You are on page 1of 18

‫جرائم الفساد في ظل القانون ‪01-06‬‬

‫ـ المبحث األول‪:‬‬
‫جريمة الرشوة في ظل القانون الجزائري للوقاية من الفساد و مكافحتها‬

‫من خالل دراسة قانون الوقاية من الفساد ومكافحته يتضح أن المشرع أدخل تع ديالت على‬
‫النصوص العقابية القديمة الخاصة بالرشوة‪ ،‬فنص على جريمة رشوة الموظف العمومي في مادة‬
‫واحدة هي المادة ‪ 25‬من القانون ‪ ،06/01‬وألغى أحكام المواد ‪ 126 ،126‬مكرر‪129 ،127 ،‬‬
‫من قانون العقوبات‪ ،‬وبقي المشرع يأخذ بنظام ثنائية الرشوة أي وجود جريم تين‪ :‬س لبية من‬
‫جانب الموظف ‪,‬وإيجابية من جانب صاحب المصلحة‪ ،‬وهما جريمتان مستقلتان عن بعضهما ‪.‬‬
‫وكما سبق القول فإن المشرع حصر جريمة رشوة الموظفين العموميين ونص عليها في مادة‬
‫واحدة هي المادة ‪ 25‬مع تخصيص فقرة لكل صورة حيث نصت المادة على‪« :‬يعاقب ب الحبس‬
‫من سنتين (‪ )2‬إلى عشر سنوات(‪ )10‬وبغرامة من ‪200.000‬دج إلى ‪1000.000‬دج‬

‫‪ - 1‬كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل‬
‫مباشر أو غير مباشر‪ ،‬سواءا كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كي ان آخ ر‬
‫لكي يقوم بأداء عمل أو االمتناع عن أداء عمل من واجباته‬
‫‪ - 2‬كل موظف عمومي طلب أو قبل‪ ،‬بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ ،‬مزية غير مستحقة‪،‬‬
‫سواء لنفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر ‪ ،‬ألداء عمل أو االمتن اع عن أداء عم ل من‬
‫واجباته»‬

‫المطلب األول‪ :‬جريمة الرشوة السلبية وأركانها‬


‫لقد نصت على هذه الصورة المادة ‪ 25/2‬من القانون ‪ ،06/01‬وبعد دراسة المادة يتضح أن‬
‫أركان جريمة الرشوة السلبية "جريمة المرتشي " هي ثالثة ‪:‬‬
‫‪ -1‬صفة الجاني"المرتشي" أن يكون موظف عمومي‪.‬‬
‫‪ -2‬طلب أو قبول مزية غير مستحقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬غرض المزية غير المستحقة و هو أداء المرتشي لعمل من واجباته أو االمتناع عن‬
‫أدائه‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الركن المفترض – صفة الجاني‬


‫يشترط في جريمة الرشوة السلبية أن يكون الجاني * المرتشي * موظف عمومي‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الركن المادي‬


‫هو طلب الموظف العمومي المرتشي أو قبوله مزية غير مستحقة من أجل القيام بعم ل من‬
‫أعمال وظيفته أو االمتناع عن أداء عمل من واجباته وعليه فينقسم الركن الم ادي إلى أربع ة‬
‫عناصر ‪. :‬‬
‫* النشاط اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ *.‬محل الجريمة * االرتشاء *‬
‫* لحظة االرتشاء‪.‬‬
‫‪ *.‬الغرض من االرتشاء‬

‫أ‪ /‬صور الركن المادي‪:‬‬

‫وهما القبول أو الطلب‬


‫* الطلب‪:‬‬
‫هو تعبير يصدر عن اإلرادة المنفردة للموظف العمومي يطلب فيه مقابال ألداء وظيفت ه أو‬
‫خدمته أو مقابال لالمتناع عن أدائها‬
‫وإذا كان المشرع الجزائري حدد الطلب بالمزية غير المستحقة‪ ،‬فإنه يتسع في معناها ليشمل‬
‫صورا عديدة يصعب حصرها‪ ،‬ويمكن القول أنه كل ما يجعل الموظف يستغل وظيفته من أجل‬
‫أخذ أي منفعة‪ ،‬أو أن وظيفته تسهل له ذلك يصلح أن يت ابع من أجل ه على أس اس جريم ة‬
‫الرشوة ‪.‬‬
‫فمجرد الطلب يكفي لقيام الجريمة (طبعا إذا توافرت باقي األركان) دون الحاج ة لص دور‬
‫قبول من صاحب المصلحة "الراشي"‪ ،‬بل أنه حتى في حالة الرفض تقوم جريمة المرتشي‬
‫ومجرد الطلب يعتبر جريمة تامة‪ ،‬أي في هذه الحالة يصبح الشروع بمثابة الجريمة التام ة‬
‫بسبب أن الغاية المقصودة منه هي االتجار بالوظيفة‪ ،‬ذلك أن طابع الجريمة الشكلية جعل تجريم‬
‫المحاولة غير الزم ‪.‬‬
‫وقد يكون الطلب شفاهة أو‬
‫كتابة‪ ،‬صراحة أو ضمنا سواءا كان المرتشي يطلب لنفسه أو للغير‪ ،‬كما يستوي في ذل ك أن‬
‫يطلب الجاني بنفسه أو يقوم شخص بمباشرة الطلب باسمه ولحسابه ‪.‬‬

‫* القبول ‪:‬‬
‫يتمثل القبول في وجود إيجاب من صاحب المصلحة‪ ،‬وقبول الموظف العمومي لهذا اإليجاب‬
‫الذي ينصب على المزية‪ ،‬ويفترض فيه أن يعبر فيه صاحب المصلحة عن إرادته بتعهده بتقديم‬
‫المزية أو المنفعة‪ ،‬ويشترط أن يكون العرض "اإليجاب"جدي ولو في ظاهره فقط‪ ،‬أم ا إذا انتفى‬
‫العرض الجدي فال تقوم الجريمة حتى وإن قبل الموظف‪ ,‬مثل أن يعد صاحب الحاجة الموظف‬
‫بأن يقدم له فؤاده لقاء قيامه بعمل معين ‪.‬‬
‫كما يشترط أن يكون قبول الموظف جديا وحقيقيا‪ ،‬فإذا تظ اهر الموظ ف ب القبول لتمكين‬
‫السلطات العمومية من ضبط العارض متلبسا بالجريمة‪ ،‬فال تقوم الجريمة وق د يك ون القب ول‬
‫شفويا أو مكتوبا‪ ،‬صريحا أو ضمنيا‪ ،‬بالقول أو اإلشارة وتتحقق الجريمة سواءا تسلم المرتش ي‬
‫المزية بالفعل أو تلقى وعدا بالحصول على الفائدة‪.‬‬
‫وتتم الجريمة عند القبول وكذلك في الطلب دون مراعاة النتيجة‪ ،‬وبالتالي فال يهم إذا امتن ع‬
‫صاحب المصلحة بإرادته عن الوفاء بوعده بسبب نكوله أو لظروف مستقلة عن إرادته‪.‬‬
‫ويجدر القول أن إثبات القبول جائز بكافة طرق اإلثبات‪ ،‬لكنه من الناحية العملي ة ص عب‬
‫اإلثبات‪ ،‬وعلى القضاة توخي الحذر في هذه المسألة‪.‬‬

‫ب‪ /‬محل الجريمة ‪:‬‬


‫يقصد به حسب المادة ‪ 25/2‬من القانون ‪" 06/01‬المزية غير المس تحقة"‪ ،‬وك ان مح ل‬
‫الجريمة في ظل المادتين ‪ 126/127‬الملغيتان من قانون العقوبات هو "عطية أو وعد به ا‪ ،‬أو‬
‫هبة أو هدية أو أي منفعة أخرى يستفيد منا المرتشي"‬

