Professional Documents
Culture Documents
نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام العقود الإدارية - مدخل لتخليق الإدارة العمومية-1
نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام العقود الإدارية - مدخل لتخليق الإدارة العمومية-1
122
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
حيث يكاد يجمع الجميع على أن المعايير التي يقاس عليها معيار تقدم الدول
وحضاراتها ،هي نظم وتقنيات المعلوميات وتطور وسائل اإلعالم ،ألن العالم دخل
مرحلة متطورة ضمن افاق عصر المعلومات بغاية اإلستفادة من التقنيات المتاحة
في مجال نظمها وتقنياتها التي سارت على التوازي مع ثورة تكنولوجيا اإلتصاالت.1
اذ تشكل التكنولوجيا الحديثة مدخال أساسيا لتخليق الحياة العامة ،ألنها تساهم
بشكل كبير في تطوير كافة المعامالت واألنشطة اإلدارية وتبسيطها ونقلها نوعيا من
النمطية اليدوية ،إلى التقنية اإللكترونية المتقدمة ،من خالل اإلستغالل األمثل والجيد
لعناصر التكنولوجا ونظم شبكات اإلتصال والربط اإللكتروني الرقمي الحديث،
وصوال الى تطبيق تقنية االنترنت وبلوغ التميز واإلرتقاء بكفاءة العمل اإلداري
وبالتي الحصول على المردودية المبتغاة قوامها الجودة والشفافية والسرعة واإلتقان
في الخدمة من جهة ،ومحاربة البيروقراطية والبطئ والفساد اإلداري.
122
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
وديع الهامل
أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن
عبد هللا -فاس-
مقدمة
أصبح موضوع الحد من التدخل البشري في الميدان اإلداري ذو راهنية
ملحة وورشا اصالحيا كبيرا ،يتبلور في إطار الدينامية اإلستراتيجية التي أطلقتها
الدولة لمواجهة التحديات السياسية والسوسيو -االقتصادية الحديثة ،في سياق دولي
وإقليمي معقد يطغى عليه اقتصاد المعرفة ،وتغزوه التكنولوجيات الحديثة.
حيث يكاد يجمع الجميع على أن المعايير التي يقاس عليها معيار تقدم الدول
وحضاراتها ،هي نظم وتقنيات المعلوميات وتطور وسائل اإلعالم ،ألن العالم دخل
مرحلة متطورة ضمن افاق عصر المعلومات بغاية اإلستفادة من التقنيات المتاحة
في مجال نظمها وتقنياتها التي سارت على التوازي مع ثورة تكنولوجيا اإلتصاالت.1
اذ تشكل التكنولوجيا الحديثة مدخال أساسيا لتخليق الحياة العامة ،ألنها تساهم
بشكل كبير في تطوير كافة المعامالت واألنشطة اإلدارية وتبسيطها ونقلها نوعيا من
النمطية اليدوية ،إلى التقنية اإللكترونية المتقدمة ،من خالل اإلستغالل األمثل والجيد
لعناصر التكنولوجا ونظم شبكات اإلتصال والربط اإللكتروني الرقمي الحديث،
وصوال الى تطبيق تقنية االنترنت وبلوغ التميز واإلرتقاء بكفاءة العمل اإلداري
وبالتي الحصول على المردودية المبتغاة قوامها الجودة والشفافية والسرعة واإلتقان
في الخدمة من جهة ،ومحاربة البيروقراطية والبطئ والفساد اإلداري.
-1الباز داوود عبد الرزاق ،اإلدارة العامة اإللكترونية وأثرها على النظام القانوني للمرفق العام
وأعمال موظفيه ،مجلس النشر العلمي ،لجنة التأليف والتعريب والنشر ،جامعة الكويت،0111 ،
ص .000-010
122
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
إن عملية رقمنة اإلدارة تستدعي توفير بيئة مناسبة لكونها تشكل منعطفا
شامال على مستوى المفاهيم والنظريات واألساليب والتشريعات ،ألن هذه العوامل
هي المؤشر المحدد لفشل او نجاح المشروع التحديثي الذي تصبو إليه عملية الرقمنة.
