Professional Documents
Culture Documents
إن المتتب ع لتط ور مفه وم المس ؤولية االجتماعي ة يس تطيع أن يلمس تغ يرات مهم ة
وإ ض افات نوعي ة أدت إلى إث راء ه ذا المفه وم ع بر ال زمن ،إن وض ع ح د فاص ل بين ف ترات
زمنية لغرض تأشير مراحل دقيقة لتطور المفهوم يعد أمرا غير ممكن ،وذلك لتداخل األحداث
وتأثيراتها المتبادلة ،وبالتالي فإن محاولتنا لتتبع نضوج مفهوم المسؤولية االجتماعية على ما
هي علي ه الي وم هي رص د ألب رز ح االت االنتق ال ب المفهوم من الحال ة اآلني ة العملياتي ة إلى
االس تجابة االس تراتيجية ،ومن الجزئي ة الض يقة إلى الش مولية الواس عة ،وبه ذا فإنن ا نرص د
1
المراحل التالية لتشكل إطارا لتطور المفهوم عبر مراحل زمنية متعاقبة.
مرحلة الثورة الصناعية واإلدارة العلمية :تمثل الثورة الصناعية حدثا بارزا في الحياة -1
اإلنس انية حيث تم يزت ه ذه المرحل ة باالزده ار نتيج ة اس تخدام الط رق العلمي ة
والتكنولوجي ة ،إذ ك ان اله دف األساس ي للمؤسس ات مرتك زا على تعظيم األرب اح ب أي
طريقة وذلك على حساب العاملين بها الذين تميزت أوضاعهم بالقسوة ،فكان المستفيد
هو المالكين ال العاملين والمجتمع ،وبغرض زيادة كفاءة استغالل الموارد وخصوصا
البشرية منها ،اتجه بعض رجال األعمال إلى دراسة كيفية تحسين الكفاءات اإلنتاجية
عن طريق دراسة الحركة والزمن ،والتحفيز المادي للعاملين لزيادة قدراتهم اإلنتاجية
إلعطاء إنتاج أكبر وأفضل ،وعليه يمكن القول أن إدارة المؤسسات قد أدركت في هذه
المرحل ة جانب ا بس يطا مهم ا من المس ؤولية االجتماعي ة تجس دت في تحس ين ظ روف
العاملين بها.
مرحل ة العالق ات اإلنس انية وتج ارب هوث ورن :إن تزاي د اس تغالل الع املين وإ ص ابات -2
العمل الكثيرة والوفيات الناتجة عنها وكذلك تشغيل األطفال والنساء في ظل الظروف
المزري ة ،ول د ش عورا ل دى الكث ير من المهتمين بش ؤون الص ناعة في ذل ك ال وقت
بضرورة زيادة االهتمام وإ عادة النظر لظروف العمل ،وقد كان ثمرة هذا الشعور هو
1طاهر محسن منصور الغالبي ،صالح مهدي محسن العامري :)2008( ،المسؤولية االجتماعي ة و أخالقي ات األعم ال (األعم ال و
المجتمع) ،الطبعة الثانية ،دار وائل للنشر ،عمان ،األردن ،ص .54
التج ارب الش هيرة ال تي أج ريت في مص انع هوث ورن وال تي هي باختص ار محاول ة
لدراسة تأثير االهتمام بالعاملين ولظروف العمل على مدى إنتاجية المؤسسات ،هذا ما
يمثل نقلة نوعية في تطوير مفهوم المسؤولية االجتماعية حيث بدأ االهتمام بالمستفيد
األول واألق رب للم الكين وه و الع املين ،ولق د تب ارت الكث ير من المنظم ات الرائ دة في
ذلك الوقت بإجراء دراسات مشابهة وبدأت اهتمامها بالعناصر المادية للعمل ،بهدف
توف ير ظ روف عم ل مادي ة أفض ل للع املين لغ رض زي ادة اإلنت اج وب ذلك زي ادة أرب اح
1
المالكين.
