منشــورة جامعــة بغــداد ‪ ،‬كليــة اآلداب‪.‬‬
‫ ‪16 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الشـــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪17 .‬فــون زودن‪ ،‬ف(‪ .)2003‬مدخــل إىل حضــارات الــرق القديــم‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫فــاروق إســاعيل‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪103‬‬

‫ ‪ 18 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬


‫وخصائصهــم ‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬عبــد الكريــم‪ ،‬عبــد اللــه (‪ .)1974‬مالمــح الوجــود الســامي يف جنــويب العـراق‬
‫قبــل تأســيس الدولــة األكديــة‪ .‬ســومر‪ ،‬مــج ‪.30‬‬
‫ ‪20 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1974‬أقــدم حــرب تحريــر عرفهــا التاريــخ‪.‬‬
‫مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪.30‬‬
‫ ‪21 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحد(‪.)1988‬وثيقــة حــرب التحريــر للملــك الســومري‬
‫اوتوحيــكال ‪ 2114-2120‬ق‪.‬م‪ .‬يف الجيــش والســاح‪ ،‬ج ‪ ،1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪22 .‬المربت‪ ،‬موريس(‪ .)1952‬ما قبل رسجون‪ .‬سومر ‪ ،‬مج ‪ ،8‬ج‪.1‬‬
‫ ‪23 .‬لويد‪ ،‬سيتني (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ ،‬سامي سعيد األحمد‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬الطحان(‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬ج ‪ .1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪25 .‬مالــوان‪ ،‬ماكــس(‪ :.)2001‬حضــارة عــر فجــر الســاالت يف الع ـراق‪ .‬ترجمــة‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪26 .‬وويل‪ ،‬ليونــارد(‪ .)1948‬وادي الرافديــن مهــد الحضــارة‪ .‬ترجمــة أحمــد عبــد‬
‫الباقــي‪ .‬بغــداد ‪.‬‬

‫‪27 .‬‬ ‫‪Diakanoff, I. W(1958). Some remarks on the reform of Uru- Kagina,‬‬
‫‪RA, 52..‬‬
‫‪28 .‬‬ ‫‪Diakanoff.I.W(1991). Early Antiquity. Chicago.‬‬
‫‪29 .‬‬ ‫‪Douglas,F(1993). Sargonic and Gutian Period 23342113- B.C. Royal‬‬
‫‪Inscriptions Mesopotamia 2. Toronto.‬‬
‫‪30 .‬‬ ‫‪Douglas,F(1993). presargon Period 27002350- B.C. Royal Inscriptions‬‬
‫‪Mesopotamia1. Toronto.‬‬
‫‪31 .‬‬ ‫‪Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.‬‬
104 ‫السومريون‬

32 . Hall, H.R(1963). The Ancient History of Near East. London.


33 . Redman,C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers to
Urban Society in the Ancient Near East. USA.
‫السومريون‬ ‫‪105‬‬

‫(‪)6‬‬
‫السومريون ‪ ...‬عصر االنبعاث‬
‫(ساللة أور الثالثة ‪ 2004-2112‬ق‪.‬م)‪.‬‬

‫يبــدو أن األفــق الجغــرايف إلمرباطوريــة أور الثالثــة مل يتجــاوز األفــق‬


‫املــادي إلمرباطوريــة أكــد (الخريطــة‪ :‬رقــم ‪ .)7‬إذ مل يعــر مثـاً عــى األســاء‬
‫املحليــة يف املناطــق الداخليــة مــن األناضــول‪ ،‬وإن كان هنــاك كثــر مــن‬
‫الرســل التــي تذهــب وتــأيت بــن بــاد الرافديــن وإيـران‪ ،‬ويف مناطــق بعيــدة‬
‫عــن عيــام مــع ذكــر وحيــد لبيبلــوس (مدينــة جبيــل اللبنانيــة) عــى ســاحل‬
‫البحــر املتوســط‪ .‬والغريــب أنــه ال يوجــد دليــل عــى أيــة عالقــات مــع مــر‬
‫ســواء يف عــر أور الثالثــة أو يف العــر البابــي القديــم‪ ،‬إن عــدم وجــود‬
‫اتصــاالت يف نهايــة األلفيــة الثالثــة قبــل امليــاد بــن الحضارتــن العظيمتــن‬
‫يف الــرق األوســط القديــم يبقــى أمـرا ً محـرا ً‪.‬‬
‫حكــم هــذه الســالة خمســة ملــوك أولهــم املؤســس أور– منــو‬
‫(‪ 2095 - 2112‬ق‪.‬م‪ ).‬الــذي قــى عــى أوتو‪-‬حيــگال‪ ،‬والثــاين ابنــه‬
‫شــولگي (‪ -2047 2094‬ق‪.‬م‪ ،).‬وثالثهــم آمار‪-‬ســن (‪ 2038-2046‬ق ‪.‬م‪،).‬‬
‫والرابــع كان شــو‪ -‬ســن (‪ -2029 2037‬ق‪.‬م‪ ،).‬أمــا خامســهم فهــو آيب–‬
‫ســن (‪ 2004 - 2028‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫ويحتمــل أن يكــون مؤســس هــذه الســالة قد عــن يف البدايــة حاكامً‬
‫عســكرياً مــن أتو‪-‬حيــگال‪ ،‬وقــد يكــون صهــره‪ ،‬أو أخيــه إال أنــه رسعــان‬
‫‪106‬‬ ‫السومريون‬

‫مــا طــوح بــه واســتوىل عــى الســلطة واتخــذ لنفســه لقــب (ملــك أور)‪،‬‬
‫وهكــذا أســس ســالة جديــدة يف تلــك املدينــة كانــت مــن نــوا ٍح كثــرة‬
‫بــارزة مثــل ســالة أكــد‪ .‬وقــد ثبــت نفســه حاكـاً مســتقالً‪ ،‬مــع اســتمرار‬
‫العالقــات الوثيقــة مــع الــوركاء‪ .‬ومل يكتــف باالســتقالل‪ ،‬فقــد وضــع‬
‫برسعــة عــددا ً مــن املــدن الرئيســة يف الجنــوب تحــت ســيطرته‪ ،‬كان‬
‫ذلــك عــى مــا يبــدو عــن طريــق مزيــج بــارع مــن التفــاوض واملداهنــة‪.‬‬
‫ورمبــا كان قــد أجــر عــى اســتعامل القــوة يف حالــة لگــش‪ ،‬والــوركاء‬
‫نفســها‪ .‬وكان رج ـاً ممي ـزا ً‪ ،‬ألنــه‪ ،‬فض ـاً عــن كونــه جندي ـاً فاع ـاً‪ ،‬كان‬
‫بانيـاً عظيـاً‪ ،‬وإداريـاً ممتــازا ً‪ ،‬وقــد رشع يف اإلصــاح والســلطة املركزيــة‪.‬‬
‫حكــم ملــدة ‪ 18‬عامـاً‪ ،‬وأســس ســالة اســتمرت أكــر مــن قــرن‪.‬‬
‫وحكــم مــن بعــد ابنــه شــولگي ملــدة مثــان وأربعــون عام ـاً حــاول‬
‫فيهــا أن يحــايك خطــوات ســلفه األكــدي (نــرام –ســن ‪2218 - 2254‬‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬وقــد أثبــت أنــه حاكــم فاعــل بالقــدر نفســه‪ ،‬إذ عــزز كثـرا ً مــن‬
‫إصالحــات والــده وأظهــر أنــه أيضـاً كان بانيـاً نشــيطاً ومبتكـرا ً‪ .‬وميكــن‬
‫القــول إن الســالة التــي أسســوها كانــت املرحلــة السياســية البــارزة يف‬
‫حيــاة مدينــة أور‪ ،‬ويزعــم بعــض الباحثــن أن املدينــة كانــت العاصمــة‬
‫ألول إمرباطوريــة يف بــاد الرافديــن التــي امتــدت ســلطتها إىل جبــال‬
‫زاگــروس يف الــرق وشــاالً حتــى ســبار غــرب بغــداد وأعــى الف ـرات‬
‫باتجــاه مــاري‪ .‬وكانــت مدينــة أور العاصمــة طــوال مــدة الســالة‬
‫الحاكمــة‪ ،‬وبنــى كل حاكــم يف داخلهــا منطقتــه املق ّدســة‪ ،‬وهــي املنطقة‬
‫الدينيــة املخصصــة إللــه القمــر ننــار‪ .‬وقــد تلقــب امللــك شــولگي بلقــب‬
‫(ملــك الجهــات األربــع)‪ ،‬ويبــدو أنــه تألّــه مثلــه عــن طريــق وضــع‬
‫السومريون‬ ‫‪107‬‬

‫النجمــة العالمــة الدالــة عــى اآللهــة قبــل أســمه‪ .‬ويعــرف عــن هــذا‬
‫امللــك حبــه لــأدب الســومري والحضــارة الســومرية‪ ،‬ويفخــر أنــه أصبــح‬
‫كاتب ـاً بعــد أن تعلــم يف املدرســة (أيدوبــا) يف صغــره‪ .‬وقــد مــد حكمــه‬
‫إىل جهــة الــرق وســيطر عــى بــاد عيــام وأنشــان‪ ،‬وطــارد القبائــل‬
‫البدويــة التــي تســكن جبــال زاگــروس‪ ،‬وســيطر عــى مــدن الشــال‬
‫مثــل ‪ :‬آشــور وأربيــل وهــي منطقــة نفــوذ األقــوام الســوبارتية‪.‬‬
‫تــوىل مقاليــد الحكــم بعــد ابنــه آمار‪-‬ســن الــذي حكــم تســعة‬
‫أعــوام‪ ،‬ويبــدو أنــه حافــظ عــى مناطــق النفــوذ الــذي وصــل إليهــا‬
‫والــده‪ .‬وجــاء بعــده أخيــه شو‪-‬ســن وحكــم تســعة أعــوام أيضـاً‪ ،‬ولكنــه‬
‫واجــه خط ـرا ً كبــر مــن األقــوام اآلموريــة‪ ،‬ولهــذا عمــل إىل بنــاء ســور‬
‫عــازل مــن أجــل تفــادي هجامتهــم مــن جهــة الغــرب عــرف ﺑســور‬
‫مارتــو (موريــك تيدنيــم) أي الــذي يبعــد التنــدوم‪ ،‬وهــي إحــدى‬
‫القبائــل اآلموريــة‪ ،‬وبلــغ طولــه نحــو ‪ 270‬كــم‪ ،‬ومــع هــذا مل يكــن هــذا‬
‫الســور ف ّعــاالً مثلــه مثــل األســوار الضخمــة عــر التاريــخ‪ ،‬وقــد زاد ضغط‬
‫األقــوام اآلموريــة يف عهــد خليفتــه (آيب‪ -‬ســن) الــذي بقــى يف الحكــم‬
‫ملــدة أربعــة وعــرون عامـاً‪ ،‬إال أن هــذه املــدة كانــت صعبــة ومليئــة‬
‫باملــآيس‪ ،‬إذ عانــت مدينــة أور مــن املجاعــة وقلــة املــواد الغذائيــة‪.‬‬
‫ونعــرف الوضــع الصعــب واملــؤمل مــن رســائله إىل حــكام األقاليــم التــي‬
‫متدنــا برؤيــة واضحــة عــن الوضــع العــام يف هــذه اململكــة وحالــة الحزن‬
‫والضيــاع التــي كان يعــاين منهــا هــذا امللــك‪ .‬وقــد اســتغل العيالميــون‬
‫هــذا الوضــع مــن أجــل االنقضاض عــى هــذه الدولــة الســومرية األخرية‬
‫فأســقطوها يف نحــو ‪ 2004‬ق‪..‬‬
‫‪108‬‬ ‫السومريون‬

‫شــهد هــذا العــر إعــادة امللكيــة إىل مدينــة أور مــع عــودة إىل‬
‫اســتعامل اللغــة الســومرية كلغــة رســمية للبــاد أو عــى األقــل يف بــاد‬
‫ســومر‪ ،‬لــذا يوصــف هــذا العــر بعــر االنبعــاث الســومري‪ .‬وهنــا ال‬
‫بــد مــن اإلشــارة إىل أن الســومريني واألكديــن قــد انصهــروا منــذ زمــن‬
‫طويــل‪ ،‬وأصبحــوا شــعباً واحــدا ً متجانسـاً لــه تقاليــد وحضــارة مشــركة‪.‬‬
‫وقــد أقــر ملــوك أكــد بوضــوح بســلطة اإللــه الســومري األعــى يف نفــر‬
‫ونظمــت ابنــة رسجــون الرتاتيــل بأرقــى لغــة ســومرية أدبيــة‪ .‬وكان آخــر‬
‫ملــوك ســالة أور الثالثــة‪ ،‬وأقــوى ملــكات الســالة يحملــون أســاء‬
‫ســامية‪ .‬إن تعمــد اســتعامل اللغــة الســومرية يف هــذا الوقــت ال بــد أن‬
‫يعكــس إىل حــد مــا وعيـاً بـراث أور الثقــايف‪ ،‬وإن نبــذ منــذ زمــن طويــل‬
‫أي تلميــح إىل حــدوث رصاع عرقــي‪.‬‬
‫واتخــذ مؤســس هــذه الســالة مــن أور عاصمــة لــه وســار عــى‬
‫نهــج ســلفه أوتو‪-‬حيــگال‪ ،‬وأجــر حـكّام املــدن املســتقلة عــى الخضــوع‬
‫لســيطرته‪ ،‬وكذلــك حــكّام املقاطعــات واملــدن التــي كانــت تحــت‬
‫الســيطرة الگوتيــة جعلهــا خاضعــة لــه‪ ،‬ولقــب نفســه بلقــب (ملــك‬
‫ســومر وأكــد) إشــارة إىل ســيطرته عــى كل بــاد بابــل‪ ،‬فضـاً عــن تجهيزه‬
‫حمــات عــى مناطــق د�يــإىل‪ ،‬وأخضــع مدينــة سوســة تحــت ســيطرته‪.‬‬
‫وقــد شــق عــدد كبــر مــن القنــوات الجديــدة لدعــم املســتوطنات‬
‫اض جديــدة بكثافــة‪ .‬لــذا تؤكــد النقــوش امللكيــة‬ ‫الجديــدة وزراعــة أر ٍ‬
‫عــى األهميــة التــي تعلقهــا هــذه األنشــطة الهيدروليكيــة؛ وقــد بذلــت‬
‫جهــود كبــرة مــن ناحيــة القــوى العاملــة واملــوارد يف أعــال الرتميــم‬
‫السومريون‬ ‫‪109‬‬

‫والصيانــة‪ .‬فقــد كانــت هنــاك حاجــة إىل جهــود كبــرة مــن الرجــال‬
‫للقيــام بأعــال التنظيــف واإلصــاح الدوريــن‪ ،‬ويبــدو أن أفـراد الجيــش‬
‫وســجناء الحــرب جنــدوا ألداء هــذه األعــال‪ .‬وكان مــن نتيجــة هــذه‬
‫األعــال واملشــاريع الزيــادة يف كميــات الحبــوب املنتجــة إال أن هــذا‬
‫جــاء عــى حســاب بــروز مشــكلة امللوحــة‪ ،‬وهــي إحــدى أبــرز مشــاكل‬
‫الرتبــة يف جنــوب بــاد الرافديــن عــى مــر التأريــخ‪.‬‬
‫كان النظــام الســيايس يف عهــد ســالة أور الثالثــة نظامــاً مركزيــاً‪،‬‬
‫ولكنــه مل يكــن نظامــاً دكتاتوريــاً رصفــاً‪ ،‬وإمنــا اعتمــد عــى اإلدارة‬
‫البريوقراطيــة‪ ،‬إذ كانــت مفاصــل الدولــة تــدار بواســطة مجموعــة مــن‬
‫املوظفــن الحكوميــن الذيــن كانــوا يحســنون التــرف كــا هــو واضــح‬
‫يف مــا تركــوه لنــا مــن تفاصيــل إداريــة وفنيــة تنــم عــن كفــاءة وقــدرة‬
‫عاليــة‪ .‬وكان الجانــب االقتصــادي واإلداري واضحـاً عــن طريــق النصــوص‬
‫الكتابيــة مــن هــذه املــدة‪ ،‬إذ تســجل هــذه النصــوص األعــداد اليوميــة‬
‫للعاملــن يف الحقــول‪ ،‬وحفــر القنــوات‪ ،‬والحصــاد‪ ،‬والتحميــل‪ ،‬وتحســب‬
‫معــدالت العمــل واألجــور بالتفصيــل‪ ،‬وتوضــح هــذه النصــوص اقتصــادا ً‬
‫يســهم فيــه األف ـراد والدولــة‪.‬‬
‫وعمــل ملــوك هــذه الســالة سلســلة مــن الحمــات العســكرية‪،‬‬
‫فقــاد امللــك أور‪-‬منــو املؤســس حمــات عــدة باتجــاه املنطقــة املحصــورة‬
‫بــن دجلــة‪ ،‬وجبــال زاگــروس‪ ،‬وعمــل عــى القضــاء عــى بقايــا الگوتيــن‪،‬‬
‫وكانــت مدينــة سوســة يف بــاد عيــام تحــت الســيطرة يف نهايــة حكــم‬
‫امللــك الثــاين شــولگي‪ ،‬إذ أنــه نهــب يف ســنته الرابعة والعرشين‪ ،‬ولســبب‬
‫‪110‬‬ ‫السومريون‬

‫غــر معــروف‪ ،‬مدينــة أنشــان ووضــع حاكــم عســكري عليهــا عــرف‬


‫ﺑ(شــاگينا)‪ .‬وقــد وصلــت حمــات عســكرية مناطــق يف بــاد الرافديــن‬
‫يف أربيــل‪ ،‬وكركــوك‪ ،‬وإىل أنشــان يف إيـران‪ ،‬وكذلــك الجبــال يف املتاخمــة‬
‫لحــدود األقــوام الخوريــة‪.‬‬
‫وقــد اعتمــدت هــذه اإلمرباطوريــة أســاليب أكــر مدنيــة وســلمية‬
‫مــن األســلوب العســكري التقليــدي يف الســيطرة ومــد النفــوذ‪ ،‬وعملــت‬
‫يف زمــن ملكهــا الرابــع (شــو‪ -‬ســن) إىل بنــاء ســور عــازل مــن أجــل‬
‫تفــادي هجــات األقــوام اآلموريــة القادمــة مــن الغــرب كــا أرشنــا‬
‫أعــاه‪ .‬وقــد أرغمــت هــذه الهجــات فضــاً عــن غــزوات العيالميــة‬
‫آيب– ســن آخــر ملوكهــا عــى تشــييد أســوار كبــرة وتحصينــات حــول‬
‫أور ونفــر‪ .‬وتعــد هــذه هــي املــرة األوىل التــي نســمع فيهــا عــن هجــوم‬
‫خطــر عــى بــاد بابــل يشــنه شــعب ناطــق بلغــة ســامية مــن الصحـراء‬
‫الغربيــة يعــرف ﺑمارتــو (الغــرب)‪ ،‬أو اآلموريــون (الغربيــون)‪.‬‬
‫وقــد ســقطت آخــر الــدول الســومرية عــى يــد األقــوام العيالميــة‪،‬‬
‫فبعــد أن هاجــم آيب‪-‬ســن آخــر امللــوك الســومريني بــاد انشــان يف‬
‫الســنة التاســعة مــن حكمــه‪ ،‬هاجــم كينــدادو ملــك عيــام (شيامشــي)‬
‫مدينــة أور وقــى عــى آخــر الســاالت الســومرية يف بــاد الرافديــن‪.‬‬
‫لقــد اجتمعــت جملــة أســباب أدت لهــذا الســقوط منهــا‪ :‬االنتفاضــات‬
‫والثــورات املحليــة ضــد حكامهــا‪ ،‬فشــجعت هــذه الظــروف بعــض‬
‫الحــكام املحليــن لالنفصــال عــن الــدول األم‪ ،‬فضـاً عــن تدهــور الوضــع‬
‫االقتصــادي‪ ،‬والضغــط الــذي مارســته األقــوام اآلموريــة البدويــة مــن‬
‫جهــة الغــرب‪ ،‬وأخ ـرا ً الهجــوم املبــارش مــن العيالميــن الذيــن اســتغلوا‬
‫السومريون‬ ‫‪111‬‬

‫تــردي األوضــاع العامــة سياســياً‪ ،‬واقتصاديـاً‪ ،‬واجتامعيـاً لالنقضــاض عــى‬


‫اإلمرباطوريــة واالســتيالء عــى عاصمتهــا‪ ،‬ومل تكــن هنــاك أيــة مقاومــة‬
‫فعالــة‪ ،‬وبحــث النــاس عــن األمــان بــن أســوار املــدن‪.‬‬
‫وتــروي قصيــدة ملحميــة ملخــص موجــز لبعــض األحــداث الدراميــة‬
‫التــي ســبقت التدمــر النهــايئ ألور‪ .‬فقــد جــاء يف بعــض أبياتهــا‪( :‬بعــد أن‬
‫غــر أنــي مجــرى نهــري دجلــة والف ـرات‪ ،‬بعــد أن ألقــى أوتــو لعنتــه‬
‫عــى الشــوارع والطــرق العامــة؛ مــن أجــل محــو القــوى اإللهيــة لســومر‪،‬‬
‫وتغيــر خططهــا املســبقة وتنفــر القــوى اإللهيــة لحكــم ملكيــة أور(‪،)...‬‬
‫وإن شيامشــي وعيــام العــدو ميكثــان يف مكانهــا؛ وإن الراعــي يــأرس‬
‫مــن العــدو وحيــدا ً متام ـاً‪ ،‬وإن آيب‪ -‬ســن يؤخــذ إىل أرض عيــام مكب ـاً‬
‫بالسالســل‪ ،‬مــن جبــل زابــو عــى حافــة البحــر‪ ،‬إىل حــدود أنشــان‪ ،‬مثــل‬
‫طائــر طــار مــن عشــه‪ ،‬وال يعــود إىل مدينتــه(‪ ،)...‬ومصــره ال ميكــن‬
‫تغيــره‪ ،‬ومــن يســتطيع أن يســقطه‪ -‬مــن يســتطيع أن يعــارض أمــر آن‬
‫وأنليــل؟ وذعر(جــدا ً) ســكان ســومر‪ ،‬كان النــاس خائفــن‪ .‬وف ّجــر أنليــل‬
‫عاصفــة رشيــرة‪ ،‬وخيــم الصمــت عــى املدينــة(‪ ،)...‬وحولــت أينانــا‬
‫(النــر يف) ال ـراع واملعركــة إىل البــاد املتمــردة(‪ ،)...‬ثــم أرســل أنليــل‬
‫الگوتيــن مــن الجبــال‪ ،‬وكان تقدمهــم مثــل طوفــان أنليــل الــذي ال ميكــن‬
‫الصمــود أمامــه‪ ،‬ومــأت عاصفــة الســهل العظيمــة الريــف‪ ،‬ثــم تقدمــت‬
‫أمامهــم‪ .‬ودمــر الريــف الواســع‪ ،‬ومل يتحــرك أحــد هنــاك(‪ ،)...‬وتــرك‬
‫األغنيــاء ممتلكاتهــم واتخــذوا طريقـاً غــر مألــوف‪ ،‬وقــد دنســت ملوكيــة‬
‫البــاد يف تلــك األيــام‪ ،‬التــاج الــذي كان عــى رأس (امللــك) [‪ ]-‬لوحــده‪.‬‬
‫البــاد التــي اتخــذت الطريــق نفســها قســمت إىل فصائــل‪ )...( ،‬أمــا‬
‫‪112‬‬ ‫السومريون‬

‫تقديــم الطعــام يف أور‪ ،‬واملـزار (الــذي يتلقــى) تقدمــات الطعــام املهيبــة‬


‫فــكان قــد تغــر نحــو األســوأ‪ ،‬واســتبدل ننــار قومــه بعــدد مــن الشــياه‪،‬‬
‫وجلــس ملكهــا مشــلول الحركــة يف قــره‪ ،‬وحيــدا ً متامـاً(‪ ،)...‬وأمــا كــش‬
‫التــي بناهــا مبفردهــا عــى أعــى املنحــدر فقــد كانــت تســكنها األشــباح‪،‬‬
‫وأدب التــي متتــد عــى طــول النهــر حرمــت مــن املــاء‪ .‬وجعــل ثعبــان‬
‫الجبــل عرينــه هنــاك‪ ،‬وأصبحــت أرض متمــردة‪ .‬وتــرىب الگوتيــون هنــاك‪،‬‬
‫وانتــرت بذورهــم(‪ ،)...‬وهجــرت إينانــا الــوركاء‪ ،‬وأنطلقــت إىل أرض‬
‫العدو(عيــام)‪ ،‬يف أي‪-‬أنّــا وضــع العــدو عينــه عــى مـزار گيبــار املقــدس‪.‬‬
‫گيبــار املقــدس لإليــن الكهنــوت تــم تدنيســه‪ .‬اإليــن الكاهــن تــم خطفــه‬
‫مــن گيبــار(و) حمــل إىل أرض العــدو(‪ ،)...‬اســقط أنليــل العيالميــن‪،‬‬
‫العــدو مــن املرتفعــات(‪ )...‬وســلم مقاطعــة لگــش إىل عيــام‪ ،‬ثــم وصلت‬
‫امللكــة أيض ـاً إىل نهايــة زمانهــا(‪ ،)...‬يف مــكان نانــار إذ مل يــر الشــيطان‬
‫قــط‪ ،‬ســار العــدو (‪ ،)...‬وخطــف ســيده الكاهــن مــن گيبــار(و) حمــل إىل‬
‫أرض العــدو(‪ ،)...‬لقــد مســحنا مــن الگوتيــن‪ ،‬املخربــن(‪ ،)...‬إىل الجنــوب‬
‫تدخــل العيالميــون‪ ،‬وذبحــوا‪ ...‬إىل الشــال املخربــن‪ ،‬العــدو‪ ...‬وكان‬
‫التيدنوميــون يف كل يــوم يربطــون الصولجــان إىل حقويهــم‪ .‬إىل الجنــوب‬
‫كان العيالميــون مثــل املوجــة العاتيــة (‪ ،)...‬هــذا مــا فعلــه أنليــل الــذي‬
‫يقــرر املصائــر‪ ،‬وبعــد ذلــك عمــل‪ :‬للمــرة الثانيــة أنــزل العيالميــن‪،‬‬
‫العــدو‪ ،‬مــن الجبــال(‪ ،)...‬نانــار الــذي يحــب مدينتــه غادرهــا‪ ،‬واتخــذ‬
‫ســن طريقـاً غــر مألــوف بعيــدا ً عــن حبيبتــه أور(‪ ،)...‬أور التــي كانــت‬
‫واثقــة مــن قوتهــا وقفــت مســتعدة للذبــح‪ ،‬أمــا شــعبها املضطهــد فلــم‬
‫يســتطع الصمــود أمــام أســلحة العــدو(‪ ،)...‬عيــام‪ ،‬مثــل موجــة فيضــان‬
‫السومريون‬ ‫‪113‬‬

‫متضخمــة‪ ،‬مل تــرك ســوى أرواح املــوىت‪ .‬حطمــت األســلحة الــرؤوس يف‬
‫أور مثــل األواين الفخاريــة‪ ،‬وكان الالئــذون فيهــا (غــر قادريــن) عــى‬
‫الفـرار‪ ،‬وظلــوا محارصيــن يف داخــل الجــدران(‪ ،)...‬وقــد أصابهــم الدنس‪،‬‬
‫ونقلــت الجزيــة العظيمــة التــي جمعوهــا إىل الجبــال(‪ ،)...‬ومل يعــد‬
‫(املوســيقيون) يعزفــون طوي ـاً عــى آلــة البــاالگ يف الغرفــة املقدســة‬
‫لننــار‪ ،‬والصنــدوق املقــدس الــذي مل يــره أحــد كان قــد رأه العــدو(‪،)...‬‬
‫وقطعــت التامثيــل التــي كانــت يف املــزار(‪ ،)...‬وتخــى عــن الطقــوس‬
‫والقــرارات املقدســة‪ ،‬وذهبــوا إىل مدينــة أجنبيــة(‪ ،)...‬يف الحقيقــة أن‬
‫العاصفــة التــي هبــت عــى ســومر هبــت عــى األرايض األجنبيــة‪ .‬لقــد‬
‫انفجــرت يف تيدنــوم‪ ،‬ونفخــت يف البــاد األجنبيــة‪ .‬لقــد انفجــرت يف‬
‫الگوتيــن‪ ،‬ونفخــت يف البــاد األجنبيــة‪ .‬وقــد هبــت عــى أنشــان‪ ،‬وهبــت‬
‫عــى األرايض األجنبيــة‪( ،‬و) دمــرت أنشــان مثــل عاصفــة رشيــرة‪ .‬لقــد‬
‫طغــت املجاعــة عــى الرشيــر‪ ،‬رمبــا (أن) يخضــع النــاس(‪ ،)...‬أه يــا ننــار‪،‬‬
‫ملكيتــك الحلــوة ترجــع إىل مكانــك‪ .‬ورمبــا عهــدا ً وفـرا ً يــدوم طويـاً يف‬
‫أور‪ .‬ودع أهلهــا يرقــدون يف مـرا ٍع آمنــة‪ ،‬ودعهــم يتكاثــرون‪ .‬آه يــا بــر‬
‫[‪ ،]-‬آه يــا ننــار‪ ،‬وآه مدينتــك! وآه معبــدك!‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫السومريون‬

‫مصادر الفصل السادس‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1975‬السومريون وتراثهم الحضاري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬اوبنهايــم ‪ ،‬ليــو(‪ .)1981‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪4 .‬أوليــش‪ ،‬هلمــوت(‪ .)2021‬الســومريون شــعب يف مطلــع التأريــخ‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫أحمــد أمحــان‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪5 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪6 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪ 7 .‬بوتــرو ‪ ،‬جــان وآخــرون(‪ .)1989‬الــرق االدىن الحضــارات املبكــرة‪ .‬ترجمــة‬
‫عامــر ســليامن‪ .‬املوصــل‪.‬‬
‫‪8 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪9 .‬رشيد ‪ ،‬فوزي (‪ .)1990‬األمري كوديا‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬رو‪ ،‬جورج(‪ .)1984‬العراق القديم‪ .‬ترجمة حسني علوان حسني‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪11 .‬زودن‪ ،‬ف‪ .‬فــون(‪ .)2003‬مدخــل إىل حضــارات الــرق األدىن القديــم‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫اســاعيل محمد‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪12 .‬ساكز‪ ،‬هاري(‪ .)1979‬عظمة بابل‪ .‬ترجمة‪ ،‬عامر سليامن‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪13 .‬سكر‪ ،‬عزمي(‪ .)1999‬السومريون يف التأريخ‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪14 .‬الطحان(‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬ج ‪ .1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪15 .‬عبد الغني‪ ،‬هاين(‪ .)2005‬حركات التحرر يف العراق القديم‪ .‬رسالة ماجستري‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪16 .‬عــي ‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1974‬أقــدم حــرب تحريــر عرفهــا التاريــخ‪.‬‬
‫مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪.30‬‬
‫السومريون‬ ‫‪115‬‬

‫ ‪17 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1983‬الســومريون واألكديــون ‪ .‬العــراق يف‬


‫التأريــخ‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪18 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1987‬املنجــزات السياســية والعســكرية يف‬
‫عصــور فجــر الســاالت الســومرية‪ .‬مجلــة املــورد‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬عكاشة‪ ،‬ثروت(ب‪.‬ت)‪ .‬الفن العراقي‪ -‬سومر وبابل وآشور‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪20 .‬لويد‪ ،‬سيتني (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ ،‬سامي سعيد األحمد‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪21 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الشـــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‬
‫ ‪22 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫وخصائصهــم ‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪23 .‬مورتــكات‪ ،‬أنطــون( ‪ .)1975‬الفــن يف العـراق القديــم‪ .‬ترجمــة‪ ،‬عيــى ســلامن‬
‫وســليم التكريتــي‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬متــويل‪ ،‬نوالــة أحمــد ( ‪.)1994‬مدخــل يف دراســة الحيــاة االقتصاديــة لدولــة‬
‫أور الثالثــة يف ضــوء املصــادر املســارية املنشــورة وغــر املنشــورة ‪ ،‬أطروحــة‬
‫دكتــوراه غــر منشــورة ‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪25 .‬وويل‪ ،‬ليونــارد(ب‪.‬د)‪ .‬وادي الرافديــن مهــد الحضــارة‪ .‬ترجمــة‪ ،‬أحمــد عبــد‬
‫الباقــي‪ ،‬القاهــرة‪.‬‬
‫‪26 .‬‬ ‫‪Crawford. Harriet(2015).Ur the city of the Moon god. London,‬‬
‫‪New York.‬‬
‫‪27 .‬‬ ‫‪Diakonoff, I . M(1991). Early Antiquity. Chicago.‬‬
‫‪28 .‬‬ ‫‪Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.‬‬
‫‪29 .‬‬ ‫‪Nissen, H,J(1988).The early history of the near east 90002000-‬‬
‫‪B.C. Chicago& London.‬‬
116 ‫السومريون‬

30 . Openheim, A.L(1964). Ancient Mesopotamia. Chicago.


31 . Redman,C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers
to Urban Society in the Ancient Near East. USA.
32 . Woolley, C.L(1929). The Sumerians. Oxford.
‫السومريون‬ ‫‪117‬‬

‫(‪)7‬‬
‫مدن سومرية خالدة‬
‫‪ 7-1‬مدينة أريدو‬

‫‪ 7-1-1‬املوقع‬
‫تعــد مدينــة أريــدو واحــدة مــن أشــهر وأعظــم املــدن الســومرية‪،‬‬
‫فهــي بيــت اإللــه أنــي‪ ،‬الــه األرض والســاء‪ ،‬وهــي مدينــة امللــوك األوىل‪.‬‬
‫وتصنــف كواحــدة مــن بــن أبــرز املســتوطنات وأقدمهــا يف عــر العبيد‪،‬‬
‫وتقــع بالقــرب مــن الجانــب الغــريب مــن نهــر الفـرات يف مدينــة النارصية‬
‫تعــرف بقاياهــا اآلن باســم (أبــو شــهرين) نحــو ‪ 25‬كــم جنــوب غــرب‬
‫مدينــة أور‪ .‬وقــد ســميت عــى وفــق النصــوص الكتابيــة بصيغــة (‪Uri-‬‬
‫‪ )DUG-GA‬التــي تعنــي املدينــة الجيــدة‪ .‬وكتبــت بالصيغــة اآلتيــة‪:‬‬
‫(‪ )Nun.ki‬التــي تعنــي املــكان العظيــم أو الرمــز العظيــم‪ .‬ويبــدو أن‬
‫اســم املدينــة غــر معــروف عــى وجــه الدقــة‪ ،‬فهــو واحــد مــن األســاء‬
‫الجغرافيــة مــن عصــور قبــل التأريــخ‪ ،‬والــذي حصلــت عليــه تغ ـرات‬
‫وتحــوالت عــدة قبــل بدايــة الكتابــة‪ ،‬ومــن ثــم ضاعــت معاملــه األصليــة‪.‬‬
‫ويعتقــد الباحــث جاكوبســن أن اســم املدينــة قــد ارتبــط باســم اإللــه‬
‫أنــي‪ ،‬إذ جــاء اســمها يف البدايــة باللغــة الســومرية بالصيغــة التــي أرشنــا‬
‫إليهــا أعــاه‪ ،‬وقــال أن (‪ )Nun‬تعــود إىل تعيــن قديــم لالســم وبشــكل‬
‫جــزيئ ملدينــة أريــدو‪ .‬وأطلــق اإلغريــق عــى املدينــة اســم ديريدوتــس‪،‬‬
‫‪118‬‬ ‫السومريون‬

‫وأنهــا كانــت املركــز الرئيــس للطــب يف بــاد الرافديــن‪ ،‬وال ســيام التطبــب‬
‫بالتعاويــذ واســتعامل املــاء املعــوذ الــذي يجــري يف معابدهــا‪ .‬وعرفــت‬
‫كمينــاء اســتخدمه اإلســكندر املقــدوين كقاعــدة بحريــة‪.‬‬
‫تقــع مدينــة أريــدو عــى حافــة منطقــة الســهل الرســويب‪ ،‬وهــي اآلن يف‬
‫شــبه صحـراء رمليــة‪ .‬ويبــدو أن موقــع املســتوطن األول عبــارة عــن كثبــان‬
‫رمليــة مرتفعــة عامئــة رمبــا شــكلت جزيــرة مناســبة يف منطقــة واســعة‬
‫يف األهــوار إلحــدى بح ـرات املــد والجــزر لــرأس الخليــج‪ .‬وقــد شــيدت‬
‫مســتوطنو أريــدو (دور العبيــد األول) معبــدا ً صغ ـرا ً مــن الطــن الطــري‪،‬‬
‫ويبــدو أن هــذه البقعــة اكتســبت قدســية خاصــة‪ ،‬إذ كشــف عــن سلســلة‬
‫مــن املعابــد‪ ،‬وحــاول بعــض الباحثــن وضــع تاريــخ لــدور العبيــد باالعتــاد‬
‫عــى وجــود ســتة أو ســبعة معابــد متعاقبــة مــن هــذه الحقبــة‪ .‬غــر أن‬
‫تحديــد ذلــك مبــدة زمنيــة قــد يقــود إىل افرتاضــات عرضــة للمناقشــة‪.‬‬
‫فأبنيــة الطــن رسيعــة الهــدم واالنهيــار لــذا فــإن افـراض الباحــث (گــوردن‬
‫تشــايلد) أن معــدل عمــر املعبــد الواحــد يقــدر بنحــو مئــة عــام يبــدو‬
‫فيــه مغــاالة‪ ،‬إذ أن هنــاك إشــارات ملعابــد يف األلــف األول ق‪.‬م‪ ،‬انهــارت يف‬
‫مــدة ‪ 40‬ســنة‪ ،‬لــذا فــإن مــدة الســتامئة ســنة التــي توصــل إليهــا (گــوردن‬
‫تشــايلد ) ميكــن قســمتها إىل اثنــن (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)5‬‬

‫‪ 7-1-2‬االستيطان يف مدينة أريدو‬


‫متثــل حضــارة أريــدو مــن مطلــع األلــف الخامــس ق‪.‬م‪ ،‬أول أدوار‬
‫عــر العبيــد‪ ،‬ومتثلــت عامريــاً مبجموعــة مــن الطبقــات البنائيــة‪،‬‬
‫ومــع أن املعبــد شــغل معظــم هــذه الطبقــات إال أنــه يوضــح أســاليب‬
‫السومريون‬ ‫‪119‬‬

‫البنــاء املتبعــة واملــواد األوليــة املســتعملة‪ .‬ومثــل هــذا الواقــع العــاري‬


‫الجديــد الــذي يغطــي مــدة األلــف الخامــس‪ ،‬وبدايــة األلــف الرابــع‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬يتضــح يف عــارة مــدن ســومرية أخــرى يف جنــوب بــاد الرافديــن؛‬
‫منهــا أور‪ ،‬وتلــو‪ ،‬والعقــر‪.‬‬
‫ويبــدو أن املدينــة قــد هجــرت يف مطلــع األلــف الرابــع قبــل امليــاد‬
‫يف عــر الــوركاء رمبــا بســبب مشــاكل امليــاه‪ ،‬وتغــر مجــاري األنهــار‪،‬‬
‫إال أنهــا بشــكل عــام كانــت مركــزا ً دينيــاً مميــزا ً‪ .‬ويبــدو أن مناطــق‬
‫الجنــوب الرافدينــي قــد تدهــورت مــرة ثانيــة يف العــر األكــدي‪ ،‬فقــد‬
‫اختفــت قــرى عــدة كانــت منتــرة حــول املــدن الكــرى‪ ،‬وهجــرت‬
‫بعــض املركزيــة الحرضيــة الكبــرة ومنهــا أريــدو‪ .‬ولكــن الوضــع تغــر‬
‫يف عــر أور الثالثــة‪ ،‬إذ يبــدو أن القســم الجنــويب مــن الســهل الرســويب‬
‫كان قــد نجــا مــن التعســف الگــويت‪ ،‬ومــن ثــم أســهم يف طردهــم مــا‬
‫أدى إىل أن تزدهــر املنطقــة بأكملهــا ويتضاعــف عــدد الســكان فيهــا‪.‬‬
‫تقــول املصــادر الكتابيــة أن مدينــة أريــدو قــد بنتهــا اآللهــة بحســب‬
‫اعتقــاد الســومريني‪ ،‬إذ ورد يف أســطورة الخليقــة الســومرية أن‪( :‬البقــاع‬
‫جميعهــا كانــت بح ـرا ً ثــم خلقــت أريــدو)‪ .‬وكانــت العاصمــة الدينيــة‬
‫يف عــر الســاالت املبكــرة‪ ،‬ويعتقــد أن كهنتهــا هــم مــن كتبــوا القســم‬
‫األول مــن جــداول امللــوك الســومرية‪ .‬فقــد أشــارت هــذه الجــداول إىل‬
‫أن مدينــة أريــدو كانــت املدينــة األوىل التــي هبطــت فيهــا امللوكيــة مــن‬
‫الســاء‪ .‬وإن أول ملوكهــا هــو آلوليــم الــذي حكــم عــى وفــق هــذه‬
‫الجــداول نحــو ‪ 2800‬ســنة‪ ،‬وحكــم بعــده امللــك آالگار الــذي حكــم نحــو‬
‫‪ 3600‬ســنة‪ ،‬وال يعــرف يشء عــن هذيــن امللكــن‪ ،‬ورمبــا كانــا مــن الكهنــة‬
‫‪120‬‬ ‫السومريون‬

‫أو الحكــاء‪ ،‬إذ أنهــم يشــبهون شــخصية عرفــت باســم آدابــا الــذي‬
‫عــرف بوصفــه شــخصاً حكيــاً‪ ،‬وإن مــن منحــه الحكمــة هــو اإللــه‬
‫أنــي‪ ،‬وســمي ﺑ(ابــن أريــدو)‪ ،‬وزعيــم البــر‪ ،‬وكان أكــر مــن ملــك‪،‬‬
‫وإن مل يــدرج ضمــن ملــوك قبــل الطوفــان‪ .‬لقــد كان آدابــا متميـزا ً بــكل‬
‫معنــى الكلمــة ومنوذج ـاً بهي ـاً لإلنســان املتمــدن‪:‬‬
‫(شاء أن تكون كلمته مثل كلمة آن‪،‬‬
‫أتحفه بعقل واسع ليك يكشف مصائر البالد‪،‬‬
‫أُعطى هذا اإلنسان الحكمة ولكنه مل مينحه الحياة األبدية‪،‬‬
‫يف ذلك الزمان يف تلك السنني كان الحكيم قد ولد يف أريدو‬
‫فقد خلقه أنيك (أيّا) منوذجاً بني الناس‪،‬‬
‫حكيامً ال يستطيع أحد أن ينبذ كلمته‪،‬‬
‫عاملاً أنه األذىك بني االنونايك‪.)...‬‬
‫وهكــذا كان آدابــا ميثــل الرجــل املتحــر بــكل معنــى الكلمــة كــا‬
‫كان أنكيــدو ميثــل االنســان البــدايئ‪ .‬وكان ذلــك اإلنســان املتحــر قــد‬
‫انصــب اهتاممــه عــى تقديــم القرابــن لآللهــة‪ ،‬ولكنــه حكيــم إىل درجــة‬
‫أن كلمتــه مثــل كلمــة آن (آنــو)‪ ،‬وقــد جعلــه أنــي كامـاً يف القــدرة عــى‬
‫الفهــم‪ .‬وقــد ظهــر متأخ ـرا ً االرتبــاط األول للحكــاء الســبعة املعروفــن‬
‫باســم (ابكالــوا= ‪ )Abkallu‬مبلــوك قبــل الطوفــان مــن العــر اآلشــوري‬
‫الحديــث والعــر الهلنســتي‪ ،‬والذيــن كانــوا يعــدون «أبطــال الثقافــة»‬
‫الذيــن جلبــوا فنــون الحضــارة إىل ســومر‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪121‬‬

‫‪ .7-1-3‬الحالة السياسية يف مدينة أريدو‬


‫يبــدو أن مدينــة أريــدو مل تحظــى بأيــة مكانــة سياســية ومل تظهــر‬
‫فيهــا ســالة محليــة حاكمــة‪ ،‬وقــد كانت تــدور يف فلــك املدن والســاالت‬
‫التــي حكمــت بــاد الرافديــن‪ ،‬وال ســيام القســم الجنــويب‪ .‬وقــد أشــر‬
‫إليهــا يف كتابــات حــكام هــذه املــدن والســاالت‪ ،‬وقــد وردت أقــدم‬
‫إشــارة مــن زمــن أور‪-‬نانشــة مؤســس ســالة لگــش مــن نحــو ‪ 2700‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫وهــي تشــر إىل أن هــذا امللــك ذهــب إىل مدينــة أريــدو حام ـاً أنفــس‬
‫الهدايــا وأمثنهــا مترضعــاً بهــا إىل اإللــه أنــي لينــال رضــاه وبركاتــه يف‬
‫بنــاء معبــد أي‪-‬ننــا يف مدينتــه لگــش‪ .‬وذكــر أحــد خلفائــه وهــو امللــك‬
‫أياناتــم (‪ 2425-2454‬ق‪.‬م) أنــه أخضــع مدينــة أريــدو لنفــوذه الســيايس‪.‬‬
‫وأشــار امللــك أنتمينــا (‪ 2375-2405‬ق‪.‬م) إىل املدينــة‪ ،‬إذ أنــه أقــام حوضـاً‬
‫واســعاً ألنــي إلــه املدينــة‪ ،‬ورمبــا كان رمـزا ً ﻟ(أبــزو)‪ .‬وبعدهــا أشــار امللــك‬
‫املصلــح أوركاجينــا(‪ 2351‬ق‪.‬م) إىل املدينــة يف ألقابــه (راعــي مدينــة‬
‫أريــدو)‪ ،‬وهــو أول امللــوك الذيــن اســتخدموا هــذا اللقــب‪ ،‬وتبعــه‬
‫ملــوك آخــرون مــن عصــور الحقــة‪ .‬وتفاخــر لوگال‪-‬زاكيــزي (‪ 2342‬ق‪.‬م)‬
‫ملــك أو ّمــا بســيطرته عــى معظــم املــدن الســومرية ومــن بينهــا أريــدو‬
‫املقدســة‪ ،‬وأتخــذ لقب(الــذي أعطــي الحكمــة مــن أنــي‪ ،‬وملــك أوروك)‪.‬‬
‫ويبــدو أن العالقــة بــن هــذه املدينــة ومدن الــوركاء ولگش اتســمت‬
‫بالوديــة‪ ،‬وعمــل حــكام هــذه املــدن عــى املحافظــة عــى قدســية‬
‫ورفاهيــة هــذه املدينــة‪ ،‬ورمبــا كان امللــوك يســتمدون رشعيتهــم مــن‬
‫اع ـراف هــذه املدينــة مبلوكيتهــم‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫السومريون‬

‫وخضعــت املدينــة لنفــوذ اإلمرباطوريــة األكديــة مثــل بقيــة املــدن يف‬


‫الســهل الرســويب‪ ،‬وقــد وردت إشــارات إليهــا مــن زمــن رسجــون املؤســس‪،‬‬
‫ومــن ثــم مــن زمــن حفيــده نرام‪-‬ســن الــذي ذكــر املدينــة يف أحــد‬
‫نصوصــه التكريســية بعــد بنــاء معبــد لــه يف العاصمــة‪ ،‬فأشــار ملدينــة إلهها‬
‫الســومري (أنــي)‪ .‬وبنــى أحــد امللــوك الگوتيــن (إيليــي) حــوض أبــزو يف‬
‫مدينــة أريــدو عــى وفــق مــا جــاء يف إحــدى كتاباتــه عــى مخــروط طينــي‪:‬‬
‫(مــن أجــل اإللــه أنــي‪ ،‬ملــك أريــدو‪ ...‬إيليــي‪ ،‬ملــك أور‪ ،‬بنــى لــه معبــدا ً)‪.‬‬
‫كــا أشــار إليهــا ملــك لگــش أور‪ -‬بــاو‪ ،‬وهــو أحــد ملــوك الســالة الثانيــة‬
‫(‪ 2114-2250‬ق‪.‬م) يف إحــدى كتاباتــه التــي يذكــر فيهــا بنــاءه مجموعــة‬
‫مــن املعابــد لعــدد مــن اآللهــة يف مدينــة گرســو‪ ،‬فذكــر اإللــه أنــي ملــك‬
‫مدينــة أريــدو‪ ،‬ولقــب نفســه (راعــي مدينــة أريــدو)‪.‬‬
‫وأشــار گوديــا إىل هــذه املدينــة يف أحــد نصوصــه‪ ،‬إذ ذكــر أنــه بنــى‬
‫معبــدا ً إللــه مدينتــه ننگرســو عــى أرض بكــر مثــل أريــدو‪ ،‬كــا أنــه‬
‫قــام بنقــل متثــال ننگرســو إىل أريــدو لحــن اكــال بنــاء معبــده يف لگــش‬
‫عمـاً بوصيــة اإللــه أنــي بحســب كــا ورد يف إحــدى كتاباتــه‪.‬‬
‫ويــرد امللــك أور‪-‬منــو مؤســس ســالة أور مراحــل قيامــه ببنــاء معبــد‬
‫أنــي يف أريــدو‪( :‬إىل أنــي‪ ،‬عاصفــة الســاء واألرض‪ ،‬ملكــه‪ ،‬أور‪-‬منــو‪،‬‬
‫الرجــل القــوي‪ ،‬ملــك أور‪ ،‬ملــك ســومر وأكــد‪ ،‬بنــى منزلــه)‪ .‬ويذكــر امللــك‬
‫شــولگي (‪ 2047-2094‬ق‪.‬م) ابــن أور –منــو أنــه نصــب حاكـاً أو كاهنـاً يف‬
‫أريــدو يف عامــه الثامــن والعرشيــن‪ .‬كــا ذكــر امللــك آمار‪-‬ســن (‪-2046‬‬
‫‪ 2036‬ق‪.‬م) أنــه مــن بنــى معبــد (األبــزو) يف مدينــة أنــي‪ .‬وتشــكل هــذه‬
‫السومريون‬ ‫‪123‬‬