من هذه المنطلقات ،يجد موضوع نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام
العقود اإلدارية موقعه العلمي والمعرفي في جوابه عن إشكاالت وتساؤالت راهنة،
لكونه يسعى لبسط وعرض أهم اإلصالحات التي تسعى الدولة جاهدة فرضها في
اإلدارة العمومية لتجويد خدماتها في إطار دعم أسس دولة الحق والقانون وإنجاح
المسيرة الديمقراطية والتنموية.
تهدف هذه الدراسة الى محاولة إزالة الغموض والتعرف على مفهوم نزع
الصفة المادية ،وكذا التعريف بالعقود اإلدارية اإللكترونية مع تبيان أهم الخروقات
التي تطالها ،مع تبيان العالقة بين نزع الصفة المادية ومساطر ابرام العقود اإلدارية،
في محاول إلبراز مدى مساهمة ألية نزع الصفة المادية عن مساطر إبرام العقود
اإلدارية في تخليق اإلدارة العامة.
وعليه فاإلشكالية الرئيسية التي تتمحور عليها هذه الدراسة تتجلى في ما مدى
مساهمة الية نزع الصفة المادية عن مساطر ابرام العقود اإلدارية في تخليق الحياة
العامة ،والى أي حد تم تفعيلها في محاربة الفساد اإلداري.
المحور األول :ماهية نزع الصفة المادية عن مساطر ابرام العقود اإلدارية
تعد العقود اإلدارية الية من اليات ممارسة اإلدارة لنشاطها ،وتدخل ضمن
األعمال القانونية التي تصدر من جانبين ،اإلدارة والمتعاقد معها ،بحيث يتولد عن
اتفاقهما عقود تحدد حقوقهما والتزاماتهما.
وتعتبر اإلدارة في هذه العالقة مالكة لزمام األمور بما تمتاز به من سلطات
وصالحيات واسعة ومتنوعة لمواجهة المتعاقدين معها ،فبالرغم على ما يقوم عليه
العقد اإلداري شأنه شأن العقد في القانون الخاص من ضرورة توفر بعض عناصر
123
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
التعاقد ،مثل عنصر الرضى من ايجاب وقبول وكذا احترام الحرية التعاقدية ،1إال
أن ذلك ال يحد من أهمية ما تمتاز به اإلدارة من صالحيات غير مألوفة في القانون
الخاص ،المتجسدة في امتياز السلطة العامة التي تبوؤها مركز المتحكم في العقد
لكونها تصهر على تحقيق المصلحة العامة.
إذن نحن في عالقة غير متكافئة بين اإلدارة المالكة المتياز السلطة العامة وبين
المتعاقد معها الذي يشكل الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ،ألنه شخص يسعى
لتحقيق الربح او المقابل المادي المحدد في العقد والذي يشكل أهم حقوقه على
اإلطالق ،تلك الحقوق التي ينبغي على اإلدارة احترامها انطالقا من الرضائية
بوصفها جوهر فكرة العقد اإلداري سواء في القانون الخاص او العام.
ألجل ذلك ،يبقى الرهان الملقى على عاتق الدولة هو توفير الحماية والضمانات
الكفيلة بحماية مصالح المقاوالت عبر ترسيخ الشفافية وضمان حرية المنافسة ،تبسيط
مساطر اإلعداد واإلبرام ،محاربة كل مظاهر الغش والفساد وضمان نجاعة النفقات
العمومية.
إلى وقت قريب ،ظلت اإلدارة تبرم عقودها بالطرق التقليدية ،من خالل إستخدام
األدوات الكالسيكية من محررات ورقية أو مادية ،كما أن طرفي العقد يحضران
لإلتفاق والتراضي مكانيا وزمانيا بشكل حضوري .إال أنه مع مرور الوقت وتطور
وسائل التكنولوجيا أصبح التعاقد متاحا بين المتعاقدين حضوريا زمانيا وعن بعد
-1يقصد بالحرية التعاقدية هنا احترام البنود األتية 0 :اختيار أسلوب العقد 0 ،اختيار المتعاقد معه،
1حرية تسطير البنود التعاقدية .راجع بهذا الخصوص:
- Rabre-Magnane, Droit des obligations, contrat et engagement unilateral,
P.U.F Paris, 2008, p :55.
