You are on page 1of 1

‫االستقاللية‬

‫‪ )2‬البعد الداللي‪:‬‬
‫يتعلق األمر بلحظة التجريب‪ ،‬فالبعد الداللي يتناول العالقة التفاعلية للنموذج مع النسق الذي يمثله (الذي هو نموذج له) وبالتالي يتعلق األمر باعتبار‬
‫المسافة التي تفصل النموذج عن النسق الذي يمثله بهدف جعل النموذج أكثر مالءمة‪.‬‬
‫يتعلق األمر إذن بعالقات العالمة الرمزية (التي تم انجازها في البعد التركيبي) مع الواقع‪ ،‬فالنموذج هو وسط بين حقل نظري وحقل تجريبي وعالقة‬
‫النموذج بالواقع تبين أن الواقع ال يمكن اختزاله في نموذج نهائي ومتعلق فليس هناك حقيقة واحدة بل هناك عّد ة حقائق ذلك أن المنمذج يكّو ن نماذجه‬
‫انطالقا مع المعلومات التي ينتجها هو ذاته اصطناعيا وبطريقة حرة وهذا يعني أن النمذجة النسقية تفترض أن فعل النمذجة ليس حياديا بل أكثر من‬
‫ذلك إن الذاتية معلنة وعلنية (عكس موضوعية النمذجة التحليلية) والواقع يتم استنتاجه من مقدمات توضح قبليا‪ .‬وهذا يعني أن النموذج ال يعكس‬
‫الواقع في كليته وإنما يعكس الواقع كما وقع تمثله لذلك يشترط أن يكون النموذج مرنا قابال للتغيير وثريا قابال ألن يتحّو ل من كونه نموذج خاص إلى‬
‫كونه نموذج عاّم شامل ألكثر من نسق وتتحّد د الصالحية التجريبية للنموذج إما بتجارب قياسية عبر التمثل االصطناعي في الواقع االفتراضي وإما‬
‫بالتجربة في الواقع الفعلي‪.‬‬
‫‪ )3‬البعد التداولي‪:‬‬
‫يتمثل البعد التداولي للنمذجة في بيان صالحية النماذج وبالتالي قابليتها للتوظيف واالستعمال‪ .‬والبعد التداولي يتمثل في النظر إلى النماذج على أنها‬
‫وسائل سيطرة وتحكم وبالتالي يكشف البعد التداولي عن ارتباط النشاط العلمي في النمذجة النسقية بالنشاط التقني ويتأّك د التحالف بين العلم‬
‫والمصلحة‪ .‬فالنموذج يضطلع دائما بوظيفة‪ ،‬وظائف يمكن اختزالها في ‪ 3‬اساسية‪.‬‬
‫• وظيفة معرفية‪ :‬إذ يمكن النموذج من تفسير النسق المدروس عبر ابراز بعض خصائصه بما أن الوصف في النمذجة النسقية يرتبط بمقاصد‬
‫المنمذج والعرف المراد تحقيقه وبقوانين المحيط‪.‬‬
‫• وظيفة توقعية‪ :‬إذ يمّك ن النموذج من التوقع بردود النسق المدروس في وضعية لم تجر مالحظتها بعد انطالقا من المعرفة الحاصة حول النسق في‬
‫وضعية معينة‪.‬‬
‫• وظيفة اتخاذ القرار‪ :‬يوّف ر النموذج لصاحب القرار المعطيات الضرورية التي تسمح له بإنارة القرار الذي عليه اتخاذه للفعل في النسق المدروس‪.‬‬
‫والنمذجة النسقية تستخدم تقنيات الواقع االفتراضي لتعويض التجارب المكلفة‪ ،‬بل وأيضا التجارب التي ال نستطيع انجازها فعليا وتمكننا أيضا من‬
‫إقامة تجارب في أماكن خطيرة‪.‬‬
‫والصعوبة الجوهرية التي تعترض المنمذج في عملية التمثل االصطناعي بالحاسوب تتمثل في تحقيق شرطين متعارضين‪ :‬فمن جهة يجب أن يكون‬
‫النموذج دقيقا لتحقيق نتيجة تعكس أحسن ما يمكن الواقع ومن جهة ثانية يجب أن يكون النموذج على غاية من البساطة لنقلل أكثر ما يمكن من‬
‫العمليات الحسابية حتى يستطيع الحاسوب أن يضطلع بها‪.‬‬
‫حدود النمذجة‬
‫تتقدم النمذجة النسقية باعتبارها تمشي علمي يأتي لتجاوز ثغرات البراديغم الوضعي غير أن هذا اإلقرار يضعنا أمام إشكاالت عديدة‪ ،‬فأّو ال إلى أي‬