‫اإلشــارات دلي ـاً واضح ـاً عــى أهميــة هــذه املدينــة يف عــر ســالة أور‬
‫الثالثــة‪ ،‬وأنهــا رمبــا كانــت تضفــي الرشعيــة عــى حــكام هــذه الســالة كام‬
‫يتضــح ذلــك مــن أعــال البنــاء التــي تقــرن بالجانــب الدينــي‪ ،‬وهــو مــا‬
‫عرفــت بــه املدينــة عــر التاريــخ كمدينــة مقدســة‪ .‬فقــد كان إلههــا الرئيس‬
‫أنــي إلــه الحكمــة واملعرفــة‪ ،‬واإللــه الثــاين يف ترتيــب اآللهــة الســومرية‬
‫بعــد أنليــل‪ ،‬كــا سنشــر عنــد الحديــث عــن هــذا اإللــه‪.‬‬

‫‪ 7-1-4‬املباين العامرية يف مدينة أريدو‬


‫تعــد الزقــورة مــن بــن أبــرز الــروح العامريــة يف هــذه املدينــة‪،‬‬
‫ويبــدو أن بداياتهــا تعــود إىل أقــدم أدوار الســكن يف املدينة‪ ،‬لكن الشــكل‬
‫األوضــح لهــا هــو املبنــى الــذي غلفــه امللــك أور‪-‬منــو باآلجــر‪ .‬وتشــبه‬
‫هــذه الزقــورة يف عامرتهــا وتصميمهــا نظريتهــا الشــهرية يف مدينــة أور‬
‫املجــاورة‪ ،‬فهــي مســتطيلة الشــكل (‪ 46،5 × 61،8‬م) بقــي مــن ارتفاعهــا‬
‫نحــو (‪ 9،5‬م)‪ ،‬شــيدت مــن اللــن الــذي شــيد بشــكل صفــوف عموديــة‬
‫وأخــرى أفقيــة لزيــادة متاســك البنــاء‪ .‬وغلفــت جــدران الزقــورة باآلجــر‬
‫واملــاط القــري يف زمــن امللــك أور‪-‬منــو كــا أرشنــا‪ ،‬ويبــدو أنــه جــرت‬
‫عليهــا عمليــات ترميــم يف مراحــل مختلفــة مــن أهمهــا مــا قــام بــه‬
‫امللــك آمار‪-‬ســن‪ ،‬إذ عــر عــى آجــر مختــوم باســمه‪ .‬وتعرضــت أقســام‬
‫كبــرة منهــا للتلــف بفعــل العوامــل الطبيعيــة‪ ،‬إذ مل يبــق مــن الجــدران‬
‫املغلفــة باآلجــر إال الجانــب الجنــويب الغــريب الــذي حفــظ قســم كبــر‬
‫منــه نتيجــة الحاميــة التــي وفرتهــا الســامل الثالثــة املبنيــة مقابلــه يف‬
‫الجانــب الشــايل الرشقــي‪ .‬ويعتقــد أن هــذه الســامل شــيدت يف هــذا‬
‫‪124‬‬ ‫السومريون‬

‫الضلــع لتكــون باتجــاه األهــوار (البحــر) أو األبــزو أي مقــر اإللــه أنــي‪،‬‬


‫ويعتقــد الباحــث تايلــر أن أســاس هــذا الســلم كان معمــوالً مــن آجــر‬
‫شــديد الصالبــة أقيــم عــى أرضيــة مــن الرمــل‪ ،‬ورمبــا بلطــت درجاتــه من‬
‫ألــواح املرمــر بقيــاس (‪ 11×32×55‬ســم)‪ .‬وكان عــرض الســلم الوســطي‬
‫نحــو خمســة أمتــار‪ ،‬أمــا الســلامن الجانيــان فكانــا بعــرض مــران‬
‫ونصــف لــكل منهــا‪ .‬وقــد كشــف يف الضلــع الشــايل الرشقــي عــن قنــاة‬
‫لترصيــف ميــاه األمطــار‪ ،‬وكانــت بعــرض خمســة أمتــار‪ ،‬وتبعــد نحــو‬
‫مثانيــة عــر مــر عــن الزاويــة الرشقيــة مــن الضلــع الشــايل الرشقــي‪،‬‬
‫ومــن املحتمــل وجــود قنــاة ميــاه مشــابهة يف الضلــع الجنــويب الغــريب‬
‫كــا الحــال يف زقــورات أور ونفــر والــوركاء‪.‬‬
‫لعــل أبــرز مــا مييــز هــذه املدينــة وجــود ســور يحيــط بهــا شــيد مــن‬
‫الحجــارة والجــص‪ ،‬ورمبــا يعــود بتأريخــه إىل عــر ســالة أور الثالثــة‪.‬‬
‫وقــد كشــفت بقايــاه يف ثالثــة مواضــع يف محيــط املدينــة‪ .‬وكشــف عــن‬
‫قنــاة يعتقــد أن امللــك أور‪-‬منــو قــام بحفرهــا مــن نهــر الفـرات عرفــت‬
‫بقنــاة أريــدو‪ ،‬وذكــرت باملصــادر الكتابيــة باســم (گــويب =‪ ،)Gu-Bi‬رمبــا‬
‫كان لهــا وظيفــة دفاعيــة أيضـاً ‪.‬‬
‫أرشنــا إىل أنــه كشــف عــن سلســة معابــد يف هــذه املدينــة‪ ،‬فض ـاً‬
‫بعــض القصــور منهــا مــا وجــد يف التــل الشــايل‪ ،‬إذ كشــف عــن قرصيــن‬
‫متامثلــن يف هــذه املنطقــة‪ .‬وقــد كانــا ذا تخطيــط منتظــم فخــم البنــاء‬
‫ومتقــن العمــل جمعــت فيهــا البســاطة واإلتقــان‪ ،‬وزودا ببعــض املزايــا‬
‫الدفاعيــة‪ .‬كــا كشــف عــن مبــانٍ عامــة منهــا مبنــى يعتقــد أنــه رمبــا‬
‫السومريون‬ ‫‪125‬‬

‫كان مــكان إقامــة االحتفــاالت بأعيــاد (أكيتــو)‪ ،‬أو إلقامــة مراســيم‬


‫الــزواج املقــدس‪ .‬وكشــف عــن مقــرة فتــح منهــا مــا يقــرب مــن مئتــن‬
‫مــن القبــور‪ ،‬ويعتقــد أنــه تضــم نحــو ألــف قــر‪ .‬رمبــا تــؤرخ مــن أواخــر‬
‫عــر العبيــد أو بدايــات عــر الــوركاء‪.‬‬
‫ولعــل أهــم مــا عــر عليــه مــن آثــار يف هــذه املدينــة مــا يعــرف بأســد‬
‫أريــدو‪ ،‬وهــو عبــارة كتلــة مــن الحجــر موشــورية الشــكل بارتفــاع يقــرب‬
‫مــن ‪ 164‬ســم وعــرض ‪ 70‬ســم‪ ،‬عمــل مــن حجــر املســتامز الصلــب (نــوع‬
‫مــن حجــر البازلــت)‪ ،‬ويســتند التمثــال عــى عجــزه بوضــع شــاقويل خــا ٍل‬
‫مــن أيــة انحنــاءة مــا يقربــه مــن الوضــع الطبيعــي‪ ،‬ويشــكل الــرأس ثلــث‬
‫الجســم تقريبــاً وفيــه تتباعــد حفرتــا العينــن أكــر مــا مألــوف‪ ،‬ورمبــا‬
‫كانتــا مطعمتــن مبــادة أخــرى‪ ،‬ويبــدو الفــم طبيعي ـاً وصغ ـرا ً وخالي ـاً مــا‬
‫يشــر إىل القــوة والتحفــز‪ .‬ورمبــا يــؤرخ مــن عــر أور الثالثــة أو مــن عــر‬
‫إيسن‪-‬الرســا (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)6‬‬
‫‪126‬‬ ‫السومريون‬

‫(‪)7-2‬‬
‫مدينة الوركاء‬

‫‪ 7-2-1‬متهيد‬
‫تعــد مدينــة الــوركاء مــن أشــهر املــدن الســومرية‪ ،‬وهــي (ا ُرك) يف‬
‫التوراة(ســفر التكويــن ‪ ،)10:10‬وتقــع عــى بعــد ‪ 60‬كــم جنــوب رشق مدينة‬
‫الســاوة‪ .‬وكتــب أســمها باللغــة الســومريني بصيغــة (أوروك=‪،)UNUG ki‬‬
‫جــاء ذكرهــا يف إثبــات امللــوك الســومريني بصيغــة (أي‪-‬أنّــا=‪،)E-Anna‬‬
‫وهــو أحــد قســمي املدينــة‪ ،‬وتســمى اآلن الــوركاء‪ ،‬فقــد ورد هــذا االســم‬
‫يف املصــادر والكتابــات العربيــة‪ ،‬وهــو متــداول يف املصــادر األثريــة العربيــة‬
‫واألجنبيــة‪.‬‬
‫ويعتقــد أن اســم املدينــة ليــس ســومرياً وإمنــا يعــود لألقــوام التــي‬
‫عرفــت بالفراتيــن األوائــل كــا أرشنــا يف مواضــع ســابقة‪ .‬وذكــرت يف‬
‫ملحمــة گلگامــش باســم أوروك ربيتــم أي املدينــة العظيمــة‪ ،‬أو أوروك‬
‫ســبوري أي املدينــة ذات األســوار‪ .‬وســميت يف املصــادر اإلغريقيــة‬
‫(‪ ،)Orugeia‬يف حــن كتــب باللغــة الالتينيــة (‪ .)Orchoi‬ويــرى الباحــث‬
‫أدوارد كيـرا يف كتابــه الشــهري (كتبــوا عــى الطــن) أن اســم املدينــة يعنــي‬
‫املســتوطن‪ ،‬وإن اســم العـراق الحديــث جــاء مــن تســمية (أوروك)‪ .‬وهــي‬
‫مركــز عبــادة اإللــه آن إلــه الســاء‪ ،‬واإللهــة أينانــا (عشــتار)‪ ،‬وقــد زينــت‬
‫جــدران معبــد األخــرة بالفسيفســاء الجميلــة ذات األلــوان الجميلــة‬
‫السومريون‬ ‫‪127‬‬

‫منهــا األحمــر واألبيــض واألســود مــا اضفــى عليــه بهــاء ورونق ـاً جمي ـاً‪.‬‬
‫وتتألــف بقايــا املدينــة مــن مجموعــة تلــول ومرتفعــات‪ ،‬وكانــت املدينــة‬
‫يف الســابق تنقســم إىل حيــن ســكنيني هــا‪ :‬كُالب (‪ )Kullaba‬يف الجهــة‬
‫الغربيــة‪ ،‬وأي‪-‬أنّــا(‪ )E-Anna‬يف الجهــة الرشقيــة‪ .‬وهــي محاطــة بســور‬
‫جــاء ذكــره يف ملحمــة گلگامــش الشــهرية‪ ،‬ويبلــغ محيطــه نحــو ‪ 9،5‬كــم‪.‬‬
‫وتذكــر املصــادر الكتابيــة القدميــة أن نهــر اإليتورونــگال كان ميــر بالقــرب‬
‫منهــا‪ ،‬إذ يــرد يف أحــد النصــوص‪( :‬عــى الحقــول الزاهيــة ألوروك‪ ،‬خرافــك‬
‫ســتأكل شــعريي‪ ،‬وصغــارك ســترشب املــاء مــن «‪.»Ud-nun-i7‬‬
‫ويرجــع تاريــخ بنــاء هــذه املدينــة أول مــرة إىل األلــف الخامــس قبل‬
‫امليــاد يف عــر العبيــد‪ ،‬إذ بنيــت مســاكنها األوىل ومعابدهــا مــن الطــن‬
‫والحــران والقصــب‪ ،‬ووجــدت بقاياهــا يف أعمــق طبقــات املدينــة‪.‬‬
‫وتعاقبــت عــى الســكن فيهــا كثــر مــن األقــوام مثــل‪ :‬الســومريون‪،‬‬
‫واألكديــون‪ ،‬والبابليــون‪ ،‬والكيشــيون‪ ،‬ومــن ثــم حكمهــا اآلشــوريون‪،‬‬
‫ومــن بعدهــم الكلديــون‪ ،‬ومــن ثــم جــاء الفــرس األخمينيــون‪ ،‬كــا‬
‫شــيد فيهــا اإلغريــق والســلوقيون والفرثيــون كثــر مــن املبــاين مــا زالــت‬
‫بقاياهــا إىل اليــوم‪.‬‬
‫وقــد نقــب الجيولوجــي اإلنجليــزي (وليــم لوفتــس) يف هــذه املدينــة‬
‫عــام ‪1849‬م‪ ،‬ومــن ثــم نقبــت بعثــة أملانيــة عــام ‪1912‬م‪ ،‬وتوقــف العمــل‬
‫نتيجــة الحــرب الكونيــة األوىل‪ ،‬وأُســتونف ثانيــة عــام ‪1928‬م مــن البعثــة‬
‫نفســها برئاســة (نولدكــه)‪ ،‬واســتمر العمــل ملواســم عــدة توقــف مــع‬
‫كل مــن‬
‫الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وقــد مثــل اآلثــار العراقيــة يف املواســم ٍّ‬
‫األســتاذ طــه باقــر‪ ،‬والســيد فــؤاد ســفر‪ ،‬وفــرج بصمجــي‪ ،‬ومحمــود‬
‫‪128‬‬ ‫السومريون‬

‫العينجــي‪ .‬وتواصــل العمــل عــام ‪1954‬م لف ـرات متقطعــة حتــى عــام‬


‫‪1989‬م‪ .‬وتركــزت األعــال يف كل املواســم تقريب ـاً يف منطقــة (أي‪ -‬أنّــا)‬
‫كونهــا أهــم أجـزاء املدينــة‪ ،‬ومــع أن الكشــف اآلثــاري كان محــدودا ً إال‬
‫أنــه كان مه ـاً لكشــفه عــن الوظائــف األساســية يف منطقــة (أي ‪-‬أنّــا)‬
‫املركبــة التــي قدمــت فهـاً للتطــورات االجتامعيــة واالقتصاديــة‪.‬‬

‫‪ 7-2-2‬الكتابة‬
‫لعــل أبــرز وأهــم االكتشــافات يف هــذه املدينــة وجــد يف الطبقــة‬
‫الرابعــة منهــا (تقســم عــادة إىل ثالثــة أقســام (‪ .)A،B،C‬فقــد ظهــر فيهــا‬
‫أهــم االبتــكارات التــي تنســب إىل ســكان الــوركاء‪ :‬الكتابــة‪ .‬فقــد ظهــرت‬
‫الكتابــة يف هــذه الطبقــة وتحديــدا ً يف القســم (‪ )A‬منهــا‪ .‬وتعــد الكتابــة‬
‫ابتــكارا ً وتقدم ـاً حضاري ـاً كب ـرا ً وحقيقي ـاً إذا مــا قيــس بــأي اخ ـراع أو‬
‫ابتــكار آخــر‪ .‬ويســمى نظــام الكتابــة الوركائيــة بالكتابــة (قبل املســارية)‬
‫ـوط نحيفــة أو رفيعــة كانــت يف‬ ‫ألن العالمــات املرســومة عــى الطــن بخطـ ٍ‬
‫هــذه املرحلــة صوريــة عرفــت ﺑ(‪ )Pictography‬فهــي ال تالئــم مــا عــرف‬
‫عــن الكتابــة يف املراحــل الالحقــة بأنهــا كتابــة مســارية (‪،)Cuneiform‬‬
‫وهــي كلمــة التينيــة تعنــي شــكل املســار أو األســفني‪ ،‬وهــو الشــكل‬
‫الــذي اســتمدته عــن طريــق أدوات الكتابــة؛ فالقلــم (مجــازا ً) هــو قصبــة‬
‫الــردي أو القصــب‪ ،‬وألــواح الطــن هــي األوراق (مجــازا ً)‪ ،‬ومبــا أن الطــن‬
‫بعــد جفافــه‪ ،‬وال ســيام بعــد فخــره يصبــح مــادة قويــة غــر قابلــة للتلــف‬
‫بســهولة فــإن تربــة بــاد الرافديــن تضــم أعــداد هائلــة مــن هــذه ال ُرقــم‬
‫مــن أواخــر األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ ،‬وحتــى القــرن األول امليــادي تقريبـاً‪ .‬وقد‬
‫السومريون‬ ‫‪129‬‬

‫أختلــف شــكل وحجــم هــذه األلــواح (ال ُرقــم)؛ فمنهــا البيضــوي ومنهــا‬
‫الدائــري تقريب ـاً أشــبه بكعكــة منبســطة يف حــن كانــت ال ُرقــم املتأخــرة‬
‫مســتطيلة الشــكل تقريبـاً‪ ،‬ويـراوح حجمهــا مــا بــن حجــم علبــة الثقــاب‬
‫إىل حجــم دفــر كبــر مــع أن أكــر ال ُرقــم كانــت ذات حجــم صغــر ميكــن‬
‫مســكها باليــد (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)7‬‬
‫ويشــر بعــض الباحثــن إىل وجــود بعــض الوســائل واألدوات التــي‬
‫وظفــت ألغــراض التذكــر واإلخبــار ســبقت وجــود الكتابــة مــن دور‬
‫الــوركاء‪ ،‬وقــد متثلــت يف كتــل طينيــة يخدشــها املــرء للتعبــر عــن‬
‫أعــداد الحيوانــات وبعــض األشــياء املحــددة بشــكل رمــزي‪ .‬وكانــت‬
‫توضــع بأعــداد معينــة يف مــا يشــبه الكيــس مــن الجلــد أو القــاش‪،‬‬
‫أو يف مظــروف طينــي مغلــق (‪ ،)bullae‬عــادة مــا تحمــل عــى وجههــا‬
‫الخارجــي طبعــة ختــم أو أكــر‪ ،‬أو تحمــل أشــكاالً هندســية هــي يف‬
‫الواقــع طبعــات الــدالالت املحفوظــة يف داخلهــا‪ .‬واســتعمل النــاس بعــد‬
‫أواســط األلــف الرابــع ق‪.‬م‪ُ ،‬رق ـاً طينيــة عليهــا عالمــات عدديــة أكــر‬
‫متيـزا ً مــن ناحيــة الشــكل‪ ،‬وكذلــك بعــض الرمــوز الدالــة عــى األعــداد‪،‬‬
‫ومــن ثــم طبعــات األختــام‪ .‬وتعــرف هــذه الكتــل الطينيــة باســم‬
‫توكــن(‪ ،)Token‬أي الــدالالت الطينيــة‪ .‬ولكــن هــذه الوســائل املســاعدة‬
‫بقيــت غــر كافيــة للتعبــر عــن االحتياجــات املتنوعــة واملتزايــدة إىل‬
‫نظــم للعالمــات الكتابيــة (الشــكل‪ :‬رقــم‪.)8‬‬
‫كان أصــل الكتابــة متواضع ـاً‪ ،‬ومل تظهــر يف البدايــة لخدمــة الديــن‬
‫إال بشــكل غــر مبــارش‪ ،‬وال لتدويــن أو نقــل األحــداث التاريخيــة أو‬
‫الكتابــة األدبيــة أو األفــكار اإلنســانية بــل كانــت مجــرد وســيلة لتدويــن‬
‫‪130‬‬ ‫السومريون‬

‫حســابات املعابــد اململــة‪ ،‬لذلــك فالكتابــة كانــت طريقــة ﻟ(مســك‬


‫الســجالت أو الدفاتــر)‪ .‬فكانــت أقــدم النصــوص املعروفــة هــي‬
‫قوائــم بالدواجــن واملعــدات الزراعيــة وغريهــا‪ .‬فاملرحلــة األوىل‪ ،‬وهــي‬
‫الصوريــة (‪ )Pictograph‬كانــت واضحــة كثـرا ً غــر أن حقيقــة أن بعــض‬
‫األشــياء املرســومة أحيانـاً قــد بُســطت وأُختزلــت هــي الســبب الرئيــس‬
‫يف اف ـراض أن الكتابــة املعروفــة لدينــا مــن هــذه الحقبــة كانــت قــد‬
‫مــرت مبرحلــة مــن مراحلهــا الصوريــة األصلية(الشــكل‪ :‬رقــم ‪ .)9‬فض ـاً‬
‫عــن ذلــك فــأن هنــاك عــددا ً كبـرا ً مــن العالمــات الصوريــة التــي متثــل‬
‫أشــياء؛ كالحيوانــات الربيــة قلــا كانــت هنــاك رضورة لإلشــارة إليهــا يف‬
‫ســجالت املعبــد‪ ،‬وهــذا يــدل عــى أن بعــض العالمــات كانــت تحمــل‬
‫معــانٍ غــر معــاين األشــياء املاديــة التــي متثلهــا أص ـاً‪ .‬ومبــا أن شــكل‬
‫الكتابــة األوىل كان صوريـاً بحتـاً‪ ،‬وألن اللغــة املكتوبــة ال ميكــن تحليلهــا‬
‫إال إذا كانــت الكتابــة متثــل أدوات النحــو أو الــرف‪ ،‬فضـاً عــن الصــور‬
‫فإنــه مــن املســتحيل أن يعــرف عــى نحــو مؤكــد أي مــن اللغــات‬
‫اســتعملت مــن مبتدعــي كتابــة عــر الــوركاء‪ ،‬ولكــن عندمــا تطــورت‬
‫الكتابــة إىل املرحلــة التــي ميكــن التعــرف فيهــا عــى األدوات النحويــة‬
‫فــإن اللغــة املدونــة كانــت بالتأكيــد هــي اللغــة الســومرية‪.‬‬
‫ومتتــد جــذور الكتابــة الصوريــة يف مامرســات وأشــكال الفــن‬
‫التشــكييل‪ .‬وإن الفــرق الوحيــد‪ ،‬وهــو فــرق جوهــري ٍ‬
‫وكاف ليكــون‬
‫مثــة «تغيــر نوعــي»‪ ،‬هــو أن ال يتوقــف األمــر مــن بعــد عــى فــن بــل‬
‫عــى كتابــة‪ ،‬وهــو إرادة متعمــدة وواضحــة ملدلــول هــو يف آنٍ واحــد‬
‫أكــر تعمي ـاً وأكــر متي ـزا ً‪ ،‬وبالنتيجــة فهــو تنظيــم حقيقــي‪ .‬فتقديــم‬
‫السومريون‬ ‫‪131‬‬

‫العالمــات يتخــذ شــكالً موحــدا ً أكــر مــا أمكــن‪ ،‬وليــس مــن بعــد مــروكاً‬
‫لحريــة الفنــان‪ ،‬وجــدول عالمــات منظــم‪ ،‬كــا نــرى ذلــك يف اللوائــح‬
‫التــي وضعهــا الكتبــة الســتعامالتهم‪ .‬ويبــدو أنهــم قننــوا املعــاين املختلفة‬
‫املمكنــة لصــورة رمزيــة بعينهــا‪ ،‬وقلصوهــا عــى عــدد قليــل يحددهــا‬
‫بكفايــة‪ :‬فعالمــة الرجــل‪ ،‬التــي قــد تذكــر بــيء آخــر أيضـاً‪ ،‬ابتــدا ًء مــن‬
‫هــذا العضــو‪ ،‬تخصصــت لبعــض منــاذج مــن املفاهيــم‪.‬‬
‫ويف املرحلــة الثانيــة التــي عرفــت باملرحلــة الرمزيــة(‪)Ideagraphy‬‬
‫أصبــح الرمــز أو الرمــز الواحــد ميثــل كلمــة‪ ،‬وإن كانــت لها قـراءة مقطعية‪.‬‬
‫ومــن ثــم تطــورت الكتابــة يف املرحلــة الثالثــة إىل املقطعيــة(‪.)Syllabic‬‬
‫وميكــن عــد املرحلــة املقطعيــة االبتــكار املهــم الثــاين يف تأريــخ التدويــن‪،‬‬
‫وقــد ظهــرت األلــواح األوىل املكتوبــة بهــذه الطريقــة يف مدينــة أور‪ ،‬وتعود‬
‫إىل عــر الســاالت املبكــرة األول والثــاين‪ .‬ونجــد فيهــا أول اســتعامل‬
‫معــروف ملقاطــع صوتيــة أملتهــا الحاجــة إىل التعبــر‪ .‬وتعتمــد الكتابــة‬
‫املقطعيــة عــى اختيــار عالمــات مســارية تكــون أصــوات كل مجموعــة‬
‫منهــا كلمــة واحــدة مــن دون أن يكــون ملعنــى كل عالمــة أو مدلولهــا‬
‫صلــة بذلــك‪ ،‬أي أن مــا يســتعمل هنــا هــو القيمــة الصوتيــة للعالمــة أو‬
‫لفظهــا لتكويــن كلمــة يشــكل ذلــك الصــوت جــزءا ً مــن تهجئتهــا‪ .‬وهكــذا‬
‫فــإن مجموعــة مقاطــع ت ٌكــون بجميــع قيمهــا الصوتيــة معـاً كلمــة معينــة‬
‫للتعبــر عنهــا برســم يشء مــادي عــى وفــق الطريقــة الصوريــة أو الرمزية‪.‬‬
‫وقــد هيــأت املقطعيــة للكاتــب القديــم قــدرة كبــرة عــى رســم الكلــات‬
‫التــي يريــد تدوينهــا حتــى مــا كان منهــا بعيــدا ً عــن األشــكال املاديــة التــي‬
‫ميكــن رســمها ومــن ذلــك األفعــال‪ ،‬والصفــات‪ ،‬واملعــاين املجــردة‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫السومريون‬

‫كانــت الغالبيــة العظمــى مــن النصــوص أو ال ُرقــم الكتابيــة القدميــة‬


‫عبــارة عــن معامــات أو إج ـراءات اقتصاديــة‪ ،‬وتنــاول بعضهــا اآلخــر‬
‫معامــات دنيويــة؛ مثــل بيــع األرايض‪ ،‬أو القــروض‪ ،‬أو النقــوش امللكيــة‪،‬‬
‫والرســائل‪ ،‬واألســاطري‪ ،‬واألدب‪ ،‬وســجالت للحمــات امللكيــة‪ ،‬وألــواح‬
‫متثــل متاريــن مدرســية‪ ،‬ونصــوص رياضيــة‪ ،‬وأخــرى فلكيــة‪ .‬ويكشــف‬
‫هــذا التنــوع الواســع للوثائــق املســارية املتيــرة للعلــاء عــن كثــر‬
‫حــد مــا‪ .‬كــا أن هنــاك‬‫مــن املعلومــات‪ ،‬وإن كان فهمهــا صعبــاً إىل ٍ‬
‫مشــاكل يف الرتجمــة الصوتيــة كذلــك فــإن تهشــم األلــواح وتكرسهــا‬
‫يشــكل أحــد املشــاكل املؤثــرة يف تعاملنــا مــع هــذه اللغــة‪ .‬وتــؤدي‬
‫الصدفــة األثريــة دورا ً مه ـاً يف الحصــول عــى املعلومــات‪ ،‬فض ـاً عــن‬
‫تركــز أعــال التنقيــب عــى مراكــز املــدن والتــال الكبــرة مــا يجعــل‬
‫كثــر مــن تفاصيــل حيــاة اإلنســان العــادي مبهمــة‪ ،‬وأخـرا ً فــأن الرتجمة‬
‫ومشــاكلها وعــدم القــدرة عــى التعبــر عــن أفــكار قدميــة تقــف حاجــز‬
‫بوجــه الفهــم لكثــر مــن األمــور‪.‬‬

‫‪ 7-2-3‬تطور االستيطان يف مدينة الوركاء‬


‫يالحــظ يف تطــور االســتيطان يف مدينــة الــوركاء أنهــا بــدأت كقريــة‬
‫صغــرة يف عــر العبيــد ضمــت بيــوت طينيــة صغــرة ورمبــا رافقتهــا‬
‫بيــوت مــن القصــب شــبيه ببيــوت ســكان األهــوار يف الوقــت الحــارض‬
‫مثــل كثــر مــن املــدن الجنوبيــة التــي بــدأت بهــذه الطريقــة‪ .‬إال أن‬
‫املدينــة تطــورت مبــرور الوقــت حتــى أنهــا أصبحــت يف أواخــر عــر‬
‫الــوركاء مســتوطنة فــاق حجمهــا بشــكل كبــر مــا كان مــن حجــم‬
‫السومريون‬ ‫‪133‬‬

‫املســتوطنات األخــرى مــا يشــر إىل أنهــا كان مرك ـزا ً للمنطقــة‪ ،‬وأنهــا‬
‫كانــت مدينــة حقيقــة‪ ،‬وأنهــا ميكــن أن تعــد أقــدم وأول مدينــة يف‬
‫التاريــخ اإلنســاين‪ ،‬وكانــت محاطــة مبســتوطنات ثانويــة‪ ،‬وتوســعت مــن‬
‫‪ 100‬هكتــار إىل ‪210‬هكتــار‪ .‬لقــد أســهمت القــوى الطبيعيــة بشــكل‬
‫مهــم يف فعاليــات مســتوطنة الــوركاء كــا يقــول آدمــز‪.‬‬
‫يف حــن غطــت املدينــة يف عــر الســاالت املبكــرة مســاحة قــدرت‬
‫بأكــر مــن ‪ 400‬هكتــار مــع ســيطرة محتملــة عــى أماكــن خــارج األســوار‪.‬‬
‫ومل تكــن املدينــة نفســها هائلــة فحســب بــل كانــت مجمعــات املعبــد‬
‫فيهــا كانــت أيضــاً ضخمــة للغايــة ومصممــة بشــكل متقــن كــا يف‬
‫مجمــع أي‪ -‬أنّــا‪ .‬وقــد كشــف عــن مجموعــة مــن هــذه املعابــد يف أغلــب‬
‫مســتوطنات هــذه املرحلــة أبرزهــا‪ ،‬وأهمهــا مجموعــة املعابــد يف مدينــة‬
‫الــوركاء العائــدة إىل عــر الــوركاء املتأخــر‪ ،‬وتحديــدا ً مــن منطقــة أي‪-‬‬
‫أنّــا‪ ،‬وهــي منطقــة مقدســة تتوســط القســم الرشقــي مــن املدينــة‪ ،‬وكانــت‬
‫مخصصــة لعبــادة اإللهــة أينانا(عشــتار)‪ ،‬ومــن مناطــق مجــاورة لهــا‪.‬‬
‫وقــد أحيطــت مدينــة الــوركاء بســور دفاعــي كــا ارشنــا‪ ،‬وهــو مــن‬
‫أشــهر األســوار املعروفــة التــي يحتفــي بهــا األدب الرافدينــي‪ ،‬وبلــغ‬
‫محيطــه نحــو ‪ 9¸5‬كــم‪ ،‬وهــو مــزود بأبـراج نصــف دائريــة‪ ،‬وهــو يحيــط‬
‫مبنطقــة تزيــد عــن ‪ 550‬هكتــار‪ .‬وزودت املدينــة مــن الداخــل بأبــواب‬
‫فاصلــة شــكلت مــع الســور الدفاعــي الحــد الفاصــل بــن املدينــة واملدن‬
‫األخــرى‪ .‬ويبــدو أن الســلطات كانــت تفحــص البضائــع الداخلــة‪ ،‬وقــد‬
‫أصبحــت هــذه البوابــات يف عصــور الحقــة مراكــز وأماكــن ملامرســة‬
‫األعــال القانونيــة والتجاريــة وكانــت تنــر املراســيم الرســمية هنــاك‬
‫‪134‬‬ ‫السومريون‬

‫أيضـاً‪ .‬ونشــر إىل أن املنطقــة الدينيــة إي‪-‬أنّــا كانــت محاطــة بســور يبلغ‬
‫ســمكه نحــو ‪ 6‬أمتــار‪ ،‬وكان هــذا الســور مــزدان برتتيبــات الدخــات‬
‫لكــن مــا يؤســف لــه أن هــذا الســور قــد دمــر يف كثــر مــن املناطــق‪.‬‬

‫‪ 7 -2 - 4‬الحالة السياسة يف مدينة الوركاء‬


‫يف الجانــب الســيايس تشــر جــداول امللــوك الســومرية إىل أن امللوكية‬
‫هبطــت بعــد الطوفــان يف مدينــة كيــش‪ ،‬وانتقلــت بعدهــا إىل الــوركاء‪:‬‬
‫(رضبــت كيــش باألســلحة ونقلــت ملوكيتهــا إىل «أي‪-‬أنّــا»)‪ ،‬وقــد حكــم‬
‫فيهــا اثنــا عــر ملــكا ً فيــا عــرف بســالة الــوركاء األوىل ملــدة ‪2310‬‬
‫ســنة‪ ،‬وكان امللــك (ميســكيگارش) مؤســس الســالة وأول ملوكهــا‪ ،‬ويــرد‬
‫أســمه يف جــداول امللــوك الســومرية عــى أنــه ابــن اإللــه أوتــو (شــمش)‬
‫ويذكــر مــع أســمه عبــارة‪( :‬أنــه ذهــب إىل البحــر وصعــد الجبــال وحكم‬
‫بصفتــه ســيدا ً ثــم ملــكاً)‪ .‬وجــاء بعــده ابنــه أمنــرگار الــذي ينســب إليــه‬
‫تشــييد مدينــة الــوركاء‪ ،‬وقــد حكــم مــدة ‪ 420‬ســنة‪ .‬وقــام هــذا امللــك‬
‫بالجمــع مــا بــن قســمي مدينــة الــوركاء (أي‪-‬أنّــا) و(كُالب)‪ ،‬وجعــل‬
‫منهــا مدينــة واحــدة يحيــط بهــا ســور كبــر‪.‬‬
‫وحدثــت يف زمنــه حالــة الحــرب بــن مدينــة (الــوركاء) ومدينــة‬
‫(أ ّراتــا)‪ ،‬وذلــك يف نحــو ‪ 2600‬ق‪.‬م‪ ،‬بعــد أن وجــه امللــك (أمنــرگار)‬
‫أنظــاره نحــو مدينــة (أرتّــا)‪ ،‬والتــي كانــت غنيــة باملعــادن واألحجــار‬
‫واملــواد األخــرى التــي تحتــاج أليهــا مدينــة (الــوركاء)‪ ،‬وتفصــل مدينــة‬
‫(أرتّــا) عــن مدينــة (الــوركاء) ســبعة سالســل جبليــة‪ ،‬وهــي تقــع فــوق‬
‫قمــة جبــل ويصعــب الوصــول إليهــا‪ ،‬ومــع كل تلــك الصعوبــات فقــد‬
‫السومريون‬ ‫‪135‬‬

‫أرص(أمنــرگار) عــى إخضــاع تلــك املدينــة وجعــل أهلهــا وحاكمهــا‬


‫ومواردهــا تحــت ســيطرته فقــام بشــن الحــرب عليهــا بعــد أخــذ األذن‬
‫بالحــرب مــن اإللهــة (أينانــا)‪ ،‬وأرســل رســائل عــدة تحتــوي عــى تهديــد‬
‫وتحـ ٍـد لحاكــم (أرتّــا) إذا مل ينفــذ رشوطــه ومل يرســل األحجــار الكرميــة‬
‫والفضــة إىل معبــد اإللهــة( أينانــا) يف الــوركاء‪ ،‬وبنــاءه معبــد مدينــة‬
‫(أريــدو) وتزيينــه‪ ،‬ولكــن مــا يؤســف لــه أن النــص غــر مكتمــل‪.‬‬
‫وحكــم لــوكال بانــدا ملــدة ‪ 1200‬عــام كــا تشــر الجــداول‪ ،‬وعــرف‬
‫باســم الراعــي‪ ،‬ورمبــا كان أحــد رســل ســلفه أمنــرگار أو أحــد رفاقــه‪.‬‬
‫وذكــرت بعــض القصــص الســومرية عــى أنــه كان والــد البطل الســومري‬
‫گلگامــش‪ ،‬وليــس كــا يعتقــد بعــض الباحثــن مــن أنــه زوج نينســون‬
‫والــدة گلگامــش‪ ،‬وكان يلقــب ﺑ(ليلــو) التــي تعنــي كاهنـاً أعــى ولقــب‬
‫بكاهــن كُالب أيضـاً‪ .‬عمومـاً ال تشــر هــذه الوثيقــة إىل أنــه ينحــدر مــن‬
‫عائلــة ملكيــة أو كهنوتيــة‪ .‬وقــد حمــل لقــب (لــوگال)‪ ،‬ويعتقــد أنــه أول‬
‫لقــب بهــذا اللقــب مــن بــن ملــوك ســالة الــوركاء األوىل‪.‬‬
‫وكان دومــوزي(‪ )Dumu-zi‬هــو امللــك الرابــع يف الســالة‪ ،‬والــذي‬
‫يعنــي اســمه االبــن البــار أو الصالــح‪ .‬وكان صائــد ســمك وفقـاً للجــداول‬
‫الســومرية وقــد حكــم (‪ )1000‬عــام‪ .‬وحمــل لقــب دمــوزي الراعــي‪،‬‬
‫وكان مشــاركاً فاعــاً يف الكثــر مــن الحكايــات والقصــص الســومرية‪.‬‬
‫وهــو إلــه الخصــب والنســل يف الحيوانــات والنباتــات‪ .‬وكان يشــارك يف‬
‫الــزواج املقــدس‪ ،‬وغالبـاً مــا كان البطــل يف أســطورة اإللــه امليــت‪ ،‬وهــو‬
‫حبيــب وزوج اإللهــة أينانــا (عشــتار)‪ ،‬ونســب إىل اســمه شــهر(متوز)‪.‬‬
‫‪136‬‬ ‫السومريون‬

‫ويعــد امللــك الخامــس يف هــذه الســالة األشــهر يف تأريــخ وحضــارة‬


‫بــاد الرافديــن أنــه گلگامــش الــذي ســنخصص لــه مبحــث خــاص‪.‬‬
‫وحكــم بعــده ملــوك عــدة مــن املؤكــد أنهــم كانــوا ضعفــاء لــذا مل تــرد‬
‫عنهــم ســوى إشــارات قليلــة‪.‬‬
‫يف حــن حكــم يف ســالة الــوركاء الثانيــة ثالثــة ملــوك‪ ،‬وقــد ذكــرت‬
‫جــداول امللــوك اســائهم ومــدد حكمهــم فقــط‪ ،‬فقــد حكمهــم أولهــم‬
‫ســتون عامـاً‪ ،‬ولكــن اســمه ســقط مــن هــذه الوثيقــة‪ ،‬وجــاء بعــد امللــك‬
‫لــوگال‪-‬أوري الــذي حكــم مائــة وعــرون عام ـاً‪ ،‬وحكــم بعــد ســلفه‬
‫أرگينــدا فقــط ســبعة أعــوام‪ ،‬وبعــده تنقــل امللوكيــة إىل أور مــرة أخــرى‬
‫عــى وفــق الصيــغ الــواردة يف هــذه الجــداول‪.‬‬
‫وقــد جــاءت إشــارة تأريخيــة تذكــر بعــض الشــخصيات التــي ميكــن‬
‫أن تكــون قــد حكمــت يف هــذه الســالة الثانيــة‪ ،‬ومنهــم شــخص يحمــل‬
‫لقــب (الســيد =‪ )En‬وأســمه (أيــن‪ -‬شــاكس‪-‬أنّا= ‪،)En-Šakus-anna‬‬
‫وقــد لقــب نفســه أيضــاً مبلــك ســومر وأكــد‪ ،‬وقــد حكــم يف نهايــة‬
‫القــرن الرابــع والعــرون قبــل امليــاد‪ .‬وحكــم بعــده امللــك لــوگال‪-‬‬
‫كينيشــيدودو(‪ ،)Lu-gal-ki-neŠ-dudu‬ورمبــا كان معــارصا ً للملــك‬
‫أنتمينــا حاكــم لگــش‪ ،‬فقــد عقــد معــه اتفاقيــة‪ ،‬وأشــارت الكتابــات‬
‫املســارية إىل أنــه كان ســيدا ً عــى مــدن أور وأو ّمــا وكيــش‪ ،‬وخلفــه‬
‫ابنــه امللــك كيســاليس(‪.)Ki-sa-al-si‬‬
‫وأســس لــوگال زاگيــزي‪ ،‬وهــو آخــر حــكام مدينــة (أومــا)‪ ،‬ســالة‬
‫الــوركاء الثالثــة مــن نحــو (‪ 2334-2342‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهــو مــن طبقــة الكهنــة‬
‫السومريون‬ ‫‪137‬‬

‫كــا أرشنــا يف موضــع ســابق‪ ،‬إذ كان والــده كاهنـاً لإللهــة (نيســابا) إلهــة‬
‫دويلــة أو ّمــا‪ ،‬ورمبــا كان جزريـاً كــا يشــر اســم أبيــه إىل ذلــك‪ .‬وهــو مــن‬
‫قــى عــى مملكــة لگــش‪ .‬وكان يفخــر بأنــه ســيطر عــى معظــم بــاد‬
‫ســومر ولقــب نفســه مبلــك أوروك‪ ،‬ويبــدو أن املدينــة أصبحــت عاصمــة‬
‫لــه كــا جــاء يف أحــد نصوصــه الكتابيــة‪ .‬وبعدهــا جــاءت نهايتــه عــى يــد‬
‫ملــك قــوي آخــر هــو امللــك رسجــون األكــدي مؤســس الســالة األكديــة‬
‫(‪ 2112 - 2334‬ق‪.‬م) ويبــدو أن امللــك (رسجــون األكــدي) متكــن مــن‬
‫تجهيــز جيــش قــاده مــن مدينــة كيــش يف حملــة عســكرية ضــد لــوگال‬
‫زاگيــزي‪ ،‬ومتكــن مــن تحقيــق النــر ودخــول مدينــة الــوركاء والســيطرة‬
‫عليهــا وقــام بهــدم أســوارها‪ ،‬ويبــدو أن لــوگال زاگيــزي أنســحب بجيشــه‬
‫مــن مدينــة الــوركاء‪ ،‬وحصــل عــى مســاعدة مــن خمســن أم ـرا ً قدمــوا‬
‫مــن مقاطعــات متعــددة‪ ،‬إال أن رسجــون األكــدي وجيشــه متكــن مــن‬
‫إيقــاع خســائر كبــرة منهــم‪ ،‬ويذكــر يف نــص لــه كيــف أنــه متكــن مــن‬
‫أرس لــوگال زاگيــزي‪ ،‬وأقتــاده أس ـرا ً مكب ـاً وأجلســه ذلي ـاً عنــد بوابــة‬
‫اإلله(أنليــل) يف مدينــة (نفــر)‪ ،‬ليلعنــه كل مــن يدخــل إليــه‪ ،‬وبذلــك‬
‫أنهــى رسجــون األكــدي حكــم لــوگال زاگيــزي وأنهــى معــه مــا عــرف‬
‫بعــر الســاالت املبكــرة‪.‬‬
‫ويبــدو أن املدينــة بقيــت تحظــى بالرعايــة واالحــرام يف حكــم‬
‫الدولــة األكديــة‪ ،‬فهــي مركــز عبــادة اإللــه «آن» ســيد اآللهــة وكبريهــا‬
‫يف مجمــع اآللهــة الرافدينيــة‪ ،‬واإللهــة أينانــا ســيد الــوركاء العظيمــة‪.‬‬
‫وتذكــر جــداول امللــوك أن مجموعــة مــن امللــوك حكمــوا يف املدينــة‬
‫ســقوط الدولــة األكديــة‪ ،‬ونعــرف فقــط اســائهم ومــدد حكمهــم‬
‫‪138‬‬ ‫السومريون‬

‫ومنهــم أور‪-‬نگــن‪ ،‬وأور‪-‬گيگــر‪ ،‬وكُــدا‪ ،‬و بوزور‪-‬إيــي‪ ،‬وأخـرا ً أور‪ -‬اوتــو‪.‬‬


‫وتصبــح املدينــة بعدهــا تحــت حكــم الگوتيــن حتــى مجــي البطــل‬
‫املحــرر أوتو‪-‬حيــكال وهــو أحــد أبطــال هــذه املدينــة الــذي يصــف‬
‫نفســه بالرجــل القــوي‪ ،‬وملــك الــوركاء‪ ،‬الــذي ليــس بوســع أحــد أن‬
‫يخالــف أمــره كــا أرشنــا يف موضــع ســابق‪ .‬لقــد قــاد هــذا البطــل‬
‫الســومري حــرب التحريــر ضــد األقــوام الگوتيــة التــي غالبـاً مــا توصــف‬
‫بأنهــا ثعبــان وعقــرب الجبــل‪ ،‬وهزمهــم وأرسهــم قائدهــم تــرگان يف‬
‫مدينــة دوبــروم‪ ،‬وأعــاد امللوكيــة إىل بــاد ســومر‪.‬‬
‫ومــع مــرور الزمــن أصــاب الوهــن املدينــة رمبــا بســبب تغــر مجــرى‬
‫نهــر الفـرات وابتعــاده عنهــا‪ ،‬األمــر الــذي انعكــس عــى حيــاة االقتصاديــة‬
‫وركنهــا الرئيــس وهــو الزراعــة فأصابتهــا امللوحــة مبقتــل وتدهــور نظــام‬
‫الــري‪ ،‬عمومـاً يبــدو أنهــا بقيــت كقريــة صغــرة حتــى العصــور اإلســامية‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪139‬‬

‫(‪)7-3‬‬
‫مدينة لكش‬

‫‪ 7-3-1‬املوقع‬
‫تعــد مدينــة لگــش واحــدة مــن أعــرق وأهــم املــدن الســومرية‪ ،‬تقع‬
‫عــى بعــد ‪ 24‬كــم رشق مدينــة الشــطرة يف محافظــة ذي قــار‪ .‬وتتميــز‬
‫مدينــة لگــش بخصوبــة أراضيهــا ووفــرة مياههــا إذ تتخللهــا كثــر مــن‬
‫قنــوات الــري التــي تربطهــا بنهــري دجلــة والفـرات‪ ،‬ويحتمــل أن شــط‬
‫الغـراف الحــايل أو أحــد املجــاري القريبــة منــه كان ميثــل قنــاة أنتيمينــا‪.‬‬
‫ويحتمــل أن نهــر دجلــة كان ميــر باملدينــة يف حــدود األلــف الثالــث‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬أو بالقــرب منهــا باتجــاه شــط الغــراف يف طريقــه إىل الخليــج‬
‫العــريب‪ ،‬وقــد اســتثمرت املدينــة هــذه املمـرات املائيــة بأفضــل الطرائــق‬
‫فازدهــرت تجارتهــا النهريــة وانتعــش اقتصادهــا األمــر الــذي انعكــس‬
‫يف زيــادة االســتقرار ونشــوء ســالة حاكمــة فيهــا حكمــت لســتة أجيــال‬
‫تقريب ـاً كــا أرشنــا‪ .‬إذ يعــزى ازدهارهــا إىل كونهــا مينــاء نهــري مثــل‬
‫مدينــة أور‪ .‬وقــد كانــت املــدن الرئيســة لدويلــة لگــش تقــع عــى خــط‬
‫واحــد يبــدأ مــن الشــال الغــريب إىل الجنــوب الرشقــي عــى مجــرى نهــر‬
‫قديــم يــروي أراضيهــا مــا بــن نهــر دجلــة رشقـاً ونهــر الفـرات غربـاً‪.‬‬
‫تتوســط املدينــة منطقــة خصبــة تتخللهــا قنــوات الــري مــا جعلهــا‬
‫تتمتــع بوضــع اقتصــادي مميــز وتجــارة نهريــة‪ ،‬وهــو مــا جعــل منهــا مهــدا ً‬
‫‪140‬‬ ‫السومريون‬