‫والمزية قد تكون إما عطية أو هبه أو هدية أو أية منفعة‪ ،‬أي قد تكون ذات طبيع ة مادي ة أو‬
‫معنوية وقد تكون صريحة أو ضمنية‪ ،‬مشروعة أو غير مشروعة‪ ،‬كما قد تكون محددة أو غير‬
‫محددة ‪.‬‬
‫فقد تكون المزية مادية‪ ،‬والفائدة المادية أمثلتها عديدة ال تحصى مثل ساعة أو سيارة أو نقدا‬
‫أو اعتماد مالي كما قد تكون ظاهرة أو مقنعة كما لو بيع لموظف عقار ثمنه أو أش تري من ه‬
‫عقار بأكثر من ثمنه ‪.‬‬
‫كما قد تكون الفائدة غير مادية أي معنوية ومثال ذلك الحصول على ترقية أو توظيف أح د‬
‫أقارب الموظف المرتشي أو عارية استعمال طويلة األجل ‪ .‬و قد تكون ص ريحة ظ اهرة أو‬
‫ضمنية مستترة مثل إصالح سيارة الموظف المرتشي بدون مقابل ‪.‬‬
‫كما قد تكون المزية مشروعة في محلها أو غير مشروعة مثل تقديم أشياء مس روقة‪ ،‬وق د‬
‫أختلف الفقه حول المواقعة الجنسية ومدى اعتبارها مزية يحصل عليها المرتش ي أم ال‪ ،‬إال أن‬
‫الراجح في الفقه والقضاء الفرنسي اعتبارها من قبيل المزي ة ألن النص على المنفع ة ض من‬
‫عناصر الجريمة جاء عاما دون تخصيص‪ ،‬وقضى في فرنسا بأن عرض الموظف مواقعة امرأة‬
‫مقابل قضاء المصلحة يحقق جريمة الرشوة‪ .‬أما المش رع الجزائ ري أو القض اء لم يبت في‬
‫المسألة لحد الساعة‪.‬‬
‫كما قد تكون المزية محددة أو غير محددة إذ يكفي أن تكون قابلة للتحديد وبتحقق المزية مع‬
‫توافر باقي الشروط تقع جريمة الرشوة‪ ،‬أما إذا انتفت المنفعة إنتقت معها جريمة الرشوة ك أن‬
‫تكون الهدية تبررها صلة القرابة التي تجمع الموظف مع صاحب الحاجة ‪.‬‬
‫واألصل أنه لكي يعتد بالمزية‪ ،‬فيجب أن تكون لها قيمة أو على األقل وج ود تناس ب بين‬
‫العمل والمصلحة وذلك بالرغم أن المشرع لم يشترط حدا معينا لقدر المال أو المنفعة ‪.‬‬
‫ويشترط في المزية أن تكون غير مستحقة‪ ،‬أي ليس للموظف المرتشي الح ق في أخ ذها‪,‬‬
‫وعلى هذا األساس يعاقب الموظف حتى وإن كان العمل الذي وعد بأدائه مشروعا و ي دخل في‬
‫صميم وظيفته نظير طلب المال للقيام به‪.‬‬

‫ج‪ /‬عالقة الجاني بمحل الجريمة وسبب الرشوة وهدفها‬


‫األصل أن يطلب المرتشي المزية لنفسه أو يقبلها لنفسه وذلك نظير قيامه بأداء عمل للراشي‬
‫إال انه حسب المادة ‪ ، 25/2‬فإنه يمكن أن يكون ذلك مجرما إذا كان لصالح شخص آخر أو كيان‬
‫آخر يعينه المرتشي لتقدم المزية له‪ ,‬حتى وإن لم يعلم هذا الشخص بسبب المزي ة‪ ،‬وال يج وز‬
‫للموظف المرتشي الدفع بأنه لم يقبل أو يطلب المزية لنفسه ‪.‬‬
‫والغير في هذه الحالة عموما ما يكون في وضعيتين‪:‬‬
‫· * مساهم بمساعدة أو معاونة المرتشي أو الراشي‪ ،‬كأن يتوسط بينهما وفي هذا الحالة يعد‬
‫شريكا‪.‬‬
‫‪ *.‬مستفيد من الرشوة دون أن يتدخل في ارتكابها‪ ،‬فيعد بذلك مخفي وتطبق علي ه أحك ام‬
‫المادة ‪ 387‬من قانون العقوبات بشأن إخفاء األشياء المتحصلة من جنحة متى توافرت األرك ان‬
‫خصوصا العلم بالمصدر اإلجرامي لتلك األشياء ‪.‬‬
‫والغرض من الرشوة أو المزية هو النزول عند رغبة الراشي ألداء عم ل أو اإلمتن اع عن‬
‫أداء عمل من واجبات المرتشي وعليه فلتحقق الغرض من الرشوة يجب توافر عنصرين ‪. :‬‬

‫‪ 1‬ـ أداء المرتشي لعمل إيجابي أو اإلمتناع عنه‬


‫أي إتخاذ الموظف المرتشي موقف إيجابي أو سلبي بسبب تلقيه المزية ويكون سلوكه إيجابي‬
‫إذا قام الموظف العمومي بأداء عمل تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة كالشرطي ال ذي يأخ ذ‬
‫ماال ليحرر محضرا من الواجب عليه تحريره وقد يكون سلوكه سلبي إذا ك ان العم ل ال ذي‬
‫ينتظره صاحب الحاجة من الموظف العمومي يتمثل في اإلمتن اع عن أداء عم ل من أعم ال‬
‫وظيفته‪ ،‬ويتحقق اإلمتناع حتى ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف العمومي‪.‬‬
‫كما يتحقق اإلمتناع سواء كان كلي أي تام أو جزئي مثل التأخر في القيام بالعم ل بالص فة‬
‫التي تجلب المنفعة لصاحب المصلحة‬
‫كما ال يشترط أن يكون العمل أو اإلمتناع المطلوب من الموظف العمومي مطابقا لواجب ات‬
‫الوظيفة والقوانين واللوائح التنظيمية أو مخالفا لها ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن يكون العمل من أعمال وظيفة المرتشي‬


‫وهنا يجب التمييز بين عدم اإلختصاص وعدم مطابقة العمل للقانون‪ ،‬ألن خروج العمل عن‬
‫إختصاص الموظف ينفي جريمة الرشوة النتفاء أحد عناصرها‪ ،‬في حين إذا كان غير مط ابق‬
‫للقانون فتقوم الجريمة ‪.‬‬
‫ويشترط لقيام جريمة الرشوة أن يكون طلب المزية أو قبولها قبل أداء العمل المطل وب أو‬
‫اإلمتناع عن أدائه‪ ،‬أما إذا كان طلب المزية أو قبولها الحقا‪ ،‬أي جاء بعد أداء العمل أو اإلمتناع‬
‫عنه‪ ،‬فال محل للرشوة في هذه الحالة‪ ,‬إذن فالعبرة باالتفاق السابق عن أداء العمل أو اإلمتن اع‬
‫عنه‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الركن المعنوي‬
‫جريمة الرشوة هي جريمة قصدية وعمدية أي تقتضي لقيامها توافر القصد العام الذي يتكون‬
‫من العلم واإلرادة‪ ،‬أي علم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة مما يعني علمه بأنه موظ ف‬
‫عمومي حسب مفهوم المادة ‪ /02‬فقرة ب من القانون ‪ 06/01‬وإرادته بطلب أو قبول المزية من‬
‫أجل القيام بعمل أو اإلمتناع عن عمل يدخل ضمن اختصاصه ووظيفته من أجل حص وله على‬
‫مزية‬
‫والقصد العام وحده كافي لقيام الجريمة‪ ،‬وال يشترط القصد الخاص المتمثل في نية المتاجرة‬
‫بالوظيفة واستغاللها ألن ذلك يدخل في عنصر العلم الذي يعتبر أحد عناصر القصد العام ‪.‬‬
‫كما يجب توافر القصد العام لحظة الطلب أو القبول‪ ،‬ألن القصد الالحق ال يعتد به‪ ،‬ذلك أنه‬
‫لحظة ارتكاب النشاط اإلجرامي لم يكن القصد متوافر ‪.‬‬
‫ويقع عبء إثبات القصد الجاني على النيابة العامة‪ ،‬والواقع أن إثباته جد صعب ما عدا في‬
‫حالة االعتراف ‪.‬‬
‫رد‬ ‫وال تقوم الجريمة في انعدام القصد العام‪ ،‬كأن يعلم الموظف بأركان الجريمة‪ ،‬لكنه لم ي‬
‫المزية‪ ،‬وتظاهر بأنه يريدها وقبلها من أجل اإليقاع بالراشي‬
‫مع المالحظة أنه إذا لم يطلب الموظف أي شيء وقام بأداء عمله أو اإلمتناع عن ه ب دافع‬
‫مهني أو وظيفي خالص وعلى أحسن وجه ثم قدمت له هدية أو عرضت عليه تق ديرا لس لوكه‬
‫االجتماعي‪ ،‬أو تقديرا لحسن أدائه لعمله فقبلها وأخذها عالنية فال جريمة رشوة وال عقاب‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة الرشوة اإليجابية وأركانها‬

