Professional Documents
Culture Documents
Pubdoc 12 658 732
Pubdoc 12 658 732
(*)
القانون الدستوري ( تسمية الدولة وتعريفها )
الفصل األول
فكرة الدولة
تقتضي دراسة فكرة الدولة أن نعرض لنقطتين أساسيتين :األولى منها تتعلق بتسمية
المبحث األول
تسمية الدولة
إذا رجعنا إلى األصل اللغوي لكلمة ( الدولة ) ،لوجدنا أنها عربية المنبت .وتؤكد
غالبية معاجم اللغة العربية أن ُد ولة ( بالضم ) َ ،د ولة ( بالفتح ) معنيان :
و( الُد ولة ) بضم الدال كلمة تستخدم في مجال المال ،ويراد بها االستيالء ،كما تفيد
معنى شيء متداول من مال ونحوه .يقال :صار الفيء ُد ولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا
. ()1
ومرة لذاك ،والجمع ( الُد ول ) بضم الدال
( * ) -أ.د.رافع خضر صالح شبر ،القانون الدستوري ( نظرية الدولة و نظرية الدستور ) ،كتاب قيد االنجاز . 2011 ،
( – ) 1أنظر :مختار الصحاح ،محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،دار الكتاب العربي ، 1983 ،ص . 216
ومعنى التداول ،انتقال الشيء من شخص إلى آخر ،من ذلك قوله جل شأنه في سورة
أخرى ،كما تتداول النقود بين األيدي .ويقال كذلك " األيام ُد ول " ولعل في االشتقاق اللغوي
و( الَد ولة ) -بفتح الدال -كلمة تستخدم في مجال الحرب ،ويراد بها الغلبة ،أي أن تدال
(
إحدى الفئتين على األخرى ،يقال " :كانت لنا عليهم الَد ولة " ،والجمع ( الِد ول ) بكسر الدال
.) 3
وقد يطلق مصطلح ( الَد ولة ) على :إقليم يتمتع بنظام حكومي واستقالل سياسي ،كأن
،وقد يقال " :دولة دستورية " أو " دولة ذات نظام ()4
يقال " :دولة مستقلة ذات سيادة "
دستوري " إذا وجدت في اإلقليم حكومة مقيدة ال مطلقة ،بحيث تتقيد جميع السلطات فيها
بنصوص الدستور الذي يعمل على كفالة الحريات العامة لألفراد وضمان حقوقهم ( .) 1
وردت كلمة (ُد ولة) بضم الدال في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى من سورة
الحشر " :ما أفاء اهلل على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
. ()2
وابن السبيل كي ال يكون ُد َو لة بين األغنياء منكم " ...
()2
–اآلية 140من سورة آل عمران .
()3
–أنظر :مختار الصحاح ،المصدر السابق ،ص. 215
()4
–وجدير بالذكر ،إن لقب ( رئيس الحكومة ) في بعض الدول العربية " دولة رئيس الوزراء " .أما اصطالح " وزير دولة "
فيعني ( وزير بال حقيبة وزارية ) .
()1
–أنظر :د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ،المبادئ العامة للقانون الدستوري ،القاهرة ، 1983 ،ص. 24
()2
–اآلية 7من سورة الحشر.
ومعنى اآلية الكريمة ،حتى ال يقع مال الفئ في أيدي األغنياء ويكون ملكا متداوال بينهم
أما كلمة (َد ولة) بفتح الدال فلم يرد ذكرها في القرآن الكريم .وآية ذلك إن الدول في
الماضي كانت في غالبيتها صغيرة محدودة في مساحتها وسكانها .لذلك عبر عنها القرآن الكريم
. ()4
في مواضع كثيرة بلفظ " :القرية " أو " المدينة " أو " البلد " أو البلدة "
لفظ " القرية " هو أكثر األلفاظ التي وردت في القرآن الكريم للداللة على التجمعات
البشرية أو التنظيمات السياسية التي كانت قائمة في الماضي وقت نزوله .
ومن استخدامات لفظ " القرية " للداللة على معنى الدولة ،ما جاء في القرآن الكريم على
القرآن الكريم يتحدث عن سبأ كدولة منظمة لها حكومة مطاعة ،على رأسها ملكة قوية لها
()3
–أنظر :
-تفسير الجاللين ،العالمة محمد كريم بن سعيد راجح ،مكتبة النهضة ،بغداد ، 1984 ،ص . 731
-تفسير ابن كثير ،ج ، 5لإلمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ،دار المفيد ،بيروت ،لبنان ، 1987 ،ص 234
.
