Professional Documents
Culture Documents
أحمد شرجي
أحمد شرجي
على اعطاء المتفرج مناخًا بدل المظاهر الواقعي ة ،اس تبدل الوح دات ذات البع دين بس اللم وإنش اءات ذات
ثالث ة ابع اد لتص عيد حرك ة الممث ل ول دمج األرض ية األفقي ة بالمش اهد ألمرتفع ه عمودي ا.أس تخدم
اإلضاءة بطريقة ال واقعية مشابهه للموسيقى على خشبة تجريدية مؤلفه من كتل بيضاء ورمادية مجسمة.
ارتبطت تجرب ة ابي ا من ذ بداي ة نش ؤها بف اجنر ،وبالتحدي د على األعم ال ال تي ق دمها ف اجنر ،وه ذا ليس
مثلبا،وهذا ما اكده ابيا ،بان فاجنر كان المحفز األول لكل طروحاته النظرية واشتغاال ته العملية ،هو ال ذي
أفضى علي ه ب ذلك الس ر الس احر ال ذي وهبن ا تل ك المتع ة والدهش ة البص رية (ظللت أعتم د على نم وذج
فاجنر،النه في ذل ك ال وقت ك انت أعمال ه هي فق ط ال تي ك ان يمكن ان تق دم نقط ة انطالق،ولكن بكتابته ا
أصبحت بالتدريج واعيا بالمدى الذي فصل تفكيري نفسه عن عمل فاجنر من اج ل تن اول الموض وع بك ل
تعقيداته وتضميناته).
اتخذ ابيا منهجا رمزيا ،بل مغرق ًا في الرمزي ة مث ل ش ريكه ب الثورة البص رية من اج ل اص الح المس رح
كوردن كريك ،اهتما كالهما بأظهار العوالم الخفية من حياتنا ،انطالقا من الحلم الذي يعبر عن ما ب دواخل
اإلنسان والذي ال يمكن التعبير عنه إال بالفن.
وجد ابيا في الموسيقى فنا مثاليا ،لتكامل عناصره الفنية ،والتي كانت فيها حرية كبيرة بالنسبة له كفن ان من
خالل المشاهد التي تقدمها ،وكذلك التناغم م ا بين الموس يقى والح وار ،فيم ا يخص الموس يقى االوبرالي ة،
وك ذلك من التفص يالت الص غيرة في حرك ة الممثلين تل ك النغم ات الهارموني ة ال تي تتخلله ا المش اهد،
باإلضافة لتموجات الضوء ،كانت كل هذه مجتمعه مصدر ابهار كبير ل ه ،له ذا يج د في الموس يقى حريت ه
الكاملة النها تركز على الجانب العاطفي اكثر من الجانب ال واقعي ،يج د ب ان وظيف ة الفن هي التعب ير عن
العوالم الداخلية للجمهور ،وهذا ياتي فقط عن طريق الموسيقى ،وه ذا م ا ي ذهب الي ه بقول ه (على الفن ان
ُيع بر عن ه ذه الحي اة الداخلي ة للجمه ور بش كل مباش ر ،واليمكن التعب ير عن ه ذه الحي اة إال من خالل
الموسيقى ،والموسيقى هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها ان تعبر عن هذه الحياة).
ك انت الموس يقى هي المحف ز االب داعي االخ ر الب داعات ابي ا ،ال ذي س عى من خالله ا لتحري ر الص ورة
المسرحية ،والبحث عن الفعل الكامن خلف تلك التعبيرات المشهدية ،وك ذلك ال زخم التعب يري ،والتعبيري ة
هو واحد من احب المصطلحات الى قلبه.
الموس يقى هي العالج الش افي ال ذي وص فه ابي ا للمس رح في اورب ا ،كونه ا هي المنظم االول للمش هد
المس رحي على الخش بة ،وايض ا فهي ال تعي د الت وازن الحس ي فق ط للممث ل والمتف رج ،ب ل ايض ا ت وازن
التكاملية في المشهد البصري (الموسيقى والموسيقى وحدها تستطيع تنظيم عناصر العرض المشهدي كله ا
في وحدة انسجامية متكاملة بطريقة تتجاوز تمام التجاوز قدرة خيالنا المضعضع).