‫لكثــر مــن الســاالت الســومرية املميــزة‪ .‬وتتكــون املدينــة مــن ثالثــة أقســام‬
‫هــي‪ :‬گرســو(تلو) قــرب شــط الغـراف‪ ،‬ورسغل(نينــا)‪ ،‬وهــي املدينــة املقدســة‬
‫ومركــز عبــادة اإللهــة نانشــة‪ ،‬وتــل الهبــاء وهــو مركــز مدينــة لگــش‪.‬‬
‫كتــب أســمها باللغــة الســومرية بالصيغــة املقطعيــة اآلتيــة (‪Šir-bur-‬‬
‫‪ ،:)lak ki‬يف حــن تتكــون لفظــة لگــش مــن أكــر مــن مقطــع‪،)La-gaš( :‬‬
‫ويحتمــل أنهــا القـراءة الحديثــة ﻟـ(‪ ،)Šir-bur-lak‬التــي يرجــح أن معناهــا‬
‫«طائــر الغـراب»‪ ،‬أو رمبــا رمـزا ً لجامعــة أو قبيلــة‪ .‬ويحتمــل أن يكــون هــذا‬
‫االســم ليــس ســومرياً ويعــود بجــذوره إىل مــا يعــرف بالفراتيــن األوائــل‬
‫الذيــن رمبــا ســبقوا الســومريني يف الســكن يف القســم الجنــويب مــن بــاد‬
‫الرافديــن كــا أرشنــا يف الفصــل الثــاين‪ .‬ومــن تســميات املدينــة األخــرى‬
‫(‪ ،)Uru-ku-ug‬أي املدينــة املقدســة وهــي صفــة لهــا‪ .‬ويطلــق عليهــا‬
‫بعــض الباحثــن أســم لگاشــو(‪.)Lagašu‬‬
‫وتعــد نتائــج التنقيبــات التــي قامــت بهــا البعثــة الفرنســية يف هــذه‬
‫املدينــة عــام ‪ 1877‬م عــى قــدر كبــر مــن األهميــة‪ ،‬إذ أنهــا ســلطت‬
‫الضــوء عــى دولــة مدينــة لگــش وأعــال ملوكهــا عــن طريــق الوثائــق‬
‫والنصــوص التــي عــر يف أثنــاء التنقيبــات‪ ،‬ومــن أهــم هــذه الوثائــق‬
‫تلــك التــي صــورت لنــا النـزاع بــن لگــش وأو ّمــا ومعاهــدة الصلــح التــي‬
‫أرشنــا إليهــا ســابقاً‪.‬‬
‫وقــد أجــرى الســيد (ثوركيلــد جاكوبســن )عمليــات مســح وتنقيــب‬
‫للمنطقــة يف املــدة بــن عــام ‪1969-1953‬م لصالــح جامعــة هارفــارد‪،‬‬
‫وحــدد القنــاة التــي تفصــل بــن املدينتــن التــي ذكــرت مــن الحاكــم‬
‫السومريون‬ ‫‪141‬‬

‫(أنتمينــا)‪ ،‬والتــي تســمى بالقنــاة العظيمــة‪ ،‬ويبــدو أن بعــض املنطقــة‬


‫كانــت مغطــاة بكميــات ثقيلــة مــن الطمــي‪ .‬ويصعــب عــى كل حــال‬
‫تحديــد تفاصيــل عمليــات الهجــر املؤقــت للمــدن يف أثنــاء انحســار‬
‫نفــوذ القــوى املحليــة عــن طريــق نــوع بيانــات املســح املتاحــة‪ .‬ويبــدو‬
‫أن وقــوع بعــض املســتوطنات ذات املســاحة املتوســطة عــى مجــرى‬
‫مــايئ واحــد أدى إىل أن متــارس املســتوطنات التــي تقــع يف أعــى النهــر‬
‫أو بالقــرب مــن منابعــه قــدرا ً مــن التحكــم يف إمــداد امليــاه إىل املــدن‬
‫التــي تقــع يف أســفل مجــرى النهــر‪ ،‬وهــذا مــا انعكــس عــى حالــة‬
‫ال ـراع املســتمر بــن املــدن كــا يف حالــة ال ـراع بــن مدينتــي أو ّمــا‬
‫ولگــش يف عــر الســاالت املبكــرة الثالــث‪.‬‬
‫وجــرت تنقيبــات أمريكيــة يف األعــوام ‪1984‬م و‪1990‬م من مؤسســات‬
‫مختلفــة كشــفت عــن جوانــب مرشقــة مــن تاريــخ هــذه املدينــة‬
‫العريقــة‪ ،‬لعــل مــن أبــرز مــا عــر عليــه املســلة الشــهرية التــي عرفــت‬
‫مبســلة العقبــان أو النســور‪ ،‬فضـاً عــن مجموعــة مــن األلــواح النذريــة‪،‬‬
‫فض ـاً عــن الكثــر مــن األلــواح الكتابيــة‪.‬‬

‫‪ .7-3-2‬االستيطان يف مدينة لكَش‬


‫كانــت املدينــة يف بداياتهــا األوىل عبــارة عــن قريــة صغــرة‪ ،‬رمبــا تعــود إىل‬
‫عــر العبيــد‪ ،‬مثلهــا مثــل الكثــر مــن مــدن الســهل الرســويب التــي تطــورت‬
‫مبــرور الزمــن إىل مــدن معظمــة‪ .‬ويبــدو أن منــو القــرى واملســتوطنات‬
‫التابعــة لهــذه املدينــة واندماجهــا مــع بعضهــا يف األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬أدى‬
‫إىل أن تتطــور إىل مدينــة كبــرة‪ .‬وميكــن أن يكــون هــذا األمــر قــد حصــل يف‬
‫‪142‬‬ ‫السومريون‬

‫عــر الســاالت الثــاين مــن نحــو ‪ 2700‬ق‪.‬م‪ ،‬واســتمرت مدينــة كبــرة حتــى‬
‫منتصــف العــر البابــي القديــم‪ .‬وكان ملوقعهــا دورا ً مهــاً يف التكويــن‬
‫الســيايس لدويلــة مدينــة لگــش‪ ،‬إذ أنهــا تتوســط إقليــم خصــب كــا أرشنــا‪.‬‬
‫وكانــت املدينــة تضــم مجمعــات ســكنية‪ ،‬وقــدر عــدد ســكانها بنحــو ‪ 36‬الفـاً‬
‫اعتــادا ً عــى مــا جــاء يف بعــض الكتابــات‪ ،‬يف حــن قــدر الباحــث (هــري‬
‫فرانكفــورت) ســكان مدينــة لگــش مبــا يقــرب مــن ‪ 100‬الــف نســمة‪.‬‬
‫لقــد كانــت املــدن الرئيســة يف أواخــر عــر الســاالت املبكــرة كبــرة‬
‫ومأهولــة بالســكان‪ .‬ورمبــا كانــت لگــش هــي األكــر بــن هــذه املــدن‪،‬‬
‫إذ بلغــت مســاحة االســتيطان فيهــا بحــدود ‪ 500‬هكتــار‪ .‬يف حــن بلغــت‬
‫مســاحة منافســتها أو ّمــا نحــو‪ 200-175‬هكتــارا ً‪ .‬ويبــدو أن هنــاك عالقــة‬
‫عكســية بــن الن ـزاع املســتمر واالســتقرار لذلــك فــإن مــا ندعــوه عــر‬
‫دويــات املــدن كان مرحلــة غــر مســتقرة الن نســبة قليلــة مــن الســكان‬
‫شــعرت باألمــن مبــا مكنهــا مــن االســتقرار يف األريــاف خــارج أســوار املــدن‪.‬‬

‫‪ 7 - 3 - 3‬الحالة السياسية يف مدينة لكَش‬


‫تعــد ســالة لگــش األوىل مــن أهــم الســاالت التــي حكمــت يف‬
‫بــاد الرافديــن يف عــر الســاالت املبكــرة‪ ،‬وقــد أرشنــا إىل حكامهــا‬
‫يف موضــع ســابق‪ ،‬وإن آخرهــم هــو املصلــح أوركاجينــا (أوروامنكَينــا)‪.‬‬
‫وقــد حمــل هــؤالء الحــكام لقــب أنــي الــذي يعنــي الحاكــم أو األمــر‬
‫أو حاكــم املدينــة املســتقلة‪ .‬وأرشنــا إىل حالــة الـراع بينهــا بــن جارتهــا‬
‫والعــدو اللــدود لهــا مدينــة أو ّمــا‪ ،‬وكيــف دونــت تفاصيــل هــذا الـراع‬
‫يف واحــدة أهــم الوثائــق التأريخيــة الســومرية مــن عهــد امللــك أنتمينــا‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪143‬‬

‫(‪)7– 4‬‬
‫مدينة أور‬

‫‪ 7-4-1‬التنقيبات يف مدينة أور‬


‫ال يختلــف اثنــان عــى أن مدينــة أور واحــدة مــن أعظــم مــدن‬
‫العــامل عــر التأريــخ‪ ،‬وهــي مدينــة خالــدة ال متــوت‪ .‬وترجــع شــهرة أور‬
‫املبكــرة إىل مــا ورد مــن وصــف يف ســفر التكويــن (‪ ،)31 ،28 :11‬الــذي‬
‫يذكــر أن املدينــة كانــت مســقط رأس إبراهيــم‪ ،‬األب املؤســس للشــعب‬
‫اليهــودي‪ .‬وتحيــط باملدينــة يف الوقــت الحــارض مجموعــة مــن التــال‬
‫التــي تقــع عــى بعــد ســتة عــر كــم غــرب نهــر الف ـرات‪ ،‬وهــي اآلن‬
‫صح ـراء رمليــة يف جنــوب الع ـراق الحديــث‪.‬‬
‫وقــد ذكــرت املصــادر الكتابيــة القدميــة مدينــة أور بصيــغ عــدة منهــا‪:‬‬
‫‪ ki -ma(M)Uri 5‬أو ‪ unu ki-ŠEŠ‬أو ‪ ،ŠEŠ-ab ki‬وتعني (‪)ŠEŠ-ab Ki‬‬
‫حرفيـاً (أخــت البحــر أو القريبــة مــن البحــر)‪ ،‬إذ يعنــي املقطــع (‪ )ŠEŠ‬أخ‬
‫أو مبحــاذاة أو قريــب‪ ،‬يف حــن يعنــي املقطــع الثــاين (‪ )AB‬البحــر‪ .‬ورمبــا‬
‫تعكــس هــذه التســمية واقــع املدينــة الجغـرايف منــذ نشــأتها األوىل قريبـاً‬
‫مــن شــاطئ البحــر‪ ،‬أو رمبــا قــرب األهــوار كمصــدر مــايئ يتصــل بالبحــر‬
‫الســفيل ونعنــي الخليــج‪ .‬ووردت التســمية األكديــة بصيغــة ‪ ،Urim‬وهي‬
‫قريبــة مــن التســمية الســومرية‪ ،‬وجــاءت يف الكتــاب املقــدس بصيغــة أور‬
‫الكلديــن (ســفر التكويــن ‪.)28 :11‬‬
‫‪144‬‬ ‫السومريون‬

‫كان الر ّحالــة اإليطــايل بيــرو ديــا فــاال يف أوائــل القــرن الســابع عــر‬
‫امليــادي أول أوريب زار املوقــع‪ ،‬وحينــا عــاد إىل موطنــه أحــر معــه‬
‫آجــرا ً يحمــل كتابــات مســارية مل يقــدر أحــد عــى قراءتهــا‪ ،‬وعــددا ً‬
‫مــن األختــام األســطوانية‪ .‬وتأجــج اهتــام األوروبيــن‪ ،‬يف أوائــل القــرن‬
‫التاســع عــر امليــادي‪ ،‬يف ظــل اإلمرباطوريــة العثامنيــة لتحديــد املــكان‬
‫الدقيــق الــذي كانــت تقــع فيــه املدينــة القدميــة‪ .‬وكان األبــرز مــن املواقــع‬
‫املرشــحة تــل (املقــر‪ ،‬أو املگــر)‪ ،‬وهــو التــل الــذي قمتــه مــن القــار‪ .‬فقــد‬
‫اســتعمل هــذا القــار بــدالً عــن املــاط يف بعــض أعــال اآلجــر املكشــوف‪،‬‬
‫وهــو مــا أعطــى للتــل اســمه‪ .‬وزار الســيد ج‪ .‬بيــي فريــزر املوقــع عــام‬
‫‪ ،1835‬ووصــف البنــاء امل ّكــون مــن طابقــن يف وســط التــل الــذي جــرى‬
‫تحديــده الحق ـاً عــى أنــه الزقــورة أو بــرج املعبــد‪ ،‬وحــدد أبعــاده‪.‬‬
‫وجــرت حمــات تنقيبيــة عــدة يف مدينــة أور منــذ منتصــف القــرن‬
‫التاســع عــر‪ ،‬وكانــت يف الغالــب مــن ضبــاط ودبلوماســيني بريطانيــن‪ ،‬إذ‬
‫عمــل وليــم لوفتــس عــام ‪ 1850‬م يف املدينــة‪ ،‬ومــن بعــده القنصــل الربيطــاين‬
‫يف البــرة ميــدوس تيلــر عــام ‪1852‬م‪ ،‬وكان مــن ضمــن فريقــه التنقيبــي‬
‫اآلثــاري الشــهري هــري لورنســون الــذي فــك رمــوز الخــط املســاري‪،‬‬
‫واســتمرت التنقيبــات بفــرات متقطعــة حتــى عــام ‪1922‬م حينــا بــدأت‬
‫التنقيبــات النظاميــة والعلميــة مــن البعثــة املشــركة بــن املتحــف الربيطــاين‬
‫وجامعــة بنســلفانيا برئاســة الربيطــاين ليونــارد وويل‪ .‬وكانــت االكتشــافات يف‬
‫أور غنيــة ومتنوعــة عــى نحــو الفــت‪ .‬ومبوجب القانون الســاري وقــت إجراء‬
‫الحفريــات بقــي نصــف املكتشــفات يف العـراق والباقــي جــرى تقســيمه بــن‬
‫املتحــف الربيطــاين ومتحــف جامعــة بنســلفانيا‪ ،‬رعــاة الحفريــات‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪145‬‬

‫‪ 7-4-2‬االستيطان يف مدينة أور إىل نهاية عرص السالالت املبكرة‬


‫يــؤرخ أقــدم اســتيطان فيهــا مــن عــر العبيــد مــن أواخــر األلفيــة‬
‫السادســة إىل أواخــر األلفيــة الخامســة ق‪.‬م‪ ،‬وقــد عــر وويل عــى أدلــة‬
‫عــن املســتوطنني األوائــل يف أور يف سلســلة الحفــر االختباريــة الغائــرة‬
‫التــي ترســبت بعمــق ‪ 18‬م ـرا ً‪ ،‬وجــرى تحديــد التاريــخ النســبي لعــدد‬
‫مــن منــاذج الفخــار املبكــر طبق ـاً للعمــق الــذي عــر عليــه فيــه‪ .‬وقــد‬
‫عــاش النــاس يف املســتوطن املبكــر يف مجموعــات صغــرة يف بيــوت‬
‫واهيــة مــن القصــب والطــن‪ ،‬رمبــا تشــبه تلــك التــي مــا زال يســتعملها‬
‫عــرب األهــوار‪ .‬وقــد كان هنــاك مزيــد مــن املبــاين الكبــرة يف أماكــن‬
‫أخــرى مــن املســتوطن‪ ،‬إذ إن وويل كان قــد حفــر يف أط ـراف املدينــة‪.‬‬
‫واســتعمل النــاس الذيــن عاشــوا يف هــذه األكواخ نوعـاً مميزا ً مــن الفخار‬
‫ســمي بفخــار العبيــد نســبة إىل املوقــع الــذي وجــدت فيــه ألول مــرة‪.‬‬
‫وتشــر الصــورة التــي رســمتها املكتشــفات مــن أور إىل مجتمــع قليــل‬
‫التاميــز االجتامعــي‪ ،‬ورمبــا عــاش حالــة االكتفــاء الــذايت عــى نحــو جيــد‬
‫عــى مــوارده الخاصــة مــن األســاك ورعــى قلي ـاً مــن الحيوانــات التــي‬
‫توفــر اللحــم والحليــب والصــوف لعمــل الخيــوط‪ .‬ومــا يثــر الدهشــة‬
‫حقـاً أن هنــاك قليـاً مــن املــواد املســتوردة أو الســلع املصنعــة‪ ،‬باســتثناء‬
‫الفخــار‪ .‬فهنــاك شــفرات مصنوعــة مــن الســبج (زجــاج بــركاين)‪ ،‬ومــن‬
‫املحتمــل أنــه جلــب مــن بــاد األناضــول‪ ،‬أو شــبه الجزيــرة العربيــة‪ ،‬والقار‬
‫الــذي رمبــا كان مصــدره منطقــة هيــت‪ ،‬ومــن املحتمــل أنــه كان يســتعمل‬
‫ملنــع تــرب امليــاه أو مــادة الصقــة؛ وبعــض الفــؤوس الحجريــة التــي‬
‫‪146‬‬ ‫السومريون‬

‫رمبــا عملــت مــن أحجــار غــر محليــة؛ ولكــن هنــاك قليـاً منهــا‪ ،‬مــع كــرة‬
‫مــن الصــوان واألحجــار التــي كانــت تســتعمل منــذ عــر العبيــد املبكــر‪،‬‬
‫والتــي يبــدو أنهــا ســقطت يف نهــر الف ـرات يف أثنــاء فيضانــات الربيــع‪.‬‬
‫لعــل االكتشــاف األكــر إثــارة مــن وويل يف طبقــات عــر العبيــد يف‬
‫مدينــة أور هــو طبقــة ســميكة جــدا ً مــن الطمــى التــي كانــت تفصــل‬
‫القبــور الســفلية وقبــور القريــة التــي تقــع أســفل منهــا‪ ،‬وقــد حـ ّـرت‬
‫هــذه الطبقــة الطينيــة التــي يصــل ســمكها إىل ‪ 3،7‬م‪ ،‬وويل يف البدايــة‪،‬‬
‫فسهــا عــى أنهــا بقايــا فيضــان‬ ‫ولكنــه مل يســتغرق وقت ـاً طوي ـاً حتــى ّ‬
‫هائــل‪ -‬يف الحقيقــة كان طوفــان نــوح (الشــكل‪ :‬رقــم ‪ .)10‬فبالنســبة لــه‪،‬‬
‫هنــا يربهــن علــم اآلثــار حقيقــة واقعيــة مــن التــوراة‪ .‬وقــد تــم التشــكيك‬
‫يف هــذا االفـراض برسعــة‪ ،‬إذ عــر عــى طبقــات عــدة للفيضانــات يف عدد‬
‫مــن املواقــع الجنوبيــة األخــرى‪ ،‬ولكــن ليــس كلهــا مــن التاريــخ نفســه‬
‫مــا يشــر إىل احتــال حــدوث عــدد مــن الفيضانــات املحليــة بــدالً مــن‬
‫طوفــان واحــد ضخــم‪ .‬وعــى النقيــض من ذلــك‪ ،‬فإن بعــض املواقــع تظهر‬
‫غيابـاً مفاجئـاً للفيضــان‪ .‬إذ مل يعــر عــى أيــة طبقــة للفيضــان يف موقــع‬
‫أريــدو مث ـاً‪ ،‬والــذي ال يبعــد إلّ بضعــة كيلوم ـرات إىل الجنــوب الغــريب‬
‫مــن أور‪ .‬كــا أن مواقــع أخــرى عــى الســهل كان فيهــا ترســبات الفيضــان‬
‫مــن عصــور مختلفــة‪ .‬فقــد عــر يف تــل فــارة‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬عــى‬
‫طبقــة الفيضــان ضمــن طبقــات عــر جمــدة نــر‪ ،‬ويف أســفلها ألــواح‬
‫فــارة القدميــة (األركائيــة) التــي يعتقــد بشــكل عــام أنهــا تــؤرخ مــن عرص‬
‫الســاالت الثــاين والثالــث‪ .‬وعــر يف كيــش التــي تقــع بعيــدا ً إىل الشــال‬
‫عــى أربــع طبقــات مــن الفيضانــات مل تكــن أيــة واحــدة منهــا بســمك‬
‫السومريون‬ ‫‪147‬‬

‫طبقــة أور‪ ،‬وتقــع جميعهــا بــن طبقــات جمــدة نــر وطبقــات عــر‬
‫الســاالت الثالــث‪ .‬ومــع ذلــك فــإن الذكريــات الشــعبية عــن فيضانــات‬
‫اســتثنائية يف عــدد مــن أهــم املواقــع يف جنــوب بــاد الرافديــن رمبــا أدت‬
‫دورا ً يف تطويــر قصــة الطوفــان الشــهرية يف أســطورة گلگامــش‪ ،‬وبعــض‬
‫األدلــة يف القصــة التوراتيــة ألور قــارصة يف أحــد املجــاالت الرئيســة‪ ،‬إذ مل‬
‫يعــر وويل يف خنادقــه عــى مبــانٍ كاملــة‪ ،‬كــا رأينــا‪ ،‬وبنــا ًء عــى األدلــة‬
‫التــي ق ّدمتهــا أكــواخ الخــوص الطينيــة ميكــن أن نــرى أن املســتوطنني‬
‫األوائــل كانــوا فقـراء وبســطاء‪.‬‬
‫واســتمرت مدينــة أور يف التوســع واالزدهــار بطريقــة متواضعــة يف‬
‫عــر الســاالت املبكــرة الثالــث‪ ،‬وبلــغ حجــم املدينــة نحــو ‪ 50‬هكتــارا ً‬
‫‪ ،‬وأصبحــت موطــن الثنــن مــن الســاالت الحاكمــة يف تتابــع رسيــع إىل‬
‫حــد مــا‪ ،‬وإن كانــت ما تـزال صغرية بحســب املعايري الســائدة يف الســهل‬
‫الجنــويب‪ .‬ويبــدو أن املدينــة تعرضــت لالحتــال بحلــول نهايــة هــذا‬
‫العــر‪ ،‬ورمبــا حصــل تغيــر يف مجــرى نهــر الفـرات‪ .‬ومــن املعــروف أن‬
‫اثنــن مــن القصــور أو املبــاين اإلداريــة التابعــة لهــذه املرحلــة كانــت قــد‬
‫أرشتهــا عمليــات التنقيــب واملســح األثــري‪.‬‬

‫‪ 7-4-3‬املقربة امللكية يف أور‬


‫كشــف الســيد وويل يف املــدة مــن عــام ‪ 1934-1927‬م عــن مقــرة كبــرة‬
‫ضمــت مجموعــات عــدة مــن املقابــر‪ ،‬مــن مجموعــة تعــود إىل عــر‬
‫العبيــد وأخــرى إىل عــر جمــدة نــر‪ .‬وتعــود مجموعــة أخــرى منهــا إىل‬
‫عــر الســاالت املبكــرة كان مــن بينهــا ســتة عــر قـرا ً مميـزا ً‪ ،‬بنيــت يف‬
‫‪148‬‬ ‫السومريون‬

‫مســتوى واحــد تقريب ـاً‪ ،‬كــا أن تجهيزاتهــا الجنائزيــة كانــت ذات طابــع‬
‫واحــد أيضــاً‪ ،‬ورمبــا يشــر هــذا األمــر إىل أنهــا كانــت تعــود إىل حقــب‬
‫زمنيــة متقاربــة جــدا ً ميكــن أن تحــدد بــن عــري الســاالت املبكــرة الثــاين‬
‫والثالــث‪ .‬وعرفــت هــذه املجموعــة باملقــرة امللكيــة‪ ،‬ورمبــا يكــون مــن‬
‫دفــن فيهــا ملــوكاً‪ ،‬وقــد دفنــوا مــع حاشــيتهم وأتباعهــم والحــي الذهبيــة‬
‫واألثــاث العائــد لهــم يف طقــس رمبــا يرتبــط بعــامل مــا بعــد املــوت –وفقـاً‬
‫ملعتقدهــم الدينــي‪ -‬ورمبــا تعــود لعائلــة ملكيــة أقــدم مــن عهــد ســالة‬
‫ميــس‪ -‬آنيبــدا املعروفــة بالجــداول امللكيــة بالســالة األوىل ‪.‬‬
‫وعرفــت أســاء بعــض امللــوك املدفونــن يف هــذه املقــرة عــن طريــق‬
‫أختامهــم األســطوانية التــي عــر عليهــا مدفونــة بقربهــم‪ ،‬فقــد حــدد قــر‬
‫امللــك ميــس‪ -‬كاالم‪ -‬دوك‪ ،‬وقــر ابنــه امللــك آ‪ -‬كاالم‪ -‬دوك‪ ،‬ويقــع قــر امللــك‬
‫آبــاريك بعيــدا ً عــن قــر امللــك ميــس‪ -‬كاالم‪ -‬دوك‪ .‬كــا عــر عــى قبــور‬
‫زوجاتهــم‪ ،‬منهــا قرب(نــن‪ -‬بنــدا) زوجــة امللــك ميــس‪ -‬كاالم‪ -‬دوك التــي‬
‫عرفــت بواســطة ختــم امللــك ميــس ‪-‬كاالم‪ -‬دوك الــذي عــر عليــه بجانــب‬
‫جثتهــا‪ ،‬وقــر زوجــة امللــك آبــاريك امللكــة بــو‪-‬آيب (‪ ،)Puabi‬أو مــا تعــرف‬
‫بشــبعاد‪ ،‬والــذي كان مالصقــا لقــر زوجهــا‪ ،‬وهنــاك قبــور أخــرى رمبــا تعــود‬
‫مللــوك‪ ،‬ولكــن مــا يؤســف لــه أنــه مل يتــم التعــرف عــى أســائهم‪.‬‬
‫ويعــد قــر امللكــة أو الســيدة (بــو‪-‬آيب = ‪ ،)Puabi‬القــر امللــي األغنى‬
‫بــن هــذه القبــور‪ ،‬وقــد حــدد عــن طريــق الكتابــات عــى أختــام تعــود‬
‫للمدفــن الرئيــس لهــذه الســيدة‪ .‬وهــي تحمــل لقب ـاً غامض ـاً نــن‪ -‬يت‪،‬‬
‫والــذي ميكــن أن يعنــي ملكــة‪ ،‬ولكنــه يســاوي أيضـاً لقب «ســيدة»‪ .‬وقد‬
‫السومريون‬ ‫‪149‬‬

‫دفنــت الســيدة مــع طقــم رائــع مــن املجوهـرات مــن بينهــا مشــط كبــر‬
‫مــن الذهــب يشــبه وشــاح تعلــوه زهــور ذهبيــة وأقـراط ذهبيــة ضخمــة‬
‫عــى شــكل قــارب وطــوق مــن الخــرز متعــدد األلــوان‪ .‬وعــر عــى ختــم‬
‫ســائب يحمــل اســم (أبارگــي) يف حفــرة قــر بــو‪-‬آيب‪ ،‬لــذا اقــرح أنــه‬
‫قــد يكــون زوجهــا الــذي رمبــا يكــون دفــن بجــوار القــر(‪،)RG1789‬‬
‫إذ يعتقــد أن املدفــن الرئيــس كان لذكــر لكــن هــذه الصــورة الجذابــة‬
‫تخمينيــة للغايــة كــا يعتقــد (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.) 11‬‬

‫‪ 7-4-4‬االستيطان يف مدينة أور يف عرص ساللة أور الثالثة‬


‫تحســنت حالــة االســتيطان واملســتوطنات يف عــر أور الثالثــة‪ ،‬إذ‬
‫متيــزت هــذه الحقبــة بإعــادة اإلعــار والتجديــد عــى نطــاق واســع‪،‬‬
‫فقــد متــت تســوية كثــر مــن املبــاين مــن عصــور أقــدم لتوفــر األســس‬
‫ملبــانٍ عامــة جديــدة‪ .‬لقــد شــهد عهــد ســالة أور الثالثــة اختالفـاً سياســياً‬
‫واجتامعيــا كبـرا ً‪ .‬وقــد أنشــأ ملــوك أور معابــدا ً مركزيــة مقرونــة بأنظمــة‬
‫إداريــة ملكيــة وحاولــوا أحيــاء الهويــة الســومرية‪ .‬وقدمــت النصــوص‬
‫املســارية رؤيــة مميــزة عــن حالــة االســتيطان والحــدود اإلداريــة‬
‫والنشــاط الســكني التــي ال ميكــن تحديدهــا عــن طريــق املســح األثــري‬
‫وحــده‪ .‬فقــد انتقــل املركــز الســيايس إىل مدينــة أور‪ ،‬وأعيــد بنــاء مدينــة‬
‫أريــدو القريبــة منهــا‪ ،‬وظهــرت مــدن صغــرة عــدة عــى القنــاة التــي متر‬
‫بجــوار أور‪ .‬لقــد تضاعــف املســاحة اإلجامليــة لالســتيطان يف املنطقة عام‬
‫كان عليــه الحــال يف العــر األكــدي‪ ،‬وشــهد وســط الســهل الســومري‬
‫أيضـاً توســعاً يف االســتيطان عــى جميــع املســتويات‪ ،‬وال ســيام يف القــرى‬
‫‪150‬‬ ‫السومريون‬

‫الصغــرة التــي توســعت وازداد عددهــا إىل أكــر مــن ثــاث مـرات قياسـاً‬
‫بعددهــا يف العــر األكــدي‪ .‬ورمبــا يكــون هــذا النمــو املطــرد لالســتيطان‬
‫نتيجــة االســتقرار الســيايس تحــت حكــم ســالة أور الثالثــة‪ ،‬فضــاً‬
‫عــن إعــادة التوطــن املنظــم لســكان البــاد التــي تــم فتحهــا وضمهــا‪.‬‬
‫كــا شــهد تطويــر أول نظــم الــري الشــاملة‪ .‬إذ ســبق وأن الحظنــا أن‬
‫املســتوطنات يف العصــور الســابقة تركــزت عــى طــول مجــاري األنهــار‬
‫الكــرى‪ ،‬ولكــن مســتوطنات أواخــر األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬كانــت تقــع‬
‫عــى القنــوات الواســعة والجــداول الفرعيــة التــي تأخــذ مياههــا مــن‬
‫األنهــار الرئيســة ومتتــد ملســافة ‪ 15‬كــم‪ .‬ويبــدو أن املناطــق التــي تقــع‬
‫شــال رشق نيبــور وشــال أدب كانــت تضــم مثــل هــذه األنظمــة التــي‬
‫كانــت تتطلــب اســتثامرا ً واهتامم ـاً ملكي ـاً‪ .‬إن التطــور املتأخــر لنظــام‬
‫الــري يــؤرش إىل أن مامرســات الــري املعقــد واســع النطــاق كانــت نتــاج‬
‫للتطــور الســابق للتنظيــم العم ـراين واإلداري وليــس العكــس‪.‬‬
‫بحلــول هــذا الوقــت كانــت مدينــة أور تغطــي مســاحة ‪ 100‬هكتــار‪،‬‬
‫وتفخــر بوجــود مرفأيــن‪ :‬أحدهــا عــى نهــر الفـرات‪ ،‬واآلخــر عــى القنــاة‬
‫الرئيســية‪ ،‬وكان للمدينــة أكروبوليــس (منطقــة مقدســة مرتفعــة نوعـاً مــا)‬
‫كبــر مــع ســور دفاعــي خــاص بــه أقيمــت فيــه املعابــد والقصــور والزقــورة‬
‫الكــرى‪ ،‬وتقــع األحيــاء املختلفــة مــن املدينــة وراء هــذا الســور الداخيل كل‬
‫منهــا عــى حــدة مفصولــة بالطــرق والقنــوات بعضهــا عــن بعضهــا اآلخــر‪،‬‬
‫ولكــن كل ذلــك داخــل الســور الخارجــي املحيــط الــذي رمبــا دافــع عــن‬
‫املدينــة مــن الفيضانــات وكذلــك مــن املهاجمــن (الشــكل‪ :‬رقــم‪.)12‬‬
‫السومريون‬ ‫‪151‬‬

‫وهنــاك مجموعــة مــن املبــاين داخــل املنطقــة املقدســة منهــا‬


‫معابــد ثانويــة متنوعــة؛ وقــر الكاهنــة الكــرى ومصلياتهــا؛ خزينــة‬
‫اإللــه؛ ومبنــى محفــوظ عــى نحــو يسء‪ ،‬والــذي قــد ي ّكــون بقايــا قــر‬
‫الحاكــم‪ .‬وليــس واضحـاً حتــى مــا إذا كان هــذا املبنــى داخــل املنطقــة‬
‫املقدســة‪ ،‬أو خارجهــا مبــارشة‪ .‬أخ ـرا ً‪ ،‬نجــد بالقــرب مــن مقابــر عــر‬
‫الســاالت املبكــرة‪ ،‬والعــر األكــدي‪ ،‬وخــارج جــدار املنطقــة املقدســة‬
‫مبــارشة‪ ،‬القبــور التــي بناهــا ملــوك ســالة أور الثالثــة‪ .‬ويصعــد إىل‬
‫مجمــع الزقــورة‪ ،‬الــذي يتكــون مــن كل هــذه املبــاين املتنوعــة‪ ،‬يف‬
‫مجموعــة قصــرة مــن الدرجــات عــى جانبــه الشــايل الرشقــي‪ ،‬عــر‬
‫جــدار القاعــة الســفيل ملعبــد ننــار‪ ،‬الــذي كان أدىن مبقــدار ‪ 1.7‬مــر مــن‬
‫مصطبــة الزقــورة نفســها‪.‬‬
‫وكانــت القاعــة محاطــة مبــا كان عــى األرجــح مخــازن‪ ،‬وكان هنــاك‬
‫عــدد مــن الرتاكيــب الطقســية يف القاعــة‪ ،‬معظمهــا أماكــن تقدمــات‪،‬‬
‫وقواعــد متاثيــل‪ -‬بعضهــا يعــود إىل عــر الســاالت املبكــرة‪ .‬وهنــاك‬
‫بوابــة مزدوجــة متقنــة عــى الجانــب املقابــل للدرجــات تــؤدي إىل‬
‫املنطقــة املقدســة‪ ،‬وتســهل الوصــول إىل العــامل الخارجــي‪ .‬وتقــدم جدران‬
‫القاعــة الســميكة سلســلة مــن التحديــات ألي عــدو‪ ،‬واعتقــد وويل أنهــا‬
‫رمبــا خدمــت كخــط أخــر للدفــاع‪ .‬وقــد بنيــت جميــع املبــاين مــن اللــن‬
‫غــر املفخــور‪ ،‬وغالب ـاً مــا كانــت محميــة بقــرة خارجيــة مــن اآلجــر‬
‫املحــروق‪ ،‬بســمك يزيــد عــن ‪2‬م‪ ،‬ومثبتــة مبــاط مــن القــار‪ .‬وتحمــي‬
‫قــرة اآلجــر املحــروق العنــارص األكــر ضعفـاً مــن اآلجــر غــر املفخــور‬
‫رسيــع التلــف‪ .‬وعــى نحــو مفيــد‪ ،‬ختــم بعــض اآلجــر باســم امللــك الــذي‬
‫‪152‬‬ ‫السومريون‬

‫أمرهــم؛ وكذلــك‪ ،‬دفعــت مســامري األســس إىل أعــال البنــاء باآلجــر أيضاً‪.‬‬
‫ووجــدت متاثيــل األســس‪ ،‬يف بعــض األحيــان‪ ،‬عــى شــكل رجــل يحمــل‬
‫س ـلّة اآلجــر عــى رأســه‪ ،‬وغالب ـاً مــا كتــب أســم البــاين عليهــا أيض ـاً‪.‬‬
‫وعــر قُطــع هــي أكــر القطــع األثريــة إثــارة يف عــر أور الثالثــة‬
‫يف منطقــة (أي‪-‬دوب‪-‬الل‪-‬مــاخ) ومــا حولهــا‪ ،‬أســفل بقايــا مبــانٍ تعــود‬
‫إىل العــر الكــي يف منتصــف األلــف الثــاين ق‪.‬م‪( .‬الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)13‬‬
‫ومــع أن بعــض القطــع كانــت ال ت ـزال مفقــودة‪ ،‬إال أنهــا عنــد تركيبهــا‬
‫معـاً شــكلت مسـلّة تظهــر ملــكاً‪ ،‬رمبــا أور‪ -‬منــو‪ ،‬يتقــدم إىل إلــه القمــر‪،‬‬
‫الحاكــم اإللهــي ألور‪ .‬ويســتند عزوهــا إىل أور‪-‬منــو إىل كتابة عىل املسـلّة‪،‬‬
‫تســجل عــددا ً مــن القنــوات املعــروف أنــه قــام ببنائهــا‪ .‬كــا وجد اســمه‬
‫عــى قطعــة مــن الجــزء الســفيل مــن ردائــه‪ .‬ولســوء الحــظ‪ ،‬ال ميكــن‬
‫إثبــات عــى نحــو مؤكــد أن هــذا كان جــزءا ً مــن املسـلّة‪ .‬وقــد عملــت‬
‫مــن حجــر معــرق جميــل‪ ،‬وقــد جــرى ترميمــه‪ ،‬فــكان ارتفاعــه نحــو‬
‫‪ 3‬م وعرضــه ‪ 1،54‬م عنــد القاعــدة‪ ،‬وأصغــر قليــاً يف الجــزء العلــوي‪،‬‬
‫والــذي كان مســتديرا ً‪ .‬وقــد نُحــت يف األصــل عــى الجانبــن كليهــا‪،‬‬
‫وقســم التصميــم إىل حقــول‪ ،‬كــا هــو الحــال يف املسـ ّـات الســابقة مــن‬ ‫ّ‬
‫عــر الســاالت املبكــرة الثالــث‪ .‬لســوء الحــظ‪ ،‬التصميــم غــر مكتمــل‪،‬‬
‫وال ســيام عــى أحــد الجوانــب‪ ،‬إذ تســببت الظــروف الجويــة يف تقــر‬
‫الحجــر يف عــدد مــن األماكــن‪ .‬وأرســلت هــذه القطــع إىل فيالدلفيــا‬
‫للمعالجــة‪ ،‬وإعــادة الرتكيــب‪ ،‬وكان قــد أفــرض أن الوجــه الــذي حفــظ‬
‫عــى نحــو أفضــل كان يف مقدمــة نصــب تــذكاري‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪153‬‬

‫وتظهــر عمليــة إعــادة الرتكيــب بــأن (وجــه املس ـلّة)‪ ،‬كان يحتــوي‬
‫عــى خمســة حقــول‪ .‬وكان الجــزء العلــوي نحــو ضعــف ارتفــاع األجـزاء‬
‫الســفلية‪ .‬ويظهــر الحاكــم واقفــاً تحــت هــال كبــر يحيــط بنجــم‬
‫متقــن‪ .‬ويرفــع أحــد ذراعيــه بوضعيــة التحيــة أمــام إلــه جالــس حفــظ‬
‫منــه فقــط الخــوذة ذات القــرون‪ ،‬وأقــدام اإللــه‪ ،‬وقاعــدة العــرش‪.‬‬
‫وميكــن رؤيــة زوج آخــر مــن األقــدام يتــدىل أســفل املــكان الــذي كان‬
‫ميكــن أن يكــون فيــه حضــن اإللــه‪ .‬وكان يُفــرض دامئ ـاً أن اإللــه هــو‬
‫إلــه القمــر‪ ،‬مــع إلــه أصغــر أو طفــل جالــس عــى حجــره‪ ،‬ولكــن يبــدو‬
‫مــن املحتمــل أن هــذه هــي نينــگال‪ ،‬زوجــة ننــار‪ ،‬وطفلهــا يف حجرهــا‪.‬‬
‫وغالبـاً مــا أدعــى ملــوك ذلــك الوقــت أن اآللهــة ارضعتهــم‪ ،‬فهــل ميكــن‬
‫أن يكــون الطفــل هــو أور‪ -‬منــو نفســه‪ ،‬أو ابنــه شــولگي؟‪ .‬وميكــن أن‬
‫يكــون مثــل هــذا املشــهد جــزءا ً مــن دعايــة جميلــة للنظــام‪.‬‬
‫وقــد كان الحقــل الثــاين أفضــل حفظـاً‪ ،‬إذ يقــف يف وســطه شــخصان‬
‫ظهـرا ً عــى ظهــر‪ ،‬يعتنــي كل منهــا بشــخصية ثانيــة حفــظ منهــا فقــط‬
‫مــن مســتوى الكتــف إىل األســفل‪ ،‬لــذا ال ميكننــا التأكــد فيــا إذا كان‬
‫خادمـاً برشيـاً أم إلهــة تشــفع عــن طريــق رفــع يديهــا‪ .‬ويســكب امللــك‬
‫عــى اليمــن املــاء املقــدس إىل النخلــة يف إنــاء‪ ،‬والــذي ينتصــب أمامهــا إله‬
‫جالــس ميســك مــا يســمى بالقصبــة‪ ،‬والخيــط‪ ،‬وهــا الرمــوز التقليديــة‬
‫للملكيــة‪ .‬ورمبــا متثــل آالت املســاحة لقيــاس املخططــات والزوايــا‪ ،‬إذ كان‬
‫بنــاء املعبــد وترميمــه مــن الواجبــات الحيويــة للحاكــم‪ ،‬يف حــن يســكب‬
‫الشــخص املواجــه لليســار املــاء املقــدس عــى نخلــة مامثلــة‪ ،‬ولكنــه‬
‫يقــف هــذه املــرة أمــام إلهــة جالســة‪ .‬وميكــن أن نخمــن أن هــذا هــو‬
‫‪154‬‬ ‫السومريون‬

‫الــزوج اإللهــي ننــار ونينــگال‪ .‬وحفــظ فقــط جــزء صغــر مــن الحقــل‬
‫الثالــث‪ ،‬ويظهــر الحاكــم (مســبوقاً بإلــه) يحمــل دلــوا ً مــع أدوات البنــاء‪،‬‬
‫مــن الواضــح أنــه يف طريقــه لبــدء بنــاء معبــد‪ ،‬أو رمبــا الزقــورة نفســها‪.‬‬
‫ويســند خــادم يقــف خلفــه بعــض ثقــل الدلــو حتــى ال يرهــق امللــك‬
‫نفســه!‪ .‬يف حــن كان آخــر حقلــن متشــظيني للغايــة‪ ،‬ولكــن يبــدو أنهــا‬
‫يظهـران تقــدم أعــال البنــاء‪ .‬وكل مــا تبقــى منهــا تقريبـاً يظهــر رجـاً‬
‫يحمــل آج ـرا ً‪ ،‬أو تراب ـاً عــى رأســه‪ ،‬وســلامً يتــكأ عــى جانــب املبنــي‪.‬‬
‫ان عمليــة إعــادة الجانــب الــذي تعـ ّرض للظروف الجوية الســيئة (يشــار‬
‫إليــه تقليديـاً بظهــر املسـلّة) بالكامــل غــر ممكنــة‪ ،‬ألن مــا لدينــا كــر غــر‬
‫مرتابطــة‪ ،‬عــى مــا يبــدو فــإن معظمهــا يظهــر احتفــاالت دينيــة مــن أنــواع‬
‫متنوعــة‪ .‬وميكــن رؤيــة بقايــا آلهــة طائــرة‪ ،‬يف الجــزء العلــوي‪ ،‬وهي تســكب‬
‫مــاء الحيــاة مــرة أخــرى فــوق شــخص امللــك‪ ،‬ولكــن بقيــة املشــهد ضــاع‪.‬‬
‫وتظهــر عــى قطعــة أخــرى شــخصية جالســة عــى منصــة ترتــدي ردا ًء‬
‫فضفاض ـاً‪ ،‬يف حــن يقــف شــخص عــا ٍر عــى درجــة تحتــه‪ ،‬ميســك مبــا قــد‬
‫يكــون منشــة ذبــاب ومنشــفة‪ .‬وهنــاك شــخصية ثانيــة بــرداء طويــل ورأس‬
‫حليق(ومــن املحتمــل أن يكــون كاهنـاً) يديــر ظهــره إىل الشــخص الجالــس‪،‬‬
‫وميســك مبنشــفة شــخص ملتـ ٍح أمامــه‪ .‬قــد يكــون هــذا هــو امللــك‪ ،‬أو ‪-‬كــا‬
‫تــم اقرتاحــه مؤخـرا ً قــد يكــون مصارعـاً‪ .‬إذ كانــت املصارعــة رياضــة شــائعة‬
‫يف بعــض املهرجانــات الكــرى‪ ،‬ومــن شــأن هــذا أن يفــر الوضــع الغريــب‬
‫لــذراع الشــخص امللتحــي (أو ذراع شــخص آخــر)‪ .‬وترينــا قطعــة أخــرى مــن‬
‫املسـلّة رجلــن‪ ،‬أحدهــا بشــعر مجعــد عــى نحــو محكــم يعزفــان عــى مــا‬
‫يبــدو وكأنــه طبلــة كبــرة‪ ،‬كانــت بطولهــم‪ .‬وهنــاك أيضـاً مشــهد التضحيــة‪،‬‬
‫السومريون‬ ‫‪155‬‬

‫إذ يســتعد رجــل (رأســه مفقــود) للتضحيــة بثــور‪ ،‬وق ّدمــه عــى خطمــه‪ ،‬يف‬
‫حــن يحمــل شــخص آخــر حيوان ـاً أصغــر مقطــوع الــرأس‪ ،‬إذ يســيل الــدم‬
‫أمــام شــخص (محطــم) يجلــس عــى حافــة صغــرة‪ .‬وميكــن رؤيــة أرجــل‬
‫رجــل آخــر‪ ،‬خلــف هــذا الشــكل‪ ،‬إىل جانــب بعــض الرمــوز الغريبــة التــي‬
‫ميكــن أن تكــون تصويـرا ً لألشــجار واملناظــر الطبيعيــة‪ .‬ورمبــا تــأيت الكــرة‬
‫األخــرة مــن مســلّة مختلفــة وهــي تصــور رجــاً بشــعر مجعــد يحلــب‬
‫بقــرة‪ .‬وتعــد املسـلّة ذات أهميــة كبــرة ليــس فقــط للمشــاهد التــي متثلهــا‪،‬‬
‫ولكــن أيضـاً ألنهــا تظهــر مزيجـاً أســلوبياً‪ .‬وقــد اقــرح أنهــا ميكــن أن تربــط‬
‫مــع عــر الســاالت املبكــرة عــر تقســيمها إىل حقــول‪ .‬وكانــت املعالجــة‬
‫النموذجيــة لألشــكال يف العــر األكــدي أكــر طبيعيــة‪ ،‬يف حــن كانــت هنــا‬
‫مجموعــة جديــدة كلي ـاً مــن املوضوعــات خاصــة بهــذا العــر‪ .‬كــا عــر‬
‫عــى عــدد قليــل مــن التامثيــل بالنحــت املــد ّور‪ ،‬مــع أن أي منهــا مل يعــر‬
‫عليــه يف موضعــه األصــي‪ ،‬لذلــك مــن الصعــب تحديــد تاريخهــا بدقــة‪.‬‬
‫ومل يكــن يف تخطيــط املســتوطنات مــا يشــر إىل التقســيم وفقــاً‬
‫للمجــاالت الوظيفيــة املختلفــة‪ .‬إذ تُظهــر الحفريــات يف مدينــة أور يف‬
‫نهايــة عــر أور الثالثــة متاجــر ومـزارات صغــرة ومدرســة بــن املنــازل‪،‬‬
‫فض ـاً عــن بيــوت التجــار التــي متيــزت بوجــود ســلع كبــرة تركــزت يف‬
‫غــرف صغــرة مكتظــة بــأدوات الســحق التــي توضــع يف األركان‪ .‬ويبــدو‬
‫أن املســاحة يف املــدن كانــت أكــر مــن ذلــك‪ ،‬وهنــاك عــدد قليــل مــن‬
‫األماكــن العامــة داخــل االســوار‪ ،‬وهنــاك مــن يقــرح أن األســواق الكبرية‬
‫والتجمعــات العامــة قــد كانــت قــد أقيمــت عــى أبــواب املدينــة‪ ،‬إذ‬
‫كانــت هنــاك مســاحة أكــر‪.‬‬
‫‪156‬‬ ‫السومريون‬

‫ونشــر أخـرا ً أن أور كانــت مــا تـزال تحظــى بتقديــر كبــر يف العــر‬
‫البابــي القديــم لدرجــة أن ملــوك إيســن اســتعملوا لقــب «ملــك أور»‪.‬‬
‫وليــس هــذا فقــط‪ ،‬ولكــن املنطقــة الواســعة للبيــوت الخاصــة التــي‬
‫نقّبهــا وويل تظهــر عالمــات قليلــة عــى حــدوث دمــار هائــل يف نهايــة‬
‫األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ .‬ويبــدو أن الحيــاة العاديــة رمبــا اســتمرت‪ ،‬وإن‬
‫عــى نطــاق أصغــر‪ ،‬ومــع الكــوارث‪ ،‬لكــن املجــد الســيايس قــد ذهــب‬
‫إىل األبــد‪ .‬ويبلــغ حجــم التــل الرئيــس البيضــوي ملدينــة أور نحــو ‪×1200‬‬
‫‪ 800‬م تقريب ـاً‪ ،‬ويقــع مركــز املدينــة املســور بــن نهــر الف ـرات وقنــاة‬
‫كبــرة‪ .‬املوقــع يف الواقــع أكــر بكثــر مــن مجــرد التــل املركــزي‪.‬‬
‫ويبــدو أن الدمــار الكبــر الظاهــر يف الطبقــات األثريــة قــد حــدث يف‬
‫العــام الحــادي عــر مــن حكــم سامســو‪ -‬إيلونــا (ابنــه)‪ ،‬الــذي س ـ ّجل‬
‫أنــه يف هــذا العــام د ّمــر أســوار مدينــة أور انتقامـاً مــن ثورة ضــده‪ .‬ورمبا‬
‫يجــب أن نــؤرخ دمــار عــدد مــن البيــوت بالحريــق عــر هــذا الحــدث‪.‬‬
‫وليضمــن أن املدينــة لــن تنهــض مــرة أخــرى‪ ،‬قــام أيض ـاً بتدمــر جــزء‬
‫كبــر مــن نظــام القنــوات‪ ،‬ليحــول الجنــوب إىل صح ـراء حقيقيــة‪ ،‬وكان‬
‫امللــك الكــي املدعــو كوريگالــزو‪ ،‬الــذي رمبــا اعتــى العــرش يف وقــت مــا‬
‫يف النصــف الثــاين مــن القــرن الرابــع عــر ق‪.‬م‪ ،‬رشع يف تجديــد مدينــة‬
‫أور‪ ،‬وإعادتهــا إىل مــا يشــبه مجدهــا الســابق‪ .‬وقــد ركــز كوريگالــزو‬
‫جهــوده عــى املنطقــة املقدســة‪ .‬وال نعــرف عــى وجــه اليقــن مــا إذا كان‬
‫قــد عمــل عــى الزقــورة نفســها‪ ،‬ألن األعــال الرئيســة يف العــر البابــي‬
‫الحديــث أزالــت جميــع التعديــات الســابقة بعــد ســالة أور الثالثــة‪.‬‬
‫وتدعــي كتاباتــه أنــه فعــل هــذا‪ ،‬وليــس هنــاك ســبب للشــك فيهــا‪ .‬وقــد‬
‫السومريون‬ ‫‪157‬‬