124
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
مكانيا ،بحيث يكون اإليجاب من طرف المتعاقد العارض لخدمة أو سلعة معينة عبر
موقع مخصص لهذا الغرض ،ويتم القبول من طرف اإلدارة الراغبة في إبرام العقد.
عموما يمكن القول بأن مفهوم نزع الصفة المادية ،هو الحد من التدخل البشري
في المعامالت اإلدارية ،وإنجاز األعمال والمعامالت التي تتم بين طرفين أو أكثر،
سواء بين الموظفين لنفس القطاع أو من خارج القطاع ،أو بين اإلدارات العمومية
والخواص من شركات ومقاوالت وغيرهم ،عبر استخدام وسائل التكنولوجا الحديثة.
ويهدف هذا اإلجراء إلى التقليل من تدخل العنصر البشري تفاديا لمسببات
البيروقراطية اإلدارية والتعقيدات المصاحبة لها من بطء وروتين وغيرها من مشاكل
اإلدارة العمومية من جهة ،وتحقيق القدرة على تقديم الخدمات وتبادل المعلومات
فيما بينها وبين المواطنين وباقي المتدخلين ،بسرعة ودقة وكلفة أقل من جهة أخرى.
من خالل ما سبق يمكن أن نستنتج أن هذه المنهجية في التدبير اإلداري الحديث
"نزع الصفة المادية" ،ال يمكن أن نتصورها في معزل عن اإلدارة اإللكترونية.
لكون هذه األخيرة تهدف إلى تحويل النظام التقليدي لإلدارة العمومية ،إلى نظام
حديث قوامه تكنولوجيا المعلومات ،من أجل أداء فعال في أسرع وقت وبجودة عالية
للخدمات.1
هذا األمر األمر ما فتئ عاهل البالد يؤكد عليه كلما تحدث عن ميدان إصالح
اإلدارة ،إذ أكد في رسالته التوجيهية أنه " :سيظل إصالح اإلدارة العمومية
وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بالدنا ،إذ يتعين أن نوفر
ألجهزت نا ما يلزم من أدوات تكنولوجا عصرية بما فيها األنترنت لتمكينها من
اإلنخراط في الشبكة العالمية وتوفير خدمات أكثر جودة لمتطلبات األفراد
والمقاوالت".2
-1عبد الناصر حيدر علي العمري ،دور اإلدارة اإللكترونية في تخليق الحياة العامة ومكافحة
الفساد اإلداري ،مطبعة دار السالم الرباط ،الطبعة األولى ،0100ص .06
-2مقتطف من الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية المنظمة من طرف كتابة
الدولة المكلفة بالبريد وتقنيات اإلتصال واإلعالم ،الرباط 01 ،أبريل .0100
125
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
من هذا المنطلق ،عملت الحكومات المغربية خصوصا الوزارة الوصية على
قطاع إصالح اإلدارة ،على خلق األرضية المناسبة لتحقيق اإلنتقال الرقمي من خالل
إعداد إطار مشترك للتبادل الرقمي بين اإلدارات ومرتفقيها وهو ما يصطلح عليه
بالتنميط.1
هذا التحول واالنتقال الرقمي من شأنه المساهمة بشكل كبير في نزع الصفة
المادية عن مساطر ابرام العقود اإلدارية ،وذلك في إطار إبرام العقود اإللكترونية.
والعقد اإللكتروني هو" اتفاق يتالقى فيه اإليجاب والقبول عبر شبكة لإلتصال عن
بعد ،من خالل وسيلة مسموعة أو مرئية تتيح التفاعل بين الموجب والقابل" .2من
خالل هذا التعريف نستنتج بأن العقد اإللكتروني يتميز عن غيره من العقود فقط في
مسطرة اإلبرام ،وليس في محتواه ،فالتعاقد اإللكتروني يعقد بين طرفي العقد (
اإلدارة والمتعاقد معها) حاضرين حكما ،أي الحضور زماني وليس مكاني أي
اختالف في مجلس العقد.