لم تكن الموسيقى وحدها من اخذت اهتمام مشروع ابيا بكامله ،بل كانت هي الشرارة التي انطلق منها ذل ك
المشروع المهم ،كانت خطوط ه ورس وماته ل دراميات ف اجنر الموس يقية ،تش كل منعطف ا مهم ا في مس ار
المسرح الح ديث او فن المس تقبل ،وايض ا في مش روع ابي ا برمت ه ،اص بحت ه ذه الخط وط والرس ومات
مصدرا مهما ومثيرا الهتمام المشتغلين بالفن المسرحي ،كات طروحات هذا الرجل السويسري واقتراحاته
للضوء ،طروحات جديدة تماما ،لم يدركها رجاالت المسرح بعد ،بل لم يدركها فاجنر نفسه ،والذي يعت بره
ابيا معلمه وملهمه االول.
كانت طروحاته تسير في اتجاهات عدة منها الموسيقى ،الضوء ،العناصر التشكيلية ،خطوط ه ،واذا اردن ا
ان نستعرض الطروحات التي كانت تظمها نظريته لمعالجة المشاكل الجمالية في العرض المسرحي ،فإنن ا
سنبدأ بالعناصر التش كيلية ،والمش كلة الجمالي ة في تص ميم المنظ ر ،حيث لم تكن هن اك عالق ة س ببيه بين
االشكال والفضاء ،هذه العالق ة ال تي يتعام ل معه ا مص مم المن اظر بس طحية من خالل الرس ومات الغ ير
متجانسه ،والتي توضع على خشبة المسرح ،وبالتالي يتحتم على الممثل ان يجد له مكانا لحركته فيها ،لهذا
سعى ان يكون التنظيم ذو ابعاد ثالثة ،وبدون هذه االبعاد ستسقط كل قواعد الفن التص وري وتك ون ليس ت
بذي جدوى بتواجدها ـ لهذا طلب بأن يكون الوهم المرسوم للبعد الثالث سليما في الص ورة المرس ومة على
الورق ،النه يستثير الفضاء والكتلية ،حدد ابيا العناصر التشكيلية في تصميم المش هد المس رحي في أربع ة
أشياء ،بحيث يجب ان تكون حاضرة في ك ل تص ميم للمش هد وهي(المش هد المرس وم المتعام د الخط وط،
االرضية االفقية ،الممثل المتحرك والفضاء المضاء الذي شمل الجميع).
كان مشروعه ينصب على خلق حالة التجانس او االنسجام ما بين الديكور المرس وم والممث ل ،الن الممث ل
ه و ال ذي يبعث الحي اة في تل ك الص ورة من خالل حال ة االنس جام تل ك ،له ذا رك ز اهتمام ه في نقط ة
المنتصف ،ما بين مقدم ة الخش بة واالرض ية ،ك ون ه ذه المنطق ة من الخش بة س تكون بمواجه ة المتف رج
وبالتالي سيكون المتفرج تحت تاثير المشهد البصري ،و ستكون منطق ة تواج د الممث ل ومس احة لعب ه هي
االرضية (خشبة المسرح) بين قطع ال ديكور والرس ومات ،ك ان هدف ه من ك ل ذل ك ه و اده اش المتف رج
بصريا من خالل تركيزه على منتصف الخشبة ،بإعتبارها اقوى منطقة في الخشبة وفق التقسيمات العلمي ة
للخشبة وكذلك في جماليات االخراج ،وكذلك عين النظارة تذهب ال اراديا الى المنتصف دائما.
الممثل بالنس بة البي ا ه و وح دة القي اس ،ال تي تح اول ت رتيب العناص ر الجمالي ة على الخش بة بهارموني ة
عالية،من خالل تحركاته بين قط ع ال ديكور والص ور المرس ومة ،وال تي يح اول الممث ل اس تنطاقها ،ه ذا
التجانس بين الممثل والمرسومة وقطع الديكور يجب ان يهتم به مصمم المناظر ،من اج ل تكام ل عناص ر
االخ راج التش كيلية على الخش بة ،ه ذه العناص ر تظ ل مرتبك ه ومربك ه اذا م ا ت ركت على حاله ا دون
اصالحات.
من اجل تكاملية االبعاد الثالث التي طالب بها ابيا ،يجب االهتمام بالض وء ،وي ذكر بان ه اول من ف رق بين
الض وء الفض ائي ،واالن ارة المنتش رة ،وال تي هي وس يلة لجع ل االش ياء مرئي ة ،الن الف رق واض ح بين
االث نين،في حال ة اللج وء الس تخدام الض وء الفض ائي سنحص ل على ظالال ايحائي ة مع برة على الخش بة،
ويعطي صفة نحتية لالشياء والممثل،والحيز الذي يشغله االعداد المسرحي عند ابيا هو باكمله وحدة نحت.