‫أعــاد بنــاء ســور املنطقــة املقدســة‪ ،‬ومعبــد نينــگال‪ ،‬زوجــة إلــه القمــر‬
‫ننــار الــذي كان ينتصــب بالقــرب مــن الزاويــة الجنوبيــة للمنطقــة‬
‫املســورة للزقــورة‪ .‬ويبــدو أن بنايتــه اتبعــت مخطــط املـزارات الســابقة‪،‬‬
‫ولكــن الجــدران مل تكــن ســميكة‪ ،‬وبنــي عــى نحــو رديء‪ .‬لقــد أتاحــت‬
‫إحــدى البوابــات يف الجــدار الجنــويب الرشقــي للفنــاء الكبــر أمــام مـزار‬
‫نينــگال اآلن‪ ،‬وعــى نحــو مبتكــر‪ ،‬الوصــول املبــارش إىل مبنــى (گيــگ‪-‬‬
‫باركــو)‪ ،‬مســكن الكاهنــة العليــا‪ ،‬الــذي جــرى تجديــده‪.‬‬
‫ويبــدو أن مدينــة أور أصبحــت مــرة أخــرى مكانــاً مهــاً لعبــادة‬
‫اإللــه القمــر‪ ،‬ننــار‪ ،‬يف العــر البابــي الحديــث‪ ،‬وقــد أنجــزت بعــض‬
‫األعــال الضخمــة‪ ،‬والســيام مــن امللــك نبونائيــد‪ .‬إن حجــم أعــال البناء‬
‫التــي نفــذت يف مدينــة أور كانــت مقيــاس ألهميــة املوقــع يف املشــهد‬
‫الســيايس أو الدينــي يف أي وقــت‪ .‬وقــد يكــون لألعــال غايــة ثانيــة‪،‬‬
‫فهــي مبثابــة محاولــة مــن قبــل الســالة الجديــدة الســرضاء الكهنــوت‬
‫املحافــظ وكســبه لدعــم أســيادهم الجــدد‪ ،‬وإرســاء الرشعيــة‪ .‬ويبــدو‬
‫أن املدينــة تعرضــت لهجــوم الجيــش الفــاريس‪ ،‬وقــد عــر عــى اآلجــر‬
‫الخــاص بامللــك كــورش يف أور‪ ،‬وألنــه مــات يف العــام الالحــق لنجاحــه‪،‬‬
‫فــا بــد أنــه بــدأ العمــل هنــا بعــد وقــت قصــر جــدا ً مــن ســقوط‬
‫بابــل(‪ 539‬ق‪.‬م)‪ .‬وتشــر الدالئــل إىل أن املدينــة اســتعادت ازدهارهــا‬
‫تحــت حكــم الفــرس‪ .‬ويبــدو أن نهايــة أور قــد جــاءت عندمــا حــول‬
‫نهــر الفـرات مســاره رشقـاً تــاركاً املدينــة مــن دون مــاء‪ .‬ويبــدو أن هــذا‬
‫التحــول جــاء تدريجي ـاً‪ ،‬إذ عــر عــى مدفنــن فارســيني يف قــاع القنــاة‬
‫الكــرى التــي تــدور حــول الجانــب الرشقــي مــن مدينــة أور‪ ،‬مــا يشــر‬
‫‪158‬‬ ‫السومريون‬

‫إىل أن املدينــة كانــت مــا تــزال تكافــح حتــى بعــد جفــاف القنــاة‪.‬‬
‫وميكــن للمــرء أن يتخيــل االنخفــاض التدريجــي يف عــدد الســكان‪ ،‬إذ‬
‫أصبحــت امليــاه أكــر نــدرة‪ ،‬وتوقــف اإلنتــاج الزراعــي‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪159‬‬

‫مصادر الفصل السابع‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬آدمــز‪ ،‬روبــرت مــاك(‪ .)1984‬أطــراف بغــداد‪ ،‬تاريــخ االســتيطان يف ســهول‬
‫د�يــإىل‪ .‬ترجمــة‪ ،‬صالــح أحمــد العــي وآخــرون‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪3 .‬إسامعيل‪ ،‬بهيجة خليل(‪.)1985‬الكتابة ‪ ،.‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪.1‬بغداد‪.‬‬
‫‪4 .‬األعظمــي‪ ،‬محمــد (‪.)1999‬معبــد أي‪ -‬أنــا يف نفــر( عــر فجــر الســاالت)‪،‬‬
‫مجلــة كليــة اآلداب‪ ،‬العــدد ‪ .45 ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪5 .‬اوبنهايم ‪ ،‬ليو(‪ .)1981‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬سعدي فييض عبد الرزاق‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪6 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد وجني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪7 .‬اونكر‪ ،‬ايكارد(‪ .)1953‬إدبا وأريدو‪ .‬ترجمة محمود األمني ‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪.1‬‬
‫‪8 .‬أور جيســون والحمــداين عبــد األمــر (‪ .)2014‬أمنــاط االســتيطان يف ســومر‬
‫واكــد‪ .‬مجلــة ســوبارتو‪ ،‬ع ‪.8‬‬
‫‪9 .‬باقــر‪ ،‬طــه(‪ .)1939‬تقريــر عــن أعــال البعثــة األملانيــة يف الــوركاء‪ ،‬تقريــر‬
‫رقــم ‪ .1939 ،53‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪ 10 .‬باقــر‪ ،‬طــه(‪ .)1939‬تقريــر عــن أعــال البعثــة األملانيــة يف الــوركاء‪ ،‬تقريــر‬
‫رقــم ‪ .1939 ،56‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪ 11 .‬باقــر‪ ،‬طــه(‪ .)1939‬تقريــر عــن أعــال البعثــة األملانيــة يف الــوركاء‪ ،‬تقريــر‬
‫رقــم‪ .1939 ،61‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪12 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫ ‪13 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪14 .‬بصمجي‪ ،‬فرج ( ‪ .)1960‬الوركاء‪ .‬سومر‪ ،‬مج ‪ ،11‬ج‪.1‬‬
‫ ‪15 .‬برستيد‪ ،‬هرني جيمس(‪ .)2010‬انتصار الحضارة‪ .‬ترجمة أحمد فخري‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪16 .‬بوتــس‪ ،‬دانيــال(‪ .)2006‬حضــارة وادي الرافديــن‪ ،‬األســس املاديــة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪160‬‬ ‫السومريون‬

‫ ‪17 .‬بوتــرو‪ ،‬جــن وآخــرون (‪ .)1986‬الــرق االدىن الحضــارات املبكــرة‪ .‬ترجمــة‪،‬‬


‫عامــر ســليامن‪ ،‬املوصــل‪.‬‬
‫ ‪18 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان(‪ .)1990‬بــاد الرافدين(الكتابــة‪ -‬العقل‪،‬اآللهــة)‪ .‬ترجمــة البــر‬
‫أبونــا‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬جــرك‪ ،‬أوســام بحــر(‪ .)1998‬الزقــورة ظاهــرة حضاريــة مميــزة يف العــراق‬
‫القديــم‪ .‬رســالة ماجســتري غــر منشــورة‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب‪ ،‬قســم اآلثــار‪.‬‬
‫بغــداد‪.‬‬
‫ ‪ 20 .‬الدبــاغ‪ ،‬تقي(‪.)1988‬مــن القريــة إىل املدينــة‪ .‬موســوعة املدينــة والحيــاة‬
‫املدنيــة ‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪21 .‬دوبلهوفــر‪ ،‬أرنســت(‪ .)1982‬رمــوز ومعجــزات‪ .‬ترجمــة‪ ،‬عــاد حاتــم‪،‬‬
‫طرابلــس‪ ،‬ليبيــا‪.‬‬
‫ ‪22 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪23 .‬رشيد‪ ،‬فوزي(‪ .)1972‬قواعد اللغة السومرية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬رو‪ ،‬جورج (‪ .)1984‬العراق القديم‪ .‬ترجمة‪ ،‬حسني علوان حسني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪25 .‬ساكز‪ ،‬هاري (‪ .)2008‬عظمة بابل ‪ .‬ترجمة‪ ،‬خالد اسعد ‪.‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪26 .‬سفر‪ ،‬فؤاد(‪ .)1940‬حفريات العقري‪ ،‬تقرير حقيل‪ ،‬رقم ‪.1940 ،1‬‬
‫ ‪27 .‬سفر‪ ،‬فؤاد(‪ .)1945‬حفريات العقري‪ .‬مجلة سومر‪ ،‬عدد ‪ ،1‬ج ‪.1‬‬
‫ ‪28 .‬ســفر‪ ،‬فــؤاد( ‪.)1947‬حفريــات مديريــة اآلثــار القدميــة يف أريــدو‪ .‬مجلــة‬
‫ســومر‪ ،‬عــدد ‪ ،3‬ج ‪.2‬‬
‫ ‪29 .‬ســفر‪ ،‬فــؤاد‪ ،‬باقــر‪ ،‬طــه(‪ .)1962‬املرشــد إىل مواطــن اآلثــار والحضــارة‪ ،‬الرحلــة‬
‫األوىل‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪30 .‬سليامن‪،‬عامر(‪ .)2000‬الكتابة املسامرية ‪ .‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪31 .‬سوســة‪ ،‬سوســة ( ‪ .)1981‬تاريــخ حضــارة وادي الرافديــن يف ضــوء املشــاريع‬
‫الزراعيــة‪ .‬بغــداد‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫السومريون‬ ‫‪161‬‬

‫ ‪32 .‬ســليامن‪ ،‬توفيــق(‪ .)1985‬دراســات يف حضــارات غــرب آســيا القدميــة‪ ،‬مــن‬


‫أقــدم العصــور إىل عــام ‪ 1190‬ق‪.‬م‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪33 .‬رو‪ ،‬جــورج(‪ .)1998‬لغــز مقــرة أور الكبــر‪ .‬ترجمــة‪ ،‬مــازن اكــرم فاضــل‪ ،‬آفــاق‬
‫عربية‪ ،‬عد‪.12-11‬‬
‫ ‪34 .‬ساكز‪ ،‬هاري(‪ .)1979‬عظمة بابل‪ .‬ترجمة‪ ،‬عامر سليامن‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪35 .‬سكر‪ ،‬عزمي(‪ .)1999‬السومريون يف التأريخ‪ .‬بريوت‬
‫ ‪36 .‬ســعيد‪ ،‬مؤيــد(‪ .)1988‬املــدن الدينيــة واملعابــد‪ .‬يف‪ .‬املدينــة والحيــاة املدنيــة‪.‬‬
‫ج‪ ،1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪37 .‬ســعيد ‪ ،‬مؤيــد (‪ .)1985‬املدينــة يف عــر فجــر الســاالت حتــى نهايــة العــر‬
‫البابــي الحديــث‪ .‬ج ‪ ، 3‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪38 .‬رشيــف‪ ،‬إبراهيم(بــا)‪ .‬املوقــع الجغــرايف للعــراق وأثــره يف تاريخــه العــام‬
‫حتــى الفتــح االســامي‪ .‬ج ‪ ،1‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪39 .‬الصيواين‪ ،‬شاه محمد عيل(‪ .)1976‬أور بني املايض والحارض‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪40 .‬الطعان‪ ،‬عبد الرضا(‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪41 .‬عبــد الكريــم‪ ،‬عبــد اللــه (‪ .)1974‬مالمــح الوجــود الســامي يف جنــويب العـراق‬
‫قبــل تأســيس الدولــة األكديــة‪ .‬ســومر‪ ،‬مــج ‪ ،30‬عــد ‪.2، 1‬‬
‫ ‪42 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري وآخــرون (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الــرق األدىن‪.‬‬
‫ترجمــة ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‬
‫ ‪ 43 .‬لويد‪ ،‬سيتني (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ ،‬سامي سعيد األحمد‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪44 .‬لنــزن‪ ،‬هانريــش(‪ .)1989‬العــارة يف منطقــة أي‪-‬أنــا يف عــر الطبقــة الرابعــة‬
‫ملدينــة الــوركاء‪ .‬ترجمــة‪ ،‬عبــد الــرزاق كامــل‪ ،‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪.46.‬‬
‫ ‪45 .‬ماثيــوس‪ ،‬روجــر‪ ،‬شــاكر‪ ،‬برهــان(‪ .)1988‬التنقيبــات يف جمــدة نــر‪ ،‬املوســم‬
‫األول‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪46 .‬ماثيــوس‪ ،‬روجــر(‪ .)2015‬آثــار بــاد الرافديــن‪ .‬نظريــات ودراســات‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫‪162‬‬ ‫السومريون‬

‫محمــد صــري عبــد الرحيــم‪ ،‬بغــداد‪.‬‬


‫ ‪47 .‬مالــوان‪ ،‬ماكــس(‪ :.)2001‬حضــارة عــر فجــر الســاالت يف الع ـراق‪ .‬ترجمــة‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪48 .‬مارغــرون‪ ،‬جــان كلــود( ‪ .)1999‬الســكان القدمــاء لبــاد مــا بــن النهريــن‬
‫وســوريا الشــالية‪ .‬ترجمــة‪ ،‬ســامل ســليامن العيــى‪ ،‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪49 .‬مــكاي‪ ،‬دوريث(‪ .)1952‬مــدن العــراق القدميــة‪ .‬ترجمــة‪ ،‬يوســف يعقــوب‬
‫مســكوين‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪50 .‬املتــويل‪ ،‬نوالــة احمــد محمــود(‪ .)1994‬مدخــل يف دراســة الحيــاة االقتصاديــة‬
‫لدولــة أور الثالثــة ‪ .‬اطروحــة دكتــوراه غــر منشــورة ‪ ،‬جامعــة بغــداد ‪ ،‬كليــة اآلداب‪.‬‬
‫ ‪51 .‬مورتــكات‪ ،‬أنطــوان(‪ .)1967‬تاريــخ الــرق االدىن القديــم‪ .‬ترجمــة‪ .‬توفيــق‬
‫ســليامن وآخــرون‪ ،‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪52 .‬مهدي‪ ،‬عيل(‪ .)1975‬دور املعبد يف املجتمع العراقي القديم ‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪53 .‬نيســن‪،‬هانز(‪ .)1966‬املقــرة امللكيــة يف أور وموقعهــا الزمنــي ضمــن التاريــخ‬
‫البابــي‪ .‬ترجمــة‪ ،‬فــوزي رشــيد‪ ،‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج‪ .22‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪54 .‬اليــارسي‪ ،‬حميــد يــارس وآخــرون(‪ .)2007‬الوركاء‪-‬حضارتهــا‪ ،‬بيئتهــا‪ ،‬تخطيطهــا‪.‬‬
‫مجلــة كليــة اآلداب‪ .‬العــدد ‪ .80‬بغداد‪.‬‬

‫‪55 .‬‬ ‫‪Adams, R.M(1958).Survey of ancient water courses and Settlement in‬‬
‫‪central Iraq.Sumer,Vol,14,No,2.‬‬
‫‪56 .‬‬ ‫‪Adams, R.M(1965). Land behind Baghdad. A history of settlement on‬‬
‫‪the Diyala plains. Chicago & London.‬‬
‫‪57 .‬‬ ‫‪Adams,R.M(1966).The Evolution of Urban Society: Early Mesopotamia‬‬
‫‪and prehistoric in Mexico. Chicago.‬‬
‫السومريون‬ 163

58 . Adams,R,M & Nissen,H.J(1972). Uruk countryside. The Natural


setting of Urban Societies. Chicago & London.
59 . Algaze, G (1963).The Uruk world system, the dynamics of expansion
of early Mesopotamian civilizations. Chicago.
60 . Algaze,G(2001). Initial social complexity in Southwestern Asia .The
Mesopotamia advantage. Current Anthropology,Vol,42.
61 . Buringh,P(1957). Living conditions in the lower Mesopotamia Plain
in Ancient Times.Sumer,Vol,13
62 . Calvet, Y (19851986-). The new deep sounding X 36 at tell El Oueili.
Sumer,Vol.44,No.1.
63 . Childe, G(1935). New light on the most ancient East .London.
64 . Charpin, D(2000).The History of Ancient Mesopotamia Civilizations
of the Ancient Near East. New York.
65 . Cottrell, L(1962). The Land of the Two Rivers. America.
66 . Crawford. Harriet(2015).Ur the city of the Moon god. London, New York.
67 . Diakanoff.I.W(1991). Early Antiquity. Chicago.
68 . Espak,P(2010).The God Enki in Sumerian Royal Ideology and
Mythology. Estonia.
69 . Falkenstein, A(1975). The Sumerian Temple city, 1954. Translation by
Ellils, M., California.
70 . Finnegan, J(1959).Light from the Ancient past. London.
71 . Green, M. W(1975). Eridu in Sumerian Literature. Chicago.
164 ‫السومريون‬

72 . Hallo, W. W(1963). The Excavation of Inanna. New Haven.


73 . Karlovsky, C, Gl. And Sobloff, J. A(1974). The Rise and Fall of
Civilization. California.
74 . Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.
75 . Jacobsen, Th(1976). The Treasures of Darkness, A History of
Mesopotamia Religion. London.
76 . Nissen,H.J(1972).The City wall of Uruk.(In). Ucko,P.J.(ed). Man,
Settlement and urbanism.London.
77 . Nissen, H,J(1988).The early history of the near east 90002000- B.C.
Chicago& London.
78 . Nissen,H.J(1989).The Ubaid period in the context of the Early
history of the Near East.(In). Henrickson,E.F and Thuesen,I.(ed). Upon this
Foundation the Ubaid reconsidered. Copenhagen.
79 . McMahon, A(2005). From Sedentism to state, 10,000 – 3,000 BCE. In.
A companion to the Ancient Near East.(ed).Snell,D.C. Blackwell Publ., USA.
80 . Mellart,J(1967). The earliest civilizations in the near east.NewYork.
81 . Olivier,A (1983). Mesopotamia Architecture from the 7th to the 4th
millennia . Sumer,Vol, 42.
82 . Oates,J(1993).Trade and Power in fifth and fourth Millennia B.C: New
evidence from Northern Mesopotamia. World Archaeology,Vol, 24.
83 . Redman,C.L(1978). The Rise of Civilization: from Early farmers to
Urban Society in the Ancient Near East. USA.
‫السومريون‬ 165

84 . Safar, F & Mustafa, M & Lloyed, S (1981). Eridu. Baghdad.


85 . Sollberger, E(1967).The Rulers of Lagaš. JCS, Vol. 21, pp. 279288-.
86 . Zarins,J ( 1992). The Early Settlement of Southern Mesopotamia:
A Review of Recent Historical,Geological, and Archaeological Research.
Journal of the American Oriental society,Vol,112.
87 . Wallker,C.B.(1981).Cuneiform Brick inscriptions. London
88 . Woolly, L(1934). Ur Excavations, the Royal Cemetery. Vol. II, London.
89 . Woolly, L(1955). Ur Excavations, The Early Period. London and
Philadelphia, Vol. IV.
90 . Woolly, L(1963). Excavations at Ur.London.
‫‪166‬‬ ‫السومريون‬

‫(‪)8‬‬
‫شخصيات سومرية خالدة‬

‫‪ 8-1‬كَلكَامش‬
‫يبقــى گلگامــش واحــدا ً مــن أعظــم الشــخصيات العامليــة عــر‬
‫التأريــخ‪ ،‬ومــن املؤكــد أنــه األعظــم بــن الســومريني‪ .‬وهــو فــارس العــامل‬
‫القديــم مــن دون منــازع‪ ،‬واملغامــر يف ســبيل الذكــر والفخــر والبقــاء‪.‬‬
‫وهــو خامــس ملــوك ســالة الــوركاء األوىل‪ ،‬وميكــن أن يكــون القــرن‬
‫الســادس والعرشيــن ق‪.‬م هــو زمــن وجــوده‪ ،‬وتســجل األحــداث أنــه‬
‫أخضــع مدينــة كيــش يف زمــن ملكهــا آگا وجعلهــا تابعــة ملدينــة الــوركاء‬
‫العظيمــة‪ .‬وقــد كان ملــكاً عظي ـاً بنــى أســوار الــوركاء الخالــدة‪.‬‬
‫كتــب أســمه باملقاطــع الرمزيــة الســومرية‪ ،‬وعــادة مــا كان مســبوقاً‬
‫بالعالمــة الدالــة عــى اآللهــة‪ ،‬وهــي عالمــة الســومرية (‪،)Dingir‬‬
‫ويعادلهــا باللغــة األكديــة (‪ .)ilu‬ومــن املعــروف أن هــذه العالمــة‬
‫عــادة مــا ســبقت أســاء بعــض ملــوك بــاد الرافديــن يف أثنــاء حياتهــم‪،‬‬
‫وعليــه فإنهــا رمبــا اســتعملت لغــرض التعظيــم والتبجيــل وليــس رشطـاً‬
‫أن تكــون داللــة عــى األلوهيــة‪ .‬ويصعــب تقديــم معنــى محــدد لهــذا‬
‫االســم إال أن عــامل املســاريات األملــاين فلكنشــتاين يعتقــد أنــه يعنــي‬
‫(املعمر«يبقــى» شــاباً) (الشــكل ‪ :‬رقــم ‪.) 14‬‬
‫ويبــدو أنــه حكــم يف عــر الســاالت املبكــرة الثالــث يف نحــو ‪2600‬‬
‫السومريون‬ ‫‪167‬‬

‫ق‪.‬م‪ ،‬ورمبــا قبــل هــذا التأريــخ بقليــل‪ ،‬وتشــر قوائــم أو أثبــات امللــوك‬
‫الســومريني إىل أن گلگامــش كان أحــد ملــوك مدينــة الــوركاء‪ ،‬والتــي‬
‫ذكــرت باســم «أي‪ -‬أنَّــا» كــا أرشنــا‪ ،‬وهــي أحــد أقســام مدينــة الــوركاء‪،‬‬
‫يف حــن شــكلت «ك َُلب» القســم الثــاين مــن املدينــة‪ .‬وتعــد ســالة‬
‫الــوركاء هــي الســالة امللكيــة الثانيــة يف البــاد بعــد الطوفــان‪ .‬وينســب‬
‫تشــييد هــذه املدينــة عــى وفــق مــا جــاء مــن أحــداث يف هــذه األثبــات‬
‫إىل امللــك أينمــرگار ابــن مؤســس هــذه الســالة‪ .‬ويعــد امللــك الثالــث يف‬
‫هــذه الســالة لوگال‪-‬بنــدا جــد امللــك گلگامــش‪ ،‬وأبنــه دمــوزي‪ ،‬صائــد‬
‫الســمك‪ ،‬ومــن بعــده گلگامــش‪ ،‬الــذي يعــرف بأنــه ابــن لُــا(‪)Lulla‬‬
‫وأنــه حكــم ‪ 126‬ســنة‪ .‬ويــأيت بعــد گلگامــش ســبعة ملــوك آخرهــم‬
‫لوگال‪-‬كــدو‪ ،‬وبــه ينتهــي حكــم هــذه الســالة وتنتقــل امللوكيــة إىل‬
‫ســالة أور األوىل عــى وفــق أثبــات امللــوك الســومريني‪.‬‬
‫ومــع أنــه عــى وفــق رؤيــة مــدوين هــذه القوائــم كانــت ســاالت‬
‫كيــش والــوركاء وأور متعاقبــة‪ ،‬وأن إحداهــا تولــت مقاليــد الحكــم بعــد‬
‫أن رضبــت وســيطرت عــى ســابقتها‪ ،‬إال أن األدلــة واملعطيــات األثريــة‬
‫والتأريخيــة تشــر إىل أن الســاالت كانــت متعــارصة جزئيـاً‪ ،‬وال ســيام يف‬
‫عهــد گلگامــش‪ .‬إذ نعــرف أنــه كان معــارصا ً آلخــر ملــوك ســالة كيــش‬
‫امللــك اكّا أو اگّا (‪ .)Agga‬كــا أنــه كان معــارصا ً ملؤســس ســالة أور‬
‫األوىل ميــس‪ -‬انيب ـ ّدا‪.‬‬
‫إن مــا يعــرف مــن معلومــات تاريخيــة‪ ،‬وهــي قليلــة جــدا ً‪ ،‬عــن‬
‫امللــك گلگامــش جــاءت مــن نــص يعــرف بنص«تُ ّــال»‪ ،‬يتكــون مــن‬
‫‪168‬‬ ‫السومريون‬

‫نحــو ‪ 34‬ســطرا ً‪ ،‬وقــد عــر عــى نســخة منــه يف مدينــة نفــر‪ ،‬ويــؤرخ‬
‫مــن العــر البابــي القديــم‪ .‬ويتعلــق بأعــال بنــاء وترميــم قــام بهــا‬
‫مجموعــة مــن امللــوك ملنطقــة «تُ ّــال» املقدســة املخصصــة لإللهــن‬
‫أنليــل وزوجتــه ننليــل يف هــذه املدينــة‪ .‬ويذكــر هــذا النــص أن امللــك‬
‫گلگامــش شــيد جــزءا ً مــن معبــد أنليــل‪ ،‬كــا أن ابنــه أور‪ -‬لــوگال قــام‬
‫برتميــم منطقــة «تُ ّــال»‪.‬‬
‫ويبــدو أن غمــوض املعلومــات التاريخيــة وقلتهــا انعكســت يف‬
‫الجانــب اآلخــر املعــروف عــن هــذا امللــك‪ ،‬ونعنــي بــه الجانــب‬
‫األســطوري‪ .‬إذ مــن املعــروف أن هنــاك الكثــر مــن النصــوص األدبيــة‬
‫والدينيــة التــي تتنــاول جوانــب مــن شــخصيته‪ ،‬وتعــرض فصــوالً مــن‬
‫ســرته‪ .‬وال شــك أن أهمهــا وأبرزهــا امللحمــة الشــهرية التــي تعــرف‬
‫باســمه‪ .‬وقــد ســبق تدويــن امللحمــة سلســلة مــن النصــوص التــي‬
‫تــؤرش تطــور األفــكار التــي تــدور حــول هــذا امللــك‪ ،‬فبعــد موتــه‬
‫بنحــو مائــة عــام تقريبـاً يظهــر اســمه عــى رقيــم طينــي عــر عليــه يف‬
‫رشوبــاك (تــل فــارة)‪ ،‬دونــت عليــه قامئــة بأســاء آلهــة‪ ،‬ومــن ثــم وبعــد‬
‫أربعــة قــرون يظهــر اســمه يف نــص ســومري عــرف ﺑ(مــوت أور‪-‬منــو)‬
‫بصفتــه أحــد آلهــة العــامل الســفيل‪ .‬وبعدهــا ويف أثنــاء القــرون الخمســة‬
‫الالحقــة بــدأت تظهــر أوىل املؤلفــات الســومرية واألكديــة عنــه‪ ،‬ورمبــا‬
‫كان يتــم تداولهــا شــفاهياً لبضعــة قــرون‪ .‬ويف نحــو ‪ 1300‬ق‪.‬م ظهــرت‬
‫النســخة النموذجيــة للملحمــة التــي نســخها ســن‪-‬ليقي‪-‬اونيني‪ ،‬ومــن‬
‫مثــة أصبحــت ال ُنســخ مــن هــذه امللحمــة يف التــداول يف أثنــاء العــر‬
‫اآلشــوري الحديــث‪ ،‬وبعــد مــرور مــا يقــرب عــن ثالثــة قــرون كانــت‬
‫السومريون‬ ‫‪169‬‬

‫النســخ البابليــة املتأخــرة عــن امللحمــة موجــودة يف مدينتــي بابــل‬


‫والــوركاء‪ .‬ودونــت آخــر نســخة بابليــة يف نحــو ‪ 130‬ق‪.‬م مــن امللحمــة‬
‫مــن بيــل‪ -‬ا ّخــي‪-‬اورص‪ ،‬أي بعــد مــوت گلگامــش بنحــو ‪ 2450‬ســنة‪.‬‬
‫ـب ذكــره وأســتمر يف كتابــات الكتّــاب الكالســيكيني‪ ،‬إذ جــاء‬
‫ومل يخـ ُ‬
‫ذكــره يف القــرن الثــاين امليــادي يف كتــاب كلوديــوس اليانــوس بصيغــة‬
‫(گلگامــوس)‪ ،‬ومــن ثــم عــام ‪ 893‬م جــاء ذكــره بصيغــة گميمــوس يف‬
‫أثبــات ثيــودور برخــوين اآلراميــة للملــوك البابليــن‪ .‬وبعــد مــا يقــارب‬
‫ألــف عــام بعــث گلگامــش وملحمتــه مــن جديــد عندمــا كشــف عــن‬
‫ألــواح هــذه امللحمــة يف نينــوى عــام ‪ 1872‬م‪ ،‬وتوالــت االكتشــافات‪،‬‬
‫ومــن املؤكــد أن خبايــا وكنــوز أرض الرافديــن حبــى باملزيــد مــن اإلثارة‬
‫والتواصــل يف معــن ال ينضــب مــن البهــاء والخلــود‪.‬‬
‫وكــا أوردنــا أعــاه تعــود بدايــة الكشــف عــن محتــوى امللحمــة إىل‬
‫عــام ‪1872‬م حينــا تعــرف الســيد جــورج ســميث عــى جــزء مــن قصــة‬
‫الطوفــان‪ ،‬وهــي موضــوع اللــوح الحــادي عــر مــن امللحمــة‪ ،‬كان قــد‬
‫دون عــى كــرة مــن لــوح مــن بــن الكــر املكتشــفة يف تــل قوينجــق‪،‬‬
‫وهــو التــل الرئيــس يف موقــع العاصمــة اآلشــورية الشــهرية نينــوى‪.‬‬
‫وقــد حظيــت امللحمــة بشــهرة عامليــة واســعة وترجمــت إىل لغــات‬
‫عــدة‪ ،‬وكانــت مــدار مناقشــات يف مؤمتـرات ومنتديات علميــة وأكادميية‪،‬‬
‫وكتبــت عنهــا مئــات الكتــب والبحــوث والدراســات‪ .‬ويبــدو مــن مجمل‬
‫مــا كشــف مــن امللحمــة أن هنــاك روايتــن رئيســيتني؛ أولهــا روايــة‬
‫رشي» أي‬ ‫العــر البابــي القديــم التــي حملــت عنــوان «شــوت ُر ايــل ّ‬
‫‪170‬‬ ‫السومريون‬

‫(املتفــوق عــى امللــوك)‪ ،‬وثانيهــا روايــة العــر البابــي الوســيط التــي‬


‫ايــر» أي (هــو الــذي رأى املنبــع)‪ .‬وتتفــق‬
‫«ش نگــب ُ ُ‬ ‫حملــت عنــوان َ‬
‫الروايتــان يف الــرد العــام لحــوادث امللحمــة‪ ،‬وتســتكمل النواقــص يف‬
‫كليهــا مــن بعضهــا بعض ـاً‪.‬‬
‫تبــدأ تفاصيــل امللحمــة يف اللــوح األول بتمجيــد گلگامــش وتفوقــه‬
‫يف املعرفــة واإلعــار مــع وصــف ملدينــة الــوركاء ومتجيــدا ً لهــا ووصــف‬
‫أســوارها ومعابدهــا‪ .‬وتــرد بعدهــا تفاصيــل مغامراتــه األوىل مــن أجــل‬
‫الوصــول إىل زيســودرا (أوتا‪-‬نبشــتوم) بطــل قصــة الطوفــان يف بحثــه عــن‬
‫الخلــود‪ .‬وتشــر التفاصيــل إىل متتــع هــذا امللــك بالقــوة واللياقــة البدنيــة‬
‫والعقليــة العاليــة‪ .‬وتعــرج عــى جانــب آخــر مــن شــخصيته وهــو‬
‫الجانــب العبثــي املرتبــط بوطــأة حكمــه وجــوره عــى ســكان مدينتــه‬
‫وارهاقهــم بالحــروب واألعــال الكثــرة حتــى أنهــم شــكوه إىل كبــر آلهــة‬
‫الــوركاء «آن» واإللهــة‪-‬األم ننخرســاگ امللقبــة ﺑـ(أرورو)‪ ،‬فتعمــل األخــرة‬
‫عــى خلــق نــد ونظــر لــه الــذي عــرف ﺑـ(أنكيــدو)‪ .‬وخلــق هــذا النــد من‬
‫الطــن ليكــون بهيئــة املتوحــش‪ ،‬وكان جســمه يكســوه الشــعر‪ ،‬وشــعر‬
‫رأســه طويــاً مــع خصــل متطايــرة مثــل ســنابل الحقــل كــا يــرد يف‬
‫النــص‪ .‬ويرتــدي مالبــس تشــبه مالبــس ســموقان‪ ،‬إلــه الجبــل والحيوانــات‬
‫الوحشــية‪ .‬ويشــاهد أحــد صيــادي الــوركاء هــذا الوحــش البــري مــع‬
‫الحيوانــات‪ ،‬ويبــدأ مبراقبتــه‪ ،‬وحــن يكتشــف أنكيــدو يف اليــوم الثالــث‬
‫وجــود الصيــاد يفــر مــع الحيوانــات والوحــوش إىل أوكارهــا‪.‬‬
‫ونشــر هنــا إىل أن شــخصية أنكيــدو ميكــن أن تكــون ضمــن إطــار‬
‫مفهــوم التطــور الــذي متســك بــه العراقــي القديــم‪ ،‬وميثــل يف الجوهــر‬
‫السومريون‬ ‫‪171‬‬

‫الخــط التطــوري للشــعوب بصــورة عامــة‪ .‬إذ أرشنــا كيــف أن اإللهــة‬


‫األم اورورو خلقــت نظــر البطــل الســومري گلگامــش مــن قبضــة مــن‬
‫الطــن ورمتهــا يف الربيــة حيــث خلــق أنكيــدو ليعيــش بالفطــرة حيــاة‬
‫بدائيــة مــع الحيوانــات ويــأكل العشــب ويتدافــع مــع الوحــوش عنــد‬
‫مــورد امليــاه‪ .‬وعليــه ميكننــا أن نتلمــس أن تطــور حيــاة هــذا الكائــن‬
‫تــؤرش مراحــل تطــور الشــعوب مــن البدائيــة إىل املدنيــة والتحــر‪.‬‬
‫وســرى أن اتصــال أنكيــدو بالغانيــة «شــمخة»‪ ،‬رمبــا ميثــل حالــة‬
‫االتصــال بالحضــارة‪ .‬إذ يشــر الباحــث الــرويس دياكونــوف أن أنكيــدو‬
‫مخلــوق مــن الطــن عــى غ ـرار البــر جميع ـاً عــاش مرحلــة التطــور‬
‫الرضوريــة للبرشيــة‪ ،‬الحيــاة الربيئــة‪ ،‬حيــاة الرعــي‪ ،‬فهــو ليــس إنســاناً‬
‫فقــط وإمنــا هــو إنســان منوذجــي‪ ،‬إنــه رمــز للشــعوب وهــي تخضــع‬
‫للتطــور‪ .‬ويــرى الباحــث الــرويس اآلخــر ترافيمــوف أن البغــي تــؤدي‬
‫دور حاملــة البدايــة الحضاريــة‪ ،‬فهــي مــن علمتــه الحــرف الحضاريــة‪،‬‬
‫وتنــاول الطعــام مثــل الخبــز‪ ،‬وتنــاول املــروب املســكر (نــوع مــن‬
‫النبيــذ)‪ ،‬فض ـاً عــن ارتــداء املالبــس‪.‬‬
‫وبالعــودة إىل تفاصيــل امللحمــة نعــرف أن الصيــاد وبعــد مشــورة‬
‫أبيــه يذهــب إىل مدينــة الــوركاء ويخــر گلگامــش بقصــة هــذا املخلــوق‪،‬‬
‫فيطلــب منــه األخــر أن يصطحــب معــه الغانيــة «شــمخة» والتــي‬
‫يعنــي اســمها (الفاتنــة)‪ ،‬ومــن معــاين اســمها األخــرى (الغاويــة)‪ ،‬مــن‬
‫أجــل اإليقــاع بأنكيــدو‪ ،‬فتغريــه عــى معارشتهــا ملــدة ســتة أيــام وســبع‬
‫ليــا ٍل األمــر الــذي جعــل الحيوانــات تفــر منــه‪ ،‬ومل يعــد قــادرا ً عــى‬
‫مجاراتهــا‪ .‬ويبــدو أن فقدانــه للطاقــة الجســدية تــم تعويضــه بتطــور‬
‫‪172‬‬ ‫السومريون‬

‫طاقتــه وامكانياتــه العقليــة‪ ،‬وأصبــح ميلــك الحكمــة‪ .‬ثــم يعــود إىل‬


‫الغاويــة فتطلــب منــه العــودة معهــا إىل الــوركاء ملقابلــة ملكهــا العظيــم‬
‫گلگامــش‪ ،‬ويدخــل يف مرحلــة التحــدي ومواجهــة بطــل الــوركاء‪.‬‬
‫يــرى گلگامــش يف هــذه األثنــاء حلــاً مفــاده أن نجــاً مــن بــن‬
‫نجــوم الســاء يســقط عليــه‪ ،‬وحــن يحــاول تحريكــه يعجــز عــن ذلــك‬
‫لثقلــه‪ .‬ويتجمــع أهــل املدينــة حــول النجــم ويقبلــون قدميه مثــل طفل‬
‫صغــر‪ ،‬ويحنــو عليــه گلگامــش‪ ،‬مثــل امــرأة‪ ،‬ثــم يضعــه عند قدمــي أمه‬
‫التــي تجعلــه مســاوياً لــه‪ .‬وتفــره أمــه اإللهــة ننســون الحلــم وتخــره‬
‫أن النجــم الــذي شــاهده هــو رفيــق لــه يكــون قوي ـاً وينقــذ الصديــق‬
‫عنــد الخطــر‪ .‬ويــرى حلـاً أخـرا ً تفــره أمــه مبــا يقــارب التفســر األول‬
‫عــن صديــق ويف ينقــذه عنــد املخاطــر‪ .‬ورمبــا يعــر عــن رغبــة گلگامــش‬
‫بوجــود صديــق قريــب يخلــص لــه املشــورة‪.‬‬
‫ويصــف اللــوح الثــاين لقــاء النظرييــن ويتضمــن تكــرار لروايــة‬
‫الحلمــن وتفســرهام‪ ،‬كــا يشــر إىل تفاصيــل عــن لقــاء شــمخة بأنكيــدو‬
‫ومعارشتهــا لــه‪ ،‬ومــن ثــم دعوتــه للذهــاب إىل الــوركاء‪ ،‬وكيــف أنهــا‬
‫كســته بالثيــاب‪ ،‬وكيــف التقــى يف املخيــم بالرعــاة‪ ،‬وكيــف أنهــم كانــوا‬
‫يتهامســون حــول الشــبه بينــه وبــن گلگامــش‪ ،‬وكذلــك تفاصيــل عــن‬
‫تهذيبــه وتعليمــه نظــام األكل والــرب ومــن ثــم حالقــة شــعره‪ ،‬ثــم يــرد‬
‫حــدث العــرس وكيــف أنــه أغضــب أنكيــدو ألنــه علــم أن گلگامــش هــو‬
‫مــن يعــارش العــروس قبــل زوجهــا‪ ،‬وثــم يدخــل املدينــة ويعمــل عــى‬
‫منــع گلگامــش مــن دخــول بيــت األعـراس‪ ،‬وتحــدث املواجهــة ويتجمــع‬
‫النــاس ملشــاهدة الحــدث العظيــم‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪173‬‬

‫ويبــدأ الــراع العظيــم بــن البطلــن وفجــأة يتوقــف گلگامــش عــن‬


‫القتــال ويجثــو عــى ركبــة واحــدة ويهــدأ غضبــه‪ .‬ويطلــق أنكيدو مــن جانبه‬
‫عبــارات التمجيــد والــوالء ﻟگلگامــش‪ .‬ويحــث أنكيــدو نظــره گلگامــش عــى‬
‫الســمو عــن رغابتــه وأن يقــوم بأعــال ومآثــر مل يســبق للبــاد أن شــهدتها‪،‬‬
‫فيوافــق گلگامــش‪ ،‬وتبــدأ قصــة الصداقــة العظيمــة بينهــا‪.‬‬
‫ويقــرح بعدهــا گلگامــش عــى صديقــه أنكيــدو الذهــاب ملقاتلــة‬
‫الوحــش خمبابــا الــذي وضعــه اإللــه أنليــل حارسـاً عــى أشــجار غابــات‬
‫األرز‪ .‬ومــع أن أنكيــدو يعــرف قــوة هــذا الوحــش املخيــف ويعــدد‬
‫مزايــاه وأن بعــض اآللهــة تهابــه وال تقــدر عليــه‪ ،‬إال أنــه يســتجيب‬
‫لرغبــة صديقــه الــذي أقنعــه أن البــر أيامهــم معــدودة يف الحيــاة وأن‬
‫مــا يفعلونــه مجــرد هــواء‪.‬‬
‫وبعــد أن يحــر الصديقــان ســاحهام يجتمــع گلگامــش بســكان‬
‫مدينتــه ويخاطــب الشــيوخ برغبتــه وعزمــه عــى مقاتلــه الوحــش‬
‫املخيــف خمبابــا‪ ،‬وأنــه ســيقطع أشــجار األرز ويقيــم لنفســه أســاً‬
‫خالــدا ً‪ .‬ويطلــب مباركــة شــباب املدينــة ويتمنــى أن يعــود ويلتقــي بهــم‬
‫بعــد مغامرتــه هــذه‪ ،‬وأنــه ســوف يوســع احتفــاالت رأس الســنة‪ ،‬يف‬
‫حــن يطلــب صديقــه مــن الشــيوخ والشــباب ثنــي ملكهــم عــن هــذه‬
‫املغامــرة‪ ،‬فيقــوم الشــيوخ بالطلــب منــه بعــدم الذهــاب‪ ،‬وأنــه مــا يـزال‬
‫فتيـاً وال يعــرف العواقــب وال يــدري عــا يتحــدث‪ .‬فينظــر إىل أنكيــدو‬
‫ضاحــكاً وبســخرية مــن الشــيوخ‪ ،‬ألن مــا كان ينشــده ويتشــوق إليــه‬
‫يف حياتــه هــو الشــهرة الدامئــة واالســم الخالــد وليــس مجــرد الوجــود‬
‫والحيــاة الطويلــة الخاليــة مــن اإلثــارة والبطولــة‪ .‬وتســتمر األلــواح يف‬
‫‪174‬‬ ‫السومريون‬

‫رســم خــط ســر الرحلــة إىل غابــات األرز ومقاتلــة الوحــش خمبابــا‪.‬‬
‫ويبــدو أن البطــل الســومري اســتمتع بحيــاة املغامــرات فتتابعــت‬
‫الواحــدة بعــد األخــرى‪ .‬وتقــع اإللهــة أينانــا (عشــتار) يف غـرام البطــل‬
‫عنــد عودتــه إىل مدينتــه‪ ،‬فحاولــت إغرائــه وعرضــت عليــه جميــع أنــواع‬
‫الهبــات والخـرات‪ .‬ومــن الواضــح أن گلگامــش يعــرف أالعيبهــا ولهوهــا‬
‫وتقلبهــا يف هواهــا لــذا أخــذ يســخر منهــا ورفــض طلبهــا‪ .‬فلجــأت إىل‬
‫إلــه الســاء (آن) لريســل الثــور الســاوي ويســلطه عــى مدينة الــوركاء‪،‬‬
‫وبعــد مــداوالت وشــد وجــذب أرســل هــذا املخلــوق إىل مدينــة الــوركاء‬
‫ورشع بتدمريهــا وترويــع ســكانها وقتلهــم‪ ،‬فــا كان مــن الصديقــان‪،‬‬
‫گلگامــش وأنكيــدو‪ ،‬إال التصــدي لــه وقتلــه‪ .‬فبلغــا الــذرى وتغنــت‬
‫املدينــة مبآثرهــا وأمجادهــا‪ .‬ولكــن القــدر وتدابــره كان لهــا رأي‬
‫آخــر‪ ،‬فقــد قــررت وحكمــت اآللهــة عــى أنكيــدو باملــوت جـزاء تحديــه‬
‫إرادتهــا عــن طريــق قتــل خمبابــا والثــور الســاوي‪ ،‬فمــرض ملــدة أثنــي‬
‫عــر يوم ـاً ثــم مــات‪ .‬فحــزن گلگامــش وأصابــه الغــم ونالــت منــه‬
‫الكآبــة وبــدأ يفكــر بــأن مصــره ســيكون مثــل رفيقــه وهــو املــوت‪ ،‬وأن‬
‫ال ع ـزاء لــه عنــه بــكل شــهرته ومجــده ومآثــره املاضيــة‪ .‬فبــدأ يفكــر‬
‫بالخلــود والبقــاء األبــدي‪ ،‬وأن عليــه أن يبحــث عــن رس الخلــود‪ .‬فقــرر‬
‫أن يذهــب إىل الشــخص الوحيــد الــذي يعــرف أنــه نــال الخلــود مــن‬
‫بــن البــر‪ ،‬زيســودرا (اوتا‪-‬نبشــتم)‪ ،‬امللــك الحكيــم‪ ،‬الصالــح التقــي‪،‬‬
‫ملــك رشوبــاك‪ ،‬املدينــة القدميــة‪ ،‬إحــدى املــدن الخمــس امللكيــة التــي‬
‫كانــت يف الوجــود قبــل الطوفــان‪ .‬فيبــدأ رحلتــه يف البحــث عــن رس‬
‫الحيــاة الخالــدة ويهيــم يف الربيــة ويقطــع الفيــايف والجبــال ويصــارع‬
‫السومريون‬ ‫‪175‬‬

‫الحيوانــات والســباع الضاريــة‪ ،‬ويدخــل يف ممــر الرعــب املظلــم وبعــد‬


‫طــول عنــاء يخــرج إىل نــور الشــمس ويشــاهد أشــجار اآللهــة‪ ،‬ثــم يصــل‬
‫ســيدوري صاحبــة الحانــة‪ ،‬ويخربهــا بقصتــه ورغبتــه يف الوصــول إىل‬
‫زيســودرا (اوتا‪-‬نبشــتم) فتخــره أن ال أحــد عــر املحيــط الــذي يعيــش‬
‫خلفــه الرجــل الخالــد‪ ،‬ثــم ترشــده إىل أور‪-‬شــنب مــاح زيســودرا (أوتــا‪-‬‬
‫نبشــتم)‪ ،‬فيصحبــه األخــر عنــد الرجــل الحكيــم‪ ،‬فيصــل هنــاك هزيـاً‬
‫بشــعر طويــل أشــعث ويرتــدي جلــود الحيوانــات‪ ،‬وهــو ذلــك الحاكــم‬
‫املهــاب يف مدينتــه‪ ،‬ويقــف متوسـاً الرجل الصالــح أن يعلمــه رس الحياة‬
‫الخالــدة‪ .‬ودار حديثـاً طويـاً بــن الرجلــن أبــاح عــره زيســودرا (اوتــا‪-‬‬
‫نبشــتم) ببعــض أرسار اآللهــة‪ .‬وحــى لــه قصــة الطوفــان التــي حصلــت‬
‫يف مدينــة رشوباك(تــل فــارة) الواقعــة عــى نهــر الفـرات‪ ،‬والتــي كانــت‬
‫ذات يــوم مســتقرا ً لآللهــة املعظمــة‪ .‬ومــع أن قصــة الطوفــان يف اللــوح‬
‫الحــادي مــن ملحمــة گلگامــش تبــدو للوهلــة األوىل وقــد أقحمــت‬
‫عــى أحــداث امللحمــة‪ ،‬إال أنهــا يف الواقــع‪ ،‬قــد جــاءت يف انســجام تــام‬
‫مــع اإليقــاع املأســاوي للملحمــة‪ ،‬وأضافــت إليهــا أبعــادا ً ومعــانٍ خاصــة‬
‫تؤكــد عــى أن الخلــود رساب لــن ينالــه أحــد مــن البــر‪ .‬وتعــد قصــة‬
‫الطوفــان مــن أقــدم القصــص التــي رواهــا اإلنســان وترتبــط بتاريخــه‬
‫املبكــر‪ ،‬وهــي مــن أقــدم مــا نظــم شــعرا ً وخطــاً وكتابــة‪ .‬كــا تعــد‬
‫مــن أهــم النصــوص التــي وردت يف الكتــب الدينيــة عــى اختالفهــا‪.‬‬
‫واصطبغــت‪ ،‬بطبيعــة الحــال باللــون املحــي والنــزوع العقائــدي‪ .‬فهــي‬
‫تحمــل حمولــة الوثنيــة يف كتابــات قبــل األديــان الســاوية‪ ،‬وتنــزع إىل‬
‫التوحيــد يف الكتــب الســاوية‪ ،‬عــى اختــاف يف التصــور والتمثــل‪ .‬وأوىل‬
‫‪176‬‬ ‫السومريون‬