ما يميز التعاقد اإللكتروني هو وجود وسيط إلكتروني ،أال وهو المنصة الرقمية
التي من خاللها يتم إبرام العقد ،مع ما تضمنه هذه التقنية من تسجيل وأرشفة
المعلومات وتوثيقها بشكل يضمن الشفافية والوضوح من جهة ،والجودة وفي العمل
مع السرعة في إنجازه.
-1موالي محمد البوعزاوي ،تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو تكريس الديمقراطية وكسب
رهان التنمية ،منشورات مجالت العلوم القانونية ،سلسلة البحث األكاديمي ،مطبعة األمنية ،الطبعة
األولى ،0109ص .076
-2أسامة أبو الحسن مجاهد ،الوسيط في قانون المعامالت اإللكترونية ،دار النهضة العربية،
مصر ،0117 ،ص .000
126
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
هذا األمر لن يتأتى إال عبر مالئمة الدولة لتشريعاتها مع هذا التطور
التكنولوجي ،والنص في المقتضيات القانونية على منهجية استخدام هذه الوسائل
الحديثة وتوضيح طريقة التعامل اإلداري وفقها .إال أن المالحظ أن التشريعات
الوطنية الزالت محتشمة في هذا الشأن ،كما نلمس غياب نصوص قانونية تؤطر
العمل بهذه التكنولوجيات ،عدا بعض النصوص المتفرقة بإشارات محتشمة
(الصفقات العمومية ،بعض القطاعات الوزارية.)....
في هذا الجانب سنحاول الوقوف على أهم الميادين والنصوص القانونية التي
تؤطر هذه التقنية"نزع الصفة المادية".
عمل المغرب منذ سنة 6115على وضع برنامج وطني لإلدارة اإللكترونية
"إدارتي" ،بحيث شمل هذا البرنامج ستة برامج متمثلة في المحيط واإلشراف
اإلستراتيجي ،التنميط ،التعاضد ،البنية التحتية ،الخدمات األفقية والعمودية وأخيرا
األمن المعلوماتي .1انطالقا من هذا البرنامج تم إحداث العديد من البوابات
اإللكترونية تعرض من خاللها الخدمات الرسمية للقطاعات الوزارية.
+مشروع e-justice
+مشروع e-foncier
-1تقرير وزارة تحديث القطاعات العامة حول ميزانية الوزارة ،سنة ،0115نونبر ،0115ص
.10
-2موالي محمد البوعزاوي ،تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو تكريس الديمقراطية وكسب
رهان التنمية ،مرجع سابق ،ص .050
127
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
+مشروع e-transport
+مشروع e-wilaya
+مشروع e-finances
الى حدود هذه السنة ،6166عرفت هذه المشاريع إحداث العديد منها،
والبعض األخر تعثر ولم يكتمل لعدة عوامل ،منها عدم المصاحبة ،بحيث يتم خلق
تلك المواقع وتترك دون متابعة ،كما أن جهل المواطنين بهذه المساطر واإلجراءات
يشكل عائقا أما هذه التكنولوجيا.
أما موضوع الصفقات العمومية فيمكن القول بأنه من القطاعات الرائدة في
تبني الية نزع الصفة المادية ،بحيث عرف تأطيرا قانونيا واضحا ولو نسبيا ،إذ شكل
مرسوم 6111منعطفا مهما في تخليق عمليات إبرام الصفقات العمومية .فمن أهم
اإلجراءات التي جاء بها هذا المرسوم ،إحداث البوبة الوطنية لصفقات الدولة من
اجل نشر المعلومات والوثائق ،كما نص على إمكانية تبادل المعطيات بطريقة
إلكترونية بين صاحب المشروع والمتنافسين.1
128
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
اللجنة اإلستراتيجية ألمن نظام المعلومات في إطار حماية نظام المعلومات ،1فيما
يعرف باألمن السيبراني الهادف لحماية األنظمة الهامة والمعلومات الحساسة من
الهجمات الرقمية (القانون 15.61المتعلق باألمن السبرياني) .كما تعرف أيضا
باسم أمن تكنولوجيا ،بحيث تم تصميم تدابير األمن السيبراني لمكافحة التهديدات
ضد األنظمة والتطبيقات المتصلة بالشبكة ،سواء كانت تلك التهديدات تنشأ من داخل
أو خارج المنظمة ،فاألمن السيبراني هو عملية حماية األنظمة والشبكات والبرامج
ضد الهجمات الرقمية .تهدف هذه الهجمات السيبرانية عادة إلى الوصول إلى
المعلومات الحساسة أو تغييرها أو تدميرها؛ بغرض االستيالء على المال من
المستخدمين أو مقاطعة عمليات األعمال العادية.
