You are on page 1of 3

‫تصنيف نظرية علم اجتماع السكان‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫اختلفت اآلراء بصدد الدراسات السكانية وتحديد مكانتها بين العلوم التي استطاعت أْن تبلور‬
‫م ا انتهت إلي ه من نت ائج وقض ايا في ص ورة نظري ات‪ .‬إْذ ي ذهب البعض إلى أَّن الدراس ات‬
‫الس كانية وص لت بالفع ل إلى مرحل ة العلم بع د أْن جمعت الحق ائق ووض عت الف روض وح اولت‬
‫أْن تنظمها في صورة نظري ة‪ ،‬ب ْل أَّن بعض المش تغلين بالسكان ق د توص لوا بالفعل إلى قوانين‬
‫س كانية‪ .‬ولكن ي رى البعض اآلخ ر أَّن الدراس ات الس كانية في ال وقت الحاض ر تفتق ر إلى‬
‫النظري ة‪ ،‬بينم ا تتم يز ب وفرة النت ائج الجزئي ة بفض ل الجه ود المتتابع ة ال تي أج ريت في مي دانها‬
‫لجمع هذه النتائج دون االهتمام بصياغتها في بناء منسق من المعرفة يفسر على أساسه سلوك‬
‫السكان‪ ،‬ويرجعون هذا النقص إلى التقدم الذي أحرزته الدراسات السكانية في ميدان البحوث‬
‫اإلمبيريقية وإ لى انشغالها بتطوير مناهج متمايزة لجمع البيانات وتحليلها‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وإ لى ما‬
‫يتميز به موضوع الدراسة السكانية وانتمائه إلى عدد من العلوم المتداخلة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫والنظرية السكانية عموم ًا عبارة عن مجموعة من القضايا المترابطة التي تقوم على أساس‬
‫المالحظ ة والتج ريب‪ ،‬وتق دم تفس يرًا لظ اهرة م ا من الظ واهر الس كانية‪ ،‬أو تنب ؤ بعالق ات يمكن‬
‫مالحظتها والتحقق منها‪.‬‬
‫فه ل تختل ف نظري ة علم اجتم اع الس كان في وض عها وطبيعته ا عن النظري ات في الدراس ات‬
‫الس كانية األخ رى؟ وه ل هن اك مح اوالت لتص نيف نظري ة علم اجتم اع الس كان؟ وم ا أبع اد ك ل‬
‫نظرية منها؟‬
‫تصنيف نظرية علم اجتماع السكان‪:‬‬
‫تنطوي دراسة نظرية علم اجتماع السكان على محاوالت متباينة لتصنيف هذه المجموع ة من‬
‫القض ايا النظري ة‪ .‬وِلم ا ك انت ك ل محاول ة منه ا تس تند إلى معي ار مختل ف في تص نيف القض ايا‬
‫النظرية فمن المتوقع أْن ال نجد اتفاقًا بين محاوالت التصنيف هذه‪.‬‬
‫وعموما ترد محاوالت تصنيف نظرية علم اجتماع السكان إلى ثالث على النحو التالي‪:‬‬
‫المحاولة األولى‪:‬‬
‫وتقوم على تقسيم النظريات إلى نوعين‪ :‬نظريات طبيعية‪ ،‬ونظريات اجتماعية‪.‬‬
‫أ‪ -‬النظريات الطبيعية‪:‬‬
‫وهي التي يجمع بينها اعتقاد واحد مؤداه أَّن الذي يتحكم في نمو السكان هو طبيعة اإلنسان‬
‫نفسه وطبيعة العالم الذي يعيش فيه‪ .‬وأنه إذا كان لإلنسان سيطرة على هذا النمو فهي سيطرة‬
‫محدودة‪ .‬ويوضح لنا هذا االعتقاد كيف كان أصحاب هذه النظريات يحاولون إيجاد قانون لنمو‬
‫السكان يتمكنون به من معرفة ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل‪ ،‬وكانت الق وانين‬
‫التي توصلوا إليها في الغالب تنكر كل تدخل لإلنسان وللقيم اإلنسانية واالتجاهات في هذا النمو‬
‫وتعتبره أمرًا طبيعيًا ال يمكن لإلنسان أْن يعوقه‪.‬‬
‫أبرز علماء هذا االتجاه ( سادلر ودوبلدي وسبنسر وكواردوجيني)‪.‬‬
‫ب‪ -‬النظريات االجتماعية‪:‬‬
‫وهي ال تي يجم ع بينه ا اعتق اد واح د م ؤداه أَّن نم و الس كان ال يرج ع إلى ق انون ط بيعي ث ابت‬
‫وإ نم ا يرج ع إلى الظ روف االجتماعي ة ال تي تحي ط بأعض اء المجتم ع‪ ،‬وه ذه الظ روف تض م‬
‫مجموع ة من العوام ل المختلف ة ال تي يتح دد ع ددها على وف ق الهيئ ات االجتماعي ة المختلف ة في‬
‫المجتم ع اإلنس اني‪ .‬وي دخل ض من أص حاب ه ذا الن وع من النظري ات الس كانية ك ارل م اركس‬
‫وأرسين ديمون وكارسوندرز‪.‬‬
‫المحاولة الثانية‪:‬‬