ظهور خطوط اإلنتاج وكبر حجم المنظمات :وفيه ا يتخص ص العام ل بج زء بس يط ج دًا -3
من العم ل طبق ًا للتط ورات ال تي أدخله ا Henry Fordوال يحت اج إلى ت دريب طوي ل
لكي يتقن ه .وه ذا األمر يعني ع دم مراعاة للمس ؤولية االجتماعي ة للمنظم ات الص ناعية
فضًال عن بداية حصول التلوث البيئي نتيجة األعداد الكبيرة من السيارات التي بدأت
تج وب ش وارع الم دن خصوص ًا وأن نوعي ة الوق ود المس تخدم ك انت منخفض ة الج ودة
والغازات المنبعث ة من إحتراقها تحمل الكثير من الملوثات .كذلك اإلستنزاف الموزع
2
للموارد الطبيعية كالغابات وغيرها.
تأثير األفكار االشتراكية :تعد األفكار االشتراكية والشيوعية من العالمات الب ارزة ال تي -4
دفعت منش آت األعم ال في الغ رب إلى تبني الكث ير من عناص ر المس ؤولية االجتماعي ة
التي تخص المستفيدين باختالف أنواعهم ،فبالنسبة للعاملين وما يتعلق بظروف العمل
والتقاعد والض مان االجتماعي وإ ص ابات العم ل واالس تقرار الوظيفي ،ك انت من أبرز
المط الب ال تي ين ادي به ا الع املون في الغ رب وإ ن ك ان بعض ها ق د اعتمدت ه بعض
الشركات األمريكية قبل ظهور األفكار االشتراكية والشيوعية.
بوسعدية مسعود :)2023( ،أثر محاسبة المسؤولية االجتماعية للمؤسسات على األداء المالي ،أطروحة دكتوراة غير منشورة، 1
كلية العلوم االقتصادية ،التجارية و علوم التسيير ،جامعة محمد بوضياف -المسيلة ،الجزائر ،ص .16
2محمد عاطف محمد ياسين :)2008( ،واقع تبني منظمات األعمال الصناعية للمس ؤولية االجتماعي ة ،أطروح ة ماجس تير غ ير
منشورة ،كلية العلوم اإلدارية والمالية ،جامعة الشرق األوسط للدراسات العليا -عمان ،األردن ،ص .21
إن التط ور األهم في ه ذه المرحل ة يتجلى في ك ون األفك ار االش تراكية م ا هي إال
تح دي للمش اريع الخاص ة بض رورة تحم ل المس ؤولية اتج اه أط راف أخ رى باإلض افة
3
للمالكين.
مرحلة الكساد االقتصادي الكبير و النظري ة الكينزي ة :إن إهم ال المؤسس ات الص ناعية -5
لبعض مسؤولياتها اتجاه أطراف متعددة من المستفيدين ،جعلها في تضاد مع مصالح
هؤالء ،بحيث أن هدفها كان تسويق اكبر كمية من المنتجات دون األخذ بعين االعتبار
المس تهلك و مص الحه المتع ددة ،حيث أن أزم ة الكس اد الع المي " ،"1929و م ا انج ر
عنها من انهيار للمؤسسات الصناعية و تسريح آالف العمال ،نجم عنها دعوات مهمة
لشغل الدولة وعلى رأسها دعوة كينز التي تهدف إلى إعادة التوازن االقتصادي ،حيث
أن هذا الكساد فضال عن تأثير األفكار االشتراكية التي بدأت تنتشر ويطلع عليها الناس
بش كل واس ع ،ك ل ه ذا أدى إلى بن اء أرض ية ص لبة للتوجه ات األولى لتأهي ل أفك ار و
تجديد عناصر المسؤولية االجتماعية .
مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية و التوسع االقتصادي :تعتبر هذه المرحلة األهم -6
في تجسيد المسؤولية االجتماعية بصورتها الحديثة ،و عليه فقد تعالت األصوات بأن
تك ون المس ؤولية االجتماعي ة للمؤسس ات ابع د من ارتباطه ا بمص لحة الم الكين،
المستثمرين ،وسعيها لتحقيق األرباح فقط ،بل يجب أن تمتد لتحقيق الموازنة في تلك
المس ؤولية حي ال "األط راف األخ رى ،كالمس تهلكين ،الع املين في المنظم ة ،ال دائنين ،و
الحكومة" ،إضافة إلى مساهمة الجهات المحلية العلمية ،و األكاديمية في زيادة الوعي
وتط وير ه ذا المفه وم ،من خالل ه ذه المؤش رات فق د تش كلت قف زة نوعي ة في تب ني
2
المسؤولية االجتماعية.
مرحل ة المواجه ات الواس عة بين اإلدارة والنقاب ات :وال تي تتم يز بتع اظم ق وة النقاب ات -7
وزي ادة تأثيره ا في ق رارات المنظم ات بش كل ع ام وك ذلك تزاي د ع دد اإلض رابات
وتع رض كث ير من األعم ال إلى خس ائر كب يرة بس ببها .فتعزي ز المس ار ال ديمقراطي
والمكاس ب ال تي حققه ا الع املون في مختل ف ال دول ،فض ًال عن التط ور في وس ائل
3
طاهر محسن منصور الغالبي ،صالح مهدي محسن العامري ،مرجع سبق ذكره ،ص .57
2مهري شفيقة :)2012( ،اإلتصال وعالقته بالمسؤولية االجتماعية والبيئية في المؤسسة االقتص ادية ،أطروح ة ماجس تير غ ير
منشورة ،كلية العلوم السياسية و اإلعالم ،جامعة الجزائر ،3الجزائر ،ص .77
اإلتص ال أس همت توعي ة األف راد في دول أخ رى وس اعدت في نش ر س ريع ألخب ار
المكتسبات التي تحققها النقابات العمالية في بعض الدول مثل بريطانيا وألمانيا أدى إلى
تعميق الوعي بالمسؤولية االجتماعية ،باإلضافة إلى اإلتساع بشكل كبير في دعوات
المطالب ة بحماي ة البيئ ة ونش ر ال وعي البي ئي وإ دراك األف راد للتل وث الحاص ل ج راء
العمليات الصناعية.
مرحلة القوانين والم دونات األخالقي ة :حيث أن كاف ة الن داءات واإلحتجاج ات تجس دت -8
في ه ذه المرحل ة بش كل ق وانين ودس اتير أخالقي ة ب دأت منظم ات األعم ال بص ياغتها
وتبني بنودها وبدأت األهداف اإلجتماعية واإلستعداد لإللتزام بالقيم األخالقية بالظهور
1
في شعارات منظمات األعمال ورساالتها بشكل صريح والفت للنظر.
مرحل ة جماع ات الض غط :ظه رت ه ذه الجماع ات في ش كلها البس يط في المراح ل -9
الس ابقة ،لكنه ا في اآلون ة األخ يرة أص بحت ق وة ال يس تهان به ا من حيث تأثيره ا في
ق رارات المؤسس ات االقتص ادية و من أمثل ة ذل ك" :جماع ة حماي ة البيئ ة والمحافظ ة
عليها ،جمعية الدفاع عن حقوق المرأة و الطفل ،جماعات حماية المستهلك" ،إذ يكمن
لت أثير ه ذه الجماع ات أن يس اهم في تحري ك مش اعر الجمه ور المس اند له ا ،وف رض
خياراته ا لتؤخذ بعين االعتب ار من قب ل المؤسس ات ،لذا فع دم االلتزام بها يؤذي مكانة
المؤسسة و سمعتها في المجتمع.