عموما يمكن القول بأن منظومة الصفقات العمومية عرفت إصالحات عدة
همت:
129
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
وحتى ال يكون كالمنا مجرد أحكام أو تخمينات ،إرتأيت أن أسوق أحد النماذج
العملية التي تبنت ألية نزع الصفة المادية عن مسطرة إبرام العقود اإلدارية اال وهي
الصفقات العمومية ،وكيف ساهمت هذه االلية في تخليق وتجويد خدمات المرفق
العام.
وعيا منه بخطورة الفساد اإلداري واعتباره افة خطيرة تزعزع ثقة المواطنين
في مؤسسات الدولة ،عمل المغرب كغيره من نظرائه عبر العالم إلى بلورة
130
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
استراتيجيات جديدة للحد من هذه الظاهرة ،من خالل مواكبة التطورات الدولية في
مجال عصرنة اإلدارة.
من بين الخطوات التي أقرها المغرب في مجال إصالح اإلدارة هو تبني جديد
هدفه الحد من التدخل البشري في العمل اإلداري "نزع الصفة المادية" ،وتم
التنصيص على هذه األلية في ميدان الصفقات العمومية ،لما يعرفه هذا الميدان من
إغراءات تسيل لعاب الساهرين عليه .ووعيا من المشرع بحساسية هذا األمر ،جاء
قرار وزير االقتصاد والمالية رقم ،161.03بمجموعة من المستجدات التي ترمي
إلى الحد من هذه اإلختالالت والتالعبات ،وتكرس مبادئ الشفافية والحكامة ،وذلك
من خالل مجموعة من اإلجراء والتدابير التي نص عليها القرار األنف ذكره:
نصت المادة الثانية من القرار المذكور أعاله وضع مقتضى يضمن حق
الولوج المقاولين والموردين والخدماتيين أو ما سماهم " بالمكلفين باألعمال" ،إلى
البوابة بواسطة منح اسم حساب وكلمة سر .هذا الحساب يعتبر بمثابة بطاقة تعريفية
ال تستعمل إال من طرف المقاول فقط وبصفة شخصية ،يتم إنشاء هذا الحساب من
طرف الخزينة العامة للمملكة .يهدف هذا المقتضى إلى حماية المتعاقد مع اإلدارة
وضمان حقوقه عبر مجموعة من األمور التي تتيحها هذه البوابة من قبيل ضبط
تواريخ اإلرسال إلكترونيا تفاديا لمشاكل فوات األجال وكذا لتقديم التظلمات
والطعون؛ حماية األظرفة من عملية القرصنة والتشفير؛ القطع مع عملية التجسس
على األظرفة المرسلة من قبل المكلفين باألعمال؛ التأكد من كون الشروط
الموضوعة في البوابة تسري على الجميع بدون خصوصيات تفضيلية؛ باإلضافة
إلى إمكانية تتبع جميع مراحل إبرام هذا العقد اإلداري المتعلق بالصفقة على هذه
البوابة.
إذن تعتبر هذه البوابة مدخال فريدا للصفقات العمومية تمكن من ضمان حرية
الولوج للطلبيات العمومية ،والمساواة في التعامل مع المتنافسين ،إضافة الى تعزيز
131
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
التنافسية بين المقاوالت ،كما أنها تشكل فضاء موحدا لكل المكلفين باألعمال،
والمقاوالت الراغبة في المشاركة في صفقات الدولة ،بحيث تمنحهم كذلك إمكانية
الوصول بسرعة إلى الخدمات التي يحتاجونها والمعلومات التي يريدونها ،متفادين
التأخيرات الطويلة والمحبطة التي تحدث غالبا في اإلدارة العمومية.1
تلجا اإلدارة الى هذه التقنية بخصوص صفقات التوريدات الجارية المتعلقة
بشراء المنتجات الموجودة في السوق والغير مطلوب فيها مواصفات خاصة ،2من
أجل اختيار أحسن العروض المقدمة بطريقة إلكترونية ،بحيث يكون أمام المتنافسين
فرصة مراجعة األثمان المقترحة من طرفهم طيلة سريان زمن المناقصة .ويبين
صاحب المشروع مجموعة من البيانات المتعلقة بموضوع المناقصة (المادة 02من
قرار ،)61.03باإلضافة إلى تحديد ثمن بدء المناقصة وكذا عتبة التناقص (المبلغ
األدنى واألقصى لمراجعة العروض بالتخفيض.