‫وتتمثل في تلك المحاوالت التي تصنف نظريات السكان على ضوء العوامل التي تؤثر في‬
‫نمو السكان إلى نظريات بيولوجية ونظريات ثقافية اجتماعية ونظريات اقتصادية‪.‬‬
‫النظريات البيولوجية‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫تذهب هذه النظريات إلى أَّن انخفاض الخصوبة الذي حدث في الدول المتقدمة يرجع بصفة‬
‫أساسية إلى انخفاض القدرة البيولوجية على اإلنجاب‪ .‬غير أَّن أصحاب هذا االتجاه اختلفوا فيما‬
‫بينهم فيم ا يتعل ق بالعوام ل الم ؤثرة على ه ذه الق درة‪ .‬فبينم ا ي رى س ادلر أَّن ارتف اع الكثاف ة‬
‫السكانية يؤدي بطريقة طبيعية إلى انخفاض القدرة على اإلنجاب‪ ،‬يشير سبنسر إلى أَّن تعقيد‬
‫الحي اة االجتماعي ة والتنظيم االجتم اعي يتطلب من اإلنس ان أْن يب ذل جه ودًا إض افية للمحافظ ة‬
‫على حياته الذاتية وأَّن ذلك يؤدي إلى خفض قدرته على التوالد‪.‬‬
‫أَّم ا العالمة اإليطالي كواردوجيني فقد اعتقد أَّن لكل مجتمع دورة بيولوجية تؤثر على كثافة‬
‫الس كان وتنعكس عليه ا‪ ،‬ففي المرحل ة األولى تك ون الخص وبة مرتفع ة في جمي ع الطبق ات‪ .‬ثم‬
‫تميل إلى االنخفاض في الطبقات العليا مما يؤثر على اإلنجاب في جميع الطبقات‪.‬‬
‫النظريات االقتصادية‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫المح ور األس اس ال ذي ت دور حول ه ه ذه النظري ات أَّن ال زواج واإلنج اب يح ددان على وف ق‬
‫الظروف االقتصادية السائدة‪ .‬ويرجع التفسير االقتصادي للظواهر السكانية إلى عهد قديم‪ ،‬بل‬
‫ه و أول تفس ير قدم ه المفك رون له ذه الظ اهرة‪ .‬فق د اعتق د المفك رون التقلي ديون أَّن الظ روف‬
‫االقتص ادية هي ال تي تح دد مع دالت ال زواج واإلنج اب‪ ،‬وك ان آدم س ميث من بين ممثلي ه ذا‬
‫االتجاه‪.‬‬
‫وفي نهاي ة الق رن التاس ع عش ر وبداي ة الق رن العش رين‪ ،‬تط ورت النظري ة االقتص ادية‬
‫الكالس يكية‪ ،‬وب دأ مفه وم الحجم األمث ل للس كان يظه ر في كتاب ات علم اء االقتص اد‪ .‬وع رف‬
‫(كيناي) الحجم األمثل للسكان في كتابه مبادئ االقتصاد السياسي الذي نشر عام ‪ 1888‬بأنه‬
‫ذلك الذي يبلغ عنده اإلنتاج أعلى مستوى مع افتراض ثبات مستوى المعرفة وسائر الظروف‬
‫السائدة‪.‬‬
‫ج‪ -‬النظريات الثقافية االجتماعية‪:‬‬
‫وهي مجموع ة النظري ات ال تي تعتم د على التفاع ل الثق افي دون غ يره‪ ،‬كتل ك ال تي تح اول‬
‫تفسير السلوك اإلنجابي ومن ثم نمو السكان بالرجوع إلى النسق القيمي السائد في المجتمع‪ ،‬أو‬
‫بالرجوع إلى مفهوم الثقافة التقليدية‪.‬‬
‫المحاولة الثالثة‪:‬‬
‫وهي تلك المحاولة التي ترد نظريات السكان إلى مدخلين هما‪ :‬المدخل المحافظ‪ ،‬والمدخل‬
‫الراديكالي‪.‬‬
‫‪ -1‬نظريات المدخل المحافظ‪:‬‬
‫الذي يرى أَّن المجتمع يميل دائم ًا نحو التوازن‪ ،‬وأنه في مراحل التغير يختل هذا التوازن‬
‫ولكن هناك قوى اجتماعية أو بيولوجية تعمل دائم ًا على إعادة هذا التوازن مرة ثانية‪ .‬ويدخل‬
‫في إطار هذا المدخل النظري مجموعة نظريات سبنسر وسادلر وكارسوندرز وكنجزلي ديفز‪.‬‬
‫‪ -2‬المدخل الراديكالي‪:‬‬
‫الذي يرى أنه إذا كانت العوامل المادية تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد معدالت الخصوبة فإَّن‬
‫اإلطار الثقافي السائد في المجتمع والذي غالبًا ما يكون انعكاس ًا لهذه الظروف يؤثر بدوره في‬
‫مع دالت الخص وبة ه ذه‪ .‬وأَّن رفض ه ذه العوام ل واإلط ار المرتب ط به ا ومحاول ة تغي يره إلى‬
‫ص ورة أخ رى ه و الطري ق الم ؤدي إلى تقلي ل مع دالت الخص وبة واإلنج اب‪ .‬وي دخل في إط ار‬
‫نظريات المدخل الراديكالي كارل ماركس وكونتز وريابوشكين وكوزلوف وغيرهم‪.‬‬

You might also like