ارتبط مشروعه الجمالي كثيرا بالموسيقى كما ذكرنا سابقا وهذا ما نجده يلجا اليه ،حتى عندما يسعى لنحت
مصطلحات او تعبيرات اخرى لطرح مشروعه ،يحاول قدر االمكان االستعانة بمصطلحات موس يقية مث ل
(اوركسترا الضوء) وهذا التعبير فيه إحال ة مباش رة لمنابع ه الموس يقية ،وايض ا الهمي ة الض وء ،كأهمي ة
الموسيقى كما ذكرنا ذلك سابقا ،فلقد قسم مصادر الضوء على المسرح الى نظامين (نظ ام منتش ر او نظ ام
عام ،يطغي على المسرح بانارة متناسبة تدعى االنارة الجارفة في يومنا هذا ،مركزا ضوءًا متحركًا يدعى
اليوم الضوء المسلط على خشبة المسرح.إن هذا الضوء هو الضوء المهم ،الذي اشار اليه ابيا ،بعد ان كان
مصدر الضوء يصيبه االهمال).
بينما االنارة المنتشرة على قطع الديكور والرسوم وأرضية المسرح ،هي ان ارة ش احبة غ ير مع برة ،غ ير
عاطفية ،بمعنى اخر انها مجرد وسيلة مرئية تكشف لنا عن االشياء المعتمه ،الض وء ه و عنص ر تش كيلي
مهم من عناصر االخراج التشكيلية بالنس بة البي ا ،و واح دًا من اهم االرك ان ال تي اعتم دها بطروحات ه او
ثورته البصرية او كما سميت حينها بالبيانات الثورية الصالح المسرح ،فالضوء عنده كما يق ول (الض وء
هو أهم عنصر تشكيلي على المسرح ...بغير قوته الموحدة تستطيع عيوننا ان تستوعب االشياء ،ال ما يعبر
بها ...فما الذي يستطيع ام يرفدنا بهذه الوحدة الس امية الق ادرة على االرتق اء بن ا؟إن ه الض وء ،......وح ده،
بغض النظر عن اهميته الثانوية في انارة مس رح مظلم ن يمل ك اعظم ق وة تش كيلية ذل ك ان ه اق ل االش ياء
عرضة للمواصفات(المسرحية) ومن هنا جاءت قوته ليجلو ببهاء ،بشكل تعبيري فريد ،التموج ات الخال دة
لظواهر العالم) ،ومن خالل الظالل التي يطبعه ا الض وء الفض ائي تجع ل من ارض ية المس رح والمش اهد
وحدة واحدة ،وحدة هارمونية اعد لها الممثل اعدادا جيدا ،مستشهدا بان الشاعر يقدم الموضوع للموسيقى،
والممثل يقدم االعداد المسرحي للضوء.
يعزو الناقد لي سيمونسن ،بان الترجمة عن االلمانية اعاقت كثيرا بوصول طروحات ابي ا وثورت ه الش كلية
الى اوربا والعالم ،النه انقذ المسرح من كالئشيته ،كان المسرح وقتها اش به بال دمى الكارتوني ة ،لكن ت دفق
ابيا وتهوجه جعل منه اش به بالع الم الص غير(فب دال من خدع ة االوه ام المرس ومة الش فافة لالش كال ،ج اء
بااليهام الفضائي الذي ابتناه الضياء الموجه المنضبط بما يس تطيع ان يض في من تج ل على الب نى الزائل ة
التي يصطنعها تجار المسرح).
اعطى ابيا اهمية للضوء كاهمية الموسيقى ،وجد فيه مصدر قوة لتوهج الشكل المشهدي وكذلك للتعبير عن
كوامن الممثل الداخلية من خالل تحفيزه الداخلي الخراج روح الشخصية التي يمثلها ،فيه يجد حرية كب يرة
وهي مشابه لحرية الموسيقى بالنسبة للش اعر ،الض وء والموس يقى هم ا وح دة هاروموني ة يكم ل اح دهما
االخر على الخشبة ،من خالل الضوء يس تطيع ان يعطين ا ك ل تجلي ات الحال ة العاطفي ة ،بواس طة ظالل ه،
وحدته،وتموجا ته ،فالضوء والموسيقى وحس ب تعب ير ابي ا ،هم ا الوحي دان الل ذان يس تطيعان التعب ير عن
الطبيعة الباطنية لكل الظواهر.