()4
– وقد تكرر استخدام كلمة " قرية " في القرآن الكريم ستًا وخمسين مرة .أما كلمة " مدينة " فقد وردت في الكتاب المجيد أربع
عشر مرة فقط ،منها أربع مرات بمعنى مدينة الرسول ( ص ) وهي المدينة المنورة التي هاجر إليها .وأما كلمة " بلد " أو " بلدة "
فقد جاءت بنفس عدد كلمة " مدينة " أي أربع عشرة مرة .وردت بالجمع أي " بالد " خمس مرات .
-ولمزيد من التفصيل ،بنظر :
-د .ماجد راغب الحلو ،الدولة في ميزان الشريعة – النظم السياسية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ، 1966 ،ص-30
. 34
-د .ماجد راغب الحلو ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 2005 ،ص. 34-29
()1
–اآلية 34من سورة النمل .
ومما يثبت أن لفظ القرية قد استخدم في بعض آيات القرآن المجيد بمعنى دولة ،ما
فرعون في آية أخرى " :كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ،فأهلكناهم
وإ ن مصر الفرعونية كانت دولة تضم مدائن وقرى ،ومع ذلك فقد اعتبرها القرآن الكريم من
وردت كلمة " المدينة " أيضا في آيات من القرآن الكريم للداللة على معنى الدولة مثل
قوله تعالى " :وَدَخ ل المدينة على حين غفلة من أهلها " . ...والمقصود بالمدينة هنا مصر
.وان موسى عليه السالم لم يكن قد خرج من مصر متوجها إلى بالد مدين إلى أن ()4
الفرعونية
" جاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى ،إن المأل يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إني لك
سميت إحدى سور القرآن الكريم باسم " البلد " وفيها يقول اهلل تبارك وتعالى " ال أقسم
(
.والبلد المقصود في هذه اآلية الكريمة هو مكة المكرمة ()1
بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد " ...
()2
–اآلية 208من سورة الشعراء .
()3
–اآلية 54من سورة األنفال .
()4
– أنظر :تفسير الجاللين ،المصدر السابق ،ص . 509
( - ) 5اآلية 20من سورة القصص .
-تفسير ابن كثير ،ج ، 3لإلمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ،دار المفيد ،بيروت ،لبنان ، 1987 ،ص 383
.
()1
–اآليتان 1و 2من سورة البلد .
( – ) 2أنظر :تفسير الجاللين ،المصدر السابق ،ص . 808
.ومنها قوله جل شأنه على لسان إبراهيم الخليل عليه السالم " :رب اجعل هذا البلد آمنًا " ... )2
. ()3
وقد ورد ذكر كلمة " البلدة " في الكتاب المبين بمعنى الدولة ،حيث جاء في القرآن
الكريم عن قصة سبأ ،تلك المملكة بأرض اليمن " :لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن
يمين وشمال ،كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور " ( .) 4
المبحث الثاني
تعريف الدولة
تباينت االتجاهات الدستورية في تحديد معنى الدولة .ويمكن أن نجمل هذه االتجاهات
عمل جانب من الفقه على تعريف الدولة على أساس االختالف السياسي بين أفراد
) ،ويرى أن المجتمع .ومن أنصار هذه االتجاه الفقيه الفرنسي ( ليو دكي Leon Duguit
" الدولة حدث اجتماعي ،توجد في كل جماعة يقوم في داخلها اختالف سياسي ،أي ينقسم فيها
. ()1
المجتمع إلى حكام ومحكومين "
األفراد مستقرة على إقليم معين ،في شكل حكام ومحكومين " ( .) 2
ونالحظ على هذه االتجاه ،أنه ال يشتمل على جميع األركان المكونة للدولة .ألنه وإ ن
كان يبرز عنصر االختالف السياسي ،إال أنه أغفل ركن اإلقليم .كما إنه تعريف واسع من شأنه
إطالق وصف الدولة على كل جماعة إنسانية تقوم فيها سلطة ،كاألسرة والقبيلة .
اتجه بعض الفقه إلى تعريف الدولة على أساس العناصر االجتماعية والسياسية .