بعد ذلك تجتمع اللجنة المختصة بإجراء المناقصة اإللكترونية ،وتقوم بفحص
األظرفة ومن خاللها إقصاء المتنافسين الغير المستوفين للشروط ( مع ضرورة
اخبارهم بسبب اإلقصاء وبطريقة إلكترونية وبشكل فردي) محررة في ذلك محضر
اجتماع .3هذا باإلضافة الى ابالغ جميع المتنافسين المقبولين للتناقص بتاريخ
المناقصة بيومين على األقل قبل بدأ المناقصة .وفي حالة حصول صعوبات تقنية
مرتبطة ببوابة الصفقات العمومية ،وحالت دون السير العادي للمناقصة أوقفت اللجنة
المناقصة لمدة 33ساعة ،مع عدم جواز اإلفصاح عن هوية المتنافسين.
في المرحلة األخيرة ،تستدعي اللجنة المتنافس المناقص الذي قدم العرض
األقل ثمن وتطلب منه تقديم الوثائق المنصوص عليها في المادة ( 65الفقرة -6أ)
-1مصطفى يوسف كافي ،الحك ومة اإللكترونية في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة،
دار ومؤسسة أرسالن للطباعة والنشر والتوزيع ،سوريا ،الطبعة األولى ،0101ص .06
-2المادة 09من القرار ،01.01مرجع سابق.
-3المادة 01من القرار ،01.01مرجع سابق.
132
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
من مرسوم 6104المتعلق بالصفقات العمومية .لتعلن بعد فحص وتمحيص الوثائق
نائل الصفقة ،ليتم ابرام العقد بينه وبين صاحب المشروع على أساس ملف في شكل
ورقي يتضمن مجموعة من الوثائق.1
تهدف الرقابة اإللكترونية إلى تجاوز الرقابة التقليدية المنصبة على الوثائق
ومراجعتها والتدقيق فيها بغية تحديد اإلختالالت واإلنحرافات في العمل اإلداري.
وتوظف الرقابة اإللكترونية تقنيات المعلوميات بأشكالها المختلفة والحديثة ،من قبيل
الحاسوب األلي الذي يربط الوحدات التنظيمية التنفيذية مع األجهزة الرقابية في
التشكيالت التي تعمل على رقابتها لتسهيل الحصول على البيانات والمعلومات بجودة
ودقة عالية وبأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة.2
ويبقى التحول من العمل الرقابي التقليدي اليدوي إلى العمل اإللكتروني هو
أسلوب متطور في تنفيذ المهام الرقابية ،إذ يبقى على عاتق المشرع والجهات
المسؤولة على تدبير الشأن العام البدء في تطبيق هذا النظام ،وذلك لضمان نجاح
هذا األسلوب وتعميمه على المستويات اإلدارية الدنيا ،كما يجب عليها التعريف بهذا
النظام ووضع بطاقات تقنية تحدد من خاللها طريقة اإلشتغال ونطاق التطبيق لتحقيق
الهدف الذي وضع من اجله.
كما أن الرقابة اإللكترونية ستشكل ال محالة ألية فعالة للرقابة اإلستباقية ،أي
أنها ستحد من التدخل البشري في أطوار إبرام العقود من جهة ،وتوجه مستخدم األلة
133
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
الى الخطوات الصحيحة والسديدة نحو تحقيق الغاية من العقد وخصوصا ما تعلق
منها بالصفقات التي لها حموالت مالية .كما أن جميع الخطوات التي تم اجتيازها
تبقى مسجلة ويسهل الرجوع اليها متى اقتضى األمر ذلك ،كما أن أي خطوة تكون
تحت أنظار المراقبة التقنية لألجهزة المتطورة في هذا الشأن ،بحيث أن التعامل
حينما يكون إلكترونيا يصعب التفاوض فيه أو إستعمال الحيلة أو التدليس فيه.
