Professional Documents
Culture Documents
(*)
القانون الدستوري ( تسمية الدولة وتعريفها )
الفصل األول
فكرة الدولة
تقتضي دراسة فكرة الدولة أن نعرض لنقطتني أساسيتني :األوىل منها تتعلق بتسمية الدولة ،والنقطة
المبحث األول
تسمية الدولة
إذا رجعنا إىل األصل اللغوي لكلمة ( الدولة ) ،لوجدنا أهنا عربية املنبت .وتؤكد غالبية معاجم اللغة
و( الُد ولة ) بضم الدال كلمة تستخدم يف جمال املال ،ويراد هبا االستيالء ،كما تفيد معىن شيء متداول
من مال وحنوه .يقال :صار الفيء ُد ولة بينهم يتداولونه يكون مرة هلذا ومرة لذاك ،واجلمع ( الُد ول ) بضم الدال
(. )1
ومعىن التداول ،انتقال الشيء من شخص إىل آخر ،من ذلك قوله جل شأنه يف سورة آل عمران "
وتلك األيام ٌنداوهلا بني الناس " ( . ) 2أي صرفها بينهم فجعلها هلؤالء تارة وهلؤالء أخرى ،كما تتداول النقود بني
األيدي .ويقال كذلك " األيام ُد ول " ولعل يف االشتقاق اللغوي لكلمة دولة ما يفيد عنصر التأقيت والتعاقب .
( * ) -أ.د.رافع خضر صالح شبر ،القانون الدستوري ( نظرية الدولة و نظرية الدستور ) ،كتاب قيد االنجاز . 2011 ،
( – ) 1أنظر :مختار الصحاح ،محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،دار الكتاب العربي ، 1983 ،ص . 216
()2
–اآلية 140من سورة آل عمران .
و( الَد ولة ) -بفتح الدال -كلمة تستخدم يف جمال احلرب ،ويراد هبا الغلبة ،أي أن تدال إحدى الفئتني
على األخرى ،يقال " :كانت لنا عليهم الَد ولة " ،واجلمع ( الِد ول ) بكسر الدال ( .) 3
وقد يطلق مصطلح ( الَد ولة ) على :إقليم يتمتع بنظام حكومي واستقالل سياسي ،كأن يقال " :دولة
مستقلة ذات سيادة " ( ، ) 4وقد يقال " :دولة دستورية " أو " دولة ذات نظام دستوري " إذا وجدت يف اإلقليم
حكومة مقيدة ال مطلقة ،حبيث تتقيد مجيع السلطات فيها بنصوص الدستور الذي يعمل على كفالة احلريات العامة
وردت كلمة (ُد ولة) بضم الدال يف القرآن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعاىل من سورة احلشر " :ما أفاء اهلل
على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القرىب واليتامى واملساكني وابن السبيل كي ال يكون ُدَو لة بني
ومعىن اآلية الكرمية ،حىت ال يقع مال الفئ يف أيدي األغنياء ويكون ملكا متداوال بينهم خاصة ،دون
أما كلمة (َد ولة) بفتح الدال فلم يرد ذكرها يف القرآن الكرمي .وآية ذلك إن الدول يف املاضي كانت يف
غالبيتها صغرية حمدودة يف مساحتها وسكاهنا .لذلك عرب عنها القرآن الكرمي يف مواضع كثرية بلفظ " :القرية " أو
()3
–أنظر :مختار الصحاح ،المصدر السابق ،ص. 215
()4
–وجدير بالذكر ،إن لقب ( رئيس الحكومة ) في بعض الدول العربية " دولة رئيس الوزراء " .أما اصطالح " وزير دولة "
فيعني ( وزير بال حقيبة وزارية ) .
()1
–أنظر :د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ،المبادئ العامة للقانون الدستوري ،القاهرة ، 1983 ،ص. 24
()2
–اآلية 7من سورة الحشر.
()3
–أنظر :
-تفسير الجاللين ،العالمة محمد كريم بن سعيد راجح ،مكتبة النهضة ،بغداد ، 1984 ،ص . 731
-تفسير ابن كثير ،ج ، 5لإلمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ،دار المفيد ،بيروت ،لبنان ، 1987 ،ص 234
.
()4
– وقد تكرر استخدام كلمة " قرية " في القرآن الكريم ستًا وخمسين مرة .أما كلمة " مدينة " فقد وردت في الكتاب المجيد أربع
عشر مرة فقط ،منها أربع مرات بمعنى مدينة الرسول ( ص ) وهي المدينة المنورة التي هاجر إليها .وأما كلمة " بلد " أو " بلدة "
فقد جاءت بنفس عدد كلمة " مدينة " أي أربع عشرة مرة .وردت بالجمع أي " بالد " خمس مرات .