‫وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها في المادة ‪ 25/1‬من قانون الفس اد وال تي ألغت‬
‫المادة ‪ 129‬من قانون العقوبات‪ ،‬حيث يتعلق األمر فيها بشخص (الراشي) الذي يع رض على‬
‫موظف عمومي (المرتشي) مزية غير مستحقة نظير حصوله على منفعة بإمكان ذلك الش خص‬
‫توفيرها له‪ ،‬وأركان هذه الجريمة هي ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صفة الجاني‬


‫إذا كان المشرع يشترط في جريمة الرشوة السلبية صفة معينة في الج اني "أي المرتش ي"‬
‫وذلك باعتباره موظف عمومي حسب المادة ‪/02‬فقرة ب من قانون مكافحة الفساد‪ ،‬فالمشرع لم‬
‫يشترط صفة معينة في الجاني في جريمة الرشوة اإليجابية إذا يمكن أن يكون الجاني أي شخص‬
‫طبيعي أو أي كيان خاص‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الركن المادي‬
‫يتحقق بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة‪ ،‬أو عرضها عليه أومنحها له‪ ،‬مقابل قيام‬
‫الموظف العمومي بأداء عمل من أعمال وظيفته أو االمتناع عن عمل من أعمال وظيفته‪ ،‬وعليه‬
‫فالركن المادي يتكون من ثالثة عناصر وهي السلوك المادي‪ ،‬والمستفيد من المزية‪ ،‬وغ رض‬
‫الراشي ‪.‬‬

‫أ‪ /‬ـ صور الركن المادي‬


‫السلوك المادي‬
‫ويتمثل في إحدى الصور التالية‪ :‬الوعد بمزية أو عرضها أو منحها‪.‬‬

‫‪ -/1‬الوعد بمزية‬
‫ويجب أن يكون الوعد جديا والغرض منه هو تحريض الموظف العم ومي على االتج ار‬
‫بوظيفته‪ ،‬كما يجب أن يكون محددا‪ ،‬وعلى أساس ذلك يعد راشيا الشخص الذي يعرض فائ دة‬
‫على الموظف العمومي أو يعطيها له لحمله على أداء عمل من أعم ال وظيفت ه‪ ،‬وال يعفى من‬
‫العقاب إال إذا كان مضطرا على ارتكاب الجريمة بقوة ليس في استطاعته مقاومتها وفقا "ألحكام‬
‫المادة ‪ 48‬من قانون العقوبات ‪.‬‬
‫كما يستوي أن يكون الوعد مباشر أو غير مباشر‪ ،‬فحتى لو تم الوعد عن طريق الغير ف إن‬
‫الجريمة تقوم في حق صاحب المصلحة ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ عرض المزية‬


‫ويشترط كذلك في العرض أن يكون جدي ومحدد سواء كان بصفة مباشرة أو غير مباش رة‬
‫ويمكن أن يكيف العرض على أساس أنه إيجاب ينتظر القبول من طرف الموظف العمومي‪ ،‬أي‬
‫أنه في هذه المرحلة الموظف العمومي المرتشي لم يستلم بعد المزي ة ولم يتحص ل بع د على‬
‫الفائدة‪ ،‬وذلك ال يعد شرط ضروريا لقيام جريمة الراشي حسب نظري لوج ود اس تقاللية بين‬
‫الجريمتين ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ منح المزية‬


‫ويمكن أن تتكيف هذه الصورة على أنها الحقة على العرض‪ ،‬أي نتصور هذه الحال ة بع د‬
‫تطابق اإلرادتين بالتوافق‪ ،‬إلى وجود وعد أو عرض من طرف الراشي وبقبول من الموظ ف‬
‫العمومي المرتشي‪ ،‬وهنا يتم استالم المزية‪ ،‬فتقوم كال الجريمتين أي جريمة الراشي والمرتش ي‬
‫في آن واحد رغم استقاللهما عن بعضهما البعض ‪.‬‬

‫ب‪ /‬محل الجريمة‬


‫وهو المزية غير المستحقة والتي يشترط فيها أن تكون ذات طبيعة مادية أو معنوي ة وق د‬
‫تكون صريحة أو ضمنية‪ ،‬مشروعة أو غير مشروعة‪ ،‬كما قد تكون محددة أو غير محددة‪.‬‬

‫ج‪ /‬المستفيد من المزية وسبب الرشوة وهدفها‬


‫المستفيد من الرشوة أي المزية في جريمة الرشوة اإليجابية هو الموظف العمومي كونه هو‬
‫من يستفيد من الفائدة المحصلة من المزية الموعود بها أو المعروضة أو الممنوحة‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫أن يكون المستفيد شخصا آخر غير الموظف العمومي المقصود‪ ,‬سواء تعلق األم ر بش خص‬
‫طبيعي أو معنوي‪ ،‬أو فرد أو كيان خاص ‪.‬‬
‫أما الغرض من المزية فهو حمل الموظف العمومي على أداء عم ل أو االمتن اع عن أداء‬
‫عمل من واجباته‪ ،‬وهنا تشترك الرشوة االيجابية مع الرشوة السلبية‪.‬‬
‫كما يجب أن يكون العمل المطلوب من الموظف تأديت ه ‪ ،‬أو االمتن اع عن تأديت ه لق اء‬
‫المزية ‪ ،‬يدخل ضمن اختصاصه سواء الشخصي أو المحلي أو النوعي ‪ ،‬وال يهم تحقق النتيجة‬
‫المطلوبة أم ال ‪ ،‬بل يكفي تحقق الوسيلة ‪ ،‬الن الوسيلة المستعملة هي المقصودة من العقاب ‪.‬‬
‫كما ال يهم المستفيد الحقيقي من أداء العمل أو االمتناع عنه‪ ،‬فقد تكون المصلحة التي يسعى‬
‫الراشي لتحقيقها من وراء عرضه أو منحه المزية أو الوعد بها هي له أو لصالح شخص أخ ر‬
‫غيره ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الركن المعنوي‬


‫يتمثل الركن المعنوي في جريمة الرشوة االيجابية في اتج اه إرادة الج اني إلى الفع ل أو‬
‫النتيجة مع العلم بجميع العناصر القانونية للجريمة فعرض الراشي هو أساس ال ركن المعن وي‬
‫الذي تتجه إرادته لتحقيقه ‪ ،‬ويجب أن يعلم بأنه يقوم بفع ل الوع د أو الع رض أو المنح على‬
‫الموظف العمومي من اجل تحقيق ما يريده ‪ ،‬ونالحظ أن قصده في هذه الحال ة باإلض افة إلى‬
‫القصد العام المتمثل في العلم واإلرادة ‪ ،‬هو قصد خاص أيضا‪.‬‬
‫ونية الراشي هي أساس الركن المعنوي للجريمة ‪ ،‬كونها جريمة مستقلة بذاتها عن الرش وة‬
‫السلبية ‪ ،‬فال يعد راشيا إذا انتفى الغرض السيئ من الفعل ألنه يجب أن يكون الراشي م دركا‬
‫بأنه يوجه سلوكه المادي إلى الموظف من اجل القيام بالعمل الذي يبتغيه في حدود وظيفته ‪ ،‬وال‬
‫تقوم جريمة ارتشاء الموظفين متى ثبت أن نية االستجابة كانت لغ رض ش ريف أو أن إرادة‬
‫المعني كانت معيبة بإكراه‪...‬إلخ أو استعمل حيلة لإليقاع بالجاني‪.‬‬

‫ـ المبحث الثاني ‪:‬‬


‫جريمة االختالس في ظل القانون الجزائري للوقاية من الفساد و مكافحته‬

‫أوال‪ :‬أركان جريمة االختالس‬

‫تقوم جريمة االختالس سواء في القطاع العام أو الخاص علىثالثة أركان‪ ،‬ال ركن المف ترض‬
‫والركن المادي والركن المعنوي‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ الركن المفترض ـ صفة الجاني‪:‬‬

‫ينظر إلى الركن المفترض في جريمة االختالس من زاوية ص فة الج اني الموض وعة تحت‬
‫حراسته لألموال المحددة في المادة ‪ 29‬من قانون مكافحة لفساد بحيث يشترط القانون أن تتوفر‬
‫فيه صفة معينة عند وقوع فعل االختالس‪.‬‬