‫القصــص التــي وصلتنــا هــي قصــة الطوفــان الســومرية‪ -‬البابليــة‪.‬‬


‫وتشــر القصــة الســومرية عــن الطوفــان إىل حديــث أحــد اآللهــة‬
‫(أنــي) إىل مجموعــة مــن اآللهــة األخــرى عــا ســيفعل إلنقــاذ البرشيــة‬
‫مــن دمــار ماحــق وأنــه يريــد أن يرجــع النــاس إىل مواطــن ســكناهم‪.‬‬
‫وتشــر أيضــاً إىل أن (زيســودرا) أو نوحــاً الســومري كان ملــكاً صالحــاً‬
‫يعبــد اآللهــة ويخافهــا ويتبــع دوم ـاً مــا تأمــر بــه حل ـاً أو عــن طريــق‬
‫األصــوات‪ .‬ويظهــر مــن النــص أن زيســودرا كان قامئـاً عنــد حائــط عندمــا‬
‫ســمع صوتـاً يخــره بقضــاء الطوفــان‪ .‬إذ يقــوم اإللــه أنــي بإخبــاره بقـرار‬
‫اآللهــة يف إحــداث الطوفــان وإفنــاء البــر‪ ،‬إذ يهمــس لــه ‪:‬‬
‫(قف عند الحائط إىل جانبي اإليرس‪،....‬‬
‫وعند الحائط سأبلغك بكلمة‪ ،‬فخذ بكلمتي‪،‬‬
‫استمع إلرشادي ووصاياي‪:‬‬
‫يف (مجمعنا)(؟)‪...‬أن طوفاناً سيدمر مراكز العبادة‪،‬‬
‫وتهلك ذرية البرش‪.)....‬‬
‫ويخــر الرجــل الحكيــم گلگامــش أنــه لــوم مل يلجــأ للســفينة‬
‫التــي صنعهــا بنفســه بنصيحــة أنــي لــكان مــن الهالكــن‪ .‬وأثــار هــذا‬
‫الحديــث اإلحبــاط واليــأس يف نفــس گلگامــش بعــد أن علــم أن الخلــود‬
‫الــذي نالــه هــذا الرجــل الصالــح كان هبــة مــن اآللهــة‪ .‬وتتدخــل زوجــة‬
‫هــذا الرجــل الصالــح فتحــث زوجهــا أن يــرأف بگلگامــش فيكشــف‬
‫لــه عــن رس آخــر مــن أرسار اآللهــة يتعلــق بنبــات يشــبه العوســج ولــه‬
‫السومريون‬ ‫‪177‬‬

‫أشــواك تخــز مــن يقطفــه‪ ،‬وأنــه ينمــو يف أعــاق البحــر‪ ،‬وأن مــن ينالــه‬
‫يســتطيع أن يعــود شــاباً كلــا تقــدم بــه الســن‪ .‬فيغــوص گلگامــش إىل‬
‫األعــاق ويعــود ســعيدا ً بحصولــه عــى مــا ســوف ينقــذه مــن املــوت‪،‬‬
‫وحينــا كان يغتســل عنــد البحــر يشــم الثعبــان رائحــة النبات الســحري‬
‫فيتســلل بصمــت ويخطفــه‪ ،‬وحاملــا يبتعــد ينــزع جلــده ويجــدده‪،‬‬
‫فيصــاب گلگامــش بالغــم والحــزن‪ ،‬وينــدب حظــه ويعــود إىل مدينتــه‪،‬‬
‫ويعمــل عــى بنــاء أســوار مدينتــه الخالــدة‪.‬‬
‫أخ ـرا ً نشــر إىل أن هــذا امللــك املعظــم نــال مــن الشــهرة وحظــي‬
‫بخلــود الذكــر مبــا يفــوق مــا عمــل عليــه يف حياتــه التــي اقرتنــت‬
‫بالبحــث عــن الخلــود والرغبــة يف الخــاص مــن مواجهــة املــوت‪.‬‬
‫‪178‬‬ ‫السومريون‬

‫‪ 8-2‬املصلح أور – كاجينا‬


‫يعــد امللــك أور‪-‬كاجينــا «أوروامنگينــا» (‪ 2342-2351‬ق‪.‬م) آخــر‬
‫ملــوك ســالة لگــش األوىل‪ ،‬ويبــدو أن الوضــع العــام لهــذه املدينــة‬
‫أصابــه الوهــن والضعــف يف أواخــر حكــم هــذه الســالة كــا أرشنــا‬
‫يف موضــع ســابق‪ ،‬إذ بــدأ الضعــف يــدب فيهــا مــن الداخــل بســبب‬
‫األزمــات االقتصاديــة وســوء تــرف الحــكام واألمــراء فعــم االرتبــاك‬
‫وقامــت ثــورة يف البــاد وأطاحــت بالســالة الحاكمــة وتســلم الحكــم‬
‫هــذا امللــك الــذي اشــتهر بإصالحاتــه‪.‬‬
‫وقــد عمــل عــى وضــع حــد لتســلط الكهنــة ومنعهــم مــن التدخــل‬
‫يف الحكــم‪ ،‬كــا منــع رجــال الســلطة مــن التدخــل يف شــؤون املعبــد‪،‬‬
‫ولقــب نفســه ﺑ(لــوگال)‪ ،‬وإزال ســيطرة األغنيــاء عــى ممتلــكات الفقراء‪،‬‬
‫وســعى إلنصافهــم ورد حقوقهــم املســلوبة‪.‬‬
‫وقــد كتبــت إصالحــات هــذا امللــك بأســلوب أديب مؤثــر‪ ،‬وهــي‬
‫تصــف أوالً حالــة الســكان الســيئة‪ ،‬أو كــا يقــول كاتبهــا عــى نحــو‬
‫أكــر تأثــرا ً‪( :‬قدميــاً‪ ،‬مــن أيــام العبوديــة‪ ،)....‬وتصــف الجــور الــذي‬
‫كانــوا فرائــس لــه وكــذا الظلــم الــذي كانــوا يقاســونه‪ .‬ثــم يــرد األمــر‬
‫اصالحاتــه ويفاخــر يف النهايــة بأنــه (وطــد دعائــم الحريــة يف البــاد)‪.‬‬
‫وتبــدو لنــا إصالحاتــه صــورة واضحــة للطبيعــة االجتامعيــة يف عــر‬
‫دويــات املــدن الســومرية‪ ،‬إذ حــاول هــذا امللــك إىل حــد مــا ازالــة‬
‫الفــوارق الطبقيــة بــن النــاس ورفــع املظــامل مــا كان يقــع عــى الفقـراء‬
‫مــن جانــب األغنيــاء‪ .‬ففــي ظــل األوضــاع املتدهــورة يف مدينــة لگــش‬
‫السومريون‬ ‫‪179‬‬

‫مــن النواحــي السياســية واالجتامعيــة أخــذ هــذا امللــك عهــدا ً عــى‬


‫نفســه أمــام اإللــه ننگرســو إلــه مدينــة لگــش أنــه‪« :‬لــن يســمح أن يقــع‬
‫اليتامــى واألرامــل فريســة نظــام األقويــاء»‪.‬‬
‫وتعــد أقــدم اصالحــات اجتامعيــة واقتصاديــة يف التاريــخ‪ ،‬وقــد‬
‫وصــف هــذا امللــك املصلــح بأنــه يخــاف اإللــه وأنــه أعــاد حريــة‬
‫املواطنــن الذيــن عانــوا مــن الظلــم الكثــر يف عهــد ســابقيه مــن امللــوك‪،‬‬
‫وعــر عــى أربــع نســخ مــن هــذه االصالحــات يف لگــش عــام (‪1878‬م)‪،‬‬
‫وترجمهــا ألول مــرة (فرانســوا دانــگان)‪ ،‬وقــد كتبــت بالخــط الســومري‬
‫ومختلفــة بعضهــا عــن بعــض بالشــكل املكتــوب عليهــا‪.‬‬
‫وتبــدأ هــذه االصالحــات بذكــر الــه مدينــة لگــش ننگرســو الــذي‬
‫مــن أجلــه شــيد هــذا امللــك القــر واملعبــد‪ ،‬وبــدد املســاوئ واملظــامل‬
‫ومنــع األغنيــاء والكهنــة واملرابــون مــن اســتغالل الفق ـراء‪ .‬وجــاء فيهــا‪:‬‬
‫(‪ ...‬مــن أجــل ننگرســو فــارس أنليــل األول‪ ...‬شــيد أوركاجينــا ملــك‬
‫لگــش‪ ،‬القرص«تــراش» وبنــى لــه اﻟ «أنتاســورا»‪ ،‬وبنــى بيــت «بــاو»‪،‬‬
‫بنــى «بورســناگ» بيتــه «ســادوگ»‪ ،‬وشــيد ســقيفة جــز صــوف الغنــم‬
‫يف «املدينــة املقدســة»‪ .‬وحفــر مــن أجــل نانشــة القنــاة التــي تجــري‬
‫إىل نينــا‪ ،‬قناتهــا املحبوبــة‪ ،‬وجعــل مســتودع مائهــا كأنــه يف وســط‬
‫املحيــط‪ ،‬وبنــى سور«گرســو»‪ .‬ومنــذ األزمنــة القدميــة ومنــذ البدايــة‬
‫يف ذلــك الحــن ســكن البحــارة عــى ســفنهم‪ ،‬والرعــاة بــن األغنــام‪،‬‬
‫وســكن صيــادوا األســاك‪ ...‬وكان عــى رعــاة الغنــم الذيــن ال ميتلكــون‬
‫نعاج ـاً بيض ـاً أن يســلموا املراقــب فضــة بــدل مــن ذلــك‪ .‬لقــد وجــب‬
‫عــى محصــي الرضائــب ومراقبــي كهنــة دفــن األمــوات ومراقبــي دار‬
‫‪180‬‬ ‫السومريون‬

‫األعشــاب ومراقبــي تحضــر البــرة ومراقبــي املحــار وجــب عليهــم‬


‫جميعــاً أن يســلموا فضــة بــدل مــن الحمــان الصغــرة‪ ،‬واســتخدمت‬
‫األبقــار يف ري األرايض املوهوبــة لألنــي‪ ،‬التــي تشــكل أخصــب حقــول‬
‫اآللهــة‪ ،‬هــذه االقطاعــات التــي تعــد منطقــة رسور األنــي‪ .‬وكان الكهنــة‬
‫يصــادرون الحمــر واألبقــار الجيــدة‪ ،‬ويوزعــون الحبــوب عــى حاشــية‬
‫األنــي‪ ،‬وكان عــى الكهنــة أن يســلموا املالبــس والخيــوط واألدوات‬
‫النحاســية وشــعر املاعــز والطيــور إىل اﻟ «ســانگا»‪ .‬واقتلــع كاهــن كل‬
‫منطقــة لنفســه أشــجار حديقــة والــدة الفقــر وأخــذ مثارهــا‪ .‬وعندمــا‬
‫كان يدفــن امليــت‪ ،‬كان الكاهــن يأخــذ لنفســه ســبع ج ـرار مــن البــرة‬
‫رشابــه و‪ 420‬رغيفـاً مــن الخبــز و‪ 120‬كيـاً مــن الحبــوب‪ ،‬ورداءا ً وجديـاً‬
‫ذا قرنــن طويلــن فراشـاً‪ .‬وكان رجــل النــدب يحصــل عــى ‪ 36‬كيـاً مــن‬
‫الحبــوب‪ .‬أمــا إذ دفــن املتــويف يف أدغــال قصــب اإللــه أنــي فيحصــل‬
‫كاهــن الدفــن عــى ‪ :‬ســبع جـرار مــن البــرة‪ 420‬رغيفـا ً مــن الخبــز و‪72‬‬
‫كيـاً مــن الحبــوب‪ ،‬وعــى رداء واحــد وفـراش واحــد وكــريس واحــد‪.)...‬‬
‫مــن الواضــح أن هــذا امللــك وجــد وضعـاً اجتامعيـاً واقتصاديـاً منهــارا ً‬
‫ســاده الظلــم والطغيــان‪ ،‬وفيــه أصبحــت زوجــة الحاكــم هــي املهيمــن‬
‫عــى أمــاك زوجــة اإللــه‪ ،‬وأديــرت حقــول أطفالــه التــي كانــت عــى‬
‫األرجــح ملــكاً لــدار األيتــام‪ ،‬باســم أطفــال األنــي (الحاكــم)‪ .‬فعمــل‬
‫عــى إعــادة هيبــة اإللــه ننگرســو وأبعــد الكثــر مــن املوظفــن الفاســدين‬
‫مــن املراقبــن وعزلهــم عــن أعاملهــم‪ ،‬وقــد ورد يف النــص‪( :‬مل يعــد بعــد‬
‫يوجــد مراقبــون مــن الحــدود الشــالية ملقاطعــة ننگرســو حتــى البحــر‬
‫جنوب ـاً‪ ،)...‬وألغــى التعويــض بالفضــة مقابــل نقــص الحيوانــات‪ ،‬وحــدد‬
‫السومريون‬ ‫‪181‬‬

‫كميــة املــواد التــي يحــق للكهنــة الحصــول عليهــا مقابــل خدماتهــم‪.‬‬


‫وعمــل عــى تحريــر أبنــاء مدينتــه وتخليصهــم مــن الضعــف واالســتغالل‬
‫والرسقــة والقتــل‪ ،‬واألهــم يف إصالحاتــه أنــه جعــل الحريــة تســود يف‬
‫املجتمــع‪ .‬إذ ورد مصطلــح الحريــة (آمارگــي= (‪ ،)ama-ar-gi4‬والــذي‬
‫يرتجــم حرفيـاً (عــودة إىل األم)‪ ،‬ألول مــرة يف نــص هــذا امللــك‪ .‬ويتفرد هذا‬
‫املصلــح االجتامعــي أنــه جعــل إصالحاتــه هــذه موضوعـاً رئيسـاً للنقــوش‬
‫امللكيــة‪ .‬إذ يذكــر أنــه ضيــق الخنــاق عــى تجــاوزات أســافه وعبثهــم‬
‫مبمتلــكات املعبــد واســتغاللهم جهــود الشــعوب بوســاطة املوظفــن‪ ،‬ثــم‬
‫يــورد بالتفصيــل مــا ميكــن القيــام بــه إلصــاح هــذا الوضــع‪.‬‬
‫ويعكــس هــذا النــص بحيويــة عاليــة النضــال بــن الرشائــح‬
‫االجتامعيــة يف مدينــة لگــش‪ ،‬إذ نقــرأ فيــه أن ســلفه يف الحكــم‬
‫«لوگالنــدا» (‪ 2400‬ق‪.‬م‪ ،).‬آذى حقــوق املشــاعات لصالــح «املتنفذيــن»‬
‫ومــزق «ق ـرارات املــايض»‪ ،‬وأقــام رقبــاء يف كل مشــاعات لگــش الذيــن‬
‫فــرض عليهــم رضائــب تعســفية ملصلحتــه وملصلحــة كهنتــه‪ ،‬ومل يكتــف‬
‫هــؤالء بالرضائــب‪ ،‬بــل قامــوا بنهــب النــاس‪ ،‬فانتزعــوا مــن الفالحــن‬
‫مواشــيهم وطيورهــم واألواين النحاســية واأللبســة الخاصــة بهــم وأحســن‬
‫أشــجارهم وأطيــب مثارهــم‪ ،‬وطالبوهــم بأســعار مرتفعــة لدفــن موتاهم‬
‫أو إقامــة املآتــم والوالئــم‪ ،‬كــا أنهــم صــادروا صــوف أجمــل الخ ـراف‬
‫البيضــاء وفرضــوا عــى الخـراف األخــرى فرضــة خمســة «شــيقالت» مــن‬
‫الفضــة لــكل رأس‪ ،‬وأدخلــوا حقــوق الرضائــب الگمرگيــة عــى الوثائــق‬
‫واألعــال القضائيــة‪ .‬فعمــل بعــد تســلمه مقاليــد األمــور يف مدينــة‬
‫لگــش إىل إزالــة هــذه املظــامل االجتامعيــة‪ ،‬وســعى إىل نــرة العائــات‬
‫‪182‬‬ ‫السومريون‬

‫املمزقــة‪ ،‬وحــارب اللصــوص واملفســدين‪ ،‬فأعــاد العمــل بنظــام الرضائــب‬


‫القدميــة ومنــع االبتـزاز ودفــع األمــوال‪ ،‬وعــزل املراقبــن مــن املشــاعات‪،‬‬
‫لذلــك تفاخــر بأنــه (أرىس الحريــة)‪.‬‬
‫ورمبــا فــات هــذا الحاكــم أن يــدرك وجــوب وجــود نظــام اقتصــادي‬
‫قــوي واحــد يجمــع بــن دويــات املــدن الســومرية لتحقيــق طموحــه‬
‫يف إدارة دولــة قويــة‪ .‬ونتيجــة لهــذا صعــب عليــه أن يزيــل الفــوارق‬
‫االجتامعيــة بــن عمــوم الشــعب الســومري بــكل فئاتــه بصــورة جذريــة‪.‬‬
‫وقــد حــال ذلــك كلــه بينــه وبــن أن يحصــل عــى نتائــج اصالحاتــه التــي‬
‫بقيــت متثــل طفــرة حاكــم مثــايل مل تجلــب لــه ولنظامــه إال الدمــار‪ .‬إذ‬
‫مــا لبثــت املــدن الســومرية أن عــادت مــن جديــد للن ـزاع فيــا بينهــا‪،‬‬
‫وأن املــدة التــي أعقبــت نهايــة حكمــه مل يعــر يف اثناءهــا عــى أي‬
‫مــن املدونــات القانونيــة ســوى بعــض الوثائــق اإلداريــة‪ ،‬وبقيــت هــذه‬
‫املــدة صامتــة قانونيـاً حتــى قيــام ســالة اور الثالثــة‪.‬‬
‫وقــد حكــم أوركاجينــا البــاد مــدة مثــان ســنوات‪ ،‬إذ ظهــر يف أو ّمــا‬
‫العــدو التقليــدي لدويلــة لگــش حاكــم قــوي وتوســعي وهــو امللــك‬
‫لــوگال زاكيــزي الــذي أطــاح مبدينــة لكــش وقــى عليهــا نهائي ـاً‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪183‬‬

‫‪ 8-3‬گوديا‬
‫جــاء هــذا الرجــل الرائــع إىل الحكــم يف أكــر حقــب تاريــخ ســومر‬
‫اضطرابــاً‪ .‬وتاريخــه غــر مؤكــد إىل حــد مــا‪ ،‬ولكنــه عــاش يف جميــع‬
‫االحتــاالت تحــت حكــم ملــوك الگوتيــون‪ ،‬والذيــن‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬مل يــرد‬
‫ذكرهــم يف أرشــيفات عهــده‪ .‬ويبــدو مــن أســلوب الكتابــة وأســاء‬
‫األشــهر أنــه حكــم بعــد مــدة قصــرة مــن ســقوط الدولــة األكديــة‪.‬‬
‫ومــع أن النقــوش األثريــة العديــدة لگوديــا كتبــت باللغــة الســومرية‬
‫الكالســيكية القدميــة‪ ،‬إال أن العديــد مــن ســكان لگــش لديهــم أســاء‬
‫ســامية‪ ،‬وتظهــر العبــارات الســامية يف ســجالت املعبــد‪ .‬ومــا زال غالبيــة‬
‫النــاس‪ ،‬الكهنــوت والطبقــات الحاكمــة ســومريني‪ ،‬ولكــن تراجعهــم أمــام‬
‫األقــوام الســامية أصبــح واضح ـاً اآلن‪ ،‬وأصبــح ســكان لگــش مواطنــن‬
‫عامليــن‪ .‬ويف ظــل الظــروف التــي كان فيهــا نشــاطه محصــورا ً يف األدب‬
‫والهندســة العامريــة‪ ،‬مــارس گوديــا تأثــرا ً عميقــاً عــى ديــن ســومر‪،‬‬
‫ليــس بوصفــه حاك ـاً زمني ـاً‪ ،‬ولكــن بصفتــه رســول األدب الكالســييك‬
‫وأرسار اآللهــة‪ ،‬وحصــل عــى تأليــه بعــد وفاتــه‪ .‬إذ يذكــر يف عــر ســالة‬
‫أور الثالثــة عــى أنــه أحــد حــكام املــايض‪ ،‬ويُذكــر بوصفــه رجـاً إلهيـاً‪.‬‬
‫ويذكــر أحــد النصــوص مــن زمــن امللــك آيب‪ -‬ســن أنــه قــدم القرابــن إىل‬
‫گوديــا‪ ،‬وقــد ورد ذكــره مــع ملــوك أور املؤلهــن‪ .‬وتلقــى گوديــا اإللهــي‬
‫إراقــة مــن النبيــذ والوجبــات يف عيــد القمــر الجديــد يف لگــش‪ ،‬ومــن‬
‫املحتمــل أن يكــون قــد عرفــت عبادتــه يف جميــع املــدن الســومرية‪،‬‬
‫وأنــه كان مــن املفــرض أن يقيــم يف أحــد النجــوم‪.‬‬
‫‪184‬‬ ‫السومريون‬

‫وقــد أرشنــا عنــد الحديــث عــن مدينــة لگــش إىل أن أشــهر ح ـكّام‬
‫ســالتها الثانيــة هــو الحاكــم گوديــا (‪ 2122-2141‬ق‪.‬م‪ ).‬الــذي رمبــا كان‬
‫ابنـاً ﻟ(أور– بــاو) مؤســس هــذه الســالة‪ ،‬أو حفيــدا ً لــه مــن ابنتــه‪ ،‬وهــو‬
‫الحاكــم الســابع يف هــذه الســالة‪ .‬وكتــب أســمه باللغــة الســومرية‬
‫بالصيغــة اآليت‪ ،)Gù-dé( :‬مبعنــى ينــادي أو يتــكل‪ .‬ويبــدو أن املعنــى‬
‫الشــائع لهــذه الصيغــة يرتبــط باملنــاداة‪ ،‬وال ســيام منــاداة اإللــه أو‬
‫امللــك‪ ،‬فتــأيت مبعنــى ينــادي‪ ،‬أو يسـ ّمي‪ ،‬أو يكلّــم‪ .‬وترجــح بعــض كتاباته‬
‫أنــه كان مجهــول النســب‪:‬‬
‫(أنا ال أملك أماً أنت أمي‬
‫أنا ال أملك أباً أنت أيب‬
‫ولقد ولدتني يف املعبد املقدس‪.)...‬‬
‫لــذا رمبــا كانــت أمــه مــن الكاهنــات‪ ،‬وتحديــدا ً كاهنــة اإللهــة‬
‫«كامتــدو»‪ ،‬وكانــت زوجتــه هــي نينالــا(‪ )Ninalla‬ابنــة الحاكــم أور‪-‬‬
‫بابــا‪ .‬وهنــاك مــن يشــر إىل أن لــه زوجــة ثانيــة هــي گيميشــولويب‬
‫(‪ )GemeŠulupae‬وكان لــه ولــدان‪ ،‬أحدهــا أور‪-‬ننگرســو الثــاين الــذي‬
‫حكــم بعــده‪ ،‬واآلخــر لوگال‪-‬كريكــزي‪ .‬ولقــب نفســه مبلــك لگــش‪ ،‬وعــد‬
‫نفســه اإللــه الشــخيص لهــذه املدينــة‪ ،‬وقــد وضــع عالمــة النجمــة رمــز‬
‫اآللهــة أمــا م اســمه‪( :‬گوديــا حاكــم لگــش‪ ،‬أورشــارووا‪ ،‬ابــن أور‪ -‬ســن=‬
‫‪ ،)dGù-dé-a énsi- Lagaški ur-dšár-ùr-ra dumu-ur-dsuen‬وأنــه‬
‫كان الوســيط بــن شــعبه وإلــه املدينــة ننگرســو‪( :‬الحاكــم اإلله الشــخيص‬
‫ملدينتــه يتلــو صالتــه‪ .)...‬ومــن أبــرز ألقــاب هــذا العاهــل الســومري‬
‫السومريون‬ ‫‪185‬‬

‫«الراعــي»‪ ،‬وهــو اللقــب الــذي حملــه ألول مــرة امللــك لوگال‪-‬زاكيــزي‪،‬‬


‫لــذا كان گوديــا يلقــب ﺑ(الراعــي الحــق لــأرض)‪ .‬وجــاء يف تفســر حلمــه‬
‫مــن اإللهــة نانشــة ‪ (:‬أيهــا الراعــي الصــادق گوديــا ســوف تبــدأ ببنــاء‬
‫البيــت يل‪ .)...‬وحمــل لقــب «الحكيــم»‪( :‬گوديــا أمــر لگــش صاحــب‬
‫الحكمــة الواســعة العبــد الــذي تحبــه ســيدته‪ ،)...‬ولقــب ﺑ «العــادل»‪:‬‬
‫(گوديــا أمــر لگــش الرجــل العــادل الــذي يحبــه إلهــه الشــخيص‪،)...‬‬
‫وغريهــا مــن األلقــاب‪ ،‬وهــي تحمــل منحــنٍ ديني ـاً وليــس سياســياً‪.‬‬
‫وتشــر تواريخــه الســنوية إىل اهتاممــه باملعابــد وعباداتهــا‪ .‬وكان‬
‫أكــر مشــاريعه طموح ـاً إعــادة بنــاء وتوســيع معبــد أني ّنــو(‪)Eninnu‬‬
‫عــى التــل الشــايل حيــث عمــل ســلفه أور‪ -‬بــاو‪ .‬وقــد دون هــذه‬
‫األعــال عــى أســطوانتني كبريتــن مــن الطــن‪ :‬تعرفــان باألســطوانتني‬
‫‪ A‬و ‪ ،B‬وتحمــل األوىل ثالثــون عمــودا ً كتابيـاً‪ ،‬والثانيــة واحــد وعــرون‬
‫عمــودا ً كتابي ـاً‪ .‬واقــرن اســم هــذا الحاكــم بــاألدب والفــن الســومري‬
‫وبنــاء املعابــد‪ ،‬وقــد كشــف املنقبــون الفرنســيون الذيــن عملــوا يف‬
‫أطــال مدينــة لگــش عــن أكــر مــن عرشيــن متثــاالً منقوشــاً لهــذا‬
‫امللــك الــذي اتصــف بالتقــوى والصــاح‪ ،‬وكانــت هــذه التامثيــل مقامــة‬
‫أصـاً يف معابــد مدينــة گرســو(تلو حاليـاً)‪ ،‬ومــا أن عرضــت يف املتاحــف‬
‫ونــرت صورهــا حتــى أصبــح الوجــه الســومري معروف ـاً جــدا ً لــدى‬
‫العــامل الحديث(الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)15‬‬
‫وظهــر الحاكــم يف هــذه املنحوتــات بأوضــاع مختلفــة جميعهــا‬
‫تعبديــة منهــا؛ حالــة الوقــوف والجلــوس‪ ،‬وكان حام ـاً يف اثنــن منهــا‬
‫رسـاً أو مخططـاً للمعبــد‪ ،‬وأغلبهــا بالحجــم الطبيعــي تقريبـاً‪ ،‬وبعضهــا‬
‫‪186‬‬ ‫السومريون‬

‫تحمــل كتابــات مســارية باللغــة الســومرية‪ ،‬وعملــت يف معظمهــا‬


‫مــن الحجــر الديورانــت الصلــب األســود أو األخــر املســود‪ ،‬وبعضهــا‬
‫مــن حجــر الســتياتيت‪ ،‬ويذكــر امللــك أن هــذه األحجــار جلبــت مــن‬
‫مگان( ُعــان)‪ .‬ويخاطــب هــذا العاهــل التمثــال مبــا يــدل عــى أنــه صنع‬
‫مــن حجــر صلــب‪( :‬أيهــا التمثــال لســت مصنوعـاً مــن فضــة أو الزورد‬
‫وال مــن نحــاس أو قصديــر أو برونــز أنــك حقـاً مــن حجــر الديورايــت)‪،‬‬
‫ومــا يؤســف لــه أن كثــر مــن هــذه التامثيــل كانــت فاقــدة لــرأس‬
‫ألســباب مختلفــة‪ .‬وقــد متيــزت هــذه التامثيــل بتصويــر امللــك بهيئــة‬
‫ضخمــة ألعضــاء الجســم وخاصــة العضــات والرقبــة لدرجــة يبــدو منهــا‬
‫يف بعــض الحــاالت عــدم وجــود الرقبــة مثـاً‪ ،‬ورمبــا كان لصالبــة الحجــر‬
‫األثــر الكبــر يف هــذه الحالــة‪ ،‬فهــو ال يعطــي مرونــة للنحــات‪ .‬كــا تظهر‬
‫هــذه التامثيــل تشــابه كبــر فيــا بينهــا مــا يشــر إىل أنهــا عملــت‬
‫للشــخص نفســه ومــن نحــات واحــد‪ ،‬أو مدرســة أســلوبية واحــدة‪.‬‬
‫وأهــم هــذه التامثيــل هــو متثــال للملــك گوديــا بوضعيــة الجلــوس‬
‫بالحجــم الطبيعــي مــع نقــش طويــل يف تســعة أعمــدة محفــورة عــى‬
‫الظهــر والوركــن والجــزء الســفيل مــن الثــوب‪ .‬وقــد أعطيــت جميــع‬
‫التامثيــل الســومرية أســاء صوفيــة‪ ،‬وتصــف الكتابــة عــى التمثــال كيــف‬
‫ســمي‪( :‬لقــد أقمــت مللــي متثالــه‪ ،‬فتكــون الحيــاة أجــرى)‪ .‬وقــد ُركــب‬
‫التمثــال عنــد االنتهــاء مــن تشــييد املعبــد‪ ،‬وأعلــن عــن إجــازة كبــرة‬
‫ألهــل لگــش‪ ،‬ملــدة ســبعة أيــام‪ ،‬إذ ألغيــت العــادات القدميــة‪ ،‬وأصبحــت‬
‫الخادمــة مثــل ســيدتها‪ ،‬وســار الخــادم بجانــب ســيده‪ ،‬وطُهــر املعبــد كلــه‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪187‬‬

‫فمــن أجــل العدالــة‪ ،‬مثــل أوروكاگينــا مــن قبلــه‪ ،‬طبــق گوديــا‬


‫قوانــن نينــا وننگرســو‪« :‬لــن يفعــل الرجــل الغنــي رشا ً لليتيــم‪ ،‬ومل يظلــم‬
‫الرجــل الغنــي األرملــة‪ .‬وأمــا البيــت الــذي ال ولــد فيــه فقــد دخلــت‬
‫ابنتــه وريثــة لــه»‪ .‬ثــم يعــر هــذا الحاكــم عــن أملــه يف أن يبقــى هــذا‬
‫التمثــال موجــودا ً يف أعــال التقدمــات أو اإلراقــة لروحــه عنــد وفاتــه‪،‬‬
‫ويف الواقــع تشــر محفوظــات املعابــد بعــد قــرن مــن الزمــان إىل تقديــم‬
‫القرابــن مــن الغنــم والوجبــات والزيــت لــروح گوديــا‪ .‬وينتهــي النــص‬
‫الكتــايب كــا العــادة بلعنــة طويلــة عــى مــن يتدخــل يف معبــده أو يــر‬
‫النــص بــأي شــكل مــن األشــكال‪ .‬ويشــار إىل گوديــا عــى أنــه ملــك يف‬
‫ملحمــة كتبــت بعــد نحــو قرنــن مــن الزمــان بعــد وفاتــه‪:‬‬
‫«انا الرب؛ أنت مهيأ لذراعي البطولية‪،‬‬
‫امللك الذي سريث اسمه لحياة األيام البعيدة‪،‬‬
‫الذي يصمم متثاالً لأليام األبدية‪،‬‬
‫يف أني ّنو‪ ،‬املعبد امليلء بالعيد‪،‬‬
‫يف مكان اإلراقة الجنائزية ‪ ...‬عىل النحو املناسب ليضعك ‪»...‬‬
‫وهنــاك متثــال مشــابه لــه األبعــاد نفســها تقريبـاً ويف الوضــع نفســه‪،‬‬
‫ورمبــا يكــون أفضــل مثــال عــن النحــت الســومري‪ .‬وقــد فقــد رأســه‬
‫أيض ـاً‪ .‬وتخلــد الكتابــة التــي يحملهــا ذكــرى بنــاء معبــد گاتومــدوگ يف‬
‫«املدينــة املقدســة»‪ .‬وعــر عــى متثــال صغــر الحجــم مــن الديوريــت‬
‫األخــر بارتفــاع ‪ 3‬أقــدام و‪ 4‬بوصــات‪ ،‬وهــو مــن دون قاعــدة التمثــال‪.‬‬
‫‪188‬‬ ‫السومريون‬

‫وقــد وضــع مبثابــة نصــب تــذكاري يف معبــد ننخرســاگ يف گرســو‪ ،‬وحمل‬


‫اســم‪« :‬اإللهــة التــي يف الســاء واألرض تقــرر األقــدار‪ ،‬اإللهــة نينتــود‪ ،‬أم‬
‫اآللهــة ‪ ،‬قــد أطالــت عمــر گوديــا بــاين معبدهــا»‪.‬‬
‫واســتمدت معظــم معلوماتنــا عــن هــذه املــدة باألصــل مــن الكتابــات‬
‫التــي حملتهــا متاثيــل ملــوك هــذه الســالة‪ ،‬وال ســيام متاثيــل امللــك گوديا‪،‬‬
‫فض ـاً عــن مخاريــط طينيــة تحمــل كتابــات تذكاريــة خاصــة بتأســيس‬
‫املعابــد؛ ومنهــا عــى وجــه الخصــوص أســطوانتني كبريتــن مــن الطــن‬
‫تعرفــان بــن املختصــن باملســاريات بأســطوانتي گوديــا كــا أرشنــا‬
‫يحتويــان عــى أطــول النصــوص الســومرية‪ ،‬إذ يخلــد فيهــا بنائــه معبــد‬
‫الخمســن (أي‪ -‬ننــو) الخــاص باإللــه (ننگرســو) إلــه لگش(الشــكل‪ :‬رقــم‬
‫‪ .)16‬وقــد زودتنــا هــذه الرتاتيــل األدبيــة‪ -‬الدينيــة بنفاذيــة جديــدة يف‬
‫األدب الدينــي عنــد الســومريني‪ .‬وأصبحــت كتابــات هــذا امللــك هــي املادة‬
‫الرئيســة يف دراســة قواعــد اللغــة الســومرية‪ .‬إذ تــرك هــذا العاهــل كتابات‬
‫كثــر عــى مخاريــط طينيــة مختــرة دون فيهــا بنائــه وتجديــده ملجموعة‬
‫كبــرة مــن املعابــد‪ ،‬كــا أن متاثيلــه حملــت الكثــر مــن الكتابــات التــي‬
‫تتعلــق بأعاملــه العمرانيــة‪ .‬وتعــد األســطوانتني ســالفتي الذكــر مــن أبــرز‬
‫مــا خلــف مــن كتابــات تــم توظيفهــا يف كتابــة قواعــد اللغــة الســومرية‪.‬‬
‫وقــد جمــع الباحــث فلكنشــتاين كتابــات گوديــا ونظمهــا بشــكل علمــي‬
‫ومفصــل يف وضــع أســس قواعــد اللغــة الســومرية يف عرصهــا الحديــث‬
‫(عــر أور الثالثــة)‪ ،‬وأصــدر عــام ‪ 1950-1949‬م مجلديــن بهــذا الشــأن‪.‬‬
‫وقــد ادعــى هــذه العاهــل الســومري أنــه كان يســعى إىل اســعاد‬
‫السومريون‬ ‫‪189‬‬

‫شــعبه‪ ،‬وأنــه عمــل عــى جلــب الرفاهيــة إليهــم‪ .‬وقــد اهتــم بالعمـران‬
‫وشــق قنــوات الــري مــن النهريــن العظيمني دجلــة والفـرات‪ ،‬وكان يقدم‬
‫الهدايــا والقرابــن إىل اآللهــة مــن أجــل الحصــول عــى رضاهــا إلســعاد‬
‫شــعبه‪ .‬وكان گوديــا كثـرا ً مــا ينتظــر الفيضــان ويــرى أنــه يجلــب الخــر‬
‫للبــاد‪ .‬فيذكــر يف إحــدى كتاباتــه‪( :‬ومل ترتفــع ميــاه الفيضانــات‪ ،‬ومل‬
‫تظهــر يف مدينتــي كاملعتــاد‪ .‬ومل يســطع بريــق املــاء العــايل ومل نــره‪ .‬ومل‬
‫يجلــب فيضــان أنليــل املــاء الخــر العزيــز مثــل دجلــة‪ ،‬يجــب أن يخــر‬
‫امللــك املعبــد أني ّنــو بوجــوب مراعــاة تعليامتــه يف الســاء واألرض‪.)...‬‬
‫ويعــد حلــم هــذا امللــك الــذي رواه ألمــه مــن النصــوص املهمــة يف‬
‫اللغــة الســومرية‪ ،‬وقــد دون عــى األســطوانة «‪ ،»A‬ويبــدو أن الكثــر‬
‫مــن تفاصيــل هــذا الحلــم قــد نفذهــا گوديــا يف أرض الواقــع‪ ،‬فقــد‬
‫بنــى معبــد الخمســن أللهــه املحبــوب ننگرســو كــا أرشنــا‪ .‬وقــد كتبــت‬
‫تفاصيــل هــذا الحلــم بأســلوب أديب رفيــع وبنهــج ملحمــي ترتيــي‪( :‬كان‬
‫هنالــك شــخص يف حلمــي‪ ،‬كان هائ ـاً كالســاء هائ ـاً كاألرض‪.)...‬‬
‫وبعد أن سمعت اإللهة نانشة الحلم منه فرسته عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫(أيها الراعي سوف أفرس الحلم من أجلك …‬
‫الرجل كان حجمه هائالً كالسامء وكان حجمه هائالً كاألرض كان إلهاً‪،‬‬
‫طبقاً لواقع جناحيه كان طري آن‪-‬زو‪،‬‬
‫وطبقاً لواقع أجزائه السفىل كان عاصفة الطوفان‪،‬‬
‫وعىل ميينه ويساره كانت األسود تضطجع …‬
‫‪190‬‬ ‫السومريون‬

‫كان ذلك بالتأكيد أخي ننگرسو …‬


‫وقد تحدث إليك بشأن تشييد األني ّنو ‪.)...‬‬
‫وقــد أجــرى گوديــا أعــاالً احتفاليــة مــن التطهــر والطقــوس يف أني ّنــو‪.‬‬
‫وبعــد صــاة إىل ننگرســو‪ ،‬نــام مــرة أخــرى وظهــر لــه إلهــه يف أحالمــه‪،‬‬
‫وأمــره بإعــادة بنــاء الهيــكل‪« :‬الــذي ســيدعو اســمه جميــع البلــدان معـاً‬
‫مــن تخــوم الســاء‪ ،‬وحتــى مــگان وملوخــا يظه ـران مــن جبالهــا»‪ .‬ثــم‬
‫يعطــي اإللــه تعليــات بخصــوص املصليــات والشــعارات املقدســة ألني ّنــو‪.‬‬
‫وتعــد متاثيــل أســس البنــاء مــن أبــرز مــا خلفــه لنــا هــذا العاهــل‬
‫الســومري‪ ،‬وهــي متاثيــل صغــرة تصنــع مــن املعــادن وتوضــع يف أســس‬
‫املبــاين‪ ،‬وال ســيام املعابــد الكثــرة التــي شــيدها هــذا امللــك‪ ،‬وجلــب لهــا‬
‫عــال وفنيــن مــن خــارج مــدن الســهل الرســويب‪ .‬فقــد عــر عــى متثــال‬
‫صغــر صنــع مــن حجــر الديوريــت الــذي جلــب مــن مــگان‪ ،‬وأطلــق عليــه‬
‫اســم‪( :‬أمتنــى أن تطــول حيــاة گوديــا بــاين املعبــد)‪ ،‬ويبــدو أنــه وضــع يف‬
‫منطقــة أي‪-‬أنّــا يف مدينــة الــوركاء يف معبــد أينانــا إلهــة الــوركاء املعظمــة‪.‬‬
‫وميثــل ختــم امللــك گوديــا ابتعــادا ً عــن فــن النقــش املعــروف يف‬
‫العــر األكــدي الســابق‪ ،‬والــذي متيــز بهيمنــة املوضوعــات األســطورية‬
‫مثــل ملحمــة گلگامــش‪ ،‬إذ نشــاهد هــذا امللــك يقــوده إلهــه نينگيشــزيدا‬
‫أمــام إلــه‪ .‬وقــد صــور بالهيئــة الســومرية املمثلــة برجــل حليــق الذقــن‪،‬‬
‫ورأســه مطابــق تقريب ـاً للــرأس املفــرض أنــه ينتمــي إىل بعــض متثاليــه‪.‬‬
‫ويقــف خلفــه مــا ميثــل اإللهــة األم الشــفيعة (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)17‬‬
‫وقــد بلــغ فــن النحــت الســومري مســتوى عاليـاً مــن الدقــة والروعــة يف‬
‫السومريون‬ ‫‪191‬‬

‫عــر هــذه الســالة‪ ،‬ومــن املعــروف أن هــذه الســالة متثــل عــر انتعاش‬
‫يف الفــن الســومري واملآثــر الســومرية‪ ،‬وتشــهد عــى ذلــك متاثيــل هــذا‬
‫العاهــل وكتاباتــه التــي جهــز بهــا املعابــد التــي جــدد بناءهــا يف مدينــة‬
‫لگــش‪ .‬وقــد جــاء يف أحــد هــذه النصــوص مــا يــأيت‪( :‬گوديــا‪ ،‬بــاين املعبــد‬
‫«معبــد الخمســن»‪ ،‬يف املعبــد وضــع الســلة كالتــاج املقــدس فــوق رأســه‪،‬‬
‫عمــل األســس‪ ،‬أقــام الجــدران عــى األســس)‪ .‬ويعــد هــذا املعبــد من أشــهر‬
‫معابــد املدينــة‪ ،‬وهــو معبــد اإللــه القومــي لســكانها‪ ،‬وقــد شــيده مســيليم‬
‫وجــدده هــذا العاهــل‪ ،‬وكان لــه مصليــات عــدة تابعــة‪ .‬كــا أنــه أعــاد بنــاء‬
‫معبــد اإللهــة بــاو الــذي شــيده أور– نانشــة مؤســس ســالة لگــش الثانيــة‪.‬‬
‫ويعــد معبــد اإللــه ننگيشــزيدا الواقــع يف القســم الجنــويب مــن املدينــة مــن‬
‫أبــرز املعابــد‪ ،‬فهــو معبــد اإللــه الشــخص لهــذا امللــك‪:‬‬
‫(لإلله ننگيشزيدا‪،‬‬
‫إلهه الشخيص‪،‬‬
‫گوديا حاكم لگش‪،‬‬
‫عبد اإللهة گامتدوك‪،‬‬
‫معبده يف گرسو‪،‬‬
‫بناه له‪.)...‬‬
‫ومــع تقــوى هــذا امللــك وانشــغاله باألمــور الدينيــة وبنــاء املعابــد‪،‬‬
‫إال أنــه أورد إشــارات عــن قيامــه بحملــة عســكرية يف انشــان يف جنــوب‬
‫بــاد عيــام‪( :‬رضب بالســاح انشــان وعيــام وأدخــل غنامئهــا إىل اإللــه‬
‫‪192‬‬ ‫السومريون‬

‫ننگرســو يف معبــد الخمســن‪ ،)...‬فضـاً عــن صــات تجاريــة واســعة مــع‬


‫كل مــن األناضــول فجلــب الذهــب‪ ،‬ومــع لبنــان وغابــات األرز فيهــا‪،‬‬
‫وكذلــك مــع دملــون يف الخليــج‪ ،‬فيذكــر يف أحــد النصــوص أنــه فتــح‬
‫الطريــق لتجارتــه مــن البحــر األعــى‬
‫(البحر املتوسط) إىل البحر األسفل(الخليج العريب)‪:‬‬
‫(عندما بنى معبد الخمسني‪،‬‬
‫إىل ملكه املحبوب ننگرسو‪،‬‬
‫عندما فتح أمامه الطريق‪،‬‬
‫من البحر األعىل إىل البحر األسفل‪.)...‬‬
‫وخلفــه يف حكــم هــذه املدينــة مــن أبنــاء ســالته بعــض امللــوك‬
‫األقــل شــأناً الذيــن ال نعــرف عنهــم ســوى اســائهم‪ .‬وميكــن القــول‬
‫أن حــكّام هــذه الســالة كانــوا يبتغــون هــدف رسجــون وخلفائــه‬
‫وهــو احتــكار تجــارة مــواد رضوريــة معينــة‪ ،‬ومــن ثــم تطبيــق اقتصــاد‬
‫حكومــي إىل درجــة مــا‪ .‬غــر أنهــم تابعــوا تحقيــق هــذا الهدف بوســائل‬
‫مختلفــة متامـاً وتقليديــة يف بــاد ســومر وتقــوم عــى أســس اقتصاديــة‬
‫أكــر مــن األســس السياســية‪ .‬فقــد وصــل وكالء (گوديــا) إىل األماكــن‬
‫نفســها التــي وصلهــا رسجــون عســكرياً‪ ،‬ولكــن أتبــاع (گوديــا) كانــوا‬
‫تجــار مــن دون مقاصــد سياســية‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪193‬‬

‫‪ 8-4‬أور‪ -‬منو‬
‫اســتطاع أور‪-‬منــو(‪ 2095-2112‬ق‪.‬م) حاكــم مدينــة أور مــن القضــاء‬
‫عــى أوتو‪-‬حيــگال ملــك الــوركاء الــذي كان قــد قــى عــى الگوتيــن‬
‫قبــل مــدة قصــرة كــا أرشنــا يف موضــع ســابق‪ ،‬وكان أور‪-‬منــو مــن‬
‫أنصــاره‪ .‬وكان أول أعــال أور‪-‬منــو هــو العمــل عــى إعــادة وحــدة البالد‬
‫السياســية ونظــام حكمهــا املركــزي‪ .‬ويبــدو أن مؤســس هــذه الســالة‬
‫كان قــد عــن يف البدايــة حاكـاً عســكرياً مــن أتو‪-‬حيــگال‪ ،‬وقــد يكــون‬
‫صهــره أو أخيــه إال أنــه رسعــان مــا طــوح بــه واســتوىل عــى الســلطة‪،‬‬
‫واتخــذ لنفســه لقب(ملــك أور)‪ ،‬وهكــذا أســس ســالة جديــدة يف تلــك‬
‫املدينــة كانــت مــن نــوا ٍح كثــرة بــارزة مثــل ســالة أكــد‪ .‬لقــد أســس‬
‫إمرباطوريــة عظيمــة هــي الثانيــة يف بــاد الرافديــن بعــد اإلمرباطوريــة‬
‫األكديــة واســتمرت مــا يقــرب القــرن(‪ 2004-2112‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهــي آخــر‬
‫الــدول القوميــة الســومرية‪ .‬وحمــل هــذا امللــك ألقــاب عــدة منهــا‪:‬‬
‫ملــك أور‪ ،‬والرجــل العظيــم ألور‪ ،‬أو ســيد وملــك أرايض ســومر وأكــد‪،‬‬
‫وامللــك العظيــم ملــك ســومر وأكــد‪ ،‬وســيد الحكمــة الواســعة‪ ،‬والذكــر‬
‫القــوي‪ ،‬والرجــل الشــاب املختــار مــن الجبــل العظيــم‪ ،‬وغريهــا‪.‬‬
‫واتخــذ مؤســس هــذه الســالة مــن أور عاصمــة لــه وســار عــى‬
‫نهــج ســلفه أوتو‪-‬حيــگال‪ ،‬وأجــر حـكّام املــدن املســتقلة عــى الخضــوع‬
‫لســيطرته‪ ،‬وجعــل حــكّام املقاطعــات واملــدن التــي كانــت تحــت‬
‫الســيطرة الگوتيــة خاضعــة لــه‪ ،‬ولقــب نفســه بلقــب (ملــك ســومر‬
‫وأكــد) إشــارة إىل ســيطرته عــى كل بــاد بابــل‪ ،‬فضــاً عــن تجهيــزه‬
‫‪194‬‬ ‫السومريون‬