فطنة والتقاطة ابيا الهمية الضوء ،اثارت االنتباه واالهتم ام بمش روعه ألتنظ يري وطروحات ه ،ومعالجات ه
البصرية لعناص ر االخ راج التش كيلية ،حدس ه الجم الي الع الي ،وثقت ه بس حر الض وء بتحري ك المش اعر
وتحفيزها مثل الموسيقى ،وايضا لسرعة انتباهنا للضوء ،اثناء العتمة ،وايضا خوفنا الشعوري من الظالم،
الضوء هو ايضا احساسنا باالمان من ذلك الخوف ،وقد يكون ذلك ايضا مرتبطا بشعورنا الداخلي في حالة
سيرنا بالعتمة ،وفرحنا الشديد لرؤية نار مشتعلة ،وان كانت بعي دة ،لكن ه ش عور باالم ان والطمأنين ة ،ان ه
الفرح بالنجاة من الخوف.
كذلك طروحاته الهامة لجهاز الضوء الكاشف من خالل وضع ستائر على الجهاز ليقلل من حدت ه ،وك ذلك
لمص ابيح االض اءة الكب يرة ال تي تس قط على الجمه ور او الممثلين ،اش تغاله على توزي ع الكت ل الض وئية
باالتجاه الذي يريده ،وهذا يساعد بابراز الحالة التعبيرية التي يبتغيها داخل المشهد البصري ،وله ذا لم يكن
المتفرج يشعر بالتغيرات التي تجري امامه على الخشبة من خالل التقاطعات الضوئية ال تي وض عت على
جوانب المسرح في دعامات حديدية ،والتي تلقي بؤرا ضوئية على الخشبة ،وبألوان متع ددة ،ه ذه العملي ة
كان يجب التدريب عليها قبل عدة ايام من ليلة االفتتاح والتي كانت تسمى بالتدريب الضوئي ،كونها عملي ة
معقدة اثناء عملية تنفيذها ،وهي شبيهة بعملية قيادة االوركسترا ،ولهذا اطلق عليها اوركسترا الضوء.
تحكم ابيا بكل مساقط الضوء على خشبة المسرح ،حيث وجد ب ان المس اقط الض وئية االمامي ة ال تي تس لط
على وجوه الممثلين وهي مليئة بالمكياج ،تمحو الجوانب االنسانية من كل تعبير ،بينما اذا كانت مسلطة من
االعلى عندها سنحصل على وجوه نموذجية للممثلين ،وهذا اشبه بعملية النحت التي يمارسها النح ات على
وجوه شخوصه ،مؤكذا بذلك(بان الضوء لن يستخدم لمجرد تقوية او اض عاف التش كيل النم وذجي للوج ه،
بل باالحرى سيعمل على توحيده او عزله عن الخلفية المشهدية ،بطريقة طبيعية ،اعتمادا على دور الممثل
الخاص ،اهو الذي سيسطر على المشهد او ان المشهد سيسطر عليه).
تلك الطروحات والمعالجات جعلت الضوء بانيا للمشهد المسرحي ،حلوله الكثيرة والجريئة وقتها ،لك ل م ا
يتعلق بعناصر االخراج التشكيلية ،والضوء كونه اهم ركنًا فيها ،أبهرت الكثيرين ،من تلك المعالجات ه و،
تلوين الضوء بالوان عديدة من خالل اس تخدامه لـ (س اليدات زجاجي ة ملون ه) يس تطيع من خالله ا اب راز
الصور وفق حدة ضوئية معينة ،كذلك تغير بيئة المكان ،من خالل استخدامه للون ال ذي يتطلب ه المش هد،لم
تكن تلك الطروحات والمعالجات مهمة لمص مم المناض ر واالض اءة فق ط ،ب ل ك انت اهميته ا كب يرة على
الممثل ايضًا الذي استطاع من خالل االلوان ومساقط الضوء بالولوج لروح الشخصية التي يمثله ا،وطالم ا
ان الضوء يحيله الى الحالة التي يريد تجسيدها ،فمن المؤك د س يكون ذل ك ح افز كب ير ل ه إلظه ار تعب يره
اإلنساني.
ه ذه االص الحات ،واالس تخدامات الجدي دة ان ذاك ،هي ال تي اعطت ه ذا الجم ال البص ري في المس رح
الحديث ،بالرغم من تقدم التكنولوجيا بعالمنا االن ،لكن بقت طروحات ابي ا ومعالجات ه هي االرض ية ال تي
بنيت عليها هذه التكنولوجيا الضوئية على المسرح.
ahmadsharji@hotmail.com