‫و يتمثل الجناة في القطاع العام في‪:‬‬

‫‪ -‬كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية‬
‫المحلية المنتخبة‪ ،‬وسواء كان معينا أو منتخبا‪،‬دائما أو مؤقتا‪ ،‬مدفوع األج ر أو غ ير م دفوع‬
‫األجر‪ ،‬بصرف النظر عن رتبته أو مساره المهني‪،‬‬

‫‪ -‬كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا‪ ،‬وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر‪ ،‬ويساهم بهذه الص فة‬
‫في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تمل ك الدول ة ك ل أو بعض‬
‫رأسمالها‪ ،‬أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية‪،‬‬

‫‪ -‬كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكم ه طبق ا للتش ريع و التنظيم‬
‫المعمول بهما‪.‬‬

‫أما في القطاع الخاص‪،‬فتشرط المادة ‪ 41‬من قانون مكافحة الفساد أن يدير الج اني الكي ان أو‬
‫يعمل فيه بأية صفة‪ ،‬مما يجعل النص يطبق على كل من ينتمي إلى أي كيان مهما كانت صفته‬
‫والوظيفة التي يشغلها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الركن المادي‬

‫إن الركن المادي في كل من جريمة االختالس في القطاع العام وجريمة االختالس في القط اع‬
‫الخاص يشتركان في بعض النقاط و يختلفان في نقاط أخرى‪ ،‬ونبين ذلك من خالل دراسة أربعة‬
‫عناصر هي السلوك المجرم و محل الجريمة وعالقة الجاني بمحل الجريمة و مناسبة ارتك اب‬
‫الفعل المجرم‪.‬‬

‫أ‌‪ .‬السلوك المجرم‬

‫لقد نصت المادة ‪ 29‬من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بأن الركن المادي لجريمة‬
‫االختالس في القطاع العام يأخذ أربعة صور تتمثل في االختالس و التبديد واإلتالف واالحتجاز‬
‫بدون وجه حق‪ ،‬في حين أن الركن المادي لجريمة االختالس في القطاع الخاص محصورة في‬
‫صورة االختالس فقط‪.‬‬

‫و طبقا للمادتين ‪ 29‬و ‪ 41‬السابقتين فال يشترط أن يترتب على النشاط اإلجرامي ض رر فعلي‬
‫للدولة أو لألفراد لقيام الركن المادي للجريمة‪ .‬ويمكن شرح كل ص ورة من الص ور الس ابقة‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫*االختالس ‪:‬عرفه البعض ب "أنه تحويل األمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على‬
‫سبيل األمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك"‪.‬‬

‫و يختلف مدلول االختالس في المادتين ‪ 29‬و ‪ 41‬من الق انون المتعل ق بالوقاي ة من الفس اد‬
‫ومكافحته عن مدلوله في جريمة السرقة المنصوص عليها في المادة ‪ 350‬ق‪.‬ع‪ ،‬فاالختالس في‬
‫السرقة يتم بانتزاع المال من حيازة الغير خلسة أو بالقوة بنية تملك ه‪ ،‬في حين يك ون الش يء‬
‫المختلس في جريمة االختالس في القطاع العام و الخاص في حيازة الجاني بص فة قانوني ة ثم‬
‫تنصرف نيته إلى التصرف فيه باعتباره مملوكا له‪ ،‬و كذلك فإن مدلول االختالس في الجريم ة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 29‬و ‪ 41‬من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته يختل ف‬
‫عن مدلول في جريمة خيانة األمانة المنصوص عليها في المادة ‪ 376‬ق‪.‬ع‪ ،‬وإن ك انت ه ذه‬
‫الجريمة األخيرة تقتضي أن يكون تسليم المال فيها بناء على عقد من عقود األمانة‪ .‬واالختالس‬
‫هي الصورة الوحيدة للركن المادي لجريمة االختالس في القطاع الخاص كم ا أس لفنا‪ ،‬عكس‬
‫االختالس في القطاع العام فله ثالثة صور أخرى هي اإلتالف والتبديد و االحتجاز بدون وج ه‬
‫ق‪.‬‬ ‫ح‬
‫*اإلتالف ‪ :‬ويتحقق بهالك الشيء أو بإعدامه والقضاء عليه‪ ،‬و يختلف عن إفس اد الش يء أو‬
‫اإلضرار به جزئيا‪ ،‬وقد يتحقق اإلتالف بطرق شتى كاإلحراق والتمزيق الكامل والتفكيك الت ام‬
‫إذا بلغ الحد الذي يفقد الشيء قيمته أو صالحيته نهائيا‪.‬‬

‫*التبديد ‪:‬و لقد و عرفه بعض الفقهاء بأنه يتحقق متى قام األمين بإخراج المال الذي أؤتمن عليه‬
‫من حيازته باستهالكه أو بالتصرف فيه تصرف المالك كأن يبيعه أو يرهنه أو يقدم ه هب ة أو‬
‫هدية للغير و من هذا القبيل كاتب الضبط المكلف بحفظ وسائل اإلثبات الذي يتصرف فيه بالهبة‬
‫أو البيع‪ ،‬كما يأخذ التبديد معنى اإلسراف و التبذير كمدير البنك الذي يمنح قروضا ألش خاص‬
‫وهو يعلم بعدم جدية مشاريعهم وبعدم قدرتهم على الوفاء عند حلول األجل‪.‬‬

‫*االحتجاز بدون وجه حق ‪ :‬يكفي في هذه الصورة أن يتحقق الركن المادي لجريمة االختالس‬
‫في القطاع العام بمجرد احتجاز محل الجريمة عمدا و بدون وجه حق‪ ،‬إذ عمد المشرع حفاظ ا‬
‫على الودائع إلى توسيع مجال التجريم إلى التصرف الذي من شأنه أن يعطل المصلحة التي أعد‬
‫المال لخدمتها‪ ،‬ومن قبل االحتجاز بدون وجه حق أمين الصندوق في هيئة عمومية الذي يحتفظ‬
‫لديه باإليرادات اليومية التي يتوجب إيداعها لدى البنك‪.‬‬

‫ب‌ ـ محل الجريمة‬

‫تشترك جريمة االختالس في القطاع العام طبقا للمادة ‪ 29‬من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد‬
‫ومكافحته و جريمة االختالس في القطاع الخاص طبقا للمادة ‪ 41‬من نفس الق انون في مح ل‬
‫الجريمة‪ ،‬والذي يتمثل في الممتلكات أو األموال أو األوراق المالية العمومية والخاص ة أو أي‬
‫أشياء أخرى ذات قيمة‪.‬‬

‫‪ -‬الممتلكات ‪ ،‬وهي الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية‪ ،‬منقولة أو غير‬
‫منقولة‪ ،‬ملموسة أو غير ملموسة‪،‬‬

‫‪ -‬األموال ‪ ،‬ويقصد بها النقود سواء كانت ورقية أو معدنية‪ ،‬وقد يك ون مح ل الجريم ة من‬
‫األموال العامة التي ترجع ملكيتها للدولة أو من األموال الخاصة كالمال المودع من قبل الزبائن‬
‫لدى كتابة الضبط‪،‬‬

‫‪ -‬األوراق المالية‪ ،‬ويقص د ب ه أساس ا القيم المنقول ة المتمثل ة في األس هم والس ندات‪،..‬‬
‫‪ -‬األشياء األخرى ذات القيمة‪ ،‬و لم يحدد المشرع الجزائري نوع ما إذا كانت هذه القيمة مادية‬
‫أو معنوية و بالتالي فهي تشملهما‪ ،‬ومن قبيل هذه األشياء األخرى ال تي ال يش ملها تعري ف‬
‫الممتلكات األعمال اإلجرائية القضائية كالمحاضر التي تحرر في إطار الدعاوى القضائية المدنية‬
‫أو الجزائية و شهادة االستئناف أو المعارضة وعقود الحالة المدنية وكذا مختلف الوثائق ال تي‬
‫يدفعها األطراف لإلدارات العمومية إلثبات حالة على حق‪.‬‬

‫ت‌ـ عالقة الجاني بمحل الجريمة‬

‫يشترط لقيام الركن المادي لجريمة االختالس سواء في القطاع العام أو الخاص ت وفر عالق ة‬
‫السببية بين حيازة الجاني لمحل الجريمة و بين وظيفته‪ ،‬و لكن هذه العالقة تختلف بين م ا إذا‬
‫كان االختالس في القطاع العام أو في القطاع الخاص‪.‬‬