-ولمزيد من التفصيل ،بنظر :
أ-كلمة " القرية :
لفظ " القرية " هو أكثر األلفاظ اليت وردت يف القرآن الكرمي للداللة على التجمعات البشرية أو
ومن استخدامات لفظ " القرية " للداللة على معىن الدولة ،ما جاء يف القرآن الكرمي على لسان ملكة سبأ
" :قالت أن امللوك إذا دخلوا قرية أفسدوها . ) 1 ( " ...ذلك على الرغم من أن القرآن الكرمي يتحدث عن سبأ
كدولة منظمة هلا حكومة مطاعة ،على رأسها ملكة قوية هلا وزراء وقادة ومعاونون .
ومما يثبت أن لفظ القرية قد استخدم يف بعض آيات القرآن اجمليد مبعىن دولة ،ما يستفاد من قوله تعاىل :
" وما أهلكنا من قرية إال هلا منذرون " ( ، ) 2مث قوله جل شأنه ،بشأن آل فرعون يف آية أخرى " :كدأب آل
(
فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات رهبم ،فأهلكناهم بذنوهبم ،وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظاملني "
. ) 3ومعلوم أن آل فرعون كانوا يف مصر ،وإن مصر الفرعونية كانت دولة تضم مدائن وقرى ،ومع ذلك فقد
اعتربها القرآن الكرمي من القرى الكثرية اليت أهلكها اهلل سبحانه .
وردت كلمة " املدينة " أيضا يف آيات من القرآن الكرمي للداللة على معىن الدولة مثل قوله تعاىل " :
وَدَخ ل املدينة على حني غفلة من أهلها " . ...واملقصود باملدينة هنا مصر الفرعونية ( . ) 4وان موسى عليه السالم
مل يكن قد خرج من مصر متوجها إىل بالد مدين إىل أن " جاء رجل من أقصا املدينة يسعى قال يا موسى ،إن املأل
-د .ماجد راغب الحلو ،الدولة في ميزان الشريعة – النظم السياسية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ، 1966 ،ص-30
. 34
-د .ماجد راغب الحلو ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 2005 ،ص. 34-29
()1
–اآلية 34من سورة النمل .
()2
–اآلية 208من سورة الشعراء .
()3
–اآلية 54من سورة األنفال .
()4
– أنظر :تفسير الجاللين ،المصدر السابق ،ص . 509
( - ) 5اآلية 20من سورة القصص .
-تفسير ابن كثير ،ج ، 3لإلمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ،دار المفيد ،بيروت ،لبنان ، 1987 ،ص 383
.
ج "-البلد " أو البلدة " :
مسيت إحدى سور القرآن الكرمي باسم " البلد " وفيها يقول اهلل تبارك وتعاىل " ال أقسم هبذا البلد وأنت
حل هبذا البلد . ) 1 ( " ...والبلد املقصود يف هذه اآلية الكرمية هو مكة املكرمة ( . ) 2ومنها قوله جل شأنه على
لسان إبراهيم اخلليل عليه السالم " :رب اجعل هذا البلد آمنًا . ) 3 ( " ...
وقد ورد ذكر كلمة " البلدة " يف الكتاب املبني مبعىن الدولة ،حيث جاء يف القرآن الكرمي عن قصة سبأ ،
تلك اململكة بأرض اليمن " :لقد كان لسبأ يف مسكنهم آية جنتان عن ميني ومشال ،كلوا من رزق ربكم
المبحث الثاني
تعريف الدولة
تباينت االجتاهات الدستورية يف حتديد معىن الدولة .وميكن أن جنمل هذه االجتاهات على النحو اآليت :
عمل جانب من الفقه على تعريف الدولة على أساس االختالف السياسي بني أفراد اجملتمع .ومن أنصار
هذه االجتاه الفقيه الفرنسي ( ليو دكي ، ) Leon Duguitويرى أن " الدولة حدث اجتماعي ،توجد يف
كل مجاعة يقوم يف داخلها اختالف سياسي ،أي ينقسم فيها اجملتمع إىل حكام وحمكومني " ( . ) 1
ويعرف األستاذ السويسري ( بلنتشي ) Bluntschiالدولة بأهنا " :جمموعة من األفراد مستقرة على
ويف الفقه العراقي يعرف الدكتور( منذر الشاوي ) الدولة بأهنا " :التمييز بني احلكام واحملكومني " ( .) 3
()1
–اآليتان 1و 2من سورة البلد .
( – ) 2أنظر :تفسير الجاللين ،المصدر السابق ،ص . 808
( - ) 3اآلية 35من سورة إبراهيم .
( - ) 4اآلية 15من سورة سبأ .
)(1
–Leon Duguit : Lecons de Droit Public Ge'ne'ral , 1926, p.98 .
()2
–د .محمد فاروق النبهان ،نظام الحكم في اإلسالم ،الكويت ، 1974 ،ص . 21
()3
– د .منذر الشاوي ،المصدر السابق ،ص . 53
ونالحظ على هذه االجتاه ،أنه ال يشتمل على مجيع األركان املكونة للدولة .ألنه وإن كان يربز عنصر
االختالف السياسي ،إال أنه أغفل ركن اإلقليم .كما إنه تعريف واسع من شأنه إطالق وصف الدولة على كل
اجته بعض الفقه إىل تعريف الدولة على أساس العناصر االجتماعية والسياسية .