‫حمــات عــى مناطــق ديــاىل ‪ ،‬وأخضــع مدينــة سوســة تحــت ســيطرته‪.‬‬


‫لقــد نجــح يف فــرض ســلطته عــى البلــدان واملناطــق املجــاورة لبــاد‬
‫ســومر‪ ،‬إذ يذكــر أنــه‪( :‬جعــل الطــرق مســتقيمة مــن «البلدان»الســفىل‬
‫إىل «البلــدان» العليــا)‪.‬‬
‫ويعــد برنامــج املبــاين العامــة الكثــرة يف هــذا العــر التــي قــام بهــا‬
‫امللــوك يف كل املــدن الســومرية أهــم ســات هــذا العــر‪ ،‬وهــي تــؤرش‬
‫مدرســة عامريــة راســخة فرضــت خربتهــا الفنيــة ومعايريهــا الجامليــة‪،‬‬
‫واوضــح مثــال عــى ذلــك هــو الزقــورة أو الــرج املــدرج الــذي يقــوم‬
‫عليــه معبــد صغــر‪ .‬وقــد بنــى أور‪ -‬منــو مؤســس الســالة زقــورة‬
‫أور الشــهرية يف مدينــة أور وأكملهــا ابنــه شــولگي‪ .‬وميكــن ألور‪ -‬منــو‬
‫االدعــاء بفضــل البــدء يف بنــاء الزقــورة العظيمــة‪ ،‬والتــي مــا تـزال أجـزاء‬
‫منهــا مرئيــة حتــى اليــوم‪ ،‬وتظــل رم ـزا ً قوي ـاً لقــوة حقبــة أور الثالثــة‬
‫وازدهارهــا‪ .‬ويُعتقــد عموم ـاً أن هــذه الزقــورة أو واحــدة أخــرى مــن‬
‫الزقــورات التــي بناهــا أور‪ -‬منــو يف الــوركاء‪ ،‬وأريــدو‪ ،‬ونيبــور كانــت‬
‫أصــل القصــة التوراتيــة لــرج بابــل‪ ،‬ومــع أن زقــورة بابــل نفســها كانــت‬
‫أيض ـاً منافس ـاً‪ .‬وقبــل الزقــورات مــن عــر أور الثالثــة‪ ،‬كانــت هنــاك‬
‫«رشفــات عاليــة» أخــرى متوجــة مبعابــد‪ ،‬ولكــن ال يوجــد دليــل واضــح‬
‫عــن بنــاء ثــايث متــدرج حقيقــي قبــل ذلــك‪ .‬ويزعــم أن هنــاك اثنــن‬
‫منهــا يف كيــش‪ ،‬ولكــن تبقــى حالتهــن غــر مؤكــدة‪ ،‬إذ جــرى التنقيــب‬
‫عنهــن منــذ ســنوات عــدة‪ ،‬ومل تنــر التفاصيــل عــى نحــو دقيــق‪ .‬كــا‬
‫هنــاك دليــل عــى وجــود بنــاء باآلجــر املســتوي املحــدب مــن نــوع مــا‬
‫ضمــن زقــورة أور‪-‬منــو‪ .‬وهنــاك كثــر مــن النقــاش حــول مغــزى هــذه‬
‫السومريون‬ ‫‪195‬‬

‫املبــاين الضخمــة‪ ،‬الجبــال التــي مــن صنــع اإلنســان فعلي ـاً‪ ،‬والتــي رمبــا‬
‫قصــد منهــا الوصــول قريبـاً مــن الســاء‪ ،‬حيــث مســاكن اآللهــة‪ ،‬وألجــل‬
‫أن ال تذهــب الصلــوات عــى قمتهــن بعيــدا ً‪ .‬وكان يتــم تســمية كل منهــا‬
‫باســم بانيهــا‪ ،‬وتوضــع عالمــة غالب ـاً مــا تتضمــن داللــة «جبــل»‪.‬‬
‫ودرس الســر(ليونارد وويل)عــارة هــذه الزقــورة وأشــار إىل أنهــا بنــاء‬
‫صلــد شــيد مــن ثالثــة أجـزاء‪ ،‬ونواتهــا مــن اللــن‪ ،‬ورمبــا بنيــت حــول وعــى‬
‫بــرج قديــم رمبــا مــن عــر الســاالت املبكــرة‪ ،‬وغطيــت بقــرة مــن اآلجر‬
‫الــذي لصــق بالقري الســميك لــذا ســميت ﺑ(أور املقــر)‪ ،‬ولهذه الزقورة ســلم‬
‫ثــايث‪ .‬وتتكــون الزقــورة مــن ثــاث مصاطــب مرتاكبــة‪ ،‬ويتضــاؤل حجــم‬
‫كل واحــدة منهــا‪ ،‬مثــل طبقــات كعكــة الزفــاف‪ .‬ويبلــغ قيــاس املصطبــة‬
‫الســفىل نحــو ‪ 45 ×60‬م‪ ،‬و ارتفاعهــا نحــو ‪ 15‬م يف املنتصــف‪ .‬وقــد بنيــت‬
‫مــن كتلــة صلبــة مــن اآلجــر‪ ،‬وثبــت أنــه مــن الصعــب للغايــة التخطيــط‬
‫عــى نحــو صحيــح ألنــه مل تكــن هنــاك أي خطــوط مســتقيمة‪ .‬وكان مــن‬
‫املســتحيل الرؤيــة مــن زاويــة إىل أخــرى عــى طــول قاعــدة املبنــى بســبب‬
‫انحنــاء الجــدران؛ وكان هنــاك أيضــأ ميــل كبــر يف املســتوى العمــودي‪ .‬وقــد‬
‫اعتقــد وويل يف البدايــة‪ ،‬أن هــذه املي ـزات ناتجــة مــن محاولــة متعمــدة‬
‫لخــداع العــن لالعتقــاد بــأن الخطــوط مســتقيمة باســتعامل الجهــاز‬
‫اليونــاين املعــروف باســم الشــدة(‪ .)entasis‬ومــع ذلــك‪ ،‬فأنــه غــر رأيــه‬
‫واقــرح أخ ـرا ً أن هــذه االنتفاخــات كانــت نتيجــة التجويــف التدريجــي‪.‬‬
‫وقــد زيــن الوجــه الخارجــي للزقــورة بالطلعــات والدخــات‪ .‬واخرتقــت‬
‫ثقــوب صغــرة مســتطيلة مليئــة بالفخــار املكســور عمــق املبنــى‪ .‬ويــرى‬
‫معظــم العلــاء أنهــا ثقــوب ترصيــف‪ ،‬مــا يســمح للرطوبــة بالخــروج‬
‫‪196‬‬ ‫السومريون‬

‫مــن وســط الرشفــة الكبــرة‪ ،‬ولكــن وويل نفســه كان مصم ـاً أنهــا كانــت‬
‫لتفريــغ الرشفــة الســفلية‪ .‬وأشــار إىل أنهــا كانــت يف األصــل قــد زرعــت‬
‫باألشــجار لتعزيــز االنطبــاع بــأن الزقــورة جبــل عظيــم‪ .‬ومــن املؤكــد أن‬
‫هنــاك رشوط ـاً لســحب امليــاه إىل الرشفــة‪ ،‬ولكــن يبــدو أن هنــاك شــكاً‬
‫كب ـرا ً بــأن األشــجار كانــت ســتنجو مــن الشــمس الحارقــة لصيــف بــاد‬
‫الرافديــن مــن دون مظلــة‪ .‬ومــا ي ـزال يوصــل إىل ســطح املصطبــة األوىل‬
‫عــن طريــق ســلم ثــايث عــى الوجــه الجنــويب الرشقــي مــن الرشفــة‪ .‬اثنــان‬
‫مــن الســامل مــن ‪ 100‬درجــة‪ ،‬ويصــل كل منهــا إىل واجهتهــا‪ ،‬ميتــد أحدهــا‬
‫باتجــاه الشــال تقريب ـاً‪ ،‬واآلخــر باتجــاه الجنــوب‪ ،‬يف حــن يــدور الثالــث‬
‫بزوايــا قامئــة إىل االثنــن اآلخريــن‪ .‬ومــن املمكــن أن تكــون هنــاك معابــد‬
‫صغــرة يف الزوايــا بــن الســلم الوســطي واألخــرى التــي تــدور حــول وجــه‬
‫الزقــورة عــى كل جانــب منهــا‪ .‬والتقــت جميــع الســامل الثالثــة أســفل‬
‫طبقــة الرشفــة مبــارشة‪ ،‬ورمبــا غطيــت نقطــة االتصــال بنــوع مــن القبــة‪،‬‬
‫كــا يظهــر يف عمليــات إعــادة البنــاء‪ .‬ويبــدو أن مســتوى ســطح الرشفــة‬
‫كان أعــى مبقــدار ‪3‬م يف الوســط منــه عنــد الزوايــا‪ ،‬وتتصــل الطبقتــان‬
‫مبجموعــة واحــدة متصلــة مــن الدرجــات‪ .‬ومل تحتفــظ املصطبــة الثانيــة‬
‫بارتفاعهــا بشــك ٍل كامــل‪ ،‬ألنهــا ســويت مــن قبــل نبونائيــد يف العــر‬
‫البابــي الحديــث‪ .‬ويقــدر ارتفاعهــا بنحــو ‪ 5،7‬م فــوق املصطبــة األوىل‪.‬‬
‫وقــد د ّمــر الجــزء األكــر مــن ســطح مصطبــة أور‪-‬منــو الثانيــة‪،‬‬
‫ولكــن ليــس هنــا أيــة ميـ ّزة واحــدة غــر موجــودة يف املصطبــة الســفىل‪.‬‬
‫وكشــف عــن غرفــة صغــرة بنيــت مقابــل الواجهــة الجنوبية‪-‬الرشقيــة‬
‫للزقــورة التــي كانــت أرضيتهــا مغطــاة بأشــكال نحاســية صغــرة مــن‬
‫السومريون‬ ‫‪197‬‬

‫طيــور‪ ،‬وأهلّــة‪ ،‬وقــوارب‪ .‬وعـ ّد وويل أن هــذه األشــكال قــد متثــل تعاويــذ‬
‫ســحرية‪ ،‬أمــا أن يقدمهــا مترضعــون‪ ،‬أو يتــم بيعهــا لهــم‪ .‬ورمبــا كانــت‬
‫مثــل تــذكار الحــج التــي كان يتــم رشاؤهــا يف العصــور الوســطى‪ ،‬لجلــب‬
‫الحــظ الســعيد‪ ،‬والحاميــة اإللهيــة بعــد زيــارة أحــد مواقــع الحــج‪.‬‬
‫وقــد تــاىش الطابــق الثالــث حتــى أسســه بســبب البنــاء الالحــق‬
‫والتــآكل‪ ،‬ومــع ذلــك ميكننــا إىل حــد مــا تثبيــت قياســاته (‪11،30 × 20‬م)‪،‬‬
‫ولكــن ليــس هنــاك يشء آخــر‪ .‬وأعيــد بنــاء م ـزار صغــر ليكــون قامئ ـاً‬
‫عليــه‪ ،‬كان جزئي ـاً نتيجــة لحســاب هريودوتــس لزقــورة بابــل بعــد أكــر‬
‫مــن ألــف عــام‪ .‬فقــد ادعــى أن امل ـزار أعــى الزقــورة كان يحتــوي عــى‬
‫أثــاث ذهبــي‪ ،‬حيــث تنــام الكاهنــة هنــاك‪ .‬ويعتقــد أن اإللــه ينــام هنــاك‬
‫أيضـاً‪ .‬وكان هريودوتــس يتطلــع إىل قصــة جيــدة‪ ،‬وأحيانـاً يــرك حامســه‬
‫يذهــب بعيــدا ً‪ ،‬لذلــك ال ميكــن التأكــد مــن دقــة روايتــه‪ .‬ومــن املمكــن‬
‫أيض ـاً أنــه مل يكــن هنــاك م ـزار‪ ،‬ولكــن بــدالً مــن ذلــك‪ ،‬مذابــح لتقديــم‬
‫القرابــن‪ .‬ولألســف‪ ،‬تع ّرضــت جميــع الزقــورات الباقيــة للتــآكل بشــدة‪،‬‬
‫ويبــدو مــن غــر املحتمــل أننــا ســنعرف أبــدا ً مــا الــذي أقيــم عــى‬
‫املصطبــة العليــا‪ ،‬إن وجــد‪ .‬مــع‪ ،‬أو مــن دون مـزار‪ ،‬ال بــد أنــه كان مشــهدا ً‬
‫مذه ـاً‪ ،‬ومعل ـاً نافع ـاً ميكــن رؤيتــه مــن مســافات بعيــدة يف الريــف‬
‫املنبســط‪ .‬كــا أنــه ترصيــح واضــح عــن تقــوى بناتــه وثروتهــم‪.‬‬
‫وقــام (جيــه‪ .‬إي‪ .‬تايلــور) يف منتصــف القــرن التاســع عــر بالعمــل‬
‫األقــدم لتنظيــف األنقــاض مــن زقــورة أور‪ .‬وبــدأ فريــق أمريــي العمــل‬
‫مــع نهايــة القــرن‪ ،‬ولكنــه رسعــان مــا أصيــب بخيبــة أمــل بســبب‬
‫‪198‬‬ ‫السومريون‬

‫حجــم التحــدي‪ .‬كــا الحــظ وويل أنهــا كان مهمــة هائلــة تتطلــب إزالــة‬
‫آالف األطنــان مــن الــركام قبــل إعــادة بنــاء الشــكل والحجــم األصليــن‬
‫مــع بعــض اليقــن‪ .‬وكانــت املحاولــة أكــر تعقيــدا ً بســبب اإلصالحــات‬
‫واإلضافــات للح ـكّام الالحقــن التــي دامئ ـاً مــا كان يصعــب متييزهــا يف‬
‫البدايــة‪ .‬ورمــم جــزء مــن الزقــورة اآلن علــاء اآلثــار العراقيــن‪ ،‬وتقــع‬
‫الزقــورة واملبــاين املرتبطــة بهــا يف النصــف الشــايل مــن املدينــة املســورة‪.‬‬
‫وتقــع الزقــورة نفســها يف منطقــة مس ـ ّورة أصغــر يف الزاويــة الشــالية‬
‫الغربيــة مــن املنطقــة املقدســة املرتفعــة‪ ،‬وتــرف عــى املدينــة التــي‬
‫تقــع أســفلها‪ .‬وتتجــه زواياهــا مــع اتجاهــات البوصلــة‪ ،‬عــى وفــق‬
‫التقاليــد املطلوبــة‪ ،‬فضــاً عــن الزقــورة اهتــم هــذا امللــك الســومري‬
‫بعمليــات بنــاء وتعمــر املعابــد‪ ،‬كــا أنــه حفــر القنوات وشــق الجــداول‪،‬‬
‫وقــد دون الكثــر مــن هــذه األعــال عــى بعــض املخاريــط الطينيــة‬
‫التــي عــر يف مدينــة لگــش‪.‬‬
‫ويســجل لهــذا امللــك أنــه رشع القوانــن‪ ،‬إذ يعــد أول مــن اصــدر‬
‫قانون ـاً مدون ـاً باللغــة الســومرية‪ ،‬وهــو يســبق القانــون الشــهري الــذي‬
‫رشعــه العاهــل البابــي العظيــم حمــورايب (‪ 1750 - 1792‬ق‪.‬م)‪ .‬فقد عرث يف‬
‫مدينــة نيبــور عــى ألــواح كتابيــة مدونــة بالســومرية تحمــل مــواد قانــون‬
‫هــذا امللــك‪ .‬ومــا يؤســف لــه أن حالــة هــذه النصــوص ســيئة‪ .‬وســعى‬
‫هــذا امللــك عــن طريــق فقراتــه ومــواد قانونــه إىل تحقيــق االســتقرار‬
‫االقتصــادي لدولتــه والعمــل عــى انجاحهــا يف مختلــف الجوانــب الحياتية‬
‫وتلبيــة االحتياجــات األساســية ملختلــف طبقــات املجتمــع وتحســن‬
‫أوضاعهــم املعاشــية‪ .‬ويتألــف مــن إحــدى وثالثــون مــادة قانونيــة أعتمــد‬
‫السومريون‬ ‫‪199‬‬

‫فيهــا مبــدأ التعويــض يف العقوبــات‪ ،‬أي فــرض الغرامــة عــى مــن يتســبب‬
‫يف إيــذاء شــخص آخــر‪ .‬ومــن املعــروف أن القوانــن الالحقــة أتبعــت‬
‫قاعــدة القصــاص املعروفــة‪( :‬العــن بالعــن والســن بالســن)‪.‬‬
‫وتعــد رايــة أور‪ -‬منــو مــن أبــرز النــاذج الفنيــة مــن هــذا العــر‪،‬‬
‫والتــي عــر عليهــا يف مدينــة أور‪ ،‬وهــي بارتفــاع نحو ‪ 3‬م‪ ،‬قســمت بصورة‬
‫أفقيــة تــرز صــورا ً مرتبطــة مــع البنــاء‪ ،‬ويظهــر امللــك وهــو يقــوم بأعامل‬
‫طقوســية‪ .‬وهــي موضوعــات ظهــرت عــى األختــام أيضـاً (الشــكل‪ :‬رقــم‬
‫‪ ،)18‬فض ـاً عــن متاثيــل تظهــر روعــة الفــن الســومري األصيــل‪ ،‬وعلــو‬
‫كعبــه يف مجــال الفــن القديــم يف بــاد الرافديــن‪ .‬وعــر عــى كثــر مــن‬
‫متاثيــل األســس للملــك الســومري أور‪-‬منــو يف عــدد مــن املــدن الســومرية‬
‫مثــل ‪ :‬لگــش وأور ونيبــور والــوركاء‪ .‬وكانــت هــذه التامثيــل صغــرة‬
‫الحجــم توضــع يف أســس املبــاين‪ ،‬وتحمــل كتابــات تكريســية‪ ،‬إذ حمــل‬
‫أحدهــا يعــود لهــذا امللــك النــص اآليت‪( :‬اإللــه أنليــل‪ ،‬ملــك البلــدان‪ ،‬إىل‬
‫ملكــه‪ ،‬أور‪-‬منــو‪ ،‬الرجــل القــوي‪ ،‬ملــك مدينــة أور‪ ،‬ملــكك بــاد ســومر(و)‬
‫أكــد‪ ،‬ســو مدينــة نيبــور‪ ،‬بنــى لــه) (الشــكل‪ :‬رقــم ‪.)19‬‬
‫وعــر عــى متثــال آخــر لهــذا العاهــل وهــو يحمــل ســلة مــواد البناء‪،‬‬
‫وكان يرتــدي لباسـاً طويـاً ذا نطــاق‪ ،‬ويالحــظ وجــود إلــه واقــف فــوق‬
‫قاعــدة مســتديرة‪ ،‬مــع وجــود كتابــة مســارية يف أســفل التمثــال تذكــر‬
‫اســم اإللــه واملعبــد‪ .‬وهنــاك متثــال آخــر صنــع مــن الخشــب‪ ،‬وكان‬
‫بالوضعيــة الســابقة ذاتهــا ويحمــل ســلة البنــاء ويرتــدي مئــزرا ً طويـاً ‪.‬‬
‫كان عهــد أور‪-‬منــو مليئـاً بالحــروب واألعــال العســكرية التي قضت‬
‫‪200‬‬ ‫السومريون‬

‫عــى جميــع الســاالت املحليــة الحاكمــة وعــى بقايــا الگوتيــن يف البــاد‬


‫وامتــدت لتصــل إىل ســواحل البحــر املتوســط ليســتعيد بذلــك النشــاط‬
‫التجــاري مــع األقاليــم والبلــدان املجــاورة والبعيــدة كــا يســتدل عــى‬
‫ذلــك يف الوثائــق االقتصاديــة املكتشــفة مــن هــذا العــر‪.‬‬
‫فقــد بــدأ بالســيطرة عــى مدينــة لگــش التــي كانــت تتمتــع‬
‫باالســتقالل يف عهــد الگوتيــن‪ ،‬وقتــل ملكهــا املعــروف باســم نامخــاين‬
‫وهــو صهــر أور‪-‬بــاو ملــك لگــش‪ ،‬وعــن شــخص آخــر حاكــاً لهــذه‬
‫املدينــة يدعــى أورايــا‪ .‬وقــاد حمــات عــدة عــى مناطــق بــاد عيــام‪،‬‬
‫وأخــرى عــى مــدن يف أعــايل الفــرات‪ ،‬ويف مناطــق الخليــج‪.‬‬
‫ودونــت وفــاة امللــك أور‪ -‬منــو يف أحــد النصــوص‪ ،‬إذ يــرد كيــف‬
‫أنــه‪( :‬تــرك يف ميــدان املعركــة كأنــه إنــاء مهشــم)‪ ،‬ويصــوره وهــو‬
‫يرقــد يف نعشــه يف قــره وكان يندبــه عــى األرجــح حاشــيته وأقربائــه‬
‫وشــعبه‪ ،‬ومــن ثــم يصــور عمليــة نزولــه إىل العــامل الســفيل ومــا حملــه‬
‫مــن قرابــن وهدايــا آللهــة هــذا العــامل‪ ،‬ومنهــم اإللــه دمــوزي‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪201‬‬

‫مصادر الفصل الثامن‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد ‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1980‬ملحمة كلكامش‪ .‬بريوت‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1985‬نظام الحكم واإلدارة‪ .‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ .2‬بغداد‪.‬‬
‫‪4 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1990‬السومريون وتراثهم الحضاري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪5 .‬أوبنهايــم‪ ،‬ليــو( ‪ .)1981‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ .‬ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪6 .‬أوتس‪ ،‬جني وديفيد(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪7 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪8 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1976‬مقدمة يف أدب وادي الرافدين‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪9 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1980‬ملحمة جلجامش‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪11 .‬ﭽرك‪ ،‬أوســام بحــر(‪ .)1998‬الزقــورة ظاهــرة حضاريــة متميــزة يف العــراق‬
‫القديــم‪ .‬رســالة ماجســتري غــر منشــورة‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب‪ ،‬قســم اآلثــار‪.‬‬
‫ ‪12 .‬حنون‪ ،‬نائل(‪ .)2006‬ملحمة جلجامش‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪13 .‬حمــدان‪ ،‬حنــان شــاكر(‪ .)2003‬جوديــا أمــر ســالة لجــش الثانيــة‪ .‬رســالة‬
‫ماجســتري غــر منشــورة‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب‪ ،‬قســم اآلثــار‪.‬‬
‫ ‪14 .‬خليــل‪ ،‬غيــث حبيــب(‪ .)2005‬وادي الرافديــن يف عــر فجــر الســاالت‪.‬‬
‫رســالة ماجســتري غــر منشــورة‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب‪ ،‬قســم اآلثــار‪.‬‬
‫ ‪15 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪16 .‬دياكونوف‪ ،‬ف‪ ،‬وآخرون(‪ .)1970‬ملحمة جلجامش‪ .‬ترجمة‪ ،‬عزيز حداد‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪17 .‬دياكانــوف‪ ،‬ف(‪.)1976‬ظهــور الدولــة االســتبدادية يف العـراق القديــم‪ .‬العـراق‬
‫‪202‬‬ ‫السومريون‬

‫القديــم – دراســة تحليليــة ألحوالــه االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ ،.‬ترجمــة‪ ،‬ســليم طــه‬


‫التكريتــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪18 .‬رشيد‪ ،‬صبحي ( ‪.)1979‬الرشائع العراقية القدمية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬رشيد‪ ،‬فوزري( ‪ .)1979‬الرشائع العراقية القدمية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪20 .‬رشيد ‪ ،‬فوزي (‪ .)1994‬األمري كوديا‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪21 .‬سارزيك‪ ،‬دي(‪ .)1993‬تنقيبات تلو‪ .‬ترجمة‪ ،‬وليد الجادر‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪22 .‬سكر‪ ،‬عزمي(‪ .)1999‬السومريون يف التأريخ‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪23 .‬سليامن‪ ،‬عامر(‪ .)1987‬القانون يف العراق القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬السواح‪ ،‬فراس(‪ .)1980‬مغامرة العقل االوىل‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪25 .‬الصيواين‪ ،‬شاه محمد( ‪ .)1976‬أور بني املايض والحارض‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪26 .‬الطعان‪ ،‬عبد الرضا( ‪ .)1981‬الفكر السيايس يف العراق القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪27 .‬عبــد اللطيــف‪ ،‬ســجى مؤيــد(‪ .)2004‬قواعــد اللغــة الســومرية يف ضــوء‬
‫ســالة لجــش األوىل‪ .‬أطروحــة دكتــوراه غــر منشــورة‪ ،‬جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب‪،‬‬
‫قســم اآلثــار‪.‬‬
‫ ‪28 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪.)1968‬عشتار ومأساة متوز‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪ 29 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1975‬الطوفان يف املراجع املسامرية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪30 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1983‬الســومريون واالكديــون‪ ،‬بحــث ضمــن‬
‫كتــاب الع ـراق يف التاريــخ‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪31 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1987‬من ألواح سومر إىل التوراة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪32 .‬عــي‪ ،‬فضــل عبــد الــواح( ‪ .)1987‬املنجـزات السياســية والعســكرية يف عصــور‬
‫فجــر الســاالت الســومرية‪ ،‬مجلــة املــورد‪.‬‬
‫ ‪33 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1987‬وثيقــة حــرب التحريــر للملــك الســومري‬
‫السومريون‬ ‫‪203‬‬

‫أوتوحيــكال‪ .‬يف كتــاب الجيــش والســاح‪ ،‬ج‪ ، 1‬بغــداد‪.‬‬


‫ ‪34 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1997‬سومر أسطورة وملحمة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪35 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‬
‫ ‪36 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫وخصائصهــم ‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪37 .‬كرمير‪ ،‬صمؤيل نوح(‪ .)1956‬من ألواح سومر‪ .‬ترجمة‪ ،‬طه باقر‪ ،‬بغداد‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪38 .‬كيريا ‪ ،‬ادوارد (‪ .)1964‬كتبوا عىل الطني ‪ .‬ترجمة‪ ،‬محمود االمني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪39 .‬لنــزن‪ ،‬هانريــش(‪ .)1989‬العــارة يف منطقــة أي‪-‬أنــا يف عــر الطبقــة الرابعــة‬
‫ملدينــة الــوركاء‪ .‬ترجمــة‪ ،‬عبــد الــرزاق كامــل‪ ،‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪.46.‬‬
‫ ‪40 .‬لويد‪ ،‬سيتون (‪ .)1980‬آثار بالد الرافدين‪ .‬ترجمة‪ .‬سامي سعيد األحمد‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪ 41 .‬مالــوان‪ ،‬ماكــس(‪ .)2001‬حضــارة عــر فجــر الســاالت يف الع ـراق‪ .‬ترجمــة‬
‫كاظــم ســعد الديــن‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪42 .‬موفق الطايئ (‪ .)2008‬قانون أورمنو دراسة تاريخية قانونية مقارنة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪43 .‬النجفي‪ ،‬حسن(‪ .)1982‬التجارة والقانون بدأ يف سومر‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪44 .‬نيســن‪،‬هانز(‪ .)1966‬املقــرة امللكيــة يف أور وموقعهــا الزمنــي ضمــن التاريــخ‬
‫البابــي‪ .‬ترجمــة‪ ،‬فــوزي رشــيد‪ ،‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج‪ .22‬بغــداد‪.‬‬
‫‪45 .‬‬ ‫‪Carter Elizabeth(1989- 1990). A surface Survey of Lagash,. Al-‬‬
‫‪Hiba1984.Jour. Sumer, Vol.46, Part. 2.‬‬
‫‪46 .‬‬ ‫‪Diakanoff, I. W., Some remarks on the reform of Uru- Kagina, RA,‬‬
‫‪52, 1958.‬‬
‫‪47 .‬‬ ‫‪Diakanoff.I.W(1991). Early Antiquity. Chicago.‬‬
204 ‫السومريون‬

48 . Edzard, D. O(1967). Gudea and his Dynasty.Toronto.


49 . Gadd,C.J(1963). The Dynasty of Akkad and gution Invasion.Vol.1,
London.
50 . Gadd,C.J(1948). Ideas of divine rule in the Ancient East.London.
51 . George, A.R (2003).The Babylonian Gilgamesh epic.U.S.A .
52 . Hallo, W.W(1957). Early Mesopotamia Royal Titles, EMPRT. New
Haven.
53 . Jacobsen, Th(1969). A survey of the Girsu, (Telloh).Jour. Sumer, Vol.
23, Part.2.
54 . Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.
55 . Jacobsen, Th(1976). The Treasures of Darkness, A History of
Mesopotamia Religion. London.
56 . Jerrold, S(1984). Cooper, Sumerian and Akkadian Royal Inscriptions.
Vol, 1, SARI. New Haven.
57 . Kramer,S.N(1952). Enmerkar and the Lord of Aratta. Philadelphia.
58 . Kramer, S. N(1954). Ür-Nammu Law Code, or (NS), 23.USA.
59 . Lambert, W.G, Millared, A.R (1971). Atrahasis,the Babylonian story
of the flood.Syria,Vol.4.
60 . Langdon,S(1915). Sumerian Epic of,the Flood and the fall of man.
Philadelphia.
61 . Mallawan, M(1964). Noah›s Flood Reconsidered. Iraq,Vol.26,N.2.
62 . McDonald,D(1988).The Flood: Mesopotamian Archaeological
‫السومريون‬ 205

evidence. Creation Evolution Journal,Vol,23.


63 . Meada, T(1988). Two Rulers by the name (Ur ningirsu) in pre-Ur III
Lagash, Acta Sumerologica, No. 10, Tokyo.
64 . Mieroop,M.V(2004). A history of the Ancient Near East ca
3000323 -B.C.London.
65 . Nissen, N. J(1990). The Early history of the Ancient Near East 9000–
2000 B. C. Chicago.
66 . Oppenheim, A. L(1956). Dreams and their Interpretations, the
interpretation of dreams in the Ancient near East, part (3),(Chicago.
67 . Oppenheim, A. L(1966). Gudea Ensi of Lagaš in Anet. New Jersey.
USA.
68 . Porter, B.N(2003). Trees Kings and Politics Studies in Assyrian
Iconography.Vandenhoeck.
69 . Postgate, J.N(1996).Early Mesopotamia. London .
70 . Postgate, J.N(1999). Early Mesopotamia.London.
71 . Postgate, J.N(2000). Royal Ideology and State A dministration. in
Sumer and Akkad, Civilizations of the Ancient Near East, Vol. 1, U.S.A, pp.
395411-.
72 . Redman, C(1978). The Rise of civilization: from early farmers to
urban society in the Ancient Near East. San Francisco.
73 . Rowton, M. B(1982). Sumer’s Strategic Periphery in Topologial
Perspective. Leiden.
206 ‫السومريون‬

74 . Sollberger, E(1954). New Lists of the king of Ur and Isin. Jour. J.C.S.,
Vol. 8,New Haven.
75 . Sollberger, E(1957). On Two Early Lagaš” Inscription in the Iraq
museum.Jour. Sumer, Vol. 8.
76 . Sollberger, E(1967).The Rulers of Lagaš. JCS, Vol. 21.
77 . Stone,E(1995). The Development of Cities in Ancient Mesopotamia.
Civilization of the Ancient Near East vol.1, New York.
78 . Woolley, C.L(1929). The Sumerians. Oxford.
79 . Vonstiphout, H(2003). Epics of Sumerian Kings The Matter of Aratta.
Atlanta.
‫السومريون‬ ‫‪207‬‬

‫(‪)9‬‬
‫اآللهة السومرية‬

‫‪ 9-1‬متهيد‬
‫نــال الديــن ومنــذ أقــدم العصــور أهميــة كبــرة يف حيــاة الشــعوب‪،‬‬
‫بــل إنــه مــن أهــم العوامــل املؤثــرة يف ســر حياتهــا‪ ،‬وأســلوب تطــور‬
‫حضاراتهــا‪ ،‬إذ تحــدد املعتقــدات واألفــكار الدينيــة اإلطــار العــام لســلوك‬
‫اإلنســان وحياتــه‪ ،‬وعاداتــه وتقاليــده‪ ،‬وأعرافــه وقوانينــه‪ ،‬وتكــون‬
‫الخلفيــة املؤثــرة يف حياتــه االجتامعيــة والفكريــة والسياســية‪ ،‬وقلــا‬
‫نجــد أي عمــل قــام بــه اإلنســان القديــم أو أي أثــر تركــه إال وكان‬
‫للديــن فيــه تأثــر‪ .‬وطاملــا احتــل الديــن ومــا يرتبــط بــه مــن رمــوز‬
‫وشــعائر وطقــوس مــكان الصــدارة يف حيــاة اإلنســان يف جميــع مجاالتهــا‬
‫االجتامعيــة والسياســية‪ ،‬ليــس ألنــه عنــر حيــوي مــن عنــارص املنظومة‬
‫الثقافيــة ومكــون فاعــل مــن مكونــات بنيــة الوعــي االجتامعي فحســب‪،‬‬
‫وإمنــا لخطــورة دوره وجســامة وظيفتــه يف التأثــر وتعبئــة الحشــود‪،‬‬
‫مــا جعــل نابليــون بونابــرت يقــول مقولتــه الشــهرية‪« :‬كيــف تقــوم‬
‫للنظــام قامئــة يف دولــة بــا ديــن»‪.‬‬
‫وقــد شــكل املعتقــد الدينــي للعراقيــن القدامــى محــورا ً جوهري ـاً‬
‫مــن محــاور اســتيعاب وتفهــم ذهنيتهــم وأســاليب تفكريهــم للتشــابك‬
‫املفصــي الــذي يقيمــوه أو يتصــوره عــن العــامل الســفيل وكذلــك العــامل‬
‫‪208‬‬ ‫السومريون‬

‫العلــوي‪ ،‬وتأثــر اآللهــة يف صياغتــه وتدبــره فتتحــول حياتهــم عبــارة‬


‫عــن رحلــة قصــرة‪ .‬وإن عــى اإلنســان العراقــي القديــم أن يذعــن يف‬
‫أثنــاء حياتــه القصــرة هــذه لسلســلة معقــدة مــن الطقــوس والشــعائر‬
‫املرتاكمــة بفعــل الزمــن واملرتبطــة بالعاملــن الســفيل والعلــوي‪ ،‬وإن‬
‫املســافة الفاصلــة بينهــا تشــكل امليــدان الواقعــي والفعــي لتلــك‬
‫املامرســات التــي تهيمــن عــى تفكــر اإلنســان القديــم يف بــاد الرافدين‪،‬‬
‫ويوظــف لهــا جميــع مجهوداتــه العقليــة والروحيــة‪ ،‬ومــن ثــم تبــدأ‬
‫إســقاطات ذلــك عــى مختلــف مناحــي الحيــاة مــن أدب وفــن وغريهــا‪.‬‬
‫وكانــت نظــرة ســكان بــاد الرافديــن القدامى للعــامل معقــدة‪ .‬إذ كان‬
‫العنــر األول يف تصورهــم ومعتقدهــم عبــارة عــن هيــويل مــايئ‪ ،‬وأول‬
‫املحيطــات تصــوره عــى شــكل امــرأة عمالقــة‪ ،‬ثــم نشــأت يف داخلهــا‬
‫اليابســة عــى شــكل جبــل ضخــم‪ ،‬فكانــت قمتــه هــي إلــه الســاء(آن)‪،‬‬
‫أمــا قاعــدة هــذا الجبــل املســطحة فهــي إلهــة األرض(يك) أو أنــي أو‬
‫أيّــا‪ .‬وقــد كانــت بعــض اآللهــة الكونيــة وفق ـاً العتقادهــم تعبــد يف كل‬
‫مــكان‪ ،‬وهــي تشــكل آلهــة املجموعــة الرئيســة أو الخالقــة‪ .‬وكانــت‬
‫تضــم كالً مــن‪( :‬آن) إلــه الســاء‪ ،‬و(أنــي) ســيد األرض وإلــه عــامل‬
‫املحيطــات الســفىل التــي يســتقر عليهــا العــامل عــى وفــق لألســاطري‬
‫القدميــة‪ ،‬و(أنليــل) ســيد الريــح و إلــه القــوى بــن األرض والســموات‬
‫وهــو إلــه مدينــة نفــر الحــارس وابــن (آن) وكان اإللــه أنليــل أيضــاً‬
‫إلــه االتحــاد القبــي الســومري املرتبــط مبدينــة نفــر‪ .‬وكانــت هنــاك‬
‫مجموعــة ثانيــة مــن اآللهــة النجميــة؛ أي الشــمس والقمــر وكوكــب‬
‫الزهــرة‪ ،‬وكان «أوتــو= شــمش» يحتــل مركــزا ً فريــدا ً‪ ،‬بوصفــه قــايض‬
‫السومريون‬ ‫‪209‬‬

‫الســاء واألرض‪ ،‬وكان بوصفــه إلــه العــدل معنيـاً بحاميــة الفقـراء‪ .‬أمــا‬
‫«نانــا أو ننــار» وهــو إلــه القمر(ســن األكــدي) فقــد كان ميثــل بالهــال‬
‫وهــو والــد اإللــه «أوتــو= شــمش» ‪ .‬وكان أشــكور (أدد) إلــه الجــو مــن‬
‫اآللهــة املهمــة يف هــذه املجموعــة‪.‬‬
‫وهنــاك أيضــاً أنــواع مختلفــة مــن مــا يعــرف باإللهــة األم؛ مــن‬
‫أبرزهــن اإللهــة ننخرســاگ التــي كانــت تقــف إىل جانب آلهــة املجموعة‬
‫الرئيســة‪ ،‬وهــي أم تحمــي الخصــب لــدى البــر والحيوانــات‪ ،‬وكانــت‬
‫تحمــل أســاء عــدة وتعبــد يف أماكــن مختلفــة‪ .‬فكانــت تعــرف باســم‬
‫«بــاوا» يف مدينــة «لگــش» وباســم «نيدابــا» كإلهــة للكتابــة يف مدينــة‬
‫«أُو ّمــا»‪ .‬وهنــاك اإللهــة ذات الصــورة البهيــة «أينانــا» (ســيدة الســاء)‬
‫التــي كانــت ذات هيئــة متبدلــة‪ ،‬فمــرة هــي اإللهــة األم‪ ،‬وأخــرى إلهــة‬
‫الزهــرة‪ ،‬وثالثــة هــي إلهــة للقطعــان‪ ،‬وكان حيوانهــا املقــدس هــو‬
‫الخــروف‪ .‬وكانــت اآللهــة املحليــة الحارســة والحاميــة لــكل املجتمــع‬
‫هــي األكــر أهميــة فيــا يخــص العراقــي القديــم التــي تكــون عــادة‬
‫مــع القريــن (الــزوج أو الزوجــة) واالبــن والحاشــية‪ .‬وكانــت هنــاك آلهــة‬
‫ثانويــة ال تعــد وال تحــى وآلهــة رشيــرة تشــرك وتتداخــل جميعـاً مــع‬
‫الحبــوب واملاشــية والبيــت ومخــازن الحبــوب‪ ،‬فض ـاً عــن آلهــة لــكل‬
‫مــن األم ـراض والكــوارث‪ .‬وتختلــف هــذه اآللهــة عــادة مــن مجتمــع‬
‫إىل آخــر‪ ،‬وكانــت تــرد عنهــا أســاطري مختلفــة ومتناقضــة‪ .‬ويبــدو أن‬
‫الســومريني هــم مــن أبــدع هــذه الكــم الكبــر مــن اآللهــة‪ ،‬إذ كانــوا‬
‫يتمتعــون مبخيلــة خالقــة‪.‬‬
‫‪210‬‬ ‫السومريون‬

‫لقــد أضفــى قدامــى العراقيــن عــى آلهتهــم املقدســة صفــات برشية‬


‫اســتنادا ً إىل مبــدأ التشــبيه‪ ،‬فاآللهــة تتــزوج وتتناســل وتــأكل وتــرب‬
‫غــر أن مــا مييزهــا عــن البــر أنهــا خالــدة تحيــا يف الســاء ويعبدهــا‬
‫البــر يف األرض‪ ،‬كــا أعتقــد العراقيــون القدمــاء أن آلهتهــم تحيــا يف‬
‫مجتمــع إلهــي خــاص بهــا لــه قوانينــه وضوابطــه الخاصــة‪ ،‬وأنهــا قــد‬
‫خلقــت النــاس لعبادتهــا‪ ،‬وأن اآللهــة العظــام يف املجتمــع اإللهــي هــي‬
‫التــي تفــوض بعــض ســلطاتها السياســية للحــكام مــن الجنــس البــري‬
‫عــى وفــق ملبــدأ التفويــض‪ ،‬أي أن هــؤالء الحــكام البــر هــم نــواب‬
‫عــن آلهــة الســاء يحكمــون باســمها وأن ســلطاتهم التــي ميارســونها‬
‫يف حكــم النــاس مســتوحاة مــن تلــك اآللهــة الســاوية‪ ،‬لذلــك كانــت‬
‫امللوكيــة مقدســة ألنهــا هبطــت مــن الســاء إىل األرض كــا يعتقــد‬
‫أبنــاء الرافديــن القدامــى‪ .‬كــا أنهــم الحظــوا أســاليب تنظيــم الحيــاة‬
‫االقتصاديــة وأهميــة الوســائل املعتمــدة فتصــوروا أن األمــور تجــري‬
‫كذلــك يف عــامل اآللهــة‪ ،‬بــل أنهــم رأوا أن هــذا العــامل هــو الــذي عمــد‬
‫إىل إيجــاد العــامل الكــوين وخلــق اإلنســان وجعلــه يف خدمتــه‬

‫‪ 9-2‬اآللهة الرئيسة يف البانثيون السومري‬


‫أثــرت األفــكار الدينيــة واملفاهيــم الروحيــة التــي طورها الســومريون‬
‫يف أثنــاء األلــف الثالــث ق‪.‬م عــى نحــو كبــر يف الديانــات التــي جــاءت‬
‫يف العصــور الالحقــة‪ .‬إذ ميكــن عــد الديانــة الســومرية أول نظــام دينــي‬
‫عميــق ابتــدأت منــه العصــور التاريخيــة للبرشيــة‪ ،‬فقــد افتقــرت أديــان‬
‫العصــور الســابقة إىل الشــبكة النظاميــة الدقيقــة التكويــن وإىل اإليقــاع‬
‫السومريون‬ ‫‪211‬‬

‫املوحــد يف األمــور العقائديــة والطقوســية وامليثولوجيــة‪ ،‬فشــكل الديــن‬


‫الســومري ثــورة روحيــة عميقــة يف عــره كونــه نظام ـاً ديني ـاً شــامالً‪،‬‬
‫فضـاً عــن أنــه اشــتمل ضمنـاً عــى الكثــر مــن جــذور األديــان الســابقة‬
‫لــه‪ .‬وكان أقــدم شــكل معــروف لهــذه الديانــة يف جوهــره تأليــه‬
‫لقــوى الطبيعــة وعبادتهــا‪ ،‬لــذا قســم الســومريون الكــون إىل الســاء‬
‫واألرض(آن‪-‬يك)‪ ،‬وكان يتــوىل أمرهــا ثالــوث مــن اآللهــة‪.‬‬
‫ونعرض هنا هذا الثالوث اإللهي وبعض اآللهة األخرى املرتبطة بهم‪.‬‬

‫‪ 9-2-1‬اإلله (آن)‬
‫يقــف اإللــه آن يف مقدمــة اآللهــة الســومرية وعرشــه يف الســاء‬
‫ويحــرس مســكنه كل مــن اإللــه دمــوزي واإللــه ننگيشــزيدا‪ ،‬وكتــب‬
‫أســمه يف هيئــة تشــبه صــورة النجمــة مثانيــة الــرؤوس التــي رمبــا تشــر‬
‫إىل جميــع جهــات الكــون الجغرافيــة‪ ،‬وهــو مــا يــؤرش وجــود هــذا اإللــه‬
‫يف كل مــكان يف الكــون‪ .‬وكانــت مدينــة الــوركاء هــي مركــز عبادتــه‪،‬‬
‫وعبــد كذلــك يف مــدن عــدة منهــا ديــر وأكــد‪ .‬وهــو رئيــس مجمــع‬
‫اآللهــة الســومرية‪ ،‬وأعطــي هــذا اإللــه الرقــم ســتون‪ ،‬وهــو الرقــم األعىل‬
‫يف البانثيــون الســومري‪ ،‬وقــد أصبــح هــذا الرقــم مقدسـاً وأساسـاً لنظــام‬
‫الحســاب الســتيني املعــروف واملســتخدم إىل اآلن‪ .‬وكان التــاج املقــرن‬
‫أحــد رمــوز هــذا اإللــه وقــد صــور عــى الكثــر مــن الشــواهد الفنيــة‪،‬‬
‫وظهــر بأشــكال مختلفــة منهــا قبعــة ذات قــرون موضوعــة عــى دكــة‪،‬‬
‫أو عــى شــكل تــاج طويــل موضــوع فــوق دكــة مطوقــة بــأزواج مــن‬
‫القــرون ت ـراوح مــا بــن ثالثــة إىل ســبعة قــرون تتجــه نحــو األعــى‪.‬‬
‫‪212‬‬ ‫السومريون‬

‫ومــن رمــوزه أيض ـاً القصبــة املعقوفــة‪ ،‬وعمــود ينتهــي بحلقــة جانبيــة‪.‬‬
‫وتعــده الكتابــات الســومرية ابنـاً لإللهــة منّــو‪ ،‬وكانــت زوجتــه هــي‬
‫األرض اإللهــة (يك= ‪ )Ki‬أو (أُريــش)‪ ،‬وهــو األب لكثــر مــن اآللهــة وفــق‬
‫مــا جــاء يف النصــوص املســارية مثــل‪ :‬أنليــل إلــه الهــواء‪ ،‬وأشــكور(أدد)‬
‫إلــه الجــو‪ ،‬وأينانــا (عشــتار) إلهــة الحــب والجــال وســيدة الحــرب‪ ،‬كــا‬
‫أنــه والــد اآللهــة الســبعة الرشيــرة‪ .‬وتتألــف حاشــيته مــن ســبعة آلهــة‪:‬‬
‫أنليــل‪ ،‬وبيليــت إيــي‪ ،‬وأنــي (أيّــا)‪ ،‬وننــار (ســن)‪ ،‬وأوتــو (شــمش)‪،‬‬
‫وأشــكور(أدد)‪ ،‬وأينانــا (عشــتار)‪ ،‬وننورتــا‪ ،‬ونــرگال‪ .‬وكان ينظــر إليــه‬
‫عــى أنــه النمــوذج األول لــكل اآلبــاء‪ ،‬ومبــا أنــه امللــك والحاكــم األقــدم‬
‫فهــو النمــوذج األول لــكل الحــكام وامللــوك‪ .‬ويســتمد هــؤالء شــاراتهم‬
‫مثــل‪ :‬الصولجــان والتــاج وربــاط الــرأس وعصــا الراعــي منــه‪ ،‬إذ كان‬
‫ســكان بــاد الرافديــن يعتقــدون أن هــذه الرمــوز والشــارات امللكيــة‬
‫كانــت قــد وجــدت قبــل أن يظهــر أي ملــك مــن البــر وأنهــا كانــت‬
‫يف الســاء يف عهدتــه ومــن ثــم نزلــت إىل األرض‪ .‬واعتقــدوا أن قــوة‬
‫ومكانــة امللــك املقدســة أُســتمدت منــه‪ ،‬وأنهــا مصــدر كل ســلطة يف‬
‫املجتمعــن اإللهــي والبــري‪ .‬فهــو يجســد الســيادة املطلقــة والقــوة‬
‫العليــا‪ ،‬وهــو مصــدر الســلطات واألوامــر اإللهيــة‪:‬‬
‫(يا آن كلمتك هي العليا‪،‬‬
‫من يستطيع أن يقول لها كال‪ ،‬يا أبا اآللهة إن أمرت‪،‬‬
‫فأمرك أساس السموات واألرض‪.)...‬‬
‫وكانــت لــه أدوار عــدة يف عــدد مــن األســاطري واملالحــم؛ منهــا ملحمــة‬
‫السومريون‬ ‫‪213‬‬

‫أترا‪-‬خاســيس‪ ،‬وفيهــا إشــارات واضحــة لــدوره يف خلــق اإلنســان بالتعــاون‬


‫مــع مجموعــة مــن اآللهــة العظــام؛ أنــي وأنليــل‪ .‬ونتيجــة لحبــه لإللهــة‬
‫أينانا(عشــتار)‪ ،‬ورغبــة منــه يف رفــع مقامهــا فقــد أرشكهــا يف تاجــه‪ ،‬وطلب‬
‫مــن كل مــن اإللهــن أنــي وأنليــل أن يتنــازال عــن بعــض صالحياتهــا‬
‫لهــا وأن يجعلوهــا تحكــم إىل جانبهــم كــا جــاء يف أســطورة متجــد هــذه‬
‫اإللهــة‪ .‬ومــن منطلــق حبــه لإللهــة عشــتار قــام بخلــق الثــور الســاوي‬
‫مــن أجــل القضــاء عــى البطــل گلگامــش وتحطيــم مدينتــه الــوركاء‬
‫نتيجــة إلهانــة هــذا امللــك الســومري لهــذه اإللهــة ورفضــه االقــران‬
‫بهــا‪ ،‬كــا جــاء يف أحــد ألــواح ملحمــة گلگامــش الــذي أرشنــا لــه عنــد‬
‫الحديــث عــن هــذا البطــل الســومري‪ .‬ورمبــا كان اإللــه املؤثــر يف اتخــاذ‬
‫قــرار الطوفــان وإهــاك البــر‪ ،‬إذ كان مــن بــن اآللهــة التــي قــررت‬
‫إنـزال الكــوارث املدمــرة عــى البــر مثــل‪ :‬الوبــاء والقحــط والطوفــان‪.‬‬
‫أســتمرت عبادتــه يف بــاد ســومر آلالف الســنني‪ ،‬ومبــا أنــه اإللــه املعظــم‬
‫مــن الســومريني فإنــه فقــد مكانتــه بــزوال نفوذهــم مــع مطلع األلــف الثاين‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬وحلــت مكانــه آلهــة قوميــة مثــل‪ :‬مــردوخ البابــي‪ ،‬وآشــور اآلشــوري‪.‬‬