‫ففي جريمة االختالس في القطاع العام تشترط المادة ‪ 29‬من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد‬
‫ومكافحته أن يكون محل الجريمة قد سلم للموظف العمومي بحكم وظيفته أو بسببها‪ ،‬في حين أنه‬
‫في جريمة االختالس في القطاع الخاص فتحصر المادة‪ 41‬العالقة السببية في مح ل الجريم ة‬
‫الذي يعهد به إلى الجاني بحكم مهامه فقط‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الركن المعنوي‬

‫تشترك جريمة االختالس في القطاع العام مع جريمة االختالس في القطاع الخاص في ال ركن‬
‫المعنوي للجريمة الذي يشترط لتحققه توافر القصد الجنائي العام المتك ون من العلم و اإلرادة‪.‬‬
‫حيث يجب أن يكون الجاني عالما بأن المال الذي بين يديه هو ملك للدولة أو إحدى مؤسس اتها‬
‫أو ملك ألحد الخواص وقد سلم له بحكم أو بسبب وظيفته أو مهامه بحسب ما إذا كان االختالس‬
‫في القطاع العام أو الخاص‪ ،‬و مع ذلك تتجه إرادته إلى تنفيذ الركن المادي للجريم ة و ذل ك‬
‫باختالسه للمال أو بتبديده أو احتجازه أو إتالفه‪.‬‬

‫وبالنسبة لصورة االختالس فإن القصد العام ال يكفي لتحققها بل يتطلب قصدا خاصا هو اتج اه‬
‫نية الجاني إلى تملك الشيء الذي بحوزته‪ ،‬فمن يستولي على المال لمجرد استعماله أو االنتف اع‬
‫به ثم يرده ال يحقق صورة االختالس و إن كان يشكل في هذه الحالة احتجازا بدون وجه حق أو‬
‫جريمة استعمال ممتلكات على نحو غير شرعي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬متابعة جريمة االختالس‬

‫تخضع متابعة جريمة اختالس الممتلكات في القطاع الع ام والخ اص على ح د س واء لنفس‬
‫اإلجراءات‪ ،‬وكأصل فإن إجراءات المتابعة هي نفسها اإلجراءات ال تي تحكم متابع ة ج رائم‬
‫القانون العام‪ ،‬غير أن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته والتع ديل األخ ير لق انون‬
‫اإلجراءات الجزائية المؤرخ في ‪ 20‬ديسمبر ‪ 2006‬أوردا أحكاما جديدة مميزة بشأن أس اليب‬
‫التحري الخاصة للكشف عن جرائم الفساد بوجه عام‪ ،‬والتعاون ال دولي في مج ال التحري ات‬
‫والمتابعات و اإلجراءات القضائية وتجميد األموال وحجزها وانقضاء الدعوى العمومية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أساليب التحري الخاصة‬

‫لقد نصت المادة ‪56‬على أنه من أجل تسهيل جمع األدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في‬
‫هذا القانون‪ ،‬يمكن اللجوء إلى التسليم المراقب أو إتباع أساليب تحر خاصة كالترصد اإللكتروني‬
‫واالختراق‪ ،‬على النحو المناسب و بإذن من السلطة القضائية المختصة‪ .‬و هذه األساليب هي‪:‬‬

‫أ‌ـ التسليم المراقب‬

‫اإلجراء الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروجمن اإلقليم الوطني أو الم رور‬
‫عبره أو دخوله بعلم من السلطات المختصة و تحت مراقبتهابغية التحري عن جرم ما و كش ف‬
‫هوية األشخاص الضالعين في ارتكابه‪.‬‬

‫ب‌ ـ الترصد االلكتروني‬


‫على الرغم من عدم ذكر مصطلح الترصد االلكتروني إال أنه ذكر وسائل متعارف على أنها من‬
‫طبيعته وهي اعتراض المراسالت وتسجيل األصوات والتقاط الصور‪.‬‬

‫ت‌ـ التسرب‬

‫يقصد بالتسرب قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية‪ ،‬تحت مسؤولية ضابط الشرطة القض ائية‬
‫المكلف بتنسيق العملية‪،‬مراقبة المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم أنه فاعل أو ش ريك‬
‫لهم أو خاف‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ األحكام الخاصة األخرى‬

‫إضافة إلى أساليب التحري الخاصة فلقد نص القانون المتعلق بمكافحة الفساد على أحكام مميزة‬
‫للتحري و الكشف عن جرائم الفساد بوجه عام‪ ،‬تتمثل في إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد‬
‫ومكافحته واختصاصاتها و التعاون الدولي في مجال التحري ات و المتابع ات و اإلج راءات‬
‫القضائية وتجميد األموال وحجزها وانقضاء الدعوى العمومية‪.‬‬

‫أ‌ـ تجميد األموال وحجزها‬

‫يمكن تجميد أو حجز العائدات و األموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة أو أكثر من‬
‫الجرائم المنصوص عليها في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بق رار قض ائي أو‬
‫بأمر من السلطة المختصة كإجراء تحفظي‪.‬‬

‫ب‌ ـ التعاون الدولي و استرداد المحجوزات‬

‫إن مكافحة الفساد ال يمكن أن تتم بالفعالية الالزمة إال بتزويد القضاء بسلطات خاصة تمكنه من‬
‫ردع مرتكبيه خصوصا من خالل مصادرة محل الجريم ة و تمكين الط رف المتض رر من‬
‫ترداده‪.‬‬ ‫اس‬
‫و الطرف المتضرر في مثل هذه الجرائم غالبا ما يكون دولة من الدول‪ ،‬لذلك تواجه إج راءات‬
‫الحجز والمصادرة واالسترداد عوائق كبيرة من ناحية مسائل االختصاص والحصانات بأنواعها‪،‬‬
‫والتعاون القضائي الدولي‪ ،‬وكيفية التصرف في األموال المصادرة وص عوبة معرف ة مالكه ا‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫و لقد خص القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته التعاون الدولي بباب كام ل بعن وان‬
‫التعاون الدولي واسترداد الموجودات‪ ،‬نص فيه على اإلجراءات و التدابير تضمنتها الم واد من‬
‫‪ 57‬إلى ‪ ،70‬ترمي إلى الكشف عن العمليات المالية المرتبط ة بالفس اد ومنعه ا و اس ترداد‬
‫العائدات المتأتية من جرائم الفساد منها‪:‬‬
‫* إلزام المصارف والمؤسسات المالية باتخاذ تدابير وقائية بش أن فتح الحس ابات ومس كها‬
‫وتسجيل العمليات ومسك الكشوف الخاصة بها‪،‬‬

‫* تقديم المعلومات المالية‪،‬‬

‫*اختصاص الجهات القضائية الجزائرية بالفصل في الدعاوى المدنية المرفوعة إليها من طرف‬
‫الدول األعضاء في االتفاقية الدولية ضد الفساد بشأن استرداد الممتلكات وتجميد وحجز العائدات‬
‫المتأتية من جرائم الفساد و مصادرتها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التقادم‬

‫ة‬ ‫إن مدة تقادم الدعوى العمومية في جريمة االختالس في القطاع العام تختلف عنها في جريم‬
‫ا‬ ‫االختالس في القطاع الخاص‪،‬فلقد تضمن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته حكم‬
‫ت‬ ‫مميزا بخصوص تقادم الدعوى العمومية في جريمة االختالس في القطاع العام‪ ،‬فلق د نص‬
‫في‬ ‫المادة ‪ 54‬منه في فقرتها الثالثة على أن مدة تقادم الدعوى العمومية في جريم ة االختالس‬
‫القطاع العام مساوية للحد األقصى للعقوبة المقررة لها‪.‬‬