ومن مؤسسي هذه االتجاه الفقيه الفرنسي ( كاره د مالبر ، ) Carre de Malbergإذ
عرف الدولة بأنها " :مجموعة من األفراد تستقر في إقليم معين ،ولها من التنظيم ما يجعل
وأندريه ( هوريو ، ) A.Hauriouoحيث يعرفان الدولة بأنها " :جماعة إنسانية داخل إقليم
أما الفقيه ( بارتلمي ) Barthelemyفيعرف الدولة بأنها " :مجتمع منظم يخضع
بأنها " :جماعة من األفراد تقطن على وجه الدوام واالستقرار ،إقليمـا جغرافيا معينا ،وتخضع
في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية ،تستقل في أساسهـا عن أشخاص من يمارسهـا " ( .) 3
ويذهب الدكتور طعيمة الجرف إلى أن الدولة عبارة عن " :مجموعة من األفراد ،
تعيش حياة دائمة مستقرة ،على إقليم معين ،تحت تنظيم سياسي معين ،يسمح لبعض أفراد
أسس جانب من الفقه تعريف للدولة على أساس العناصر القانونية واالجتماعية
والسياسية .
حيث يعرف الفقيه الفرنسي ( بونار ) Bonnardالدولة بأنها " :وحدة قانونية دائمة ،
تتضمن وجود هيئة اجتماعية ،لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة ،في مواجهة أمة مستقرة
على إقليم محدد ،وتباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة ،وعن طريق استخدامها القوة المادية
وقدم الفقه المصري عدة تعريفات للدولة .إذ يعرف الدكتور ( مصطفى أبو زيد فهمي
) الدولة بأنها " :التشخيص القانوني لشعب ما ،يعيش على إقليم معين ،وتقوم فيه سلطة سياسية
( – ) 3د .محسن خليل ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،الجزء األول ،النظم السياسية ،دار النهضة العربية ،بيروت ،
، 1972ص. 22
( – ) 4د .طعيمة الجرف ،نظرية الدولة والمبادئ العامة لألنظمة السياسية ،نظم الحكم ،دار النهضة العربية ، 1978 ،ص . 76
)(1
–Bonnard : Conception Juridique de I'etat , Rev . Droit Public , 1922 , p.25 .
( – ) 2د .مصطفى أبو زيد فهمي ،مبادئ األنظمة السياسية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 1983 ،ص. 42
فيما يعرف الدكتور ( سليمان الطماوي ) الدولة بأنها " :مجموع كبير من الناس ،
يقطن على وجه االستقرار إقليما معينا ،ويتمتع بالشخصية المعنوية ،والنظام واالستقالل
و في الفقه العراقي ،يعرف الدكتور ( محمد علي آل ياسين ) الدولة بأنها " :مجموعة
من الناس ،يقطن تسكن إقليما معينا ،وتخضع لحكومة منظمة ،تدير شؤونها ،وتحافظ على
ونالحظ إن التعريفات التي احتواها هذا االتجاه ،تضمنت اإلشارة إلى العناصر القانونية
والسياسية تتجسد في الوحدة القانونية ،والشخصية المعنوية ،والنظام واالستقالل السياسي .
فضال عن تضمنها للعناصر االجتماعية والمادية ،والمتمثلة في جماعة من األفراد ،واإلقليم .
من خالل استقراء وتحليل التعريفات السابقة ،والتي طرحها الفقه في محاولة لتحديد
معنى الدولة ،نجد أن تلك التعريفات تعددت وتباينت ،وهذا التباين يرجع إلى المنهج الذي اتبعه
فالبعض منهم – كما رأينا – ركز على االختالف السياسي بين الحاكم والمحكوم ،
والبعض اآلخر ركز على العناصر االجتماعية والسياسية ،فيما اتجه جانب ثالث إلى الجمع بين
مجمل العناصر التي تحدد معنى الدولة ،فعمد إلى التركيز على العناصر القانونية والسياسية و
ونود أن ننوه أن التعريفات المختلفة والمتباينة التي طرحها الفقه الغربي والعربي ،تشير
إلى عدم اتفاق الفقهاء على تعريف جامع مانع للدولة من الناحية القانونية .
()3
–د .سليمان محمد الطماوي ،المصدر السابق ،ص. 19
()4
–د.محمد علي آل ياسين ،القانون الدستوري والنظم السياسية ،بغداد ،1964 ،ص. 142
ولكننا يمكن أن نستنتج من التعريفات اتفاق الفقه حول وجود ثالثة أركان يجب توافرها
في أي مجتمع سياسي يكون دولة وهي :جماعة من الناس ( شعب ) ،إقليم ،سلطة سياسية
حاكمة مستقلة وذات سيادة وبالتالي ال يمكن ألي مجتمع يفتقد إلى ركن من تلك األركان أن
()1
–د .سعيد السيد علي ،المبادئ األساسية للنظم السياسية و أنظمة الحكم المعاصرة ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة ، 2007 ،
ص. 18