‫‪ 9-2-2‬اإلله أنليل‬
‫يعــد اإللــه أنليــل واحــدا ً مــن أبــرز وأهــم اآللهــة الســومرية‪ ،‬ويتكــون‬
‫اســمه الســومري مــن مقطعــن‪ ،‬األول آن ويعنــي ســيد‪ ،‬والثــاين ليــل‬
‫ويعنــي الريــح أو الهــواء‪ ،‬فيصيــح معنــى أســمه ســيد الهــواء أو ســيد‬
‫الريــح‪ .‬وتشــر النصــوص الســومرية إىل والدة جيــل كــوين مــن اإللــه منّــو‪،‬‬
‫ميثــل األرض والســاء متحديــن‪ ،‬فاإللــه (آن) هــو عنــر مذكــر و(يك)‬
‫‪214‬‬ ‫السومريون‬

‫عنــر مؤنــث‪ ،‬ومــن اتحادهــا ولــد أنليــل‪ .‬ويحمــل اإللــه أنليــل ألقــاب‬
‫عــدة منهــا؛ أبــو جميــع اآللهــة‪ ،‬وســيد جميــع اآللهــة‪ ،‬والجبــل الكبــر‪،‬‬
‫وصاحــب العينــن الرباقتــن‪ ،‬وهــو مــن يقــرر مصــر الجميــع‪ ،‬والــذي ال‬
‫رجعــة لقراراتــه‪ ،‬والــذي ميتلــك ألــواح القــدر بــن يديــه‪ .‬وتؤكــد الكتابــات‬
‫املســارية‪ ،‬وال ســيام املالحــم الخاصــة بخلــق الكــون أنــه هــو الــذي‬
‫فصــل الســاء عــن األرض‪ ،‬وهــو مــن خلــق الفــأس أداة العمــل‪ ،‬وصــار‬
‫أســمه يعنــي الــرب أو الســيد‪ ،‬ومــن هــذا االســم أُشــتقت صفــة الربوبيــة‬
‫واأللوهيــة‪ .‬وكانــت اآللهــة جميع ـاً تســعى للحصــول عــى بركتــه‪ ،‬فقــد‬
‫جــاء يف إحــدى األســاطري كيــف رحــل اإللــه أنــي بعــد أن أتــم بنــاء بيتــه‬
‫البحــري يف أريــدو إىل معبــد االلــه أنليــل يف نفــر مــن أجــل الحصــول‬
‫عــى بركتــه‪ ،‬وعندمــا أراد االله‪-‬القمــر ننار(ســن) إلــه مدينــة أور الحامــي‬
‫ـارب‬
‫أن يتأكــد مــن تحقيــق خــر مملكتــه ورخائهــا ذهــب إىل نفــر يف قـ ٍ‬
‫محمــلٍ بالهدايــا مــن أجــل الحصــول عــى رضــا ومباركــة اإللــه أنليــل‪.‬‬
‫وقــد حمــل اإللــه أنليــل ألقــاب آن وقــام بــدوره يف قيــادة مجمــع‬
‫اآللهــة‪ ،‬فهــو مصــدر الســلطة‪ ،‬وهــو مــن يوقــع العقــاب بامللــوك عــى‬
‫خطاياهــم‪ ،‬ويفخــر أغلــب امللــوك يف بــاد الرافديــن أنــه هــو مــن‬
‫أعطاهــم الســلطة ملامرســة الحكــم‪ .‬وكانــت مدينــة نيبــور (نفــر) مركــز‬
‫عبادتــه‪ ،‬وفيهــا معبــده الشــهري (أي‪-‬گــور)‪ ،‬الــذي يعنــي الجبــل العلــوي‪،‬‬
‫وهــي مــن أهــم املــدن املقدســة يف بــاد الرافديــن‪ ،‬فــرد يف أحــد‬
‫الكتابــات‪« ( :‬نفــر» املـزار‪ -‬الــذي يســكنه األب «الجبــل العظيــم» منصة‬
‫الربكــة ‪«،‬إيكــور» الــذي يعلــو‪ ...‬الجبــل الشــامخ‪ ،‬املوضــع الطاهــر‪،...‬‬
‫أمــره‪« ،‬الجبــل العظيــم»‪ ،‬األب «أنليــل»)‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪215‬‬

‫وكان الحــكام وامللــوك يســعون إىل نيــل رضــا هــذه املدينــة‪ ،‬ألن‬
‫إلههــا أنليــل كان هــو مــن مينــح امللوكيــة‪ ،‬لــذا ســعى امللــوك إىل تعمــر‬
‫معبــده وتقديــم الهدايــا والقرابــن مــن أجــل الحصــول عــى رعايتــه لهم‪،‬‬
‫(جميــع النبــاء واألمـراء يقدمــون هنــاك هداياهــم وقرابينهــم املقدســة‪،‬‬
‫ويقيمــون صالتهــم ويتلــون ابتهاالتهــم وترضعاتهــم هنــاك‪ .‬يــا «أنليــل»‪،‬‬
‫إن الراعــي الــذي تنظــر إليــه بعــن «رضــاك»‪ ،‬والــذي دعوتــه ورفعــت‬
‫مقامــه يف البــاد‪ ...‬والــذي يــذل البلــدان األجنبيــة حيثــا يذهــب‪ ،‬قــد‬
‫جلــب ســكائب ملطفــة مــن كل مــكان‪ ،‬وقرابــن «أُختــرت» مــن غنائــم‬
‫كبــرة‪ ،‬ويف املخــزن‪ ،‬ويف الباحــات العظيمــة‪ ،‬قــدم قرابينــه‪.)...‬‬
‫وغالبــاً مــا يصــور عــى أنــه كان ذا فضــل كبــر عــى البرشيــة‪،‬‬
‫فقــد شــملهم بعطفــه‪ ،‬ووضــع الخطــط إلخ ـراج كل البــذور والنباتــات‬
‫واألشــجار مــن األرض‪ ،‬فهــو مــن يحقــق الوفــرة والربكــة والرخــاء يف‬
‫البــاد‪( :‬ولــو ال «أنليــل» الجبــل العظيــم‪ ،‬ملــا منــت النباتــات واألعشــاب‪،‬‬
‫مفخــرة الســهل‪ ،‬وملــا أزدهــر القمــح الوفــر يف الحقــل واملرعــى‪ ،‬وملــا‬
‫أمثــرت األشــجار النابتــة يف غابــة الجبــل أمثارهــا‪.)...‬‬
‫ومــع هــذا اإلحســان العظيــم فإنــه يوصــف أيضـاً بأنــه إلــه عنيــف‬
‫مدمــر‪ ،‬كــا جــاء هــذا يف أدب الرثــاء‪ .‬ويــرى الســيد جاكوبســن إن اإللــه‬
‫أنليــل كان ســيد مــا بــن األرض والســاء مــن دون منــازع‪ ،‬فهــو ثــاين‬
‫القــوى العظمــى يف الكــون املــريئ وال يعلــوه يف املرتبــة إال إلــه الســاء‬
‫آن‪ ،‬وأنــه يف الوقــت الــذي كان فيــه أن ميثــل الســلطة يف املجتمــع‬
‫كان أنليــل ميثــل القــوة أو البطــش‪ ،‬إذ أن قوتــه كانــت تســحق كل مــا‬
‫يعارضهــا‪ ،‬وتكــره الخضــوع‪ .‬وقــد أشــارت بعــض امل ـرايث إىل أنــه قــام‬
‫‪216‬‬ ‫السومريون‬

‫بإحــال املحــن املحزنــة لبعــض املــدن‪ ،‬إال أن الســيد صمؤئيــل كرميــر‬


‫يــرى أنــه كان يقــوم بــدور اإللــه حافــظ البــر والــذي يؤمــن رخاءهــم‪،‬‬
‫وال ســيام ســكان بــاد ســومر‪ .‬وكان اإللهــة ننليــل هــي زوجتــه‪ ،‬وعرفــت‬
‫باســم ســود قبــل اقرتانهــا بأنليــل‪ ،‬وســميت كذلــك «بيليــت» وســيدة‬
‫األرضــن‪ .‬ومــن أشــهر أبنائــه اإللــه ننكرســو إلــه لگــش‪ ،‬وكذلــك اإللــه‬
‫(ننــار) ســن إلــه أور العظيــم‪.‬‬

‫‪ 9-2-3‬اإلله أنيك‬
‫يعــد هــذا اإللــه مــن اآللهــة األشــهر يف مجمــع اآللهــة الســومري‪،‬‬
‫ويــأيت باملرتبــة الثالثــة يف األهميــة واملكانــة‪ ،‬وهــو إلــه أريــدو العظيــم‪.‬‬
‫ويتكــون اســمه الســومري مــن مقطعــن (إيــن=‪ )En‬و(يك= ‪ ،)Ki‬وبهــذا‬
‫يعنــي اســمه ســيد األرض‪ ،‬ويحمــل أسـاً آخـرا ً هــو (أيــا =‪ ،)Ea‬ويعنــي‬
‫بيــت املــاء‪ ،‬فهــو ســيد املــاء‪ .‬ويســمى معبــده باللغــة الســومرية(‪E.‬‬
‫‪ ،)Abzu‬وتخيــل الســومريون أن تحــت األرض مســاحة مــن املــاء العذب‬
‫هــي مخــزن ومنبــع للجــداول واألنهــار التي تطفــو فــوق األرض‪ .‬ويعرف‬
‫أنــه ابــن اإللــه آن إلــه الســاء‪ ،‬وأمــه منّــو التــي عبــدت يف أريــدو أيضـاً‪،‬‬
‫وزوجتــه دامگينــا (دامگالنونــا)‪ ،‬ومركــز عبادتهــا أريــدو‪ ،‬وهــي غالبـاً مــا‬
‫أدمجــت مــع ننخرســاگ‪ ،‬أي ســيدة الجبــل إلدائهــا الوظائــف واألعــال‬
‫نفســها‪ .‬ويعــد اإللــه مــردوخ مــن أبــرز أبنائــه‪ ،‬وأبنتــه هــي اإللهــة‬
‫نانشــة إلهــة مدينــة لگــش‪ .‬ومــن أبنائــه أيض ـاً اســالوخي‪ ،‬وهــو إله ـاً‬
‫قديــم خــاص مبدينــة كوئــار‪ .‬وكان وزيــره ايســيمو (ذو الوجهــن) أو‬
‫أوســمو‪ ،‬وهــو يف األصــل ابنــه ولــه عالقــة بامليــاه والقصــب والــزوارق‬
‫السومريون‬ ‫‪217‬‬

‫مثــل أبيــه‪ .‬ومــن أبــرز ألقابــه األمــر العظيــم‪ ،‬وســيد العمــق‪ ،‬والخالــق‬
‫(والــد البــر)‪ ،‬وســيد الحكمــة‪ ،‬وســيد القــدر وغريهــا‪ .‬وكان بطــاً‬
‫لبعــض األســاطري مثــل‪ :‬أســطورة أنــي وننخرســاگ املعروفــة بالجنــة‬
‫الســومرية‪ ،‬وأســطورة أنــي وتنظيــم الكــون‪.‬‬
‫وكان هــو املســؤول عــن تنظيــم األرض عــى وفــق قــرارات اإللــه‬
‫أنليــل الــذي مل يضــع ســوى الخطــط العامــة‪ .‬وألن جميــع آليــات الحيــاة‬
‫املعقــدة واملهذبــة يف بــاد ســومر كانــت ترتكــز عــى أنــي‪ ،‬وكان هــو‬
‫املصــدر واملنظــم يف آن واحــد‪ ،‬لــذا عــد إلــه خــارق الــذكاء‪ .‬ففــي نظــام‬
‫كان اإلدراك فيــه مســتقطباً بالعمــل واإلنتــاج والنجــاح رأوا فيــه نوع ـاً‬
‫مــن املهنــدس الفائــق الــذي يســتطيع وحــده أن يجابــه كل معضلــة‬
‫تقنيــة‪ ،‬وأن يجــد لهــا يف الحــال الحــل األمثــل واألنجــع‪ .‬ويرد يف أســطورة‬
‫(أنــي ونظــام الكــون) كثــر مــن التفاصيــل عــن أعــال هــذا اإللــه‪،‬‬
‫وهــي تصــور عالقتــه باآللهــة الرئيســة يف مجمــع اآللهــة الســومرية‪،‬‬
‫واآللهــة األقــل شــأناً‪ ،‬كــا أنهــا تقــدم تفاصيــل الشــعائر والطقــوس التــي‬
‫يقــوم بهــا الكهنــة يف معبــده مــن أجــل تقديــر دوره يف رفــع قــدر بــاد‬
‫ســومر كونهــا املــكان الــذي اختــارت اآللهــة مســاكنها فيــه‪.‬‬
‫وكان لــه دورا ً كب ـرا ً يف خلــق اإلنســان‪ ،‬فنتيجــة ملهاراتــه يف الســحر‬
‫وحكمتــه املتناهيــة فقــد خلــق اإلنســان عــن طريــق تشــكيل كتلــة‬
‫مــن الطــن منحهــا الحيــاة اســتجابة رغبــة اآللهــة يف إيجــاد مــن ينــوب‬
‫عنهــا يف العمــل‪ ،‬كــا جــاء يف القصيــدة املوجــزة (أنــي وننــاخ‪ :‬خلــق‬
‫اإلنســان)‪ .‬إذ خاطبتــه أمــه اإللهة(منّــو) قائلــة‪( :‬يــا بنــي انهــض مــن‬
‫‪218‬‬ ‫السومريون‬

‫رسيــرك‪ ...‬افعــل مــا هــو حكيــم‪ ،‬اجعــل خدمـاً لآللهــة عــى أن ينجــب‬
‫هــؤالء أضعــاف أعدادهــم)‪ .‬فيســتجيب لنــداء أمــه‪:‬‬
‫(يا أمي إن املخلوق الذي نطقت باسمه موجود‪،‬‬
‫فاسبغي عليه صورة اآللهة‪،‬‬
‫امزجي لب الطني الذي فوق اللج‪،‬‬
‫وسيكثف صانعوا األشكال الخريون الذين فيهم صفة اإلمارة الطني‪،‬‬
‫أما أنت فاخلقي األطراف وستعينك ننامخ (ننخرساگ)‪،‬‬
‫ستقف إلهة الوالدة إىل جانبك عندما تخلقني‪ ،‬يا أمي قدري قدره‪،‬‬
‫أما (ننامخ) فستطبق عليه قالب اآللهة‪ ،‬إنه االنسان‪.)...‬‬
‫ونقــرأ يف األســطورة كيــف أن اإللــه أنــي واإللهــة ننــاخ رشبــا‬
‫بــإرساف وتصيبهــا النشــوة فتقــول ننــاخ ألنــي‪:‬‬
‫(ما مبلغ طيب جسد اإلنسان وما مبلغ سوءه‪،‬‬
‫إن قلبــي ليوعــز إيل بأننــي أســتطيع أن أجعــل الطيــب مــن نصيبــه‬
‫أو الســوء)‪.‬‬
‫فيجيــب أنــي عــى تحديهــا بالقــول‪( :‬أســواء جعلــت نصيبــه الطيب‬
‫أم الســوء فأنني ســأوازنه)‪.‬‬
‫ويشــرك أيضـاً يف أســطورة (أنــي وننخرســاگ)‪ ،‬كونــه إله دملــون‪ ،‬والذي‬
‫يســرعي االهتــام دوره الخــاّ ق يف إدخــال املــاء العــذب‪ ،‬وهــذه صفــة‬
‫تتطابــق متامـاً مــع دور كســيد لألبــزو (امليــاه العذبــة)‪ ،‬وأهميتــه يف عمليــة‬
‫السومريون‬ ‫‪219‬‬

‫الــري االصطناعــي ومســاهمته يف (خلــق) الزراعــة واســتعامل النباتــات‬


‫املفيــدة يف بــاد خاويــة وصحراويــة‪ ،‬أي أدخــال التقنيــات الزراعيــة‪.‬‬
‫وعــرف بــدوره العظيــم يف إنقــاذ البــر مــن الطوفــان كــا أرشنــا يف‬
‫أثنــاء الحديــث عــن البطــل الســومري گلگامــش‪ .‬ويســجل لــه أنــه هــو‬
‫الــذي كشــف صناعــات مختلفــة لإلنســان‪( :‬فهــو إلــه أمهــر الصنــاع)‬
‫ومنبــع الــذكاء للملــوك‪ ،‬وأنــه هــو مــن ســاعد الكهنــة عــى تأديــة‬
‫وظائفهــم املقدســة‪ ،‬وال ســيام يف طقــوس الســحر‪ .‬وعــرف عنــه حــب‬
‫العلــم واملعرفــة والحكمــة‪( :‬أنــي هــو الــذي مينــح الحــكام الفطنــة‬
‫والعقــل)‪ .‬وكان ينظــر أليــه عــى أنــه راعــي الثقافــة‪ ،‬ونوعيــة الحيــاة يف‬
‫بــاد ســومر‪ ،‬ثــم يف العــامل‪ .‬فقــد عهــد إليــه رعايــة الوظائــف املقدســة‬
‫(مــي)‪ ،‬وهــي وظائــف وصالحيــات مقدســة غــر محــددة املعنــى‪ ،‬إال‬
‫أنــه ميكــن عدهــا ميــدان ثقــايف‪ ،‬ويف الوقــت نفســه فإنهــا مكســب‬
‫للحيــاة املنظمــة واملتمدنــة‪ ،‬وهــي تضــم أكــر مــن مائــة عنــوان؛ منهــا‬
‫مــا يحــدد مظاهــر الســلطة امللكيــة ومامرســتها‪ ،‬ومنهــا مــا يتعلــق‬
‫بالعائلــة والعمــل والفضائــل االجتامعيــة وغريهــا‪ .‬وقــد أوردت أحــد‬
‫األســاطري كيــف أن اإللهــة أينانــا (عشــتار) قــد حصلــت عليهــا منــه‬
‫بطريقــة مخادعــة ونقلتهــا إىل مدينتهــا الــوركاء‪.‬‬

‫‪ 9-2-4‬اإلله ننار (سني)‬


‫إلــه مدينــة أور الشــهرية‪ ،‬وكانــت ح ـران املقــر الثــاين لــه‪ ،‬وقــد كان‬
‫يســمى باللغــة الســومرية («‪ »Suen‬أو «‪ ،)»Nanna» «Nannar‬وكان‬
‫يدعــى يف األحيــان باالســمني معـاً (‪ .)Nanna-Suen‬ومــن أســائه األخرى‬
‫‪220‬‬ ‫السومريون‬

‫(‪ )Asimbabbar، Namrasit‬مبعنــى الــذي يــيء‪ ،‬و(‪ ،)Inbu‬والتــي‬


‫تعنــي الفاكهــة أو رمبــا تشــر إىل الشــمع الطبيعــي‪ ،‬أو محــاق القمــر‪.‬‬
‫ويكتــب أســمه أحيانـاً ببســاطة بالرقــم ثالثــون‪ ،‬وهــو عــدد أيــام الشــهر‪،‬‬
‫وهــو بهــذا ســيد الشــهر‪ .‬وهــو ابــن اإللــه آن‪ ،‬وهنــاك اشــارات أخــرى‬
‫تقــول أنــه ابــن أنليــل‪ ،‬وهــو والــد اإللــه أوتــو (شــمش) إلــه الشــمس‬
‫وســيد مدينــة الرســا‪ .‬ويشــار لــه برمــز الهــال لوحــده أو الهــال مــع‬
‫صــورة عــى هيئــة البــر‪.‬‬
‫وميــر القمــر يف ثالثــة أطــوار منــذ ظهــوره يف أول الشــهر وحتــى‬
‫اختفائــه متامــاً يف آخــره‪ .‬ويــرى الباحــث جاكوبســن بــأن االســم‬
‫الســومري لهــذا اإللــه «ننــار» يشــر إىل القمــر عندمــا يكــون بــدرا ً ‪ ،‬يف‬
‫حــن يشــر اســمه األكــدي «ســن» إىل القمــر عندمــا يكــون هــاالً‪ ،‬وال‬
‫يــدل األســلوب الــذي كتــب بــه االســمني عــى أنهــا مــن أصــل واحــد‬
‫ألن التســمية األوىل ســومرية والتســمية الثانيــة أكديــة كــا أرشنــا‪ .‬إن‬
‫أولويــة الليــل عــى النهــار تســتدعي أولويــة القمــر ســيد الليــل عــى‬
‫الشــمس وأســبقية الديانــات القمريــة عــى الديانــات الشمســية‪.‬‬
‫ويعــرف بأنــه إلــه الحكمة‪ ،‬ويشــرك مع ابنه أوتو(شــمش) يف شــؤون‬
‫العدالــة‪ ،‬وتشــر الكتابــات املســارية القدميــة إىل رؤيــة الســومريني فيام‬
‫يتعلــق بخســوف القمــر‪ ،‬إذ أنــه عــى يبــدو قــد تعــرض لهجــوم أرواح‬
‫رشيــرة أو لهجــوم شــياطني ســبعة وفقـاً ملعتقدهــم‪ ،‬ولهــذا كانــوا يصلــون‬
‫عنــد حــدوث حالــة الخســوف ويقربــون القرابــن حتــى يظهــر مضيئ ـاً‬
‫مــرة أخــرى‪ ،‬وخصصــوا لــه زوجــة هــي ننــگال وعبــدت معــه يف معبــد‬
‫أور‪ ،‬وشــيد لــه معبــد آخــر يف حـران شــال وادي الرافديــن‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪221‬‬

‫‪ 9-2-5‬اإللهة أينانا (عشتار)‬


‫تعــد مــن أبــرز اآللهــة االنــاث يف مجمــع اآللهــة الســومرية‪ ،‬ورد‬
‫اســمها بالســومرية بالصيغــة اآلتيــة‪)Nin-an-na( :‬الــذي يعنــي‬
‫(ســيدة الســاء)‪ ،‬وهــي ابنــة اإللــه ننار(ســن) إلــه القمــر‪ ،‬يف حــن‬
‫كانــت اإللهــة ننــگال أمهــا‪ ،‬وأوتو(شــمش) أخيهــا‪ ،‬وكانــت إلهــة العــامل‬
‫الســفيل أيريشــگال أختهــا‪ .‬ويشــار إليهــا أحيان ـاً عــى أنهــا ابنــة اإللــه‬
‫آن أو زوجتــه‪ ،‬وكان اإللــه دمــوزي زوجهــا‪ ،‬وكان وزيرهــا ننشــبور‪ .‬وقــد‬
‫أخــذت هــذه اإللهــة أشــكاالً عــدة وصفــات مختلفــة‪ ،‬وكانــت الــوركاء‬
‫مركــز عبادتهــا الرئيــس‪ ،‬وكان معبدهــا هــو (أي‪-‬أنّــا= بيــت الســاء أو‬
‫البيــت العــايل)‪ .‬وكان لهــا معابــد عــدة يف كثــر مــن املــدن الرافدينيــة‪.‬‬
‫ويعــد لقــب ســيدة الســاء مــن أبــرز ألقابهــا‪ ،‬إذ أنــه الزمهــا طيلــة‬
‫حياتهــا‪ ،‬وتحــت كل أســائها وتجلياتهــا‪( :‬لقــد منحنــي والــدي الســاء‬
‫ومنحنــي األرض‪ ،‬أنــا ســيدة الســاء)‪ ،‬فض ـاً عــن ألقــاب أخــرى منهــا؛‬
‫عابــرة الســموات‪ ،‬ونــور الســاوات‪ ،‬وهــي الســاطعة املنــرة‪ ،‬وهــي‬
‫الالمعــة‪ ،‬وهــي ألقــاب وصفــات تشــر إىل عالقتهــا بالقمــر‪ .‬وتحمــل‬
‫ألقابـاً ال حــر لهــا منهــا؛ ســيدة املناوشــات‪ ،‬وهــي إلهــة الحــب واللــذة‪،‬‬
‫وهــي األم الــرؤوم‪ ،‬وملكــة العــوامل‪ ،‬وأم البــر واآللهــة‪ ،‬وخالقــة البــر‪،‬‬
‫وعشــيقة وزوجــة اآللهــة العظــام التــي تحــدد األقــدار‪ ،‬وأطلــق عليهــا‬
‫محظيــة اآللهــة العظيمــة‪ ،‬وهــي الخبــرة‪ ،‬وكاهنــة الســاء‪( :‬كاهنــة‬
‫اإللــه آن ذات الحــي العظيمــة)‪ ،‬وهــي ســيدة جميــع النواميــس اإللهيــة‬
‫ومحبوبــة الســاء واألرض‪:‬‬
‫‪222‬‬ ‫السومريون‬

‫ـت علقـ ِ‬
‫ـت النواميــس‬ ‫ـت النواميــس اإللهيــة‪ ،‬وأنـ ِ‬
‫ـت التــي رفعـ ِ‬
‫(أنـ ِ‬
‫اإللهيــة يف يــدك‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأنــت التــي ضممــت‬ ‫ِ‬
‫انــت التــي جمعــت النواميــس اإللهيــة‪،‬‬
‫النواميــس اإللهيــة إىل صــدرك‪( )...‬الشــكل‪:‬رقم ‪.) 20‬‬
‫وقــد متيــزت بأنهــا األم املنتجــة للحيــاة‪ ،‬فهــي تجســد أبهــى صــور‬
‫اإللهــة األم‪( :‬ســيدة النواميــس الكونيــة‪ ،‬أيهــا النــور املشــع يــا واهبــة‬
‫الحيــاة وحبيبــة البــر‪ .‬أنــت أعظــم مــن كبــر اآللهــة آن‪ ،‬وأعظــم‬
‫مــن األم التــي ولدتــك‪ .‬يــا مليكــة البــاد الحكيمــة العارفــة‪ ،‬يــا مكــرة‬
‫املخلوقــات‪ .)...‬ومــع وجــود الكثــر اآللهــة التــي أتخــذن مظهــر اإللهــة‬
‫األم إال أن أينانــا الســومرية وعشــتار األكديــة كــن الصورتــن الرئيســتني‬
‫اللتــن كان لهــا ديانــة منظمــة ومعابــد‪ .‬وهــي إلهــة الحــب والحــرب‪،‬‬
‫وتتمثــل يف كوكــب الزهــرة‪ ،‬وخصهــا اآلشــوريون بالتقديــس عندهــم ألنها‬
‫آلهــة الحــرب‪ ،‬وســارت مــع بعــض ملوكهــم يف طليعــة الجيــوش وأحــرزت‬
‫النــر‪ ،‬وقــد نعتــت باللبــؤة الضاريــة واتخذهــا متــوز زوجــة لــه‪ ،‬ولكــن‬
‫حبهــا قــى عليــه‪ ،‬ولذلــك كانــت تندبــه ومتثــل متــوز يف خــرة الربيــع‪،‬‬
‫ويصــف قانــون حمــورايب مظهرهــا كمحاربــة بأنهــا «ســيد املعــارك»‬
‫التــي تقــي عــى مــن يتنــاول القانــون بالتحويــر أو التغيــر‪.‬‬
‫وتشــر أســطورة (نــزول أينانــا= عشــتار)‪ ،‬وهــي واحــدة مــن أجمــل‬
‫مــا أنتجــه األدب الســومري‪ ،‬كيــف أن هــذه اإللهــة حينــا ســقطت يف‬
‫قضبــة أختهــا ســيدة العــامل الســفيل ارشــيكيكال توقفــت جميــع النزوات‬
‫عــى األرض‪ ،‬وتعــرض للخطــر بقــاء الجنــس البــري والحيــواين‪ ،‬وأصــاب‬
‫السومريون‬ ‫‪223‬‬

‫اآللهــة بــرر كبــر‪ .‬لــذا خلــق أنــي مخلوقــن برشيــن‪ ،‬فنــزال إىل العــامل‬
‫الســفيل وأغريــا ســيدة هــذا العــامل‪ ،‬وحــررا أينانــا مــن ســجنها‪ ،‬فعــادت‬
‫للحيــاة فعاليــة اإلنجــاب‪ .‬فهــي ســيدة الخصوبــة واالنبــات تبعــث مــن‬
‫األرض يف فصــل الربيــع داخــل أكمــة صغــرة أشــبه بالقــر‪ ،‬ومعهــا‬
‫تصحــو األشــجار واألغصــان املزهــرة واألوراق الخــر‪ .‬وحــول اإللهــة‬
‫عــدد مــن أنصــاف اآللهــة يبتهجــون لرجوعهــا‪.‬‬
‫وتظهــر يف أســطورة أنــي ونظــام الكــون‪ ،‬إذ أنهــا تشــتيك لإللــه أنــي‬
‫أنهــا تعــاين اإلهــال وأن أخواتهــا جميعـاً تســلمن ســلطاتهن والشــارات‬
‫الخاصــة بــكل واحــة منهــن‪ ،‬إال أنــه يذكرهــا مبــا متلــك مــن امتيــازات‬
‫كبــرة مثــل‪ :‬العصــا والصولجــان وعصــا الرعويــة‪ ،‬وقدرتهــا عــى التنبــؤ‬
‫بــكل مــا يتعلــق بالحــرب واملعــارك ومهارتهــا يف صناعــة املالبــس‬
‫وحياكتهــا‪ ،‬فضـاً عــن الكثــر مــن النعــم الخاصــة التــي أغدقهــا عليهــا‪.‬‬
‫ونقــرأ يف أحــد األســاطري قتــل اإللهــة أينانــا ﻟ «كــور»‪ ،‬وهــو الجبــل‬
‫ابيــخ الــذي يقــع يف شــال رشق بــاد ســومر‪ ،‬ومــن ثــم فهــو بلــد معــا ٍد‬
‫لبــاد ســومر‪ .‬وتبــدأ األســطورة بتمجيــد هــذه اإللهــة ومطالبتهــا كــور‬
‫بــرورة اإلذعــان لقوتهــا وجربوتهــا‪( :‬ســأطعنه بالرمــح الطويــل‪،‬‬
‫الحربة والسالح سأقذف بهام عليه‪،‬‬
‫ويف الغابة املجاورة سأرضم النار‪،‬‬
‫ويف‪ ...‬سأضع الفأس الربونزية‪،‬‬
‫سوف أجفف جميع مياهه وسيصبح مثل كيبيبل‪،‬‬
‫سأنقل إليه الفزع مثا أرات ّا‪.)...‬‬
‫‪224‬‬ ‫السومريون‬

‫ويحــذر اإللــه آن أينانــا مــن بطــش وقــوة أبيــخ‪ ،‬ولكــن الغضــب‬


‫يأخذهــا فتهاجــم العــدو وتطرحــه جثــة هامــدة‪.‬‬
‫وشــكلت عالقتهــا مــع امللــك الســومري گلگامــش محــور الكثــر مــن‬
‫األســاطري واملالحــم والقصــص‪ ،‬ففــي ملحمــة (گلگامــش وأنكيــدو والعامل‬
‫الســفيل) نعــرف أنــه كان أخيهــا وأنــه قــرر مســاعدتها يف قتــل األفعــى‬
‫التــي كانــت قــد أقامــت وكرهــا يف قاعــدة شــجرتها (شــجرة الخولوبــو=‬
‫رمبــا شــجرة الصفصــاف) التــي غرســتها يف مدينــة الــوركاء‪ .‬وتســتمر‬
‫القصــة يف اإلشــارة إىل أن اإللهــة الســومرية صنعــت مــن قاعدة الشــجرة‬
‫بوكّو(طبــل)‪ ،‬ومــن أعالهــا مي ّكــو (رمبــا مــرب الطبــل)‪ ،‬ويبــدو أن هذه‬
‫اآلالت ســقطت يف العــامل الســفيل‪ ،‬ومل ينجــح گلگامــش يف اســردادهام‪،‬‬
‫فحــزن كثـرا ً لهــذا األمــر وقــرر النــزول للعــامل الســفيل‪ ،‬وحجــز هنــاك‪.‬‬
‫وســبق أن أرشنــا إىل دورهــا يف ملحمــة گلگامــش وحبهــا لهــذا البطــل‬
‫الســومري الــذي ازدراهــا وأخربهــا مبوقفهــا مــن عشــاقها األمــر الــذي‬
‫أثــار غضبهــا فطلبــت مــن أبيهــا أنــي خلــق الثــور الســاوي الــذي قتــل‬
‫مــن گلگامــش وصديقــه أنكيــدو‪ .‬وسنشــر يف الفصــل األخــر إىل دورهــا‬
‫يف معاقبــة زوجهــا دمــوزي وقتلــه وحملــه إىل العــامل الســفيل‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪225‬‬

‫مصادر الفصل التاسع‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪.)2013‬املعتقدات الدينية يف العراق القديم‪ .‬بريوت‪.‬‬


‫‪2 .‬إريش فون دانيكن (‪.)1995‬عربات اآللهة‪ .‬ترجمة‪ ،‬عدنان حسن‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪3 .‬اوتــس‪ ،‬جــون(‪ .)1990‬بابــل تاريــخ مصــور‪ .‬ترجمــة ‪ .‬ســمري عبــد الرحيــم‬
‫الجلبــي‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪ 4 .‬اوبنهايــم‪ ،‬ليــو (‪ .)1981‬بــاد مــا بــن النهريــن‪ .‬ترجمــة‪ .‬ســعدي فيــي عبــد‬
‫الــرزاق‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫‪5 .‬باقر‪ ،‬طه( ‪ .)1951‬نصوص من األدب العراقي القديم‪ .‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪.7‬‬
‫‪6 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ )1976‬مقدمة يف أدب العراق القديم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪7 .‬بوتريو‪ ،‬جان(‪ .)1970‬الديانة عند البابليني‪ .‬ترجمة‪ .‬وليد الجادر‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪8 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان(‪ .)1990‬بــاد الرافدين(الكتابــة‪ -‬العقــل‪ ،‬اآللهــة)‪ .‬ترجمــة البــر‬
‫أبونــا‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫‪9 .‬الدباغ‪ ،‬تقي(‪ .)1992‬الفكر الديني القديـم‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬زودن‪ ،‬ف‪ .‬فــون(‪ .)2003‬مدخــل إىل حضــارات الــرق القديــم‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫فــاروق إســاعيل‪ .‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪11 .‬السواح‪ ،‬فراس(‪ .)1987‬قرأة يف ملحمة جلجامش‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪12 .‬الســواح‪ ،‬فــراس( ‪ .)2002‬لغــز عشــتار‪ .‬االلوهــة املؤنثــة وأصــل الديــن‬
‫واألســطورة‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪13 .‬حنــون‪ ،‬نائــل(‪ .)1978‬شــخصية األم ودور اإللهــة أنانــا عشــتار‪ .‬مجلــة ســومر‪،‬‬
‫مــج ‪ ،34‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪14 .‬جاكوبســن‪ ،‬ثوركيلــد‪ ،‬وآخــرون (‪ .)1960‬مــا قبــل الفلســفة‪ ،‬اإلنســان يف‬
‫مغامراتــه الفكريــة األوىل‪ .‬ترجمــة‪ ،‬جــرا إبراهيــم جــر‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪15 .‬الجنــايب‪ ،‬شــيامء صــاح(‪ .)2014‬اإللــه أنــي‪ .‬رســالة ماجســتري غــر منشــورة‪،‬‬
‫جامعــة بغــداد‪ ،‬كليــة اآلداب ‪ ،‬قســم اآلثــار‪.‬‬
‫‪226‬‬ ‫السومريون‬

‫ ‪16 .‬الشاكر‪ ،‬فاتن موفق(‪ .)2002‬رموز اآللهة يف العراق القديم‪ .‬املوصل‪.‬‬


‫ ‪17 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد(‪ .)1973‬عشــتار ومتــوز وجــذور املعتقــدات‬
‫الخاصــة بهــا يف حضــارة وادي الرافديــن‪ .‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج ‪ .29‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪18 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1985‬األدب‪ .‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪19 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1987‬من ألواح سومر إىل التوراة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪20 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الشـــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪21 .‬فريوللو‪ ،‬شارل(‪ .)1990‬أساطري بابل وكنعان‪ .‬ترجمة ماجد خري بك‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪22 .‬كلشــكوف‪ ،‬ن(‪ .)1995‬الحيــاة الروحيــة يف بابــل‪ -‬اإلنســان‪ ،‬املصــر‪ ،‬الزمــن‪.‬‬
‫ترجمــة‪ ،‬عدنــان عاكــف‪ ،‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪23 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫وخصائصهــم ‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪24 .‬كرمير‪ ،‬صموئيل نوح(‪ .)1973‬من الواح سومر‪ .‬ترجمة طه باقر‪.‬‬
‫ ‪25 .‬البــات‪ ،‬رينيــه (‪ .)1988‬املعتقــدات الدينيــة يف بــاد وادي الرافديــن ‪ ،‬ترجمــة‬
‫ألبــر أبونــا‪ ،‬وليــد الجــادر ‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪26 .‬املاجــدي‪ ،‬خزعــل (‪ .)1998‬متــون ســومر‪ ،‬الكتــاب األول‪ .‬األهليــة للنــر‬
‫والتوزيــع‪ ،‬عــان‪.‬‬
‫ ‪27 .‬املاجــدي‪ ،‬خزعــل(‪ .)1998‬بخــور اآللهــة‪ ،‬دراســة يف الطــب والســحر‬
‫واألســطورة والديــن‪ .‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪28 .‬املاجــدي‪ ،‬خزعــل(‪ .)2002‬ميثولوجيــا الخلــود‪ -‬دراســة يف أســطورة الخلــود‬
‫قبــل املــوت وبعــده يف الحضــارات القدميــة‪ .‬عــان‪.‬‬
‫ ‪29 .‬ميغوليفســي(‪ .)2007‬أرسار اآللهــة والديانــات‪ .‬ترجمــة‪ ،‬حســان ميخائيــل‬
‫إســحق‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪30 .‬الهاشمي‪ ،‬طه (‪ .)1963‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫السومريون‬ 227

‫ عبــادة اإللــه ســن يف حضــارة بــاد وادي‬.)1995(‫ قــي منصــور‬،‫الهيتــي‬31 .


‫ قســم‬،‫ كليــة اآلداب‬،‫ جامعــة بغــداد‬،‫ رســالة ماجســتري غــر منشــورة‬.‫الرافديــن‬
.‫اآلثــار‬
‫ عبــادة اإللــه شــمش يف حضــارة‬.)1975(‫ عبــد الرحمــن عبــد املالــك‬،‫يونــس‬32 .
،‫ كليــة اآلداب‬،‫ جامعــة بغــداد‬،‫ رســالة ماجســتري غــر منشــورة‬.‫بــاد وادي الرافديــن‬
.‫قســم اآلثــار‬
33 . Afanasieva,V.K. Sumerian Culture. ( In). Early Antiquity.( ed).
Diakanoff, I.M. Chicago- London,1991.
34 . Black,J(2004). Gods, Demons, and Symbols of Ancient Mesopotamia.
London.
35 . Bottero, J. Religion in Ancient Mesopotamia. U.S.A. 2001.
36 . Brische,N(1984).Religion and power divine kingship in the Ancient
World and beyond. USA.
37 . Crawford,H(2015). Ur The City of the Moon God. London.
38 . Dally, S.M. Myths from Mesopotamia. Oxford 1989.
39 . Donald.H(2002). Through the love Ishtar . ‹› in›› OF of pots and plans:
papers on Archaeology and History of Mesopotamia and Syria presented to
David Oates in Honour of his 75 th Birthday. Edited by Lamia al.Gailani
Weir. London : NABU.
40 . Espak,P(2010).The God Enki in Sumerian Royal Ideology and
Mythology.Estonia
41 . Falkenstein, A(1975). The Sumerian Temple city, 1954. Translation by
Ellils, M., California.
42 . Grand,P.M. Prehistoric Art.London.1967.
228 ‫السومريون‬

43 . George, A.R(1993).House Most High, The Temples of Ancient


Mesopotamia. India.
44 . Jacobsen, Th(1970). Toward Image of Tammuz and Other Essays on
Mesopotamia History and Culture. Cambridge.
45 . Jacobsen, Th(1976). Early political development in Mesopotamia.
U.S.A.
46 . Jemes, E . The Cult of Mother Goddess. London.1959.
47 . Kramer,S.N(1983).The Weeping Goddess: Sumerian prototypes of the
Mater Dolorose. Jour. Biblical Archaeologist, Vol, 46,N.2.
48 . Lambert,W.G. Ancient Mesopotamian Gods. Superstition, philosophy,
theology. London,1990.
49 . Matthews, R. The archaeology of Mesopotamia, theories and
approaches . London, 2003.
50 . Miehkur,E.M(1990). The Mentary forms of Religious life. New York.
51 . Nissen, H,J(1988).The early history of the near east 90002000- B.C.
Chicago& London.
52 . Odisho,A.Y(2004). The Akitu Festival in Mesopotamia.The Expression
of Royal Ideology Through Religion, Ritual, and Architecture.U.S.A.
53 . Van Dijk,R.M(2016).The Form, Function and Symbolism of Standards
in Ancient Mesopotamia during the Third and Fourth Millennia BCE: An
Iconographical Study. South Africa.
‫السومريون‬ ‫‪229‬‬

‫(‪)10‬‬
‫األدب السومري‬

‫يحتــل األدب الســومري املحــض‪ ،‬كونــه نتاجــاً أدبيــاً‪ ،‬منزلــة عاليــة‬


‫بــن إبداعــات اإلنســان املتمــدن الفنيــة‪ ،‬لدرجــة أن املقارنــة بينــه وبــن‬
‫النفائــس اإلغريقيــة والعربانيــة ال تــؤدي إىل أحــكام لغــر صالحــه إىل‬
‫درجــة كبــرة‪ .‬إذ يعكــس الحيــاة الروحيــة والفكريــة لحضــارة قدميــة مثله‬
‫مثــل تلــك اآلداب‪ ،‬ولــواله لبقيــت هــذه الحضــارة مجهولــة بصــورة عامــة‪.‬‬
‫ومهــا قيــل يف أهميــة هــذا األدب لتقييــم التطــور الحضــاري والعقــي‬
‫يف كافــة الــرق األدىن القديــم بشــكل مناســب فإنــه ال يكــون قــوالً‬
‫مبالغـاً فيــه‪ .‬فقــد أخــذ األكديــون واآلشــوريون والبابليــون هــذه األعــال‬
‫بكاملهــا تقريبـاً‪ ،‬وترجــم الحثيــون والحوريــون والكنعانيــون بعضـاً منهــا‬
‫إىل لغاتهــم الخاصــة‪ ،‬وقلدوهــا مــن دون شــك تقليــدا ً واســعاً‪ .‬وتأثــرت‬
‫صيغــة األعــال األدبيــة العربانيــة ومحتواهــا‪ ،‬بــل حتــى أعــال قدمــاء‬
‫اإلغريــق تأثــرت إىل حــد مــا تأث ـرا ً عميق ـاً باألعــال األدبيــة الســومرية‪.‬‬
‫لدينــا اآلن أكــر مــن مئــة وخمســون عم ـاً أدبي ـاً ســومرياً‪ ،‬حفــظ‬
‫الكثــر منهــا يف شــكل كــر محطمــة متشــظية‪ .‬وتضــم هــذه األعــال؛‬
‫حكايــات أســطورية بشــكل نظــم شــعري‪ ،‬ومالحــم شــعرية‪ ،‬وترنيــات‬
‫مقدســة‪ ،‬وأغــاين الحــب الزوجيــة التــي ترتبــط بالــزواج املقــدس للملوك‬
‫املؤلهــن والكاهنــات‪ ،‬واملــر ّاث الجنائزيــة‪ ،‬والشــكوى بشــأن الفواجــع‬
‫والكــوارث‪ ،‬وتراتيــل امللــوك الرشفيــة( تبــدأ مــن عــر أور الثالثــة ‪-212‬‬
‫‪230‬‬ ‫السومريون‬

‫‪ 2004‬ق‪.‬م)‪ ،‬واملحــاكاة األدبيــة للكتابــات امللكيــة‪ .‬وهنــاك أعــداد مــن‬


‫النصــوص التعليميــة (الوعظيــة)‪ ،‬وتتضمــن‪ :‬الوصايــا أو التعليــات‬
‫األخالقيــة‪ ،‬واملناظــرات يف صيغــة الحــوار‪ ،‬ومجموعــة مــن الخرافــات‬
‫(عــى لســان الحيوانــات) والنــوادر واألمثــال واألقــوال الشــائعة‪ ،‬فض ـاً‬
‫عــن نصــوص أدبيــة متفرقــة‪.‬‬
‫ونــرى مــن الــروري اإلشــارة هنــا إىل أن االهتــام بإعــداد الكشــوف‬
‫الخاصــة بالنصــوص األدبيــة القدميــة مل يكــن مــن اإلفـرازات الحضاريــة‬
‫لعرصنــا الحديــث‪ ،‬وإمنــا ســبقنا إليــه مبدعــون مــن الحضــارات القدميــة‬
‫نفســها التــي أنتجــت‪ ،‬قبــل آالف الســنني‪ ،‬ذلــك األدب الــذي نــأيت اليــوم‬
‫عــى دراســته‪ .‬فقــد قــام كتبــة قدمــاء يف بــاد الرافديــن بإعــداد قوائــم‬
‫عــى ألــواح الطــن بعناويــن النصــوص األدبيــة‪ .‬إذ وصلنــا اثنــان مــن‬
‫الرقــم الطينيــة التــي تحمــل مثــل تلــك القوائــم مــن مدينــة نفر(نيبور)‪،‬‬
‫وآخــر موجــود اآلن يف متحــف اللوفــر يف فرنســا‪ ،‬وقــد درســهام عــامل‬
‫املســاريات صموئيــل نــوح كرميــر يف كتابــه (مــن ألــواح ســومر)‪.‬‬
‫ومتثــل الرتاتيــل أفضــل نــوع مــن أنــواع األدب الســومري‪ ،‬وبضمنهــا‬
‫الرتانيــم واالبتهــاالت واألدعيــة‪ ،‬ولدينــا مــن هــذه الرتاتيــل مــا يقــارب‬
‫ســبعة وعــرون نص ـاً‪ .‬كانــت صياغــة الرتاتيــل الســومرية فن ـاً عالي ـاً‬
‫يرعــى بعنايــة‪ ،‬وكان مصقــوالً إىل درجــة عاليــة‪ .‬وقــد ظهــرت أقــدم‬
‫الرتاتيــل مــن منتصــف عــر الســاالت املبكــرة (‪ 2350 - 2900‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وكانــت الرتاتيــل‪ ،‬مــن دون شــك‪ ،‬ضمــن مجموعــة الوســائل األقــدم‬
‫ملخاطبــة اإللــه‪ .‬وقــد كتبــت بحــرص كبــر عــى الشــكليات‪ ،‬إذ ليــس‬
‫هنــاك كلمــة منفــردة ميكــن أن تتغــر عــى نحــو اعتباطــي ألنــه ال‬
‫السومريون‬ ‫‪231‬‬

‫أحــد يتصــور يف الرتتيلــة وجــود يشء للصدفــة‪ ،‬فــكل منهــا لــه بعــض‬
‫املحتــوى األســطوري الدقيــق‪ .‬عموم ـاً ميكــن تقســيم الرتاتيــل‪ ،‬اســتنادا ً‬
‫إىل محتوياتهــا‪ ،‬إىل أربعــة أصنــاف رئيســة‪:‬‬
‫الرتاتيل التي ألفت لتمجيد اآللهة‪.‬‬
‫الرتاتيل التي متجد امللوك‪.‬‬
‫األدعيــة الرتتيليــة التــي تحتــوي عــى أناشــيد الحمــد لآللهــة موشــاة‬
‫بتربيــكات وصلــوات مــن أجــل امللــوك‪.‬‬
‫الرتاتيل التي كتبت متجيدا ً للمعابد السومرية‪.‬‬
‫صممــت هــذه الرتاتيــل لــي تقــرأ مــن كاهــن واحــد أو كــورس‬
‫بصــوت عــا ٍل‪ ،‬إذ أن العواطــف التــي تعــر عنهــا هــذه الرتاتيــل وتحــث‬
‫عليهــا كانــت جامعيــة‪ .‬وتعكــس مثــل هــذه املؤلفــات الكاملــة قــوة‬
‫مســتوطنة يف اإليقــاع اللغــوي‪ ،‬وميكــن أن تــدرك ســحرياً وعاطفي ـاً‪.‬‬
‫وغالب ـاً مــا متجــد هــذه الرتاتيــل اآللهــة وتــرد مآثرهــا‪ ،‬وأســائها‪،‬‬
‫وألقابهــا‪ .‬وقــد وصلتنــا معظــم هــذه الرتاتيــل مــن تقاليــد مدرســية مــن‬
‫مدينــة نفــر‪ .‬وكانــت يف معظــم الحــاالت مكرســة لإللــه أنليــل‪ ،‬كبــر‬
‫اآللهــة الســومرية واإللــه الحامــي ملدينــة نفــر‪ ،‬وكذلــك كرســت لآللهــة‬
‫مــن حاشــيته‪ ،‬فضـاً عــن ذلــك هنــاك تراتيــل كرســت للمعابــد وامللــوك‪،‬‬
‫وال ســيام للملــوك املؤلهــن‪ ،‬وليــس لــكل امللــوك الســومريني األكفــاء‪.‬‬
‫وتظهــر دامئ ـاً برفقــة الرتاتيــل مجموعــة مــن امل ـر ّاث التــي تعــود إىل‬
‫نصــوص العبــادة العامــة أيضــاً‪ .‬ويعــد هــذا النــوع مــن األدب‪ ،‬أدبــاً‬
‫‪232‬‬ ‫السومريون‬