‫و لما كانت العقوبة القصوى المقررة لجريمة االختالس طبقا للمادة ‪ 29‬هي ‪ 10‬سنوات حبس‪،‬‬
‫فعلى هذا األساس تكون مدة تقادم جريمة االختالس في القطاع العام هي ‪ 10‬سنوات‪ ،‬غ ير أن‬
‫قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته لم ينص على تاريخ بداية سريان آج ال التق ادم و‬
‫بالرجوع إلى القواعد العامة‪ ،‬فلقد نصت المادة السابعة من قانون اإلجراءات الجزائي ة على أن‬
‫يس ري التق ادم من ت اريخ ارتك اب الجريم ة أو من ت اريخ القي ام ب آخر إج راء‪.‬‬
‫أما مدة تقادم الدعوى العمومية في جريمة االختالس في القطاع الخاص فلقد نصت الفقرة الثانية‬
‫من المادة ‪ 54‬السالفة الذكر على تطبيق األحكام المنص وص عليه ا في ق انون اإلج راءات‬
‫ة‪.‬‬ ‫الجزائي‬
‫و بالرجوع إلى قانون اإلجراءات الجزائية و تحديدا المادة ‪ 08‬منه‪ .‬فلق د نص ت أن تتق ادم‬
‫الدعوى العمومية في مواد الجنح بمرور ثالث سنوات كاملة تسري من تاريخ اقتراف الجريم ة‬
‫أو من تاريخ القيام بآخر إجراء‪ .‬في حين ال تتقادم الدعوى العمومي ة على اإلطالق س واء في‬
‫جريمة االختالس في القطاع العام أو في جريمة االختالس في القطاع الخاص‪ ،‬و حتى في كافة‬
‫جرائم الفساد إذا تم تحويل عائدات الجرائم إلى الخارج طبقا للفقرة األولى من المادة ‪ 54‬السالفة‬
‫ذكر‪.‬‬ ‫ال‬
‫و لإلشارة إلى أنه سبق للمشرع عند تعديله لقانون اإلجراءات الجزائية بم وجب الق انون رقم‬
‫‪ 14-04‬أن نص في المادة ‪ 08‬مكرر المستحدثة على أن ال تنقضي الدعوى العمومية بالتق ادم‬
‫في الجنايات و الجنح المتعلقة باختالس أموال عمومية بمعنى أن هذه الجريمة غير قابلة للتقادم‪،‬‬
‫وبصدور القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و طبقا للمادة ‪ 54‬منه تحديدا لم يعد حكم‬
‫المادة ‪ 8‬مكرر المذكورة ينطبق على جريمة االختالس بم وجب اإللغ اء الض مني للقواع د‬
‫القانونية‪.‬‬
‫رابعا‪ .‬الردع على جريمة االختالس‬

‫لم ينص المشرع الجزائري على نفس العقوبة فيما يخص االختالس في القطاع العام واالختالس‬
‫في القطاع الخاص‪ ،‬فلقد أعطى عقوبة مشددة بالنسبة لألولى مقارنة بعقوبة خفيفة للثانية للفاعل‬
‫الذي يأتي نفس الفعل‪ ،‬و إن كان األرجح ضرورة أن تتناسب العقوبة مع خطورة الفعل‪ ،‬فإنه‬
‫حسب تقدير المشرع الجزائري فإن االختالس في القطاع العام أخطر منه في القطاع الخاص‬
‫بالرغم من أن الفعل المجرم والنية اإلجرامية هي نفسها في كال الفعلين‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ العقوبة األصلية لالختالس في القطاع العام‬


‫تعاقب المادة ‪ 29‬منه على جريمة االختالس في القطاع العام بالحبس من سنتين (‪ )2‬إلى عشر (‬
‫‪ )10‬سنوات وبغرامة من ‪ 200.000‬دج إلى ‪1.000.000‬دج‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬جريمة تبييض األموال في قانون القعوبات الجزائري‬

‫من أبسط قواعد العدالة الجنائية أال يستفيد المجرم من جريمته ‪ ،‬ومن سبل المكافحة أن أي فوائد‬
‫تعود بالوبال على المجرم أو المحرض عليها ‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإن اإلس تفادة من األم وال‬
‫المتأتية من الجريمة يعد مخالفا للقوانين وقواعد العدالة الجنائية ‪ ،‬ومحبط لكل إجراءات مكافحة‬
‫الجريمة ‪ ،‬وال ينكر أحد أن بعض الجرائم تدر عائدات مالية طائلة ال يمكن أن يترك موض وع‬
‫اإلستفادة منها للمجرمين الذين يقومون بها ومن يساعدهم عليها ومن المتف ق علي ه فيم ا بين‬
‫المهتمين بها بالشأن القانوني أن تقدم الزمن والمستجدات في حياة األفراد على صعيد الخ دمات‬
‫المتبادلة والعالقات اإلنسانية يسهم وبشكل كبير وواضح في خلق أنم اط جدي دة من الس لوك‬
‫البشرى وبالتالي ظهور جرائم جديدة لم تكن معروفة في السابق ‪ ،‬ومن هذا القبي ل موض وع‬
‫جريمة تبييض األموال‪.‬‬