إن السعي نحو تعزيز الرقابة اإللكترونية في مجال إبرام العقود اإلدارية،
يقتضي بلورة توجهات ومقاربات تتوخى العمل بأليات وقائية ترسم مالمح سياسة
متكاملة للحد من التدخل البشري في مجال إبرام العقود اإلدارية ،وذلك من خالل
اإلعتماد على تكنولوجا المعلومات واالتصال ،حيث تقوم على التفاعل اإلفتراضي
عبر مختلف شبكات اإلتصال ،كما تعتمد على اإلستخدام األمثل واألنسب لمتخلف
البرمجيات والمعدات ،باإلعتماد على الموارد البشرية العالية الكفاءة والمهارة.
في هذا الصدد يستوجب على الدولة أن تعد برامج للتكوين المستمر ،تستهدف
من خالله الموظفين الذين سوف تناط بهم مهمة استعمال األجهزة التكنولوجيا ،عبر
تحديد حاجياتهم التكوينية مسبقا والعمل على صياغتها في شكل دورات تكوينية .كما
يجب أن ال تغيب عملية التتبع والمواكبة بعد انتهاء الدورات التكوينية ،لتستخلص
النتائج وتقف على مدى نجاح برامجها التكوينية.
134
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
تضارب المصالح ،باإلضافة إلى الحرص على تضمين أسس العدالة ومبادئها على
تكافؤ الفرص أمام الطلب العمومي.1
خاتمة
تبقى المعامالت اإللكترونية تتميز بكونها نمط جديد في ابرام العقود
اإلدارية ،من خالل نزع الصبغة المادية عنها ،و قد حددت اهداف التبادل اإللكتروني
ضمن هذا البرنامج في تخفيض المصاريف اإلدارية ،والتقليل من الجهد المبذول في
التعامل مع الوثائق والمستندات ،اضافة إلى نقل المعلومات بشكل اسرع.
إلى أن هذه الدعامات اإللكترونية تعتمد على شبكة مفتوحة للجميع األمر
الذي يزيد من احتمال تعرضها للقرصنة و التحايل واإلستالء ،هذا ما فرض على
المشرع الوطني ايجاد وسائل تقنية حديثة تضمن الحماية اإللزامية لهذه المعامالت.
كما يتوجب الربط بين النظام اإللكتروني وبين البيئة التي سيطبق فيها ،وذلك
من خالل العمل على استخدام اللغة العربية في مختلف المكونات الرقمية
والمعلوماتية ،حتى ال نسقط في مشكل الجهل بمحتوى ما تقدمه اإلدارة من خدمات
عبر لغة غير العربية.
هذا ويبقى على اإلدارات العمومية التزود الكافي بأجهزة الكمبيوتر والربط
بشبكات األنترنيت ،ودعوة شركات االتصاالت إلى خفض تسعيرة الربط .كما أن
الحكومة مطالبة بتقديم برامج دقيقة تسعى من خاللها إلى التعريف بهذا المشروع
عبر تخصيص وصالت إشهارية ،وتقديم برامج توعوية وتكوينية ،باإلضافة الى
اإلنفتاح على الجامعات وبالخصوص التخصصات التقنية والقانونية.
-1فؤاد الفتوحي ،منظومة الرقابة في مجال الصفقات العمومية دراسة قانونية وقضائية ،مطبعة
البيضاوي ،الطبعة األولى ،0101ص.715.
135
عدد مزدوج الجزء األول 02/91يناير 0200 مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية
الرقمية اإللكترونية عبر تشجيع حكامة المواطن في مسار اتخاد القرار ،وتحميل
اإلدارة المسؤولية القانونية واألخالقية في تصرفاتها القانونية ومدى جودة خدماتها
المقدمة للمرتفق والمقاول.
136