‫ســومرياً منوذجي ـاً جــدا ً‪ ،‬وبخاصــة الكــوارث الوطنيــة‪ .‬وقــد وصلنــا مــن‬
‫هــذا الــرب مــن األدب عــر نصــوص‪ ،‬وكان العمــل األديب األقــدم مــن‬
‫هــذا النــوع الــذي نعرفــه ال يرتبــط بالعبــادة اإللهيــة‪ ،‬بــل إنــه مرثيــة عــن‬
‫تحطيــم مدينــة لگــش مــن امللــك لــوگال زاگيــزي (‪ 2316 - 2340‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫ملــك مدينــة أُو ّمــا عدوتهــا اللــدود‪ .‬وتتألــف هــذه املرثيــة ‪ 105‬مقاطــع‬
‫تقريب ـاً‪ ،‬وتخربنــا عــن الفواجــع التــي انصبــت عــى مدينــة لگــش مــع‬
‫إدانــة لهــذا للفعــل اإلجرامــي‪ .‬وتوجــد مجموعــة أخــرى مــن األعــال‬
‫املامثلــة؛ منهــا مرثيــة ســومر وأكــد‪ ،‬وكذلــك عــن تحطيــم مــدن أور ونفــر‬
‫وأريــدو وأوروك‪ ،‬وترتبــط جميــع هــذه املـر ّاث بالطقــوس‪ .‬وتؤلــف مثــل‬
‫هــذه األعــال األدبيــة عــادة عندمــا تتــم إعــادة إعــار املــدن املحطمــة‬
‫أو مبناســبة تدمــر معبــد قبــل بنــاء معبــد جديــد يف املــكان نفســه‪.‬‬
‫ونجــد سلســلة مميــزة مــن القصائــد أو األغــاين الدينيــة مــن بــن‬
‫نصــوص العبــادة‪ ،‬وهــي تــدور حــول إلهــة الحــب الطموحــة واملغامــرة‬
‫والكثــرة الطلبــات اإللهــة أينانــا (عشــتار) وزوجهــا اإللــه‪ -‬الراعــي‬
‫دمــوزي‪ ،‬وتبــدأ واحــدة منهــا بنــزول هــذه اإللهــة إىل العــامل الســفيل‬
‫وتنتهــي مبــوت دمــوزي‪ ،‬وهــي تــروي أســطورة حــول مــوت وإحيــاء‬
‫اآللهــة‪ ،‬والتــي ترتبــط بطقــوس متامثلــة‪ .‬ويقــع هــذا العمــل األديب‬
‫الــروايئ يف نحــو ‪ 412‬ســطرا ً‪ ،‬وهــو يعــرض لنــا كيــف تقــع إلهــة الحــب‬
‫الشهواين(الجســدي) والخصــب الحيــواين اإللهــة أينانــا يف حــب اإللــه‪-‬‬
‫الراعــي (أو البطــل الراعــي) دمــوزي‪ ،‬وتتخــذه زوجـاً لهــا‪ .‬وفيــا بعــد‪،‬‬
‫تنــزل إىل العــامل الســفيل عــى مــا يظهــر‪ ،‬لتتحــدى ســلطة ملكتــه أختهــا‬
‫ارشــكيگال‪ .‬وقــد كانــت اإللهــة أينانــا قــد قتلــت‪ ،‬إال أنهــا أعيــدت للحياة‬
‫السومريون‬ ‫‪233‬‬

‫بواســطة وســائل الخــداع الــذي قامــت بــه اآللهــة‪ .‬فقــد ســمح لهــا‬
‫بالعــودة إىل األرض تحــت رشط واحــد وهــو أن تدفــع فديــة حيــة للعــامل‬
‫الســفيل‪ .‬وكانــت اإللهــة أينانــا تبجــل يف مختلــف املــدن الســومرية‪،‬‬
‫وكان لهــا يف كل مدينــة زوج أو محبــوب‪ .‬جميــع هــؤالء اآللهــة خــروا‬
‫عــى ركابهــم متعبديــن مطالبــن الرحمــة منهــا‪ .‬إال أن اإللــه دمــوزي‬
‫فقــط هــو مــن رفــض اإلذعــان لهــا‪ ،‬وبــدل مــن البــكاء عــى هبــوط‬
‫زوجتــه إىل العــامل الســفيل حيــث قاســت ألــوان العــذاب واملــوت‪ ،‬فإنــه‬
‫«ارتــدى ثيابـاً فخمــة وجلــس مرتبعـاً عــى عــرش» وتفاخــر بذلــك‪ ،‬فــا‬
‫كان مــن اإللهــة إال أن أشــارت إىل الشــياطني بأخــذه بدي ـاً عنهــا عــى‬
‫وفــق االتفــاق الــذي يقــي بإرســال مــن ينــوب عنهــا بالعــامل الســفيل‪.‬‬
‫وحاولــت أختــه املســاعدة بالطلــب مــن اإللــه أوتو(شــمش) اإللــه‬
‫البحــار أن يحولــه إىل حيــوان إلخفائــه‪ ،‬فعمــل ذلــك مــن غــر اح ـرام‪،‬‬
‫وأخفــاه لثــاث مـرات‪ .‬وأخـرا ً قتــل دمــوزي وحمــل إىل العــامل الســفيل‪،‬‬
‫وعملــت أختــه گشــتينانا عــى وضــع نفســها كضــان ليعــود دمــوزي‬
‫حي ـاً لنصــف ســنة‪ ،‬يف حــن نزلــت هــي لعــامل األمــوات‪ ،‬وحاملــا عــاد‬
‫اإللــه الراعــي لحكــم العــامل فــإن إلهــة النبــات كانــت قــد ماتــت‪ .‬عمومـاً‬
‫فــإن بنــاء األســطورة كان أكــر تعقيــدا ً مــن القصــص البســيطة عــن‬
‫مــوت وبعــث آلهــة الخصــب الشــائعة يف كتبنــا األدبيــة‪.‬‬
‫وتؤلــف القصــص واملالحــم الخاصــة بالبطولــة واألبطــال موضوع ـاً‬
‫بــارزا ً يف األدب الســومري بشــكل خــاص‪ ،‬وأدب بــاد الرافديــن عمومـاً‪.‬‬
‫وتضمــن تقليــد نفــر(أي نســخ هــذه األعــال يف األيدوبــا = املدرســة)‬
‫تســع أســاطري منظومــة شــعرياً عــن أعــال األبطــال الذيــن يعــودون‬
‫‪234‬‬ ‫السومريون‬

‫إىل الســالة األوىل شــبه األســطورية يف مدينــة الــوركاء عــى وفــق قامئــة‬
‫امللــوك ‪ ،‬وهــم كل مــن أينمــرگار ولوگالبنــدا وگلگامــش‪ .‬ويبــدو أن‬
‫تقليــد نفــر أٌبتــدع يف عــر ســالة أور الثالثــة‪ ،‬إذ كان ملوكهــا يرتبطــون‬
‫عــى نحــو قريــب مبدينــة الــوركاء‪ .‬إذ تتبــع عائلــة مؤســس هــذه‬
‫الســالة امللــك أور‪-‬منــو (‪ 2095-2112‬ق‪.‬م) الخــط إىل گلگامــش‪ .‬ورمبــا‬
‫ضُ مــت أســاطري الــوركاء يف تقليــد مدينــة نفــر بســبب أن الــوركاء كانــت‬
‫هــي املركــز والحضــاري‪ ،‬ومهــا حــدث للمدينــة كمركــز للمملكــة فأنهــا‬
‫دامئـاً مــا ترغــب يف أن ترتبــط بهــا‪ ،‬أي مبدينــة نفــر‪ .‬وكان التقليــد األديب‬
‫املنتظــم مــن نفــر يســتمر يف األيدوبــا يف مــدن أخــرى يف عــر ســالة‬
‫أور الثالثــة وســالة إيســن األوىل‪.‬‬
‫وكانــت جميــع األســاطري البطوليــة (املالحــم) املعروفــة لدينــا مــن‬
‫تلــك األوقــات يف مرحلــة مــا تشــكل سلســة أو دوريــة‪ ،‬تقــدم منــوذج‬
‫مــن املالحــم (عــى ســبيل املثــال مجموعــة مــن األبطــال يف مــكان‬
‫والدتهــم الــذي كان أحــد املراحــل يف هــذه املتسلســات)‪ .‬ونســتطيع‬
‫القــول بثقــة كبــرة أن الســومريني هــم أول مــن أوجــد وطــور األدب‬
‫امللحمــي املؤلــف مــن روايــات قصصيــة بطوليــة وضعــت يف صيــغ‬
‫شــعرية‪ .‬ومــر الســومريون‪ ،‬كــا مــر اإلغريــق والهنــدوس والتيوتونيــون‬
‫القدامــى‪ ،‬يف تأريخهــم املبكــر بعــر بطــويل تتكشــف روحــه ومزاجــه‬
‫يف تقاليــده امللحميــة‪ .‬وبدافــع تعطشــهم ورغبتهــم بالشــهرة والصيــت‪،‬‬
‫ذلــك الدافــع الــذي هــو مــن خصائــص الطبقــة الحاكمــة املميــزة‬
‫يف أثنــاء أي عــر بطــويل‪ ،‬كان امللــوك واألمــراء يأمــرون املنشــدين‬
‫واملغنيــن امللحقــن بالقــر بارتجــال قصائــد أو أغنيــات قصصيــة متجــد‬
‫السومريون‬ ‫‪235‬‬

‫مغامراتهــم وإنجازاتهــم‪ .‬وكانــت هــذه األناشــيد امللحميــة‪ ،‬والتــي كان‬


‫هدفهــا الرئيــي تســلية املدعويــن يف والئــم القــر واألعيــاد املتعــددة‪،‬‬
‫تنشــد عــى مــا يرجــح مصحوبــة بالعــزف عــى القيثــارة أو عــى آلــة‬
‫موســيقية أخــرى شــبيهة بهــا‪ .‬وتتميــز هــذه القصــص بخــواص أو عنارص‬
‫مختلفــة ليســهل جمعهــا مع ـاً مثــل ‪ :‬مالحــم ومؤلفــات األنســاب مــن‬
‫مختلــف العصــور‪ ،‬وكان بعضهــا أكــر إنجــازا ً واكتــاالً مثــل القصيــدة‬
‫املميــزة حــول لوگالبنــدا والنــر الضخــم‪ ،‬وبعضهــا اآلخــر أقــل منهــا‬
‫بكثــر‪ .‬ويصعــب إىل حــد كبــر جــدا ً أن تحــدد‪ ،‬حتــى ولــو تقريبيــاً‪،‬‬
‫متــى أُلفــت هــذه القصــص‪ ،‬كــا أن بعــض موضوعاتهــا هــي إضافــات‬
‫متأخــرة‪ .‬وميكــن للمــرء أن يصطلــح عــى وصفهــا باألســاطري اإلبداعية أو‬
‫االبتداعيــة ألن املوضــوع الــذي تــدور حولــه قــد تــم إبداعــه وتشــكيله‬
‫كلــه باعتــاد بســيط عــى القصائــد األســطورية القدميــة‪ ،‬ثــم جــرت‬
‫صياغتــه وتكييفــه عــى وفــق النســق األســطوري الــدارج‪ .‬وقــد خضعــت‬
‫األســاطري للتحــول عــى مــر القرون‪ ،‬ومــن الواضح أنها شــكلت نــوع أديب‬
‫مبكــر‪ ،‬والــذي تطــور أخـرا ً إىل امللحمــة‪ .‬ومل يكــن البطــل يف مثــل هــذه‬
‫املؤلفــات لحــد اآلن بط ـاً ملحمي ـاً منوذجي ـاً‪ ،‬بــارز يف خواصــه‪ ،‬وغالب ـاً‬
‫تراجيــدي‪ ،‬ولكنــه أكــر مــن رجــل محظــوظ يف الحكايــات الســحرية أو‬
‫حكايــات الجــن‪ ،‬ويرتبــط باآللهــة‪ ،‬ولكنــه ليــس إله ـاً بنفســه؛ أو أنــه‬
‫ملــك كامــل القــوة بصفــات إلهيــة محــددة‪.‬‬
‫وغالبـاً مــا يكتشــف املؤرخــون لــآداب التبايــن بــن املالحــم البطوليــة‬
‫أو القصــص املمهــد لهــا أو مــا يســمى باملالحــم األســطورية‪ ،‬إذ كان‬
‫األبطــال يف النــوع األول رجــاالً‪ ،‬أي مــن الجنــس البــري‪ ،‬يف حــن أنهــم‬
‫‪236‬‬ ‫السومريون‬

‫كانــوا يف النــوع الثــاين مــن اآللهــة‪ .‬إن مثــل هــذا التصنيــف غــر قابــل‬
‫للتطبيــق يف األدب الســومري الــذي كان فيــه تصويــر مشــهد قتــال اآللهــة‬
‫أقــل مــن النــاذج التــي تصــور مشــهد البطــل الدنيــوي أو البــري‪.‬‬
‫فض ـاً عــا ذكرنــاه أعــاه مــن مؤلفــات لدينــا اثنتــن أو أكــر مــن‬
‫الحكايــات امللحميــة‪ ،‬أو مــا ميكــن أن تــدرج يف مــا يســمى مــا قبــل‬
‫امللحمــة بأبطــال إلهيــن معروفــن‪ .‬وتخربنــا األوىل‪ ،‬وهــي تتألــف مــن‬
‫‪ 183‬ســطرا ً‪ ،‬عــن حالــة قتــال بــن اإللهــة أينانــا وكائنــات بأجســاد برشيــة‬
‫مــن العــامل الســفيل(أيبخ) كــا يســميهم النــص‪ ،‬ويصــف النــص الثــاين‬
‫حــرب اإللــه نينورتــا ضــد العفريــت الشيطان(آســاگ) الــذي كان يســكن‬
‫يف العــامل الســفيل كذلــك‪ .‬ويبــدو نينورتــا يف ذات الوقــت كأنــه مــن‬
‫ســلف األبطــال‪ .‬وقــد بنــى خنــدق مــن دعامــات ضخمــة مــن األحجــار‬
‫لغــرض حاميــة ســومر مــن ميــاه املحيــط األوليــة التــي تتدفــق عــى‬
‫الحقــول‪ ،‬وهكــذا حولهــا إىل نهــر دجلــة‪.‬‬
‫وهنــاك جنــس أديب ميكــن تســميته باألســاطري التفســرية‪ ،‬وهــي‬
‫األكــر عموميــة يف اآلداب الســومرية‪ ،‬وتتعلــق بدراســة األســباب‪ ،‬أي‬
‫تقديــم األســباب الكامنــة وراء كثــر مــن الظواهــر التــي يراهــا اإلنســان‬
‫يف العــامل الواقعــي‪ .‬وقــد كانــت يف األســاطري الســومرية تتعامــل مــع‬
‫أعــال اإلبــداع اإللهيــة‪ .‬وقــد وصفــت هــذه األســاطري‪ ،‬مــن ضمن أشــياء‬
‫أخــرى‪ ،‬خلــق العــامل كــا تصــوره الســومريون‪ .‬ورمبــا مل تنتــج ســومر‬
‫أســاطري نشــؤ الكــون الشــاملة أو‪ ،‬عــى األقــل‪ ،‬مل تكــن مكتوبــة لديهــم‪.‬‬
‫ويصعــب رشح مثــل هــذا األمــر‪ ،‬ومــن غــر املحتمــل أن ال تكــون لفكرة‬
‫السومريون‬ ‫‪237‬‬

‫رصاع القــوى الطبيعيــة الهائلــة‪( -‬اآللهــة والكائنــات الخرافيــة الضخمــة‪،‬‬


‫واآللهــة األكــر واألصغــر ســناً إلــخ‪ -)...‬مــكان يف الفهــم الســومري للعامل‪،‬‬
‫وال ســيام أن موضــوع مــوت وانبعــاث الطبيعة(عندمــا ميــوت اإللــه ثــم‬
‫يعــود مــن العــامل الســفيل) كان قــد تطــور فعلي ـاً وعــى نحــو جيــد يف‬
‫األســاطري الســومرية‪ ،‬كــا شــاهدناها يف قصــص أينانــا ودمــوزي واآللهــة‬
‫األخــرى مثــل أنليــل‪.‬‬
‫ورمبــا كان تنظيــم الحيــاة عــى األرض– ترســيخ التنظيــم والرخــاء‬
‫االقتصــادي‪ -‬هــو املوضــوع األكــر تفضيالً يف الشــعر الســومري‪ .‬إذ تضمنت‬
‫مثــل هــذه املؤلفــات قصــص حــول خلــق اآللهــة التــي كانــت واجباتهــا‬
‫ومهامتهــا اإلرشاف عــى تنظيــم األريض‪ ،‬وتعيــن مهــات وواجبــات اآللهة‪،‬‬
‫وترســيخ ســلطة اآللهــة‪ ،‬وتزويــد األرض بالكائنــات الحيــة‪ ،‬وحتــى لخلــق‬
‫آالت الفالحــة املتنوعــة‪ .‬وقــد أرشنــا يف الفصــل الســابق إىل اآللهــة الرئيســة‬
‫التــي عملــت كآلهــة خلــق وهــي أنــي وأنليــل‪.‬‬
‫وميكــن القــول أن كثــر مــن األســاطري التفســرية قــد بنيــت بشــكل‬
‫حــوارات بــن ممثلــن مــن الفــروع املتنوعــة يف االقتصــاد أو حتــى بــن‬
‫أشــياء مختلفــة مــن الحيــاة اليوميــة‪ ،‬إذ تحــاول كل واحــدة منهــا أن‬
‫تثبــت تفوقهــا عــى األخــرى‪ ،‬ويوجــد لدينــا نحــو ســبعة عــر نص ـاً‬
‫مدونــاً باللغــة الســومرية؛ منهــا املحــاورة أو املناظــرة بــن املاشــية‬
‫والغلــة‪ ،‬والخشــبة والقصبــة‪ ،‬والراعــي والفــاح‪ ،‬والصيــف والشــتاء‬
‫وغريهــا‪ .‬وقــد أدت األيدوبــا الســومرية (املدرســة) دورا ً كبـرا ً يف انطــاق‬
‫هــذا النــوع مــن الجنــس األديب‪ ،‬والــذي كان النمــوذج للعديــد مــن‬
‫‪238‬‬ ‫السومريون‬

‫اآلداب الرشقيــة الالحقــة‪ .‬وقــد ظهــرت محــاورات عــدة ترتبط باملدرســة‬


‫الســومرية (األيدوبــا) مثــل‪ :‬الحــوار بــن التلميــذ والخريــج‪ ،‬والكاتــب‬
‫وناظــره‪ ،‬وكذلــك نظــم املدرســة‪ .‬ونعــرف القليــل مــن املعلومــات عــن‬
‫هــذه املدرســة يف مرحلتهــا املبكــرة‪ ،‬إذ نعــرف فقــط أنهــا وجــدت‪،‬‬
‫وأن العديــد مــن األدوات التعليميــة مــن عــر قبــل الكتابــة كانــت‬
‫متاحــة‪ .‬وقــد أصبحــت األيدوبــا مؤسســة محــددة بوضــوح عــى األقــل‬
‫يف مرحلــة مبكــرة مــن األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬وكان الهــدف األســايس لهــا‬
‫النســاخ أو ال ُكتٌــاب واملســاحون وآخــرون‬
‫املامرســة املجــردة‪ ،‬فهــي تعــد ّ‬
‫مــن املحرتفــن (ذوي االختصاصــات العمليــة)‪ .‬ونتيجــة للتطــور الــذي‬
‫طــرأ عليهــا فــأن تعلمهــا أصبــح أكــر شــمولية‪ ،‬وكان ذلــك يف نهايــة‬
‫األلــف الثالــث ق‪.‬م‪ ،‬وبدايــة األلــف الثــاين ق‪.‬م‪ ،‬تقريبـاً‪ ،‬وقــد أصبحــت‬
‫املدرســة مرك ـزا ً أكادميي ـاً يف زمانهــا‪.‬‬
‫وكانــت جميــع الفــروع املعروفــة املوجــودة فكريــة؛ منهــا الرياضيــات‪،‬‬
‫والقواعــد‪ ،‬والغنــاء واملوســيقى‪ ،‬والقانــون‪ .‬وتضمنــت الدراســات التعليــم‬
‫بواســطة قوائــم روتينية طبيــة‪ ،‬ونباتيــة‪ ،‬وجغرافية‪ ،‬والعقاقــر‪ ،‬واملصطلحات‬
‫القانونيــة (والقوانــن كذلــك) إلــخ‪ .‬فضـاً عــن قوائــم باملؤلفــات األدبيــة‪.‬‬
‫وجــاءت معظــم املؤلفــات التــي ذكــرت أعــاه عــى شــكل نصــوص‬
‫كتبــت بواســطة املعلمــن أو الطــاب يف هــذه املــدارس‪ ،‬فضــاً عــن‬
‫وجــود مقــاالت أدبيــة تصــف الحيــاة يف املدرســة مــع ذكــر قواعدهــا‬
‫وأعاملهــا التعليميــة ومنهــا؛ الوصايــا األخالقيــة‪ ،‬والنصائــح األخالقيــة‪،‬‬
‫والتعليــات‪ .‬وتوجــه جميــع التعليــات إىل الطــاب وتأخــذ شــكل‬
‫السومريون‬ ‫‪239‬‬

‫حــوارات بقالــب شــعري‪ .‬وتتعلــق بعــض هــذه النصــوص بالحكمــة‬


‫واألمثــال واألقــوال والخرافــات‪ .‬ويوجــد مثــال وحيــد معــروف عــن‬
‫حكايــات الجــن الســومرية بشــكل نــري كان عبــارة عــن نــص مــدريس‪.‬‬
‫ونســتطيع أن نتلمــس غنــى وتنــوع األدب الســومري حتــى يف هــذا‬
‫اإليجــاز املختــر‪ .‬فقــد نشــأت هــذه املــواد الضخمــة املتعددة األشــكال‬
‫يف أوقــات مختلفــة‪ ،‬وإن كان معظمهــا قــد كتــب يف نهايــة األلــف‬
‫الثالــث ق‪.‬م ورمبــا مطلــع األلــف الثــاين ق‪.‬م‪ .‬وقــد حفظــت الكثــر‬
‫مــن إبداعــات الفــن األديب الشــفهي‪ .‬إذ متتــد جــذور الشــعر الســومري‬
‫املكتــوب‪ -‬ومعظــم األعــال األدبيــة الســومرية التــي جاءتنــا يف صيغــة‬
‫الشــعر‪ -‬إىل شــاعر البــاط األمــي‪ ،‬وعصــور قبــل الكتابــة وإىل املنشــد‬
‫واملوســيقار يف املعبــد‪ .‬وقــد كان األســلوب الــردي األســايس ملعظــم‬
‫القصــص امللحميــة األســطورية والقصــص قبــل امللحميــة هــو التك ـرار‬
‫املســتمر للحــوارات نفســها التــي كانــت قــد صيغــت يف الكلــات‬
‫نفســها‪ ،‬وإن كانــت تلقــى بــن متحاوريــن مختلفــن عــى التــوايل‪ .‬ومل‬
‫تكــن مجــرد منــوذج ثــايث متكــرر يف املالحــم وحكايــات الجــن‪ ،‬ويكــون‬
‫التكـرار يف األدب الســومري يف بعــض األحيــان لتســع مـرات‪ ،‬وقــد عــد‬
‫هــذا األداة الجامليــة عنــد املداحــن واملغنــن الشــعبيني‪ ،‬وهــو أحــد‬
‫املالمــح األســلوبية الســائدة‪ .‬وكان أكــر أهميــة ملســاعدة الذاكــرة‪ .‬وقــد‬
‫ورث هــذا األســلوب الــردي عــى مــا يبــدو مــن التحــول الشــفهي‬
‫لألســاطري والقصائــد والــكالم ذو الصفــة اإليقاعيــة والســحرية‪ ،‬وتذكــر‬
‫تعزميــات الشــامانت (الكهنــة)‪.‬‬
‫‪240‬‬ ‫السومريون‬

‫ونظمــت هــذه املؤلفــات يف معظمهــا عــى شــكل حــوارات متكــررة‬


‫ومونولوجــات‪ ،‬إذ أن الفعــل كان بطيئـاً ويبــدو وكأنــه فضفــاض وجــاف‪،‬‬
‫ثــم غــر كامــل‪ -‬ولــو أنــه مــن املؤكــد أن القدمــاء ال يرونــه مبثــل هــذه‬
‫الكيفيــة‪ .-‬فــإذا مــا كانــت القصــة التــي كتبــت عــى لــوح الطــن قــد‬
‫صممــت كنــوع مــن اإليجــاز ليوجــه ويرشــد ذاكــرة القــاص؟ فلــاذا كان‬
‫مــن الــروري تكـرار الجملــة ذاتهــا تســع مـرات عــى األكــر؟‪ ،‬ويبــدو‬
‫هــذا األمــر غريبـاً متامـاً بســبب أن كتابــة األلــواح كانــت عمليــة شــاقة‬
‫وغــر واســعة النطــاق‪ .‬وتحتــاج مثــل هــذه الحقيقــة لوحدهــا إىل أن‬
‫تشــر إىل الحاجــة إىل االختصــار وحفــظ الحيــز‪ ،‬والتــي عــادة مــا تأخــذ‬
‫بالحســبان يف األدب األكــدي يف نحــو منتصــف األلــف الثــاين ق‪.‬م)‪.‬‬
‫ويشــر كل هــذا إىل أن األدب الســومري‪ ،‬وإىل درجــة كبــرة‪ ،‬مل يكــن‬
‫أكــر مــن تســجيل األدب الشــفهي‪ .‬إذ مل يكــن يف نيــة الكُتــاب االنحـراف‬
‫مــن الكلمــة املحكيــة التــي وضعوهــا عــى الطــن لتحفــظ كل الصفــات‬
‫األســلوبية واملزايــا للــكالم الشــعري املحــي‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فإنــه مــن املهــم‬
‫أن نالحــظ أن الســومريني‪ ،‬وتحديــدا ً رجــال األدب ّ‬
‫(النســاخ) مل يكونــوا‬
‫ينــوون أن ينتجــوا أو ينســخوا يف الكتابــة كل املعــارف الشــفهية وجميــع‬
‫أنواعهــا‪ .‬وقــد كان االختيــار يتحــدد عــن طريــق حاجــات املدرســة‬
‫وجزئيـاً العبــادة‪ .‬ويبــدو أن املــوازي إىل كتابــة العــر الشــبيه بالكتــايب‬
‫مــن املؤلفــات الشــفهية اســتمرت بالوجــود‪ ،‬وإن كانــت قــد بقيــت غــر‬
‫مســجلة‪ .‬ومــن املؤكــد فــن الــكالم املحــي كان أكــر غنــى مــن الكتابــة‪.‬‬
‫ويبــدو االســتنتاج مــن أن األدب الســومري األويل يفتقــر إىل القيمــة‬
‫الفنيــة والعاطفيــة مغلوطـاً‪ .‬إذ تعــزز الطريقــة املجازيــة للتفكــر نفســه‬
‫السومريون‬ ‫‪241‬‬

‫الــكالم الخيــايل وتعمــل كذلــك عــى اســتعامل ســمة التناظــر النموذجية‬


‫للشــعر الرشقــي القديــم‪ .‬وقــد كانــت القصائــد الســومرية عملي ـاً كالم‬
‫إيقاعــي‪ .‬ومل يكــن لديهــم مقيــاس صــارم؛ لــذا ســوف يفشــل مــن يحاول‬
‫إيجــاد أيــة إشــارات عــن النظــم الشــعري وفقـرات نوعيــة مــن التفعيلة‬
‫أو الوقفــات (فواصــل) أو املقاطــع املشــددة‪ .‬وال نــزال مــن دون أدىن‬
‫شــك إىل اليــوم غــر قادريــن عــى التمييــز بشــكل جــازم بــن املنظومات‬
‫النرثيــة والشــعرية‪ ،‬وال عــى البــت يف تحديــد املقاطــع النرثيــة الــواردة‬
‫ضمــن املنظومــات الشــعرية‪ .‬وأن محاولــة تحليــل اإليقــاع الشــعري يف‬
‫القصائــد الســومرية مازالــت يف البدايــات متامـاً‪ ،‬وال ميكــن حاليـاً توقــع‬
‫مــا إذا كانــت ســتحقق نجاحـاً‪.‬‬
‫وكان مــن بــن األســاليب الشــعرية الرئيســة املســتعملة لتوكيــد‬
‫اإليقــاع؛ التك ـرار‪ ،‬والــرد اإليقاعــي لأللقــاب اإللهيــة‪ ،‬وتك ـرار اللفظــة‬
‫املتعاقبــة مــن الكلــات األوىل مــن بيــت الشــعر للعديــد مــن األبيــات‬
‫وهكــذا‪ .‬وتعــزى جميــع هــذه األســاليب إىل الشــعر الشــفهي الــذي كان‬
‫تأثــره العاطفــي قــد حفــظ هنــا يف األدب املكتــوب‪.‬‬
‫وقــد عكــس األدب الكتــايب الســومري أيضــاً التحــول مــن طريقــة‬
‫التفكــر البدائيــة (األوليــة) إىل ذلــك املجتمــع النوعــي الجديــد‪ .‬فعنــد‬
‫فحــص النصــوص الســومرية القدميــة‪ ،‬وال ســيام املؤلفــات األســطورية‬
‫فإننــا ســنصدم بالنقــص يف الصــورة الشــعرية مــن (طـراز عــايل)‪ .‬إذ مل تكــن‬
‫اآللهــة الســومرية ببســاطة مخلوقــات أرضيــة وفقــاً للمقيــاس األريض‪.‬‬
‫ومل يكــن عاملهــا عــامل املشــاعر واألعــال اإلنســانية‪ .‬ولكــن مــن الســهل‬
‫‪242‬‬ ‫السومريون‬

‫أن نــرى كيــف أن النــاس األوائــل‪ ،‬مــع شــعورهم بالعجــز أو الوهــن يف‬
‫مواجهــة القــوى الطبيعيــة األعظــم التــي ال تقهــر‪ ،‬يــرون أنفســهم مــن‬
‫دون مســاعدة يف رحمــة هــذه القــوى‪ .‬وميكــن أن نتصــور عــى نحــو‬
‫جيــد اآللهــة ككائنــات تخلــق أشــياء حيــة مــن الرتبــة تحــت أظافرهــم‬
‫وككائنــات تســتطيع أن ترســل الطوفــان ليدمــر جميــع البرشيــة‪.‬‬
‫لقــد أطلــق الســومريون عــى العــامل الســفيل اســم (كــور) التــي رمبــا‬
‫تعنــي الجبــل‪ ،‬ومــن األوصــاف املتاحــة‪ ،‬يبــدو أنــه كان مــكان هيــويل ومــن‬
‫ـاض للميــت وليــس هنــاك مقاييــس لتــزن‬ ‫دون أمــل بالعــودة‪ .‬وليــس هنــاك قـ ٍ‬
‫أعــال النــاس‪ .‬وهنــاك القليــل أو ليــس هنــاك تصــورات عــن العدالــة بعــد‬
‫املــوت‪ .‬وقــد كانــت االيدولوجيــة التــي تحســب هــذا الشــعور الطبيعــي‬
‫بالرعــب وفقــدان األمــل‪ ،‬كانــت عــى كل حــال‪ ،‬نفســها عاجــزة يف بــادئ األمــر‪.‬‬
‫ونقــول أخ ـرا ً أن املؤلفــات الكتابيــة الســومرية تحــايك املوضوعــات‬
‫واألشــكال مــن الشــعر الشــفهي األويل‪ .‬وألن ايدولوجيــة املجتمــع النوعي‬
‫قــد تطــورت وبالتدريــج أصبحــت شــائعة يف القســم الجنــويب مــن بــاد‬
‫الرافديــن‪ ،‬فــإن محتــوى األدب قــد تغــر أيض ـاً‪ .‬إذ بــدأ يطــور أشــكاالً‬
‫وأنواعــاً جديــدة‪ ،‬وإن الفجــوة بــن الــدور الكتــايب والشــفهي بــدأت‬
‫تتســع وتصبــح واضحــة متامــاً‪ .‬ويرينــا األدب التعليمــي واملوضوعــات‬
‫األســطورية املتسلســلة منــو اتجاهــات مســتقلة ومختلفــة عــى نحــو‬
‫ظاهــر مــن تطــور الكلمــة املكتوبــة يف املرحلــة املتأخــرة تقريب ـاً مــن‬
‫تطــور املجتمــع الســومري‪ .‬إن هــذه املرحلــة الجديــدة يف األدب كانــت‪،‬‬
‫عــى كل حــال‪ ،‬مل تفصــل كثــرا ً مــن الســومريني ولكــن مــن ورثتهــم‬
‫الحضاريــن أي مــن األكديــن‪.‬‬
‫السومريون‬ ‫‪243‬‬

‫مصادر الفصل العاشر‬

‫‪1 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1978‬العراق القديم‪ .‬ج‪ ،1‬بغداد‪.‬‬


‫‪2 .‬األحمد‪ ،‬سامي سعيد(‪ .)1990‬السومريون وتراثهم الحضاري‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫‪3 .‬إريش فون دانيكن (‪.)1995‬عربات اآللهة‪ .‬ترجمة‪ ،‬عدنان حسن‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪4 .‬إسامعيل‪ ،‬بهيجة خليل(‪.)1985‬الكتابة ‪ ،.‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪.1‬بغداد‪.‬‬
‫‪5 .‬اوتس‪ ،‬ديفيد وجني(‪ .)1988‬نشوء الحضارة‪ .‬ترجمة‪ ،‬لطفي الخوري‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪6 .‬باقر‪ ،‬طه( ‪ .)1951‬نصوص من األدب العراقي القديم‪ .‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪.7‬‬
‫‪7 .‬باقر‪ ،‬طه(‪ .)1973‬مقدمة يف تاريخ الحضارات القدمية‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪8 .‬بشور‪ ،‬وديع(‪ .)1981‬سومر وأكد‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫‪9 .‬بوتــرو‪ ،‬جــان(‪ .)1990‬بــاد الرافدين(الكتابــة‪ -‬العقــل‪ ،‬اآللهــة)‪ .‬ترجمــة البــر‬
‫أبونــا‪ ،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪10 .‬ديال بورت‪ ،‬ل(‪ .)1997‬بالد ما بني النهرين‪ .‬ترجمة‪ ،‬محرم كامل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪11 .‬رشيد ‪ ،‬فوزي (‪ .)1972‬قواعد اللغة السومرية‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪12 .‬رشيد‪ ،‬فوزي(‪ .)1990‬األمري كوديا‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪13 .‬ساكز‪ ،‬هاري(‪ .)1979‬عظمة بابل‪ .‬ترجمة‪ ،‬عامر سليامن‪ ،‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪14 .‬السواح‪ ،‬فراس(‪ .)1987‬قرأة يف ملحمة جلجامش‪ .‬دمشق‪.‬‬
‫ ‪15 .‬الســواح ‪ ،‬فــراس (‪ .)2002‬لغــز عشــتار‪ .‬االلوهــة املؤنثــة وأصــل الديــن‬
‫واألســطورة‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪16 .‬سليامن‪ ،‬عامر(‪ .)200‬الكتابة املسامرية ‪ .‬املوصل‪.‬‬
‫ ‪17 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح(‪ .)1974‬أســاطري العــامل القديــم‪ .‬ترجمــة‪ ،‬أحمــد عبــد‬
‫الحميــد‪ .‬القاهــرة‪.‬‬
‫ ‪18 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح (‪ .)2012‬الســومريون تاريخهــم وحضاراتهــم‬
‫‪244‬‬ ‫السومريون‬

‫وخصائصهــم‪ .‬ترجمــة فيصــل الوائــي‪ ،‬بغــداد‪.‬‬


‫ ‪19 .‬كرميــر‪ ،‬صموئيــل نــوح(‪ .)1956‬مــن ألــواح ســومر‪ .‬ترجمــة‪ ،‬طــه باقــر‪ ،‬بغــداد‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ ‪20 .‬كيريا ‪ ،‬ادوارد (‪ .)1964‬كتبوا عىل الطني ‪ .‬ترجمة‪ ،‬محمود االمني‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪21 .‬لــوكاس‪ ،‬كريســتوفر(‪ .)1981‬حضــارة الرقــم الطينيــة‪ .‬ترجمــة ‪ ،‬يوســف عبــد‬
‫املســيح‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪22 .‬فرانكفــورت‪ ،‬هــري (‪ .)1965‬فجــر الحضــارة يف الــرق األدىن‪ .‬ترجمــة‬
‫ميخائيــل خــوري‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ ‪23 .‬فــون زودن‪ ،‬ف(‪ .)2003‬مدخــل إىل حضــارات الــرق القديــم‪ .‬ترجمــة‪،‬‬
‫فــاروق إســاعيل‪ .‬دمشــق‪.‬‬
‫ ‪24 .‬فريوللــو‪ ،‬شــارل(‪ .)1990‬أســاطري بابــل وكنعــان‪ .‬ترجمــة ماجــد خــر بــك‪.‬‬
‫دمشــق‪.‬‬
‫ ‪25 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحــد( ‪ .)1983‬الســومريون واألكديــون‪ .‬العــراق يف‬
‫التأريــخ‪ .‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪26 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد(‪ .)1985‬األدب‪ .‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪27 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد( ‪ .)1986‬من ألواح سومر إىل التوراة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪28 .‬عيل‪ ،‬فاضل عبد الواحد( ‪ .)1997‬سومر أسطورة وملحمة‪ .‬بغداد‪.‬‬
‫ ‪29 .‬عــي‪ ،‬فاضــل عبــد الواحد(‪.)1999‬الكتابــة والكتــاب يف حضــارة الرافديــن‪.‬‬
‫مجلــة أقــام‪ .34/6،‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪ 30 .‬الوائــي‪ ،‬فيصــل(‪ .)1964‬مــن أدب العــراق‪ -‬ترانيــم وأدعيــة ســومرية‬
‫وأكديــة‪ .‬مجلــة ســومر‪ ،‬مــج‪ ،20‬بغــداد‪.‬‬
‫ ‪31 .‬الوائيل‪ ،‬فيصل( ‪ .)1963‬من أدب العراق‪ .‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪ ،19‬بغداد‪.‬‬
‫السومريون‬ 245

. ‫ بغداد‬.21 ‫ مج‬،‫ مجلة سومر‬.‫ من أدب سومر‬.)1965(‫ فيصل‬، ‫الوائيل‬32 .


33 . Espak,P(2010).The God Enki in Sumerian Royal Ideology and
Mythology. Estonia.
34 . Green,M.W(1975). Eridu in Sumerian Literature. Chicago.
35 . Jacobsen, Th(1973). The Sumerian King List. Michigan.
36 . Karlovsky, C, (1974). The Rise and Fall of Civilization. California.
37 . Koeford, A(1983).Gilgamesh, Enkidu and the nether world. Jour.
ASJ,Vol, 5.
38 . Kramer, S. N(1943).Gilgamesh and the land of Living .Jour. JCS, Vol. I.
39 . Kramer, S. N(1949).Gilgamesh and Agga. Jour. AJA, Vol. LIII.
40 . Nissen, H,J(1988).The early history of the near east 90002000- B.C.
Chicago& London.
41 . Postgate, J. N(1996). Ancient Mesopotamia.Cambrigde.
42 . Postgate, J. N(2003). Early Mesopotamia. New York.
43 . Sollberger, E(1960).Note on the Early Inscription from Ur and Al –
Ubaid. Iraq, Vol. XXII.
44 . Van Dijk,R.M(2016).The Form, Function and Symbolism of Standards
in Ancient Mesopotamia during the Third and Fourth Millennia BCE: An
Iconographical Study. South Africa.
‫‪246‬‬ ‫السومريون‬

‫الخرائط واألشكال‬
‫السومريون‬ ‫‪247‬‬

‫اخلريطة رقم‪ )1(:‬بالد سومر‬

‫اخلريطة رقم (‪ )2‬نهر دجلة والفرات‬


‫‪248‬‬ ‫السومريون‬

‫اخلريطة رقم (‪ )3‬انتشار مستوطنات عصر العبيد‪.‬‬

‫اخلريطة رقم (‪ )4‬انتشار مستوطنات عصر الوركاء‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪249‬‬

‫اخلريطة رقم (‪ )5‬انتشار مستوطنات جمدة نصر‪.‬‬


‫‪250‬‬ ‫السومريون‬

‫اخلريطة رقم (‪ )6‬انتشار مستوطنات عصر السالالت املبكرة‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪251‬‬

‫اخلريطة رقم (‪ )7‬امتداد دولة ساللة أور الثالثة‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )1‬صوجلان مسيليم ملك كيش‪.‬‬


‫‪252‬‬ ‫السومريون‬

‫الشكل رقم (‪ )2‬ختم أسطواني يحمل مشهد ًا يصور‬


‫صعود امللك أيتانا إلى السماء‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )3‬لوح امللك أور _نائشة‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪253‬‬

‫الشكل رقم (‪ )4‬جزء من مسلة العقبان‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )5‬املعبد السابع يف مدينة أريدو‪.‬‬


‫‪254‬‬ ‫السومريون‬

‫الشكل رقم (‪ )6‬أسد مدينة أريدو‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )7‬رقيم طيني‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪255‬‬

‫الشكل رقم (‪ )8‬أشكال متنوعة مما يعرف بــ(توكني)‬

‫الشكل رقم (‪ )9‬الكتابة السومرية يف املرحلة الصورية‪.‬‬


‫‪256‬‬ ‫السومريون‬

‫الشكل رقم (‪ )10‬رسم تخيلي لطوفان نوح‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )11‬بعض موجودات املقبرة امللكية يف أور‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪257‬‬

‫الشكل رقم (‪ )12‬زقورة أور‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )13‬بقايا من مسلة امللك أور ‪ -‬منو‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )14‬أشكال رمبا متثل البطل السومري كلكامش‪.‬‬


‫‪258‬‬ ‫السومريون‬

‫الشكل رقم (‪ )15‬بعض متاثيل امللك السومري كوديا‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )16‬جزء من أسطوانة امللك كوديا‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )17‬ختم امللك كوديا‪.‬‬


‫السومريون‬ ‫‪259‬‬

‫الشكل رقم (‪ )18‬راية أور‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )19‬متثالني للملك أور‪-‬منو‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )20‬اإللهة أينانا‪ -‬عشتار‬


‫على مسلة من تل بارسيب‪.‬‬
‫‪260‬‬ ‫السومريون‬

‫المحتويات‬

‫‪7‬‬ ‫تقدمي‬
‫‪11‬‬ ‫(‪ )1‬حضارة الطني والقصب‬
‫‪11‬‬ ‫‪ 1-1‬متهيد‬
‫‪17‬‬ ‫‪ 1-2‬تكوين السهل الرسوبي‬
‫‪27‬‬ ‫(‪ )2‬السومريون‪ ،‬األصل واملوطن‬
‫‪27‬‬ ‫‪ 2-1‬متهيد‬
‫‪29‬‬ ‫‪ 2-2‬آراء يف أصل السومريني‬
‫‪34‬‬ ‫‪ 2-3‬املوطن األصلي للسومريني‬
‫‪50‬‬ ‫(‪ )3‬السومريون‪ ،‬عصر االنطالق العبيد‪ ،‬الوركاء‪ ،‬جمدة نصر‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 3-1‬متهيد‬
‫‪53‬‬ ‫‪ 3-2‬عصر الوركاء (‪ 3200-3800‬ق‪.‬م)‬
‫‪58‬‬ ‫‪ 3-3‬عصر جمدة نصر (‪ 2900-3200‬ق‪.‬م)‬
‫‪66‬‬ ‫(‪ )4‬السومريون‪ ...‬العصر الذهبي عصر السالالت املبكرة‬
‫‪66‬‬ ‫‪ .4-1‬التسمية‬
‫‪66‬‬ ‫‪ .4-2‬االستيطان يف عصر السالالت املبكرة‬
‫‪68‬‬ ‫‪ .4-3‬احلالة االقتصادية يف عصر السالالت املبكرة‬
‫‪69‬‬ ‫‪ .4-4‬احلالة السياسية يف عصر السالالت املبكرة‬
‫(‪ )5‬السومريون‪ ،‬حرب التحرير ساللة لگش الثانية(‪ 2112-2162‬ق‪.‬م) ‪93‬‬
‫‪93‬‬ ‫‪ 1-5‬متهيد‬
‫‪94‬‬ ‫‪ 2-5‬الگوتيون‬
‫‪96‬‬ ‫‪ 5-3‬ساللة لگش الثانية (‪ 2112-2162‬ق‪.‬م)‬
‫السومريون‬ ‫‪261‬‬

‫‪105‬‬ ‫(‪ )6‬السومريون‪ ،‬عصر االنبعاث (ساللة أور الثالثة ‪ 2004-2112‬ق‪.‬م)‪.‬‬


‫‪117‬‬ ‫(‪ )7‬مدن سومرية خالدة‬
‫‪117‬‬ ‫‪ 7 1-‬مدينة أريدو‬
‫‪117‬‬ ‫‪ .7-1-1‬املوقع‬
‫‪118‬‬ ‫‪ 7-1-2‬االستيطان يف مدينة أريدو‬
‫‪121‬‬ ‫‪ .7-1-3‬احلالة السياسية يف مدينة أريدو‬
‫‪123‬‬ ‫‪ 7-1-4‬املباني العمارية يف مدينة أريدو‬
‫‪126‬‬ ‫(‪ )2-7‬مدينة الوركاء‬
‫‪126‬‬ ‫‪ 7-2-1‬متهيد‬
‫‪128‬‬ ‫‪ 7-2-2‬الكتابة‬
‫‪132‬‬ ‫‪ 7-2-3‬تطور االستيطان يف مدينة الوركاء‬
‫‪134‬‬ ‫‪ 7 --2 4‬احلالة السياسة يف مدينة الوركاء‬
‫‪139‬‬ ‫(‪ )7-3‬مدينة لگش‬
‫‪139‬‬ ‫‪ 7-3-1‬املوقع‬
‫‪141‬‬ ‫‪ .7-3-2‬االستيطان يف مدينة ل َكش‬
‫‪142‬‬ ‫‪ .-7 3-3‬احلالة السياسية يف مدينة ل َكش‬
‫‪143‬‬ ‫(‪ )7– 4‬مدينة أور‬
‫‪143‬‬ ‫‪ 7-4-1‬التنقيبات يف مدينة أور‬
‫‪145‬‬ ‫‪ 7-4-2‬االستيطان يف مدينة أور إلى نهاية عصر السالالت املبكرة‬
‫‪147‬‬ ‫‪ 7-4-3‬املقبرة امللكية يف أور‬
‫‪149‬‬ ‫‪ 7-4-4‬االستيطان يف مدينة أور يف عصر ساللة أور الثالثة‬
‫‪166‬‬ ‫(‪ )8‬شخصيات سومرية خالدة‬
‫‪166‬‬ ‫‪ 1-8‬گلگامش‬
‫‪178‬‬ ‫‪ 2-8‬املصلح أور – كاجينا‬
‫‪262‬‬ ‫السومريون‬

‫‪183‬‬ ‫‪ 3-8‬گوديا‬
‫‪193‬‬ ‫‪ 8-4‬أور‪ -‬منو‬
‫‪207‬‬ ‫(‪ )9‬اآللهة السومرية‬
‫‪207‬‬ ‫‪ 9-1‬متهيد‬
‫‪210‬‬ ‫(‪ )9-2‬اآللهة الرئيسة يف البانثيون السومري‬
‫‪211‬‬ ‫‪ 9-2-1‬اإلله (آن)‬
‫‪213‬‬ ‫‪ 9-2-2‬اإلله أنليل‬
‫‪216‬‬ ‫‪ 9-2-3‬اإلله أنكي‬
‫‪219‬‬ ‫‪ 9-2-4‬اإلله ننار (سني)‬
‫‪221‬‬ ‫‪ 9-2-5‬اإللهة أينانا (عشتار)‬
‫‪229‬‬ ‫(‪ )10‬األدب السومري‬
‫‪246‬‬ ‫اخلرائط واألشكال‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like