مرحلة اقتصاد المعرفة و عصر المعلوماتية :ش هدت ه ذه المرحل ة تح والت اقتص ادية -10
كب يرة الس يما ب روز ظ اهرة العولم ة و اتس اع موج ة التكتالت اإلقليمي ة و الدولي ة و
انتشار شبكة المعلوماتية وازدهار صناعة تكنولوجيا المعلومات ،حيث أن هذه الظاهرة
تحمل في طياتها مخاوف حقيقية و ذلك لتزايد سطوة المؤسسات العمالقة نتيجة تخلي
الحكومات عن دورها في تقديم العديد من الخدمات ،بسبب الخوصصة و ما حملت ه من
تغ ير في هيك ل االقتص اديات و ه ذا م ا دف ع بالمؤسس ات إلى وعي أك ثر بالمس ؤولية
االجتماعي ة ،و أيض ا انهي ار بعض المؤسس ات العمالق ة في االقتص اد األم ريكي مث ل
(اف رون) بس بب ع دم االل تزام بالمس ؤولية االجتماعي ة ،و به ذا الش كل يمكن أن تك ون
1
محمد عاطف محمد ياسين ،مرجع سبق ذكره ،ص .22
المس ؤولية االجتماعي ة نش اطا مس تمرا وطوي ل األم د و بع دا سياس يا من أبع اد األداء
1
االستراتيجي للمؤسسة.
العولم ة :وتع د من أهم الق وى الدافع ة لتب ني المنظم ات لمفه وم المس ؤولية االجتماعي ة، -
حيث أض حت العدي د من المنظم ات متع ددة الجنس ية Multinational Companies
) (MNCsترفع شعار المسؤولية االجتماعية ،و أصبحت تركز في حمالتها الترويجية
على أنها تهتم بحقوق اإلنسان ،وأنها تلتزم بتوفير ظروف عمل آمنة للعاملين ،وبأنها
ال تسمح بتشغيل األطفال ،كما أنها تهتم بقضايا البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
تزايد الضغوط الحكومية والشعبية :من خالل التش ريعات التي تنادي بض رورة حماية -
المستهلك والعاملين والبيئة ،األمر الذي قد يكلف المنظمة أمواًال طائلة إذا ما رغبت
في االلتزام بتلك التشريعات ،وبخالف ذلك قد تتعرض للمقاطعة والخروج من السوق
2
بشكل عام.
الك وارث والفض ائح األخالقي ة :حيث تعرض ت الكث ير من المؤسس ات الك برى لقض ايا -
أخالقية ،مما جعلها تتكبد أمواال طائلة كتعويضات للضحايا أو خسائر نتيجة المنتجات
المعابة؛
التط ورات التكنولوجي ة المتس ارعة :ال تي فرض ت على المؤسس ات ض رورة االل تزام -
بتطوير المنتجات وتطوير مهارات العاملين ،وضرورة االهتمام بالتغيرات في أذواق
المس تهلكين وتنمي ة مه ارات متخ ذي الق رار ،خاص ة في ظ ل التح ول من االقتص اد
الص ناعي إلى اقتص اد ق ائم على المعلوم ات والمعرف ة وزي ادة االهتم ام ب رأس الم ال
3
البشري بدرجة اكبر من رأس المال المادي.
1
مهري شفيقة ،مرجع سبق ذكره ،ص .78-77
2فؤاد محمد حسين الحمدي :)2003( ،األبعاد التسويقية للمس ؤولية االجتماعي ة للمنظم ات و انعكس اتها على رض ا المس تهلك،
أطروحة دكتوراة غير منشورة ،كلية اإلدارة و االقتصاد ،جامعة المستنصرية -بغداد ،العراق ،ص .35
3إيمان بن عزوز :)2016( ،تأثير المسؤولية االجتماعية على األداء المالي للمؤسسة االقتصادية ،أطروحة دكتوراة غير منشورة،
كلية العلوم االقتصادية و علوم التسيير ،جامعة قاصدي مرباح – قالمة ،الجزائر ،ص .10