ومن مؤسسي هذه االجتاه الفقيه الفرنسي ( كاره د مالرب ، ) Carre de Malbergإذ عرف
الدولة بأهنا " :جمموعة من األفراد تستقر يف إقليم معني ،وهلا من التنظيم ما جيعل للجماعة يف مواجهة األفراد
( هوريو ، ) A.Hauriouoحيث يعرفان الدولة بأهنا " :مجاعة إنسانية داخل إقليم معني حتتكر سلطة اإلكراه
أما الفقيه ( بارتلمي ) Barthelemyفيعرف الدولة بأهنا " :جمتمع منظم خيضع لسلطة سياسية
وقد أيد هذه االجتاه جانب من الفقه املصري ،إذ عرف الدكتور ( حمسن خليل ) الدولـة بأهنا " :مجاعة
من األفراد تقطن على وجه الدوام واالستقرار ،إقليمـا جغرافيا معينا ،وختضع يف تنظيم شؤوهنا لسلطة سياسية ،
ويذهب الدكتور طعيمة اجلرف إىل أن الدولة عبارة عن " :جمموعة من األفراد ،تعيش حياة دائمة
مستقرة ،على إقليم معني ،حتت تنظيم سياسي معني ،يسمح لبعض أفراد الدولة بالتصدي حلكم لآلخرين " ( .) 4
حيث يعرف الفقيه الفرنسي ( بونار ) Bonnardالدولة بأهنا " :وحدة قانونية دائمة ،تتضمن
وجود هيئة اجتماعية ،هلا حق ممارسة سلطات قانونية معينة ،يف مواجهة أمة مستقرة على إقليم حمدد ،وتباشر
حقوق السيادة بإرادهتا املنفردة ،وعن طريق استخدامها القوة املادية اليت حتتكرها " ( .) 1
وقدم الفقه املصري عدة تعريفات للدولة .إذ يعرف الدكتور ( مصطفى أبو زيد فهمي ) الدولة بأهنا " :
التشخيص القانوين لشعب ما ،يعيش على إقليم معني ،وتقوم فيه سلطة سياسية ذات سيادة " ( .) 2
فيما يعرف الدكتور ( سليمان الطماوي ) الدولة بأهنا " :جمموع كبري من الناس ،يقطن على وجه
االستقرار إقليما معينا ،ويتمتع بالشخصية املعنوية ،والنظام واالستقالل السياسي " ( .) 3
و يف الفقه العراقي ،يعرف الدكتور ( حممد علي آل ياسني ) الدولة بأهنا " :جمموعة من الناس ،يقطن
تسكن إقليما معينا ،وختضع حلكومة منظمة ،تدير شؤوهنا ،وحتافظ على مصاحلها ،وهلا شخصية معنوية " ( .) 4
ونالحظ إن التعريفات اليت احتواها هذا االجتاه ،تضمنت اإلشارة إىل العناصر القانونية والسياسية تتجسد
يف الوحدة القانونية ،والشخصية املعنوية ،والنظام واالستقالل السياسي .فضال عن تضمنها للعناصر االجتماعية
من خالل استقراء وحتليل التعريفات السابقة ،واليت طرحها الفقه يف حماولة لتحديد معىن الدولة ،جند أن
تلك التعريفات تعددت وتباينت ،وهذا التباين يرجع إىل املنهج الذي اتبعه كل فقيه يف تصوره للدولة .
فالبعض منهم – كما رأينا – ركز على االختالف السياسي بني احلاكم واحملكوم ،والبعض اآلخر ركز
على العناصر االجتماعية والسياسية ،فيما اجته جانب ثالث إىل اجلمع بني جممل العناصر اليت حتدد معىن الدولة ،
فعمد إىل الرتكيز على العناصر القانونية والسياسية و االجتماعية واملادية .
)(1
–Bonnard : Conception Juridique de I'etat , Rev . Droit Public , 1922 , p.25 .
()2
–د .مصطفى أبو زيد فهمي ،مبادئ األنظمة السياسية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 1983 ،ص. 42
()3
–د .سليمان محمد الطماوي ،المصدر السابق ،ص. 19
()4
–د.محمد علي آل ياسين ،القانون الدستوري والنظم السياسية ،بغداد ،1964 ،ص. 142
ونود أن ننوه أن التعريفات املختلفة واملتباينة اليت طرحها الفقه الغريب والعريب ،تشري إىل عدم اتفاق
ولكننا ميكن أن نستنتج من التعريفات اتفاق الفقه حول وجود ثالثة أركان جيب توافرها يف أي جمتمع
سياسي يكون دولة وهي :مجاعة من الناس ( شعب ) ،إقليم ،سلطة سياسية حاكمة مستقلة وذات سيادة وبالتايل
ال ميكن ألي جمتمع يفتقد إىل ركن من تلك األركان أن ينطبق عليه وصف الدولة ( .) 1
()1
–د .سعيد السيد علي ،المبادئ األساسية للنظم السياسية و أنظمة الحكم المعاصرة ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة ، 2007 ،
ص. 18