‫‪-----‬‬
‫تعتبر ظاهرة تبييض من أخطـر ظواهـر الزمن االفتراضي باعتبار أنها التحدي الحقيقي أمام‬
‫مؤسسات المـال واألعمـال ومصالح الدول وبالنظر لكونها ترتبط بأنشطة غ ير مش روعة‬
‫يتحقق منها دخول طائلة تؤثر سلبا على االقتصاد المحلي والدولي ‪.‬‬
‫وتشمل عمليات تبييض األموال مجمـوعة األنشطة التي تتـم بعي دا عـن أجه زة الدول ة‬
‫القانونية ‪ ،‬وال تسجل في حسابات الدخـل الوطني وهـذه األنشطة تمثل مصدرا لألموال القذرة‬
‫التي يحاول أصحابها تبييضها في مرحلة تالية وذلك بإجراء مجموعة من العمليات والتحويالت‬
‫المالية والعينية على هذه األموال لتغيير صفتـها غير المشروعـة‬
‫وإدخالها ضمن النظام الشرعي إلكسابها صفة مشروعة ‪ ،‬وبذلك تهدف عمليات تبييض األموال‬
‫إلى إخفاء مصادر أموال المجرمين وتحويلها بعد ذلك لتبدو كاستثمارات قانونية‪.‬‬
‫وإذا كانت جريـمة تبييض األمـوال حديثة النشأة فإنها كظـاهرة ال تعتبر كذلك بحيث أن لفظ‬
‫" غسل األمـوال بـدأ مصطلحـا و ظاهرة إجرامية في الواليات األمريكية في المدة م ا بين‬
‫بداية العشرينات ‪ ،‬حيث استخدم رجال األمـن آن ذاك لفظ "غسل األموال " للداللة على مـا‬
‫كانت تقوم بـه عصابات المافيا من شراء للمشروعات و المحالت بـأموال قـذرة ذات‬
‫مصدر غـير مشروع ‪ ،‬و مـن ثـم دمجها مع أموال و أرباح مـن تلك المشروعات إلخفـاء‬
‫مصدرها عن أعين الرقابة ‪ ،‬و فـي الوقت نفسه تم استخدام لفظ " المـال الق ذر " للداللـة‬
‫على تلك األموال التـي أخفيت خشية اكتشافها ومعرفة طرق تحويلها‪.‬‬
‫و قد يكون من الصعب الجـزم بأن تبييض األموال ‪ ،‬بوصفه جريمة بـدأ فـي الوالي ات‬
‫األمـريكية ‪ ،‬لكـن اليقين أن تبييض األمـوال باعتباره ظـاهرة إجرامـية‬
‫– ارتبطت بالجريمـة المنظمة – بدأت فـي الواليـات المتحدة األمريكي ة بعـد الح رب‬
‫العالمية األولى ‪ ،‬و تزايدت في النمو و التوسع منذ الكساد االقتصادي العظيم في عهد ال رئيس‬
‫األمريكي روزفلت ‪.‬‬
‫و لكـن هـذه الظاهرة لـم تقتصر على الو‪.‬م‪.‬أ فقط ‪ ،‬إذ تشير أق دم المصـادر أن غس ل‬
‫األموال خارج الو‪.‬م‪.‬أ بدأ خالل الحرب العالمية الثانية ‪ .‬فقد قامت الحكومة األمريكية بالبحث و‬
‫حصر األموال التي قامت المصارف السويسرية بغسلها لصالح النظام النازي األلماني ‪ ،‬و حينما‬
‫وقعت األدلة في أيـدي اللجنة المشكلة لذلك دعت الحكومـة األمريكي ة الع الم إلى ع دم‬
‫االعتراف باألموال المنهوبة و المسروقات التي استولى عليها الجيش األلم اني في أورب ا ‪ ،‬و‬
‫طالبت بإعادتها ألصحابها الشرعيين ‪.‬‬
‫وقد بقت ظاهرة تبييض األمـوال وإلى غاية سنة ‪ 1988‬محـل اهتمام دولـي وإقليمي ووطني‬
‫وهذا ضمن إطار البحث العلمي ورسم الخطط وبناء اإلستراتيجيات من دون أن يصل إلى إطار‬
‫دولي أو وطني واضح يجرم هذه الظاهرة ويوحد الجهود لمكافحتها‪.‬‬
‫ويمكن القول أن عام ‪ 1988‬يمثل سنة االرتكاز بالنسبة للجهود الدولي ة في حـقل محارب ة‬
‫ظاهرة تبييض األموال ‪ ،‬فخالل هذا العام وتحديدا في ‪ 19/12/1988‬صـدرت اتفاقيـة األمم‬
‫المتحدة لمكافحة أنشطـة ترويج المخدرات ( اتفاقية فيينا) والتـي فتحت األنظار على مخاطر‬
‫أنشطـة تبييض األموال المتحصلة من المخدرات وأثره ا المدمـر على النظم االقتص ادية‬
‫واالجتماعية للدول ‪ ،‬فهذه االتفاقية وإن كانت ال تعـد مـن حيث محتواه ا خاص ة بتب ييض‬
‫األموال ‪ ،‬إذ هي في األساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات بيد أنها تناولت أنشطة غس يل‬
‫األموال المتحصلة من تجارة المخدرات ‪ ،‬باعتبار تجـارة المخدرات تمثل أكثر المصادر أهمية‬
‫لألموال المبيضة ‪.‬‬
‫‪ I‬هذا وقد سارع االتحاد األوروبي إلى إصدار االتفاقية األوروبية المتعلقة بإجـراءات التفتيش و‬
‫الضبط الجرمي لتبييض األموال وهذا خالل سنة ‪ ، 1990‬وذلك لكون ظاهرة تبييض األم وال‬
‫باتت ذات خطر محدق في أوربا ‪ ،‬اذ اتضح أنها أصبحت مالية عالمية لت بيض األم وال و إن‬
‫عواصمها الكبـرى مثـل لندن و باريس و بروكسل و مدريد تتم فيها عمليات تبييض األموال‬
‫علنا و كأنها عمليات بيـع و شـراء عاديـة األمر الذي فرض بالضرورة سن مجموعة من‬
‫التشريعات الجديدة لوقف جميع أشكـال غسل األموال ‪ ،‬و هو ما تم فعال بحيث صارت العديد‬
‫من التشريعات الداخلية تتضمـن نصوصا خاصة تجـرم و تعاقب نشـاط تبييض األمـوال‬
‫المتأتية مـن مصادر غيـر مشروعة‪.‬‬
‫و إذا كانت جهود الدول األوربية و الصناعية لمكافحة تبييض األموال جاءت في المق ام األول‬
‫ضمن جهود مكافحة المخدرات باألساس ‪ ،‬فإن األمر يختلف بالنسبة لل دول النامي ة بحيث أن‬
‫عوائد أنشطة الفساد المالي و الوظيفي و التي أدت إلى خلق ثـروات باهضة غير مشروعة هي‬
‫السبب الرئيسي لتجريم نشاط تبييض األمـوال و محـاربته و هو ما يفسر لجوء العديد من هذه‬
‫الدول إلى تجريم هذا النشاط ‪.‬‬
‫و إذا كانت هذه الجريمة قد تفشت في الغـرب فإن طابعها اإلجرامي التعاونـي جعلها جريمة‬
‫منظمة تـرتكبها منظمات إجرامية متخصصة ‪ ،‬و جريمة عابرة للحـدود بحيث أن مقترفيها‬
‫أصبحوا يتربصون باألسواق الناشئة في الدول النامـية والتي تسعى لفتح تجارته ا أم ام رأس‬
‫المال األجنبي مما بات يشكل تهديدا القتصاد تلك الدول‪ ،‬لذلك كان لزاما عليها اتخاذ اإلجراءات‬
‫المناسبة للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة ‪ ،‬و هذا هو الهدف من اختيارن ا له ذا الموض وع‬
‫باعتبار أن بالدنا عرفت و ما زالت تعرف عدة نشـاطات إجرامية تدر أمواال باهضة و يحاول‬
‫المتحصلون عليها إضفاء صفة الشرعية عليـها ‪ ،‬كما أن فتـح باب االستثمار قد يكون مدخال‬
‫لنشاط مجموعات تسعى لنفس الغرض في إطار شراكات وهمي ة ‪....‬إلخ ‪ ،‬فه ذه الظـاهرة‬
‫تطرح إشكاليات عديدة أهمها ‪:‬‬
‫تحديد مفهوم نشاط تبييض األموال و اإلطار القانوني لـه بوصفه جريمة باإلضافة إلى األخطار‬
‫التي يشكلها و سبل مكافحته‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريف تبييض األموال ‪:‬‬

‫نجد من خالل المادة ‪ 389‬مكرر من قانون العقوبات أن المشرع الجزائري قد ع رف‬


‫تبييض األموال بأنه "تحويل أو نقل الممتلكات مع العلم أن هذه الممتلكات نشأت عن جريمة ما‪،‬‬
‫وهذا بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لهذه الممتلك ات‪ ،‬أو به دف مس اعدة أي‬
‫شخص آخر متورط في إرتكاب الجريمة األصلية (مصدر األموال القذرة) ‪ ،‬وذل ك من أج ل‬
‫تجنب النتائج القانونية المترتبة عن أفعاله التي إرتكبها ‪ ،‬وهو أيضا إخف اء وتموي ه الطبيع ة‬
‫الحقيقية للممتلكات إن مصدرها أو موقعها أو حركتها أو حقوق ملكيتها م ع العلم ب أن ه ذه‬
‫الممتلكات تولدت عن جريمة ما وهو أيضا الحصول على أمالك و اإلحتفاظ بها أو إستخدامها‬
‫مع العلم التام وقت تسلمها بأنها نشأت عن نشاط إجرامي ‪ ،‬وهو أيضا المشاركة في إرتكاب أي‬
‫من الجرائم السالفة الذكر أو التواطؤ أو التآمر على إرتكابها أو محاولة إرتكابها والمس اس أو‬
‫التحريض على ذلك وتسهيله وإسراء المشورة بشأنه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أركانها‬
‫* الركن المادي ‪ :‬ال يمكن تصور جريمة دون ركن مادي لها والذي يمث ل المظه ر‬
‫الخارجي لها ‪ ،‬وبه يتحقق اإلعتداء على المصلحة المحمية قانونا ‪ ،‬وعن طريقه تقع األعم ال‬
‫التنفيذية للجريمة ‪ ،‬وعليه فإن التحقق من توافر الركن المادي هو الشرط األساس ي للبحث في‬
‫وجود الجريمة من عدمه‪.‬‬

‫ويتمثل الركن المادي لجريمة تبييض األموال بصفة عامة في كل فعل يساهم في إخف اء‬
‫أو تمويه مصدر األموال أو المداخيل الناتجة بصورة مباشرة عن جميع الج رائم دون حص ر‬
‫وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري‪.‬‬

‫‪ :‬عناصر الركن المادي‬


‫‪ :‬أ)‪ -‬السلوك المكون له أو فعل اإلخفاء‬
‫‪ -1‬حيازة أو إكتساب أو إستخدام األموال المحصلة من أي جريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬تحويل األموال ‪ ،‬ويتمثل في نقل األموال أو عائدات أي جريمة به دف إخف اء أو‬
‫تمويه المصدر غير المشروع لهذه العائدات ‪ ،‬قصد مساعدة أي شخص متورط في إرتكاب مثل‬
‫هذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ -3‬إخفاء أو تمويه حقيقة األموال المحصلة عن جريمة بحيث يشمل كل تمويه ينص ب‬
‫على حقيقة األموال متحصالت النشاط غير المشروع‪.‬‬
‫‪ -4‬المشاركة في إرتكاب أي فعل من األفعال الم ذكورة أو التواط ؤ أو الت آمر على‬
‫إرتكابها أو المساعدة أو التحريض على ذلك وتسهيله وإسداء المشورة بشأنه‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يجب عدم التقيد بالمعنى اللغوي لمصطلح اإلخفاء ‪ ،‬ألن ذل ك‬
‫من شأنه التضييق من دائرة العقاب على نحو ال يحقق المصلحة العامة ‪ ،‬فإن كان تاما وترتبت‬
‫عليه نتيجة كانت الجريمة تامة وإذا أوقف عند حد أو لم تتحقق النتيجة المقصودة كانت الجريمة‬
‫غير تامة أو شرع فيها ‪ ،‬لهذا وجب فهم اإلخفاء على أنه يشمل كل عمل من شأنه منع كش ف‬
‫حقيقة المصدر غير المشروع ‪ ،‬وبأي شكل كان وبأي وسيلة ‪ ،‬سواء كان هذا اإلخفاء س ريا أو‬
‫علنيا فال عبرة إذا بكون اإلخفاء قد جرى سرا ‪ ،‬كما ال يهم سبب اإلخفاء حتى ولو كان بطريقة‬
‫مشروعة كشراء الشئ المتحصل عن السرقة أو إكتساب األموال غير المشروعة بطريق الهب ة‬
‫أو الوديعة أو المقايضة‪...‬الخ‪.‬‬