‫مدى يمكن القول بأننا نقطع في النمذجة النسقية كليا مع النمذجة التحليلية؟ ثم ما مشروعية القول بتساوي النماذج في الصالحية؟ هل يعني ذلك أن كّل‬
‫النماذج مقبولة؟ وكيف ستكون ايتيقيا علم ال يهتّم بالواقع إّال من جهة الفعل فيه؟‬
‫إن الحقيقة كمعيار للمعرفة يقتضي المطابقة بين المعرفة وموضوعها هو ما ضّح ت به النمذجة النسقية لصالح التاريخية‪ .‬والتاريخية تمثل سيرورة‬
‫تظنن على مفهوم الحقيقة إذ تتعلق بإشكالية النسبية التاريخية وبالنزوع إلى اعتبار التجربة التاريخية الطريق اإلنساني لمعرفة الحقيقة‪ .‬ذلك أن‬
‫النموذج الذي يتم إثبات صالحيته ليس أبدا إال مقاربة من بين مقاربات أخرى ممكنة‪ .‬ومعيار المالءمة يحّل محّل الحقيقة والصواب وهذا يعني أن‬
‫المالئم هو الصالح أي النافع غير أن الصالحية ال تؤّسُس مشروعية النموذج كنظرية علمية وإنما تمثل فقط مبدأ قبوله‪ .‬الصالحية تعّبر عّم ا يسمح به‬
‫النموذج من فعل ال عن مطابقة النموذج للواقع‪.‬‬
‫مشكل عالقة النموذج بالنظرية يطرحه "نيكوال بوبو" فالنماذج الوصفية أو التفسيرية تستند في الغالب إلى نظرية علمية وقوانين علمية ثم اكتشافها‬
‫في النمذجة التحليلية أما النماذج الكمية أو النماذج النوعية غايتها ال ترتبط دائما بنظرية لذلك يستخلص "بولو" أن النمذجة هي لغة خارج النظرية‬
‫العلمية بما هي لغة المهندسين والشركات االقتصادية والمؤسسات العسكرية‪.‬‬
‫يفتخر منظرو النمذجة النسقية بأن هذا التمشي العلمي تجاوز اختزالية النمذجة التحليلية والتي تتمظهر في ارجاعها المعقد إلى البسيط غير أن‬
‫"باسكال نوفيل" كان قد بين أن استراتيجيا الفهم في النمذجة بما هي استراتيجيا تبسيط تؤّد ي إلى اإلهمال‪ ،‬إهمال متغيرات بشكل قصدي مّم ا جعل‬
‫النموذج مثلما بين ذلك "الدريار" هو تمّث ل يعكس غائية المنمذج وبالتالي رؤيته للواقع‪ ،‬وهذا يعني أن خاصية التبسيط باإلضافة إلى الصفة‬
‫التليولوجية (الغائية) تجعل من النمذجة بالضرورة علما اختزاليا‪ .‬أما إذا أضفنا إلى ذلك أن كّل نموذج يتم انجازه يتعلق بسياق معين فإن االختزالية‬
‫تتأّك د كحّد ابستيمولوجي للنمذجة‪.‬‬
‫وهكذا يمكن القول أنه إذا كانت النمذجة تبدو اليوم رؤية ال غنى عنها في التفسير العلمي فذلك ليس ألنها نجحت في اختراق الواقع وتفسيره بل ألنها‬
‫منظومة تحّك م متواطئة مع السلطة في مختلف اشكالها فالمنمذج ينمذج لرجل االقتصاد ولرجل السياسة ولرجل الحرب‪ ،‬أولئك األوغاد الذين يتخذون‬
‫القرار‪ ،‬وكما يمكن أن نغالط باللغة الطبيعية نستطيع أن نغالط باستعمال النماذج خاصة وأن ارتباط النمذجة بالسيبرنتيقا ييّسر تجاوز حدود الهيمنة‬
‫على الطبيعة للهيمنة على اإلنسان و"أالن باديو" يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يعلن أن النمذجة ال تمثل السمة المميزة للعلم وإنما هي "الصورة‬
‫البرجوازية للعلم"‪ ،‬صورة العلم المعولم الذي ال يخفي وال يتحّر ج من ارتباطه العضوي برأس المال‪ ،‬والنمذجة كممارسة متواطئة مع السلطة تجانب‬
‫مطلب الكوني يما هو مطلب انساني‬

You might also like