‫ب)‪ -‬المحل الذي يرد عليه السلوك ‪ :‬يتمثل هذا المحل في حقيقة األموال أو مصدرها أو‬
‫مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها ‪ ،‬هذه األموال غير‬
‫المشروعة تشمل األموال المنقولة وغير المنقولة ‪ ،‬كاألموال المادية مثل المجوهرات ‪ ،‬األموال‬
‫ذات محتوى معنوي يتجسد في شكل ظاهري مادي‪.‬‬

‫ج)‪ -‬الجريمة األولية مصدر العائدات ‪ :‬إن جريمة تبييض األموال هي جريمة تبعية وهي‬
‫تفترض بالضرورة وقوع جريمة أولية سابقة لها هي تلك التي تحصلت عنه ا األم وال غ ير‬
‫المشروعة لذلك يجب أن تكون األموال محل التبييض ذات مصدر غير مشروع‪.‬‬

‫الركن المعنوي ‪ :‬جاء في نص المادة ‪ 389‬ق‪.‬ع أن يكون الفعل بقصد إخفاء أو تمويه المصدر‬
‫غير المشروع مما يبين أن هذه الجريمة تقتضي أن يكون القصد بهدف إخفاء أو تمويه مصدر‬
‫األموال الناتجة عن فعل إجرامي ‪ ،‬وهذا ما يوضع أن جريمة تبييض األموال ال تكتفي بالقصد‬
‫العام ‪ ،‬بل تتطلب قصدا خاصا ‪ ،‬وهو إرادة إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لألموال ‪،‬‬
‫فتكون بذلك جريمة تبييض األموال جريمة عمدية ‪ ،‬ال يكفي لقيامها مجرد تواجد اإلهمال أو‬
‫الخطأ غير المقصود ‪ ،‬وينبغي لقيام المسؤولية الجنائية أن يتوافر لدى الفاعل القصد العام‬
‫‪ :‬والقصد الخاص ‪ ،‬وبالتالي فإن الركن المعنوي للجريمة يتجلى بوجهتين هما‬

‫أ)‪ -‬القصد العام ‪ :‬يتمثل في إرادة الجاني في إقتراف الفع ل الم ادي للجريم ة م ع العلم ب ه‬
‫وبالعناصر التي يتطلبها القانون وبذلك فالقصد العام لهذه الجريمة هو ‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم بالمصدر غير المشروع ‪ :‬ينبغي أن يتوفر لدى مبيض األموال العلم بحقيقة المصدر غير‬
‫المشروع لألموال ‪ ،‬أي العلم الواقعي يكون هذه األموال محص لة من جريم ة ‪ ،‬فال يكفي إذا‬
‫إعتقاد الشخص خطأ وعلى خالف الواقع بالمصدر غير المشرع لألم وال ‪ ،‬إذ ال يع اقب على‬
‫الجريمة الضنية التي ال تقوم إال في ذهن فاعليها ‪ ،‬وبالتالي فإن الركن المعنوي لجريمة غس ل‬
‫األموال ينتهي متى ثبت انتفاء العلم بالمصدر غير المشروع لألموال‪.‬‬

‫‪ -2‬إرادة السلوك لتبييض األموال ‪ :‬يجب أن يكون سلوكا تبييض األموال سلوكا إراديا ح تى‬
‫يتحقق الركن المعنوي للجريمة ‪ ،‬وأن يكون هذا السلوك معبرا عن إرادة واعية وحرة من جانب‬
‫الفاعل ‪ ،‬فإذا إنتفت إرادة السلوك انعدم بالتالي الركن المعنوي أو القصد الجنائي لدى الفاعل‪.‬‬

‫ب)‪ -‬القصد الخاص (نية إخفاء أو تمويه مصدر األموال) ‪ :‬إن القصد الخاص هو نية تنحرف إلى‬
‫غرض معين أو يدفعها إلى الفعل باعث معين ‪ ،‬وفي جريمة تبييض األموال فإن القصد الخاص‬
‫يتحقق عند التثبت من إرادة إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لألموال المنقول ة أو غ ير‬
‫المنقولة أو الموارد الناتجة عن الجرائم المختلفة ‪ ،‬وبالتالي يجب أن تنصرف ني ة الفاع ل إلى‬
‫اإلخفاء أو التمويه‪.‬‬

‫‪ :‬ثالثا ‪ :‬مراحل عملية تبييض األموال‬

‫‪ :‬تعتمد عملية تبييض األموال على ثالثة مراحل رئيسية‬

‫‪ -1‬مرحلة اإليداع ‪ :‬ويتم فيها إبعاد األموال عن االرتباط المباشر مع النشاط اإلجرامي وذلك‬
‫بنقلها من مكان إلى آخر والقصد من ذلك هو إخفاء مصدرها غير المشروع ‪ ،‬وتستهدف ه ذه‬
‫المرحلة التي يعبر عنها البعض بمرحلة التوظيف أو التخلص من النقود العينية تقديم الم ال في‬
‫صورة تجارة مشروعة وهي عبارة عن التصرف المادي في كمية الدخل النقدي بهدف إزالت ه‬
‫من مكان إكتسابه ليجنب لفت األنظار وذلك بالسعي إلى تحضير دمج هذا ال دخل وإدخال ه في‬
‫مناطق عمل تجارية يكون من السهل فيها التخفي وتعتبر مرحلة اإليداع هي المرحلة األساس ية‬
‫ألنها تمثل عملية نفاذ الدخل إلى مؤسسة بنكية أو نقدية ‪ ،‬وتعتبر هذه المرحلة نقط ة الض عف‬
‫الرئيسية في عملية تبييض األموال ‪ ،‬كما تعتبر المنطلق المناسب لمراقبة وكشف المجرمين من‬
‫قبل المصالح المكلفة بذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة التعتيم أو التغطية ‪ :‬إذا نجح الغاسل في وضع أمواله في إطار دائرة النظام المالي ‪،‬‬
‫ينتقل بعد ذلك إلى الخطوة الثانية والمعروفة بمرحلة التعتيم ‪ ،‬ويتم فيها فصل الدخل عن أص له‬
‫وذلك عن طريق خلق طبقات من الصفقات المالية تهدف إلى إخفاء معالم مصدر المال ‪ ،‬وإبعاده‬
‫قدر اإلمكان عن إمكانية تتبع الحركة الحسابية ل ه ‪ ،‬والواق ع أن ه إذا نجح الم ال في تخطى‬
‫المرحلة األولى فإن الكشف عنه في هذه المرحلة يكون أكثر صعوبة ومن أمثلة التع تيم هن اك‬
‫إعادة بيع أو تصدير رأس المال ‪ ،‬الذي يتم الحصول عليه في المرحلة األولى والمقابل للبيع أو‬
‫الشئ المصدر يأخذ صورة دفع نقدي وهو ما يجعل شخصية المشتري أك ثر وض وحا ودون‬
‫خوف‪ ،‬كما يجعل رأس المال أكثر مرونة في الحركة‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة الدمج ‪ :‬تكفل هذه المرحلة الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروات ذات المصدر‬
‫غير المشروع حيث يتم في هذه العملية وضع األموال المبيضة مرة أخرى في دائرة اإلقتصاد ‪،‬‬
‫وذلك بطريقة يبدو معها أنه تشغيل عادي لمال من مصدر نظيف ‪ ،‬وفي هذه المرحلة يص عب‬
‫إلى حد بعيد التمييز بين الثروة ذات المصدر المشروع والثروة ذات المصدر غير المش روع ‪،‬‬
‫وال يمكن الكشف عن عملية التبييض في هذه المرحلة إال من خالل البحث السري والمس اعدة‬
‫غير الرسمية من خالل المخبرين أو بالصدفة‪.‬‬

You might also like